ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الحدث واخبار المسلمين في العالم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=17)
-   -   الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=136560)

رياض123 19-12-2011 12:11 AM

الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 


الثورات العربية

« ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين»


دراسة مقدمة إلى

« المؤتمر الخامس للحملة العالمية لمقاومة العدوان »


تونس


15 – 17 ديسمبر / كانون أول 2011

http://www.almoraqeb.net/main/infima...c84ba903d4.JPG

مقدمة

ما أن خُلِعَ زين العابدين بين علي، الرئيس التونسي عن الحكم (14/1/2011)، حتى كاد الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، يفقد صوابه، وهو يصب جام غضبه على الشعب التونسي برمته. ومع أن الزلزال التونسي ألقى بظلاله على النخب القريبة من السلطة، مخلفا مناخا من الحذر، خشية تكرار التجربة في بلدان أخرى. إلا أن هؤلاء كابروا، وسخروا إلى الحد الذي احتج كل منهم بما اعتبره « تمايزا» في الأوضاع ما بين تونس وبلده. لكن أوضح المكابرات الزائفة، في هذا السياق، كانت تلك التي وردت على لسان الرئيس السوري بشار الأسد عشية اندلاع الثورة السورية .

أما في العالم العربي فقد ساد شعور بالانتشاء لدى العامة من الناس، وكثير من القوى السياسية. وبطبيعة الحال، لم تمض أيام أو بضعة أسابيع حتى حطت الثورة رحالها في مصر، وليبيا واليمن وسوريا، وربما في بلدان أخرى، لتفند كل المزاعم التي حاولت الاحتماء بأطروحة « التمايز». وبما أن الأطروحة سقطت، فإن الحديث عن التغيير الاجتماعي، من المفترض، منهجيا وموضوعيا، أن يتجه قطعا إلى البحث في «المتشابهات» التي جعلت من العالم العربي، بجهاته الأربع، مؤهلا بـ «امتياز» لاستقبال شرارة التغيير. وهكذا يكون السؤال الذي يستدعي الإجابة: ما هو الواقع؟ وما الذي تغير؟ وفي أي مستوى؟ وما الذي يجب أن يتغير؟

تساؤلات من المنتظر أن نجيب عليها، بشيء من العمق والإيجاز، في أربعة أقسام رئيسة، كي نتبين حقيقة الصراع التاريخي المرير، القائم بين الفاعلين الاستراتجيين منذ عشرات العقود. أما الأقسام فهي:

القسم الأول: منظومة الهيمنة الدولية
القسم الثاني: الاستبداد المحلي
القسم الثالث: الثورة و ديناميات الفعل الثوري
القسم الرابع: مقاربات ختامية


نص الدراسة

نشر بتاريخ 17-12-2011


رياض123 22-12-2011 09:46 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 

دراسه مهمه و موفقه وتحليل دقيق وموضوعي
تفيد كل من يريد ان يعلم ما يدور حوله بعيدا عن خداع الاعلام الموجه

*سلفيه مندسه* 23-12-2011 08:37 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 

جاري التحميل
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 12:49 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 12:52 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
الثورات العربية
« ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين»
دراسة مقدمة إلى
« المؤتمر الخامس للحملة العالمية لمقاومة العدوان »
تونس
15 – 17 ديسمبر / كانون أول 2011
د. أكرم حجازي
عضو الأمانة العامة لمنتدى المفكرين المسلمين







المحتويات
الموضوع
رقم الصفحة
مقدمة .................................................. .........................
3
القسم الأول:منظومة الهيمنة الدولية....................................
4
نظرية« المركز - الهامش»................................................. .........
4
1) البواكير الأولى لتشكل النظام .................................................. .
4
2) إدارة النظام .................................................. ..................
5
3) التوحش الأمني .................................................. ...............
8
4) التوحش الرأسمالي .................................................. .............
10
القسم الثاني:منظومة الاستبداد المحلي.................................
15
1) نظام « سايكس - بيكو» .................................................. ...
15
2) فرادة الحاكم .................................................. .................
18
3) القيادة........................................... ..............................
19
4) محاربة الدين .................................................. .................
20
5) منع الرقابة الاجتماعية .................................................. ........
21
6) تخريب الوعي والمعرفة .................................................. ........
22
7) العلاقات الاجتماعية .................................................. .........
23
القسم الثالث: الثورة و ديناميات الفعل الثوري ......................
24
1) تضرُّر حاجز الخوف .................................................. ........
25
2) تجاوز الأيديولوجيات .................................................. ..........
26
3)مطالب دينامية .................................................. ................
28
4) النظم المستهدفة .................................................. ...............
29
5) الانكشاف السياسي للنظم .................................................. .....
29
القسم الرابع: مقاربات في دينامية الفعل والفاعلين ...................
31
1) مراحل الثورات الثلاث .................................................. .......
32
2) القيادة.................................................. ........................
33
3) منطق اعتراض الثورات .................................................. .........
35
4) خطاب إسقاط الهيمنة .................................................. ..........
38
5) ضمانات التغيير .................................................. ................
39
قائمة المصادر والمراجع .................................................. ............
42

مقدمة


ما أن خُلِعَ زين العابدين بين علي، الرئيس التونسي عن الحكم (14/1/2011)، حتى كاد الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، يفقد صوابه، وهو يصب جام غضبه على الشعب التونسي برمته. ومع أن الزلزال التونسي ألقى بظلاله على النخب القريبة من السلطة، مخلفا مناخا من الحذر، خشية تكرار التجربة في بلدان أخرى. إلا أن هؤلاء كابروا، وسخروا إلى الحد الذي احتج كل منهم بما اعتبره « تمايزا» في الأوضاع ما بين تونس وبلده. لكن أوضح المكابرات الزائفة، في هذا السياق، كانت تلك التي وردت على لسان الرئيس السوري بشار الأسد عشية اندلاع الثورة السورية[1].

أما في العالم العربي فقد ساد شعور بالانتشاء لدى العامة من الناس، وكثير من القوى السياسية. وبطبيعة الحال، لم تمض أيام أو بضعة أسابيع حتى حطت الثورة رحالها في مصر، وليبيا واليمن وسوريا، وربما في بلدان أخرى، لتفند كل المزاعم التي حاولت الاحتماء بأطروحة « التمايز». وبما أن الأطروحة سقطت، فإن الحديث عن التغيير الاجتماعي، من المفترض، منهجيا وموضوعيا، أن يتجه قطعا إلى البحث في «المتشابهات» التي جعلت منالعالم العربي، بجهاته الأربع، مؤهلا بـ «امتياز» لاستقبال شرارة التغيير. وهكذا يكون السؤال الذي يستدعي الإجابة: ما هو الواقع؟ وما الذي تغير؟ وفي أي مستوى؟ وما الذي يجب أن يتغير؟

تساؤلات من المنتظر أن نجيب عليها، بشيء من العمق والإيجاز، في أربعة أقسام رئيسة، كي نتبين حقيقة الصراع التاريخي المرير، القائم بين الفاعلين الاستراتجيين منذ عشرات العقود. أما الأقسام فهي:

القسم الأول: منظومة الهيمنة الدولية
القسم الثاني: الاستبداد المحلي
القسم الثالث: الثورة و ديناميات الفعل الثوري
القسم الرابع: مقاربات ختامية




[1] الأسد: الاضطراب السياسي لن يمتد إلى سوريا بعد مصر وتونس، مقابلة مع صحيفة « وول ستريت جورنال»، 31/1/2011. وكالة « رويترز» للأنباء: http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE70U0VN20110131

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 12:54 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
القسم الأول



منظومة الهيمنة الدولية



نظرية « المركز -الهامش»[1]



1) البواكير الأولى لتشكل النظام
من الأهمية بمكان التأكيد، بدايةً، على أن الإمبراطورية العثمانية تعرضت مطلع القرن الثامن عشر لنفوذ ملحوظ من القوى الغربية، إلا أنها، والعالم الإسلامي، ظلا بمنأى عن اختراق عسكري يمكن أن يتصف بالخطر المصيري على الإسلام والمسلمين. إذ أن كل ما استطاع الغرب فِعْلُه ضد العالم الإسلامي لم يتعدَّ سياق الكرّ والفرّ بين القوى، مع السيطرة على بعض الثغور أو سقوطها، مقابل تقدم إسلامي على جبهات الغرب، في عقر دار أوروبا. لكن ابتداء من مطالع القرن التاسع عشر بدأ العالم الإسلامي يشهد اختراقات غربية وصهيونية خطيرة، وغير مسبوقة في كل التاريخ الإسلامي. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية كان الغرب قد نجح فيما لم ينجح به من قبل. إذ بعد أكثر من قرن من الحروب، استطاع الغرب أن يلغي نظام الخلافة الإسلامية، ويفكك الكتل الديمغرافية الكبرى في العالم الإسلامي. إذ خلافا لما هو شائع؛ فلم يكن العرب وحدهم من تعرض لـ معاهدة «سايكس - بيكو»، التي قسمت بلادهم، وزرعت في قلبها دولةً لليهود في فلسطين، بل أن ذات الأمر تعرض له المسلمون في بلاد الهند والترك والكرد[2].
هكذا استقبل المسلمون جسما غريبا في سويداء القلب، بعد أن خسروا نظام حكمهم، ووحدتهم الترابية، والديمغرافية، ليعيشوا في 22 دولة عربية، ضمن 56 دولة إسلامية، مع الغياب الكلي للأكراد عن أي مشهد سياسي، إلا كملاحق بشرية في دول إقليمية كبرى.
إذن جولات الصراع الطويلة، بين الغرب والعالم الإسلامي، لم تعد محصورة في حركة الكرّ والفرّ التقليدية، بقدر ما بدت مستقرة على أساس التفكيك والهيمنة والتبعية الدائمة. فللمرة الأولى، يتمكن الغرب من الإطباق على الأمة الإسلامية دفعة واحدة، وإخضاعها لهيمنته وتبعيته. ولا ريب أن لهذه السيطرة مضامين مختلفة عما سبقها من سيطرات. لكن أطرف ما في
هذا النوع من الهيمنة، أنه تجلى في صورة نظام دولي، بدأت بواكيره الأولى تتبلور في صيغة منظمات دولية، أنشأتها القوى الكبرى، مثل عصبة الأمم، ومن بعدها هيأة الأمم المتحدة، والمؤسسات التابعة لها، كالجمعية العامة، ومجلس الأمن، والجمعية العامة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي وصندون النقد الدولي، وغيرها، من الأذرع الضاربة لهذا النظام، الذي وضعت أسسه وتشريعاته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية[3].
وتبقى الحقيقة الثابتة أن نظام السيطرة والتحكم الذي يديره الغرب لا يقتصر على العرب وحدهم. لكنه بني على أشلاء العالم الإسلامي، وفي القلب منه العالم العربي، الذي ظل يمثل التهديد الأكبر لما يعرف بنظرية « المركز - الهامش». ولعل أدهى ما في النظرية؛ يقع في ديناميتها الهائلة، وقدرتها على العمل، بعيدا عن الاستخدام المباشر لوسائل الردع العنيفة إلا في الحالات الطارئة، التي تفشل فيها الوسائل السلمية في احتواء طوارئ الأحداث، أو حين يلجأ « المركز » إلى تمرير سياسات لا هدف لها سوى تأمين مصالحه وحماية « إسرائيل»، أو ديمومة عمل النظام، أو ترقيع ما بَلِيَ من منظومة «سايكس - بيكو». إلى هنا فالسؤال هو: كيف يُدير « المركز » النظام؟ أو كيف يُحْكم سيطرته على « الهامش»؟

2) إدارة النظام
















كما يشير الرسم؛ فالعالم ينقسم إلى « مركز » تمثله القوى العظمى، صاحبة العلم والمعرفة والقوة والرأسمال، والهيمنة على المؤسسات الدولية ومنظوماتها القانونية والتشريعية، و« هامش » يدور في فلكه، ولا يستطيع الفكاك منه مهما كان الثمن باهظا. هذا النظام الدولي يمتلك على الأقل أربع آليات تقليدية للتحكم في « الهامش» والسيطرة عليه، وهي بإيجاز شديد:
· التسلح. إذ يحتكر « المركز» العلوم ومصادر إنتاج المعرفة والتكنولوجيا والتصنيع. وعبر قوانين التسلح والمراقبة وحق التصنيع والتطوير والحظر والتصدير ونوعية السلاح وكميته، يمكن للدول المصنعة التحكم في صناعة الحروب وآجالها، مثلما يمكنها التحكم في حالتي الردع واللاحرب واللاسلم، وتحديد المنهزم من المنتصر في أي صراع.
· النفط. فـ « المركز» هو الذي يتحكم، عبر منظمة الأوبيك والشركات المنتجة، في السيطرة على مصادر الطاقة والإنتاج والتصنيع والتسويق والسعر والثروات ومواطن تخزينها أو سبل إنفاقها ... فما يتم استخراجه وتسويقه يخضع، مبدئيا، لسياسة العرض والطلب[4]. كما أن الثروات التي تجنيها الدول المنتجة في « الهامش » يتم إعادة تدويرها باتجاه « المركز»، الذي يحتفظ بها في بنوكه. لذا لا نستغرب وجود دول نفطية غارقة في التخلف والديون، أو أخرى ينخرها الفقر المدقع، وثالثة تعاني من نقص في الطاقة.
· الغذاء. لتحقيق نتائج سياسية تستجيب لتطلعات الغرب، يستطيع « المركز» عبر المؤسسات الدولية وأنظمة العقوبات والمراقبة والتدخل، وبدعم من القوة المسلحة، أن يفرض على أية دولة أو مجموعة أو مؤسسة أو حتى فرد حصارا خانقا ومدمرا للمجتمع والدولة. ويستطيع أن يعرقل الأمن الغذائي والدوائي في أية دولة تخرج عن سياساته أو تضر بمصالحه الإنتاجية والسياسية. ومن طرائف الثورات ما كشف عنه الرئيس المصري في رده على مشروع زراعي – علمي يحقق للبلاد اكتفاء ذاتيا في إنتاج القمح حين قال: « كده بنزعل أمريكا» !!!
· العولمة. فـ « الهامش» واقع تحت تأثير ما تفرزه الحضارة الغربية من قيم وثقافة ومعلومات عبر وسائل الإعلام والاتصال الدولية التي يمتلكها « المركز» بإمكانياته الضخمة، وعبر منتجاتها الرقمية الثقيلة. وهو ما يجعل الثقافات المحلية والرصيد الحضاري وحتى العقدي عرضة لاختراقات بالغة الخطورة، حيث يكسب « المركز» باستمرار بينما يظل « الهامش»، بوصفه المستهلك، الخاسر الأكبر على الدوام.
بطبيعة الحال فإن قدرة « المركز» على التحكم والسيطرة تتفاوت وتتباين حتى في الوسائل، لكنها في المحصلة قادرة على حماية النظام، حتى لو اشتمل على دول ذات نفوذ سياسي كبير في الساحة الدولية كالصين وروسيا، أو نفوذ اقتصادي كاليابان وألمانيا وإيطاليا والمكسيك والبرازيل، أو دول متطورة في آسيا كالهند وماليزيا وكوريا وبعض البؤر الصناعية المتقدمة في « منطقةالهامش». إذ أن كل ما هو متاح في هذا النظام أن تجتهد دول « الهامش» في تحسين أوضاعها، أما أن تخرج عن إرادة « المركز» فهذا من أكبر الكبائر. فما هي مكانة العرب أو العالم الإسلامي في مثل هذا النظام؟
الثابت أن « المركز» لم يتوقف عن التدخل في قارات العالم، سواء: (1) عبر القوة المسلحة، أو (2) عبر نظم العقوبات أو (3) عبر الاغتيالات والانقلابات، أو (4) عبر الابتزاز والتهديد. لكن يبقى العرب هم الأكثر سوء في منظومة الهيمنة الدولية. وهي وضعية لا يخفيها « المركز» بقدر ما يصر على استمرارها دون مواربة. ففي أعقاب فوزه بولاية ثانية (1986) سئل الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، عن رؤيته لمستقبل «الشرق الأوسط»، فكان رده بالغ الصراحة حين قال: «إن هذه المنطقة
وقعت تحت النفوذ الغربي سابقا ويجب أن تظل كذلك في المستقبل»!!!
لكن شواهد ما بعد الثورات، على هذه « الصراحة»، باتت تتكشف تباعا، وتغدو أكثر وضوحا، كلما صدرت عن رموز الفكر والإعلام والثقافة الغربية، لاسيما الأمريكية منها. ففي أول تعقيب له على اندلاع الثورات العربية، كتب « نعوم تشومسكي»، عالم اللغويات اليهودي، يقول: « إن ما يقلق واشنطن ليس الإسلام المتطرف بل نزوع دوله إلى الاستقلال»، مشيرا إلى أن واشنطن وحلفاؤها: « يتقيدون بالمبدأ الراسخ القائم على تَقبُّل الديمقراطية طالما أنها تتفق مع أهدافهم الإستراتيجية والاقتصادية، فهي مقبولة لديهم في بلد العدو حتى مدى معين، ولكن ليس في ساحتنا الخلفية ما لم يتم ترويضها»[5].
وبعد مضي قرابة العام، عزز«غراهام فولر»، الرئيس السابق للمجلس الوطني للاستعلامات بجهاز المخابرات المركزية الأميركية، ما قاله زميله « تشومسكي». ففي معرض تعليقه على «الخاسرين» و « الرابحين» من الثورات العربية، أشار إلى خسارة الولايات المتحدة بالقول: «إن أسباب خسارتها بسيطة؛ فالشعوب العربية غاضبة ومحبطة من عقود بل قرون من السيطرة الاستعمارية الغربية، انتهت بعقد من الحروب الأميركية على الأراضي الإسلامية في بحث وهمي عن حل عسكري للإرهاب المعادي للغرب »[6].
ولم يطل الوقت كثيرا حتى أطلقت مجلة« التايم»الأمريكية تحذيراتها للإدارة الأمريكية تجاه عودة الاحتجاجات الشعبية بقوة إلى« ميدان التحرير» في مصر .. هذه الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب ما سمي بـ« جمعة المطلب الوحيد – 18/11/2011»، المنادية بتسليم المجلس العسكري الحكم للمدنيين. إذ اعتبرت المجلة:«أن العام2011سيبقى في ذاكرة التاريخ باعتباره عام إعلان استقلال الشرق الأوسط عن النفوذ الأميركي». أما التحذير فقد ورد على خلفية«حيرة»الإدارة الأمريكية تجاه: « اختيارها بين استقرار نظام استبدادي في شكل العسكر والغموض في الديمقراطية»، فـ:« إذا ما وقفت الإدارة الأميركية مجددا صامتة أمام الوضع السياسي المتغير بشكل متسارع في مصر، فإن الدرس المستخلص سيكون بأن العام 2011 يؤكد مدى انحسار النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط»[7].
إذن كل ما يسمى بـ « دول الحدائق الخلفية» فاقدة للاستقلال الوطني والسيادة، ولا تستطيع مجرد التفكير في النهوض، اجتماعيا أو اقتصاديا أو علميا ناهيك عن التحكم في مستقبلها، قبل أن تفكر بثمن اختياراتها وتوجهاتها الإستراتيجية بحيث تتوافق مع « المركز». ومع أن الآليات الأربعة كافية يما تمتلكه من أدوات ووسائل عمل، إلا أنها تبقى ضعيفة، في منطقة حيوية، ما لم تساندها أدوات ميدانية فعالة، كلما لزم الأمر، مثل:
v « إسرائيل»، فهي تحتل المرتبة الأولى في حماية مسرح الهيمنة الدولي من الاختراق، ومراقبة منظومة الاستبداد المحلي من احتمالات التمرد. لكن النمو السكاني والوعي جعل العبء على « إسرائيل»كبيرا، وهو ما اضطر « المركز» إلى التدخل بنفسه، سياسيا أو عسكريا أو أمنيا أو بها مجتمعة، لحسم بعض بؤر التمرد والاعتراضات أو محاولات الإفلات من الهيمنة، كما حصل في عديد البلدان العربية. وبطبيعة الحال تسببت مثل هذه التدخلات بشيوع حالة شعبية من العداء والكراهية لـ « المركز»، فضلا عن تنامي الشعور الديني المناهض لـ « الكافر» و « الصليبي».
v فجاءت ثورة الخميني في إيران سنة 1979 كي تسد هذه الثغرة ابتداء من شعارات « الشيطان الأكبر»، مرورا بشعارات « المقاومة» و « الممانعة»، وانتهاء ببعث الحضارة الفارسية على أنقاض العالم الإسلامي. ورغم كل المؤشرات الدالة على «صفوية» المشروع الإيراني، وأدواته الضاربة، وتحالفاته الصريحة مع « المركز»، في إسقاط الدول الإسلامية السنية، إلا أن إيران «الصفوية» حققت اختراقات سياسية وأمنية ملحوظة، وأخرى أشد خطورة في مستوى العقيدة، وفي عقر ديار أهل السنة[8].
v وفي السياق لا يمكن غض الطرف عن أدوات أخرى يستعملها « المركز» في اختراق الأمة، من الداخل، عبر القوى الطائفية أو الإثنية، كما حصل في السودان الذي انفصل جنوبه المسيحي في دولة مستقلة (2011)، أو في مصر حيث تنشط « الكنيسة الأرثوذكسية» المصرية، بالتحالف مع القوى اللبرالية والعلمانية واليسارية، في إنكار عروبة مصر، والسعي إلى تجريدها من أي محتوى إسلامي، أو على الأقل تقسيمها.
وحدها « القاعدة»، ومعها جماعات التيار الجهادي العالمي، من « خرج » على « المركز»، وتجرأ عليه في عقر داره، ورفض هيمنته، ونفذ تهديداته، في سلسلة من الهجمات المدمرة في 11سبتمبر2001، لم تكن أهدافها إلا رموزا للقوة، بحيث يكون لـ « الخروج » صداه العالمي[9]. هذا التجرُّؤ من « القاعدة» على ضرب « المركز» عجلت في الكشف، علانية وصراحة، عن السياسات العدائية للعالم الإسلامي، وأخرجتها في صورة « فوبيا إسلامية»، وهجمات مسلحة، وأخرى أمنية، وثالثة اقتصادية، في سلسلة من التدابير العدوانية لم تتوقف عند حدود معينة إلى يومنا هذا. بمعنى أن المشكلة مع « المركز» ليست مشكلة «قاعدة»، ولا حركات «تحرر وطني»، أو جماعات «تطرف» و « إرهاب»، كما يرى، ولا هذا أو ذاك .. بل مشكلة « هيمنة» يجب أن تستمر، ضد كل محاولات « الانعتاق»، مهما اختلفت أشكالها وأدواتها ووسائلها.

