ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 16-03-2022 05:00 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)

شرح الكلمات:
يحشرهم: أي نبعثهم من قبورهم ونجمعهم لساحة فصل القضاء.
كأن لم يلبثوا: أي في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم.
أو نتوفينك: أي نميتك قبل ذلك.
فإذا جاء رسولهم: أي في عرصات القيامة.
بالقسط: أي بالعدل.
متى هذا الوعد: أي بالعذاب يوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى {ويوم يحشرهم} أي اذكر لهم يوم نحشرهم من قبورهم بعد بعثهم أحياء {كأن لم يلبثوا} 1 في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم. {إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم} 2 أي ليرى بعضهم بعضاً
ساعة ثم يحول بينهم هول الموقف، وقوله تعالى {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله3 وما كانوا مهتدين} يخبر تعالى أن الذين كذبوا بالبعث الآخر والحساب والجزاء الأخروي فلم يرجوا لقاء الله فيعملوا بمحابه وترك مساخطه قد خسروا في ذلك اليوم أنفسهم وأهليهم في جهنم، وقوله {وما كانوا مهتدين} أي في حياتهم حيث انتهوا إلى خسران وعذاب أليم.
وقوله تعالى {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} 4 أي إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل ذلك فعلى كل حال مرجعهم إلينا جميعاً بعد موتهم، فنحاسبهم ونجازيهم بحسب سلوكهم في الدنيا الخير بالخير والشر بمثله، وقوله تعالى {ثم الله شهيد على ما يفعلون} 5 تقرير وتأكيد لمجازاتهم يوم القيامة لأن علم الله تعالى بأعمالهم وشهادته عليها كافٍ في وجوب تعذيبهم. وقوله تعالى {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي ولكل أمة من الأمم رسول أرسل إليها وبلغها فأطاع من أطاع وعصى من عصى فإذا جاء رسولها في عرصات القيامة قضي بينهم أي حوسبوا أو جوزوا بالقسط أي بالعدل وهم لا يظلمون بنقص حسنات المحسنين ولا بزيادة سيئآت المسيئين. وقوله تعالى {ويقولون} أي المشركون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، {متى هذا الوعد} 6 أي بالعذاب يوم القيامة. {إن كنتم صادقين} يقولون هذا استعجالاً للعذاب لأنهم لا يؤمنون به. والجواب في الآية التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة.
2- الإعلان عن خسران منكري البعث يوم القيامة.
3- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر حتى يؤدي رسالته بإعلامه بأنه سيعذب أعداءه.
4- بيان كيفية الحساب يوم القيامة بأن يأتي الرسول وأمته ثم يجزي الحساب بينهم فينجي الله المؤمنين ويعذب الكافرين.
__________

1 أصلها: كأنهم ثم خففت: أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم.
2 الجملة في موضع نصب على الحال. وتعارفهم هذا في عرصات القيامة إنما هو تعارف توبيخ وافتضاح فيقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وحملتني على الكفر، ثم تنقطع المعرفة عند معاينتهم العذاب يوم القيامة.
3 أي: يوم العرض عليه بين الخلائق.
4 وإما أصلها إن الشرطة وما الزائدة لتقوية الكلام و {بعض الذي نعدهم} هو عذاب الدنيا كما هو إظهار الدين ونصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 أي: بعد وفاتك، فالله عز وجل خليفتك فيهم وسوف يجزيهم بحسب كسبهم خيراً وشراً.
6 أي: متى العذاب، أو متى القيامة التي يعدنا بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.






ابوالوليد المسلم 16-03-2022 05:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (8)
الحلقة (479)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 480الى صــــ 484)


قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)
شرح الكلمات:
لنفسي ضراً.: أي لا أقدر على دفع الضر إذا لم يُعِنِّي الله تعالى.
ولا نفعاً: أي لا أقدر على أن أجلب لنفسي نفعاً إذا لم يُرده الله تعالى لي.
لكل أمة أجل: أي وقت معين لهلاكها.
فلا يستأخرون ساعة: أي عن ذلك الأجل.
ولا يستقدمون: أي عليه ساعة.
قل أرأيتم: أي قل لهم أخبروني.
أثم إذا ما وقع: أي حل العذاب.
عذاب الخلد: أي الذي يخلدون فيه فلا يخرجون منه.
ويستنبئونك: أي ويستخبرونك.
قل إي: أي نعم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الرد على المشركين فقد طالبوا في الآيات السابقة بالعذاب فقالوا {متى هذا الوعد} أي بالعذب {إن كنتم صادقين} فأمر الله تعالى رسوله في هذه الآيات أن يقول لهم إني {لا أملك لنفسي ضراً} أي لا أملك دفع الضر عني، ولا جلب النفع لي إذا لم يشأ الله تعالى ذلك، فكيف أعلم الغيب وأعرف متى يأتيكم العذاب كما لا أقدر على تعجيله إن كان الله يريد تأجيله، واعلموا أنه لكل أمة من الأمم أجل أي وقت محدد لهلاكها وموتها فيه، فلا يتأخرون عنه ساعة ولا يتقدمون عليه بأخرى فلذا لا معنى لمطالبتكم بالعذاب. وشيء آخر أرأيتم أي أخبروني إن أتاكم العذاب الذي تستعجلونه بياتاً1 أي ليلاً أو نهاراً أتطيقونه وتقدرون على تحمله إذاً فماذا تستعجلون منه أيها المجرمون2 إنكم تستعجلون أمراً عظيماً. وقوله تعالى {أثم إذا ما وقع آمنتم به؟} 3 أي اتستمرون على التكذيب والعناد، ثم إذا وقع آمنتم به، وهل ينفعكم إيمانكم يومئذ؟ فقد يقال لكم توبيخاً وتقريعاً آلآن مؤمنون به، وقد كنتم به تستعجلون.
وقوله تعالى {ثم4 قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} ؟ يخبر تعالى أنه إذا دخل المجرمون النار وهم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي ذوقوا- تهكماً بهم- عذاب الخلد أي العذاب الخالد الذي لا يفني ولا يبيد إنكم ما تجزون أي ما تثابون إلا بما كنتم تكسبونه من الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: {ويستنبؤنك أحق هو؟} أي ويستخبرك المشركون المعاندون قائلين لك أحق ما تعدنا به من العذاب يوم القيامة؟ أجبهم بقولك {قل إي وربي5 إنه لحق، وما أنتم بمعجزين} الله ولا فائتينه بل لا بد وأن يلجئكم إلى العذاب إلجاءً، ويذيقكموه عذاباً أليماً دائماً وأنتم صاغرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لا يملك أحد من الخلق لنفسه فضلاً عن غيره ضراً يدفعه ولا نفعاً يجلبه إلا بإذن الله تعالى ومشيئته، وخاب الذين يُعولون على الأولياء في جلب النفع لهم ودفع الشر عنهم.
2- الآجال محدودة لا تتقدم ولا تتأخر فلذا لا معنى للجبن من العبد.
3- لا ينفع الإيمان ولا التوبة عند معاينة العذاب أو مَلَك الموت.
4- جواز الحلف بالله إذا أريد تأكيد الخبر.
5- إي حرف إجابة وتقترن دائماً بالقسم نحو إي والله، إي وربي.
__________

1 البيات: اسم مصدر ليلا كالسلام للتسليم.
2 المجرمون: أصحاب الجرم الذي هو الشرك والقائلون متى هذا الوعد من كفار مكة.
3 {أثم} الهمزة للاستفهام وقدمت على ثم العاطفة، لأنّ لها حق الصدارة والتقدير: ثم إذا وقع، والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب، وهو غير نافع لصاحبه فكيف ترضونه أنتم لأنفسكم.
4 {ثم} : حرف عطف، وهي هنا للتراخي الرتبي فهذا يقال للمشركين عند دخولهم النار وهو من باب التهكم بهم والتقريع لهم، وإعلامهم بمالا يستطيعون دفعه بحال: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} والقائلون هم خزنة جهنم.
5 {إي} : كلمة تحقيق وإيجاب، وتأكيد هي بمعنى (نعم) {وربى} قسم جوابه: {إنه لحق} أي: هو كائن لا شك فيه ولا محالة من وقوعه.

