الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل البيادق والعرّاب (1) د. أكرم حجازي 29/1/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...5aa6a86d5a.jpg مع توجه الجامعة العربية إلى مجلس الأمن الدولي، والإعلان عن تجميد مهمة المراقبين في سوريا تبدأ فصول جديدة من وقائع أعظم ثورة عربية، يجري احتواؤها بأي ثمن وكيفما كان وبكل وسيلة ممكنة، ووفق سيناريوهات معقدة، يلعب فيها الجميع دور الشريك السياسي، بدءً من الجامعة العربية، مرورا برئيس بعثة المراقبين والمجلس الوطني السوري وبعض الدول العربية و « المركز» بما فيه « إسرائيل». « بيادق» بلا مهمة !!! بدأت الحكاية حين أطلقت الجامعة العربية مبادرتها لحل « الأزمة السورية» في 6/9/2011. لكن الحوارات التي جرت بين الجامعة العربية والنظام السوري انتهت بالموافقة على بروتوكول المبادرة العربية وليس على المبادرة بحد ذاتها. أما التفاوض على بعثة المراقبين فقد خضعت بالكامل للشروط السورية، وبموافقة روسيا التي كانت شريكا كاملا في المفاوضات. وتبعا لذلك فقد انخفض عدد المراقبين من 500 مراقب، كما اقترحت الجامعة، إلى أقل من 200 مراقب، كما التزمت الجامعة بعرض تقاريرها على الحكومة السورية قبل رفعها إلى الجامعة، وقبلت بمرافقة قوى الأمن لطواقم البعثة. وطوال عملها لم تنشر تقريرا واحدا. الأهم من هذا أن أحدا لم يعرف ما هي هوية المراقبين السياسية والأيديولوجية، ولا لأية مؤسسات متخصصة ينتمون، ولا أي شيء محدد بصفة قاطعة عن طبيعة مهمتهم، ولا شيء عن مؤهلاتهم، ولا الإمكانيات الفنية والتقنية المتاحة لهم، ولا آليات اختيارهم، وهو ما أكده فادي القاضي من منظمة « هيومن رايتس ووتش» حين قال أن: « الجامعة لم تشرح طريقة اختيار المراقبين ولا الخبرة التي يتمتعون بها». وبالتالي فمن المستحيل التحقق سياسيا أو إعلاميا أو مهنيا من حقيقة مهمة البعثة وأهدافها وعملها على الأرض. وقد يكون مفهوما أن يشترط النظام السوري ما يشاء قبل أن يستقبل البعثة، لكن ما ليس مفهوما أن تلجأ الجامعة العربية إلى حجب أية معلومات، بشأن الفريق، عن الرأي العام ووسائل الإعلام، الأمر الذي يفسر سيل الانشقاقات التي تعرضت لها البعثة بعد أن شعر بعض المراقبين كما لو أنهم « بيادق بلا مهمة». أما التذرع بافتقار البعثة للخبرة اللازمة فلا يعفي الجامعة من أدنى مسؤولية. إذ كيف يمكن لرئيس الفريق الجنرال محمد الدابي أن يصرح لصحيفة « الأوبزرفر - 8/1/2012 » البريطانية بالقول: « إنه تهيأ لمراقبة طويلة الأجل لأكثر الفصول دموية في ثورات الربيع العربي» بينما يشهد المراقب الجزائري، أنور مالك، وزملاء آخرين له، أن أعضاء الفريق كانوا يستعملون هواتفهم الشخصية في تصوير الأحداث؟ وكيف يتفق هذا مع تصريحات وزير خارجية قطر حول الاستعانة بخبرة الأمم المتحدة لتطوير أداء البعثة؟ في 6/1/2012، وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع خالد مشعل، أعلن الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، أن: « المراقبون هناك ... ذاهبون طبقا لتكليف عربي للقيام بمهمة المراقبة والتحقق، وهم يسعون لوقف العنف وسحب الآليات، ووقف سفك الدماء، والمراقبون بالوضع الحالي موجودون بسوريا للقيام بمهمة أكبر من المهمة التي طلبت منهم». أما الدابي فكان له رأي آخر. ففي مؤتمر صحفي عقد بالقاهرة في 23/1/2012، قال: « إن مهمة البعثة ليس أن تحقق أو تتقصى الحقائق, وإنما أن تتحقق من تنفيذ بروتوكول الجامعة العربية الذي قبلت به دمشق ... ». وفي فقرة أخرى يقول: « أن مهمة المراقبين تكمن في الرصد, وفي تقييم مدى التزام الحكومة السورية بالبروتوكول, وليس وقف القتل والتدمير, وأن التكليف المنوط بالمراقبين أن يقولوا ما إذا كان القتل توقف أم لا، بعيدا عن الرأي السياسي والتحليلات». لن نسأل الداب أو العربي عمن يتلاعب بالآخر، لكننا، على الأقل، سنسألهما عن الألف قتيل خلال وجود البعثة، وعن عدد الضحايا المرشحين للقتل من قبل النظام، خاصة وأن الدابي يتحدث عن « مراقبة طويلة الأجل» !!! فما جدوى « الرصد» إذا كانت النتيجة مئات القتلى في غضون ثلاثة أسابيع؟ أليست تنسيقيات الثورة والمنظمات الحقوقية قادرة على إنجاز المهمة بدون الدابي وفريقه ومعهما الجامعة العربية؟ بلى. لكن الحقيقة أنه لا « التحقق» ولا « الرصد» كانا في الأصل من مهمات البعثة. عرّاب التدويل كغيرها من المؤسسات الدولية الحقوقية والسياسية، وحتى الدول والزعامات العربية؛ فإن الجامعة العربية تعلم علم اليقين حقيقة ما يجري في سوريا. كما يعلم رئيس فريق المراقبين حقيقة المشهد الذي يعلمه العامة من الناس فضلا عن الخاصة من المتابعين والمراقبين والمحللين والصحفيين وأمثالهم. ومع ذلك فقد أعلن رئيس الفريق، محمد الدابي، أنه: « لم ير في حمص شيئا مخيفا»!!! ورغم أنه نفى تصريحه هذا إلا أنه أنكر وكذَّب كل شهادة قدمها مراقب أو شاهد عيان أو منكوب، وقدم تقريرا « ملفقا» بحسب المعارضة، لم يطلع عليه أحد. أكثر من هذا، ما ذكرته بعض الشهادات عن أن الدابي كان يوصي فرق المراقبين بعدم زيارة المناطق الساخنة والاكتفاء بزيارة المناطق الموالية للنظام!!! وطوال شهر من عمل الفريق لم يلح بالأفق ما يبشر بنوع من الحقيقة، بقدر ما تحدثت التصريحات الرسمية عن تعاون للنظام مع البعثة وصل إلى أعلى درجات « النزاهة والشفافية والموضوعية» كما يقول الدابي، وأسوأ من هذا تصريحاته بأن العنف تقلص رغم وجود ألف قتيل خلال فترة عمل البعثة ، وتبنيه لأطروحة النظام التي تساوي بين القاتل والضحية!!! منذ أول زيارة قامت بها بعثة المراقبين لمدينة حمص، « رويترز - 28/12/2011 » قال الدابي بأن: « الوضع كان هادئا وأنه لم تكن هناك اشتباكات أثناء وجود البعثة .. كانت هناك مناطق الحالة فيها تعبانة .. الحالة مطمئنة حتى الآن»، أما الناشط عمر، أحد المقيمين في بابا عمرو، فقال: « شعرت بأنهم لم يعترفوا حقا بما رأوه، ربما لديهم أوامر بأن لا يظهروا تعاطفا، لكن لم يكونوا متحمسين للاستماع إلى روايات الناس »!!! وأضاف: « شعرنا بأننا نصرخ في الفراغ. عقدنا أملنا على الجامعة العربية كلها لكن هؤلاء المراقبين لا يفهمون فيما يبدو كيف يعمل النظام ولا يبدو عليهم اهتمام بالمعاناة والموت اللذين تعرض لهما الناس». هكذا .. لم يكونوا متحمسين .. ولا يبدو عليهم اهتمام بالمعاناة والموت!!! ومنذ اليوم الأول استقبل النظام البعثة بتفجير المقر الأمني الذي لا يستطيع الذباب الاقتراب منه فضلا عن الدخول إليه، وكذا فعل النظام في وداعها عبر تفجير حي الميدان بدمشق (6/1/2012). وفي التفجيرين ذهب العشرات ضحايا، لجرائم فاضحة ارتكبت بحضور التلفزيون السوري ورجال الأمن. وما بينهما لم تتغير تصريحات الدابي التي اتسمت بذات « النزاهة والشفافية والموضوعية» التي اتسم بها النظام السوري، بعيدا عما وصفه بـ « خيالات المعارضة» !!! فمن يكون الدابي هذا؟ تناقلت وسائل الإعلام الكثير من السيرة الذاتية عن الفريق الركن محمد أحمد مصطفى الدابي (63 عاما)، مشيرة إلى أنه مستشار عسكري وأمني للرئيس السوداني، وعضو في حزب البعث السوداني، ومتهم بجرائم حرب في دارفور، ومؤيد للنظام السوري، واختاره النظام من بين ثلاثة أسماء لرئاسة بعثة المراقبين ... . إذن لا مراء في كون الدابي رجل راشد. فهو عسكري محترف، وسياسي ضليع، وأمني مخضرم، وليس رجلا جاهلا أو غرّاً. وبالتالي فليس صحيحا أنه: « أسوأ مراقب دولي لحقوق الإنسان في التاريخ» كما تقول مجلة الـ« فورين بوليسي» الأمريكية. إذ كان بإمكانه، بما يمتلكه من كفاءات ومؤهلات أو بما توفره له أبسط وسائل التقنية الرقمية، أن يتحقق من هوية المناطق التي يزورها أو من أساليب النظم الأمنية في التواري والتضليل، أو من عمليات الخداع الفاضحة التي يرتكبها النظام، أو من حقيقة حجم القوة ونوعها، التي يستعملها النظام ضد المدنيين، وغير ذلك من أساليب الكذب والغدر، التي يستعملها ويعلمها كل العالم وليس السكان المحليين فحسب. فلماذا كان الدابي، إذن، يحرص على الصفة الاستفزازية في كل تصريحاته !!! وهو يعلم علم اليقين أنها أبعد ما تكون عن أية حقيقة تذكر!!!؟ لا شك أن معاينة نماذج من التصريحات الرسمية العربية، وكذا التصريحات الغربية والسورية على السواء تكشف عن عمق التناقض والتضارب فيها!!! لاسيما تلك الصادرة منها عن رموز الجامعة العربية. ورغم أنها ترقى إلى مستوى الكذب الصريح، إنْ لم تكن الكذب بعينه، وعلى الطريقة السورية، إلا أنها، في المحتوى السياسي، تنبئ عن خداع كبير. إذ أن استهداف العامة بسياسة الإغراق الإعلامي ليس لها من هدف، في السياسة، إلا إفراز حالة من التعقيد المصحوب بكثير من الغموض والضبابية والتضليل الذي يؤدي في العادة إلى انصراف الاهتمام عن الحدث. وفتور التفاعل معه بفعل التشتيت الذهني. وهكذا يجري انتزاع الحدث من فاعليه الشعبيين وإحالته إلى النخبة الساعية إلى توجيهه صوب ملاعبها الدبلوماسية والسياسية. ومن الطريف أن الجامعة العربية والنظام السوري توافقا على اتباع هذه السياسة، مع اختلاف الأهداف لكل منهما، حتى أن كليهما بدا وكأنه ينطق بلغة الآخر!!! هذه يعني أن الدابي الذي حاز أداؤه الميداني وتصريحاته الإعلامية، إلى حد ما، على القبول السوري فضلا عن قبول الجامعة العربية، رغم النفي المتكرر بين الحين والحين، كان شريكا سياسيا للجامعة أكثر مما كان كبش فداء برتبة مراقب لحقوق الإنسان. ولو كان الأمر غير ذلك لرأيناه مستقيلا أو معزولا من منصبه لكثرة ما ناله من النقد والهجوم حتى على شخصه وتاريخه، لكنه، مع ذلك، ظل على رأس عمله حتى بعد تجميد عمل البعثة ونقل المراقبين إلى العاصمة دمشق وإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن. كل هذا لا معنى له إلا أن يكون الدابي هو حقا عرّاب التدويل. في المحصلة لم يكن الخطاب الدموي لبشار الأسد، بعد غياب طويل، مبرَّرا إلا في ضوء ما شعر به من خطر يحدق بنظامه إذا ما تم تدويل القضية. وتبعا لذلك يمكن القول أنه إذا كان هناك من خطط لاستغفال المراقبين فقد نجح بامتياز، وإذا كانت الجامعة قد تعمدت إيقاع النظام السوري بفخ الموافقة على بروتوكول البعثة دون المبادرة فقد أنجزت مهمتها، ولعل الرئيس السوري ندم فعلا على الدخول في « مقامرة سياسية» من هذا النوع، تماما كما توقعت « الديلي تلغراف – 1/1/2012 » البريطانية، وإذا كان صبر قطر قد نفذ فلأن اقتراحاتها تسارعت على نحو مثير بدء من: (1) الاستعانة بالأمم المتحدة أو (2) إرسال قوات عربية إلى سوريا أو (3) بتحويل الثورة السورية إلى أحد ملفات مجلس الأمن، فلعلها حققت للـ « المركز» ما يصبو إليه. لكن السؤال: ما هو رأي « المركز»؟ وما الذي يمكن أن يفعله مجلس الأمن للثورة السورية؟ وما هي تداعيات التدخل الدولي إذا كانت النتيجة ستزيد من وحشية القاتل؟ يتبع ... نشر بتاريخ 29-01-2012 المراقب للدراسات والابجاث الاجتماعيه |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
بارك الله بك
جميع اللاعبين يعتقدون أن الشعب السوري هو اللاعب الأضعف ويظنون أنهم يتحكمون باللعبة ويديرونها حسبما يشاؤون ولكنهم أخطؤوا في تقدير هذا اللاعب ونسوا أن الأرض أرضه والملعب ملعبه ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا بعض أفراد عائلتي هجّروا قبل أيام من بيوتهم ولكن فليسمع العالم كله صامدون صامدون حتى آخر قطرة دم ان شاء الله جزاك الله خيرا اخي الكريم بانتظار التكملة |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
بارك الله في الدكتور اكرم حجازي وجزاك الله خيرا اخي الكريم رياض 123 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
وفيكم بارك الله اخوتي وجزاكم خيرا |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل « لعبة الكبار » !!؟ (2) د. أكرم حجازي 24/2/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...6b7f5da056.JPG قلنا في الحلقة الأولى من مسارات تدويل الثورة السورية أن بعثة المراقبة العربية إلى سوريا لم تكن لـ « التقصي» ولا لـ « الرصد» بقدر ما كانت فخا تم نصبه بإحكام لنقل الثورة السورية إلى ساحات الدبلوماسية الدولية تمهيدا لوضعها تحت المراقبة الدولية إنْ لم تكن الوصاية. وفي المحصلة ليس ثمة فارق يذكر بين « التعريب» و « التدويل» إلا بالارتفاع الجنوني في عدد الضحايا!!! فخلال شهر من عمل البعثة قتل ما يزيد عن ألف مواطن سوري من مختلف الفئات العمرية، وفي خضم مداولات مجلس الأمن حول المبادرة العربية؛ وبعد الفيتو المزدوج، للصين وروسيا (4/2/2012)، صار القتل اليومي بالمئات!!! فإذا كان البعض رأى أن الفيتو شجع النظام السوري على ارتكاب المجازر في حمص وغيرها من المدن فمن الذي شجعه على ارتكاب ذات المجازر خلال عمل البعثة؟ لا ريب أن الفاعل واحد!!! وبالتالي ما من حاجة إلى « التعريب» أو « التدويل»، ولا جدوى منهما طالما أن النتيجة متماثلة. والسؤال: هل « المركز» بريء من الفيتو الروسي – الصيني؟ أم شريك له؟ لنرى. الفرائس يدرك السوريون أنهم يواجهون وحوشا ضارية لا مفر من دفعها، لكنهم في المقابل يشعرون أنهم عاجزون عن صدها بمفردهم. ومن جهتها تدرك الشعوب العربية أيضا أن السوريين بحاجة للمساعدة، وتتحرق شوقا لتقديمها، لكنها في المقابل تشعر بالخزي والإحباط لعجزها عن تقديمها. وفي مثل هذه الأحوال، حيث يعجز أهل البلد عن الدفاع عن أنفسهم أو تلقي النصرة من إخوانهم في الملة، تجد مطالب « التدويل» صدى شعبيا لها، بعيدا عن المواقف الشرعية أو الحقائق السياسية والتاريخية. وبما أن وحشية النظام من النوع الذي لا تضبطه عقيدة أو أخلاق أو أية مبادئ إنسانية؛ فمن الطبيعي أن يغدو الدفاع عن النفس مقدما على أي اعتبار. لكن المشكلة ليست بعموم الناس الذين يتعلقون بأسباب النجاة والحياة بقدر ما هي في أصحاب المواقف السياسية الذين تتباين آراؤهم ما بين النقيض والنقيض، ويتدافعون على الثورة كما يتدافع الأكلة على القصعة. والحق أن رموزا في المعارضة جهدت، منذ اللحظات الأولى، في العمل على إحالة الثورة السورية إلى المحافل العربية والدولية أملا في تخلص سريع من النظام. رغم أن النظام السوري حطم أبنية المعارضة في الداخل تحطيما كاملا، وشرد ما تبقى منها في الخارج، أو أغلق عليها أبواب السجون حتى « التعفن». ومع ذلك ثمة فرق بين دعوات الاستغاثة الشعبية، وهي تنطلق من وقائع الصراع الدموي مع النظام على الأرض، وتدفع ثمن وحشيته بما لا تطيقه النفس البشرية، وبين مطالب من يهوى التخلص من النظام بقطع النظر عن الثمن الأبهظ، المطلوب دفعه. ولو أمعنا النظر في بنية ما يطلق عليه، جدلا، معارضة سورية لتبين لنا مدى اليتم الذي تعاني منه الثورة السورية من بني جلدتها قبل غيرها. وهو ما يستفيد منه « المركز» والنظام على السواء، بأقصى ما يمكن. وهو أيضا ما ستستفيد منه القوى الجهادية لاحقا أو أية قوة أخرى يمكن أن تنجح في ملء الفراغ. أما المتوفر من المعارضة، فهو مجرد أجزاء للوحة سياسية هلامية، لا هوية لها تذكر، ولا مذاق إلا أن تكون أشبه فعلا بطعم « طبيخ النَّوَرْ». فثمة جزء منها قدّم خدمة للنظام ما جعله يبدو أشد وطنية منه حين وقف موقف الضد من كبرى القضايا الإسلامية والوطنية والقومية غير آبه بأية عواقب ولا بحقيقة الثمن الذي سيقبضه. وثمة جزء آخر كان فيما مضى يثني على مواقف روسيا والصين فصار اليوم في الجهة المقابلة تماما، وهو يضع كل خطابه في سلة اللبرالية والعلمانية والرأسمالية وحتى الصهيونية. وجزء ثالث أعرب عن استعداده لدفع أي ثمن مقابل التخلص من النظام .. هكذا أي ثمن!! مشيرا إلى أنه ليس له أي موقف معادي من أحد!!! وجزء رابع بدا مهيئا للمصالحة مع النظام والحوار معه، وجزء خامس صنعه النظام واخترق به بعض رموز المعارضة. والأسوأ من الأول حتى الخامس هو الجزء السادس الكائن في الأجزاء الخمسة السابقة!! هؤلاء وغيرهم لا تجمعهم رؤيا عقدية ولا أيديولوجية .. وهكذا تبدو مواقفهم لا أصل لها ولا فصل. لكنهم مجتمعون في أطر سياسية متنوعة وكثيرة، وذات مقاسات عجيبة، فكل واحد منها اشتمل على القومي والوطني واليساري والإسلامي واللبرالي والعلماني والرأسمالي والقبلي. بل يمكن أن نجد العضو الواحد فيها يجمع في ذهنه (كل) أو يعبر بسلوكه وسياساته وقناعاته (عن) مجمل هذه التباينات الفلسفية .. هكذا شكلوا ما يشبه « المجتمع الدولي» في أدنى انحطاطه .. وهكذا هي استحقاقات « الوحدة الوطنية» وإلا فلا!!! بهذا المحتوى تغدو المعارضة مجرد « فرائس»، ويغدو تدويل الثورة السورية كارثة وطنية، بأتم معنى الكلمة. إذ أن غياب العنوان السياسي سيجعل من الثورة مشاعا يمكن لأية جهة كانت أن تتسلق عليه، صعودا وهبوطا، حتى من رموز المعارضة ذاتها. كما سيجعلها ضحية للنظام لأبعد مدى ممكن، والأسوأ أنه سيجعل من مطالب المعارضة للـ « المركز» أشبه بطلب « الوصاية الدولية»، ولكن من جهة لا يمكن لها أن توفر شرعية حتى للأوصياء، إذا ما احتاجوا في مرحلة ما إلى التدخل بأية صيغة من الصيغ. ولا ريب أن المراقبين للتصريحات الغربية قد لاحظوا مرارا وتكرارا مطالب « المركز» بالحاجة إلى توحيد المعارضة أو تقويتها. الذئاب لكن السؤال الأهم الذي طرحناه مرارا لأولئك الذين راهنوا على التدخل الدولي، وسعوا بكل جهد لاستجلابه: ما الذي يجبر « المركز» على التدخل لصالح الشعب السوري؟ وما الذي يمنعه؟ وما الذي يجعل روسيا والصين تتحملان حرجا فاضحا، وهما تجعلان من الفيتو في متناول نظام مجرم بدلا، على الأقل، من حفظ ماء الوجه والتظاهر بردعه!!!؟ الطريف في ردود الفعل الرسمية على الفيتو هي تلك التوصيفات التي عبر عنها قادة « المركز»، والتي تراوحت بين « المثير للاشمئزاز» و « الفظيع» و « المروع». والأطرف هو تعليق الرئيس الأمريكي في سياق خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الأمريكي (25/2/2012) حين قال: « إن أيام النظام السوري باتت معدودة». وقد يبدو التصريح مشجعا لمن استأمنوا الذئاب على الغنم، خاصة وأنه يصدر عن رئيس أقوى دولة، كما أنه يتحدث عن « أيام» وليس « أسابيع» أو « شهور» أو « سنين»!!! لكن التصريح مرّ مرور السحاب، كغيره من عشرات التصريحات، وبقي النظام آمنا وقويا حتى الآن!!! فهل هو العجز؟ أم الاستهلاك والخداع؟ كثيرة هي التحليلات التي حاولت إيجاد تفسير مقنع لإحجام « المركز» عن التدخل رغم هول المجازر ووحشيتها، أو للفيتو المزدوج، ضد مشروع قرار عربي، جردته روسيا والصين من كل عناصر القوة، حتى إذا ما حانت لحظة الحقيقة، جاءت الصفعة على « الخدود» مدوية في أرجاء الأرض. كما أن « التسريبات» لا تقل أهمية في الوقوف على حقيقة الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن وهما يتصرفان بغطرسة فاضحة لا تماثلها إلا غطرسة الغرب، كلما ناقش مجلس الأمن أبسط وأوضح مشروع قرار يدين « إسرائيل»، وكأن قدر الأمة أن يتناوب على نهشها الذئاب أهل الشرق والغرب. المهم أن بعض التحليلات تحدثت عن خشية روسيا من خسارة مصالح بمقدار 19 مليار$، وقاعدة بحرية، وآخر وجود لها في المنطقة، وبعضها الآخر تحدث عن اعتبارات انتخابية لبوتين، الرئيس المرتقب لروسيا، وبعض ثالث أشار إلى مشروع بوتين القادم، في سعيه لإحياء روسيا القيصرية، التي اشتهرت تاريخيا كدولة هجومية توسعية تحتاج إلى موطئ قدم هنا وهناك، لكن قلما تحدث أحد ما عن مبررات الفيتو الصيني .. وهو أمر يضع مثل هذه التبريرات موضع شك رغم صلاحيتها المؤقتة. لكن في أعقاب الفيتو تداولت الكثير المواقع الإخبارية تسجيلا صوتيا نسبه البعض منها إلى القناة الثانية France2، فيما نسبه البعض الآخر إلى قناة France24 ، ويتعلق بملاسنة حذر فيها رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم، المندوب الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، قائلاً: « أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق على القرار وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية»، وقيل أن تشوركين رد بكل هدوء أعصاب قائلا: « إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم». مضيفا: « أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط ». والحقيقة أن « التسريب» لا تدعمه أية جهة إعلامية ذات مصداقية، فضلا عن أن بعض التحليلات أشارت إلى مصادر سورية تقف وراءه. ونظرا لشيوعه على نطاق واسع، مخلفا وراءه اتصالات حثيثة تستفسر عن حقيقة الأمر، فقد اضطر المندوب الروسي إلى عقد مؤتمر صحفي نفى فيه صحة التسجيل والواقعة، واصفا ما جاء فيه بـ « المزاعم الخبيثة والاستفزازية». لكن ما ليس ببعيد عنه أن المندوب الروسي تحدث فعلا في مجلس الأمن بصيغة « روسيا العظمى» التي « تتحدث مع الكبار فقط »، وهو منطق أكدته صحيفة « الغارديان – 8/2/2012» بصيغة أخرى حين قالت: « أكد المسؤولون الروس سرا لقادة المعارضة أن النزاع مع الولايات المتحدة وليس معهم»!! وهو ما يعني أن التصعيد الغربي يأتي في سياق المواجهة مع روسيا والصين وليس انتصارا للثورات العربية .. مواجهة تجري، إلى حد ما، على وقع طموحات بوتين القيصرية، عبَّر عنها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلوا، في مؤتمر ميونخ للأمن (5/2/2012)، حين علق على الفيتو بالقول: « نريد أن ننهي الحرب الباردة في منطقتنا». الأكيد أن مشكلة العرب في الثورات أبعد من « الحرب الباردة» .. وما تجنب أوغلو قوله هو أن مشكلة العرب ليست إلا نسخة طبق الأصل عن مشكلتهم في أواخر الحكم العثماني. إذ أن العرب يسعون إلى التخلص من استبداد اليوم بنفس الطريقة التي سعوا بها إلى التخلص مما اعتبروه بالأمس استبدادا عثمانيا!!! ففي كلتا الحالتين ثمة استعانة فاضحة بالقوى الأجنبية، وغير محسوبة عقديا ولا تاريخيا ولا موضوعيا!!! فهل يدرك الذين يراهنون على التدخل الدولي، ويسعون لاستجلابه بكل جهد، حجم الثورة السورية؟ ويتعظون من التاريخ؟ مثلما يدرك « المركز» مصالحه واحتياجاته؟ وهل يدركوا أن إضاعة الوقت تعني مزيدا من سفك الدماء دونما مبرر أو فائدة؟ل « التدويل» في حالة الثورة السورية يعني الدخول مع الذئاب في « لعبة الكبار» حيث يكون الصغار طُعْماً أو وقودا لحرائق لن تنطفي إلا على بحور من الدماء. فالرأسمالية سوق بلا أخلاق، لا يهمه سوى الكسب، ولا يدخله إلا صاحب رأسمال قوي. أما الخسائر فهي من نصيب المتطفلين على السوق. ولا ريب أن « التدويل» سيجعل من الثورة السورية سلعة للتداول بين وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية والمنظمات الدولية والمزادات العلنية والسرية. فهل بعد ذلك ثمة غرابة في استعمال الفيتو؟ السؤال ببساطة: لماذا تعرضت الثورة السورية لهذه الوحشية الدولية؟ ولماذا يحجم الغرب عن التدخل؟ المفترسون الثابت أن النظام الدولي الراهن بني، تاريخيا، على أنقاض العالم الإسلامي. فكانت البداية في احتلال أغلب دول العالم الإسلامي. تلاه هدم نظام الخلافة الإسلامية، بوصفه نظام سياسي جامع لشتات الأمة ولو في أضعف حالاته. ثم شرعت القوى العالمية بتفكيك البنى الجغرافية الكبرى والفاعلة في العالم العربي ( الجزيرة العربية ست دول)، وعبر مصر تم فصل مشرقه عن مغربه، وقسمت بلاد الشام إلى أربعة أجزاء. وتم تشتيت الأكراد على أربعة دول إقليمية كبرى دون منحهم أي كيان سياسي، وقسمت بلاد الترك إلى سبعة دول، والهند إلى دولتين ثم إلى ثلاثة، وتبعا لذلك جرى تخريب وحدة الكتل السكانية في العالم الإسلامي. لكن كل هذا الدمار الذي لحق بالعالم الإسلامي لم يكن كافيا لتأمين سلامة النظام الدولي الجديد واستقراره. فتم زرع « إسرائيل»، في القلب منه، كقوة طوارئ ضاربة للـ « المركز». ومع ذلك ستظل نبتا هشا، ومعها النظام الجديد، ما لم يجر العمل على احتواء ردود الفعل المستقبلية، في منطقة بالغة الحيوية تاريخيا، وذات تأثير سياسي وعقدي وإنساني. لذا تم تصميم الأردن كمنطقة أمنية عازلة بين « إسرائيل» والعالم العربي، ومن ورائه العالم الإسلامي، ومن ثم الحجر الأساس للنظام الطائفي في سوريا، كأداة إقليمية مركزية، ليس لها من وظيفة إلا احتواء حركات التحرر العربية أو الإسلامية أو أي شكل من أشكال التمرد المحتملة. هكذا لم يعد غريبا أن يتجرع الفلسطينيون الاغتصاب كما تجرع السوريون القهر، جيلا بعد جيل، أو كما خضع العالم الإسلامي، والعربي منه على وجه الخصوص، لنظم الاستبداد المحلي لعقود طويلة من الزمن. إذن؛ سوريا هي حجر الزاوية في منظومة التوازن الاستراتيجي للنظام الدولي برمته. وليس من العقل أن نتجاهل التاريخ والمصالح الدولية. فـ « المركز» لا تعنيه المبادئ ولا الأخلاق ولا القيم الإنسانية ولا حرية السوريين بالذات، ما لم يأمن على مصالحه ونظامه الدولي بالصيغة التي يرتضيها هو، وليس الشعب السوري أو غيره من الشعوب. وليس من العقل أيضا أن يغامر « المركز» في الدخول بتسويات غير مأمونة العواقب تجاه استقرار النظام، وهو الذي يجهد اليوم في تحصينه من مثل هذه الهزات التي باتت تهدد وجوده. هذه هي المعادلة التي تحكم التدخل الدولي. لذا ليس من المبالغة القول بأن النظام الدولي مصاب اليوم بكابوس الحراك الشعبي الذي ظهر، على حين غرّة، فاعلا استراتيجيا هائلا، خرج من عقود الترويض والاستغفال، كي يهاجم النظم ليس بوصفها ديكتاتورية أو ديمقراطية بل بوصفها تعبير عن علاقات سلطة هيمنت اقتصاديا وثقافيا وأمنيا وعسكريا على نمط الحياة الإنساني. أما فيما يتعلق بصراع الغرب مع إيران فينبغي التأكيد على أنه ما من سمة عقدية تذكر في هذا الصراع. فمن جهتها تسعى إيران إلى بعث حضارتها الفارسية. وهذا الهدف لم يعد من ضرورات التقية التي يعتمدها المذهب الجعفري الإثنى عشري. فالخطط والصحف الإيرانية والنشريات والتصريحات والأدوات الضاربة في عدة دول فضلا عن علانية الحراك الشيعي في العالم الإسلامي صارت علامات لمن ضلّ السبيل. وهي مؤشرات على أن صراع إيران مع الغرب هو صراع على النفوذ السياسي في المنطقة وليس على السيادة كما هو الحال مع العالم العربي. وبالتالي يمكن للغرب أن يتعايش معه ويتفهمه بل ويتبادل معه المصالح المشتركة. لكن المشكلة ليست بين إيران والغرب بقدر ما هي بين اليهود والغرب. فاليهود الذين يشعرون أن دورهم بدأ يضعف مع انتفاء الحاجة إليه صاروا يتجادلون في مصير « إسرائيل» على الهواء، ويحثون الخطى نحو الدخول في مرحلة الغيتو التي تمثل آخر مراحل الوجود السياسي لهم. وهي مرحلة يشتد فيها الخوف والحاجة إلى التحصن. ومن يتابع السنتين الماضيتين فقط سيدهش من إصرارهم على اعتراف الفلسطينيين لهم بيهودية الدولة، أو من سلسلة القوانين العنصرية الرهيبة التي يجري سنها، أو من التضييق الشديد لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة عن بلادهم!!! لذا فهم الذين يحرضون على ضرب إيران، المنافسة لهم، قبل أن يدخل برنامجها النووي طور الحصانة. وهم الذين يدفعون الغرب لفرض المزيد من العقوبات على إيران، مستفيدين مما يعانيه « المركز» وحلفاؤه من أزمات مالية واقتصادية طاحنة. وفي هذا السياق فإن كل ما تتعرض له إيران من ضعف أو توترات اجتماعية أو حتى ثورة سيصب بالضرورة في صالح « إسرائيل»، ويحافظ لها على مكانتها في عقل وقلب « المركز». وفي المحصلة فإن علاقات التنافس بين « إسرائيل» وإيران هي، في الوقت الحالي، علاقات صراع خطرة على كليهما. بالأمس، وفي ظل الحرب الباردة، كانت روسيا والصين تدافعان عن القضايا العربية في المحافل الدولية!! وكانت أمريكا وبريطانيا وأوروبا الأشد عداء لها!!! واليوم انقلب المشهد تماما!! وصار البعض يرى في الموقف الأمركي متقدما، ومدافعا عن الشعوب!!! وهو مشهد يذكرنا بنظرة العرب للرئيس العراقي السابق صدام حسين حين كان حارس البوابة الشرقية، قبل أن يصير خطرا يهدد النظام الدولي، وتغدو إيران صديقة وحتى حليفة !!! هذا التقلب في المواقف ما كان له أن يمر لولا أنه صيغ بمقتضى المصالح وليس العقائد، وإلا ما كان لإيران أن تخترق العالم السني وتهدد برّه ولا استطاع نظام طائفي أن يستمر كل هذا الوقت، ولا صارت ديار المسلمين نهبا لكل أفاك أثيم. خلاصة الأمر أن « المفترسون» استعملوا الفيتو ضد الأمة كلها وليس ضد الثورة السورية فحسب، أما لماذا؟ فلأن روسيا والصين تمثلان اليوم خط الدفاع الأول عن النظام الدولي الراهن، والذي يسعى بكل جهده إلى محاصرة الثورات العربية للحيلولة دون تمددها غربا، ولكي تبدو التكلفة باهظة جدا، وبلا سند، لمن يفكر من الشعوب في اعتمادها سبيلا للتحرر أو الخروج على « المركز». لذا فهما تتصرفان كأدوات بنيوية لعلاقات هيمنة، يقودها دهاة الغرب، المرعوب من أخطر انفلات محتمل في صيغ النظام الدولي القائم، والذي يمثل وجوده واستقراره قاسما مشتركا مع « المركز»!!!! والعجيب في« لعبة الكبار» أن الغرب وقادته ومثقفيه، ومعهم إيران، لا يتحرجون من هذه الحقيقة بقدر ما يثيرهم سهولة خداع العرب وانقيادهم. يتبع في الحلقة القادمة ********************************** الحلقة الأولى: الثورة السورية ومسارات التدويل - البيادق والعراب (1) نشر بتاريخ 23-02-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
اقتباس:
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
وقوف امريكا وغيرها ببعض التصريحات الخداعه ما هي الا ورقة تلعب بها من اجل مصالحها ومن قرأ التاريخ علم ذلك جيدا بارك الله فيك وجزاك الله خيرا |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
اقتباس:
وفيكم بارك الله وجزاك بمثله |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل (3) عذراء الجهاد د. أكرم حجازي 28/2/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...d36c16ce34.jpg ها قد مضى قرابة العام على انطلاقة الثورة السورية لا سقط فيها طاغية ولا نظام، ولا تدخل العرب ولا العجم .. عام سقطت فيه كل المراهنات، وانطلقت فيه آلة القتل لتسفك حتى دماء الحيوانات، واستكبرت فيه قوى الظلم والبغي والعدوان، بدء من النظام، مرورا بحلفائه الإقليميين، خاصة إيران والعراق وحزب الله في لبنان، ومن ورائهم موسكو وبكين، وانتهاء بنفاق دول الناتو. مضى عام .. انكشفت فيه عقائد طائفية صممت لتكون مدخلاتها العقدية ومخرجاتها السلوكية أحط من الانحطاط .. وأفجر من الفجور .. لا ينفع معها تفاهمات ولا مصالحات، صارت ضربا من المستحيل .. نظم انفجرت قرائحها على شهوة الدم، وإشاعة القهر والخوف والترويع والترهيب والظلم والمهانة والإذلال والقمع والاضطهاد والتعذيب والاغتصاب والابتزاز والفساد والإفساد والاستهتار بكل حرمة أو مقدس .. فما خلفت وراءها إلا قروحا غائرة العمق .. قروح لا يمكن أن تندمل ما بقي هذا النظام، ومن ورائه طائفته، على مرأى العين. ما لا يحتاج إلى مواربات خادعة هو الإقرار علانية بحقيقة أن الصراع مع هذا النظام هو صراع طائفي صريح .. صراع مع طائفة صنعتها القوى الدولية، منذ عهد الانتداب البريطاني ورعتها إلى يومنا هذا، وتخوض بها حربها على الإسلام والمسلمين .. صراع رسخ رفعت الأسد دعائمه وبنيانه بأبشع الوسائل والأدوات والأساليب المتوحشة، واستعبد فيه شعب على مرآى من العالم، الذي صمت صمت القبور، وهو يشاهد المذبحة تلو المذبحة، دون أن يرتد له طرف أو ينبس ببنت شفة. أما لماذا؟ فلأن الصراع صراعه، والحرب حربه، ولأنه لا يمكن لغير هذا النظام؛ وبغير هذه الطائفة، أن يأمن الغرب على مصالحه، أو يضمن لـ « إسرائيل» رغد الحياة. ويكفي من الأدلة القاطعة النظر في سياسات هذا النظام على امتداد العقود، وما خلفته من دمار أصاب الأمة والدين، حتى صار يهدد المصير، أو أن نتخيل نظاما في سوريا غير هذا النظام أو غير هذه الطائفة. هذا النظام الأخبث في الأمة، بغنى عن كل الجيش السوري!! إذ أن بنيته الطائفية توفر له مئات الآلاف من المقاتلين، من بني شيعته، المحليين والإقليميين. وما قاله رامي مخلوف لصحيفة « النيويورك تايمز - 9/5/2011»، لم يكن بدعا من القول: « لدينا الكثير من المقاتلين .. وسنجلس هنا ونعتبرها معركة حتى النهاية». فما فاه به مخلوف ليس سوى ترجمة للعمق الطائفي للنظام، ولمعاهدة الدفاع المشترك مع إيران .. وهو ما شهد به، لاحقا، مدير المدرسة العسكرية الجوية بحلب، العميد المنشق فايز عمرو، حين أكد أن: « معظم المستشارين في كل الدوائر الأمنية في سوريا إيرانيون» .. أما ميادين الثورة فتشهد على اعتقالات الخبراء الإيرانيين وبعض فراعنة حزب الله. مثلما تشهد رحى المواجهات، في الزبداني وغيرها، أن قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، استوطن في سوريا، رفقة الآلاف من قتلته، أما دعوات أصحاب العمائم بالدعوة إلى « الجهاد» وحشد المزيد من « المجاهدين» فلم تنقطع، ابتداء من خامنئي وانتهاء بأحمد جنتي، عضو مجلس الخبراء، الذي قال في خطبة الجمعة بطهران (25/5/2012): « على الشيعة العرب الدخول إلى سوريا والجهاد إلى جوار النظام السوري حتى لا تقع سوريا بأيدي أعداء آل البيت». ثمة مئات التصريحات من هذا النوع في كافة وسائل الإعلام العربية والدولية، المقروءة والمسموعة والمرئية. والأمر ليس خافيا ولا جديدا. أما وقد بلغ القتل في الرجال والنساء والأطفال مداه، وانكشفت بنية النظام ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وأفصح عن سلوكه ونواياه وطموحاته، وتمتع بحماية إقليمية ودولية، فلم يعد ثمة مفر من خوض المواجهة حتى النهاية، ولو بالشروط التي اختارها النظام .. الجميع يخوضون حروبهم بما يلائمهم دون أن يعترض عليهم أحد .. الصفويون لهم مشروعهم .. والصليبيون لهم مشروعهم .. واليهود لهم مشروعهم .. وكلها مشاريع عقدية صرفة .. بأصولها وفصولها، ومفرداتها واستراتيجياتها، وتحالفاتها وسياساتها، وخططها وأهدافها، وإعلامها ووقائعها .. إلا المسلمين !!! فمحرم عليهم مشروعهم، بل يتجاهلون أو يتنصلون من أية دعوة عقدية، أو يحاربونها!! « حرام» عليهم الاستعانة بالله!!! فهو الإرهاب .. كل الإرهاب .. أما الاستعانة بشياطين الأرض فهو « أحل الحلال» .. فبعد كل هذا الدم والقهر، ما زلنا نسمع ونقرأ ونشاهد يوميا، وفي كل حين، من يؤكد على « سلمية الثورة»، ونبذ « التطرف» و « العنف». والعجيب أن تصريحات الواجهات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية بدت أحرص على تجنب « العسكرة» من تصريحات الغرب نفسه، وبعضهم لا يتوانى عن مهاجمة الإسلام، والتنكر لكل شعار إسلامي، رغم أن اللافتات الإسلامية في الثورة السورية، والتي يتم تجاهلها عمدا في وسائل الإعلام، أغلقت عرض الشوارع وطولها في احتجاجات الثورة. ومع أن النظام الطائفي تجرأ على كل المحرمات والفطر الإنسانية إلا أن بعض أصوات المعارضة سُمعت بأوقح ما يكون، وهي تتجرأ على دين الله، وتبدي حماسا عجيبا في تطمين « إسرائيل»، والحرص على سلامتها أكثر من حرصها على الدماء المسفوحة. فما الذي جعل الثورة السورية فريسة لكل نطيحة ومتردية ومنخنقة وما أكل السبع؟ من « التجهيل» إلى « الفطرة» ظهرت سوريا، عبر هذا النظام، دولة تلوذ بحمايتها حركات التحرر العربية، لاسيما الفلسطينية منها واللبنانية. وتبعا لذلك؛ استقبلت كافة الفلسفات الوضعية والأيديولوجيات، على اختلاف منابتها ومشاربها. وما بدا لعقود طويلة أرض « الأحرار» أو « الثورة» أو « الثوار»، بعيون القوى اليسارية والقومية والوطنية والإسلامية واللبرالية والعلمانية وغيرها، كان بالنسبة للمجتمع السوري وقواه السياسية أرض « الجحيم» و « القهر» و « القمع» و « الاضطهاد». وبخلاف ما وقر في عقل ووجدان الغالبية الساحقة من الشعوب العربية، عن توفر مستوى متميز من الوعي ، تمتع به الشعب السوري تجاه قضايا الأمة، بفعل الحضور الكثيف لحركات التحرر العربية، إلا أن التفاعل بين المشهدين كان واقعا، منذ لحظاته الأولى، على طرفي نقيض. ذلك أن العلاقة السياسية بين النظام وهذه الحركات لم تكن، على الجاني الآخر من الصورة، أكثر من علاقة طائفية بين النظام والمجتمع، وبغطاء دستوري، صاغته المادة الثامنة، التي قدمت حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع. وبطبيعة الحال لا يمكن لعلاقة طائفية، تسعى إلى الهيمنة والنفوذ، أن تستوطن الدولة والمجتمع إلا إذا حظيت (1) بمشروعية عقدية أو أيديولوجية من الطائفة ذاتها، و (2) مشروعية إقليمية ودولية، توفر الاستقرار من جهة والحماية من جهة أخرى، و (3) امتلكت أسباب القوة وأدواتها ( مال، عصبية، أيديولوجيا، موارد بشرية وجغرافية، ظروف مواتية، وظيفة تضطلع بها، وهدف تسعى لتحقيقه ... ) و (4) سلطة جبرية تمارس إقصاء وقهرا منظما .. وفيما كانت أرض « الثوار» توفر « الملاذات الآمنة» لحركات التحرر كان المجتمع يتعرض لاختراقات بنيوية، وتدميرية، طالت الثقافة الاجتماعية والجغرافيا السكانية والبنى العلمية والتعليمية والمعرفية والاقتصاد والتجارة ... أما البنى السياسية فقد تعرضت للاستئصال برمتها، حتى أنه لم يبق معارض واحد في سوريا إلا كان نصيبه التعذيب في السجون أو القتل .. وهذا ينسحب على البنى المدينية والتشكيلات الاجتماعية والإثنية التي يعج بها المجتمع السوري .. أما مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش، فقد تم وضعها تحت السيطرة الأمنية التامة. وما ليس عجيبا أو غريبا، بقدر ما هو مجهول للعامة والغالبية الساحقة من الخاصة، أن العلاقة البينية، في صلب البنى الأمنية والسياسية والعسكرية للدولة، وفيما بينها، تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن مثيلاتها في إيران. فكل مؤسسة أشبه ما تكون بدولة داخل الدولة، وكل واحدة منها لها نظامها الأمني والتجسسي الذي يجعل من كل حركة وسكنة داخل المؤسسة تحت الرقابة. العجيب في هذا النوع من التنظيم الأمني الطائفي، أنه اخترق النسيج الداخلي في بعض المجتمعات العربية، وفي غفلة منها، كما هو الحال في البحرين والكويت وأخيرا العراق، وهو الاختراق ذاته الذي تم إسقاطه بالكامل على المجتمع السوري، بكل فئاته العمرية وتشكيلاته الثقافية والاجتماعية، متسببا بمحاصرة شاملة للوعي، وإشاعة مبرمجة لـ « التجهيل»، على أوسع نطاق. وقد لا يَعْجَب المراقب من كون السوريين أحد أكثر شعوب الأرض، معرفة بالخوف وصنوفه وألوانه، لكنه يكاد يصاب بالذهول حين يكتشف أن حالهم لا يختلف كثيرا عما تعرض له الشعب الليبي، من تجهيل عميق، على يد الطاغية الراحل معمر القذافي. إذ أن العلاقة الطائفية المفروضة بكل أدوات القهر، صادرت، في الواقع، الحق في التفكير والتعبير والرأي، وتعطلت تبعا لذلك أدوات البحث والتنقيب، ومعها مناهج الفهم والإدراك والمعرفة. لكن أعجب ما في هذا « التجهيل» المبرمج؛ أن السوريين يدركونه كل الإدراك، فالضابط له من الثقافة السياسية والفكرية والشرعية ومذاهب المعرفة والتفكير، ما لدى المسؤول الحزبي أو المدني أو الجندي أو العامي من الناس. ولا تفاضل بين أحد منهم على آخر. فالخوف والقهر والرقابة والإذلال والظلم الفادح دفع الجميع إلى هجرة العقل والمعرفة، وتجنب الاقتراب منهما، والتمسك بأقصى درجات الحيطة والحذر، اتقاء لشرّ نظام يقتل ويسجن ويعذب ويعاقب بالشبهة والخطأ وحتى في زلة اللسان. ولأنهم يعون جيدا ما فعله النظام بهم طيلة العقود الماضية؛ فقد صارت مخرجات هذه السياسة تصب في صالح الثورة السورية، وتعيد الشخصية السورية إلى فطرتها، لاسيما وأن الأيديولوجيات الوافدة لم تنصف السوريين في يوم ما بقدر ما زودت النظام بما يحتاجه من شرعية. هكذا، ومع انطلاقة الثورة، شهد المجتمع السوري عودة إلى الأصول، في منطق مواجهة النظام. فإذا ما سُئل أحد السوريين عن هوية القوى السياسية العاملة، أو عقائد الجماعات المقاتلة في الثورة، فلن يحصل السائل على أكثر من إجابة واحدة: « الفطرة» !!! إجابة تعني القطع التام مع حفبة النظام، والاحتماء بـ « الفطرة»، مثلما تعني أيضا أن المجتمع السوري خالي من الأيديولوجيات والفلسفات الوضعية، إلى الحد الذي لم تجد فيه أية قوة ثورية ما تسترشد به، في مواجهة النظام، سوى العودة إلى فطرتها. ولا ريب أن لـ « الفطرة» إيجابياتها وسلبياتها. ففي حين أصلحت الثورة من فسد ثمة من استغل بيئة العنف ليعيث في الأرض فسادا. وهذا ينطبق على كافة التشكيلات الاجتماعية، من الفرد إلى القبيلة، ومن الشريحة إلى الطبقة .. وفي المحصلة مكنت « الفطرة» كل شريحة أو تشكيل اجتماعي من البحث عن ذاته، وأفسحت الطريق أمام الجميع للتخلص من الظلم مثلما أفسحت المجال لدعوات الحماية الدولية أو التدخل الدولي، دون أية حسابات عقدية أو موضوعية، أن تشق طريقها إلى الثورة .. وحتى وإنْ لقيت مثل هذه الدعوات تأييدا لها فلأن الناس تحدثت بموجب « الفطرة»، وبما تراءى لها، وليس بما تعلم. وذات التفكير؛ نجده في عقل العاملين في المؤسسات الحكومية والإدارية والسياسية والحزبية والعسكرية وحتى الاقتصادية للدولة، والتي يمكن القول أنها أقرب ما تكون إلى الانهيار من أي وقت مضى. ولا يمنعها من ذلك إلا شراسة الأجهزة الأمنية والرقابة اللصيقة، فضلا عن عوامل قصور قهرية تحول دون ما يمكن تسميته بالعصيان الرسمي. فالمعلومات المتوفرة، من عمق حصون الدولة، تؤكد لجوء النظام إلى فرض العمل الإجباري، الذي طال موظفين كبار في الدولة، من بينهم قيادات عسكرية وسياسية وحزبية ومحافظين ونواب ومثقفين وإداريين. كثير من هؤلاء منعهم النظام من العودة إلى منازلهم، أو التمتع بإجازات أسبوعية. أما أوضح المشاهد في هذا السياق فهي الانشقاقات التي ضربت الجيش. ورغم أنها لا تتعدى حتى اللحظة ما نسبته 7 – 10%، إلا أن هذه النسبة تخص أولئك الذين استطاعوا الإفلات، بوسائل شتى، من قبضة السلطة. أما أولئك الذين يطالبون بالانشقاق يوميا، في كافة مؤسسات الدولة، فأعدادهم مهولة. بل إن أغلب التوصيات الموجهة للقطاع المدني منهم تحثهم على البقاء في مواقع عملهم، لعدم القدرة على استيعابهم في الوقت الحالي. وفيما يتعلق بالعسكريين فإن التعليمات الموجهة لهم تقضي ببقائهم في وحداتهم أو العودة إلى بيوتهم، والعمل على تأمين أنفسهم وعائلاتهم خلال 14 يوما، أي قبل أن تصدر بحقهم مذكرات فرار من الخدمة. هذه النقمة العارمة، التي تجتاح المجتمع السوري، ليست سوى مخرجات لمدخلات طائفية بغيضة، قام عليها النظام، وزرعها بأوحش صورها في شتى مناحي الحياة. فصار الجميع يترقب فرصة الخلاص بـ « أي ثمن». ولئن كانت المعارضة قد وقعت في فخ التدويل السياسي للثورة فلأن النظام نفسه مارس تدويلا طائفيا صريحا منذ أمد بعيد، وصل إلى حد نقل أسرى حمص وحماة وإدلب جوا إلى إيران كرهائن بيد طوائف القتل. هذا فضلا عن التدويل السياسي الذي تتولاه روسيا والصين. أما لماذا تبتعد قوى المعارضة السياسية عن التصريح بـ « المسألة الطائفية» فلأنها، ببساطة، تدفع ثمن استحقاقات الخيارات السياسية والأيديولوجية التي تؤمن بها، والتي تركز على مصطلحات من نوع « حماية الأقليات» أو « التعددية» أو « الوحدة الوطنية» و « المدنية» أو « الديمقراطية»، كضمانات سياسية واجتماعية، رغم أن الغالبية العظمى من الشعب السوري هي من تدفع ثمن التحرير، وهي من يستغيث ليل نهار « ما لنا غيرك يا الله». الجيش الحر وتسليح الثورة بعد حرب تشرين / أكتوبر 1973؛ وبالأحرى بعد مذبحة حماة (17/2/1982) شرع النظام بعملية تفكيك لكافة البنى السياسية والأمنية والعسكرية للدولة، وأعاد تركيبها على أسس طائفية صرفة. فالنظام استشعر الخطر، إلى الحد الذي لجأ فيه إلى اعتماد سياسة الإحلال الطائفي و (أو) الرقابة الطائفية على الدولة والمجتمع، مستفيدا من الغطاء الدستوري، الذي صممه على مقاسه، بما يجعل من حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع. هكذا استأثرت الطائفة بأجهزة الأمن، التي قُطِع التواصل فيما بينها مثلما قُطِع بين فرق الجيش وألويته وكتائبه، للحيلولة دون التفكير بإمكانية القيام بأي تمرد مسلح أو انقلاب مستقبلا. أما المخابرات الجوية فقد استأثرت بنصيب الأسد من الصلاحيات في تأمين النظام وحمايته. وقد يكون عجيبا أن تتحرك الطائرات والدبابات والوحدات العسكرية بأوامر من المخابرات الجوية وليس بأوامر من وزارة الدفاع!!! وهذا يعني أن النظام لا يتحسب من أي خطر خارجي بقدر ما يتحسب من الأخطار الداخلية. لذا فالذين يعولون على انحياز الجيش إلى الثورة هم، في الواقع، كمن يحرث الماء في البحر. فالجيش قابل للتفكك لكنه غير قابل أبدا للانقلاب أو التمرد أو التسرب بأعداد كبيرة إلا في حالة تدخل عسكري أو توفر ملاذات آمنة في أنحاء سوريا، وليس في جهة واحدة، أو ظروف طارئة يمكن أن تقلب الموازين. لهذا أمكن ملاحظة انشقاقات متوالية لوحدات صغيرة، كان أولها وحدة المقدم حسين هرموش الذي شكل « لواء الضباط الأحرار - /6/2011»، قبل أن يقع ضحية لعبة استخبارية متعددة الأطراف داخل تركيا. ولم يمض وقت طويل حتى انشق العقيد رياض الأسعد ليعلن عن تشكيل « الجيش السوري الحر - 29/7/2011». لكن « الجيش الحر » ليس تنظيما لمجموع القوى المنشقة عن الجيش الحكومي بقدر ما هو عنوان (1) إعلامي بالدرجة الأساس و (2) سياسي بدرجة ما و (3) واجهة دولية عند الضرورة. فالمجموعات المنشقة لا يربطها في « الجيش الحر » أي رباط تنظيمي من أي نوع. لكنها ترتبط معه، كما بقية الجماعات المقاتلة، من غير العسكريين، بغطاء إعلامي يمكنها من ممارسة نشاطها العسكري ضد النظام باسم « الجيش الحر »، أو بطلب الدعم المالي والعسكري باسمه، أو بتغطية انضمام المجموعات المنشقة عن الجيش إليه. ولا ريب أن هذه الوضعية لـ « الجيش الحر » مكنت القوى السياسية المعارضة، كالإخوان المسلمين، والمجلس الوطني، وبعض الشخصيات والمشايخ، وكذا القوى الدولية، بغطاء إعلامي من النفاذ إليه وتوجيهه الوجهة التي يرغبون فيها. وهو بهذا التوصيف، وعبر الضخ المالي المحسوب، يغدو أداة يمكن بواسطتها التحكم بحجم العسكرة، وارتفاع أو انخفاض وتيرة العمل العسكري، ونوعيته وأهدافه. ولعل المراقبين لاحظوا، في أكثر من مرة، كيف تبنى الجيش بعض العمليات ثم تراجع عنها في وقت لاحق، وكيف أنه رفض تبني عمليات أخرى نفذتها جماعات مقاتلة ضد النظام ومؤسساته، وكيف اضطر للامتثال إلى توجيهات المجلس الوطني بعد أن رفضت فرنسا وروسيا تبنيه لعملية حرستا في ريف دمشق، وكذا عمليات حلب في الشمال. ولو تتبعنا تصريحات الأسعد لوجدنا أنه في لحظة ما يرفض التدخل الدولي وفي لحظة أخرى يؤكد أن لا حل مع النظام بدونه، وتارة يعلن عزمه مهاجمة النظام وبعد قليل يختصر مهمته بحماية المدنيين فقط!!! .. هذا التذبذب واقع، لأنه أمكن، بسهولة، احتواء « قائد الجيش الحر »، وإخضاعه لوصاية المجلس الوطني باسم التنسيق المشترك. ولا ريب أن أسبابا كثيرة يجري تداولها ليس أولها التجهيل الذي تسبب بانعدام التجربة والخبرة ولا آخرها ما لاحظه البعض من الضعف الشديد في شخصية الأسعد نفسه بخلاف ما بدت عليه شخصية العميد مصطفى الشيخ. المهم؛ أن احتواء « الجيش الحر » شكل اختراقا مبكرا في وتيرة العمل العسكري ونوعيته، وقد يشكل خطرا على مسار الثورة السورية وفاعليتها في مواجهة سلسلة من منظومات الاستبداد المحلي والإقليمي والدولي. والحقيقة أن « المركز»، قبل كل شيء، ليس معنيا، حتى هذه اللحظة، بالتدخل العسكري، أو بتسليح الثورة السورية أو السماح بمهاجمة النظام. وإعلاميا يمكن أن نسجل عشرات التصريحات الغربية وهي تتحدث عن تسليح الثورة؛ لكن التدقيق فيها يؤكد أنها مشروطة حينا أو مناقضة لنفسها في حين آخر، أو ذات أهداف سياسية في حين ثالث، أو مجرد خيار مفتوح ليس له حدود. لكن من المؤكد أن القوى الدولية بحاجة إلى عنوان عسكري بنفس القدر الذي تحتاج فيه إلى عنوان سياسي كالمجلس الوطني. وستكون مضطرة لإيجاده لو لم يكن موجودا. وهذا ما تولت القيام به فرنسا بالذات، وغطته بكل المكر والدهاء قوى الإعلام العربي والدولي. مع أن واقع الجيش، على مستوى القيادة الخارجية، مغاير إلى حد كبير لواقع المجموعات المنشقة والمقاتلة على الأرض. بل وفي بعض الأحايين تصل العلاقة ما بين الجانبين إلى حد النقمة والسخط وانعدام الثقة، بسبب ما بدا حينا لبعض المجموعات تقتيرا في الدعم وفي حين آخر تجاهلا مقصودا. وهذه مؤشرات تدل على أن احتواء الجيش قد لا تؤثر فعليا على الفعاليات المسلحة للثورة بقدر ما تصيب الأوصياء على الجيش بضرر المصداقية. أما لماذا يحتاج « المركز» إلى عنوان عسكري؟ فلأنه: (1) يحرص على الاحتفاظ بالإرث الأمني للنظام في حالة سقوطه أو الاضطرار إلى إسقاطه. فالنظام جرد المجتمع السوري من أية وسيلة للدفاع عن النفس، وأغرقه في الجهل، وجعله تحت رحمة آلة القتل الفتاكة، من كل حدب وصوب. وبالتأكيد فإن مثل هذه الحالة تمثل نموذجا مثاليا لـ « إسرائيل»، فضلا عن أن المنطقة لم تعد تتسع، بنظر « المركز»، للمزيد من السلاح؛ فكيف سيكون الأمر لو تسلح الشعب السوري؟ وكيف سيكون الاستقرار المنشود متاحا؟ ولأنه: (2) يحتاج إلى إطار يحظى بشرعية ثورية محلية تمكنه من انتزاع الشرعية لأي تدخل عسكري غربي مع الإبقاء عليه مجردا من السلاح، وفي نفس الوقت استخدامه، إذا دعت الضرورة، في لضرب مشروعية أي جماعة مناهضة للغرب بحجة خروجها عن الشرعية. ولأنه: (3) معني بحل سلمي يتطلب منه السيطرة، بشكل مباشر وفعال، على مسار العسكرة. وهذا يستدعي وجود أدوات مراقبة ميدانية، لضبط حجم الانشقاقات والتسرب من الجيش النظامي، والتحكم بحجم التسلح ومساراته، وتحديد نوعية العمل المسموح به من المحظور، وكذا معرفة سير العمليات والمواقع المستهدفة. إذ أن ما يخيف « المركز»، من تسليح الثورة أو خروج عملية التسلح عن التحكم والسيطرة، هو دخول التيارات الجهادية على خط الثورة السورية. وما يلفت الانتباه هو الحصار المضروب على قوى الثورة فيما يتعلق بالتسلح، أو بمحتوى أدق بالذخيرة. فالدول الإقليمية أحكمت إغلاق حدودها منذ اللحظة التي تم فيها نقل الثورة السورية إلى مجلس الأمن. ومنذ ذلك الحين؛ صار البحث عن الذخيرة كالبحث عن إبرة في كومة قش. وهو ما يعني فرض حصار شامل على الثورة، لم تعد معه حتى سياسة غض الطرف قائمة. وإذا تأملنا في الهجوم الوحشي للنظام على معقل الثورة في حمص، والذي تزامن مع الفيتو المزدوج في مجلس الأمن، فليس من المستبعد أن يكون الهدف الخفي من الهجوم، الذي طال إدلب وحماة، يكمن حقيقة في استنزاف المقاتلين من ذخيرتهم، عبر قطع الطرق بين المدن، وشن هجمات ذات كثافة نارية غير معتادة، بحيث يضطر الثوار إلى استنفار طاقاتهم، واستخدام أقصى ما لديهم من الذخيرة لرد الهجمات. وهو ما يعني، بشكل أو بآخر، وجود توافق ما، وتقاطع مصالح بين جميع القوى المعنية، على إبقاء المجتمع السوري فاقدا لأيٍّ من أدوات القوة، وهو ما يستدعي العمل على تجريد الثورة السورية من سلاحها، إما بالحصار وإما عبر الهجمات الواسعة.!!! بخلاف ما تفيض به التصريحات الغربية والعربية عن تسليح محتمل للثورة، وهو ما تم تجاهله، فعلا، في مؤتمر « أصدقاء سوريا» في تونس. خلاصة القول في سوريا ثمة نظام طائفي صريح، يعلن استعداده للقتال حتى النهاية، وثمة مجموعات مسلحة من الجيش وأخرى من المدنيين اضطروا لمواجهة النظام دفاعا عن أنفسهم وأهلهم. وفي المقابل ثمة محاولات مستميتة تقودها قوى المعارضة السياسية، المقيدة بأطروحاتها أو بحدود السقف الدولي، لمنع تسليح الثورة، وثمة مجتمع فطري التفكير، يفتقد إلى الخبرة والتجربة، لذا فهو مهيأ لتوفير حاضنة شعبية وشرعية لأية قوة يمكن أن تنجح في إحداث فارق قوة مع النظام .. فالأرض السورية عذراء كما المجتمع تماما وبقليل أو بكثير من الوقت لا بد وأن تتضح مسارات الثورة السورية. يتبع في الحلقة القادمة ... الحلقات السابقة (1) الثورة السورية ومسارات التدويل (1) البيادق والعرّاب (2) الثورة السورية ومسارات التدويل (2): لعبة الكبار نشر بتاريخ 28-02-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
بعد حرب تشرين / أكتوبر 1973؛ وبالأحرى بعد مذبحة حماة (17/2/1982) شرع النظام بعملية تفكيك لكافة البنى السياسية والأمنية والعسكرية للدولة، وأعاد تركيبها على أسس طائفية صرفة. فالنظام استشعر الخطر، إلى الحد الذي لجأ فيه إلى اعتماد سياسة الإحلال الطائفي و (أو) الرقابة الطائفية على الدولة والمجتمع، مستفيدا من الغطاء الدستوري، الذي صممه على مقاسه، بما يجعل من حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع. هكذا استأثرت الطائفة بأجهزة الأمن، التي قُطِع التواصل فيما بينها مثلما قُطِع بين فرق الجيش وألويته وكتائبه، للحيلولة دون التفكير بإمكانية القيام بأي تمرد مسلح أو انقلاب مستقبلا.