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 12:55 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
3) التوحش الأمني
منذ الحرب الخليجية الثانية (28آب
1990 إلى 28فبراير1991) وانهيار الاتحاد السوفياتي (1991)، ومن ورائه المنظومة الاشتراكية، قدمت « الرأسمالية» نفسها عبر أطروحتين، إحداهما للمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما عبر كتابه الشهير: « نهاية التاريخ والإنسان الأخير»[10]، وفيه بدت « الرأسمالية»كأرقى ما وصل إليه الإنسان من نمط للحياة أو سبيلا للتقدم، وأنْ لا بديل للبشرية عن تبني « الرأسمالية» وقيمها. أما مواطنه صموئيل هنتنغتون صاحب: « صدام الحضارات»!! فبدا، ظاهريا، على
النقيض منه، وهو يتنبأ بحتمية الصدام بين الحضارات الإنسانية. والحقيقة أن الأطروحتين شجعتا « الرأسمالية» على كشف توحشها ضد الأمم الأخرى، وفتحتا الباب للولايات المتحدة كي تستفرد بقيادة العالم بدلا من إعادة النظر فيها كي لا تسقط كما سقطت « النظرية الاشتراكية» من قبلها. والأسوأ من هذا أن « المركز» لم يجد، غداة انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، عدوا له، يسد الفراغ، إلا ما أسماه أحد قادة « الناتو»، وكثير من قيادات ومثقفي الغرب بـ « الإسلام الأصولي».
لم يطل الوقت كثيرا، حتى تعرضت « الرأسمالية»، في 11 سبتمبر 2001، إلى ضربات مهينة في عقر دارها، وضد أعتى رموز القوة فيها، وفي العالم. وبعيدا عن جدل المواقف من الهجمات، إلا أنها أظهرت حقيقة العداء الغربي للإسلام، في صورة دعوات صريحة، لقادة غربيين ومفكرين، في مقدمتهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، تنادي بشن « حرب صليبية» على العالم الإسلامي، بموجب لغة « رقمية»، لا تسمح بالتفكير في أدنى اختيار آخر،: « إما معنا أو ضدنا» .. عبارة لا قِبَلَ لتنظيم « القاعدة» في الرد عليها إلا بذات اللغة التي قسمت العالم إلى قسمين: « فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان»، كما ورد على لسان
الشيخ أسامة بن لادن في أول خطاب له بعد الهجمات[11].
هذه « الحرب الصليبية» جرى الإعلان عنها باسم « الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب». أما مدخلاتها، وفقا لعبارة بوش، فتمثلت بـ: الزج بالجيوش العسكرية والأمنية المتوحشة فيها، وتوقيع المعاهدات، وسن منظومات القوانين الدولية والمحلية، وحشد الأدوات الطائفية ( النصرانية والصفوية)، والجماعات والأحزاب، وعلماء الدين، ومراكز الأبحاث والجامعات، ووسائل الإعلام والنشر، وحتى الأفراد والشخصيات العلمية، والترحيب بكل من يتطوع للتحالف مع « المركز».
أما مدخلاتها لدى « القاعدة» و «طالبان» ومعهما جماعات « التيار الجهادي العالمي» فتمثلت بـ: التحصن بالأطروحة العقدية كمرجعية وحيدة للعمل، والنظر في شرعية الرايات الأيديولوجية، سواء للقوى الإسلامية أو الوطنية، وبدء المنازلة ضد « قوى الكفر العالمي» وحلفائها من « طواغيت العرب والعجم»، وشن المزيد من الهجمات على أراضيها، لاسيما تلك التي شاركت في احتلال أفغانستان والعراق، والتهيؤ لمواجهة قوى « المركز» في البلاد الإسلامية، وإشاعة ثقافة جهادية مؤصلة عقديا، لاقت جاذبية شعبية ملحوظة، وشن حملات إعلامية، ذات تأصيل عقدي، للكشف عن حقائق الصراع بين « المركز» والعالم الإسلامي، والحرص على استنزاف « المركز» اقتصاديا، عبر فتح جبهات أخرى أو إطلاق التهديدات المكلفة أمنيا.
هذه التحالفات « الصليبية» المتصارعة فيما بينها؛ تسببت في النصف الأول من القرن العشرين، فقط، بمقتل عشرات الملايين من مواطنيها خاصةً، ومن البشر عامةً، واستعملت أفتك سبائك الأسلحة ضد الإنسان. وفي النصف الثاني من القرن، زمن الحرب الباردة، كانت على وشك صدام نووي يهدد البشرية برمتها. لكنها فجأة توافقت على« القاعدة» و «طالبان» بوصفها العدويين الاستراتيجيين!!! فهل يعقل أن تأتلف كل هذه التحالفات الجبارة ، بكل ما أوتيت من قوة تدميرية واقتصادية وأمنية وعلمية، ضد جماعة مقاتلة؟
من المفترض أن يكون الجواب « نعم »؛ إذا اعتبرنا أن الإسلام هو قوة كامنة يمكن تفعيلها بحيث يستحق عن جدارة واقتدار صفة الخصم بالنسبة للقوى الكبرى. لكن هذه القوى لم تحسن القراءة التاريخية لقوة العقيدة الإسلامية إذا ما جرى تفعيلها في مواجهة العدو، أو لتكون بديلا عن الفلسفات السائدة كـ« الرأسمالية» و «الاشتراكية»وغيرها. لذا كانت المفاجأ مذهلة في أفغانستان والعراق، والتكلفة باهظة للغاية، ومؤشرات المأزق تنذر بانهيار كارثي للولايات المتحدة [12].
ولعل أعجب مفاعيل « تيارات الجهاد العالمي» في حروبه مع « المركز» أنه حصّن دول العالم الإسلامي من مجرد التفكير بغزو أي بلد إسلامي!!! فلا « إسرائيل» ولا « المركز» باتا قادرين على خوض حروب تقليدية، كما جرى في أفغانستان والعراق. إذ أن مقاتلي اليوم ليسوا كمقاتلي الأمس، والعقائد القتالية لتيارات الجهاد على النقيض تماما من سابقاتها، ذات المنحى الأيديولوجي، وحتى الاستعراضي في كثير من الأحايين.
لكن التيار لم ينجح، حتى هذه اللحظة، في تحصين العالم الإسلامي من هجمات « المركز» الأمنية، ولا حتى استطاع الحد من توغله الأمني، واحتلاله لقطاعات اجتماعية وأمنية واسعة. وعلى العكس من ذلك، فقد اتسمت السياسات الأمنية للدول بالتغول الحاد تجاه مواطنيها. وبدعوى « مكافحة الإرهاب»، وتجفيف منابعه، اتجهت الدول، وخاصة الأجهزة الأمنية، ومنظري الحل الأمني ودعاته، إلى ما يشبه الانتقام، وتصفية الحسابات مع الخصوم، زيادة على التضييق على الحريات، وامتطاء الفساد والاستبداد والطغيان، كنمط حياة يقدم المزيد من الامتيازات والمصالح، ويلبي تطلعات « المركز» وأمانيه. بل أن بعض الدول ذهبت أبعد مما هو مطلوب منها، حتى صارت أقرب ما تكون إلى مَخْبَر أمني عالمي لنظريات CIA فيما يسمى بـ: « الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب»، وسط شعور النظم السياسية بالحصانة من أية مسؤولية.
بعد هجمات 11 سبتمبر؛ لم يعد ثمة حدود للطغيان والاستبداد والظلم والفساد. ولم يعد، لأحد، ثمة حصانة عقدية أو دستورية أو قانونية أو قيمية أو إنسانية تذكر. بل أن حقوق الشعوب التاريخية، وما تعرضت له من مظالم، لم يعد لها أي وزن في سياسات « المركز» وأعرافه ومنظماته الدولية[13].


[1] د. أكرم حجازي، تأملات في شريط العاصفة الشعبية: صراع « المركز» و « الهامش» / 2، 16/6/2011، موقع المراقب: http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-304.htm، المقالة مستقاة من شرح قدمه د. عبد الله النفيسي في لقاء جمعني به مع نخبة من العلماء والمفكرين والصحفيين العرب في الكويت في11/1/2011على هامش اللقاء الدوري لمنتدى المفكرين المسلمين.

[2]انقسمت بلاد الهند بانفصال باكستان عنها واستقلالها في 14/8/1948، ثم انقسمت باكستان إلى غربية احتفظت بالاسم الأول وشرقية اتخذت من بنغلادش اسما لها في أعقاب حرب أهلية طاحنة اندلعت سنة 1970، ويشكل مجموع المسلمين في الهند التاريخية، وفق إحصاءات 2009، حولي 480 مليون نسمة يمثلون قرابة 50% من إجمالي الكتة الديمغرافية بمختلف تشكيلاتها الإثنية والطائفية. كما عمدت القوى الاستعمارية إلى توزيع الكرد على أربعة دول إقليمية دون أن يكون لهم أي كيان سياسي، أما بلاد الترك فانقسمت إلى ثلاثة أجزاء هي: تركستان الشرقية التي ضمتها الصين إلى أراضيها سنة 1949 رغم وقوعها خارج سور الصين، وتركيا أتاتورك، والجمهوريات الخمس التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره وهي: أوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجكستان. وأخيرا بلاد العرب التي قسمت إلى 21 دولة، وانتزعت منها فلسطين لتصبح دولة لليهود أسميت بـ « إسرائيل» سنة 1948.

[3] عصبة الأمم أول منظمة دولية تأسست سنة 1920 بعد مؤتمر باريس للسلام سنة 1919، والذي أنهى الحرب العالمية الأولى. وبعد الحرب العالمية الثانية حلت محلها منظمة الأمم المتحدة التي تأسست في24 أكتوبر 1945.

[4] في مقالة كتبها هنري كيسنجر بالتعاون مع البروفيسور مارتن فيلدشتاين، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، قال فيها: « إن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى نشوء أكبر ظاهرة بالتاريخ لانتقال الثروات من منطقة بالعالم إلى أخرى، الأمر الذي قد تكون له آثار سياسية مستقبلية .. وأن دول أوبك ستحصل خلال العام الحالي (2008)، على ما قد يصل إلى تريليون دولار». للمتابعة:كيسنجر يحذر من تكدس مليارات النفط في الخليج.. ويدعو الغرب لتقليص قدرة أوبك على التأثير،16/9/2008،مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية: http://www.dctcrs.org/new419.htm . هذا مع العلم أن كاتبي المقالة تجاهلا المقارنات البسيطة في الأسعار، والتي أثبتت أن سعر برميل الكوكا كولا أغلى من برميل النفط الذي يشغل مصانع « المركز» ويضيء العالم؟

[5]« تشومسكي: أميركا تخشى استقلال الدول»، صحيفة « الغارديان - 5/2/2011»، نقلا عن: الجزيرة نت، على الشبكة:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/83A075DB-CBF0-4D17-8B50-F9B688E3B455.htm.

[6]غراهام فولر، صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، نقلا عن موقع الجزيرة نت، مقالة بعنوان: « الثورات العربية.. من الخاسر ومن الرابح؟»،21/11/2011، على الشبكة:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F...GoogleStatID=9 .

[7]الشرق الأوسط يستقل عن أميركا، مجلة« التايم»الأمريكية، 25/11/2011، نقلا عن: الجزيرة نت، على الشبكة:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/1...GoogleStatID=9

[8]لاحظ مثلا بعض الفتاوى التي تجيز لأهل السنة التعبد بالمذهب الشيعي، كما ورد على لسان محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي دافع عن حق إيران الحق في نشر مذهبها بين أهل السنة، باعتبارها: « الدولة الشيعية الوحيدة من بين 56 دولة إسلامية سنية المذهب،أنظر: « عاكف لـ "النهار": لا مانع من المد الشيعي.. فعندنا 56 دولة سنية»، 24/12/2008، صحيفة النهار الكويتية، http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=113158 ، وكذا المفتي علي جمعة: مفتي مصر: الشيعة طائفة متطورة ولا حرج من التعبد على مذاهبها، 4/2/2009، http://www.alarabiya.net/articles/2009/02/04/65714.html.، فضلا عن التحالفات الصريحة لـ «الصوفية العزمية» مع إيران، ودفاعها المستميت عن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وأكثر من ذلك استعداد شيخ الطريقة، علاء ماضي أبو العزائم، لفتح باب الجهاد للدفاع عن إيران!!! وهي ذات الطريقة التي عبرت عن تحالفات استراتيجية مع القوى العلمانية واللبرالية في مصر ضد التيارات الإسلامية لاسيما السلفية منها. راجع: « أبو العزائم: سأدعو إلى الجهاد حال توجيه ضربة عسكرية إلى طهران»، موقع « الدستور الأصلي»، 8/11/2011،http://www.dostor.org/node/60770

[9] صراع « المركز» و « الهامش»، مرجع سابق.

[10] تراجع فوكوياما عن أطروحته لاحقا في مقالة بعنوان: «هدفهم العالم المعاصر»، 25ديسمبر2001، مجلة نيوزويك 25ديسمبر2001)، الطبعة العربية/ عدد 81. وقال فيها: « قبل 10 سنوات جادلت بأننا بلغنا "نهاية التاريخ" ولم أعلن بذلك أن الأحداث التاريخية قد تتوقف =
= لكن ما عنيته هو أن التاريخ الذي يفهم على أنه تطور المجتمعات الإنسانية من خلال أشكال مختلفة من الحكومات قد بلغ ذروته في الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ورأسمالية اقتصاد السوق».

[11] الشيخ أسامة بن لادن، « خطاب القسم»، شريط مرئي، مؤسسة « السحاب» التابعة لتنظيم « القاعدة»،. 7/ 10/2001.

[12] عامر عبد المنعم: 22 دليلا علي الإنهيار الوشيك للولايات المتحدة الأمريكية، 19/10/2010. العرب نيوز: =
= http://www.alarabnews.com/show2.asp?NewId=26726&PageID=26&PartID=3.

[13]هذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خلال المؤتمر السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة ( 28 نوفمبر 2001)، حيث قال فيه: « لن يكون مسموحا لأولئك الذي يظنون أنهم مضطهدون ويبحثون عن تقرير مصيرهم أن يمارسوا العنف بعد الآن»، مما أثار فزع الوفد الفلسطيني الذي اضطر، غاضبا، لمغادرة القاعة. ومن جهته اعتبر تقرير الأمم المتحدة، الذي أعدته اللجنة الأممية برئاسة جيفري بالمر، رئيس وزراء نيوزيلندا السابق، للتحقيق في الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية، وتم تسريبه بالكامل لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قبل يوم من نشره: « أن حصار إسرائيل البحري لغزة قانوني لكن هجومها على سفينة مرمرة التركية التي حاولت كسر الحصار العام الماضي استخدمت فيه قوة مفرطة». 8/7/2011، موقع الجزيرة نت، نقلا عن صحيفة الديلي تلغراف البريطانية: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5E16E276-A98F-4BFB-AFC6-24CADD12E02B.htm. هذا هو « المركز»، وهذه هي حقيقة منظماته الدولية التي شهدت زورا على جرائمه في شتى أنحاء العالم منذ نشأتها وإلى يومنا هذا.

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 12:59 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
4) التوحش الرأسمالي
إذا انطلقنا من المسلمات العقدية في رصد الحالة الثورية، فمن العبث رد الثورات العربية إلى سياقات محلية، بعيدا عما يحدث في العالم من أزمات اقتصادية طاحنة تتسم بطابع الشمولية، لاسيما وأن العقائد والفلسفات الوضعية المهيمنة لم تعد قادرة على تلبية احتياجات البشر الروحية والمادية. فلا « الاشتراكية» نجحت في تقديم الخلاص، ولا « الرأسمالية» أثبتت نجاعتها في ملء الفراغ. فـ « الرأسمالية»، ومبدؤها اللبرالي، بعكس ما هو شائع، كانت مهددة بالانهيار منذ «صباحيات» القرن التاسع عشر وليس «مسائيات» القرن العشرين. ولولا خدمات « الماركسية العلمية»، التي شخصت أمراضها مبكرا لما استطاعت « الرأسمالية» أن تعالج نفسها وتستمر إلى عصرنا هذا.
هكذا تكون الفلسفات الوضعية، على مدار قرنين، قد استهلكت كل ما في جعبتها، من نظم سياسية وأنماط معيشية وأفكار وقوانين وقيم. ولم يعد بمقدور « الرأسمالية»، التي استنفذت طاقتها، أن تتقدم وهي تغرق في الأزمات، إلا عبر خلق المزيد منها، وسن القوانين تلو القوانين، أملا في ترقيع ما لم يعد قابلا إلا للتلف. فهي بالمحصلة، وسوء الختام، ليست سوى فلسفة وضعية، من المستحيل أن تستمر إلى ما لا نهاية، وسط مؤشرات ووقائع صارت تملأ شوارع « المركز» صخبا وضجيجا[1].
على المستوى الاقتصادي العالمي؛ فـ« الرأسمالية» أخفت الحقيقة[2]، ونهبت ثروات شعوبها وشعوب العالم، وفرضت على الدول سياسة الخصخصة، مطلع تسعينات القرن العشرين، التي انتهت ببيع مؤسسات القطاع العام، دون أن يعرف أحد أين ذهبت أمواله. ولأنها منظومة جشعة، لا أخلاق لها ولا دين ولا مبدأ، فقد اتجهت، عشية اندلاع الأزمة العقارية في الولايات المتحدة سنة 2008، إلى سرقة جيوب الأفراد، عبر رفع أسعار بعض السلع الحيوية كالطاقة، بحيث ينجر عنها رفعا شاملا وجنونيا للأسعار، في كافة مناحي الحياة. وبهذه الطريقة تم رفع أسعار السلع، وخاصة المواد الغذائية والطبية والخدماتية، التي لا غنى للفرد عن استهلاكها يوميا، وفي كل ساعة. ولا ريب أن البشرية، المستهدفة بالإفقار[3] من هكذا سياسات، باتت تواجه وحشية غير مسبوقة من « الرأسمالية»، وهي تنتقل من مرحلة نهب الشعوب ثم الدول والجماعات إلى مرحلة النهب الشامل، الذي يمس كل فرد على سطح الكرة الأرضية بشكل مباشر.
أما فيما يتصل بالفساد ونهب الثروات وإهدار الموارد والضرائب الجنونية، فالأرقام التي تخص العالم العربي ليست سوى انعكاس لما يعيشه « المركز» من أزمات اقتصادية، ليس من المستبعد أن تنتهي بانهيارات شاملة، أو حروب عالمية طاحنة، في ضوء تصاعد الديون الأمريكية والأوربية التي تهدد بإفلاس الجانبين، وشيوع الفوضى والدمار من جديد في ذات المواطن التاريخية للحروب الدموية.
ففي ختام مؤتمر عربي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية في العاصمة المصرية – القاهر ( 5/7/2010) تحت عنوان: « نحو إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد»، بحضور ممثلي 19 دولة عربية، أدلى رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد، عامر خياط، بتصريحات لقناة الجزيرة قال فيها: « إن المنطقة العربية سجلت إضاعة ألف مليار دولار، في عمليات فساد مالي وإهدار للأموال خلال النصف الثاني من القرن الماضي تمثل ثلث مجموع الدخل القومي للدول العربية»[4].
لكن هذا التقدير لا يعكس نصف الحقيقة، إذا أضفنا إليه حجم الديون الخارجية المستحقة على الدول العربية، كأحد المؤشرات على الفساد. فالأرقام المتداولة في هذا السياق مذهلة. إذأن الحجم الذي بلغ 160 مليار دولار سنة 2001 [5] وصل سنة 2010 إلى 649 مليار دولار في 15 دولة عربية[6]. وبحسب تقرير « الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية –2009 »، قدر مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ « الأهرام» حجم الديون العربية بـ 663.3 مليار دولار، مشيرا إلى أن الدول النفطية مثل قطر والكويت والإمارات، والعراق والبحرين كانت الأثقل مديونية من بقية الدول العربية، حيث فاقت مديونيتها الخارجية احتياطياتها الرسمية من العملات الحرة[7].


حجم المديونية الخارجية لأغلب الدول العربية / مليارات الدولارات



الدولة



حجم الدين



حجم الدين العام مقارنة بالناتج المحلي %



الإمارات



128.6



45



السعودية



86.5



15.8



قطر



80.8



10.8



لبنان



65.6



152.7



العراق



60.3



-



السودان



35.5



97.7



البحرين



32.5



39.7



مصر



13.6



80.8



الكويت



27.1



7.1



تونس



21.7



54.1



المغرب



21.1



57.1



عمان



8.7



4



اليمن



6.1



-



ليبيا



5.6



3.5



سورية



5.5



32.5



الأردن



5.4



61.1



موريتانيا



3.1



-



جيبوتي



0.7




*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:00 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
-



المصدر: موقع الأهرام الرقمي



أرقام منقولة عن مجلة الإكونوميست البريطانية


على مستوى « المركز»؛ فالمؤشرات انتقلت إلى الشوارع في صيغة احتجاجات عاصفة اجتاحت العواصم والمدن، ابتداء من اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وبريطانيا، وبروكسل وفرنسا، وصولا إلى قلب نيويورك وواشنطن وعدة ولايات أمريكية، عبر حركة «احتلوا وول ستريت -17/9/2011». وما لبثت أن تحولت إلى حركة احتجاج، عابرة للقارات، ضد الرأسمالية، بقيادة ما اشتهر بحركة «الساخطون15/10/2011»،التي استهدفت الرموز الكبرى لمافيا النهب العالمية الشهيرة بمناطق الـ «Offshore»، مثل أصحاب الشركات الكبرى والبنوك والمصارف ورأس المال وبورصة «وول ستريت» في نيويورك، و« حي المال» في لندن، و« البنك المركزي الأوروبي» في فرانكفورت. ووصفتهم بـ « اللصوص» و «مصاصي الدماء». وحتى النظام السياسي نفسه، الحليف لرأس المال، لم يفلت من النقد والغضب، عبر لافتات رفعت شعارات واضحة تتساءل: «أين هي الديمقراطية .. أين هي العدالة»؟ « يا شعوب العالم انهضوا»، « انزل إلى الشارع»، « اصنع عالما جديدا».
ووفقا لكتاب الصحفي البريطاني، نيكولاس شاكسون، « مافيا إخفاء الأموال المنهوبة»، فإن مصطلح الـ«Offshore»يطلق على بعض الجزر القريبة من الداخل الأوروبي، مثل جزر البهاما وجرسي والكايمان, .. وهي مرتبطة عن كثب بالعواصم المالية والسياسية الكبرى, وغير تابعة لأية دولة، وتعد ملاذات آمنة لإيداع أموال الكبار وأموال الجريمة والأموال المنهوبة, بسرية دون أن تخضع لأية ضرائب تذكر. لكنها موجودة أيضا في قلب العواصم الكبرى. وتمر عبرها أكثر من نصف التجارة العالمية، والأصول المصرفية، وثلث الاستثمارات الأجنبية للشركات متعددة الجنسية، المسؤولة سنويا عن خسارة البلدان النامية لنحو160مليار$، كما تمر عبر هذه المناطق نحو85%من التعاملات المصرفية، بالإضافة إلى أن إصدار السندات يحدث في مكان يسمى« اليورو ماركت», وهي منطقة «Offshore»غير تابعة لأية دولة. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لسنة2010فقد بلغت الميزانيات العامة لجزر المراكز المالية الصغيرة وحدها قرابة18تريليون$، بما يساوي ثلث حجم الناتج المحلي للعالم كله. ومن بين هذه الملاذات كنماذج:(1)جزر فرجين البريطانية التي لا يتعدى سكانها25ألف نسمة, بينما تستضيف أكثر من80ألف شركة!! وحي المال في لندن، الذي يضم تجمعا ماليا يستحوذ على أكثر من ثلث جميع الأصول المصرفية الدولية. وبحسب دراسة لمكتب المراجعات المحاسبية القومي في بريطانيا(2007)فإن:«أكثر من 230 من بين أكبر 700 رجل أعمال في البلد، لم يدفعوا أي ضرائب على الإطلاق في العام السابق», و(2)ومملكة لوكسمبورغ الأوروبية، ذات النصف مليون نسمة، لكنها تعد واحدة من أكبر ملاذات الضرائب في عالم اليوم، أما(3)هولندا فقد استقبلت سنة2008حوالي18تريليون دولار، بما يعادل أربعة أمثال حجم إجمالي الناتج المحلي, وكذلك (4)عددا من الدول الأوروبية الصغيرة، أبرزها منطقتي إمارة موناكو و ليشتنشتاين. وفي بحث أجرته شبكة«عدالة الضرائب - 2009»تبين أن99من أكبر مائة شركة أوروبية استخدمت أفرعا لها في«Offshore»,. و(5)من جهته ذكر تقرير مكتب المساءلة الحكومي الأميركي(2008)أن83من أكبر مائة شركة أميركية لها أفرع في الملاذات الآمنة[8].
هكذا إذن؛ فثمة مشكلة بنيوية عميقة تضرب الرأسمالية ومنطقة «اليورو»، لا حل لها إلا بـ«الدفع أو الانهيار». هذا ما قاله وزير المالية البريطاني الأسبق نورمان لامونت، في تعليق كتبه في صحيفة «صنداي تلغراف -18/9/2011» البريطانية، مشيرا إلى أن: «نهاية لعبة اليورو بدت واضحة. وإن ما يهم الآن هو منع تحول الأزمة إلى كارثة، لا تكتسح فقط منطقة اليورو لكن كل العالم الغربي»[9].