**************************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-03-2022 05:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (54) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
شرح الكلمات:
لافتدت به: لقدمته فداء لها.
وأسروا الندامة: أخفوها في أنفسهم على ترك الإيمان والعمل الصالح.
وقضي بينهم بالقسط: أي حكم الله بينهم بالعدل.
وعد الله حق: أي ما يعدهم الله به هو كائن حقاً.
موعظة من ربكم: أي وصية من ربكم بالحق والخير، وباجتناب الشرك والشر.
وهدى: أي بيان لطريق الحق والخير من طريق الباطل والشر.
فضل الله ورحمته: ما هداهم إليه من الإيمان والعمل الصالح، واجتناب الشرك والمعاصي.
فبذلك فليفرحوا: أي فبالإيمان والعمل الصالح بعد العلم والتقوى فليسروا وليستبشروا.
هو خير مما يجمعون: أي من المال والحطام الفاني.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان أن ما وعد الله تعالى به المشركين من العذاب هو آت لا محالة إن لم يؤمنوا وإنه عذاب لا يطاق فقال تعالى {ولو أن لكل نفس ظلمت} أي نفسها بالشرك والمعاصي، لو أن لها ما في الأرض من مال صامت وناطق وقبل منها لقدمته فداء1 لها من العذاب، وذلك لشدة العذاب. وقال تعالى عن الكافرين وهم في عرصات القيامة وقد رأوا النار {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} 2 أي أخفوها في صدورهم ولم ينطقوا بها وهى ندمهم الشديد على عدم إيمانهم وإتباعهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى {وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي وقضى الله تعالى أي حكم بين الموحدين والمشركين والظالمين والمظلومين3 بالقسط الذي هو العدل الإلهي والحال أنهم لا يظلمون بأن يؤاخذوا بما لم يكتسبوا. وقوله تعالى {ألا إن4 لله ما في السموات والأرض} أي انتبهوا واسمعوا أيها المشركون إن لله ما في السموات والأرض من سائر المخلوقات ملكاً حقيقياً لا يملك معه أحد شيئا من ذلك فهو يتصرف في ملكه كما يشاء يعذب ويرحم يشقي ويسعد لا اعتراض عليه ألا أن وعد الله حق أي تنبهوا مرة أخرى واسمعوا إن وعد الله أي ما وعدكم به من العذاب حق ثابت لا يتخلف. وقوله تعالى: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} .
إذ لو علموا أن العذاب كائن لا محالة وعلموا مقدار هذا العذاب ما كفروا به وقوله تعالى {هو يحي ويميت وإليه ترجعون} يخبر تعالى عن نفسه أنه يحيي ويميت ومن كان قادراً على الإحياء والإماتة فهو قادر على كل شيء، ومن ذلك إحياء الكافرين بعد موتهم وحشرهم إليه ومجازاتهم على ما كسبوا من شر وفساد وقوله {وإليه ترجعون} تقرير مبدأ المعاد الآخر. بغد هذه التقريرات لقضايا العقيدة الثلاث: التوحيد، والنبوة، والبعث والجزاء نادى الله تعالى العرب والعجم سواء قائلاً {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة1 من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} وكل من الموعظة التي هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب والشفاء والهدى والرحمة قد حواها القرآن الكريم كأنه قال يا أيها الناس وفيكم الجاهل والفاسق والمريض بالشرك والكفر والضال عن الحق، والمعذب في جسمه ونفسه قد جاءكم القرآن يحمل كل ذلك لكم فآمنوا به واتبعوا النور الذي يحمله وتداووا به واهتدوا بنوره تشفوا وتكملوا عقلاً وخلقاً وروحاً وتسعدوا في الحياتين معاً.
وقوله تعالى {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك2 فليفرحوا هو خير مما يجمعون} أي بلِّغهم يا رسولنا آمراً إياهم بأن يفرحوا3 بالإسلام وشرائعه والقرآن وعلومه فإن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني، وما يعقب من آثار سيئة لا تحتمل ولا تطاق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عظم عذاب يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن يفتدى منه بما في الأرض جميعاً.
2- تقرير ربوبية الله تعالى لسائر المخلوقات في العالمين العلوي والسفلي.
3- الإشادة بفضل القرآن وعظمته لما يحمله من المواعظ والهدى والرحمة والشفاء.
4- يستحب الفرح بالدين ويكره الفرح بالدنيا.
__________

1 ولكن لا يقبل منها كما قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} .
2 إسرارهم الندامة كان عند معاينة العذاب، وقبل الدخول فيه، والندامة: الحسرة على وقوع مكروه أو فوات محبوب.
3 وبين الرؤساء والمرؤوسين، أي: بين المتبوعين والتابعين لهم.
4 {ألا} : كلمة استفتاح وتنبيه يؤتى بها في أوّل الكلام، معناها: انتبهوا لما أقول لكم.
5 المراد بالموعظة وما بعدما من الصفات القرآن الكريم إذ هو الجامع لكل ما ذكر، وإنما عطفت المذكورات لتأكيد المدح. كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم
6 قال أبو سعيد الخدري وابن عباس: فضل الله: القرآن، ورحمته الإسلام، وصحّت الإشارة بذلك إلى الاثنين لأنّ العرب تشير بذلك إلى المفرد والمثنى والجمع.
7 روي أن من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة (الفقر) كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه ثم تلا: {قل بفضل الله} الآية.




ابوالوليد المسلم 16-03-2022 05:04 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (9)
الحلقة (480)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 484الى صــــ 488)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني.
ما أنزل الله لكم من رزق: أي الذي خلق لكم من رزق كلحوم الأنعام.
ءآلله أذن لكم: أي في التحريم حيث حرمتم البحيرة والسائبة وفي التحليل حيث أحللتم الميتة.
يفترون على الله الكذب: أي يختلقون الكذب تزويراً له وتقديراً في أنفسهم.
وما تكون في شأن: أي في أمر عظيم.
شهوداً إذْ تفيضون فيه: أي تأخذون في القول أو العمل فيه.
وما يعزب عن ربك: أي يغيب.
من مثقال ذرة: أي وزن ذرة والذرة أصغر نملة.
إلا في كتاب مبين: أي اللوح المحفوظ ومبين أي واضح.
معنى الآيات:
سياق الآيات في تقرير الوحي وإلزام المنكرين له من المشركين بالدليل العقلي قال
تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل لهؤلاء المشركين1 {أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} أي أخبروني عما خلق الله لكم من نبات وطعام وحرث فجعلتم منه حراماً كالبحيرة والسائبة والثياب التي تحرِّمون الطواف بها والحرث الذي جعلتموه لالهتكم، وحلال كالميتة التي تستبيحونها {ءالله أذن لكم} 2 في هذا التشريع بوحي منه {أم على الله تفترون} فإن قلتم الله أذن لنا بوحي فلم تنكرون الوحي وتكذبون به، وإن قلتم لا وحي ولكننا نكذب على الله فموقفكم إذاً شر موقف إذ تفترون على الله الكذب والله تعالى يقول: {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} أي إذا هم وقفوا بين يديه سبحانه وتعالى ما ظنهم أيغفر لهم ويعفى عنهم لا بل يلعنون وفي النار هم خالدون وقوله تعالى {إن الله لذو فضل على الناس} في كونه لا يعجل لهم العقوبة وهم يكذبون عليه ويشركون به ويعصونه ويعصون رسوله، {ولكن أكثرهم لا يشكرون} 3 وذلك لجهلهم وسوء التربية الفاسدة فيهم، وإلا العهد بالإنسان أن يشكر لأقل معروف وأتفه فضل.
وقوله تعالى {وما تكون في شأن4 وما تتلو منه من قرآن} أي وما تكون يا رسولنا في أمر من أمورك الهامة وما تتلو من القرآن من آية أو آيات في شأن ذلك الأمر {إلا كنا} أي نحن رب العزة والجلال {عليكم شهوداً} أي حضوراً {إذ تفيضون فيه5} أي في الوقت الذي تأخذون فيه، وقوله تعالى {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة6 في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} يخبر تعالى عن سعة علمه تعالى وإحاطته بسائر مخلوقاته بحيث لا يعزب أي لا يغيب عن علمه تعالى مثقال ذره أي وزن ذرة وهي النملة الصغيرة وسواء كانت في الأرض أو في السماء، وسواء كانت أصغر من النملة أوأكبر منها. بالإضافة إلى أن ذلك كله في كتاب مبين أي في اللوح المحفوظ. لهذا العلم والقدرة والرحمة استوجب التأليه والعبادة دون سائر خلقه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير الوحي وإثباته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- التحريم والتحليل من حق الله تعالى دون سائر خلقه.
3- حرمة الكذب على الله، وإن صاحبه مستوجب للعذاب.
4- ما أعظم نعم الله تعالى على العباد ومع هذا فهم لا يشكرون إلا القليل منهم
5- وجوب مراقبة الله تعالى، وحرمه الغفلة في ذلك.
6- إثبات اللوح المحفوظ وتقريره كما صرحت به الآيات والأحاديث.
__________