نعم سيطرة طائفية كاملة للطائفة العلوية ليس فقط على الجيش وانما كل دوائر المجتمع خنقتنا خنقاً في احدى السنوات كانت محافظتي بحاجة الى اختصاص التقويم وصدرت مفاضلة من اجل الاختصاص ,قدمت فيها وكان معدلي الاعلى وكنت على وشك الحصول على الاختصاص ,وفجأة وكالعادة تم نقل نفوس لشخص من جماعتهم من اللاذقية الى محافظتي وحصل هو على الاختصاص لأن المطلوب شخص واحد فقط وطبعا بمجرد ان ينهي الاقامة ويحصل على شهادة الاختصاص يعود الى مدينته وتبقى مدينتنا تعاني من النقص في هذا الاختصاص لا اعلم وكأن المفاضلة اجريت من اجله وهذا ينطبق ايضا على المعليمين وغيرهم كم من اشخاص نقل نفوسهم الى مدننا كي يفوزوا بالمناصب والوظائف وغير ذلك باختصار السنة في سوريا كانوا مواطنين من الدرجة العاشرة كل الطوائف الاخرى مقدمة عليهم الله المستعان جزاك الله خيرا اخي بانتظار الحلقة القادمة |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
ها قد مضى قرابة العام على انطلاقة الثورة السورية لا سقط فيها طاغية ولا نظام، ولا تدخل العرب ولا العجم .. عام سقطت فيه كل المراهنات، وانطلقت فيه آلة القتل لتسفك حتى دماء الحيوانات، واستكبرت فيه قوى الظلم والبغي والعدوان، بدء من النظام، مرورا بحلفائه الإقليميين، خاصة إيران والعراق وحزب الله في لبنان، ومن ورائهم موسكو وبكين، وانتهاء بنفاق دول الناتو. مضى عام .. انكشفت فيه عقائد طائفية صممت لتكون مدخلاتها العقدية ومخرجاتها السلوكية أحط من الانحطاط .. وأفجر من الفجور .. لا ينفع معها تفاهمات ولا مصالحات، صارت ضربا من المستحيل .. نظم انفجرت قرائحها على شهوة الدم، كلام سليم مائة بالمائة بوركت اخي رياض |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الجميع يخوضون حروبهم بما يلائمهم دون أن يعترض عليهم أحد .. الصفويون لهم مشروعهم .. والصليبيون لهم مشروعهم .. واليهود لهم مشروعهم .. وكلها مشاريع عقدية صرفة .. بأصولها وفصولها، ومفرداتها واستراتيجياتها، وتحالفاتها وسياساتها، وخططها وأهدافها، وإعلامها ووقائعها .. إلا المسلمين !!! فمحرم عليهم مشروعهم، بل يتجاهلون أو يتنصلون من أية دعوة عقدية، أو يحاربونها!! « حرام» عليهم الاستعانة بالله!!! فهو الإرهاب .. كل الإرهاب .. أما الاستعانة بشياطين الأرض فهو « أحل الحلال» .. فبعد كل هذا الدم والقهر، ما زلنا نسمع ونقرأ ونشاهد يوميا، وفي كل حين، من يؤكد على « سلمية الثورة»، ونبذ « التطرف» و « العنف». والعجيب أن تصريحات الواجهات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية بدت أحرص على تجنب « العسكرة» من تصريحات الغرب نفسه، وبعضهم لا يتوانى عن مهاجمة الإسلام، والتنكر لكل شعار إسلامي، رغم أن اللافتات الإسلامية في الثورة السورية، والتي يتم تجاهلها عمدا في وسائل الإعلام، أغلقت عرض الشوارع وطولها في احتجاجات الثورة. ومع أن النظام الطائفي تجرأ على كل المحرمات والفطر الإنسانية إلا أن بعض أصوات المعارضة سُمعت بأوقح ما يكون، وهي تتجرأ على دين الله، وتبدي حماسا عجيبا في تطمين « إسرائيل»، والحرص على سلامتها أكثر من حرصها على الدماء المسفوحة. فما الذي جعل الثورة السورية فريسة لكل نطيحة ومتردية ومنخنقة وما أكل السبع؟
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
بورك فيكم اخواني وجزاكم وكانب الموضوع خيرا |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل (4) تسليح الثورة د. أكرم حجازي 15/3/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...14a3652dd8.jpg فالثابت أنه ليس لـ « التدويل» من مخرجات سوى « إدارة الثورة» بما يحقق المصالح الدولية وليس بما يلبي طموحات الشعب السوري أو يوقف، على الأقل، سفك الدماء وبشاعات القتل الوحشية للسكان، فضلا عن التعذيب والاغتصاب والقهر والإذلال العميق لكل الفئات العمرية للشعب. ومن حيث المبدأ تعني « الإدارة» القدرة على التحكم والسيطرة في الحدث السوري. بمعنى أن « المركز» لا يبدو راغبا حتى اللحظة في « حسم» الموقف لصالح النظام السوري أو الثورة. وهكذا تبدو « « تسليح الثورة» أو « وقف المذابح» أو « الإغاثة الإنسانية» أو « تغيير النظام» أو « إقامة ممرات آمنة» أو « مناطق عازلة» أو « الحل السياسي» أو « الحرب الأهلية» أو « الحوار» أو ... كلها قضايا واقعة فعليا ما بين « الإدارة» و « الحسم». وعليه فإذا كان الجميع رابحا، بشكل أو بآخر، من « التدويل»، فلا شك أن الثورة السورية هي الخاسر الأكبر حتى الآن. إذن « المركز» الذي يدير مصالحه في المنطقة بلغة مزدوجة، بالغة المكر والدهاء، حافظ فعليا على مصالح النظام الطائفي وحلفائه الإقليميين!!! لكن، إنْ كانت الثورة هي الضحية، فماذا عن مصالح حلفائه التاريخيين، ممثلة بدول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية؟ وهل لهذا الأمر علاقة مباشرة بالحماس السعودي لتسليح الثورة السورية؟ أم أن للأمر علاقة من وجه آخر؟ قبل مجازر « كرم الزيتون» و « العدوية» لم يكن ثمة أحد، سوى السعوديين، ينادي بتسليح الثورة السورية، لا من المستوى الدولي ولا من المستوى الإقليمي. ورغم أن الثورة تتعرض لاستنزاف ذخيرتها، ولمحاولة دولية دنيئة لنزع سلاحها، بيد النظام ذاته، في البؤر القوية مثل حمص وإدلب إلا أن المعارضة السياسية لم تكن راغبة بأي ذكر للسلاح، حتى من أولئك الذين صاروا كـ « بني إسرائيل» .. حين حرموا السلاح على أنفسهم واجتهدوا في التوسل إلى التدخل الدولي. في البداية، فإن كل الذين رفضوا تسليح الثورة، من شتى الاتجاهات، حذروا من خطر اندلاع حرب أهليه في سوريا. وارتبط التحذير بالخشية من انتقام السنة من الطائفة العلوية على وجه الخصوص. وتبعا لذلك انحازوا لتوصيفات تؤكد على « سلمية الثورة» أو « ثورة كل السوريين» أو « نبذ الطائفية» أو « الوحدة الوطنية» أو « الحل السياسي» ... وفي خضم السنة الأولى بدت التحذيرات تكتسي محتوى آخر يتعلق بالخشية من تحول البلاد إلى ساحة لتنظيم « القاعدة» أو ما يسمونه بالقوى الإسلامية « المتطرفة» أو « المتشددة». لكن في النهاية طالبوا بالتدخل!!!! فهل كان « المركز» أصما حين كانوا يصرخون بأعلى أصواتهم « سلمية .. سلمية»!!!!؟ فلنتابع ونرى. أقوال « المركز » لا شك أن أحد أبرز التصريحات الرافضة للتدخل العسكري جاء من نيكولاي ساركوزي، الرئيس الفرنسي، حين وصف ما يجري في سوريا من تقتيل بـ « الفضيحة». ففي اجتماعه بالسفراء لتقديم تهانيه بمناسبة العام الجديد (20/1/2012) قال بأن: « تدخلا عسكريا لن يحل المشكلة بل قد يؤدي إلى الحرب والفوضى في الشرق الأوسط والعالم .. وأن فرنسا ستفعل ما بوسعها لتجنب تدخل عسكري». لكنه عبر عن حيرته بشأن ما يمكن فعله، إذ: « لا يمكننا أن نقبل القمع الوحشي من قبل القادة السوريين ضد شعبهم .. هذا قمع سيؤدي بالبلاد مباشرة إلى الفوضى، وهذه الفوضى سيستفيد منها المتطرفون من كل الجهات». وبعد الفيتو المزدوج (4/2/2012) للصين وروسيا في مجلس الأمن، ارتفعت حمى التصريحات المتعلقة بتسليح الثورة. وتَبادَر إلى ذهن الكثير أن الحل يتجه، على الأقل، نحو تسليح الثورة بدلا من التدخل العسكري. وكما تقول صحيفة « الواشنطن بوست» فقد احتدم الجدل في الولايات المتحدة حول القيام بإجراء عسكري ما ضد النظام السوري، أملا في إسقاط الأسد وإضعاف إيران. وجاءت أوضح التصريحات من عضوي اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي، والشخصيتان الأشد عداء وبغضا وكراهية للإسلام والمسلمين والعرب. فقد نقلت صحيفة « نيويورك تايمز - 19/2/2012 عن جون ماكين، الذي سبق وقدم اعتذار الرئيس أوباما لأنصار الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي ووعدهم بدولة مستقلة جنوب البلاد، وزميله ليندسي غراهام قولهما: « إن الثوار السوريين يستحقون أن يمتلكوا السلاح من أجل الدفاع عن الشعب السوري وبالتالي إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد». لكن الرد على تصريحات ماكين وغراهام جاء من الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس أركان الجيوش الأميركية، الذي وصف في تصريحات لـ « شبكة الأخبار الأميركية 20/2/2012 » أي تدخل محتمل في سوريا بـ « الصعب للغاية .. سيكون خطأ كبيرا إذا اعتقدنا أن هذه ليبيا أخرى .. الجيش السوري مؤهل جيدا، ولديه نظام دفاع جوي متطور ومتكامل بالإضافة إلى أسلحة كيماوية وبيولوجية»، وعليه فـ: « من المبكر اتخاذ قرار بتسليح المعارضة في سوريا، وأنا أتحدى أيا كان أن يحدد لي بوضوح هوية المعارضة السورية حاليا»، مشيرا إلى أن: « هناك معلومات تفيد بأن القاعدة متورطة وتسعى إلى دعم المعارضة .. ( المهم ) ما أريد قوله إن هناك أطرافا عدة تتدخل وكل طرف يحاول تعزيز موقعه» وخلال جولتها في المنطقة (21/2/2012) جدد ماكين وغراهام تصريحاتهما في كابل والقاهرة، حيث قال ماكين: « إنني لا أدعو لتسليح مباشر في سوريا. لقد رأينا في ليبيا أن هناك وسائل لتزويد الناس بالسلاح حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، لقد آن الأوان لكي نمنحهم الإمكانيات التي تعينهم على صد العدوان وإيقاف المذابح »، وإن عدم السعي لحل يوقف « المجزرة المستمرة في سوريا» هو « خيانة لكل ما تؤمن به الولايات المتحدة»، مشيرا إلى أنه: « ثمة طرق عديدة لحصول الثوار السوريين على السلاح دون تورط الولايات المتحدة بشكل مباشر .. لا داعي لأن ترسل الولايات المتحدة السلاح إلى الثوار السوريين بشكل مباشر، ولكن يمكن لواشنطن العمل من خلال طرف ثالث من بلدان العالم الثالث وجامعة الدول العربية». وهو رأي السناتور غراهام أيضا الذي قال: « إن جامعة الدول العربية .. يمكنها أن تكون القناة التي يجري من خلالها دعم الثوار»، مضيفا أن: « إسقاط نظام الأسد من شأنه إضعاف الموقف الإيراني». في خضم هذا الجدل، وعشية انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس ( 24/2/2012)، حيث توقع المراقبين تدخلا عسكري ما في سوريا أو تسليحا للثورة، إلا أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، بددت كل الآمال، وبدت كمن يقرأ الطالع، بلجوئها إلى « التمنيات» و « المراهنة» على سقوط الأسد بدلا من تسليح الثورة لإسقاطه. فبعد مشاركتها في مؤتمر لندن حول الصومال اكتفت بالقول للصحفيين: « ستكون هناك قوات معارضة مؤهلة بصورة متزايدة. سيجدون من مكان ما وبطريقة ما الوسائل للدفاع عن أنفسهم وأيضا بدء إجراءات هجومية»، مضيفة: « من الواضح بالنسبة لي أنه ستكون هناك نقطة تحول أتمنى أن تأتي آجلا وليس عاجلا حتى يتم إنقاذ المزيد من الأرواح. لكنني ليس لدي أدنى شك في أن مثل هذه النقطة ستأتي». لكن ما أخفته كلينتون، وعلقته على قراءة الكف، كشفته فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية، حين قالت: « نحن لا نعتقد أن من المنطقي المساهمة الآن في تكثيف الطابع العسكري للصراع .. فما لا نريده هو زيادة تصاعد العنف، لكن إذا لم نستطع أن نجعل بشار الأسد يستجيب للضغوط التي نمارسها جميعا فقد يكون علينا أن نبحث في اتخاذ إجراءات إضافية». بمعنى: « إذا استمع الأسد لرأي المجتمع الدولي أو إذا استجاب للضغوط التي نمارسها فستكون الفرصة ما زالت متاحة للحل السياسي». هذا الموقف كرره حرفيا، جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، حين قال إن: « واشنطن ما زالت ترى أن الحل السياسي هو الشيء المطلوب بسوريا». وأن بلاده: « لا تريد اتخاذ إجراءات تساهم في تعزيز الطابع العسكري للصراع في سوريا لأن ذلك قد يهوي بالبلاد في مسار محفوف بالمخاطر .. لكننا لا نستبعد اتخاذ إجراءات إضافية». كما كرره زميله غوش أرنست (25/2/2012) حين قال إن: « تصعيد النزعة العسكرية في سوريا في الوقت الحالي لا يعد هو السياسة التي نعتقد أنها حكيمة كي نتبعها حاليا». أما كلينتون فتخلت عن « المراهنات» وكشفت عن تحفظاتها ( 26/2/2012 ) بالتحذير من مخاطر أي تدخل خارجي خشية أن يعجل بنشوب حرب أهلية، وقالت في تصريحات تلفزيونية: « إذا جلبت أسلحة آلية ( والتي ربما تستطيع تهريبها عبر الحدود) فما الذي ستفعله تلك الأسلحة أمام الدبابات والأسلحة الثقيلة. هناك مجموعة من العوامل الأكثر تعقيدا .. لدينا مجموعة خطيرة جدا من العوامل في المنطقة. القاعدة وحماس، وأولئك الذين على قائمتنا للإرهاب الذين يدعون أنهم يدعمون المعارضة. الكثير من السوريين يشعرون بالقلق بشأن ما قد يحدث لاحقا». هذا التحفظ الفرنسي والأمريكي على التدخل العسكري أو تسليح الثورة يرجع لأكثر من سبب جوهري. فمن جهتها استعبدت مجلة « التايم – 23/2/2012 الأمريكية تسليح الثورة السورية لأن: (1) « صناع القرار بالغرب ليسوا متأكدين من هوية المعارضة، مشيرة إلى أنه لا يوجد قيادة واحدة تتحدث باسم أولئك الذين يقاتلون النظام بالمدن السورية، وأن ثمة مؤشرات على أن بعض عناصرها يتخذون موقفا عدائيا تجاه الغرب»، ولأن (2) الرؤية لم تتضح بعد بالنسبة للغرب بشأن: « ما إذا كان تسليح الثوار سيوقف القتل أم أنه سيفاقم الوضع»، و (3) رغم أن القوى الغربية تريد الإطاحة بالأسد، فإنها لا تسعى إلى ذلك بطريقة تفضي إلى فراغ سياسي قد يملؤه عناصر أكثر عداء من الأسد»، ولأنه بعد إعلان « القاعدة» عن التزامها تجاه الثورة السورية صار هناك (4) « اعتقاد لدى المخابرات الأميركية بأن شبكة الجهاديين هي التي كانت مسؤولة عن تفجيرين بدمشق وحلب، استوقفا المؤسسة الأمنية الأميركية التي باتت تستبعد تقديم المساعدة العسكرية للثورة». اللافت للانتباه أن الروس يتقاسمون مع الأمريكيين و« التايم»، تحفظاتهم بشأن هوية المعارضة السورية. فقد سبق وعبر عنها الروس في لقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظيره الفرنسي ألان جوبيه في العاصمة النمساوية – فيينا، لبحث مسألة الممرات الآمنة. وفي أعقاب اللقاء ( 17/2/2012) شكك لافروف في: « أهلية المعارضة في إدارة سوريا إن خرجت منتصرة من النزاع»، ومحذرا من أن: « المجموعة الدولية لا تعرف عنها إلا القليل»، قائلا: « إن القاعدة باتت ممثلة لدى هذه المعارضة». ومشيرا في الوقت ذاته: « إذا كانت الدول الكبيرة في المجموعة الدولية تطالب بتغيير النظام شرطا لأي شيء فإننا مقتنعون أن ذلك هو الطريق نحو حرب أهلية حقيقية». ومن جهته أدان ألكسندر لوكاشيفيتش، المتحدث باسم الخارجية الروسية، دعوة السعودية وقطر المنادية بتسليح الثورة، خلال مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وقال في تصريحات نقلتها عنه وكالة « إيتار تاس» الروسية (3/3/2012) أن: « موسكو ستطالب مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب بتوضيح قانوني لدعوة بعض الدول إلى تسليح المعارضة السورية». وأضاف إنه: « بعد التأكد من وجود عناصر من تنظيم القاعدة بين صفوف المجموعات المسلحة غير القانونية على الأراضي السورية، فنحن نتساءل كيف تتوافق مثل هذه التصريحات لسياسيين مسؤولين مع القانون الدولي بشكل عام ولاسيما أن قرارات مجلس الأمن الدولي تلزم جميع الدول بعدم تمويل المنظمات الإرهابية وعدم توريد السلاح لها وعدم دعم نشاطها بأي شكل من الأشكال». أما تصريحات إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة لدى « الناتو»، فقد جاءت على النقيض من إجمالي التصريحات السابقة. فلم يتطرق فيها إلى « القاعدة» كشرط مانع من التدخل، ولا إلى كل تحفظات « التايم» والروس، بالرغم من أن الخيارات المتاحة أمام الغرب لا تتعدى اثنين، وفق ما يراه بول فوليلي، كاتب صحيفة « الأوبزرفر - 26/2/2012» البريطانية: « إما تسليح الثوار أو الوقوف موقف المتفرج حتى تتغلغل القاعدة في سوريا». فحين سئل « دالدار»، في أعقاب كلمة له أمام مجلس شيكاغو للشؤون العالمية (1/3/2012)، عن « المعايير » التي تسمح لـ «الناتو» بالتدخل العسكري أورد ثلاثة شروط، أولها: الحاجة إلى حماية المدنيين، وثانيها: توفر دعم إقليمي، وثالثها: وجود أساس قانوني، وفيما عدا الشرط الأول قال: « أشك صراحة في أننا سنصل إلى النقطة التي سيكون لدينا فيها هذا الأساس». هذا « الشك الصريح» الذي عبر عنه « دالدار» أحبط أولئك المراهنين على التدخل العسكري أو تسليح الثورة. لكنه، في نفس الوقت، أوقع الولايات المتحدة بحرج، قد يصل إلى حد « الخيانة لكل ما تؤمن به»، على حد تعبير السناتور جون ماكين!!! وللخروج من حالة « الحرج» و « الخيانة» أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت رحلة جديدة من البحث عن « خيارات» للنظر في المسألة السورية!!! وكأن سنة كاملة من « العبث» لا تكفي لتعرف الولايات المتحدة ما يتوجب عليها القيام به. فقد كشف الجنرال مارتن ديمبسى، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 6/3/2012 عن أن وزارة الدفاع الأمريكية: « تعد خيارات عسكرية ضد سوريا بناء على طلب الرئيس باراك أوباما»، لكنها « خيارات» قيدها ليون بانيتا، وزير الدفاع، بعبارة « إذا لزم الأمر» وبالتنسيق مع « شركائها الدوليين». واستنادا إلى صحيفة « الواشنطن بوست – 11/3/2012» التي ترى أن: « هناك ميلا متزايدا للنظر في خيارات أخرى بعدما أخفقت الجهود الدولية في إحراز تقدم يُذكر خلال أسبوعين من انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس»، فإن « الخيارات» المقصودة تتضمن، بحسب مسؤولين من الأمم المتحدة ودول أخرى معارضة للرئيس السوري: « (1) تسليح قوات المعارضة بشكل مباشر عبر إرسال قوات لحراسة الممرات الإنسانية أو (2) إقامة مناطق آمنة، أو (3) شن غارات جوية على الدفاعات الجوية السورية». لكن العارفين بشخصية الرئيس الأمريكي، ومنطقه، يقطعون بأنه أبعد ما يكون عن التورط بأي أعمال عسكرية. ففي معرض إعلانه عن استعداده لاستخدام القوة ضد إيران رأى محللون أمريكيون بأن: « سجل الرئيس أوباما ينطوي على تجنب أي عمل عسكري أحادي الجانب في الأزمات الدولية». وفي السياق نقلت صحيفة « الواشنطن بوست – 14/3/2012» عن كينيث بولاك المسؤول بمجلس الأمن القومي في عهد إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون قوله: « سأصدق ما قاله أوباما عندما أرى ذلك بأم عيني»، مشيرا إلى أن: « هذا الرئيس يعتقد بأنه انتخب لإخراج أميركا من الحروب في الشرق الأوسط، وليس لزجها في حروب جديدة». بل أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية ينفون مرارا وتكرارا أن يكون لدى أوباما «عقيدة» بشأن متى يستخدم القوة العسكرية. وقد سبق لصحيفة « نيويورك تايمز – 26/2/2012 » أن قدمت تقييما مشابها حين قالت أنه: « حتى الآن لم يعمل البيت الأبيض على تسليح الثوار السوريين»، لكنه قد يفعل ذلك: « عندما يكون التهديد أوسع نطاقا، ويتعلق بالحفاظ على النظام العالمي أكثر من أي شيء آخر .. ( أما ) سجل أوباما فيكشف عن أنه يلتمس الحل في قرارات الأمم المتحدة ومشاركة العديد من حلفاء الولايات المتحدة في ما ينوي القيام به»، وقد يبدو طريفا أن يتشابه الطرح الأمريكي مع الطرح الروسي والصيني، صاحبي الفيتو في مجلس الأمن. وفي كل الأحوال، لا يبدو، حتى الآن، أن للولايات المتحدة ما يدفعها للتدخل، وبحسب الصحيفة ذاتها فإن: « المصالح الأميركية هناك غير مباشرة في أفضل الأحوال». أما الروس الذين يتظاهرون بالدفاع عن القانون الدولي، فقد حرصوا على إبداء قدر من « التوازن». فخلال اجتماع مجلس الأمن (13/3/2012)، الذي خصص لمناقشة أوضاع دول الربيع العربي، لام عبر وزير الخارجية، سيرغي لافروف: « السلطات السورية ( التي) تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الحالي»، لكن دون أن يفوته التذكير بأن: « العقوبات التي تفرض من طرف واحد ومحاولات الدفع من أجل تغيير النظام في سوريا والتشجيع الذي تحظى به المعارضة المسلحة، تشكل وصفات خطرة للتلاعب الجيوسياسي». ومن جهته حذر وزير الخارجية المصري، خلال استقباله كوفي عنان (8/3/2012)، من انفجار الأوضاع في سوريا. وكشف عمرو رشدي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن الوزير عرض خلال لقائه عنان رؤية مصر القائمة على: « ضرورة الحفاظ بكل السبل الممكنة على وحدة سوريا الإقليمية وحل الأزمة السورية سلميا من خلال المبادرة العربية لتفادي التدخل العسكري أو تدويل الأزمة». ووفقا لبيان الوزارة، فقد حذر الوزير المصري من أن: « طبيعة سوريا الجغرافية والبشرية ستلحق ضررا هائلا بالمنطقة إذا ما تحول الوضع إلى حرب أهلية مسلحة». في المحصلة فإن « خيارات أوباما» و « مراهنات كلينتون وأمانيها» و « قيم ماكين» و « معايير دالدار» و « تحفظات التايم» و « نفاق الروس» و « مخاوف العرب» كلها تضافرت كمنظومة سياسات مراوغة وخادعة مكنت النظام السوري من ارتكاب أفظع المجازر وأحقدها ضد البشر وسائر الكائنات الحية في سوريا. بل أن « الخيارات» الأمريكية، التي بدت كعصا بنظر البعض، لا يمكن لها أن تبلغ سقف التدخل الدولي قريبا وهي تتحدث بصيغة المستقبل، ناهيك أن تبلغ سقف تسليح الثورة، بقدر ما هوت إلى حضيض النظام الطائفي، في صيغة مبادرة، أمريكية المحتوى، قدمها كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، وأكد فيها على: (1) الحل الدبلوماسي و (2) الإغاثة الإنسانية و (3) الحوار مع النظام، معيدا في ذلك الثورة السورية إلى مربع الصفر. أقوال المعارضة لكنها قطعا ليست السياسات الوحيدة. فالمعارضة السورية التي بدأت تطالب بتدخل عسكري عاجل وتسليح للثورة، بعد مجزرة كرم الزيتون والعدوية، هي ذاتها التي سبق وأصرت على « سلمية الثورة»، ورفضت تسليحها بعناد عجيب، وتبعا لذلك راهنت أجزاء منها على التدخل الدولي، وأجزاء أخرى وجدت في الثورة السورية فرصة للتودد إلى « إسرائيل» والتعبير عن الحاجة لها أكثر من العمل على نصرة الثورة!!! فمن يتحمل المسؤولية عن وحشية النظام السوري، الدماء المهدورة، والأرواح البريئة، والأوصال المقطعة، والأعراض المنتهكة؟ وبأي حق يتحمل الشعب والثورة السورية مسؤولية سياسات حمقاء وقراءات بائسة وغياب تام لأية استراتيجية في حماية السكان ونصرة الثورة ومواجهة النظام؟ كنا في « عذراء الجهاد» قد ألمحنا إلى الطريقة التي تأسس بها الجيش السوري الحر، وكيف رأى فيه « المركز» عنوانا عسكريا عند اللزوم، وكيف حرك المجلس الوطني السوري لاحتوائه حتى لا يفلت من السيطرة والتحكم أو ينجح في عرقلة مساعيه في « إدارة الثورة». لذا فقد تعرضت وحدات منه للغدر والاختراق والقتل بالجملة. وانفجر الخلاف بينه وبين المجلس الوطني على خلفية التسليح والدعم المالي وإنشاء المكتب الاستشاري العسكري كي يكون المسؤول عن توجيه السلاح لمجموعات معينة دون غيرها، وبما يستجيب لمخاوف « المركز»، وكأن على الشعب السوري أن يدفع ثمن رفاهية « المركز» من دمائه. لكن الخلاف وصل إلى قلب المجلس الوطني الذي يبدو أنه منقسم على نفسه خاصة فيما يتعلق بتسليح الثورة فضلا عن غياب الشفافية والتعويل على الغرب ومعارضة تسليح الثورة. وتناقلت وسائل الإعلام (14/3/2012) أنباء تفيد بانشقاق بعض شخصياته البارزة مثل القاضي هيثم المالح واللبرالي كمال اللبواني وناشطة حقوق الإنسان كاترين التللي. وفي حين برر المالح استقالته من المجلس بكونه: « يموج بالفوضى وبسبب غياب الوضوح بشأن ما يمكن أن ينجزه حاليا.. والمجلس لم يحقق تقدما يذكر في العمل على تسليح المعارضين»، أشار اللبواني إلى أن المجلس: « غير قادر على تمثيل تطلعات الشعب السوري في وقت يرتكب فيه نظام الأسد القمعي المزيد من الجرائم». وتواترت أنباء أخرى عن عضو بالمجلس الوطني السوري أكد فيها: « أن 80 عضوا من أعضائه البالغ عددهم 270 يعتزمون الانشقاق عنه، وربما يشكلون جماعة معارضة جديدة ستركز على تسليح مقاتلي المعارضة». أقوال الخليج لا شك أن الموقف السعودي من تسليح الثورة بدا أكثر قربا لرغبات الشعوب العربية من أية جهة سورية معارضة لاسيما المجلس الوطني. وبدا مثيرا حقا أن ينسحب الوفد السعودي من مؤتمر أصدقاء سوريا لعدم جدواه في تحقيق أي فارق سياسي أو عسكري في مواجهة النظام السوري. وبحسب الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، فإن: « البيان لا يرقى إلى حجم المأساة في سوريا»، و « التركيز على المساعدات الإنسانية للسوريين لا يكفي»، بل ذهب أبعد من ذلك حين شبه النظام السوري بـ « سلطة احتلال .. و ( أن) السبيل الوحيد لحل الأزمة بسوريا هو نقل السلطة طوعًا أو كرهًا». لكن إذا كان لقطر أجندة لبرالية صريحة للمنطقة وخاصة لدول الثورات، التي يسهل اختراقها مع النظم الجديدة، فماذا لدى السعودية كي تصب جام غضبها على النظام السوري أكثر مما فعلت أية دولة عربية أو أجنبية؟ ما بها تذهب أبعد مما ذهبت إليه المعارضة السورية؟!!! فالثابت، لدى الخاصة والعامة، أن ملف الحريات والفساد والاستبداد في السعودية أثقل من جبل أحد. بل أن الثورات والحقوق والحريات هي أبغض المطالب إلى النظام السعودي، وليس أدل على ذلك من سجونها التي تعج بعشرات الآلاف من المعتقلين في أسوأ الظروف، وبلا أية محاكمات، فضلا عن أن الدولة تعادي القريب والبعيد وتعتقل على أدنى نقد لسياساتها. فما الذي يبرر غضبها المرير تجاه النظام السوري؟ الأرجح أن الحماس السعودي لتسليح الثورة السورية يمكِّن النظام من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فالسعوديون مطلعون على الموقف الدولي وسياسات « المركز» في المنطقة. ويدركون أن المشروع الصفوي صار يهدد كافة دول الخليج وأنظمتها السياسية. وبالتالي فالحل مع إيران وحتى مع الروس والصينيين، لكنه، في هذه الظروف، ليس مع الأمريكيين والغرب. لذا فقد سبق لهم وحاولوا احتواء الثورة السورية عبر التفاهم مع إيران لكنهم فشلوا. فتارة بدا العراق بديلا عن سوريا لاسترضاء إيران وتارة بدت الثورة السورية كبش الفداء مقابل كف إيران يدها عن الخليج وخاصة البحرين. إذن المعادلة المطروحة كانت أمن النظم الخليجية مقابل تلبية احتياجات إيران والحفاظ على مصالحها، حتى لو كانت الضحية بلدان عربية أخرى بما فيها الثورة السورية، إلا أن الإيرانيين رفضوا كل العروض. وتبعا لذلك بدا السعوديون، ومن ورائهم الخليجيين، يتوجسون خيفة من حقيقة نوايا الغرب الذي يبدو وكأنه يسلم المنطقة لإيران. وبالتالي يمكن التأمل بعبارة سعود الفيصل وهو يتحدث عن إسقاط نظام الأسد « طوعا أو كرها»، باعتبارها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم. وهكذا لم يعد مهما أن يتلقى السعوديون تهما من الروس بـ « دعم الإرهاب»، بل ذهبوا أبعد من ذلك إلى تشريع تسليح الثورة بغطاء ديني عبر فتوى أصدرها مفتي السعودية (11/3/2012) ، وقال فيها: « لو ثبت وصول الدعم بأمانة ودقة إلى الجيش السوري الحر فإن هذا الدعم يعتبر من الجهاد في سبيل الله .. كل ما يقوي شوكة هؤلاء ويضعف شوكة النظام السوري الدموي مطلوب شرعًا .. واجبنا نحو إخواننا في سوريا هو دعاء الله وصدق الالتجاء والاضطرار إليه مع بذل الجهد في إيصال المساعدات إليهم، والتاريخ المعاصر لم يعرف جريمة سفك دماء وانتهاك أعراض كالتي وقعت بسوريا». هذه الفتوى التي قيدتها السعودية بـ « الأمانة» و « الدقة» حرمتها، ولمّا تزل، على « أهل الجهاد» في مشارق الأرض ومغاربها، وضنت على المسلمين بدعاء القنوت خلال الحرب على غزة إلا بشكل فردي!! لا شك أن كل قول قابل للمناقشة، لكن المجال لا يتسع للتعليق على الفتوى، التي سنتناولها في مناسبة لاحقة، بقدر ما نجد أنفسنا ملزمين بمعاينة تلك النبرة الخفية حينا والعلنية حينا آخر، فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية في الخليج، والتي وردت على ألسنة شخصيات خليجية مسؤولة. بقطع النظر عن خلفية موقفه المناهض للإخوان المسلمين، وكذا تصريحاته بخصوص الشيخ القرضاوي، وما سببته من تداعيات سياسية؛ فقد نقلت وكالة « CNN – 11/3/2012 » الأمريكية عن الفريق ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي، عن صفحته في موقع « تويتر» تصريحا طريفا يقول فيه: « الإخوان هم الجنود السريون لأمريكا.. الذين ينفذون مخطط الفوضى»، ولا شك أن هذا القول يصعب تصنيفه في خانة التصريح المعادية للولايات المتحدة لكنه على الأقل يخفي نوعا من الشك تجاه الدور الذي تظن الإمارات الرسمية أن الولايات المتحدة تلعبه في خضم الثورات، مع أن الإمارات الشعبية ما زالت أبعد ما تكون عنها. أما المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام لقوة دفاع البحرين، فقد كان أكثر وضوحا وصراحة في هجومه على « المركز» في تصريحات أدلى بها لصحيفة « الرأي – 11/3/2012 الكويتية. ولا بأس من بعض الاقتباسات الواردة في الصحيفة لأهميتها: • « الغرب والأمريكيون يبحثون عن مصالحهم ولا شيء غير المصلحة، ولا بد لنا أن نتكاتف ونتحد حتى يشعر عدوك أنك قوى ويخشاك ويخافك». • « هناك برنامج ممنهج من أيام وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس لتقسيم دول الخليج والسيطرة عليها، لذا لا بد من الوحدة الخليجية التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. والبحرين أول دولة لبت نداء الاتحاد الخليجي، فلابد أن تركب دول الخليج جميعها قطار الاتحاد حتى تقوى». • « هناك منظمات وأحزاب في الخارج تدعم هذا التوجه وتدفع أموالاً لكي تخرب وتدمر وتغير نظام الحكم في البحرين ودول الخليج العربية، ونحن على دراية بهذه المنظمات والدول». • « هناك دول تغدق الأموال على من يدعون أنهم معارضة لكي يقلبوا نظام الحكم، وهؤلاء ليسوا معارضة كما تصورهم بعض وسائل الإعلام، التي تريد الفتنة وعدم الاستقرار، وليس لهم دخل بما يسمى (الربيع العربي) وهؤلاء مأجورون لأجندات خارجية معادية». إذن الحماس السعودي لتسليح الثورة السورية قد لا يخرج عن مساق الخشية من كون الولايات المتحدة ربما لم تعد آمنة بنظر أنظمة الخليج. فإذا بقي النظام السوري على حاله متمتعا بصفة « نحن الأقوى على الأرض»، كما يقول الرئيس السوري بشار الأسد، فلا شك أن المخاوف الخليجية سيكون لها ما يبررها في ضوء خروج المشروع الصفوي من عنق الزجاجة الذي تضعه فيه الثورة السورية. وبالتالي فالمنطق السياسي يقول بأن المراهنة على هذه الأخيرة سيغدو أجدى من الاطمئنان إلى « المركز». أخيرا واضح أن تدويل الثورة السورية ألحق بها أضرارا فادحة. ومع ذلك فقد ظل سؤال « ما البديل»؟ السؤال، الوحيد والأهم، المطروح من قبل جميع الأطراف المتضررة من الثورة السورية. إذ أن كل طرف يسعى لتأمين مصالحه، وكل مصلحة لأي طرف هي بالمحصلة على حساب الثورة. ورغم عجز المعارضة وما خلفته مواقفها وقراءتها البائسة للحدث، وكذا مراهناتها وتحالفاتها وتطفلها أو تسلقها من مرارة في نفوس السوريين وأشقائهم إلا أن ما حصدته من القوة والشموخ والثبات لا يقل عما حصدته المعارضة من خزي!!! فقد بدأت الثورة بنقطة احتجاج اندلعت أولى شراراتها في سوق الحريقة بالعاصمة دمشق ثم انفجرت في درعا إلى أن تجاوزت 600 نقطة احتجاج في جميع أنحاء سوريا. هذه الملحمة الأسطورية لأعزل شعب إلا من دمائه وأشلائه لا يمكن أن يمثلها مشبوهون ومنافقون وعملاء ومتخاذلون .. فهي ضمير الأمة .. ولأنها كذلك فهي بحاجة إلى أصحاب العقائد والضمائر وليس لأصحاب الأهواء والمصالح ... ولا ريب أن هامش النصرة متاح .. وبلا شروط!!! يتبع في الحلقة القادمة ... ******************** الحلقات السابقة (1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب (2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار (3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد نشر بتاريخ 15-03-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
اقتباس:
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل لا ريب أن المواجهة الدامية التي تدور رحاها في سوريا بين النظام السياسي والناس لم يسبق لها مثيل إلا تلك المجازر المروعة التي ارتكبها النظام في حماة في 17/2/1982. ولأن أحدا لا يدري على وجه الدقة مضمون الجرائم التي وقعت آنذاك فإن المقاربات المتاحة لتوصيف جرائم النظام السوري تقع في سياق التاريخ البعيد، في ضوء حملات التتار على العالم الإسلامي، أو في ضوء الدولة العبيدية، أو في ضوء التاريخ القريب لمجازر الخمير الحمر في كمبوديا أو مذابح قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا والمسلمين في البوسنة والهرسك، أو في ضوء وقائع وتوثيقات الثورة السورية نفسها.(5) مواجهة شرعية مع النظام د. أكرم حجازي 21/5/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...97dcb416a6.jpg في التاريخين، البعيد والقريب، كانت الفتاوى الصادرة في توصيف الأحداث ذات محتوى شرعي صريح. ولو استعنا بنموذجي البوسنة وأفغانستان لتبين لنا جليا كيف نشط العلماء ومعهم الدول في تهيئة أجواء المواجهة وتوفير أسباب الدعم والنصرة على أساس « كفر» الحملات الوحشية ضد المسلمين والقائمين عليها. ولتبين لنا أيضا كيف قُطعت العلاقات، وعُبئت الشعوب، ونشط العلماء والخطباء من على المنابر، واحتشدت وسائل الإعلام، وأنفق المنفقون دون خشية من مطاردة أو مساءلة، وتطوع الشبان للجهاد من كل حدب وصوب ... لرد عادية القوى « الكافرة». في الحالة السورية تبدو الأمور حتى اللحظة ملتبسة. فلم تحصل الثورة السورية على نصرة شرعية مؤثرة، كما كان الحال في البوسنة والهرسك وأفغانستان وحتى في العراق في المراحل الأولى. والحقيقة أن الفتاوى التي صدرت من علماء ومشايخ معروفين كثيرة. لكنها فتاوى لم تُحدث فارقا في النصرة والدعم حتى هذه اللحظة!!!! وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه بلا مواربة: ما هي مرجعية الفتاوى الصادرة ؟ وما هو توصيفها الدقيق للرئيس السوري وحزب البعث والنظام الحاكم؟ أولا: فتاوى السلف بخلاف العلماء والباحثين والمتخصصين في الفِرَقْ فليس من العجب أن يستنكر قارئ ما « تكفير النصيرية» برمتها لاسيما إذا كان له بعض الأصدقاء من الطائفة، ممن يصلون كما يصلي أو يصومون ويزكون مثلما يفعل هو تماما، وهذا ينطبق حتى على « النصيري» الذي يتميز غضبا كلما وقع على فتوى لعالم تقضي بـ « تكفيره» وطائفته. والشائع أن الجهل يكاد يطبق على العامة من الناس بمن فيهم أصحاب العقائد الباطنية الذين يجهلون حقيقة عقائدهم ولا يتسلمونها إلا في سن متأخرة، كما هو حال الطائفة « الدرزية» مثلا. ورد في باب « حكم الإسلام في النصيرية»، في « الدرر السنية»، أن شيخ الإسلام ابن يتمية ( 667 – 721 هـ) ربما كان من أوائل الذين عرفوا حقيقة الطائفة وغيرها من الطوائف الباطنية التي فضحها وحاربها. ولعل قيمة « فتاوى» ابن تيمية في الفِرَقْ ، ومنها « النصيرية»، أنه أبرز من تصدى لهذه الفِرَقْ الباطنية، وأفضل من فضح عقائدها بلا هوادة، وبحسب ما أجمع عليه السلف من علماء الأمة. وهذا يعني أن ابن تيمية لم ينفرد في بيان عقائد الطائفة دون غيره، فقد سبقه، مثلا، عبد القاهر البغدادي (000 ـ 429هـ( في كتابه الشهير « الفرق بين الفِرَقْ» ، وأبو الفتح الشهرستاني ( 479 – 548 هـ ) في « الملل والنحل»، وبعدهم جميعا ابن كثير ( 700 – 774 هـ ) في « البداية والنهاية»، وغيره. وفيما يلي مقتطفات من فتوى ابن تيمية في الطائفة ردا على سائل يسأل: « هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى ، بل وأكفر من كثير من المشركين ، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار الترك والإفرنج وغيرهم ، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت ، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بملة من الملل ولا بدين من الأديان السالفة ، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها ، يدعون أنها من علم الباطن - من جنس ما ذكره السائل - وهو من غير هذا الجنس ، فإنهم ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله ورسوله عن مواضعه ، إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ومن جنس قولهم : أن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم ، والصيام المفروض كتمان أسرارهم ، وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم. وأن يدا أبي لهب هما أبي بكر وعمر، وأن النبأ العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب . ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة ، وإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين ، كما قتلوا الحجاج والقوهم في زمزم ، وأخذوا مرة الحجر الأسود فبقي معهم مدة ، وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم وأمرائهم وأجنادهم من لا يحصي عدده إلا الله ، وصنفوا كتبا كثيرة مما ذكره السائل وغيره . وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وبينوا ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذين هم فيه أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام ، وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء من وصفهم ، ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة، وتارة يسمون القرامطة، وتارة يسمون الباطنية، وتارة يسمون الإسماعيلية، وتارة يسمون النصيرية، وتارة يسمون الخربوية، وتارة يسمون المحمرة ، وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم ، كما أن اسم الإسلام والإيمان يعم المسلمين ، ولبعضهم أسماء تخصه إما النسب وإما لمذاهب وإما لبلد وإما لغير ذلك وشرح مقاصدهم يطول ... وهم كما قال العلماء فهم ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض ، وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من الأنبياء والمرسلين ، لا بنوح ولا بإبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا بشيء من كتب الله المنزلة ، لا بالتوراة ولا الإنجيل ولا القرآن ، ولا يقرون أن للعالم خالقا خلقه ، ولا بأن له دينا أمر به ، ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار ... ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا ، وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان ، فقد يخفون على من لا يعرفهم ، وإما إذا كثروا فإنه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم ... وقد اتفق علماء المسلمين على أن مثل هؤلاء لا تجوز مناكحتهم، ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ، ولا تباح ذبائحهم، من جرة نصرانية، فما شك في نجاسته لم يحكم بنجاسته بالشك .. ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ، ولا يصلى على من مات منهم، ... وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين وحصونهم أو جندهم فانه من الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ، فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم ، وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة ، .. ويحل لولاة الأمور قطعهم من دواوين المقاتلة ، فلا يتركون في ثغر ولا في غير ثغر ، وضررهم في الثغر أشد ... ( الفتاوى الكبرى 4/181-183) ». وفي " الفتاوى الكبرى (3/513) سُئِلَ « ابن تيمية عَنْ الدُّرْزِيَّةِ و النُّصَيْرِيَّةِ: مَا حُكْمُهُمْ؟» فأَجَابَ: « هَؤُلَاءِ الدُّرْزِيَّةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ ؛ بَلْ وَلَا يَقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، لَيْسُوا مُسْلِمِينَ ؛ وَلَا يَهُودَ، وَلَا نَصَارَى، لَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَا وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَا وُجُوبِ الْحَجِّ ؛ وَلَا تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ فَهُمْ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا « النُّصَيْرِيَّةُ " فَهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي شُعَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ عَلِيًّا إلَهٌ، وَهُمْ يُنْشِدُونَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا... حَيْدَرَةُ الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا... مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا... سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينِ وَأَمَّا " الدُّرْزِيَّةُ " فَأَتْبَاعُ هشتكين الدَّرْزِيّ ؛ وَكَانَ مِنْ مَوَالِي الْحَاكِمِ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِ وَادِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَدَعَاهُمْ إلَى إِلَهِيَّة الْحَاكِمِ، وَيُسَمُّونَهُ " الْبَارِيَ، الْعَلَّامَ " وَيَحْلِفُونَ بِهِ، وَهُمْ مِنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ الْغَالِيَّةِ، يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَإِنْكَارِ الْمَعَادِ، وَإِنْكَارِ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَهُمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا " فَلَاسِفَةً " عَلَى مَذْهَبِ أَرِسْطُو وَأَمْثَالِهِ أَوْ " مَجُوسًا ". وَقَوْلُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَجُوس، وَيُظْهِرُوا التَّشَيُّعَ نِفَاقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ». ثانيا: فتاوى قريبة حين نتحدث عن الفتاوي ذات الصلة فإننا معنيون بالتركيز على تلك الفتاوى التي تصدر عن علماء يتمتعون بمسؤولية علمية وفقهية واجتماعية وسياسية معلومة للعامة والخاصة، كما أننا معنيون بتلك الفتاوى التي يكون لها بالضرورة آثارا وتداعيات تمس معتقدات العامة وحياتهم الشخصية وأفعالهم، المادية والمعنوية، فضلا عن أحوال المسلمين ومصائرهم، وما يترتب عليهم من واجبات وحقوق وأحكام شرعية. كما أننا معنيون بتلك الفتاوى التي تتجند وسائل الإعلام لنشرها على نطاق واسع بهدف إيصال الموقف الشرعي في نازلة معينة إلى عامة المسلمين، وحثهم على وجوب الالتزام به والعمل بمضمونه. أما المواقف الشرعية التي تصدر عن علماء مسلمين، فقد تكون أعمق تأصيلا، لكنها قلما تُحدث فارقا طالما بقيت حبيسة الصدور، لا تجد لها سندا إعلاميا أو شرعيا يسمح لها بالشيوع والانتشار. في زمن الأيديولوجيا؛ وفيما توفر من معطيات، فقد تميزت الفتوى بخصوص الطائفة « النصيرية» بالغياب التام، إلا ما تم تناقله عن السلف. وتبعا لذلك فمن الصعب الوقوع على فتوى تمس الشرعية العقدية للنظام السياسي أو « حزب البعث». وحتى البرقية التي وجهها الشيخ عبد العزيز ابن باز، رئيس المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، إلى « رئيس النظام السوري»، على خلفية الدعوة إلى « تطبيق الشريعة» والتنكيل الذي تعرض له السوريين تحت « ستار حادثة حلب» لم تمس الشرعية العقدية للنظام، لا من قريب ولا من بعيد، بقدر ما عبرت عن الأسف!!! هكذا قالت: « يأسف أشد الأسف لما يجري في هذا البلد الغالي من سفك دماء الذين ينشدون ما هو واجب على كل حكومة تؤمن بالله ورسوله من تحكيم شرعة الله ورسوله .. ويستغرب أشد الاستغراب أن تكون هذه الدعوة في بلد إسلامي عريق جرما يستوجب أهله الاعتقال والإيذاء والقتل ... إننا لنهيب بكم .. وبكل المسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يجمعوا الصفوف على كلمة الله .. وتطبيق شريعته .. ويعدوا العدة، ويوحدوا القوى في ظلال العقيدة الإسلامية، وحب الجهاد والاستشهاد، فذلك هو طريق النصر والفلاح». ( نشرت في مجلة الاعتصام المصرية، عدد يناير / كانون الثاني 1980). وإلى حين صدور بيان المجلس لم تكن الحرب « العراقية - الإيرانية» قد انفجرت بعد ( أيلول / سبتمبر 1980). ولم تكن الثقافة الشعبية لتميز فعلا بين الفِرَقْ والطوائف لاسيما إذا تعلق الأمر بـ « الشيعة». أما « النصيرية» فقد كانت غائبة حتى كلفظة، ناهيك عن كونها طائفة. لكن في أعقاب اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، واستعارها وسط تحالف « سوري - إيراني»، ظهر ثمة حاجة للمعرفة، وبدت التساؤلات تشق طريقها ولو من باب الفضول. وفي السياق تلقى الشيخ ابن باز سؤالا استفساريا يقول: « ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والشيعة؟» فكان الجواب: « هناك فرق بينهم. فالله ما جعل الناس سواء، لا يستوي الذين يعملون الصالحات والذين يعملون السيئات، وما يستوي الأبرار والفجار. يجب التفريق بين الكفار والمسلمين وبين الشيعة وغيرهم، الشيعة مبتدعة وهم أقسام كثيرة: فيهم الرافضي وفيهم النصيري وفيهم الإسماعيلي، وفيهم أصناف أخرى وهم طبقات وأقسام، منهم عبدة أهل البيت يعبدون أهل البيت يدعونهم من دون الله يستغيثون بهم كالرافضة والنصيرية وأشباههم، هؤلاء كفار. نسأل الله العافية». ( من أسئلة حج عام 1407هـ، شريط رقم 6. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثامن والعشرون). هكذا هم .. « الرافضة والنصيرية وأشباههم، كفار»!!! ومن الواضح أن الفتوى لم تتطرق إلى الموقف الشرعي من « حزب البعث» بقدر ما ركزت على حكم الطوائف. وقبل أن تضع الحرب أوزارها (8/8/1988) ظل الرئيس العراقي صدام حسين يحظى بكل الدعم والتأييد والنصرة من دول الخليج العربي، باعتباره « حارس البوابة الشرقية»، حتى صارت حربه على إيران مضربا للشعر والأمثال. كما أن « حزب البعث» ظل بمنأى عن أي طعن أو إدانة ناهيك عن الحكم الشرعي. لكن بعد أن غزا الكويت في 2/8/1991. تلقى كتلة من التوصيفات العقدية أخرجته و « حزب البعث» من الملة. ولا ريب أن النموذج الأبرز لسيل الفتاوى كانت تلك التي قدمها الشيخ ابن باز حيث قال فيها: « ... تُقَاتَل الفئة الباغية ، وهي مؤمنة حتى ترجع ، فكيف إذا كانت الطائفة الباغية ظالمة كافرة ، كما هو الحال في حاكم العراق ، فهو بعثي ملحد ، ليس من المؤمنين ، وليس ممن يدعو للإيمان والحق بل يدعو إلى مبادئ الكفر والضلال ... ». وكذلك حين سئل: « هل حاكم العراق كافر وهل يجوز لعنه؟ فأجاب: « هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه، ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا فهو كافر ... ». ( من ضمن أجوبة سماحته رحمه الله على الأسئلة الموجهة له عام 1411هـ - 1991م، أيام غزو العراق للكويت- الفتاوى المجلد 6). قد لا تتضح قيمة مثل هذه الفتاوى في حينه، فضلا عن كونها تسببت بانقسامات في العالمين العربي والإسلامي، باعتبارها جاءت لتلبي احتياجات سياسية أكثر مما هي استجابة لضرورات عقدية. إذ أن « حزب البعث» وصدام حسين كانا موجودين قبل غزو الكويت، وكذا الرئيس السوري حافظ الأسد و « حزب البعث»، ومع ذلك لم تصدر فتاوى بـ « تكفير» هذا أو ذاك!!! لذا فإن مشروعية الفتاوى نفسها لا تبدو ذات قيمة اجتماعية أو عقدية ما لم تتسم بالتجرد والعمومية، وتتخلص من التشكيك والشبهات المرافقة لها بنيويا. فما ينطبق على « حزب البعث» في العراق لا بد وأن ينطبق، بقوة الحكم الشرعي، على مثيله في سوريا. هذا الأمر ظهر جليا في فتوى لاحقة للشيخ ابن باز حين سئل: « هل نكفر رئيس العراق وحزبه البعثي لاعتقادهم بذلك أم لا؟» فأجاب: « البعثيون كلهم كفار، سواء رئيس العراق أو غيره؛ لأنهم يرفضون الشريعة ويعادونها». ( مجلة الفرقان، العدد 100، في ربيع الثاني 1419هـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثامن والعشرون). ثالثا: فتاوى خلال الثورة 1) الجهاد والنصرة في إطار بيان الموقف الشرعي من النظام قمنا بمعاينة عشرات الفتاوى التي صدرت عن مؤسسات أو علماء. وللوهلة الأولى تبدو، في الإجمال، قوية في لغتها الشرعية وهي تكفر النظام والطائفة النصيرية وحتى الرئيس السوري بشار الأسد عينا. لكن التدقيق فيها يكشف أيضا عن تجنب بعضها للحكم الشرعي وإيراده في صيغة غير مباشرة كما فعلت واحدة من أهم الفتاوى. فمن جهتهم أصدر 50 داعية سعوديا ثلاثة بيانات كان آخرها في 15/8/2011، دعوا فيه الدول والمؤسسات والأفراد والجماعات إلى نصرة الشعب السوري، و: « قطع علاقاتها الدبلوماسية، وإيقاف كافة أنواع الدعم الاقتصادي عن نظام الحكم المجرم في سوريا، والعمل على محاصرته وعزله سياسيًّا واقتصاديًّا؛ حتى يكف عن هذه الممارسات الوحشية». وقيل في البند الأول منه: « إن الواجب الشرعي يحتِّم على أهل العلم والإيمان وأهل الرجولة والمروءة والنخوة من العلماء والدعاة والخطباء وأعضاء هيئات الفتوى والمجامع الفقهية والروابط والاتحادات الإسلامية؛ أن يجهروا بالحق ونصرة هؤلاء المظلومين.. ويبينوا الحكم الشرعي بوضوح وبلا مواربة؛ لهذه الممارسات الوحشية والإجرامية، التي هي من أعظم الفساد في الأرض .. وأن يسعوا لعقد مؤتمرات شعبية لمناصرة إخواننا المنكوبين في بلاد الشام». مع ذلك فقد خلا البيان من إظهار الحكم الشرعي بحق النظام أو الرئيس السوري!!! واستعمل في توصيف النظام عبارات مثل: « الفساد .. المجرم .. الممارسات الوحشية .. العصابة الحاكمة في سوريا». ونفس المحتوى تقريبا عبر عنه بيان الـ 107 علماء، وهو الأشهر بشموله الكثير من علماء المسلمين في العالم العربي. واستعمل البيان الذي صدر في 7/2/2012 عبارات سياسية من نوع: النظام « المستبد .. الفاسد»، مع التركيز على « حرمة سفك الدم الحرام»، و « دعم الجيش الحر». أما فتاوى أو مقالات الشيخ حامد العلي فقد ربطت باستمرار وبوضوح بين النظام « النصيري» في سوريا و « المجوسي في إيران. وفي « فتوى وبيان في شأن جهاد أسود الشام ضد طاغيتها ، وأشقاها ، وشارونها – 28/1/2012 »، وكذا « ميثاق الجهاد – 29/2/2012 » أصر الشيخ على نسبة ألفاظ من نوع: « الطغيان .. الطاغية .. طغاة .. شارون سوريا .. أطغى طغاة الأرض» إلى النظام السوري أو الرئيس. وحرض على الجهاد معتبرا أن: « الجهادَ في أرض الشَّام هو أفضل الجهاد اليوم، والقائمون عليه من أسود الشام، وأبطال الإسلام، همْ خيرُ المجاهدين منزلة، وأعظـمهم درجة، وأزكاهم عند الله إن شاء الله تعالى .. ذلك أنهم يقاتلون من جمـَعَ على أهل الإسلام الشرَّيـْن، وانتظم الخطريْن، شرّ الرفض الذي هو أخبث دين على وجه الأرض، وشـرّ الطغيان العظيم الذي لم يصل إلى مثله طغـيان .. وهم بذلك يدفعون بنحورهم عن أهلِ الإسلام، ويهرِقون دماءَهَم لأجل حماية المسلمين، وليدفعوا عنهم بأس الكافرين»، ورغم أنه استشهد في الآية الكريمة على قتال أهل الشام: ( وحرِّض المؤمنين عسى الله أنَّ يكفَّ بأسَ الذين كفروا )، إلا أنه لم يستعمل لفظة « الكفر» أو « التكفير» ضد النظام أو الرئيس بصورة مباشرة. وكذا الأمر حصل بالنسبة لفتوى الشيخ محمد علي الجوزو، مفتي جبل لبنان، خلال اللقاء التضامني الذي نظمه « اللقاء العلمائي في لبنان - 5/2/2012. ورغم ابتعاده عن « التكفير» إلا أنه حمل بشدة على « حزب البعث» الحاكم في سوريا، مؤكدًا أنه: « كان مصيبة على أمة الإسلام والعرب، حيث يحملون راية العروبة زورا وبهتانا». وأن: « حزب البعث سقط نهائيا ولن يعيش بعد اليوم». وعلى نفس نهج النصرة الداعم للجهاد والثورة في سوريا، ولكن دون « تكفير» النظام بشكل صريح، جاءت فتوى علماء اليمن في 14/3/2012، تبعتها في اليوم التالي فتوى الشيخ عبد المجيد الزنداني بلسان نجله محمد على صفحته في « الفيس بوك». ودعت الفتوى إلى: « وجوب الجهاد على المسلمين في كل أنحاء الأرض، دولاً ومجتمعات ومؤسسات وجمعيات ولجان وأفراد وتكتلات»، ودعت: « الدول المجاورة لسوريا إلى فتح الحدود أمام المجاهدين»، معتبرة أن: « الجهاد في سوريا فريضة»، وهو ما كرره في المؤتمر الدولي باستنبول (5/4/2012). أما تصريحات د. محمد بديع، مرشد جماعة « الإخوان المسلمين» فقد جاءت بمثابة هجوم سياسي على النظام السوري الذي وصفه بـ «المجرم» و «الغاشم» و «الجائر» و « مثالا للظلم والاستبداد والطغيان والعنف والإرهاب في أبشع صوره». لكنه خلا من أية لغة شرعية تذكر. ففي رسالته الأسبوعية، التي خصصها للحديث عن الثورة السورية في 2/3/2012، خاطب الرئيس السوري قائلاً: « إن كان قد بقي في ذاتك شيء من الحياء فاستح من ربك، واتقه في عباده، ولا تنس أنك أجير عند شعبك، ولتحافظ على ما تبقى من مقدرات بلدك، ولتحقق مطالبه المشروعة، وتنزل على رغبته بضرورة تركك للسلطة لمن يرتضيه ويختاره بإرادته الحرة، ولتكف عن سفك الدماء ودك المدن بالأسلحة الثقيلة التي لم تستخدمها ضد مغتصبي أرضك، وعدو الله وعدونا، فكيف بك تستنزفها ضد أبناء شعبك الأبرياء العزل». 2) القتل دون التكفير كانت فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في 21 /2/2011 هي الأولى التي قضت بقتل زعيم عربي هو العقيد الراحل معمر القذافي. لكن القرضاوي لم يكررها بحق أي رئيس آخر، بمن في ذلك الرئيس السوري. وبالكاد مضى يوم على صدور الفتوى حتى صب الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة، الشهير بأبي بصير الطرطوسي، جام غضبه على القرضاوي فيما يشبه التحدي له بأن يصدر فتوى مماثلة بحق بشار الأسد. وفي 26/2/2012 نسبت وسائل الإعلام إلى الطرطوسي قوله في كلمة ألقاها على طلابه في إحدى غرف الدردشة الصوتية ونشرتها المنتديات الجهادية أن: « القرضاوي وأمثاله كانوا يجادلون الإسلاميين في تكفيرهم للحكام العرب ومن ضمنهم القذافي بذريعة أنهم ولاة الأمر ولا يجوز الخروج عليهم»، وتساءل موجها حديثه إلى القرضاوي قائلا: « من منا على حق .. من منا على حق؟، وأضاف: « نحن لنا 30 عاما نقول لكم هؤلاء مجرمون ... قتلة وأعداء للأمة وأنهم لا يتورعون أن يبيدوا شعبنا». وفي السياق لم يفلت الشيخ سلمان العودة الذي أيد على القذافي من « هجمة» الطرطوسي، الذي خاطبه قائلا: « بكير .. صح النوم يا سلمان العودة .. بالأمس كنت ترمينا وترمي أخواننا بأننا من الخوارج والمتهورين والآن صحوت؟ .. قلتم هذا الكلام في بن علي ومبارك وهذا جيد لكن هناك طغاة أحياء كطاغوت الجزائر وطاغوت المغرب وطاغوت السعودية وطاغوت سوريا ... قولوا كلمة الحق في هؤلاء الآن وليس بعد أن يسقطوا .. الآن نريدك أن تتكلم ... كلمني الآن عن الطاغية في الشام إن كنت رجلا .. اعطني نفس الفتوى في طاغية سوريا الذي هو أشرس من القذافي بمليون مرة ويحكم سوريا منذ 50 عاما هو وأبوه حافظ الهالك .. أعطني فتوى في هذا النظام إن كنت رجلا الآن وليس بعد أن يسقط. لا ندري، على وجه التحديد، لماذا سارع القرضاوي إلى التصريح بوجوب قتل القذافي بينما امتنع عن الدعوة إلى قتل الرئيس الأسد، واكتفى بالقول أن: « بشار انتهى»! علما أن كلا الرئيسين من القتلة المتوحشين. ولا ندري بأي منطق شرعي أيضا انتقل الشيخ سلمان العودة من النقيض إلى النقيض مثلما فعل د. عائض القرني الذي وصف الرئيس السوري على قناة « العربية – 26/2/2012 » بالسفاح اليهودي أرييل شارون، مشيرا إلى أن: « قتل رئيس النظام السوري بشار الأسد الآن أوجب من قتل الصهيانية، وأنه أصبح واجبًا شرعيًّا نصت عليه الأدلة؛ لأن فيه دفعًا للصائل والمجرم .. الأسد وشارون سواء، ... ولن يتم تحرير الجولان حتى يذهب هذا النظام المتواطئ العميل الذي تواطأ مع أعداء الأمة، فهو في الأصل مع إسرائيل التي تقاتل بقوة لبقاء نظامه». الطريف في الأمر أن الدعوة إلى قتل الرئيس السوري وردت أكثر ما وردت على ألسنة علماء ومشايخ ودعاة مصر، مثل د. هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، الذي أفتى: « بإهدار دم بشار الأسد إذا استمر في جبروته ضد شعبه (17/2/2012) »، وكذلك فتوى الشيخان محمد حسان ومحمد عبد المقصود ( 1/3/2012). ومن جهتها نسبت صحيفة « المصري اليوم» لـ د. صفوت حجازي القول، خلال اللقاء الذي نظمه « الاتحاد العام لنقابة الأطباء»، و « رابطة أهل السنة» (15/3/2012 )،: « من مُكّن من قتل الأسد ولم يقتله، فهو آثم»، مضيفا: « إن من يقتل بشار فهو في الجنة»!!! وأكثر من ذلك قوله: « لو لم أكن معروف الوجه، لذهبت بنفسي وقتلته، ومن يستطِع أن يقتله فليقتله، وأنا أتحمل الدم عنه»!!!، مؤكداً أن: « هذه الفتوى ليست فتواه وحده، وإنما هي فتوى أصدرها مئة من العلماء المنتمين لمختلف التيارات الدينية إخوان وجماعات وسلفيين وجهاديين»، ومشددا أيضا على أن: « قتل بشار أصبح فرض عين على الأمة. أما الشيخ أحمد المحلاوي (23/3/2012) فقد قال: « إن النيل من هذا المجرم بات واجبًا على كل مسلم يستطيع ذلك»، وعلى الثوار أن يدركوا: « أن من يقوم منهم بقطع رقبة هذا الخائن فإنه لو قتل في سبيل ذلك، سيكون بإذن الله شهيدًا، وسيحشر مع سيد الشهداء بالجنة». 3) التكفير والقتل الفتاوى والدعوات إلى قتل الرئيس السوري، كما تناقلتها وسائل الإعلام، لم تتضمن تعبيرات صريحة بكفر النظام أو بكفر الرئيس السوري عينا. وإذا ما قورنت في الفتاوى التالية فإنها تطرح تساؤلات عما إذا كان الأسد « كافرا» أم « قاتلا» أم الاثنين معا؟ لا شك أن أغلب الفتاوى السابقة الداعية إلى « النصرة» و «الجهاد» أو « القتل» تحتمل أكثر من وجه، لاسيما وأن المسائل الشرعية المتعلقة بملة الفرد من المفترض أن تتسم بالصرامة والوضوح التام، نقول هذا مع أننا نعتقد أن تلك الفتاوى، وهي تشدد على الجهاد والقتال وإسقاط النظام، هي في الحقيقة أميل ما تكون إلى « التكفير»، لكن كما يقال فإن « لازم القول ليس بلازم»، وإلا فلماذا يصرح البعض بـ « كفر» الطائفة أو النظام أو الحكومة أو الرئيس في حين يمتنع البعض الآخر عن البيان الحاسم في الأمر؟ ولماذا يصرح البعض بـ « القتل» ولا يصرح بـ « الكفر»؟ مهما يكن الأمر فإن عددا كبيرا من العلماء والمشايخ والدعاة والخطباء والأئمة، من غير « التيار الجهادي العالمي»، جهروا بـ « تكفير» الرئيس السوري وطائفته، من مصر والكويت والسعودية وفلسطين وغيرها. ومن بين هؤلاء مثلا يشار إلى الشيخ عبد الملك الزغبي والتميمي ومحمد العريفي وغيرهم مما سيرد تاليا، أفرادا ومؤسسات. ولعل الشيخ صالح اللحيدان كان صريحا في « تكفير» النظام والطائفة « النصيرية» و « حزب البعث» والرئيس الأسد في فتواه التي وصف فيها الحكومة السورية ( في تسجيل صوتي 23/4/2011) بـ: « الفاجِرَة الخبيثة الخطيرة المُلْحِدة والرئيس السوري بالقول: « الرجل هذا نصيري.. بشار .. وأبوه أخبث منه قَبْلَه، وجناية أبيه خطيرة حيث قتَل عددًا كبيرًا في لحظة واحدة في سوريا». وفي الاستجواب التوضيحي الذي تلقاه بعد الفتوى أكد أن: « بشار نصيري ليس بمسلم .. وحزب البعث مشرك» حين يقول: « آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً ما لــه ثان». ومن جهتها أصدرت « رابطة علماء الشريعة لدول الخليج» ( وهي كويتية) فتوى شرعية صريحة في 12/8/2011، تضمنت ستة بنود حاسمة في توصيف النظام السوري والموقف الشرعي منه ومن العلاقة معه. وحدد البند الثاني من الفتوى الحكم الشرعي عبر الدعوة إلى: « وجوب إدانة ما يفعله النظام السوري من قتل وتعذيب وسجن والحكم على النظام البعثي بالكفر القولي والفعلي». وقد وقّع على الفتوى كل من: د. عجيل النشيمي، د. شافي العجمي، د. عبد الرحمن عبد الخالق، د. جاسم مهلهل، د. جاسم المطيري، الشيخ نبيل العوضي، د. عثمان الخميس، د. حامد العلي، د. عبد المحسن زين المطيري. ولا ريب أن أطرف ما في الفتوى التي أقرت بـ « الكفر القولي والفعلي للنظام البعثي» أنها أرسلت إلى الأمين العام د. علي الفرداقي، و د. يوسف القرضاوي، للتوقيع عليها. وبعد فتوى علماء الكويت بقليل ( في 20/9/2011) أصدر الشيخ ياسر برهامي من مصر فتوى موجهة بالدرجة الأساس إلى « الجيش السوري الحر أكد فيها على « كفر النظام والطائفة، وخاطب « الجيش الحر» بالقول: « اتقوا الله أيها الضباط والجنود في أهليكم وشعبكم المسلم المظلوم الثائر على نظام بعثي علوي كافر، فلا نزاع بين أهل العلم في كفر الطائفة العلوية النصيرية نوعًا وعينًا». ولم يطل الوقت حتى جاءت فتوى « الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» في مصر لتجمع بين « كفر» النظام و قتل الرئيس بشار الأسد. ففي 1/3/2012 قالت الهيئة في بيانها: « إن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تفتي بكفر النظام السوري الطائفي وإباحة دم رأس هذا النظام المجرم الذي ولغ في دماء السوريين، وأهان المصحف الشريف، واعتدى على حرمات المساجد، وأزهق الأرواح المعصومة، وأتلف الأموال المصونة، وتجبَّر واستكبر في الأرض بغير الحق .. »؛ « كما تفتي الهيئة وحدات الجيش السوري المسلم بالانفصال عن جيش النظام الفاجر والانضمام إلى الجيش السوري الحر، وتدعو الأمة الإسلامية بحكوماتها وهيئاتها المختلفة إلى إمداد الجيش الحر بالسلاح والمال والدعاء في الأسحار! وأضافت بأن: كل من قَتل أو أَمر بالقتل أو أعان عليه - بغير حق- فقد أتى ما يهدر به دمه، وتحل به عقوبته في الدنيا والآخرة، لا فرق بين حاكم ومحكوم أو قائد وجنود». واختتمت بالقول: « على علماء السلطان وعمائم الطغيان ورءوس الفتنة والبدعة أن يستقيلوا من وظائفهم، ويتبرَّءوا من ممالأة الكفر والإجرام، وألا يبيعوا دينهم وآخرتهم بدنيا قد أدبرت عن غيرهم، وليذكروا أن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ومقته يهوي بها في النار سبعين خريفًا، ويلقى الله تعالى وهو عليه ساخط، قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] ». ولعل مسك الختام في هذا النوع من الفتاوى هو ذاك الذي جاء على لسان الشيخ ناصر العمر، الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، خلال المؤتمر الدولي الذي انعقد في مدينة اسطنبول التركية ( 5/4/2012) بدعوة من « رابطة علماء المسلمين العالمية»، وبالتعاون مع « هيئة الشام الإسلامية». وفيه قال الشيخ العمر: « إن ما يجري في سوريا قتال بين الكفر والإسلام، وإن الشعب السوري يتعرض لمشروع باطني صفوي شيعي، تسعى إيران من خلاله إلى إعادة الإمبراطورية المجوسية من جديد». رابعا: ملاحظات ختامية الملاحظة الأولى: الواضح أن علماء الإسلام كانوا على دراية بحقيقة الأحزاب القومية واليسارية والاشتراكية وغيرها من الأحزاب العلمانية. والأوضح أنهم كانوا على دراية مبكرة بحقيقة الطائفة « النصيرية» والموقف الشرعي منها. ومع ذلك فقد وقعت الأمة في غفلتين مريرتين: الأولى، في إقامة النظام الدولي على أنقاض العالم الإسلامي، وما تبعه من تفكيك للعالم الإسلامي والدولة العثمانية ونظام الخلافة ثم إقامة دولة اليهود في القلب منه، والثانية، في زرع البذور الأولى لـ « المشروع الصفوي» في سوريا، عبر الطائفة « النصيرية»، ومن ثم سيطرتها على البلاد، واستعمال إيران لها جسرا للعبور نحو الأمة التي انخدعت في نموه على مرآى من العين دون أن تحرك ساكنا طوال عقود. ولا شك أن العلماء يتحملون قسطا كبيرا من هذه الغفلة الثانية على وجه التحديد. الملاحظة الثانية: ومن الواضح أيضا أن العلماء الذين أقروا بـ « كفر حزب البعث» صمتوا طويلا على بيان الحكم الشرعي إلى أن اصطدمت المصالح السياسية للنظم معه. وهذا يعني تغييبا للحكم الشرعي لا مبرر له، فضلا عن أنه عرّض الفتاوى، للطعن كونها فتاوى انتزعت، في حينه، لتحقيق أهداف سياسية وليس أهدافا شرعية. بل حتى هذه اللحظة ما زالت الفتاوى تفتقد إلى الشمولية في بيان أحكام المسلمين الخاضعين بالقوة لحكم « كفري» ممتد لعقود طويلة تحت السمع والبصر والغطاء السياسي أو ما بدا غطاء شرعيا!!! فإذا كانت الفتاوى الراهنة قد أشارت على مسلمي سوريا ومجاهديها ما يفعلون؛ فما هو مثلا حكمهم قبل الثورة وبعدها في مسائل المعاملات والعقود والمواريث والعلاقات الاجتماعية وإجمالي الأحوال المدنية؟ وما هو حكم من يماثلهم في الحالة؟ وبعد أن غدت سوريا اليوم، بموجب فتوى الشيخ العمر في استنبول، « دار كفر» بامتياز؛ فما هو حكم العلماء الذين أنكروا في مؤتمر ماردين صلاحية فتوى ابن تيمية في تقسيم بلاد المسلمين إلى « دار كفر» و « دار إسلام»!!!!؟ الملاحظة الثالثة: من المثير حقا أن بعض الفتاوى كانت أقرب ما تكون إلى صيغة « البيان السياسي» الذي يحرص على تجنب الحكم الشرعي. وبعضها الآخر يستعمل آيات ومصطلحات شرعية دون التصريح بالحكم الشرعي، وكأنها تتهرب منه. وهو ما لاحظناه على سبيل المثال في بيان الـ 107 عالما من أشهر علماء الأمة!!!! فإذا كان البعض يلوم « المركز» وهو العدو الأكبر للأمة، أو النظم العربية على خذلانهم الشعب السوري وتركه لمصير دموي من نظام لا يتمتع بأية منظومة أخلاقية لأي صنف من الكائنات الحية، ولا حصانة عنده حتى لرضيع، فضلا عن حماية النظام الدولي له؛ فمن الأولى أن يتم توجيه لوم شديد لمثل هذه البيانات التي نأت بمحتواها عن التصريح بالحكم الشرعي، وتنزيله عليه، واكتفت بمعاتبة النظام على « ممارساته» و « فساده» أو تقريعه على سلوكه وأخلاقه، أو حثه على « حياء» أو « تقوى» هو منهما براء. الملاحظة الرابعة: مع أن « المواجهة الشرعية» مع النظام السوري انطلقت بقوة إلا أن الواقع يكشف عن معارضة سورية أبعد ما تكون عن أي منطق عقدي. بل أن أكثرها يتصرف كمذنب يجتهد في التبرؤ من تهمة الطائفية التي فرضها النظام على المجتمع والدولة معا، وأزيد من ذلك فإن كثيرا من المعارضة تقضي الشهور تلو الشهور، ولمّا تزل، تناور على جبهة المصالحة مع النظام، أو الحل معه، وتتمسك حتى اللحظة بقطرية الثورة، وما يسمى زورا وبهتانا بـ « الوحدة الوطنية» رغم أن الخصم يعمل، جهارا نهارا، في سياق مشروع عقدي لم يعد يخفى حتى على الأعمى قبل البصير. بل أن بعض المعارضة شنت حملات محمومة على العلماء والمجاهدين، زاعمين أن فتاواهم تضر بالثورة!!! والواقع أن الثورة السورية في واد وأمثال هؤلاء في واد آخر. فالثورة السورية انتزعت من العلماء من المواقف الشرعية ما لم تنتزعه أية ثورة سابقة عليها. إزاء هذا الحال فمن المفترض أن تعترض هذه الفتاوى، خاصة في قسمها الثالث، مسار كل جهة تحاول الالتفاف على الثورة السورية أو دفع السوريين إلى الحل مع النظام، مثلما هو الحال مع مبادرة كوفي عنان، التي صممها « المركز» لـ « إدارة الثورة» دون أن يمانع في إمكانية الحل مع النظام. إذ من غير الممكن أن يحظى أي حل بالشرعية العقدية طالما بقي الأسد وعائلته في الحكم أو بقيت الطائفة « النصيرية» هي المهيمنة أو ذات نفوذ أو بقي «حزب البعث» في السلطة أو حتى في المعارضة. ومن المفترض أيضا، وهذا هو الأهم، بالنسبة للمقاتلين والمجاهدين على الأرض، أن هذه الفتاوى توجههم نحو الراية الصحيحة التي تقاتل في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله في الأرض. وهو توجيه فيه رحمة عظيمة بالمجاهدين الذين قد يتعرضون للقتل في أية لحظة، إذ أن غاية ما تتمناه أنفسهم أن ينتصروا أو يقضوا في رضى الله وليس رضى أحد، لن يفيدهم أو يحصنهم من غضب الله. وبالتالي فما من حصانة تُذكر، ولا من فائدة تُرجى، من الخوض في حرب تجري وقائعها تحت رايات عمية. لذا فقد شددت الفتاوى على سلامة الراية ووضوحها كي لا تذهب الدماء المسفوكة سدى. الملاحظة الخامسة: لا شك أن فتوى د. صفوت حجازي بإجازة قتل الرئيس السوري تضمنت شططا غير مقبول شرعيا في الكثير من النواحي كالقول: « إن من يقتل بشار فهو في الجنة»!!! أو قوله: « من يستطِع أن يقتله فليقتله، وأنا أتحمل الدم عنه»!!!