نموذج لحجم المديونية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ونسبتها % للدخل القومي العام[10]



الدولة



حجم الدين بمليارات الدولارات



نسبة الدين إلى الإنتاج القومي %



إجمالي الديون الأوروبية إلى الدخل القومي %



بريطانيا



8981



88.6



78.7



ألمانيا



3713



82.4



فرنسا



4698



97.1



النرويج



2239



53.6



إيطاليا



2223



120



إسبانيا



2166



68.1



إيرلندا



2131



112



بلجيكا



1241



97



سويسرا



1190



41.1



السويد



853



48.8



النمسا



755



73



أمريكا



13001



98.5



اليونان



532



157.7



البرتغال



497



101.7



«الدفع أو الانهيار» هي نفس المعادلة التي تعاني منها الولايات المتحدة خاصة بعد أزمة رفع سقف الدين الأمريكي بأكثر من تريليوني دولار، وبلوغ سفينة الأرقام الفلكية للدين العام إلى شواطئ إجمالي الناتج القومي. ففي سنة 2001 كان إجمالي الدين العام بحدود 5.8تريليون دولار، بما يوازي 56% من إجمالي الناتج المحلي، وفي سنة 2010 بلغت الأرقام الفعلية لإجمالي الدين العام 13.528 تريليوندولار[11]، ما لبثت مع أواخر العام 2011 أن وصلت إلى نحو 15 تريليون دولار، بما يزيد عن 95% من إجمالي الناتج القومي، أو 48 ألف دولار لكل مواطن. وبحسب تقديرات إجمالي الدين العام الأمريكي حتى سنة 2015 فمن المتوقع أن يرتفع حجم الدين إلى 19.7 تريليون دولارا، بنسبة تعادل 102.6% من الناتجالمحلي الإجمالي[12]، أو حتى 23 تريليون $ بحسب إعلان وزارة الخزانة الأميركية في 18/11/2011.

إذن الحروب الظالمة والاستبداد والطغيان والفساد والأزمات الاقتصادية الطاحنة، على امتداد الكرة الأرضية، والتي طالت التصنيف الائتماني لدول مثل اليابان والولايات المتحدة .. كلها، وغيرها أو مثلها، أحداث كبرى وقعت بعد هجمات 11 سبتمبر وليس قبلها. أما الديون العربية، وبحسب الأرقام الواردة في النص، فقد تضاعفت، بعد الهجمات، أربع مرات خلال السنوات العشر الماضية، فيما تضاعف الدين الأمريكي العام مرتين ونصف!!!


[1]أطرف تعقيب على أزمة الرأسمالية جاء على لسان الكاتب البريطاني تيم مونتغمري في صحيفة «الغارديان». فقد اعتبر السياسات الحكومية هي السبب في الأزمة وليس الرأسمالية كمنظومة حياة وإنتاج. راجع: « العلة بالسياسات وليس بالرأسمالية»، 12/11/2011، الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C9548B94-4BB9-4108-BAE9-1C4AD236409A.htm?GoogleStatID=9، أما وجه الطرافة ففي كونها جاءت مطابقة لتلك الأطروحات التي جهدت في الدفاع عن « النظرية الاشتراكية»، غداة انهيارها، زاعمة العيب في التطبيق وليس في النظرية!!

[2]وتعليقا منه على الاحتجاجات العالمية ضد الرأسمالية، أشار الكاتب إلى:« البنوك الجشعة التي أخفت الديون السامة أو ذات المخاطر العالية بحيث لا يكتشفها المدققون الماليون ولا المشرعون ولا أي وكالة معنية بالتقييم إلا في وقت متأخر».نفس المرجع أعلاه. وفي التعليق ما يجيب على السؤال المحير: لماذا لم يتم الكشف على الأزمة مبكرا؟ لكن، في المحصلة، هل يمكن إحالة مثل هذه التصرفات المدمرة إلى مجرد عيوب في السياسات؟ أم هي مخرجات لمنظومة قيمية جشعة لا تسمح بامتياز إلا لذوي رأس المال؟

[3] حتى الأمريكيين لم يفلتوا من سياسة الإفقار. فقد أفاد التقرير السنوي الصادر عن مكتب التعداد السكاني لسنة 2010 أن عدد الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع إلى 46 مليون نسمة نهاية العام الماضي، مسجلا أعلى مستوى له، وبذلك يرتفع معدل الفقر الأميركي للعام الثالث على التوالي مسجلا نسبة 15.1%، وهي النسبة الأعلى منذ بدء مكتب الإحصاء نشر تقديراته لعدد الفقراء قبل 52 عاما، كما أنها النسبة الأعلى منذ العام 1993. وأوضح التقرير أن هذا العدد كان الأكبر راجع: الفقر بأميركا يسجل أعلى مستوى، 14/9/2011،
موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/9E0B7F89-27C8-49A6-B47C-B96A84058490.htm.ووفق معايير أخرى تم رفع العدد إلى 49 مليون فقير.

[4] الفساد يهدر ثلث الناتج القومي العربي، قناة الجزيرة، 6/7/2010 ، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0DD80CA9
-4651-4169-BDD9-B1CB6795C388.htm.

[5] صحيفة البيان الإماراتية، ارتفاع حجم الديون العربية إلى 160 مليار دولار وخدمتها توازي 17% من حجم صادراتها، الاحتياطي النقدي
يمثل 61.5 % من الواردات والتجارة البينية شكلت 8.4 % من «الخارجية»، 31/3/2001،على الشبكة: http://www.albayan.ae/economy/160-17-61-5-8-4-2001-03-31-1.1136764

[6] مجلة الإيكونوميست البريطانية: 649 مليار دولار حجم الدين العام في 15 دولة عربية في 2010 بنسبة 1.6% من الدين العالمي، 3/11/2010، موقع « معلومات مباشر» على الشبكة:http://www.mubasher.info/portal/dfm/getDetailsStory.html?
storyId=1801715&goToHomePage

[7] أحمد السيد النجار: طرائف الديون العربية دول الخليج ولبنان أكثر المدينين، 16/9/2010 المصدر: موقع « الأهرام الرقمي»، نقلا عن «الأهرام اليومي»: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=256279&eid=46.

[8]لمزيد من التفاصيل لدى: بدر محمد بدر: مافيا إخفاء الأموال المنهوبة، 30/10/2011. موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/7...7E5A17CD7A.htm

[9] قلق غربي من كارثة اقتصادية، 17/9/2011، موقع: الجزيرة نت، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/89B255B5-A39D-4215-BD27-1DE380234FEF.htm?GoogleStatID=9

[10]الأرقام الواردة تتعلق بشهر أيار / مايو 2001. وهي ذات مصادر أوروبية متعددة، وللاطلاع فقط وليس للاقتباس.

[11] د. محمد إبراهيم السقا: الدَّين العام الأمريكي، الاقتصادية الإلكترونية، الجمعة 21 شعبان 1432 هـ. الموافق 22 يوليو 2011 العدد 6493، http://www.aleqt.com/2011/07/22/article_561426.html.

[12]د. محمد إبراهيم السقا: قراءة في الدَّين العام الأمريكي، 4/9/2010، موقع ألفا و بيتا: http://alphabeta.argaam.com/?p=20836.

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:02 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
القسم الثاني
منظومة الاستبداد المحلي
« سايكس -بيكو»[1]

عطفا على ما سبق، فمن الصعب تفسير الثورات العربية باعتبارها حدثا محليا. وسيكون من الخطأ الفادح الاعتقاد بكون النظم السياسية العربية هي نظم استبدادية بالمعنى الدقيق الذي يجعل من النظام السياسي في أي بلد مسؤولا وحده عن الظلم والطغيان ومصادرة الحريات بعيدا عن « المركز». وعليه فالأصح وصف النظم بالأدوات الاستبدادية أو وكلاء الاستبداد. إذ أن « سايكس - بيكو»، بوصفها المنتَج الأبرز لـ « المركز» في العالم الإسلامي، ليست سوى معاهدة هيمنة استعمارية طويلة الأمد، صممت كـ «منظومة عمل تاريخية» لتشتغل، ذاتيا، بموجب آليات التفكيك والتبعية الدائمة لـ « المركز». ومن يظن أن مشكلة الشعوب العربية مع النظم وحدها دون « المركز» فهو إما واهم أو مغرض.
ولو استعرضنا بعضا من ركائز « سايكس - بيكو»، أو نسق الفاعلين الاستراتيجيين في دولها، أو قمنا بتحليلها، لأصبنا بالدهشة والذهول من حجم التدمير الهائل، والتخريب الواسع النطاق، الذي أوقعته المنظومة حتى في مستوى الذهنية العربية، ومدى التنافر البغيض الذي مزق العلاقات الاجتماعية بين الشعوب، فضلا عن التلاعب في العقيدة والدين.

1) نظام « سايكس -بيكو»

هذا النظام يمكن النظر إليه باعتباره نسخة طبق الأصل عن نظام السجن أو المعتقل. وفي تصوير للموقف يمكن الاستعانة
بالشكل التالي:


















حال الدول العربية، كحال السجن والسجناء، فهي محاصرة، من الخارج، بالقوة المسلحة من قبل « المركز»، ويشمل الحصار وضع المنظومات الدفاعية، ونظم التسلح، والاتصالات، المدنية والعسكرية، والبنى التحتية، تحت المراقبة الدائمة، لضمان أعلى مستوى من السيطرة والتحكم عن بعد[2]. بل أن قدرات السيطرة والتحكم أصبحت بلا حدود مع انفجار ثورة العلوم الرقمية، التي وفرت منتجاتها الإلكترونية إمكانية التحكم بكافة الآليات الحديثة، ووضع الفرد تحت المراقبة في أدق خصوصياته.
أما في الداخل فثمة إدارة محلية، كل وحدة منها، تتمتع بسلطة الحكم، بموجب توجيهات « المركز»، وبالتالي فهي تضرب بعصاه، وتحظى بمكانة ثمينة، يصعب أن تتخلى عنها إلا في ظروف قاهرة، أو بعزل « المركز» لها، إذا ما تسببت بتمردات خطرة قد تهدد تماسك النظام. وثمة أيضا قواعد مراقبة ميدانية (« إسرائيل») لحماية منظومة الاستبداد المحلي « سايكس - بيكو»، والحيلولة دون أي تمرد يمكن أن يشكل خطرا عليها، وثمة أيضا أدوات اختراق خطيرة يجري تطويرها على الدوام، أو الاستفادة من خدماتها بهدف تصعيد حالة التفكك وتعميق الانقسامات، كـ « الصفوية» و « الكنيسة» والقوى الأيديولوجية الحليفة (لـ)، أو القابلة للتحالف (مع)، « المركز» كـ « اللبرالية» و « العلمانية» و « اليسارية»، وحتى بعض الفرق الدينية الباطنية كـ « النصيرية» و « الإسماعيلية» و « الطرق الصوفية» و « الأقليات الإثنية» وغيرها، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات.
بطبيعة الحال، من المسموح لـ «السجناء» التمرد بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية، لذا سيكون من السهل ملاحظة وجود عملاء وخونة ومنافقين ومرجفين ومخذلين ومحبطين، مثلما سيكون من المنطق ظهور حالات تمرد بين الحين والآخر. لكن من المحظور على الجميع الخروج على « النظام». وهذا يفسر إلى حد كبير أسباب تخلف الأمة وتبعيتها، كما يفسر تعدد الفلسفات والأيديولوجيا والأفكار الباحثة عن سبل الإفلات من هذه المنظومة، كما يفسر الصراعات المحلية الكبرى، والخصومات بين النظم، ويفسر حالات الانقسام الاجتماعي والسياسي والإثني على خلفية البحث عن الامتيازات، أو السعي لاسترضاء « المركز»، كما يفسر احتجاز حرية الأمة وتقدمها اقتصاديا أو اجتماعيا أو علميا أو ثقافيا أو ... ومنعها من مجرد التفكير بتطبيق الشريعة، باعتبارها الآلية الوحيدة التي يمكن أن يجتمع عليها الجميع.
في التفاصيل المبدئية، يمكن القول، أنه في إطار المنظومة يمكن لأي نظام سياسي، أيا كانت هويته أو أيديولوجيته، أن يستمر في الحكم بلا حدود؛ إذا ما التزم بشروط « المركز»، الذي يرى في دولة « سايكس - بيكو» مجرد ملحق لا يمتلك السيادة ولا الحقوق ولا الطموح إلا بما يسمح به. والقاعدة الأساسية تقضي بثبات النظام على خصائصه البنيوية دون أي تعديل. وبالتالي فليس من المتوقع، وفق أية ظروف، نشوء أو زوال كيانات سياسية أو اندماج أخرى فيما بينها تحت مسميات الوحدة العربية أو الإسلامية أو الفيدرالية أو الكونفدرالية، ما لم تحظ برضى « المركز»، لأن مثل هذا الأمر سيعد خروجا على المنظومة القائمة مما يستدعي اللجوء إلى الضغوط وصولا إلى التدخل العسكري[3].
لكن أخطر ما في « سايكس - بيكو»، أنها تضخمت على نحو لا يمكن تصوره، حتى أنها استقرت في عقول العامة والخاصة على السواء، وكأنها (1) حالة ثقافية، و (2) عنوانا حضاريا و (3) معطىً أشد قداسة من دين الله عز وجل. وتبعا لذلك صار كل مسلم يفتخر بوطنه ويعتز به، من إندونيسيا وماليزيا إلى مراكش، حتى أصبح للحارات والأحياء موسوعات تتحدث عن حضارات لها ما قبل التاريخ!!
لا يهمنا هنا البحث عن مصادر الشرعية المحلية التي حصل عليها هذا «النظام» طوال عقود. لكن لا بد من الانتباه جيدا إلى أن تصميمه جرى:
v باعتباره نمطا مجتمعيا نموذجيا، وجذابا للمعيش، بالنسبة لمجموعة بشرية في مساحة جغرافية معينة؛ اشتهرت باسم الدولة الفلانية وشعب الدولة الفلاني. بل أن بعض الدول لم يكن عدد سكانها يزيد عن بضعة عشرات من الآلاف صارت تطلق على سكانها لقب أمة! ورغم أن النمط محصلة تاريخية لعملية استعمارية صارخة إلا أنه حظي بالشرعية والحصانة حتى من السكان بمختلف فئاتهم، إلى أن بدا خارج الاستهداف حتى هذه اللحظة. بل أن القوى السياسية المحلية، التي ناهضت «النظام» تاريخيا، إسلامية أو علمانية، كانت تستهدف، على الدوام، منظومة « الاستبداد المحلي» وليس «النظام »، الذي لم يسبق، ولا مرة واحدة، أن تعرض لاستهداف في مشروعية وجوده.
v وباعتباره مجموعة آليات اشتغال فعالة. بقاؤها واستمراريتها مرهون بما (أ) يفرزه «النظام» من قيم وثقافات محلية، مهمتها ترقية وجوده وترسيخه، أو بما (ب) يقدمه، عبر هذه الآليات، من خدمات مغرية، وامتيازات للأفراد والفئات والتشكيلات الاجتماعية المكونة له.
v وباعتباره قوة غير مرئية، خفية الملامح والتشخيص والسيطرة والتحكم، تفوق قوة المجموعة البشرية التي تعيش في ظله، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. لذا فهو غير قابل للطعن أو التفكك أو الانهيار. وبهذه المواصفات فإن توقع انتفاض السكان على « النظام»، أو سحب الشرعية منه، أو الانفضاض عنه، يبدو ضربا من الخيال. كما أن تجريم العيش فيه أو الانتماء إليه أو الانتفاع بمؤسساته ليس معقولا أبدا، ولا يمكن أن يكون مجديا طالما أنه تعبير عن « نمط مقبول» و« آلية اشتغال فعالة» و« قوة خفية » تجدد اشتغالها بنفسها بغض النظر عن أية ضغوط أو تدخلات.
إذن لـ «النظام» منطق لا يصح تجاوزه أو التلاعب به بسهولة. فهو يشتمل على العديد من البنى والأنظمة المعقدة كالنظام الاجتماعي والنظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام الثقافي والنظام القيمي وغيرها من نظم المعيش والحياة. لذا فهو أقوى وأعلى مرتبة من أي نظام يحتويه، بل وأقوى منها مجتمعة. والحقيقة الثابتة هي أن المجموعات البشرية لا يمكن لها أن تجتمع إلا على المنافع والمصالح المتبادلة، في إطار تصيغه وتحكمه وتوجهه العلاقات السلمية. وبهذا المحتوى، فالمشكلة ليست في وجود «النظام» بحد ذاته. فهو حاجة إنسانية يمليها الطبع البشري قبل العقائد أو الأيديولوجيات. وكما يقول ابن خلدون فـ «الإنسان مدني بالطبع». ولمّا يكون الأمر كذلك فما الذي يجعله، إذن، متوحشا؟
الإجابة على السؤال تكمن في وجوب التمييز بين منظومة «الهيمنة الدولية = المركز» ومنظومة « الاستبداد المحلي»، التي جرى تصميم النظام السياسي فيها، وتشغيله تاريخيا، بموجب معادلة ثابتة، تجعل منه « هامشا » يدور في فلك « المركز»، ولا يحيد عنه. وبهذا المعنى فإن «النظام»، دولة ومجتمعا وسلطة، ليس سوى « شأنا داخليا» من شؤون « المركز». لذا من العجيب تصور البعض أن يكون «الهامش» مستقلا أو ذا سيادة. وحتى الغرب نفسه، وأعتى مفكريه لا يقولون بهذا[4]. بل أن أحدا لا يقول به إلا نحن العرب.

[1]« سايكس - بيكو»هي الجزء الخاص التنفيذي لمعاهدة بطرسبرغ التي عقدت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خلال شهر آذار / مارس سنة 1916 وقُسِّمت فيها أملاك الإمبراطورية العثمانية. وكانت أهم مبادئ هذه المعاهدة هي:
1. تمنح روسيا الولايات التركية الشمالية والشرقية.
2. تمنح بريطانيا وفرنسا الولايات العربية في الإمبراطورية العثمانية (موضوع معاهدة حسين - مكماهون).
3. تدويل الأماكن المقدسة في فلسطين وتأمين حرية الحج إليها وتسهيل سائر السبل اللازمة للوصول إليها وحماية الحجاج من كل اعتداء. وعملياً فإن معاهدة سايكس - بيكو بين الحكومتين البريطانية والفرنسية أتاحت للأولى انتداباً على العراق وشرق الأردن وفلسطين وللثانية انتداباً على سوريا ولبنان. أما مصر فقد كانت محتلة من قبل الإنجليز منذ سنة 1882. رجع: - وثائق فلسطين.- مائتان وثمانون وثيقة مختارة (1839- 1987) - تونس - م. ت. ف، دائرة الثقافة، السنة 1987 - ص 101 - 103. ومن الطريف أن المعاهدة وقعت في الوقت الذي كان السفير البريطاني في القاهرة، هنري ماكماهون، يجري محادثات مع الشريف حسين حول مساعدة العرب للبريطانيين في حربهم ضد الإمبراطورية العثمانية، مقابل استقلال العرب في دولة كبرى. واكتشفت إثر نجاح الثوار البلاشفة في روسيا باقتحام وزارة الخارجية حيث عثروا على نسخة من المعاهدة في خزائن الوزارة.

[2]ليس من قبيل الصدفة أن تخسر الجيوش العربية، مهما بلغت من التسلح، معاركها مع الخصم دائما. وليس من قبيل الصدفة أيضا أن يحقق بضعة آلاف من جنود « المركز» اختراقات عسكرية سريعة، تصل إلى حد القدرة على الاحتلال، في أية دولة عربية، أو أن تربح جيوشه حروبها الجوية والبحرية دون أن تخسر جنديا واحدا، ما لم تضطر إلى خوض مواجهات تلاحمية على الأرض. للاطلاع على نموذج جدي من القراءات لدى: إبراهيم صلاح، الأمن القومي العربي والأسلحة المستوردة!!!،4/7/2011، موقع صحيفة المصريون، على الشبكة:http://almesryoon.com/news.aspx?id=67792

[3] مثلا رفض « المركز» احتلال العراق للكويت وضمها إليه سنة 1990، أو اندماج سوريا ومصر في دولة واحدة سميت بالجمهورية العربية المتحدة سنة 1958، بينما قبل اندماج شطري اليمن في دولة واحدة سنة 1990، على خلفية تصفية النظم الشيوعية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، أو إقامة السلطة الفلسطينية عقب توقيع اتفاق أوسلو (1994)، وأخيرا (2011) انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة عن جمهورية السودان.

[4]للتذكير، يرجى مراجعة: نعوم تشومسكي، صحيفة « الغارديان 5/2/2011»، مرجع سابق.