1 من كفّار قريش.
2 الاستفهام تقريري مشوب بالإنكار عليهم أيضاً. وعبر عن إعطائهم الرزق بإنزاله لهم، لأنّ أرزاقهم من حبوب وثمار وأنعام كلها متوفقة على المطر النازل من السماء حتى سمى العرب ببني ماء السماء. وشاهده قوله تعالى {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا صببنا الماء صبّا..} الآية.
3 بذكره وعبادته وحده بما شرع أن يعبد به، وعلّة عدم الشكر، انظرها في التفسير.
4 الشأن والجمع شؤون: الخطب والأمر الهام، والخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمّة معه وقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلو شأنه وسمو مقامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 الإفاضة في العمل: الشروع والدخول فيه.
6 الذرة: النملة الصغيرة، أو الهباءة التي تُرى في ضوء الشمس.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-03-2022 05:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
شرح الكلمات:
ألا: أداة استفتاح وتنبيه.
إن أولياء الله: جمع وليّ وهو المؤمن التقي بشرط أن يكون إيمانه وتقواه على نور من الله.
لا خوف عليهم: أي لا يخافون عند الموت ولا بعده، ولا هم يحزنون على ما تركوا بعد موتهم.
آمنوا: أي صدقوا بالله وبماء جاء عن الله وبرسول الله وبما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يتقون: أي ما يسخط الله تعالى من ترك واجب أو فعل حرام.
لهم البشرى: أي بالجنة في القرآن الكريم وعند الموت وبالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له.
لا تبديل لكلمات الله: أي لوعده الذي يعده عباده الصالحين، لأن الوعد بالكلمة وكلمه الله لا تبدل.
الفوز: النجاة من النار ودخول الجنة.
معنى الآيات:
يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التنبيه {ألا} وأداة التوكيد {إن} فيقول: {ألا إن أولياء1 الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي لا يخافون عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم بعد موتهم ولا في الدار الآخرة وبين تعالى أولياءه وعرف بهم فقال: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} 2 أي آمنوا به وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله عن ربه، وكانوا يتقون طوال حياتهم وسائر ساعاتهم سخط الله تعالى فلا يتركون واجباً هم قادرون على القيام به، ولا يغشون محرماً لم يُكرهوا عليه. وقوله تعالى: {لهم البشرى} في الحياة الدنيا3 وفي الآخرة: أي لهم بشرى ربهم في كتابه برضوانه ودخول الجنة ولهم البشرى بذلك عند الاحتضار تبشرهم الملائكة برضوان الله وجنته وفي الآخرة عند قيامهم من قبورهم تتلقاهم الملائكة بالبشرى.
وقوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} 4 وهو تأكيد لما بشرهم، إذ تلك البشرى كانت بكلمات الله وكلمات الله لا تتبدل فوعد الله إذاً لا يتخلف.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- ولاية الله تعالى بطاعته وموافقته في محابه ومكارهه فمن آمن إيماناً يرضاه الله، واتقى الله في أداء الفرائض واجتناب المناهي فقد صار ولي الله والله وليه.
2- البشرى هي ما يكرم الله به برؤيا صالحة يراها الولي أو تُرى له.
3- الأولياء هم أهل الإيمان والتقوى فالكافر والفاجر لا يكون وليا أبداً، إلا إذا آمن الكافر، وبَرَّ الفاجر بفعل الصالحات وترك المنهيات.
4- صدق إخبار الله تعالى وعدالة أحكامه، وسر ولايته إذ هي تدور على موافقة الرب تعالى فيما يجب من الاعتقادات والأعمال والأقوال والذوات والصفات وفيما يكره من ذلك فمن وافق ربه فقد والاه ومن خالفه فقد عاداه.
__________