، بخلاف ما جاء على لسان الشيخ المحلاوي: « أن من يقوم منهم بقطع رقبة هذا الخائن فإنه لو قتل في سبيل ذلك، سيكون بإذن الله شهيدًا، وسيحشر مع سيد الشهداء بالجنة». لكن المدهش أن نجد في الفتاوى « تكفيرا» للنظام والحزب والطائفة والرئيس والتحريض على قتله، وفي نفس الوقت نجد من يميز بين من يحق له قتل بشار ومن لا يحق له!!! ومن يرى في هذا الجهاد شرعيا بينما يرى في جهاد الآخرين « إرهابا». أما لسان حال هؤلاء فيقول: إذا جاء القاتل من « الجيش الحر» فجهاده واجب ومحمود، وقتله بشار الأسد حلال زلال، أما إذا جاء من الجماعات الجهادية، التي تملأ البلاد طولا وعرضا، وأفرادها من صلب البلد وأهله، فليس لها من نصيب إلا الإدانة والتشويه، حتى أن البعض رماها بـ « الإرهاب» عن ظهر قلب!!! الأرجح أن الذين يؤيدون هذا المنطق أو يروجون له لا يستندون إلى أي منطق شرعي. وهم في الواقع إما خصوم أو أصحاب هوى أو مضلَّلون أو غاضبون أو جهلة أو ممن أسرتهم الأيديولوجيات أو ممن ربطوا الثورة السورية في السقف الدولي. فمن الناحية العقدية لا يحق لأحد إنكار حكم شرعي إلا إذا كان منكرا للشريعة والدين، ولا يعتد بها كمرجعية توجه سلوكه وأفعاله وعلاقاته. وهذا النوع لا يؤخذ برأيه. ومن ناحية موضوعية فلا يوجد مبرر عقلي يتيم أن يعطي الحق بالقتل لهذا وينكره على آخر. الملاحظة السادسة: الثابت أن الفتاوى لم تُحدث فارقا كبيرا في الصراع مع النظام السوري لجهة الحشد والدعم والتجييش الإعلامي والمادي. فالدول المحيطة بسوريا لا تزال تمنع التبرعات العامة في المساجد والمؤسسات ومراكز الرعاية والإغاثة. ولو قارنا الحالة السورية بالحالتين الأفغانية والبوسنية لتبين لنا مدى الفرق الهائل. ولا يحتاج المرء كثيرا من التأمل لمعرفة الأسباب. ففي حالتي أفغانستان والبوسنة كان الاتحاد السوفياتي وصربيا عدوا عقديا، فضلا عن كونه أعظم خصوم « المركز» الأيديولوجيين وأخطرهم. وكان « الإلحاد» هو التوصيف الشرعي للعدو آنذاك. لكن في المرحلة الثانية من الجهاد الأفغاني أو في العراق فقد غدت المشكلة مع « الحليف»، مما استدعى تغيير التوصيف الشرعي للحرب ليلائم احتياجات « المركز» وتوصيفه، وتبعا لذلك صار الجهاد « إرهابا». أما اليوم مع الثورة السورية فإن التوصيف الشرعي للعدو هو « الكفر» و « الإلحاد» و « العدوان». ولولا انفجار الشوارع العربية لما تلقينا هذا الكم الهائل من الفتاوى التي تتطابق، للمرة الأولى، مع فتاوى علماء « التيار الجهادي». لذا ثمة حذر وخشية من غضب «المركز» الذي لا تروق له مصطلحات « التكفير» و « الجهاد»، فضلا من خشيته على مصالحه وبنية النظام الدولي الذي تمثل سوريا ركيزته الأساسية إقليميا. بمعنى أن « المركز» لا يضيره أي تهديد حتى لو كان على حساب الحرمين الشريفين بقدر ما يهتم لسلامة النظام الدولي القائم، والذي يتعرض، بفعل الثورة السورية، لخطر شديد. ومع أن دول الخليج تعلم هذا علم اليقين إلا أنها ما زالت عاجزة حتى الآن عن الإفلات من قبضة « المركز» الذي يعمل على تمكين « المشروع الصفوي» من « ظاهر الأرض» مقابل احتفاظه بـ « باطنها». والحقيقة أنه ما من حل لمواجهة المشاريع العقدية سواء كانت « صليبية» أو « يهودية» أو « صفوية» إلا بمشروع عقدي مماثل. وهذا ممكن إذا تصالحت النظم مع القوى العقدية أو إذا أحدثت القوى العقدية نفسها فارقا على الأرض يمكن بموجبه أن تحرر، بأقصى ما يمكن، منطوق العلماء من قبضة النظم أو مما تجيش به الصدور. يتبع في الحلقة السادسة ... الحلقات السابقة (1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب (2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار (3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد (4) الثورة السورية ومسارات التدويل: تسليح الثورة نشر بتاريخ 20-05-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل (6) خريطة القوى المسلحة د. أكرم حجازي 12/6/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...7a59e62e40.jpg منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة السورية أصيبت الشعوب العربية والقوى الثورية بنوع من الدهشة، تجاه ما بدا، حتى حينه، مراهنة عصية على الفهم والتصديق. إذ من المذهل، بكل الحسابات، أن تنطلق ثورة في بلد صار الخوف العميق في نفوس أهله كما لو أنه جينا وراثيا، يدرك مقياسه ودرجاته، فقط، من بلغ من العمر بضع سنين!!! ومع أن السوريين انتظروا فرصتهم طويلا لملاقاة النظام، وفتح ملفات القهر والخوف الدموي معه على مدار العقود الخمسة الماضية، إلا أن الخلاص منه، بـ « أقل التكاليف»، لم يكن متوفرا رغم (1) الدعوة المبكرة إلى « سلمية الثورة» ومحاولات « الطمأنة» و « التفاهم»، ورغم (2) تدخل القوى المحلية والإقليمية والعربية والدولية، ورغم (3) توفير ما بدا فرصا متتالية ومخارج سياسية دولية واجتماعية ملائمة للنظام ... بل أن « أبهظ التكاليف»، عبر عشرات المذابح الجماعية الوحشية، لم تؤشر بعد على كونها كافية للتخلص من النظام. أما لماذا؟ فلأن حقوق ملكية النظام ليست محلية، بقدر ما هي ماركة مسجلة تاريخيا باسم حماية النظام الدولي واستقراره. وبالتالي فالذين جهدوا في استدعاء « الناتو» للمنطقة، مستعملين حسن النية والاستعداد لتجديد عقود التحالف مع « المركز» وتلبية مطالبه الأمنية والاستراتيجية، محليا وإقليميا، ظنوا ببلاهة عجيبة أن « المركز» يمكن أن يأمنهم على سلامة « إسرائيل» والنظام الدولي، الذي بني على أشلاء العالم الإسلامي، واستقراره، منذ مطالع القرن العشرين، واحتل النظام الطائفي فيه حجر الزاوية إقليميا. ومع الرفض الصريح لـ « تسليح الثورة» أو نصرة الشعب السوري، واشتداد حدة الصراع الدموي، بدأت « المواجهة الشرعية مع النظام» عبر فتاوى العلماء والمشايخ التي أخذت تصدر تباعا عبر العديد من الدعوات المنادية بـ « الجهاد»، مرورا بفتاوى « تكفير النظام» السوري، وانتهاء بالدعوة الصريحة إلى « قتل» الرئيس بشار الأسد. إلا أن محتواها العقدي توجه، نسبيا وبصراحة، نحو (1) المشروع « الصفوي» دون أن يقترب، ظاهريا، من (2) المشروع « الصليبي» ممثلا بـ « المركز» أو (3) المشروع « الصهيوني» ممثلا بـ « إسرائيل». ومع ذلك فقد مثلت غطاء شرعيا للقوى المسلحة في الثورة السورية. وبدأت مفاعيله، لاسيما بعد مجازر أطفال الحولة وحماة (25، 27/5/2012)، تتبلور في صيغة التخلي عن « محلية الثورة» والاتجاه نحو « الربط» بين المشاريع الثلاثة التي تواجهها الثورة .. هذا الربط الذي كان واقعا قائما منذ اللحظات الأولى للثورة، ومسكوتا عنه سياسيا وإعلاميا، صار اليوم مسموعا بملء الفم وعلى امتداد أفق البصر. وصار التحذير من الحرب الأهلية أو الطائفية، بمعنى أدق، أمرا لا مفر منه. والسؤال هو: ما هي خريطة القوى المسلحة المحلية والفاعلة في الثورة السورية؟ وإلى أي حد تبدو منسجمة عقديا في خوض الصراع؟ أولا: سلالة الجيش الحر في مقالة سابقة بعنوان « عذراء الجهاد» قلنا أن المجتمع السوري خضع لعملية تجهيل متوحشة نجحت في تجريده من كل عناصر القوة وأدواتها. فهو لم يستفد من الأيديولوجيات والفلسفات الراديكالية التي كانت الحركات الوطنية العربية والفلسطينية تتمتع بها، كما لم يستفد من الوعي السياسي أو من أي تشكيل سياسي إلا بمقدار ما يعبر عنه خطاب « حزب البعث» بصيغته الأمنية المتوحشة أو النظام بصيغته الطائفية الدموية، كما لم يستفد من أية تجربة قتالية ثورية أو نظامية، ولا من الإسلام كمرجعية حضارية وشرعية وعقدية وسياسية، لاسيما بعد أن أحال النظام الإسلام للصوفية وأساطيرها وشركياتها. إذن نحن بصدد مجتمع مقهور، ومجرد من « الخبرة» و « التجربة» و « المرجعية» و « العقيدة». فما كان منه في أول مواجهة شاملة مع النظام إلا التحصن بـ « الفطرة»، بوصفها المجال الوحيد الذي يتيح له « « التمايز» عن النظام من جهة، والمرجعية الوحيدة التي يمكن « الاسترشاد» بها في مواجهة النظام من جهة أخرى!!!! لذا ليس عجيبا أن يلحظ المرء لدى السوريين شعورا بالغربة والاستهجان في أية مناقشة ذات صلة في المسائل العقدية والأيديولوجية وحتى السياسية. لكن العجيب حقا أن تجد الكثيرين منهم، حين يشتد النقاش عمقا، يجيبون بالقول: « أنا لا أفهم ما تقول»، وبعضهم الآخر يختصر النقاش بالقول: « يا أخي .. يا عمي .. أنا مسلم على الفطرة وهذا يكفيني .. لا توجع راسي .. الله يرضى عليك»!!! لا شك أنها إجابات بليغة للغاية، وتحتاج إلى الكثير من التأمل، في ضوء وقائع الثورة وشعاراتها وكتائبها المسلحة. فـ « الفطرة»، رغم ضحالة محتواها الشديد، ملأت مئات بؤر الاحتجاجات الشعبية بلافتات إسلامية ضخمة، ودعوات لتحكيم الشريعة، ومظاهرات صاخبة تنادي بالخلافة. بل أن كتائب « الجيش السوري الحر» لم تتخذ لها من الأسماء إلا تلك المستوحاة من التاريخ الإسلامي أو المتيمنة بأسماء الصحابة. وهو مشهد يبدو على النقيض من المشهد الجهادي في العراق، والذي شكلته عقلية أبو مصعب الزرقاوي وهيبته وليس « الفطرة»، كما هو الحال في سوريا، مما يعكس، إلى حد كبير، مدى قابلية المجتمع السوري للتشكل العقدي. هكذا؛ ففي الوقت الذي تبدو فيه « الفطرة» علامة ضعف عقدية إلا أنها علامة قوة بارزة يمكن الاحتيال عليها والتلبيس لكن يصعب اختراقها. فالعودة إلى « الفطرة» تعني، بوعي أو بدون وعي، القطع التام مع ما يصادمها من أيديولوجيات وفلسفات وثرثرات وحتى امتطاءات لظهر الثورة من هذه الجهة أو تلك. لكنها تعني بنفس الدرجة إمكانية الوقوع في المحاذير العقدية دون وعي. وعليه فقد يبدو طريفا أن تنادي مظاهرة بـ « تحكيم الشريعة» أو « عودة الخلافة» وفي نفس الوقت تطالب، هي أو غيرها، بـ « الحظر الجوي» أو « الحماية الدولية»!!! هكذا هي عذرية الثورة السورية .. فهي عذراء في السياسة، وعذراء في الدين، وعذراء في القتال، وعذراء في الخبرة، وعذراء في التجربة، وعذراء في الأيديولوجيات .. عذراء في الشجاعة والبطولة والإصرار والثبات، وعذراء في كل منحى. والأكيد أن الصعوبات في التمييز بين الخطأ والصواب .. بين الحق والباطل .. بين الولاء والبراء .. بين وبين .... ناتجة عن هذه العذرية التي تتعرض لهجمات إعلامية وأيديولوجية وحتى اختراقات سياسية أو أمنية بين الحين والحين، لكن دون أن تنجح في احتوائها أو ثنيها عن أهدافها في بلوغ الحرية أو حتى قدر منها بلا طائفية. بهذا التصوير لمشهد « مجتمع الثورة» يغدو « الجيش الحر»، بمختلف مكوناته الاجتماعية، العسكرية والمدنية، سليل المجتمع السوري بنسخته العذرية، ما بعد الثورة وليس ما قبلها. فالثورة التي بدأت « سلمية» سرعان ما اتجهت نحو « العسكرة» القادمة من رحم النظام صاحب القبضة الأمنية الوحشية و « العلاقة الطائفية» المفروضتين على كافة مناحي الحياة في المجتمع والدولة. والثابت أن الثورة شقت طريقها إلى مؤسسات الأمن والجيش على وقْع الخيارين الأمني والطائفي للنظام، وتبعا لذلك فقد تعرضت القطاعات العسكرية والأمنية لاختبارات « تمايز» قاتلة، ذهب ضحيتها، غدرا، مئات الجنود والضباط، فضلا عن تصفيات طالت عائلات بكاملها. ولا ريب أن المفارقة العجيبة في الثورة العسكرية هي تلك « الوضعية المهينة» التي لم يسبق لها مثيل، والتي تحول فيها آلاف الجنود والضباط إلى لاجئين في الدول المجاورة، يسكنون مخيمات اللجوء، ويتلقون الإغاثة كما يتلقاها المدنيون!!! إذن الأنوية الأولى للجيش، كما ذكرنا في مقالة « عذراء الجهاد»، تكونت من المنشقين عن جيش النظام. لكن التشكيلات المنتشرة في عموم سوريا، من كتائب وألوية ومجالس عسكرية، لم تعد تقتصر فقط على ذوي الأصول العسكرية الصرفة. إذ ثمة متقاعدون عسكريون وأمنيون ومتطوعون وخبراء وإعلاميون مدنيون شكلوا روافد لا بأس بها للكتائب وحتى للقيادات الميدانية. لذا فإن أبرز ما يميز « الجيش الحر» أنه ليس تنظيما أو جماعة أو حزبا. وهو كما قلنا مجرد عنوان للثورة وليس تنظيما أو حركة أو جماعة، وبالتالي يمكن أن ينتظم في إطاره، إعلاميا، كل من يرغب في مقاتلة النظام دون أن ينتسب إليه. وهذه وضعية مناسبة لـ « مجتمع فطري» لا تعنيه الصراعات الأيديولوجية ولا يأبه لها. وكل ما في الأمر أن تأسيس « الجيش الحر» بدا كـ « مؤسسة عسكرية بديلة عن قوات الأسد» كما قال العقيد الركن أحمد فهد النعمة، قائد المجلس العسكري في محافظة درعا، مضيفا في تصريحات لصحيفة « الشرق الأوسط - 27/5/2012» لما يبدو محاولات للانتظام: « قمنا بتشكيل مجالس عسكرية في مختلف المحافظات وهي متواصلة من خلال المكاتب الإعلامية التابعة للمجالس العسكرية وهناك تواصل بين قادة المجالس ومع قيادة الجيش السوري الحر بشكل يومي ومستمر بغية التوصل إلى العمل المؤسساتي المنظم والهادف والذي يوازي المعايير الدولية». وفي مقابلة مع صحيفة « الغارديان 2/6/2012 » البريطانية أكد العقيد الطيار الركن قاسم سعد الدين، الناطق الرسمي باسم القيادة المشتركة لـ « الجيش الحر» بالداخل أن: « ثمة تنظيما أكثر وضوحا الآن مع تشكيل عشرة مجالس عسكرية إقليمية تتبعها كتائب محلية وفرق قتالية، وكلها لديها فروع إدارية تتعاطى مع التمويل والتزويد بالأسلحة والمساعدات الإنسانية». لكن مهما بدت هذه التشكيلات على درجة من التنسيق، الساعي إلى المأسسة التنظيمية، إلا أن بنية الجيش، وتوالي ظهور التشكيلات الارتجالية للكتائب المسلحة، والعمل في إطار اللامركزية، بالإضافة إلى الموقف الدولي الرافض لـ « تسليح الثورة»، وطائفية النظام الدموية، مكنت كتائب الجيش من التمتع بكثير من الاستقلالية، والاحتفاظ بفطرتها، بما يكفي، على الأقل حتى الآن، لمقاومة الضغوط المحمومة التي بذلتها قوى في المجلس الوطني، وأخرى في قيادة الجيش، وكذا بعض الشخصيات والمشايخ، فضلا عن جهات إعلامية ودولية، لتحقيق اختراقات تنظيمية أو انتزاع مواقف معادية للقوى الإسلامية راهنا أو لاحقا .. مثل هذه القوى التي تطفوا على السطح بين الحين والحين، وتعيش حالة من انعدام الوزن، هي بلا شك تلعب بنار قد تحرقها وتوقع أثرا بالغا في القوى الثورية التي لا تعنيها الصراعات السياسية والأجندات الأجنبية. فاللامركزية ومحاولات الاختراق ووضعية « عساكر الشتات» كان لا بد، عاجلا أم آجلا، من أن تلقي بظلالها على منطق العمل وآلياته في « الجيش الحر». وقد بدا مثل هذا الأمر جليا في أعقاب تهديدات صدرت عن قيادات في الجيش داخل سوريا تقضي بإعطاء مهلة للنظام السوري تنتهي في 2/6/2012 : « لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والشرعة الدولية فورا»، وإلا فإن الجيش: « في حل من أي تعهد يتعلق بخطة أنان». وعلى الأثر رد العقيد رياض الأسعد قائد « الجيش الحر» على « بيان الداخل» بالنفي، قائلا: « لا توجد مهلة»، مؤكدا في نفس الوقت: « التزام المعارضة بخطة أنان وبالقرارات الدولية»، ومتمنيا أن يصدر كوفي عنان بيانا من طرفه يعلن فشل الخطة حتى لا يتم إلقاء مسؤولية الفشل على « الجيش الحر». هذا التباين الخطير في التصريحات كشف عن رؤى متصارعة بين « قيادات الخارج» و« قيادات الداخل»، مثلما يؤشر على وجود قوى خارجية تسعى ليكون لها الصوت الحاسم في الداخل السوري. ففي 31/5/2012 رد العقيد قاسم سعد الدين، على تصريحات الأسعد بقسوة غير مسبوقة: « لا يحق لأحد أن يتكلم أو يصدر أي بيانات للجيش السوري الحر في الداخل ... واعتبارا من تاريخه لن نأخذ القرارات إلا من قيادات المجالس العسكرية في الداخل التي تعبر عن حال الشعب السوري الثائر .. ولا يحق لأي جهة عسكرية أو مدنية في الخارج أن تتكلم عن خطط الجيش السوري الحر في الداخل». بل أن بيان العقيد سعد الدين ذهب في قسوته أبعد من ذلك حين أضاف بأن: « من أراد أن يمثل الشعب السوري والجيش الحر أو ناطقا باسمه فليتوجه إلى أرض الميدان وليتوجه إلى الداخل حتى يستطيع أن يمنحه الشعب السوري المنتفض هذه الشرعية». ولا شك أن بعض التصريحات الصادرة عن بعض قيادات الجيش أو كتائبه تتسبب بكثير من السخط، كتلك التي تصنف في خانة الولاء والبراء، أو ذات النوع الابتزازي الذي يستهدف حرق بعض الشخصيات مبكرا، أو تلك الناتجة عن الجهل، لكنها لم تنل كثيرا أو قليلا من حقيقة طغيان المشهد الديني على مكونات وأداء أغلب التشكيلات العسكرية، لاسيما بعد تنبه بعض القيادات لمثل هذه السقطات ونفيها أو التنكر لها. بل أن بعض الشهادات تتحدث عن كتائب إسلامية داخل « الجيش الحر»، مثل كتيبة « البراء بن مالك» وكتيبة « ذو النورين»، وحتى « كتائب عبد الله عزام» التي قيل أنها تنشط تحت لوائه. والحقيقة أن « الجيش الحر»، الذي احتل مكانته كواجهة شعبية مسلحة للثورة، صار يتجه، بفعل الحضور الإسلامي هذا أيضا، نحو المزيد من الوضوح في تحديد هوية الصراع مع النظام باعتباره صراعا عقديا، يدركه الشعب السوري ويخوضه بأدق تفاصيله، مهما حاولت الكثير من القوى تجنب هذه الحقيقة أو إخفائها، إعلاميا وسياسيا، تحت يافطة الوحدة الوطنية أو الاحتياجات الدولية. وهو الأمر الذي بدا جليا بصورة غير مسبوقة في الأداء السياسي والإعلامي لـ « الجيش الحر»، بعد مجزرة الحولة. فللمرة الأولى يتحدث عسكريون في موقع المسؤولية عن حرب طائفية صريحة من النظام ضد السنة في سوريا. وفي السياق فقد توفر لدينا أكثر من تصريح في هذا الصدد يوم 29/5/2012. أما الأول فقد جاء على لسان العقيد مالك الكردي في تصريحات له أدلى بها لصحيفة « الشرق الأوسط» قال فيها إن: « معالم الفتنة المذهبية أصبحت واضحة في سوريا لاسيما بين القرى الموالية للنظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى، وهي تنذر بحرب أهلية لن تكون دول المنطقة بمنأى عنها». ومن جهته اعتبر العقيد خالد الحبوس، رئيس المجلس العسكري في دمشق وريفها، على قناة « وصال» أن الحرب مع النظام هي « حرب طائفية ضد السنة في سوريا». وكذلك تصريحات النقيب رواد الأكسح، قائد كتيبة المهام الخاصة في حمص، خلال لقائه على غرفة « الجيش الحر - المجلس العسكري في دمشق وريفها» في « البالتوك» حيث اعتبر الحرب مع النظام هي « حرب بين الكفار والمسلمين». وبعد يومين (31/5/2012) فوجئ أهالي دير الزور بملصقات لـ « الجيش الحر»، ذات محتوى عقدي غير مألوف أو مسبوق، انتشرت في شوارع المدينة، وخاطبت الأهالي بالقول: « يا أبطال وأحرار وحرائر دير الزور؛ ها قد طلبتم المساعدة والعون من العالم أجمع ولم ينصركم، ونسيتم اللهَ خالق العالم وخالق الكون وهو على نصركم لقادر». وأضافت: « عودوا إلى الله وأقيموا صلاتكم ولا تتركوها وأكثروا من الدعاء والاستغفار، والله لا يضيع عملكم .... انصروا اللهَ لينصركم اللهُ فإنه على نصركم لقادر، واعلموا (أنه) لن ننتصر حتى تصبح صلاة الفجر كصلاة الجمعة ... الله الله يا أمة رسول الله». في المحصلة يمكن القول أن « الجيش الحر» ليس وحده القوة الفاعلة على الأرض. فعلى هامش القوى العسكرية المنظمة ثمة قوى متناثرة على امتداد ساحات الثورة، بعضها مدني النشأة، دفعه بطش النظام ومليشياته القاتلة إلى حمل السلاح دفاعا عن أهله أو حيه أو قريته، وبعضها الآخر ممن سلك طرقا جنائية وانحاز إلى قيم الثورة وأهدافها، وبعضها قبلي المحتوى والنشأة، عمل في المساندة والدعم ولو بحدود ضيقة جدا، وبعضها، امتطى ظهر الثورة طمعا في جني المكاسب، وبعضها من المنبوذين اجتماعيا، ممن لا تخلو منهم ساحة عنف، استغل الفراغ الأمني وسلك، عبر السلاح، سبلا جنائية، ألحقت أضرارا بمصالح الناس. يبقى القول أن أسوأ ما في الثورة السورية، ونسبيا في « الجيش الحر»، هي تلك الشريحة التي تَملَّكها الغرور والصلف، مستعملة الثورة، بوعي أو بدون وعي، جسرا للتسلق والتملق والاسترزاق والعبور والوصول إلى حيث تقع مصادر الدعم والتمويل، أو بحثا عن شهرة أو فضل ينسب في غير أهله. فما أن تستمع لأحدهم إلا ويزعم رعايته لمئات المقاتلين في هذه المنطقة أو تلك .. هذا إنْ لم يحتكر مسؤوليته عن منطقة برمتها، ناهيك عن الطعن بهذا التشكيل أو ذاك!!! وأكثر من ذلك حين يزعم البعض ثقلا سياسيا وإعلاميا لعشرات القوى والتنسيقيات المحلية وبث الأخبار الكاذبة التي ألحقت ضررا بالغا في مصداقية إعلام الثورة، أو امتلاكه لمفاتيح وأدوات العمل العسكري والأمني، وعلاقات الدعم اللوجستي، محليا ودوليا، واختراق قواته لقوى النظام، وقدرته على قلب المعادلة لصالح الثورة فيما لو توفر له الحد الأدنى من التمويل!!! مع العلم أن العشرات إنْ لم يكن المئات من التشكيلات المسلحة، مدنية أو عسكرية، لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة من عشرة أو بضعة عشرات، ومنهم الكثير ممن يعيشون في ظروف بائسة، ويعانون شظف الحياة، والفقر والتهديد والجوع والمرض. ثانيا: تاريخية القوى الجهادية بخلاف « الجيش الحر» والمجموعات المسلحة التي تشكلت، فطريا وعلانية، في صورة ألوية وكتائب مسلحة، كان هناك مشهد ثالث، ينمو بسرية وكتمان شديدين، بالتوازي مع المشهدين السلمي والعسكري للثورة، هو مشهد الجماعات المقاتلة، ذات المحتوى العقدي الصارم والصريح .. وهو ما يمكن التعبير عنه بمشهد « الثورة الجهادية» .. مشهد ثورة لا يخفى عليها ذاك الرصيد التاريخي العريق، فكرا وعقيدة وعملا وأهدافا، ولا خبراته أو خبرات وقائع تيارات « الجهاد العالمي» التي تجوب اليوم ساحات العالم الإسلامي. البذور الأولى إذن؛ تعود البذور الأولى في الفكر الجهادي السوري لعملاق الجهاد الشيخ مروان حديد، ومواجهته للنظام انطلاقا من جامع السلطان في مدينة حماة سنة 1964، بعد عام واحد من انقلاب البعث على السلطة في 8/3/1963. هذه المواجهة التي تطورت ابتداء من العام 1974 و 1976 في صيغة « التنظيم الجهادي المسلح» الذي اشتهر باسم « الطليعة المقاتلة»، التنظيم الجهادي النخبوي المستقل، انضم إليه العديد من أفراد الجماعات الإسلامية سواء من « الإخوان المسلمين» أو من غيرهم، لكنه ظل مستقلا عنها إلى حين وقوع مجزرة حماة في 17/2/1982. قرابة العقد والنصف؛ أشاعت فيها « الطليعة المقاتلة» مناخا جهاديا هائلا في دمشق وحماة وحلب على وجه الخصوص، وخاضت فيه حربا طاحنة، أفقدت النظام الطائفي صوابه، لشدة وبأس العمليات التي نفذتها، والتي وصلت إلى حد تفجير مقر مجلس الوزراء (17/8/1981) ومبنى المخابرات الجوية (3/9/1981). وفي هذه الفترة كان السوفييت الروس، وليس الإيرانيون بعْد، هم رأس الحربة في دعم النظام الطائفي، حتى أنهم لم يفلتوا من هجمات « الطليعة المقاتلة» .. لكنهم كلما سقط منهم قتلى كانوا يصبون جام غضبهم على النظام الذي يوفر، بحسب زعمهم، أربعة أشخاص حماية لضابط نصيري بينما لا يوفر ما يلزم لحماية مستشاريهم وضباطهم!!! ... لكنها ظلت حربا تواطأ فيها الإعلام الدولي والإقليمي ضد مجاهدي « الطليعة»، كتمانا وتجاهلا، كما يتواطأ فيها على مجاهدي اليوم، تشويها وتزويرا. لم يكن المجاهدون السوريون، الذين خاضوا جهادا ضد النظام الطائفي و « كفر النصيرية» بعيدون عن ساحة الجهاد الأفغاني الأول وهو يخوض حربه ضد قوى الإلحاد العالمية. ولم يكونوا أقل فاعلية وتأثيرا من باقي المجاهدين في العالم الإسلامي، الذين تجمعوا هناك، وواصلوا حتى في مرحلة « طالبان»، وصولا إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على أبراج التجارة العالمية في الولايات المتحدة. ويكفي « الجهاد العالمي» أنه استأثر بشخصية استراتيجية نفيسة مثل مصطفى طه الست مريم، الملقب بأبي مصعب السوري، والذي خلف تراثا عالميا غزيرا، وثق فيه أغلب تجارب « الجهاد » في مشارق الأرض ومغاربها. ولم يكن السوريون، لاسيما طلبتهم في الجامعات السورية، وخاصة جامعة حلب التي تؤوي اليوم قرابة 80 ألف طالب، وتمثل مجتمع سوريا كاملا، غافلون عن احتلال العراق في 9/4/2003، وما كان يجري على مناطق الحدود التي شكلت ممرا لعبور المجاهدين العرب نحو العراق، مثلما غدت هذه الممرات مصائد لمخابرات النظام الطائفية للإيقاع بالمتطوعين للقتال في العراق. ولم تكن العلاقة بين القبائل العربية وحتى الكردية على جانبي الحدود لتنقطع، وهي التي تتعرض لخطر « الصفوية» هنا وهناك. ولم تكن الثقافة الجهادية لتفارق مواطنا أو متطوعا أو طالبا بنفس القدر الذي لم تفارق فيه الاحتجاجات على احتلال العراق طلبة جامعة حلب. وذات الأمر ينطبق على علاقة السوريين بلبنان، حيث تنشط الكثير من الجماعات الجهادية والأفراد على جانبي الحدود، فضلا عن كون لبنان ساحة ساخنة يبقى صدى فعالياتها وصراعاتها مع النظام الطائفي، هنا وهناك، يطرق الآذان في سوريا، ويمكِّن بسهولة من نسج علاقات أمنية وصلات مع تجار السلاح، ومدخلا للاستفادة من تحالفات ظرفية على وقع الخصومات الطائفية والقوى المتصارعة. إذن المشكلة في سوريا، لمن يهوى استمرارية النظام والدفاع عنه، سواء من « المركز» أو « الهامش»، ليست واقعة، كما يروجون، مع « القاعدة» بل مع « الفكر الجهادي» الشائع، و « الفكر العقدي» الذي يأبى، تاريخيا، استمرار الخضوع للحكم النصيري، والساعي إلى إقامة الدولة الإسلامية على أنقاضه .. هذا الفكر نرى معالمه بارزة لدى قطاعات واسعة من التشكيلات العسكرية التي ترفع شعارات « الحاكمية» و«الخلافة». ولا شك أنه فكْر صار يلقي بظلاله على الساحة، ويطرق أسماع « المركز»، بشقيه الشرقي والغربي، عقابا له على سياساته الرامية إلى تمكين النظام الطائفي من ارتكاب المزيد من المذابح، علّ وعسى، أن يتخلص من هذه الثورة التي أرقت الجميع وأقضت مضاجعهم .. ثورة فضحت قيمهم المزعومة عن حقوق الإنسان، وتباكيهم المزيف على اغتصاب النساء وذبح الأطفال ودفن الأحياء أو إحراقهم وتمزيق الجثث وتدمير البيوت على ساكنيها وهدم الأحياء وارتكاب الموبقات والفواحش بأبشع ما يتصوره العقل البشري .. ثورة؛ ظل « المركز» يعلن عن رفضه لـ « تسليحها»، ويحتج بلسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: « لا نعلم بالضبط هوية من يستحق التسليح – 29/2/2012»، أما الآن، وبعد مجزرة « الحولة – 25/5/2012»، وارتفاع سقف المشاعر الدينية، فقد صار هناك من يجاهر بالحديث عن سياسات صريحة تقضي، فقط، بدعم: « الجيش السوري الحر من ذوي التوجه العلماني بالأسلحة والتوجيه والقيادة والتدريب. مع سعي الاستخبارات الأميركية إلى التأكد من أن قيادات الجيش السوري الحر لا تتعاون مع القاعدة». وتصريحات أخرى لا تقل فجاجة وهي تعلن بأن الولايات المتحدة ستتدخل، فقط، إذا سقط النظام!!! أما لماذا؟ فللحيلولة دون وقوع نحو 11 مخزنا للأسلحة الكيماوية بأيدي « المتطرفين»!!! أما التصريحات الصادرة عن ساسة « إسرائيل»، والمتباكية على مذابح النظام الوحشية والإبادات الجماعية ضد الأبرياء وفضائح حقوق الإنسان في سوريا، فهي أوقح ما يمكن تصوره على وجه الأرض، خاصة حين تأتي من أعتى « المفسدين في الأرض»، وقتلة الأنبياء وأحفاد « شيلوك» وأصحاب الذراع الطويلة في الفتن والتعذيب والحروب الدموية بين بني البشر ... تصريحات فاشية غير مسبوقة بهذا الوضوح، لكنها تؤشر على رغبة « المركز» في اختراق القوى المسلحة من جهة، والعمل على إطالة أمد الحرب إلى أقصاها من جهة أخرى، بحيث تطول الحرب وتطول، إلى أن يعجز أي طرف فيها، بما في ذلك التنظيمات الجهادية، عن تهديد النظام الطائفي أو النظام الدولي أو الإقليمي، ومن ورائهم جميعا « إسرائيل». كتائب عبد الله عزام مهما يكن الأمر؛ فقد كانت الأرضية مهيأة تاريخيا وعقديا وأخلاقيا وشعبيا لمقاتلة النظام. وكما تربص الشعب السوري بفرصة لمواجهة النظام فقد فعلت « الجماعات الجهادية» وأصحاب الفكر الجهادي الأمر نفسه. وفي السياق تتواجد على الساحة السورية « كتائب عبد الله عزام» التي لم تكن معروفة قبل هجمات11 أيلول/ سبتمبر 2001. ومن باب الإشارة فقد ظهرت على متن وسائل الإعلام في تشرين الأول / أكتوبر 2004، بعد الهجوم الذي تعرض له فندق « هيلتون» في « منتجع طابا» بصحراء سيناء المصرية إلى جانب تفجيرين على شاطئين في نويبع إلى الجنوب من طابا. ورغم أنها نفذت سلسلة من العمليات كان أبرزها مهاجمة ناقلة النفظ اليابانية، وأصدرت بيانا بذلك في 2/8/2010، إلا أن نشأتها لا زالت طي الغموض حتى هذه اللحظة. وبدا نشاطها أقرب ما يكون إلى الساحة اللبنانية، حيث لا تخفى، على مراقب، رقابتها الصارمة للوضع السياسي والأمني والطائفي في لبنان. لا شك أن « الكتائب» كانت من أنشط الجماعات الجهادية في بلاد الشام، لجهة بيان الموقف السياسي بين الحين والحين. وكان من المنتظر أن تكون أكثر نشاطا خلال الثورة السورية، لكنها، على العكس من ذلك، بدت وكأنها متوارية، رغم أنها كانت موضع اهتمام الإعلام اللبناني على وجه الخصوص!!! وبدت مواقفها ونصائحها العسكرية والأمنية كما لو أنها جماعة جهادية شعبية تتطلع إلى مزيد الاقتراب من القوى الشعبية المسلحة كـ « الجيش الحر»، مع احتفاظها بأهمية الجانب العقدي في الوعي بـ « حقيقة المعركة». وهي مواقف أقرب ما تكون إلى مواقف الشيخ أبو بصير الطرطوسي. وفي سلسلة بياناتها: { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ - 22/10/2011 }، تحدثت في البيان رقم (7) عن الثورة السورية. وقدمت فيه قراءتها، مشيرة في البند الأول منه إلى أن: « بلاد الشام مقبلةٌ على حرب طائفية قد بدت بوادرها»، ودعت: « الجماعات الجهادية العاملة في بلاد الشام وسيناء أن تكثف ضرباتها لدولة اليهود ومصالحها وتجعلها ضرباتٍ تترى؛ لإشغال اليهود عن توجيه دعم عملي لنظام الأسد، ولإيصال رسالة للغرب ولليهود مضمونها أن محافظتكم على نظام الأسد لن تجعلكم بمأمن من ضرباتنا». وفيما يخص « الجيش الحر» قال البيان: « نثمِّن انقلابكم إلى قتال الظالمِ بشار وشبيحته، وندعو أهلنا في بلاد الشام إلى توعية هؤلاء المنشقين بحقيقة المعركة ... و ... ننصح المنشقين من الجيش ومن له عمليات عسكرية بأن يركزوا عملياتهم على شبيحة النظام؛ فمعظمهم من الموالين لبشار عقديا بحكم انتسابهم لطائفته العلوية، ويرون نهايتهم بنهاية بشار». وتضمن البيان، أيضا، نصائح عسكرية وأمنية، مع الدعوة إلى التعامل بـ: « حذر مع تُجَّار السلاح ولاسيما الشيعة» منهم. أما بخصوص السنة في لبنان، فقد دعاهم البيان إلى: « أن يسعوا إلى التسلح، وإلى أن لا يخلو بيت منهم من قطعة سلاح صالحة؛ ليدافعوا عن النفس والعرض»، مع تذكير الطوائف في بلاد الشام، ولاسيما « النصارى» و « الدروز»، بما يفعله الشيعة بأهل السنة من جرائم، ومخاطبة عقلاء الطائفتين بالقول أن: « السلام الذي هو خيارنا السياسي الراجح ويحثنا عليه ديننا؛ هو السلام العادل مع من يجنح إليه، وأما من يعادينا بفعله وكلامه، وينصر مَن يعتدي علينا؛ فهو من اختار لنا كيف يكون شأننا معه، فكفُّوا عنا أذى السفهاء وإلا كففناه بفعلنا». فتح الإسلام لكن هذه المواقف، أقل حدة من مواقف الجماعات الأخرى المتواجدة على ظهر الساحة السورية مثل حركة « فتح الإسلام»، التي أعلنت عن نشأتها في بيان صدر بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006. واتخذت لها من مخيم نهر البارد، شمال لبنان، موطئ قدم. ولا شك أن للحركة نشأة تاريخية معقدة يصعب على الخصوم والمغرضين فهمها أو تتبع صيرورتها. لكنها جماعة عقدية صرفة تقع في صلب تيارات « الجهاد العالمي». ولهذا تم تصفيتها في أوائل شهر أيلول / سبتمبر 2007، في عملية وحشية نفذها الجيش اللبناني، بدعم من كافة الأطراف المحلية والفلسطينية والإقليمية والدولية. وتبعا لذلك اضطرت إلى النزول تحت الأرض. وهي الآن تعمل على الساحتين اللبنانية والسورية، وأغلب قياداتها في سوريا. منذ اندلاع الثورة السورية صدر عن « اللجنة السياسية لتنظيم فتح الإسلام» حوالي خمسة قراءات، وكانت الأولى بيانا بعنوان: « نطق الرويبضة - 13/1/2012»، وصبت فيها جام غضبها على مهمة المراقبين العرب، حين وصفت تصريح محمد الدابي، رئيس الفريق، بـ « الرويبضة» إثر تصريح أدلى به في أعقاب زيارته لمدينة حمص وقوله: « لم نر في المدينة شيء مخيفا»!!! وخلصت في البيان إلى التأكيد على وضوح الراية في مواجهة النظام: « لتكن رايتكم راية التوحيد راية نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن إخوانكم في فتح الإسلام نقاتل معكم جنباً إلى جنب تحت هذه الراية ، نحورنا قبل نحوركم ، نُذيق عدوكم الهوان ونستعذب معكم حلاوة الإيمان وقد كان لنا مع هذا النظام صولات وجولات لن ينساها أبدا». وفي القراءة الثانية « الثورة السورية وصراع الأيدي الخفية – 29/1/2012 » تحدثت بإسهاب عما أسمته بـ « صراع الأيدي الخفية» على سوريا والمنطقة بين القوى العالمية، الشرقية والغربية، وسعيها لجر المنطقة إلى حرب طائفية « دينية بين السنة والرافضة» بهدف تقسيمها. وللخروج من هذا المخطط يتوجب على الشعب السوري: « أن لا يقف عند حد التظاهر بل عليه أن يزحف نحو مقرات الحكومة وأن يتسلح بأي شيء زيادة على العقيدة والإيمان». أما « الجيش الحر» فعليه: « أن لا ينخرط تحت لواء المجلس الوطني يد الغرب وأن لا يعوّل على أميركا الحاقدة على المسلمين والمحاربة لهم بل عليه أن يرفع راية لا إله إلا الله ... ومن ثم الاعتماد على جهوده الجبارة وطول نفس الشعب السوري ... وأن يعمل على إقناع الطوائف بعدم جدوى الوقوف مع هذا النظام ويحاول بكل جهده اغتيال بشار الأسد وأخوه ماهر لتسريع إسقاط المخطط قبل فوات الأوان ... ». هذه الدعوة لـ « الجيش الحر» كررتها اللجنة السياسية للتنظيم في قراءتها الثالثة الثورة « السورية والفاشية العالمية – 10/2/2012»، ووردت في معرض التعليق على اجتماع مجلس الأمن الدولي للنظر في المسألة السورية، وهو الاجتماع الذي استخدمت فيه روسيا والصين حق الفيتو لإجهاض قرار يدين النظام السوري. وتحدثت اللجنة فيه للمرة الثانية عن سيناريو « المركز» لتقسيم المنطقة، وإبقائها ساحة للحرب بالوكالة، عبر دعم النظام السوري، وتفعيل الدور « الإسرائيلي»، لضرب إيران، تمهيدا لإشعال الحرب الطائفية. ورأت أن هذا المخطط يستهدف بالدرجة الأساس ضرب المشروع الإسلامي الناهض، ذلك: « إنّ الشرق والغرب متفقون على عداوة الإسلام والمسلمين ... ولأنّ الخوف من صحوة المارد الإسلامي وقرب ولادة خلافته الجديدة حاضر، فإنّ دفع البلاد للحرب الأهلية والطائفية كفيل بتطبيق مخططات الشرق والغرب في تقسيم البلاد ووأد أيّ مشروع خلافة قريبة, وهذا الدفع يعني الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى والنفوذ ثانياً وضمان بقاء ثروات المنطقة الإسلامية بين أيديهم ثالثا، إذاً فلا بد أن يكون الصراع داخل أراضي المسلمين المراد تقسيمها، أما تنفيذ العمل فمقرون بموافقة دولة لم تقل كلمتها بعد، دولة قامت على الحروب، هي حليفة الغرب وجُل رجال دولتها من الشرق، إنها الدولة التي ترسم سياسات أميركا والغرب الخارجية وتتحكم بسياساتهم الداخلية، إنها دولة الكيان الصهيوني المسخ». وفي القراءة الرابعة لها: « الثورة السورية وسقوط القناع العالمي – 16/3/2012 » قالت اللجنة السياسية للحركة أن محور السياسات الدولية والإقليمية والنظام الطائفي في سوريا هو « أمن الكيان الصهيوني». وفي السياق تساءلت القراءة: « أين يقع أمْن الكيان الصهيوني على الخارطة الآن بعد عام على انطلاق الثورة في سورية ؟ هل بمساندة النظام النصيري أم بإسقاطه؟ هل بضرب إيران وإضعافها أم بتركها للاستفادة من قوتها ضد أهل السنة الطرف المخيف؟ وإذا كانت الثورة السورية تهدد وجود الصهاينة وأمنهم فلماذا تقمعها إيران ولا تستفيد منها وهي التي تتبجح على الملأ بنيتها إزالة الكيان؟ » وتحدثت في ثلاثة محاور عن: « استعدادات الدول وموقعها من الحرب و سياسة النظام النصيري (الدمية) وحلفاؤه و سياسة الحرب عند القوى العظمى». وقبل أن تختم وجهت نداء لمن أسمتهم بـ « إخوة العقيدة ورفقة السلاح»، قالت فيه إن: « الجميع قد عرف موقعه من هذه الحرب وقد آن الأوان لنعرف موقعنا منها، فنحن يجب أن لا نبقى أداة غير مباشرة يتذرعون بنا لاستكمال مخططاتهم، بل علينا أن نتوحد لنصبح طرفاً لنا تواجدنا المؤثر وخطتنا الاستراتيجية ومنهجنا الواضح لأننا في هذه الحرب لن نواجه عدواً واحداً بل أعداءً وخصوماً، والحاضنة الآن متوفرة على عكس الماضي». لكن في الختام ردت على تساؤل مفترض عن دور « فتح الإسلام» الذي بدا إعلاميا أكثر منه عسكريا، فقالت بـ: « أن إخواننا متواجدون مع صفوف الشعب ونحن لا نعلن عن شيءٍ لاعتباراتٍ لا مجال لذكرها هنا, ولأن تجربة البارد علمتنا التعاون على قضاء حاجاتنا بالسر والكتمان إلى أن تحين اللحظة المناسبة التي سنقوم فيها بالإعلان عن ما يسر ويشفي صدور قوم مؤمنين». وفي آخر قراءاتها الصادرة بعنوان: « الثورة السورية وحل اللاحل – 5/6/2012» رأت فيه أن الغرب هيأ الساحة لحرب طائفية قادمة لا محالة، كي يمرر مشروع التقسيم، تحت غطاء الفصل بين المتحاربين وحماية الأقليات. لكنها تقول أن: « الوقت انتهى والمراد حصل، فالنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقلوب الناس امتلأت حقداً، والحرب المسماة أهلية أو مذهبية أصبحت أمراً واقعاً لرسم الخارطة الجديدة للمنطقة ... وأرجل الرافضة في إيران والعراق ولبنان غاصت في مستنقع الدم السوري السني المسلم، ولا مفر من حقد أهل السنة على النصيرية، وهذا الغوص الذي غاصوه بأرجلهم سد الباب أمام القائلين إن نسبة الرافضة والنصيرية في سورية قليلة بالنسبة للسنة لأن الحديث الآن سيكون عن حرب أهلية في منطقة وليس في بلد». وبحسب القراءة إياها ثمة ثلاثة أطراف تتواجد على الساحة السورية الآن، هي: (1) « النظام ومن يواليه الذين يشنون حربهم على الثورة متذرعين بوجود الإخوة المجاهدين. (2) المنشقون عن النظام وينقسمون إلى قسمين: الأول هو المجلس المسمى بالوطني مع من رهن له نفسه من الجيش المرتهن، وهذا القسم حمل على عاتقه مقاتلة الإخوة المجاهدين بعد سقوط النظام. وإن شئتم اقرؤوا تصريحات بعض ضباط الجيش المرتهن ضد إخواننا الذين يجاهدون النظام على الأرض، والقسم الثاني الذي لا يزال يعتبر نفسه حراً ولم يرهن نفسه لأحد . (3) وهو الأهم بالنسبة لنا، هم أهل الثغور، الطائفة المنصورة، هم المجاهدون الكرارون بإذن الله، هؤلاء الذين دعمهم الناس لما رؤوا من صدقهم وإخلاصهم، وهذا الطرف عندما يتخلص من هذا النظام الساقط لا محالة، سيبدأ فيما بعد حربه الطويلة ضد قوى الغطرسة الطامعة في البلاد». بالمقارنة؛ فإن ما قدمته « فتح الإسلام» من رؤية سياسية للصراع في سوريا، مع التشديد على الرؤية العقدية التقليدية، لجماعات « الجهاد العالمي»، يبدو أغزر وأكثر عمقا مما قدمته « كتائب عبد الله عزام» التي بدت بياناتها وكأنها تنأى بنفسها عن الصراع الدولي، على الأقل ابتداء من مرحلة الثورات العربية. هذا الخط السياسي - العقدي قد لا يبدو واضحا لدى الكثير من الجماعات الناشئة في سوريا والتي يصعب حصرها، مثلما يصعب تتبع عقائدها مثل جماعة « أنصار الشام - رايات التوحيد و كتيبة الأنصار» في حمص أو « أنصار السنة» في اللاذقية. لكنه شديد الوضوح لدى « جيش الصحابة»، الذي ينتشر في الشمال السوري. جيش الصحابة فقد ظهر « جيش الصحابة في بلاد الشام» وفق أول بيان صادر له في 14/10/2011، وكانت له صفحة إعلامية متواضعة على موقع التواصل الاجتماعي « فيس بوك قبل أن تختفي نهائيا، إلا أنها تميزت، في حينه، عن غيرها من صفحات الثورة والجماعات والقوى الإعلامية، بصراحتها في قراءة الصراع، وإيرادها لأخبار أمنية وعسكرية، رفضت غرف الدردشة وصفحات الثورة ووسائل الإعلام نشرها في حينه، خاصة لما كان الخطاب الإعلامي للثورة يتجنب أي ذكر لطائفية النظام. لذا لم يكن الجيش ليتغاضى عما اعتبره: « انتقائية وسطحية لوقائع الثورة، بل غرور غير مبرر ولا مسؤولية تجاه الكثير من القائمين على إعلام الثورة». وعلى قلة أدبيات الجيش إلا أن قراءاته الأمنية والعسكرية جاءت أعمق شأنا من بيانه الأول الذي تحدث فيه عن جرائم الأب والابن في النظام السوري، والذي حدد فيه موقفه من دعوات التدخل الدولي ومشروعية قتال النظام بالقول: « نربأ بأنفسنا عن .. الدعوات التي علت مطالبة باستقدام قواتٍ أجنبية لإسقاط نظام الأسد، فلسنا نحن من ينخدع بالغرب وبكذبهم، فهم من دعم النظام سابقا، وهم من تعاون معه، وهم من قتل الأبرياء في العراق، وهم من يدعم كيان يهودٍ المغتصب، فإننا نبرأ إلى الله من هذه الدعوات ومن كل من يقول بها، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم، أما قتالنا نحن فهو في سبيل الله وحده، ثم لتخليص الأمة من شرور هذا النظام المفسد، ... إن إخوانكم كانوا قد أعدوا العدة لقتال هذا النظام قبل سنين من اندلاع الاحتجاجات ضده، لكن أمر الله جل في علاه كان، وعلى إثر هذه الجرائم المتكررة التي يقوم بها النظام ضد أهلنا جاء هذا الإعلان عن تأسيس الجيش والله الموفق وعليه نتوكل وبه نستعين». أما قراءته المميزة فجاءت بعنوان: « الثورة السورية … سلسلة الأخطاء والبُعد الغائب! 7 جمادى الثانية1433 هجرية = 29/4/2012»، وفيها (1) عرْض مستفيض لاستراتيجيات النظام، العسكرية والأمنية والاقتصادية، في التعامل مع الثورة السورية، و (2) نقد لما اعتبره أخطاء فادحة في الأداء العسكري والأمني لـ « الجيش الحر، و (3) تحذير من الاغترار بالقوة على خلفية السيطرة على الأرض مع عدم القدرة على الاحتفاظ بها، مقابل (4) وجوب الانتباه للتفوق الخطير للجيش الحكومي على الأرض. أما في قراءته الثانية « الثورة السورية … الماحقة .. والحل المفقود ! 27 جمادى الثانية - 1433 هجرية = 19/5/2012»، فقد جاءت تقييما لواقع الثورة بعد مرور عام ونصف على اندلاعها. وفيها تشخيص لمكانة الثورة السورية محليا وإقليميا ودوليا. فالعدو هو: (1) النظام النصيري وأدواته، و (2) إيران الرافضية وأذرعها في العالم الإسلامي، و (3) روسيا ومصالحها. وتبعا لذلك فإن: « حل الثورة السورية ليست من الداخل السوري فقط، وهذه قاعدة (نؤكد) عليها، فواقع الساحة والصراع هنا يختلف كثيرا، ويحتاج إلى تأمل وعمق نظر، ولا يصلح أن يُنظر لهذه الثورة على أنها مشابهة في المعطيات لغيرها، وأن استنساخ التجارب من الثورات العربية أمر ممكن» .. هذه: « الثورة الماحقة لأذرع الروافض ونفوذهم ودولة النصيرية وإجرامهم وإمبراطورية إيران ومكرها» ترى في « الحل المفقود» ضرورة العمل على ثلاث جبهات في ذات الوقت، وهي جبهة: (1) « الداخل السوري»، عبر « معركة استنزاف ضخمة وطويلة لقوة النظام الأمنية والعسكرية»، وكذلك « استهداف كل ما هو نصيري»، بما يتيح نشوء منطقة عازلة، بفعل الضغط العسكري والأمني، بعيدا عن أي تدخل لحلف « الناتو»؛ (2) و « ضرب المصالح الإيرانية في كل مكان، والتعامل مع الروافض كطائفة محاربة أينما كانت، باعتبارها: الخطر المحدق ببلاد المسلمين، والسم المدسوس بينا، والبذرة الخبيثة التي بدأت تؤتي أكلها»؛ (3) وأخيرا « استهداف المصالح الروسية»، لكي تعلم روسيا: « بأن دعمها للأسد لن يمر هكذا، وأن المواطن الروسي أصبح كالمواطن الأمريكي بعد الثورة السورية، مستهدفا من قبل المجاهدين أينما ارتحل». وفي الختام رأت القراءة بأن: « العازم على قتال قوات الأسد على الأرض وحدها دون النظر لجذر المشكلة وحلها، ودون استئصال الورم الخبيث، وقطع الأيادي الرافضية التي تمده بالرجال والمال وما يلزم، فلن يكسب إلا ضياع الوقت والمجهود، وحتى لا ننصدم: فالثوات قد تنجح وقد تفشل، بسبب عدم الأخذ بالأسباب حق الأخذ». لا ريب أن القراءات السياسية التي قدمتها « فتح الإسلام» وكذا القراءات الأمنية والعسكرية التي قدمها « جيش الصحابة» مدهشة بحق، لما تميزت به من عمق وخبرة ودراية بأحوال الأمة والصراعات الطاحنة التي تجري أعظم وقائعها اليوم في بلاد الشام. لكنها قراءات تكتمت على النشاط العسكري والأمني لكلا الجماعتين، بخلاف « كتائب أحرار الشام » التي أعلنت عن عشرات العمليات المسلحة ضد النظام الطائفي وميليشياته وآلياته ومؤسساته، بينما تأخرت نوعا ما في بيان هويتها وقراءاتها لحقائق الصراع. يتبع __ |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
كتائب أحرار الشام على موقع التواصل الاجتماعي « فيس بوك»، حيث موقع « كتائب أحرار الشام»، يرد التاريخ 15/3/2011 للدلالة على « البداية». وفيه كلمة ظهرت كتسجيل مصور، أصدره المكتب الإعلامي في 4/6/2012 بعنوان: هل أتاك حديث الكتائب». لكن قبل هذا التاريخ ظهر أول تسجيل صوتي في 21/4/2012 بعنوان: « بشائر لأهل الشام في ثورة الشام». وهي بلا شك كلمة رزينة، مضمونا وأداء، حيث أصلت فيها الكتائب لحقيقة الصراع في الشام. وفي الجوهر لا تختلف قراءتها العقدية والسياسية لحال الأمة عن قراءة الجماعات الجهادية الأخرى. في بداية الكلمة تستعرض « الكتائب» حال تسلط النظم العربية على الأمة، لاسيما تسلط النظام الطائفي الذي أفسد الدين والبلاد والعباد: « فلا تجد من أهل هذا البلد الطيب إلا متنفعا يعيش تحت وطأة المال الحرام أو حرا يرزح تحت وطأة الأغلال والسلاسل والقيود أو فارا بدينه وكرامته تاركا وراءه بيته وأهله وشوارع بلدته وأزقتها وهواءها ليموت في الغربة والمنفى مبتلى في طاعون القهر». لكن أجرأ ما ورد في الكلمة هو الموقف من العلماء، إذ، بحسب التسجيل، فإن: أسوأ ما ابتلي به هذا الشعب العظيم، أن أخرج له الطواغيت من ثنايا خبثهم، وأعطاف شرهم، مشايخ ترأسوا للدين، وتصدروا فيه للفتيا على غير هدى، فلووا أعناق النصوص، لتناسب شهوات أسيادهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ليليق بمشيئة معبوديهم من المتجبرين المتكبرين، فعطلوا حدود الله، وأهملوا شريعته، وأقعدوا الناس عن الآخرة، واستفزوهم لأمر الدنيا، وأمروا بترك الجهاد في سبيل الله، لأنه في زعمهم إرهاب، وحضوا على البعد عن السنن، لأنها في تلبيسهم تخلف ورجعية، فكانوا بحق رؤوسا جهالا، أفتوا على غير النهج، وقالوا بما لم يقله الله ورسوله، فضلوا وأضلوا». وفيما بدا منها محاولة استباقية لتجاوز أية طعون شرعية من الداخل أو الخارج، فيما هي عازمة على القيام به، لجأت « الكتائب» إلى مخاطبة: « أبناء أمة الإسلام في كل بقاع الأرض، وفي سوريا خاصة» بالقول: « إن جهادنا هذا العدو لهو من أعظم الجهاد، ويأتي في أصعب المراحل التاريخية وأكثرها دقة وسخونة، حيث شارف المشروع الصفوي القذر على وضع خطوطه العريضة في أرض الشام، وقد بدأ نظام الأسد فعلا بنشر فكر التشيع عبر وسائل متعددة الأشكال، وإنْ كانت قذارة المضمون واحدة. فمنذ أن قامت الثورة الخمينية في إيران كان من أول وأهم مبادئها تصدير الثورة: أي نشر التشيع في العالم السني المحيط بها كخطوة لنشر التشيع وهدم الدين في العالم قاطبة، مستخدمة كل وسيلة لبناء الهلال الشيعي الذي يصل إيران بالعراق وسوريا بلبنان وفلسطين. هذا الهلال الذي لو تم لكان أكبر خدمة للصهاينة على أرض فلسطين، إذ يعرف عن الرافضة أنهم لا يقاتلون عدوا بل يوجهون حرابهم وسيوفهم ضد المسلمين من أهل السنة والجماعة». وفي 8/5/2012 أصدرت إحدى كتائبها المسماة « كتيبة الشهباء» كلمتها الأسبوعية بعنوان: « رسالة الشهباء». وهي تسجيل صوتي وجهت فيه الكتيبة تسعة رسائل إلى: « (1) الشباب الثائر، و (2) العالم الغربي المتآمر، و (3) علمائنا وعلماء بلاد الشام وعلماء العالم الإسلامي عامة، و (4) أهلنا من الأغنياء، و (5) عصابات الأسد وميليشياته وشبيحته وزبانيته، و (6) إخواننا من الشباب الثائر والأبطال المجاهدين، و (7) إخواننا من الأسرى الصامدين، و (8) أمهاتنا .. أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم، و (9) أهل حلب الأبية». وفي الرسائل التسع؛ ثمة ثوابت للتذكير، ومطالب للعمل، وتوجيهات للالتزام، لكل فئة من الفئات المستهدفة. لكن أميز الرسائل كانت تلك التي ذكَّرت الغرب بخذلانه للسوريين، وصمته على مجزرة حماة سنة 1982، فكانت الرسالة بقسمٍ قاطع: « والله ما رأينا منكم ولا عهدنا عليكم إلا التآمر والخيانة. فما زال يوم مجزرة حماة ومجازر الثمانينات ماثلة في أذهاننا ولن ننسى يومها خذلانكم وسكوتكم وتآمركم»، وكذا الرسالة التي خاطبت العلماء بصريح القول: « ما هكذا كان علماء بلاد الشام سابقا .. اتقوا الله .. قوموا إلى جنة عرضها السماء والأرض .. قولوا كلمة الحق في وجه هذا الطاغية .. أشعلوا النار من تحت هذا النظام الأسن .. قودوا شعب سوريا إلى الجهاد في سبيل الله .. كونوا قدوة لهذا الشعب الثائر .. قودوه إلى ساحات الحرية .. أصدروا الفتاوى وانشروا المنشورات .. وحرضوا أبناءنا على الجهاد والاستشهاد». أما الرسالة الموجهة لمدينة حلب في حينه، حيث موطن الكتيبة، فقد بدا العتاب فيها واضحا: « إن أخشى ما نخشاه عليكم أن يستبدل الله بكم قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم . نقول: ما هكذا عودتم أقرانكم ... يا أهل حلب: النخوة النخوة .. الشدة الشدة .. والشهادة الشهادة .. ثوروا في وجه هذا الخائن الجبان .. اضربوا فئران الأسد في كل مكان .. أحرقوا الأرض من تحتهم .. اقعدوا للخونة كل مرصد .. ونعد أزلام النظام وأعوانه بأن كتيبة الشهباء التابعة لكتائب أحرار الشام ستكون نارا تلظى على أمن وجيش الأسد اللعين .. سنجعلها بركانا على شبيحة النظام الفاسد .. سترون من سرية أبي بكر الصديق والصارم البتار والعز بن عبد السلام ما تشيب منه الولدان». في 4/6/2012 كان المتابعون للشأن السوري على موعد مع هوية « الكتائب» عبر التسجيل المرئي لها بعنوان: « هل أتاك حديث الكتائب». ولسنا ندري إذا كان « حديث الكتائب» عن نفسها سيرد لاحقا في سلسلة حلقات، كما كان حال السلسلة الشهيرة لأبي مصعب الزرقاوي، والتي تحدث فيها عن الرافضة في العراق، وجاءت بعنوان: « هل أتاك حديث الرافضة؟»، لكن النص أو التسجيل بدا كافيا للاطلاع على مبرر وجود « الكتائب» وقراءتها للصراع، أو لمعرفة منهجها وعقيدتها أو مواقفها من أطراف الصراع وعلاقتها بقوى الثورة. فقد بدت « الكتائب» منذ اللحظة الأولى على النقيض من القوى السياسية والشعبية التي كانت تنادي بـ « « سلمية الثورة»، فـ: « مُنذُ أنْ هَبَّ أهلُنا في شام ِالعزَّةِ يَنْشُدونَ خَلاصَهم ... عَلِمنا مُنذُ البدايةِ أنَّ الأمْرَ لن ينْقَضِيَ بمَسِيرات احتجاج أو اعتصاماتٍ في ميادينَ أو ساحاتٍ عامة ٍعلى أهمِّيِتِها، فقد بَلَوْنا هذا النِّظام َالطائفيَّ المعتديَ على الأمَّةِ ومُقَدَّراتِها, وخَبِرْنا جبروتَه وبطشَه بطُلابِ العزَّةِ والكرامةِ، وشَهِدْنا إصْرارَهُ على العُدوانِ وإزهاقِ الأَرواحِ»، لهذا: « (1) كانت كتائبُ أحرَارِ الشَّامِ, أُولى الكتائبِ المنظَّمةِ وُجوداً و (2) هيَ كتائبُ ومَجاميعُ مؤمنةٌ, (3) علنيةُ الوجودِ، (4) أَطَّرَ الإسْلامُ عَمَلَها، مُسْتقلَّةٌ, و (5) ليستِ امْتِداداً لأيِّ تنظيمٍ أو حِزْبٍ أو جماعَةٍ، (6) تُقَاتِلُ في سبيلِ اللهِ (7) تَذُودُ عن حِياضِ الدِّينِ و (8) تَذُبُّ عنِ المُسْتَضْعَفِينَ ... ». إذن؛ « الكتائب» سياسيا: « تهدُفُ الكتائبُ لإسقاطِ هذهِ العصابةِ المجرمةِ وتقويضِ أركانِها, وتسعى لرِفعة ِالأُمَّةِ والأَخذِ بأيديْ أبنائِها لجادَّةِ الخيرِ والعملِ على إرساءِ نظامِ حُكْمٍ إسلاميٍّ عادلٍ راشدٍ بوسائلَ مشروعةٍ وبرؤيةٍ استراتيجيةٍ تأخذُ بعينِ الاعتبارِ واقعَ أهلِنا في سوريَّةَ بعدَ عُقودٍ من ممارساتِ نظامِ البعثِ ومحاولاتِهِ الدَّؤوبةِ لحرفِ مَنهَجِ التَّفكيرِ لدى العامَّةِ من أبناءِ شعبِنا». وفي « الاعتقادِ والأحكام»، هي متبعة لـ: « كتابِ اللهِ وصحيحِ سنَّةِ نبيِّهِ معَ تقديمِ فهمِ سلفِ الأمَّةِ الصَّالحِ فيما لم يكنْ حادثاً». وعليه فإن: « كلُّ محظورٍ في الشَّرع ِفهو متروكٌ عندَنا, وما كانَ جائزاً فهو يدورُ بينَ الفعلِ والتَّركِ بناءً على مُوازنةِ المصالحِ والمفاسدِ وضوابطِ السِّياسةِ الشَّرعيةِ». وفي علاقتها بعموم القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية والأقليات والإثنيات: « تُسالمُ كلَّ مَنْ سالمَ أهلَنا. ولكنْ مَنْ أعانَ النِّظامَ في حربِهِ على شعبِنا المُصابرِ, أو سعى لإخمادِ ثورتِهِ المباركةِ فهو هدفٌ مشروعٌ. وعلى هذا فإننا لسْنَا بصددِ التصادمِ والاقتتالِ مع المخالفينَ بناءً على خلفيةِ الفكرِ والاعتقادِ, وإنَّما على دورِهم في العدوانِ الحاصلِ. فالشَّبيحةُ والجنودُ وعناصرُ الاستخباراتِ أهدافٌ مشروعةٌ من أَيَّ طائفةٍ كانوا أو لأيِّ عِرقٍ ينتمونَ ». أما عن علاقتها بعموم القوى المقاتلة في الثورة فتقول: « نَنظرُ لإخوانِنا تحتَ المُسمَّياتِ الأُخرى بأنَّهُم في سَعَةٍ منْ أمرِهِم ما دامَتِ الغاياتُ مشروعةً»، لكن دون أن تقطع حبل الوصل والتنسيق مع أحد منها: « اعتقادِنا بأنَّ أصحابَ المشروعِ الواحدِ يجبُ أنْ تتضافرَ جهودُهُم و تتعاضدَ». ولعل هذه الفقرة كانت المدخل للإعلان عن تشكيل« جبهة ثوار سوريا في 4/6/2012» في مدينة اسطنبول التركية. ولم يكد يمض يوم على تشكيل « الائتلاف الجديد» حتى أعلنت « الكتائب» عن تعليق عضويتها فيه. ففي « حديث الكتائب» وردت جملة مهمة في بيان هويتها تقول بأن:« الكتائب: ليستِ امْتِداداً لأيِّ تنظيمٍ أو حِزْبٍ أو جماعَةٍ». وفي التدقيق ظهرت هذه « الجملة» وكأنها السبب الرئيس لبيان تعليق العضوية، الرافض لـ: « أن يجيّر هذا الأمر ( جبهة ثوار سوريا) لنكون ذراعًا عسكرية لواجهة سياسية متمثلة بالمجلس الوطني». لكن هناك أسباب أخرى تمس منهج وعقيدة « الكتائب»، وما تم الاتفاق عليه في الميثاق التأسيسي، أوردها البيان في النقاط الأربعة التالية: (1) « الشريعة الإسلامية الغراء هي مرجعيتنا المعتمدة في أمورنا كلها وكل ما يصادمها أو لا يكون منضبطاً بها فهو مرفوض ابتداءً. (2) نحن أقدمنا على تشكيل الجبهة بوصفها ائتلافاً ثورياً جهادياً متكوناً من فصائل مستقلة ولسنا تمثيلاً عسكريًا لأي كيان قائم. (3) المجلس الوطني يضم أفاضل نحترمهم وآخرين نعلم يقيناً بأن جهودهم منصبة على عرقلة جهاد الشعب لنيل حقوقه. وعلى هذا فإننا ليس لنا أية علاقة ارتباط مع المجلس الوطني أو غيره من الكيانات السياسية والعسكرية . (4) تعليق عضويتنا في الجبهة حتى يتم الرجوع عما ذكر رسمياً ويجري تبني الميثاق الذي توافقنا عليه مع الأخوة الآخرين». وحتى الآن لم يتوفر لدينا أية نصوص أو تسجيلات أو وثائق عن محتوى الميثاق ولا عن القوى المعنية بالائتلاف الجديد المسمى بـ « جبهة ثوار سوريا». كما لا تتوفر حتى كتابة هذا النص أية تعقيبات جديدة من « الكتائب» أو من الجهات المعنية ذات الصلة. جبهة نصرة أهل الشام في 22/5/2012 صدر الجزء الأول من تسجيل مرئي طويل وبالغ الإثارة، بعنوان: « صدق الوعد». ولدى معاينة التسجيل ظهرت مجموعات محترفة وضاربة، تنشط عسكريا وأمنيا ضد النظام الطائفي في سوريا، بحيث لم تفلت من ضرباتها الثكنات العسكرية ومقرات الأمن والحزب والآليات العسكرية والأمنية والأفراد والحواجز وغيرها. كما أظهر الإصدار نشاط إغاثي للنازحين من المدنيين وذوي الحاجة، ونشاط آخر يتمثل باشتباكات مع قوى النظام ومليشياته في المدن والأحياء، ونشاط ملفت للانتباه يتمثل بانتشار المقاتلين بين الناس، متحدثين إليهم وهم راجلين أو راكبين آلياتهم، في أوسع الطرقات وأكثرها كثافة سكانية وحركة مرورية. هؤلاء الذين ظهروا في التسجيل، من المفترض أن يكونوا أشد الناس تواريا عن الأنظار، لكنهم كانوا أكثر جرأة والتصاقا في الناس والساحات العامة من أية جماعة جهادية أخرى .. هؤلاء هم مقاتلو « جبهة النصرة» .. إحدى أشد الجماعات ضراوة في ساحات القتال. جاء الإعلان عن ميلاد الجبهة في تسجيل مرئي بعنوان: « شام الجهاد»، والذي صدر في 24/1/2012، عن مؤسسة « المنارة البيضاء»، التابعة لها. أما « المسؤول العام للجبهة» فهو المكنى بـ « الفاتح أبو محمد الجولاني». ولدى معاينة التسجيل لم يظهر ذاك الحرص الكبير على بيان عقيدة الجبهة أو منهجها كما هو مألوف عادة حين ظهور جماعات جهادية جديدة. ولعل صدور التسجيل على متن « شبكة الشموخ الجهادية»، قبل غيرها من الشبكات، كان كافيا إلى حد ما لتزكية الجبهة. ومع ذلك فلم تحد كلمة الجولاني في قراءتها للصراع عن إجمالي قراءات الجماعات الجهادية السابقة عليها أو اللاحقة، خاصة فيما يتعلق بالمشروع « الصفوي». لكنها كانت أكثر وضوحا في الغاية من ظهورها، أو في الموقف من دعوات التدخل الدولي. فالجبهة ما ظهرت إلا: « سعياً منّا لإعادة سلطانِ اللهِ إلى أرضِه». لا ريب أنه « سعي» يترتب عليه رفض الدعوات المنادية بالاستعانة: « بالعدو الغربيّ للخلاص من العدو البعثيّ، فهي دعوة شاذة ضالة وجريمة كُبرى ومُصيبة عُظمى لا يغفِرُها الله ولن يرحم أصحابَها التاريخُ أبدَ الدهر»، بما في ذلك التعويل على أية قوة شريكة له كتركيا والجامعة العربية. إذ: « لا عِبرة بالتغيير إن كانَ التغييرُ من الظلمِ إلى الظلمِ ومن السحت إلى السحت، فهذا هو عينُ الفساد مع اختلاف ألوانه»، وعليه: « فحذارِ أن تُخدَعُ الأمةُ خمسين سنة أخرى»، أما: « النجاةُ من كلِّ هذهِ المعامع أن ترجِعَ الأمةُ لأصلِها وتضعَ الثقةَ بمن هُم أهلٌ للثقة». ومن المؤكد أن « أهل الثقة» لن يكونوا سوى: « أبناء الأمةِ، وأخصُ منهم أهلَ الجهاد ... الوحيدون القادرون على التغيير الحق». ولما يكون على أهل الشام أن يدركوا: « أنَّ هذا النظام لا يزولُ إلا بقوةِ اللهِ ثمَّ بقوةِ السلاح»، فإن: « جبهةَ النصرةِ تحملُ على عاتقها أن تكونَ سلاحَ هذهِ الأمةِ في هذهِ الأرض وتغني الناسَ بعدَ اللهِ عزَّ وجل عن استنصار الغُرباءِ القتلة». ولعل أطرف ما في التسجيل يتعلق بالتسمية المعتمدة للجماعة. إذ أن صيغة « الجبهة» تبدو أقرب ما تكون إلى الائتلاف من صيغة الجماعة أو الحركة أو الحزب أو التنظيم. وقد لاحظنا في التسجيل سلسلة من المجموعات العسكرية المتواجدة في عديد المدن السورية تعلن مبايعتها للجبهة وقائدها الذي اتخذ لقب « المسؤول العام» وليس « الأمير». وهي بهذه الصيغة تعني أنها إطار لاستيعاب القوى الجهادية التي تنتشر على إجمالي الساحة السورية، سواء من الأفراد أو الجماعات. لم تكد الجبهة تعلن عن نفسها حتى أصدرت مؤسسة السحاب في 12/2/2012 تسجيلها المرئي للدكتور أيمن الظواهري بعنوان: « إلى الأمام يا أسود الشام»، ولم تكد وسائل الإعلام تتناقل فحوى الخطاب حتى ثارت ثائرة القوى السياسية والعلمانية والخصوم والمخالفين، لما اعتبروه دخولا مرفوضا من « القاعدة» على خط الثورة السورية، علما أنه لا علاقة جلية بين « القاعدة» و « الجبهة»، وبالتالي لا وجود على أي مؤشر لعلاقة بين الجبهة وخطاب الظواهري. ولا وجود، حتى اللحظة، لأي دليل رسمي أو قاطع على حضور « القاعدة» بصيغتها التنظيمية في الساحة السورية. ومن المفارقات العجيبة في الأمر أنه في ذلك الحين كانت دعوات المطالبة بـ « الحماية الدولية» أو « التدخل الدولي» أو « الحظر الجوي» تملأ منابر الفضائيات في الوقت الذي كانت فيه القوى السياسية والإعلامية السورية ترفض مجرد الحديث عن « تسليح الثورة» أو « عسكرتها». وفي ذلك الحين أيضا لم تكن الجماعات الجهادية بالفاعلية التي هي عليها اليوم. وفي ذلك الحين أيضا لم تكن « جبهة النصرة» قد ظهرت إلا في المستوى الإعلامي. لكن حتى ذلك الحين كان الحديث عن إعلان الجهاد وتقييم التجارب السابقة في أفغانستان والصومال والشيشان والجزائر وخاصة في العراق، فضلا عن مناقشة أفضل الوسائل والآليات والسياسات التي يجب اتباعها في الساحة السورية، والبيانات التي تصدر عن الجماعات الجهادية، تملأ الشبكات الجهادية والمنتديات الحوارية ومواقع التواصل الاجتماعي. وحتى الصحف والتصريحات الرسمية والتحليلات السياسية والأمنية، التي تتحدث عن احتمال تحول الساحة السورية إلى بيئة حاضنة لـ « القاعدة» وأخواتها، وجدت طريقها إلى كافة منابر الإعلام، بدء من واشنطن وأوروبا والناتو والجامعة العربية وانتهاء بالقوى الإسلامية التقليدية والشخصيات والأحزاب العلمانية واللبرالية. بل أن وسائل الإعلام تحدثت طويلا عن تدفق المتطوعين من العالمين العربي والإسلامي على سوريا للمشاركة في مجاهدة النظام السوري. وأكثر من ذلك. فمنذ الأشهر الأولى للثورة؛ انتشرت أنباء تلك الحوارات والترتيبات التي جرت بين القوى الجهادية والمقاتلة في جبل الزاوية، والتي لم يغب عنها ضباط منشقون من « الجيش الحر» نفسه، الذي تتقاذف القوى الدولية والإقليمية ووسائل الإعلام قياداته، وتخضعها لاستنزاف سياسي يجعلها قابلة للاختراق في كل حين. ولا ريب أن أعين وأجهزة الأمن السورية والإقليمية والدولية لم تكن غائبة عما يجري في سوريا، أو عما ينتظر الساحة والمنطقة من صراعات مخيفة. كل هذا كان بارزا وجليا. لكن لما قال الظواهري: « لا تعتمدوا على الغربِ ولا أمريكا ولا على حكوماتِ العربِ وتركيا، فأنتم أعلمُ بما يدبرون لكم، ... ولا تعتمدوا على الجامعةِ العربيةِ وحكوماتِها التابعةِ الفاسدةٍ، فإن فاقدَ الشيءِ لا يعطيه»، قامت الدنيا ولم تقعد. أما لماذا قامت؟ فلأن القوى السياسية نأت بنفسها عن أي « تسليح الثورة» أو « عسكرتها»، نزولا منها عند رغبة « المركز»، الحريص على إبقاء المجتمع السوري والثورة مجردا من أية عناصر قوة. وبالتالي لم يقبل هؤلاء بقول الظواهري: « يا أسودَ الشامِ استحضروا نيةَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ لنصرةِ الإسلامِ والمستضعفين والمعذبين والأسرى، وللأخذِ بثأرِ شهداءِ المسلمين. استحضروا نيةَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ لإقامةِ دولةٍ تدافعُ عن ديارِ المسلمين، وتسعى لتحريرِ الجولانِ، وتواصلُ جهادَها حتى ترفعَ راياتِ النصرِ فوق ربى القدسِ السليبةِ. أما لماذا لم تقعد؟ فلأن بعض الخصوم أو المخالفين رؤوا في خطاب الظواهري استحضارا لتجارب سابقة أو راهنة لا تمثل بالنسبة لهم النموذج المثالي الذي يؤمنون به، شرعيا وسياسيا، بقدر ما تبدو توريطا لا طاقة لهم بتحمل تبعاتها. إذ أن توسيع المواجهة مع النظام ستعني الدخول في حرب إقليمية لا مبرر لها إلا إعاقة فرص التخلص منه!!! على الرغم من أن النظام نفسه، وبالصيغة الطائفية الفجة، لم يتوقف لحظة عن تهديد المنطقة والنظام الدولي برمته إذا ما تعرض ملكه لخطر الزوال، وعلى الرغم أن « المركز» نفسه لا تعنيه مطالب المعارضة وأهواءها بشيء إلا بقدر تبعيتها الدائمة له، وانصياعها لسياساته المدمرة، وحاجته إليها عند اللزوم. الطريف في الأمر أن « جبهة النصرة» ظهرت بعد شهر تقريبا من خطاب الظواهري. لكن الموقف منها كان واحدا: الإدانة والتشكيك والتشويه، رغم أنها جماعة لا تختلف، في منهجها واعتقادها، عن « كتائب عبد الله عزام» أو « فتح الإسلام» أو « جيش الصحابة» أو حتى« كتائب أحرار الشام» و « أنصار الشام رايات التوحيد - كتيبة الأنصار» و « أنصار السنة» و « قبائل دير الزور» التي كانت أول من دعا في الاجتماع العشائري الشهير إلى إعلان الجهاد، فضلا عن عشرات الكتائب الجهادية الأخرى. أما الحرب الشعواء على « جبهة النصرة» فقد انطلقت بعد إصدارها الثاني الذي جاء بعد أسبوعين من إصدارها الأول، وحمل عنوان: « غزوة الثأر لحرائر الشام 26/2/2012». وفي الإصدار تبنت الجبهة بأثر رجعي عمليات مدينة حلب التي استهدفت فيها تدمير مقري الأمن العسكري وحفظ النّظام في 10/2/2012. وبطبيعة الحال لم تكن الاعتراضات وحملات التشكيك والإدانة والاتهامات لتتعلق بأسلوب العمليات المتبعة، فالكثير من القوى المسلحة استهدفت مقرات الأمن وحزب البعث ومباني المخابرات الجوية ومؤسسات النظام وغيرها، ولم يعترض أحد عليها. وينسحب مثل هذا الموقف على كتائب منضوية تحت مسمى « الجيش الحر» الذي يقدم نفسه، إعلاميا، حاميا للسكان وليس مهاجما للنظام. لكن الاعتراض بالنسبة للخصوم والمخالفين يتعلق بالدرجة الأساس بدخول الجبهة نفسها على خط الثورة المسلحة في سوريا، محملة بالفكر الجهادي العالمي، علما أن لا أحد له سلطة مركزية أو وصاية شرعية على القوى المسلحة أو الحق بالثناء على هذه الجهة وإدانة تلك. مع ذلك تظل « المخالفة» موضع اجتهاد كما قال الشيخ حسين بن محمود، أحد مشايخ الجهاد، في حين أن المشكلة التي تواجهها « جبهة النصرة » تتعلق بالقوى الخصيمة والمعادية التي تصر على إسقاطها شعبيا. وفي هذا السياق انصبت الإدانات الشديدة عليها إثر التفجير المزدوج في حي « القزاز» الذي استهدف فرع فلسطين في المخابرات السورية يوم 9/5/2012، وأدى إلى مقتل 55 شخصا وإصابة 372 بجراح. وبدا أن هناك تربصا مقصودا لغايته. فبعد التفجير نشرت جهة ما تسجيلا على موقع « اليوتيوب» باسم « جبهة النصرة » تعلن فيه تبنيها للتفجير، وعلى الفور سارعت وكالة « رويترز» للأنباء بنقل محتوى التسجيل، وبثته باعتباره بيانا رسميا!!! ومن بعدها طارت به وسائل الإعلام والصحف الأمريكية والأوروبية، كما لو أنه الفريسة المنتظرة، رغم أن بيان « اليوتيوب» حمل رقم (4) في حين أن آخر بيان صدر عن الجبهة كان حتى ذلك الوقت يحمل الرقم (7)!!! ورغم أن بيانات الجبهة تصدر عن مؤسستها « المنارة البيضاء» مكتوبة لا مرئية. لكن الأعجب أنه رغم صدور البيان الثامن عن الجبهة في 13/5/2012، والذي نفت فيه مسؤوليتها عن التفجير إلا أن بان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة، أعرب في 18/5/2012 « عن اعتقاده بأن تنظيم القاعدة مسؤول عن التفجيرات التي نفذت بسيارات ملغومة» .. هذه «السيارات » تقول بعض مصادر الثوار أنها ثلاث « سيارات » في الأصل، جرى إعدادها في مبنى الأمن بمنطقة جرمانة بدمشق، إلا أن إحداها انفجرت أثناء تفخيخها. لا شك أن هذا السلوك الإعلامي والسياسي الدوليين هو سلوك فاضح وهو يتصيد المواقف، أو ربما يصنعها، كي يمرر بواسطتها سياساته المعادية، ليس فقط للجماعات الجهادية بل وحتى للثورة السورية. وهو أيضا نتاج أخطاء استراتيجية في الإعلام تمثلت في التأخر الشديد في التأكيد أو النفي دون مبرر منطقي. أخيرا لا شك أن هذه الخريطة للقوى المسلحة هي خريطة مبدئية لأبرز القوى المسلحة والفاعلة على الساحة السورية. ونعني بـ « الأبرز» تلك القوى التي تشكل عناوين كبرى تساعد على النظر في تطورات الثورة وأدائها العسكري لاحقا. والعجيب أن الظاهر للعيان قد يوحي بانفلاش أمني، لاسيما إذا تعلق الأمر بالجماعات الجهادية. والصحيح أننا بقدر ما لاحظنا انفلاشا إعلاميا لا حدود له بقدر ما عانينا من التكتم الشديد الذي يميز الجماعات الجهادية، بصورة تحير كل باحث أو مراقب. فالغالبية الساحقة منها لا تمتلك حتى مواقع لها، اللهم إلا مواقع التواصل الاجتماعي مثل « فيس بوك» أو « تويتر». لكن أعجب ما يمكن ملاحظته في الثورة السورية هو استحالة حصر القوى المسلحة التي تتكاثر كالفطر. ولا ندري على وجه الدقة سببا لمثل هذه الظاهرة التي تبعث على القلق. إذ أن تكاثر الولادات يوحي من جهة بفوضى عارمة، ومن جهة ثانية بتغول العامل الأمني للنظام، والذي دفع ببعض المجموعات الصغيرة إلى توخي الحذر الشديد من الاحتكاك بجماعات أخرى، ومن جهة ثالثة بتدخلات محلية وربما إقليمية في الثورة السورية، ناجمة عن الرغبة في مقاتلة النظام والتخلص منه. وتبعا لذلك تقوم بالإعلان عن جماعات أو جبهات أو تحقيق اختراقات في القائم منها أملا بدور ما في إسقاط النظام أو انتظارا لدور قادم. المهم أن هذه الجماعات الكبرى، فيما عدا « الجيش الحر»، تبدو معنية باستجلاب الخبرات من الخارج. وقد بدت معالم التنسيق في هذا السياق واضحة في مشهدين لسيارة يجري التحكم فيها عن بعد، ظهرا في تسجيلين مختلفين أحدهما لـ « كتائب أحرار الشام» والآخر لـ « جبهة النصرة». وقد ظهر هذا النوع من السيارات في شريط سابق بثته جماعة « أنصار الإسلام» في العراق سنة 2011 بعنوان: « سلاح لا ينضب». كما تحدثت هذه القوى، عبر إصداراتها المرئية، عن استعمال واسع النطاق لعبوات ناسفة وأخرى لاصقة. وهذه أساليب الجماعات الجهادية في العراق. ولا ريب أن مثل هذا الأمر قد يبدو مبررا في ظل حرب طاحنة ضد نظام يحصل على السلاح ومصادر القوة من الدول الكبرى والإقليمية، في حين تتعرض الثورة لحصار خانق على السلاح. لكن الأهم أن الساحة السورية قد تلجأ، في ظل الحصار، إلى التصنيع العسكري، فضلا عن تغذية نفسها بنفسها عبر مخازن النظام والشبيحة وعناصر الجيش الحكومي. يتبع في الحلقة القادمة ... ***************************** مقالات السلسلة: (1) الثورة السورية ومسارات التدويل: البيادق والعراب (2) الثورة السورية ومسارات التدويل: لعبة الكبار (3) الثورة السورية ومسارات التدويل: عذراء الجهاد (4) الثورة السورية ومسارات التدويل: تسليح الثورة (5) الثورة السورية ومسارات التدويل: مواجهة شرعية مع النظام نشر بتاريخ 12-06-2012 [/size] |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
قرأت و استمعت..