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:04 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 

1) فرادة الحاكم
« سايكس - بيكو» منظومة صممها « المركز»، كي تعطل كل فاعل استراتيجي في الدولة ما عدا «الحاكم»، الذي لا يمكن أن تنافسه أية شخصية في أي مستوى. فالحاكم هو الأول والآخر في الدولة، فهو الرياضي الأول والمحامي الأول والمهندس الأول، ومالك الجمعية الناجحة، وزعيم الحزب القائد، وبطل الحرب والسلام، وأمير المؤمنين، وخادم الحرمين، والملهم الوحيد والنبيه الوحيد والراشد الوحيد، والفائز الدائم، وصاحب الأمر والنهي، والزعيم الإنسان، وصاحب الضربة الجوية، وأمين القومية العربية، والأب والمحرر والباني، وباعث النهضة، والخالد الذي لا يخطئ حيا أو ميتا!!! وحتى زوجته فلا يداني مكانتها أحد باعتبارها السيدة الأولى.
فمن يستطيع أن ينافس الحاكم إذا كان هو « الكل في الكل»؟ وماذا نسمي احتكار الحاكم للسلطة والمكانات بغير الطغيان؟ وكيف يمكن الرد على العبارة البالغة الدلالة التي قدمها د. حازم الببلاوي حين وصف الحكومات العربية، منتصف ثمانينات القرن العشرين، بـ «حكومات الضرورة»؟ وهل نبالغ إذا قلنا بأن نظم « سايكس - بيكو» ليست، تأسيسا أو تاريخا، سوى « ودائع استعمارية» متطورة الشكل والمضمون؟ وهل ثمة توصيف آخر يمكن الركون إليه في تبرير احتكار السلطة والمكانة، أو الإصرار على تغييب القيادات ومنع الرقابة الاجتماعية والسياسية والإعلامية والقضائية من ممارسة أي مستوى منها؟

2) القيادة
لما دخلت الفلسفات العلمانية، الداعية إلى تثوير « الجماهير» في العالم العربي ، خاصة الشيوعية منها، طرحت تساؤلات كثيرة عمن يتولى قيادة « الجماهير»، ونظّر فيها المنظرون، بحثا عن الطرق الكفيلة بصناعة القيادات من رحم المعاناة والثورة، وقالوا بأن تثوير « الجماهير» كفيل بقدرتها على فرز قياداتها. وثبت بالدليل القاطع كيف فشلت الثورات والحركات الوطنية فشلا ذريعا، هي وأطروحاتها، وانتهت إلى المساومات والتراجعات والانهيارات وحتى العمالة. ولم يتساءل أيا من هؤلاء أين هي القيادات التي تحدثوا عنها؟ بل أن أحدا من هؤلاء لم يسائل حتى نفسه: لماذا فشلنا؟ ولماذا تحول الكثيرون إلى عملاء؟ ولماذا قبلوا بالامتيازات والمغانم على حساب الأمة وعقائدها؟ ولم يجرؤ أحدهم على الاعتراف بالقول: لقد أخطأنا .. ونعتذر للأمة. بل أن كل ما قالوه، ببلاهة معهودة، أن: العالم تغير .. وعلينا أن نكون براغماتيين .. علينا أن ننضج .. وأن نعيد قراءة صلح الجديبية!!! فهل سنحارب مدى العمر؟ .. نعم حصلت أخطاء لكن الثورة مستمرة .. علينا أن نعود إلى الأصل .. لقد عانينا كثيرا وعانى الناس ..
أما الذين لم يسبق لهم أن تواجدوا في الأمة، أو تآمروا عليها، وخذلوها، وأحبطوا فيها كل مسعى، أو بارقة أمل فقد رأوا في هزيمة هؤلاء فرصة ذهبية للشماتة بهم، وتبرئة أنفسهم مما لحق بها من عار، حتى أنهم غرقوا في مستنقعات الخيانة، فقالوا: ألم نقل لكم؟ لكنكم لم تسمعوا لنا!!!
هذه الحقيقة تنطبق على الغالبية الساحقة من القوى الإسلامية بنفس القدر الذي تنطبق فيه، أكثر، على القوى اللبرالية والعلمانية. ولو أخذنا بالنتائج لعقود من الصراع، وتتبعنا كل العمليات السياسية في صناديق الاقتراع، وكل الانتفاضات السابقة، السلمية والمسلحة، وحيثما انتفض الناس في البلاد العربية، بما فيها الفلسطينية، لكانت النتيجة صفر وما دونه. فقد تعرضت جميعها للإجهاض من داخل حركاتها بألف حجة وحجة، ليس أدناها منزلة إلا تلك التي انتقلت من النقيض إلى النقيض، أما من بقي لديهم ورقة التوت فتعللوا بما عبّر عنه أحد المفكرين بـ «شرك المكاسب»، أو المحافظة على « الإنجازات»!!! .. هذه «المكاسب» التي صار الحفاظ عليها من « الخسارة» الموهومة شماعة تعلق عليها الجماعات الإسلامية والحركات العلمانية الفشل والجمود والنكوص، إلى الحد الذي تتصالح فيه مع النظام و « المركز»، وتعتذر له عما سلف منها وتتبنى خطابه الأمني، وتسعى بلا مبرر، إلا من الذلة والخسة والمسكنة والخزي، لإثبات حسن النية والتغني بالحكمة والتعقل على طريقتها.
هكذا لم تظهر القيادات ولن تظهر. لأنها غير موجودة تاريخيا. ولأن بنية النظام السياسي وخصائصه لا يمكن أن تسمح بظهورها. ولأن النظام السياسي لم يلتزم بترقية أي قطاع في الدولة أو في المجتمع بقدر ما التزم بسياسات « المركز»، المطالبة، على الدوام، بضرورة الحفاظ على « الأمن والاستقرار»، عبر كبت الحريات، ومحاصرة الأحزاب، ومنع الجمعيات، وقتل المبادرات، واحتواء القيادات الناشئة، أو استمالتها، وتدجينها، أو خداعها، أو إغرائها، أو حتى تصفية العناصر الفاعلة فيها، قتلا أو اعتقالا أو مطاردة ونفيا وتشريدا، أو بتهميش كل الشخصيات الاجتماعية سواء كانت سياسية أو دينية أو علمية أو ثقافية أو وطنية، إلى حد التخلص منها وقتلها، إذا تطلب الأمر، أو تقييد حريتها وحركتها وتواصلها مع الأمة، تحت طائلة التهديد بالسجن، أو فرض الإقامة الجبرية عليها، أو منعها من اعتلاء المنابر العامة، أو بأية وسيلة أخرى، ليس أولها قطع الأرزاق، ولا آخرها الإسقاط والتشويه، وامتهان الكرامات، وصولا إلى « الضرب في سويداء القلب»، على حد تعبير زكي بدر، وزير الداخلية المصري الأسبق. وفي المقابل ثمة قيادات ورموز، على كافة المستويات، تمت صناعتها، أو إعادة إنتاجها، وتقديمها للأمة من العدم، تماما[1]، كما يجري تصنيع أية سلعة استهلاكية أو إعادة تدوير النافق منها.

3) محاربة الدين
ولو تأملنا قليلا في رحاب« سايكس - بيكو» لتأكد لنا أن أحد أكبر الطوام التي حلت بالأمة كانت من نصيب الدين. فمن جهة أولى منعت الأمة من أن تُحكم بشريعتها، تحت طائلة التدخل العسكري المباشر، سواء من منظومة « المركز»، كما حصل في أفغانستان والصومال، أو من منظومة « الاستبداد المحلي»، كما حصل في الجزائر والسودان، أو من القوى الحليفة لهما، سواء كانت لبرالية وعلمانية، أو حتى إسلامية وجهادية، كما حصل في العراق والصومال أيضا!!
ومن جهة ثانية فقد لجأ الحاكم إلى فرض الرقابة الصارمة على النشاط الديني والدعوي والمعرفي، وحتى على العلماء الذين استحوذ عليهم بتقريبه لهم أو معاقبتهم بالسجن أو التشريد أو الإعدام. وعمد إلى تأهيل دعاة ومشايخ وعلماء في كليات ومعاهد الشريعة، وانشأ ما يمكن تسميته عرفا بـ طبقة «الكهنوت» الخاصة بالنظام، والتي شملت فِرَقا وجماعات ورموز دينية، اتخذت من الدفاع عن الحاكم الموضوع العقدي الأبرز لديها.
ومن جهة ثالثة استعمل النظام[2] الدين أداة في تشريع « سايكس - بيكو» دولةً ومؤسسات، ونظما وتشريعات، وسياسات وتحالفات. وعمل على تطويع النص الديني بما يلبي احتياجات الحاكم ومن ورائه النظام السياسي، وفي نفس الوقت محاربة الدين وإبعاده عن شؤون الدنيا بقدر المستطاع.
ومن جهة رابعة برزت جماعات إسلامية وشرائح من العلماء، بنظر العامة، غير معنية بما يحل في الأمة من نوازل، فضلا عن ظهور تيار تحريفي للدين، وآخر تلزمه المصالح والسياسات والمداهنات والمجاملات أكثر مما تلزمه العقيدة في كثير من الأحايين، الأمر الذي أظهر الدين، نصا وتأويلا، كما لو أنه خاص بـ « سايكس - بيكو» دون سواها[3].
أول اختبار جدي للعلماء، وتوظيف النظام السياسي للدين، على مستوى الأمة، جاء بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 ، ففي خضمها وبعدها، كان « الاختبار الرقمي» الأول، حين انقسم النظام السياسي العربي شر انقسام. ومعه انقسمت المجتمعات، وانقسم المفكرون والمحللون والصحافيون والعلماء، وانقسم الحجر والشجر، وصارت المواقف والسياسات العربية تتمايز على قاعدة: «من ليس معنا ضد صدام حسين فهو ضدنا»! فانتهت الحرب بتحطيم العراق والأمة، واستمر الحصار وطال. لكن المواقف صارت تتجه نحو المصالحة ومحاصرة العراق وصدام.
فجأة، ودون مقدمات، وقعت هجمات 11 سبتمبر على أبراج مانهاتن في نيويورك، فوجدنا أنفسنا وجها لوجه مع « الاختبار الرقمي» إياه، لكن هذه المرة، على لسان الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، في مقالته الشهيرة: «من ليس معنا فهو ضدنا»! مقالة كشفت عن توحش « المركز» بقيادة الولايات المتحدة، وكانت النتيجة أنه ما من دولة عربية إلا واستهلكها الخوف من المقالة الأمريكية، فشرعت كلها، وعلى غير هدى، في التعبير عن استعدادها للاستجابة للمطالب الأمريكية. ولم تدرك أن العبارة تسببت بنزع آخر ما تبقى لها من مشروعية.
المشكلة الأعوص أن النظام السياسي العربي صار، مع الوقت، مثل الأمريكيين، يستثمر في « الحرب على الإرهاب». فتولدت، حتى لدى العامة، قناعة بأن النظام خسر كل مشروعية، ولم تعد له أية مشروعية إلا في موالاة الولايات المتحدة،
والاقتراب من « إسرائيل»، وحتى من «الحركة الصهيونية» و «اليهودية العالمية». وبدلا من التأني، وحفظ بعض ماء الوجه، أو المناورة السياسية، كما فعل الأتراك حين احتلال العراق، ألقت النظم السياسية، طوعا أو كرها، بكل ما لديها، من أوراق، في السلة الأمريكية، وتوحشت، حتى النخاع، بصورة غير مسبوقة في تاريخها.
ولأن الولايات المتحدة، والنظم السياسية، باتت تواجه خصما عقديا؛ فقد دفعت النظم بالعلماء إلى الواجهة، لكن بصورة أسوأ من ذي قبل. فالبعض منهم انزوى، والكثير منهم ازدحمت بهم السجون، وكثير منهم صمتوا، ومنهم من سقط في قاع المطالب الأمريكية. وصرنا نسمع فتاوى فيها من العجب العجاب ما تشمئز منه النفوس والعقول. وأسوأهم تلك الفئة الموصوفة تاريخيا بـ «وعاظ السلاطين». فهؤلاء قدموا « طاعة ولي الأمر» على «طاعة الله» و «رسوله»، أيا كانت الأسباب والظروف والسياسات. بل أننا نراقب منذ زمن وجود علماء شرعيون، لا يشتمل قاموسهم العقدي والشرعي إلا على مصطلحات، مبتورة ومشوهة وفاقدة لأية أسانيد شرعية صحيحة، خاصة لما يتحدثون عن الفتنة والإجرام والخراب وسفك الدماء وحرمة الخروج على ولي الأمر، حتى لو كانت الشعوب هي من خرجت على الولاية .. بينما يطبقون صمتا، وكأنهم في غيابات الجب، لما يتعلق الأمر بالتصدي للاختراقات العقدية، وحتى الخروج عن الدين والشريعة والأمة، ولا يدخرون جهدا في إجهاض أي مساس بالنظام. ولا ريب أن مواقف بعضهم تصب، دون مواربة أو خجل، في أطروحة « المركز» المهيمن على الأمة[4].
مثل هذه المواقف، التي يعتقدون أنها تحصن النظام السياسي، أو تحقن الدماء المعصومة، هي في الواقع تسقطهم من حسابات الأمة نهائيا، وتعجل بتهديد مصير النظام. فهي فتاوى لا فائدة منها إلا صب الزيت على نار مستعرة. والأسوأ أنه صار لكل مسلم شيخه، والسؤال الطبيعي: من هم، إذن، مشايخ الأمة وعلماؤها؟ وهل يمكن الحديث عن علماء أمة إذا كان الموقف من الشيخ أو العالم يتحدد في ضوء الموقف السياسي بدلا من الموقف الشرعي؟ وحين تشعر الأمة وحتى أفرادها أنه لم يعد لها أية مرجعية يمكن الركون إليها أو الوثوق بها أو التظلم عندها أو التعبير عن طموحاتها أو النظر في احتياجاتها، حتى لدى العلماء الذين هم من المفترض أن يكونوا بمثابة الدرع الحصين للأمة؛ فهل من العجيب أن يأخذ العامة أمرهم بيدهم!!؟

4) منع الرقابة الاجتماعية
من هو الذي يراقب الدولة والمجتمع إذا كان« الأمن» في الدول العربية هو المؤسسة الأشد فاعلية وتأثيرا في شتى مناحي الحياة في الداخل والخارج؟
فـ « الأمن» صمم كمؤسسة لا هدف لها، ماضيا وحاضرا، إلا المحافظة على النظام السياسي القائم، بغض النظر عمن يحكم البلاد!!! لذا فما من عائق شرعي أو دستوري أو قانوني أو عرفي أو اجتماعي يمكن أن يحد، فعليا، من نفوذ الأجهزة الأمنية وصلاحياتها. فهي خارج المراقبة، وفوق المساءلة، وصاحبة القول الفصل. ولأنها أشد بطشا من الجيش، الذي أثبتت التجارب أن أقواها أضعف من أن ينتصر في حرب مع عدو، فقد استحقت دولة « سايكس - بيكو»، عن جدارة، لقب « دولة الطغيان الأمني ».
وقد ثبت بالقطع؛ أن تحرير الدولة من أية مراقبة محلية، وتنزيه الحاكم عن أية مساءلة، هو أحد ركائز « سايكس - بيكو». وهذه الوضعية تتماثل فيها الدول العربية مع بعض الفوارق. إذ لا وجود لمجتمع مدني فاعل. وكمثال على غياب الرقابة؛ يكفي الاستدلال بعدد المنظمات غير الحكومية المرخصة للعمل بين الدولة اليهودية التي يتواجد فيها 40 ألف منظمة، والعالم العربي، الذي لا يزيد عدد مؤسسات الرقابة فيه عن2500 مؤسسة. ولا ريب أن مثل هذا المؤشر يكشف بشكل مريع عن كون الدول العربية أشبه بالمشاع بالنسبة للنظم الحاكمة. إذ ما من شيء خاضع للرقابة أو المساءلة. وما من قيمة للمجتمع أو الشعب. والأسوأ من هذا؛ ارتباط الغالبية الساحقة، من مؤسسات الرقابة، بجهات تمويل أجنبية، تتحكم في برامجها وتوجهاتها، أو بالنظم الأمنية للدولة، الأمر الذي يفقدها فاعلية الرقابة. بل أن المؤسسات النقابية في الكثير من الدول صارت بالنسبة لها مصدرا للجباية.


[1] راجع، كنماذج، الثلاثية الطريفة للكاتب المصري صلاح الإمام: فك طلاسم الثورة المضادة، 20، 29/6 و 5/7/2011 على التوالي، جريدة المصريون: (1)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=65714. و (2)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67154. و (3)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67965.

[2]من أشهرها المدخلية والجاميةالتي اشتهرت لدى خصومها بجماعاتالدفاع عن« ولي الأمر».

[3] للاطلاع على نماذج من عجائب فتاوى العلماء وتباينها مع سلوك العلماء أنفسهم تجاه الحكام، في سلسلة الدورة التاريخية، لدى: د. أكرم حجازي: الإسلام و« طبيخ النَّوَرْ» (1) و مناقشات منهجية لفتاوى طارئة (2)، على موقع المراقب:http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-235.htm.

[4]كنموذج للقراءات النقدية، التي بدأت تتكشف بعد اندلاع الثورات العربية، يمكن مراجعة كتابات عبد الرحمن جميعان، المنسق العام لمنتدى المفكرين المسلمين، حول الحالة الكويتية، مثل: السلفيون وصكوك الغفران، 21/11/2011، موقع المنتدى:http://almoslimon.com/main/viewarticle.php?id=66 ، وكذلك مقالة أحمد مولانا، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية المصرية، احتواء السلفيين ... واستلاب العقول، 18/11/2011، موقع ثورة 25 يناير- القيادة الشعبية الميدانية للثورةhttp://fieldleadership.allahmontada.com/t338-topic#444، وكذلك مقالة محمد إلهامي: فقه التولي يوم الزحف، 17/11/2011، على مدونة الكاتب: http://melhamy.blogspot.com/2011/11/blog-post_17.html .

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:05 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
1) تخريب الوعي والمعرفة
تعميم « سايكس - بيكو»، كما لو أنها منظومة ثقافية أصيلة ومقدسة رغم كونها منتجا استعماريا غربيا، أحدث دمارا واسعا في العالم الإسلامي. والعجيب أن هذه الثقافة، التي أمست نمط حياة، ولدت منذ اللحظة التي حلت بها القوى الغربية في ديار المسلمين. والأعجب أن حركات التحرر العربية كانت أول من عمل بها، ودافع عنها دفاعا مستميتا، حين تبنت مخرجات « سايكس - بيكو»، ورفعت أعلام الاستقلال وشعاراته الوطنية، واحتفلت بأعياد الجلاء!!! وكأن القوى الاستعمارية الغازية تمنت أكثر من هذه الشعارات والنتائج!!! ومع الوقت صارت كل الوسائل والأدوات العلمية والمناهج ونظم التأهيل والتعليم والنشر والمعرفة والإعلام والاتصال والتواصل، في الدول العربية، تصاغ بموجب ما تقبله « سايكس - بيكو» أو ترفضه. لذا فليس من العجيب أن تخضع الأمة لتزوير في تاريخها، أو تضليل، أو تجهيل، أو إخفاء للمعلومات، أو حرمان منها، أو احتجاز لتقدمها، أو مصادرة لأية انطلاقة علمية أو معرفية.
والحقيقة أن كل التشكيلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الراديكالية والدينية، نمت وترعرعت في رحاب ثقافة « سايكس - بيكو»، وعملت بموجب أدواتها وآليات اشتغالها!!! ودافعت عن اختياراتها دفاعا مستميتا. وقبلت التفاعل مع أطروحاتها وإفرازاتها الثقافية والسياسية والعقدية كما لو أنها أصيلة المنشأ!!! ومع أنها منظومة تفكيك استعمارية تاريخية حطمت العالم الإسلامي، وأنزلت به عظائم البلايا، إلا أن هذه القوى برزت في الدعوة إلى «الوحدة العربية» أو « الوحدة الإسلامية»، مستعملةً ذات المفاهيم والآليات والمؤسسات التي أفرزتها!!! والأكيد أن مثل هذه القوى، حتى وإنْ ناهضت النظام السياسي، إلا أنها، في المحصلة، كانت ولمّا تزل أحد منتجات ذات المنظومة التفكيكية، فضلا عن كونها قدمت المشروعية اللازمة لها ولـ « المركز» على السواء.
والأطرف من ذلك؛ أن الدولة ذاتها لم يخل خطابها السياسي من التأكيد الدائم على « الوحدة الوطنية»، لاسيما وأنها دولة قابلة للتفكك، مثلما أن المجتمع ذاته لم يخل من القابلية للانقسام في كل حين. فكيف يمكن الدعوة إلى «الوحدة العربية»، ناهيك عن إنجازها، بينما الدولة والمجتمع مرشحان للانقسام أكثر من التوحد!!!!؟[1] وهل يمكن بعد هذا أن يكون حظ الدعوة إلى « الوحدة الإسلامية» أوفر!!!!؟

2) العلاقات الاجتماعية
« الأخوة الإسلامية» كانت أساس العلاقات بين الشعوب الإسلامية، العربية والأعجمية. أما أهل الذمة فقد حفظ الإسلام حقوقهم كاملة دون أن يمسهم أحد بسوء، طوال عصور التاريخ الإسلامي. لكن بعد الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي استبدلت المفاهيم وأسس التعايش بمفاهيم « الأخوة العربية»[2] و« أخوة الوطن». فقد نجحت « سايكس - بيكو»، عبر التعليم والثقافة ووسائل الإعلام والسياسات الأمنية، بضرب كل علاقات الترابط الفطرية، التي كانت تميز العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها. وتبعا لذلك بدت المجتمعات العربية قابلة لـ « الانقسام»، فظهرت « انقسامات» اجتماعية وعنصرية، ساخرة وصراعية، فيما بين الشعوب، على أساس العمق الحضاري، أو الخصائص الثقافية، أو دخل الفرد، أو المكانة الاقتصادية، أو العلمية، أو حتى مستوى التحضر، أو الانتفاع من النظام القائم، أو قوة الدولة وضعفها، أو الانتماء المذهبي، والسياسي، والأيديولوجي. وتعرضت المجتمعات لـ « انقسامات»: « جهوية» و« مناطقية» و« قبلية» و« عرقية» و« طائفية». بل أن « الانقسام»، في صلب دولة « سايكس - بيكو»، وصل إلى حدود المكانة والمصلحة، فنادى البعض بـ « الأردن أولا» أو « مصر أولا» أو « الجزائر أولا»!!! ومع انتشار وسائل الاتصال الرقمية صرنا نقرأ طنطنة من نوع « قطري وأفتخر» أو « كويتي وأفتخر» أو « عراقي وأفتخر» ... وهكذا لم تعد « مكة أولا» ولا « القدس ثانيا»!!!
بطيعة الحال ثمة فروق جوهرية بين الحديث عن « التمايز»، كمصطلح شرعي، والحديث عن« الانقسام» كمصطلح اجتماعي. فـ « الانقسام» يقع على خلفية البحث عن المكاسب والمصالح الدنيوية، الخالية من تحمل أية تكاليف شرعية، بل أن التكاليف يجري حسابها بموجب معايير الربح والخسارة. وبخلاف « التمايز»، الذي تفرضه المحن، فإن المواقف الفاصلة لا يمكن أن يجري احتسابها إلا بموجب الأحكام الشرعية، التي تجعل ثمن المواقف باهظة التكاليف*.

إذن الدول العربية، وكذا الأنظمة السياسية هي محصلة لمعاهدات استعمارية صريحة، حتى لو كانت بعض النظم أو الدول ذات شرعية تاريخية أو عمق حضاري. قد لا نستطيع القول، طبقا للنظام الدولي القائم، أن الدولة العربية بالصيغة الراهنة غير شرعية مثلها مثل النظام السياسي الحاكم فيها، لاسيما وأن الدول تحولت إلى نمط حياة غير قابل للطعن على أي مستوى. لكن هل يصح القول بشرعية: (1) الاستبداد والطغيان أو (2) بشرعية الهيمنة والتبعية المضروبة على العالم الإسلامي، وفي القلب منه العالم العربي؟ وهل يمكن أن يستمر هذا الحال إلى أمد غير منظور؟[3]إذا كان الجواب بالنفي؛ فما هي المنجزات التي حققتها الثورات العربية وهي تبلغ عامها الأول؟
القسم الثالث
الثــــــــــــورة
و ديناميات الفعل الثوري


من الواضح أن البشرية تسير في طريق شبه مسدود. فلم يعد ثمة أمل ولا طموح. و« الرأسمالية» لا تريد أن تعيش ولا تدع الناس يعيشون. أما نظم « سايكس - بيكو» فلم تترك للناس إلا معادلة عقيمة لا تَفاضُل فيها إلا ما بين: « الحكم أو الحرب». مع ذلك؛ ثمة من ساورته الشكوك بأن الولايات المتحدة هي من وقف خلف هذه الثورات، مستدلا بأطروحة « الفوضى الخلاقة» التي روج لها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد بعد احتلال العراق في 10/4/2003. والحقيقة أن أول من روج لهذه الشكوك، وعمل على زرعها في عقول الكثير من الشرائح، هم المستشرقون الروس. أما تعبير «الفوضى الخلاقة» فقد استعمله « المركز» ليكون بديلا عن تعبير «المؤامرة» .. ذلك المصطلح الأيديولوجي الذي أوجدته المنظومة الاشتراكية، واستهلكته القوى الوطنية الراديكالية، ذات النزعات الأيديولوجية الوضعية، حين كانت تفسر عجزها عن قراءة الأحداث بوجود «مؤامرة»، وهذا نسبيا صحيح. لكن غالبا ما جرى استعمال المصطلح في التغطية على الاغتيالات، والصراعات البينية، وتصفية الحسابات، ولو على سهرة مجون أو قمار، حتى إذا ما تصالح القوم، أو حسمت الصراعات لصالح طرف، كان الثمن مجرد بيان يحمِّل العدو و « المتآمرين» مسؤولية ضرب « الوحدة الوطنية»!!!
لا شك أن شهادة كونداليزا رايس أمام الكونغرس، عشية اختيارها وزيرة للخارجية -2004، صحيحة في حينه، لما أجابت على سؤال يتعلق بأفكارها حول مستقبل الشرق الأوسط، بالقول أنها ستعمل على استبدال النظم المستهلكة. وصحيح أن الأمريكيين قاموا بتدريب مجموعات على وسائل معارضة النظم أو كيفية تنظيم المظاهرات، وصحيح أنهم مولوا بعض القوى. لكن من يجزم بأن أمريكا امتلكت تصورا شاملا، وبهذه السرعة التي تمكنها من إنجاز مثل هذا المشروع؟ وإذا تجرأ البعض على اعتبار ملايين الوثائق المسربة إلى موقع «ويكيليكس»، هي أحد الأدوات الناجحة في إشاعة «الفوضى الخلاقة»؛ فهل ثمة من يغامر بالقول أن الاحتجاجات التي تجتاح عواصم « المركز»، ومئات المدن، وتخترق قارات العالم، هي الابنة الشرعية لـ «الفوضى الخلاقة»؟
الحقيقة أن أحدا لم يعد يجرؤ على مجرد إثارة الأمر، لا من الروس ولا من الديماغوجيين، الذين برعوا في احتجاز عقولهم في أيديولوجيات القرون الأولى ولم يعودا قادرين على الانفكاك منها. أما الثورات العربية، فقد صارت ثقافة لها ديناميات فعالة. لذا فإن الوقوف على ما حققته وما ينتظرها من مهمات أولى من الدخول في مقارعات لا جدوى من ورائها إلا إضاعة الوقت والجهد.