1 الولي: مشتق من الولي بسكون اللام الذي هو القرب، ومتى زكت نفس المؤمن بالإيمان والعمل الصالح، وتخلّيها عن الشرك، والمعاصي قُرب من الله تعالى فوالاه، ومن آيات الولاية: استجابة الدعاء وهرمن الكرامات التي يكرم الله تعالى بها أولياءه وفي الحديث: "الذين يُذْكَرُ الله برؤيتهم" وفي لفظ. "الذين إذا رُؤوا ذُكر الله" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء، والشهداء. قيل من هم يا رسول الله؟ لمنا نحبّهم؟ قال: هم قوم تخابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله} الآية.
2 الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا أي: كأنّما سائل قال: مَنْ هم أولياء الله؟ فأجيب: الذين آمنوا وكانوا يتقون".
3 لحديث: "انقطع الوحي ولم يبق إلاّ المبشرات قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها البد المؤمن أو تُرى له".
4 كلمات الله هي: التي بها مواعيده ولذا فما يباشر الله تعالى به أولياءه هو كائن لا محالة إذ مواعيده لا تتبدل ووعوده لا تخلف.




ابوالوليد المسلم 25-03-2022 08:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (10)
الحلقة (481)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 488الى صــــ 492)


وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
شرح الكلمات:
لا يحزنك: أي لا يجعلك قولهم تحزن.
إن العزة لله: العزة الغلبة والقهر.
شركاء: أي شركاء بحق يملكون مع الله لعابديهم خيراً أو يدفعون عنهم ضراً.
إلا الظن: الظن أضعف الشك.
يخرصون: أي يحزرون ويكذبون.
لتسكنوا فيه: أي تخلدوا فيه إلى الراحة والسكون عن الحركة.
مبصراً: أي مضيئاً ترى فيه الأشياء كلها.
في ذلك: أي من جَعْلِهِ تعالى الليل سكناً والنهار مبصراً لآيات.
يسمعون: أي سماع إجابة وقبول.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير قضايا التوحيد الثلاث التوحيد والنبوة والبعث قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ولا يحزنك قولهم} أي لا يجعلك قول المشركين المفترين {لست مرسلاً} وأنك {شاعر مجنون} تحزن فإن قولهم هذا ينتج لهم إلا سوء العاقبة والهزيمة المحتمة، {إن العزة لله جميعاً} 1 فربك القوى القادر سيهزمهم وينصرك عليهم. إذا فاصبر على ما يقولون ولا تأس ولا تحزن. إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} خلقاً وملكاً وتصرفاً، كل شيء في قبضته وتحت سلطانه وقهره فكيف تبالي بهم يا رسولنا فتحزن لأقوالهم {وما يتبع الذين يدعون من دون ألله شركاء} أي آلهة حقاً بحيث تستحق العبادة لكونها تملك نفعاً أو ضراً، موتاً أو حياة لا بل ما هم في عبادتها متبعين إلا الظن {وإن هم إلا يخرصون} أي يتقولون ويكذبون. وقوله تعالى {هو الذي2 جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً} أي الإله الحق الذي يجب أن يدعى ويعبد الله الذي جعل لكم أيها الناس ليلاً مظلماً لتسكنوا فيه فتستريحوا من عناء العمل في النهار. وجعل لكم النهار مبصراً3 أي مضيئاً لتتمكنوا من العمل فيه فتوفروا لأنفسكم ما تحتاجون إليه في حياتكم من غذاء وكساء وليست تلك الآلهة من أصنام وأوثان بالتي تستحق الألوهية فتُدْعى وتُعبد. وقوله {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون4} أي إن فيما ذكر تعالى من كماله وعزته وقدرته وتدبيره لأمور خلقه آيات علامات واضحة على أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره، ولكن يرى تلك الآيات من يسمع سماع قبول واستجابة لا من يسمع الصوت ولا يفكر فيه ولا يتدبر عانيه فإن مثله أعمى لا يبصر وأصم لا يسمع.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1- على المؤمن الداعي إلى الله تعالى أن لا يحزنه أقوال أهل الباطل وأكاذيبهم حتى لا ينقطع عن دعوته، وليعلم أن العزة لله جميعاً وسوف يعزه بها، ويذل أعداءه.
2- ما يُعبد من دون الله لم يقم عليه عابدوه أي دليل ولا يملكون له حجة وإنما هم مقلدون يتبعون الظنون والأوهام.
3- مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والتدبير كافية في إثبات العبادة له ونفيها عما سواه.
__________

1 أي: القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده، والعزيز هو الغالب الذي لا يُغلب، والقوي الذي لا يُحال بينه وبين مراده. و {جميعاً} منصوب على الحال، وعزّة المؤمنين هي بعزّة الله فلا منافاة إذاً.
2 من الآية استدلال على عزته تعالى وملكه لكل شيء وقدرته وتصرفه في كل شيء وهو ما أوجب له العبادة دون ما سواه.
3 يقال أبصر النهار، إذا صار ضياء، وأظلم الليل إذا صار ذا ظلام.
4 الجملة المستأنفة، والآيات: الدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، والدلالة تكون مرئية ومسموعة ومعقولة، وعليه فالأعمى والأصم وغير العاقل لا يستفيدون منها فهذه علّة عدم استفادة المشركين من الآيات لفقدهم آلات العقل والسمع والبصر، إذ فسدت بالجهل والتقليد والعناد والمكابرة والجحود.