ومن الله فيك باركت.. عندما ترى أخاً من أمك و ابوك .. يقيم الصلاة و يأمر بالمعروف ..و لا ينهى عن المنكر ؟ .. بدفاعه عن هذا النظام الآثم .. عندما تتحكم من كل واقعة لتبيان الحق .. فتتأنى في الحكم ..كـ حادثة الحولة المفجعة.. بإنتظار اليقين .. يتهمك أهلك أهل السنة بإنك مع النظام .. و أنك شيعي .. و يصرون ؟؟؟ عندما و عندما و عندما في زماننا زهق الحق و ظهر الباطل و خالفـْنا الله و نحن نشهد أن لا إله إلا هو و تركنا أعداءنا و تخاصمنا فيما بيننا أشد الخصام ... و علماؤنا .. في غفلة و تسييس ؟؟ لا حول و لا قوة إلا بالله |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل (7) جريمة « جنيف»!!! د. أكرم حجازي 6/7/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...6254124dc0.jpg هكذا اضطر « المركز» إلى إحالة الثورة السورية وما تحتاجه من متابعة يومية، إلى الأمم المتحدة لوضعها بجعبة كوفي أنان، الذي تخصص تاريخيا بالأزمات الدولية ذات الطابع الدموي، بدءً من مذابح رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، والتي قتل فيها خلال أسبوعين نحو ثلاثة أرباع المليون من الجانبين، وانتهاء بمذابح كوسوفو مع منتصف تسعينات القرن. لكن « إدارة للأزمة» لا تعني أن « المركز» كان سيمانع لو أن أنان توصل إلى حل مع النظام، وهو الأمر الذي فشل مع الذهاب إلى جنيف مؤخرا. والسؤال: هل ثمة فرق بين خطة أنان الأولى والثانية؟ أو بمعنى آخر: ما الذي اجتمع عليه « المركز» في اجتماع جنيف؟ وما الذي يدبره للثورة السورية؟ عشية مؤتمر جنيف في 29/6/2012 كتب روبرت فيسك، الصحفي البريطاني القريب من دوائر صنع القرار الغربي والخبير في شؤون « الشرق الأوسط»، مقالة في صحيفة « الاندبندنت» البريطانية بعنوان: « النفط أهم للغرب من القتل في سوريا». وفيها ينقل عن « مصدر ملم بخطط تتعلق بنقل السلطة من حزب البعث» قوله أن الأميركيين والروس والأوروبيين: « يسعون للتوصل معا إلى اتفاق يسمح للأسد بالبقاء زعيما لسوريا لما لا يقل عن سنتين أخريين، مقابل تنازلات سياسية لإيران والسعودية في كل من لبنان والعراق». ولأن ما يعني « المركز» في المنطقة هو تأمين تدفق النفط إليه، ينقل « فيسك» عن المصدر أيضا قوله: « إن روسيا يمكن أن تغلق الحنفية على أوروبا متى شاءت، وهذا يعطيها قوة سياسية جبارة. ونحن نتحدث عن طريقي نفط أساسيين للغرب: واحد من قطر والسعودية عبر الأردن وسوريا والبحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وآخر من إيران عبر جنوب العراق الشيعي وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى أوروبا، وهذا هو المهم، ولهذا السبب سيكونون مستعدين لترك الأسد يمكث سنتين أخريين إذا لزم الأمر». ويشير « فيسك» إلى ملاحظة هامة يقول فيها: « أن الدبلوماسيين الذين ما زالوا يناقشون هذه الخطط ينبغي أن يُعاملوا ببعض الريبة، فهذا أمر، أن تسمع الزعماء السياسيين يدينون بشدة النظام السوري على انتهاكه لحقوق الإنسان والمذابح، وذاك أمر آخر مختلف تماما عندما تدرك أن الدبلوماسيين الغربيين على أتم استعداد لتنحية هذا الأمر جانبا من أجل الصورة الأكبر التي هي كالعادة في الشرق الأوسط تعني إمدادات النفط والغاز. فهم مستعدون لتحمل وجود الأسد حتى نهاية الأزمة بدلا من الإصرار على أن رحيله هو بداية النهاية. ويبدو أن الأميركيين يقولون الشيء نفسه، والآن روسيا تعتقد بأن الاستقرار أهم من الأسد نفسه». خطورة مقالة « فيسك» أنها سبقت مؤتمر جنيف الذي تسربت منه بعض الحقائق. فما حصل هناك لم يكن إلا إنعاش لخطة كوفي أنان الذي طالب بوضعها تحت هيمنة « الفصل السابع» الذي يتيح ضغطا دوليا مدعوما بالقوة الدبلوماسية والعسكرية الملزمة. وهو ما لم يحصل. إذن ما قيمة الخطة؟ الجواب لا شيء. فلماذا إذن تم تمريرها وسط تهديدات أمريكية « جوفاء» عن العودة إلى مجلس الأمن والتلويح بعصى « الفصل السابع» بعد عام!!!؟ هنا السؤال. آليات الحل مع النظام عشية (1) التحضير لاجتماع جنيف، و (2) في أجواء الخلاف الروسي الأمريكي حول حضور طهران والسعودية للمؤتمر ( وقد استبعد حضور الطرفان لاحقا)، حذر كوفي أنان القوى الدولية من خطورة الثورة السورية، مشيرا إلى: « الأخطار الكبيرة التي يمثلها الصراع على الوضع في المنطقة والعالم». ولا ريب أن هذا التحذير من خطورة الوضع، الذي سبق وعبر عنه عشرات المسؤولين الغربيين في مناسبات عديدة، هو في الحقيقة جوهر أي تحرك دولي يخشى من انفجار النظام الإقليمي في المنطقة ومن ثم انفجار النظام الدولي ذاته. ولأن الثورة السورية ما زالت واقعة في مدى الاحتواء، أملا في الحفاظ على النظام الدولي واستقراره وأمنه، فإن أية حركة سياسية لا بد وأن تقع في ذات المدى ولا تخرج عنه قيد أنملة. وهذا يستدعي مبدئيا الإبقاء على السياسة الوحيدة المتبعة حتى اللحظة وهي التعامل مع الثورة السورية باعتبارها « أزمة» يتطلب وضعها، لخطورتها، تحت المراقبة الدائمة، عبر « إدارتها»، ريثما تنضج ظروف تساعد على « الحل مع النظام»!!! لكن هذه « الإدارة» تحتاج هذه المرة إلى جرعة زائدة في المدى الزمني تصل إلى العام!!! 1) فرصة العام: لمن؟ عام؟ نعم عام بلسان كوفي أنان، وإن لم تكن كافية فعامين بلسان « فيسك»!!! فبعد اجتماع جنيف (30/6/2012) قال أنان: « إن المشاركين حددوا المراحل والإجراءات الواجب اتخاذها للتطبيق الكامل لخطة النقاط الست وقراري مجلس الأمن 2042 و 2043 ، بما في ذلك الوقف الفوري للعنف بكل أشكاله». لكن ما تجاهله أنان في تصريحه هذا أثبته في مؤتمر صحفي لاحق حين قال: « إنه يأمل بأن يرى نتائج حقيقية للاتفاق خلال عام» ... « يأمل»!!! كما أنه يتحدث عن مجرد « نتائج حقيقية» وليس عن « حل»، فهل ثمة ضمانة من أي نوع لأية « نتائج»؟ وهل ثمة مصلحة للشعب السوري من كل هذا الوقت الطويل، إلا ما تحدث عنه « فيسك»؟ لنتابع تفاصيل الجريمة!!! تقول صحيفة « كريستيانس ساينس مونيتور» الأمريكية في اليوم التالي لـ « إعلان جنيف» أن: « المجتمعون فضلوا نتائج هزيلة على إعلان فشل كامل»!!! ربما. لكن الحقيقة تؤكد أن الغرب اعتمد هذه المرة الأطروحة الروسية بالكامل في التعامل مع « الأزمة» السورية. ومن لم يصدق فليتأمل ما قالته كلينتون جيدا، والتي خلطت السم بالدسم!!! حين أكدت أن الخطة تعني رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما نفاه الروس،: « سيتعين عليه الرحيل ولن ينجح في اجتياز اختبار التوافق نظرا للدماء التي تلطخ يديه» .. وأضافت بأن روسيا والصين: « صدقّا على اتفاق توافق السوريين على حكومة انتقالية، وعليهما الآن العمل مع حليفهما على تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»!!!!!!!! هكذا! فرصة للروس والصينيين لـ « اختبار» و « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه» !!!؟ فمن وضع الخطة يا ترى: كوفي أنان؟ أم الروس؟ ولصالح من وضعت الخطة إذا كانت مفرداتها صيغت بموجب المصالح وأمن النظام الإقليمي والدولي؟ وما هي وقائع وتداعيات هذا الـ « اختبار» على الأرض، وهو الذي سيتمتع بحماية دولية؟ لنرى ما تقوله الصحيفة الأمريكية ذاتها، في تعليقها على « عام» كوفي أنان، وما ينتظره من « نتائج حقيقية»: « إن وضع هذا المدى الطويل لتطبيق الخطة سوف يساهم بسقوط مزيد من القتلى في صفوف السوريين»، لماذا يا ترى هذا « التشاؤم»؟ تتابع الصحيفة: « لأن الخطة لا تتضمن أية حوافز لتشجيع الأطراف المتقاتلة في سوريا على التزام الهدوء» .. بحسب هذا الفهم للصحيفة فالخطة ليست سوى مشروع للقتل وتصفية الثورة وتأمين مصالح النظام الدولي. ومع ذلك فالخطورة ليس فيما أوردته الصحيفة الأمريكية في قراءتها بل فيما أدلى به وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من تصريحات للصحفيين، رفقة نظيره الفرنسي لوران فابيوس عشية التحضير لمؤتمر « أصدقاء سوريا - 6/7/2012 » في العاصمة الفرنسية – باريس .. تصريحات لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الجريمة الدولية التي يجري ارتكابها عن سبق إصرار وترصد. فلنقرأ ما قاله هيغ (4/7/2012)، وهو يعقب على تمسك الموقف الروسي ببقاء الرئيس السوري: « يجب أن تفهم روسيا أن الوضع في سوريا سيؤدي إلى الانهيار وإلى أعمال عنف مروعة وجسيمة». هذا نصف الكأس للمستر هيغ!!! أما النصف الآخر فيملؤه بالقول: « حتى لو كان الأسد مطلق اليد في ارتكاب ما شاء من جرائم فهو لا يستطيع أن يسيطر على الوضع في سوريا، لذلك لا جدوى من وقوف أحد مع نظام الأسد»!!! لنتأمل حجم الدهاء والخبث والمكر في تعامل « المركز» مع الشعوب وكأنها فرائس غاب استبيحت دماؤها للقتلة، فمن الذي أعطى الروس والصينيين « فرصة العام»؟ ومن الذي وصف « إعلان جنيف» بـ « الاختبار»؟ ومن الذي دعاهما إلى « تحقيق الاتفاق الذي تبنياه»؟ ومن الذي سيطلق يد بشار الأسد « في ارتكاب ما شاء من جرائم »؟ لماذا فقط الروس والصينيين وليس أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأنان، الذين صنعوا الإعلان وأخرجوه باسم الأمم المتحدة؟ 2) تأهيل المعارضة السياسية!!! لا ريب أنها تصريحات بالغة الخطورة كونها تنطوي في الظاهر والباطن على وحشية « المركز» الذي يستعد لمواجهة اعتراضين على خطة أنان، أولهما من المعارضة السياسية المنقسمة! وثانيهما من المعارضة المسلحة. فحتى يمكن تمرير الخطة فإن الغرب بحاجة إلى ممارسة ضغوط على المعارضة السياسية، وهو ما أعلنه صراحة إذا ما عارضت الخطة أو رفضتها. ورُبّ سائل يسأل: إذا افترضنا جدلا أن المعارضة قادرة أن تقول لا لخطة أنان؛ فما الذي يجعلها قادرة أن تقول لها نعم؟ وما قيمة أن توافق أو تعارض الخطة؟ الجواب لا شيء!!!! فالمعارضة السياسية فشلت حتى بانتزاع تأييد من القوى المسلحة لمؤتمر القاهرة الذي ولد ميتا منذ أعلنت الجامعة العربية عنه قبل نحو شهرين. لكن « المركز» بحاجة إلى طرف محلي يوفر الغطاء السياسي لمشروعه القائم على « الحل مع النظام»، وتبعا لذلك سيعمل على تأهيل المعارضة عبر الضغط الدموي على الشعب السوري لإيصاله إلى مرحلة يقبل فيها بأية عروض من أي نوع كان، وهو ما نص عليه أحد بنود الخطة بالقول أن: « مجموعة الاتصال على استعداد لتقديم دعم فاعل لأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الأطراف، ويمكن لهذا الدعم أن يتخذ شكل مساعدة دولية بتفويض من الأمم المتحدة» .. لاحظ التعبير: « أي اتفاق» الذي لا يهتم بأي شكل من الأشكال بمصالح الشعب السوري أو الثورة بقدر ما يهتم بالتوصل إلى « أي اتفاق»، فضلا عن أن « إعلان جنيف» لم يشر أصلا لأية مسؤولية جنائية على النظام في أي مستوى، بل أن « الاتفاق» سيحظى بدعم دولي من المنظمات الدولية ذات الصلة!!! فمن يتحمل مسؤولية القتل والمجازر والتهجير والاغتصاب والتدمير الممنهج للمدن التي صارت وكأنها خارجة من حرب عالمية؟ « أي اتفاق»؛ يعني أن الثورة السورية قد تتعرض في الشهور القليلة القادمة إلى ضربات دموية طاحنة، ليس من المستبعد أن تمس المناطق الآمنة، وشتى القطاعات الحيوية في المجتمع السوري، وتدمير ما تبقى، بحيث تكون الخسائر جارحة للغاية. وحينها ستكون المعارضة قد تأهلت بما يكفي لتقبل، رغم أنف المجتمع السوري والثورة، صيغة « الحل مع النظام» باسم المبعوث الدولي العربي المستر كوفي أنان. 3) نزع السلاح لكن مع ذلك تبقى الثورة المسلحة هي الأقدر على اعتراض أية حلول فوقية. ولهذا السبب فقد تضمنت الخطة بندا يفضي إلى نزع سلاحها. ففي النسخة الأولى من الخطة لم تكن هناك إلا إشارات قليلة جدا لـ « الحل مع النظام». لكنها في الخطة الجديدة فقد أوضحت بالنص أنها تمثل مرحلة انتقالية يتم فيها تقاسم السلطة مع النظام باسم « حكومة وحدة وطنية» انتقالية. ومن الطريف أنه حين كانت الأمم المتحدة تتفاوض مع الحكومة السورية على إرسال المراقبين الدوليين اقترحت الحكومة السورية، بعد استشارة الروس، تضمين بروتوكول الاتفاق بندا يقضي بنزع سلاح المقاومة، ولم يكن أنان ليمانع في ذلك لكنه عجز والحكومة السورية عن تثبيت المقترح رسميا في نص مكتوب. أما في الخطة الجديدة فقد جاء المقترح كأحد البنود التي تأتي في سياق التطبيق، وهو ما عبر عنه أنان بصريح العبارة حين قال: « أن ذلك يجب أن يؤدي إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة»!!!! وبدلا من ذلك ( والكلام لأنان ولنص الخطة): « استمرار عمل الأجهزة الحكومية بما في ذلك الجيش والأمن»!!! وهذا يعني أن المقاومة المسلحة ستكون مستهدفة بنزع السلاح رسميا. قبل الفيتو الروسي الصيني (24/2/2012) بقليل؛ لجأت الدول الإقليمية إلى إغلاق الحدود بإحكام، لدرجة أن البحث عن طلقة كان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. بل أن سعر الطلقة بلغ مستوى خياليا ما بين 3 – 4 دولارات، والأسوأ من هذا أن المخابرات السورية لجأت إلى أسلوب تفريغ المناطق الحدودية من الأسلحة والذخائر عبر شرائها بأثمان باهظة من أصحابها ومن التجار لمنع المقاتلين من الوصول إليها بأي ثمن!!! كما لجأت إلى أساليب أخرى كافتعال اشتباكات مع القوى المسلحة في الثورة ليس بهدف قتلهم بل بهدف استفزازهم ودفعهم إلى إطلاق النيران بغزارة. ولم يكن الثوار ليمتلكوا أي رصيد ثقافي أو سياسي أو أمني أو خبرة تمكنهم من الاسترشاد بها في مثل هذه الحالات، فخسر الكثير منهم مواقعه وذخيرته على حين غرة، بل أن الكثير منهم لاذوا بالفرار أو أصيبوا بالعجز التام عن مواجهة مواقف لم يكونوا قد خبروها من قبل. وبطبيعة الحال فقد بدا واضحا في ذلك الحين أن إحكام الحدود لم يكن إلا بقرار دولي، ولم تكن تركيا نفسها إلا ضالعة في هذا الأمر. وهذا يعني أن شحنات الأسلحة التي تسلمها الثوار من جهات عربية وربما دولية لم تكن لتمر لولا أن هناك رغبة دولية في تمرير قدر ما من الأسلحة!!! وهذا يعني أيضا، وهو الأهم، أن من يتحكم في تسليح الثورة السورية يستهدف بالدرجة الأساس ممارسة ضغط على النظام لتمرير هدف سياسي وليس حبا في الثوار أو نصرة لهم. في هذا السياق بالضبط يجيء « إعلان جنيف» .. ومن الغبن الفادح أن يقع تجاهل البند الخطير الذي ورد في نص الإعلان، والذي يقول: « يعارض أعضاء مجموعة الاتصال أي عسكرة إضافية للنزاع» .. هذا البند الذي أشار إليه العميد مصطفى الشيخ، رئيس المجلس العسكري الأعلى للثورة، في مداخلة له على قناة « وصال – 5/7/2012 » يعني ببساطة، والكلام للعميد مصطفى، أن الثورة المسلحة تتأهب لمرحلة استنزاف خطير في الذخيرة. أما كيف؟ فلا ريب أن وسائل نزع السلاح ستكون أيضا ذات نكهة سياسية، كأن يعلن الأطراف عن تقدم ما في صيغة « الحل مع النظام»، مما يستدعي وجوب البدء بنزع السلاح وربما فتح المجال السياسي والإعلامي وحتى الديني لإدانته في وقت لاحق. فهل سيتمكن المسلحون لاحقا من اعتراض أي حل سياسي فضلا عن قدرتهم على حماية المواطنين بل وحتى أنفسهم؟ أخيرا جريمة الثورة السورية أنها تخوض حربا وجودية طاحنة ضد مشاريع قوى الهيمنة الدولية والإقليمية والمحلية دون أن تتلقى أية مساندة ذات شأن من أحد .. كما أن القوى الدولية ذاتها تخوض صراعا وجوديا هي الأخرى مع ما يتهدد هيمنتها من ثورة لا تكل ولا تمل من التحدي وإبداء أكبر قدر ممكن من الشراسة. ومن العجيب حقا أن يخوض « المركز» حروبه ضد الأمة في سوريا حفاظا على مصالحه، أو أن تكشف بعض التحقيقات مع عصابات « الشبيحة» الشيعية والنصيرية، عن تعبئة عقدية لهم تصل إلى حد اعتبار جرائمهم ضد أهل السنة في سوريا « قتال في سبيل الله»!!! بينما تقاتلهم المعارضة السياسية وبعض الأجنحة العسكرية باسم « الوحدة الوطنية» و « الدولة المدنية» و « التعددية» و « الديمقراطية» بدلا من التعبئة العقدية المضادة، بوصفها السبيل الأنجع والوحيد في مواجهة المشاريع العقدية. لكن الأعجب، أن القوى المسلحة في الثورة بدت أعمق وعيا في قراءتها لمخاطر « إعلان جنيف»، وأحرص على الثورة ومصيرها، وحتى على الدولة وهويتها، من القوى السياسية المعارضة، وفي السياق فإن « توصيات» العميد مصطفى الشيخ للقوى المسلحة على قناة « وصال » بدت وكأنها تدق فعلا ناقوس الخطر، وهي تحذر من أن الثورة والمجتمع والدولة في سوريا قد يواجهون هجمة دموية شاملة في الشهور القادمة، مشيرا إلى أنه لن يكون أمام القوى الثورية السلمية والمسلحة وكافة أطياف المجتمع السوري، حتى تلك التي لم تدخل بعد رحى الثورة أو الاحتجاجات، من خيار إلا أن تدافع عن نفسها، والعمل بأقصى درجات الحيطة والحذر والاستنفار الذهني والأمني والعسكري والطبي والغذائي والإعلامي، للحيلولة دون غدر النظام والقوى الدولية والإقليمية، بما فيها الصديقة، والسعي بأوسع جهد إلى تعزيز احتياطاتها الإستراتيجية من الذخيرة بمقدار 50% لمواجهة أي طارئ أو دخيل. يتبع ... نشر بتاريخ 05-07-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
تسارع قوى عديدة في الثورة إلى تبنيها!!! ولما نقول واقعة فإننا لا نستثني منها الوفاة الغامضة لرأس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان وكذا مدير وحدة المعلومات في جهاز « الشين بيت » « الإسرائيلي». وإذا تتبعنا ردود الفعل السورية والدولية فلن نقع على أية خيوط يمكن ملاحقتها للوقوف على حقيقة الواقعة المثيرة بكل ما في الكلمة من معنى. لكننا سنقع على تصريحات من بان كيمون ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وهي تصف الواقعة بـ « الإرهاب» تماما مثلما وصفها فلاديمير بوتين وإيران!!! كل هذا المكر والغموض والتناقضات أفسح المجال لكثير من التكهنات لكن دون جدوى. واقع الأمر؛ لو أن نظاما آخر خسر هذا الكم والنوع كالذي خسره النظام لما استطاع الصمود دقيقة واحدة!!! لكن النتيجة مع النظام السوري كانت معاكسة تماما وهو يحصل على حماية دولية فورية عبر الفيتو الروسي - الصيني المزدوج، والثالث في مجلس الأمن!!! والسؤال: إذا كانت الثورة السورية شأنا محليا؛ فلماذا يحظى النظام بكل هذه الحماية الدولية؟ « العائلة الأسدية» والنظام ثمة قناعة لدى بعض السوريين ترى بأن المشكلة واقعة فيما يسمونه بهيمنة « العائلة الأسدية» على الحكم والطائفة. فإذا ما تخلص الشعب السوري من هذه العائلة سيكون سهلا عليه التخلص من النظام. لكن واقع الأمر أن النظام في سوريا ليس نظاما عائليا يماثل النظام الليبي أو اليمني، ولا نظاما مافياويا كما كان الحال في تونس أو مصر .. بل هو نظام طائفي بامتياز، أسسته فرنسا منذ اللحظة الأولى للانتداب سنة 1920. وفي تلك اللحظة من الزمن لم تكن « العائلة الأسدية» واردة في الحسبان بقدر ما كانت المسألة تتعلق بتأمين طائفة على البلاد لحماية النظام الدولي الجديد الذي بني على أشلاء العالم الإسلامي. وعليه فإذا كانت الطائفة امتيازا استعماريا فإن « العائلة الأسدية» لم تكن إلا امتيازا في إطار الطائفة وليس خارجها. فما الذي يعنيه هذا التوصيف بالنسبة لهوية الثورة؟ يعني أن « العائلة الأسدية» لا يمكن أن تكون امتيازا دوليا في مثل هذه اللحظات العاصفة والخطرة بقدر ما تحظى به الطائفة العلوية، وبالتالي فمن الممكن إزاحة « العائلة » مع الاحتفاظ بالطائفة بوصفها الثابت الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن ائتمانه، حتى اللحظة، على سلامة النظام الدولي الإقليمي وأمنه واستقراره. ضمن هذا التوصيف يمكن استحضار كافة التصريحات الدولية والمحلية والإقليمية التي استعملت تعبير « الحرب الأهلية» وهي تحذر من وقوعها وتمددها في المنطقة. كما يمكن استحضار تصريحات بشار الأسد، بداية الثورة، وهو يهدد « المركز» بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»!!! تهديد أقرب إلى العتاب الشديد من أي أمر آخر. إذ أن « المركز» هو الذي أطلق يد الطائفة، طوال عقود، ضد السنة في المنطقة، وخاصة ضد المجتمع السوري. وهو الذي صمت، إن لم يكن شجع، على أبشع مذابح النظام الطائفي في سوريا ولبنان. كما صمت على فرض النظام علاقة طائفية دموية وأمنية مرعبة، طالت الدولة ومكوناتها، والمجتمع بمدنه وقراه وأحيائه، والمؤسسات المدنية والإثنيات التي تشكل قوام المجتمع السوري بما يزيد عن 25 إثنية، وكافة الطبقات والشرائح والفئات العمرية، إلى الحد الذي لم يفلت من بطش هذه العلاقة المتوحشة طفل أو شيخ أو امرأة أو شاب أو معارض أو سياسي أو ناشط أو مثقف .. لا ريب أن « العائلة الأسدية» تستند إلى الطائفة التي تحظى بحماية دولية وإقليمية خاصة من إيران ذات المشروع الصفوي الذي يستعمل الطائفة جسرا للعبور إلى المنطقة. ولا ريب أيضا أن الطائفة تعلم جيدا أنها أوقعت في المجتمع السوري، لاسيما أهل السنة منه، من الأذى ما لا يمكن التسامح معه بقدر ما يبدو اليوم مبررا يسمح بالانتقام منها .. انتقام أصلته وقائع السياسة الدموية المتوحشة التي انتهجها النظام ضد الثورة. وبالتالي فقد صار حال الطائفة كمن يسائل « المركز»: ما هو مصيرنا بعد كل الدم الذي سفكناه، والأعراض التي انتهكناها، والأجساد التي مزقناها، والوحشية التي تغنينا بها؟ ما هو المصير؟ ليس سؤالا طائفيا محليا فحسب، بل هو في الأساس سؤال دولي!!! وتبعا لذلك فالثورة السورية، شاء السوريون أم أبوا، ليست شأنا محليا أبدا رغم أنها تبدو كذلك بالمقارنة مع الثورات الأخرى. والأطروحة التي تحاول، عبثا، التأكيد على محلية الثورة والنأي بنفسها عن أية صدامات دولية، لم تقرأ الثورة جيدا أو أنها تتهرب من لحظة الحقيقة. النظام برؤية دولية في الجوهر لا وجود لفرق يذكر بين جناحي « المركز»، الشرقي والغربي، فيما يتعلق بالثورة السورية إلا في إدارتها والبحث عن أفضل السبل في وقف تهديدها للنظام الدولي. ففي حين يبدو الغرب شديد التخوف من أن تفلت الثورة من طوق السيطرة والتحكم يبدو الروس ومعهم الصينيون أكثر ثقة فيما يفعلون، وأحوج إلى احترام الغرب لدورهم ولـ « ذكائهم» وقدراتهم في التحكم والسيطرة، خاصة أن روسيا هي من تولى الملف السوري تاريخيا بعد حرب العام 1956، فضلا عن صراع النفوذ بين القوى الكبرى. التصريحات الدالة على كون الثورة السورية شأن دولي رافقت الثورة منذ لحظاتها الأولى. بل أن بعض التصريحات المجردة من الأغطية الدبلوماسية كتعبير « الحرب الأهلية» صارت صريحة بصراحة قائليها. ويكفي التذكير ببعضها. فحين صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لإذاعة « كومرسانت إف إم – 21/3/2012» قائلا: « إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد»، إنما كان في واقع الأمر يخاطب زملاءه في « المركز» لاسيما أمريكا وبريطانيا وفرنسا وليس العرب أو السوريين كما توهم البعض وهو يرد على لافروف ببلاهة عجيبة متهما إياها بـ « الطائفي»!!!! وكأن هذا ما ينقص لافروف. فالثلاثي الملطخة أيديه بالدماء في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين والجزائر ولبنان .. والذي اعترض الثورات العربية بوحشية .. استغلها بمكر شديد وهو يحاول على حساب الروس تحسين صورته الدموية عبر التباكي على الحرية وحقوق الإنسان والمذابح المروعة، فما كان من لافروف إلا وفضح الموقف الغربي ولسان حاله يقول: « أتريدون حكما سنيا في سوريا»؟ هذا التصريح الذي ألجم انتهازية الغرب أدلى به لافروف ليذكّر الغرب بأن الاتحاد السوفياتي البائد، وقلبه روسيا، هو الذي تَسلَّم من الفرنسيين حماية الطائفة في سوريا بعد حرب السويس سنة 1956 وإيصالها إلى منصة الحكم، وهو الذي حافظ على أمن النظام الدولي الإقليمي بعد تبنيه حركات التحرر في العالم، وهو الذي حال دون إحداث أي فارق في الصراع مع « إسرائيل»، وهو الذي سحب مستشاريه من مصر وأبقى عليهم في سوريا عشية حرب تشرين أول / أكتوبر 1973!!! في مقالة له نشرتها صحيفة الواشنطن بوست 19/7/2012 بعنوان: « دعوة واشنطن للتخطيط لما بعد الأسد» كتب ديفيد إغناتيوس يقول: « إن واشنطن لا تزال ترغب في مساعدة موسكو في إدارة انتقال سوريا»، وإن الرئيس باراك أوباما يسعى لـ « انتقال للسلطة مسيطر عليه»، عبر (1) « الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بأسرع وقت ممكن»، و (2) « إنجاز ذلك بدون تبخر سلطة الدولة». لذا فإن: « المسؤولين الأميركيين يحذرون من أنه كلما أصبح الوضع أكثر عنفا فإن الباب لتعاون دولي فعال ربما يتم إغلاقه» إذن الروس أمناء على أمن النظام الدولي وشركاء في حمايته وخبراء في التعامل معه وليسوا هواة أو انتهازيون أو بلهاء أو طائفيون كما يحلو للبعض أن يثرثر!!! ورغم ما بدا مراوغات سياسية وإعلامية، فيما يتعلق بمصير الأسد، إلا أن الروس، كما الغرب، أعلنوا أكثر من مرة أنهم لا يأبهون لبقاء الأسد من عدمه في السلطة. وصاروا، ولمَّا يزالوا، أشد وضوحا من الغرب فيما يتعلق بمصير النظام الدولي وليس بمصير الأسد. فبعد تصريح لافروف قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو 21/6/2012: « من الواضح تماما أن الوضع السوري مرتبط بأسس النظام العالمي المستقبلي، وكيفية تسوية الوضع ستحدد إلى حد كبير كيف سيكون هيكل نظام الأمن الدولي الجديد والوضع في العالم عموما». وردا على التصريحات الغربية التي أعقبت بيان مؤتمر جنيف في 30/6/2012، واتهام روسيا بالتمسك بالأسد قال ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في باريس(20/7/2012)،: } إن ما تدافع عنه روسيا ليس نظام بشار الأسد، « لكنه النظام الدولي»{. فهل تصمد الثرثرة والأيديولوجيات أمام هكذا توصيفات؟ عجبا!!!! من باب التذكير نشير إلى اللحظات الأخيرة قبل التصويت على مشروع القرار الذي اصطدم بالفيتو الروسي – الصيني (24/2/2012). فقد تناقلت وسائل إعلام عديدة التحذير القطري للمندوب الروسي فيتالي تشوركين من مغبة استعمال الفيتو، فما كان من هذا الأخير إلا التهديد بمحو قطر عن الخريطة مذكرا وزير الخارجية القطري بأنه هنا ( في مجلس الأمن) مجرد ضيف. وذات الأمر تكرر في مؤتمر جنيف ( 30/6/2012)، وهو ما أشارت إليه الصحفية راغدة ضرغام (6/7/2012) نقلا عن أحد المصادر التي حضرت المؤتمر قوله:} إن الروس بالذات استاؤوا جداً من تركيا وقطر على أساس أنه » لا يحق« لهما التدخل في نص لمشروع قرار يخص مجلس الأمن وأن عليهما ألا يتصرفا وكأنهما عضوان في المجلس{. ومن باب التذكير أيضا فقد نفى السفير الروسي صحة الواقعة الأولى في مؤتمر صحفي، إلا أن أحدا لم ينف أو يعلق على واقعة جنيف!!! لكن الخشية الغربية من خروج الأمر عن السيطرة ربما تكون دفعت الروس إلى التعجيل بانتقال السلطة. ويبدو أن الروس توصلوا إلى تفاهم ما حول تنحي الأسد. فحين صرح ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في فرنسا، بأن بشار الأسد وافق على التنحي عن السلطة (20/7/2012)، سارعت الخارجية السورية إلى النفي. وبحسب السفير الروسي، فإن فكرة « انتقال السلطة في سوريا» طرحت في البيان الختامي لمؤتمر جنيف، وأن الأسد وافق عليها، « وعين مبعوثا له ليقود المفاوضات مع المعارضة من أجل هذا الانتقال»، وأضاف السفير: « هذا يعني أنه قبِل أن يرحل لكن بطريقة منظمة»، مشيرا إلى أنه: « من الصعب عليه البقاء بعد كل ما حدث، لكنه قبِل أساسا أن عليه أن يرحل». لكن الغرب تحفظ على مثل هذه التصريحات التي أثارت غضبا سوريا عارما. وفي السياق نقلت وكالة « رويترز» عن دبلوماسي غربي القول: « لم نسمع الأسد يقول من قبل إنه مستعد للتنحي، لكن ماذا يقصد هل يقصد الآن، أو في غضون عامين .. علينا توخي الحذر». ومن الواضح للمراقبين أن « التحفظ» الغربي يحيلنا إلى مهلة العام التي منحها مؤتمر جنيف للروس لإدارة الملف السوري .. والتي قد ترتقي إلى عامين بحسب التحفظ الغربي مذكرة، من طرف خفي، بـ « عامي روبرت فيسك» عشية مؤتمر جنيف!!!! إيران وإسرائيل: مخاوف مشتركة أما ساسة « إسرائيل» الذين استفاقوا فجأة ( 10/6/2012) على ما وصفوه بـ « الفضيحة التي لا يمكن تصديقها .. الإبادة الجماعية .. صمت قوى العالم يتناقض مع المنطق الإنساني .. الوجه القبيح لمحور الشر .. المجازر ... » فلم تكن إلا تعبيرا عن صراع القوى الدولية حول الملف النووي الإيراني انطلاقا من سوريا. إذ أن كل ما أراده قادة « إسرائيل» من الدخول العلني المفاجئ على خط الثورة السورية هو ليّ ذراع إيران التي صارت بنظر « المركز» أجدر من « إسرائيل» في حماية النظام الدولي والحفاظ على أمنه واستقراره، ولا ريب أن صعود الدور الإيراني سيعني بالمحصلة تراجع في مكانة « إسرائيل» لدى « المركز» .. تراجع يثير فزعا في « إسرائيل»، ويستثير فيها « عقلية الغيتو»، التي تؤشر على الشعور بخطر الزوال .. « عقلية» تجد تعبيراتها في سلسلة القوانين العنصرية، والرغبة الجامحة في الانزواء بدولة يهودية الطابع!!! ولعل التاريخ يشهد بأنه كلما اتجه اليهود نحو « الغيتو» كلما دل ذلك على الشعور بقرب الخطر وفداحته!!! إذا كان هذا التوصيف مغاليا؛ فلنقرأ تصريحات يئجال بلمور، الناطق بلسان الخارجية « الإسرائيلية»، في تعليقه ( 21/7/2012) على حادثة مقتل خمسة يهود في بلغاريا (18/7/2012)، واتهام « إسرائيل» لإيران وحزب الله بارتكابها. فقد اعترف بلمور بوجود « توتر بين إسرائيل وإيران»، وهذا لا يخفى على أحد، لكنه أفصح بصريح العبارة عن مخاوف مشتركة تجاه سقوط الأسد، حين قال: « إن التوتر بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى كبير ومنذ سنوات, ( لكن ) الجانبين يخشيان جدا سقوط بشار الأسد ... »، أما المصدر الأوحش لـ « الخشية الإسرائيلية - الإيرانية» بحسب يئجال بلمور فهي: « من إرادة الشعب السوري» .. خشية تصل إلى حد الشعور بالخطر المصيري الذي يتهدد وجود المشروعين الصهيوني والصفوي في المنطقة. البأس والعصبية والخيارات لا شك أن بأس الثورة السورية أصابت العالم بالصداع والعصبية الشديدة، فلا « المركز» قادر حتى اللحظة على احتواء الثورة السورية وتجنيب النظام الدولي خطر الانهيار، ولا غزارة الدماء ووحشية الاعتراض دفعت السوريين إلى الانكفاء. ولقد كانت لفتة بالغة الخطورة ذلك التصريح الذي أدلى به مصدر في البحرية الروسية. فمن المعروف أن البريطانيين اعترضوا في الشهر الماضي سفينة الشحن الروسية « ألايد»، التي تحمل طائرات مروحية هجومية كانت متوجهة إلى سوريا، ورفعوا عنها غطاء التأمين الدولي، مما اضطرها للعودة. لكنها عادت للإبحار مجددا تحت العلم الروسي بدلاً من علم جزيرة كوركاو في البحر الكاريبي. وبحسب صحيفة « ميل أون صندي - 15/7/2012» فإن مصدراً بارزاً في البحرية الروسية أكد أن أوامر رسمية ستصدر في القريب العاجل لسفن البحرية الروسية لتأمين المرافقة الوثيقة للسفينة التي قد تبحر على مقربة من الجزر البريطانية، مما يثير مخاوف من احتكاك دولي مسلح. وتعقيبا على ذلك نقلت الصحيفة أيضا عن مصدر في البحرية الروسية قوله: « نأمل ألا يُطلق أحد شرارة الحرب العالمية الثالثة بسبب ذلك، فنحن لم نتلق أوامر حتى الآن لمرافقة السفينة ألايد، لكننا نتوقع صدورها في أي وقت بعد أن تم التخطيط للعملية»!!! بهذا المنطق الدولي المتوتر تغدو الثورة السورية مسألة دولية صرفة، وبالغة الخطورة. ولا يمكن لها أن تفلت من خيارين لا ثالث لهما: • إما أن تقبل بالحل الدولي القائم على بقاء الطائفة في الحكم بوصفها البنية المركزية للنظام، والأمينة على مصالح النظام الدولي. وفي السياق تجدر الإشارة إلى أن ضربة « خلية الأزمة» تقع في سياق التمهيد للحل الدولي. فإذا لم تكن الضربة من فعل القوى الثورية فستبدو استجابة لما احتوته وثيقة جنيف، التي حرصت على استبعاد عناصر التوتر من أية حكومة انتقالية قادمة. وفي كل الأحوال فإن الفشل الذريع سيكون حليف الثورة السورية. إذ أن ما سيحصل بالضبط هو، في المحصلة، بقاء الصيغة التاريخية للحكم « النظام – الطائفة» بقطع النظر عن التكوينات الأخرى للسلطة الانتقالية، مع بعض التحسينات الشكلية التي لا تلبث أن تنفجر في أية لحظة، وقبل أن تتبلور. • وإما أن تدخل في مواجهة صريحة مع « المركز» بكافة تشكيلاته وأطروحاته وأدوات النفوذ فيه. وهذا يعني مواجهة « المركز» والمشروع الصفوي والمشروع الصهيوني. لكن في هذه الحالة ينبغي ملاحظة أن الثورة السورية التي انتقلت من الحالة الشعبية السلمية إلى الحالة الشعبية المسلحة ستحتاج إلى (1) قيادة موحدة وصارمة، تلملم شتات المجموعات المقاتلة، وإلى (2) خطاب صريح يجمعها لا غبار عليه البتة. أي أنه لا مفر من مواجهة المشاريع العقدية الثلاثة بمشروع عقدي صريح، بعيدا عن كل الدعوات التي تدور في فلك الأيديولوجيات أو السقف الدولي مثل الدولة المدنية أو الديمقراطية أو الحرية أو العدالة ..... ، والتنصل من الأطروحات العلمانية واللبرالية التي حرصت على إرضاء « المركز» واستبعدت كل مرجعية إسلامية دون أن تظفر بأي مكسب يذكر إلا ما يعرضه عليها المركز. يتبع ... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل نحو الوصاية العسكرية!!! (9) د. أكرم حجازي 25/8/2012 http://1.1.1.5/bmi/www.almoraqeb.net...7f23a20000.jpg بخلاف النظام الدولي، وحتى بعض مضي نحو ثمانية عشر شهرا على الثورة السورية، إلا أن السوريين لم يتجرؤوا بعد على مواجهة لحظة الحقيقة العاصفة في مسار الثورة وما بعدها. ففيما خلا الجماعات الجهادية، ذات المنحى العقدي في خوض الصراع وإدارته، فإن بعض البقية الباقية، والغالبية من القوى السياسية والمقاتلة، (1) يتمنع أو يتردد أو يتهرب خشية من استحقاقات اللحظة القادمة، لا محالة، وبعضها الآخر (2) ما زال يتأمل الخلاص عبر تدخل دولي يختصر الوقت والجهد، ويعفيه من الحرج، وبعضها (3) لم يتردد، منذ اللحظة الأولى للثورة، في نسج تحالفات واتصالات مع القوى الدولية، غير آبهٍ بأية عواقب عقدية أو حقائق تاريخية وموضوعية أو حتى أخلاقية تجاه خياراته. والسؤال: أين عين الحقيقة في الثورة؟ أولا: قبل تنحي الأسد عين الحقيقة ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد، حين سئل بعد الثورة التونسية والمصرية، عما إذا كان من الممكن أن تندلع ثورة في بلاده فأجاب بالنفي، مشيرا إلى أن « سوريا مختلفة»!!! ولما وقعت الثورة هدد بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»، وفي مقابلة عاصفة مع صحيفة « الصندي التلغراف – 30/10/2011 » البريطانية، ذكّر الأسد « المركز» بالواقع الذي لم يختلف عليه أحد منذ تم اختيار الطائفة العلوية لتكون الأمينة على النظام الدولي وأمن المنطقة، فقال: « إن سوريا اليوم هي مركز المنطقة .. سوريا مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف .. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال، .. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟ .. أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها .. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا، فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها ...». لم يكن الأسد غبيا ولا مبالغا حين اختار أن يكون الحوار مع المركز هو « عين الحقيقة». فالشام هي أرض الخلافة وذات الكفالة الربانية وملاذ المؤمنين في زمن الفتن والملاحم وأرض المحشر والمنشر. وانفكاك أسرها يعني زلازل في المنطقة والعالم وليس زلزالا واحدا. عين الحقيقة في التسليم بالقول: لو أن نظاما ما تعرض لهزة واحدة كالتي يتعرض لها النظام في سوريا لسقط على الفور. ومع ذلك فقد اندلعت ثورة من رحم المستحيل، ولم يعد فيها للنظام جيشا آمنا ولا جهازا أمنيا ولا قائدا، وخسر قادة ما يسمى بـ « بخلية الأزمة»، علاوة على خسارته لأكثر من 70% من سيطرته على الأرض، وبدأ السياسيون، كالعسكريين، يبحثون عن هوامش للإفلات من قبضة النظام، حتى أن شخصية بحجم رئيس الحكومة لم تعد شخصية مأمونة، فضلا عن نائب الرئيس .. ومع أن النظام يتعرض في صلبه لاستنزاف مرعب في عناصر القوة لديه إلا أنه ما زال يبدو نظاما قويا وعصيا على الكسر!!! فمن أين له كل هذه القوة!!!؟ سؤال في « عين الحقيقة»!!! عين الحقيقة هو ما ينبغي التسليم به بلا مواربة من أن الطائفة العلوية في سوريا هي امتياز دولي جرى تأهيلها منذ لحظة الانتداب الفرنسي على سوريا كي تؤدي وظيفة واحدة هي امتصاص كافة حركات التحرر والتمرد التي يمكن أن تهدد لاحقا استقرار أو بقاء النظام الدولي الحالي، الذي أقيم على أنقاض العالم الإسلامي من جهة أخرى. ومن يجادل في هذه الحقيقة البديهية عليه يتذكر ما سبق وقاله أمين الحافظ، الرئيس السوري الأسبق، في برنامج شاهد على العصر على قناة « الجزيرة»: « في سوريا نظام حكم طائفي حاقد على كل ما يمت للإسلام والعروبة بصلة»، وعليه فما من طائفة في الشام يمكن ائتمانها على المنطقة والنظام الإقليمي الدولي، الذي مركزه سوريا، كما هي الطائفة العلوية. ولأن بذور البغض والحقد على العروبة والإسلام متأصلة فيها .. ولأنها طائفة مطاريد؛ فقد كانت مهيأة، استعماريا، للقيام بأية مهمة لقاء نزولها عن الجبال، والتمتع بخيرات السهل ( = المدينة). وقد مضت عقود طويلة، منذ الانتداب الفرنسي وإلى يومنا هذا، حالت فيه هذه الطائفة من إحداث أي فارق في الصراع العربي « الإسرائيلي»، ونجحت في تجميد أو تفكيك كل عناصر القوة في الأمة، فضلا عما فعلته على وجه الخصوص في المجتمع السوري من قهر وقتل وتجهيل وعنصرية وإشاعة للفاحشة والظلم والفساد والاستبداد. ولأن عين الحقيقة تكمن في إدراكها، وإدراك مكانة سوريا في النظام الدولي، فلا مفر من التذكير بأن الروس هم الذين تسلموا حماية الطائفة العلوية من الفرنسيين في أعقاب « حرب السويس» سنة 1956، وهم الذين أوصلوها، فيما بعد، إلى الحكم، وسهروا على رعايتها، إلى أن لحق بهم الإيرانيون بعد 17/2/1982. وبالتالي فإن « المركز» هو المسؤول عن حماية النظام وبقائه في سوريا وليس الروس وحدهم. ولنتأمل ما قاله الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو 21/6/2012: « من الواضح تماما أن الوضع السوري مرتبط بأسس النظام العالمي المستقبلي، وكيفية تسوية الوضع ستحدد إلى حد كبير كيف سيكون هيكل نظام الأمن الدولي الجديد والوضع في العالم عموما». أما ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في باريس (20/7/2012)، فقال: } إن ما تدافع عنه روسيا ليس نظام بشار الأسد، « لكنه النظام الدولي»{. وما يبدو خلافا بين شقي المركز، الشرقي بقيادة روسيا، والغربي بقيادة الولايات المتحدة، ليس في الحقيقة إلا صراعا على النفوذ مصدره العقلية القيصرية الإمبراطورية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وضعف « الرأسمالية» مقابل صعود الروس والصينيين اقتصاديا. وفي السياق نذكر بالتصريح المثير له حين قال في 11/7/2012: « إن نفوذ الغرب آخذ في الاضمحلال مع تراجع اقتصاده .. وأنه .. مشارك في دبلوماسية منفردة خارج الأمم المتحدة للحفاظ على نفوذه في السياسة العالمية». لكنه، مع ذلك، يظل صراعا لا يخرج عن خشية الغرب من انهيار مفاجئ للنظام، قد يؤدي إلى كوارث على النظام الدولي، مقابل اعتراضات روسية وصينية تجهد في توظيفه لخدمة مصالحها والاستئثار بمكانة أعلى في النظام الدولي، إنْ لم يكن السعي لقيادته. وبالتالي ينبغي أن يُفهَم جيدا أن اعتراضات الروس والصينيين لمساعي الغرب في مجلس الأمن الدولي لا تمت بصلة، من قريب أو من بعيد، لنصرة الشعب السوري أبدا، هذا الفهم هو « عين الحقيقة» أيضا فيما يتعلق بدعوات بعض قادة الحزب الجمهوري الأمريكي لتسليح الثوار السوريين أو التحريض على التدخل العسكري الأمريكي بزعم الحرص على مصداقية القيم الأمريكية!!! فهي دعوات لا تخرج عن نطاق الاجتهاد في اعتراض السياسات الروسية أو تأمين خط الرجعة للسياسات الأمريكية في قادم الأيام أو الأسابيع أو حتى السنين. عين الحقيقة فيما لا يمكن للعين أن تخطئه من أن الثورة السورية تحاصرها ثلاثة مشاريع عقدية دولية ضارية هي « صليبية المركز» و « صفوية إيران» و « يهودية إسرائيل». والكل فيها يتسلح ويصنع وينتج ويهاجم ويتمدد على حساب المسلمين الذين لا يمتلكون حتى الآن مشروعا عقديا صريحا تجتمع عليه الأمة دون وجل من هذه القوة أو تلك. وغني عن القول أن أصحاب هذه المشاريع أباحوا لشعوبهم ودولهم السعي لامتلاك كل أدوات القوة واستعمالها في الغزو والعدوان والقتال في شتى بقاع الأرض في حين لم يكن لأي مشروع إسلامي من نصيب إلا الإدانة والعدوان والتصفية والتشويه. بل أن « الجهاد» صار حقا لدى ملل الكفر قاطبة ومحرما على ملة الإسلام أن تدافع عن نفسها. وفي المحصلة تبدو الثورة السورية، شاءت أم أبت، في مواجهة صريحة مع النظام الدولي برمته، عاجلا أم آجلا، أو في مواجهة نفسها إذا ما أصرت القوى السياسية على التهرب من هذه الحقيقة أو أنكرتها أو خاصمت أهلها. ثانيا: بعد التنحي وعليه فإن عين الحقيقة أيضا تقع في الإقرار بفرضية جدلية تميل إلى القول بأنه حتى لو انشق بشار الأسد نفسه، وأنّى له ذلك، فلن يغير انشقاقه من الأمر شيئً فيما يتعلق بمصير النظام في سورية، باعتباره ملكية دولية. فحتى هذه اللحظة لا يمتلك « المركز» أي بديل عن النظام في سوريا إلا النظام نفسه، أو بمعنى أدق الطائفة نفسها. وهي حقيقة سبق وأكدها رفعت الأسد، في مقابلة مشتركة مع وكالة « فرانس برس» وصحيفة « لوموند – الفرنسية - 14/11/2011»، حين قال بأن: « الحل يكمن في أن تضمن الدول العربية لبشار الأسد سلامته كي يتمكن من الاستقالة وتسليم السلطة لشخص لديه دعم مالي ويؤمن استمرارية جماعة بشار بعد استقالته، يجب أن يكون شخصًا من عائلته: أنا أو سواي». وفي السياق ينبغي إعادة التأكيد الحاسم الذي لا يقبل الجدل على أن النظام في سوريا ليس هو الأسد ولا عائلته بل الطائفة نفسها. وهنا بالضبط تقع تصريحات قدري جميل، نائب رئيس الحكومة السورية، حول إمكانية مناقشة استقالة الأسد في حوار محتمل مع المعارضة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (21/8/2012). عين الحقيقة أن « المركز» الذي عمل على تنصيب الطائفة حاكمة على سوريا يشعر وكأنه يواجه لحظة لم تكن في الحسبان .. لحظة المفاصلة الشعبية الحاسمة مع النظام واحتمال زوال حكم الطائفة. ولأنه لا بديل لديه فلا حل عنده إلا إطالة أمد النزيف الدموي بانتظار التحضير لبديل قادم ليست له أية ملامح حتى الآن إلا النظام نفسه. وبالتالي فهو يعمل منذ بداية الثورة على معادلة « الحل مع النظام» سواء على الصعيد الأمني أو على الصعيد السياسي أو حتى على صعيد تدمير سوريا برمتها حتى لا تقوم لها قائمة لعشرات السنين. وهو حل لا يدرك تبعاته غوغاء الثورة السورية ولا يلقي له ربائب « المركز» بالا. عين الحقيقة أن « المركز» بات مقتنعا باستحالة استمرار الأسد في السلطة، لذا فقد بدأ الشق الغربي منه، يسابق الزمن لترتيب الوضع في سوريا عبر تكثيف اتصالاته مع (1) القوى الدولية خارج الأمم المتحدة و (2) الاستخبارات الإقليمية و (3) عسكريين منشقين. فمنذ الفيتو الروسي – الصيني الثالث في مجلس الأمن (21/7/2012) أعلنت سوزان رايس، المندوبة الأمريكية، أن: « الولايات المتحدة ستعمل خارج الأمم المتحدة لدعم المعارضة السورية» في ضوء « الأداء السيئ» لمجلس الأمن. ونشطت الدبلوماسية الأمريكية والفرنسية والبريطانية فعليا في التنسيق لتأمين ما أسموه « انتقالا سلميا للسلطة» و « تأهيل المعارضة السورية»، وتبعا لذلك أعلن كوفي أنان، المبعوث العربي الدولي المشترك، استقالته في 3/8/2012 احتجاجا على تبادل « الاتهامات والسباب» في مجلس الأمن، في حين أن سبب الاستقالة يكمن في نهاية المهمة. أما على الصعيد الأمني فقد تصاعدت الاتصالات الأمريكية - التركية، تمهيدا لما أسمته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، بـ « اليوم التالي» قائلة: « أعتقد أننا نستطيع أن نبدأ في الحديث عن والتخطيط لما سيحدث بعد ذلك» .. وقد جرى ترجمة هذا « الاعتقاد» في أعقاب لقائها بنظيرها التركي أحمد داوود أوغلو في اسطنبول (7/8/2012)، فقالت: « نحن بحاجة إلى الخوض في التفاصيل الحقيقية مثل التخطيط العملي ويجب أن يتم ذلك عبر حكومتينا»، وأضافت: إن الولايات المتحدة وتركيا اتفقتا على التنسيق المشترك والعميق بشأن الحاجة لدعم جماعات المعارضة السورية، وذلك من أجل إعدادها لمرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد». وفي السياق كشفت كلينتون عن: « وحدة أزمة جديدة تشكلت للتعامل مع أسوأ حالة من السيناريوهات بسوريا» مضيفة أن: « أجهزة مخابراتنا وجيشانا أمامهم مسؤوليات مهمة وأدوار عليهم القيام بها ومن ثم سنشكل مجموعة عمل لتحقيق هذا الأمر»، يجيء الإعلان عن « الوحدة» على خلفية الكشف عن « أمر سري» وقعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقضي بتقديم دعم لوجستي للمعارضة دون الدعم القتالي، ولا ريب أنها ستعمل بالتنسيق مع مركز القيادة السري في أنطاكيا، والذي تديره الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر، لتحديد وجهة الدعم الحيوي لمقاتلي المعارضة، بحيث لا تصل إلى قوى إسلامية معارضة. ومن عين الحقيقة في السياق أيضا؛ أن الاستخبارات البريطانية والفرنسية والألمانية ولاسيما الأمريكية، التي تعاني، بحسب صحيفة « الواشنطن بوست – 25/7/2012 » الأمريكية من فجوة استخبارية في سوريا حول هوية القوى العسكرية المقاتلة والنظام السوري، تنشط منذ شهور في بناء شبكة اتصالات مع كبار الضباط المنشقين وحتى في تجنيد العملاء، سواء بهدف المراقبة أو لتحقيق اختراقات في صفوف القوى المقاتلة من الجيش الحر وغيره أو للحصول على معلومات ميدانية وأخرى حساسة تتعلق بمخزون الأسلحة الكيماوية لدى النظام السوري، وتمهيدا لبناء ذراع ضاربة تتولى مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية وضبط السلاح والحدود في حالة رحيل سلس أو مفاجئ للأسد. وفي مقالة له كتبها في صحيفة « التايمز – 10/8/2012 » البريطانية قال وليم هيغ، وزير الخارجية،: « أن بلاده ستواصل العمل مع المعارضة السورية وخصوصا مع ممثلي الجيش الحر لتأمين استعدادهم للسقوط الحتمي للأسد». ولم يكن غريبا أن تتسرب مؤخرا قائمة بأسماء عشرة ضباط منشقين من مناطق درعا والسويداء وريف دمشق وحمص وحماه واللاذقية وإدلب وحلب ودير الزور، قيل أن الأمريكيين التقوا بهم فرادى، بهدف تشكيل أطر عسكرية وأخرى سياسية لاستقطاب رموز القوى في مرحلة أولى كمقدمة لاستقطاب العناصر التي ستنضوي تحت هذه التشكيلات قبل الإعلان عنها. والعجيب في أمثال هؤلاء أنهم حين يجلسون مع الأمريكيين أو يتم استدعاءهم من قبل المخابرات الدولية يظنون أنهم أندادا لهم، ويمكن أن يعتمدوا عليهم، كقادة مؤهلين، أو خبراء يتمتعون بالكفاءة، في حين أن أمثلهم طريقة سرعان ما يقع في فخ انعدام الوزن، حتى أنه لا يدري الفرق بين السلطة الحاكمة والنظام. وفي الولايات المتحدة أيضا، وفي ذات السياق من التواصل مع المعارضة أو صناعتها، نقلت وسائل إعلام في 12/8/2012 عن وزيرة الخارجية، بعد لقائها نظيرها التركي،: « أنها التقت مجموعة من الناشطين السوريين والخبراء والقانونيين والصحفيين والقيادات الطلابية في محاولة لمعرفة ما يمكن للولايات المتحدة فعله لمساعدتهم». وفي وقت لاحق 11/8/2012 أُعلن في واشنطن عن تشكيل جماعة سورية معارضة من ستين عضوا باسم « جماعة الدعم السورية»، لجمع التبرعات المالية والعينية، وبحسب لؤي السقا، أحد الأعضاء الاثني عشر في مجلس الإدارة، فإن الجماعة: تمثل آلاف المقاتلين في تسع محافظات، وأن هؤلاء الذين يمثلون ما يقارب نصف المقاتلين في الجيش الحر»، وأنهم: « وقعوا إعلان مبادئ يدعو إلى دولة ديمقراطية لجميع السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، وترفض المبادئ كذلك الإرهاب والتطرف والقتل بغرض الانتقام». أما الأتراك فـ عين الحقيقة واقعون بين المطرقة والسندان. فهم كمجتمع وريث الإمبراطورية العثمانية يعج بعشرات القوميات المختلفة، مثل سوريا تماما، وأكثر ما يؤرقهم في مسألة القوميات أولئك العشرة ملايين علوي أو أكثرممن يعيشون بعمق يصل إلى أضنة، فضلا عن المشكلة الكردية ممثلة بـ « حزب العمال الكردستاني - PKK». أما النفوذ الصهيوني والرأسمالي في البلاد فما زال بالغ القوة. وإذا أضفنا الشيعة إلى هؤلاء؛ فيمكن القول ببساطة أن تركيا تقف على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة غير محسوبة، وأسوأ ما في هذا أن المشروع التركي الذي من المفترض أن تصبح البلاد بموجبه من العشرة الكبار في العالم بحلول العام 2023 يصبح في مهب الريح. لذا فقد تحرك الأتراك على عجل لضمان مصالحهم في المنطقة في حالة سقوط الأسد. وتصرفوا وكأنهم في حالة حرب حين تجاوزوا الأعراف الدبلوماسية بين الدول واجتمعوا بأكراد العراق في كركوك، المدينة التي يُنظر إليها بمثابة الشرارة التي يمكن أن تفجر الأوضاع في العراق بين الأكراد وحكومة المالكي، وبدا أن أكراد العراق قد حصلوا من الأتراك على ما لم يحصلوا عليه من المالكي، مقابل التوقف عن دعم حزب العمال الكردستاني و « الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. وفي المحصلة فإن التعويل على دعم تركي حاسم للثورة السورية بعيدا عن الغطاء الدولي يبدو شبه مستحيل. ولا يفوتنا في السياق التذكير بالتصريح الشهير لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لوكالة « أنباء الأناضول – 9/7/2012 » والذي قال فيه: « حاولنا إسقاط النظام في سوريا وفشلنا». أما الإيرانيون فقد أرسوا بعد « مجزرة حماة – 1982» بنية تحتية أمنية في سوريا، اخترقت كل مفاصل الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأكثر من هذا عملوا على تركيز بنية تشيُّع عريضة تبدأ من العاصمة دمشق وتمتد حتى حمص وحماة والرقة وإدلب وحلب. ونسجوا علاقات تحالف مع النظام ترى في سوريا بلدا يحكمه « آل البيت» ولا يمكن أن يسمحوا بسقوطه بأيدي « النواصب» على حد تعبير أحمد جنتي، عضو مجلس الخبراء، الذي قال في خطبة الجمعة بطهران (25/5/2012): « على الشيعة العرب الدخول إلى سوريا والجهاد إلى جوار النظام السوري حتى لا تقع سوريا بأيدي أعداء آل البيت». ثم تبعه محمد رضا رحيمي نائب الرئيس الإيراني في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي بالقول: « إن الشعب الإيراني له موقف لا يقبل التغيير إزاء السوريين وسيقف دائما إلى جوارهم»، وكذلك أمين سر مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي الذي قال في 31/7/2012 أن: « طهران مستعدة لدعم دمشق أكثر من ذي قبل في مواجهة الضغوط الأجنبية .. سنقرر وفقا للظروف كيف سنساعد أصدقاءنا والمقاومة في المنطقة». وبعدهم وزير الدفاع الإيراني الجنرال أحمد وحيدي وتأكيده لوكالة « مهر – 22/8/2012 » الإيرانية أن: « اتفاقية الدفاع المشترك بين بلاده وسوريا لا تزال قائمة وسارية المفعول» .. لكن دمشق .. « لم تتقدم حتى الآن بأي طلب يتعلق بهذه الاتفاقية»، وقبله بيوم؛ نقلت صحيفة « الوطن» القريبة من النظام السوري تصريحات إيرانية حذرت فيها تركيا من « رد قاس» .. في حال تدخلها عسكريا في سوريا .. و « تغيير قواعد اللعبة». ومن جانبه نقلت صحيفة « شرق – 31/7/2012 » الإيرانية عن مسعود جزائري، نائب رئيس أركان الجيش الإيراني، قوله أن إيران: « لن تسمح للعدو بالتقدم في سوريا»، لكنها لا ترى ضرورة للتدخل في الوقت الحالي، مضيفا أن: « تقييمنا هو أنهم لن يحتاجوا لذلك». باختصار فإن المشروع « الصفوي» الإيراني الذي تضخم بالتواطؤ مع « المركز»، وواصل تمدده حتى بلغ أصقاع الأرض لا يرى أية إمكانية للتراجع عما حققه من إنجازات، لاسيما أنه بات أكثر جدوى وفائدة، بالنسبة لـ « المركز» من المشروع « اليهودي»، بالنظر إلى إمكانياته الضخمة وعداءه العقدي مع المسلمين وتوفر القدرة لديه على اختراق الحواضر الإسلامية في العالم الإسلامي بما لا يقارن مع قدرة « إسرائيل»، العدو العقدي الصريح. وإذا كانت الطائفة العلوية تمثل ضمانة أمنية متميزة لعشرات العقود السابقة؛ فمن الأولى القول بأن المشروع « الصفوي» بات أكثر ضمانة لـ « المركز» حتى من المشروع الصهيوني نفسه، وفي هذا يكمن سر التحريض « الإسرائيلي» على ضرب إيران بعد أن شعرت « إسرائيل» أن المشروع « الصفوي» يهدد مكانتها الدولية إنْ لم يهدد وجودها ذاته. فهل يستوي بعد هذا القول بأن إيران أو « المركز» عدوان!!!!؟ أو أن « المركز» يمكن أن يضحي بالمشروع « الصفوي» وهو العاجز عن إيجاد بديل للطائفة الحاكمة في سوريا!!!؟ عين الحقيقة أن « المركز» قد يتدخل عسكريا لكن ليس من أجل إسقاط النظام بل بعد سقوطه. فعشية الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية لتركيا واجتماعها مع نظيرها أحمد داوود أوغلوا قال المسؤولون الأمريكيون أن كلينتون ستجري « محادثات عميقة» لمناقشة خطة من ثلاثة محاور تهدف إلى تنحي الأسد وتحقيق انتقال سلمي للسلطة، (أولها) « تقييم مدى نجاعة الدعم المقدم حاليا للمعارضة السورية»، و (ثانيها) « مضاعفة المساعدات الإنسانية لتركيا لدعم جهودها في مساعدة اللاجئين السوريين»، و (ثالثها) « التخطيط للمرحلة الانتقالية وما بعد التخطيط». وفي ذات الإطار، يؤكد الأمريكيون أنهم: « لا يستطيعون وضع تاريخ محدد لرحيل الأسد، ولا يعرفون متى سيكون هذا ممكنا»!!! وكل ما يفعلونه هو تهيئة: « المجموعة الدولية أن تكون مستعدة لمساعدة السوريين في التعامل مع التحديات التي ستواجههم في الانتقال إلى سوريا الجديدة». لكن ما هو مضمون التدخل المحتمل؟ وما هي دواعيه وأهدافه؟ وماذا يعني بالنسبة للثورة السورية؟ عين الحقيقة أن « المركز» لم يعد قادرا على القيام بمغامرات عسكرية بعد تجارب أفغانستان والعراق على وجه الخصوص. فهو يعلم علم اليقين أن هناك من يتحين الفرصة لخطأ من هذا النوع، ويتحرق لمنازلته كما تحرق الشعب السوري عقودا طويلة شوقا لمنازلة النظام الطائفي. ويعلم أيضا أن الأزمة الرأسمالية الطاحنة في العالم لن تتيح له خيارات كبرى أو حتى صغرى لإرسال الجيوش إلى حيث يرغب، إلى الحد الذي اضطر الولايات المتحدة، بداية هذا العام، إلى تغيير استراتيجيتها القتالية والاعتماد على الحروب الرقمية والأمن والطائرات المسيرة بدلا من الجيوش التي ستستخدم فقط في أضيق الحدود. لذا فإن الأمريكيون ليسوا متحمسين لأي تدخل في سوريا يسبق رحيل الأسد!! ونقلا عن صحيفة « نيويورك تايمز – 22/8/2012 » الأميركية فقد أوضح مسؤولون أمريكيون أن: « العمليات العسكرية الأميركية ضد سوريا ستهدد بجرّ حلفاء سوريا خصوصا إيران وروسيا، إلى التدخّل أكثر مما كان أصلاً، وستسمح للرئيس بشار الأسد بحشد مشاعر شعبية ضد الغرب وستوجه اهتمام القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى تقاتل النظام السوري إلى ما قد تعتبره حربا صليبية أميركية جديدة في العالم العربي». وبحسب مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) فإن: « السيناريو الأسوأ سيتطلب مئات الآلاف من الجنود وهو أمر سيشعل المنطقة المشتعلة أكثر». في تقرير نشرته صحيفة « نيويورك تايمز – 29/7/2012» لمراسلتها في أفغانستان، نقلت أليسا جي روبن عن السفير الأمريكي ريان سي كروكر تقييمات مثيرة، قال فيها عن سوريا: « أنفقنا عقودا من الزمن نكتب المذكرات لصناع القرار حول الإصلاح في سوريا، وكما تعلمون لم يكن هناك وجود لإصلاحات .. والآن، لستُ متأكدا من أننا نستطيع عمل الكثير للسيطرة على الوضع». ومع ذلك فقد يضطر « المركز» إلى التدخل بصيغة « مكرها أخاك لا بطل». فبما أن سوريا تمثل إحدى أقوى مرابط النظام الدولي في أشد المناطق حساسية وخطورة في العالم فإن التدخل يصبح أرجح. إذ أن الخيارات الماثلة أمام « المركز» تؤكد أنه أمام خيارين لا ثالث لهما: (1) إما التسليم بالفوضى العارمة وبخطر انهيار النظام الدولي و (2) إما التدخل. لذا فإن عين الحقيقة تؤكد: أن « قضية التدخل العسكري قضية حية. وربما يكون القادة السياسيون الغربيون ليست لديهم الرغبة للتدخل الأعمق، لكن وكما يعلمنا التاريخ، فنحن لا نختار دائما الحروب التي نخوضها، أحيانا الحروب هي التي تختارنا ... يتحمل المخططون العسكريون مسؤولية إعداد خيارات التدخل في سوريا لقادتهم السياسيين في حال اختارهم هذا الصراع. والإعداد سيتم اليوم في عدة عواصم غربية وفي الميدان بسوريا وفي تركيا» !!! هذا التصريحات نقلتها صحيفة « الديلي تلغراف – 27/7/2012» البريطانية عن ريتشارد كيمب، العقيد والقائد السابق في أفغانستان، وجاءت في سياق ورقة أعدتها مجموعة للبحث في شؤون الدفاع بعنوان: « سوريا: توجه للتدخل»، وقُدمت إلى المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة « رويال يونايتد سيرفيسس إنستتيوت». وبحسب الورقة فإن: « 75 ألف جندي هو العدد المطلوب لتأمين مخزون الأسلحة الكيميائية السورية والتخلص منها بسلام» .. لكن بحسب مايكل كودنر، مدير قسم العلوم العسكرية بالمعهد، يقول أن: « نقطة البدء لحساب التدخل الكامل ستكون 300 ألف جندي على الأقل». أما لماذا هذا الجيش العرمرم؟ فلأن مجموعة البحث ترى في النهاية أن الثورة السورية: « بدلا من أن تنفجر انفجارا داخليا مثل الدول العربية الأخرى التي شهدت ثورات، فإن سوريا سوف تنفجر إلى الخارج لتتقيأ مشاكلها على نطاق الشرق الأوسط بأكمله، مع احتمال حدوث تداعيات كارثية» .. هذه « عين الحقيقة»!!! أما قبل سقوط الأسد، فإن عين الحقيقة من وجهة النظر الأمريكية ترى، بحسب صحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 23/8/2012» الأمريكية، أن: « البنتاجون أعد خططا طارئة لإرسال قوات متخصصة إلى سورية إذا ما قرر البيت الأبيض تأمين مستودعات الأسلحة الكيميائية .. وأن تأمين مواقع تلك الأسلحة قد يقتضي غارات تشنها خلسة فرق القوات الخاصة المدربة على التعامل مع هذا النوع من الأسلحة». لكن في هذا السياق يجري الحديث الأمريكي المرتبك عن فرض حظر جوي جزئي أو إقامة ممرات آمنة تسمح بالتحرك، وهو ما اعترفت به وزيرة الخارجية (12/8/2012) ووافقها فيه كبير مستشاري الأمن القومي الأميركي جون برينان حين قال: « إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة» في حين استبعده وزير الدفاع ليون بانيتا (15/8/2012). لكن بعد السقوط، وبحسب صحيفة « كريستيانس ساينس مونيتور – 27/7/2012» فإن: « الولايات المتحدة ربما يتوجب عليها أن تتسلم زمام المبادرة لمنع الفوضى في قلب الشرق الأوسط بتأمين الأسلحة النووية ومنع أي تدخل من إيران في سوريا»، وتنقل الصحيفة عن الأدميرال وليام ماكرافن، رئيس قوات العمليات الخاصة، شهادة سابقة قال فيها أن: « تأمين الأسلحة الكيميائية يحتاج لجهد دولي لدى سقوط الأسد». ومن جهتها تنقل وكالة الأنباء البريطانية « رويترز – 17/8/2012» عن مصادر دبلوماسية أميركية، ناقشوا سرا أسوأ السيناريوهات المحتملة في سوريا، أنهم توصلوا إلى خلاصة ترى: « إن تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية قد يتطلب ما بين خمسين وستين ألف جندي». لكن مصدران آخران شاركا في النقاش قالا للوكالة: « حتى في حال نشر قوة من ستين ألف جندي فلن تكون كافية لحفظ السلام بل لحماية مواقع الأسلحة فقط، وستبدو مثل قوة احتلال أجنبية على غرار ما حدث في العراق .. وأنه لم يتضح بعد كيف سيجري تنظيم هذه القوة العسكرية وما هي الدول التي قد تشارك فيها؟». عين الحقيقة أن « المركز» يفتش عن أقل التدخلات تكلفة. فهو يخشى من تدخل قبل سقوط الأسد وبعده. ولأن (1) استراتيجيات « المركز» تقوم على احتلال الجيوش وأجهزة الأمن وتوظيفها في خدمة مصالحه وأهدافه؛ ولأن (2) « المركز» لا يمتلك بديلا عن النظام إلا النظام، وفق صيغة « الحل مع النظام»، فمن الأولى والأجدى له أن يحتفظ بكل الإرث الأمني والعسكري للنظام كي يستخدمه في السيطرة على الوضع في سوريا بعد سقوط الأسد وليس النظام. وإنْ لم يفعل ذلك فسيخسر. إذن عين الحقيقة أن « المركز» صار لديه خياران: (1) إما الاحتلال وإخضاع سوريا لـ « وصاية عسكرية وأمنية» مباشرة و (2) إما إخضاعها محليا عبر تمرير صيغة « الحل مع النظام». أما أهدافه فهي: (1) منع خروج الثورة السورية من حدودها، و (2) تأمين الأسلحة الكيميائية، و (3) الحيلولة دون تحول سوريا إلى فضاء مفتوح لتيارات « الجهاد العالمي». وبحسب الخيارين تبدو الولايات المتحدة نادمة على ما فعلته في العراق حين فككت الجيش وأجهزة الدولة!! وتبعا لذلك فهي عازمة على تجاوز ما تراه « أخطاء حرب العراق» التي لا تريد أن تكررها في سوريا. وعليه فهي تسعى إلى تمرير « صيغة الحل مع النظام» على ظهر « عسكريين منشقين» و « قوى سياسية» وأخرى « مدنية» يوفرون لها الغطاء الشرعي المطلوب، عبر يافطة شعبية يمكن خلقها إن لم تكن موجودة. هذا ملخص ما قاله وزير الدفاع ليون بانيتا في مقابلة تلفزيونية في 31/7/2012: « إن الحفاظ على الاستقرار في سوريا سيكون مهما وفق أي خطة تتضمن رحيل الأسد عن السلطة، وأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو الحفاظ على أكبر قدر من الجيش والشرطة متماسكاً». وهو عين ما تناقلته وسائل الإعلام عن كلينتون 12/8/2012: « يتوجب على الشعب السوري قيادة عملية الانتقال السياسي وأن يحافظ على سلامة المؤسسات السياسية بالبلاد». وليس هذا ، بطبيعة الحال، بعيدا عن موقف المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي وهو يعبر عما قاله بانيتا وكلينتون بالصيغة الدبلوماسية: « على السوريين أن يجتمعوا معا على كلمة واحدة من أجل التوصل إلى صيغة جديدة. هذا هو السبيل الوحيد ليتمكن جميع السوريين من العيش معا في سلام في مجتمع لا يقوم على الخوف من الانتقام بل على التسامح». عين الحقيقة أنهم يسارعون الخطى لاحتواء الثورة السورية خشية « أسلمة الصراع في سوريا» كما تقول صحيفة « لوفيغارو – 12/8/2012» الفرنسية، فـ: « كلما طال أمد الصراع .. كلما انجذب إليه المزيد من الجهاديين الذين لا تعنيهم مسألة بناء سوريا جديدة»!!! وكأن « الجهاديين» هم الذين دمروا سوريا!!! هذا من جهة. أما من الجهة المقابلة فبسب الخشية على وجود « إسرائيل». فلنتابع مع يقوله المسؤولون اليهود: ففي أعقاب « عملية سيناء - 6/8/2012» التي قتل فيها 16 جنديا وضابطا مصريا؛ ثار جدل بين الخبراء اليهود حول أمن « إسرائيل» ومستقبلها في ضوء الثورة السورية. ونقلت صحيفة « ديلي تلغراف – 10/8/2012» عن تحليل بموقع « ذي ديلي بيست الأميركي» تصريحا لديفد بوكاي، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة حيفا بإسرائيل، قوله: « أعتقد أننا بدأنا نستيقظ ونفهم أخيرا أن عدم الاستقرار، في سوريا أكثر منه في مصر، يسمح للجماعات الجهادية بأن تأخذ مكانها. وعلى الشعب أن يفهم أن البديل عن بشار الأسد هو القاعدة». أما أفيف كوتشافي، لواء بالجيش، فقال بأن: « منطقة الجولان عرضة لأن تصير ساحة عمليات ضد إسرائيل بنفس الطريقة التي تحدث في سيناء الآن, وأن هذا نتيجة التحصن المتزايد للجهاد العالمي في سوريا». وفي سياق الجدل الدائر في « إسرائيل» حول جدوى مهاجمة إيران قد يبدو ملفتا للنظر أن يعين، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في 12/8/2012 زميله الجنرال المخضرم آفي ديختر وزيرا لـ « الجبهة الداخلية» لأول مرة في تاريخ « إسرائيل». لكن المدهش ليس في التعيين بل فيما جاء بكلمة ألقاها ديختر في 19/8/2012 في « قاعدة رابين» بمدينة « تل أبيب»، بمناسبة تعيينه: « إن الربيع العربي أحدث زلزالا في المنطقة, ويتعين تبعا لذلك على القيادة الإسرائيلية أن تراجع سياستها, معتبرا أن وجود إسرائيل بات مهددا بشكل جدي». أما الأشد دهشة وخطورة فيكمن فيما أضافه بالقول: إن القدرات الدفاعية والهجومية الضخمة للجيش الإسرائيلي تهدف لضمان عدم تحول الجبهة الداخلية إلى خط الجبهة». أخيرا لم يبق من عين الحقيقة إلا التذكير بـ (1) أن صيغة « الحل مع النظام» يعني طي ملفات عقود الدم من القهر والذل والمذابح والعنصرية والخوف والإرهاب والتشريد ... ومكافأة المجرمين والقتلة، مثلما يعني بقاء سجل الإجرام مفتوحا على مصراعيه، بل ومشفوعا بامتيازات للطائفة لن تتغير أبدا. وفي مثل هذه الحالة سينطبق على الثورة السورية القول المأثور: « كأنك يا أبو زيد ما غزيت». فما الذي يخيف السوريين من حسم خياراتهم إذا كانت النتيجة كارثية؟ و(2) أنه إذا كان إخضاع سوريا لـ « وصاية عسكرية» أجنبية مباشرة تستهدف إحكام السيطرة على الحدود، والحيلولة دون تدفق عشرات أو مئات الآلاف من المسلمين على البلاد، بما ينذر بانفجار المنطقة، إلا أنه سيظل خيارا خطرا على « المركز»، كونه سيوفر تمايزا عقديا، تنكشف بموجبه كافة القوى والجماعات والأفراد والشخصيات، ويصب في النهاية في صالح الجهاديين الذين سيشعرون بتوفر فرصة ذهبية لمنازلة « المركز» في ساحة بالغة الحساسية وقابلة عقديا للاستقطاب الإسلامي من شتى أنحاء العالم، باعتبار أن « الوصاية العسكرية» غير مقبولة عقديا، فضلا عن أنها لا يمكن لمخرجاتها أن تصب في صالح الثورة السورية أو المسلمين. ومن الطريف أن الذين يؤيدون تدخل « المركز» في إسقاط الأسد أو ضبط الأوضاع لا يفكرون بأية مسؤولية عقدية أو تداعيات لما قد يتمخض عنه التدخل الدولي. أما (3) لجوء الطائفة إلى بناء جيب علوي على امتداد الساحل، وهو ما حذر منه الملك الأردني، فهو حقيقة واقعة، وخيار يمكن أن يمثل الملاذ الأخير للنظام. لكن مثل هذه الخيار سيعني الشروع في تقسيم سوريا وتشجيع الطوائف الأخرى كالأكراد وغيرهم على تحصين أنفسهم بجيوب مماثلة. ومع أنه خيار وارد إلا أنه تداعياته كبيرة للغاية، كونه سيؤدي إلى انفلات النظام الدولي ووقوعه في حروب إقليمية وطائفية وعقدية لن تكون « إسرائيل» نفسها بمنآى عن شررها. في المحصلة فإن كل ما يجري حتى الآن من تحركات سياسية أو عسكرية أو أمنية في المسارات الدولية تقع في نطاق السيناريوهات وليس في نطاق الحسم. ربما تكون مسألة الأسلحة الكيميائية هي الوحيدة التي حظيت بالحسم لدى « المركز». لكن لا أحد لديه القدرة حتى اللحظة على تقديم تصور حاسم فيما يتعلق بمصير الثورة السورية أو الطائفة أو النظام أو النظام الدولي. وهذا يعني أن الثورة السورية هي الثابت الوحيد في الحدث في حين يظل ما حولها عواصف عاجزة حتى اللحظة عن إحداث أي فارق ميداني .. لكن إلى متى والمخاطر تحدق في الثورة من كل جانب؟ يتبع ... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل « الشام» و « الملحمة» (10) د. أكرم حجازي 2/10/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...b2b6dd617a.JPG لا يعرف « المركز»، الذي لا يجد بديلا عن « الطائفة العلوية» كضمانة لأمن النظام الدولي، ماذا يفعل إزاء شعب لا يريد أن يهدأ أو يصمت، رغم كل ما لحق به من كوارث ودمار!!! أما السوريون الذين عرفوا كيف بدؤوا ثورتهم فلا يريدون أن يصدقوا أنهم يواجهون ثلاثة مشاريع جهنمية تجتمع على أمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يدرون كيف سيتوقفون؟ ولا متى؟ !!! لكن الجميع مقتنع كل القناعة أنه يخوض معركته الأخيرة؛ بين أن يكون أو لا يكون!!! ينطبق هذا على « المركز» ودول الخليج وتركيا وإيران و « حزب الله» و « إسرائيل» والنظم العربية. ترى: ما هي استراتيجية « المركز» في حماية أدواته القاتلة في سوريا؟ وكيف أدارت الثورة حربها مع النظام؟ وأخيرا ما هو التوصيف العقدي لـ « الشام»، وما علاقته بالثورة؟ أولا: « المركز» وأمن الطائفة بداية؛ من الضرورة التفريق بين كون الصراع الدائر في سوريا هو في الحقيقة الظاهرة صراع سياسي وليس صراعا طائفيا وإن كان بالمبدأ والمنتهى صراعا عقديا. فالثابت أن النظام الحاكم هو الطائفي وليس المجتمع. أما لماذا هو سياسي؟ فلأن « الطائفة العلوية»، كما سبق وأشرنا في الحلقات السابقة من السلسلة، هي امتياز دولي صممته فرنسا وبريطانيا، بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1913، ليكون أحد أقوى ثلاث مرابط للنظام الدولي الذي أقيم على أشلاء العالم الإسلامي .. هذا المربط تسلمه الاتحاد السوفياتي بعد حرب السويس سنة 1956، وهو الذي أوصل الطائفة إلى السلطة، وهو الذي غطى عدوانا « إسرائيليا» سنة 1967 على المشرق العربي، انتهي باحتلال هضبة الجولان، وحتى بيعها لـ « إسرائيل»، مع سيناء والضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة وأجزاء من الأراضي الأردنية. إذن المشكلة سياسية كونها تتصل مباشرة بأمن النظام الدولي. فـ « المركز» لم يسبق له أن شعر بالخطر الشديد الذي يتهدد نظامه الدولي كما يشعر به اليوم مع الثورة السورية، لذا فهو يخوض حربا وحشية بأدواته الطائفية في سوريا، ولأن المهمة ثقيلة عليه، فقد لجأ إلى إدارتها عبر لعبة تقاسم الأدوار، بطريقة أقرب ما تكون إلى مسطرة تتوزع وحداتها القياسية على الدبلوماسية والإغاثة وحقوق الإنسان والمبادرات وأصدقاء سوريا والمعارضة والأمن والإرهاب و« الجيش الحر» ... وكل وحدة من هذه الوحدات وغيرها خصص لها ما يلائمها من التصريحات والاتصالات والاجتماعات والمؤتمرات. والنتيجة أنه بعد أكثر من عام ونصف من القتل والتدمير حققت مسطرة « المركز» نجاحات ملموسة سواء على مستوى تطويع الوحدات ذات الصلة لاحتياجاته، أو على مستوى عزل الشعوب العربية والعالم عن الثورة السورية .. وفي المقارنة يكفي تأمل ردود الفعل الشعبية، العربية والدولية، حين تعلق الأمر بالعدوان « الإسرائيلي» على غزة أو بتدخل الناتو في كوسوفو رغم أن المشكلة في يوغوسلافيا السابقة كانت قومية وطائفية معا !!! كما أنها سياسية مع إيران الخميني، ذات المشروع « الصفوي»، والساعي إلى بعث « الحضارة» الفارسية، ففي الوقت الذي تتلفع فيه إيران بما تزعم أنه مذهب « حب آل البيت»، وتمتطي الشيعة، بينما تكن عداء عنصريا ضد العرب حتى لو كانوا من الشيعة، وتفسد في الدين أيما إفساد، وتتطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتؤله عليا رضي الله عنه. لذا فالتدخل الإيراني حتى لو بدا طائفيا، في الظاهر، وهو يقف في المقدمة دفاعا عن النظام الطائفي في سوريا، إلا أنه يقدم خدمات جليلة لـ « المركز»، صارت تفوق في النتائج ما كانت تقدمه « إسرائيل»، وتمارس نفس الخداع الذي سبق ومارسه الاتحاد السوفياتي بحق القضايا العربية .. الخداع التاريخي الذي قام على مسطرة الدعم السياسي والعسكري دون أن يسفر، في أية محصلة، عن إحداث أي فارق في الصراع مع « إسرائيل» .. وهو ذات الخداع الذي يمارسه النظام الطائفي في سوريا باسم « جبهة الصمود والتصدي» تارة « والتوازن الاستراتيجي» تارة ثانية ومحور « المقاومة والممانعة» تارة ثالثة. أما ما يبدو، لدى الكثير، صراعا بين شقي « المركز»، الشرقي ( الصين وروسيا) والغربي ( أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، في المحافل الدولية، فليس هو في الحقيقة إلا من قبيل الصراع على النفوذ. أي بين من تكون له الغلبة أو الحصة الأكبر في قيادة النظام الدولي في المرحلة القادمة: روسيا والصين؟ أم أمريكا وبريطانيا وفرنسا؟ ولعل المتابع يتذكر جيدا تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين صرح في 11/7/2012 قائلا: « إن نفوذ الغرب آخذ في الاضمحلال مع تراجع اقتصاده .. وأنه .. مشارك في دبلوماسية منفردة خارج الأمم المتحدة للحفاظ على نفوذه في السياسة العالمية». وعليه؛ فما من فائدة ترجى على الإطلاق من « المركز»، ولا من أية محاولة لتجريم النظام السوري، أو إحراجه قيميا أو أخلاقيا على ما يرتكبه من جرائم بالغة الوحشية، وتدميره المتعمد للبلاد وكأنها بلاد أجنبية معادية. إذ أن الحقيقة الصارخة تكمن في بنيوية الصراع في سوريا، والتي تقع أصلا خارج حسابات المنظومات السياسية والعلاقات الدولية، وكافة المنظومات القانونية والأخلاقية والإنسانية، وتبعا لذلك فإن أي محاولة لإحراج النظام أو استدراج « المركز»، أو حتى استعطاف ما يسمى بـ « الرأي العام الدولي»، في أيٍّ من هذه السياقات، لا يمكن تصنيفها إلا بالوهم الذي لا قيمة له، فضلا عن أنها إضاعة للوقت، وتبديد للجهد، وخسارة في الأرواح والممتلكات. ومن الطبيعي ألا يبقي هذا التوصيف أي خيار للثورة إلا الاعتماد على النفس في خوض صراع مسلح ضد النظام الطائفي، وهو ما وقع فعلا بعد بضعة شهور. لكن نقطة الضعف في الثورة تكمن في تلك الدعوات التي تحسن الظن في « المركز» أو التي أنهكتها الرغبات وهي تجهد نفسها في مد جسور التحالف معه وتَلَقي نصائحه وتوجيهاته، وتصر حتى بعد مضي أكثر من عام ونصف على طلب « الحظر الجوي» أو « تسليح الثورة» لمساعدتها في إسقاط النظام، وكأن « المركز» جمعية خيرية تقدم الخدمات للشعوب دون حساب .. بينما يصر، من جهته، إصرارا عنيدا على الرفض القاطع للتسليح أو التدخل الدولي، ما لم يكن بغطاء مزعوم من مجلس أمن لا يسيطر عليه أحدا غيره!!! وبطبيعة الحال فالخشية من وقوع السلاح بيد الجماعات الإسلامية العقدية كان ولا يزال هو المبرر الوحيد في كل التصريحات ذات الصلة. وإنْ كان هذا يشكل جزء من الحقيقة فإن الحقيقة الفاضحة جاءت أخيرا على لسان السفير زلمان خليل زادة، الأفغاني الأصل، الذي عينته الأمم المتحدة سفيرا لها بعد غزو أفغانستان سنة 2001. ففي مقالة له نشرتها مجلة « فورين بوليسي – 20/9/2012» الأمريكية دعا خليل زادة واشنطن إلى « تشجيع انقلاب على النظام»، وإلى ضرورة « تسليح المعتدلين»، محذرا من: « عواقب مسؤولية احتمال استخدام الثوار السوريين للسلاح الأميركي ضد المدنيين من الطائفة المنافسة». هذا التصريح يكشف عن جواهر المراوغات والخداع الدولي الذي يقوده « المركز» ضد الثورة السورية. فلما تكون الطائفة امتيازا دوليا فإن تأمينها سيعني حصرا أن (1) كافة مبادرات الحل الدولي لن تتجاوز سقف النظام الطائفي، وأن (2) مبادرات الحل الإقليمي ينبغي ألا تقبل بأي تدخل دولي، وأن (3) « تسليح الثورة»، ولو بمستوى رشاش متوسط أو مدفع هاون، سيعني قدرة الثورة على مهاجمة النظام في عقر داره وحصونه الطائفية. إذن الأولوية الإستراتيجية الأولى لدى « المركز» تقضي بتأمين الطائفة، كي تبقى بمنآى عن الخسائر في الأرواح والممتلكات والمدن والأحياء والقرى. وتعني على وجه التحديد وجوب نقل المعركة أو حصر الحرب في مناطق السنة، وإعمال القتل والتدمير فيها بأقصى قدر ممكن، وبغطاء دولي حتى ينشغل الشعب السوري بنفسه لعدة عقود قادمة بعد أن تكبد خسائر في الممتلكات تصل إلى ألف مليار دولار. وهي نفس العقيدة القتالية لدى « المركز» و « إسرائيل» مثلا، حيث تبقى الدول والمجتمعات آمنة في مقابل تحطيم دول ومجتمعات الخصم. وفي السياق سيكون مفهوما لكل مراقب ذلك (1) الصمت الدولي الكبير على ما يبدو جيبا علويا آمنا أقيم على امتداد الساحل السوري، و (2) ضرورة الحفاظ على سلامة الكتلة السكانية « العلوية» في سوريا من الاستنزاف، وتقليل خسائرها إلى أدنى الحدود عبر (3) حشد مقاتلين من « الطائفة العلوية» في تركيا، والشيعية القادمة من إيران والعراق واليمن و «حزب الله»، كوقود للحرب، وكذا (4) الاعتماد ما أمكن على أبناء الطائفة السنية نفسها في حرب النظام ضد الدولة والمجتمع السوريين. هذه الاستراتيجية لـ « المركز» والنظام، على السواء، ترمي ببساطة إلى احتواء أي تذمر أو تمرد أو انشقاقات في صفوف الطائفة فيما لو تعرضت لخسائر بشرية ومادية كبرى، عبر طمأنتها، والتأكيد لها بأنها ستظل بحماية النظام الدولي، وبمنآى عن أي تهديد، فضلا عن أن مكانتها في أية صيغة حل ستبقى محفوظة، وفي المقدمة، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا حين دعا إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة والجيش والأمن ومنع تفكيكها كي لا يتكرر، بزعمه، خطأ العراق حين هدمت الولايات المتحدة مؤسسات الدولة وأعادت بناءها وسلمتها للطائفة الشيعية. أما في سوريا فالطائفة هي التي تسيطر على الدولة والمجتمع وليس السنة، وبالتالي ما من معنى يذكر إلا الانتحار فيما لو أسقطت الولايات المتحدة التجربة العراقية على سوريا. وهي أيضا ذات الاستراتيجية التي اتبعتها فرنسا في تأهيل الطائفة وحمايتها إلى أن تسلمت السلطة. وغني عن البيان القول بأن رسائل الطمأنة للطائفة من قبل القوى السياسية السورية، أيا كان شكلها ومحتواها، لن يكون لها أية قيمة تذكر مقابل ما يفعله « المركز» من إقامة المزيد من التحصينات والدفاعات الاستراتيجية التي يجري ترجمتها على أرض الواقع. وهذا يؤكد أن « المركز» لا يمتلك، حتى اللحظة، أي بديل عن الطائفة يمكن ائتمانه على مصالحه أو على سلامة النظام الدولي وأمنه واستقراره، مثلما يؤكد أن ضمانات المعارضة للطائفة ليست سوى هذيان. فما الجدوى إذن من المراهنة على « المركز» أو أي سياق آخر؟ ثانيا: الأداء السياسي والعسكري للثورة لم تكن منظومة « سايكس – بيكو» لتسمح ببناء أي شكل من أشكال القيادات في الدول والمجتمعات العربية، لا على مستوى الأفراد، ولا على مستوى الجماعات السياسية والاجتماعية، ولا على مستوى منظمات المجتمع المدني. وتبعا لذلك ظلت الدول والمجتمعات تعاني من غياب كلي للقيادات مما سهل على النظم السياسية الإفلات التام نت أية مراقبة سياسية أو اجتماعية. وما أن انتصرت الثورات، في مراحلها الأولى، حتى وجدت نفسها كالأيتام على موائد اللئام. هذا ما حصل للثورات في اليمن وليبيا وتونس ومصر، ويحصل الآن في سوريا. فبدلا من أن ترجع القوى السياسية إلى الشعب الذي حملها من الشوارع والمنافي وأجلسها على كراسي السلطة، وتستمد قوتها منه ذهبت إلى البيت الأبيض لتثبيت ما تعتقد أنها شرعية لا تكتمل أو تستمر ما لم تحصل على رضى « المركز». وبدا الأمر في سوريا عجيبا حين تعاملت القوى السياسية مع الثورة كما لو أنها أزمة سياسية تعصف بالنظام. والحقيقة أن بنية المعارضة السياسية التي حطمها النظام الطائفي مبكرا، ودمر مدنا للتخلص منها، ثم طاردها بأحكام الإعدام، جعلها أقرب ما تكون إلى المعارضة « اللقيطة» وهي تنحصر في صيغة أفراد أو أحزاب أو مسميات هلامية ومستحدثة ليس لها أية مواقع على الأرض. فكان من الطبيعي أن تدخل في صراعات بينية أو تبحث عن أغطية دولية أو حتى تستعمل المال لشراء المواقف والولاءات وصناعة الذات في الوقت الذي تسفك فيه الدماء وتنتهك فيه الأعراض وتدمر فيه البلاد. وصار من الطبيعي أكثر أن تبدو الثورة في واد والمعارضة السياسية في واد آخر. أما على المستوى العسكري فقد أبى السوريون، في محاولة منهم لاستعطاف الرأي العام الدولي واستدراج « المركز»، إلا أن يتعاملوا مع النظام باعتباره « نظاما أمنيا أسديا» مع أنهم في الواقع يخوضون حربا طائفية من جهة النظام، وبرعاية دولية تاريخية. لذا شدد الناشطون الذين ظهروا في الواجهات الإعلامية على الانحياز إلى سلمية الثورة رغم اختيار النظام للقتل من اللحظات الأولى لها. وفي البداية لجأ النظام إلى قواته الأمنية وميليشياته المعروفة باسم «الشبيحة». ولأنه لا يملك أية فرصة في المصالحة أو الإصلاح، وبسبب تزايد أعداد المنشقين من الجنود والضباط وتمرد الريف، فقد صعد من حربه وأدخل أسلحته الثقيلة من الدبابات والمدافع والصواريخ مبتدئا بمدينة درعا. ومع اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية إلى مئات البؤر الاجتماعية في مدن درعا وإدلب والرقة وحماة وحمص وريف دمشق وصولا إلى مدن الساحل لاسيما اللاذقية، وكذا الإعلان عن تشكيل « لواء الضباط الأحرار» و « الجيش الحر»، بدأت الثورة تميل إلى الطابع العسكري. هنا بالضبط حدثت الانعطافة عبر الانتقال من الحالة المدنية إلى الحالة العسكرية، وهي حالة لا مثيل لها في تجارب الثورات السابقة حيث تكون البداية، في العادة، بمجموعة منظمة ذات أيديولوجية معينة، تعلن الكفاح المسلح ثم تتوسع تدريجيا إلى أن تصبح ثورة شعبية مسلحة لها قواعدها الاجتماعية وتشكيلاتها العسكرية وقياداتها وهياكلها السياسية والإعلامية ومناصروها. لكن في الحالة السورية جاء الأمر معاكسا تماما. ففي كل مدينة وقرية وحي وشارع وزاوية ثمة مجموعة من النشطاء المدنيين حملوا السلاح دون أن تكون لهم أية مؤهلات أو خبرات أو تجارب أو هياكل أو مؤسسات أو قيادات أو انتماءات حزبية أو أيديولوجية .. وصار حال الثورة كحال عذراء أرغمت على الزواج قبل أن تبلغ الحيض!!! كل هؤلاء اتخذوا من « الجيش الحر» راية لهم. ولأن « الجيش الحر» نفسه ليس تنظيما أو حزبا أو حركة أو جماعة متجانسة فقد تحول إلى « راية شعبية» يمكن أن ينضوي تحتها كل المجتمع السوري: المدني والعسكري، والوطني والإسلامي، والملحد والمؤمن، والقبلي والمدني، والحزبي والمستقل، والصادق والكاذب، والصالح والفاسد، والمجنون والعاقل، والمنضبط والفوضوي، والشاب والعجوز، والشيخ والمخمور، واللص والأمين، والانتهازي والمسؤول ... فكيف يمكن ضبط هؤلاء وقيادتهم وتوجيههم لاسيما أنهم يشكلون نحو 90% من « الجيش الحر» مقابل 10% من العسكريين؟ هذا المشهد الفريد للثورة السورية استعصى على الفهم والقيادة والإدارة وحتى الاختراق. فكل تشكيل فيها زعم أنه صاحب فضل أو قيادة، وله صولاته وجولاته مع النظام، وكل بضعة عشرات أو أقل شكلوا كتيبة أو جماعة أو حتى لواء!! وصار له قراءاته وشعاراته وتفسيراته لما يجري في سوريا، وله استراتيجياته وتكتيكاته في التعامل مع النظام أو المجتمع أو النظام الدولي .. وكي نتلمس الحجم الفعلي للمشهد على الأرض يمكن أن نستعين بالثورة الليبية للمقارنة. ففي ليبيا لا يزيد عدد السكان فيها عن ستة ملايين في مساحة تصل إلى 1.8 مليون كم مربع مقابل 24 مليون في سورية، وبمساحة لا تزيد عن عُشْر مساحة ليبيا. فإذا كانت الإحصاءات في ليبيا تقول أن فيها 1700 مليشيا؛ فكم سيكون عددها في سوريا؟ وإذا كانت مدينة صغيرة مثل مصراتة تؤوي 250 ميليشيا فكم ستؤوي مدينة بحجم حمص أو حلب أو دمشق؟ واضح أننا إزاء آلاف المجموعات المسلحة. ولا ريب أن مشهد المعارضة السورية في الداخل أو في الخارج يعكس إلى حد كبير واقع الثورة، وكذا حالة العسكرة الشعبية التي اجتاحت المجتمع السوري. أما الطريف في المشهد فكان من نصيب المراقبين والمحللين والدارسين والمتخصصين وفي مقدمتهم أجهزة الأمن العالمية التي أيقنت أنها واقعة في ورطة لا سابق لها في كيفية التعامل مع مثل هذه الحالة غير المسبوقة. ففي حين تتلهف أجهزة الأمن على المعلومة باعتبارها الهدف الأول لها إلا أن الواقع السوري يؤكد أنه ما من حقيقة يمكن الثقة بها، لا من جهة المعارضة ولا من جهة المجموعات المسلحة، وتبعا لذلك فما من موقف يمكن تمريره بسلاسة لا من الغرب ولا من الشرق. وحتى النظام الطائفي فشل في التعامل مع الثورة، واضطر إلى إخلاء الكثير من مناطقه في المدن والريف، ولم يعد ثمة وجود آمن للسلطة إلا في مناطق شبه مغلقة. ولا ريب أن هذه الوضعية تمثل نقطة قوة جبارة للثورة السورية. إذ سيكون من الصعوبة على أجهزة الأمن الدولية تقييم الثورة والوقوف على نقاط الضعف والقوة والتأثير فيها ما لم تتوفر لها المعلومات اللازمة. وستكون مغامرة محفوفة بالعواقب والمخاطرة إذا ما ركنت الولايات المتحدة إلى معلومات عملائها في المعارضة أو مَن هُم على صلة بها من الضباط المنشقين، بالنظر إلى سوء التجارب السابقة في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص، لذا فقد اضطرت إلى النزول إلى الميدان بنفسها، ودفعت بخبرائها المتخصصين في جمع المعلومات إلى الساحات لتكوين قاعدة معلومات تمكِّن من التقييم الدقيق تمهيدا لاختراق الثورة أو احتوائها أو مراقبتها أو السيطرة عليها أو التحكم بها. وعليه فليس من الموضوعية في شيء استبعاد أن يكون الإعلان عن توحيد المجموعات المسلحة في مجالس عسكرية واقع فعليا في هذا السياق رغم الصراعات الطاحنة بين العسكر ومحاولات الاستقطاب السياسي والأمني لهم .. أي سياق جمع المعلومات وليس اتخاذ القرار كما يتوهم المتطوعون لتقديمها. وهنا تكمن الخطورة على الثورة. فالذين تطوعوا، بحماس، لتقديم المعلومات يبدون مقتنعين بأن واشنطن تربط « تسليح الثورة» بتوحيد الجماعات المسلحة!!! وهم بهذا التفكير غفلوا أو تغافلوا عن إدراك حقيقة أنهم ربما يكونون واقعون بمصيدة أمنية لا هدف لها إلا جمع المعلومات وليس تزويد الثورة بالسلاح .. نقول هذا ونحن نستحضر ما أوردته صحيفة « الواشنطن بوست – 25/7/2012 » من أن الاستخبارات البريطانية والفرنسية والألمانية ولاسيما الأمريكية، تعاني من فجوة استخبارية في سوريا حول هوية القوى العسكرية المقاتلة!!! مشكلة الثورات دائما تكمن في أولئك الذين يتسلقونها أملا في مكاسب شخصية دون أن يقيموا أي اعتبار لأية مسؤولية أو مخاطر تتهدد الأمة ومصيرها، وكذا أولئك الذين يعانون من قصور في القراءة لحقيقة الثورة السورية ومكانتها دوليا باعتبار « الطائفة العلوية» هي الامتياز الدولي وليس سوريا أو حقوق أهلها ودمائهم وأعراضهم. وإلا فلماذا يجري تدمير البلاد مدينة مدينة وحيا حيا وقرية قرية؟ ولماذا لا يتعظون من تجارب معارضات أفغانستان والعراق وأمثالهم؟ ولا ريب أن الأسوأ في انعطافة الثورة، من الحالة المدنية إلى الحالة العسكرية، وقع وسط غياب لأية خبرة سابقة في المعارك والحروب لدى الأجيال الجديدة من السوريين. وسيعني الغياب بالضرورة تَقدُّم في المبادرات الفردية والحدس، في التعامل مع النظام، على حساب كل تخطيط عسكري منظم يأخذ بعين الاعتبار كافة القراءات اللازمة على المستوى الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقدرة .. وكلها عوامل تساهم في بلورة الموقف ومن ثم تحديد المكاسب والمخاسر من أي تحرك عسكري. ولأن الثورة السورية ولدت عذراء كحال المجتمع السوري الذي لا يمتلك أية مرجعية للاسترشاد والتوجيه فقد ظهر الأداء العسكري للثورة أقرب ما يكون إلى « فزعة عرب»، الأمر الذي تسبب بكوارث وخسائر فادحة من حيث: • أن التحصن في الأحياء والقرى والمدن أعطى النظام هدفا واضحا في حين أن الأجدر كان التعمية عليه. وهذا حصل في دمشق ودرعا وحماة وأحياء حمص وإدلب واللاذقية وأخيرا في حلب. ولعله من المفيد التذكير بتقييم أحد الضباط الأردنيين في أعقاب احتكاك مع جنود سوريين على الحدود الشمالية أسفر عن مقتل جندي أردني وإصابة آخرين بجراح، حيث قال: « إن القوات النظامية تعاني من الإرهاق .. وهي مستفزة» !!! وهو تصريح يشي بأن الأداء العسكري كان سيكون أفضل لو أن الثوار لجؤوا إلى ضرب القوى النظامية في مختلف المناطق، وفي صيغة مجموعات سريعة الحركة وفعالة. وهو أسلوب يزيد من الإرهاق، ويتسبب بالصدمة وفقدان القدرة على السيطرة والتحكم ويقلل من الخسائر البشرية، بخلاف أسلوب التحصن في الأحياء الذي يوفر للنظام هدفا سهل المنال. • كما أن كثرة الميليشيات والجماعات المقاتلة تسبب بحالة من الفوضى وصعوبة السيطرة، ولأن الأهداف واضحة فقد لجأ النظام إلى سياسة التدمير أو الأرض المحروقة والقتل الجماعي. فـ « الجيش الحر»، سواء كان « راية شعبية» أو « راية نظامية»، لا يمتلك القدرة على مواجهة جيش نظامي مجحفل. ومع ذلك فقد تعاملت الوحدات الشعبية والنظامية لـ « الجيش الحر» مع قوات النظام كما لو أنها جيش نظامي، وهذا لا ريب خطأ جسيم. فلا هي مؤهلة لذلك، ولا هي قادرة، بأسلحتها البدائية، على مواجهة النظام من جهة، ولا هي قادرة على حماية السكان من جهة ثانية. بل أن « الجيش الحر» وقع في فخ إنقاذ السكان المرة تلو الأخرى بسبب تحصنه في أحياء لم يستطع الاحتفاظ بها. وليس ببعيد تجربة بابا عمرو وداريا ودوما والحافة والرستن وغيرها من الأحياء والقرى التي تعرضت لانتقام دموي جماعي من قوات النظام. • القصور الشديد في قراءة الموقف العسكري سواء لدى الثوار أو المحللين وبعض الفضائيات أو أولئك الممولون ممن لا يملكون أية ثقافة أو تجربة أو خبرة عسكرية أو أمنية لكنهم لا يتوانون عن فرض رؤاهم والمشاركة في اتخاذ القرار، وحتى التشجيع على بدء معركة دمشق مثلا!!! وبحسب تقييم أحد العسكريين فإن دخول « الجيش الحر» إلى مدينة حلب لم يكن سوى استدراجا لمقاتلي الريف الحلبي كي يتوجهوا إلى المدينة. ويدلل على ذلك بندرة القصف الجوي لعديد التجمعات العسكرية في الريف، مشيرا إلى أن السؤال الذي كان يتبادر إلى الذهن لدى بعض المجموعات هو: لماذا لا تقصف الطائرات المقاتلين؟ ولماذا أخلى النظام مراكزه الأمنية في الريف وسلم أربعة مناطق لمجموعات الـ pkk التابعة لحزب العمال الكردستاني؟ ولماذا يمنع الفرقة 17 المرابطة بمدينة الرقة من السيطرة على الريف أو التوجه نحو حلب حيث الطريق أمامها سالكة تماما؟ لو كان ثمة قيادة عسكرية قادرة على التقييم الجيد لكان السؤال الأولى بالطرح من قبل الثوار هو: لماذا يحاول النظام إغراء المقاتلين بالتوجه إلى قلب مدينة حلب؟ وأيهما أجدى: اقتناص الفرصة؟ أم تعطيل استراتيجية النظام؟ لو كان من جواب؛ فلا نظن أنه سيقع خارج سياق رغبة « المركز» والنظام في تدمير المدينة التي ظلت إلى حد ما بمنآى عن أن تكون هدفا سهلا .. فالتدمير هو الهدف الاستراتيجي للنظام بقطع النظر عن موقف أهالي المدينة من الثورة أو باقء الغالبية منهم في دائرة تقاطع المصالح مع النظام .. وتبعا لذلك فقد كان من الأولى، ولو مرحليا، إفساد مخططات النظام وإيقاعه في حيرة وارتباك والعزوف عن دخول حلب في هذه المرحلة. ثالثا: التوصيف العقدي لـ « الشام» كان العالم الإسلامي، قبل سنة 1913، يتمظهر في صيغة كتل جغرافية وسكانية ضخمة تعرف باسم « بلاد العرب» ( الجزيرة) و « بلاد الشام» و « بلاد المغرب» و « بلاد الرافدين» و « أرض الكنانة» و « بلاد الهند» و « بلاد الترك» ... وقبل هذا التاريخ، أيضا، لم يكن ثمة نظام دولي يتمتع بالمركزية والرقابة والهيمنة كما هو اليوم، فالعلاقات الدولية والمعاهدات كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية، وفي أحسن الأحوال ذات طابع إقليمي. لكن بعده صار العالم الإسلامي في بؤرة التمزيق الدولي بقيادة بريطانيا وفرنسا، وانتهى به الحال إلى هدم الخلافة الإسلامية وتثبيت النظام الدولي بمرابط قوية تحول دون ائتلافه ثانية. ومن هذه المرابط كانت ولمّا تزل « إسرائيل» و « الطائفة العلوية» في سوريا، والتي تتولى إيران « الصفوية» رعايتها اليوم ومساندتها واقعيا. وبطبيعة الحال لا يمكن التسليم بالقول أن « بلاد الشام» هي سوريا اليوم أو « دمشق» كما أشاعت ثقافة نظم « سايكس - بيكو» بين العامة. إذ ما من مصدر تاريخي قبل الميلاد وبعده، أعجميا كان أو عربيا، فضلا عن المصادر الشرعية، يقبل بهذا التوصيف، لمنطقة عريقة تمتد حدودها إلى الجزيرة العربية شرقا والبحر الأبيض المتوسط غربا وجنوب تركيا بدءً من حدود أضنة شمالا وعريش مصر جنوبا. إلى جانب التوصيفات السياسية والعسكرية والأمنية فإن التوصيف العقدي لبلاد الشام يبقى هو الأكثر حسما في فهم حالة الثورة السورية. وبموجبه تبدو الكتلة البشرية والجغرافية لـ « الشام» واقعة في بؤرة الثورة رغم ما تتميز به من سكون ظاهر. بمعنى أن ما ينطبق على « شام» الثورة سينطبق بالضرورة على « الشام العقدية» أو « الشام التاريخية». فما هي مكانة « الشام» في التوصيف العقدي؟ وردت « الشام» في روايات عديدة في الأحاديث النبوية الشريفة. وبحسبها فهي البلاد التي استأثرت بـ « كفالة الله في الأرض»، و « حماية الملائكة لها»، وهي « الأرض المباركة»، و « عَقْرُ دارِ الإسلامِ»، و « أرض الإيمان»، و « موطن الملحمة»، و « خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ»، و « أرض الفسطاط»، و « في عنق أهلها صلاح الأمة وفسادها». وتاليا بعض الأحاديث النبوية: • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَ جُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَ جُنْدٌ بِالْعِرَاقِ قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَ أَهْلِه». قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه. • وروى البخاري: « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا". وروى أبو داوود: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: « إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ». • وروى الترمذي عن رَسُولُ اللَّهِ أنه قَالَ: « إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال:َ « كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ طُوبَى لِلشَّامِ فَقُلْنَا: لأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ِ قَالَ: لأَنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا». وفي رواية أخرى عن زيد بن ثابت: " ... « إن الرحمن لباسط رحمته عليه». • وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول: « إِذَا وَقَعَتِ الْمَلاحِمُ خرج بَعْثٌ مِنَ الْمَوَالِي من دِمَشْق هُمْ أَكْرَمُ الْعَرَبِ فَرَسًا وَ أَجْوَدُهُم سِلاحاً يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِمُ هذا الدِّينَ». • وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : « إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام». وعن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : « ستخرج نار في آخر الزمان من حضرموت تحشر الناس قلنا: بما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام». • وأخرج السيوطي والطبراني أن رَسُولُ اللَّهِ قَال: « عَقْرُ دارِ الإسلامِ بالشام». وعن ابن عمر أن رسول الله قال: « اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. فقال رجل: وفي شرقنا يا رسول الله؟ فقال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله؟ فقال: « اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، إن من هنالك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال». • وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : « لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم: الأبدال». وعن شريح بن عبيد قال: ذكر أهل « الشام» عند علي وهو بالعراق، فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا إني سمعت رسول الله يقول: « البدلاء بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يستقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب». الثابت إذن أن إرث أو مكانة « الشام العقدية» أو « الشام التاريخية» ثقيل جدا في العقيدة. فهي البلاد التي استأثرت بكفالة الله في الأرض، وحماية الملائكة لها، وهي الأرض المباركة، وعَقْرُ دارِ الإسلامِ وأرض الإيمان وموطن الملحمة وخِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ والفسطاط وفي عنق أهلها صلاح الأمة وفسادها. فما هو المتغير فيما يجري في « الشام»؟ المتغير هو في تلك القراءات السياسية التي تأبى أو تتجاهل القراءات العقدية. وهو سلوك درجت عليه كافة الجماعات السياسية والفكرية التي أعرضت عن الاسترشاد في الخطاب الديني واكتفت بالاجتهادات السياسية والأيديولوجية. وهذا ينطبق على الدول ومؤسساتها مثلما ينطبق على القوى الوطنية سواء كانت إسلامية أو علمانية. وفي حالة الثورة السورية يبدو الخطاب الديني أكثر ثقة وإغراء في التحليل دون أن يتعارض مع أي قراءة موضوعية بقدر ما يكشف عن الغوامض منها ويحسم الموقف في بقية القراءات. في التوصيف العقدي لن يكون الحديث متاحا عن إسقاط النظام دون النظر في التداعيات. إذ أن إسقاط النظام يعني إسقاط الطائفة، باعتبارها أداة « المركز» في الحفاظ على أمن النظام الدولي واستقراره. كما لا يمكن اعتبار « تحرير دمشق» علامة حاسمة على إسقاط النظام القائم. ولا يمكن، أيضا، التسليم بفكرة أن الخلاص يكمن في « تسليح الثورة» أو « الحظر الجوي» أو « إقامة المناطق العازلة». فلا « المركز»، صاحب النظام الدولي، ولا مربطه الأقوى « إسرائيل»، ولا إيران ولا العراق ولا كل أطياف الشيعة ولا حتى النظام العربي، صنيعة النظام الدولي، سيقفون متفرجين أو منتظرين مصائرهم وهم يراقبون مربط النظام الدولي يجري انتزاعه من موضعه، متسببا بفراغ يهدد كافة الكيانات الإقليمية والمشاريع الصليبية والصهيونية و « الصفوية». إذ أن لكل من هؤلاء مصالح استراتيجية تجتمع على تأمين الطائفة كمدخل لتأمين النظام الدولي وحماية كل هذه المصالح. الثابت الوحيد أن كل ما هو مطروح على السوريين هو « الحل مع النظام» .. بل « الحل في صلب النظام» وبنيته التاريخية. وعليه فإن « تحرير دمشق» وفق الفهم السياسي للمعارضة ليس، في الحقيقة، سوى صيغة موازية لصيغة « الحل مع النظام» وليس إسقاطا له. لكن إذا ما رأى البعض أن « تحرير دمشق» يقصد به إسقاط النظام برمته في سوريا فسيعني هذا حتما، بلسان « المركز»، أن المنطقة ستدخل في دوامة خطيرة جدا من الفوضى يصعب السيطرة عليها .. ولعل هذه الدوامة ستكون أولى ملامح « الملحمة» .. لذا، ورغم كل ما يجري في سوريا من قتل وتدمير ليس إلا إرهاصات لـ « ملحمة» قد تكون قادمة. والسؤال هنا: من هم أطراف « الملحمة»؟ لا ريب أنهم كل الكتلة الجغرافية والسكانية لـ « الشام العقدية» أو « الشام التاريخية» في مواجهة « المركز» و« إسرائيل» و « الصفوية». فـ « الملحمة» هي تلك التي « الملحمة العقدية » التي تخص كل أهل « الشام» وليس سوريا « سايكس – بيكو» أو سوريا النظام الطائفي. ولعل الحيرة في التعامل مع الثورة السورية في ضوء عذريتها العقدية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأيديولوجية، وكذا غياب أية حقيقة موضوعية، وانسياق السوريين في ثورة يصعب التوقف فيها تدفع بالتفكير إلى أن ما يجري هناك ليس سوى تدبير رباني فشلت كل الجهود في احتوائه أو التحكم به أو السيطرة عليه أو حتى مجرد فهمه. أخيرا تبدو الثورة السورية كجوهرة ثمينة لا يدرك أحد قيمتها. ويبدو أن السوريين، أكثر من غيرهم، لا يريدون أن يصدقوا ما يفعلون. والحقيقة أن ما حققوه في عام ونصف يفوق ما حققته كل قوى الأمة منذ تقسيم العالم الإسلامي إلى يومنا هذا. فللمرة الأولى تشعر كافة القوى الدولية والإقليمية أن بنية النظام الدولي تهتز بشراسة، وتنذر بخط عظيم يتهدده ويتهدد كل ما شيده طوال عقود مديدة. ولأول مرة تستفيق الأمة على حقيقة مدى خطر المشروع « الصفوي» في تحالفه مع المشاريع « الصليبية» و « الصهيونية» ضد الأمة والدين، في حين أن قطاعات واسعة من الأمة، وإلى حين وقوع الثورة السورية، لم تكن تصدق أن الشيعة يمكن أن يكونوا خطرا بقدر ما كانت تدعو لـ « حزب الله» الذي « رفع رأس الأمة عاليا». واليوم يخوض « المركز» كما إيران و « حزب الله» و « إسرائيل» معاركهم الأخيرة في سوريا. لذا لم يعد ثمة تقية في أن يحاصر « المركز» الثورة ويعلن صراحة رفضه لتسليحها خشية المساس بـ « الطائفة العلوية»، ويصر على الاحتفاظ بالنظام وكافة مؤسساته الدموية، والعمل على اختراق الثورة والتربص بالمجاهدين فيها؛ ولم يعد ثمة تقية حين يعلن الإيرانيون أن معركتهم في سوريا هي معركة طهران، وأنهم سيحتلون الكويت إذا سقط النظام، وأنهم يشاركون في حماية النظام وغرف العمليات المشتركة، ويفتون بوجوب الجهاد في سوريا حتى لا تسقط بيد « النواصب»، وهم الذين لم يخوضوا جهادا في كل التاريخ الإسلامي بقدر ما تحالفوا مع الغرب على إسقاط البلدان الإسلامية والنزول مع القوات البرتغالية على شواطئ الجزيرة العربية لاحتلال مكة؛ ولم يعد ثمة تقية لدى « حزب الله» وزعيمه حين يتحدى ويهدد الثورة بالحرب إذا لم تطلق سراح المختطفين من عملائه في سوريا، ويعلن صراحة، كما النظام الطائفي، أن الثورة السورية ليست سوى مجموعة عصابات متآمرة على نظام « الممانعة والمقاومة» الذي قتل عشرات الآلاف وشرد الملايين وانتهك الحرمات ودمر سوريا، وكلاهما لم يطلق طلقة واحدة باتجاه « إسرائيل» حين كانت تذبح غزة على مرآى من عينه وعين الأسد؛ ولم يعد أيضا ثمة تقية لدى « إسرائيل» وهي تجاهر بخشيتها من سقوط « ملك ملوك إسرائيل»، وتسمح له بتحريك فرقه وطائراته ومدافعه وصواريخه ودباباته على بعد كيلومترات من حدودها. لم يعد ثمة تقية ... يتبع .... نشر بتاريخ 02-10-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
« فورمات» الثورة السورية د. أكرم حجازي 31/10/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...0e7a81a351.jpg تتعدد مشاهد الثورة السورية وتتنوع إلى الحد الذي تستحق فيه وصف « الملحمة» .. وصف يعني أنه من المستحيل (1) اختزال المشاهد كلها كما لو أنها مشهدا واحدا يهم الشعب السوري وحده، أو (2) الفصل بين مشهد وآخر، أو (3) المفاضلة فيما بينها. بداية؛ ثمة مشهد النظام الطائفي وهو يتفنن في أعتى صور الوحشية، حيث القتل والذبح والسلخ والحرق والاختطاف والاغتصاب والتدمير والتجويع والتعطيش والسلب والنهب و ... مشهد أعجب ما فيه أنه لا يخجل البتة، هو وحلفاؤه وأبواقه، من التحصن المقرف بالمزاعم والكذب والنفاق والكفر والغطرسة والإجرام ... مشهد نظام لا تعنيه أية روادع قيمية أو أخلاقية أو إنسانية أو بشرية أو عقدية ... مشهد نظام غبي لا يفكر للحظة أنه من المستحيل أن يستمر في الحكم؛ وقد صار بحوزة كل مسلم في بلاد الشام والعرب خاصة وبلاد المسلمين عامة ملفات حساب وعقاب لا يمحوها الزمن. وثمة مشهد نظام دولي، بشقيه الشرقي والغربي، خبيث ولئيم، ولا يقل وقاحة وإجراما عن النظام الطائفي نفسه .. نظام يأتي العجائب وهو يتباكى على مشاهد الإبادة والتدمير، ويشتكي من نفسه في مجلس الأمن!! بينما يخوض حروبه الوحشية ضد الثورة السورية، ويحول دون تسليحها .. ويحرص على أمن الطائفة « النصيرية» أكثر من حرصه على الانزلاق في حرب أهلية أو خشيته من مصير السلاح أن يصل إلى أيدي « التطرف» و « الإرهاب» .... مشهد نظام يخشى من انفجار الثورة إلى الخارج السوري؛ فتكون الطامة الكبرى عليه وعلى نظامه ومصالحه .. مشهد نظام يتميز غيظا بعد أن بات عاجزا عن وقف الثورة أو احتوائها؛ فسعى جاهدا لاختراقها بعد فشل النظام الطائفي في المهمة. في هذا الوقت، حيث الرعب من الثورة، يستوطن النظام الدولي وحلفائه وأدواته من المخذلين والمحبطين والمجرمين؛ وحيث يتمتع النظام الطائفي بالغطاء السياسي الدولي، ويتلقى منه الدعم العسكري والفني والاستشاري، ويستقبل عشرات آلاف المقاتلين من شيعة إيران ولبنان والعراق واليمن فضلا عن علوية تركيا؛ ... في هذا الوقت وفي هذا الحال، يخرج علينا أولئك الذين خرجوا من قبل قي العراق وأفغانستان، لينادوا بترك سوريا للسوريين، بدعوى أن « أهل مكة أدرى بشعابها»!!! وليت هؤلاء شعروا بأحوال مكة أو كانوا أوفياء لأهلها في يوم ما .. هؤلاء وأمثالهم ممن استمرؤوا الذل والعبودية والتبعية؛ سيخرجون لاحقا، وقد خرجوا، ليقولوا للثوار: « لا نريد إرهابيين في سوريا .. لا نريد وافدين»!! ولسنا نستبعد أن يقولوا لاحقا أيضا: « لا توجد راية جهادية في سوريا» .. بل ربما سيقولون أن الثوار في سوريا « يقاتلون في سبيل الطاغوت»، كما سبق وقالوها عن العراق!!! والعجيب في هؤلاء وأمثالهم أنهم يصلون الليل بالنهار بحثا عن « الناتو» وكل قتلة البشر، ويجيزون لهم ما لا يجيزونه لأحد من المسلمين .. والأعجب أن « الناتو» لم يصلهم، ولن يصلهم أبدا إلا كقوة احتلال أو وصاية .. ولا شك أنهم بهذا فرحون!!! لا أفرحهم الله في الدنيا والآخرة. هؤلاء غفلوا حقيقة عن مشهد ثورة سلمية فرضت عليها وحشية النظامين، الطائفي والدولي، التسلح للدفاع عن نفسها وشعبها .. مشهد ثورة، رغم شراسة الأعداء، إلا أنها بدت عصية على الانكسار وحتى الاختراق أو الاحتواء ... مشهد ثورة تنزف أغزر الدماء، وتشهد دمار البلاد، وانتهاك الأعراض، وتدفع أفدح الأثمان، ومع ذلك تسجل وقائعها أعظم مدونات الشعوب في الصبر والإصرار والتضحية والتحدي والبطولة والإقدام .. وتخرق، في عنادها، السجلات التاريخية للنظام الدولي والإقليمي والطائفي .. وتهدم كافة أبنية الزيف والخداع والنفاق والغدر لكل الأيديولوجيات والفلسفات الوطنية والقومية واليسارية ... لكن الحقيقة التي يتعين على من يرائي فيها أن يعلم جيدا، ويفهم رغم أنفه، أن الثورة السورية في (1) وقائعها الملحمية الجبارة؛ وفي ضوء (2) عمق الشام العقدي والتاريخي؛ وإزاء (3) وحشية الحرب الدولية عليها، ليست شأنا محليا، ولن تكون .. بل أن مشاهدها الملحمية أقرب ما تكون إلى « فورمات» شامل، قطعت فيه شوطا طويلا، إلى الحد الذي بات فيه مطلب الحرية هدفا وضيعا أمام (1) حرية الأمة و (2) تحرير العقيدة. |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل الاختراق (11) د. أكرم حجازي 18/11/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...859290206f.jpg الاختراق هو (1) إقرار بوجود جسم صلب، و (2) تعبير عن الحاجة إلى نافذة تسمح بالولوج إليه، بغية إضعافه أو احتوائه أو السيطرة عليه أو التحكم به أو إتلافه بشكل تام. هذا هو ما تتعرض له الثورة السورية، منذ انطلاقتها. وتبعا لذلك فإن كل المستويات العسكرية والأمنية والإنسانية والعقدية والقيمية والاجتماعية والاقتصادية ... باتت عرضة للاستهداف والمطاردة عبر المبادرات السياسية أو الإغراءات العسكرية والأفخاخ الأمنية أو العروض المالية أو الإنسانية ... . لا أحد يختلف، إلا من أبى، على أن الثورة السورية أصابت الجميع بصداع مزمن يهدد، لأول مرة، بإصابة النظام الدولي بخطر التفكك. وفي السياق ليس مهما ما يحتاجه السوريون أو يفكرون به .. وليس مهما أن تتفتت سوريا وتُدمَّر على مرآى العين ومسمع الأذن .. وليس مهما أن يغدو الجسد السوري موضعا لأوحش مشاهد التمزيق والتعذيب والقتل والردع .. ذلك أن المهم الوحيد اليوم ألا ينجح السوريون، ومن ورائهم العرب والمسلمون، في خلع المربط الطائفي الدولي من موضعه، لأن النجاح سيعني أن المربط اليهودي هو الهدف التالي قطعا .. وأن خلعه يعني بلا مواربة انزواء الحضارة الغربية .. وهذا ليس قولنا بل قول أهل المركز بلسان قادته. ومن لم يصدق أو يتعامى أو يعبث بالحقائق فليتابع ويتأمل ما سيلي!!! ففي مقالة له في صحيفة «التايمز» البريطانية، سبقت الثورات العربية، (17/6/2010)، قال رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسيه ماريا أزنار، أن: « إسرائيل هي خط دفاعنا الأول في منطقة مضطربة تواجه باستمرار خطر الانزلاق إلى الفوضى، ومنطقة حيوية لأمن الطاقة لدينا بسبب الاعتماد المفرط على النفط الموجود في الشرق الأوسط، والمنطقة التي تشكل خط الجبهة في الحرب ضد التطرف، فإن سقطت فسنسقط معها ... إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب وما هو عليه بفضل جذوره اليهودية / المسيحية، ففي حال تم نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم سواء أحببنا ذلك أم لا». سبق للرئيس السوري بشار الأسد، حين سئل بعد الثورة التونسية والمصرية، عما إذا كان من الممكن أن تندلع ثورة في بلاده فأجاب بالنفي، مشيرا إلى أن « سوريا مختلفة»!!! ولما وقعت الثورة هدد بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»، وفي مقابلة عاصفة مع صحيفة « الصندي التلغراف – 30/10/2011 » البريطانية، ذكّر الأسد « المركز» بالواقع الذي لم يختلف عليه أحد منذ أن تم اختيار الطائفة « النصيرية» لتكون الأمينة على النظام الدولي وأمن المنطقة، فقال: « إن سوريا اليوم هي مركز المنطقة .. سوريا مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف .. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال، .. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟ .. أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها .. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا، فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها ... ». ذات الأمر كرره مؤخرا في حديث خاص لقناة « روسيا اليوم» نشرت مقتطفات منه في 8/11/2012، حيث حدد الأسد مكانة سوريا، أو بتعبير أدق الطائفة النصيرية، في النظام الدولي قائلا: « أعتقد بأن كلفة الغزو الأجنبي لسوريا، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، لأنه إذا كانت هناك مشاكل في سوريا، خصوصا وأننا المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة، فإن ذلك سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي .. لا أعتقد بأن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكنه إذا فعل فلن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك». لغة صريحة وبليغة في توصيف الأسد لنظامه باعتباره خط الدفاع الأول والأخير عن « إسرائيل» وعن النظام الدولي .. لغة سبق وأثنت عليها صحيفة « هآرتس»، حين وصفت الأسد، أوائل انطلاقة الثورة، بـ « ملك ملوك إسرائيل»، أو حين اعترف رافي نوي، العميد الاحتياطي بالجيش الإسرائيلي، في مقال له بصحيفة « معاريف» بأن: « مصلحة إسرائيل هي أن يبقى الحكم العلوي في دمشق». لكن المرارة لم تفارق إيهود باراك، وزير الدفاع، وهو يرى: « النظام يتفكك بصورة مؤلمة» أو حين يطلق نتنياهو، رئيس الحكومة، صيحة فزع (14/11/2012) من أن: « النظام السوري يتفكك إلى قوى جديدة، وأن عناصر أكثر تطرفا ضد إسرائيل، تابعة للجهاد العالمي، باتت تترسخ على الأرض، ونحن نستعد للتعامل مع ذلك». ولمن راقب صيحات الفزع « الإسرائيلي»، منذ بدء الثورة السورية، سيصاب بالدهشة. فهم مصابون بالرعب من جماعات إسلامية وطنية يشنون عليها حربا وحشية في غزة .. فكلها بالنسبة لهم منظمات إرهابية حتى لو كانت ملحدة!!! فكيف بحال « إسرائيل» إذا تعلق الأمر بجماعات إسلامية أو بثورة اجتماعية مميزة تهدد مجمل النظام الدولي؟ يقول بيني غانتس، رئيس أركان الجيش « الإسرائيلي»، لدى استقباله جنودا بمناسبة عيد « العُرش اليهودي – 4/10/2012»، إن الرئيس السوري: « يذبح شعبه ويفقد السيطرة في المكان الذي سيشكل في نهاية المطاف مخزن أسلحة في متناول أيدي جميع المنظمات الإرهابية». ويحذر من: « أن المنظمات الإرهابية، وبينها منظمات جهاد عالمي، أخذت تستقر في المنطقة»، مشيرا إلى أن: « إسرائيل ستواجه في سوريا وهضبة الجولان إما تهديداً عسكرياً عادياً إذا صمد النظام، أو تهديداً إرهابياً متصاعداً مع قدرة على الحصول على أسلحة بكميات كبيرة». وتنقل وكالة « يو بي آي – 11/10/2012» عن « إذاعة الجيش» تحذيرات ومخاوف عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية الأمنية بوزارة الدفاع « الإسرائيلية»، من عواقب سقوط نظام الرئيس السوري. فيقول: « لست متأكدا من أنه سيكون في سوريا نظام ديمقراطي كما نأمل»!!! .. طبعا هو يقصد ديمقراطية الأقليات والملحدين واللبراليين وأرباب « المركز». ثم يتابع: « أخشى أن الأسد سيبقى بالحكم بضعة شهور، وربما سنة أو سنتين، لكن في نهاية المطاف ثمة إمكانية بأن تتحول سوريا إلى كيان تسوده الفوضى، ولن يكون هناك عنوان للتحدث معه». هكذا .. وبدون لف أو دوران؛ فإن المرابط الدولية الثلاثة في المنطقة، تضطلع بمهمة واحدة، تتمثل بالحفاظ على النظام الدولي بالصيغة التي استقر عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وبما يضمن بقاء « العلمانية» ( بديلا عن الإسلام) و « الاستقرار» ( الأمن الدولي) و « التعايش» ( أمن إسرائيل). ولأنه لا بديل عن المربط الطائفي حتى الآن، لحماية المرابط الأخرى، إلا الطائفة النصيرية نفسها، فمن الطبيعي أن تتجه كافة التدخلات الدولية والإقليمية نحو تحقيق اختراق في عمق الثورة السورية. هكذا؛ وبقطع النظر عن أية معايير أو خلفيات قيمية أو أخلاقية أو تباينات في موقف هذا الطرف بالمقارنة مع ذاك، مما يتصل بدعاوى حسن الظن وما إلى ذلك، فإن مبادرة الأخضر الإبراهيمي واجتماعات المعارضة السورية في العاصمة القطرية – الدوحة ( 4 – 8/11/2012) مثلتا أخطر محاولتين في هذا السياق. وكالعادة سنجتهد في حشد أكبر قدر ممكن من التصريحات الموثقة لأصحاب الشأن كي تكون منارة يهتدي به من ضل السبيل. أولا: مبادرة الإبراهيمي ما من مبادرة اتسمت بالغموض الشديد والعجب كما اتسمت به مبادرة الإبراهيمي. فعلى امتداد أسابيع طويلة، من الجولات الماراثونية بين العواصم الدولية واللقاءات والتصريحات، حرص الإبراهيمي منذ اللحظة الأولى على التكتم الشديد على « خطته» في احتواء الثورة السورية، وخاض صراعا إعلاميا مكشوفا، وحادا، مع بعض وسائل الإعلام على خلفية تصريحات نسبت إليه ونفاها، بغضب، جملة وتفصيلا. ولعل أغرب ما في مبادرة الإبراهيمي ذلك الحرص الشديد منه ومن القوى الدولية على « فكرة» غياب أي « خطة» له .. وادعائه، كلما سئل عن ذلك، بأنه بصدد استطلاع المواقف وإجراء مناقشات مع الأطراف المعنية أو تقديم أو تلقي « مقترحات» و « أفكار» تمهيدا منه لبناء تصور عن الأزمة أو « خطة متكاملة» كما يقول!!! ولسنا ندري كيف يمكن لشخصية دولية متمرسة في العمل الدبلوماسي كالأخضر الإبراهيمي لا تمتلك أية تصورات عن حقيقة ما يجري في سوريا أو حقيقة المواقف الإقليمية والدولية. ولعل الحقيقة الثابتة لدينا أننا لم نقع على « زلات» للإبراهيمي في الفترة الواقعة بين تعيينه مبعوثا دوليا (17/8/2012 ) خلفا لسلفه كوفي أنان، واقتراحه لـ « هدنة» الأيام الأربعة خلال عيد الأضحى المبارك. وفي غياب هذه « الزلات»، التي تسمح بالتتبع والتحليل والربط بين الأحداث والمواقف، يصعب القول أن ما فعله الإبراهيمي كان مبادرة بقدر ما كان محاولة اختراق بالغة الدهاء. فما الذي أراده الإبراهيمي من هدنة يقل عدد أيامها عن عدد أصابع اليد الواحدة؟ .. « هدنة» من المستحيل أن تنجح وسط ركام هائل من الدمار وإرث عظيم من الوحشية وصدور فاضت قهرا وغيظا .. « هدنة» أقرب إلى الاستفزاز والاستغفال والاستهتار بعشرات آلاف من المفقودين والجثث المستوطنة تحت ملايين الأطنان من ركام البراميل المتفجرة .. « هدنة» استهدفت البحث عن التزام كل فرد من القتلة والضحايا!!! باختصار: ما الذي أراده الإبراهيمي من هدنته؟ وكيف أدار مبادرته الهلامية؟ كانت الانطلاقة من السؤال « ما البديل عن النظام»؟ ذلك السؤال المركزي الذي فرضته الثورة السورية على القوى الدولية والإقليمية والطائفية، وهو الذي يمكن أن يفسر إلى حد كبير النشاط المحموم الذي بذله الإبراهيمي، منذ تعيينه في إدارة ما فضل الجميع تسميته بـ « الأزمة السورية»!!! فالسؤال هو انعكاس استراتيجي وتاريخي لوظيفة سوريا « النصيرية» في الحفاظ على أمن النظام الدولي واستقراره عبر التحكم (بـ ) والسيطرة (على) القوى الوطنية أو المتمردة على « إسرائيل» والنظام الدولي، الذي مزق العالم الإسلامي وفي القلب منه العالم العربي. لذا فهو سؤال دولي وعربي وإيراني و « إسرائيلي» وتركي وطائفي. وتبعا لذلك لم يخرج الإبراهيمي في تقييمه لـ « الأزمة السورية» عن أي تقييم سابق، سواء كان دوليا أو إقليميا أو طائفيا. لكن الإبراهيمي التزم مبدئيا في مؤتمر صحفي (24/9/2012) في أعقاب عرض قدمه أمام مجلس الأمن عن اتصالاته بدول المنطقة، وبصريح العبارة، بالتأكيد على أنه: « لا يمتلك خطة واضحة حتى الآن بل مجموعة أفكار»، وأن خطة « النقاط الست» التي تبناها المبعوث السابق كوفي أنان بالإضافة إلى مقررات « إعلان جنيف»، التي يتمسك بها الروس بأظافرهم وأسنانهم، ستشكل « عناصر» ضمن خطة عمله، وهو ما أكده الروس أنفسهم، لاحقا، عبر تصريحات أدلى بها ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، في 16/10/2012 تقول بأن: « الإبراهيمي ليس لديه بعد خطة لحل الأزمة السورية، وإن موسكو مستعدة لتقديم مقترحاتها بهذا الشأن له». لذا فقد وجدت « أفكار» الإبراهيمي استجابة ودعما من جميع القوى دون أن تلتزم بأي مشروع للحل، ودون أن يضطر الإبراهيمي إلى تحمل تبعات الفشل، كما قال ريتشر غوان من جامعة نيويورك (28/10/2012)، بعد فشل الهدنة: « إن الإبراهيمي لم يزعم مطلقا أن هناك فرصة كبيرة لنجاح وقف إطلاق النار»، معتبرا أن الدبلوماسيين في الأمم المتحدة « لن يحملوه تبعية هذا الفشل». ففي مؤتمر صحفي، عقده عقب زيارة قصيرة إلى لبنان (17/10/2012) وعشية الهدنة الفاشلة، قال الإبراهيمي: « على دول الجوار السوري أن تدرك أن الأزمة لن تبقى في الداخل السوري إلى الأبد, وإنها باتت تهدد بالانتشار لتأكل الأخضر واليابس، وهو ما يحتم البحث عن مخرج لإخراج سوريا من أزمتها». وفي 5/11/2012 شدد الإبراهيمي بالقول أنه: « لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن الحل الوحيد هو إيجاد عملية سياسية يتفق عليها الجميع، أو أن المستقبل سيكون سيئا للغاية، وستتدفق الأزمة على دول الجوار وحتى إلى دول بعيدة عن المنطقة». ولتجنب الانهيار « اقترح» الإبراهيمي « فكرة» أن يقدم كل صاحب شأن « أفكاره» و « مقترحاته» وإجاباته على السؤال: « ما البديل»؟ على قاعدة (1) « وقف العنف المتبادل» و (2) عبر صيغة « الحل السياسي مع النظام»، دون الاقتراب من الأسد من حيث بقائه أو رحيله، وبما يحقق (1) مصلحة كل طرف، و (2) يؤدي إلى « التغيير»، وبـ (3) موافقة جميع الأطراف. وبموجب ذلك يقدم أطراف « المركز» أفكارهم على قدم المساواة مع « أفكار» إيران والعرب وحتى اليهود والطائفة النصيرية. هكذا وفرت المبادرة غطاء للأفاعي السابتة كي تغادر أوكارها بحثا عن الفرائس. فاختبرت كافة السيناريوهات التي يمكن التعامل معها. واستطاع الروس والأمريكيون إدارة الاختبارات إعلاميا وسياسيا بصورة مبهرة. وفي تصريح له لوكالة الأنباء الروسية « نوفوستي – 3/9/2012»، قال وزير الخارجية، سيرغي لافروف: [ « إن روسيا والولايات المتحدة تصبوان إلى تحقيق الهدف الواحد في سورية، وهو أن « تتحول سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي يمارسه السوريون بأنفسهم في حين تحترم جميع الدول الأخرى سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها»، ولكن تختلفان على كيفية تحقيق هذا الهدف» ]. لكن هذا الاختلاف لا يتعلق في واقع الأمر بطريقة تنحية الأسد بقدر ما يتصل الأمر في الصراع على النفوذ الذي تخوضه روسيا ضد الغرب. ولقد كان لافروف صريحا في ذات التصريح، لمن لا يريد أن يعقل الحقائق بلسان أهلها، حين قال: « من الواضح أن تواجدنا الإنساني في العالم لا يساوي قدراتنا ونحن نلاحظ هذا بسهولة .. إننا نستعيد بشكل واسع مواقعنا التي خسرناها في تسعينات القرن السابق، ونحن متخلفون جداً عن اللاعبين الدوليين في هذه المنطقة مثل الفرنكوفونيين، ومعهد جوته». كما أن الروس قالوا بصراحة في 6/9/2012، بلسان الرئيس بوتين،: « نحن نفهم جيدا ضرورة التغيير ... لكن ليس التغيير الدموي» .. عبارة تَحصَّن بها الإبراهيمي وطار فيها إلى سوريا ليقول للأسد في أول اجتماع له به: « الشعب السوري يريد التغيير الشامل ولن يكتفي بمصطلحات الإصلاح خصوصًا بعد كل ما مر عليه من مآس ومحن وقتلى وجرحى ومشوهين ومعتقلين ومهجرين». هذا ما نقلته صحيفة الرأي في24/9/2012. والحق أن الإبراهيمي، وتحت السقف إياه، انتزع من الرئيس السوري « فكرة الرحيل» ولو تحت غطاء وهمي أطلق عليه الانتخابات!!! فحين سئل عن لقائه بالأسد في 21/10/2012 أجاب: « لن أتكلم عما دار بيني وبين الرئيس من حديث، تكلمنا بهذا الموضوع (هدنة العيد)، وأعتقد أنه فاهم القصد من كلامنا، وهو وحكومته سيقولون رأيهم بهذه الفكرة». أما مقاصد الرئيس التي أخفاها الإبراهيمي فليست، على الأرجح، إلا تلك التي أفصح عنها ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، في تصريحات سابقة أدلى بها لصحيفة « لوفيغارو» الفرنسية (10/9/2012)، وقال فيها: « إن الأسد أبلغنا بنفسه، لكني لا أعرف إلى أي مدى هو صادق في ذلك، لكنه أبلغنا بوضوح أنه إذا لم يكن الشعب يريده؛ وإذا اختاروا زعيما آخر في انتخابات؛ فإنه سيرحل». وقد تبدو مثل هذه التصريحات متناقضة مع ما أدلى به لافروف عقب لقائه مع نظيره الأردني ناصر جودة حين اعتبر بأن: « مَن يريد تغيير نظام الرئيس الأسد فإنه يسعى إلى إكمال حمام الدم». لكنه في الواقع تصريح بالغ الدقة والصراحة. فالروس يتحدثون عن تغيير الأسد وليس عن تغيير النظام. وهم متفقون مع الغرب على بقاء النظام لكنهم لا يختلفون على تغيير الأسد إلا بالطريقة كما يقول لافروف، فضلا عن سعيهم الجوهري لكسب أكثر ما يمكن كسبه قبل التضحية بالأسد. ومن جهتها سعت إيران نحو العراق بخطىً حثيثة لتثبيت ما تراه حقوقا لها أو بدائل مرضية في حالة رحيل الرئيس السوري. وقبل لقائه بالإبراهيمي قدم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد معادلة إيران للحل في 3/10/2012. فمن جهة قَبِلَ التقييم الدولي للأزمة السورية، مشيرا إلى أن: « كل القوى العالمية التي انخرطت في الأزمة السورية ارتكبت أخطاء، ومحذرا في الوقت نفسه من أن الأزمة السورية ستمتد إلى دول أخرى في المنطقة إذا لم تحل». ومن جهة أخرى طالب باستحقاقات إيرانية للحل بالقول: « كل الشعب السوري محترم، ولكن البعض يريدون تصفية الحسابات مع إيران». وفي 15/10/2012 حل الإبراهيمي ضيفا على بني فارس. وهناك التقى الرئيس وكذا وزير خارجيته علي أكبر صالحي ومستشار الأمن القومي سعيد جاليلي. وأعلن صالحي أن إيران سلمت الإبراهيمي « مقترحات خطية غير رسمية» لتسوية الأزمة, دون أن يكشف عن فحواها، وأن المقترحات سُلمت أيضا إلى السعودية وتركيا ومصر!!! لكن كل ما رشح عن اللقاءات، في حينه، هو دعم إيران للحل السياسي، مع التشديد على ضرورة وقف العنف، قبل اتخاذ أي إجراءات في الميدان. أما الإبراهيمي فعلق على المقترحات بالقول: « إن الأفكار أو المقترحات الإيرانية ستضاف إلى مقترحات قدمتها دول أخرى من أجل الخروج بخطة متكاملة». لكن لم يمض يوم واحد على اللقاءات حتى طار وزير الدفاع الإيراني إلى العراق ( 16/10/2012) في أول زيارة له منذ احتلال البلاد سنة 2003 استهدفت توقيع اتفاق أمني مع الحكومة العراقية التي حولت العراق فعليا إلى محافظة تابعة لإيران خاصة بعد سيطرتها على البنك المركزي. ويبدو أن الإيرانيين رؤوا في مبادرة الإبراهيمي فرصة لإحياء فكرة البديل عن سوريا، التي سبق وطرحها مقتدى الصدر عشية الانسحاب الأمريكي من العراق وأوائل انطلاقة الثورة السورية. وبدا أن زيارة وزير الدفاع الإيراني تحاول صياغة معادلة من نوع: إذا كان هناك من يسعى إلى تصفية الحساب مع إيران في سوريا فالإيرانيون أيضا على استعداد لتصفية الحساب معهم في العراق. لم ينكر علي شاكر شبر، النائب عن التحالف الوطني في العراق، خفايا التحرك الإيراني المباغت دبلوماسيا حين علق على الزيارة بالقول: « إن العلاقات بين العراق وإيران علاقات طيبة ومتطورة، وتأخذ مديات أوسع منذ عام 2003 ولحد الآن، ولأن المنطقة تمر بحالة قلقة وغير مستقرة فمن الضروري أن تكون هناك اتفاقيات أمنية، سواء مع إيران أو غيرها من دول الجوار». ومن جهته فسر النائب أحمد العلواني، عن القائمة العراقية، تصريحات غريمه بالقول: « إن الاتفاقية الأمنية التي تسعى إيران لإبرامها مع العراق تتعلق بتخوفها من تداعيات الأزمة السورية وانهيار نظام بشار الأسد، ولإيجاد ساحة أخرى تكون بديلاً عن سوريا، معتبرا أن زيارة وزير الدفاع الإيراني المفاجئة للعراق ترتبط بهذا الموضوع». ومحذرا من أن: « الاتفاقية ستقود إلى تسليم البلد إلى إيران ويكون الملف الأمني بيدها كاملاً. أما أحمد الأبيض، المحلل السياسي العراقي، فقد ذهب، كالكثيرين، أبعد من ذلك حين ربط بين: « زيارة وزير الدفاع الإيراني التي استبقت بيومين زيارة رئيس الحكومة نوري المالكي إلى روسيا»، مشيرا إلى أنها: « تعطي دلالات بأن موسكو وطهران تسعيان لسحب العراق إلى محور الدعم الروسي الإيراني لسوريا، وهذا ما يراه الكثير من المهتمين بالشأن العراقي والسوري». هكذا، وبعد أن ضمن العراق بديلا عن سوريا، جرى تمهيد الطريق أمام أحمدي نجاد كي يتوقف عن إطلاق التهديدات، ويعلن من الكويت، خلال مشاركته في قمة آسيوية – 17/10/2012، عن دبلوماسية ناعمة تقضي بدعم بلاده لـ: « فكرة وقف إطلاق النار في سوريا»، وليؤكد في الوقت نفسه على أن: « الحرب لا يمكن أن تكون حلا مناسبا، وأن أي جماعة تحصل على السلطة من خلال الحرب؛ وتهدف للاستمرار فيها ليس لها مستقبل» .. بل أنه كرر ما أفشاه بوغدانونف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن تنحي الأسد عبر صندوق الاقتراع، مشيرا إلى أن: « وقف إطلاق النار والمفاوضات بشأن انتخابات حرة هو من وجهة نظري الطريق الصحيح إلى الحل»!!! .. هذه هي إيران التي لم تترك بلدا إسلاميا إلا وأنشأت فيه طابورا خامسا وأغرقته بالأسلحة والفتن والحروب باتت تنبذ الحروب وتتحدث فجأة عن حلول سياسية وديمقراطية وطرق صحيحة!!! ثانيا: آلية الاختراق وعناصره وفي الوقت الذي كانت تخضع فيه مختلف القوى الإقليمية والدولية لعمليات اختبار حاسمة، عبر مبادرة الإبراهيمي، كانت القوى المقاتلة في الثورة السورية تتعرض، هي الأخرى، لأقسى عملية اختبار أمني وعسكري منذ انطلاقة الثورة. إذ أن القوى الوحيدة التي يصعب اختبارها، وتحتاج إلى الترويض والاحتواء هي القوى المسلحة التي تمسك بالأرض وتخوض القتال. وكان الطُّعم الذي ألقي على العسكر هو تسليح الثورة، ومن الطريف أنه ذات الطُّعم الذي سبق وألقي على قوى المعارضة السياسية ولمّا تزل حتى هذه اللحظة. لكنه بالقطع ذو وقع مميز حين يكون العسكر هم الأداة التي تلتقطه فيما الثورة هي الهدف الذي يدفع ثمن مرارته. من المعلوم جيدا أن « المركز، بشقيه الغربي والشرقي، وعبر آلية التسلح، يتحكم في اندلاع الحروب وإطفائها مثلما يتحكم في تحديد هوية المنتصر من المنهزم، وكذا في استمرار الحروب دون السماح لأي طرف بتحقيق انتصار حاسم على الطرف الآخر، وأخيرا التحكم بحالة اللاحرب واللاسلم الدائمين. ومن المعلوم أيضا أن تدفق الأسلحة باتجاه النظام السوري لم ينقطع، في حين يجري التحكم بها بشدة فيما يتعلق بالثورة السورية. فتارة تتدفق وفقا لمعايير كمية ونوعية وتارة تختفي حتى الذخائر .. الأمر الذي أصاب المقاتلين بالكثير من القهر والمرارة مما اعتبروه سياسات عدوانية وشريرة كونها تتعمد منع المقاتلين من إحداث فوارق حاسمة في الصراع مع النظام. بل أن أحد قادة المقاتلين علق على هذه السياسية بمحتوى مفجع ومرير حين قال لصحيفة « الغارديان – 10/11/2012» إنهم: « يعطوننا ما يكفي لمواصلة القتال لكن ليس ما يكفي لكسبه. وأنا متأكد أن هذا الوضع لن يتغير حتى بعد الانتخابات الأميركية. وغير متأكد من أن كل امرئ يستطيع أن يبقى على قيد الحياة حتى هذا الوقت». والثابت أن الثوار شعروا مبكرا جدا بهذه السياسات الدولية حتى قبل « الغارديان»، وقبل أن يتحدث أحد عن الخشية من تحول سوريا إلى ملاذ للقوى الإسلامية أو « جماعات الجهاد العالمي»، بل قبل أن تتجه الثورة السورية نحو العسكرة. لكن نمو العامل الإسلامي في الثورة عزز التذرع بعدم التسليح، في حين أن المشكلة تتصل بالدرجة الأساس بافتقاد « المركز» للبديل عن الطائفة الحاكمة في سوريا، وبالتالي غياب أي حل سياسي، والاكتفاء بإدارة الأزمة على أمل أن يتمكن النظام من القضاء عليها أو احتوائها أو انزوائها تحت ضغط آلة عسكرية شديدة التوحش والإجرام، ومحصنة برعاية دولية وأغطية سياسية وأمنية وزمنية مفتوحة. المشكلة التي تواجه « المركز» اليوم تتطلب أجوبة على استيعاب ثورة مدنية انقلبت إلى ثورة مسلحة يصعب السيطرة عليها. وكنا قد أشرنا إلى هذا الأمر في حلقات سابقة من السلسلة قبل أن يكتب بنجامين هال، كنموذج، مقالته في صحيفة « نيويورك تايمز – 19/10/2012» واصفا الثوار باعتبارهم: « مجموعات مختلفة ومشتتة لا يربط بينها رابط تنظيمي أو قيادة موحدة، ومن مشارب فكرية متنوعة، وتستولي كل واحدة منها على شارع أو شارعين بالمدينة ولا تتوفر الثقة بينها». لينتهي بتوصية تفيد بأنه: « سيكون من الخطأ أن تسلح أميركا وأوروبا الثوار بالأسلحة أو أن تتدخل على الأرض». لكننا نبهنا في مواضع سابقة من السلسلة أن قوة الثورة في الوقت الراهن تكمن في شتاتها باعتباره تعبيرا عن حالة اجتماعية شاملة، وفعالة وعصية على الاختراق مع تداعي الأعداء والخصوم عليها. لكن في هذه النقطة بالضبط تدخل « المركز» ومخططيه الاستراتيجيين وحلفائه وأجهزتهم الأمنية والإعلامية عبر الدعوة إلى توحيد القوى المسلحة في إطار ما أسمي بـ « المجالس العسكرية» .. وتحت شعار « لا سلاح بلا قيادة موحدة»!!! وتوثيقا لـ « الشعار» كشفت صحيفة « إندبندنت – 1/10/2012» البريطانية: « إن مزودي الأسلحة من القطريين والأتراك أبلغوا ممثلي المعارضة، أثناء نقاشات عالية المستوى، أن الأسلحة الثقيلة لن تتاح لهم حتى تتفق الفصائل المختلفة على تشكيل هيكل قيادة متماسك، وأن مخزونات من الأسلحة ... موجودة في تركيا لكي يستخدمها ثوار سوريا في الحرب الدائرة هناك، لكن توزيعها متوقف بسبب الشقاق والتنازع بين المجموعات المختلفة من المقاتلين». ونقلت صحيفة « الغارديان – 11/10/2012» عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن « الطبيعة الغامضة للمعارضة والوجود الزاحف للجهاديين الأجانب من أسباب ضغطهم على الرياض والدوحة»، مضيفة أن: « السعوديين يضغطون الآن على المعارضة السورية المسلحة لتشكيل "جبهة إنقاذ" بقيادة وسيطرة موحدة على الأرض وقدرة على جمع الأسلحة بمجرد انتهاء القتال»، وهو ما اعترف به، لاحقا، المقدم الركن ياسر عبود، قائد العمليات في المنطقة الجنوبية في الجيش الحر، خلال مقابلة مع « الجزيرة نت – 31/10/2012 » حين سئل عن الغاية من توحيد القوى المسلحة فقال بأن: « المطلوب من العسكر الاتفاق ضمن مجالس مناطقية في المحافظات وإيجاد غرفة عمليات موحدة في كل محافظة أي توحيد البندقية في الداخل تحت إطار الحد الأدنى من التوافق والانضباط ... (ولأن) الخارج لا زال خائفا من تفلت عمليات التسلح في الداخل، فهو يريد إطارا واحدا يسلحه ثم يعود السلاح للدولة بعد إسقاط النظام». وحتى مختار لماني، نائب الإبراهيمي لم يخف تذمره، (1/10/2012) من شتات المقاتلين مشيرا إلى أن: « هناك الكثير من أحزاب المعارضة داخل سوريا وخارجها بالإضافة إلى الجماعات المسلحة، مشيرا إلى أن العلاقات بين هذه المجموعات يشوبها الخلاف والاقتتال والاتهامات بالخيانة، واعتبر أن ذلك يعقد المهمة». ولا ريب أن المنطق الأمريكي، على وجه التحديد، بعيدا حتى عن الضغوط العربية، بدا مقنعا لكثير من العسكريين والسياسيين والمدنيين وحتى لبعض المشايخ. والخلاف الوحيد يقع في مستوى خلفية القناعات والأهداف والأجندات. فثمة شريحة من هؤلاء غافلون تماما عن أية حقيقة أو معرفة أو تقييم لحقيقة الثورة أو مكانة سوريا الطائفية في النظام الدولي، لذا فإن القسم الأكبر من هذه الشريحة أحسن الظن في فكرة تشكيل « المجالس العسكرية» اعتقادا منها أن الثورة تتوحد بعد شتات بغيض وغياب للقيادة جعل من فعاليات الثورة خاضعة للاجتهاد والمبادرة الفردية بعيدا عن التخطيط المبدئي، ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي، وشريحة ثانية واهمة وحالمة، يكسوها الغرور والطموح في دور مستقبلي لها في سوريا ما بعد الأسد، باعتقادها القدرة على انتهاز الفرصة والتفاهم مع « المركز» والدخول معه في تبادل مصالح مشتركة إلى حين، وكأن المركز أبلها أو غافلا أو أقل ذكاء منها في التحليل والمراوغات والمكر!!! ومع ذلك فهي تظن أن إسقاط الأسد يكفي، مع علمها اليقين أنه لا يعني بالضرورة إسقاط النظام. هذه الشريحة لا تتحرج من لقاءاتها مع عناصر أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية، وحتى التباهي في الاجتماع بوكلاء الـ CIA. أما الشريحة الثالثة فهي من صنف « إسرائليو الثورات» الذين يحركهم الهوى، فلا تعنيهم عقيدة ولا أمة، ولا يتعظون من أية سوابق لأمثالهم، أو روادع عقدية أو أخلاقية حتى لو تحالفوا مع الشياطين. وغني عن البيان القول بأن أن الشرائح الثلاثة وقعت، كرها أو طوعا، ضحايا لاختبارات أمنية وألغام لا هدف لها إلا إصابة الثورة بأضرار بالغة أو التمهيد لمرحلة« صحوات» دموية قادمة قبل وبعد سقوط الأسد. وإذا ما أوذيت الثورة، لا قدر الله، بقواها وكتائبها ومقاتليها ومجاهديها بفعل هذه التشكيلات، فسيتحمل هؤلاء مسؤولية أخلاقية وتاريخية وعقدية جسيمة. ومن باب التذكير فليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها قوى « المركز» تحقيق اختراقات في الثورة سواء في صلبها أو عبر هوامشها القريبة والبعيدة. ففي 11/8/2012 أُعلن في واشنطن عن تشكيل جماعة سورية معارضة من ستين عضوا باسم « جماعة الدعم السورية»، لجمع التبرعات المالية والعينية، وزعم لؤي السقا، أحد الأعضاء الاثني عشر في مجلس الإدارة، أن الجماعة: « تمثل آلاف المقاتلين في تسع محافظات، وأن هؤلاء الذين يمثلون ما يقارب نصف المقاتلين في الجيش الحر!!!، وأنهم: « وقعوا إعلان مبادئ يدعو إلى دولة ديمقراطية لجميع السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، وترفض المبادئ كذلك الإرهاب والتطرف والقتل بغرض الانتقام»!!! وفي الولايات المتحدة أيضا، وفي ذات السياق من التواصل مع المعارضة أو صناعتها، نقلت وسائل إعلام في 12/8/2012 عن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، بعد لقائها نظيرها التركي، القول: « أنها التقت مجموعة من الناشطين السوريين والخبراء والقانونيين والصحفيين والقيادات الطلابية في محاولة لمعرفة ما يمكن للولايات المتحدة فعله لمساعدتهم». وفي تصريح إذاعي (19/9/2012) أعلن السفير الفرنسي في سوريا إريك شوفالييه، المكلف بالملف السوري عن موقف بلاده بالقول: « نعمل مع المعارضة لمساعدتها على تنظيم نفسها، ولدي تعليمات من رئيس الجمهورية للاتصال بمجمل مكونات المعارضة ومن ضمنها المجموعات المسلحة، ونحن أول دولة تقوم بذلك بهذا الشكل المنظم». أما المستهدف هذه المرة بصورة خطيرة، كما أشرنا، فهم المقاتلون بدايةً وهوية الثورة نهايةً. وقد سبق وأشرنا إلى أن « الجيش الحر» هو راية شعبية بنسبة تزيد عن 85% من القوى المسلحة في سوريا، فيما تتوزع النسبة الباقية على المنشقين من الضباط والجنود. أما الشق الآخر من الثورة فهو ذلك الشق الإسلامي المكون من قوى محلية وأخرى متطوعة من الخارج. ويبقى شق ثالث خفي، لكن نصفه من القوى الجهادية العقدية ونصفه الآخر من قوى تحتفظ بقوتها وعددها وتحشد السلاح دون أن تخوض المعارك استعدادا لقطف الثمار. وهكذا بات جليا أن كل ما يرمي إليه « المركز» من تشكيل المجالس العسكرية» هو تجميع القوى المسلحة في « تشكيلات مستحدثة تحت سلطة قيادة واحدة يمكن أن تكون قريبا بديلة عن « الجيش الحر» بشقيه الشعبي والنظامي .. قيادة تمارس سلطة الرقابة والتحكم والسيطرة والتجنيد. لذا فإن المشهد الأمني في هذه المجالس، والساعي إلى تأسيس قاعدة بيانات واسعة ومفصلة، يبقى حاضرا بقوة عبر الاتصال بتشكيلات القوى المسلحة وطلب بيانات عنها تشمل أعداد المنتسبين لها وأسمائهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم وعدتهم وعتادهم وخلفيتهم المهنية أو العسكرية أو الأيديولوجية أو العقدية وما إلى ذلك من البيانات التي تساعد لاحقا على التتبع والملاحقة وحتى الاعتقال أو التصفية الجسدية إذا لزم الأمر. وبطبيعة الحال سيعمل « المركز»، في مرحلة ما، على تمكين هذه المجالس من امتلاك الأدوات اللازمة للعمل كالشرعية الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية، فضلا عن التمويل والتسليح والإعلام لتحقيق عملية فرز ميداني للقوى المسلحة تستهدف بالدرجة الأساس القوى الإسلامية. ولم يعد غريبا أن تترافق عمليات التشكيل هذه مع حملة إعلامية شرسة استهدفت هذه القوى وكل متطوع راغب بالخدمة المدنية أو القتال بدعوى أن سوريا ليست بحاجة إلى رجال أو، في مستوى أشد، يزعم أن الوافدين تحولوا إلى عبء على الثورة. والمنطق يؤكد بأن المتطوعين لو كانوا عبءً لما كان لهم ذاك التأثير الفارق على مسارات الثورة ميدانيا، ولو كانوا كثرة لما بقيت الثورة تعاني من حالة توازن القوى مع النظام. والحقيقة الثابتة الأولى تؤكد أن الإسلاميين هم القوى الوحيدة التي لم تتذمر أو تطلب تمويلا أو تسليحا من أحد، وبالتالي فهي أولى بالشكوى من أية قوة أخرى، بالنظر إلى توافد متطوعين يعانون من قصور في فهم الجهاد ومتطلباته الشرعية والمادية أو لانعدام أية خبرة لديهم. ولو كانت تعتمد معايير القلة والكثرة لحق لها قبل غيرها أن تندب حظها بالمقارنة مع الآلاف المؤلفة من المسلحين. والحقيقة الثانية أن الحرب على القوى الإسلامية هي حرب إعلامية محضة تديرها وسائل الإعلام وشخصيات معروفة ماضيا وحاضرا بعدائها للقوى الجهادية، وبالتحالف مع قوى وشخصيات سياسية وعسكرية ومنابر إعلامية محلية تتميز غيظا من مجرد ذكر كلمة جهاد!!! والثابت أنه ليس لمثل هذه الهجمات المغرضة علاقة ذات أثر ملموس في الواقع، لاسيما وأنها تتصرف عبثا، وبشكل فاضح، كمن يجهد نفسه بتغطية الشمس بالغربال، بل أن هذه الحقيقة تؤشر على أن القوى الدولية هي التي تقف خلف هذه الحملات التي تستهدف في المستوى الأول وقف تدفق المتطوعين الوافدين، وفي الثاني التمهيد لإحكام إغلاق الحدود، والثالث فرز القوى الإسلامية في الميدان ومحاصرتها، وإذا تطلب الأمر ضربها في مستوى رابع. الحقيقة الثالثة أن القوى الإسلامية كـ « جبهة النصرة» و أحرار الشام» قدمت أداء عسكريا مميزا في ميادين القتال؛ وفَّر لها حاضنة شعبية ومصداقية عالية لدى القوى المسلحة حتى من كتائب وألوية « الجيش الحر». ويشهد الكاتب البريطاني كون كوفلين في مقالة له بصحيفة « الديلي تلغراف – 29/8/2012»: « أن مشاركة تنظيم القاعدة في الصراع الدائر بسوريا مبالغ فيها، ولكن هناك خلايا للقاعدة تحمل أعلاما بيضاء وسوداء وتحارب جنبا إلى جنب على الجبهات إلى جانب الجيش السوري الحر». بل أن شهادة صحيفة « الأبزرفر – 4/11/2012 » كانت أكثر وضوحا في الوقوف على حقيقة أداء القوى الجهادية في مواجهة النظام الطائفي في سوريا حين قالت: « إن دور الجهاديين الأجانب أو من يسمون بالمهاجرين يبقى حيويا وضروريا ومطلوبا، فهم يوجدون في كل جبهة وعلى كامل الاستعداد والجاهزية، وقليل من الهجمات الكبيرة الأخيرة ضد قوات حدثت دون مشاركة فاعلة للجهاديين الأجانب فيها». ولا ريب أن مثل هذه الشهادات، القادمة من عمق ديار « المركز»، بحق القوى الجهادية تشكل إحراجا بليغا لمن يقللون من شأنها أو يعملون على تشويهها بما يخالف الواقع أو يشهدون زورا بنسبتهم لبعضٍ من أكبر العمليات العسكرية التي نفذتها مثلا « جبهة النصرة» ضد رئاسة الأركان وكتيبة الصواريخ للـ الجيش الحر»، علما أن هذا الأخير لم ينسبها لنفسه!!! ثالثا: مسيرة الاختراق 1) المعارضة المسلحة لما تكون الثورة السورية شأن دولي أكثر مما هي شأن محلي فإن القراءة الموضوعية تستدعي من كل مراقب أو دارس لها مراقبة السلوك الدولي وسياساته على كل مستوى بنفس القدر الذي نقرأ به وقائع الثورة أو سلوك النظام الحاكم أو أزيد منه. ولما نتحدث عن « الاختراق» باعتباره حقيقة واقعة وليس مؤامرة متخيلة فلأن وقائعه ليست خفية بقدر ما تعج بها وسائل الإعلام دون حياء أو وجل. لكن مع أن السلاح لـ « المعتدلين» إلا أن الحل سياسي!!! فما الحاجة إذن لـ « البدائل» العسكرية والسياسية الجديدة؟ فقد انطلقت « مسيرة الاختراق» من رحم قوى المعارضة السياسية التي رفضت عسكرة الثورة السورية أياً كان الثمن. واستعملت القوى الاستخبارية العالمية بعض رموز القوى السياسية في الحصول على ما لديها من معلومات. لكنها فشلت في القيام بمهمتها. فلجأت القوى الغربية إلى بعض من كبار الضباط، عبر سلاسل من الاجتماعات التي جرت معهم على انفراد بغية الحصول منها على ما يمكن الحصول عليه من معلومات تفيد في التقييم. ومن الطريف أن القوى الاستخبارية هذه كانت ترسل خبراء متخصصين في جمع المعلومات وليس في تقديم العروض أو المطالب أو فرض الإملاءات التي يتركونها عادة لحلفائهم كي لا تثير الريبة لدى السوريين، مع ذلك فقد منيت هذه المحاولات، إلى حد كبير، بالفشل إلى الحد الذي دفع صحيفة « الواشنطن بوست – 25/7/2012 » الأمريكية أن تتحدث عن « فجوة استخبارية في سوريا» حول هوية القوى العسكرية المقاتلة والنظام السوري. والحقيقة أن القوى الأمنية لـ « المركز» كانت تدرك صعوبة المهمة لثورة مدنية انقلبت إلى ثورة مسلحة بحيث يستحيل الإحاطة بالمشهد الثورة الشعبي المسلح من جميع جوانبه. هذه « الفجوة الأمنية» مثلت أخطر عقبة في وجه القوى الدولية التي وقعت في حيرة من أمرها إزاء البحث عن أنجع السبل في التعامل مع الثورة السورية. كما أنها منعت إمداد الثورة بالسلاح، بل وحاصرتها حتى في ذخيرة البنادق، بدعوى الخشية، في المستوى الأول، من تحول المجتمع السوري إلى « التطرف»، وفي مستوى ثاني بذريعة الخشية من وقوع السلاح بيد جماعات « متطرفة» لم تكن أصلا موجودة، في حين أن المسألة برمتها تتعلق فقط بالحفاظ على أمن النظام. وتبعا لذلك تطورت « مسيرة الاختراق» لتمس الهياكل السياسية والعسكرية على السواء عبر البحث عن قيادات وهياكل بديلة من الداخل تستجيب لاحتياجات « المركز»، وتساهم، بوعي أو بدون وعي، بسد الفجوة المعرفية. إذ أن الثورة السورية تخوض حربا عجيبة يصعب فهمها لاسيما وأنها تفتقد إلى المرجعية والقيادة والإدارة والخبرة والسابقة والأيديولوجية والتنظيم، ولكنها مع ذلك تحقق تقدما مثيرا، سواء من حيث إضعاف النظام وإرهاقه أو من حيث طرده فعليا من مناطق واسعة جدا، رغم كل الدعم الدولي الذي يحظى به فضلا عن الوحشية التي فاقت كل تصور في قمع الثورة والمجتمع وتخريب الدولة وبناها التحتية. ومع أن التجارب السابقة في الاختراق كانت تجري من وراء ستار مع بعض الأفراد أو القوى أو الجماعات إلا أنها في الحالة السورية باتت على كل منبر وفي كل محفل!!! وبالتأكيد لم تكن هي الأولى، تلك المقالة التي كتبها وليم هيغ، وزير الخارجية البريطانية، في صحيفة « التايمز – 10/8/2012، وقال فيها: « أن بلاده ستواصل العمل مع المعارضة السورية وخصوصا مع ممثلي الجيش الحر لتأمين استعدادهم للسقوط الحتمي للأسد». فقد سبقها اعترافات أمريكية وبريطانية عن وحدات استخبارية تنشط في سوريا. أما المجالس العسكرية بدأت في الظهور إعلاميا في أواخر شهر أيار / مايو عبر تصريحات لقادة عسكرين منشقين في الداخل. ففي تصريحات لصحيفة « الشرق الأوسط - 27/5/2012» قال العقيد الركن أحمد فهد النعمة، قائد المجلس العسكري في محافظة درعا،: « قمنا بتشكيل مجالس عسكرية في مختلف المحافظات وهي متواصلة من خلال المكاتب الإعلامية التابعة للمجالس العسكرية وهناك تواصل بين قادة المجالس ومع قيادة الجيش السوري الحر بشكل يومي ومستمر بغية التوصل إلى العمل المؤسساتي المنظم والهادف والذي يوازي المعايير الدولية». وفي مقابلة مع صحيفة « الغارديان 2/6/2012 » البريطانية أكد العقيد الطيار الركن قاسم سعد الدين، الناطق الرسمي باسم القيادة المشتركة لـ « الجيش الحر» بالداخل أن: « ثمة تنظيما أكثر وضوحا الآن مع تشكيل عشرة مجالس عسكرية إقليمية تتبعها كتائب محلية وفرق قتالية، وكلها لديها فروع إدارية تتعاطى مع التمويل والتزويد بالأسلحة والمساعدات الإنسانية». كانت هذه التشكيلات حاضرة في لقاءات الدوحة، الساعية إلى إيجاد هياكل سياسية وعسكرية جديدة، حتى تم الإعلان في 16/10/2012، عن: « اتفاق عشرات المعارضين السوريين، ومنهم قادة الجيش السوري الحر، باجتماع داخل سوريا عقد في 14/10/2012، على تشكيل قيادة مشتركة بهدف تحسين التنسيق العسكري بين المقاتلين وخلق قيادة واحدة يأملون أن تكون القوى الخارجية مستعدة لتزويدها بأسلحة أقوى». « قيادة واحدة»! لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعيدا عنها، وهو يخوض آخر مناظرة طاحنة له مع خصمه في الانتخابات الرئاسية مت رومني (23/10/2012)، حيث كانت الثورة السورية حاضرة بقوة في العاصفة. وخلال المناظرة كان أوباما صريحا للغاية وهو يقول: « إننا نساعد المعارضة على تنظيم صفوفها ونحرص بصورة خاصة على التثبت من أنهم يعملون على تعبئة القوى المعتدلة في سوريا .. نتثبت من أن الذين نساعدهم هم الذين سيكونون أصدقاء لنا على المدى البعيد وأصدقاء لحلفائنا في المنطقة على المدى البعيد .. فالثوار الذين يصبحون مسلحين هم الأشخاص الذين سيصبحون الأطراف المسؤولة، علينا التصرف بحيث نكون واثقين ممن نساعد، وأننا لا نضع أسلحة بأيدي أشخاص قد يوجهونها في نهاية المطاف ضدنا، أو ضد حلفائنا بالمنطقة» .. ولأن أوباما ليس وحده من يؤمن بهذا التحرك؛ فقد دعا: « للعمل مع شركائنا وبمواردنا الخاصة لتحديد أطراف مسؤولة داخل سوريا، وتنظيمها وجمعها معا في مجلس يمكنه تولي القيادة بسوريا، والتثبت من امتلاكهم الأسلحة الضرورية للدفاع عن أنفسهم». بالتأكيد لن تنعم « المجالس العسكرية» بالمن والسلوى قبل أن تخضع لاختبارات فعلية على الأرض تثبت أنها قادرة على أداء المهمات المطلوبة منها. لكنها قد تتلقى مبدئيا بعض المال مصحوبا بغض الطرف عن تدفق محسوب للسلاح، كما ونوعا، كطعوم تساهم في بناء الثقة والمصداقية بحيث يمكنها إغراء القوى المسلحة على الانضواء تحت سلطتها. وما أن تقوى شوكتها حتى تصبح رهينة التوجيهات المذلة والشديدة الخطورة. إذ لا توجد أية ضمانات متخيلة تحمي هذه المجالس من سطوة القوى الدولية. وستفاجأ بأنها ملزمة بتلقي الإمدادات المالية والعسكرية، إنْ حصلت فعلا أو مبدئيا، من جهة أو جهات بعينها. وهو ما يعني أن خطوط إمدادها التقليدية ستنقطع بحيث تصبح تحت رحمة القوى الدولية. أما أولئك الذين سيمتنعون عن الانضواء تحت سلطة هذه المجالس، ومن بينهم أولئك الذين تصفهم صحيفة « الواشنطن تايمز – 7/11/2012 » بـ « السيئين»، أي الذين يعارضون السياسات الأمريكية أو يحملون الفكر الإسلامي فضلا عن القوى الجهادية المنظمة، فسيتعرضون بدورهم لحصار خانق وحملات تشويه إعلامية وربما حرب استئصالية ضدهم حتى قبل إسقاط الأسد. لكن ماذا عن حال المعارضة السياسية؟ هل سيكون أفضل من قرينتها العسكرية؟ لنرى. |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل الاختراق (11) د. أكرم حجازي 18/11/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...859290206f.jpg الاختراق هو (1) إقرار بوجود جسم صلب، و (2) تعبير عن الحاجة إلى نافذة تسمح بالولوج إليه، بغية إضعافه أو احتوائه أو السيطرة عليه أو التحكم به أو إتلافه بشكل تام. هذا هو ما تتعرض له الثورة السورية، منذ انطلاقتها. وتبعا لذلك فإن كل المستويات العسكرية والأمنية والإنسانية والعقدية والقيمية والاجتماعية والاقتصادية ... باتت عرضة للاستهداف والمطاردة عبر المبادرات السياسية أو الإغراءات العسكرية والأفخاخ الأمنية أو العروض المالية أو الإنسانية ... . لا أحد يختلف، إلا من أبى، على أن الثورة السورية أصابت الجميع بصداع مزمن يهدد، لأول مرة، بإصابة النظام الدولي بخطر التفكك. وفي السياق ليس مهما ما يحتاجه السوريون أو يفكرون به .. وليس مهما أن تتفتت سوريا وتُدمَّر على مرآى العين ومسمع الأذن .. وليس مهما أن يغدو الجسد السوري موضعا لأوحش مشاهد التمزيق والتعذيب والقتل والردع .. ذلك أن المهم الوحيد اليوم ألا ينجح السوريون، ومن ورائهم العرب والمسلمون، في خلع المربط الطائفي الدولي من موضعه، لأن النجاح سيعني أن المربط اليهودي هو الهدف التالي قطعا .. وأن خلعه يعني بلا مواربة انزواء الحضارة الغربية .. وهذا ليس قولنا بل قول أهل المركز بلسان قادته. ومن لم يصدق أو يتعامى أو يعبث بالحقائق فليتابع ويتأمل ما سيلي!!! ففي مقالة له في صحيفة «التايمز» البريطانية، سبقت الثورات العربية، (17/6/2010)، قال رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسيه ماريا أزنار، أن: « إسرائيل هي خط دفاعنا الأول في منطقة مضطربة تواجه باستمرار خطر الانزلاق إلى الفوضى، ومنطقة حيوية لأمن الطاقة لدينا بسبب الاعتماد المفرط على النفط الموجود في الشرق الأوسط، والمنطقة التي تشكل خط الجبهة في الحرب ضد التطرف، فإن سقطت فسنسقط معها ... إسرائيل هي جزء أساسي من الغرب وما هو عليه بفضل جذوره اليهودية / المسيحية، ففي حال تم نزع العنصر اليهودي من تلك الجذور وفقدان إسرائيل، فسنضيع نحن أيضاً وسيكون مصيرنا متشابكاً وبشكل لا ينفصم سواء أحببنا ذلك أم لا». سبق للرئيس السوري بشار الأسد، حين سئل بعد الثورة التونسية والمصرية، عما إذا كان من الممكن أن تندلع ثورة في بلاده فأجاب بالنفي، مشيرا إلى أن « سوريا مختلفة»!!! ولما وقعت الثورة هدد بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»، وفي مقابلة عاصفة مع صحيفة « الصندي التلغراف – 30/10/2011 » البريطانية، ذكّر الأسد « المركز» بالواقع الذي لم يختلف عليه أحد منذ أن تم اختيار الطائفة « النصيرية» لتكون الأمينة على النظام الدولي وأمن المنطقة، فقال: « إن سوريا اليوم هي مركز المنطقة .. سوريا مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف .. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال، .. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟ .. أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها .. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا، فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها ... ». ذات الأمر كرره مؤخرا في حديث خاص لقناة « روسيا اليوم» نشرت مقتطفات منه في 8/11/2012، حيث حدد الأسد مكانة سوريا، أو بتعبير أدق الطائفة النصيرية، في النظام الدولي قائلا: « أعتقد بأن كلفة الغزو الأجنبي لسوريا، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، لأنه إذا كانت هناك مشاكل في سوريا، خصوصا وأننا المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة، فإن ذلك سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي .. لا أعتقد بأن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكنه إذا فعل فلن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك». لغة صريحة وبليغة في توصيف الأسد لنظامه باعتباره خط الدفاع الأول والأخير عن « إسرائيل» وعن النظام الدولي .. لغة سبق وأثنت عليها صحيفة « هآرتس»، حين وصفت الأسد، أوائل انطلاقة الثورة، بـ « ملك ملوك إسرائيل»، أو حين اعترف رافي نوي، العميد الاحتياطي بالجيش الإسرائيلي، في مقال له بصحيفة « معاريف» بأن: « مصلحة إسرائيل هي أن يبقى الحكم العلوي في دمشق». لكن المرارة لم تفارق إيهود باراك، وزير الدفاع، وهو يرى: « النظام يتفكك بصورة مؤلمة» أو حين يطلق نتنياهو، رئيس الحكومة، صيحة فزع (14/11/2012) من أن: « النظام السوري يتفكك إلى قوى جديدة، وأن عناصر أكثر تطرفا ضد إسرائيل، تابعة للجهاد العالمي، باتت تترسخ على الأرض، ونحن نستعد للتعامل مع ذلك». ولمن راقب صيحات الفزع « الإسرائيلي»، منذ بدء الثورة السورية، سيصاب بالدهشة. فهم مصابون بالرعب من جماعات إسلامية وطنية يشنون عليها حربا وحشية في غزة .. فكلها بالنسبة لهم منظمات إرهابية حتى لو كانت ملحدة!!! فكيف بحال « إسرائيل» إذا تعلق الأمر بجماعات إسلامية أو بثورة اجتماعية مميزة تهدد مجمل النظام الدولي؟ يقول بيني غانتس، رئيس أركان الجيش « الإسرائيلي»، لدى استقباله جنودا بمناسبة عيد « العُرش اليهودي – 4/10/2012»، إن الرئيس السوري: « يذبح شعبه ويفقد السيطرة في المكان الذي سيشكل في نهاية المطاف مخزن أسلحة في متناول أيدي جميع المنظمات الإرهابية». ويحذر من: « أن المنظمات الإرهابية، وبينها منظمات جهاد عالمي، أخذت تستقر في المنطقة»، مشيرا إلى أن: « إسرائيل ستواجه في سوريا وهضبة الجولان إما تهديداً عسكرياً عادياً إذا صمد النظام، أو تهديداً إرهابياً متصاعداً مع قدرة على الحصول على أسلحة بكميات كبيرة». وتنقل وكالة « يو بي آي – 11/10/2012» عن « إذاعة الجيش» تحذيرات ومخاوف عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية الأمنية بوزارة الدفاع « الإسرائيلية»، من عواقب سقوط نظام الرئيس السوري. فيقول: « لست متأكدا من أنه سيكون في سوريا نظام ديمقراطي كما نأمل»!!! .. طبعا هو يقصد ديمقراطية الأقليات والملحدين واللبراليين وأرباب « المركز». ثم يتابع: « أخشى أن الأسد سيبقى بالحكم بضعة شهور، وربما سنة أو سنتين، لكن في نهاية المطاف ثمة إمكانية بأن تتحول سوريا إلى كيان تسوده الفوضى، ولن يكون هناك عنوان للتحدث معه». هكذا .. وبدون لف أو دوران؛ فإن المرابط الدولية الثلاثة في المنطقة، تضطلع بمهمة واحدة، تتمثل بالحفاظ على النظام الدولي بالصيغة التي استقر عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وبما يضمن بقاء « العلمانية» ( بديلا عن الإسلام) و « الاستقرار» ( الأمن الدولي) و « التعايش» ( أمن إسرائيل). ولأنه لا بديل عن المربط الطائفي حتى الآن، لحماية المرابط الأخرى، إلا الطائفة النصيرية نفسها، فمن الطبيعي أن تتجه كافة التدخلات الدولية والإقليمية نحو تحقيق اختراق في عمق الثورة السورية. هكذا؛ وبقطع النظر عن أية معايير أو خلفيات قيمية أو أخلاقية أو تباينات في موقف هذا الطرف بالمقارنة مع ذاك، مما يتصل بدعاوى حسن الظن وما إلى ذلك، فإن مبادرة الأخضر الإبراهيمي واجتماعات المعارضة السورية في العاصمة القطرية – الدوحة ( 4 – 8/11/2012) مثلتا أخطر محاولتين في هذا السياق. وكالعادة سنجتهد في حشد أكبر قدر ممكن من التصريحات الموثقة لأصحاب الشأن كي تكون منارة يهتدي به من ضل السبيل. أولا: مبادرة الإبراهيمي ما من مبادرة اتسمت بالغموض الشديد والعجب كما اتسمت به مبادرة الإبراهيمي. فعلى امتداد أسابيع طويلة، من الجولات الماراثونية بين العواصم الدولية واللقاءات والتصريحات، حرص الإبراهيمي منذ اللحظة الأولى على التكتم الشديد على « خطته» في احتواء الثورة السورية، وخاض صراعا إعلاميا مكشوفا، وحادا، مع بعض وسائل الإعلام على خلفية تصريحات نسبت إليه ونفاها، بغضب، جملة وتفصيلا. ولعل أغرب ما في مبادرة الإبراهيمي ذلك الحرص الشديد منه ومن القوى الدولية على « فكرة» غياب أي « خطة» له .. وادعائه، كلما سئل عن ذلك، بأنه بصدد استطلاع المواقف وإجراء مناقشات مع الأطراف المعنية أو تقديم أو تلقي « مقترحات» و « أفكار» تمهيدا منه لبناء تصور عن الأزمة أو « خطة متكاملة» كما يقول!!! ولسنا ندري كيف يمكن لشخصية دولية متمرسة في العمل الدبلوماسي كالأخضر الإبراهيمي لا تمتلك أية تصورات عن حقيقة ما يجري في سوريا أو حقيقة المواقف الإقليمية والدولية. ولعل الحقيقة الثابتة لدينا أننا لم نقع على « زلات» للإبراهيمي في الفترة الواقعة بين تعيينه مبعوثا دوليا (17/8/2012 ) خلفا لسلفه كوفي أنان، واقتراحه لـ « هدنة» الأيام الأربعة خلال عيد الأضحى المبارك. وفي غياب هذه « الزلات»، التي تسمح بالتتبع والتحليل والربط بين الأحداث والمواقف، يصعب القول أن ما فعله الإبراهيمي كان مبادرة بقدر ما كان محاولة اختراق بالغة الدهاء. فما الذي أراده الإبراهيمي من هدنة يقل عدد أيامها عن عدد أصابع اليد الواحدة؟ .. « هدنة» من المستحيل أن تنجح وسط ركام هائل من الدمار وإرث عظيم من الوحشية وصدور فاضت قهرا وغيظا .. « هدنة» أقرب إلى الاستفزاز والاستغفال والاستهتار بعشرات آلاف من المفقودين والجثث المستوطنة تحت ملايين الأطنان من ركام البراميل المتفجرة .. « هدنة» استهدفت البحث عن التزام كل فرد من القتلة والضحايا!!! باختصار: ما الذي أراده الإبراهيمي من هدنته؟ وكيف أدار مبادرته الهلامية؟ كانت الانطلاقة من السؤال « ما البديل عن النظام»؟ ذلك السؤال المركزي الذي فرضته الثورة السورية على القوى الدولية والإقليمية والطائفية، وهو الذي يمكن أن يفسر إلى حد كبير النشاط المحموم الذي بذله الإبراهيمي، منذ تعيينه في إدارة ما فضل الجميع تسميته بـ « الأزمة السورية»!!! فالسؤال هو انعكاس استراتيجي وتاريخي لوظيفة سوريا « النصيرية» في الحفاظ على أمن النظام الدولي واستقراره عبر التحكم (بـ ) والسيطرة (على) القوى الوطنية أو المتمردة على « إسرائيل» والنظام الدولي، الذي مزق العالم الإسلامي وفي القلب منه العالم العربي. لذا فهو سؤال دولي وعربي وإيراني و « إسرائيلي» وتركي وطائفي. وتبعا لذلك لم يخرج الإبراهيمي في تقييمه لـ « الأزمة السورية» عن أي تقييم سابق، سواء كان دوليا أو إقليميا أو طائفيا. لكن الإبراهيمي التزم مبدئيا في مؤتمر صحفي (24/9/2012) في أعقاب عرض قدمه أمام مجلس الأمن عن اتصالاته بدول المنطقة، وبصريح العبارة، بالتأكيد على أنه: « لا يمتلك خطة واضحة حتى الآن بل مجموعة أفكار»، وأن خطة « النقاط الست» التي تبناها المبعوث السابق كوفي أنان بالإضافة إلى مقررات « إعلان جنيف»، التي يتمسك بها الروس بأظافرهم وأسنانهم، ستشكل « عناصر» ضمن خطة عمله، وهو ما أكده الروس أنفسهم، لاحقا، عبر تصريحات أدلى بها ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، في 16/10/2012 تقول بأن: « الإبراهيمي ليس لديه بعد خطة لحل الأزمة السورية، وإن موسكو مستعدة لتقديم مقترحاتها بهذا الشأن له». لذا فقد وجدت « أفكار» الإبراهيمي استجابة ودعما من جميع القوى دون أن تلتزم بأي مشروع للحل، ودون أن يضطر الإبراهيمي إلى تحمل تبعات الفشل، كما قال ريتشر غوان من جامعة نيويورك (28/10/2012)، بعد فشل الهدنة: « إن الإبراهيمي لم يزعم مطلقا أن هناك فرصة كبيرة لنجاح وقف إطلاق النار»، معتبرا أن الدبلوماسيين في الأمم المتحدة « لن يحملوه تبعية هذا الفشل». ففي مؤتمر صحفي، عقده عقب زيارة قصيرة إلى لبنان (17/10/2012) وعشية الهدنة الفاشلة، قال الإبراهيمي: « على دول الجوار السوري أن تدرك أن الأزمة لن تبقى في الداخل السوري إلى الأبد, وإنها باتت تهدد بالانتشار لتأكل الأخضر واليابس، وهو ما يحتم البحث عن مخرج لإخراج سوريا من أزمتها». وفي 5/11/2012 شدد الإبراهيمي بالقول أنه: « لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن الحل الوحيد هو إيجاد عملية سياسية يتفق عليها الجميع، أو أن المستقبل سيكون سيئا للغاية، وستتدفق الأزمة على دول الجوار وحتى إلى دول بعيدة عن المنطقة». ولتجنب الانهيار « اقترح» الإبراهيمي « فكرة» أن يقدم كل صاحب شأن « أفكاره» و « مقترحاته» وإجاباته على السؤال: « ما البديل»؟ على قاعدة (1) « وقف العنف المتبادل» و (2) عبر صيغة « الحل السياسي مع النظام»، دون الاقتراب من الأسد من حيث بقائه أو رحيله، وبما يحقق (1) مصلحة كل طرف، و (2) يؤدي إلى « التغيير»، وبـ (3) موافقة جميع الأطراف. وبموجب ذلك يقدم أطراف « المركز» أفكارهم على قدم المساواة مع « أفكار» إيران والعرب وحتى اليهود والطائفة النصيرية. هكذا وفرت المبادرة غطاء للأفاعي السابتة كي تغادر أوكارها بحثا عن الفرائس. فاختبرت كافة السيناريوهات التي يمكن التعامل معها. واستطاع الروس والأمريكيون إدارة الاختبارات إعلاميا وسياسيا بصورة مبهرة. وفي تصريح له لوكالة الأنباء الروسية « نوفوستي – 3/9/2012»، قال وزير الخارجية، سيرغي لافروف: [ « إن روسيا والولايات المتحدة تصبوان إلى تحقيق الهدف الواحد في سورية، وهو أن « تتحول سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي يمارسه السوريون بأنفسهم في حين تحترم جميع الدول الأخرى سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها»، ولكن تختلفان على كيفية تحقيق هذا الهدف» ]. لكن هذا الاختلاف لا يتعلق في واقع الأمر بطريقة تنحية الأسد بقدر ما يتصل الأمر في الصراع على النفوذ الذي تخوضه روسيا ضد الغرب. ولقد كان لافروف صريحا في ذات التصريح، لمن لا يريد أن يعقل الحقائق بلسان أهلها، حين قال: « من الواضح أن تواجدنا الإنساني في العالم لا يساوي قدراتنا ونحن نلاحظ هذا بسهولة .. إننا نستعيد بشكل واسع مواقعنا التي خسرناها في تسعينات القرن السابق، ونحن متخلفون جداً عن اللاعبين الدوليين في هذه المنطقة مثل الفرنكوفونيين، ومعهد جوته». كما أن الروس قالوا بصراحة في 6/9/2012، بلسان الرئيس بوتين،: « نحن نفهم جيدا ضرورة التغيير ... لكن ليس التغيير الدموي» .. عبارة تَحصَّن بها الإبراهيمي وطار فيها إلى سوريا ليقول للأسد في أول اجتماع له به: « الشعب السوري يريد التغيير الشامل ولن يكتفي بمصطلحات الإصلاح خصوصًا بعد كل ما مر عليه من مآس ومحن وقتلى وجرحى ومشوهين ومعتقلين ومهجرين». هذا ما نقلته صحيفة الرأي في24/9/2012. والحق أن الإبراهيمي، وتحت السقف إياه، انتزع من الرئيس السوري « فكرة الرحيل» ولو تحت غطاء وهمي أطلق عليه الانتخابات!!! فحين سئل عن لقائه بالأسد في 21/10/2012 أجاب: « لن أتكلم عما دار بيني وبين الرئيس من حديث، تكلمنا بهذا الموضوع (هدنة العيد)، وأعتقد أنه فاهم القصد من كلامنا، وهو وحكومته سيقولون رأيهم بهذه الفكرة». أما مقاصد الرئيس التي أخفاها الإبراهيمي فليست، على الأرجح، إلا تلك التي أفصح عنها ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، في تصريحات سابقة أدلى بها لصحيفة « لوفيغارو» الفرنسية (10/9/2012)، وقال فيها: « إن الأسد أبلغنا بنفسه، لكني لا أعرف إلى أي مدى هو صادق في ذلك، لكنه أبلغنا بوضوح أنه إذا لم يكن الشعب يريده؛ وإذا اختاروا زعيما آخر في انتخابات؛ فإنه سيرحل». وقد تبدو مثل هذه التصريحات متناقضة مع ما أدلى به لافروف عقب لقائه مع نظيره الأردني ناصر جودة حين اعتبر بأن: « مَن يريد تغيير نظام الرئيس الأسد فإنه يسعى إلى إكمال حمام الدم». لكنه في الواقع تصريح بالغ الدقة والصراحة. فالروس يتحدثون عن تغيير الأسد وليس عن تغيير النظام. وهم متفقون مع الغرب على بقاء النظام لكنهم لا يختلفون على تغيير الأسد إلا بالطريقة كما يقول لافروف، فضلا عن سعيهم الجوهري لكسب أكثر ما يمكن كسبه قبل التضحية بالأسد. ومن جهتها سعت إيران نحو العراق بخطىً حثيثة لتثبيت ما تراه حقوقا لها أو بدائل مرضية في حالة رحيل الرئيس السوري. وقبل لقائه بالإبراهيمي قدم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد معادلة إيران للحل في 3/10/2012. فمن جهة قَبِلَ التقييم الدولي للأزمة السورية، مشيرا إلى أن: « كل القوى العالمية التي انخرطت في الأزمة السورية ارتكبت أخطاء، ومحذرا في الوقت نفسه من أن الأزمة السورية ستمتد إلى دول أخرى في المنطقة إذا لم تحل». ومن جهة أخرى طالب باستحقاقات إيرانية للحل بالقول: « كل الشعب السوري محترم، ولكن البعض يريدون تصفية الحسابات مع إيران». وفي 15/10/2012 حل الإبراهيمي ضيفا على بني فارس. وهناك التقى الرئيس وكذا وزير خارجيته علي أكبر صالحي ومستشار الأمن القومي سعيد جاليلي. وأعلن صالحي أن إيران سلمت الإبراهيمي « مقترحات خطية غير رسمية» لتسوية الأزمة, دون أن يكشف عن فحواها، وأن المقترحات سُلمت أيضا إلى السعودية وتركيا ومصر!!! لكن كل ما رشح عن اللقاءات، في حينه، هو دعم إيران للحل السياسي، مع التشديد على ضرورة وقف العنف، قبل اتخاذ أي إجراءات في الميدان. أما الإبراهيمي فعلق على المقترحات بالقول: « إن الأفكار أو المقترحات الإيرانية ستضاف إلى مقترحات قدمتها دول أخرى من أجل الخروج بخطة متكاملة». لكن لم يمض يوم واحد على اللقاءات حتى طار وزير الدفاع الإيراني إلى العراق ( 16/10/2012) في أول زيارة له منذ احتلال البلاد سنة 2003 استهدفت توقيع اتفاق أمني مع الحكومة العراقية التي حولت العراق فعليا إلى محافظة تابعة لإيران خاصة بعد سيطرتها على البنك المركزي. ويبدو أن الإيرانيين رؤوا في مبادرة الإبراهيمي فرصة لإحياء فكرة البديل عن سوريا، التي سبق وطرحها مقتدى الصدر عشية الانسحاب الأمريكي من العراق وأوائل انطلاقة الثورة السورية. وبدا أن زيارة وزير الدفاع الإيراني تحاول صياغة معادلة من نوع: إذا كان هناك من يسعى إلى تصفية الحساب مع إيران في سوريا فالإيرانيون أيضا على استعداد لتصفية الحساب معهم في العراق. لم ينكر علي شاكر شبر، النائب عن التحالف الوطني في العراق، خفايا التحرك الإيراني المباغت دبلوماسيا حين علق على الزيارة بالقول: « إن العلاقات بين العراق وإيران علاقات طيبة ومتطورة، وتأخذ مديات أوسع منذ عام 2003 ولحد الآن، ولأن المنطقة تمر بحالة قلقة وغير مستقرة فمن الضروري أن تكون هناك اتفاقيات أمنية، سواء مع إيران أو غيرها من دول الجوار». ومن جهته فسر النائب أحمد العلواني، عن القائمة العراقية، تصريحات غريمه بالقول: « إن الاتفاقية الأمنية التي تسعى إيران لإبرامها مع العراق تتعلق بتخوفها من تداعيات الأزمة السورية وانهيار نظام بشار الأسد، ولإيجاد ساحة أخرى تكون بديلاً عن سوريا، معتبرا أن زيارة وزير الدفاع الإيراني المفاجئة للعراق ترتبط بهذا الموضوع». ومحذرا من أن: « الاتفاقية ستقود إلى تسليم البلد إلى إيران ويكون الملف الأمني بيدها كاملاً. أما أحمد الأبيض، المحلل السياسي العراقي، فقد ذهب، كالكثيرين، أبعد من ذلك حين ربط بين: « زيارة وزير الدفاع الإيراني التي استبقت بيومين زيارة رئيس الحكومة نوري المالكي إلى روسيا»، مشيرا إلى أنها: « تعطي دلالات بأن موسكو وطهران تسعيان لسحب العراق إلى محور الدعم الروسي الإيراني لسوريا، وهذا ما يراه الكثير من المهتمين بالشأن العراقي والسوري». هكذا، وبعد أن ضمن العراق بديلا عن سوريا، جرى تمهيد الطريق أمام أحمدي نجاد كي يتوقف عن إطلاق التهديدات، ويعلن من الكويت، خلال مشاركته في قمة آسيوية – 17/10/2012، عن دبلوماسية ناعمة تقضي بدعم بلاده لـ: « فكرة وقف إطلاق النار في سوريا»، وليؤكد في الوقت نفسه على أن: « الحرب لا يمكن أن تكون حلا مناسبا، وأن أي جماعة تحصل على السلطة من خلال الحرب؛ وتهدف للاستمرار فيها ليس لها مستقبل» .. بل أنه كرر ما أفشاه بوغدانونف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن تنحي الأسد عبر صندوق الاقتراع، مشيرا إلى أن: « وقف إطلاق النار والمفاوضات بشأن انتخابات حرة هو من وجهة نظري الطريق الصحيح إلى الحل»!!! .. هذه هي إيران التي لم تترك بلدا إسلاميا إلا وأنشأت فيه طابورا خامسا وأغرقته بالأسلحة والفتن والحروب باتت تنبذ الحروب وتتحدث فجأة عن حلول سياسية وديمقراطية وطرق صحيحة!!! ثانيا: آلية الاختراق وعناصره وفي الوقت الذي كانت تخضع فيه مختلف القوى الإقليمية والدولية لعمليات اختبار حاسمة، عبر مبادرة الإبراهيمي، كانت القوى المقاتلة في الثورة السورية تتعرض، هي الأخرى، لأقسى عملية اختبار أمني وعسكري منذ انطلاقة الثورة. إذ أن القوى الوحيدة التي يصعب اختبارها، وتحتاج إلى الترويض والاحتواء هي القوى المسلحة التي تمسك بالأرض وتخوض القتال. وكان الطُّعم الذي ألقي على العسكر هو تسليح الثورة، ومن الطريف أنه ذات الطُّعم الذي سبق وألقي على قوى المعارضة السياسية ولمّا تزل حتى هذه اللحظة. لكنه بالقطع ذو وقع مميز حين يكون العسكر هم الأداة التي تلتقطه فيما الثورة هي الهدف الذي يدفع ثمن مرارته. من المعلوم جيدا أن « المركز، بشقيه الغربي والشرقي، وعبر آلية التسلح، يتحكم في اندلاع الحروب وإطفائها مثلما يتحكم في تحديد هوية المنتصر من المنهزم، وكذا في استمرار الحروب دون السماح لأي طرف بتحقيق انتصار حاسم على الطرف الآخر، وأخيرا التحكم بحالة اللاحرب واللاسلم الدائمين. ومن المعلوم أيضا أن تدفق الأسلحة باتجاه النظام السوري لم ينقطع، في حين يجري التحكم بها بشدة فيما يتعلق بالثورة السورية. فتارة تتدفق وفقا لمعايير كمية ونوعية وتارة تختفي حتى الذخائر .. الأمر الذي أصاب المقاتلين بالكثير من القهر والمرارة مما اعتبروه سياسات عدوانية وشريرة كونها تتعمد منع المقاتلين من إحداث فوارق حاسمة في الصراع مع النظام. بل أن أحد قادة المقاتلين علق على هذه السياسية بمحتوى مفجع ومرير حين قال لصحيفة « الغارديان – 10/11/2012» إنهم: « يعطوننا ما يكفي لمواصلة القتال لكن ليس ما يكفي لكسبه. وأنا متأكد أن هذا الوضع لن يتغير حتى بعد الانتخابات الأميركية. وغير متأكد من أن كل امرئ يستطيع أن يبقى على قيد الحياة حتى هذا الوقت». والثابت أن الثوار شعروا مبكرا جدا بهذه السياسات الدولية حتى قبل « الغارديان»، وقبل أن يتحدث أحد عن الخشية من تحول سوريا إلى ملاذ للقوى الإسلامية أو « جماعات الجهاد العالمي»، بل قبل أن تتجه الثورة السورية نحو العسكرة. لكن نمو العامل الإسلامي في الثورة عزز التذرع بعدم التسليح، في حين أن المشكلة تتصل بالدرجة الأساس بافتقاد « المركز» للبديل عن الطائفة الحاكمة في سوريا، وبالتالي غياب أي حل سياسي، والاكتفاء بإدارة الأزمة على أمل أن يتمكن النظام من القضاء عليها أو احتوائها أو انزوائها تحت ضغط آلة عسكرية شديدة التوحش والإجرام، ومحصنة برعاية دولية وأغطية سياسية وأمنية وزمنية مفتوحة. المشكلة التي تواجه « المركز» اليوم تتطلب أجوبة على استيعاب ثورة مدنية انقلبت إلى ثورة مسلحة يصعب السيطرة عليها. وكنا قد أشرنا إلى هذا الأمر في حلقات سابقة من السلسلة قبل أن يكتب بنجامين هال، كنموذج، مقالته في صحيفة « نيويورك تايمز – 19/10/2012» واصفا الثوار باعتبارهم: « مجموعات مختلفة ومشتتة لا يربط بينها رابط تنظيمي أو قيادة موحدة، ومن مشارب فكرية متنوعة، وتستولي كل واحدة منها على شارع أو شارعين بالمدينة ولا تتوفر الثقة بينها». لينتهي بتوصية تفيد بأنه: « سيكون من الخطأ أن تسلح أميركا وأوروبا الثوار بالأسلحة أو أن تتدخل على الأرض». لكننا نبهنا في مواضع سابقة من السلسلة أن قوة الثورة في الوقت الراهن تكمن في شتاتها باعتباره تعبيرا عن حالة اجتماعية شاملة، وفعالة وعصية على الاختراق مع تداعي الأعداء والخصوم عليها. لكن في هذه النقطة بالضبط تدخل « المركز» ومخططيه الاستراتيجيين وحلفائه وأجهزتهم الأمنية والإعلامية عبر الدعوة إلى توحيد القوى المسلحة في إطار ما أسمي بـ « المجالس العسكرية» .. وتحت شعار « لا سلاح بلا قيادة موحدة»!!! وتوثيقا لـ « الشعار» كشفت صحيفة « إندبندنت – 1/10/2012» البريطانية: « إن مزودي الأسلحة من القطريين والأتراك أبلغوا ممثلي المعارضة، أثناء نقاشات عالية المستوى، أن الأسلحة الثقيلة لن تتاح لهم حتى تتفق الفصائل المختلفة على تشكيل هيكل قيادة متماسك، وأن مخزونات من الأسلحة ... موجودة في تركيا لكي يستخدمها ثوار سوريا في الحرب الدائرة هناك، لكن توزيعها متوقف بسبب الشقاق والتنازع بين المجموعات المختلفة من المقاتلين». ونقلت صحيفة « الغارديان – 11/10/2012» عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن « الطبيعة الغامضة للمعارضة والوجود الزاحف للجهاديين الأجانب من أسباب ضغطهم على الرياض والدوحة»، مضيفة أن: « السعوديين يضغطون الآن على المعارضة السورية المسلحة لتشكيل "جبهة إنقاذ" بقيادة وسيطرة موحدة على الأرض وقدرة على جمع الأسلحة بمجرد انتهاء القتال»، وهو ما اعترف به، لاحقا، المقدم الركن ياسر عبود، قائد العمليات في المنطقة الجنوبية في الجيش الحر، خلال مقابلة مع « الجزيرة نت – 31/10/2012 » حين سئل عن الغاية من توحيد القوى المسلحة فقال بأن: « المطلوب من العسكر الاتفاق ضمن مجالس مناطقية في المحافظات وإيجاد غرفة عمليات موحدة في كل محافظة أي توحيد البندقية في الداخل تحت إطار الحد الأدنى من التوافق والانضباط ... (ولأن) الخارج لا زال خائفا من تفلت عمليات التسلح في الداخل، فهو يريد إطارا واحدا يسلحه ثم يعود السلاح للدولة بعد إسقاط النظام». وحتى مختار لماني، نائب الإبراهيمي لم يخف تذمره، (1/10/2012) من شتات المقاتلين مشيرا إلى أن: « هناك الكثير من أحزاب المعارضة داخل سوريا وخارجها بالإضافة إلى الجماعات المسلحة، مشيرا إلى أن العلاقات بين هذه المجموعات يشوبها الخلاف والاقتتال والاتهامات بالخيانة، واعتبر أن ذلك يعقد المهمة». ولا ريب أن المنطق الأمريكي، على وجه التحديد، بعيدا حتى عن الضغوط العربية، بدا مقنعا لكثير من العسكريين والسياسيين والمدنيين وحتى لبعض المشايخ. والخلاف الوحيد يقع في مستوى خلفية القناعات والأهداف والأجندات. فثمة شريحة من هؤلاء غافلون تماما عن أية حقيقة أو معرفة أو تقييم لحقيقة الثورة أو مكانة سوريا الطائفية في النظام الدولي، لذا فإن القسم الأكبر من هذه الشريحة أحسن الظن في فكرة تشكيل « المجالس العسكرية» اعتقادا منها أن الثورة تتوحد بعد شتات بغيض وغياب للقيادة جعل من فعاليات الثورة خاضعة للاجتهاد والمبادرة الفردية بعيدا عن التخطيط المبدئي، ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي، وشريحة ثانية واهمة وحالمة، يكسوها الغرور والطموح في دور مستقبلي لها في سوريا ما بعد الأسد، باعتقادها القدرة على انتهاز الفرصة والتفاهم مع « المركز» والدخول معه في تبادل مصالح مشتركة إلى حين، وكأن المركز أبلها أو غافلا أو أقل ذكاء منها في التحليل والمراوغات والمكر!!! ومع ذلك فهي تظن أن إسقاط الأسد يكفي، مع علمها اليقين أنه لا يعني بالضرورة إسقاط النظام. هذه الشريحة لا تتحرج من لقاءاتها مع عناصر أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية، وحتى التباهي في الاجتماع بوكلاء الـ CIA. أما الشريحة الثالثة فهي من صنف « إسرائليو الثورات» الذين يحركهم الهوى، فلا تعنيهم عقيدة ولا أمة، ولا يتعظون من أية سوابق لأمثالهم، أو روادع عقدية أو أخلاقية حتى لو تحالفوا مع الشياطين. وغني عن البيان القول بأن أن الشرائح الثلاثة وقعت، كرها أو طوعا، ضحايا لاختبارات أمنية وألغام لا هدف لها إلا إصابة الثورة بأضرار بالغة أو التمهيد لمرحلة« صحوات» دموية قادمة قبل وبعد سقوط الأسد. وإذا ما أوذيت الثورة، لا قدر الله، بقواها وكتائبها ومقاتليها ومجاهديها بفعل هذه التشكيلات، فسيتحمل هؤلاء مسؤولية أخلاقية وتاريخية وعقدية جسيمة. ومن باب التذكير فليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها قوى « المركز» تحقيق اختراقات في الثورة سواء في صلبها أو عبر هوامشها القريبة والبعيدة. ففي 11/8/2012 أُعلن في واشنطن عن تشكيل جماعة سورية معارضة من ستين عضوا باسم « جماعة الدعم السورية»، لجمع التبرعات المالية والعينية، وزعم لؤي السقا، أحد الأعضاء الاثني عشر في مجلس الإدارة، أن الجماعة: « تمثل آلاف المقاتلين في تسع محافظات، وأن هؤلاء الذين يمثلون ما يقارب نصف المقاتلين في الجيش الحر!!!، وأنهم: « وقعوا إعلان مبادئ يدعو إلى دولة ديمقراطية لجميع السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، وترفض المبادئ كذلك الإرهاب والتطرف والقتل بغرض الانتقام»!!! وفي الولايات المتحدة أيضا، وفي ذات السياق من التواصل مع المعارضة أو صناعتها، نقلت وسائل إعلام في 12/8/2012 عن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، بعد لقائها نظيرها التركي، القول: « أنها التقت مجموعة من الناشطين السوريين والخبراء والقانونيين والصحفيين والقيادات الطلابية في محاولة لمعرفة ما يمكن للولايات المتحدة فعله لمساعدتهم». وفي تصريح إذاعي (19/9/2012) أعلن السفير الفرنسي في سوريا إريك شوفالييه، المكلف بالملف السوري عن موقف بلاده بالقول: « نعمل مع المعارضة لمساعدتها على تنظيم نفسها، ولدي تعليمات من رئيس الجمهورية للاتصال بمجمل مكونات المعارضة ومن ضمنها المجموعات المسلحة، ونحن أول دولة تقوم بذلك بهذا الشكل المنظم». أما المستهدف هذه المرة بصورة خطيرة، كما أشرنا، فهم المقاتلون بدايةً وهوية الثورة نهايةً. وقد سبق وأشرنا إلى أن « الجيش الحر» هو راية شعبية بنسبة تزيد عن 85% من القوى المسلحة في سوريا، فيما تتوزع النسبة الباقية على المنشقين من الضباط والجنود. أما الشق الآخر من الثورة فهو ذلك الشق الإسلامي المكون من قوى محلية وأخرى متطوعة من الخارج. ويبقى شق ثالث خفي، لكن نصفه من القوى الجهادية العقدية ونصفه الآخر من قوى تحتفظ بقوتها وعددها وتحشد السلاح دون أن تخوض المعارك استعدادا لقطف الثمار. وهكذا بات جليا أن كل ما يرمي إليه « المركز» من تشكيل المجالس العسكرية» هو تجميع القوى المسلحة في « تشكيلات مستحدثة تحت سلطة قيادة واحدة يمكن أن تكون قريبا بديلة عن « الجيش الحر» بشقيه الشعبي والنظامي .. قيادة تمارس سلطة الرقابة والتحكم والسيطرة والتجنيد. لذا فإن المشهد الأمني في هذه المجالس، والساعي إلى تأسيس قاعدة بيانات واسعة ومفصلة، يبقى حاضرا بقوة عبر الاتصال بتشكيلات القوى المسلحة وطلب بيانات عنها تشمل أعداد المنتسبين لها وأسمائهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم وعدتهم وعتادهم وخلفيتهم المهنية أو العسكرية أو الأيديولوجية أو العقدية وما إلى ذلك من البيانات التي تساعد لاحقا على التتبع والملاحقة وحتى الاعتقال أو التصفية الجسدية إذا لزم الأمر. وبطبيعة الحال سيعمل « المركز»، في مرحلة ما، على تمكين هذه المجالس من امتلاك الأدوات اللازمة للعمل كالشرعية الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية، فضلا عن التمويل والتسليح والإعلام لتحقيق عملية فرز ميداني للقوى المسلحة تستهدف بالدرجة الأساس القوى الإسلامية. ولم يعد غريبا أن تترافق عمليات التشكيل هذه مع حملة إعلامية شرسة استهدفت هذه القوى وكل متطوع راغب بالخدمة المدنية أو القتال بدعوى أن سوريا ليست بحاجة إلى رجال أو، في مستوى أشد، يزعم أن الوافدين تحولوا إلى عبء على الثورة. والمنطق يؤكد بأن المتطوعين لو كانوا عبءً لما كان لهم ذاك التأثير الفارق على مسارات الثورة ميدانيا، ولو كانوا كثرة لما بقيت الثورة تعاني من حالة توازن القوى مع النظام. والحقيقة الثابتة الأولى تؤكد أن الإسلاميين هم القوى الوحيدة التي لم تتذمر أو تطلب تمويلا أو تسليحا من أحد، وبالتالي فهي أولى بالشكوى من أية قوة أخرى، بالنظر إلى توافد متطوعين يعانون من قصور في فهم الجهاد ومتطلباته الشرعية والمادية أو لانعدام أية خبرة لديهم. ولو كانت تعتمد معايير القلة والكثرة لحق لها قبل غيرها أن تندب حظها بالمقارنة مع الآلاف المؤلفة من المسلحين. والحقيقة الثانية أن الحرب على القوى الإسلامية هي حرب إعلامية محضة تديرها وسائل الإعلام وشخصيات معروفة ماضيا وحاضرا بعدائها للقوى الجهادية، وبالتحالف مع قوى وشخصيات سياسية وعسكرية ومنابر إعلامية محلية تتميز غيظا من مجرد ذكر كلمة جهاد!!! والثابت أنه ليس لمثل هذه الهجمات المغرضة علاقة ذات أثر ملموس في الواقع، لاسيما وأنها تتصرف عبثا، وبشكل فاضح، كمن يجهد نفسه بتغطية الشمس بالغربال، بل أن هذه الحقيقة تؤشر على أن القوى الدولية هي التي تقف خلف هذه الحملات التي تستهدف في المستوى الأول وقف تدفق المتطوعين الوافدين، وفي الثاني التمهيد لإحكام إغلاق الحدود، والثالث فرز القوى الإسلامية في الميدان ومحاصرتها، وإذا تطلب الأمر ضربها في مستوى رابع. الحقيقة الثالثة أن القوى الإسلامية كـ « جبهة النصرة» و أحرار الشام» قدمت أداء عسكريا مميزا في ميادين القتال؛ وفَّر لها حاضنة شعبية ومصداقية عالية لدى القوى المسلحة حتى من كتائب وألوية « الجيش الحر». ويشهد الكاتب البريطاني كون كوفلين في مقالة له بصحيفة « الديلي تلغراف – 29/8/2012»: « أن مشاركة تنظيم القاعدة في الصراع الدائر بسوريا مبالغ فيها، ولكن هناك خلايا للقاعدة تحمل أعلاما بيضاء وسوداء وتحارب جنبا إلى جنب على الجبهات إلى جانب الجيش السوري الحر». بل أن شهادة صحيفة « الأبزرفر – 4/11/2012 » كانت أكثر وضوحا في الوقوف على حقيقة أداء القوى الجهادية في مواجهة النظام الطائفي في سوريا حين قالت: « إن دور الجهاديين الأجانب أو من يسمون بالمهاجرين يبقى حيويا وضروريا ومطلوبا، فهم يوجدون في كل جبهة وعلى كامل الاستعداد والجاهزية، وقليل من الهجمات الكبيرة الأخيرة ضد قوات حدثت دون مشاركة فاعلة للجهاديين الأجانب فيها». ولا ريب أن مثل هذه الشهادات، القادمة من عمق ديار « المركز»، بحق القوى الجهادية تشكل إحراجا بليغا لمن يقللون من شأنها أو يعملون على تشويهها بما يخالف الواقع أو يشهدون زورا بنسبتهم لبعضٍ من أكبر العمليات العسكرية التي نفذتها مثلا « جبهة النصرة» ضد رئاسة الأركان وكتيبة الصواريخ للـ الجيش الحر»، علما أن هذا الأخير لم ينسبها لنفسه!!! ثالثا: مسيرة الاختراق 1) المعارضة المسلحة لما تكون الثورة السورية شأن دولي أكثر مما هي شأن محلي فإن القراءة الموضوعية تستدعي من كل مراقب أو دارس لها مراقبة السلوك الدولي وسياساته على كل مستوى بنفس القدر الذي نقرأ به وقائع الثورة أو سلوك النظام الحاكم أو أزيد منه. ولما نتحدث عن « الاختراق» باعتباره حقيقة واقعة وليس مؤامرة متخيلة فلأن وقائعه ليست خفية بقدر ما تعج بها وسائل الإعلام دون حياء أو وجل. لكن مع أن السلاح لـ « المعتدلين» إلا أن الحل سياسي!!! فما الحاجة إذن لـ « البدائل» العسكرية والسياسية الجديدة؟ فقد انطلقت « مسيرة الاختراق» من رحم قوى المعارضة السياسية التي رفضت عسكرة الثورة السورية أياً كان الثمن. واستعملت القوى الاستخبارية العالمية بعض رموز القوى السياسية في الحصول على ما لديها من معلومات. لكنها فشلت في القيام بمهمتها. فلجأت القوى الغربية إلى بعض من كبار الضباط، عبر سلاسل من الاجتماعات التي جرت معهم على انفراد بغية الحصول منها على ما يمكن الحصول عليه من معلومات تفيد في التقييم. ومن الطريف أن القوى الاستخبارية هذه كانت ترسل خبراء متخصصين في جمع المعلومات وليس في تقديم العروض أو المطالب أو فرض الإملاءات التي يتركونها عادة لحلفائهم كي لا تثير الريبة لدى السوريين، مع ذلك فقد منيت هذه المحاولات، إلى حد كبير، بالفشل إلى الحد الذي دفع صحيفة « الواشنطن بوست – 25/7/2012 » الأمريكية أن تتحدث عن « فجوة استخبارية في سوريا» حول هوية القوى العسكرية المقاتلة والنظام السوري. والحقيقة أن القوى الأمنية لـ « المركز» كانت تدرك صعوبة المهمة لثورة مدنية انقلبت إلى ثورة مسلحة بحيث يستحيل الإحاطة بالمشهد الثورة الشعبي المسلح من جميع جوانبه. هذه « الفجوة الأمنية» مثلت أخطر عقبة في وجه القوى الدولية التي وقعت في حيرة من أمرها إزاء البحث عن أنجع السبل في التعامل مع الثورة السورية. كما أنها منعت إمداد الثورة بالسلاح، بل وحاصرتها حتى في ذخيرة البنادق، بدعوى الخشية، في المستوى الأول، من تحول المجتمع السوري إلى « التطرف»، وفي مستوى ثاني بذريعة الخشية من وقوع السلاح بيد جماعات « متطرفة» لم تكن أصلا موجودة، في حين أن المسألة برمتها تتعلق فقط بالحفاظ على أمن النظام. وتبعا لذلك تطورت « مسيرة الاختراق» لتمس الهياكل السياسية والعسكرية على السواء عبر البحث عن قيادات وهياكل بديلة من الداخل تستجيب لاحتياجات « المركز»، وتساهم، بوعي أو بدون وعي، بسد الفجوة المعرفية. إذ أن الثورة السورية تخوض حربا عجيبة يصعب فهمها لاسيما وأنها تفتقد إلى المرجعية والقيادة والإدارة والخبرة والسابقة والأيديولوجية والتنظيم، ولكنها مع ذلك تحقق تقدما مثيرا، سواء من حيث إضعاف النظام وإرهاقه أو من حيث طرده فعليا من مناطق واسعة جدا، رغم كل الدعم الدولي الذي يحظى به فضلا عن الوحشية التي فاقت كل تصور في قمع الثورة والمجتمع وتخريب الدولة وبناها التحتية. ومع أن التجارب السابقة في الاختراق كانت تجري من وراء ستار مع بعض الأفراد أو القوى أو الجماعات إلا أنها في الحالة السورية باتت على كل منبر وفي كل محفل!!! وبالتأكيد لم تكن هي الأولى، تلك المقالة التي كتبها وليم هيغ، وزير الخارجية البريطانية، في صحيفة « التايمز – 10/8/2012، وقال فيها: « أن بلاده ستواصل العمل مع المعارضة السورية وخصوصا مع ممثلي الجيش الحر لتأمين استعدادهم للسقوط الحتمي للأسد». فقد سبقها اعترافات أمريكية وبريطانية عن وحدات استخبارية تنشط في سوريا. أما المجالس العسكرية بدأت في الظهور إعلاميا في أواخر شهر أيار / مايو عبر تصريحات لقادة عسكرين منشقين في الداخل. ففي تصريحات لصحيفة « الشرق الأوسط - 27/5/2012» قال العقيد الركن أحمد فهد النعمة، قائد المجلس العسكري في محافظة درعا،: « قمنا بتشكيل مجالس عسكرية في مختلف المحافظات وهي متواصلة من خلال المكاتب الإعلامية التابعة للمجالس العسكرية وهناك تواصل بين قادة المجالس ومع قيادة الجيش السوري الحر بشكل يومي ومستمر بغية التوصل إلى العمل المؤسساتي المنظم والهادف والذي يوازي المعايير الدولية». وفي مقابلة مع صحيفة « الغارديان 2/6/2012 » البريطانية أكد العقيد الطيار الركن قاسم سعد الدين، الناطق الرسمي باسم القيادة المشتركة لـ « الجيش الحر» بالداخل أن: « ثمة تنظيما أكثر وضوحا الآن مع تشكيل عشرة مجالس عسكرية إقليمية تتبعها كتائب محلية وفرق قتالية، وكلها لديها فروع إدارية تتعاطى مع التمويل والتزويد بالأسلحة والمساعدات الإنسانية». كانت هذه التشكيلات حاضرة في لقاءات الدوحة، الساعية إلى إيجاد هياكل سياسية وعسكرية جديدة، حتى تم الإعلان في 16/10/2012، عن: « اتفاق عشرات المعارضين السوريين، ومنهم قادة الجيش السوري الحر، باجتماع داخل سوريا عقد في 14/10/2012، على تشكيل قيادة مشتركة بهدف تحسين التنسيق العسكري بين المقاتلين وخلق قيادة واحدة يأملون أن تكون القوى الخارجية مستعدة لتزويدها بأسلحة أقوى». « قيادة واحدة»! لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعيدا عنها، وهو يخوض آخر مناظرة طاحنة له مع خصمه في الانتخابات الرئاسية مت رومني (23/10/2012)، حيث كانت الثورة السورية حاضرة بقوة في العاصفة. وخلال المناظرة كان أوباما صريحا للغاية وهو يقول: « إننا نساعد المعارضة على تنظيم صفوفها ونحرص بصورة خاصة على التثبت من أنهم يعملون على تعبئة القوى المعتدلة في سوريا .. نتثبت من أن الذين نساعدهم هم الذين سيكونون أصدقاء لنا على المدى البعيد وأصدقاء لحلفائنا في المنطقة على المدى البعيد .. فالثوار الذين يصبحون مسلحين هم الأشخاص الذين سيصبحون الأطراف المسؤولة، علينا التصرف بحيث نكون واثقين ممن نساعد، وأننا لا نضع أسلحة بأيدي أشخاص قد يوجهونها في نهاية المطاف ضدنا، أو ضد حلفائنا بالمنطقة» .. ولأن أوباما ليس وحده من يؤمن بهذا التحرك؛ فقد دعا: « للعمل مع شركائنا وبمواردنا الخاصة لتحديد أطراف مسؤولة داخل سوريا، وتنظيمها وجمعها معا في مجلس يمكنه تولي القيادة بسوريا، والتثبت من امتلاكهم الأسلحة الضرورية للدفاع عن أنفسهم». بالتأكيد لن تنعم « المجالس العسكرية» بالمن والسلوى قبل أن تخضع لاختبارات فعلية على الأرض تثبت أنها قادرة على أداء المهمات المطلوبة منها. لكنها قد تتلقى مبدئيا بعض المال مصحوبا بغض الطرف عن تدفق محسوب للسلاح، كما ونوعا، كطعوم تساهم في بناء الثقة والمصداقية بحيث يمكنها إغراء القوى المسلحة على الانضواء تحت سلطتها. وما أن تقوى شوكتها حتى تصبح رهينة التوجيهات المذلة والشديدة الخطورة. إذ لا توجد أية ضمانات متخيلة تحمي هذه المجالس من سطوة القوى الدولية. وستفاجأ بأنها ملزمة بتلقي الإمدادات المالية والعسكرية، إنْ حصلت فعلا أو مبدئيا، من جهة أو جهات بعينها. وهو ما يعني أن خطوط إمدادها التقليدية ستنقطع بحيث تصبح تحت رحمة القوى الدولية. أما أولئك الذين سيمتنعون عن الانضواء تحت سلطة هذه المجالس، ومن بينهم أولئك الذين تصفهم صحيفة « الواشنطن تايمز – 7/11/2012 » بـ « السيئين»، أي الذين يعارضون السياسات الأمريكية أو يحملون الفكر الإسلامي فضلا عن القوى الجهادية المنظمة، فسيتعرضون بدورهم لحصار خانق وحملات تشويه إعلامية وربما حرب استئصالية ضدهم حتى قبل إسقاط الأسد. لكن ماذا عن حال المعارضة السياسية؟ هل سيكون أفضل من قرينتها العسكرية؟ لنرى. يتبع... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
2المعارضة السياسية لم تكن قوى المعارضة السياسية السورية وتشكيلاتها في الداخل أو في الخارج سوى عملية تلفيق سياسي لأطروحات لا تجتمع حتى على رابط الإطاحة بالنظام الطائفي. وبينما كانت وقائع الثورة تتقدم بثبات في المدن والأرياف السورية وتدفع ثمنا باهظا في الأرواح والممتلكات والأعراض كانت القوى السياسية تخوض جدالات بيزنطية حول هوية النظام: هل هو طائفي أم أمني؟ وهل يجب خلعه أم التصالح معه؟ وحول الثورة: هل هي سلمية أم سلمية؟ ( أي بمعنى رفض العسكرة)، وحول هوية البلاد وتاريخها وحضارتها، وحول مكاسب القوى ومطالبها وشروط المشاركة في الثورة، وحول هوية الحاكم القادم ومعايير الوصول إلى السلطة وتقلد المناصب، وحول التدخل الأجنبي أو الحماية الدولية أو الحظر الجوي، وحول وحول وحول إلى أن صارت بلا حول ولا قوة ... وبلغ التخبط مداه، حتى صار الناشط قائد وثائر ومثقف وعسكري وشيخ وسياسي وتاجر ومحلل ومتسلق ومتملق وتاجر ومتعهد ومفاوض ومساوم. لماذا هذا التخبط؟ لأن المعارضة في سوريا وخارجها هي معارضة برسم الفرد وليس برسم الجماعة أو الفئة أو الشريحة أو الحزب أو الجماعة، بعد أن فككها النظام وطاردها في الداخل والخارج ومزقها شر ممزق. وبالتالي ليس هناك ما يجمع بينها إلا حرب النظام عليها أكثر من حربها على النظام!!! فبعضها أعلن معاداته للنظام، وبعضها الآخر عتب عليه، وثالث وسَّط حتى شياطين الأرض للتصالح معه، ورابع تعايش مع النظام، وخامس غلبته الأيديولوجيات الدوغمائية كالشيوعية والقومية وما أفرزتهما من مفاهيم الصمود والتصدي أو الممانعة والمقاومة ... أما الخوف من بطش النظام فقد فرقها ولامس رعبه لها شغاف قلوبها إلى أن صمتت عن الكلام المباح حتى في منافيها ومناماتها. ولا شك أن معارضة تجمع فيما بين ثناياها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والشريدة والطريدة والكسيرة والحسيرة والماكرة والمتسلقة وما طارد الضبع وجرح الفهد وأكل السبع والتقم الحوت لا يمكن أن تترك متنفسا لأهل الخير منها ولا أن تقدم لثورة ما عجزت هي أن تقدمه لنفسها، وهي تراهن على الشرق والغرب أو تتقاذفها القوى الدولية عن اليمين وعن الشمال. ولا عجب أن تكون حواراتها في اللقاءات الأولى التي جمعت أطيافها في استنبول وأنطاكيا وبلجيكا وباريس وغيرها من العواصم والدول تجري وفق نظام الحُزَم الأيديولوجية كاللبرالية أو الإسلامية البراغماتية أو الأقليات الإثنية وما إلى ذلك ... لذا فقد كان شعارها الوحيد هو البحث عن « التوافق». فاللبراليون يتعاطفون مع بعضهم رغم غياب أي رابط حزبي أو تاريخي يجمعهم فضلا عن العداء المستحكم بينهم، والإخوان المسلمون يجتمعون معهم أو يتوافقون على قاعدة البراغماتية، وأصحاب الأقليات يخوضون صراعات لتأمين مصالحهم أو تثبيت هوية أقوامهم ولو على حساب عقيدة الأغلبية وهوية الأرض وتاريخها، والغالبية الساحقة من هؤلاء مغيبون أصلا وآخرون متنفذون يحرصون على ترضية « المركز» بما يحب ويهوى من الصيغ السياسية والاجتماعية التي يرتضيها للنظام والدولة بعد الأسد، وشريحة فرحة بما نالته من كراسي وسلطة وامتيازات في السفر والطعام والشراب والوجاهات التي لطالما افتقدتها. ومع أنها أحست بخيبتها إلا أن حالها ظل مزهوا بنفسه، ينشد كما أنشد الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها ****** كالهر يحكي انتفاخة صولة الأسد منذ لحظات تشكلها الأولى؛ ظلت المعارضة تبحث عن الشرعية في مواطن « المركز، وتستجديه، ولا تستحي من القول: « أننا قدمنا برهان غليون كواجهة مقبولة لدى الغرب»، علَّه يطيب نفسا به، أو يرق قلبه على تقديم العون والمساعدة، وله أن يطلب ما يشاء حتى لو كانت عقيدة الأمة وحضارتها وتاريخها ومستقبلها ومصيرها .. بل حتى لو حرصت على تجنب ذكر اسم الله في مطلع وثيقة فاجرة .. لكن دون جدوى!!! وليتها اتعظت من نظرائها في العراق وأفغانستان أو من تنازلات بلا ثمن أو توقفت للحظة عند تَمَنُّع « المركز» عن تسليح الثورة طوال هذه المدة من الزمن أو درست حقيقة تجاهله لها أو مبررات سكوته، بل موافقته، على تدمير سوريا والسماح بالتمثيل برجالها وأطفالها وانتهاك أعراض نسائها واستعمال أقسى وأفتك أسلحة التدمير حتى أن أركان النظام نفسه عجزوا عن فهم ما يمارسونه من وحشية بحق بلادهم وشعبهم!!! العجيب أن المعارضة، السياسية والعسكرية، ظنت أنها البديل المنتظر، وما هي إلا بضعة أسابيع أو شهور حتى ترتفع على أكتاف الثكالى والمنكوبين والأرامل والقتلى والجرحى والمغتصبات وأنقاض سوريا. والأعجب أنها كانت آخر من يعلم فيما يحضر لها « المركز». ويبدو أنها لم تلتفت لعشرات التصريحات التي توطئ لإزاحتها عن المشهد السوري، أو أنها لم تقرأ ما نقلته واجهات العمل ابلوكالة كتلك التي أوردتها صحيفة « عكاظ » السعودية (1/10/2012) عن مصادر سياسية تقول أن: « واشنطن تبحث عن قيادة عسكرية مركزية في الجيش الحر قادرة على التعامل مع هذه المعلومات»، وأنها: « بحثت أكثر من مرة مع قيادات الجيش الحر وغيره من القيادات العسكرية مسألة وحدة القيادة من أجل تركيز الجهود على إسقاط نظام الأسد، لكنها حتى الآن لم تقتنع بمساعي وحدة الكتائب المقاتلة»، وأنها: « رهنت، منذ توسع سيطرة الكتائب المقاتلة على حلب، الدعم بالسلاح بتوحيد كافة الكتائب المقاتلة على الأرض، وإقصاء بقية العناصر الموسومة من قبل واشنطن بأنها متطرفة». هل سمع أحد في التاريخ كيف يمكن لأعداء عقديين وتاريخيين أن يوحدوا خصومهم عسكريا؟ وضد من؟ هل لأحد أن يكشف عن هوية العدو الذي يستحق هذا التوحد؟ ما أن أُعلن عن بدء اجتماعات الدوحة في 4/11/2012 حتى فاهت الولايات المتحدة على لسان وزيرة الخارجية في كرواتيا (31/10/2012) بما لا تهوى الأنفس، فقد: « حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني السوري وضم من يقفون في خطوط المواجهة». هكذا دون أي مقدمات في عرف المعارضة! ولا ريب أن أغرب ما في تصريحات كلينتون أنها تحدثت بما يدغدغ مشاعر العسكريين والثوار وكل من ناصب المجلس الوطني العداء أو البغض. العجيب أن الولايات المتحدة تشن حربها في العادة على « المتطرفين» و « الإرهابيين» لكنها هذه المرة شنتها على عشاقها ومريدها من أهل الاعتدال والوسطية والبراغماتية!!! ولو كانت المعارضة « متطرفة» بما يكفي لربما نجت من الهجوم الأمريكي!!! إذ والكلام لكلينتون: « لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص يتمتعون بخصال جيدة كثيرة لكنهم في كثير من الأمثلة لم يذهبوا إلى سوريا منذ 20 أو 30 أو 40 عاما»، أما الذي يمكن فهو: « أن يكون هناك تمثيل لمن يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون اليوم في سبيل حريتهم». ونقلت وسائل الإعلام المزيد من تصريحات كلينتون كقولها: « أن الولايات المتحدة قد طرحت فكرة تشكيل تنظيم معارضة موحدة تحل بدلا من المجلس الوطني السوري الذي تعتبره واشنطن تنظيما غير فعال بسبب عدم نجاحه في توسيع قيادته، وأن: « واشنطن قد أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا في الدوحة». أما المتحدث باسم الخارجية الأميركية باتريك فنتريل، فقد طالب في مؤتمره الصحفي بواشنطن: « المعارضة أن تكون أكثر تنظيما والتزاما بإستراتيجية»، لافتا الانتباه إلى أن: « واشنطن لم تر ذلك في المجلس الوطني السوري ولذلك تساعد في تحديد بعض الأشخاص» .. إذ: « ثمة حاجة ماسة لتشكيل تركيبة تمثل قيادة المعارضة»، أما لماذا « حاجة ماسة فلأن: « أمامها عمل سياسي وإداري للتواصل مع المجتمع الدولي والمساعدة في تنسيق التواصل والمساعدة». هكذا بطشت الولايات المتحدة في المعارضة التي تحالفت معها دون سابق إنذار. فما كان من المعارضة، في اليوم التالي (2/11/2012) إلا أن صبت جام غضبها على أمريكا. وردا على تصريحات كلينتون أصدر المجلس الوطني بيانا قال فيه: « إن الحكومة الأميركية تريد بقاء بعض عناصر حزب البعث في السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد»!!! وكأن « البعث» الذي ليس له في العير ولا في النفير بات المسؤول عما حل بسوريا وأهلها من خراب ودمار وسفك للدماء. طبعا المجلس يقصد الطائفة النصيرية، لكنه لا يجرؤ على البوح بحقيقة المسؤولية لأنه محكوم بالسقف الدولي وأيديولوجياته وعقائده ومفرداته الدبلوماسية والسياسية. ثم تبع بيان المجلس غضب الكثير من أعضائه تجاه ما بدا لهم: « وصاية مباشرة وإملاءات لم تعد مقبولة للشعب السوري». ومن لندن، علق محيي الدين اللاذقاني، عضو المجلس، بالقول: « لا يحق لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انتقاد المجلس في وقت لم تحدد فيه إدارة الرئيس باراك أوباما أي مسار لسوريا، مشددا على أن كل ما تحاول أميركا أن تفعله هو إلقاء اللوم على المجلس». لكن أعجب وأميز ما في ردود الفعل جاء من جانب « الإخوان المسلمين». فقد انعقد لقاءً تشاوريا في العاصمة الأردنية عمان في 1/11/2012 بحضور 25 شخصية سورية، من بينها رئيس الحكومة السورية المنشق، رياض حجاب، وصدر الدين البيانوني، ممثلا عن الإخوان، ورياض سيف، الوكيل الحصري لـ « المبادرة الوطنية السورية»، وبحسب بيان صحفي صدر عن المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية يوم 2/11/2012 فقد: « تقدم الأستاذ البيانوني خلال اللقاء بمداخلة (مشروطة) أعلن فيها تأييد فكرة إيجاد قيادة سياسية جامعة للمعارضة السورية». ومع ذلك فقد علق زهير سالم، المتحدث باسم الجماعة، على تصريحات كلينتون بعصبية!! مشيرا إلى: « أن الولايات المتحدة تريد أن تفصل المعارضة السورية على مقاسات محددة»!!! بل أن اللقاء أنهى مشاوراته بالدعوة إلى تشكيل ما سمي بـ: « هيئة المبادرة الوطنية السورية», تمهيدا لإنشاء « قيادة سياسية جديدة للمعارضة» يليها « إعلان حكومة مؤقتة في المنفى» يقودها « رياض سيف». لكن ليس من العجيب أن تواصل الولايات المتحدة تجديد عزمها على تفصيل الثوب الجديد عبر إقامة كيان بديل عن المجلس الوطني، بصريح القول والفعل، ورغم أنف قوى المعارضة، وبلسان كلينتون: « إن واشنطن أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا». وبدا واضحا أن الولايات المتحدة أوكلت لقطر، محضن الاجتماعات القادمة، مهمة العرّاب. وهو ما كشفته صحيفة « الغارديان – 3/11/2012 » البريطانية حين قالت أن: « دولة قطر تقف وراء تنظيم مبادرة الدوحة»، وأنها: « حصلت على دعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لإيجاد معارضة سورية موحدة ومتماسكة». هكذا؛ وعلى وقعْ التصريحات الأمريكية وردود الفعل انطلقت اجتماعات « أصدقاء سوريا» و « المجلس الوطني» في العاصمة القطرية - الدوحة يوم 4/11/2012 لتنتهي بما أسمي « اللقاءات التشاورية». وجهد المجلس الوطني في الالتفاف على « المبادرة الوطنية السورية» لرياض سيف، والداعية إلى تشكيل ائتلاف للمعارضة أوسع من المجلس الوطني، بحيث ترمي، بحسب محمد العطري، المتحدث باسم رئيس الحكومة السورية المنشق رياض حجاب (4/11/2012)، إلى: « إنشاء جسم سياسي جديد للمعارضة السورية ليكون ممثلا لجميع شرائح المعارضة ويتكون من المجلس الوطني (الأعضاء الـ14) والمجلس الوطني الكردي (3) والمجالس المحلية التي تعنى بتنظيم الشؤون في الداخل، والمجالس الثورية في الداخل والشخصيات السياسية والتاريخية وهيئة علماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين»، مشيرا إلى أن: « مشاورات ستجري لمعرفة ما إذا كانت هذه المبادرة ستشكل جسما بديلا عن المجلس الوطني أو ائتلافا جديدا». ورغم الاستياء الشديد لرئيس المجلس، عبد الباسط سيدا (4/11/2012)، من: « جهود كثيرة بذلت وتبذل من أجل تجاوز المجلس»، وعن: « تضييق مادي» واتهام بـ « القصور والعجز والانغلاق»، وكذا حيرة جورج صبرا، الناطق باسم المجلس، وهو يقول: « تحاصرنا أفكار لا يمكننا قبولها»، إلا أن أحدا لم يسمع صراخ المجلس .. وبدا أحد أركان « البديل الجديد»، كمال اللبواني، لا يسمع صراخا ولا عويلا إلا سيمفونيته الخاصة: « لا ننافس على الشرعية ولا نتلقى أوامر من أحد»، مكتفيا بالقول أن السبب وراء المبادرة الجديدة هو: « تحول الثورة السورية إلى فوضى، والانقسام الحاد بين أطياف المعارضة، الأمر الذي: « يهدد بحرب حقيقية بعد سقوط النظام». ويبدو أن صبرا استفز حتى النخاع في تصريحاته لـ « وكالة الأنباء الألمانية – 5/11/2012 » في الدوحة حين قال إن: « المجلس يتعرض لضغط هائل لجعله ينخرط في مفاوضات سياسية مع النظام السوري، وهو شيء يرفضه كثير من قادتنا». وعشية اللقاءات التشاورية حول مبادرة سيف (8/11/2012)، أدلى برهان غليون بدلوه محاولا التخفيف من وقع الصدمة: « ليس هناك شيء اسمه قيادة جديدة ولا بديلة والأجدر تسميتها بلجنة تنسيق للعمل المشترك فهذا هو المطلوب وليس استبدال المجلس»، مشيرا إلى أن: « الموقف الأمريكي قد لان كثيرا بهذا الشأن، وأن: « الجانب القطري عرض علينا أن نظل يوما أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة حتى يطلع الدخان الأبيض، وإذا لم يطلع سيذهب كل إلى سبيله»!!! ويبدو أن دخان انتخاب البابا لم يخرج حتى ذلك الحين ليهدئ من غيظ سمير نشار، الذي فتكت الصدمة بأعصابه، ولم يذهب في سبيله، فكان على النقيض من غليون: « لن نقبل بأي قيادة جديدة فوق المجلس الوطني»، فما: « الجدوى من خوض تجربة قيادة جديدة قد تفشل في حين أن المجلس الوطني السوري بصدد التوسعة وإصلاح نفسه؟ »، لكن وبكل برود صب رياض سيف الزيت على النار المشتعلة؛ فهدم أية مشروعية أو فاعلية للمجلس من أصله بالإشارة إلى أن: « المبادرة ليست إلغاء للمجلس الوطني باعتبار انه لم يكن في أي وقت من الأوقات سلطة أو قيادة» للمعارضة، لكن؛ وكي يُطَمْئن المجلس على مستقبله وموارده المالية فيمكن له الاعتماد على « التسول» و « النصب» و « الاحتيال»، إذ: « سيكون له ألف عمل وعمل في خدمة الثورة، أما تمويله: « فيجب أن يكون ذاتيا بحسب الأعمال والنشاطات التي يقوم بها أعضاؤه، كما يمكن له أن يتلقى دعما عربيا وأجنبيا مثل أي منظمة تطوعية وغير حكومية»، والمحسنين كثيرون. أما العمل الذي يجري الآن فهو فقط: « من أجل إيجاد قيادة وسلطة سيكون للمجلس الوطني فيها نصيب 50% إذا استثنينا مندوبي المحافظات الأربعة عشر». باختصار؛ فقد اتسمت الاجتماعات والتصريحات بالمهاترات والمماحكات والغضب والمساومات والتطمينات والفضائح، وظهرت المعارضة كما لو أنها أزواج ضرائر لزوج كسيح. والعجيب أن المجلس الوطني واصل اجتماعاته ووسع هياكله كالأطرش في الزفة، أملا في تجاوز مبادرة سيف. فانتهت بخروج شخصيات معتبرة من أمانة المجلس مثل برهان غليون وجورج صبرا، وحصل الإخوان المسلمون على ثلث المقاعد .. ومع ذلك، وكما سبق وقدموا برهان غليون واجهة مقبولة لدى الغرب، جاؤوا بجورج صبرا أمينا عاما للمجلس، وهو مسيحي وملحد في الوقت نفسه!!! وطار مناصروهم ومؤيدوهم بهذه الخطوة « الجبارة» معتبرين أن انتخاب صبرا يثبت للعالم أن هدف الثورة السورية هو « الحرية» وليس « الطائفية»!!! وكأن أحدا، غير « المركز» والخصوم والأعداء، اتهم الثورة بالطائفية أو شكك بأهدافها. بينما لم يذكر أيا منهم، لا على مستوى الجماعة وفروعها ولا على مستوى الأفراد، أن انتخاب صبرا هو استنزاف عقدي بغيض بحق الله على العباد، وبحق الإسلام والمسلمين، وبحق شعب غالبيته الساحقة مسلمة، وبحق شلالات الدماء النازفة .. وهو سطو على دين الله وحقوق الأمة من المفرطين، والملحدين، وممن لا عقيدة لهم، ولا مبدأ ولا تاريخ .. ودون أن يرتد إليهم طرف من فعلتهم الشنيعة إلا من الرغبة المسعورة في استرضاء « المركز» بما يحب ويهوى. الله لا يعطيكم عافية على هكذا إنجاز ورسالة. لكن « ومن يهن الله فماله من مكرم». فما أن بدأت اللقاءات التشاورية (8/11/2012) لمناقشة مبادرة رياض سيف حتى تلقى اتهامات صريحة من بعض أعضاء المجلس بأنه: « يتبنى أجندة أمريكية لتهميش المجلس». ومن جهتها تلقت وكالة « رويترز» للأنباء تصريحا من مصدر في المجلس قوله إن: « سيف لم يكن مقنعا أبدا»، لكنه قال للمجلس بأنه: « سيمضي قدما بالمبادرة بموافقة المجلس أو من دونها». لكن ما نعرفه أن رياض سيف ليس سوبرمانا في الداخل ولا في الخارج. وغني عن القول أنه ما كان لسعادة الوكيل الحصري، أن يطلق هذه التهديدات دون أن يكون محصنا بدعم حاسم من « المركز» الذي لم يعد يقبل الهياكل التقليدية. هكذا ولد الهيكل الجديد المسمى بـ: « الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وابتلعت المعارضة ألسنتها، وسحبت كافة تصريحاتها، ونزلت عند رغبة المركز»، وأمطرت بالشروط التي ارتضتها « المجاهدة» كلينتون. وفي 8/11/2012 أعلن صدر الدين البيانوني، المراقب السابق لجماعة « الإخوان المسلمين» في الدوحة أنه: « تم التوقيع بالأحرف الأولى وبالإجماع على اتفاق تشكيل الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة السورية»، وبعد الإعلان الرسمي انتخب الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف بأغلبية 54 صوتا من أصل 63، كما انتخب رياض سيف وسهير الأتاسي نائبين له. حقا!! عجيب أمر المعارضة السورية!!! يعارضون التشكيلات الجديدة ويفاوضون عليها من وراء الكواليس، ثم ينتخبون رئيسا بالأغلبية!!! ثم يبدؤون في الثناء عليه، وكأن الأرض أزهرت. فما أن انتخب الخطيب رئيسا للتشكيل الجديد حتى بدأت الدعوات وحملات التسويق حتى من موقع الخطيب الإلكتروني، وعلى صفحات المواقع الاجتماعية تشق طريقها. وبدا أن التركيز على شخصية الرجل الذي لم تشوبه شائبة من قبل، كرياض سيف، هي محور الترويج له. لكن هذا لا يمنع من القول أن الرجل، الذي لم يعرف عنه سوء، ليس بأفضل من أولئك الذين عارضوا النظام لعشرات السنين، ودفعوا ثمنا باهظا طال حياة عشرات الآلاف منهم. والمهم في شخصية الرجل ليس فقط ما يحظى به من شرعيه اجتماعية دمشقية ودينية عريقة، والتي استعملت في تسويقه، بل في قناعاته السياسية ومعتقداته التي رجحت اختياره كأنسب ما تحتاجه التشكيلات السياسية والعسكرية الجديدة. فهو خطيب الجامع الأموي بدمشق، ويوصف بأنه رجل وسطي معتدل يؤمن بالتعددية العقائدية والطائفية، ولعله أبعد ما يكون عن تكفير الطائفة النصيرية أو الطوائف الباطنية. ويعرف عن نفسه بموقعه قائلا: « لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب، وننبذ الطائفية والعصبية وضيق الأفق، كما نرفض تحجيم الإسلام وفق أهواء العوام أو الحكام .. ونرفض الفكر التكفيري الغضوب، ونعتقد أن الإسلام رسالة هداية للبشرية جميعاً». وهو بالمحصلة وكما وصفه خالد الزيني، عضو المجلس الوطني السوري، « شخصية توافقية»، بما تكفي لتلبية احتياجات الجميع. وفي أول بيان أصدره (14/11/2012) بعد زيارته لبعض العواصم العربية والدولية كتب على موقعه مخاطبا الشعب السوري بما يشبه التسول والاستجداء الذي لا يليق بسوريا ولا بشعبها ولا بتضحياتها ولا بتاريخها ولا عقيدتها ولا بشخصية تتبوأ منصب قيادة: « اليوم اعترفت الولايات المتحدة بالائتلاف ممثلا وحيدا للشعب السوري ولكنها علقت ذلك على تأكدها من أن الائتلاف يمثل الشعب السوري حقيقة … هذه لحظة تاريخية .. أرجو الله أن لا نخذلكم فلا تخذلونا أرجوكم .. أريد أن يكون شعار الجمعة القادمة: ( يا أوباما لا تخاف .. كلنا مع الائتلاف).. أريد لافتات فيها شكر للرئيس الفرنسي .. ولافتات: (الشعب السوري واحد)، ولا فتات عليها: ( لا تطرف لا إرهاب .. افهم افهم يا حباب) .. وفي آخر البيان طالب بـ: تعديل: بعد التشاور مع بعض قيادات الداخل اقترحوا أن يكون العنوان للجمعة القادمة: يا أوباما اسماع اسماع كلنا مع الائتلاف» .. لكن الجمعة المقصودة أسميت: « الائتلاف يمثلني»!!! والنعم. سؤال: ما الذي جنته المعارضة السياسية الساعية إلى تحصيل اعتراف دولي وعربي بها من تشكيلها الجديد؟ فيما خلا الموقف الفرنسي الذي قدم اعترافه وصار يلعب دور رأس الحربة في رفع الحظر عن تسليح الثورة، والاستعداد لطلب « أسلحة دفاعية»، إلا أن بقية المواقف الأوروبية والدولية نأت بنفسها عن الاندفاع الفرنسي، ابتداء من أوباما وانتهاء بالمفوضة الأوروبية كاترين آشتون، واكتفت بالإشادة بالتشكيلات الجديدة أو تعليق الاعتراف الكامل بها حتى إلى ما بعد سقوط النظام!!! ولعلها لطمة غير محسوبة من أولئك الذين يظنون دائما أن التعهدات والتنازلات والتصريحات وحرق الذات يجدي مع « المركز». وتغافلوا عن كل تاريخ وحاضر، وتناسوا أن « المركز» والخصوم والأعداء لم يقبلوا بالرئيس العراقي، صدام حسين، وهو علماني، كما تناسوا كيف دبروا اغتيال الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، وهو من قدم لهم التعهدات والتنازلات حتى الاعتراف بـ « إسرائيل» .. ومع ذلك تآمروا عليه وحاصروه وأذلوه وقتلوه دون أن يأسف عليه أحد. فلماذا يقبلون تعهدات المعارضة القديمة أو الجديدة؟ ولماذا يثقون بها أو يسمحون لها بالوصول إلى السلطة على أنقاض طائفة ائتمنت على النظام الدولي و « إسرائيل» منذ 1913 وإلى يومنا هذا؟ فما الذي يمكن أن تقدمه المعارضة بالمقارنة مع ما قدمته الطائفة النصيرية، صاحبة الامتياز الدولي؟ وهل تعهداتها أو حتى اعترافها بـ « إسرائيل» سيكون أثمن من اعتراف عرفات بها!!!!؟ في أول رد فعل للرئيس الأمريكي، باراك أوباما (14/11/2012) على التشكيلات الجديدة التي صممتها بلاده!!! قال بصريح العبارة: « نحن غير مستعدين للاعتراف بهم كحكومة في المنفى، إلا أننا نعتقد أنها مجموعة تتمتع بصفة تمثيلية». وأعلن بوضوح: « نحن نحترس وخصوصا عندما نبدأ بالحديث عن تسليح مسؤولي المعارضة لكي لا نضع أسلحة بين أيدي أناس قد يسيئون إلى الأمريكيين أو الإسرائيليين». وأن: « إحدى المسائل التي سنواصل التشديد عليها هي التأكد من أن هذه المعارضة تتجه نحو سوريا ديموقراطية ومعتدلة وتشمل كل المجموعات»!!! ومن فاته مضمون عبارات: « ديمقراطية .. ومعتدلة .. تشمل كل المجموعات» فما عليه إلا أن يلحق بأول رد فعل آخر أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحفي مشترك (15/11/2012) مع أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، في موسكو، حيث قدم حقوق الأقليات والطوائف على حقوق الشعب السوري برمته: « إن موقف بلاده يعطي الأولوية لتحقيق اتفاق حول المستقبل، وإنه يجب أولا تفهم كيفية ضمان احترام المصالح والحقوق المشروعة لمختلف الطوائف والقوميات قبل البدء في التغيير، وليس تنحية الرئيس السوري بشار الأسد» ثم التفكير في الخطوة التالية. أما وليم هيغ، وزير الخارجية البريطاني، الذي التقى أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الجديد، فقد أحبط مضيفه مثلما أحبط أولئك الذين توسموا خيرا بتصريحات ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية حول اقتراحه الممر الآمن للرئيس السوري واستعداد بلاده لدراسة تسليح الثورة. وفي تصريحات لقناة الـ bbc استبق فيها لقاءه بالخطيب، أوضح هيغ أن: « بلاده تدرس الاعتراف رسمياً بهذا الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، لكنها تسعى لمعرفة خطط هذا الائتلاف للانتقال السياسي في سوريا ومعرفة من الذين يعتزمون تعيينهم وكيفية توزيع المناصب، وهل سيكون الأكراد مشاركين، وما حجم التأييد الذي يتمتع به ائتلاف المعارضة داخل سوريا»، مؤكدا بأنه: « قد يكون قادرا على اتخاذ قرار بشأن الاعتراف بالائتلاف خلال الأيام القليلة القادمة» .. تصريحات استفزت سهير الأتاسي، نائب الخطيب، التي علقت بالقول: وكأننا تحت اختبار!!!؟ صح النوم يا مدام. وفي تغطيتها للموقف الأوروبي بشأن تسليح الثورة ذكّرت صحيفة « وول ستريت جورنال» الأمريكية بموقف كاثرين أشتون، ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية، وهي تردد القول: « إن إرسال السلاح إلى سوريا ربما يزيد الأمر سوءً هناك». وتنقل الصحيفة عن مسؤول أوروبي، رفيع المستوى، قوله في العاصمة البلجيكية بروكسل: « إن "محادثات مطولة" قد تجري قبل إجراء أي تغيير على حظر بيع الأسلحة لسوريا»، مشيرا إلى أن: بعض أعضاء الاتحاد لن يقبل بسهولة إرسال أسلحة للمعارضة السورية». وأن رفع الحظر يتطلب اتفاقا أوروبيا مشتركا يتم التوصل إليه بعد مفاوضات معمقة، قائلا: « أنا شخصيا لا أخفي بعض الشكوك. إذ أن: القلق الأوروبي لن يتعلق فقط بمبدأ إرسال الأسلحة، بل أيضا بتطبيقه، لافتا إلى أنه لن يكون من السهل ضمان وصول شحنات الأسلحة للمعارضة فقط». ولعلها تصريحات راقت لوزير الدفاع الألماني، توماس دي مايزيري، الذي قال إنه: « يشكك في الفكرة». أما منظمة العفو الدولية فقد رحبت بدعوة وزير الخارجية البريطاني جماعات المعارضة السورية إلى ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، وحرض كريستيان بنديكت، المسؤول في المنظمة، وليم هيغ على مزيد من الضغط لاتخاذ إجراءات عملية ضد المقاتلين: « نريد رؤية مساءلة حقيقية يتم بموجبها اعتقال أي مقاتلين ارتكبوا انتهاكات، وفتح تحقيقات مناسبة حولها». إلى هنا نقول بأن الهياكل الجديدة لا تعني أنها تتمتع بحرية الحركة والمطالب. وتوسلاتها لقوى الثورة بتقديم الدعم لها عبر تسمية يوم 16/11/2012 بـ جمعة « الائتلاف يمثلني»، المماثلة لـ جمعة « المجلس الوطني يمثلني – 7/10/2011 » كانت فاضحة كما سبق وأثبته الخطيب في كلمته إلى الشعب السوري. هذا فضلا عن أن تسميات الجُمَعْ تخضع للمساومات السياسية والأيديولوجية، لاسيما وقد سبقتها جمعة « أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟ » و التي تأجلت في 12/10/2012، بعد معارضة من المجلس الوطني قبل أن يتم فرضها يوم 19/10/2012. المهم أن ردود الفعل الشديدة على التشكيلات الجديدة من بعض رموز الثورة السورية استبقت اجتماع اللقاءات التشاورية في الدوحة. فالقوى الإسلامية رفضت، كالعادة، كل التشكيلات والمبادرات السياسية. ومن جهته شن العقيد رياض الأسعد، قائد « الجيش الحر» هجوما شرسا على المجلس الوطني، في تصريحات نشرتها صحيفة « الوطن» السعودية في 7/11/2012، قال فيها أن: « هناك من أعضاء المجلس الوطني من شتت الصفوف وحاول تفرقة الكتائب، هؤلاء عصابة، والمجتمع السوري يعي ذلك، كانوا فعالين في تفرقة المقاتلين لكنهم لم يتمكنوا، والثوار معنوياتهم مرتفعهم على وقع الانتصارات اليومية .. أشخاص معروفون لدينا، مؤثرون في المجلس الوطني ومُتنفذين، هم من يتحملون مسؤولية قتل السوريين»، .. هذا المجلس الذي أقصى الجيش الحر حمله الأسعد مسؤولية: « ثمن سفك دماء الشعب السوري». وخلال انتخابات المجلس الوطني، تلقت وسائل الإعلام: « بيان مشترك من القوى الوطنية السورية في رفض مخططات اجتماع الدوحة» وقعته شخصيات وقوى عسكرية ومدنية، من بينها « الجيش الحر» و « التحالف الوطني السوري» و « الكتائب الميدانية المقاومة في سوريا»، وتضمن البيان أسماءً من بينها العقيد رياض الأسعد والعقيد حسام العواك وسعد العقيدي و د. وائل الحافظ. وجاء فيه: « إنه لواجب علينا أن نوضح للجميع أن الإصرار على إقصاء أبناء الثورة الصادقين إنما هو استمرار في السير على ذات الخطى التي لم تقدم ما هو ايجابي للثورة على مدى 13 شهرا وذلك يدفع إلى زيادة في الشكوك حول ماهية الأجندات التي تم تحضيرها والإعداد لها لما هو أبعد من ذلك من حكومة ووزارات وقيادات تريد فرض نفسها». وأوضح سعد العقيدي، منسق الكتائب الميدانية المقاومة في سوريا، وعضو المكتب التنفيذي في مجلس القبائل العربية السورية: « إن القوى الوارد اسمها في البيان ترفض المجلس جملة وتفصيلا، وتعتبره غير موجود وأن مبادرة رياض سيف لا تعنيهم». أما فيما يتعلق في الموقف من المجلس فهو: « سبب رئيسي في تمزق المعارضة السورية وأن من يقودونه لديهم أجندة حزبية ضيقة للوصول إلى كرسي السلطة ولم يقدموا شيء للشعب السوري»، الذي: « أعطى فرصة للمجلس طيلة أكثر من سنة فما قدم شيء للشارع السوري سوى أن قام باستلام الأموال وسرقتها». وأوضح أن: « المجلس الوطني السوري أعاد إنتاج نفسه وأن جماعة الإخوان المسلمين قسموا أنفسهم في هذه الانتخابات إلى أربع كتل تحت أسماء كتل وطنية إلى آخره حتى يحظوا بالأصوات»، وتجاهل ما اعتبره: « ضعف تمثيل القبائل السورية في المجلس، مشيرا إلى أن أهم مكون في سوريا القبائل العربية التي تشكل 45 بالمائة والتي من المفترض أن تحظى بتمثيل أكبر في المجلس أعطيت فقط 8 أصوات». ما زال الوقت مبكرا على الخاتمة لا ريب أن « المركز» بات مقتنعا للغاية أنه من المستحيل بقاء عائلة الأسد في السلطة بالنظر إلى الإرث الدموي والأمني وما خلفته من قروح غائرة عميقا في الجسد السوري. لذا ما من أحد يشك بزوال الأسد وعائلته إلا من يصر، في اللحظة الأخيرة والحرجة للجميع، على البيع بأبخس الأثمان دون مبرر، بينما الفرصة للثراء أمامه متاحة رغم أنف أكبر التجار والمستهلكين. لكن المشكلة في هؤلاء الذين يستقوون بأفخاخ « المركز» نفسه وإغراءاته لهم اعتقادا منهم أنهم يحققون مكاسب بإثارة مخاوفه أو الاتزام بتوجيهاته وآرائه!!! ومن أمثلة هذه المصائد ما قاله جيمس دوبينز، مدير مركز راند للأمن الدولي والسياسة الدفاعية (7/11/2012)، من أن: « الأحداث قد تجبر أوباما على التدخل بدرجة ما في سوريا وربما يقدم السلاح». وهذا احتمال مرجح فعلا، لكن ليس لخدمة الثورة بقدر ما هو الخشية منها. ولعل جاستين فايس الباحث في معهد « بروكينغز» أحسن في التشخيص حين قال: « إن عدم التدخل عسكريا في سوريا أدى إلى اتخاذ الصراع ضد النظام منحى راديكاليا، وهو ما يفسح (المجال) لدخول الجهاديين والقاعدة، ولنشوب حرب أهلية ستكون لها تبعات على الأردن والعراق وعلى التوازنات في لبنان». ولهذا السبب رأت مارينا اوتاواي، الباحثة في مركز « كارنيغي للسلام» الأمريكي (14/11/2012) أن: « الولايات المتحدة تريد تنظيما عسكريا موحدا .. يمكن أن ترسل إليه المساعدات المالية والعسكرية ويقطع الطريق أمام الجهاديين » .. وتعلق على الرغبة الأمريكية بتشكك: « إنها خطة ملفتة لكنني لست واثقة من إمكان نجاحها». فما هي، إذن، منزلة تصريحات العميد مصطفى الشيخ وهي تحذر من « تحول الثوار السوريين إلى إرهابيين - 10/11/2012» حين قال: « إذا لم يكن هناك قرار سريع لدعمنا، فإننا جميعا سنتحول إلى إرهابيين؟ » هل يمكن تصنيفها في خانة ابتزاز « المركز»؟ أم في خانة تقديم الخدمات له؟ أم في خانة المكر به؟ قلنا وما زلنا نقول بأن الحل المطروح على السوريين من « المركز» هو الحل السياسي الذي يقوم على صيغة « الحل مع النظام»، وبما يضمن بقاء الطائفة النصيرية متمتعة بذات الامتيازات التي تتمتع بها، شريكة كاملة في السلطة. وكما سبق وأعلن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي، أن حل الجيش وأجهزة الدولة والأمن غير وارد في سوريا. وها هو الرئيس الأمريكي يتحدث صراحة عن دولة « ديمقراطية .. ومعتدلة .. تشمل كل المجموعات»، وكذا الرئيس الروسي الذي أعطى « الأولوية» لحقوق الأقليات والطوائف ومستقبلها واندراجها في السلطة قبل أن يتحدث عن حقوق الشعب الجريح. أما الإبراهيمي فلم يفته أن يذكِّر المعارضة السورية، ومن لا يتذكر أو يتعظ، وقبل أن يطالب أحد بتسليح الثورة (5/11/2012) بأنه: « لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن الحل الوحيد هو إيجاد عملية سياسية يتفق عليها الجميع، أو أن المستقبل سيكون سيئا للغاية، وستتدفق الأزمة على دول الجوار وحتى إلى دول بعيدة عن المنطقة». بقي أن نقول أن هؤلاء الذين مثلوا جسرا لـ « الاختراق»، بحسن نية أو بسوء نية، بعلم أو بجهل، لم يحسبوا حسابا كما فعل « المركز» الذي أحسن استدراجهم .. وهو الآن عازم على استنزافهم من عقائدهم وأخلاقهم وقيمهم وإنسانيتهم وانتمائهم وتاريخهم حتى إذا ما سقطوا لن يأسَ عليهم أحد. فهم لا يمتلكون أية ضمانة من « المركز»، وليس لـ « المركز» حتى الآن بديلا عن الطائفة في الحكم. فهي باقية في السلطة ودواليبها .. لكنها عند السوريين مطالبة بكشف حساب ثقيل جدا. وهذا لا يعني ذبح الطائفة أو قتلها، فهي على كل حال موجودة شأنها شأن الكثير من الطوائف، لكنها من المستحيل أن تكون مقبولة في السلطة دون أن تدفع ثمن جرائم الغالبية الساحقة التي ارتكبتها بحق الشعب السوري، أو دون أن تقدم عشرات آلاف المجرمين فيها للمحاسبة، أو دون أن تتحمل مسؤولية انخراطها في النظام والقتل والرعب التاريخي الذي أوقعته في المجتمع، أو دون أن تتحمل مسؤولية استيلائها على الدولة والمجتمع وحقوق الأمة برمتها لعشرات السنين .. هذا الأمر لا يروق لـ « المركز» ولا يقبل به!!! فما الذي ستأتي به إذن الوسطية والاعتدال والتعددية والديمقراطية والمشاركة؟ وما الجدوى أو الغاية منها إنْ لم تسترد حقوق الشعب وتنصفه في مظالمه وعذاباته؟ وما معنى ألا يتعظ عشاق « المركز» من أسلافهم أمثال محمد دحلان (فلسطين) وشيخ شريف ( الصومال) و رباني ومسعود ( أفغانستان ) وطارق الهاشمي ( العراق) وبرويز مشرف (باكستان)، هذا ناهيك عن أولئك الذين أخطؤوا الحسابات فاغتيلوا رغم ما قدموه من خدمات!!! ألا ليت قومي بعلمون. يتبع .... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