1) تضرُّر حاجز الخوف
لا ريب أن أول التعليقات على نتائج اندلاع الثورات العربية كانت، وما زالت، تركز على ما يسمى بـ « انكسار حاجز الخوف». وبحسب مصطلحات علم النفس فإن الخوف سمة نفسية تتملك الفرد لأكثر من سبب، وتحتاج إلى وقتوعلاج للتخلص منها. لكن حين يغدو الخوف سلوكا جماعيا[4] فمن الطبيعي أن يجري البحث عن الأسباب الاجتماعية،وليس الفردية لتفسيره كظاهرة اجتماعية. ولعل الانطلاق من هذه الفرضية يحيلنا مباشرة إلى البحث في العلاقة الاجتماعية ذات الصلة، وهي علاقة المواطن بالدولة، بوصفها علاقة نفعية في المرحلة الأولى، ما لبثت أن تحولت، مع مرور الوقت، إلى علاقة خصومة، عززتها سياسات دولية، قدمت الشرعية والرعاية والحماية للاستبداد ورموزه.
فمن المفترض أن تكون الحقوق والواجبات، وليس الولاء، هي المعادلة التي تشكل إجمالي العلاقة ما بين المواطن والدولة، وفق ضمانات قانونية ملزمة وعادلة، بحيث تحقق للجانبين مصالحهما المشتركة والمصيرية. أما واقع الأمر فيثبت أن الدولة والنظام السياسي باتا يحملان معنى واحدا يقوم على القوة والبطش، مقابل إضعاف المواطن بشتى الوسائل. وحين يبدأ الاستبداد والطغيان يتبلوران؛ فالذي يحدث ليس سوى استنزافا تدريجيا لرصيد الفرد من القوة لصالح رصيد القوة لدى النظام. وبطبيعة الحال فالنتيجة المتوقعة هي الاختلال الحتمي لمعادلة القوة ما بين الطرفين. وكلما استعص على الفرد حماية حقوقه أمام تعاظم قوة النظام، كلما ضعفت قوته، وتسرب إليه الخوف من البطش مفسحا المجال لنمو ما يسمى بـ «حاجز الخوف»، الذي يصعب اختراقه إلا بعمل جماعي.
هذا الحاجز يتشكل بسلاسة عجيبة. وفي المرحلة الأولى منه، يبدأ باستنزاف الفرد من عناصر القوة، ثم يدفعه، بوسائل عديدة، إلى الاعتراف والتسليم بكون الحقوق التي يطالب بها صارت حقوق النظام وليست حقوقه، والدستور دستوره، والقوانين قوانينه، والمحاكم محاكمه، والأمن أمنه، والاستقرار استقراره، والحرية حريته، والثروات ثرواته، والامتيازات امتيازاته، والاستثمار استثماره، والتجارة تجارته، والاقتصاد اقتصاده، والفرص فرصه، والتعليم تعليمه، والثقافة ثقافته، والدين دينه. ولا شك أن تعاظم قوة النظام ستؤدي، في المقابل، إلى تفاقم ضعف الفرد لأدنى مستوى، بحيث يخشى من أية مواجهة غير محمودة العواقب ... لكن في المرحلة الثانية، يحدث الاصطدام، بعد أن يكون النظام قد نجح في تجريد الفرد من أية عناصر قابلة للاستنزاف. وهنا يحدث انكشاف بين الجانبين: استبداد النظام واستئثاره بعناصر القوة كاملة، وطغيانه في شتى مناحي الحياة، دون أن ينتبه إلى خواء ما بات يعتبره خصما، وفي المقابل استهلاك الفرد لعناصر القوة، وهوانه على النظام، إلى الدرجة التي لم يعد لديه ما يعطيه، بحيث يصعب دفع الطغيان إلا بالثورة عليه.
ولما تغيب المرجعيات الضابطة للعلاقة، فمن الطبيعي أن ينفلت النظام، ويتحرر من أية قيود، بحيث تتعمق النتائج الكارثية في صورة ضعف لقوة الدولة، التي تبدأ بالاستجابة للمطامع، وانقلاب في السياسات، بما يتواءم مع المصالح والأهواء، على حساب كل فضيلة وقيمة، بما في ذلك الدين والمصير والدماء والأعراض والأموال.
وضعية يمكن ملاحظة تجلياتها في مصر، مثلا، عبر استهداف النظام السياسي والأمني والطائفي لحقوق المسلمين وعقيدتهم
وكرامتهم، وانفلات أمني أدى إلى قتل المواطنين في مراكز الشرطة، وانحدار أخلاقي اعتدي فيه على أعراض النساء في قلب المدن والساحات العامة والشوارع.
في اليمن ضرب الفساد المجتمع والدولة حتى لم تخل منه فئة عمرية. أما في تونس فقد اتجه النظام السياسي إلى صب جام غضبه على الدين والمصلين، فضلا عن استغراقه في النهب المنظم والبطش الأمني اللامحدود. وفي ليبيا اختفت المؤسسات إلا من القذافي وعائلته، الذي اختزل التاريخ والحاضر والمستقبل بشخصه، واحتكر العلم والمعرفة والثقافة والوعظ والإرشاد والثروة، واستخف بأمة كاملة، وفرض عليها التجهيل فرضا. أما في سوريا فقد انتصب النظام قائدا للدولة والمجتمع، مستعملا أعتى منظومة أمنية دموية، نجحت في توطين الرعب بين الناس، حتى لامست شغاف قلوب الأطفال. وفي السعودية زجت السلطات بعشرات الآلاف من العلماء وطلبة العلم والمشايخ والمعارضين في السجون، وسط منظومة أمنية وقضائية استبدادية، لا عقل فيها ولا شرع.
هذه النماذج للاستبداد والطغيان شائعة في شتى البلاد العربية، ولا تختلف، مدخلاتها ومخرجاتها، إلا باختلاف هوية النظام المستبد، وما يستعمله من أدوات ومناهج استبدادية، كضمانة لاستمراره في الحكم، لكنها لا تختلف قطعا في نتائج الاستبداد، وإلا ما كانت الثورات لتندلع في دول تتباين تركيبتها الاجتماعية وتاريخيتها، وبعض التمايزات الثقافية. ففي مصر كان الغضب والقهر مبعث الثورة، لشعب أهدرت حقوقه وكرامته ودماءه، وانتهكت عراقته وإمكانياته الهائلة، وفي تونس كانت الهوية والعقيدة والكرامة المهدورة لهيبا للثورة، وفي ليبيا كان الاستخفاف والتجهيل، بحق شعب لم يبخل على نفسه ولا على أمته، حتى كاد ينقرض لكثرة ما فقد من الدماء في ساحات الجهاد، وفي سوريا كان الرعب الأمني والامتياز الطائفي من نصيب أمة هي خير أجناد الأرض، وملاذ المؤمنين من الفتن، وفي اليمن، أرض المدد والنصرة، كان الفساد العظيم يضرب البلاد السعيدة، حتى يكاد الناس فيها لا يجدون ما يسد رمق أطفالهم. كل هذه الأسباب استعملت بدرجات متفاوتة في كافة النظم السياسية العربية، لكن أحدها تمايز في هذه الدولة عن تلك.
لو قرأنا خوف المواطن، في مستوى نمط الحياة، لوجدناه يشعر، ظاهريا وفي أعماقه، باستضعاف شامل، يساوي في المقدار ذاك الذي يشعر فيه النظام بطغيان شامل. وفي المحصلة فإن كلا الطرفين ضعيفين وعاجزين. فلا الدولة قادرة على حماية مواطنيها، ولا النظام السياسي يأبه لكرامته حتى يأبه للدولة أو لمواطنيه. فكيف يمكن لهكذا نظم أن تستمر؟ وأية علاقة يمكن ترميمها بعد أن صار المواطن والنظام وجها لوجه في تصادم حتمي؟
إلى هنا ينبغي القول:
(1) إن «حاجز الخوف» ليس مجرد بنية نفسية منفصلة عن تفاعلات العلاقة مع البنية الاجتماعية. بمعنى أن الأسباب النفسية وحدها لا تفسر الحدث الثوري إلا في علاقتها بالأسباب الاجتماعية. فما تعرض له الفرد من تجريد لعناصر القوة هو ذاته الذي تعرضت له المؤسسات السياسية والاجتماعية والنخب وغيرها من القوى الاجتماعية والاقتصادية.
(2) كما أن مكونات «حاجز الخوف» لا يصح النظر إليها من زاوية استبداد المنظومة المحلية بمعزل عن النظر في الدور الحاسم لعناصر القوة، التي تمثلها منظومة الهيمنة الدولية. وهذا يعني أن الحديث عن «انكسار الحاجز » أمر سابق لأوانه.

[1] لاحظ ما قاله المفكر المغربي عبد الله العروي، من أن: التأكيد الدائم على الوحدة الوطنية دليل دائم على ضعف الدولة.راجع: « مفهوم الدولة». المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – بيروت، الطبعة السابعة، 2002.

[2]لعل « الأخوة العربية» أحد أطرف التعبيرات التي أنتجتها منظومة « سايكس - بيكو»!! فالمعروف عن العرب قبل الإسلام أنهم كانوا قبائل متصارعة فيما بينها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتعبير« أخوة الوطن»!! الذي لم يرد له ذكر في كتب التراث الإسلامي ولا في كتب التاريخ!!!

*يمكن ملاحظة لحظات التمايزالحاسمة في مواقف الجنود المنشقين في بداية الثورة السورية. فقد كانت قيادات الجيش السوري الطائفية تقوم بـ (1) عزلهم عن وسائل الإعلام، ثم (2) تعبئتهم حول وجود مندسين و عصابات يقتلون الناس، ومن ثم (3) الزج بهم في قلب الاحتجاجات الشعبية، وأخيرا (4) إصدار أوامر لهم بإطلاق النار على المحتجين. ولأن الموقف كان مفاجئا لهم فقد كانوا يمتنعون عن تنفيذ الأوامر متسائلين باستهجان: لكن هؤلاء مدنيون وليسوا عصابات!!!!؟ ولا ريب أن مثل هذا الموقف يعكس لحظة المحنة الأشد التي لا مفر معها إلا الانقسام ، سهل التكاليف، أو التمايز، أي بدفع الثمن من الحياة. لذا فقد تعرض الكثير منهم للقتل بسبب إصرارهم على رفض تنفيذ الأوامر.

[3]في أعقاب فوزه بولاية ثانية سئل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان عن رؤيته لمستقبل الشرق الأوسط فكان رده طريفا وصريحا حين قال: هذه المنطقة وقعت تحت النفوذ الغربي سابقا ويجب أن تظل كذلك في المستقبل!!!

[4]ثمة نظرية اجتماعية لعالم الاجتماع الفرنسي ريمون بودون تعرف باسم « الفردوية المنهجية = individualism » ترى أن الأفراد هم أصل الظاهرة الاجتماعية. وتقول النظرية: « إن تفسير ظاهرة معينة يعني وجوب الأخذ ينظر الاعتبار أنها دائما نتيجة للأفعال الفردية، وأن هذه الأفعال هي المواقف والآراء والسلوكات».

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:07 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
2) تجاوز الأيديولوجيات
كل ما أفرزته « سايكس - بيكو» هو جزء بنيوي منها. ينطبق هذا التوصيف، بحسب النص، على المؤسسات والجمعيات والمنظمات، الحكومية وغير الحكومية، وعلى الجماعات والأحزاب والحركات، والفلسفات الوضعية وكافة الأيديولوجيات، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى. كلها وليدة منظومة التفكيك إياها .. وكلها عملت، ولا تزال تعمل، بنفس الأدوات والآليات التي تعمل بها النظم السياسية الحاكمة إنْ لم يكن أسوأ .. وكلها أيضا مارست الاستبداد والقهر، واستوطن فيها الفساد والمحسوبية .. ولما تكون مدخلاتها السياسية والأيديولوجية والثقافية والقيمية من طينة « سايكس - بيكو» فليس من المفاجئ أن تنشأ قوى راديكالية، تنتهي إلى التدجين أو الاحتواء أو التحالف مع النظم أو حتى العمالة، وقوى أخرى انكفأت على نفسها أو زالت، وقوى غيرت من منطلقاتها أو ارتدت عنها، وقوى دخلت في مداهنات مع النظام بدعوى السلمية والمحافظة على الذات وحقن الدماء، وقوى خذلت الأمة، وقوى استبد بها النظام، فكان مصيرها التشريد والاعتقال والقتل، وتعطيل كل فاعلية لها في مواطنها. وثمة قوى صارت تدافع، علانية، عن « سايكس - بيكو» أو توالي الغرب أو تناصر حتى « إسرائيل»، وقوى ظاهرها غير باطنها، وقوى صورية، وقوى ملحدة، وأخرى معادية للدين، ومثلها قوى تحريفية، وقوى فاشية، ودموية. وثمة أيضا شخصيات ورموز توصف بالوطنية، سواء كانت إسلامية حركية أو دعوية أو اجتماعية أو علمانية أو لبرالية أو اشتراكية أو قومية أو عنصرية ... وفي المحصلة ثمة قائمة طويلة من العبث، لا حدود لها، ولا ضابط لعملها، ولا رابط يجمعها إلا « سايكس - بيكو» !!! ولا يستثنى من هؤلاء إلا من حسنت منطلقاته وصدقت نوايا البعض منه.
في عهد هؤلاء احتلت « إسرائيل» ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء وأجزاء من الأردن، وغزت لبنان، وتمسكت ببعض أراضيه حتى الآن. وفي عهد هؤلاء أيضا سقط العراق وأفغانستان، وتفككت الصومال، وذبح الصرب أهل البوسنة والهرسك، ومزق الروس الشيشان، وظلت تركستان الشرقية تحت التهديد الصيني، وانتزع الغرب إقليم سومطرة من إندونيسيا المسلمة. هؤلاء هم الذين عقدوا التحالفات مع نظم سموها تارة بـ « جبهة الصمود والتصدي» وتارة بـ « محور الممانعة»، وهي النظم التي دمرت الحركة الوطنية العربية، وزجت بمنظمة التحرير الفلسطينية في صلح مع اليهود، حتى صرنا نترقب موعد سقوط المسجد الأقصى، وهي التي أثبتت الثورات أنها أشد النظم فتكا بشعوبها، وأحرصها على حماية « إسرائيل». كثير من هؤلاء صار أسيرا لأفكاره ومعتقداته وأيديولوجياته ومصالحه وهواه. كل هؤلاء لم يشاركوا في الثورات بقدر ما امتطوها دفاعا عن مصالحهم أو إحباطا لها أو إدانة لها!!!
لذا فإن أحد أبرز التغيرات التي أحدثتها الثورات الشعبية أنها تجاوزت كل الأيديولوجيات السابقة وتشكيلاتها السياسية والحركية. أما إنْ كان من تفسير لهذا الخروج الشعبي، بهذه الصيغة، فربما يكمن في مشاعر الإحباط من هذه القوى التي عجزت عمليا، أو فشلت نظريا، في قدرتها على إحداث أي فارق إلا في مستوى تفاقم الاستبداد والطغيان والتراجع الحضاري الشامل للأمة. فلا هي استطاعت أن تحمي نفسها، ولا هي نجحت في انتزاع حقوقها، ناهيك عن حقوق الناس، ولا كان بمقدورها أن تقدم مخرجا من الاستبداد. فما كان من الشعوب إلا أن بادرت بنفسها لإنجاز ما عجز عنه الآخرون.
هذا التوصيف أمكن ملاحظته في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. مع الإشارة إلى أن القوى الأيديولوجية لحقت بالثورات، بعيد انطلاقتها أو نجاحها، ولم تكن صانعة لها، وأعلنت تأييدها للثورات وانحيازها لقيادة الشباب لها، كما فعلت « أحزاب اللقاء المشترك» في اليمن، وكذا زعماء القبائل. وإذا أخذنا بعين الاعتبار وقائع الثورة اليمنية، مثلا، فإن أغلب القوى الشعبية حمَّلت « أحزاب اللقاء المشترك» مسؤولية الجمود الذي تعاني منه الثورة. بل أن أطرف تعليق على حال الثورة اليمنية صدر عن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، في أحد خطاباته المرئية من العاصمة السعودية – الرياض، حين حذر هذه الأحزاب من سرقة ثورة الشباب[1]!!! لكن في دول أخرى كالأردن والمغرب فقد بدا أن القوى الأيديولوجية شاركت إلى حد كبير بتنظيم الاحتجاجات وحتى الدعوة إليها، إلى جانب الحراك الشعبي. وأيا يكن الأمر فإن دخول القوى السياسية على خط الثورات الشعبية غالبا ما خلف أضرارا فادحة، بالنظر إلى كون ثقافة هذه القوى عملت تاريخيا بموجب مصطلحات «سايكس - بيكو»[2] وثقافتها.

3) مطالب دينامية
ثمة من يعتقد أن القمع الوحشي للنظم تسبب برفع سقف المطالب، التي غالبا ما بدأت بمطالب محدودة يمكن السيطرة عليها واحتواءها. هذا الاعتقاد هو أحد صياغات ثقافة « سايكس - بيكو». إذ أن للعقل الجمعي حدسه الذي يتسم بعقلانية حادة، تكفي لتحديد اللحظة المناسبة لرفع الشعارين الشهيرين: « إرحل» أو « الشعب يريد إسقاط النظام». فمثل هذين الشعارين لا يمكن إحالتهما إلى رد الفعل على القمع والقتل، وكأن النظام كان بريئا فيما مضى أو غبيا في قراءة ما يستهدفه حقا من هذه الاحتجاجات.
حتى يومنا هذا فإن أميز المطالب التي رفعتها الثورات؛ ركزت على قضيتين أساسيتين، لم يسبق أن طرحتهما أية قوة سياسية، ولا في انقلابات النظم، أو في أية مواجهات شعبية سابقة، بهذا الاتساع والشمول، هما:
  • إسقاط الاستبداد
غني عن القول أن الاستبداد هنا يشمل النظام السياسي والقوى ذات الصلة به، بالإضافة إلى كل المنظومات الدستورية والقانونية والقضائية والأمنية والإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية .... ولا ريب أن الحريات العامة وتقاسم الأمن بين المجتمع والدولة وحفظ الحقوق ورد المظالم وغيرها هي مطالب تقع في القلب من الحدث الثوري.
  • استعادة الثروات
الثابت تاريخيا أن الكولونيالية الأوروبية غزت البلدان الفقيرة بذرائع شتى، وأجبرتها على الاعتراف بالغزو، تحت بند « معاهدة حماية» كما حصل في مصر وتونس سنة 1882. لكن بعد الحرب العالمية الأولى استعملت عصبة الأمم كلمة « الانتداب»، ووفقا للمادة 22 من ميثاقها فـ: «الانتداب، يشكّل رسالة حضارية مقدسة». ومهما اختلفت المسميات فالمحصلة لا تخرج عن نهب الثروات والسيطرة على الموارد والتحكم فيها. ولعل مثل هذا الأمر كان « مفهوما» آنذاك. غير أن الرحيل المباشر للقوى الاستعمارية عن مستعمراتها لم يكن ليعن بأية حال التوقف عن نهب الثروات أو الموارد. بل أن إعادة تصديرها إلى دول « المركز» لم تتوقف لحظة واحدة.
هذان المطلبان يؤشران على أن الدول والمجتمعات العربية التي سبق وأن تعرضت للاحتلال من الخارج هما اليوم محتلان من الداخل، بدليل أن الثروات ظلت تستنزف سواء بوجود القوى الاستعمارية أو بغيابها. أما النظم العربية فهي تعلم علم اليقين أنها تمارس مهامها في دول لم تتمتع بعد بأكثر من صفة « ودائع استعمارية». وهذا يعني أن النظام نفسه يفتقد إلى الأمن والأمان الذي يفتقده المواطن نفسه، مما يدفع الحكام إلى الاعتقاد بأنهم طارؤون كما هي الدولة طارئة. وبالتالي فإن أكثر الأماكن أمنا لتصدير ثرواتهم هي دول « المركز» ذاتها!!! وقد تبدو المفارقة مثيرة، لكنها في الواقع تعكس دهاء « المركز»، فيما جهد لتشييده طوال قرون ماضية، قبل أن يصل إلى هذا النظام الدولي المتوحش. هكذا لم يعد ثمة غرابة في كون ثروات الأمة مخزنة في بنوك « المركز»، دون أن يكون لنا القدرة على التحكم بها، إلا بما يبقي الأمة، قيد الاحتجاز، وتحت خط الفقر والهيمنة والتبعية.

4) النظم المستهدفة
ثمة تباينات في المواقف من الثورات العربية، يجري التعبير عنها بصيغ أيديولوجية، تجعل من بعض التقييمات شبه عقيمة في قراءة الحدث. فالذين يقولون بأن الثورات العربية صناعة أمريكية يتحصنون، كما سبق وأشرنا، بمصطلح « الفوضى الخلاقة»، ويستدلون، حقيقة، ببعض الشخصيات الشابة، ذات الصلة ببرامج تدريب أمريكية على إثارة احتجاجات شعبية أو قيادتها. ويجد أصحاب هذا الرأي كل الدعم من المستشرقين الروس. لكن الذين يصفون الثورات بـ «المؤامرة» فهم ينهلون من منطلقات أيديولوجية صرفة. ويدعمون أطروحتهم بالتدخل المسلح لصالح الثورة الليبية أو باستهداف النظم الجمهورية دون الملكية.
العيب في هذه الآراء أنها لم تحسن قراءتها للحدث الثوري. وبالتالي فهي أبعد ما تكون عن التمييز بين الثورة كـ « حدث تاريخي» غير مسبوق وبين « اعتراض الثورات» من قبل « المركز» أو « النظم» بوسائل شتى. وفق هذا التوصيف فإن كل النظم مستهدفة سواء كانت جمهورية أو ملكية أو أميرية أو سلطانية.
ورغم أنه لم يعد، منذ زمن طويل، ثمة فرق بين النظم الملكية والنظم الجمهورية، من حيث الاستئثار في الحكم وحتى توريثه، إلا أن النظم الملكية بدت حتى الآن أقل استهدافا، ليس لأنها فوق المساءلة بقدر ما تتحصن بشرعيات تاريخية ممزوجة بطابع ديني توفر لها بعض الحصانة الشكلية إلى حين، فضلا عن مشكلات دستورية تتعلق في البديل إذا ما تم رفع شعار « إسقاط النظام». إذ أن هذه المعايير لم تعد ذات شأن لدى الشعوب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار محاولات الخلخلة الجارية على قدم وساق في دول مثل الأردن والسعودية والمغرب. أما في البحرين فقد كان للاحتجاجات الشعبية وقعا بالغ الخطورة على النظام، لولا انسحاب السنة منها، بعد انكشاف أهدافها، كاحتجاجات تميزت بنزعة طائفية، تستجيب لأجندات خارجية أكثر مما عبرت عن مطالب محلية.
المهم في الأمر ملاحظة:
· أن النظم الملكية ذاتها، وفي صيغتها القائمة وتاريخيتها، وما يجري في رحابها، لم تعد بمنآى عن الاستهداف؛ ولما تغدو الحصانات المقدسة موضع استهداف اجتماعي، من العامة والخاصة، ومحط مراقبة لدى وسائل الإعلام؛ فمن الأولى التأكيد على أن النظم الجمهورية لم يعد لها أية حصانة تذكر، بما فيها تلك التي لم تتعرض بعد لاحتجاجات شعبية شاملة.
· وأن مطالبة المحتجين بـ « الملكية الدستورية» تستهدف، بالدرجة الأساس، تجريد « الإرادة الملكية» من امتيازاتها وحصاناتها ووضعها قيد المراقبة الدستورية. وهو مطلب يساوي في المحصلة شعار « إرحل»، الذي يمثل المرحلة الأولى من الثورات العربية. أو بمعنى آخر الاجتهاد في تأمين انتقال « الإرادة الملكية» إلى « الإرادة الشعبية» معبراً عنها بالدستور.