**************************************

يتبع



ابوالوليد المسلم 25-03-2022 08:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70)
شرح الكلمات:
سبحانه: أي تنزه عن النقص وتعالى أن يكون له ولد.
الغَنِيُّ: أي الغِنَى المطلق بحيث لا يفتقر إلى شيء.
إن عندكم من سلطان: أي ما عندكم من حجة ولا برهان.
بهذا: أي الذي تقولونه وهو نسبة الولد إليه تعالى.
متاع في الدنيا: أي ما هم فيه اليوم هو متاع لا غير وسوف يموتون ويخسرون
كل شيء.
يكفرون: أي بنسبة الولد إلى الله تعالى، وبعبادتهم غير الله. سبحانه وتعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تحقيق التوحيد وتقريره بإبطال الشرك وشبهه فقال تعالى: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} أي قال المشركون أن الملائكة بنات الله1 وهو قول مؤسف محزن للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقولهم له {لست مرسلاً} ، وقد نهي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة. ونزه الله تعالى نفسه عن هذا الكذب فقال سبحانه، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغَنيُّ الغِنَى الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد، وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات وما في الأرض الجميع خلقه وملكه فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له. وحجة أخرى هل لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت ذلك والجواب لا، لا. قال تعالى مكذباً إياهم: {إن عندكم من سلطان بهذا} 2 أي ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون ثم وبخهم وقرعهم بقوله: {أتقولون على3 الله ما لا تعلمون؟} وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} 4 إن قيل كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة أحياناً فالجواب في قوله تعالى {متاع في الدنيا} 5 أي ذلك متاع في الدنيا، يتمتعون به إلى نهاية أعمارهم، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً، ثم يذيقهم العذاب الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا، وعلل تعالى ذلك العذاب الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال: {بما كانوا يكفرون} 6 أي يجحدون كمال الله وغناه فنسبوا إليه الولد والشريك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً.
2- كل دعوى لا يقيم لها صاحبها برهاناً قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها.
3- أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران.
4- لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يؤول أمرهم إلى خسران دائم.
__________

1 وقال اليهود: عزير بن الله وقال النصارى عيسى بن الله والكل مفتر كذَّاب، ولا شك أن الشيطان هو الذي زيّن لهم هذا الباطل ليغويهم فيضلهم ويهلكهم.
2 إن نافية بمعنى: (ما) كما هي في التفسير أي: ما عندكم من حجة تثبت ما ادعيتموه وتُلزم به لقوتها كقوة ذي السلطان.
3 الاستفهام للتوبيخ والتقريع بجهلهم وكذبهم إذ الولد يتطلب المجانسة والمشابهة بينه وبين من ينسب إليه وأين ذلك؟ والله ليس كمثله شيء إذ هو خالق كل شيء.
4 الفلاح: الفوز، والفوز هي السلامة من المرهوب والظهر بالمحبوب المرغوب، والمفترون على الله الكذب لا ينجون من النار ولا يدخلون الحنة فهم إذا خاسرون غير مفلحين.
5 هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب سؤال هو: كيف لا يفلحون وهم في عزّة وقدرة وسلطان فيجاب السائل: بأن هذا متاع في الدنيا زائل لا قيمة له، بالمقابلة بالفلاح المنتفي عنهم وهو فلاح الآخرة.
6 الباء في {بما كانوا يكفرون} للتعليل الذي هو السببيّة أي: بسبب كفرهم، إذ الكفر خبث نفوسهم فاستوجبوا النار وعذابها.