البديل إما إبل الثورة أو خنازير أوباما (12) د. أكرم حجازي 23/11/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...006a022c02.jpg يبدو أن جهود « المركز» وحلفاءه وكل المعنيين في احتواء الثورة السورية قد أثمرت في التوصل إلى إجابة على السؤال الحاسم: « ما البديل» عن نظام الأسد « النصيري»!!؟ وهي إجابة ما كانت لتتضح لولا الإعلان عن التشكيلات السياسية والعسكرية التي يحاول البعض، عبثا، تسويقها باعتبارها تعبيرا عن احتياجات الثورة والمجتمع والدولة في سوريا. لكنها في واقع الأمر، وسواء عن علم أو عن جهل، ليست إلا « أدوات» لتمرير أخبث مشروع دولي تتعرض له سوريا، بحيث ينتهي بها المطاف إلى دولة أقليات تحكمها الطوائف باسم « الدولة المدنية»، بعيدا عن أية هوية عقدية أو حضارية أو تاريخية أو موضوعية .. دولة أشبه ما تكون بالدولة اللبنانية الطائفية، والقابلة للحروب الأهلية، والانفجارات الاجتماعية والسياسية بين الحين والحين. فهل صمتت القوى السياسية المعارضة عما يُحضِّر له « المركز» وشاركت في صناعة مشروعه؟ أم أنها عجزت عن قراءة الحدث السياسي؟ من الثوابت التي استقرت مع انطلاقة الثورة السورية، والتي لم يعد ينكرها إلا « عناتر» القوى الدوغمائية من القوميين واليساريين، أن « سوريا النصيرية» لم تخلف إلا كوارث على حركات التحرر والقضايا العربية والإسلامية، فضلا عن المجتمع السوري الذي رضع القهر والرعب جيلا بعد جيل، دون أن يشعر به أو يلتفت إليه أحد. بداية؛ لا بد من التنويه إلى أن فكرة القوى الاستعمارية، ممثلة ببريطانيا وفرنسا، قامت، ولمّا تزل، على تمكين القوى المعادية عقديا من ديار الإسلام ورقاب المسلمين. هذا ما حصل على وجه التحديد للمسلمين بعد الحرب الأولى (1913) وما تمخض عنها من إقامة للنظام الدولي الجديد على أشلاء العالم الإسلامي وعقائد المسلمين. وما يشهد به الماضي والحاضر أن أتاتورك وحلفاءه من يهود الدونمة تصدروا السلطة في تركيا على أنقاض الخلافة الإسلامية، فيما استوطنت الحركة الصهيونية في فلسطين عبر ما يسمى بـ « دولة إسرائيل»، وعملت فرنسا، من جهتها، على تمكين الطائفة « النصيرية» من السلطة في سوريا. وحتى الآن لم تتغير فكرة تربيط العالم الإسلامي والهيمنة عليه بمثل هذه الأدوات والقوى. وبطبيعة الحال لم يتغير الموقف فيما يتعلق بسوريا الثورة بقدر ما عبّر « المركز» عن تمسكه بالفكرة طبقا لصيغة « الحل مع النظام». وهي الصيغة التي تعني، أصلا وفصلا، أن الطائفة ما زالت تحظى بثقة « المركز»، باعتبارها ماركة مسجلة باسم النظام الدولي، لكنها باتت عاجزة عن القيام بواجبها على أكمل وجه، كما فعلت طوال العقود الستة الماضية، بعد أن تم استنزافها، وصار إرثها الأمني والدموي ثقيلا جدا. فما الحل إذن؛ بحيث يمكن تمرير بقاء الطائفة في السلطة ضمن صيغ ومصطلحات يجري الترويج لها على قدم وساق؟ الثابت أن سوريا، كتركيا بالضبط، وريثةً للمجتمع العثماني في بلاد الشام، وتشتمل على مخزون ثري من الأقليات والإثنيات، يقارب عددها ما بين 25 – 30 قومية أو إثنية أو طائفة. وبالتالي ما من سبب يمنع استثمار هذا المخزون الذي يجعل من سوريا القادمة نسخة طبق الأصل عن لبنان .. نسخة تجيب على السؤال: ما البديل»؟ وتلبي مصالح « المركز» وتركيا وإيران و « إسرائيل» والعراق والنظام الإقليمي العربي وكل القوى اللبرالية والعلمانية والطوائف والفرق الباطنية .. نسخة يجري إخراجها بمشاركة دولية ومحلية وطائفية على السواء. إذن الحل النموذجي، بنظر « المركز»، يقضي بـ (1) وجوب الإقرار بأنه بات من المستحيل أن تواصل الطائفة « النصيرية» تَمَلُّكَها المنفرد للدولة والمجتمع في سوريا، ثم العمل على (2) تطوير فكرة التربيط الطائفي لسوريا وليس التخلي عنها. وهذا يعني بالضرورة تقاسم الطوائف والأقليات الأخرى العبء مع « النصيرية»، عبر إشراكها في السلطة وتمكينها من النفوذ باسم « الدولة المدنية» التي تؤمن بالتعددية والتعايش بين الجميع!!! وبهذه الفكرة اللئيمة يكون « المركز» بصدد تضخيم مكانة المربط الطائفي، وتقديم الحماية له والحصانة المحلية بما يكفي، أو يزيد، لضمان ائتمانه على أمن النظام الدولي وحمايته من خطر التفكك لعقود قادمة .. هذا الائتمان لا وظيفة له إلا تعطيل طاقات الأمة، واحتجاز عقيدتها من أن تكون القوة التي تحرك الأمة في مواجهة النوازل والخطوب. أولا: تأهيل الطائفة كان أحمد حسون، مفتي النظام، أول من طرح في 7/11/2012، فكرة تخلي الرئيس بشار عن منصبه والعودة إلى مزاولته مهنة طب العيون. ورغم أنها بدت دعوة مفاجئة، في حينه، إلا أن رفعت الأسد، عم الرئيس، ومهندس تطلعات الطائفة ونفوذها، كررها في سياق إعادة تأهيل الطائفة، حين رشح نفسه بديلا عن الرئيس، في مقابلة مشتركة مع وكالة « فرانس برس» وصحيفة « لوموند – الفرنسية - 14/11/2011»، مشيرا إلى أن: « الحل يكمن في .. تسليم السلطة لشخص لديه دعم مالي، ويؤمن استمرارية جماعة بشار بعد استقالته، يجب أن يكون شخصًا من عائلته: أنا أو سواي». ويبدو أن « المركز» لم يكن، في حينه، يرى ضيرا من بقاء عائلة الأسد في السلطة، وإلا ما كان رفعت الأسد ليتجرأ، ويقدم نفسه أو غيره، كمرشح من صلب العائلة، بديلا عن ابن أخيه بشار. لكن الأكيد أن مراهنات « المركز» على النظام السوري في وأد الثورة تسببت باستنزاف خطير في مشروعية عائلة الأسد على رأس السلطة والطائفة. ولسنا متأكدين يقينا ما إذا كان لـ « المركز» يد في بعض البيانات التي صدرت عن رموز أو شخصيات من الطائفة، جاهرت في رفضها للنظام وما يرتكبه من جرائم بحق الشعب السوري وسوريا. لكن ما نحن متأكدين منه أن مداخلة لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، في مجلس الأمن ضد المندوب السوري بشار الجعفري، على خلفية مناقشة مجلس الأمن لأوضاع اللاجئين السوريين في 31/9/2012 ، وقعت قبل شهر تقريبا من بدء أول اشتباكات مسلحة بين العائلات « النصيرية» وعائلة الأسد في بلدة القرداحة، المعقل التقليدي والتاريخي لعائلة الأسد. ومن المرجح أن فابيوس أراد بمداخلته أن يعلن، إعلاميا وسياسيا، عن مرحلة أفول عائلة الأسد وانطلاق مرحلة إعادة تأهيل الطائفة. ولا ريب أن الخاتمة كانت مهينة للرئيس السوري، وريث « الصمود والتصدي» وشقيقتها « المقاومة والممانعة»، وهو يتلقى أول اعتراف رسمي من القوة الاستعمارية، ومن عقر دار « المركز»، بخيانة أجداده لسوريا. وفي المداخلة قال فابيوس للجعفري: « بما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكرك بأن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنها». بطبيعة الحال فقد كان الوزير الفرنسي يقصد سليمان الأسد، جد الرئيس بشار ووالد الأب وليس جده. عجب المراقبون حقا من اعتراف فرنسا بواحد من أكبر عملائها، لأول مرة، والتشهير به من على منصة دولية كمجلس الأمن. وبدا الموقف الفرنسي، وهو ينزع الشرعية التاريخية والسياسية والأخلاقية عن عائلة الأسد، وكأنه يحمل شحنة « حميمية» تجاه الثورة وعذابات السوريين. لكن هذه « الحميمية» المزعومة لم تكن لتخفى على السوريين، وغيرهم من المثقفين والمؤرخين وشهود الزمن القريب، الذين يدركون دور فرنسا في زرع الطائفة وتأهيلها تاريخيا لتتبوأ قمة السلطة في البلاد. كما لا يخفى على هؤلاء وفرنسا، قبل السوفيات الذي حملوا الطائفة والأسد إلى قمة السلطة بعد حرب السويس سنة 1956، كيف تغلغلت الطائفة في البناء السياسي والأمني لسوريا؟ أو كيف نجح الأسد بتصفية كل خصومه السياسيين والعسكريين حتى من الطائفة « النصيرية» بدءً من انقلاب 8/3/1968؟ وكيف تسببت هذه التصفيات بإيغار صدور الكثير من العائلات « النصيرية» العريقة في الطائفة، دون أن يكون لها إلا الاختيار بين تميُّز الطائفة ولو بحكم آل الآسد أو خسارة السلطة وخيرات السهل الوفيرة. بالكاد مرّ شهر على « الشجاعة» الفرنسية في مجلس الأمن؛ حتى انطلقت تصفية الحسابات القديمة في مسقط الرأس، مطلع شهر أكتوبر / تشرين الثاني 2012 لتستمر إلى حدود النصف منه. وخلالها شهدت القرداحة اشتباكات بين آل عثمان وآل الخير من جهة وآل الأسد ومخلوف وشاليش من جهة أخرى. وتبع ذلك تدخل أمني كثيف من قبل النظام، وتحليق للطيران المروحي، ونزول لعشرات الدبابات، وحملات اعتقال في المناطق « النصيرية». كما تبع الصدام الأول الإعلان عن تشكيل جماعة علوية باسم « العلويون الأحرار»، والتي دعت العلويين في كل سوريا للثورة على نظام الأسد، وبحسب البيان الصادر عنها في 5/10/2012 نادت الجماعة بتوقف الطائفة عن القتل ودعم الأسد: « يا علويي سوريا كفى. ثوروا متّحدين ضد العائلة الفاسدة التي تبحث فقط عن الخيانة والمال والسلطة». وكان أبرز ما تبع هذه الاشتباكات ما نقلته وكالة آكي الإيطالية للأنباء عن مصدر أوروبي « رفيع المستوى» تحدث، في حينه (5/10/2012)، عن: « احتمال وقوع توافق روسي غربي ينهي الصراع ويسرّع التحول الديمقراطي في سوريا. وعن تغير في الموقف الروسي، بعد أن: « أصبحت هناك قواسم مشتركة، خاصة حول مسألة حتمية تغيير النظام». بل أن معلومات المسؤول الأوروبي رجحت، بحسب الوكالة،: [ موافقة الروس على مقترحات أوروبية - أميركية لها علاقة بتغيير النظام السوري وبالأشخاص والمراحل والأفكار، قائلا: « غالبا ما سيتم بحث تنحي الأسد والضمانات التي ترافق ذلك» ] . ثانيا: وثائق بلا دين!!! بطبيعة الحال كانت المعارضة السورية، على اختلاف ألوانها وأطيافها، كالطائفة « النصيرية»، قيد التأهيل المبكر الذي رعاه « المركز» بشقيه الشرقي والغربي. وقد يبدو مألوفا، بحكم البراغماتية، أن تتغلب، وكالعادة، نظرية « المقاصد لشرعية» عند « الإخوان المسلمين» على « نظرية الحاكمية». بل أن ما فعله إخوان سوريا لم يستطع أي فرع للجماعة أن يجاهر به في أية دولة تواجد بها الإخوان حتى لو كانت شريكة في غزو أجنبي كما حصل في العراق وأفغانستان أو محايدة تجاه غزو كما هو حال الجماعة في الصومال. ففي 21/3/2012 صدر عن الجماعة ما اشتهر باسم وثيقة « العهدة الوطنية». وهي الوثيقة التي تستجيب بلا أية مواربة لشروط « المركز». وكان أهم ما نادت به اعتماد « مبدأ الكفاءة» كمعيار تقني وحيد للوصول إلى المناصب الحكومية في سوريا الجديدة، بعيدا عن أية مرجعية إسلامية أو منطق موضوعي يأخذ بعين الاعتبار عقيدة الغالبية الساحقة من السكان أو حضارة البلد أو تاريخها أو ثقلها في التراث العقدي أو حقوق المسلمين فيها. ولا شك أن استبدال هوية الأمة وعقيدتها بما يسمى « حكم القانون» يجعل من سوريا دولة مجردة من أية ضمانة، وخاضعة بالمطلق لأهواء ومطالب ورغبات الأقليات والطوائف والأفراد والعصابات والجماعات والأحزاب والفلسفات الوضعية والأيديولوجيات وكل مخزون التمزق والتشتت. ومبدئيا يبدو عامة الناس والمسلمين، على وجه التحديد، هم الخاسر الأكبر، في حين أن الجميع سيخسرون لا محالة. إذ أن هذه القوى التي عجزت عن الاتفاق فيما بينها، وعن حماية نفسها ولو على مستوى الأفراد، فضلا عن عجزها في دعم الثورة، وحماية المجتمع والدولة والسكان من بطش النظام، ستكون أشد عجزا عن حماية سوريا ومصيرها ومستقبلها وسط هذا التمزق الهائل والمرجعيات المصطنعة بلا أي منطق ولو موضوعي. مع كل المحاذير الخطرة والمدمرة لمثل هذه الوثيقة؛ إلا أن العناد كان سيد الموقف. وبعد بضعة أيام، خرج زهير سالم، الناطق الرسمي باسم « الإخوان المسلمين» في سوريا، على قناة « الجزيرة» ليعلق على الاعتراضات التي طعنت في الوثيقة، على خلفية قبولها بولاية الكافر على المؤمن. فقال: « لنكن صريحين .. فالذي يقبل بالديمقراطية وشروطها عليه أن يقبل باستحقاقاتها .. لا يجوز أن نتحدث عن العدالة والمساواة والحرية ثم نضع الشروط المانعة»!!! فهل الحكم الشرعي من الشروط المانعة؟ وهل عقيدة الأمة وهويتها من الشروط المانعة؟ وهل الخوف على مصير سوريا ومستقبلها من الشروط المانعة؟ وهل ثمة ضمانة منطقية واحدة، ولو موضوعية، تبرر إصدار مثل هذه الوثيقة!!!؟ بطبيعة الحال لم يتوقف العناد عند هذا الحد، بل أن محتوى الوثيقة جرى التأكيد عليه في مؤتمر القاهرة للمعارضة ( 2 – 4 / 7 / 2012). هذا المؤتمر، الذي تحول إلى حلبة ملاكمة، بالكراسي والأيدي، فيما بين المؤتمرين، تجرأ على إصدار وثيقة باسم « العهد الوطني – 3/7/2012» لا تليق إلا به وحده، ولا تلائم إلا رغبات « المركز»، المحارب لكل ما يمت للإسلام بصلة. وبحسب الوثيقة: « يحقّ لأيّ مواطن أن يشغل جميع المناصب في الدولة، بما فيها منصب رئيس الجمهوريّة، بغض النظر عن دينه أو قوميّته، رجلاً كان أم امرأة». أما هوية الشعب السوري فجاءت أشد وضوحا مما جاء في وثيقة « العهدة الوطنية»، إذ أن العلاقة الوحيدة التي تربط الشعب السوري بغيره من الشعوب العربية الإسلامية ليست سوى (1) علاقة تاريخية مشتركة، أو مجرد (2) قيم إنسانية ذات علاقة بالسماء!!! ووفقا للنص: « تربط الشعب السوري بجميع الشعوب الإسلامية الأخرى جذور تاريخية مشتركة وقيم إنسانيّة مبنية على الرسالات السماوية». لكن أطرف ما في الوثيقة أنها استكثرت في متنها، ولو من باب ذر الرماد في العيون أو رفع العتب أو التحرص من ردود الفعل، ذِكْرَ اسم « الله» الأعظم في أية صيغة كانت، ولو في صيغة ابتدائية كـ « البسملة» أو اعتراضية كـ « الحمد لله» أو « إنشاء الله»، ولا حتى كلمة « الإسلام». وذات الأمر حصل في الإعلان المسمى بـ « إتفاق الدوحة بين أطراف المعارضة السورية ١١ / ١١ / ٢٠١٢ حول الإعلان عن تشكيل « الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، والذي ترأسه الداعية أحمد معاذ الخطيب!!! وغني عن البيان أن هذا الفعل الهجين لا يتصل بـ « المساواة» ولا بـ « العدالة» ولا بـ « الحرية». كما أنه لا ليس بسقطة أو غفلة بقدر ما هو فعلٌ متعمدٌ وعدائيٌ ومنكرٌ ومصرٌ على محارب الله ورسوله والمؤمنين. إذ لا يمكن استبعاد الإسلام كليةً ثم الزعم بأن الشعب مسلم، ولن يستطيع أحد أن يغير هذا الواقع. ولا يمكن إدارة الظهر لعقيدة الأمة ثم الادعاء، زورا وبهتانا، بأن القانون يضمن حرية العقيدة. ولا يمكن القول بالتعددية الطائفية وحقوق الأقليات ومشاركتها التامة في السلطة وتمكينها من النفوذ بالشروط التي ترتضيها ويرتضيها « المركز» ثم تبرير هذا الزعم بالحرية والمساواة!!! فكيف يتساوى من قدم أفدح الخسائر لاستعادة حريته وحرية الأمة ودينها وتاريخها وهويتها بمن هو مسؤول عن ارتكاب أفظع الجرائم والموبقات؟ بل ما هي هوية سوريا في ظل هذه التعددية التي تعلن كل طائفة فيها أو أقلية أو إثنية عن هوية وانتماء وولاء لا يمت بصلة إلى العروبة والإسلام؟ ثالثا: انتقال السلطة الثابت لدينا أن « المركز» لم يسبق له أن تحدث عن « إسقاط النظام» بقدر ما ركز على « إسقاط « الأسد» أو « عائلة الأسد» على أبعد تقدير. لكنه تحدث مرارا عن « التغيير» أو « الانتقال السلمي» للسلطة. أما الانتقال، في سوريا، فيعني بقاء النظام أو إعادة إنتاجه بنفس الأدوات التي دمرت سوريا، لكن بمواصفات ومعايير جديدة، تستجيب لحدث صار تجاوزه أو غض الطرف عنه من ضروب المستحيل. كما أن الانتقال يعني استحالة المراهنة (على) أو السماح ( بـ ) وقوع انقلاب عسكري يطيح بالأسد، وكذا منع الرئيس من مغادرة السلطة، تجنبا لوقوع فراغ سياسي. ولو أن النظام في سوريا بات خارج السيطرة والمراقبة والتحكم الدولي لكانت ضربة واحدة كـ « خلية الأزمة» كافية لإسقاط أعتى النظم الاستبدادية. فما هي أسس « انتقال السلطة» لدى « المركز»؟ وماذا تعني « الدولة المدنية» بعرفه؟ • المبدأ الأول: منع قيام حكم سني تعني منع قيام حكم سني. ولا شك أن أوضح التصريحات الفاضحة، في هذا الصدد، هي التي أدلى بها أحد رموز « المركز» وحمل فيها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بشدة على قادة الغرب، عبر إذاعة « كومرسانت إف إم – 21/3/2012». فقال: « إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد». وجاءت هذه التصريحات ردا على ما بدا للروس انتهازية سعى من ورائها الشق الغربي من « المركز» إلى تحسين سمعته الدموية في العراق وأفغانستان، عبر التباكي على الحرية وحقوق الإنسان والمذابح المروعة في سوريا، في حين أن المشكلة كما قال ألكسندر أورلوف، السفير الروسي في باريس (20/7/2012)، تكمن في حماية النظام الدولي وليس فيما يزعمه الغرب من دعم للرئيس السوري. ومن الواضح أن لافروف يحذر صراحة وباستهجان من قيام حكم سنى، حتى ولو علماني، ولسان حاله يقول: « أتريدون حكما سنيا في سوريا»!!!؟ وبعيدا عن المناكفات ذات الجدوى!! فلا شك أن « المركز» سيجتهد لمنع قيام نظام ينتسب إلى السنة، بقطع النظر عن كون غالبية السكان من السنة. لأن دولة يحكمها السنة تمثل، بالنسبة لـ « المركز»، خطرا شديدا على أمن النظام الدولي ومستقبله. • المبدأ الثاني: منع تفكيك النظام لكن صراحة ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي، لا تقل عن صراحة لافروف وتحذيراته. بل أن التوافق على ترتيب انتقال سلمي للسلطة وفق الشروط الدولية بات على كل منبر، وحديث كل مقالة، وفي كل محفل ظاهر وباطن، وعلى النقيض من البيانات العنترية للمعارضة المنادية بإسقاط النظام ومحاكمة هذا وذاك وإقامة دولة مدنية وتعددية وما إلى ذلك ... ، كل هذه البيانات هدمها ليون بانيتا في مقابلة تلفزيونية ( 31/7/2012 )، وثبت النظام القائم حين أكد: « إن الحفاظ على الاستقرار في سوريا سيكون مهما وفق أي خطة تتضمن رحيل الأسد عن السلطة، وأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو الحفاظ على أكبر قدر من الجيش والشرطة متماسكاً». وهو ما أكدته لاحقا وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون 12/8/2012 بالقول: « يتوجب على الشعب السوري قيادة عملية الانتقال السياسي وأن يحافظ على سلامة المؤسسات السياسية بالبلاد». ولعله كان مثيرا ذلك التبرير الذي قدمه بانيتا تعقيبا على تصريحه هذا؛ حين سئل عن سبب رغبة الولايات المتحدة في الإبقاء على مؤسسات النظام في سوريا وعدم حلها، فقال: « حتى لا نكرر خطأ العراق»!!!! وهو زعم فيه من النفاق والزور والكذب والبهتان العظيم ما لا تحتمله حتى العقول البائسة. فالعراق كان دولة يحكمها من انتسبوا إلى السنة إلى أن احتلتها أمريكا، وهدمت كافة مؤسساتها، ثم سلمتها للشيعة على طبق من ذهب، في حين أن النظام السوري طائفي أصلا، وكذلك هي مؤسسات الدولة!!! فما هي مصلحة الولايات المتحدة في هدم نظام ودولة وطائفة استئمنت تاريخيا على أمن النظام الدولي واستقراره وحماية « إسرائيل»!!!؟ • المبدأ الثالث: دولة الطوائف؛ وخاصةَ! خلال اجتماعات المجلس الوطني في الدوحة تطوع المجتمعون بانتخاب جورج صبرا على رأس الأمانة العامة، كتعبير واضح عن قبوله قواه الكبرى أطروحة « المركز». وغداة الإعلان عن « الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية – 11/11/2012»، التشكيل السياسي الجديد في العاصمة القطرة – الدوحة، كان أول مطلب أمريكي ورد في تعقيب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على الإعلان حريصا على مستقبل الطوائف: « إن إحدى المسائل التي سنواصل التشديد عليها هي التأكد من أن هذه المعارضة تتجه نحو سوريا ديموقراطية ومعتدلة وتشمل كل المجموعات»!!! ومن جهته أدلى أول من اعترف بـ « الائتلاف الوطني»، فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، وبعد ساعة ونصف من لقائه رئيسه، أحمد الخطيب، بتعليق تناول فيه الحكومة الانتقالية العتيدة (17/11/2012)، كشف فيه عن أنه: « سيكون هناك سفير لسوريا في فرنسا معين من قبل رئيس الائتلاف»، وفعلا صار هناك سفير من الطائفة « النصيرية» هو منذر ماخوس!! كما ذكَر ضيفه، في مؤتمر صحفي، بما يتوجب على الحكومة العتيدة الالتزام به: [ إن الحكومة المقبلة التي سيشكلها الائتلاف يجب أن تضم « كافة مكونات سوريا» خصوصا « المسيحيين والعلويين» ]. • المبدأ الرابع: الأولوية لحقوق الأقليات والطوائف وليس للشعب وإذا كان فرانسوا هولاند قد اختص المسيحيين والعلويين بالأولوية فقد قدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، « كل الطوائف والأقليات على الشعب السوري». وكان في موسكو، أشد صراحة وأكثر وضوحا، خلال مؤتمر صحفي مشترك (15/11/2012) رفقة أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، حين أعلن: « إن موقف بلاده يعطي الأولوية لتحقيق اتفاق حول المستقبل، وإنه يجب أولا تفهم كيفية ضمان احترام المصالح والحقوق المشروعة لمختلف الطوائف والقوميات قبل البدء في التغيير، وليس تنحية الرئيس السوري بشار الأسد»، ثم التفكير في الخطوة التالية!!! • المبدأ الخامس: آليات التنفيذ هكذا فإن كل ما بقي من أمر « انتقال السلطة» ربما يجده بوتين في الاجتماع القادم لـ « أصدقاء الشعب السوري»، والذي سيعقد في مراكش ( 12 /12/2012 )، بمشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية، وبحضور: « أكثر من مائة وفد وأعضاء الائتلاف الجديد للمعارضة السورية، إضافة إلى: « ممثلي المنظمات الدولية والمجتمع المدني». وبحسب ما أعلنته وزارة الخارجية المغربية فسيركز المؤتمر « خاصة» على ما يروق للرئيس الروسي كالبحث عن: « وسائل تأمين الانتقال السياسي»!!! ويبدو أن هذا المؤتمر الذي لم يفعل شيء للثورة السورية منذ انطلاق أولى اجتماعاته سيجد له، هذه المرة، عملا دسما في مراكش. فهل بعد كل هذا بقي شيء للشعب السوري من « الدولة المدنية» أو « دولة القانون» التي تلوح بها المعارضة بديلا عن « الدولة الأمنية» في حين أنها ليست سوى « سلطة طوائف؟ وهل ستحظى الغالبية من الشعب السوري بالحرية والعدالة والمساواة والتسامح إذا كان الروس قد حرصوا، قبل « التفكير بالخطوة التالية»، على تقديم مصالح وحقوق الأقليات على مصالح وحقوق شعب برمته؟ وهل ثمة من يحق له لوم القوى الإسلامية، وكذا القوى المسلحة الأخرى للتشكيلات السياسية والعسكرية الجديدة، التي خرجت من رحم ضغوط وصلت إلى ما يوازي « سجن» الوفود و « عزلهم» خلال « اللقاءات التشاورية» التي انعقدت في العواصم العربية!!!!!؟ رابعا: رد القوى الإسلامية على كل حال؛ فليست ميادين الثورة والقتال هي التي مهدت لكل هذه الاختراقات والتنازلات والانحطاط في الخطاب السياسي للمعارضة، فالغالبية الساحقة من كتائب الثورة ومقاتليها وأهلها، فضلا عن عامة الناس، تتجه نحو الإسلام، وتلتجئ إلى الله، طلبا للحماية وتوسلا إليه بالنصر والرضى. أما المعارضة السياسية فالواقع يؤكد أنه لم تأخذ بنظر الاعتبار أية تطلعات اجتماعية للمدنيين والعسكريين. ولم يعد لها من هّمْ إلا التنصل من كل حق لله وللعباد، ولم تجد من تلتجئ إليه إلا « المركز» وشياطين الإنس والجن. ولم تحرص إلا على جرّ الناس إلى الهاوية التي تسعى إليها طائعة. أما ما بدا سطو على الثورة وإنجازاتها وسمتها الإسلامي؛ فقد تصدت له التشكيلات الإسلامية المقاتلة في مدينة حلب حين أصدرت بيانها المرئي الشهير في 18/11/2012. وبموجبه أعلن 14 تشكيلا عسكريا رفضه للتشكيلات السياسية الجديدة. وقال البيان: « نعلن نحن التشكيلات المقاتلة على أرض حلب وريفها رفضنا المشروع التآمري لما سمي الائتلاف الوطني، وتم الإجماع والتوافق على تأسيس دولة إسلامية عادلة». كما رفض البيان: « أي مشروع خارجي من ائتلافات ومن مجالس تفرض علينا في الداخل من أي جهة كانت». أما القوى المعنية فهي: • جبهة النصرة؛ • لواء التوحيد؛ • كتائب أحرار الشام؛ • أحرار سوريا؛ • لواء حلب الشهباء الإسلامي؛ • حركة الفجر الإسلامية؛ • درع الأمة؛ • لواء عندان؛ • كتائب الإسلام؛ • لواء جيش محمد؛ • لواء النصر؛ • كتيبة الباز؛ • كتيبة السلطان محمد؛ • و لواء درع الإسلام. بطبيعة الحال فالبيان يمثل نوعا من الانكشاف الأمني والسياسي للقوى الإسلامية في منطقة حيوية تتربص بها قوى الاستخبارات العالمية كمدينة حلب. لكنه بدا ضرورة ملحة، للقوى الإسلامية، للرد، بمشروع مضاد، على التشكيلات السياسية وما تحمله من مشاريع ذات مرجعية ومطالب دولية وليست محلية كما يحاول البعض أن يروج. والحقيقة أن الكثير من القوى الوطنية رفضت هذه التشكيلات وأطروحاتها ومطالبها وما بدا ارتباطات لها بـ « المركز». وقد شهدت العديد من المناطق في سوريا لافتات تجاهلتها وسائل الإعلام، كونها تعاكس في المضمون والاتجاه ما دعا إليه أحمد الخطيب من شعارات كتلك التي ظهرت مثلا في قرية بنش. ومع أنها ( المعارضة السياسية) وصلت الليل بالنهار وهي تتحدث عن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والتسامح، إلا أنها أقامت الدنيا ولم تقعدها، ومارست أقصى درجات الإقصاء بحق المخالفين. ولم تر في البيان إلا مصدرا للفتنة وشقا للصفوف!!! وشرعت في ترقية حملات تشويه لم تتوقف، قبل التشكيلات الجديدة وبعدها. وبدا لها أن المحلل على بلابل الدوح محرم على الطير من كل جانب. وتناست المعارضة أن أحداً في الثورة والشعب السوري والأمة لم يفوضها بتعمد إقصاء العقيدة مرات ومرات، والتفريط بهوية البلاد والعباد، والخضوع لشروط « المركز» ومطالبه، والتمهيد لاختراق صريح في الساحة السورية، والتحضير لفتن قادمة يعلم الله وحده إلامَ ستؤول نهاياتها. ورغم أن الدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة هي حلم كل مسلم للخلاص من الهيمنة والتبعية والفلسفات الوضعية ودساتيرها وقوانينها الجائرة، إلا أن البيان كان يحمل، بدايةً، ردا على المحاولات المحمومة لإقصاء القوى الإسلامية العاملة على الأرض وغيرها من القوى المناهضة والرافضة للتشكيلات الجدة وأطروحاتها السياسية المستوردة. والثابت، وفق نص الإعلان، أنه تحدث عن « توافق» بين المجتمعين « على تأسيس دولة إسلامية عادلة» في مقابل مشروع « الدولة المدنية» أو بالأصح « دولة الأقليات» المنتظرة. ولم يكن إعلانا صريحا لميلاد « الدولة الإسلامية». أما ردود الفعل من بعض القوى الإسلامية فلم تكن على خلفية الإعلان بل على خلفية الخشية من افتراق الجماعات الإسلامية بعد أن أصدرت « كتائب أحرار الشام» بيانا في اليوم التالي (19/11/2012) تنصلت فيه مما ورد في بيان « التشكيلات المقاتلة»!! ولما لاحظت « الكتائب» وجود قوى تنشط في استغلال موقفها خاصة ضد « جبهة النصرة» أصدرت بيانها الثاني في 20/11/2012 بعنوان: « كتائب أحرار الشام و مشروع الأمة»، لقطع الطريق على ما اعتبرته « الاصطياد في الماء العكر». وجاء فيه: « سارع البعض لاستغلال الحدث، وصنّف كتائبنا كمتبنّية وداعمة لمشروع الائتلاف الوطني السوري، والحقيقة أننا لم نستشر في إنشائه وليس لنا أية صلة بأعضائه، تنظيميةً كانت أم تحالفية. وزاد البعض الآخر في الاصطياد في الماء العكر، محاولاً إظهار انقسامٍ متخيّلٍ في صفوف المجاهدين في الداخل السوريّ حيال غايةٍ؛ جلُّ من يجاهد في سورية يتطلع لأن يراها واقعاً قائماً، والحقيقة أن بعض الإخوة انطلقوا في بيانهم من محبّة صادقة للدين، وخوف من تَخطُّفِ ثمرة جهادهم وتبنّي طروحات لا تمتّ لمشروع الأمة ورؤيتها بصلة. فأصدروا بياناً دون الرجوع إلى القيادات ومدارسة جدوى وواقعيّة الطرح». واضح من بيانات القوى الإسلامية أنها اجتهدت في مواجهة التطورات الجديدة. والأوضح أن اجتهادها، بخصوص المشروع الإسلامي الذي يأتي ردا على المشروع العلماني الطائفي، لا يخرج عن صميم السياسة الشرعية التي تتسع للتباينات وليس للافتراقات. وهو ما حرصت « أحرار الشام» على بيانه والتأكيد عليه. سؤال: هل يمتلك « المركز»، في مشروع التعدد الطائفي، عناصر للحل أم عناصر للانفجار؟ ذلك هو السؤال الذي يسبق أية أسئلة أخرى قد يكون الميدان أقدر على الإجابة عليها من أي تحليل. ومن حيث المبدأ فقد أثبتت التجارب أن « المركز» لا يسمح بمرور « حاكمية الشريعة» في أي مشروع إسلامي. وفي نفس الوقت يبدو من شبه المستحيل أن يقبل السوريون بدولة جديدة تحكمها الأقليات والطوائف بعد ستين عاما من الدم والهدم والرعب. وليس من المتصور أن يفلت السوريون من القطرة ليقعوا تحت المزراب. فالطائفة التي أوغلت إيلاما وقهرا في الجسد السوري، هي ومن حالفها، لا يمكن أن تكون شريكة في السلطة إلى جانب الطوائف الأخرى، ولا يمكن أيضا الحديث العبثي عن تصفيتها. أما الممكن الصحيح فهو الإقرار بأن الطوائف باقية دون أدنى شك، وأن حقوقها ستبقى محفوظة شرعا وعقلا وأخلاقا إلا من أصاب منها دما حراما. والحل المنطقي الوحيد، الذي يعيد للجميع حقوقه، يكمن في تجريد « النصيرية»، على وجه التحديد، من كل نفوذها، ومن تملكها للمجتمع والدولة، ومن كل عناصر قوة التي تمتلكها، ومنعها من المشاركة في السلطة لقاء ما ارتكبه أبناؤها من جرائم وحشية، وخشية من إفساح المجال لها ثانية للسطو على الدولة والمجتمع. ومن المؤكد أن « المركز» لن يقبل بهذه النهاية، لكن من الممكن الوصول إليها، وفرضها بالقوة إذا نجحت قوى الثورة قاطبة، بدعم من المجتمع، أن تُحدِث فارقا عسكريا على الأرض ضد النظام. وحينها فقط يمكن الحديث عن « إسقاط النظام» وليس « إسقاط الأسد» فحسب. وإلى ذلك الحين، وطبقا للظروف الراهنة، وحتى لا يجري تعميم دول الطوائف على الأمة، حيث لن يفلت منها بلدا، فمن المؤكد أن إبل الثورة ستكون خيرا للثورة والثوار من خنازير أوباما. يتبع .... نشر بتاريخ 23-11-2012 |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
جزاكِ الله خيرا ياغراس
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
وجزاك بمثله...وبارك الله فيك اختي الفاضلة أم ماسة في حفظ الله |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
« جبهة النصرة» و الإرهابيون د. أكرم حجازي 13/12/2012 http://www.almoraqeb.net/main/infima...a2faf4f450.jpg لم يكن القرار الأمريكي القاضي بوضع « جبهة النصرة» على قوائمها لـ الإرهاب» إلا واحدا من أحمق القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية وأبينُها عدوانية وأبلغها إرهابا في تاريخ القرارات الأمريكية ذات الصلة بقوائمها لـ « الإرهاب». ولو فتشنا في خلفيات القرار وظاهره وباطنه وسطحه وقاعه أو من وقف خلفه وحرض عليه فلن نَغْلب في التأكيد على أن الإسلام هو المستهدف الوحيد من القرار وليس « النصرة» ولا « شبيحة» الأسد!!! هذا فضلا عن أن الجمع بين أنبل الخلق وأحطهم مكانةً لا يستوي إلا من كانت مكانته الأخلاقية والإنسانية أشد انحطاطا من « الشبيحة» أنفسهم. وهذا ليس غريبا على من من كانت أخلاقهم وتاريخهم هو تاريخ العصابات والقتلة والمجرمين واللصوص الذين سفكوا الدماء في شتى أنحاء الكرة الأرضية، ولمّا يزالوا يفعلون. فعلى ما يشي القرار أن حشر « شبيحة» النظام في القرار الأمريكي ليس له من معنى ظاهر إلا توخي الإهانة والتحقير لأطهر البشر مقابل تبرئة النظام من الإرهاب ولصقه بأدواته. ولم يعد يخفى على أدنى فهيم في السياسة أن كل ما حظي به النظام الطائفي ليس سوى حزمة عقوبات اقتصادية وحظر سفر على بعض رموزه وحرمانهم من الكافيار .. لكن الحقيقة الثابتة، دبلوماسيا وقانونيا، أنه لا يزال يتمتع بكامل الشرعية القانونية والسياسية في النظام الدولي، ولا يزال الجعفري، ممثل النظام، يغرد بكل تحد ووقاحة بخطاباته النارية من على منبر مجلس الأمن والأمم المتحدة وفي عقر دار أمريكا. وعلى ما نعلم أيضا، ويعلم بقية خلق الله، أن النظام الطائفي في سوريا كان الأولى بوضعه على قائمة الإرهاب الأمريكي. فالنظام، فقط في سياق الثورة، هو الذي يشن حملات الإبادة المنظمة التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أزيد من 50 ألف ممن علمنا أسماءهم وتلقينا جثثهم، وجرح مئات الآلاف المسجلة أسماءهم، واعتقال عشرات الآلاف، فضلا عن أمثالهم وأكثر من المفقودين والمختطفين والمختفين والمغتصبين والمنتهكين، وخمسة ملايين مشرد ونازح، وتدمير لعشرات المدن، وأكثر من مليوني منزل، وقائمة لا تتوقف من أبشع الجرائم!!! إذا كانت كل هذه الجرائم لا تكفي لوضع النظام على قائمة « الإرهاب» فما الذي فعلته «جبهة النصرة» كي تستحق ما لم يستحقه النظام الطائفي!!!!؟ في المقابل فما من عيب واحد سُجل بحق « جبهة النصرة» منذ نشأتها إلى اليوم، مع العلم أنه ما من ساحة قتال في كل التاريخ الإنساني وحتى الإسلامي إلا وظهر بها أخطاء. وعلى العكس مما زعمه الزاعمون والمغرضون وأصحاب التأويلات الخاطئة، من اللحظة الأولى، فقد حصدت « جبهة النصرة» من الاحترام والتقدير ما لم تحصده أية جماعة مقاتلة دون أن ينقص هذا، مقدار ذرة، من جهاد القوى الصادقة والأمينة والحريصة على عقيدتها وشعبها ومصير أمتها. وظلت مكانتها في تصاعد إلى أن استحقت لقب « درة الثورة» السورية، رغم أنف الحاقدين والمميعين والملبسين والمضللين والبؤساء والبائسين وسوآى الوجوه والعقول. حتى وسائل الإعلام المغرضة التي حاولت سرقة جهاد الجبهة ونسبته لغيرها لم تستطع الإفلات من الإقرار بالحقيقة والتوقف، ولو إلى حين، عن الافتراء والكذب على الجبهة والتجاهل والتنكر المتعمد لجهادها، بعد أن هزت عملية الأركان صروحا أمنية دولية، وإلى أن صار الشارع السوري يتباهى بـ « جبهة النصرة»، التي أثبتت واقعا أنها اسم على مسمى. بل أن الجبهة تحولت إلى أهزوجة للقوى المقاتلة في الثورة وصارت تضرب وتهدد بسيف الجبهة كلما استعصى عليها موقع قتال من ثكنة أو حاجز أو تجمع لمجرمي النظام. كل المجتمع السوري والثوار، مع كثير من المحللين والمنصفين، ووسائل الإعلام، المتسللة إلى ساحات القتال، شهدت لمقاتلي « النصرة» بنكران الذات والصدق والشجاعة والبطولة وسمو الأخلاق والرفق بالسكان والمسارعة إلى نجدة الثوار والضعفاء والنكاية الجسيمة بالنظام وتقديم الإغاثة والبعد عن التذمر والتوسل والاحتساب إلى الله والإيثار .. جبهة لم يسبق لها أن طالبت بتدخل دولي ولا بحظر جوي ولا بمناطق عازلة ولا بأية مساعدة من أية جهة كانت .. ولا سعت إلى مناصب أو نازعت على كراسي أو سلطة .. ولا دخلت في أية مساومات أو غرقت بالأماني والطموحات أو آثرت السلامة حينا ما .. فهل هذا الرصيد الذي لا يختلف عليه أحد هو الذي يقف خلف قرار وضع الجبهة على قائمة « الإرهاب»؟ وهل هو ذات المحتوى الذي تصنفه بعض القوى والقيادات السورية البارزة في المعارضة بـ « التطرف» !!!؟ وأنه، تبعا لذلك لا مكان لـ « جبهة النصرة» في « المجلس العسكري» الجديد باعتبار: « التنظيمات المتطرفة أقلية وأن للنظام يد في تشكيلها» كما يقول مصطفى الصباغ، الأمين العام لـ « ائتلاف المعارضة» السورية !!!؟ اسطوانة سفيهة لا يستسيغها حتى عتاة السفهاء، ففي العادة كانوا يتهمون مثل هذه الجماعات بكونها صناعة أمريكية، أما اليوم فقد صارت، عند « الأمناء الجدد»، صنيعة النظام السوري، ونسوا أية صنيعة هُمْ!!! « النصرة» كباقي تيارات « الجهاد العالمي» ليس لها من هدف إلا الأهداف الشعبية الساعية إلى التخلص من الظلم والاستعباد والهيمنة الدولية .. وهي، حقيقة وواقعا راهنا، تنظيم محلي يقاتل نظاما دمويا يشن حربا على شعبه، ويدمر البلاد برمتها، وليست لديه أية روادع عقدية أو قيمية أو إنسانية .. وحتى الرضيع في سوريا ليس له حصانة عند هذا النظام. وتأسيسا على ذلك ليست الجبهة تنظيما يهدد أو يضرب السلم الاجتماعي. أما على المستوى الإقليمي فلم يظهر في أيِ من إصداراتها أنها تبنت الخروج من حدود سوريا أو هددت أحدا في الداخل أو في الخارج غير النظام ... أما القرار الأمريكي فلم يصدر ولن يصدر بناء على أي مما سبق. والمبرر الوحيد لصدوره هو تبني الجبهة في خطابها السياسي إقامة دولة إسلامية تحكم بموجب الشريعة الإسلامية بعيدا عن الاستبداد والهيمنة .. فهل ثمة تطرف غير هذا الذي يتحدثون عنه؟ بطبيعة الحال ثمة قوى خبيثة وكاذبة وغبية، هي من وطأت بعدائها التقليدي وبدعوتها وموافقتها، سرا أو علانية، لتمرير القرار الأمريكي. ولا ريب أن مثل هذه القوى الشريرة والعنصرية وكذا الشخصيات الدنيئة، وصنائع المخابرات الأمريكية والدولية، التي جاهرت بخصومتها وبغضها للجماعات الإسلامية عامة ولـ « جبهة النصرة» خاصة، وأعربت صراحة عن بغضها حتى لكلمة « جهاد» و « إسلام» .. بل ولاسم « الله» الأعظم عز وجل .. لا يمكن أن تكون أمينة على مصالح الشعب السوري وعقيدته ومصيره، ناهيك أن يكون لها بعض من ماء الوجه كي تتحدث عن الخيانة أو تدافع عن توحيد القيادات والثوار في الوقت الذي تبادر فيه أشرس قوة معادية للأمة وطموحاتها بإجراء لا يمكن أن يكون له من هدف أو غاية إلا التوطين لإحداث شقوق وشقاقات وتمايزات واختراقات خطيرة في صفوف القوى الثورية المقاتلة. وبالتالي فالقرار، ومن يؤيده من هؤلاء، ليس إلا عدوانا صارخا يستهدف السمت الإسلامي الصريح للثورة، بالتوازي مع ضرب الجماعات والكتائب الإسلامية وتهديدها وتخويفها بذات القرار، بقطع النظر عن أية مبررات أو ما إذا كان القرار صائبا أو خاطئا أو ناجحا أو فاشلا. مع ذلك فمن عجائب القرار الأمريكي أنه أظهر وعيا حادا لدى القوى المقاتلة تمخض عنه بيانات تضامنية قوية جدا في الاصطفاف عقديا وميدانيا مع « جبهة النصرة» باعتبارها تعبير عن أصدق ضمير للثورة السورية، وهو أمر مرشح لتضخم العامل الديني في الثورة وكذا الحاضنة الشعبية التي عانت من مرارة القتل وفداحة الخسائر دون أن تجد من ينجدها أو يوفر لها الحماية والمواساة، بعد الله سبحانه وتعالى، إلا هذه القوى الصادقة ممن ضحت بأرواحها أرخصت، في سبيل دينها وأمتها، الغالي والنفيس. كما تمخض عن القرار الأمريكي، بحماقته وغطرسته، حرق قوى سياسية واتخاذ أخرى جانب الحذر وحتى الرفض، بعد أن وضعها القرار، بصريح العبارة، في مرمى الإدانة من قبل القوى المقاتلة والشعب السوري على السواء. ومن عجائب القرار الأمريكي، في مستوى عام لا يبدو أنه كان محسوبا لدى الأمريكيين، أن حملات التشويه المغرضة التي تشنها بمعية الخصوم والأعداء والخونة، أو يروجها البلهاء والأغبياء، طوال السنين الماضية، ضد القوى المجاهدة في العالم الإسلامي باتت موضع شك وريبة بعد القرار الفضيحة. فلم يمض على ظهور الجبهة أكثر من عام؛ حتى تتبوأ قسرا قائمة « الإرهاب» دون أن يكون هناك أي ملف إدانة للاحتجاج به أو لذر الرماد في العيون، بل لا وجود ولو لمجرد مثلب وهمي واحد يسمح باتهامها بـ « الإرهاب». أطرف ما في الأمر أن وضع الجبهة على القائمة الأمريكية لـ « الإرهاب»، بلا أية وقائع مادية، كان فضيحة سياسية وقانونية وشرعية بالغة الحرج خاصة لحلفاء أمريكا .. فهؤلاء الذين استمرؤوا وصف المجاهدين بـ « الخوارج» كأصحاب دعوات الاعتدال والتسامح ونبذ « التطرف» و « الإرهاب»، وقعوا في ورطة شرعية وقانونية وأخلاقية وموضوعية وشعبية. فلا هم استطاعوا وصف الجبهة بـ « الخوارج» بدعوى خروجها على نظام الأسد الطائفي ولا هم استطاعوا تبرير القرار أمام عشرات بيانات الاستنكار والاستهجان والذهول الصادرة عن قوى الثورة. بل أن الرد الثوري المباشر على القرار الأمريكي، ظهر على متن عشرات صفحات ومواقع الثورة السورية غاضبا وحانقا ومنددا ومستنكرا ومتهما كل من ساند القرار أو تواطأ عليه أو صمت أو حاول التملص من الرد، وعبر الحملات المنظمة والواسعة للإعلان عن جمعة 14/12/2012 باسم: « لا للتدخل الأمريكي: كلنا جبهة النصرة». في المحصلة فإن تأطير الإجراء الأمريكي في السياق التاريخي والموضوعي يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تعادي حركات التحرر الوطنية، ولا تيارات « الجهاد العالمي»، ولا القوى الثورية والجهادية المناهضة للاستبداد والهيمنة فحسب، بل كل من يعارض فكرها وسياساتها وهيمنتها واستبدادها. فالقرار الأمريكي ضد الجبهة يحرِّم عليها الحق بالمشاركة في الثورة على نظام مستبد أو طاغية، بل ويحرِّم على أمثالها حرية الدعوة والمشاركة والمطالبة بتطبيق الشريعة ولو سلميا كما يقول الزميل عمار العبيدي، الذي أصاب في تشخيص غضب الأمريكيين من « النهج السلمي» لجماعات تطبيق الشريعة حيث لا وجود لتهمة. وبالتالي فإن هذا النوع من الثوار، سواء كانوا أفرادا كالشيخ حازم أبو إسماعيل أو جماعات كأنصار الشريعة في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، سيكونون، منذ الآن فصاعدا، « إرهابيون» بموجب السياسة الأمريكية الجديدة. وتبعا لذلك فإن كل جماعة تعمل على التخلص من الاستبداد والهيمنة، ولو سلميا، ستكون معرضة للمطاردة والملاحقة والتضييق وربما القتل .. فهؤلاء، بموجب ما تعتقد أمريكا، ليس لهم الحق في مقاتلة عدوهم بموجب ما يؤمنون أو يعتقدون، وإلا فهم « إرهابيون» ليسوا بمنآى عن العقاب!!! ... وفي المحصلة ثمة مواطن لكنه « إرهابي» ليس له الحق في الحياة: لا عند المستبدين ولا عند دعاة حرية الفكر والتعبير!!! ولا شك أن مثل هذه السياسات هي من يساهم في تمايز المواقف وانكشاف المزيد من حقائق المواجهة الصريحة مع « المركز» الذي يبدو أنه يخوض معاركه الأخيرة في العالم الإسلامي. |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل « الكمائن» و « الهررة» (13-1) د. أكرم حجازي 18/3/2013 http://www.almoraqeb.net/main/infima...754a839bc0.jpg ... وكأن قيادات « المركز» كانت تنتظر الثورة السورية على أحر من الجمر كي تلتفت إلى أخطر لحظة يمر فيها النظام الدولي. إذ ما من سابقة استطاعت أن تحشر النظام الدولي في زاوية الخطر والتهديد، منذ نشأته بعد الحربين الأولى والثانية، كما فعلت الثورة السورية ولمّا تزل حتى هذه اللحظة. بل يمكن القول بكل ثقة أنه ما من لحظة إذلال ضربت « المركز» في عمقه العصبي كما تضربه وقائع وجغرافيا الثورة السورية. ومع أنها فرضت عليه أن يخوض صراعا طاحنا على النفوذ بين شقيه الشرقي والغربي، إلا أنه ما من خيار أمام « المركز» إلا أن يحرص كل الحرص على تأمين استقرار نظامه الدولي وسلامة أمنه من جديد، عبر: (1) إحكام الحصار على الثورة للحيلولة دون الوقوع بأي فراغ للسلطة، و (2) تهيئة ميادينها، مبدئيا، لاقتتال داخلي في مراحل لاحقة إنْ عجز عن فرض الحل الذي يريد، بحيث تبقى سوريا هي التي تدفع الثمن وليس النظام الدولي. ما من شك أن نظاما دوليا جديدا في طور التشكل، طوعا أو كرها، على ظهر الثورة السورية. وما من شك أيضا أن كل القوى الدولية والإقليمية، المعنية بالصيغة الجديدة للنظام الدولي، إلا وتخوض أعتى معاركها الوجودية في هذه اللحظة الفارقة من الزمن!!! فـ « المركز» والنظام الإقليمي والعربي والطوائف والأقليات و « إسرائيل» وتركيا وإيران بما فيها الطائفة العلوية .. كلهم يخوضون معركتهم الفاصلة. وفي المقابل؛ وبدلا من أن تستغل القوى السياسية السورية هذه اللحظة، وتنكفئ إلى الداخل حيث قوى الثورة وأدوات القوة القادرة على تحطيم كل أدوات الهيمنة الدولية وبيادقها؛ نراها تنزلق منذ اللحظة الأولى في أتون النظام الدولي وأروقته ومؤسساته وفلسفاته وسياساته وأطروحاته ومؤتمراته بحثا عن نصرة موهومة أو حل سياسي يتوج « نضالاتها» البائسة. وبهذا الانزلاق تكون بعض القوى، أفرادا وجماعات، قد نزلت عن الجبل مبكرا جدا، وصارت تستثمر في الثورة وتبحث عن المكاسب والثراء والرفاهية كما يبحث غيرها عنها في الخارج، ففتحت الباب على مصراعيه، لكل القوى المنحرفة في الخارج كي يصيب فسادها قوىً عسكرية في الداخل كان لها صولات وجولات. بل أن بعضها ممن برع في السلوك البراغماتي ويعمل تحت سقف النظام الدولي، وطبقا لمواصفاته، فضل، كعادته، الاكتفاء بضخ الأموال في الدعاية والإعلان والتصوير وشراء الولاءات وتخزين الأسلحة عوضا عن تزويد الثوار بها ناهيك عن الامتناع عن خوض المعارك أو تقديم العون والنصرة لمن يخوضها ويقدم دماءه رخيصة في سبيل هذه الأمة وعزتها. هكذا تشعبت قضايا الثورة، ولم تعد موضوعاتها المركزية واضحة، خاصة بعد أن تخلل الثورة الأذى من كل جانب، وغدت لدى الكثيرين مجرد استثمار رأسمالي مربح، فصارت الثورة تخسر حينا في حين يحاول الخصوم جميعا أن يجنوا ما استطاعوا من المرابح ليس من جيوبهم بل من رصيد الثورة وما توفره من سلع قابلة للتجارة عند ضعاف النفوس .. ومع ذلك فالاستمرار والجدوى لا يتحققان بدون لحظات تمايز قاسية لا بد منها لتنقية المسارات. ومع دخول الثورة عامها الثالث كان لا بد من معاينة إجمالي الحصيلة خاصة في ضوء المتغيرات التي استجدت في الشهور الثلاثة الأخيرة. ففي هذه المدة القصيرة ثمة الكثير من الملفات الشائكة التي تستدعي التوقف عندها، وسنفعل ذلك في جزئي هذه المقالة. أولا: الفراغ السياسي كانت اللحظة التي اختيرت فيها الطائفة النصيرية من قوى الانتداب الفرنسي والبريطاني أمينةً على سوريا هي ذات اللحظة التي مُنِعَ بموجبها السوريون من الحرية. فبدون مصادرة حرية السوريين كان من شبه المستحيل تأمين النظام الدولي الذي بنته القوى الاستعمارية العالمية على أنقاض العالم الإسلامي. لذا فإن سوريا الطائفية لم تكن مصادفة بقدر ما كانت صاحبة وظيفة محددة تضطلع بمهمة احتواء كل حركات التحرر والتمرد والاحتجاج التي من الطبيعي أن تظهر ردا على تفكيك العالم الإسلامي وهدم نظام الخلافة. وحتى اليوم لم تتبدل هذه الوظيفة أو تتغير حتى يمكن القول أن الطائفة استُهلكت أو استنفذت أسباب تَصدُّرها الحكم في سوريا. وحتى اللحظة ما زالت الطائفة تحظى بامتياز دولي يجعل من سوريا مربطا دوليا آمنا للنظام القائم منذ مائة سنة مضت. لذا فإنْ قلنا أنه ثمة حل سياسي فهذا يعني أنه ثمة بديل، ولأنه لا بديل عن الطائفة فإنه ما من حل إلا بها. ولأنها عاجزة عن الانفراد في حكم سوريا، بسبب إرثها الدموي وما يجري اليوم، فهي إذن لا تزال موضع امتياز، لكنها بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إسناد طائفي من الطوائف والأقليات الأخرى. وعليه فقد سبق وقلنا أن الحل المقترح لدى « المركز» هو إقامة سلطة طوائف على شاكلة لبنان. وهذا ليس تحليلا بقدر ما هو منطوق « المركز» نفسه!!! وهنا لا بد من ملاحظة أن الحديث عن تقسيم سوريا أو توصيف المنطقة الممتدة على طول الساحل السوري بكونها مشروع تقسيم أو نواة لإقامة دولة علوية متصلة مع إيران والعراق ولبنان هو أمر بعيد عن الواقع. والأرجح أنها « قاعدة آمنة للنظام». نقول هذا لأن الطائفة تعمل بموجب الامتياز الوظيفي في حكم سوريا وليست متسلقة أو متسلطة على الحكم، في غفلة من الزمن، كما يرى البعض. أما إقامة دولة علوية فيعني، بالمحصلة، انتهاء للدور الوظيفي الذي تضطلع به منذ استدعائها من الجبل ( = المطاردة والنبذ) إلى السهل ( = المدينة حيث الامتيازات والنفوذ)، وهذا غير وارد إلا في حالة وجود بديل ليس موجودا حتى الآن، فضلا عن أن الظروف الديمغرافية المختلطة لا تُمكِّن هذه الدويلة من الحياة، لا حاضرا ولا مستقبلا. ومن جهة أخرى فإن تحول إيران إلى مربط دولي وظيفي بديلا عن المربط الطائفي في سوريا يظل احتمالا مغريا وقائما للـ « المركز»، لولا أن إيران تخوض، كغيرها، آخر حروبها الوجودية، وتخسر أوراقها تباعا، فضلا عن كونها في وضع هجومي ضد الإسلام والمسلمين بفعل الطوابير الخامسة للشيعة في البلدان العربية. هكذا يكون المتاح الأرجح دوليا هو « الحل السياسي» الذي يضمن « تأمين انتقال سلمي للسلطة»، وتصر عليه كل الأطراف، وهو الذي كشفت عنه صحيفة « لوفيغارو الفرنسية في 23/12/2012 حين أشارت إلى أن المبعوث الدولي المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي سيسلم الأسد « خطة أمريكية – روسية» تنص على: « تشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من وزراء مقبولين من طرفي الصراع في سوريا، على أن يحتفظ الأسد بالسلطة حتى عام 2014 لاستكمال فترة ولايته ولكن بدون أن يكون له حق إعادة الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة». وهو ما أكده الإبراهيمي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (30/12/2012) بالقول: « أن أسس الحل السياسي موجودة، وتم التوافق عليها من القوى الكبرى ومعظم دول المنطقة، وتتمحور حول وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، ثم خطوات أخرى تؤدي إلى انتخابات: إما بانتخاب رئيس أو الأرجح انتخاب برلمان». ولكي يتم تمرير الحل الدولي فعلى السوريين أن يفهموا، والكلام للإبراهيمي، أن: (1) « الوضع في سوريا سيئ جدا ويتفاقم بوتيرة متسارعة» .. وأنه (2) « إذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم والحل السياسي، فيتعين علينا جميعا أن نعمل بلا كلل من أجل حل سياسي» .. وأنه (3) « إذا كان عدد القتلى الذين سقطوا في سوريا فيما يقرب من عامين منذ اندلاع الثورة وصل إلى خمسين ألف قتيل، فإن الأمر لو استمر لعام آخر قد يؤدي لسقوط أكثر من مائة ألف آخرين» .. بعد أسبوع (6/1/2013) من تصريحات الإبراهيمي عن وجود حل سياسي خرج الرئيس السوري بخطاب ناري، تمت مناقشة تفاصيله في طهران مع فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري، بحسب نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وتحدث فيه عن الحوار مع « الأسياد وليس العبيد»، واصفا الحرب بأنها بين « الشعب والمجرمين» وبين « الوطن وأعدائه». أما الثوار فهم إما « تكفيريين» أو « إرهابيين». ولعل أغلب المراقبين، لاسيما العسكريين منهم، قد لاحظوا الاندفاعة القوية للثورة السورية في دمشق وريفها على وجه التحديد. كما لاحظوا عشية الخطاب وبعده حملة عسكرية شاملة وشرسة للنظام على مدن حلب وإدلب وحمص والرقة وأريافهما. بل أن الأسد نفسه عاد في 29/1/2013 ليقول: « أن قواته تستعيد زمام المبادرة على الأرض في مواجهة المعارضة المسلحة»، فضلا عن أن بعض قادته العسكريين هدد باستعادة حلب برمتها من أيدي الثوار! تُرى!! ما الذي جعل الأسد منتشيا بخطابه فيما القواعد الجوية والعسكرية تتساقط بيد الثوار، الواحدة تلو الأخرى، وتنهال القذائف والصواريخ على قصره؟ وفي الوقت الذي كان يشتري فيه ذمم البعض ويدفع خمسين ألف ليرة لقاء الانضمام لجيشه، فضلا عن إعلانه في 23/1/2013 عن تشكيلات طائفية باسم « اللجان الشعبية» التي أطلق عليها « جيش الدفاع الوطني»؟ لنرى. من الثابت أن « الحل السياسي» الذي « لا بديل عنه» يعني وجوب الأخذ بعين الاعتبار أن « المركز» سيعمل كل ما بوسعه لـ « منع وقوع أي فراغ سياسي» قد يؤدي إلى انهيار جزئي أو كلي للسلطة، بما يحول دون القدرة على التحكم والسيطرة بوقائع الثورة السورية أو الحل السياسي الذي يقوم على مبدأ « تأمين الانتقال السلمي للسلطة»، وهو المبدأ الذي يعني استحالة قبول « المركز» بأي حسم عسكري للموقف من قبل الثورة. والثابت أيضا أن « المركز» يعزف عن التدخل العسكري قبل الوصول إلى الحل السياسي إلا في حالتين: (1) احتمال وقوع أسلحة نوعية أو كيماوية بيد الثوار في ظروف مجهولة، أو (2) انهيار مفاجئ في السلطة يؤدي إلى فراغ سياسي؛ إلا أن « المركز» يبدو أنه فزع من اندفاعة الثورة في دمشق فقرر التدخل احترازا، لكن ليس بشكل مباشر بل عبر استخدام القوى الموجودة على الساحة، ولأنه لا سلطان للقوى السياسية المعارضة على قوى الثورة فقد لجأ بكل وقاحة إلى الاستعانة بقوات النظام نفسها لوقف اندفاع الثورة!!! إذ أن حدوث فراغ سياسي ولو جزئي قد يتضخم ويخرج عن السيطرة. لذا؛ فمن الطريف، في السياق، التأمل مليا بالشق الآخر من تصريحات الإبراهيمي الآنفة الذكر، (30/12/2012) ، رفقة نبيل العربي، لاسيما أنها حملت تحذيرا أمنيا إقليميا صريحا، لما فد يترتب عليه الوضع لو استمرت اندفاعة الثورة في دمشق خاصة. لنقرأ ما قاله الإبراهيمي في حينه: « إن تطور واستمرار القتال الدائر حاليا حول دمشق، قد يؤدي إلى فرار ملايين من المقيمين في العاصمة، موضحا بأن: أمامهم في هذه الحالة وجهتين فقط، إما لبنان أو الأردن. وكلا البلدين لا يستطيعان دعم واستيعاب هذا العدد من الأشخاص الذي يقدر بخمسة ملايين»!!!!! إذن لا بد من التدخل لوقف الاندفاع العسكري باتجاه العاصمة وحصون النظام. لماذا؟ لأن نقطة الضعف القاتلة بالنسبة للـ « المركز» هي « الفراغ السياسي»، جزئيا أو كليا. وهي النقطة التي تفسر الحصار المطبق على الثورة السورية الممنوعة من التسلح النوعي. وتبعا لذلك سيكون مثيرا للانتباه إذا علمنا أن الثوار ممنوعون من التسلح النوعي ليس من الخارج فقط؛ بل وحتى من الداخل أيضا. وقد يكون من الطريف ملاحظة أن الثوار السوريين لم يقعوا، حتى اللحظة، على أية أسلحة نوعية في كافة الثكنات والقواعد العسكرية ومراكز الأمن التي اقتحموها!!! وسيكون طريفا أكثر القول بأن دخول الثوار في مواجهة مع « المركز» لا تستدعي بالضرورة مهاجمته بشكل مباشر. إذا يكفي مباغتته عبر المسارعة إلى تحطيم أدوات القوة لديه في سوريا أو إحداق اختراق عسكري يؤدي إلى نوع من الفراغ يفقد « المركز» أدواته وامتيازات وبالتالي القدرة على السيطرة والتحكم في مآلات النظام، وينسف الحل السياسي الذي يريد. لكن هل جرت الرياح أو تجري بما تشتهي السفن؟ ثانيا: كمين النشار!!! مشكلة الخطاب السياسي للمعارضة السورية، كأي خطاب سياسي وطني في كونه محكوم بالسقف الدولي بكل آلياته ومفرداته من الألف إلى الياء. وتبعا لذلك لا يمكن لأية معارضة وطنية أن تفكر أو تشتغل بالسياسة إلا بموجب ما تسمح به المنظومات التشريعية والسياسية والحقوقية الدولية من معطيات. وبالتالي مؤهلة للترويض والاحتواء إنْ لم تكن مروضة من الأصل، وقابلة للاستنزاف السياسي إنْ لم تكن قد استنزفت، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في 12/3/2013 والذي طالبها بالجلوس إلى طاولة الحوار مع بشار الأسد. أما أن تظن نفسها قادرة على المكر في النظام الدولي وجره إلى مطالبها وطموحاتها وأهوائها فهذا ضرب من الجنون والعبث. والحقيقة أنها أقرب من أية معارضة أخرى إلى تلقي الخديعة تلو الأخرى. أما مشكلة المعارضة السورية ففي كونها مفككة حتى العظم، ومتصارعة كالديكة، وتشكيلاتها السياسية تم إسقاطها تعسفيا من علية « المركز»، أما تشكيلاتها العسكرية فهي لا تتعدى مكتب في غرفة لا يصلها الهواء ولا الشمس، ولا تمتلك أداة قوة واحدة على الأرض، وهي في المبدأ والمنتهى في واد والثورة في واد آخر. لذا كان مثيرا أن تتهم المعارضة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية ( فرنسا وبريطانيا) بالتنصل من وعودها بتسليح الثوار غداة الإعلان عن تشكيل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة. وكان مثيرا أيضا تعقيب نائبة رئيس الائتلاف، سهير الأتاسي، على تصريحات وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، حين قال أن: « بلاده تدرس الاعتراف رسمياً بهذا الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، لكنها تسعى لمعرفة خطط هذا الائتلاف للانتقال السياسي في سوريا ومعرفة من الذين يعتزمون تعيينهم وكيفية توزيع المناصب، وهل سيكون الأكراد مشاركين، وما حجم التأييد الذي يتمتع به ائتلاف المعارضة داخل سوريا»؛ فردت الأتاسي بالقول: « وكأننا تحت اختبار» !! ومع ذلك؛ ظلت المعارضة تتصرف وكأنها صاحبة الولاية السياسية!! والعجيب أنها لا تجيد أكثر من الانحدار الممزوج بانتفاش، في معادلة شعرية لا ينفع معها إلى قول الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها ****** كالهر يحكي انتفاخة صولة الأسد. فلنتابع بعض الانتفاخات. ففي 15/10/2012 كشفت صحيفة « ديلي تلغراف» البريطانية أن: « الإبراهيمي يعد خطة لإنشاء قوة لحفظ السلام بسوريا، قوامها 3000 جندي، ويمكن أن تضم جنودا أوروبيين لضبط الأمن في إطار هدنة مستقبلية». وأنه: « يبحث مشاركة الدول التي تـُسهم حاليا في قوات يونفيل في لبنان»، وأنّ: « من المتوقع أن تقوم إحدى الدول الأوروبية المشارِكة فيها بدور قيادي في حفظ السلام بسوريا». وفي وقت لاحق نفى الإبراهيمي صحة الخبر على خلفية ردود الفعل المناهضة لما اعتبره البعض توطئة لتدخل دولي!!! وفي 30/11/2012، بعد تشكيل الائتلاف المعارض، جدد الإبراهيمي طلب إرسال قوات حفظ سلام « قوية» إلى سوريا مشيرا إلى أن: « مثل هذه القوات لا يمكن أن توجد بدون قرار من مجلس الأمن الدولي، مما يعني ضرورة موافقة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وكذلك موافقة سوريا (حكومة ومعارضة)، وإلا فسيتم التعامل مع القوات على أنها جيش أجنبي». فسال لعاب المعارضة التي ظنت أنها غدت صاحبة الولاية والسيادة. وردت في اليوم التالي بالسماح لهذه القوة بالانتشار إذا تخلى الأسد وأعوانه عن السلطة. وجاء الرد في 1/12/2012 على لسان المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، خلال مؤتمر صحفي في القاهرة، في ختام أول اجتماع له، قائلا: « إن الائتلاف مستعد للنظر في أي اقتراح إذا رحل الأسد وحلفاؤه بمن فيهم كبار الضباط في الجيش وأجهزة الأمن، وأضاف أنه إذا تحقق هذا الشرط أولا فإن الائتلاف يمكن أن يبدأ في مناقشة أي شيء»، مشيرا إلى أنه: « لن تكون هناك أي عملية سياسية حتى ترحل الأسرة الحاكمة وأولئك الذي يعاونون النظام». وتحت وطأة المعارك الطاحنة خاصة حول دمشق، تعالت ردود الفعل الدولية المطالبة برحيل الأسد عن السلطة أو المنذرة بسقوطه. وفي 13/12/2012 تحدث الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، رفقة رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، في مقر الحلف ببروكسل، قائلا: « أعتقد أن النظام في دمشق يوشك على الانهيار.. أعتقد أنها أصبحت الآن مسألة وقت فحسب». ورغم النفي اللاحق لرسمية تصريحاته في 13/ 12/2012، التي وردت في سياق كلمة ألقاها أمام الغرفة الاجتماعية الروسية، إلا أن قناة « روسيا اليوم» نقلت عن المبعوث الروسي الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، قوله: « ينبغي أن نواجه الحقائق، النظام والحكومة في سوريا يفقدان السيطرة على المزيد والمزيد من الأراضي». وأضاف: « للأسف لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة السورية»، بل أن بوغدانوف يرى أيضا أن: « الأزمة في سوريا أعمق بكثير من موضوع بقاء أو سقوط نظام الأسد». ونقلت الجزيرة عن نائب قائد الجيش السوري الحر، العقيد مالك الكردي، تأكيده على تراجع قوى النظام في دمشق قائلا: « إن النظام أصبح يفقد السيطرة تدريجيا على البلاد .. والجيش الحر أصبح بوضع متقدم عما كان عليه سابقا .. ويكاد يحكم السيطرة بشكل كامل على سوريا وعلى دمشق بشكل خاص». بمثل هذه التصريحات تهيأت الأجواء السياسية والإعلامية لتصيب المعارضة بنشوة عارمة نفشت ريشها حتى كتمت أنفاسها. وخرج معاذ الخطيب مغردا في 14/12/2012 على غير العادة ليعلن أن المعارضة: « ستدرس أي عرض من الرئيس السوري بشار الأسد لتسليم السلطة ومغادرة البلاد»، لكن: « المعارضة لن تعطي أي ضمانات للأسد إلى أن ترى عرضا جادا لحل الأزمة» .. ( وعليه ) ... « أن يدرك أنه ليس له دور في سوريا أو في حياة الشعب السوري وأن الأفضل له أن يتنحى» ..؛ كما أن: « الشعب السوري لم يعد بحاجة إلى تدخل قوات دولية بسوريا، خاصة مع تقدم مقاتلي المعارضة نحو وسط دمشق»، لكن مع تضخم الانتفاخ لا بد من القول أن: « هناك وعود بتقديم مساعدة عسكرية، ... وتبعا لذلك قدم ثلاثة سيناريوهات لسقوط الأسد، أولها: « أن يختار القتال حتى النهاية»، والثاني: « أن يحدث شيء داخل النظام نفسه، إما انقسام أو تغيير من الداخل»، والثالث: « أن يخرج الأسد من خلال مفاوضات». أما عن القوى العالمية والإقليمية، والكلام للخطيب، فهي المسؤولية عن صعود: « المتشددين الإسلاميين في سوريا»، موضحا إلى أن: « تقاعس العالم عن منع قوات الأسد من قتل محتجين مسالمين منذ مارس / آذار 2011 هو السبب الأساسي». لكن « نشوة» الخطيب، وهو الذي لديه الكثير من الوقت ليكتب عن العادة السرية واعظا، بلغت ذروتها في الموقف من الروس، الذين بدوا بحاجة له كي يمد لهم يد العون: « الروس أفاقوا ويشعرون بأنهم ورطوا أنفسهم مع النظام السوري لكنهم لا يعلمون كيف يخرجون»!!! لذا فقد بدا له سهلا استبعاد أي اقتراح روسي يبقي الأسد في السلطة قائلا: « من المشين لدولة ذبيحة أن تقبل قاتلا ومجرما رئيسا لها». لكن؛ ما هي إلا بضعة أيام حتى كشفت صحيفة « لوفيغارو - 23/12/2012» الفرنسية عن توافق دولي بين أمريكا وروسيا لحل الأزمة في سوريا. وتوجه الإبراهيمي إلى دمشق لعرض الخطة على الرئيس السوري. أما الخطة فتتضمن، بحسب الصحيفة، تشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من وزراء يحظون بقبول طرفي الأزمة في سوريا، على أن يحتفظ الأسد بالسلطة حتى استكمال ولايته عام 2014، ولكن دون أن يحق له الترشح في الانتخابات القادمة. وفي أعقاب ذلك وجه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفقة الأخضر الإبراهيمي في موسكو (28/12/2012)، الدعوة للخطيب: « للدخول في مفاوضات لتسوية النزاع في سوريا». إلا أن رئيس الائتلاف، الواقع تحت هوس النشوة، رفض، في اليوم التالي، الدعوة بإباء، مطالبا روسيا بـ: « إدانة واضحة للنظام السوري وإعلان جدول أعمال واضح له» .. وأن: « على وزير الخارجية الروسي الذي تحدث عن هذا الحوار أن يقدم اعتذارا للشعب السوري على موقف بلاده الذي ساوى بين الضحية والجلاد». أما لافروف الذي « فوجئ»، في حينه، برفض الخطيب لدعوته فقد وصف الموقف بأنه: « ينم عن قلة خبرة سياسية». ومن جهته، ارتفع منسوب النشوة لدى عبد الأحد اسطيفو، عضو الائتلاف، لتصيب دعوة لافروف والإبراهيمي بالقول: « إن مبادرات الرجلين لم تأت بجديد، ولا تعدو أن تكون تكرارا ... نحن في الائتلاف لا ننتظر لا من الأسد ولا الإبراهيمي ولا لافروف؛ مبادرات لنقل السلطة.. ليستمروا في عقد مؤتمراتهم الصحفية ومبادراتهم». أما أنت فما عليك إلا أن تستمر في هذيانك. وفعلا وصل الإبراهيمي إلى دمشق في 24/12/2012، وأجرى سلسلة من الاجتماعات واللقاءات. وبعد أنهار الدماء وفداحة الخسائر وهول المعاناة حصل الإبراهيمي على ما يلزمه من « التشريف»، وخرج ليقول: « تشرفت بلقاء الرئيس وتكلمنا في الهموم الكثيرة التي تعاني منها سوريا في هذه المرحلة .. أنا تكلمت عما رأيته في الخارج في المقابلات التي أجريتها في المدن المختلفة مع مسؤولين مختلفين في المنطقة وخارج المنطقة، وعن الخطوات التي أرى أنها قد تساعد الشعب السوري .. الوضع في سوريا لا يزال يدعو للقلق، ونأمل من الأطراف كلها أن تتجه نحو الحل الذي يتمناه السوري ويتطلع إليه». ومن جانبها ردت المعارضة على لسان رئيس اللجنة القانونية في الائتلاف، هيثم المالح، بوصف الخطة الدولية بـ « الهراء، مشيرا في تصريحات لـ « الجزيرة»: أن « الائتلاف يمثل الشعب ولا يمكن له أن يرضى بطرح كهذا، وإلا فسيؤدي ذلك إلى سقوطه أمام الشعب» .. ومتسائلا .. « كيف يمكن أن يكافأ القاتل على جرائمه ببقائه في السلطة؟». إلى هنا سنرى من سيسقط. أما سمير النشار فاكتشف، على حين غرة، أن « الجديد» فيما يخطط له « المركز»، والذي غفل عنه هذيان اسطيفو، هو « الحوار مع النظام» وليس « تسليح الثورة»، فسارع إلى القول في تصريح لـ « الجزيرة - 29/12/2012» بأن: « هناك كمين سياسي هدفه جر المعارضة السورية لتكتفي بتنحي بشار الأسد»، في حين أن الهدف من الثورة هو: « تغيير النظام السوري ككل». والله صح النوم. فأي « كمين سياسي» هذا الذي يجري الحديث عنه؟ هل هو بقاء الأسد من عدمه؟ أم بقاء النظام بكل تشكيلاته؟ ألا تكفي تصريحات « المركز» التي باتت تصم الآذان، ليل نهار، وهي تتحدث بصريح العبارة عن حقوق الطوائف والأقليات وتحتفظ بكل مؤسسات الدولة على حالها؟ وما قيمة أي حل سياسي يرحل فيه الأسد ويبقى النظام في صيغة دولة طوائف وأقليات تحت يافطة الدولة المدنية الديمقراطية المزعومة زورا وبهتانا؟ واقع الأمر ببساطة؛ أن المعارضة كانت تنتظر وعود السلاح لحسم الموقف عسكريا!!! فإذا بها تُدعى من شتى الأطراف الدولية، وليس من موسكو فحسب، إلى الحوار مع النظام!!! وهي الدعوة التي مهدت الطريق أمام رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، كي يعلن بخبث أمام « مجلس الشعب» السوري، في 31/12/2012 بأن: « حكومته على استعداد للتجاوب مع أي مبادرة إقليمية أو دولية لحل الأزمة في سوريا بالحوار والطرق السلمية»!! ثم تبعها تأكيد السفير الباكستاني، بوصفه رئيس مجلس الأمن الذي أكد في 4/1/2012 أن: « خطة العمل بشأن سوريا موجودة بالفعل، ولكن الإبراهيمي يحاول وضعها موضع التنفيذ». وبالتالي فما على المعارضة إلا أن تقرّ بأنه لا مفر من الحل السياسي بالصيغة التي تحفظ استقرار النظام الدولي وأمنه حتى لو كان عبر الحوار مع النظام أو بقائه سواء رحل الأسد أم لم يرحل. وهو ما يجعل منها شاهد زور على حل ليس للشعب السوري فيه ناقة ولا جمل. فهل يعتقد أبله، أن خطاب الأسد في 6/1/2013 كان خارج السياق الدولي!!!؟ يتبع..... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
، حين طالب: « الأطراف في سوريا بالتعاطي مع مبادرة رئيس ائتلاف المعارضة أحمد معاذ الخطيب الهادفة إلى الاتفاق مع أطراف النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء على خطوات لنقل سريع للسلطة». أما فيما يتعلق بالموقف الرسمي للحكومة السورية فقد تحفظت في البداية صحيفة الوطن شبه الرسمية على المبادرة حين اعتبرت في 5/1/2013 أن: « الخطيب غير مقبول كمفاوض». لكن اللغة تغيرت مع تدخل أوساط في الحكومة السورية رفضت شروط الخطيب لكنها أبدت تجاوبا ملحوظا مع المبادرة. وجاء أول رد رسمي في 7/2/2013 على لسان نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، مشيرا إلى أن: « هناك مبادرة من طرف واحد من أطراف المعارضة .. كل من يلقي السلاح ويأتي للحوار فأهلا وسهلا به». أما وزير الإعلام، عمران الزعبي، فقال في 9/2/2013 خلال حديث للتلفزيون الرسمي: « الباب مفتوح والطاولة موجودة، وأهلا وسهلا وبقلب مفتوح لأي سوري يريد أن يأتي إلينا ويناقشنا ويحاورنا .. أما أن يقول لي أحدهم أريد أن أحاورك في الموضوع الفلاني فقط أو أطلق النار عليك، فهذا ليس حوارا». لكن أقوى الردود جاءت في أعقاب اقتراح الخطيب لإجراء محادثات مع ممثلين عن الأسد في المناطق التي تهيمن عليها المعارضة شمال سوريا. ففي حديث له مع صحيفة « الغارديان - 11/2/2013» البريطانية قال وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية، علي حيدر،: « إنني مستعد للقاء السيد الخطيب في أي مدينة أجنبية يمكنني الذهاب إليها لبحث الاستعدادات لإجراء حوار وطني .. الحوار وسيلة لتقديم آلية للتوصل إلى انتخابات برلمانية ورئاسية حرة.. هذا أحد الموضوعات التي ستتم مناقشتها على الطاولة .. هذا أمر يمكن أن يأتي نتيجة للمفاوضات وليس شرطا مسبقا .. نرفض إجراء حوار لمجرد تسليم السلطة من طرف إلى آخر». وتبعا لتداعيات الاتصالات الدولية فقد قدم وزير الخارجية، وليد المعلم، في 25/2/2013 أقوى عرض للمعارضة خلال مؤتمر صحفي في موسكو أكد فيه أنهم ( في سوريا): « مستعدون للحوار مع كل من يريده، حتى من يمسك السلاح في يديه، لأننا نثق بأن الإصلاحات لن تسير عبر إراقة الدماء وإنما عبر الحوار». الطريف أن المبادرة « الكمين» كانت فردية المنشأ والمحتوى!! لكنها في التحليل تستهدف الحصول على شرعية اجتماعية في الداخل والخارج، عبر اللعب على وتر أهالي المعتقلين الذي سيرون في المبادرة بارقة أمل لحال طال انتظاره وطالت معاناته، أو عبر معاناة المغتربين في الخارج. وبهذه الصيغة تكون بعض ردود الفعل للمعارضة قد صدقت في اعتبار المبادرة عامل انقسام اجتماعي و « إضعاف للثورة» فضلا عن الانقسام السياسي الذي سيضرب المعارضة التي ثارت ثائرتها ولم تقعد احتجاجا على تجاوز الخطيب لكل الأطر السياسية ومواثيقها سواء فيما يتعلق بميثاق تأسيس الائتلاف أو بموقف المجلس الوطني الانتقالي. في المحصلة فالخطيب يدفع من رصيد الثورة لملاقاة النظام دون أن يحصل على أي ثمن يذكر. فهل قامت الثورة وقدمت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمغتصبين والمختطفين والمنتهكة حرياتهم وأعراضهم وملايين المهجرين والمنازل المدمرة والبنى التحتية من أجل من اعتقلوا خلالها؟ أو من أجل جوازات السفر التي لم تكن في يوم ما مشكلة لكافة المعارضين للنظام في الخارج؟ الأطرف أن الخطيب ذهب أبعد من ذلك حين اجتمع، في المؤتمر الدولي للأمن الذي عقد في ميونخ الألمانية (2/2/2013) مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي دون أي مبرر يذكر أو أية مقدمات على أي مستوى. حتى بدا أن اجتماعه به كان أوقْع أثرا من وقعْ المبادرة نفسها. والأدهى من ذلك أنه بعد 45 دقيقة من الاجتماع خرج الخطيب ليدلي بتصريح لـ « رويترز قال فيه ما يذهل الحيران: « اتفقنا على ضرورة إيجاد حل لإنهاء معاناة الشعب السوري»!!! فأي حل يمكن أن يشارك به الإيرانيون في حين أن فتاوى حاخاماتهم ورعونة قياداتهم ومستشاريهم وأسلحتهم ومقاتليهم وخبرائهم وميليشياتهم لم تفارق الدماء السورية منذ ثلاثة عقود؟ وهل يكفي تعليق أحد أعضاء الائتلاف (4/2/2013) بالقول أن الاجتماعات التي أجراها الخطيب في ميونيخ: « غير ضرورية على الإطلاق وبلا فائدة»!!!؟ وكذا الأمر فيما يتعلق باجتماعه بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعد أن كان قد رفض دعوته لزيارة موسكو وطالب بلاده بالاعتذار للشعب السوري وإدانة النظام الطائفي في سوريا. فما الذي دفع مسؤولا في المجلس الوطني للتراجع في 6/2/2013، عن هجوم المجلس على الخطيب والمطالبة بعزله، إلى الحد الذي يعلن فيه أن المجلس: « رفض الدعوة إلى تنحية الخطيب بدعوى أن مبادرته تحظى بتأييد في الشارع»!؟ ما الذي تغير بالضبط؟ وكيف ابتلع المجلس عنترياته فجأة والتهديد بإقالة الخطيب ما أن اجتمع به؟ لم يتغير شيء في واقع الأمر. فـ « كمين» الخطيب لم يكن مبادرة من الأساس بقدر ما كان توجها مدروسا لقلب نمط التفكير السياسي في صلب المعارضة نفسها رأسا على عقب، تماما مثلما كان الإعلان عن تشكيل الائتلاف نفسه اختراقا استهدف احتواء القوى السياسية على بؤسها، تمهيدا للدخول في العملية السياسية الجارية. وكما سبق أن أُجبر المجلس الوطني على الانضواء تحت التشكيل السياسي الجديد فقد أُجبر الائتلاف على الانجرار خلف منطق الخطيب السياسي الذي لا يرى غضاضة حتى في التصالح مع النظام. فبعد اجتماع القاهرة ليلة 15/2/2013 لأعضاء المكتب السياسي للائتلاف المكون من 12 عضواً بهدف النظر في مبادرة الخطيب خرج المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، ليؤكد أن المكتب وافق على مبادرة الخطيب: « نرغب في التفاوض مع أي مسؤول مدني بشأن إزاحة بشار وإنهاء الاستبداد»، أما: « بشار وزمرته فلن يكونوا طرفاً في أي محادثات، ولن نعتبر الموجودين من جانب الحكومة ممثلين عنه»، وأن أعضاء « حزب البعث الذي يتزعمه الأسد الذي يحكم سوريا منذ انقلاب 1963، يمكن أن يشاركوا في المحادثات المقترحة إذا كانت: « أيديهم نظيفة من الدماء». أما بعض المصادر في المعارضة فصدقت نفسها وهي تقول: « إن من شأن تأييد الائتلاف رسمياً لمبادرة الخطيب أن يمنحها ثقلاً أكبر على الساحة الدولية ويقوض حجة أنصار الأسد بأن المعارضة منقسمة بصورة لا يمكن معها النظر إليها كطرف جاد». ما شاء الله!!! وكأن المشكلة مع أنصار الأسد وحججهم!!! العجيب في مواقف المعارضة أن أقوى ما تملكه من سياسات بعد الرفض هو التسليم بالأمر الواقع. هكذا فعلت مع نفسها حين تشكيل المجلس الوطني ثم الائتلاف ودعوة لافروف للحوار ثم مع مبادرة الخطيب ومقاطعة الائتلاف لاجتماعات موسكو وواشنطن وتعليق مشاركته في مؤتمر « أصدقاء الشعب السوري» في روما، ولا ريب أن القائمة تطول. المهم أنه بعد مبادرة الخطيب ولقاءيه المفاجئين مع لافروف وصالحي في ميونخ بات واضحا حتى للأعمى أن المعارضة السورية سيقت إلى الحوار مع النظام، وأن ما تبقى من ملاقاة الأسد والمصالحة معه لم يعد إلا مسألة إجرائية. ولأول مرة يصرح لافروف في 20/2/2013 بالقول أن: « هناك إشارات إيجابية للتحرك لبدء حوار بين النظام السوري والمعارضة» .. وكل ما تبقى أن .. « تترجم دمشق استعدادها للحوار مع المعارضة ليس فقط بالأقوال وإنما بالأفعال». لكن ما الذي تعنيه بالضبط عبارة « بدء حوار»؟ تعني أنه لا توجد عملية سياسية، وأنه لا حاجة للإعلان عنها حاليا حتى وإنْ وجدت، لكن ثمة حاجة ماسة للبدء بها!!! أما لماذا؟ فلأن المطلوب هو تحقيق اختراق سياسي يمكن من خلاله تمرير حل سياسي يلائم النظام الدولي، لكنه بحاجة إلى ما يكفي من الوقت حتى يتم فرضه على السوريين. وفي هذا السياق تبدو الطريقة اليمنية، منهجيا وليس موضوعيا، هي الأكثر ملائمة. وفي السياسة يبقى المنهج السياسي سابقا على أي فعل سياسي. فعلى فرض أن العملية السياسية الهادفة فعليا إلى إقامة سلطة طوائف محمية بدستور تحت غطاء الدولة المدنية فإن منهج العمل هنا يتعلق بالوقت. فالحاجة إلى الوقت تبدو ماسة كي تنطلق العملية السياسية بما يتحقق مصالح جميع الأطراف. فإذا احتاج « المركز» إلى سنة لإطلاق عملية سياسية فقد يحتاج إلى سنة أخرى أو أكثر للتوصل إلى مبادرة للحل، ثم إلى سنة لتطبيقها، وسنة أخرى لحمايتها، وربما سنة أخرى لاستقرارها، وطوال هذه السنوات سينشغل السوريون بالمرحلة الانتقالية وبتفقد أحوالهم وبالفوضى والمليشيات والدمار والمعتقلين والمآسي والمهاجرين والمغتربين واللاجئين، إلى أن ترتخي القبضات على الزناد وتتغير الاهتمامام والأولوات وتبرز المشاكل والاحتياجات اليومية. في هذه الحال سيكون من الصعب على الجميع مواجهة الضغوط وعمليات الاحتواء والاستنزاف والقهر بحيث يأتي الدستور، في غفلة الانشغالات، مفصلا على مقاس « المركز» .. دولة أقليات!!! فمن سيفكر حينها بعد كل هذه الكوارث بامتشاق السلاح مجددا لانتزاع حقوقه أو للدفاع عن مصيره وقد صارت البلاد مرتعا لكل الفاسدين والمفسدين ممن سيتبوؤون صدارة المشهد السياسي؟ الروس مثلا لا يعنيهم بقاء الأسد، وقد صرحوا بهذا عديد المرات، ففي 20/12/2012 تساءل بوتين في تصريح صفحي عن مصير الأسد فقال: « ما هو موقفنا؟» ( سؤال يطرحه الجميع) ... « نحن لا نسعى لإبقاء نظام الأسد في السلطة بأي ثمن» ( هذه الحقيقة تعني أن المشكلة مع الغرب وليس مع المعارضة) ... « ولكن يتعين على السوريين التوافق فيما بينهم بشأن مستقبلهم» ( هذه لإعادة إنتاج النظام) ... « حتى نبدأ حينها بالبحث عن سبل تغيير النظام القائم» ( بدء العملية السياسية هو مطلب « المركز» ) ... ولأن الروس لن يتحملوا خداعا غربيا كما حصل في ليبيا. لذا فهم معنيون هذه المرة بالاحتفاظ بالأسد رهينة بأيديهم في مواجه الغرب، كي يأمنوا على مصالحهم ويحققوا أكبر مكاسب في قيادة النظام الدولي على ظهر الثورة السورية، ويبررون ذلك بعشرات التصريحات التي لا يلقي لها بالا أحدا غيرهم!!! وبما أن الأسد بأيديهم فسيكون باستطاعتهم تخريب أية عملية سياسية قد يشعرون أنها تمس من طموحاتهم وأهدافهم لاحقا. لذا تجدهم يرفضون أي اتهام بالدفاع عن الأسد أو النظام السوري لكنهم يصرون على أن أي عملية سياسية ينبغي أن تنطلق دون شروط وخاصة فيما يتعلق بتنحية الأسد، لأن هذا الأخير هو ضمانتهم أو ورقتهم الرابحة في مواجهة الشق الغربي من « المركز». لكن لضمان البدء بالعملية السياسية دون عقبات؛ ولأن المرحلة الحالية تشهد عض أصابع بين قوى « المركز»، فقد يضطر الروس إلى تقديم تنازلات قد تؤدي إلى ابتعاد الأسد عن الواجهة السياسية بدون أن يستقيل حتى من منصبه وبدون أي ضمانة بعدم ترشحه لفترة رئاسية قادمة على الأقل. وفي السياق نقلت وكالة آكي – 9/3/2013 الإيطالية للأنباء عن مصادر دبلوماسية أوروبية وصفتها بـ « الرفيعة المستوى قولها أن: أفكاراً طُرحت مؤخراً على الولايات المتحدة وروسيا والصين بانتظار التفاوض والنقاش تقضي بخروج الأسد مع عدد كبير من رموز نظامه»، وأن: « الخطة التي طُرحت على الدول الكبرى تستند إلى مغادرة الأسد ومعه المئات من كبار رموز نظامه إلى بلد آخر، دون إعلان عن استقالته أو تنحيه، لتبدأ فوراً بعدها المرحلة الانتقالية برعاية وإشراف دولي». لكن: « المهم بالأمر أن هذه الأفكار مطروحة على طاولة الدول الكبرى، وربما تحصل على موافقة روسيا مع بعض التعديل». وبحسب المصادر إياها فإن: « الأسد سيمكث في الجزائر من سنتين إلى ثلاثة سنوات دون أن يُعلن عن استقالته رسمياً». من الكارثة أن يفكر البعض أو الأغلبية، في المعارضة السياسية، ويصر على أن الروس يغردون وحدهم خارج سرب « المركز» وهم عضو أصيل فيه وفي النظام الدولي. فمنذ رحل الرئيس الفرنسي هولاند إلى موسكو أملا بتغيير موقفها من بقاء الأسد نقلت عنه قناة « France 24 - 8/3/2013 » القول أنه عرض على الروس: « إمكانية اختيار شخصية أو أكثر لتولي المباحثات، التي يمكن أن تتيح انتقالا سياسيا، تكون مقبولة من النظام ومن المعارضة». وبعد بضعة أيام أعلن وزير خارجيته، لوران فابيوس، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 12/3/2013 أن: « الفرنسيين والأميركيين يعملون مع الروس لوضع قائمة بأسماء مسؤولين سوريين يكونون مقبولين للتفاوض مع المعارضة السورية» ... وأن ... « العمل على هذا الاقتراح الذي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه بدأ قبل أسابيع». أما فيما يتعلق بمصير الأسد فقال: « ناقشنا هذا الأمر مع الروس والأميركيين ... ، وهناك اتصالات تجري حاليا للتوصل إلى حل سياسي في إطار اتفاق جنيف»!!!! فهل توصل الفرنسيون وزملائهم إلى هذا الحل؟ بالتأكيد نعم. ففي 12/3/2013 انقلب الموقف الأمريكي رأسا على عقب من المطالبة برحيل الرئيس السوري منذ بداية الثورة إلى الطلب من المعارضة للجلوس معه على طاولة واحدة!!! فخلال مؤتمر صحفي مع نظيره النرويجي، اسبين بارت إيدا؛ قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بصريح النص: « نريد أن يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تم التوصل إليه في جنيف، ... هذا ما نسعى إليه .. والتوصل إلى هذا الأمر يتطلب أن يغير الرئيس الأسد الحسابات لكي لا يظن أنه يستطيع إطلاق النار إلى ما لا نهاية .. كما يجب أيضا أن تجلس إلى طاولة المفاوضات معارضة سورية مستعدة للتعاون .. نحن نعمل على هذا وسنستمر في العمل». إذن ليس هناك تراجع أمريكي كما يقال. لكن هناك سياسة دولية ومصالح عالمية مقدمة على أي اعتبار آخر حتى لو نزفت دماء السوريين سنوات، وأُحرقت سوريا بمن فيها، وهناك أيضا صراع دولي على النفوذ بين الكبار. وسواء جلست المعارضة طوعا مع الأسد أو كرها فستكون ملزمة أيضا بالتفاوض مع النظام وفق شروط « المركز» واحتياجات النظام الدولي وليس وفق شروطها ولا احتياجاتها ولا تكريما لشجاعة الشعب السوري وتضحياته الهائلة. وإذا كان النظام الدولي هو من يحدد مَنْ يفاوض مَنْ؟ وهو من يحدد متى يجري التفاوض؟ فهو الذي يحدد أيضا موضوعات التفاوض ونتائجه!!! وما يثير العجب هو ردود المعارضة على دعوة كيري، في حين صرح أحد كبار أعضاء الائتلاف لـ « رويترز – 2/2/2013 » على خلفية مبادرة الخطيب أن: « الائتلاف تبنى موقفا يتسم بالغموض البناء بشأن ما إذا كان يجب أن يتنحى الأسد أو لا كي يبدأ التحول السياسي، مما أدى إلى تحريك الأمور»!!! فما الذي كان يقصده هذا العضو في تصريحه، بغض الطرف عن تنحي الأسد، قبل الفرنسيين والأمريكيين؟ وهل تحركت الأمور؟ أم أن هناك من لا يرى بعد أبعد أنفه؟ يتبع .... |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