5) الانكشاف السياسي للنظم
كشفت الثورات عن علاقة النظم السياسية والكثير من الشخصيات العربية بـ « إسرائيل»، والنظر إليها كأحد خطوط الدفاع عنها في الأزمات الكبرى. ورغم أن التقارير والوثائق والأنباء تحدثت طويلا عن مثل هذه العلاقات فيما مضى إلا أنها لم تكن لتجد آذانا صاغية وسط صخب الأيديولوجيات التي مثلت مرجعيات تتحكم بتوجيه المواقف وتبرير الأحداث بما يحافظ على الولاءات من الاهتزازات. لذا فإن أغلب العلاقات واللقاءات التي تم الكشف عنها بين مسؤولين عرب على أعلى المستويات غالبا ما جرى التعامل إما بطريقة استفزازية عبر المجاهرة بها أو التجاهل أو الاستخفاف بعقول الناس أو التعتيم عليها أو بحسب ما تقتضيه الحاجة.
وبعد انطلاقة الثورات وتهديدها للنظم العربية فوجئ الكثير من المراقبين بوثائق وتقارير وتصريحات مدهشة لمسؤولين عرب نسجوا علاقات أمنية مع دوائر استخبارية أمريكية و « إسرائيلية» وأوروبية للتجسس على شعوبهم وبعضهم[3]، وآخرين من المفترض أنهم يتربعون على نظم أبت أن تقدم نفسها تاريخيا إلا بوصفها نظما ثورية معادية للامبريالية والصهيونية العالمية، ومناصرة وداعمة للمقاومة والحرية والوحدة العربية، وقسم ثالث من الشخصيات والأحزاب والتيارات اليسارية خاصة تسلقوا على الثورات ونصّبوا أنفسهم حماة لـ « إسرائيل» و « حداثيين»!!!
لكن أطرف ما في هذا السياق أن تفضح النظم الراديكالية نفسها وهي تعبر عن قلقلها على أمن « إسرائيل» إذا ما أطاحت الثورات بعروشها. هذا ما جاء على لسان العقيد الليبي معمر القذافي، ورامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والشخصية الأكثر كرها وبغضا في سوريا، وقوى يسارية في تونس كحركة التجديد وممثلات النساء الديمقراطيات، فضلا عن شخصيات أكاديمية يتقدمها محمد عربي شويخة وعبد الحميد الأرقش، وفي مصر حيث القائمة الطويلة يتصدرها حسين سالم ويوسف بطرس غالي.
فبعد ثلاثة أسابيع على انطلاقة الثورة الليبية (17/2/2011) أدلى العقيد معمر القذافي بتصريح مثير قال فيه: « إذا نجحت القاعدة في الاستيلاء على ليبيا فإن المنطقة بأسرها حتى إسرائيل ستقع فريسة للفوضى»، مشيرا إلى أن: « انهيار الاستقرار في ليبيا سينعكس على أوروبا وعلى الشرق الأوسط وما يسمّى إسرائيل»، ومؤكدا أن: « ليبيا هي صمام الأمان للاستقرار في البحر المتوسط»[4].
وفي مقابلة مع صحيفة أميركية[5] قال رامي مخلوف بصريح العبارة:«إذا لم يكن استقرار هنا في سوريا فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. ولا توجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام».
وفي 5/6/2011 تناقلت المواقع التونسية والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي معلومات بالغة الخطورة تقول، مع بعض التصرف في البيان اللغوي،:
« منذ شهر تقريبا، وخلال إحدى الجلسات التي تعقدها الهيئة لمناقشة مسودة العقد الجمهوري، اقترح أحد الأطراف المشاركة في الاجتماع أن يقع التنصيص في ديباجة العقد على بند يقول أن تونس ترفض التطبيع مع إسرائيل ما دامت فلسطين محتلة. فإذا بـ حوالي 40 عضوا من أعضاء الهيئة يرفضون مناقشة الأمر من أساسه بدعوى ابتعاد الاقتراح عن موضوع الجلسة، ثم ينضم إليهم رئيس الجلسة عياض بن عاشور ليحذف النقطة من جدول النقاش، ويطلب من العضو الذي أثار النقطة عدم تناول الموضوع في الإعلام والصحافة. وعند فحص أسماء الرافضين للنقاش تبرز أسماء:
· أعضاء التجديد الذين لم ينسوا أن حزبهم تأسس في 1920 على أيدي يهود تونسيين كانوا يرفضون حتى سنة 1944مبدأ استقلال تونس عن فرنسا بدعوى رفض الشوفينية؛
· ممثلات النساء الديمقراطيات اللواتيأرسلن وفدا إلى زوريخ ( بشرى بن حميدة) لطلب التمويل لأنشطتهن ضد الأصولية يضاف إليهن مثقفون وسياسيون قريبون من التجمع الدستوري الحاكم؛
· بارونات المال، وأكاديميون في مقدمتهممحمد عربي شويخة الذي اختير باللجنة المركزية المستقلة للانتخابات، وهو أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، سبق له أن زار إسرائيل وألقى محاضرة في جامعة بار إيلان بتل أبيب في شهر ديسمبر سنة 1999، وكذا عبد الحميد الأرقش، الذي رافق شويخة في زيارته للكيان الصهيوني».
تفاعلات مسألة التطبيع مع « إسرائيل»، لدى حركة التجديد، لم تتوقف عند هذا الخبر. إذ بلغت الجرأة حدا دفع الحبيب القزدغلي، أحد أعضاء الحركة، وأستاذ التاريخ المختص في المسألة اليهودية، إلى الإدلاء بتصريحات استفزازية نشرتها صحيفة الصباح التونسية ( 14/6/2011 ) جاء فيها:
«إن اللجنة المنبثقة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، المكلفة بصياغة العقد الجمهوري، حسمت أمرها في هذه المسألة. وأكد أن مناهضة الصهيونية ليست من ثوابت الشعب التونسي بل هي مسألة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتفاوضون من أجل حلها»[6].
من الواضح أن النماذج السابقة تتحدث عن علاقات تقليدية مع « إسرائيل» لنظم سقطت، لكن القوى الجديدة ليست بريئة أبدا من الشبهات أو الاتهامات، لاسيما في الدول التي سقطت فيها رموز النظام السابق. وحيثما حل برناد ليفي، الكاتب اليهودي الموالي لـ « إسرائيل» والحركة الصهيونية العالمية، « ضيفا»[7] على ساحات الثورات العربية، ويتم استقباله بحفاوة، فسيكون للشبهات والاتهامات ما يبررها.

[1]كلمة رئيس الجمهورية إلى مؤتمر قبائل اليمن، 16/8/2011، على اليوتيوب:
http://media.masr.me/crkR5xLEkgo&feature=player_embedded، أو المصدر أونلاين:
http://www.almasdaronline.com/index.php?page=news&news_id=22618 .

[2] لعل أطرف ردود الفعل على مدى الثقة بهذه القوى، ذلك الذي صدر عن الناشط الأردني المهندس ليث شبيلات. ففي كلمة له أمام الآلاف بمدينة الطفيلة، في وقت متأخر من ليلة 18/8/2011: دعا شبيلات قادة الحراك الشعبي الجدد إلى أن لا يثقوا بأبناء جيله من القيادات التي قال إنها: « باعتهم في الماضي وستبيعهم في المستقبل»، راجع: « إخوان الأردن يدعون لثورة سلمية»، 20/8/2011، موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/DB8A00AF-A0F1-469A-A802-5CDA52BD1285.htm، وهي عبارة قريبة سبق وأن أدلى بها في بيروت خلال انعقاد المؤتمر القومي العربي، الذي تزامن مع انطلاقة الثورة المصرية.

[3]لا يمكن قراءة برنامج «سقوط دولة الفساد» الذي أنتجه وبثه التفزيون التونسي بعد الثورة (19/4/2011)، وما تضمنه من علاقات وخدمات أمنية قدمها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي لجهاز المخابرات الإسرائيلي « الموساد» إلا كإدانة وثائقية وشعبية دامغة على خيانة الرئيس للشعب والأمة والدين.

[4]القذافي يؤكد للتفزيون التركي، « تي آر تي »، أن الفوضى ستعم المنطقة بأسرها بما فيها إسرائيل،9/3/2011، قناة الحرة، http://www.alhurra.com/NewsArticleDetails.aspx?ID=8053810.

[5] مخلوف: استقرار إسرائيل مرتبط بسوريا، 10/5/2011، موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E30B337B-3891-4956-9D97-DF9455E6386E.htm.نقلا عن: «نيويورك تايمز9 /5 /2011».

[6]من الطريف أن مثل هذه التصريحات تتقاطع إلى حد كبير مع تصريحات لاحقة (3/12/2011) أدلى بها زعيم حزب النهضة التونسي، راشد الغنوشي، في سلسلة لقاءاته، أواخر شهر نوفمبر / تشرين الثاني، مع مراكز الأبحاث الأمريكية، القريبة من اللوبي الصهيوني ومراكز صنع القرار الأمريكي، مثل: معهد « بروكنغز» و « معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني».وإن صدقت التصريحات، كما نقلتها بعض وسائل الإعلام، فمن الواضح أن إجابات الغنوشي تبدو متناقضة. لكنها في الشكل والمضمون براغماتية لأبعد الحدود، لاسيما وأنها حرصت على إرضاء الجميع بمن فيهم «إسرائيل». فهي، من جهة أولى، تلتزم بخطاب مؤيد لحركة «حماس»: «لا يمكن نكران أنه تم انتخاب حركة حماس ديمقراطيًا، ولهذا هي حكومة شرعية»، ولا تلتزم بـ « حل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي». ومن جهة ثانية تقدم التصريحات خطابا حركيا معاديا لـ « إسرائيل»، من حيث المبدأ، لكنه في الواقع خطاب انعزالي، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حين يقول بأن: «حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يعود إلى الطرفين، مضيفاً ... أنا مهتم بتونس. لدي نموذج وتجربة أريدها أن تنجح، فيما الآخرون مهتمون بفلسطين وليبيا. الكل مهتم بمصلحته الخاصة ومصلحتي هي تونس». ومن جهة ثالثة، ثمة خطاب استلهم حرفيا مما أثير حول ديباجة « العقد الجمهوري» الذي رفض رموز اليسار فيه إضافة أي بند يناهض «إسرائيل»، أو منع التطبيع معها، أو حتى الاعتراف بها كعدو: « لا يوجد في الدستور التونسي اسم لأي دولة غير تونس .. ولا وجود لأي بند في الدستور الجديد يحظر إقامة علاقات مع إسرائيل»!!!راجع وكالة القدس للأنباء: « الغنوشي: حماس حكومة شرعية ... لكن ما يهمني هو تونس».http://www.alqudsnews.net/news/index.php?option=com
_content&view=article&id=8344:2011-12-03-12-13-39&catid=53:2011-01-14-08-30-51&Itemid=231

[7]تناقلت وسائل الإعلام تصريحا لبرنارد ليفي قال فيه أنه نقل رسالة شفوية من المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، ونقلت وكالة « فرانس برس» عن ليفي قوله: « خلال لقاء دام ساعة ونصف الساعة أبلغت رئيس الوزراء رسالة شفوية من المجلس مفادها أن النظام الليبي القادم سيكون معتدلا ومناهضاللإرهاب، يهتم بالعدالة للفلسطينيين وامن إسرائيل». للمتابعة في: صحيفة القدس العربي، « في رسالة شفوية نقلها الكاتب الفرنسي برنار ليفي»، 2/6/2011، على الشبكة: http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C02z99.htm&arc=data%5C2011% 5C06%5C06-02%5C02z499.htm. إلا أن المجلس نفى الخبر. لكن حين سئل رئيس المجلس المستشار مصطفى عبد الجليل عن علاقة المجلس بليفي قال: « نحن استقبلناه كمبعوث للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي»!!! والعجيب أنه كان «ضيفا » على كل الثورات والساحات الساخنة وفي قلب غرفة العمليات المركزية للمجلس، والأعجب أنه استقبل استقبال الأبطال بعد سقوط العاصمة طرابلس بيد الثوار. للمتابعة والتحقيق راجع: =
= «شاهد بالفيديو: تقرير عن القائد المخطط للثورات العربية موثق بالصور»، صحيفة دنيا الوطن:http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2011/10/06/198594.html .

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:09 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
القسم الرابع



مقاربات في دينامية الفعل والفاعلين


مع أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين اتسم الوضع العربي بانعدام تام للوزن. فلم يكن ثمة قيادات تذكر بقدر ما كان ثمة شخصيات ورموز، اشتهرت بانبهارها بالنموذج الغربي اللبرالي، وثقتها به كبديل عن الحضور العثماني ومناهض له. بل أن ما عرف بالثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين لم تكن خياراتها الإستراتيجية لتحيد قيد أنملة عن خيارات الرموز اللبرالية في التفاهم مع الغرب على مصير العالم العربي. لكن ما حصل عليه العالم الإسلامي، وفي القلب منه العالم العربي، هو تفكيك للكتلة الديمغرافية، والكتلة الجغرافية، وسط غياب تام لأية كتلة سياسية، أو انهيار لما هو قائم منها، أو انعزال الكتل عن بعضها، وحتى انحيازها للقوى الغربية، بصورة بدت فيها أكثر عداء لبعضها من أي تقارب يذكر، أو منطق يحفظ بعض ما تحتاجه العلاقات المستقبلية من ضرورات بعيدا عن « المركز».
هكذا خسر العرب، على الخصوص، أكثر من غيرهم. فلا هم بدوا أمة عربية بغير المنطق الأيديولوجي المشوه، في صيغة دول وأحزاب أو ولاءات وانتماءات مشتتة ( يساريين، لبراليين، قُطريين، قوميين، خليجيين، ... ) ولا هم بدوا أمة إسلامية إلا في صيغة أفراد وجماعات وفرق وهيئات ومؤسسات خيرية وإغاثية وبيعات للحاكم.
لا شك أن وضع العرب، مع انطلاقة الثورات العربية، أقرب ما يكون إلى وضعهم عشية الحرب العالمية الأولى. وهذا يعني أن مشكلات الأمة لم تتغير كثيرا منذ أواخر عهد الدولة العثمانية وإلى يومنا هذا إلا إلى الأسوأ. فهل يمكن القول أن « حاجز الخوف» انكسر فعلا؟ أو بمعنى آخر: ما الذي نجحت الثورات في تغييره؟ وما الذي ما زال بحاجة إلى التغيير؟ وكيف يمكن مواجهة اعتراض مسار الثورات من القوى الدولية أو المحلية؟

1) مراحل الثورات الثلاث
يمكن الاتفاق على أن لـ « حاجز الخوف» معطيات نفسية ومادية تقع في مستوى الفرد. وتبعا لذلك فإن شيوع الخوف لدى الأفراد، من النظم الأمنية المتسلطة والاستبداد، يشكل ظاهرة اجتماعية بامتياز. لكن لا بد من التمييز بين مضامين ومحتويات « الحاجز » في مستويين مركزيين. إذ أن « الحاجز » ليس مجرد مشاعر فردية تشكل ذروة مخرجات الاستبداد. لكنه أيضا مضامين ومحتويات تقع في مستوى بنية منظومة الهيمنة الدولية والاستبداد المحلي في علاقتهما بالأمة. وتبعا لذلك؛ فمن الأهمية بمكان وجوب التمييز بين ثلاثة شعارات مركزية، تشكل معالم « حاجز الخوف»، وتعكس، في نفس الوقت، المراحل التي ستمر بها الثورات، وهي مرحلة:(1) «إرحل» و (2) « إسقاط النظام» و (3) «إسقاط الهيمنة»، إذ ما من فائدة في إسقاط الرمز دون النظام. ولسنا ندري كيف يمكن إسقاط النظام دون الذهاب إلى إسقاط الهيمنة؟
إذن، لفهم مسارات الثورات ومآلاتها؛ لا بد من توفر قدر من التحليل يسمح بالتمييز بين المراحل الثلاث، والنظر في مضامينها. فما تحتاجه مرحلة يختلف، بالضرورة الموضوعية، عما تحتاجه أخرى من أدوات ووسائل وشعارات وقوى وقيادات. وتأسيسا على ذلك يمكن النظر إلى « حاجز الخوف» باعتباره بنية نفسية وموضوعية، تمثل انعكاسا لمنظومة سيطرة وتحكم، يصعب تفكيكها دون مواجهات حاسمة معها في الداخل والخارج.
ففي المرحلة الأولى؛ نشطت منظومة الاستبداد المحلي في استنزاف القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية ، ومعها كافة التشكيلات الاجتماعية عناصر القوة، حتى أنه لم يتبق في الدولة والمجتمع إلا الفرد، الذي لم يسلم أخيرا من تجريده شبه التام من حقوقه. بل أن الحاكم، الذي استبد بالدولة والمجتمع والفرد، بلغ من الطغيان حدا لم يعد معه أي فاعل اجتماعي بقادر على إشباع نهمه. وهذا يعني أن المذاهب والفلسفات الوضعية والعقدية، وكذا الأيديولوجيات وتشكيلاتها المختلفة، تعرضت، كما الفرد، للاستنزاف، إلى الدرجة التي عجزت فيها عن وقف الاستبداد والطغيان عجزا تاما. هذا لأنها عملت بذات الأساليب والوسائل التي سخرتها « سايكس - بيكو» للجميع. فكان من الطبيعي أن ينتصر الحاكم في جولات الصراع كافة.
مع ذلك يبقى الفاعل الوحيد، الذي لا يمكن تغييبه إلى الأبد هو « الفرد - المجتمع»، أو ما يسمى بـ « الشعب». فحين فشلت القوى، ووسائل الرقابة والردع، في إحداث أي فارق يذكر؛ تدخَّل « الشعب» لينجز المهمة. ولا ريب أن أطرف ما في الثورات العربية أنها اندلعت بمبادرة من الأفراد بعيدا عن الأيديولوجيات والتشكيلات الاجتماعية والسياسية التقليدية. وحتى الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية من القوى السياسية تخلوا في المراحل الأولى، الحاسمة، عن ولاءاتهم وأيديولوجياتهم لصالح الإصرار على إنجاح الاحتجاجات، والإطاحة بالرأس وبعض الحاشية. هكذا سقط الرأس في المرحلة الأولى من الثورات. وحقق شعار « إرحل» هدفه الأول.
لكن في المرحلة الثانية حيث « إسقاط النظام» يحتاج إلى وقت، قد يطول أو يقصر، ويتطلب عملا منظما وفعالا. وهذه المهمة ليست من مسؤولية الشعب، الذي أنجز ما عليه، بقدر ما هي مسؤولية «القوى الاجتماعية المنظمة »، والحيوية في تشغيل الدولة والمجتمع وأجهزتهما. ففي الدولة ثمة نقابات وموظفين وعمال وفلاحين وتجار وصناعيين ورأسماليين وطلبة وجامعات ومدارس ومؤسسات اجتماعية وسياسية وأمنية ... وغيرها. ولا ريب أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق هذه القوى في إزاحة القوى التقليدية التي لعبت طوال العقود السابقة دور « القواعد الحصينة» للنظام. وفي هذه المرحلة لا مفر من التنبه إلى ضرورة استبعاد القوى السياسية التقليدية كما تم استبعادها في المرحلة الأولى، أو إجبارها على التخلي عن أيديولوجياتها وانتماءاتها الحزبية خشية الدخول في مساومات مع قوى النظام المستهدفة.
وقد أثبتت وقائع الثورات أن مثل هذه القوى السياسية يمكن، في لحظة ما، أن « تتمايز» باتجاه حركة الشارع، إذا رأت أنها تتقدم عليها، وأن الهدف المنتظر تحقيقه غدا أثمن من مصالحها وأيديولوجياتها. والعكس صحيح. فلو أن هذه القوى تصرفت بوازع من المصلحة أو الأيديولوجيا لآلت إلى الفشل، وألحقت في الثورة ضررا بالغا، وهو ما تعانيه الثورة السورية، وكذلك اليمنية. حيث تسبب أداء « أحزاب اللقاء المشترك»، التي تلعب بموجب شروط الاستبداد المحلي والهيمنة الدولية، بتعطيل فاعلية ملايين اليمنيين في الشوارع.
في المرحلة الثالثة تكون الدولة قد تطهرت، إلى حد كبير، مما يمكن توصيفه بـ « قواعد الثورة المضادة» وأدواتها، ودخلت في المرحلة الثالثة، حيث إسقاط الهيمنة والتبعية، والتخلص من سيطرة « المركز» تشكل بمجموعها ذروة الحاجز النفسي والمادي، الفردي والجماعي.وهي، بلا ريب، المرحلة الأشد خطورة، لما تحتاجه من تضافر لكل جهود الأمة، بمن فيها القوى الجهادية. إذ أن لأسئلة المطروحة، في المستوى الأول، ليست عن رموز النظام أو حاشيته، ولا عن قواعده وأدواته. بل عن هوية الحكم، ثم عن سيادة الدولة، وتخلصها من الهيمنة والتبعية، أما في المستوى الثاني، فالأسئلة المطروحة ستمس منظومة « سايكس - بيكو» بالذات، وشرعيتها التاريخية والعقدية، وحتى شرعية الدولة التي انوجدت بموجبها.
ضمن هذه المقاربة، وفي سياقها، من العبث الاعتقاد بأن الثورات أنجزت أهدافها، بما فيها تلك التي أطاحت قطعت المرحلة الأولى. أما عن « حاجز الخوف» فإن كل ما حصل حتى الآن هو استهدافه أو، في أحسن الأحوال، إلحاق الضرر بواجهة المنظومة المحلية له، مقابل مرونة عالية لدى واجهة « المركز» في امتصاص الصدمة حتى هذه اللحظة. إذ أن « الحاجز» ما زال عصيا على الانكسار بالمحتوى الموضوعي الذي تحدثنا عنه.

2) القيادة
قلنا أن منظومة « سايكس - بيكو» كانت من القسوة بحيث منعت ظهور أية قيادات منافسة للحاكم، وتبعا لذلك فقد خلت الثورات من القيادات حتى في المرحلة الأولى منها. هذا المعطى يعني أن « المركز» ما زال يمتلك الفرصة لاعتراض الثورات، باعتبار أن الساحة ما زالت خالية من البدائل المناهضة له، ليس لأنها غير موجودة أو يصعب إيجادها، بل لمنعها من الانتقال إلى المرحلة الثانية. لذا فقد عمد « المركز» إلى اعتراض مسار الثورات، منذ اللحظات الأولى، بأساليب متنوعة، كالتدخل العسكري المباشر ( ليبيا) والسياسي (مصر وتونس واليمن )، فضلا عن التدخل الدبلوماسي والأمني السافرين، كما هو الحال في اليمن خاصة.
أما التدخلات في المرحلة الثانية فقد انطلقت من الداخل، باستعمال ذات القوى والأدوات والوسائل، التي استعملتها النظم فيما مضى .. وفي السياق لا بد من الإشارة إلى أن تدخلات « المركز» مزجت بين جميع الأساليب، حتى في المرحلة الأولى كما هو الحال في ليبيا التي تعرضت لتدخل عسكري وسياسي وأمني صريح.
وفي الإجمال فقد تصدرت، واجهة الأحداث، القوى التقليدية الحليفة للنظم السابقة، كاللبرالية والعلمانية، وكذا اليسارية، في نسخها التاريخية المؤيدة للتطبيع مع « إسرائيل»، والمعادية، على الخصوص، لأي حضور إسلامي في الحياة السياسية والاجتماعية[1].
يضاف إلى ذلك، تلك التشكيلات والرموز السياسية والاجتماعية والأكاديمية التاريخية، ذات الثقافة الغربية أو الهجينة أو المستنزفة عقديا، والتي تصر على رفع الشعارات الغربية[2]، باتت موضع تساؤل واحتجاج في عواصم « المركز» نفسه.
حين يطالب أمثال هؤلاء بـ « الديمقراطية»، مثلا، أو بـ « الدولة المدنية» فإنهم لا يتحدثون قط عن « الماهية» التي سيطبقون فيها مثل هذه الشعارات، ولا يجيبون على أي تساؤل من نوع: من أين سيبدؤون بتطبيق « الديمقراطية»؟ هل من حيث بدأ « المركز»، إثر الثورة الإنجليزية، وزمن عصر الأنوار الأوروبي؟ أم من حيث انتهى إليه من أزمات طاحنة؟ هل من حيث بدأت « الرأسمالية» وقيمها؟ أم من حيث انتهت إليه؟
هؤلاء الذين يرفعون الشعارات الغربية فاتهم ملاحظة أن «اللبرالية» ومنتجاتها من « الرأسمالية» و «الحرية» و « الديمقراطية» و « الدولة المدنية» ... ، لم تنجح في تحصين أوروبا والعالم من سفك دماء عشرات الملايين من البشر. فأي الديمقراطيات أفضل؟ ديمقراطية ما قبل الحربين العالميتين؟ أم ما بينهما؟ أم التي جاءت بعدهما؟ ولما تكون « الديمقراطية» و« الرأسمالية» وقيمهما موضع تساؤل، وأزمات اقتصادية ومالية طاحنة في مواطنها؛ فكيف يمكن الوثوق بهما؟ وبأي حق يمكن اعتبارها ضمانات مستقبلية، يمكن أن تحول دون نمو الاستبداد والطغيان من جديد؟ وما هو البديل إن فشلت؟ هل بالعودة إلى الاستبداد؟ أم بتطبيق الشريعة؟ أم بالمطالبة، مجددا، بعودة الوصاية؟
فإنْ لم يكن ثمة إجابات قاطعة تقنع الأمة، ولا نظنها متوفرة أصلا، فإن كل حديث عن « الدستور» أو « الدولة المدنية» أو « الديمقراطية» و « الحماية الدولية»، وما إلى ذلك .. فلن يكون من الصعب تصنيفها خارج سياق التخبطات التي ليس لها أي منطق أو مشروعية، إلا في نطاق المنظومة التي صنعتها .. أي منظومة الهيمنة والتبعية.
بمثل هذه الوسائل والأدوات والتشكيلات والقيم يجري اعتراض مسار الثورات فضلا عن الاعتراض الطائفي[3] لها دون أن يتوقف الكثير عند الحقيقة الصارخة، التي تؤكد بأن الأمة لم تعد قابلة للعيش في مخابر التجارب الفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية ذاتها.
أما مشكلة غياب القيادات في الأمة؛ فتستدعي التركيز على دور القوى الاجتماعية الحيوية، التي يمكن أن تلعب دور البديل سواء في محاصرة القوى التقليدية، من أي انزلاقات خطرة تهدد ما تحقق من منجزات، أو في استئصال قواعد النظام المستوطنة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، أو في مواجهة اعتراضات « المركز» وأدواته، وحتى طابوره الخامس. لكن إذا كانت المرحلة الثانية من مهمات القوى الاجتماعية فإن للمرحلة الثالثة قيادات وقوى وأطروحات من الصعب تصور وجود القوى التقليدية فيها بذات العقلية التاريخية التي شكلتها وهيمنت على أدائها عقودا طويلة.

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:10 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
4) منطق اعتراض الثورات
لا ريب أن منظومة الاستبداد المحلية، التي جهد « المركز» في بنائها عبر قرون الصراع الطويلة، صارت تتهاوى تحت وقع الضربات القاسية التي توجهها الثورات العربية .. ضربات تضع « المركز» في موقف دفاعي بالغ الحرج، قد يتحول إلى كارثة تاريخية، وربما حضارية. لكن رغم أن « المركز» يعاني من أزمات طاحنة على كل مستوى إلا أنه من غير المنطقي توقع استسلامه دون مواجهة طاحنة.
لا ريب أيضا أن « المركز» في حالة هجوم مستمر لم يتوقف، كونه يعلم أن منظومات السيطرة التي أقامها، عالميا ومحليا، تستهدف، بالدرجة الأساس، الإسلام والعالم الإسلامي، باعتبارهما القوة القادرة على مواجهة شتى صنوف الفساد والطغيان البشري، وعقلنة الحياة الإنسانية، وتطهير الأرض من الظلم. إذ من الطبيعي أن يكون الإسلام، الذي جاء بآخر كلام الله، عزّ وجل، بين البشر، هو صاحب الكلمة الحاسمة في مسار الحياة الإنسانية، وليس الرأسمالية أو أية فلسفة دنيوية، وإلا ما كان خاتم الأديان السماوية.
هذه الـ « لا ريب الثانية » تعني أن الأمة الإسلامية هي القوة الحيوية الوحيدة التي يمكن أن تشكل خطرا على نظم الهيمنة
الدولية والمحلية. ولأنها، بنظر « المركز» كذلك؛ فمن الطبيعي ألاَ يستسلم في أول مواجهة شعبية، تنقل الأمة من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. وبالتالي لا بد من اعتراض الثورات العربية بأفضل ما يتوفر له من أدوات ووسائل وآليات.
من المؤكد أنه ثمة فرق هائل بين أوائل القرن العشرين وأواخره ، في مستوى وعي الأمة وإمكانياتها وقدراتها وديمغرافيتها،
فالعالم الإسلامي تضاعف عدد سكانه نحو أربعة أضعاف، وحقق تقدما ملحوظا في مستوى التعليم ومحو الأمية، واكتشفت فيه ثروات لا تضاهيها أية ثروات أو موارد في العالم، وتسببت الصحوة الإسلامية في مطلع سبعينات القرن الماضي بطباعة التراث الإسلامي برمته، وصارت قواه تناوش « المركز»، وبعضها يتمرد عليه، بل أن الأمة صار لها جماعات مقاتلة، صلبة وصعبة المراس محليا، وأخرى ضاربة، وعابرة للحدود وحتى للقارات، وصولا إلى عقر دار « المركز»!!! وغدا العالم الإسلامي، والعربي على الخصوص، مختلفا عن ذي قبل، وهو يتحفز لامتلاك المبادرة.
وما أن جاءت حرب الخليج الثانية سنة 1992 حتى تَبين أن « إسرائيل» لم تعد قادرة، وحدها، على حفظ مصالح « المركز»، في المنطقة، دون تدخل من « المركز» نفسه. وهذا يعني أن الآليات التقليدية في السيطرة والتحكم الدولي، ( النفط والتسلح والغذاء والعولمة)، لم تعد قادرة على تأمين مصالح « المركز»، وتلبية احتياجاته، ما لم يتم إسنادها بآليات أخرى جديدة، ومحلية، وربما أشد فتكا.
في هذا السياق يمكن فهم الاعتراض العسكري الذي نفذه حلف « الناتو» في ليبيا ضد حكم القذافي لاحتواء الثورة الليبية
والنظام القادم[4]، وكذا الاعتراضات المسلحة والأمنية، في تونس ومصر واليمن وغيرها من البلدان العربية والإسلامية. لكن أشد الاعتراضات خطورة هي تلك التي تنفذها أدوات محلية كـ القوى «القومية» و « اليسارية» و « العلمانية»، والتي توحشت بارتقائها إلى « اللبرالية»، المتحررة من أية قيود عقدية أو أخلاقية أو مصيرية، فضلا عن الطائفية التي تقودها إيران « الصفوية» و « الكنيسة الأرثوذكسية» في مصر.
ومن الطريف حقا أن يتزامن نشاط الطائفتين ( الشيعية الفارسية والأرثوذكسية المصرية بصيغتهما البابوية[5])، معا في العمل على اختراق المجتمعات الإسلامية السنية بدء من مطالع ثمانينات القرن العشرين. فكلا الطائفتين تمتلكان المال والأذرع الضاربة والوسائل اللازمة للعمل بأقصى طاقاتهما، وتستعملان ذات الوسائل في السيطرة والاختراق، تماما كتلك التي استعملتها من قبل « الوكالة اليهودية» في فلسطين، غداة انتصاب الانتداب البريطاني فيها سنة 1916، وبدء تنفيذ « وعد بلفور» البريطاني في سعيه لـ « إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين».
لكن بخلاف القوى الاستعمارية، المسيحية واليهودية، فلم يتعرض المسلمون لتهديدات عقدية جدية كما هو الحال مع التشيع « الصفوي». ففي الدول ذات الجوار الشيعي نشطت إيران، بدايةً، في انتزاع الولاء الوطني من الشيعة وتحويله باتجاه الولاء المذهبي، وفي مرحلة ثانية عملت على تأهيل الكتلة الديمغرافية سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وحتى جغرافيا، لبناء قاعدة اختراق هجومية وقت الحاجة. أما في المجتمعات السنية الخالية من الجوار الشيعي فقد انصب العمل على اختراقها عبر أطروحات تتبنى المقاومة، في امتطاء « عاصف » للقضية الفلسطينية، أو بغطاء من « المذهب الجعفري الاثنى عشري» الزاعم لـ «حب آل البيت»، بغية التأسيس لنواة شيعية محلية يمكن الركون إليها لاحقا.
واقع الحال أن التشيع، من ناحية عقلية، لا يقدم امتيازا إلا لأصحاب الهوى، الباحثين عن الشهرة والمال والمتعة، أو المخدوعين الذين يجهلون حقيقة عقيدتهم بحيث يسهل التغرير بهم. وفي المحصلة يبدو أن اختراق المجتمعات السنية يقوم على الاستفادة من أولئك الذين يميلون إلى « تغليب المصالح على العقائد» في اتخاذ مواقفهم أو قراراتهم أو حتى فتاواهم[6]. وهو تغليب يكشف، من جهة، عن (1) وجود نقاط رخوة وخطيرة في الأمة، خاصة عبر بعض الجماعات الإسلامية كـ «الإخوان المسلمين» أو بعض الطرق الصوفية المحسوبة على الإسلام، كـ « الطريقة العزمية» في مصر، وهو تغليب(2) يمنح الشرعية لمذهب لا جاذبية له أصلا ولا فرعا.
يحدث هذا، بالرغم من كون إيران، التي انتزعت سنيتها، قبل نحو خمسة قرون، وأجبرت، بالقوة، على التشيع في العهد « الصفوي»، تستعمل « المذهب الجعفري»، فقط، كآلية لاختراقٍ، ليس له من هدف إلا بعث الحضارة الفارسية، والانتقام من المسلمين العرب، بالذات، لكونهم يتحملون المسؤولية الأولى في هدم الإمبراطورية الفارسية تاريخيا.
وكذا الأمر يحدث في مصر. لكن المشكلة لا تكمن في قوة « الكنيسة الأرثوذكسية»[7] التي تهدد الدولة وتبتزها بل في « قواعد النظام» البائد، من القوى « اللبرالية» و « العلمانية» و « اليسارية»، التي تمتلك أو تهيمن على وسائل الإعلام والقوة وأدواتها، وتستوطن في مراكز القوى التاريخية والحيوية في الدولة. ولولا هذه القوى الحليفة لما شكلت الكنيسة أية مخاطر تذكرعلى البلاد، ولما تجرأت على المساس بالدين الإسلامي أو تهديد الأمن السياسي والاجتماعي للبلاد.
غير أن خطورة « المشروعالأرثوذكسي» لا تقع في مستوى تهديد العقيدة، كما هو حال « المشروعالصفوي»؛ بل في مستوى تهديد الهوية الإسلامية لمصر، عبر الاستقواء بالخارج من جهة وطلب الحماية الدولية، أو عبر بناء الكنائس الضخمة بكثافة، على امتداد الجغرافيا السياسية والاجتماعية لمصر[8]، بحيث تبدو هوية البلاد معبرة عن كل انتماء إلا أن يكون إسلاميا، ولو في مستوى الشكل. وهي، بلا شك، هوية تذكر بـ « تركيا أتاتورك»، حيث التبعية التامة للـ « المركز» والهيمنة المطلقة لـ « الصهيونية العالمية» .. ولا شك أيضا أنها وضعية تخدم بالدرجة الأساس مصالح « المركز»، وتوفر لـ « إسرائيل» بيئة ضعيفة تمكنها من الهيمنة والطغيان، وتعيد لها بعض الأمل في عقود جديدة من الحياة. إذ أن « إسرائيل» تعيش، كما هو حال اليهود تاريخيا، بموجب «عقلية الغيتو» الانعزالية، مما يجعلها، بنيويا، عقلية فاقدة لأسس التعايش الحضاري بين البشر، وعاجزة عن العيش وسط مجتمعات حرة وقوية.
هذه الاختراقات التي أسس لها « المركز» تاريخيا ورعاها يجري تفعيلها كقوى اعتراض شرسة للثورات العربية ومساراتها، عبر توظيفها كأدوات فعالة في (1) الهجوم على العقيدة الإسلامية، كما يحصل خاصة في تونس ومصر، أو (2) الترويج لعلاقات طبيعية وآمنة مع « إسرائيل».
هكذا يمكن القول أنه لولا «غياب الروادع العقدية» لما استطاعت مثل هذه القوى، الكارهة لكل ما يمت للعروبة والإسلام بصلة، أن تحقق أية اختراقات في الأمة. وما ينبغي الإشارة إليه، في السياق، هو التأكيد على أن « المركز»، ومعه « إسرائيل» بطبيعة الحال، لم يعد آمنا، خاصة بالنسبة للدول الخليجية التي نسجت علاقات تحالف مصيرية معه. فهو يبحث عن، ويطور، منذ عقود، أدوات جديدة يعزز بها قدراته على السيطرة والتحكم، في منظومات الهيمنة المحلية والدولية. إذ أن « الرأسمالية» ليست سوى فلسفة مادية لا يهمها، بالنهاية، أكثر من حماية مصالحها
إلى هنا؛ لا بد من وجوب الحذر من الدعوات المنادية بالتدخلات العسكرية في الثورات لأي سبب كان، وكذلك من القوى « اللبرالية» و « العلمانية» و « اليسارية»، والقوى « الطائفية» ( الشيعية والأرثوذكسية)، وإجمالي القوى « التقليدية» السياسية ذات « المنهج البراغماتي» ( النفعي) في نسج التحالفات أو صياغة المواقف، وأخيرا من « قواعد النظم» .. كل هؤلاء وغيرهم يشكلون في المحصلة أدوات للثورة المضادة والفتن والحروب الأهلية.

[1] تابع نماذج من الأداء السياسي والعقدي لهذه النخب في سلسلة تأملات في شريط العاصفة الشعبية للباحث: (3) « أشرار الثورات و (4) « إسرائلييو الثورات». على المراقب: http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-listarticles-id-49.htm .

[2]العجيب أن « المركز» هدم الخلافة وقسم الأمة، ومع ذلك ظهرت حركات التحرر تنادي بالاستقلال الوطني وحق تقرير المصير!!! وكأن الغرب جاء لأهداف أخرى!!! واليوم تتكرر ذات الشعارات والمطالب العربية!! وذات القوى الاستعمارية تنتصر لها!!!

[3]لاحظ الخداع الإيراني الرهيب في ازدواجية الخطاب السياسي والموقف من الثورات العربية. ففي تعقيبه على انتصار الثورة المصرية اعتبر المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، أن الثورات العربية هي « امتداد للصحوة الإسلامية» التي انطلقت مع الثورة الإيرانية ... بينما صب وزير الخارجية، على أكبر صالحي، خلال اجتماع « قمة شنغهاي – سان بطرسبروغ - 7/11/2011»، وفق وكالة « إنترفاكس» الروسية، جام غضبه على ما أسماه « قوى الاستكبار العالمي» التي حملها مسؤولية دعم الربيع العربي!!! وكالات -صحف، اليوم السابع: « بوتين ينتقد مواقف الدول " المتغطرسة" من الربيع العربي»،http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=528344.

[4]بعد جدل متعمد رافق قرار مجلس الأمن في فرض عقوبات على نظام القذافي في 27/2/2011؛ دار جدل آخر في الخفاء حول قرار جديد من المجلس يقضي بفرض حظر جوي على ليبيا، سبق أن أعده مندوبا فرنسا وبريطانيا وأرسلا مسودته إلى حكومتيهما في 8/3/2011. وبعد أن حصلت « المركز» على مظلة « مالية» من مجلس التعاون الخليجي، ومظلة قانونية من الجامعية العربية، صدر القرار في 13/3/2011. لكن الطريف في الأمر أن الأيام الخمسة الفارقة، ما بين قرار العقوبات وقرار الحظر، سادها صمت مطبق، إلى أن فوجئ العالم، فجراً بتوقيت مكة المكرمة، ودون سابق إنذار، بسماح مجلس الأمن لوسائل الإعلام نقل وقائع التصويت على قرار الحظر الجوي على الهواء!!! حتى بدا القرار وكأنه اتخذ خلسة وغدرا.

[5]عمر خليفة راشد، ولاية الفقيه: البابوية في نسختها الشيعية، ضمن سلسلة:« الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية»، 10/10/2011، على الشبكة: http://okrbahrain.blogspot.com/2011/10/blog-post_10.html


[6]للمتابعة يمكن مراجعة فتوى الشيخ علي جمعة، مفتي مصر: الشيعة طائفة متطورة ولا حرج من التعبد على مذاهبها، موقعفضائية العربية، على الشبكة: http://www.alarabiya.net/articles/2009/02/04/65714.html وكذلك فتوى الشيخ محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، صحيفة «الدستور» المصرية في 26/9/2008. وكلاهما أفتى بـ « جواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري الإثنى عشري».

[7]أبرز نقاط الضعف في الكنيسة الأرثوذكسية تقع في صلب تفسيرات البابا شنودة للإنجيل، خاصة حول قضية الزواج المدني. ففي المحاكم المصرية ثمة مائتي ألف قضية طلاق مرفوعة من أتباع الكنيسة. ولأن الكنيسة لا تعترف بأحكام القضاء المدني ولا في الزواج الثاني لأتباعها إلا بعلة الزنا، فقد تسبب تعنتها باحتجاجات شديدة وصلت إلى حد التهديد بانسحابات جماعية تاريخية النحو 340 ألف بتغيير ملتهم والانتقال إلى كنائس البروتستانتية أو الكاثوليكية.

[8]إحصائيات ودراسات رقمية حول مساحات الأديرة والكنائس في مصر، 11/10/2010، موقع المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير، http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=12892

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:13 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
4) خطاب إسقاط الهيمنة
الثابت أن الثورات استوطنت في العقل العربي كثقافة لا محيد عنها قبل أن تؤتي ثمارها. وقد يبدو طريفا ملاحظة التناقضات العجيبة في مستوى الخطاب الإعلامي العربي، أو في مستوى الخطاب الشرعي، أو في مستوى خطاب القوى السياسية، أو في مستوى حتى خطاب الشارع. فقد صارت مصطلحات التيار الجهادي العالمي مثل: « الطغيان، الطاغوت، الطاغية، الاستبداد، الحاكم المستبد، ... »، حاضرة في المستوى الإعلامي. وهي ذات المصطلحات التي كانت محرمة الذكر إلى حين. والعجيب أنها تُستعمَل اليوم، في عصر الثورات، في مستوى الخطاب الشرعي، من قبل علماء، لطالما وصفوا من يرددها بـ « الغلو» و « الإرهاب» و « الخروج على ولي الأمر». بل أن نفس الخطاب صدر عن القوى السياسية والشعبية، وأكثر من ذلك أن بعض العلماء حرّضوا الشعوب على قتل بعض الزعماء العرب كما فعل الشيخ يوسف القرضاوي في تحريضه الصريح على قتل العقيد معمر القذافي.
لكن أغرب ما في الخطاب هو ذاك التناقض الذي يكشف عن ازدواجية شرعية وقيمية في التعامل مع الحاكم. وبعيدا عن علاقة الخصومة بين القوى التقليدية وجماعات « التيار الجهادي العالمي»، إلا أن الكثير من المستويات التي تجيز طلب « الحماية الدولية» أو « الاستعانة بالقوى الأجنبية»، وعلى رأسها حلف « الناتو»، ما زالت تصر على وصف المجاهدين بـ « التطرف» و « القتل» و « استحلال الدماء المعصومة»، وتجهد في التبرؤ منهم، وإثبات حسن نواياها تجاه الغرب. فكيف يكون قتال هذه القوى أو المستويات المختلفة لحكام سوريا وليبيا واليمن مشروعا؟ بينما يكون قتال القوى الجهادية لذات الحكومات أو للحكومة العراقية أو الصومالية وغيرها « إرهابا » و « خروجا على ولي الأمر »، أو خطرا مدمرا على الدولة والمجتمع؟ وكيف يكون قتال النظم لشعوبها وسفك دمائهم « جهادا» بينما قتال «القاعدة» لها ولـ «المركز» « كفرا» و « إرهابا »؟ وما هو الوجه الشرعي أو الخطورة إذا كان الهدف هو الإطاحة بـ « طاغية مستبد»؟
فقد خاض الليبيون حربا طاحنة مع «كتائب القذافي» تحت غطاء جوي من حلف « الناتو»، ولم يصفهم أحد بـ « الإرهابيين». وخاض الشيخ صادق الأحمر، في صنعاء اليمن، حربا مماثلة ضد قوات الرئيس علي عبد الله صالح، ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، ومثلت تحديا للنظام، حظي بموجبه الشيخ الأحمر على الثناء والإعجاب. لكن حين قاتلت « القاعدة» النظام اتهمت بـ « التطرف» و « الإرهاب»، حتى أن الكثير من القوى السياسية والأبواق الإعلامية رأى في نشاطها وجماعة « أنصار الشريعة»، في محافظات أبين وحضرموت وزنجبار، فرصة ثمينة لتقديم براءة ذمة لـ «المركز»، عبر رواية مغرضة اتهمت الرئيس اليمني بإرخاء قبضته على مناطق الجنوب، وصولا إلى اتهامه بـ « التحالف مع القاعدة»، من أجل إقناع «المركز» بالبقاء في السلطة!!! وكأن «المركز» غافلا عن هوية « القاعدة» وأطروحاتها ومواقفها منه ومن النظم!!!
بطبيعة الحال لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن المسألة أبعد ما تكون عن « القاعدة» أصلا. فالقوى إياها، وكذا المستويات الخطابية، ذهبت لما هو أعمق، في كشف الصورة، حين حرصت كل الحرص على التبرؤ من كل ما يمت لـ « السلفية»[1] ، أو « الدولة الإسلامية»، أو « تطبيق الشريعة» بأية صلة تذكر[2]، وجهدت في تجنب كل ما تظن أنه يثير «المركز»، خاصة إذا
ما تعلق الأمر بالإسلام،كشريعة ومنهج حياة، مقابل التأكيد على صيغة «الدولة المدنية الديمقراطية» و « الإسلام الوسطي»[3]،
وزيادة عليها « دعم قيم الحداثة»[4]، والاستعانة بـ « المجتمع الدولي» ومنظماته ومؤسساته الحقوقية والإنسانية، وصولا إلى المؤسسات الحربية الكبرى كحلف « الناتو». وغني عن البيان ملاحظة أن مثل هذه المواقف أبعد ما تكون عن حسم الموقف مع «المركز»، فضلا عن طلب نجدته، إلى الحد الذي يمنحه حقوقا جديدة في « الوصاية» على أمة تبدو كمن « تعترف مجددا» بأنها عاجزة عن إنجاز حريتها بنفسها دون تلقي العون من الخارج!!!
لعل التفسير الذي نرجحه لمثل هذه الأطروحات يحتمل قدرا كبيرا من الصحة إذا اعتبرنا أن « حاجز الخوف» لم ينكسر بعد، كما سبق وأشرنا، وأن الأمة لم تتهيأ بعد لخوض منازلتها ضد «المركز»، أو تصفية حساباتها معه. إذ ما زالت الثورات في المرحلة الأولى، فضلا عن أن الغالبية الساحقة من الشعوب والدول العربية لمّا تزل، فعليا، خارج وقائع الحدث. كما أن الدول الثلاث ( تونس، مصر وليبيا) بالكاد ولجت المرحلة الثانية. ولأن الأطروحات لم تنضج بعد، لاسيما وأن النظم الثلاث ما زالت تحتفظ بقواعدها التاريخية؛ فمن السابق لأوانه توقع رؤية الخطاب وهو يتحول من « إرحل» أو « إسقاط النظام» إلى « إسقاط الهيمنة» دفعة واحدة. وتبعا لذلك، ودون أن يعني هذا الوقوع في فخ التقييمات المغرضة، عبر مصطلحات « الفوضى الخلاقة» وما شابهها مما يروج له الروس خاصة، فإن الثورات العربية ما زالت وقائعها تجري في فلك الهيمنة، وليس من المحتمل أن تخرج منه دون أن تضع بعين الاعتبار التخلص من « قواعد النظام» بكل تشكيلاته وأدواته ووسائله السابقة[5].

5) ضمانات التغيير
ثمة تساؤل في وقائع الثورات، يبعث على القلق، لدى الكثير من الناس والقوى الحية، يقول: كيف يمكن للثورات أن تنتصر على النظم أو تتغلب على محاولات الالتفاف عليها؟ أو تصل إلى المرحلة الثالثة؟ أو ما هي ضمانات استمرار الحدث الثوري وإنجاز ما ينتظره من مهمات؟
في أول مواجهة شعبية جدية مع النظم السياسية انكشفت كل الأوراق دفعة واحدة. فقد كانت المفاجأة مذهلة ومرعبة، على مشهد الدبابات والطائرات والقناصة والأمن والمدافع الرشاشة، وهي تجوب الشوارع والساحات في المدن والقرى والنجوع، تحصد الأرواح، وتدمر البيوت، وتفتك بالحجر والشجر، والنبات والحيوان، وكأن الأمة تتعرض لغزو خارجي!!! بينما المألوف، تاريخيا ولأكثر من سبب، أن تتصارع الدول والقبائل أو الطوائف أو الأعراق أو الجماعات أو الأحزاب أو القوى فيما بينها، لكن ما من سبب يبرر لحاكم أن يعلن حربا ضارية، على شعب من المفترض أن يحكمه ويسوسه، لا أن يقاتله ويقتله. فهل من تفسير لهذا السلوك الغريب؟
إذا انطلقنا من الجانب الشرعي فما يجري في العالم يقع في إطار « سنة التدافع» بين الناس. أما على مستوى العالم العربي
فإن الأمة، وفق الحديث النبوي الشريف[6]، الذي يبشر بعودة الخلافة، ربما تكون واقعة في إطار « الملك الجبري». إذ أن مؤشرات هذا النوع من الحكم قوية، إذا ما أمعنا النظر في متن الحديث.
· فالمسلمون سبق لهم وخبروا نظام « الخلافة» كما خبروا نظام « الملك العاض»، لكن المؤشرات على أنهم بصدد « الحكم الجبري» يمكن الاستدلال عليها بقوة في نمط الحكم الذي لا يمكن رده إلى « الخلافة» أو « العاض» باعتبارهما نظامين سابقين.
· ولا يختلفن أحد على أن الحكم القائم هو حكم استبدادي شامل، وأمني صرف، ومفروض بقوة السلاح. والخروج عليه كان عاما، وبلا حاجة لأية أيديولوجيات أو فلسفات، أما النظام فقدم معادلته الصريحة في أول اختبار صارم له: « الحكم أو الحرب»!! لكن بأية مشروعية يمكن تبرير الحكم القائم ومعادلاته بغير « الجبر»؟ وضد مَنْ تكون الحرب إذا كان العدو هو « العامة» من الناس؟
· وإذا التزمنا بـ « حديث الخلافة » فمن جهة لا يمكن إدراج الدعوات المطالبة بـ « الحماية الدولية» أو « الدولة المدنية» أو « الديمقراطية» في سياق «الخلافة»، أو في سياق « الملك العاض». كما أنها دعوات لا يمكن أن تكون واقعة في نطاق « الحكم الجبري» حيث الاستبداد والطغيان من أسس النظام القائم!!! لكنها من جهة أخرى تشترك مع « الحكم الجبري» في عدم الحكم بالشريعة، وهذا مؤشر على أن الأمة ربما تكون واقعة في فترة انتقالية بين « جبر» اليوم و « خلافة » الغد.
· وإذا تأملنا الثورات العربية، والاحتجاجات العالمية، في أرجاء الكرة الأرضية، سنجدها تمتاز عما سبقها من احتجاجات بـ (1) العمومية، و (2) غياب الأيديولوجيات والقوى التقليدية المحركة لها، و (3) وطغيان الفساد. وهذا يعني أن الناس .. كل الناس ولي جزء منهم .. صاروا يجتمعون على المعيش اليومي والحق في الحياة، في مواجهة الفلسفات الطاغية وما خلفته من حروب وانقسامات وظلم أوصل البشرية إلى طريق مسدود،لم يعد ثمة مخرج منه إلا أن يأتي الله ﴿ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍۢ مِّنْ عِندِهِۦ( المائدة: 52 ) ،. فهل يمكن لمثل هذه الصراعات أن تصنف خارج سياق « سنة التدافع» الربانية؟
تساؤل نطرحه بغرض التأمل. فالناس خرجوا بمبادرة منهم في شتى أرجاء الأرض، وبدافع من احتياجاتهم وحقوقهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولنفس الأهداف!!! أما « سنة التدافع» فتخص (1) كل البشر وليس جزء منهم، بدليل قوله تعالى: َ﴿ ولَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ( البقرة: 250 َ) ، ﴿ ولَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَ‌ٰمِعُ وَبِيَعٌۭ وَصَلَوَ‌ٰتٌۭ وَمَسَـٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًۭا ۗ( الحج: 40 )، كما (2) أن الله، سبحانه وتعالى، جرد هذا التدافع من أية سلطة. وبالتالي فلن يكون بمقدور القوى والتشكيلات الرسمية والتقليدية، وحتى قوى الهيمنة والاستبداد، توجيه الناس أو التحكم بحركتهم أو إجبارهم على الخروج أو العودة إلى منازلهم.ولأنها « سنة» لا تقبل بالمنظومات المهيمنة؛ فمن الطبيعي أن تكون مهمتها تحطيم ما بدا بالنسبة لرموز الطغيان والاستبداد ثوابت راسخة، بحيث (1) تنتفي منصات الطغيان وقواعده، و (2) تتهيأ البشرية لاستقبال الخلافة، و (3) لتبدأ دورة حياة جديدة للبشرية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
رغم أن فرضية « الحكم الجبري» هي الأكثر وضوحا، إلا أنالتحليلات الشرعية المنطلق؛ حتى الآن لا يبدو أن العامة أو الخاصة من الناس يتوقفون عندها كثيرا، سوى شريحة محدودة في الأمة. لكن هذا لا يعني أن وقائع الثورات خلت من الضمانات الملموسة، التي يمكن معاينتها كمؤشرات قوية، تحفز على استمرارية الحدث الثوري. فلأول مرة ترفع الشعوب شعارات تتعلق بمطالب حقوقية كبرى مثل: « استعادة الثروات المنهوبة» و « وقف نهب الموارد أو إهدار الثروات». ولا ريب أن هذه المطالب لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها. وبالتالي فإن استمرار المطالبة بها سيعني بالمحصلة استمرارية الفعل الثوري بصيغ متنوعة، سواء عبر الشعوب أو عبر الحكومات القادمة أو عبر القوى الاجتماعية والسياسية.
وثمة ضمانة أخرى لا تقل أهمية عما سبقها، تكمن في استمرارية الحدث الثوري. فالحدث لم تكتمل حلقاته بعد في الغالبية الساحقة من الدول العربية، فضلا عن الدول الإسلامية، ناهيك عن الحراك الدولي الذي يبدو أنه آخذ في التبلور في عقر « المركز» الرأسمالي. فما تعانيه النظم العربية ليس سوى انعكاس لجشع المنظومة « الرأسمالية» إياها. وإنْ كانت الثورات العربية تتوالى وتتشابه، فمن الأولى أن تصيب أسّ الداء الذي هيمن على العالم عبر فلسفات «المركز» وسياساته، ومدارس النهب التي أنشاها. ولعلها مفارقة أن تبدو «الرأسمالية» و «علاقات الهيمنة» و «الاستعباد» و «الديمقراطية» و « الحرية» و « المساواة» و « تكافؤالفرص»، وكل قيم «المركز» موضع احتجاج وتساؤلات اجتماعية ليس لها أية صلات أيديولوجية، تماما كما هو الحال في العالم العربي.
رغم كل ما سبق؛ يبقى احتلال الشعوب للشوارع والساحات العامة، أحد أهم الضمانات الحيوية، في عرقلة أي توجه أو مسعى، لسرقة الثورات أو الالتفاف على مطالبها أو وقفها. ويمكن الذهاب أبعد من ذلك إذا قلنا أنه ما من حكومة انتقالية قائمة أو قادمة باستطاعتها التلاعب بمصير الثورات (1) طالما بقيت الشوارع حيوية، و (2) طالما بقيت القوى، على اختلافها تحت المراقبة، و (3) طالما بقيت هناك ثورة في أي بلد عربي. إذ أن مثل هذه الديناميات ستشكل رادعا لكل القوى، خشية من الانكشاف والسقوط، أو تحسبا من عواقب وخيمة.

[1]بعد اندلاع الثورة السورية واتهامات النظام بوقوف عناصر سلفية مندسة بين صفوف المحتجين صارت السلفية موضع تبرؤ إما بدعوى التشدد و التطرف وإما بدعوى الإرهاب.

[2]يستثنى من هذا بالنشاطات التي قامت بها القوى الإسلامية في مصر على خلفية الدعوات اللبرالية المناهضة للمادة الثانية من الدستور المصري التي تعتبر الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع أو وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور التي أعلن عنها نائب رئيس الحكومة علي السلمي.

[3]«الإسلام الوسطي»تعبير سياسي لا يمت للشريعة بصلة. أما الذين يتحدثون عنه أو عما يسمى بـ «الإسلام المعتدل» فيستندون إلى الآية
الكريمة التي تقول: ﴿ َكَذَ‌ٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا (البقرة: 143)، ويوظفونها في خدمة أطروحة سياسية صرفة، ويستعملونها، في أحسن الأحوال، في سياقات براغماتية للهروب من ضغوط « المركز». والحقيقة أن التعبير لم يرد في القرآن الكريم، لا رسما ولا موضوعا. والواضح أن القرآن الكريم قرن « الأمة» بـ « الوسطية»، وتحدث بصريح القول عن « أمة وسطا»، بالمقارنة مع أمم كفرت أو غلت في دينها أو فرطت فيه، ولم يقرن «الإسلام » بـ « الوسطية»، أويتحدث عن « إسلام وسط»بالمقارنة مع« إسلام متطرف»أو « إسلام علماني»أو« يساري»أو« حداثي»أو« شرقي»أو« غربي».

[4]أكثر النماذج وضوحا في خطابها تلك التي عبر عنها راشد الغنوشي في سلسلة من التصريحات عقب عودته من منفاه في بريطانيا إلى تونس بعد سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. مثلا: « مستلهما النموذج التركي:الغنوشي يتعهد بدعم قيم الحداثة ففي مقابلة مع وكالة «رويترز» للأنباء في مكتبه بالعاصمة تونس: « تعهد بتعزيز الديمقراطية ودعم حقوق وتحرر المرأة التي بدأتها تونس في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مؤكدا أن الحركة لن تتراجع عن دعمها لهذه القيم. وشدد الزعيم الإسلامي على أن حزبه مع حرية المرأة في أن تقرر ما تلبسه وتختار شريكها في الزواج ولا تجبر على أي شيء» http://www.aljazeera.net/NR/exeres/45F86C67-A2AA-4A2A-A78C-9863354DE84C.htm 3/10/2011.

[5]من الظلم مقارنة الثورات العربية بالثورة البلشفية أو الصينية أو الفرنسية أو الإيرانية التي نجحت في هدم النظم التقليدية بالكامل. إذ أن مثل هذه الدول لم تكن صنائع هيمنة دولية ولا هي تابعة لمراكز قوى عالمية كما هو حال الدول العربية الخاضعة للمراقبة والنفوذ التام. وبالتالي فالمهمات والظروف تختلف من دولة إلى دولة ومن حال إلى حال. ومع ذلك فليس كل الثورات نجحت منذ المحاولة الأولى.

[6] في الحديث النبوي عن الخلافة، روى حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: « تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت».

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:16 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
قائمة المصادر والمراجع



(1) إبراهيم صلاح، الأمن القومي العربي والأسلحة المستوردة!!!،4/7/2011، موقع صحيفة المصريون، على الشبكة:http://almesryoon.com/news.aspx?id=67792
(2) أحمد مولانا، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية المصرية، احتواء السلفيين ... واستلاب العقول، 18/11/2011، موقع ثورة 25 يناير- القيادة الشعبية الميدانية للثورةhttp://fieldleadership.allahmontada.com/t338-topic#444.
(3) الأسد: الاضطراب السياسي لن يمتد إلى سوريا بعد مصر وتونس، مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، 31/1/2011. وكالة « رويترز» للأنباء: http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE70U0VN20110131
(4)الأمم المتحدة: حصار غزة قانوني، 8/7/2011، موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5E16E276-A98F-4BFB-AFC6-24CADD12E02B.htm.
(5)إحصائيات ودراسات رقمية حول مساحات الأديرة والكنائس في مصر، 11/10/2010، موقع المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير، http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=12892
(6)ارتفاع حجم الديون العربية إلى 160 مليار دولار وخدمتها توازي17%من حجم صادراتها، الاحتياطي النقدي يمثل61.5 % من الواردات والتجارة البينية شكلت8.4 % من «الخارجية»، صحيفة البيان الإماراتية، 31/3/2001،على الشبكة: http://www.albayan.ae/economy/160-17-61-5-8-4-2001-03-31-1.1136764
(7)أحمد السيد النجار: طرائف الديون العربية دول الخليج ولبنان أكثر المدينين، 16/9/2010 المصدر: موقع « الأهرام الرقمي»، نقلا عن «الأهرام اليومي»: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=256279&eid=46
(8) « إخوان الأردن يدعون لثورة سلمية»، 20/8/2011، موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/DB8A00AF-A0F1-469A-A802-5CDA52BD1285.htm.
(9) الشرق الأوسط يستقل عن أميركا، مجلة« التايم»الأمريكية، 25/11/2011، نقلا عن:الجزيرة نت، على الشبكة:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/1...GoogleStatID=9
(10) الشيخ أسامة بن لادن، «خطاب القسم»، شريط مرئي، مؤسسة « السحاب» التابعة لتنظيم « القاعدة»،. 7/10/2001.
(11)د. أكرم حجازي:الإسلام و« طبيخ النَّوَرْ (1) » 27/6/2010، و مناقشات منهجية لفتاوى طارئة (2) » -1/76/2010، على موقع المراقب:http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-235.htm.
(12)د. أكرم حجازي: تأملات في شريط العاصفة الشعبية: (3) « أشرار الثورات-20/6/2011 و (4) « إسرائلييو الثورات-23/6/2011». على المراقب: http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-listarticles-id-49.htm .
(13) د. أكرم حجازي، تأملات في شريط العاصفة الشعبية: صراع « المركز» و « الهامش» / 2، 16/6/2011، موقع المراقب: http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-304.htm ، المقالة مستقاة من شرح قدمه د. عبد الله النفيسي في لقاء جمعني به مع نخبة من العلماء والمفكرين والصحفيين العرب في الكويت في11/1/2011على هامش اللقاء الدوري لمنتدى المفكرين المسلمين.
(14)بدر محمد بدر: مافيا إخفاء الأموال المنهوبة، 30/10/2011. موقع الجزيرة نت:http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/7...7E5A17CD7A.htm
(15)« بوتين ينتقد مواقف الدول " المتغطرسة" من الربيع العربي»،7/11/2011»، اليوم السابع:http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=528344.
(16) « تشومسكي: أميركا تخشى استقلال الدول». على الشبكة: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/83A075DB-CBF0-4D17-8B50-F9B688E3B455.htm .
(17)تيم مونتغمري: « العلة بالسياسات وليس بالرأسمالية»، صحيفة «الغارديان»، 12/11/2011، الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C9548B94-4BB9-4108-BAE9-1C4AD236409A.htm?GoogleStatID=9
(18) خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خلال المؤتمر السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة ( 28 نوفمبر 2001).
(19)شاهد بالفيديو: تقرير عن القائد المخطط للثورات العربية موثق بالصور، صحيفةدنيا الوطن: http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2011/10/06/198594.html .
(20)صلاح الإمام: فك طلاسم الثورة المضادة، 20، 29/6 و 5/7/2011 على التوالي، جريدة المصريون: (1)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=65714 و (2)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67154 و (3)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67965.
(21) عامر عبد المنعم: 22دليلا علي الإنهيار الوشيك للولايات المتحدة الأمريكية، 19/10/2010. العرب نيوز: http://www.alarabnews.com/show2.asp?NewId=26726&PageID=26&PartID=3
(22) عبد الرحمن جميعان، المنسق العام لمنتدى المفكرين المسلمين: السلفيون وصكوك الغفران، 21/11/2011، موقع المنتدى:http://almoslimon.com/main/viewarticle.php?id=66 .

*سلفيه مندسه* 03-01-2012 01:17 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
(23) عبد الله العروي، «مفهوم الدولة». المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء -بيروت، الطبعة السابعة، 2002.
(24) علي جمعة، مفتي مصر:الشيعة طائفة متطورة ولا حرج من التعبد على مذاهبها، موقعفضائية العربية، علىالشبكة: http://www.alarabiya.net/articles/2009/02/04/65714.html
(25)علي عبد الله صالح، كلمة رئيس الجمهورية اليمنية إلى مؤتمر قبائل اليمن، 16/8/2011، على اليوتيوب:
http://media.masr.me/crkR5xLEkgo&feature=player_embedded، أو المصدر أونلاين: http://www.almasdaronline.com/index.php?page=news&news_id=22618 .
(26)عمر خليفة راشد، ولاية الفقيه: البابوية في نسختها الشيعية، ضمن سلسلة: « الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية»، 10/10/2011، علىالشبكة: http://okrbahrain.blogspot.com/2011/10/blog-post_10.html
(27) غراهام فولر، صحيفة«كريستيان ساينس مونيتور»، نقلا عن موقع الجزيرة نت،مقالة بعنوان: « الثورات العربية.. من الخاسر ومن الرابح؟»،21/11/2011، على الشبكة: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F...GoogleStatID=9 .
(28)فرانسيس فوكوياما: «هدفهم العالم المعاصر»، 25ديسمبر 2001، مجلة نيوزويك، 25ديسمبر 2001، الطبعة العربية/ عدد 81.
(29)الفساد يهدر ثلث الناتج القومي العربي، قناة الجزيرة، 6/7/2010 ،
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0DD80CA9-4651-4169-BDD9-B1CB6795C388.htm
(30)الفقر بأميركا يسجل أعلى مستوى، 14/9/2011، موقع الجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/9E0B7F89-27C8-49A6-B47C-B96A84058490.htm
(31) « في رسالة شفوية نقلها الكاتب الفرنسي برنار ليفي»، القدس العربي، 2/6/2011، على الشبكة: http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C02z499.htm&arc=data%5C2011 %5C06%5C06-02%5C02z499.htm
(32) القذافي يؤكد للتفزيون التركي، « تي آر تي »، أن الفوضى ستعم المنطقة بأسرها بما فيها إسرائيل،9/3/2011، قناة الحرة، http://www.alhurra.com/NewsArticleDetails.aspx?ID=8053810.
(33)قلق غربي من كارثة اقتصادية، 17/9/2011، الجزيرة نت، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/89B255B5-A39D-4215-BD27-1DE380234FEF.htm?GoogleStatID=9
(34)كيسنجر يحذر من تكدس مليارات النفط في الخليج.. ويدعو الغرب لتقليص قدرة أوبك على التأثير،16/9/2008،مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية: http://www.dctcrs.org/new419.htm.
(35)د. محمد إبراهيم السقا: الدَّين العام الأمريكي، الاقتصادية الإلكترونية، الجمعة 21 شعبان 1432 هـ. الموافق 22 يوليو 2011 العدد 6493، http://www.aleqt.com/2011/07/22/article_561426.html
(36) د. محمد إبراهيم السقا: قراءة في الدَّين العام الأمريكي، 4/9/2010، موقع ألفا و بيتا: http://alphabeta.argaam.com/?p=20836.

(37) محمد إلهامي، فقه التولي يوم الزحف، 17/11/2011، على مدونة الكاتب: http://melhamy.blogspot.com/2011/11/blog-post_17.html .
(38) محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، صحيفة «الدستور» المصرية في26/9/2008.
(39)649مليار دولار حجم الدين العام في15دولة عربية في2010بنسبة1.6%من الدين العالمي، 3/11/2010، مجلة الإيكونوميست البريطانية، عن موقع« معلومات مباشر» على الشبكة:http://www.mubasher.info/portal/dfm/getDetailsStory.html
?storyId=1801715&goToHomePageParam=true&site****** **=ar
(40)مخلوف: استقرار إسرائيل مرتبط بسوريا، 10/5/2011، موقعالجزيرة نت: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E30B337B-3891-4956-9D97-DF9455E6386E.htmنقلا عن: «نيويورك
تايمز9 /5 /2011».
(41) « مستلهما النموذج التركي: الغنوشي يتعهد بدعم قيم الحداثة»http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4...63354DE84C.htm 3/10/2011.
(42)وثائق فلسطين: مائتان وثمانون وثيقة مختارة (1839- 1987)، تونس، م. ت. ف، دائرة الثقافة، السنة 1987.

رياض123 06-01-2012 09:32 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 
جزاك الله خيرا

رياض123 07-01-2012 12:51 PM

رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
 


فيديو كلمة الدكتور أكرم حجازي في ميدان التحرير عن الثورات العربية

http://media.masr.me/X6cEv...eature=related


الساعة الآن : 11:44 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 349.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 348.99 كيلو بايت... تم توفير 0.89 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]