ابوالوليد المسلم 25-03-2022 08:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (11)
الحلقة (482)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 492الى صــــ 497)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (71) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ نوح: أي اقرأ على المشركين نبأ نوح أي خبره العظيم الخطير.
كبر عليكم مقامي: أي عظم عليكم مقامي بينكم أدعو إلى ربي.
فأجمعوا أمركم: أي اعزموا عزماً أكيداً.
غمّة: أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه إلى ما تريدون.
ثم اقضوا إلي: أي انفذوا أمركم.
ولا تنظرون: أي ولا تمهلون رحمة بي أو شفقة علي.
فإن توليتم: أي أعرضتم عما أدعوكم إليه من التوحيد.
في الفلك: أي في السفينة.
خلائف: أي يخلف الآخر الأول جيلاً بعد جيل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية المشركين بالرد على دعاواهم وبيان الحق لهم وفي هذه الآيات يأمر الله تعالى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ عليهم طرفاً من قصة نوح مع قومه المشركين الذين كانت حالهم كحال مشركي العرب سواء بسواء وفي قراءة هذا القصص فائدتان الأولى تسلية الرسول وحمله على الصبر، والثانية تنبيه المشركين إلى خطإهم، وتحذيرهم من الاستمرار على الشرك والعصيان فيحل بهم من العذاب ما حل بغيرهم قال تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} 1 أي خبره العظيم الشأن وهو قوله لهم {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} 2 أي عظم وشق عليكم وجودي بينكم أدعوكم إلى الله، وتذكيري إياكم بآيات الله، فإني3 توكلت على الله فأجمعوا أمركم أي اعزمرا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم، ثم أحذركم أن يكون أمركم عليكم غمة أي4 خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم عليه، ثم اقضوا5 إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفعي ولا
تنظرون أي لا تؤخروني أي تأخير. وقوله تعالى: {فإن توليتم} أي أعرضتم عن دعوتي وتذكيري ولم تقبلوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله تعالى وحده، فما سألتكم عليه من أجر أي ثواب، حتى تتولوا. إن أجري إلا على ربي الذي أرسلني وكلفني. وقد أمرني أن أكون من المسلمين له قلوبهم ووجوههم وكل أعمالهم فأنا كذلك كل عملي له فلا أطلب أجراً من غيره قال تعالى: {فكذبوه} أي دعاهم واستمر في دعائهم إلى الله زمناً غير قصير وكانت النهاية: أن كذبوه، ودعانا لنصرته فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة وجعلناهم خلائف6 لبعضهم بعضاً أي يخلف الآخر الأول، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها عبدنا نوحاً فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبة المنذرين الذين لم يقبلوا النصح ولم يستجيبوا للحق إنها عاقبة وخيمة إذ كانت إغراقاً في طوفان وناراً في جهنم وخسراناً قال تعالى في سورة نوح: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ قال لقومه: أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله.
2- ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر وتحمل مع مضاء عزيمة.
3- دعوة الله لا ينبغي أن يأخذ الداعي عليها أجراً إلا للضرورة.
4- بيان سوء عاقبة المكذبين بعد إنذارهم وتحذيرهم.
__________

1 {اتل} فعل أمر حذفت منه الواو لبنائه على حذفها إذ ماضيه تلا ومضارعه يتلو، والأمر: اتل بمعنى اقرأ، والتلاوة: موالاة الكلمات والقراءة جمعها.
2 المقام: بفتح القاف، موضع القيام، والمُقام بالضمّ الإقامة، ومعنى كبُر: ثقل وعظم.
3 هذه الجملة {فعلى الله توكلت} هي جواب الشرط الذي هو: فان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله التي هي دلائل فضله ودلائل وحدانيته تعالى.
4 الغمّة والغمَ بمعنى واحد، ومعناه التغطية والستر ومنه: غم الهلال إذا استتر، قال الشاعر:
لعمرك ما أمري عَليّ بغمّة ... نهاري ولا ليلي عليَّ بسرمد
وأصل الغمّ: مشتق من الغمامة، وكل أمر مبهم ملتبس فهو غمّة.
5 أي: أنفذوا ما حكتم به عليَّ من قتلي إن أردتم ذلك.
6 جمع خليفة وهو اسم لمن يخلف غيره.

************************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 25-03-2022 08:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
شرح الكلمات:
بالبينات: أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما يدعون إليه من توحيد الله تعالى.
نطبع: الطبع على القلب عبارة عن تراكم الذنوب على القلب حتى لا يجد الإيمان إليه طريقاً.
المعتدين: الذين تجاوزوا الحد في الظلم والاعتداء على حدود الشرع.
الحق.: الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وهي تسع.
لتلفتنا: لتصرفنا وتحول وجوهنا عما وجدنا عليه آباءنا.
الكبرياء: أي العلو والسيادة والملك على الناس.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى طرفاً من قصة نوح عليه السلام وأبرز فيها مظهر التوكل على الله تعالى من نوح ليُقتدى به، ومظهر نصرة الله تعالى لأوليائه وهزيمته أعدائه ذكر هنا سنة من سننه في خلقه وهي أنه بعث من بعد نوح رسلاً كثيرين1 إلى أممهم فجاؤوهم بالبينات أي بالحجج والبراهين على صدقهم وصحة ما جاءوا به ودعوا إليه من توحيد الله، فما كان أولئك الأقوام ليؤمنوا بما كذب به من سبقهم من أمة نوح. قال تعالى: {كذلك نطبع على2
قلوب المعتدين} هذا بيان سنة الله تعالى في البشر وهي أن العبد إذا أذنب وواصل الذنب بدون توبة يصبح الذنب طبعاً من طباعه لا يمكنه أن يتخلى عنه، وما الذنب إلا اعتداء على حدود الشارع فمن اعتدى واعتدى وواصل الاعتداء حصل له الطبع وكان الختم على القلب فيصبح لا يقبل الإيمان ولا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر. وقوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون} 3 أي من بعد الأمم الهالكة بعثنا رسولينا موسى وهرون ابني عمران إلى فرعون وملئه بآياتنا المتضمنة الدليل على صحة مطلب رسولينا وهو توحيد الله وإرسال بني إسرائيل معهما، {فاستكبروا} أي فرعون وملؤه {وكانوا قوماً مجرمين} حيث أفسدوا القلوب4 والعقول وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء يقول تعالى عنهم {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين} أي لما بهرتهم المعجزات وهي آيات موسى وأبطلت إفكهم قالوا إن هذا لسحر مبين تخلصاً من الهزيمة التي لحقتهم، فرد موسى عليهم بقوله {أتقولون للحق لما جاءكم} هذا سحر5 ثم بعد توبيخهم استدل على بطلان قولهم بكونه انتصر عليهم فأفلح بينهم وفاز عليهم فقال: {أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} فلو كان ما جئت به سحراً فكيف أفلحت في إبطال سحركم وهزيمة سحرتكم. فلما أفحمهم بالحجة قالوا مراوغين: {أجئتنا لتلفتنا} أي تصرفنا {عما وجدنا عليه آباءنا، وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي وتكون لكما السيادة والملك في أرض مصر فسلكوا مسلك الاتهام السياسي. وقالوا {وما نحن لكما بمؤمنين} أي بمصدقين ولا متبعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على القلوب فيحرم العبد الإيمان والهداية.
2- ذم الاستبكار وأنه سبب كثير من الإجرام.
3- تقرير أن السحر صاحبه لا يفلح أبداً ولا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مرهوب.
4- الاتهامات الكاذبة من شأن أهل الباطل والظلم والفساد.
__________

1 كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم.
2 {نطبع} نختم، إذ الختم والطبع واحد، والطبع يكون بالخاتم.
3 أي: من بعد الرسول والأمم إذ لكل امّة رسول.
4 أفسدوا القلوب بالشرك والكفر والعقول بالسحر والأباطيل وسفكوا الدماء بقتل ذكران بني إسرائيل الصغار (المواليد) .
5 مفعول {أتقولون} محذوف لدلالة الكلام عليه وهو: إن هذا لسحر مبين وتقدير الكلام أنهم لما قالوا في الآيات لسحر مبين رد عليهم موسى بقوله: أتقولون للحق لما جاءكم هذا. أسحر هذا؟ أي كيف يكون هذا الذي جئتكم به من الآيات سحراً؟ والساحر لا يفلح وقد أفلحت فبطل أن يكون ما جئتكم به من الآيات سحراً للحق: اللام يسميهم بعضهم لام المجاوزة فهي بمعنى عن أي: تقولون عن الحق كذا. والظاهر أنها لام التعليل.






ابوالوليد المسلم 25-03-2022 08:08 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يونس - (12)
الحلقة (483)
تفسير سورة يونس مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 497الى صــــ 501)


وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
شرح الكلمات:
ساحر عليم: أي ذو سحر حقيقي له تأثير عليم بالفن.
ألقوا: أي ارموا في الميدان ما تريدون إلقاءه من ضروب السحر.
إن الله سيبطله: أي يظهر بطلانه أمام النظارة من الناس.
ويحق الله الحق: أي يقرر الحق ويثبته.
بكلماته: أي بأمره إذ يقول للشيء كن فيكون.
المجرمون: أهل الإجرام على أنفسهم وعلى غيرهم وهم الظلمة المفسدون.
رجال دولته أن يحضروا له علماء السحر1 ليبارى موسى في السحر فجمع سحرته فقال لهم موسى {ألقوا ما أنتم ملقون} 2 فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، فنظر إليه موسى وقال: {ما جئتم3 به السحر إن الله سيبطله4 إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولوكره المجرمون} 5 وألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- للسحر طرق يتعلم بها وله علماء به وتعلمه حرام واستعماله حرام.
2- حد الساحر القتل لأنه إفساد في الأرض.
3- جواز المبارزة للعدو والمباراة له إظهاراً للحق وإبطالاً للباطل.
4- عاقبة الفساد وعمل أصحابه الخراب والدمار.
5- متى قاوم الحق الباطل انهزم الباطل وانتصر الحق بأمر الله تعالى ووعده الصادق.
__________

1 طلب فرعون بإتيانه بالسحرة إذ قال: أئتوني بكل ساحر عليم قال هذا لما شاهد العصا واليد البيضاء فاعتقد أنها سخر فأراد أن يقابله بسحر قومه.
2 أي: اطرحوا ما معكم من حبالكم وعصّيكم.
3 أي: ما أظهرتموه لنا من هذه الحبال والعصي، وقد تراءت وكأنها حيّات وثعابين هو السحر وعلّل لذلك. بقوله إنّ الله سيبطله وعلة أخرى وهو أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وإظهار اسم الجلالة في التعليلين: {إن الله سيبطله} {إنّ الله لا يصلح عمله المفسدين} لإلقاء الروع وتربية المهابة في النفوس.
4 قال ابن عباس رضي الله عنه من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية. {ما جئتم به السحر إنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين} لم يضرّه كيد ساحر.
5 أراد بالمجرمين: فرعون وملأه، وفي الكلام تعريض بهم، وعدل عن وصفهم بالإجرام لأنّه مأمور أن يقول قولاً ليّنأ فاستغنى بالتعريض بدل التصريح.

**************************************
يتبع


الساعة الآن : 03:08 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 134.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.09 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.37%)]