الثورة السورية ومسارات التدويل حين تستأسد « الهررة»!!! (13-2) د. أكرم حجازي 20/3/2013 http://www.almoraqeb.net/main/infima...9bf061397e.jpg كنا قد أشرنا في الحلقة 12 « الاختراق - 18/11/2012» إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكي السابق، ليون بانيتا، وكذا زميلته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، حول رفض الولايات المتحدة الأمريكية لحل مؤسسات الدولة في سوريا كالجيش والأمن والمخابرات والشرطة وما إلى ذلك، بدعوى عدم الوقوع بخطأ العراق!!! وهي دعوى كاذبة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العراق كان دولة سنية الحكم بخلاف سوريا المؤسسة أصلا على الحكم الطائفي « النصيري»، وهو ما ذهبت إليه حتى صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور - 29/12/2012 » في معرض حديثها عن أثر الثورة السورية في « تمزيق العراق» حين أشارت إلى أن: « العراق كان قبل عقد من الزمان تحت سيطرة السنة و هذه الأيام تحكمه حكومة شيعية موالية للجارة إيران». وكما أشرنا أيضا في الحلقة 13 من السلسلة موضع المتابعة « إما إبل الثورة أو خنازير أوباما - 23/11/2012) إلى مآلات العملية السياسية التي يسعى « المركز» إلى إخراجها في سوريا عبر سلطة طوائف تحت غطاء الدولة المدنية الديمقراطية. وقبلها في الحلقة 9 قلنا أن سوريا تتجه « نحو الوصاية العسكرية – 25/8/2012 » حتى بعد التوصل إلى حل سياسي. ومن لا يريد أن يستوعب الأمور كما هي على حقيقتها فهذا شأنه، لكن هذا واحد من أخطر التصريحات وأحدثها، والتي تؤكد ما ذهبنا إليه. ففي جلسة لمجلس الشيوخ الأمريكي في 6/3/2013 ( يوم الثلاثاء)، وردا على سؤال وجهه السيناتور، جاك ريد، إلى رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي، الجنرال جيمس ماتيس، يقول: « هل ستخطط الولايات المتحدة لاحتمال انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟» فأجاب « الجنرال» بالقول حرفيا: « إن تخطيطا هادئا يجري مع جيوش في المنطقة لاحتمال القيام بعمليات استقرار إذا اقتضت الحاجة بعد انهيار نظام الأسد، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا ما زال يتسم بالضبابية». و « عمليات الاستقرار» هذه تتطلب، بالنسبة لمربط دولي بحجم سوريا، نزول قوات قتالية على الأرض لمواجهة كل ما تعتبره « عمليات فوضى» يمكن أن تؤدي إلى (1) تعريض الحل السياسي القادم إلى تهديد، بالإضافة إلى (2) نزع سلاح الثورة، و (3) حماية مناطق الحدود إقليميا، و (4) مطاردة المجاهدين. لكن المهووسين بمصطلحات « الديمقراطية» و « المدنية» و « التعددية» و « التوافق» لا يريدون أن يصدقوا أن قراءتهم للحدث السوري لا تبتعد عن أنوفهم إلا بمقدار طول الأنف أو قصره. بل أنهم يعتقدون جازمين أن الدولة المدنية الديمقراطية تتسع للجميع!!! وهي رؤيا نجدها إلى حد بعيد في تصريحاتهم التي أوقعتهم بشر قراءاتهم السياسية والكارثية على الثورة السورية والشعب السوري والأمة برمتها. فهؤلاء الذين سلخت المدنية الأوروبية جلودهم واستنزفت عقولهم يظنون في نمط الحياة الأوروبي، الوديع بين أهله وبيئته، قيمة إنسانية كونية قابلة للتعميم بمجرد الإعجاب وإبداء الرغبة والتعبير عن الطموح في استنساخ النموذج ... مثل هؤلاء لا لا تتسع عقولهم لأية قراءة موضوعية، على الأقل، ولو من باب التنوع والتعدد الذي يؤمنون به. فلعلهم يستنيرون قليلا بما خفي عنهم أو تعاموا عنه لعقود طويلة مضت. فلنتابع الجزء الثاني من الحلقة 13. أولا: بقاء المربط الطائفي سبق وقلنا يا سادة، وللمرة الألف، أن سوريا هي مربط من مرابط النظام الدولي الثلاثة إلى جانب المربط العسكري اليهودي « إسرائيل» والعقدي، وبالتالي لا يمكن التفريط به أياً كانت الظروف. وهذا المربط لا ينفع أن تفاوض على خلعه مع من زرعه أصلا. ومع ذلك فالتصريحات التي نقرؤها ليل نهار تتحدث عن حل مع النظام!!! لكن بدون الأسد!!!! فما الذي يضير المربط إذا رحل رحيل الأسد أو بقي؟ ومن هو الأبله الذي يظن أن النظام الدولي يحمي الأسد ويدافع عنه ويراهن عليه؟ ومن يصدق أيضا أن الأسد خصم عنيد يصعب على روسيا أو أمريكا إزاحته؟ ومن هو الأحمق الذي يظن أن روسيا هي العقبة في وجه الثورة السورية والشعب السوري؟ لا أحد إلا من أبى!! في حلقة حوار على قناة سوريا « الغد» أذيعت في 18/1/2013، وشاركني فيها شيخ صوفي هو د. ماجد الأحمر، تحدثت فيها عن تاريخية تأهيل الفرنسيين للطائفة « النصيرية» لحكم سوريا مستقبلا، وكيف تَسلَّمَ السوفيات أمانتها من الفرنسيين، بعد حرب السويس سنة1956، ورعوها إلى أن سلموها السلطة، وساعدوها على تَمَلُّك للدولة والمجتمع، وتبعا لذلك فالطائفة مسؤولة عن جرائم النظام بدء من انقلاب 8 آذار 1963 وإلى يومنا هذا. لكني فوجئت بالشيخ الضيف يدافع عن الطائفة دفاعا مستميتا بحجة أنه ضد المجرمين فيها وليس ضدها كطائفة!!! فقلت له أن مشايخ الطائفة لم يتبرؤوا من النظام بقدر ما كانوا سنده وسند الفرنسيين من قبله، وبالتالي فهي طائفة مجرمة يجب إقصاؤها عن السلطة في سوريا مستقبلا كي نأمن على البلاد والعباد أولا، ولا تتعرض الأمة والشعب لخديعة ثانية. إلا أنه كان يصر على رأيه!!! الحقيقة أنني لم أكن أعرف أن الشيخ صوفي إلا بعد أن انتهت الحلقة!! والأعجب أنه استدل بذات الموقف على اليهود حتى في فلسطين، جازما بأن هؤلاء صهاينة وليسوا يهودا!!!! فقلت في نفسي كأنه صوفي من فصيلة معاذ الخطيب!!! ورددت عليه بأن الله عز وجل سمى اليهود بالاسم، دون مشركي الأرض، وإلى يوم الدين، باعتبارهم: « أشد الناس عداوة للذين آمنوا»، وأنه ليس من الدين ولا من العقل ولا العدل أن نبرئ الطائفة من المسؤولية بجريرة بضعة مئات أو آلاف عارضوا الأسد مثلما أنه لا يجوز أيضا تبرئة اليهود من أجل عيون مجموعة « ناطوري كارتا» اليهودية التي تعارض قيام « إسرائيل». لكنه أصر على موقفه!!!! فقلت في نفسي ثانية يا سعد « النصيرية» واليهود بأمثالك. أما وقد عرفنا أن « المجرمين» من اليهود في فلسطين هم صهاينة بعرف الشيخ وليسوا يهودا!!! لكننا لم نعرف بعد ما هو توصيف « المجرمين» من « النصيرية» في النظام السوري؟ هل ما زالوا نصيريين أم تخلوا عن نصيريتهم كما تخلى « مجرمو» اليهود عن يهوديتهم ليصيروا صهاينة!!!؟ وما هو هذا التوصيف يا فضيلة الشيخ؟ على وقْع هذا الحوار استحضرت من ذاكرتي الحية أولئك الذين يؤمنون بالتنوع والتعدد الطائفي في المجتمع السوري، والثراء الذي يمثله هذا النسيج الغني!!! ودفاعهم المستميت عنه إلى الحد الذي تذوب فيه الغالبية الساحقة من المسلمين وكأنها أقلية. وكم هي مفارقة أن مثل هذه المواقف هي ذاتها المواقف الغربية التي تجعل من المجتمع مجموعة من الأقليات لها كل الحقوق والامتيازات على حساب الأغلبية التي تغدو، في أحسن الأحوال، مجرد طائفة من الطوائف لا أكثر ولا أقل. هؤلاء، وأمثالهم من دعاة « التوافق» و « الوسطية» و « الاعتدال»، هم الذين يقبلون حلا مع النظام يُبقي الطائفة على حالها من الامتيازات والنفوذ. ولسنا ندري كيف ستكون مواقفهم من « توافقية» جون كيري و « وسطيته» مع الروس والفرنسيين على دعوة المعارضة السياسية للجلوس إلى طاولة الحوار مع عظيم الطائفة!!!؟ فهل يدري هؤلاء ما ذا يعني حكم طائفي؟ بعد عشرين شهرا على اندلاع الثورة في سوريا أوردت صحيفة « الغارديان – 5/12/2012 » البريطانية في افتتاحيتها إحصائية فريدة عن قيادة الجيش السوري كنموذج على طائفية مؤسسات الدولة والنظام في سوريا. وعلى خلفية المعارك المحتدمة حول العاصمة – دمشق قالت الصحيفة: « إن بشار الأسد طوق المدينة بقوة من80 ألف عسكري، ... وهناك 4000 ضابط من السنة من ضباطه البالغ عددهم 27 ألفا في القوة الموالية، ومنهم انشق نحو1800، بينما يبلغ عدد الضباط العلويين نحو 22 ألف ضابط منها». بطبيعة الحال هذا مثال مرعب على نوعية وحجم التشكيلة الطائفية لما يفترض أنه جيش يشكل السنة أكثر جنوده. فكيف يمكن تصور حجم الطائفية في أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات التي تكاد تكون حكرا على « النصيرية»؟ وكيف يمكن تصور حجم الطائفية في السياسة والتجارة والاقتصاد والبنوك والتعليم والثقافة والإدارة والحكومة؟ أما أداء النظام الأمني والدموي في سوريا فلم يعد الاستدلال عليه صعب المنال، سواء في مستوى السجون أو في مستوى القتل أو الخطف أو الاختفاء أو الاغتصاب أو التعذيب أو التهجير والنفي والملاحقات والتغريب وتحريف الدين والقهر الاجتماعي والملاحقات والمطاردات وزوار الليل والنهار ... فالإرث الأمني الهائل والشديد الوحشية لم يترك فئة عمرية أو شريحة اجتماعية إلا وترك بصماته عليها حتى أنه أصاب الرضيع. وفي مثل هذه الحالة حيث مئات الآلاف من الملفات الساكنة والحيوية والتظلمات والكوارث الحقوقية والإنسانية، من المستحيل أن يستسيغ معها السوري الحديث عن إصلاحات وهمية ومستحيلة أو عن مصالحة مع النظام أو حتى مع الطائفة التي لم تترك للود قضية حتى في السؤال عن سعر كيلو الفجل في البلاد. حال اضطر فيه السوري، منذ انتصبت الطائفة على سدة الحكم، إلى هجران الحقيقة من شدة الرعب والقهر والثمن الباهظ الذي يدفعه يوميا، وجيلا بلد جيل .. وهجران الحقيقة يعني أن السوري سيتسم بالكذب أمام الآخرين، وسيتكيف مع نمط حياة تبدو للآخرين مشينة، لكنها قسرية وليست اختيارا. لذا فالحل الوحيد مع النظام لم يعد ممكنا إلا بقلعه من الجذور، وإعادة صياغة كل العلاقة الاجتماعية من جديد وإلا سيبقى السوري يعاني انفصاما حتى مع ذاته!!! ومع ذلك ثمة من يتحدث بلغة « الحل مع النظام». ففي 1/12/2012، وفي ختام أول اجتماع للائتلاف بعد الإعلان عن تشكيله في العاصمة القطرية – الدوحة، قال المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، الذي يؤكد أنه لا يمكن للإسلام أن يحكم سوريا: « إن الائتلاف مستعد للنظر في أي اقتراح إذا رحل الأسد وحلفاؤه بمن فيهم كبار الضباط في الجيش وأجهزة الأمن»، وأضاف أنه: « إذا تحقق هذا الشرط أولا فإن الائتلاف يمكن أن يبدأ في مناقشة أي شيء»، مشيرا إلى: « أنه لن تكون هناك أي عملية سياسية حتى ترحل الأسرة الحاكمة وأولئك الذي يعاونون النظام». هكذا: « أي اقتراح»!!! وكأن مشكلة الشعب السوري والأمة في مائة مجرم من رموز النظام. والعجيب أنه جدد تصريحه هذا في 27/12/2012 بالقول: « نقبل بأي حل سياسي لا يشمل عائلة الأسد والذين سببوا ألما للشعب السوري، وخارج هذا الإطار كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وهكذا لم يعد حتى الخيار اليهودي أو الطائفي أو اللبناني أو الشياطيني بعيدا عن طاولة البني. وفي 11/1/2013 أعلن رئيس المجلس الوطني، جورج صبرا، خلال مؤتمر صحفي بإسطنبول، أن المجلس قدم خطة انتقالية لمرحلة ما بعد الأسد تنص على: « تنحية الرئيس الأسد وحل الأجهزة الأمنية باستثناء الشرطة»، وأنها لقيت ردودا: « إيجابية وبعض الملاحظات الطفيفة. وفي 23/1/2013 لحق الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، عبد الباسط سيدا، في ندوة بالقاهرة بطاولة البني فقال: « إن ائتلاف المعارضة لن يرفض أي حل للأزمة شريطة أن يتضمن رحيل الأسد»، مؤكدا: « عدم وجود نية لحل حزب البعث أو تفكيك الجيش السوري بعد رحيل الأسد». وفي السياق عاد البني ليؤكد في اجتماعات القاهرة (15/2/2013)، في معرض الإعلان عن الموافقة على مبادرة الخطيب، أن أعضاء « حزب البعث» الذي يتزعمه الأسد الذي يحكم سوريا منذ انقلاب 1963، يمكن أن يشاركوا في المحادثات المقترحة إذا كانت: « أيديهم نظيفة من الدماء». وربما سنجد من يحل المشكلة لاحقا بسطل ماء فيه من النجاسة أكثر مما فيه من الطهارة. ومن جهته كشف الكاتب العجوز في صحيفة « الواشنطن بوست -6/1/2013»، ديفيد إغناتيوس، عن « مسودة خطة» أعدها فريق دعم سوري، ونالت إعجابه، وتهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوري، وتمهد لـ « نظام عدالة انتقالي» يكون من شأنه أن يفرض عقوبات قاسية على أعضاء دائرته الضيقة، ولكنه: « يؤمن عفوا عاما عن معظم أنصاره من العلويين». وأشار الكاتب إلى أن: « من شأن الخطة طمأنة الطائفة العلوية بأنه سيكون لهم مكان في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد» ... و: « تحديد هوية مائة من المقربين للأسد، والذين بانشقاقهم عن نظام الأسد قد يسهمون بتسريع سقوطه»، وأنه: « يمكن منح بعض هؤلاء المنشقين عفوا جزئيا إذا أبدوا تعاونهم»، و: « كلما سارعوا في انشقاقهم فإنهم سيحصلون على مواقع مرموقة في أي حكومة مستقبلية». وأوضح أنه: « تم تداول مسودة الخطة بين قادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». كما أشار الكاتب إلى أسماء بعض الشخصيات السورية المعارضة التي يمكن أن يتألف منها فريق من الخبراء القانونيين لدعم الخطة السورية المقترحة، ومن بينهم الناشطة السورية المعارضة سهير الأتاسي والناشط السوري المعارض هيثم المالح وآخرون. والنعم. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى تلك القائمة التي تناولتها وسائل الإعلام في 7/1/2013 نقلا عن مصدر في الخارجية الأمريكية قال بأن المسؤولين الأمريكيين يدرسون خطة معاقبة الرئيس السوري، بشار الأسد، وأعوانه، بطريقة معاقبة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وأعوانه، عب الإعلان عن قائمة فيها 100 شخص للقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة. من الواضح أن مثل هذه التصريحات والمواقف ليست سوى صدى لسياسات « المركز» وقراءاته لمستقبل النظام واحتياجاته لحل من ذات الإطار التاريخي للنظام القائم. فالطائفة ما زالت وستبقى، بمنظور « المركز»، تتمتع بامتياز دولي حتى لو كان الائتلاف هو المرشح لتسلم السلطة بعد رحيل الأسد. وهو (الائتلاف) في أحسن الأحوال ليس سوى غطاء يجري تحته إعادة تأهيل الطائفة بحيث تكون الشريكة المركزية في الحكم بعد أن صار متعذرا عليها الانفراد بحكم البلاد بسبب إرثها الدموي المتوحش، وخلوها من أية قيمة إنسانية. أما التأهيل فيستدعي الحاجة إلى تبرئتها من جرائم الأسد وأعوانه، ومساندتها بإشراك الطوائف والأقليات الأخرى معها في الحكم القادم. فلنتابع التصريحات الدولية، في السياق، وننظر في هواجس « المركز» وتطلعاته لمكانة سوريا القادمة. على الرغم من أن أحدا لم يمس الطوائف السورية إلا أن « رويترز - 20/12/2012 نقلت عن مبعوث الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة، أدما ديينغ، مخاوفه من أن: « الأقليات في سوريا، بما فيها الأقلية العلوية، تواجه خطر هجمات انتقامية واسعة، مع تصاعد الصراع الذي يعصف بالبلاد منذ 22 شهرا، وازدياد مؤشرات العنف الطائفي». وأضاف في بيان له: « أشعر بقلق عميق من أن طوائف بأكلمها تتعرض لخطر دفع ثمن جرائم ترتكبها الحكومة السورية». وزاد بأن: « العلويين وأقليات أخرى في سوريا يتعرضون بشكل متزايد لخطر هجمات انتقامية واسعة النطاق لأنهم ينظر إليهم على أنهم مرتبطون بالحكومة والمليشيات المتحالفة معها». وكأنهم كانوا يوما إلى جانب الشعب السوري!! أو كأن الكاتب لا يرى تحصنهم في معازل على امتداد الساحل. أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فقد أعرب في 29/12/2012، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأخضر الإبراهيمي بالعاصمة الروسية موسكو، عن تخوفه من اتجاه الصراع في سوريا إلى الطائفية. من جهته كتب باتريك كوكبيرن في صحيفة « الإندبندنت – 30/12/2012 » يقول: « إن الثورة انقلبت إلى حرب أهلية، وإن انتفاضة السوريين على نظام بوليسي وحشي، والتي اندلعت في مارس/آذار 2011، تبدو يوما بعد يوم للعلويين والمسيحيين والدروز والأقليات الأخرى حملة طائفية ترمي إلى استئصالهم». وفي مقال اشترك فيه ثلاثة شيوخ في الكونغرس الأمريكي (جون ماكين و ليندسي غراهام و جوزيف ليبرمان)، ونشر في صحيفة « الواشنطن بوست – 31/12/2012»، عبر المسؤولون الثلاثة عن قلقهم من أن: « سوريا بدأت تنزلق إلى الجحيم، وأن انزلاقها هذا يعني أن نيران الأزمة السورية المتفاقمة ستنتشر في هشيم الدول المجاورة بشكل كبير، فهي تشكل تهديدا مباشرا وحالة من عدم الاستقرار في تركيا ولبنان والعراق والأردن وإسرائيل على حد سواء». ونسب الساسة الثلاثة اعتراف مسؤولين أميركيين وأوربيين بأن: « حوالي 70% من المساعدات الخارجية المرسلة إلى سوريا ينتهي بها المطاف في مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري، وأن زوارا جددا إلى حلب أخبروهم بأنه لا توجد مظاهر في المدينة لأي مساعدات أميركية». وفي 12/1/2013 أصدرت « الخارجية الروسية» بيانا قالت فيه: « يجب ضمان إطلاق عملية انتقال سياسي في سوريا تهدف إلى تثبيت حقوق مضمونة ومتساوية لجميع الطوائف في هذا البلد، وذلك على المستوى التشريعي». لكن الروس، وغيرهم، الذين يطالبون بضمانات دستورية للطوائف والأقليات، لم يهتموا في يوم ما بحقوق السنة في سوريا، ولم يسائلوا أنفسهم لماذا ظل السنة يقتلون بعشرات الآلاف قبل الثورة؟ ولم سألوا يوما عن ضماناتهم الدستورية لأنهم كانوا شركاء في كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الأمة وليس فقط بحق السوريين. ولدعاة القومية وأهل اليسار نذكر فقط بأن الاتحاد السوفياتي لم يكن في يوم ما بعيدا عن جرائم أمريكا وبريطانيا وفرنسا الذين فككوا العالم الإسلامي ومزقوه شرّ ممزق وأخضعوه للهيمنة والتبعية، ففي عهد السوفيات البائد اغتصبت فلسطين وتم الإعلان عن قيام « إسرائيل» بصوت الاتحاد السوفياتي، وفي عهده تم رعاية الطائفة « النصيرية» إلى أن تَسَلمها من الفرنسيين سنة 1956 وسلمها السلطة في سوريا وأشرف على كل جرائمها وقدم لها الحماية التامة، وفي عهده أيضا سقطت بقية فلسطين والقدس وسيناء والجولان وأراضي من الأردن، بل أن الجولان بيعت بـ 150 مليون $ لبني يهود، وقسمت اليمن إلى قسمين ثم حوربت بطائرات السي خوي الروسية المستأجرة عربيا في حرب العام 1994، وشق الأسد الأب منظمة التحرير الفلسطينية وحاربها وأقصاها من ساحات المواجهة، وفي عهده وحمايته ذُبحت لبنان والمخيمات الفلسطينية من تل الزعتر شمالا إلى صور جنوبا، وتم تفكيك الحركة الوطنية العربية ومعها الفلسطينية التي تم دفعها إلى الاعتراف بـ « إسرائيل» وتحويلها إلى حرس حدود لها، كما شُرد الإسلاميون وطوردوا في أقاصي الأرض، و ضاعت الصومال ودُمرت أفغانستان وأُحرقت الشيشان ونُحرت البوسنة والهرسك وأُسقط العراق وتم تسليمه للشيعة بمبادرة من وزير الخارجية بريماكوف، والآن تسقط سوريا وهو ممسكا بها بيديه!!! كل هؤلاء كانوا بحماية الاتحاد السوفياتي ثم روسيا، بموجب تبنيه لحق الشعوب في تقرير مصيرها سنة 1956، وتحت عباءة أيديولوجيات التقدم والتحرر ومقاومة الاستعمار .. والقائمة أطول بكثير. لكن آن للقوس أن ينغلق. وفي مقابلة له مع مجلة « لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية ونقلتها وكالة الأنباء الأردنية « بترا – 12/1/»2013، قال الملك الأردني، عبد الله الثاني،: « يجب أن تشعر كل فئة في المجتمع السوري، بمن فيهم العلويين، بأن لهم دورا في مستقبل البلاد». وفي 26/1/2013 طالب الملك بوضع: « خطة واقعية وجامعة للانتقال في سوريا»، مؤكدا على: « ضرورة أن تتضمن الخطة الحفاظ على الجيش ليكون العمود الفقري لأي نظام جديد في سوريا، لتجنب الفوضى التي سادت في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام »2003، ومشيرا إلى أن: « خطة انتقالية حقيقية وشاملة تضمن وحدة سوريا شعبا وأرضا وتضمن لكل السوريين دورا ليكونوا شركاء في مستقبل بلادهم». واعتبر أن من يعتقد أن نظام الأسد سيصمد لأسابيع فقط: « لا يعرف حقا الواقع على الأرض»، ملمحا إلى أن: « أنصار الأسد ما زالوا يمتلكون القدرة»، ومتوقعا أن: « بقاءهم القوي سيستمر على الأقل حتى النصف الأول من العام الجاري». ورغم أنها حادثة ليس معروفا عنها أية معلومات موثوقة، فضلا عن حرص المقاتلين على حماية دور العبادة أيا كانت، مقابل تدمير النظام لعشرات المساجد وحرقها إلا أن صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 25/1/2013 » نقلت عن مديرة إدارة الشرق الأوسط في منظمة « هيومن رايتس ووتش» الأمريكية، سارة ويتسون، قولها: « إن المعارضين المسلحين للنظام السوري فشلوا في إثبات تعهدهم بحماية حقوق الأقليات الدينية». وفي سياق مماثل حرض رمزي مارديني، المحلل بمعهد « دراسات الحروب بالولايات المتحدة، في مقال له نشرته صحيفة « نيويورك تايمز - 4/2/2013»، واشنطن: « على أن تجعل اعترافها بالمعارضة السورية مقرونا بشرط صارم بضرورة أن يكون تحالفها ممثلا لكافة أطياف الشعب السوري، ومعاقبتها إن هي لم تمتثل لهذا الشرط». وخلص في مقاله إلى القول بأن: « الخوف ونزعة الانتقام من المحتمل أن تلعب دورا رئيسيا في مرحلة ما بعد الأسد أكبر مما حدث في ليبيا ما بعد القذافي». وفي مقالته على صفحات « نيويورك تايمز – 10/2/2013 » وصف توماس فريدمان الصراع في سوريا بأنه: « حرب لا يمكن أن تنتهي، ولكن ربما يمكن تخفيض وتيرتها وشدة حدتها». وشكك: « في إمكانية تخليص سوريا أو نقلها من مدار إلى آخر مع الاحتفاظ بها دولة واحدة متماسكة»، ... إذ ... « أنها سرعان ما تنقسم إلى إقليمين، أحدهما للسنة والآخر للعلوين». وفي السياق أشار إلى حلول وسط نسبها لبعض: « الدبلوماسيين العرب في الأمم المتحدة » ... وهذه الحلول تتطلب، بحسبه، (1) « تدخل الولايات المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا»، و (2) « تمثيل متساو للعلويين والثوار». وفي معرض تعليقه على بدء العملية السياسية، وبعد لقاء نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، مع وفد الدبلوماسيين الفرنسيين، أصدرت الخارجية الروسية بيانا في 13/3/2013 قالت فيه: « من الضروري مراعاة الحقوق الأساسية لكافة الأقليات العرقية والطائفية التي تقطن البلاد». هذا هو النظام الدولي. لا يأبه لأمة تتعرض، بفعل أياديه الدموية، لألوان العذاب. فهو لا يرى في الأمة إلا مجموعات من الطوائف التي لها الحق في كل الحقوق والامتيازات والحماية والرعاية بقطع النظر إن كانت على حساب الغالبية الساحقة أم لا. والحقيقة أن المشكلة ليست في حقوق الطوائف بل في حقوق الأغلبية المصادرة لصالح الأقليات التي تحظى بالحماية الدائمة. أما لماذا؟ فلأنها تمثل الضمانة الأهم في استمرار الدولة القومية المستوردة من الغرب والحاملة لقيمه والمعادية في منشئها للدين والإسلام. لذا فإن كل من يقبل بالحل الدولي في سوريا أو يسهل له أمره هو بالضرورة معاديا للأمة في أصالتها وعقيدتها وطموحاتها. ثانيا: الكمين العراقي ما أن انطلقت شرارة الحراك الشعبي في العراق، احتجاجا على التهميش الطائفي، قبل ثلاثة أشهر حتى أصابت غصته الخانقة حلق دول « المركز» والدول الإقليمية والشيعة على السواء. فإذا ما انفجرت الأوضاع في العراق فقد يتحول الحراك إلى أخطر مسمار ُيدَق في نعش النظام الدولي أو على الأقل في نعش المشروع الصفوي بدايةً. لذا؛ وتحسبا من أية تداعيات مفاجئة، وفي تغريدة، ذات دلالة أمنية بالغة، على موقع التواصل الاجتماعي « تويتر – 8/1/2013»، كشف الشيخ حامد العلي أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، قرر نقل الأسلحة الثقيلة إلى الجنوب، خوفا من تطور الاحتجاجات التي يشهدها العراق حاليا. وقال الشيخ أن: « المالكي يصدر أوامره بنقل كافة الأسلحة الثقيلة من كافة الوحدات والتشكيلات الموجودة بالأنبار ونينوى وصلاح الدين ونقلها للجنوب». وفي تغريدة ثانية برر الشيخ العلي قرار المالكي أنه: « يخشى من سقوط الآليات العسكرية الثقيلة بيد الثورة لأنه يتوقع تطورها لثورة مسلّحة ولهذا أمر بسحب كل الآليات للجنوب». هنا؛ علينا أن نلاحظ أنه ثمة فرق هائل بين كمائن المعارضة السياسية السورية والحراك العراقي الذي يعد بحق أنجح كمين استراتيجي نصبته الثورة السورية للقوى الدولية والطائفية في المنطقة وحلولها السياسية ومحاولاتتها لاحتواء الثورات الشعبية. فالحراك، المعلومة بواطنه، لدى السنة بدأ يشق طريقه إعلاميا للكشف عن خفايا المشروع الطائفي في العراق للعامة من العرب والمسلمين، من أجل أن يأمن على نفسه ويحصن ظهره من سلالات الغدر المحلية والإقليمية والدولية التي طعنته في ظهره خلال السنوات القليلة الماضية. فقد بات واضحا لمن يعلم حقيقة النظام القائم في العراق أنه غدا نسخة طبق الأصل عن النظام الطائفي في سوريا، وأن عقائد السنة وتراثهم لم تعد بمأمن من نفوذ المشروع الصفوي ولا من أثر مخرجاته العقدية والتربوية والقيمية والأخلاقية على الأجيال القادمة من سنة العراق. لذا فإن المالكي والإيرانيين يعلمون علم اليقين أن الحراك العراقي ما جاء إلا ليصب النار على زيت المشروع الصفوي المشتعل في سوريا. وأن الإفلات من الحريق في العراق قد لا يكون سهلا ولا قريب المنال مع تسارع حمى المواجهات في الثورة السورية. ولم يعد خفيا، على مراقب، تلك التصريحات التي يدلي بها المالكي بين الحين والحين محذرا من حرب طائفية. أما إنْ كان يريدها فهو يعلم والإيرانيون أنهم أكبر الخاسرين بالنظر إلى أنهم هم الذين يتمتعون بالامتيازات والنفوذ وليس أهل السنة. لذا فالتحشيد الطائفي في العراق، والذي يقوده الإيرانيون والمالكي، لا يستهدف حاليا الحراك العراقي بقدر ما يستهدف تصفية حساباته في سوريا. وقد أصاب جوست هلترمان، وهو الخبير في الشؤون العراقية، في تحليله الذي نقلته صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور - 29/12/2012 » وقال فيه بأن: « الأزمة السورية تجبر كل من حولها على الانحياز إلى أحد الطرفين المتصارعين»، مشيرا إلى: « أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يخشى من ظهور حكومة سنية في سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، مما يجعل المالكي يصطف مع المعسكر الإيراني ويكون في حال صراع مع تركيا». لذا كان على المالكي، ولي أمر ممرات الأسلحة جوا وبرا إلى النظام السوري، أن يجدد مخاوفه من تداعيات الثورة السورية على العراق. ففي مقابلة له مع وكالة « أسوشيتد برس - 27/2/2013 » الأمريكية قال بصريح العبارة: « إذا ما انتصرت المعارضة ( السورية على النظام )، فستندلع حرب أهلية في لبنان، وتحدث انقسامات في الأردن، وتشتعل حربا طائفية في العراق». وفي مقابلة مع « رويترز – 27/2/2013»، وصف وزيره للنقل وزعيم منظمة بدر، هادي العامري، دعم تركيا وقطر للمعارضة المسلحة في سوريا بأنه يرقى إلى إعلان حرب على العراق: « الذي سيعاني من تبعات صراع تتزايد صبغته الطائفية». فعلا: إن مما أدرك من كلام النبوة أنه إذا لم تستح فاصنع ما شئت. رموز الطائفية يخشون منها!!!! أما حاخامات إيران فمواعظهم عن دعم النظام الطائفي في سوريا لم تتوقف منذ فتاوى خامنئي وجنتي وغيرهم. ولعل بعض من أحدثها وأطرفها تلك التي وردت على لسان خطيب صلاة الجمعة في طهران، موحدي كرماني، في 4/1/2013 حين زعم أن: « الغربيين وعملاءهم لم ينتهوا بعد من مؤامراتهم في سوريا، ولكنهم أقدموا على إثارة فتنة طائفية في العراق»، محذرا من أن: « ما يجري في العراق بداية لما بدأ في سوريا منذ عامين». أما أشدها وحشية وتطرفا فتلك التي فاه بها الحاخام الصفوي، مهدي طائبدبي. ففي 14/2/2013 أباح بما تخفيه صدورهم بالقول: « إن سوريا هي المحافظة الـ35، وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمَنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، الأوْلى بنا أن نحتفظ بسوريا .. لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان (الأحواز العربية) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا». وحين تحدث عن ضرورة دعم النظام السوري قال: « النظام السوري يمتلك جيشاً، ولكن يفتقر إلى إمكانية إدارة الحرب في المدن السورية، لهذا اقترحت الحكومة الإيرانية تكوين قوات تعبئة لحرب المدن .. قوامها 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة لتستلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري». الجدير بالذكر حقا أن مهدي طائبدبي هذا يترأس ما يسمى بمقر « عمّار الاستراتيجي» لما يسمى بـ: « مكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضدالجمهورية الإسلامية الإيرانية»، والذي تأسس عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة التي اُعلن فيها عن فوز الرئيس الحالي أحمدي نجاد. وشارك في تأسيس المقر عدد من الشخصيات السياسية والدينية الشهيرة باسم: « أنصار حزب الله» في إيران، وهي موالية للمرشد الأعلى علي خامنئي. على كل حال فـ « حزب الله » أعلن الحرب على الثورة السورية جهارا نهارا. وهو الآن يحتل على الأقل ثمانية قرى حدودية، وجنازات قتلاه التي كانت توارى الثرى تحت يافظة « شهيد الواجب» صارت توارى اليوم باسم « الدفاع عن آل البيت». وإذا كان مهدي طائبدبي آخر من صرح بـ 60 ألف مقاتل يخوضون حرب المدن إلى جانب قوات الأسد فقد أشارت العديد من الصحف الغربية والتقارير الاستخبارية إلى أن إيران تحضِّر لحرب طائفية بعد سقوط النظام. وفي السياق نقلت « الواشنطن بوست – 11/2/2013» عن مسؤول عربي رفيع قوله أن: « استراتيجية إيران تقوم على مسارين: الأول دعم الأسد، والثاني تحضير مسرح إذا انهار النظام وتفسخت سوريا إلى جيوب عرقية وطائفية منفصلة». ونقلت عن مسؤول رفيع بالإدارة الأميركية أن: « إيران تساند مليشيات قوامها 50 ألف مقاتل داخل سوريا» حاليا. وبحسب المسؤول ذاته فـ: « إن هذه عملية كبيرة والنية المباشرة هي دعم النظام السوري إلا أن الأهم بالنسبة لإيران هو الحصول على قوة داخل سوريا تكون موضع ثقة ويمكن الاعتماد عليها فيما يعد». هذا الأمر ذكرته صحيفة « الديلي تلغراف – 15/3/2013 » البريطانية نقلا عن رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية، اللواء أفيف كوخافي، الذي قال أن: « إيران قامت بتدريب جيش من خمسين ألف رجل في سوريا في محاولة لاستعادة قاعدة السلطة في البلاد بمجرد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد». لكن ما ينبغي التنويه إليه هو صحة رأي بعض الخبراء الأمريكيين، بحسب الصحيفة، من أن: « إيران أقل اهتماماً ببقاء الأسد في الحكم منه بالحفاظ على نقاط قوة، من بينها مراكز نقل في سوريا»، وهو ما أشار إليه تقرير صحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 28/12/2012» بعنوان: « إيران قد تعيد النظر بموقفها من الأسد»، الذي تحدث عن خلافات ساخنة بين المؤيدين والمعارضين لدعم الأسد. لكن هذا بالنظر إلى مسألتين، الأولى: أن إيران تمتطي ظهر سوريا مثلما تمتطي ظهر القضية الفلسطينية، وبعض القوى والدول في العالم السني لتمرير مشروعها الصفوي، والثانية: أن إيران لا تقيم وزنا لبقاء الأسد أو ذهابه إلا بمقدار ما تضمن سلامة مصالحها في سوريا عبر حل طائفي يحفظ لها نفوذها. لكن الأسوأ أن إيران مستعدة للمساومة على سوريا برمتها، ومعها البحرين. إذ نقلت وكالة « مهر - 12/2/2013» الإيرانية للأنباء، عن مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون دول آسيا والمحيط الهادي، عباس عراقجي، قوله: إن بلاده تقدمت بمقترح: « حول ضرورة إدراج الأزمة السورية والبحرينية على جدول أعمال مفاوضات إيران ومجموعة الـ 5+1 » والذي عقد بكازاخستان في 26/2/2013. وبالتأكيد فإن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، الذي نفى تقارير « الواشنطن بوست» حول الإعداد لقوة حربية بعد رحيل الأسد لن يستطيع أن ينفي مقترح العراقجي الذي تماهى مع ما قاله مهدي طائبدبي عن سوريا باعتبارها المحافظة 35، وإلا فبأي منطق تضع إيران دولة عربية على طاولة المفاوضات إنْ لم تكن ترى فيها مجرد محافظات فارسية كما هي العراق والبحرين وربما غدا الكويت؟ في خضم المواجهات الطاحنة بين قوات الثورة السورية والنظام، بدا واضحا أن النظام يتعرض لاستنزاف خطير في العنصر البشري. وبالتأكيد فإن مثل هذا الأمر له أكثر من سبب، ويشكل مبعثا لتساؤلات مثيرة حول الكتلة الديمغرافية المساندة للنظام سواء في العمق الشيعي في العراق وإيران ولبنان، أو في العمق الطائفي للنصيرية في تركيا، أو فيما يتصل بالقاعدة الديمغرافية الشعبية ومعاناتها الاقتصادية أو الأمنية. فقد تسربت معلومات عن توجه النظام لتجنيد الشباب السوري في القرى والأرياف لقاء 50 ألف ليرة سورية. وبالتأكيد فلن يعدم القبول لدى البعض خاصة وأن قسما ما من السنة ما زال مواليا للنظام. المرجح أن الأمر يتعلق بمسألتين: فإما أنه يسعى إلى تجنيب رصيده البشري في صلب الطائفة من الاستنزاف في المعارك، خاصة بعد ورطة المحور الشيعي في العراق، مقابل حرق ما يمكن حرقه من السنة، وإما أنه لم يعد لديه رصيدا كافيا لمواصلة حربه الدموية. وفي الحالتين لم يعد بيد النظام من أوراق إلا جرّ المجتمع السوري إلى العسكرة لصالحه بأقصى ما يستطيع. وفي السياق شرع في عمليات تجنيد واسعة وتسليح للذكور والإناث وتأطيرهم بأطر عسكرية مثل « قوات الدفاع الوطني» أو « جيش الدفاع الوطني». وبحسب « مصدر سوري مطلع» فالتشكيلات الجديدة تضم: « عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية واللجان الشعبية التي تشكلت تلقائيا مع تطور النزاع القائم في سوريا»، و: « أن افرادها سيتقاضون رواتب شهرية، وسيكون لهم زي موحد»، وأن: « عددهم سيبلغ حوالي عشرة آلاف من مختلف محافظات البلاد». وفي تقرير لقناة « الجزيرة – 23/1/2013» نقلا عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قالت فيه: أن قوات الدفاع الوطني ستشكل من أعضاء حزب البعث أو مؤيديه .. رجال ونساء ( فدائيات الأسد) من كل الطوائف» بهدف حماية الأحياء من هجمات المقاتلين المعارضين .. « وأن القوات الجديدة ستضم قوات نخبة دربها الإيرانيون الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال بداية بفيلق القدس وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج) ». وبحسب عضو الهيئة العامة للثورة السورية بحمص، هادي العبد الله، فإن: « عدد المقاتلين الموالين للنظام في المحافظة ازداد كثيرا خلال الأيام الأخيرة مع بدء عمل قوات الدفاع الوطني». أما المعارض بسام جعارة فقال بأن هذه القوات تتكون من: « علويين موالين للنظام ومجرمين أطلق سراحهم، والجنود الاحتياط المطلوبين للالتحاق بالجيش»، وقد باتوا بمثابة: « الرديف الحقيقي للجيش بعدما سُلموا، مدافع هاون ومدافع ميدانية، وأسلحة ثقيلة، ولكن الأهم أن النظام ضامن لولائهم ومتأكد أنهم لن ينشقوا»، ويُدربون في معسكر « دير شميل» بحماة الذي يتبع له 28 معسكرا بقيادة مرافق بشار الأسد السابق، العقيد المتقاعد فضل ميخائيل. وأوضح جعارة أن هؤلاء: « يحملون بطاقات تخولهم توقيف من يريدون حتى لو كان وزيرا». المهم في الحراك العراقي أنه نجح في خلط الأوراق إلى الحد الذي أثار فيه الرعب لدى رموز المشروع الصفوي. إذ لم يعد من الممكن الاطمئنان إلى العراق كفضاء استراتيجي خاضع للسيطرة والتحكم والاستخدام وقت الحاجة، سواء لإيران أو للنظام في سوريا. وحتى لبنان لم يعد بمأمن من الانفجار بين الحين والآخر. وغدت كل القوى المحلية والأطراف الدولية والإقليمية تحضر نفسها لما هو قادم وليس لما هو كائن. لكن المفارقة في أمر الحراك العراقي أنه لن يقع ضحية الاستنجاد بقوى أجنبية على شاكلة حلف « الناتو» خاصة أن انطلاقته تأتي في السياق المضاد لكل تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، وهدم الدولة وإعادة بنائها بمواصفات طائفية تجتهد في امتلاك الدولة والمجتمع بأشد مما هو الحال في سوريا. وبالتالي ستبدو ورطة « المركز» أعمق مع حراك شعبي له حسابات وقروح دامية مع الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يجرد « المركز» من القدرة على الاحتواء إذا حمي الوسيط، نظرا لغياب أدوات الضغط على الحراك الشعبي كما هو الحال في دول الثورات الأخرى. كما أن « القاعدة» ليست غائبة عن المشهد العراقي وهي التي تسلخ جلد المالكي بصورة شبه يومية، فضلا عن يدها الطويلة التي طالت الجنود السوريين الذين فروا، خلال المعارك مع الثوار من بلدة اليعربية، وأثناء إعادتهم إلى النظام، في قافلة أمنية، تلقفتهم مخالب القاعدة لتفتك بـ 48 منهم. لذا فإن خلط الأوراق هنا ثقيل على « المركز». |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
ثالثا: كمين التسليح ظن الكثيرون، وكتبت الصحف الأمريكية، أن تغيير الطاقم الاستشاري الأمريكي بعد الانتخابات الرئاسية الثانية للأوباما قد يؤدي إلى تغير في السياسة الأمريكية، وأن الإدارة الأمريكية ستتحرر، بالتالي، من ضغوط الانتخابات. إلا أن المسألة اتجهت سياسيا نحو الأسوأ بحسب دعوة جون كيري للمعارضة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الأسد. كل هذا وسط عودة الضجيج حول تسليح المعارضة المسلحة. ووسط « حيرة» الرئيس الأمريكي أوباما، الذي حين سئل في مقابلته مع مجلة « ذا نيو ريببليك» الأميركية ( نقلا عن افتتاحية الكاتب دويل ماكمانوس بصحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 22/2/2013» عن إمكانية التدخل في سوريا ووقف حمام الدم هناك، أجاب: « مضطر أسأل: هل بإمكاننا أن نحدث فرقا في هذا الوضع؟ وكيف أوازن بين عشرات آلاف القتلى في سوريا مقابل عشرات الآلاف الذين يُقتلون حاليا في الكونغو؟» لكن هذا التبرير يعجز عن الصمود ما لم يجد له تفسيرا لدى الرئيس الأمريكي الذي سبق وتدخل في ليبيا ضد العقيد معمر القذافي!! فما هي خلفيات المسألة بلسان أهل الأمر؟ النازف في سوريا منذ سنتين يبدو أن لها نصيبا هاما من الثقة والمصداقية. لكننا لسنا واثقين من الخبر الذي سربته صحيفة « نيويورك تايمز – 2/2/2013 » من أن البيت الأبيض عارض توصية تقضي بتسليح الثوار في سوريا، قدمتها كبرى المؤسسات الأمريكية ( وزارتا الدفاع والخارجية والمخابرات وقائد الجيش). والخبر، بحسب افتتاحية دويل ماكمانوس يقول بأن: « وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومدير الاستخبارات الأسبق ديفد بترايوس كانا قد اقترحا في شهر أغسطس/ آب الماضي أن تغير الولايات المتحدة سياستها وترسل أسلحة ومعونة أخرى للثوار الذين يقاتلون الحكومة السورية. ودخل على الخط أيضا وزير الدفاع السابق ليون بانيتا وقائد رئاسة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمسي، الأمر الذي يعتبر خطوة غير عادية من جانب وزارة الدفاع الأميركية الحذرة عادة». وأضاف بأن: « مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي، توماس دونيلون، عارض الاقتراح، وفي النهاية دعم الرئيس رأيه». هذا الرفض للمقترح، على رأي « نيويورك تايمز – 19/2/2013»، أدى إلى: « ترك البيت الأبيض بلا إستراتيجية بشأن الانتفاضة السورية». وبحسب مسؤولين أميركيين فإن: « قرار أوباما عدم تزويد المعارضة السورية بالأسلحة كان ناجما عن التردد والخشية من وصولها إلى أياد غير موثوقة، ومخافة استخدامها بالتالي ضد مدنيين أو ضد مصالح إسرائيلية وأميركية» .. لكن: « الولايات المتحدة صارت تعرف بمرور الوقت المعارضين السوريين!! ولا ريب أنها كانت تعرف قبل ذلك بكثير، لاسيما وأن المدير السابق للمخابرات السعودية، تركي الفيصل، كان يعرف ما سبق أن عرفته الولايات المتحدة. وهذا ما نقلته « بروجيكت سينديكيت – 28/12/2012 » عنه: « الآن، أصبحت كل الأطراف الفاعلة في سوريا معروفة. فلا يوجد هناك جهاديون مستترون، أو إرهابيون، أو رجال عصابات. فجميع الأطراف موثقة بشكل جيد. وبالتالي فإن المعتدلين وحدهم هم من ينبغي لهم أن يحصلوا على الأسلحة المضادة للطائرات والمضادة للدبابات. وبحصولهم على هذه الأسلحة فإن مكانتهم سترتفع بين المجموعات المقاتلة الأخرى، وهذا من شأنه أن يدعم موقفهم المعتدل». بعد مضي أسبوع على جلسات الاستماع أمام الكونغرس الأمريكي، علقت صحيفة « كريستيان سيانس مونيتور – 11/2/2013 » على رفض أوباما تسليح الثوار، واستجواب كل من وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا والجنرال ديسمبي، فقالت أنه: « في جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ سأل السيناتور جون ماكين كلا المسؤوليْن عما إن كان قد دعم توصيات لوزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات الأميركية بتوفير أسلحة للمعارضة السورية، فرد بانيتا وبعده ديمبسي بأنهما أيدا الخطة». لكن الجنرال مارك ديسمبي نفي في 10/2/ 2013 علم بلاده بهوية الجماعات المقاتلة قائلا أن: « لدى الإدارة الأميركية تحديا كبيرا، وهو أنها لا تعرف بعد أي الفصائل التي تحارب نظام الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن تفي، في حال سيطرت على السلطة، بمتطلبات الاستقرار في البلاد مثل إنشاء حكومة وإنهاء العنف والحفاظ على المؤسسات حتى لا تتحول سوريا إلى دولة فاشلة». فعلى أي أساس أيد خطة تسليح الثورة إذا كانت الولايات المتحدة لا تعرف بعد مع من تتحالف؟ وبأي منطق تكون شهادته أو تسريب « النيويورك تايمز» صحيحين!!!؟ « الحلقة المفقودة» بالأمر تكمن في حاجة الولايات المتحدة إلى تسريب الخبر للتغطية على ما يراه بعض الساسة الأمريكيين « مأزقا أخلاقيا» يصعب تبريره تجاه الثورة السورية. والتسريب جاء بصيغة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم. فهو يوحي بأن أكبر مراكز القوى في الولايات المتحدة دعت إلى تسليح الثورة، لكن الذي رفض هو الرئيس!!! والرئيس قادر على تحمل التسريب خاصة وأنه لم يعد مهموما بولاية رئاسية ثالثة. وهكذا تفلت مصداقية أمريكا من الطعن والخسارة ويستعيد الرئيس الثقة مجددا. يا أبناء الشياطين!!! هكذا باتت الإدارة الأمريكية في دورتها الثانية مطالبة بالإجابة على السؤال الملح: « ما هي السياسة الأمريكية الجديدة تجاه سوريا بعد أن سقطت مبررات ضغوط الانتخابات الرئاسية ولم يعد ثمة عراقيل أمام الرئيس أوباما؟» وقد أجابت!! وهكذا أيضا بدت الطريق ممهدة لدى صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 5/3/2013 » كي تذكِّر بالتوجه الجديد للسياسة الأمريكية تجاه الثوار، والتي وردت على لسان وزير الخارجية، جون كيري، بعد «مؤتمر أصدقاء روما» حين قال: « إننا لن نترك المعارضة السورية في مهب الريح ... إننا مصممون على تعديل الحسابات وتغيير قواعد اللعبة على الأرض» !!!! لكن ما الذي تغير أصلا؟ الأكيد أن مضمون « المأزق الأخلاقي» الأمريكي هذا يتعلق بالدرجة الأساس بشعور الولايات المتحدة والغرب بانحدار مستوى المصداقية في الشارع السوري، المدني والسياسي والعسكري، وكذلك بالاستنزاف الخطير في ثقة من عقدوا على الولايات المتحدة الآمال والطموحات، وما زالوا يعقدون. لذا فقد حذرت الصحيفة من أن انتصار الثوار وإجبارهم: « زمرة الأسد على التراجع إلى معاقل الطائفة العلوية أو حدوث انقلاب داخلي يزيل الأسد من السلطة» أو ... ستشكل ... « خسارة كبيرة للولايات المتحدة نفسها، التي ستكون ضئيلة النفوذ في البلاد، وذلك لأن معظم السوريين وقادة الثوار ساخطون على واشنطن بسبب حجبها المساعدات عنهم» .. ولأن: « ما ينفر السوريين من الولايات المتحدة بشكل أكبر هو دعوة واشنطن إلى تفكيك فصائل مسلحة في سوريا كانت هي السبب في كسب الحرب مثل جبهة النصرة». بل أن الولايات المتحدة تعرضت لانتقادات من حلفائها كما تقول « الواشنطن بوست – 30/12/2012»، وأشارت إلى أن: « آخر السلبيات الأميركية تتمثل في زعم واشنطن بأن المساعدات الأميركية لقوى الثورة السورية أو إلى المنظمات الإنسانية المعنية بالأزمة في سوريا تعد غير شرعية»!!!! وينقل دويل ماكمانوس بصحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 22/2/2013 » عن خبير لدى وزيرة الخارجية السابقة، فريدريك هوف، قوله أن المهم في تسليح الثوار هو: « توطيد العلاقات الأميركية مع المقاتلين الذين قد ينتهي بهم المطاف بإدارة دفة الحكم في سوريا، والتأكد من أن المعتدلين في المعارضة لا تتم إزاحتهم من قبل متطرفين إسلاميين أفضل تسليحا». وبالنسبة لهوف فإن هذا الأمر: « ليس منحدرا زلقا. وأن محاولة بناء علاقات قوية مع العناصر المسلحة في المعارضة السورية هي الخيار المحافظ والقليل الخطورة في الوضع الراهن». وفي تعليقها على تصريحات جون كيري في لندن (25/2/2013)، والتي قال فيها: « أن أوباما بصدد تقييم الخطوات التي يجب اتخاذها لمساعدة المعارضة السورية، وإلى أن إدارة أوباما مصممة على عدم إبقاء المعارضة السورية في مهب الريح ولا أن تبقيها في حال تشاؤم وهي تنتظر وصول مساعدات»؛ كتبت « الواشنطن بوست – 28/2/2013» تقول: إن وزير الخارجية الأميركي تحدث بهذه الكلمات لأنه يتوجب عليه أن يتحدث بمثلها، و « لأن قادة الثوار في سوريا قد ضاقوا ذرعا بالرفض الأميركي لاستيراد الأسلحة وتوفير التدريب والدعم المالي اللازم .. من أجل أن يحققوا هدف الولايات المتحدة المعلن». في المستوى السياسي، وليس القيمي، يأتي الحديث عن الحاجة إلى التسليح في محاول لتحقيق « توازن سياسي» يؤدي إلى فرض التفاوض على جميع الأطرف السورية. وفي هذا السياق من الغبن أن تعتقد أوساط في المعارضة السورية أو بعض القوى المقاتلة ممن ترى فيها الولايات المتحدة الأهلية لتلقي السلاح أن التسليح المقصود يستهدف إسقاط الأسد. إذ أن كل الحديث الدائر عن بعض التوجهات الأوروبية لرفع الحظر عن للتسليح، تصب في خانة: « الأسلحة غير الفتاكة». أي التي لا تؤدي إلى قلب موازين القوى بل إلى « تحريك العملية السياسية» فقط لاغير. وفي السياق أكد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم في بروكسيل (12/3/2013) أن: « الأولوية تبقى في إيحاد حل سياسي للأزمة السورية». ومن جهته قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن المناقشة لم تنته بعد .. و : « يبدو لي مؤكدا أن قضية رفع الحظر على الأسلحة تطرح أكثر فأكثر لأننا نشهد انعدام توازن أكيد بين بشار الأسد الذي يتزود بأسلحة قوية، مصدرها إيران وروسيا والائتلاف الوطني الذي لا يملك هذه الأسلحة نفسها». وختم كلامه أمام النواب الفرنسيين قائلا: « إذا كنا نريد زعزعة بشار الأسد فلا بد من إفهامه بأنه لن يتمكن من الانتصار بقوة السلاح، ولا بد لذلك من خلق توازن قوى جديد». وفي 14/3/2013 أعلن فابيوس أن باريس ولندن ستطلبان تقديم موعد الاجتماع المقبل للاتحاد الأوروبي ( المقرر نهاية شهر أيار / مايو) بشأن حظر الأسلحة على سوريا، وفي حال عدم التوصل إلى إجماع، ستقرران تزويد المعارضين السوريين بأسلحة بصفة فردية، موضحا أنه: « لا يمكن السكوت عن الخلل الحالي في التوازن بين إيران وروسيا اللتين تزودان نظام الأسد بالأسلحة من جهة، وبين الثوار الذين لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من جهة أخرى». وقال إن: « رفع الحظر هو أحد الوسائل الوحيدة المتبقية لتحريك الوضع سياسيا». وفي 16/3/2013 رأى وزير الخارجية الفرنسي السابق، آلان جوبيه، أن: « تسليح المقاتلين السوريين المعارضين سيتيح إعادة التوازن بعض الشيء إلى الأمور بين النظام الذي تزوده روسيا وإيران بأسلحة ثقيلة والمعارضة التي تقاتل بأسلحة خفيفة». ومن جهته أوضح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن تحفظات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لا تتصل بمعارضتها لرفع الحظر، من حيث المبدأ، لكنها « تريد دراسة كل العواقب»، معتبرا أن: « المجازفة الكبرى ستكون عدم التحرك، وأن ترك الأمور على حالها يعني تعميم الفوضى»، معتبرا أن: « الخطر الأكبر هو عدم التحرك». أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي؛ فقد سبق أن أعلنت الولايات المتحدة تأييدها لنوعية الدعم الذي أعلنت عنه فرنسا وبريطانيا لقوات المعارضة السورية, ولكنها أكدت في الوقت نفسه ( 15/3/2013) على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، أن الدول الأوروبية: « تتحدث عن تخفيف الحظر المفروض على الأسلحة وليس رفع الحظر»، وأن: « الأمور التي يتحدث عنها بعض الحلفاء تبقى في هذه المرحلة في خانة العتاد غير الفتاك». ومن جهته استعان وزير الخارجية، جون كيري، في 17/3/2013 بتصريحات رئيسه ليؤكد أن: « الرئيس باراك أوباما قال بوضوح إن الولايات المتحدة لن تقف في وجه الدول التي اتخذت قرار تسليم السلاح (إلى المعارضة السورية) سواء كانت فرنسا أو بريطانيا أو غيرهما، من الدول، لكن: « بلاده ترغب في أن يبقى الباب مفتوحا أمام الحل السياسي». بعد المستويين القيمي والسياسي، يبقى المستوى الأمني المتعلق بوضع القوى المقاتلة ومرحلة ما بعد الأسد. فـ « التوازن» و « التحريك» الذي يتحدث عنه رموز « المركز» يتصل أيضا بالتفاوت القائم في ميزان القوى المسلحة بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية، سواء في مستوى التدريب والتنظيم أو في مستوى التسليح أو في مستوى الحاضنة الاجتماعية. وعلى كل المستويات فإن التقييم الدولي يميل لصالح أفضلية القوى الإسلامية. وهذا ما يسبب القلق لـ « المركز» والقوى الإقليمية على السواء. وتبعا لذلك كشفت صحيفة « الواشنطن بوست – 24/2/2013» النقاب عن إرسال نحو ثلاثة آلاف طن من الأسلحة والعتاد إلى جنوب سوريا اشتُريت من كرواتيا ومولتها بحسب « النيويورك تايمز – 26/2/2013» السعودية. وبالتالي ثمة حاجة ملحة، قبل رحيل الأسد وليس بعده فحسب، إلى إحداث توازن عسكري عام وآخر خاص يتعلق بين ما يراه « المركز» الشمال ذو الغالبية الإسلامية والجنوب ذو الحضور العلماني. وفي السياق تضيف « الواشنطن بوست» أن تسليح: « الثوار المعتدلين في جنوبي سوريا يأتي في محاولة من قوى خارجية لمواجهة النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية المتطرفة في شمالي البلاد، وذلك من خلال تعزيز موقف المقاتلين المعتدلين في الجنوب». وتنقل عن مسؤول عربي القول: « إن الفكرة تتمثل في شحن أسلحة نوعية وثقيلة مع التأكد أنها تصل إلى أيدي الشباب الأخيار»، مضيفا أنه: « إذا أردنا إضعاف إضعاف جبهة النصرة، فإنه لا يتم ذلك من خلال حجب الأسلحة، ولكن من خلال تعزيز موقف المجموعات الأخرى». وفي سياق « التوازن» بين القوى المسلحة أدلى بل بعض المسؤولين العسكريين السوريين والناشطين بشهادات لوسائل الإعلام تحدثوا فيها بصريح العبارة، خلال اجتماعات لهم مع قوى استخبارية دولية، عن دعوتهم إلى مقاتلة القوى الجهادية، وأشاروا إلى أن هناك نوع من الرضى وغض الطرف لدى القوى الدولية عن عزوف بعض القوى المحلية، إسلامية وغير إسلامية، عن خوض القتال ورفض مد يد العون للقوى المقاتلة فعليا، والاكتفاء بتخزين السلاح!!! فضلا عن قوى دولية تقاتل الثوار بأسلحة فاسدة غالبا ما تتسبب بقتلهم، بالإضافة إلى اختراقات محلية ودولية. أما « مهمات» الغدر « القذرة»، التي نفذتها قوى بعينها في درعا ودمشق وحلب ضد قيادات ومقاتلين إسلاميين، فقد أصابت ظهورهم في مقتل! وأغلب الاتهامات في هذا السياق تتجه نحو كتائب تعمل تحت اسم « الجيش الحر» وأخرى تابعة أو موالية لـ « الإخوان المسلمين» وثالثة لـ « جبهة» « الأصالة والتنمية» المحسوبة على فرق « الجامية» و « المدخلية» أو التي تنسب نفسها لما يسمى بـ « أهل الأثر». بل أن الاتهامات تصل إلى حد اعتبار مثل هذه القوى النسخة المماثلة لـ « الصحوات» التي أسستها الولايات المتحدة في العراق، واستخدمتها في ضرب المشروع الجهادي، أو شقيقتها المسماة بـ « اللجان الشعبية» التي تقاتل « أنصار الشريعة» في اليمن أو القوى الصوفية في الصومال المتحالفة مع الأثيوبيين والحكومة في قتال « حركة الشباب المجاهدين». وفي السياق نُقل في 29/11/2012 عن الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية، والمتخصص بالشؤون العسكرية السورية، جيفري وايت، قوله: « إن واشنطن تعتقد أنه إذا لم تفعل شيئا، فإن الحرب ستنتهي ولن يكون لديها أي نفوذ وسط القوات المقاتلة على الأرض». لاسيما وأن المشكلة من وجهة نظر الإبراهيمي (30/12/2012)،: « أن تغيير النظام لن يؤدي بالضرورة إلى تسوية الوضع». بل أن إحدى المشكلات الكبرى، بحسب الملك الأردني، عبد الله الثاني، (26/1/2013) تكمن في: « أن مقاتلي تنظيم القاعدة أقاموا قواعد في سوريا العام الماضي وأنهم يحصلون على أموال وعتاد من الخارج»، مشيرا إلى أن: « طالبان الجديدة التي سيضطر العالم للتعامل معها ستكون في سوريا»، .. بل .. « أنه حتى وإن تحقق السيناريو الأكثر تفاؤلا، فإن تخليص سوريا منهم سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل بعد سقوط الأسد». وفي مقالة الساسة الأمريكيين الثلاثة، الآنفة الذكر، في « الواشنطن بوست – 31/12/2012»، ورد القول فيها: « إن عدم توفر المساعدات الإنسانية الأميركية للشعب السوري يعني إتاحة الفرصة للجماعات المتطرفة بتوفيرها وتقديمها، وبالتالي الفوز بمحبة وموالاة الشعب السوري الذي يعاني الأمرين»، موضحين أن: « العديد من السوريين يعتقدون أن الجماعات المتطرفة هي الوحيدة التي ساعدتهم في القتال ضد الأسد». وفي 28/2/2013 ذكرت « نيويورك تايمز» أن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن: « الولايات المتحدة عززت بصورة كبيرة دعمها للمعارضة السورية، وذلك بالمساعدة في تدريب مقاتلين من المعارضة في قاعدة بالمنطقة، كما أنها عرضت للمرة الأولى تقديم مساعدة ومعدات غير قاتلة للجماعات المسلحة بما يساعدها في الحملة العسكرية الدائرة». ونقلت عنهم القول إن: « مهمة التدريب الجارية حاليا تمثل أعمق تدخل أميركي في الصراع السوري، رغم أن حجم ونطاق المهمة لم يتضح، كما لم تتضح الدولة التي تستضيف التدريبات. ورأت الصحيفة أن: « الولايات المتحدة تتطلع إلى تحجيم قوة من وصفتها بالجماعات المتطرفة عن طريق مساعدة ائتلاف المعارضة السوري على القيام بالخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها». من جهته، وفيما يتعلق بالخشية من القوى الإسلامية، رأى وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أنه: « كلما طال القتال الجاري بسوريا بين الثوار والقوات الموالية للرئيس بشار الأسد زادت مخاطر تشكيل جيل جديد من المتشددين المدربين على القتال سيمثل تهديدا لبريطانيا ودول أوروبية أخرى ... سوريا ... هي المقصد رقم واحد للجهاديين في كل مكان في العالم اليوم ... والثورة السورية ... ستكون الحالة الأكثر حدة لانتفاضة يختطفها الإسلاميون». هذه التصريحات أدلى بها هيغ في 15/2/2013 للصحفيين في المعهد الملكي المتحد للخدمات، وهو مركز للدراسات العسكرية. وجاءت في سياق خطاب يحدد إستراتيجية بريطانيا لمكافحة ما يسمى الإرهاب، وتَضمَّن دعوة مبطنة للتخلص من الإسلاميين حين قال: « ربما لا يمثلون تهديدا لنا عندما يذهبون أولا إلى سوريا، لكنهم إذا ظلوا على قيد الحياة ربما عاد بعضهم وقد ازدادوا تشددا في الفكر واكتسبوا خبرة في السلاح والمتفجرات». أما الروس فعليهم أن يدركوا أنه: « كلما طال أمد الصراع تزايد خطر هذا الأمر، وهي نقطة يجب ألا يغفلها صناع القرار في روسيا وغيرها». أما وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الذي لم يغفل تحذيرات هيغ للروس، فقد جدد تأييده لتسليح الثوار معتبرا أن: « هذه الخطوة ستمنع تنظيم القاعدة من الانتصار في سوريا». ومؤكدا من جديد على صيغة « التحريك السياسي» في مقابلة تلفزيونية ( 18/3/2013) قال فيها: « إذا أردنا التوصل إلى حل سياسي في سوريا فيجب تحريك الوضع العسكري ميدانيا، وتسليح مقاتلي المعارضة للتصدي للطائرات التي تطلق النار عليهم». وفي تصريحاته لشبكة « سكاي نيوز – 18/3/2013 » عاد وليام هيغ ليدلي بتصريحات بالغة الحذر والدقة، سواء لجهة القوى المعنية بالتسليح والمراقبة والسيطرة أو بالنسبة لإعادة النظر في المسألة برمتها إذا ما تعلق الأمر بـ « الإرهاب الدولي». وفي مستوى القوى المستهدفة بالتسليح قال: إن نقل الأسلحة يجب أن يكون: « خاضعاً للسيطرة ويتم بعناية فائقة، وخاصة ما يتعلق بنوعيتها وطرق مراقبة ما تم إرساله منها، والحصول على ضمانات بوجود حاجة إليها من الجماعات المتلقية لها». أما في المستوى الثاني فقال: « في حال تفاقمت الأزمة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وصارت هناك مخاطر أكبر، فيجب أن نوازنها بمخاطر الإرهاب الدولي والتطرف التي تترسخ في سوريا، ومخاطر زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق والأردن، ومخاطر الأزمة الإنسانية المتفاقمة». ولتجنب تداعيات الثورة السورية، دعا الكاتب الأميركي ريتشارد كوهين في صحيفة « الواشنطن بوست – 19/3/2013 الولايات المتحدة إلى: « تسليح الثوار السوريين المعتدلين، وإلى الاضطلاع بدور قيادي يمنع كارثة إقليمية في الشرق الأوسط»، و : « الاضطلاع بدور قيادي في سوريا وإلى إنشاء منطقة عازلة، محذرا من تردد الإدارة الأمريكية بالإشارة إلى أن: « القتال الشرس الذي نخشاه تنفذه الفصائل الجهادية». وفي السياق الحذر إياه، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، « فرانس برس 16/3/2013» ( نقلا عن صحيفة « لوس أنجلوس تايمز») أنه طبقا لمسؤولين أمريكيين، حاليين وسابقين، فإن: « وكالة الاستخبارات المركزية تجمع معلومات حول الإسلاميين المتطرفين في سوريا لإمكانية توجيه ضربات إليهم بطائرات بدون طيار في مرحلة لاحقة» ... وأن ... « الوكالة تعمل بشكل وثيق مع الاستخبارات السعودية والأردنية وغيرها من أجهزة استخبارات المنطقة الناشطة في سوريا». ولمواجهة مرحلة ما بعد الأسد، طالب السيناتور الأميركي الجمهوري، ماركو روبيو، في مؤتمر صحفي له في « إسرائيل» (20/2/2013) الولايات المتحدة: « أن تحرص على أن تكون القيادة السورية الجديدة مسلحة تسليحا جيدا وقادرة على إدارة البلاد بعد سقوط الأسد». لعلها ستكون كذلك مع الإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة!!! رابعا وأخيرا: الحكومة المؤقتة فبعدما أشيع من خلافات بين أعضاء الائتلاف المعارض في اجتماعات سابقة في القاهرة؛ أعلنت المعارضة السورية في أعقاب اجتماعاتها في استانبول ( 19/3/2013) عن تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الأمريكي ( الكردي) من أصل سوري، غسان هيتو. وبحسب تصويت داخلي فقد حصل هيتو على 35 صوتا من بين 49، فيما حصل أسعد مصطفى على سبعة أصوات. وبحسب بعض التصريحات فإن أمام هيتو شهر من الترتيبات قبل أن يتوجه إلى الأراضي السورية. ويأتي تشكيل الحكومة في خضم الحديث عن تغير في السياسات الأمريكية والأوروبية حول تسليح الثوار السوريين وتغيير « قواعد اللعبة» كما قال وزير الخارجية الأمريكي، دون كيري. وإذا قمنا بمقاربة كافة المواقف والتصريحات الدولية والإقليمية وكذا تصريحات المعارضة فإن الثورة السورية ليست إلا صداعا دوليا مريرا يمكن أن يقلب كل المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية. وبالتالي ما من حل دولي إلا بالصيغتين السياسية والأمنية. وتبعا لذلك من المستحيل أن يكون الإعلان عن الحكومة المؤقتة في استانبول (19/3/2013) خارج إحدى الصيغتين أو نتاجهما وفي خدمتهما معا. ومن الطريف الإشارة إلى ما نقلته صحيفة « نيويورك تايمز – 19/3/2013 » عن أعضاء في الائتلاف المعارض قولهم أن رئيس الحكومة، غسان هيتو، هو: « خيار الإخوان المسلمين في سوريا»، تماما كما كان برهان غليون، الرئيس السابق لـ « المجلس الوطني»، خيار « الإخوان المسلمين» بحسب المراقب السابق للجماعة، علي صدر الدين البيانوني، وكما كان معاذ الخطيب أيضا. في سياق تحذيره من انهيار النظام السوري والحاجة إلى حل سياسي قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مؤتمر صحفي بدبي (16/1/2013)، بأن فرنسا ترغب في: « تسريع مرحلة الانتقال السياسي، والعمل على أن يتمكن الائتلاف الذي يجمع كل المعارضة من أن يكون السلطة الشرعية». وبالتأكيد لم يكن الإعلان عن الحكومة المؤقتة بعيدا عن تصريحات هولاند ولا عن المساعي الأمريكية على وجه التحديد. فهي سليلة ما يسمى بـ « جماعات الدعم» السورية المتنوعة التي تأسست برعاية ووصاية أمريكية صرفة. وهي جماعات علمانية لبرالية من ألفها إلى يائها، ولت تغير « النفحة الإيمانية» المصطنعة لرئيس الحكومة من هذه الحقيقة. وعليه فلم يكن مستغربا أن تتوافق في أطروحاتها وتطلعاتها ونمط تفكيرها مع ما يؤمن به معاذ الخطيب، خاصة وأنه سبق وخاطب المجلس الأمريكي السوري (sac - 16/3/2013) بـ « نفحة روحانية» على الطريقة الأمريكية ذاتها، ومقاربا تعددية مجتمع المدينة المنورة بالمجتمع السوري. وتبعا لذلك لم ير في سوريا إلا ذلك: « النبع الحضاري المتجدد» من: « المسلمين والمسيحيين والعلويين والدروز والإسماعيليين والأكراد والعرب والتركمان والشركس»، ( وليتك لم تغفل عن اليزيديين واليهود والشياطين وملة إبليس ومن تبعه من الجنة والإنس أجمعين)، أما الوحي والرسول، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والمهاجرين والشريعة وحكم الله والتمكين للدين والانطلاق لفتح مكة والانتشار العالمي فليسوا مشمولين بـ « تعددية» الخطيب!!! ولا ريب أن نزعة الخطيب الطاغية إلى رِفْعة « التعددية » البغيضة التي يتغنى بها شجعته في كلمته (19/3/2013) على شن هجوم فاضح على المجاهدين، الذين، جاؤوا لنصرة الشعب السوري، إلى حد وصفه لهم بـ « التكفيريين» غير المرحب بهم، متهما دولهم بالسعي إلى التخلص منهم: « هناك دول تدفع ملايين الدولارات لإرسال مئات من الشباب للقدوم والقتال في سوريا للتخلص منهم»، ولأنه (هم = السوريين) ضد أي: « فكر تكفيري أو دموي» .. فـ .. : « لن يسمحوا باستخدام هذه الحيلة لتدمير سوريا». وكأن هؤلاء هم الذين دمروا أو تسببوا بتدمير سوريا، وكأن سوريا لم تُدمَّر بعد على عين ومرآى النظام الدولي. إلا إذا كان الخطيب صدق أن هؤلاء « الورود الضحايا» هم العائق الأكبر في نصرة الثورة أو تسليحها. هذه اللغة العدائية التاريخية، والتي لا يمكن أن تصدر إلا عن ألسنة « المركز» وحلفائه والخصوم وأصحاب الهوى والأجندات ومعهم المهووسين بالولايات المتحدة والمغرضين والظالمين والمفترين، لن تنجح في « إغراء» الأمريكيين في دعم الثورة السورية، كما أنها لا يمكن أن تصدر إلا بوصفها مستحقات سياسية وأمنية يجري دفعها لواشنطن لقاء سياسة « التوازن» و « التحريك». ومثل هؤلاء الذين عادة ما يجري صناعته وتسويقهم على حين غرة لن يتعظوا يوما فيمن سبقهم إلى المراهنة على الولايات المتحدة. وسينجحوا دوما في إقناع أنفسهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها من دول الإجرام ليست هي المسؤولة عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى في الصومال والعراق وأفغانستان وليبيا وفلسطين. ولأنهم فاسدون ومفسدون فلن يحتاجوا إلى القليل أو الكثير من الوقت كي يدركوا أن التدخل الأمريكي لم يأت بحرية أو ديمقراطية أو مدنية في هذه البلدان، ولم يأت بتقدم أو نهضة بقدر ما نهب الثروات وأفقر الشعوب، ولم يسبق له أن منع فسادا أو اغتصابا أو اختطافا أو انتهاكا للحرمات. فمن هو الدموي أيها الخطيب؟ مشكلة الخطيب، ومن معه، أنه لا يمتلك أية قوة أو مشروعية على الأرض لكنه يتحدث وكأنه عظيم سوريا، ويطالب الدول بسحب مواطنيها، ويعلن حكومة تمارس مهامها في المناطق التي ساهم هؤلاء « الدمويون التكفيريون» بتحريرها!!! فكيف سيتصرف مع أشقائهم « المحليين» منهم؟ هل سيستعين بالولايات المتحدة للقضاء عليهم؟ أم سينفيهم من الأرض؟ ألا يعلم الخطيب أن أكثر من نصف الثوار في سوريا اليوم من الإسلاميين الذين يخوضون أشرس المعارك ضد النظام، ويمسكون بأخطر الجبهات فيها؟ مثل هذه الحكومة التي تخطط للنزول إلى الميدان، ستسعى لتسلم سلطاتها وإدارة المناطق وتقديم الخدمات. والعجيب أنها لا تمتلك القدرة على إدارة حكومة في الحالة السلمية، فكيف ستدير وضعا متفجرا في بيئة مدججة بالسلاح والعنف إلا إذا كان السلاح هو هدفها الأول؟ وكيف ستتصرف مع سلاح يقدم خدمات الحماية والأمن والتقاضي والإغاثة؟ بل كيف لها أن تتشكل وسط تجاهل لإجمالي الجسم الثوري المسلح الذي يقدم كل التضحيات بالنفس والمال والأهل والممتلكات؟ وماذا عن خدماتها المنتظرة في تسليح الثورة؟ ومن هم المعتدلون المؤهلون بعرف الخطيب والحكومة لتسلم السلاح المنتظر؟ ولأية أهداف؟ أم أن الخدمات ستقتصر فقط على إثارة الانقسامات والضغائن وحجب الذخيرة ونزع السلاح والغدر بـ « التكفيريين» الوافدين و المحليين؟ الثابت أنه ما من حاجة تذكر في تشكيل هذه الحكومة في الوقت الذي تجري فيه معارك طاحنة في البلاد، وسط غياب أي أفق سياسي أو أمن يحمي الحكومة نفسها من هجمات النظام. وإذا أخذنا بعين الاعتبار سلسلة المراوغات والأكاذيب التي أدار بها « المركز» وقائع الحدث السوري خلال السنتين الماضيتين فمن الغبن الثقة بأن تكون الحكومة القادمة من رحم الولايات المتحدة ( وهي بهذا أشبه ما تكون بوليد سفاح لا يمكن له أن يتمتع بأية شرعية إلا في موطن ولادته) أفضل ممن سبقها من التشكيلات السياسية كـ « المجلس الوطني» و « ائتلاف المعارضة». وبالتالي فالتقييم المتاح لتشكيل هذه الحكومة، لا يخرج عن كونها، كما علق أحد السوريين، « حكومة احتلال أمريكي»، نظرا لما يحيط بتشكيلها والإعلان عنها من شكوك، سواء لجهة التوقيت أو لجهة الأهداف المأمولة أو لجهة الجدوى من هكذا خطوة سياسية لا مبرر لها على الإطلاق ..... حقا: هو زمن الهررة حين تستأسد!!!! يتبع .... ******************* ومن باب الإشارة إلى ما كتبناه سابقا في مقالة « الاختراق - 18/11/2012»؛ فليسمح لنا السادة القراء بالتذكير بهذه الفقرات الثلاثة، فلعل الذكرى تنفع المؤمنين: ليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها قوى « المركز» تحقيق اختراقات في الثورة سواء في صلبها أو عبر هوامشها القريبة والبعيدة. ففي 11/8/2012 أُعلن في واشنطن عن تشكيل جماعة سورية معارضة من ستين عضوا باسم « جماعة الدعم السورية»، لجمع التبرعات المالية والعينية، وزعم لؤي السقا، أحد الأعضاء الاثني عشر في مجلس الإدارة، أن الجماعة: « تمثل آلاف المقاتلين في تسع محافظات، وأن هؤلاء الذين يمثلون ما يقارب نصف المقاتلين في الجيش الحر»!!!، وأنهم: « وقعوا إعلان مبادئ يدعو إلى دولة ديمقراطية لجميع السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، وترفض المبادئ كذلك الإرهاب والتطرف والقتل بغرض الانتقام»!!! وفي الولايات المتحدة أيضا، وفي ذات السياق من التواصل مع المعارضة أو صناعتها، نقلت وسائل إعلام في 12/8/2012 عن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، بعد لقائها نظيرها التركي، القول: « أنها التقت مجموعة من الناشطين السوريين والخبراء والقانونيين والصحفيين والقيادات الطلابية في محاولة لمعرفة ما يمكن للولايات المتحدة فعله لمساعدتهم». وفي تصريح إذاعي (19/9/2012) أعلن السفير الفرنسي في سوريا إريك شوفالييه، المكلف بالملف السوري عن موقف بلاده بالقول: « نعمل مع المعارضة لمساعدتها على تنظيم نفسها، ولدي تعليمات من رئيس الجمهورية للاتصال بمجمل مكونات المعارضة ومن ضمنها المجموعات المسلحة، ونحن أول دولة تقوم بذلك بهذا الشكل المنظم». « قيادة واحدة»! لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعيدا عنها، وهو يخوض آخر مناظرة طاحنة له مع خصمه في الانتخابات الرئاسية مت رومني (23/10/2012)، حيث كانت الثورة السورية حاضرة بقوة في العاصفة. وخلال المناظرة كان أوباما صريحا للغاية وهو يقول: « إننا نساعد المعارضة على تنظيم صفوفها ونحرص بصورة خاصة على التثبت من أنهم يعملون على تعبئة القوى المعتدلة في سوريا .. نتثبت من أن الذين نساعدهم هم الذين سيكونون أصدقاء لنا على المدى البعيد وأصدقاء لحلفائنا في المنطقة على المدى البعيد .. فالثوار الذين يصبحون مسلحين هم الأشخاص الذين سيصبحون الأطراف المسؤولة، علينا التصرف بحيث نكون واثقين ممن نساعد، وأننا لا نضع أسلحة بأيدي أشخاص قد يوجهونها في نهاية المطاف ضدنا، أو ضد حلفائنا بالمنطقة» .. ولأن أوباما ليس وحده من يؤمن بهذا التحرك؛ فقد دعا: « للعمل مع شركائنا وبمواردنا الخاصة لتحديد أطراف مسؤولة داخل سوريا، وتنظيمها وجمعها معا في مجلس يمكنه تولي القيادة بسوريا، والتثبت من امتلاكهم الأسلحة الضرورية للدفاع عن أنفسهم». لكن ليس من العجيب أن تواصل الولايات المتحدة تجديد عزمها على تفصيل الثوب الجديد عبر إقامة كيان بديل عن المجلس الوطني، بصريح القول والفعل، ورغم أنف قوى المعارضة، وبلسان كلينتون: « إن واشنطن أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا». |
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
|
رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي
اللهم انصر سووووريا على الاعداء .........
اللهم انصر الجيش الحر اللهم كن معهم ولا تكن عليهم اللهم امين |
الساعة الآن : 03:49 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour