ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240319)

ابوالوليد المسلم 05-07-2025 05:46 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [568]
الحلقة (598)





شرح سنن أبي داود [568]

الوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، خلفه من صفات المنافقين، ويدخل خلف الوعد في الكذب المذموم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من الكذب في كل شيء، وكان يمزح فلا يكذب، وإنما يمزح بالحق كما وردت الأحاديث بذلك.

ما جاء في الوفاء بالوعد



شرح حديث (إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العدة. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عامر حدثنا إبراهيم بن طهمان عن علي بن عبد الأعلى عن أبي النعمان عن أبي وقاص عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له، فلم يف ولم يجئ للميعاد، فلا إثم عليه) ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العدة] والعدة: هي مصدر وعد يعد عدةً، أي: أنه حصل منه وعد فعليه أن ينجز ما وعد، والوعد إما أن يكون الإنسان عند وعده لا يريد أن يفي بما وعد، فهذا من قبيل الكذب، وهو مذموم؛ لأنه وعد وهو لا يريد الوفاء بالوعد، وإنما أراد الكذب في الوعد. وقد مر قريباً حديث المرأة التي قالت عند الرسول صلى الله عليه وسلم لصبيها (تعال أعطك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم وماذا تعطيه؟ قالت: تمراً، قال: أما إنك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبة). أما إذا كان الإنسان عند وعده يريد أن يفي به، ولكنه ما حصل له الوفاء إما لعجز أو لعدم قدرة، أو لوجود شيء ما شغله عن الوفاء بالوعد فهذا لا إثم عليه، ولكن عليه أن يعتذر ممن وعده ولم يف بوعده. أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له، فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه) ]. أي: إذا تواعد الإنسان مع شخص على أن يلتقي به من أجل اتفاق بينهما في مكان معين فلم يستطع الذهاب فلا شيء عليه. والحديث فيه رجلان مجهولان، وهو ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الإنسان عليه أن يفي بوعده إذا وعد، وألا يتخلف عن إنجاز الوعد إلا لأمر يقتضي ذلك، وإلا فإن إخلاف الوعد من صفات المنافقين التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر).
تراجم رجال إسناد حديث (إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب الزمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو موسى ؛ ولهذا عندما يذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب الشيوخ والتلاميذ، فإنه يكتفي ويقول: روى عنه فلان وفلان و أبو موسى ، فالمقصود بأبي موسى محمد بن المثنى. [ حدثنا أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. هو إبراهيم بن طهمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن عبد الأعلى ]. علي بن عبد الأعلى وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي النعمان ]. أبو النعمان وهو مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي وقاص ]. أبو وقاص وهو مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (بايعت النبي ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس النيسابوري حدثنا محمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء رضي الله عنه قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: يا فتى! لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك!) . قال أبو داود : قال محمد بن يحيى : هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق . قال أبو داود : هكذا بلغني عن علي بن عبد الله . قال أبو داود : بلغني أن بشر بن السري رواه عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن أبي الحمساء أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع وبقي له شيء فواعده أن يأتيه به في مكانه، فلم يأته، ثم لقيه بعد ثلاث في نفس المكان، وقال: شققت علي يا فتى! أنا هاهنا منذ ثلاث. وأورد أبو داود هذا الحديث من أجل إخلاف الوعد، وأنه لم يأت في الوقت المحدد، وترتب على ذلك أن جلس هذه المدة ينتظره، والحديث في متنه نكارة، وفي إسناده ضعف، ففيه نكارة من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس ثلاث ليال في مكانه ينتظر، وأنه قال: (أنا هاهنا منذ ثلاث) وفي إسناده من هو ضعيف، وهو عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق .
تراجم رجال إسناد حديث (بايعت النبي ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية…)


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس النيسابوري ]. هو محمد بن يحيى بن فارس النيسابوري الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سنان ]. محمد بن سنان وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل ]. إبراهيم بن طهمان مر ذكره، وبديل بن ميسرة وهو ثقة، أخرج له مسلم و أصحاب السنن. [عن عبد الكريم ]. هو عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ، وجاء في الروايات التي بعد هذا أن عبد الكريم هو ابن عبد الله بن شقيق، فتكون (ابن)-*- هذه جاء بدلاً منها عن، وقد أورد أبو داود عدة طرق بعد ذلك تبين أن عبد الكريم هو ابن عبد الله بن شقيق ، وليس عبد الكريم يروي عن عبد الله بن شقيق ، فالتصحيف بين ابن وعن؛ ولهذا يأتي في بعض الطبعات من الكتب التي لم تحقق ولم يعتن بها أنه أحياناً يكون الإسناد قصيراً، والسبب في ذلك أنه جعل شخصين شخصاً واحداً حيث أبدلت عن بابن فقصر الإسناد، مع أن بعض الأسماء مركبة من شيئين، وأذكر أن في بعض الطبعات التي اشتملت على مثل هذا طبعة جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الطبعة القديمة، فإن فيها تصحيفاً فعن يأتي بدلها (ابن) فيجعل الشخصين شخصاً واحداً. وعبد الكريم بن عبد الله مجهول أخرج له أبو داود . [عن عبد الله بن شقيق ]. هو عبد الله بن شقيق العقيلي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. الحافظ لما ذكر شقيقاً العقيلي قال: جاء في رواية موهمة، والصواب عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن أبي الحمساء . [عن عبد الله بن أبي الحمساء ]. عبد الله بن أبي الحمساء صحابي، أخرج له أبو داود . والإسناد فيه عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق وهو مجهول، ففيه نكارة من جهة المتن، وضعف من جهة الإسناد. [ قال أبو داود : قال محمد بن يحيى : هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ]. يعني: وليس عن عبد الله بن شقيق . [ قال أبو داود : هكذا بلغني عن علي بن عبد الله ]. هو علي بن عبد الله المديني ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ قال أبو داود : بلغني أن بشر بن السري رواه عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ]. بشر بن السري ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



حكم من أحرج بوعد فقال إن شاء الله لغرض التخلص


السؤال: إذا أحرجت بشخص يريد مني وعداً، وأنا أريد أن أتخلف عن الوعد، فقلت: سآتيك إن شاء الله؟ الجواب: يعتذر منه؛ لأنه قد يقول: إن شاء الله ويفهم منه التحقيق وأنه عازم.

عدم اشتراط النطق بالوعد في ثبوت الوعد


السؤال: هل يلزم لإبرام الوعد أن ينطق به فيقول: أعدك بهذا الشيء، أو هذا وعد أم أن مجرد النطق بالشيء يعتبر وعداً؟ الجواب: مجرد النطق بالشيء يعتبر وعداً، وليس بلازم أن يقول: أعدك كذا وكذا، وإنما يقول: سأفعل كذا وكذا، سأعطيك كذا وكذا، هذا هو الوعد.

حكم عدم الوفاء بالوعد بسبب المشقة


السؤال: إذا تضمن الوفاء بالوعد مشقة، فهل يجب الوفاء به؟ الجواب: إذا تضمن الوفاء به مشقة من جهة أنه حصل هذا، فينبغي له أن يعمل على إبلاغ الشخص؛ لئلا يشق عليه في الانتظار، أو يتكلف من أجله وهو قد منعه مانع، فليعمل على الاتصال به، لاسيما في هذا الزمان فقد صار الاتصال سهلاً عن طريق الهاتف.

ما يسقط الوفاء بالوعد


السؤال: ما هي الحالات التي يسقط فيها الوفاء بالوعد؟ الجواب: كون الإنسان وعد بشيء على أنه يقدر عليه ثم لم يتمكن من ذلك، فإنه يكون معذوراً إذا لم يف؛ لأنه وعد على أساس أنه يقدر ولم يقدر، فيكون معذوراً.
ما جاء في المتشبع بما لم يعط



شرح حديث: (...المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المتشبع بما لم يعط. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي جارة - تعني ضرة- هل علي جناح إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي؟ قال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) ]. أورد أبو داود : [باب في المتشبع بما لم يعط]. أي: الذي يستكثر من شيء وهو غير واجد له وغير مالك له، كأن يقول: عندي كذا وليس عنده، مما يترتب على ذلك إيهام السامع بأن عنده قدرة، فيؤدي ذلك إلى أن يتعامل معه بناءً على كلامه الكاذب غير الصحيح. أو يدعي أمراً ليس له، كأن يدعي نسباً شريفاً وهو ليس له هذا النسب، فإنه متشبع بما لم يعط، ومضيف لنفسه شيئاً ليس له، مثل ما هو موجود الآن في هذا الزمان من الانتساب إلى أهل البيت، فإن كثيراً من العجم فضلاً عن العرب يحصل منهم هذا الشيء، فتجدهم ينتسبون إلى أهل البيت، وهذا إذا كان الإنسان عالماً بذلك وفاعلاً لذلك عن علم أنه ليس كذلك، فإنه داخل تحت التشبع بما لم يعط، فهو أضاف شيئاً إليه وهو ليس عنده أو ليس له. أورد أبو داود حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: أن امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت: إن لي جارة- ضرة - فهل علي يعني من جناح إذا ذكرت لها أن زوجي أعطاني كذا وهو لم يعطني؟ فهي بهذا القول تريد أن تضرها وتريد أن تحزنها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)] يعني: أن كلامه وفعله زور، فهو كالمتصف بوصفين ذميمين، وهو أنه لابس ثوبي زور وليس ثوباً واحداً، وهذه زيادة في الإثم، وزيادة في الضرر.
تراجم رجال إسناد حديث (... المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة بن الزبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فاطمة بنت المنذر ]. هي زوجته وابنة عمه فاطمة بنت المنذر بن الزبير ، وهو هشام بن عروة بن الزبير ، وهو يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء بنت أبي بكر ]. أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في المزاح



شرح حديث (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله احملني قال النبي إنا حاملوك على ولد ناقة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المزاح حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن حميد عن أنس رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، احملني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟!) ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في المزاح ] والمزاح هو كون الإنسان يأتي بشيء يكون فيه مازحاً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يمزح، ولكن كان لا يقول في مزحه إلا حقاً، ففيه مداعبة وفيه مزح، ولكن مزحه يكون حقاً ليس فيه شيء يخالف الحق، أو شيء ليس بصحيح، بل هو صحيح. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله احملني) ] يعني: يريد منه أن يحمله على بعير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا حاملوك على ولد ناقة) ] فهو فهم أن ولد الناقة صغير لا يحمل عليه ولا يركب عليه، فقال: [ (وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟!) ] يعني: أن كل الإبل هي من ولد الناقة، فهذا مزاح وتورية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد العموم، وهذا فهم شيئاً خاصاً وهو الصغير الذي لا يستطيع أن يحمل. فهذا من مزحه صلى الله عليه وسلم ومداعبته لأصحابه. ومنه المرأة التي قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عجوز، فبكت فقال لها: إن النساء إذا دخلن الجنة يعدن أبكاراً) أي لا يدخلن الجنة وهن عجائز، بل يدخلن الجنة وهن شابات، فهي فهمت أن العجوز في الدنيا لا تدخل الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أنها لا تدخل المرأة الكبيرة الجنة وهي كبيرة عجوز، وإنما تدخل وهي شابة كما قال الله عز وجل: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:35-37].
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله احملني قال النبي إنا حاملوك على ولد ناقة ...)


قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه رباعي.
قصة مزاح الشيخ ابن باز مع الشيخ عبد العزيز بن ماجد مؤذن الجامع الكبير بالرياض


هذا الحديث دليل على جواز التورية بقصد المزاح، وأذكر من مزاح شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أنه كان في المدينة وذهب إلى الرياض، ولقيه الشيخ عبد العزيز بن ماجد رحمة الله عليه مؤذن الجامع الكبير بالرياض، وكان يؤذن ونحن طلاب منذ مدة طويلة، يعني: له أربعون سنة تقريباً وهو يؤذن في هذا المسجد، وقد توفي قبل سنتين تقريباً، فقال له الشيخ: إني سمعتك البارحة تؤذن قبل دخول وقت الأذان بنصف ساعة. يعني: الشيخ ابن باز كان في المدينة وذاك في الرياض، ومعلوم أن الأذان في الرياض قبل المدينة بنصف ساعة، فالشيخ يقول: أنا سمعتك تؤذن قبل دخول الوقت بنصف ساعة، يعني: قبل دخول الوقت عندنا في المدينة.
شرح حديث (استأذن أبو بكر على رسول الله فسمع صوت عائشة...)


[ قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج أبو بكر : كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟! قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد فعلنا، قد فعلنا) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن أباها دخل عليها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صوتها عالياً، فغضب عليها وأراد أن يلطمها، فالرسول صلى الله عليه وسلم حال بينه وبينها، فخرج مغضباً، يعني أنه دخل ثم خرج مغضباً، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : كيف رأيتني منعتك من الرجل؟ يعني: حلت بينك وبينه، ثم إن أبا بكر جاء مرة أخرى فوجدهما قد اصطلحا فقال: [ (أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما) ] يعني: المرة الأولى حصل فيها خصام وخرج مغضباً، وهذه المرة صارا مصطلحين، فالأولى فيها حرب والثانية فيها سلم. فقال: [ (أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا، قد فعلنا) ] هذا الحديث في متنه شيء، من جهة كون أبي بكر يفعل هذا الفعل مع أنه معروف بالرحمة وبالرأفة ومعروف باللطف رضي الله عنه، وما كان معروفاً بالشدة، اللهم إلا أن شدته عرفت في حروب الردة مع لطفه ومع سماحته ومع رفقه، لكن في قتال المرتدين تغلب على غيره وفاق غيره، و عمر بن الخطاب الذي كان شديداً صار أبو بكر أشد منه فيما يتعلق بحروب الردة. فصفات أبي بكر رضي الله عنه من الهدوء وعدم الشدة وكونه أراد أن يلطمها، ثم إن الرسول يمنعه منها، ثم يخرج مغضباً، فهذا لا يخلو من شيء، والإسناد فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة، والحديث ضعفه الألباني .
تراجم رجال إسناد حديث (استأذن أبو بكر على رسول الله فسمع صوت عائشة...)


قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن أبي إسحاق ]. هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. وهو عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العيزار بن حريث ]. العيزار بن حريث ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي . [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فسلمت فرد وقال: ادخل، فقلت: أكلي يا رسول الله؟ قال: كلك، فدخلت)]. أورد أبو داود حديث عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في قبة من أدم، أي: من جلد، فجاء إليه واستأذن فقال: [ (ادخل، قال: أكلي؟) ] يعني: هل كلي أدخل؟ فكأن هذا فيه إشارة إلى صغر القبة. [ (فقال: كلك) ] يعني: كونه قال: (كلك) هذا من المزح.
تراجم رجال إسناد حديث (أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم)


قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن بسر بن عبيد الله ]. بسر بن عبيد الله وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. أبو إدريس الخولاني واسمه عائذ الله وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف بن مالك الأشجعي ]. عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

ابوالوليد المسلم 05-07-2025 05:47 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 



شرح أثر (إنما قال أدخل كلي؟ من صغر القبة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة قال: إنما قال: أدخل كلي؟ من صغر القبة ]. أورد أبو داود هذا الأثر المقطوع عن عثمان بن أبي عاتكة وفيه أنه بين التعليل بقوله: إنما قال ذلك من صغر القبة، يعني: هذا الكلام الذي قاله عوف بن مالك من صغر القبة، فهو إن كان المقصود به حكاية لشيء قد وقع فهو معضل؛ لأن فيه انقطاعاً، وبينه وبين الصحابي مسافة، وإن أراد به إنما هو تفسير منه وفهم منه فلا يبعد أن يكون كذلك، ولكن عثمان هذا فيه ضعف؛ ولهذا قال الشيخ الألباني : إنه ضعيف مقطوع.
تراجم رجال إسناد أثر (إنما قال أدخل كلي؟ من صغر القبة)


قوله: [ حدثنا صفوان بن صالح ]. صفوان بن صالح ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير. [ حدثنا الوليد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ]. الوليد مر ذكره، وعثمان بن أبي العاتكة قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ، وهذا ليس منها، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة.
شرح حديث (يا ذا الأذنين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا شريك عن عاصم عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا ذا الأذنين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (يا ذا الأذنين) ] يعني: أنه يمازحه. وكل إنسان له أذنان، ولكنه قال ذلك يخاطبه مازحاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو يمزح ولا يقول إلا حقاً.
تراجم رجال إسناد حديث (يا ذا الأذنين)


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي ]. إبراهيم مهدي هو مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره. وهذا إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عن أبي داود .
أخذ الشيء على المزاح



شرح حديث (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يأخذ الشيء على المزاح. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب ح وحدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، وقال سليمان : لعباً ولا جداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها)، لم يقل ابن بشار : ابن يزيد ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]. أورد أبو داود [ باب: من يأخذ الشيء على المزاح ] يعني: أن ذلك منهي عنه إذا ترتب عليه فزع الإنسان أو ذعر الإنسان أو حزن الإنسان، بأن يظن أنه سرق وما إلى ذلك، فإن ذلك غير سائغ. أورد أبو داود حديث يزيد بن سعيد الكندي رضي الله عنه والد السائب بن يزيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً) ] يعني: لا يأخذه على سبيل المزح ولا على سبيل الحقيقة. قوله: [ (ولا جاداً) ] يعني: أنه يأخذه ليتموله أو ليختص به. قوله: [ (لاعباً) ] أي: مازحاً؛ لأن ذلك يفزعه ولو رده إليه وأعاده إليه، فإن ذلك إذا لم يكن عن علم منه فإن ذلك يدخل في نفسه الحزن والتألم، ولا ينبغي في حق المسلم أن يحزن أخاه وأن يسيء إلى أخيه، بأن يجعله يتألم ويتأثر لأمر قد حصل له وهو لا يعلم من الذي أخذ هذا الشيء، وقد يفهم أنه أخذه إنسان سرقة، فيتأثر بذلك ويتألم بذلك. قوله: [ (ومن أخذ عصا أخيه فليردها إليه) ] يعني: وسواء كان ذلك جاداً أو مازحاً؛ لأنه لا يجوز له أن يأخذ من أخيه شيئاً إلا عن طيب نفس منه، فإذا أعطاه إياه عن ارتياح وعن اطمئنان فله أن يأخذه.
تراجم رجال إسناد حديث (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً)


قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب ببندار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا شعيب بن إسحاق ]. شعيب بن إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد ]. عبد الله بن السائب بن يزيد وثقه النسائي ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي. [ عن أبيه ]. السائب بن يزيد وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقد جاء عنه أنه قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) يعني: أنه في حجة الوداع عمره سبع سنين وهو من صغار الصحابة. [ عن جده ]. هو يزيد بن سعيد وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي. [ لم يقل ابن بشار : ابن يزيد ]. يعني: لم يقل ابن بشار : عبد الله بن السائب بن يزيد وإنما قال: عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده. [ (وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: هناك فرق في الصيغة فواحد قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، والآخر قال: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا من أمثلة دقة المحدثين وعنايتهم بالألفاظ التي يروونها، فهم يأتون بها كما جاءت بحيث يفرقون بين من يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وبين من يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (... لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن عبد الله بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: (حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) ]. أورد أبو داود حديث جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم وكان معه حبل، فجاء شخص فأخذ الحبل مازحاً، فقام فزعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) ] لأنه لما أخذ الحبل من يده واستيقظ بسبب ذلك وتنبه لذلك قام فزعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الترويع، وعن كون الإنسان يفزع أخاه ويروع أخاه.
تراجم رجال إسناد حديث (... لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن يسار ]. عبد الله بن يسار وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وهم غير مسمين، ومعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله عنهم وأرضاهم.
الأسئلة



حكم صلاة التسبيح


السؤال: هل ورد في صلاة التسبيح حديث صحيح، وهل يعمل بها؟ الجواب: ورد فيها حديث صححه بعض أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، ومن المتأخرين الشيخ الألباني رحمه الله، وضعفه كذلك بعض أهل العلم من المتقدمين ومن المتأخرين، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ومن المعاصرين شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، كذلك الشيخ ابن عثيمين وغيرهم، والحديث في متنه نكارة، وهو أن فيه: أن من صلى صلاة التسبيح في العمر مرة واحدة، فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه دقه وجله وأوله وآخره وكبيره وصغيره.. إلى آخره. ومثل هذا يدل على النكارة في المتن، وفي الرجال من فيه شيء من الكلام.

حكم تغيير اسم الوالد المتوفي لقبحه دون رضا الإخوة

السؤال: يقول شخص: إن اسم الوالد غير مستحسن، فهل يغير ولو لم يوافق الإخوة على ذلك، والوالد متوفى؟ الجواب: ما دام الوالد قد توفي لا يغير، بل يبقى على ما هو عليه، فالأسماء التي في الأنساب لا تغير؛ لأنك تجد فلان بن فلان بن عبد العزى ولم تغير أسماء آبائهم وأسماء أجدادهم، فهذا علي بن أبي طالب هو ابن عبد مناف ، فلم يغير، كذلك أبو لهب له أولاد ولم يغيروا اسم أبيهم. وإذا كان الأحفاد ينبزون ويعيرون إذا ذكر اسم الجد، فيمكن أن يتجاوزه فيكون منسوباً إلى من هو فوقه، يعني: بدل ما يذكرون اسم الجد القريب الذي يترتب عليه إساءة إليهم، فإنهم يتجاوزونه إلى جد فوقه، ويصير مثل ما يأتي كثيراً نسبة المرء إلى جده .

درجة حديث (تحية البيت الطواف) ومعناه


السؤال: ما حكم هذا الحديث وما معناه: (تحية البيت الطواف) ؟ الجواب: ما أعلم شيئاً عن صحته، ولكن إذا دخل الإنسان الكعبة فإن كان يريد أن يجلس أو يقرأ قرآناً، أو جاء للصلاة، فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أما إن كان يريد أن يطوف فليطف ثم يصلي ركعتين، ولا يقال: إن كل من دخل المسجد لا يجلس حتى يطوف بالبيت؛ لأن الإنسان قد يدخل للصلاة ولا يريد أن يطوف، وقد تكون الصلاة قريبة ولا يمكنه أن يأتي بالطواف، فما أعرف شيئاً عن ثبوته، ولكن تحية البيت هو أن الإنسان إذا دخل ليجلس أو يقرأ قرآناً فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، وأما إن كان يريد أن يطوف فإنه يطوف، وإذا فرغ فإنه سيصلي ركعتي الطواف قبل أن يجلس، حتى لو كان هذا أول قدوم لمكة بالنسبة للشخص، وجاء والصلاة قريبة ولا يمكنه أن يطوف إلا بعد الصلاة، فإنه يصلي ركعتين ويجلس.

حكم العادة السرية وإفسادها للصوم


السؤال: هل العادة السرية تفسد الصوم ؟ الجواب: نعم تفسد الصوم وعليه القضاء وعليه الإثم وعليه التوبة إلى الله عز وجل، وألا يعود إلى ذلك؛ لقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]. فقوله تعالى: (( وَرَاءَ ذَلِكَ )) يعني: كل شيء وراء الزوجة وملك اليمين فهو من العدوان، فيدخل تحت ذلك العادة السرية وكل استمتاع محرم.

حكم أخذ الصدقة من شخص يغلب الحرام في ماله


السؤال: هل يجوز أخذ الصدقة من رجل يغلب الحرام على ماله؟ الجواب: إذا كان يغلب عليه الحرام في ماله فالتنزه عن ذلك أمر مطلوب.

حكم حكاية القصص غير الواقعية لأخذ العبرة أو الطرفة


السؤال: إذا كان الإنسان يحكي قصصاً ولا يدري عن صحتها، وإنما لأخذ العبرة أو الطرفة، ومن ذلك القصص التي تذكر على ألسنة الحيوانات، فهل هذا جائز؟ الجواب: كون الإنسان يحرص على أن يكون جاداً وألا يهتم بالمزاح هو الذي ينبغي؛ لأن بعض الناس تجده مولعاً بالمزاح ويجمع ما هب ودب، ويشغل نفسه عن الجد، وهذا لا ينبغي للإنسان، لكن إذا كان في أشياء ذكرت مثل حياة الحيوان فذكرها وعزاها إلى مكانها فلا بأس بذلك، لكن المهم في الأمر كما قلت أن الإنسان يكون شأنه الجد وليس شأنه الهزل.

حكم إحضار الفيديو وأشرطته المسلية للأطفال


السؤال: مشاهدة أشرطة الفيديو التي فيها نوع تسلية للأطفال، وفي بعضها تعليم للأذكار اليومية، خاصة وأن الأطفال يلحون على إحضارها، هل هي من الأشياء التي فيها الكذب؟ وما هو البديل لذلك، خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن هل أحضر لهم الفيديووأشرطته؟ الجواب: علمهم ولقنهم ولا تحضر لهم أشياء يشاهدونها، وإن كان فيه شيء من السلامة من ناحية أنه ليس فيه صور؛ فإنه قد ينجر الأمر ويتوسع فيه، بأن يأتوا بأشياء فيها محذور؛ لأنهم قد ألفوا ذلك.

حكم قول الرجل لزوجته (انتقلي إلى أهلك) بقصد الهجر لا الطلاق


السؤال: إذا قال الرجل لزوجته: انتقلي إلى أهلك، وهو يقصد بذلك هجرها مدة من الزمن لغضبه عليها، فهل يعتبر هذا القول طلاقاً؟ الجواب: لا، ليس طلاقاً؛ لأن هذه من الكنايات، والكنايات لا تعتبر طلاقاً إلا إذا أريد بها الطلاق، وأما إذا لم يرد الطلاق فإنها لا تعتبر طلاقاً، لفظ الطلاق الصريح هو الذي يقع الطلاق به، وأما الكنايات فإنه إن أراد بالكناية الطلاق فهو طلاق، وإن لم يرد بالكناية الطلاق فإنه لا يعتبر طلاقاً.

حكم كذبة إبريل


السؤال: هناك أمر منتشر بين الناس وهي كذبة إبريل، فهل من تنبيه؟ الجواب: الكذب مطلقاً هو حرام وغير سائغ، وإذا كان بمناسبة معينة لاسيما إن كانت القصة جاءت من الكفار فيكون حشفاً وسوء كيلة، يعني: شراً مضافاً إليه شر.

حكم من زنت وحملت من الزنا وأسقطت الجنين فندمت


السؤال: امرأة جاءت من بلادها تعمل كخادمة، ثم وقعت في فاحشة الزنا من شخص من بلادها وحملت من الزنا، فأشارت عليها بعض النسوة بأخذ دواء لإسقاط هذا الحمل، فأسقطت الحمل، وهو طفلة بنت أربعة أشهر، وتوفيت الطفلة، والمرأة الآن نادمة وتائبة تريد أن تقدم نفسها للمحكمة لإقامة الحد عليها، وهي امرأة ثيب فما توجيهكم؟ الجواب: إذا أرادت أن تقدم نفسها فلها ذلك، وإن استترت بستر الله وتابت إلى الله عز وجل وندمت على ما حصل، فمن تاب تاب الله عليه.

حكم استئجار ثوب الزفاف أو الذهب للنساء للتزين به في الحفلات


السؤال: البعض يستأجر ثوب الزفاف، وآخر يستأجر المشلح الغالي وأحياناً الذهب للنساء في ذهابهن للحفلات، فهل هذا يدخل في التشبع بما لم يعط؟ الجواب: إذا كان هذا الشيء غالياً، وأن يظن ملكه لذلك الشيء، فلا شك أنه من هذا القبيل، ولكن إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحصل على الشيء الذي يتزين به إلا بالأجرة فله ذلك، لكن كونه يتخذ شيئاً غالياً فهذا لا شك أنه داخل في التشبع بما لم يعط. وأما كون الإنسان يستأجر شيئاً يناسبه؛ لأنه ليس عنده القدرة على تحصيله ولو كان سعره قليلاً، فإنه لا بأس، مثل ما يستأجر البسط ويستأجر الفرش ويستأجر المشلح، أو تستأجر المرأة شيئاً من الحلي وهي تناسب مثلها.

حكم الجمع في كفارة اليمين بين الإطعام والكسوة


السؤال: هل يجوز الخلط بين الإطعام والكسوة في كفارة اليمين ؟ الجواب: يبدو أن ذلك جائز لا بأس به؛ لأن المقصود هو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإذا دفع نصفها كسوة ونصفها طعاماً فلا بأس بذلك.

حكم أخذ الرجل متاع غيره مازحاً للتحذير من الإهمال

السؤال: إذا أخذ الرجل متاع أخيه مازحاً؛ وذلك ليلقنه درساً حتى لا يهمل متاعه، فهل يدخل في النهي؟ الجواب: نعم، يدخل في النهي، وإذا أراد أن يذكره يقول له: انتبه لنفسك ولا تهمل متاعك، وأما أن يفزعه فلا.

حكم تحريك الأصبع في التشهد


السؤال: هل ورد حديث صحيح في تحريك الأصبع في الصلاة؟ الجواب: جاء في الحديث الصحيح: (كان يحركها ويدعو بها) أي في التشهد.

حكم من ترك التشهد الأول ونبه فرجع بعد أن استتم قائماً قبل الشروع في الفاتحة


السؤال: صلى إمام بجماعة صلاة المغرب ونسي التشهد الأول، ونبه على ذلك ورجع قبل أن يشرع في الفاتحة، لكنه بعد أن استتم قائماً، فهل الصلاة صحيحة ؟ الجواب: الصلاة صحيحة ولا بأس.

حكم من وجدت مبلغاً من المال في الحرم وتصدقت به قبل التعريف


السؤال: امرأة وجدت مبلغ خمسمائة ريال في ساحة الحرم، فلم تسلمها للمفقودات، وكذلك لم تعرف بها، ولكنها تحرت امرأة فقيرة وأعطتها هذا المبلغ، فما حكم عملها؟ الجواب: كان الواجب عليها ألا تتصرف فيها، وإنما تعطيها للجهة التي يمكن أن يرجع الناس إليها ويسألونها عن مفقوداتهم، هذا هو الذي ينبغي لها، أما كونها صرفتها فما أدري هل تكون برئت ذمتها بذلك؛ لأنه قد يكون صاحبها جاء يسأل عنها ومع ذلك لم يجدها، فتكون تسببت في الحيلولة بينه وبين حقه.

مسئولية الأخ الأكبر تجاه إخوانه الصغار بعد وفاة الأب


السؤال: توفي شخص وترك بعده أبناء كثيرين، فهل على الابن الأكبر أن يتحمل مسئولية إخوانه، بحيث يكون راعياً عليهم؟ وإذا كان كذلك فهل يتحقق عليه وعيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات وهو غاش لرعيته فقد حرمت عليه الجنة) علماً بأن إخوانه عندهم بعض المعاصي كالتدخين والاستماع إلى الأغاني ومشاهدة التلفاز وهم لا يحترمونه؟ الجواب: إذا كان أبوهم قد وصى إلى أحدهم واختار شخصاً بعينه، فإنه هو الذي تقع عليه المسئولية، وإن لم يكن كذلك فإن أكبرهم عليه أن يحافظ عليهم كما كان أبوه يحافظ عليهم، وكذلك أيضاً إخوانه الآخرون يتعاونون ويتناصحون وينبهونهم على الأخطاء التي وقعوا فيها، ويحذرونهم من مغبتها، وأخطر ما يكون من ذلك هذه الدشوش الخبيثة التي تنقل أوساخ العالم وتدخلها البيوت، فكل قاذورات العالم يمكن أن تصل إلى البيوت بسهولة ويسر، فيكون في ذلك الفساد والإفساد الذي ليس له حد وليس له نهاية. نسأل الله السلامة والعافية.

خروج المني الذي يفسد الصوم


السؤال: هل خروج المني من غير شهوة يفسد الصوم؟ الجواب: المني في الغالب يكون مع شهوة، حيث يخرج دفقاً بلذة، هذا هو المني، وقد يكون هذا الذي خرج بدون شهوة وبدون دفق مذياً وليس بمني، والمذي لا يفسد الصوم وإنما الذي يفسده خروج المني، والمني هو الذي يخرج دفقاً بلذة وبشهوة.

الفرق بين قول المحدثين (وفي رواية أخرى) و(وفي لفظ آخر)

السؤال: ما الفرق بين قول المحدثين: وفي رواية أخرى وقولهم: وفي لفظ آخر؟ الجواب: الذي يبدو أنه ليس بينهما فرق، ويمكن أن يكون بينهما فرق من ناحية أن فيه اختلافاً في العبارة وتعدداً، وأنها اختلفت، وأما قوله: وفي رواية أخرى، يعني: رواية أخرى غير هذه الرواية الموجودة.

حكم نسخ أشرطة الكاسيت وإسطوانات الكمبيوتر المكتوب عليها الحقوق محفوظة


السؤال: هل يجوز نسخ الأشرطة الكاسيت أو إسطوانات الكمبيوتر التي مكتوب عليها: الحقوق محفوظة؟ الجواب: الشيء المحفوظ يرجع في الاستحقاق والاستفادة منه إلى أهله، وأما إذا كان ثمنه باهظاً وأهله يريدون فيه أسعاراً خيالية لا يستحقونها، وأخذ الإنسان لنفسه شيئاً يخصه دون أن يبيع برخص فله ذلك، أما أن ينافس أولئك بأن يبيع بأرخص مما يبيعون فليس له ذلك.

الفرق بين الإسناد الجيد والإسناد الحسن


السؤال: ما الفرق بين قول المحدثين: إسناد جيد وإسناد حسن؟ الجواب: ذكر شارح البيقونية ابن السراج : أن الجيد من أسماء الصحيح وله أسماء كثيرة، قال: ولكن الجهبذ لا يعدل عن قول الصحيح إلى الجيد إلا لنكتة في سنده، فهو دون الصحيح وفوق الحسن.

درجة حديث (تسعة أعشار الرزق في التجارة)


السؤال: ما حكم حديث: (تسعة أعشار الرزق في التجارة) ؟ الجواب: هذا لا أعلم له أصلاً، وأذكر مرة من المرات قبل سنوات كثيرة أن شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه كان حاضراً في مؤتمر بمكة وكنت أيضاً معه، وكان أحد المنتسبين للعلم قد كتب مقالاً ويريد أن يلقيه على الشيخ، فكان مما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تسعة أعشار الرزق في التجارة) رواه البخاري ، فالشيخ قال: هذا الحديث لا نعرف له وجوداً لا في البخاري ولا في غير البخاري .

ثبوت حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله..)


السؤال: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون في خدمة أهله، فإذا أذن للصلاة ترك كل شيء وفزع لها؟ الجواب: نعم ثبت من حديث عائشة : (أنه صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، وإذا جاءت الصلاة خرج للصلاة) ."




ابوالوليد المسلم 05-07-2025 05:54 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [569]
الحلقة (599)



شرح سنن أبي داود [569]

إن التكلف والتشدق والتقعر في الكلام مذموم في الشرع، وأما البلاغة والفصاحة والبيان من غير تكلف فمحمودة إذا استخدمت في الخير، وفي نشر العلم والأخلاق والفضيلة. والشعر منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، فالمحمود ما كان في الخير، وما لم يشغل عن القرآن والحديث والذكر، وما لم يكن الاشتغال به هو الغالب، وإلا فسيصبح مذموماً، والشعر الحسن يجوز إنشاده في المسجد.

ما جاء في المتشدق في الكلام



شرح حديث (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام. حدثنا محمد بن سنان الباهلي -وكان ينزل العوقة- حدثنا نافع بن عمر عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله -قال أبو داود : هو ابن عمرو رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المتشدق في الكلام ] وفي بعض النسخ: [ باب التشدق في الكلام ] والمقصود بذلك الإنسان الذي يتفاصح ويتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، ولم يكن ذلك له سليقة، فيتكلف ويأتي بشيء عن طريق التكلف، أما إذا كان من غير تكلف بأن يعطي الله الإنسان فصاحة وبلاغة فتكلم واستخدم فصاحته وبلاغته في بيان الحق، فإن ذلك غير مذموم. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) ]. وهذا الحديث فيه أن الله يبغض الذي يتكلف البلاغة، ويأتي بشيء عن تقعر وتكلف، ووصفه بأنه يشبه البقرة التي تتخلل بلسانها وتحرك لسانها وتديره وتمده، يعني: أنه يتكلف ويتقعر كما أن البقرة هذا شأنها وهذه طريقتها في كونها تستعمل لسانها في أكلها، وقيل: إن البقرة ليست كالبهائم؛ لأن البهائم تتناول الشيء بأسنانها، وأما هي فتتناول الشيء بلسانها. فشبه من يتفاصح ويتكلف البلاغة والفصاحة بالبقرة التي تحرك لسانها وتمده وتميله يميناً وشمالاً. وفي هذا إثبات صفة البغض لله عز وجل حيث قال: [ (إن الله يبغض) ] فهذه من صفات الله عز وجل التي يجب إثباتها لله عز وجل كما يليق به، كما هو الشأن في جميع الصفات. وفيه: تحريم مثل هذا العمل وذمه، وأن صاحبه ممن هو مبغض عند الله سبحانه وتعالى. قوله: [ (الباقرة) ] يعني: المقصود بها البقرة، والجمع الباقر، والمفرد الباقرة كما أن المفرد البقرة، والجمع البقر، وهذه من الجموع التي يكون فيها وزن المفرد أكثر من وزن الجمع؛ لأن الجمع مبناه أقل من مبنى المفرد، لأن المفرد مبني من أربعة حروف، والجمع مكون من ثلاثة حروف، بقر وبقرة، فمبناه أكبر من معناه؛ لأنه إذا اتسع اللفظ قل المعنى، فإذا قيل: بقرة فهي واحدة، وإذا قيل بقر ونقص حرف في الآخر صار يقصد به الجمع، فهي من الجموع التي تكون فيها حروف المفرد أكثر من حروف الجمع. والباقرة لغة في البقرة، وإذا حذفت التاء صار الجمع باقراً، كما أن البقرة إذا حذفت التاء منها صار الجمع بقراً، ومثل بقرة وبقر: شجرة وشجر.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها)


قوله: [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي وكان ينزل العوقة ]. محمد بن سنان الباهلي هو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا نافع بن عمر ]. نافع بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر بن عاصم ]. بشر بن عاصم وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو عاصم بن سفيان وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الله ، قال: أبو داود هو ابن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادله الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فيطلق عليهم لفظ العبادلة من الصحابة، وإن كان في الصحابة عدد كبير ممن يسمى عبد الله مثل: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن لفظ العبادلة غلب على هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة، والذين عمروا حتى استفاد من أدركهم من علمهم، وأما غيرهم ممن يسمى عبد الله فهم في الغالب من المتقدمين من الصحابة الذين لم يدركهم من التابعين مثل هؤلاء الذين أدركوا هؤلاء الصحابة الذين هم من صغارهم.
شرح حديث (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن عبد الله بن المسيب عن الضحاك بن شرحبيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : [ (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس) ] يعني: تصاريفه والتعمق فيه من أجل أن يسبي عقول الرجال ويستميل قلوب الناس إليه، وأنه إنما تعلم من أجل أن يصرف الناس إليه فهذا هو المذموم. قوله: [ (لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا) ] يعني: هذا يدل على أنه مذموم، والصرف النافلة والعدل الفريضة، وقيل غير ذلك، ولكن الحديث في إسناده ضعف من جهة أن فيه من هو مقبول، ومن جهة أن الضحاك قيل: إنه لم يرو عن الصحابة، وإنما روايته عن التابعين وليست عن الصحابة، ففيه احتمال الانقطاع، وفيه أيضاً الرجل الذي هو مقبول وهو عبد الله بن المسيب .
تراجم رجال إسناد حديث (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال)


قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن المسيب ]. عبد الله بن المسيب وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن الضحاك بن شرحبيل ]. الضحاك بن شرحبيل وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
شرح حديث ابن عمر (... إن من البيان لسحراً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس -يعني: لبيانهما- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: [ (قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس يعني لبيانهما) ] فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من البيان لسحراً، أو إن بعض البيان لسحر) ]. وهذا فيه بيان أن من الكلام ما يكون فيه فصاحة وبلاغة، فإن كان عن تكلف فهو الذي سبق أن مر ذمه، وأما إذا كان من غير تكلف فإنه محمود إذا صرف فيما هو خير، ومذموم إن صرف فيما هو شر. والإمام أبو داود أورده في باب التشدق في الكلام، ومعلوم أن التشدق في الكلام مذموم، لكنه يحمل على ما إذا كان عن تكلف، وأما إذا كان عن طبيعة وجبلة وسليقة وليس فيه تكلف، فإنه يكون محموداً إذا كان الإتيان به فيما هو خير، أما إذا كانت الفصاحة والبلاغة الجبلية الطبيعية صرفت فيما هو شر فهي شر. ومعلوم أن الباب باب ذم وليس باب مدح، ولكنه كما أشرت يحمل على أن المقصود به ما إذا كان عن تكلف، أو فصاحة طبيعية جبلية ولكنها صرفت في شر، ولكن ورود حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (إن من البيان لسحراً) ] الذي يبدو أنه مدح؛ لأنه كلام أعجبوا به، وليس فيه شيء يدل على الذم، ولكنَّ أبا داود أورده في باب التشدق فيحمل إيراده إياه على ما إذا كان عن طريق التكلف، أو أنه استعمل في شر، لأن من الناس من يكون فصيحاً بليغاً فيستخدم بلاغته في الشر ونشر الباطل وإظهار الباطل وإغواء الناس والعياذ بالله، ومنهم من يكون فصيحاً وفصاحته تستعمل في الخير. قوله: [ (قدم رجلان من المشرق) ]. الرجلان هما: الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم .
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (... إن من البيان لسحراً ...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث عمرو بن العاص (... لقد أمرت أن أتجوز في القول فإن الجواز هو خير)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني أنه قرأ في أصل إسماعيل بن عياش وحدثه محمد بن إسماعيل ابنه قال: حدثني أبي قال: حدثني ضمضم عن شريح بن عبيد قال: حدثنا أبو ظبية أن عمرو بن العاص رضي الله عنه (قال يوماً وقام رجل فأكثر القول، فقال عمرو : لو قصد في قوله لكان خيراً له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لقد رأيت -أو أمرت- أن أتجوز في القول؛ فإن الجواز هو خير) ]. أورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه: [ (أن رجلاً تكلم فأكثر الكلام، فقال عمرو رضي الله عنه: لو تجوز في الكلام لكان خيراً له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت أو أمرت أن أتجوز في القول؛ فإن الجواز هو خير) ]. يعني: اختصار الكلام والإتيان به مختصراً غير مطول هو خير، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، فكان يأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى؛ لأن كلامه جوامع عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (أمرت أن أتجوز) ] إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (أمرت) ] فالآمر له هو الله، وإذا قال الصحابي أمرت بكذا أو أمرنا بكذا فالآمر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد شك الراوي هل قال: أمرت أو رأيت.
تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص (.... لقد أمرت أن أتجوز في القول فإن الجواز هو خير)


قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني ]. سليمان بن عبد الحميد البهراني هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ أنه قرأ في أصل إسماعيل بن عياش ]. يعني: في أصل كتابه. [ وحدثه محمد بن إسماعيل ابنه قال: حدثني أبي ]. وأيضاً حدثه ابن إسماعيل بن عياش عن أبيه، فصار يروي الحديث من جهتين: من جهة أنه قرأه في أصل كتاب إسماعيل ثم رواه عنه، ومن جهة أنه رواه عن ابنه عن أبيه. وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن. أما محمد بن إسماعيل بن عياش فقد عابوا عليه أنه حدث عن أبيه من غير سماع، وحديثه أخرجه أبو داود . [ حدثني ضمضم]. هو ضمضم بن زرعة الحمصي ، وهو من أهل بلد إسماعيل بن عياش ، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير. [ عن شريح بن عبيد ]. شريح بن عبيد وهو حمصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا أبو ظبية ]. أبو ظبية وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة ، وقد رجعت إلى تهذيب التهذيب فما وجدت شيئاً من الكلام فيه، وإنما الكلام الذي فيه حسن، فقد وثقه يحيى بن معين كما نقل عنه ذلك من طريقين، وأثنى عليه أناس غيره، فقول الحافظ فيه: إنه مقبول غير مستقيم. [ أن عمرو بن العاص ]. عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



كيفية إثبات صفة البغض لله وغيرها من الصفات


السؤال: هل صفة البغض تثبت لله مطلقاً، أم لا بد من تقييدها مثل بغض المنافقين؟ الجواب: الله تعالى يبغض ويحب، فكما أن المحبة تثبت لله عز وجل وهي ليست لكل أحد، فالبغض يثبت لله عز وجل ولكن ليس لكل أحد. فالمحبة تثبت لله ويقال: من صفات الله المحبة، ويقال: من صفاته البغض، ولا يقال: إنه لا يذكر إلا مقيداً فيقال: من صفات الله بغض كذا، ومن صفات الله محبة كذا، بل يقال: من صفاته أنه يحب ويبغض، ولكن يحب من هو أهل للحب، ويبغض من هو أهل للبغض.

الكلام في نسبة محمد بن سنان الباهلي إلى العوقة


السؤال: ما معنى قوله عن محمد بن سنان الباهلي كان ينزل العوقة ؟ يعني: أنه كان يسكن وينزل هذه البلدة التي هي العوقة، والباهلي نسبة إلى قبيلة باهلة. قال الحافظ في التقريب: محمد بن سنان الباهلي أبو بكر البصري العوقي بفتح المهملة والواو بعدها قاف. فنسبه إلى البصرة ثم نسبه إلى العوقة، يعني: أن نسبته الأصلية بصري، ثم نزل العوقة، مثل ما يقولون: إن فلاناً كان في بلد كذا ثم انتقل إلى كذا، ولهذا يقول هنا: البصري ثم العوقي، ويقال في مثله البصري نزل كذا أو نزيل كذا. يعني: إن قيل: العوقي فنسبته صحيحة، وإن قيل: البصري فنسبته صحيحة. وقال صاحب العون: يذكر أن العوقة هذه محلة من محال البصرة. وأيضاً هي قرية في اليمامة. وهذا مثل الذي مر بنا أبو داود الحفري وهو كوفي. والحفر محلة من محلات الكوفة، فيقال له أحياناً : الحفري وأحياناً الكوفي ، وهذا إذا قيل له: العوقي أحياناً فهو نسبة إلى العوقة، وهي محلة في البصرة، وهي نسبة خاصة، وإذا قيل: البصري فهي نسبة عامة.

حكم تعلم إلقاء الخطبة والمسابقة في ذلك


السؤال: ما حكم تعلم إلقاء الخطبة والاشتراك في المسابقة فيها؟ الجواب: لا بأس أن يتعلم الإنسان أو يعود نفسه على الخطابة، ويأتي بالخطب في بعض الأحيان من أجل التمرن ومن أجل التعود لا بأس بذلك؛ لأن العلم بالتعلم، والإنسان لا يأتيه العلم فجأة وإنما يأتيه بالتدرج، فإذا حصل منه أن تعلم الخطابة وأتى بالخطبة في بعض المساجد من أجل أن يتمرن ويتعود فلا بأس بذلك. وكون الإنسان يخطب من أجل أن يتعود ويتمرن على الخطابة فهذا ليس من التكلف في البلاغة والفصاحة والتشدق والتعمق والتقعر في الكلام.
ما جاء في الشعر


شرح حديث (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الشعر. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في الشعر] يعني: فيما يتعلق بالاشتغال به وإنشاده وفي مدحه أو ذمه. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) ] والحديث يدل على أن الانهماك فيه والاشتغال به عن القرآن والحديث وعن ذكر الله عز وجل مذموم، وأما إذا كان الاشتغال فيه ليس هو الغالب وإنما الغالب هو الاشتغال بالقرآن والحديث وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر الله فإنه لا يكون مذموماً؛ لأن إنشاده وحفظ ما هو مفيد منه محمود وليس بمذموم، ولكن الذم فيما إذا شغل عن ذكر الله وشغل عن القرآن وشغل عن الحديث وشغل عن العلم النافع، وأما إذا لم يشغل فإنه لا مانع منه ولا محذور فيه؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله باباً للحديث يوضح هذا المعنى قال: باب ما يكره من الإكثار من الشعر حتى يشغل عن ذكر الله. يعني: أن المقصود به هو الإكثار منه والاشتغال به حتى يغلب الإنسان ويشغله عما هو أهم منه، ويقال: إن معناه إذا كان الشعر محرماً. وهذا لا يقال فيه: قليله حلال وكثيره حرام، بل لو لم يكن فيه غير بيت من الشعر وهو شر، ويظل الإنسان به ويحفظه ويحافظ عليه ويعجبه، فإنه مذموم ولو كان بيتاً واحداً، وإنما الكلام في قوله: [ (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً) ] يعني: هو الشعر المحمود، ولكنه يشغل عن ذكر الله وعن القرآن وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المذموم، أما إذا كان عنده شعر قليل ولكنه ليس شغله الشاغل واهتمامه بما هو أهم منه وبما هو أولى منه، فإنه لا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً)


قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة وقد مر ذكره.
نقل أبي علي اللؤلؤي عن أبي عبيد وجه الذم للمشتغل بالشعر ومعنى البيان وسحره


[ قال أبو علي : بلغني عن أبي عبيد أنه قال: وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله، فإذا كان القرآن والعلم الغالب فليس جوف هذا عندنا ممتلئاً من الشعر. وإن من البيان لسحراً: قال: كأن المعنى أن يبلغ من بيانه أن يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قول، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه سحر السامعين بذلك ]. هذا الكلام فيما يتعلق بالشعر مطابق لما بوب به البخاري من أن المقصود هو الإكثار من الشعر بحيث *يغلب ويطغى على غيره مما هو أهم منه، وأما إذا كان الغالب هو القرآن والحديث وما فيه ذكر الله عز وجل، وكان عنده شيء من الشعر وهو مغمور وليس هو الأكثر، فإنه ليس هو المذموم الذي قال فيه: [ (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير من أن يمتلئ شعراً) ] فهذا لا بأس به إذا كان عنده شيء من الشعر، ولكنه ليس هو الغالب، بل الغالب عليه ما هو أهم منه وهو القرآن والحديث وما فيه اشتغال بالعلم النافع. ثم ذكر ما يتعلق بالسحر وقال: (إن من البيان لسحراً) وهو أن الإنسان بفصاحته وبلاغته يمكن أن يمدح إنساناً فيأتي به، ويذم إنساناً فيأتي به، ولكن المحمود منه فيما إذا كان بخير، والمذموم منه فيما إذا كان بشر.
ترجمة اللؤلؤي وأبي عبيد وسبب عدم رواية صاحبي الصحيحين لبعض الثقات


قوله: [ قال أبو علي بلغني عن أبي عبيد ]. أبو علي هو اللؤلؤي راوي الكتاب عن أبي داود ، و أبو عبيد هو القاسم بن سلام وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة، وأبو داود . لم يخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، مع أنه إمام من الأئمة رفيع المنزلة، وهذا يبين لنا أن البخاري ومسلماً ما رويا عن كل ثقة، كما أنهما لم يرويا كل حديث صحيح، فقد رويا أحاديث صحيحة وتركا أحاديث صحيحة، ورويا عن ثقات وتركا الرواية عن ثقات، وليس تركها الرواية عن الثقات لأنهما لا يريان الاحتجاج بهما، أو أنهم ليسوا حجة عندهما. كما أنهما تركا جملة من الأحاديث الصحيحة، وليس معنى ذلك أنهما لا يريانها أحاديث صحيحة، بل إنهما انتقيا وأوردا هذا المقدار من الأحاديث الصحيحة، وتركا من الصحيح ما هو كثير لم يأتيا به، فكذلك أيضاً اتفق لهما أن رويا أحاديث عن جماعة من الثقات ولم يرويا عن جماعة من الثقات، وهذا يبين لنا أن البخاري ومسلماً لم يلتزما إخراج كل صحيح، فلا يستدرك عليهما أحاديث صحيحة ولم يلتزما الإخراج عن كل ثقة، فلا يقال: كيف لم يخرجا لفلان وهو ثقة؟ فقد يكون الإنسان ثقة وفي غاية الأوصاف الحميدة ثم لا يرويان عنه، فأبو عبيد أثنى عليه الحافظ في التقريب ثناء عظيماً قال: القاسم بن سلام بالتشديد البغدادي أبو عبيد الإمام المشهور ثقة فاضل مصنف. ويقول الحافظ : لم أر له في الكتب حديثاً مسنداً، بل من أقواله في شرح الغريب. وهذا كما هو معلوم أن طريقة الحافظ أنه يذكر الشخص إذا كان من خرج له اتصالاً، أما إذا كان في التعاليق فإنه لا يرمز له، بل يرمز لمن خرج له اتصالاً. وهنا على خلاف طريقة أبي داود فقد رمز له الحافظ بدال.
حكم إيراد المفسرين بعض أشعار العرب في التفسير


أهل العلم قد شرطوا في المفسر أن يكون ملماً بلغة العرب وأشعارها وبخاصة المعلقات، رغم أن فيها الغزل الماجن، وقد كان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في دروسه يأتي بأبيات عجيبة، ويبين أن المراد هو الوصول بها إلى التفسير وفهم كلام الله عز وجل. أقول: إذا كان الإنسان مثل الشيخ الشنقيطي في السعة في الحديث والتفسير وكلام العرب فليحفظ المعلقات، وأما كونه يشتغل بالمعلقات وهو لا يعرف التفسير ولا يعرف شيئاً من الأمور المهمة في التفسير فهذا هو الذي ينطبق عليه حديث ذم الشعر والاشتغال به. وهذه الأشعار التي كان يأتي بها الشيخ الشنقيطي عند التفسير فهو يأتي أولاً بتفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالحديث، وتفسير القرآن بكلام الصحابة، وتفسير القرآن بكلام التابعين، ثم يأتي بكلام العرب وأشعارهم، فالإنسان الذي عنده القدرة على أن يكون كذلك فليفعل.



ابوالوليد المسلم 05-07-2025 05:59 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 

حكم حفظ المنظومات العلمية

أما عن حفظ المنظومات العلمية، فإنها لا تدخل في الذم، فمن حفظ هذه المنظومات من أجل أن يستذكر، فلا بأس؛ لأن حفظ الشعر أسهل من حفظ النثر، لكن لا يكون شغله هو النظم، بل يحفظ النظم وغير النظم، إنما النظم يأتي به من أجل التوصل به إلى العلم، مثل المنظومات في المصطلح، وفي الفرائض وغيرها من أجل أن يستذكر، فمثل هذا لم يشغله عن ذكر الله، بل هو نظم في ذكر الله.
شرح حديث (إن من الشعر حكمة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مروان بن الحكم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عن أبي بن كعب رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حكمة) ]. أورد أبو داود حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من الشعر حكمة) ] وهذا مدح للشعر؛ لأن من الشعر ما يكون فيه حكم، وما يكون فيه أمور جميلة، وما يكون فيه عظة وعبرة، وما أكثر الشعر الذي هو من هذا القبيل، مثل شعر أبي العتاهية فإنه مليء بالحكم. فإذاً: من الشعر ما هو محمود، ولكن كما مر في الحديث الأول لا يكون شغل الإنسان الشاغل هو الشعر ولو كان محموداً؛ لأنه إذا شغل عما هو أهم منه وعما هو أولى منه صار مذموماً.
تراجم رجال إسناد حديث (إن من الشعر حكمة)


قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ]. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم.
ذكر فقهاء المدينة المتفق عليهم والمختلف فيهم


إن فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين ستة متفق على عدهم، والثالث فيه ثلاثة أقول، المتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت والقاسم بن محمد بن أبي بكر و سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن العوام والسابع فيه أقوال ثلاثة: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن هذا الذي معنا. وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر . وابن القيم رحمه الله ذكر في أول كتابه إعلام الموقعين جماعة من المفتين من الصحابة، ثم جماعة من المفتين من التابعين في مختلف البلدان، ولما جاء عند ذكر المدينة وذكر الفقهاء فيها، ذكر من فقهاء المدينة في عصر التابعين سبعة، وذكر سابعهم هذا الذي معنا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وذكر بيتين من الشعر اشتمل البيت الثاني على ذكر السبعة، فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه يعني هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عروة بن الزبير . القاسم بن محمد . سعيد بن المسيب . أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . سليمان بن يسار . خارجة بن زيد بن ثابت .
تابع تراجم رجال إسناد حديث (إن من الشعر حكمة)


قوله: [ عن مروان بن الحكم ]. مروان بن الحكم الخليفة، وقد قال عنه عروة بن الزبير : إنه لا يتهم في الحديث، وقد خرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ]. عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة. [عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
طريق أخرى لحديث (إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) وترجمة رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يتكلم بكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: [ (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتكلم بكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً) ] وهو بمعنى الحكمة. وقوله: [ (إن من البيان سحراً) ] سبق أن مر في الحديث السابق. وقد مر أيضاً في حديث سابق: (إن من الشعر حكمة). قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث كما هو معلوم فإن الذي فيه جاء في أحاديث أخرى صحيحة، فهو إما أن يكون ثابتاً أو أن له شواهد.
شرح حديث (إن من البيان سحراً وإن من العلم جهلاً ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن محمد حدثنا أبو تميلة حدثني أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت حدثني صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن القول عيالاً). فقال صعصعة بن صوحان : صدق نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أما قوله: (إن من البيان لسحراً) فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق. وأما قوله: إن من العلم جهلاً، فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك. وأما قوله: إن من الشعر حكماً، فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس. وأما قوله: إن من القول عيالاً، فعرضك كلامك، وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عيالاً) ]. وقوله: [ (إن من البيان سحراً) ] مر ذكره. صعصعة بن صوحان فسر قوله: [ (وإن من العلم جهلاً) ] بعدة تفسيرات وهذا المذكور عن صعصعة منها، وهناك تفسيرات أخرى ذكرها في عون المعبود غير هذا اللفظ قال فيها: أي: لكونه علماً مذموماً، والجهل به خير منه. يعني: وجود الجهل خير من ذلك العلم؛ لأن علمه فيه ضرر والجهل به فيه نفع. ثم قال: أو لكونه علماً بما لا يعنيه، فيصير جهلاً بما يعنيه. يعني: إما أن يكون اشتغل بما لا يعنيه أو ترك ما يعنيه. ثم قال: وقيل: ألا يعمل بعلمه، فيكون ترك العمل بالعلم جهلاً. يعني: أنه يكون بمثابة الجاهل؛ لأنه لم يعمل بعلمه، بل الجاهل أحسن حالاً منه، كما يقول الشاعر: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ثم قال: وفي النهاية قيل: هو أن يتعلم ما لا حاجة إليه كالنجوم وعلوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة. وقيل: هو أن يتكلف العالم القول فيما لا يعلمه فيجهله ذلك. وهذا معنى كلام صعصعة بن صوحان الذي ذكره أبو داود ونقله عنه. قوله: [ فيجهله ذلك ]. يعني: ينسب به إلى الجهل؛ لأنه تكلم بغير علم. قال أبو يوسف : الجهل بالكلام هو العلم. قوله: [ (وإن القول عيالاً) ] بكسر أوله، قال الخطابي : هكذا رواه أبو داود : [ (عيالاً) ] ورواه غيره (إن من القول عيلاً). قال الأزهري : قوله عليه الصلاة والسلام: [(عيلاً)] من قولك: علت الضالة أعيل عَيْلاً وعَيَلاً، إذا لم تدر أية جهة تبغيها. قال أبو زيد : كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده. يعني: كأنه وضعه في غير موضعه، حيث شغل وقته في غير طائل، كأنه أهدي هدية لا يريدها، وهذا مثل ما يقولون: صيحة في واد ما لها نتيجة ولا لها ثمرة.
تراجم رجال إسناد حديث (إن من البيان سحراً وإن من العلم جهلاً...)


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سعيد بن محمد ]. سعيد بن محمد صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة . [ حدثنا أبو تميلة ]. هو يحيى بن واضح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت ]. عبد الله بن ثابت وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن صخر بن عبد الله بن بريدة ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن بريدة وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعيف من حيث الإسناد، ولكن الجملة الأولى والجملة الثالثة وهما قوله: [ (إن من البيان سحراً) ] وقوله: [ (وإن من الشعر حكماً) ] قد جاءت الأحاديث بهما، وأما قوله: [ (وإن من العلم جهلاً) ] وقوله: [ (وإن من القول عيالاً) ] فهما جاءا في هذا الإسناد، فيكون فيهما ضعف؛ لأنهما جاءا من هذا الطريق.
شرح حديث (مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي خلف وأحمد بن عبدة المعنى قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد قال (مر عمر بحسان رضي الله عنهما وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك) ]. أورد أبو داود حديث حسان وفيه: أن عمر مر به وهو ينشد شعراً في المسجد فلحظه، يعني: نظر إليه بعينه نظرة فيها إنكار، فقال: مجيباً عن الفعل الذي قام مقام القول:[ (قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك) ] يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على جواز إنشاد الشعر في المسجد وذكره في المسجد إذا كان سليماً وكان حكماً، مثل ما كان شعر حسان رضي الله عنه دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك)


قوله: [ حدثنا ابن أبي خلف ]. هو محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود . [ وأحمد بن عبدة ]. هو أحمد بن عبدة الضبي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد ]. الزهري مر ذكره، وسعيد هو ابن المسيب وهو ثقة، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ مر عمر بحسان ]. هو حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
الحكم على رواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه


قال المنذري : وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر ، فإن كان سمع ذلك من حسان بن ثابت فيتصل . يعني: هو يحكي الذي قد حصل، فيمكن أن يكون سعيد سمع من حسان ، ويمكن أن يكون سمع من عمر ؛ لأن ابن القيم رحمه الله ذكر في تهذيب السنن ما يدل على سماعه منه، وأثبت سماعه منه. قال ابن القيم : وقد تكرر له في هذا الكتاب في مواضع . يعني: تكرر أن المنذري يقول مثل هذا الكلام. قال ابن القيم رحمه الله: وبه يعلل ابن القطان وغيره حديث سعيد عن عمر ، وهو تعليل باطل أنكره الأئمة كأحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وغيرهما، قال أحمد : إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل؟! سعيد عن عمر عندنا حجة. وقال حنبل في تاريخه: حدثنا أبو عبد الله يعني: أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا سعيد عن إياس بن معاوية قال: قال سعيد بن المسيب ممن أنت ؟ قلت من مزينة، قال:إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر. وهذا صريح في الرد على من قال: إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وقال: يحيى بن سعيد الأنصاري : كان سعيد بن المسيب راوية عمر بن الخطاب ؛ لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه. وقال مالك : بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. هذا ولم يحفظ عن أحد من الأئمة أنه طعن في رواية سعيد عن عمر ، بل قابلوها كلهم بالقبول والتصديق، ومن لم يقبل المرسل قبل مرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الحاكم في علوم الحديث: سعيد بن المسيب أدرك عمر وعلياً وطلحة وباقي العشرة وسمع منهم. والمقصود: أن تعليل الحديث برواية سعيد له عن عمر تعنت بارد، والصحيح أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر فيكون له وقت وفاة عمر ثمان سنين، فكيف ينكر سماعه، ويقدح باتصال روايته عنه! والله الموفق للصواب وقد أخرجاه في الصحيحين وذكره أبو داود عقب هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، فذكر الحديث بمعنى ما تقدم دون ذكر الزيادة .
طريق أخرى لحديث حسان عن أبي هريرة وزاد فيه (... فخشي أن يرميه برسول الله فأجازه) وترجمة رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله تعالى :[ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه زاد: (فخشي أن يرميه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة وقال: بمعناه، وزاد: [ (فخشي أن يرميه برسول الله) ] يعني: خشي أن يقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أنشدته وهو خير منك . قوله: [ (فأجازه) ] يعني: أن عمر تركه. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد بن المسيب ]. الزهري وسعيد بن المسيب مر ذكرهما. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة وقد مر ذكره.
شرح حديث (كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان رضي الله عنه منبراً في المسجد، فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن روح القدس مع حسان ، ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه بيان ما ذكره حسان في الحديث السابق حيث قال: (كنت أنشده وفيه من هو خير منك) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر هنا الحديث الذي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأن ينشد الشعر، وأنه كان يضع له منبراً يقوم عليه وينشد الشعر ينافح ويدافع به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهجو المشركين الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يهجوهم ويقابل هجاءهم للرسول صلى الله عليه وسلم بهجائه إياهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إن روح القدس مع حسان) ] وروح القدس هو جبريل. قوله: [ (ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] فهو يدل على توضيح ما ذكر في الحديث السابق من إنشاد الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله...)


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين ]. هو محمد بن سليمان المصيصي، ولوين لقبه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن أبي الزناد ]. هو عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. وهذا عبد الرحمن هو الذي يكنى به أبو الزناد أبوه يقال له: أبو عبد الرحمن ، و أبو الزناد ليست كنية وإنما هي لقب، ولكنه على صيغة الكنية. [ عن أبيه ]. هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني ثقة مكثر من الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و هشام عن عروة ]. يعني: أن هشاماً مثل أبي الزناد يروي عن عروة ، و هشام هو ابن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح أثر ابن عباس في نسخ (والشعراء يتبعهم الغاوون)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] فنسخ من ذلك واستثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ] أورد أبو داود أثر ابن عباس قال: [ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] فنسخ من ذلك واستثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ] فاللفظ الأول عام، وهم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون الذين وصفهم الله، فالذين استثناهم الله عز وجل من اللفظ العام بقوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء:227] ليسوا من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون، وإنما الذين يتبعهم الغاوون هم الذين ليسوا موصوفين بهذه الأوصاف التي جاءت في هذا الاستثناء. قوله: [ فنسخ من ذلك واستثنى ] أي: نسخ بعض ما يدل عليه العموم؛ لأن النسخ هو رفع الحكم الشرعي بحكم شرعي آخر متراخ عنه، وهذا نسخ الحكم جملة، وأما الاستثناء فيقال له: تخصيص؛ لأنه استثنى بعض أفراد العام، وأطلق عليه نسخ؛ لأنه في الجملة رفع للشيء وإن لم يكن الرفع فيه كلياً، وإنما هو رفع للبعض؛ ولأن اللفظ العام قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224] يشمل كل شاعر، فلما استثني منه هؤلاء الذين اتصفوا بالإيمان والعمل الصالح وذكر الله، صار الحكم العام باقياً في حق غير هؤلاء المستثنين.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ (والشعراء يتبعهم الغاوون)


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي المشهور بابن شبويه وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.
الأسئلة



حكم الأناشيد التي تسمى بالإسلامية


السؤال: بمناسبة الحديث عن الشعر فقد كثرت الأسئلة عن الأناشيد التي تسمى بالإسلامية، خاصة وأنها الآن ربما ألقيت في حفلات تقام في المسجد، ويحتجون بحديث حسان مع عمر رضي الله عنه؟ الجواب: هذه الأناشيد التي يتغنى بها والتي غالباً ما يحرص فيها على الأصوات ولا يحرص فيها على المعاني، ليست من قبيل الشعر المحمود الذي يثنى عليه؛ لأنه يغلب عليه الرغبة في الأصوات والاستمتاع بها أكثر من الاستمتاع بالمعاني.

حكم من صلى وفي ثوبه نجاسة من دم أو غيره


السؤال: صليت وكان في ثوبي دم وهذا الدم كان من رجلي، فهل صلاتي صحيحة؟ الجواب: الإنسان إذا صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة، فإن صلاته صحيحه، سواء كانت بولاً أو دماً أو غير ذلك، وإنما تكون صلاته غير صحيحه لو صلاها بغير وضوء، فإنه يجب عليه الإعادة. وأما إذا صلى وعليه نجاسة دون علم بها فإن صلاته صحيحة، والدليل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه وكان عليه نعلاه وأصحابه عليهم نعالهم، فلما كان في أثناء الصلاة جاءه جبريل وأخبره بأن في نعليه قذراً فخلعهما، فخلع الناس نعالهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أخبرهم بأن جبريل أخبره، فدل هذا على أن الصلاة صحيحة؛ لأنه لو كانت الصلاة غير صحيحة لاستأنف الصلاة من أولها، ولم يبن على ما مضى. إذاً: لو صلى المرء وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد ما فرغ من الصلاة، أو كان على علم قبل ذلك بالنجاسة ولكن نسيها فإن صلاته صحيحة، وليس عليه الإعادة لهذا الحديث، وإنما تكون الإعادة لو صلى بغير وضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

حقيقة إهداء النبي صلى الله عليه وسلم بردته لكعب بن زهير حين ألقى عليه قصيدته


السؤال: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى بردته لكعب بن زهير عندما ألقى عليه قصيدته، وسميت بالبردة لذلك؟ الجواب: كون الرسول صلى الله عليه وسلم أهدى لكعب بردة لا أدري عنه شيئاً، ولكن قصيدة كعب بن زهير مشهورة، والشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله كتب رسالة خاصة حول قصيدة كعب بن زهير وأنه ألقاها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ما يتعلق بها من الأسانيد والأحاديث. وأما قضية البردة فلا أعلم عنها شيئاً.

حكم إطلاق القول بأن القرآن كالسحر


السؤال: هل يصح القول بأن القرآن كالسحر؟ الجواب: القرآن هو خير الكلام وأفصح الكلام وأبلغ الكلام، ولكن لا يوصف بهذا الوصف؛ لأن السحر كما هو معلوم يحمد ويذم، والقرآن كله حمد لا ذم فيه."



ابوالوليد المسلم 05-07-2025 06:06 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [570]
الحلقة (600)





شرح سنن أبي داود [570]

الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن أمور مستقبلة عن طريق الوحي، وقد بقي من هذا النوع الرؤيا الصالحة، لكن يجب أن يفهم أنها لا تؤخذ منها الأحكام الشرعية، وإنما هي فقط للاستئناس، لذا لا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بالرؤى. وهناك فرق بين الرؤى والأحلام، وهناك آداب تتعلق بتعبير الرؤيا، بحيث لا تعرض إلا على عاقل، وإن كانت مما يحزن فلا تعرض على أحد، بل يستعيذ الرائي من الشيطان ويتحول عن مكانه.

ما جاء في الرؤيا


شرح حديث (أن رسول الله كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرؤيا: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرؤيا ]. والرؤيا: هي بعض ما يحصل في المنام، لأن الذي يحصل في المنام رؤيا وحلم، والحلم هو من تلاعب الشيطان بالإنسان، وهو الذي يقال له: أضغاث أحلام، والرؤيا هي التي تدل وتشير إلى شيء وتعبر، بخلاف الحلم فإنه لا يعبر. والرؤيا التي يراها النائم في منامه منها ما يكون تأويلها مطابقاً للمرئي في المنام، ومنها ما يكون على ضرب المثال، وقد جاء في القرآن رؤيا الفتيين اللذين كانا مع يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن، واللذين طلبا منه أن يعبر لهما الرؤيا، وكانت النتيجة أن أحدهما كانت رؤياه مطابقة لما حصل له في اليقظة، والثانية على صورة المثال، فالذي رأى في المنام أنه يعصر خمراً فقد كان في اليقظة يعصر خمراً، وتأويل رؤياه كانت مطابقة للمرئي، وأما الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، فإنما يقتل ويصلب وتأتي الطير وتأكل من رأسه بعد صلبه وقتله، وتأويل رؤيا هذا ليست مطابقة للمرئي، وإنما هي على صورة التمثيل. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة قال: [ (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟) ] يعني: ليعبرها له، وإنما كان يقول ذلك صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة؛ لأن الإنسان حديث عهد بالرؤيا، فيستطيع أن يأتي بها دون أن ينساها، أو يحصل عنده عدم إدراك لها، بخلاف ما إذا مضى عليها وقت فقد يحصل شيء من النسيان لشيء منها؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، لكن هذا لا يعني أنه كان دائماً وأبداً يسأل وأن هذا ديدنه، وأنه كلما سلم من صلاة فإنه كان يفعل ذلك، ولكن معنى هذا بيان أن هذا من شأنه وأن هذا من عادته، وإن لم يكن ذلك دائماً وأبداً. ومن المعلوم أنه إذا قال للناس في بعض الأحيان: من رأى منكم رؤيا، فإن الإنسان عندما يرى رؤيا فإنه يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلب منه تأويلها وتفسيرها، ولكن لا يدل لفظ (كان) هنا على الدوام والاستمرار، وأنه لا يتركه أبداً. قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] ليس معنى ذلك أن النبوة باقية، فالنبوة وصف له صلى الله عليه وسلم، والوحي انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، ولا ينزل وحي على أحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الوحي الذي هو شرع الله والذي جاء به رسول الله والذي هو دين الإسلام قد اكتمل واستقر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فليس هناك تشريع يأتي بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما كل ما يعول عليه الرجوع إلى ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ]. يعني: أن أمور الغيب لا تعرف إلا عن طريق النبوة، ولكن الرؤيا الصالحة هي من الأمور التي يمكن أن يعرف بها شيء مغيب مستقبل يراه المرء فتعبر رؤياه ثم تقع طبقاً لما رآه الرائي. فإذاً: هذه الرؤيا ليست هي من النبوة ولا جزءاً من النبوة؛ لأن النبوة هي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي عنه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه ليس هناك أحكام شرعية تؤخذ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك أنه كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر عن أمور مستقبلة بالوحي، فإنه بقي من الأمور التي هي من هذا النوع ما يمكن أن يحصل عن طريق الرؤيا، يعني: أنه سيحصل شيء في المستقبل بسبب هذه الرؤيا، فهذا وجه قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] يعني: المبشرات أو هذه الأمور التي ترى في المنام، وليس معنى ذلك أن النبوة باقية وأن الوحي مستمر.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زفر بن صعصعة ]. زفر بن صعصعة وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن أبيه ]. هو صعصعة بن مالك وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
ذكر مناسبة إيراد المصنف للرؤيا في كتاب الأدب


أما مناسبة الباب لكتاب الأدب فإن الرؤيا من الأشياء التي يحتاج إليها الناس، ويحتاجون إلى معرفة تأويلها وتفسيرها، ولذلك ألحق بابها وأدخل في الأدب ، ومن العلماء من يخصها بكتاب، مثل الإمام البخاري فإنه أتى بكتاب التعبير، وهو خاص بالرؤيا وما يتعلق بالرؤيا، معنى ذلك أن الرؤيا يسلك فيها الآداب الشرعية التي هي كون الإنسان لا يعرضها على كل أحد، وإذا كانت لا تسره فإنه ينفث ويبصق عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو يصلي أو ما إلى ذلك من الأشياء.
عدم اختصاص الرؤيا بوقت معين من الليل


إن بعض المفسرين للرؤى يقولون: إن هذا الحديث دليل على أن الرؤية التي تكون قبل الفجر بقليل تكون حقاً وتعبر، أما التي في النهار أو في الليل قبل دخول الفجر؛ فإنها لا تعبر وليست بشيء، لكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه ليس هناك شيء يدل عليه، لكن لما كان النوم في الليل غالباً، والله جعل الليل سكناً ومحلاً للنوم، وجعل النهار معاشاً ينتشرون فيه للبحث عن الرزق، وقد يحصل منهم نوم، لكن جرى الحكم على هذا الغالب الذي هو بعد نوم الليل.
حقيقة تعبير الرؤيا والفرق بين الرؤيا والحلم


ليس كل عالم يستطيع التعبير؛ لأن من الناس من يهتم به ويعنى به، ومنهم من لا يشغل نفسه به. وتعبير الرؤى يبدو أنه استنتاج واستنباط؛ لأنه أحياناً يكون التعبير من الألفاظ نفسها، كما سيأتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأنه في دار عقبة بن رافع وأنه أتي برطب من رطب ابن طاب ، فأول ذلك أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن الدين قد طاب وكمل، فأخذ التعبير من نفس اللفظ، وليست القضية قضية إلهام يلهمه بعض الناس؛ لأن من الناس من يهتم بهذا الشيء فيحرص عليه، فيكون عنده بالمران والاستمرار والتأمل في الأمور، فهو شيء يحتاج إلى تأمل. وهناك فرق بين الرؤيا والحلم، فالحلم غالباً يأتي الإنسان عندما يفكر في شيء ويهتم له فيأتي في منامه، هذا في الغالب جاء نتيجة لاهتمامه وانشغال باله، فهذا يكون من قبيل أضغاث الأحلام، وكذلك أيضاً الأشياء التي لا تعقل مثل قصة ذاك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (رأيت أن رأسي انقطع وتدحرج أمامي، وصرت ألحقه، فقال: هذا من تلاعب الشيطان بك) .
شرح حديث (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ] وفسر هذا بتفسيرات منها: أن النبوة مدتها ثلاث وعشرون سنة، من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمره أربعون سنة وحتى أكمل ثلاثاً وستين سنة ثم توفاه الله عز وجل، وكان ثلاث عشرة سنة منها في مكة وعشر سنوات في المدينة. وقد قيل في تفسير ذلك: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبعث يرى الرؤيا الصالحة، فتأتي مثل فلق الصبح واضحة جلية، ورؤيا الأنبياء وحي، فقيل: إن ستة أشهر كان يرى فيها الرؤيا الصالحة، ومعلوم أن ستة أشهر هي نصف سنة، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من ثلاث وعشرين سنة؛ لأن ثلاثاً وعشرين سنة تعتبر ستة وأربعين نصف سنة، ومن المعلوم أن رؤيا المؤمن إنما تدل على ما تدل عليه مما يأتي عن طريق النبوة، فمن يرى رؤيا فهي من المبشرات وكانت رؤيا مؤمن، فإن فيها معرفة شيء من علم الغيب، ومن الأمور المستقبلة، ولكن عن طريق الرؤيا التي تشبه ما كان يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه، إلا أن رؤيا الأنبياء وحي، ورؤيا غير الأنبياء ليست بوحي. وقد يرى المؤمن في منامه رؤيا ثم يقع هذا الذي رآه طبقاً لما رآه في المستقبل، فيكون معناه أنه حصل على معرفة شيء مما هو مغيب في المستقبل، وعرف عن طريق الرؤيا.
تراجم رجال إسناد حديث (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. [ عن عبادة بن الصامت ] عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث من رواية صحابي عن صحابي.
حكم الاشتغال بتعبير الرؤيا


لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بالرؤى، لكن إذا حصلت له رؤيا وأمكنه تعبيرها فإنه يعبرها، وإن لم يعبرها ووثق في أحد وسأله عبرها له، وإن كان فيها شيء لا يعجبه فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يشغل نفسه بالرؤى وتعبيرها، فإنه قد يشتغل بذلك عما هو أهم منه. والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى، ولكن يمكن للإنسان أن يستنتج ويفهم مثل ما عمل ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) فإنه عندما جاء عند ذكر التشبيه والقياس، ذكر أن الرؤى تعرف عن طريق التشبيه وعن طريق القياس، ثم ذكر جملة من الرؤى، بناء على إلحاق الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير، وذلك عند ما شرح كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ؛ لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري كتاباً في القضاء يتكون من صفحة واحدة، وشرحه ابن القيم في مجلد من إعلام الموقعين، وكان من جملة ما جاء فيه أنه أتى بالأمثال التي ضربت في القرآن من أوله إلى آخره، وتكلم على تلك الأمثال، ثم تكلم على الرؤى والاستنتاج، وأن تعبير الرؤى يمكن أن يعرف عن طريق ضرب الأمثال، وذكر كلاماً كثيراً حول تعبير الرؤى في ذلك الموضع. لكن كون الإنسان يشتغل بالرؤى وتعبير الرؤى فهذا يحتاج إلى وقت ليبحث ويقرأ عن فلان وعن فلان؛ ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين وفي مسائل الفقه والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم، وما أكثر من يسأل عن الرؤيا، يتصل بالهاتف يريد أن يسأل عن رؤيا، أما أنا فليس عندي سوى جواب واحد: أني لا أعرف تعبير الرؤيا، فإذا سألني أحد وقال: أريد أن أقص عليك رؤيا، أقول له: لا تقص علي، فأنا لا أعرف تعبير الرؤى، ولا أريد أن أبحث ولا أريد أن أشغل نفسي بتعبير الرؤيا. وأذكر أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى سمعته مرة من المرات في الإذاعة في سؤال في برنامج نور على الدرب، سألته امرأة فقالت: رأيت أن لي لسانين، قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا، لكن قد يكون عندك لغتان؛ لأن اللسان يطلق على اللغة، فهذا كتاب لسان العرب لابن منظور يعني: لغة العرب، والله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] يعني: بلغة قومه، فاللسان يأتي بمعنى اللغة. فهو رحمه الله قال: قد يكون عندك لغتان أو ستحصلين على لغتين، ولم يحدد، بل قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا؛ لأنه لا يريد أن يشغل نفسه في هذه الأمور، لأنها تشغله عما هو أهم منها، مثل الذي ينشغل بالشعر ويهتم به ويصير هو ديدنه فإنه ينشغل عما هو أهم منه.
شرح حديث (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس، قال: وأحب القيد، وأكره الغل، والقيد: ثبات في الدين). قال: أبو داود : (إذا اقترب الزمان) يعني: إذا اقترب الليل والنهار، يعني: يستويان ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب) ] وفسر أبو داود اقتراب الزمان أنه إذا استوى الليل والنهار، فعند استواء الليل والنهار تكون الرؤيا صادقة ولا تكون كاذبة. وقيل: إن المقصود بقرب الزمان هو آخر الأمر وآخر الدنيا، يعني: ليس المقصود هو استواء الليل والنهار؛ لأن اقتراب الزمان وما يتعلق بالزمان يأتي مراداً به ما يستقبل، ومن العلماء من فسره بهذا التفسير الذي ذكره أبو داود . قوله: [ (وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ] الإنسان الذي تعود الصدق في حديثه في اليقظة يصدق في رؤياه وتكون رؤياه صادقة، ومن يكون بخلاف ذلك بأن يكون كاذباً أو من أكذب الناس فقد تكون رؤياه في المنام مثل حالته في اليقظة. قوله: [ (والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان) ]. يعني: تنقسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام: صالحة وهي بشرى من الله، وهي التي جاء في الحديث: (فإنه لا يبقى إلا المبشرات) وهي الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له، والرؤيا التي فيها تحزين من الشيطان وفيها شيء يسوء الإنسان، ورؤيا هي حديث نفس. قوله: [ (ورؤيا ما يحدث بها المرء نفسه) ] يعني: يكون في اليقظة مشغولاً بأمر يفكر فيه، وهذا الذي يراه في منامه إما أن يكون ساراً , وإما أن يكون محزناً، وإما أن يكون شيئاً مطابقاً لحديث النفس الذي كان يحدث نفسه به في اليقظة. قوله: [ (فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس) ]. يعني: الرؤيا التي فيها تحزين من الشيطان يقوم الإنسان بعدها ويشتغل بالصلاة ويشتغل بذكر الله عز وجل، حتى يلهي نفسه عن هذا الذي أفزعه وعن هذا الذي أحزنه. قوله: [ (قال: وأحب القيد وأكره الغل) ]. يعني: وأحب رؤية القيد؛ لأنه ثبات في الدين، وأكره الغل؛ لأنه شيء مذموم، وهو الغل الذي يكون في العنق. [ قال أبو داود : (إذا اقترب الزمان) يعني: إذا اقترب الليل والنهار، يعني: يستويان ]. يقول الخطابي : في اقتراب الزمان قولان: أحدهما: أنه قرب زمان الساعة ودنو وقتها. والقول الآخر: إن معنى اقتراب الزمان اعتداله واستواء الليل والنهار. والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع، ووقت اعتدال الليل والنهار. يعني: هذا مطابق لما جاء عن أبي داود ، أو لعلهم أخذوه من قول أبي داود . قال المنذري : وقد قيل هو قرب الساعة، وقد قيل: لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، ويحتمل أن يراد اقتراب الموت عند علو السن، فإن الإنسان في ذلك الوقت غالباً يميل إلى الخير والعمل به، ويقل تحديثه نفسه بغير ذلك. وهذا ليس على إطلاقه، فيمكن أن يتقدم في السن وتحدثه نفسه بأمور كثيرة.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب ...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ] هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] أبو هريرة قد مر ذكره.
شرح حديث (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت، قال: وأحسبه قال: ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي) ]. أورد أبو داود حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت) ] يعني: أنها إذا عبرت تقع، وليس معنى ذلك أنه لا بد أن تقع؛ لأنه كما جاء في حديث تعبير أبي بكر رضي الله عنه فإنه أول من عبرها، ومع ذلك ما وقعت طبقاً لما عبر به رضي الله عنه، وإن كان قد أصاب في بعض شيء وأخطأ في أشياء أخرى، لكن قد تعبر بشيء ليس بمحمود فيقع له، فعلى الإنسان ألا يشغل نفسه بتعبير رؤيا إذا كانت غير سليمة، كما سبق أن مر وقال: (ولا يحدث بها الناس) وأنها تقع، ولكن قد يكون الأمر أنها تعبر ولا تقع، وقد تصدق وقد تكذب؛ لأنه قال: (لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب)، يعني: أنها قد تكون رؤيا كاذبة غير صحيحة.
تراجم رجال إسناد حديث ( الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وكيع بن عدس ]. وكيع بن عدس وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عمه أبي رزين ]. هو أبو رزين العقيلي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. والحديث فيه هذا المقبول، ولكن الألباني ذكر له شاهداً بلفظ آخر قريب منه، فيكون عاضداً له.
شرح حديث (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي سمعت زهيراً يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سمعت أبا سلمة يقول: سمعت أبا قتادة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات، ثم ليتعوذ من شرها؛ فإنها لا تضره) ]. أورد أبو داود حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) ]. الرؤيا: هي التي ليست أضغاث أحلام وإنما هي رؤيا قد تنفع وقد تضر. والحلم من الشيطان: وهو ما كان أضغاث أحلام يتلاعب فيه الشيطان بالإنسان في نومه، مثلما يتلاعب به في يقظته، فالشيطان يتلاعب بالإنسان في اليقظة ويشغله، فيحصل له ذلك في المنام، وقد يحصل له شيء في المنام لا علاقة له باليقظة، ولكنه من الشيطان. قوله: [ (فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من شرها؛ فإنها لا تضره) ] وهذا من الآداب التي تجعل الإنسان يتخلص من الفزع الذي أصابه بسبب ما رآه في النوم، فإنه يأتي بهذه الأسباب التي تجعل تلك الرؤيا لا تضره ولا تقع على وجه يضره.

ابوالوليد المسلم 05-07-2025 06:07 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 



تراجم رجال إسناد حديث (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان...)


قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ سمعت زهيراً ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا قتادة ]. هو الحارث بن ربعي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا حديث مسلسل بصيغة سمعت؛ لأن كل واحد من الرواة أتى بها إلا أبا داود .
شرح حديث جابر (إذا رأى أحدكم ما يكرهه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الهمداني و قتيبة بن سعيد الثقفي قالا: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً، ويتحول عن جنبه الذي كان عليه) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه وفيه ما في الذي قبله، مع زيادة التحول عن الجنب الذي كان عليه، وعلى هذا فقد ورد من الأمور التي يفعلها الإنسان ومن الآداب التي تفعل عند حصول ما يكره في منامه أنه يصلي، وأنه ينفث عن يساره ثلاثاً، ويتعوذ بالله من الشيطان، ويتحول عن الجنب الذي كان عليه عندما حصلت له هذه الرؤيا المحزنة. فيتحول عن الجنب الذي كان عليه، ولو كان على الجنب الأيمن فإنه يتحول إلى الجنب الأيسر؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث جابر (إذا رأى أحدكم ما يكرهه...)


قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الهمداني ]. يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد مر ذكره. [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ] هذا يحمل على أمرين: إن كان الشخص في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يكن قد رآه ثم رآه في المنام، فإنه قد ييسر الله له أن يراه، وأن يهاجر إليه، ثم يرى أن ما رآه في المنام مطابق لما رآه في اليقظة. قوله: [ (أو لكأنما رآني) ] يعني: أنه بمثابة من رآني. قوله: [ (ولا يتمثل الشيطان بي) ] أي: لا يتمثل به على هيئته التي يعرفها أصحابه، وإلا فقد يأتي الشيطان ويقول: إنه رسول الله ويكون على هيئة ليست هي هيئته، فهذا ليس رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلو أن إنساناً رأى في المنام قزماً، أو رأى شخصاً عملاقاً، أو رأى شخصاً ليس له لحية، أو رآه على هيئة خبيثة قبيحة لا تليق بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما تكون الرؤيا مطابقة إذا كانت على الهيئة التي يعرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الترمذي في الشمائل حديثاً عن ابن عباس : (أن رجلاً من التابعين جاء إلى ابن عباس وقال له: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: صف لنا هذا الذي رأيت؟ فوصفه، قال له: لو كنت رأيته كما رأيناه ما زدت على هذا الوصف شيئاً) يعني: أن رؤياك مطابقة للذي نعرفه من هيئته ومن صفاته الخلقية صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا لا يقال: إن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد رآه حقاً؛ لأنه قد يكون رأى شخصاً ليس هو رسول الله، والشيطان لا يتمثل به على هيئته وقد يتمثل به على هيئة أخرى. وكذلك أيضاً من رآه كما جاء في بعض الأحاديث: (من رآني فقد رآني)، يعني: أنه من رآه على هيئته في المنام فقد رآه؛ لأن تلك الهيئة هي هيئته. قوله: [ (فسيراني) ] يعني: أنه سيراه بعد الموت في الدار الآخرة، وتكون رؤيته حقاً.
تراجم رجال إسناد حديث (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مر ذكره. [ أن أبا هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
شرح حديث ابن عباس (من صور صورة عذبه الله بها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود قالا: حدثنا حماد حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ، ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة، ومن استمع إلى حديث قوم يفرون به منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ)، يعني: أنه لما صور صورة في الدنيا وقد منع من ذلك وحرم عليه ذلك، فإنه يعاقب يوم القيامة بأن يكلف بأن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، ولا يقدر على النفخ، وليس بإمكانه أن ينفخ الروح فيها، وهذا تحذير من التصوير وترهيب منه. قوله: [ (ومن تحلم) ] وهذا هو محل الشاهد من إيراده للحديث في باب الرؤيا. فقوله: [ (ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة) ]. يعني: من زعم أنه رأى في منامه رؤيا وهو كاذب فيها، فإنه يكلف بين أن يعقد شعيرة، والشعيرة هي حبة الشعير، فإنه لا يمكن أن يعقد طرفيها وأن يجمع بين طرفيها. ومعنى ذلك: أنه يكلف بأمر لا يطيقه ويعذب عذاباً على هذا الفعل الذي فعله، وهو أنه أرى عينيه ما لم تريا، وأنه كذب في رؤياه وأخبر بأنه رأى ما لم ير. قوله: [ (ومن استمع إلى حديث قوم يفرون به منه) ]. يعني: هم لا يريدون أن يسمع كلامهم وحديثهم، فهم يفرون بالحديث عنه بحيث لا يسمعه، وهو مع ذلك يحاول أن يسمعه. قوله: [ (صب في أذنه الآنك يوم القيامة) ] والآنك: هو الرصاص المذاب، وهذه عقوبة له؛ لأنه لما استمع سماعاً لا يجوز له، فيصب في أذنيه الآنك، كما أنه سعى إلى أن يدخل في أذنيه هذا الذي فر أهل ذلك الكلام منه حتى لا يسمعه، ولكنه تتبع ذلك من أجل أن يصل إليه، فإنه يعاقب بهذه العقوبة، والجزاء من جنس العمل.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (من صور صورة عذبه الله بها...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و سليمان بن داود ]. هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني هو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إذا جاء حماد يروي عنه مسدد أو يروي عنه سليمان بن حرب فإنه حماد بن زيد ، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل التبوذكي فالمراد به حماد بن سلمة ، وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً، ذكر فيه التلاميذ الذين يروون عن حماد بن زيد و حماد بن سلمة وأنه إذا روى عنه فلان وفلان فهو حماد بن زيد وإذا روى عنه فلان وفلان فهو حماد بن سلمة . [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة مر ذكره. [ عن عكرمة ]. وهو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] وابن عباس قد مر ذكره.
حكم الصورة الفوتوغرافية


هذا الوعيد في من صور صورة، أما الصور الفوتوغرافية فكبار المشايخ في هذا العصر ومنهم شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز له رسالة في هذا اسمها (الجواب المفيد في حكم التصوير)، وكذلك شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وكان إذا قيل له: إن الصورة الفوتوغرافية ليست مثل الصور الأخرى التي تنقش، قال: هم يقولون لها صورة، ويقولون للذي يعملها المصور. والشيخ الألباني رحمه الله كان يقول: إنها ظاهرية عصرية، أن الصور التي في قماش يقال لها صورة، وإذا كانت صورة فوتوغرافية لا يقال لها صورة! فهذا مثل عمل أهل الظاهر وقول أهل الظاهر الذين يجعلون شيئاً معيناً هو المعتبر وغيره لا يلحق به ولا يعتبر مثله ولا يماثله. فالحاصل أن الصور الفوتوغرافية داخلة تحت التصوير، وأن الواجب هو الحذر من ذلك إلا ما تدعو إليه حاجة أو ضرورة فيما يتعلق بأمور لا بد منها، مثل: جواز سفر، أو رخصة قيادة، أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إليها، فهذه لا بأس بها إن شاء الله.
شرح حديث (رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع ، وأُتينا برطب من رطب ابن طاب ، فأولت أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأُتينا برطب من رطب ابن طاب) ؟ يعني: فأول ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الرفعة لنا في الدنيا، وهذا مأخوذ من لفظ (رافع)، والعاقبة لنا في الآخرة، وهذه مأخوذة من لفظ (عقبة). قوله: [ (وأن ديننا قد طاب) ] هذا مأخوذ من لفظ (ابن طاب)، وهذا من التأويل الذي يؤخذ من الألفاظ، مثل ما جاء في هذا الحديث. و ابن طاب هو رجل ينسب إليه الرطب، أو ينسب إليه نخل أو بستان، فيقال له: تمر ابن طاب ، يعني: هو نوع من التمر معروف بهذا الاسم، ينسب إلى شخص معين هو ابن طاب .
تراجم رجال إسناد حديث ( رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
الأسئلة



حقيقة الرؤيا

السؤال: ما هي حقيقة الرؤيا، هل هي تكليم من الله للعبد، أو هي من وحي الملك أو غير ذلك؟ الجواب: جاء في الحديث: (الرؤية الصالحة من الله والحلم من الشيطان) . قوله: (من الله) يعني: أن الله قذفها في قلبه، أو أنه جاء الملك ووضعها في قلبه.

وجه وقوع الرؤيا على ما عبرت عليه من خير أو شر


السؤال: اشتهر عند الناس أن الرؤيا على ما عبرت عليه فإن كان أول من عبرها بأمر سيئ وقعت على ما هي عليه، فهل هذا صحيح؟ الجواب: هذا سيأتي، ومعلوم ما جاء في قصة الظلة التي تنطف سمناً وعسلاً فكان أول من عبرها أبو بكر رضي الله عنه، ومع ذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أصبت شيئاً وأخطأت شيئاً).

وجه تفسير حديث (من رآني في المنام...) على أن من رأى الرسول في المنام أنه سيراه في
اليقظة في الجنة


السؤال: يفسر البعض حديث: (من رآني في المنام ...) على أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فإنه سيراه في اليقظة في الجنة، فهي بشارة للمؤمن، فهل هذا صحيح؟ الجواب: عسى أن يكون ذلك صحيحاً، ومعلوم أن المؤمنين كلهم سيدخلون الجنة، ولا يحرم من الجنة إلا الكفار، ومعلوم أن كل مسلم وإن ارتكب من الذنوب ما ارتكب وشاء الله أن يعذبه ويدخله النار، فإنه يعذب فيها، ولكنه لا بد وأن يئول أمره إلى الجنة، وأن يكون من أهل الجنة، ولا يبقى في النار إلا الكفار، وكل مسلم وكل مؤمن فإنه يكون في الجنة، إما ابتداء وإما مآلاً.

حكم الاعتماد على الرؤيا في إثبات الأوامر والنواهي


السؤال: هل يجوز الاعتماد على الرؤيا في إثبات شيء أو إنكاره، كمن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء أو ينهاه عن شيء؟ الجواب: ليس هناك تشريع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشريعة مستقرة، ولا تؤخذ الأحكام الشرعية من الرؤى المنامية، لكن كونه يأمر بشيء طيب لا يخالف الشريعة بل هو مطابق لما جاء عنه وبما جاء في شرعه، كأن يأمره بصدقة، أو يأمره بعمل مطابق لما يمكن أن يأتي به؛ فلا بأس، ولكن هذا كما هو معلوم إذا كان على الهيئة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، والتي يعرفها أصحابه، والتي دونت في كتب الحديث. أما إذا أتى بشيء يخالف الشريعة أو يأمر بشيء مخالف للشريعة؛ فهذا الذي رآه ليس هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.

حكم ادعاء رؤية أهل البدع للنبي وأمره لهم بأمور خيرية


السؤال: ادعى رجل في بلادنا أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأشار إليه النبي صلى الله عليه وآله سلم بحفر بئر خارج البلد، وإنشاء مركز لتحفيظ القرآن الكريم، مع العلم بأن هذا الرجل من جنس الصوفية، فهل هذا صحيح؟ الجواب: إذا كان من المنحرفين عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم فغالباً ما تكون رؤياه غير صحيحة.

حكم التمني والدعاء من أجل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام


السؤال: هل للإنسان أن يتمنى ويدعو الله أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؟ الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يتمنى ويرجو الله أن يريه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهذا هو المهم.

حكم من يزعم رؤية النبي غالب الأيام


السؤال: يزعم رجل أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يومياً، ويأتي أحياناً لصلاة الفجر وهو حزين، فيسأل ما بالك؟ فيقول: الليلة ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أدري أي ذنب فعلت، وهذا الرجل فتن الشباب والتفوا حوله؟ الجواب: هذا لا يبعد أن يكون في عقله خلل.

معنى العي والبذاء والبيان


السؤال: جاء في حديث: (أن العي من الإيمان والفصاحة من النفاق) فما معنى العي؟ الجواب: روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق) وقد صحح الحديث الألباني رحمه الله. وقال أبو عيسى الترمذي : والعي قلة الكلام، والبذاء هو الفحش في الكلام، والبيان هو كثرة الكلام. وقال المباركفوري في التحفة: قوله: (الحياء والعي) أي: العجز في الكلام، والمراد به في هذا المقام هو السكوت عما فيه إثم من النثر والشعر، لا ما يكون للخلل في اللسان، قاله القاري . وعلى كل فالعي يكون محموداً ويكون مذموماً، والحديث يحمل على ما فسره الترمذي وغيره من أنه السكوت عما لا يعني، والسكوت عما لا ينبغي، وكون الإنسان يكون كلامه قليلاً وسماعه أكثر هو الأولى، مثل ما قال أبو حاتم ابن حبان في كتابه (روضة العقلاء) قال: إن الله عز وجل خلق أذنين ولساناً واحداً؛ حتى يسمع الإنسان أكثر مما يقول. ومعلوم أنه إذا فسر بهذا المعنى فإنه مستقيم، وأما العي الذي هو العجز وعدم القدرة على الكلام مطلقاً الذي هو ضد الفصاحة، فهذه صفة مذمومة، وقد جاء في الحديث: (إنما شفاء العي السؤال) يعني: إذا كان الإنسان عنده إعياء وعنده عدم قدرة على الشيء، فإنه يحصله عن طريق السؤال.

حكم العدة والميراث لمن توفي زوجها قبل الدخول بها


السؤال: هل على المرأة التي توفي عنها زوجها ولم يدخل بها عدة، وهل لها إرث؟ الجواب: نعم، عليها العدة ولها ميراث، فقد ثبت في السنة أن عليها العدة ولها الميراث.

حكم الحج والاعتمار عن الأقارب الموتى


السؤال: يقول شخص: أنا ولله الحمد وفقني الله إلى حجة الإسلام والعمرة عدة مرات، والآن عند وصولي من بلادي في رمضان اعتمرت عن إحدى قريباتي، وأحب أن أحج عن أحد الأقارب، وكذلك إذا اعتمرت أحب أن أعتمر عن جميع أقاربي مثل: أجدادي وجداتي الأموات رحمهم الله، فقال لي أحد الإخوة: ينبغي أن تعتمر عن نفسك، مع علمه أني قد اعتمرت عن نفسي، فما هو الصحيح؟ الجواب: كون الإنسان يحرص على أن تكون عمره لنفسه، وأن يدعو لأمواته هذا هو الذي ينبغي، وإن اعتمر عن أحد فإنه جائز؛ لأن السنة جاءت في جواز ذلك.


حكم الرؤيا التي تمنع من القول بأن أبوي الرسول في النار


السؤال: ذكر أحد المشايخ ممن يدرس التفسير عند مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم هل هما في الجنة أو النار قال: إن أحد مشايخه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليه إشارة معناها ألا تخوض في هذه المسألة، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: يؤخذ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إن أبي وأباك في النار)، وحديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذنه أن يزورها فأذن له، وأنزل الله عز وجل في ذلك: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]. ولا يؤخذ بهذه الرؤيا. فما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأحاديث الصحيحة هو الذي يعول عليه، وأما هذه الرؤيا التي هي مخالفة للشرع، فإنه لا يلتفت إليها، وهذا الذي قال هذا الكلام لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً.

حكم من أفطر في صوم القضاء متعمداً

السؤال: رجل أفطر في صوم قضاء متعمداً فماذا عليه؟ هل يقضي اليوم بيومين ؟ الجواب: عليه أن يقضي يوماً واحداً، ولكن لا يجوز للإنسان أن يترك الواجب الذي أوجبه الله عليه وقد دخل فيه؛ فإن قيامه بفعل واجب ثم يتخلى عنه ويبقي في ذمته مذموم، ولكن الذي يجب عليه هو قضاء يوم واحد فقط.

حكم رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل ثبتت أحكام شرعية برؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب: كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من رؤى رآها فإنها وحي من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، و عائشة رضي الله عنها وأرضاها في قصة الإفك كانت تقول: (كنت أحب أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى) يعني: كانت تتمنى أن يحصل له وحي عن طريق النوم، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، كما في قصة إبراهيم: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102].

حكم الاعتماد على الرؤى في رد الحقوق إلى أهلها كالديون وغيرها


السؤال: هل يجوز لمن رأى أباه الميت يأمره برد بعض الحقوق إلى بعض الناس كالديون والودائع، لاسيما وأننا نجد كثيراً من الروايات عن السلف في مثل هذا؟ فهل يعتمد على مثل هذه الرؤى؟ الجواب: لا شك أن الاحتياط في هذا سائغ، إذا كان رأى أباه وقال: إن عليه لفلان ديناً فلا شك أن الاحتياط هو تبرئته، ما دام أنه حصل له ذلك؛ لأن في ذلك تخليصَ ذمته."




ابوالوليد المسلم 05-07-2025 06:15 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [571]
الحلقة (601)





شرح سنن أبي داود [571]

التثاؤب والعطاس من الأمور اللاإرادية التي قد تغلب على المرء في بعض الأحيان، لكن التثاؤب ناتج عن التخمة والكسل والخمول وامتلاء البطن، بينما العطاس ناتج عن الخفة والنشاط ما لم يكن العاطس مزكوماً، وقد ورد الشرع بمدح العطاس وذم التثاؤب، وقد جاء في السنة ذكر آدابهما القولية والفعلية.

ما جاء في التثاؤب


شرح حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في التثاؤب. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن سهيل عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه؛ فإن الشيطان يدخل) ]. قوله: [ باب ما جاء في التثاؤب ] يعني: ما جاء فيه من أحاديث تبين أحكامه وآدابه، وما يتعلق بذلك. والتثاؤب هو ما يحصل من الإنسان عندما يكون فيه كسل وخمول، ويكون غالباً عن كثرة أكل، فإنه يترتب على ذلك أن الإنسان يتثاءب، والشيطان يريد هذا الشيء؛ لأن كل ما فيه ضرر على الإنسان فإن الشيطان يريده. وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الإنسان عندما يتثاءب فإنه يتأدب بآداب، فمن هذه الآداب ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف، وهو أن الإنسان إذا تثاءب يمسك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل، وذلك أنه إذا أمسك على فيه، فإنه يمنع فمه من الانفتاح ويكظم ما استطاع؛ لأن ذلك يمنع من حصول التثاؤب على وجه يفرح به الشيطان ويريده. وجاء في هذه الرواية أن الشيطان يدخل من فيه، وجاء في رواية أخرى أنه يضحك معجباً ومسروراً بما يحصل للإنسان من تلك الهيئة الكريهة، التي هي غير مرضية وغير مستحسنة. والحديث الذي معنا فيه أنه يدخل، ويمكن أن كلاً من الأمرين يحصل، بحيث يحصل منه الدخول والضحك، ومعلوم أن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم، فيدخل ويضحك فرحاً وسروراً بهذا الشيء الذي فيه مضرة على الإنسان وفيه كسل وخمول.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي أثنى عليه الإمام أحمد ووصفه بأنه شيخ الإسلام. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته في البخاري مقرونة، أما مسلم فإنه روى عنه على سبيل الإفراد، ومما روى عنه مسلم في صحيحه حديث: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟!) فإنه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وأما البخاري فإنه لم يخرجه في صحيحه، ولكنه أورد الحديث في ترجمة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) وهو يدل على صحته عنده، ولكنه ليس على شرطه. [ عن ابن أبي سعيد الخدري ]. هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبه الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام والذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر و أنس والبحر والخدري وجابر وزوجة النبي البحر المقصود به ابن عباس ، وزوجة النبي هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، بلغت أحاديث بعضهم ما يزيد على الألف، وبعضهم ما يزيد على الألفين، وبعضهم ما يزيد على ذلك.
حقيقة دخول الشيطان فم المتثائب


ذكر صاحب العون في قوله: (فإن الشيطان يدخل) قال: إما حقيقة، أو المراد بالدخول التمكن منه. فالتمكن حاصل والدخول ممكن، والأصل هو الحقيقة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.). وكون الإنسان يأتي بأذكار اليوم والليلة والأذكار التي يكون فيها حرز من الشيطان، فمعنى ذلك أن الحرز يدفع عنه الضرر، وأما كون الشيطان يدخل فقد يدخل، وكونه يحصل شيء يفرحه وشيء يسره يمكن.
ضعف تقييد حكم التثاؤب بحال الصلاة دون خارجها


أما ما نقل عن العراقي أن في أكثر الروايات إطلاق التثاؤب وفي رواية تقييده بحال الصلاة، فكونه يحمل المطلق على المقيد هذا غير صحيح؛ لأن معنى ذلك أن الحكم سيكون في المقيد دون المطلق، وأنه خارج الصلاة لا يكون الحكم، فإذا كان المراد به أن الحكم يتعلق بالصلاة وأن ما كان خارج الصلاة لا يحصل له هذا الحكم، فهذا غير صحيح، وأما إذا أريد به أن الحكم عام، ولكنه في الصلاة يتأكد ويكون أمره أخطر وأمره أشد، وأن هذا من قبيل التنصيص على بعض أفراد ما يمكن أن يشمله، فهو صحيح، إذ لا شك أنه في الصلاة أشد؛ لأن فيه إشغال الإنسان عن صلاته بهذا الذي حصل له من الكسل والخمول، ولا شك أن هذا يسر الشيطان كثيراً؛ لأنه مشتغل بعبادة، وهو يريد أن يلهيه عن العبادة وأن يشوش عليه عبادته وأن يفسدها عليه ويصرفه عنها.
شرح حديث (إذا تثاءب أحدكم فليمسك على فيه...) من طريق ثانية وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن العلاء عن وكيع عن سفيان عن سهيل نحوه، قال: (في الصلاة فليكظم ما استطاع) ]. أورد أبو داود رواية ثانية وفيها: (في الصلاة) وهذا لا يدل على قصر الحكم على الصلاة كما أشرت، والحكم أنه يكظم ما استطاع في الصلاة وغير الصلاة، وإن غلبه التثاؤب فإنه يمسك فمه في الصلاة وفي غير الصلاة. قوله: [ حدثنا ابن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل نحوه ]. هو سهيل بن أبي صالح وقد مر. [ نحوه ] يعني: نحو ما تقدم بنفس الإسناد.
حكم التعوذ من الشيطان عند التثاؤب

أما قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب، استناداً إلى قوله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] فلا أعلم أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان عند التثاؤب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (التثاؤب من الشيطان) يؤيد ذلك فلا بأس بذلك؛ لأن هذا من الشيطان، فهو يتذكر أن هذا من الشيطان وأن هذا يعجب الشيطان، وأن هذا يريده الشيطان، فيتعوذ بالله منه.
شرح حديث (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، ولا يقل: هاه هاه؛ فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب). العطاس محبوب إلى الله عز وجل؛ لأن فيه استخراج أشياء من الدماغ، فالإنسان يتخلص منها ويكون فيه نشاط فيكون محموداً، والله تعالى يحبه، وأما التثاؤب فإن الله تعالى يكرهه؛ لأن فيه ثقلاً وكسلاً وخمولاً، وهذا مما يعجب الشيطان. قوله: [ (فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع) ] يعني: يحاول أن يكظم ذلك النفس الذي يظهر من فمه ويؤدي إلى انفتاحه، وهي هيئة مستقذرة مستكرهة، فإن غلبه وصار لا بد من الانفتاح، فإنه يضع يده على فيه؛ لأنه بذلك يمنع من زيادة الانفتاح في الفم، ويمنع أيضاً من حصول الصوت الذي يكون نتيجة لهذا الانفتاح، ولهذا قال في الحديث: (إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل: هاه، هاه) وهذه حكاية للصوت الذي يخرج من الفم عند التثاؤب بسبب هذا الانفتاح؛ وبسبب هذا النفس. وإذا حدث مثل هذا الصوت فهذا يدل على أن التثاؤب قد بلغ حده وبلغ نهايته، وصار على هذه الهيئة الكريهة، وصار منه هذا الصوت الذي هو صوت خروج النفس منه، وليس معنى ذلك أن الإنسان يقول: هاه، بحيث ينطق بها ويأتي بها، وإنما المقصود بذلك حكاية صوت النفس الذي يحصل نتيجة لهذا الانفتاح وخروج النفس بهذه الطريقة. قوله: [ (فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه) ] يعني: يضحك سروراً؛ لأنه وجد ما يسره ويعجبه، وفي هذا إثبات أن الشيطان يحصل منه الضحك ويفرح بما يسوء الإنسان وبما لا خير فيه للإنسان، كما جاء أنه يأكل بشماله ويشرب بشماله، فكذلك أيضاً جاء عنه أنه يضحك فرحاً وسروراً لحصول الهيئة التي يكرهها الله.
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله تعالى عنه مر ذكره. و سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة مباشرة ويروي عنه بالواسطة، وهنا روى عنه بواسطة أبيه.
ما جاء في العطاس


شرح حديث (كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العطاس. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته) شك يحيى ]. أورد أبو داود [ باباً في العطاس ] يعني: ما يتعلق بآدابه، وقد مر أن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي هريرة هذا- إذا عطس وضع يده أو وضع ثوبه على فمه وغض صوته بالعطاس. وهناك فوائد لوضع الثوب على الفم والأنف في حالة العطاس منها: أولاً: أنه يخفض الصوت. ثانياً: أنه يمنع من حصول أشياء تتطاير وتنتشر بسبب العطاس الذي يحصل بقوة، وتخرج من الدماغ، فينتج عنه أن يخرج من أنفه أشياء، فهذا يمنع من خروجها على جسمه أو على من حوله. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته) شك يحيى ]. يعني: قوله: [ (خفض أو غض) ] شك يحيى وهو أحد الرواة.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سمي ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت ويجلب السمن، فلقب بالزيات و السمان ، فهي نسبة حرفة ومهنة وعمل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وقد مر ذكره.

وجه كون صدق الحديث ما عطس عنده


أما ما يقولون من أن الذي يعطس عند ذكره لشيء فهذا يدل على صدقه، كما جاء في الحديث: (أصدق الحديث ما عطس عنده) فأقول: هذا الحديث ضعيف وهو في السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكذاب يمكن أن يأتي بشيء من الفلفل الذي يجلب العطاس ثم يعطس؛ لأن من الناس من إذا شم هذا الفلفل ولو من مكان بعيد يحصل له العطاس بسبب ذلك، ومن ألف الفلفل لا يعطس وإن كان يكيل الفلفل كيلاً، كان بعض الناس في بعض الأسواق يبيع الفلفل ويكيله بالصاع، وكان كل من مر من طرف السوق يعطس، وهو نفسه لا يعطس؛ لأن عنده مناعة. وإذا كان العطاس يحبه الله تبارك وتعالى فلا يعني ذلك أن يكثر منه؛ فالإكثار منه غير جيد؛ لأنه مرض، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا زاد العاطس على ثلاث لا يشمته، ويقول: مزكوم!
شرح حديث (خمس تجب للمسلم على أخيه رد السلام وتشميت العاطس...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان و خشيش بن أصرم قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : خمس تجب على المسلم لأخيه المسلم وهي: رد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة. هذه تجب على المسلم لأخيه، وهذا يدل على وجوب التشميت للعاطس، واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنه وجوب عيني، ومنهم من قال: إنه وجوب كفائي. قوله: [ (خمس تجب للمسلم على أخيه) ]. هذا الأسلوب من الأساليب التي جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو كونه يذكر العدد أولاً ثم يذكر المعدود بعد ذلك؛ لأن هذا فيه تحفيز السامع إلى أن يتهيأ لاستيعاب هذا العدد، وألا يفوته منه شيء، وأنه إن قصر عن استيعابه فمعناه أنه فاته شيء، وهذا من كمال بيانه وكمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، فإنه يأتي بمثل هذه العبارات التي تحفز السامعين إلى أن يعنوا وأن يهتموا بما يلقى بعد ذكر هذه الخمس، بخلاف ما لو جاء المعدود بدون ذكر العدد في الأول، فإن الإنسان قد يفوته شيء ولا يدري أنه قد فاته. وقد جاء هذا كثيراً في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، منها: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) ومنها: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً) ومنها: (خمس من الفطرة) وهنا: (خمس تجب على أخيه المسلم) ومنها: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) يعني: ذكر أنهما كلمتان وذكر صفاتهما ثم ذكرهما في الآخر: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). فهذا الحديث من أمثلة ما اشتمل عليه كلامه صلى الله عليه وسلم من البلاغة، وما اتصف به صلى الله عليه وسلم من كمال النصح للأمة، فهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قوله: [ (خمس تجب للمسلم) ]. وهذا فيه التصريح بالوجوب. قوله: [ (للمسلم على أخيه) ] ومعنى هذا: أن هذا الحق إنما هو للمسلم وليس لغيره. قوله: [ (رد السلام) ] ورد السلام واجب، وابتداؤه سنة، وهذا مما يقال فيه: إن السنة فيه أفضل من الواجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فالذي يبدأ بالسلام ويبادر إليه أحسن وأفضل ممن يُسْبَقُ بالسلام، ويكون شأنه راداً وليس مبتدئاً، لكن كما هو معلوم جاءت أحاديث تبين من الناس من يكون منه السلام، كأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس وهكذا. قوله: [ (وتشميت العاطس) ]. وتشميت العاطس هو ما نحن فيه. قوله: [ (وإجابة الدعوة)]. آكد ما يكون فيها دعوة الزواج ووليمة العرس، وكذلك إذا كانت الدعوة يترتب عليها مصلحة وفائدة كبيرة، ولا يترتب على الإنسان مضرة، أو لم يحصل فيه إخلال بعمل أو بموعد آخر أو ما إلى ذلك، فإن ذلك متأكد. قوله: [ (وعيادة المريض)]. يعني: كون الإنسان يعود أخاه في مرضه، فإنه يدخل عليه السرور ويؤنسه، وهو في ظرف وفي حالة هو بحاجة إلى الإيناس وإلى أن يحسن إليه وأن يسر، بأن يؤتى إليه ويدعى له ويطمأن. قوله: [ (واتباع الجنازة)]. يعني: إذا مات فإنه يتبع جنازته.
تراجم رجال إسناد حديث (خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام وتشميت العاطس ...)


قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ و خشيش بن أصرم ]. خشيش بن أصرم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المسيب ]. هو سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
حكم تشْميت العاطس


إن تشميت العاطس واجب، وينبغي للإنسان أن يحرص على تشميت العاطس، لكن بعض أهل العلم قال: إن تشميته متعين، وإنه واجب، ولكنه إذا قام به من يكفيه سقط الإثم. ولكن الإنسان يحرص على أن يكون مؤدياً لهذا الواجب، سواء قام به غيره أو لم يقم به غيره، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (فحق على كل من سمعه أن يشمته). وهذا يدل على الوجوب، لكن كما قلت وكما هو معلوم أنه الوجوب الكفائي، فهو واجب على الجميع في الأصل، ولكن الإثم يسقط عنهم لقيام البعض به.
ما جاء في تشميت العاطس



شرح حديث سالم بن عبيد (... إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده: يرحمك الله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في تشميت العاطس. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف قال: (كنا مع سالم بن عبيد رضي الله عنه فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال سالم : وعليك وعلى أمك، ثم قال بعد: لعلك وجدت مما قلت لك؟ قال: لوددت أنك لو لم تذكر أمي بخير ولا بشر، قال: إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، إنا بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك وعلى أمك، ثم قال: إذا عطس أحدكم فليحمد الله، قال فذكر بعض المحامد، وليقل له من عنده: يرحمك الله، وليرد يعني عليهم: يغفر الله لنا ولكم) ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في تشميت العاطس ]. وتشميت العاطس هو أنه إذا حمد الله يدعى له بالرحمة فيقال: يرحمك الله! هذا هو التشميت، ويقال له التسميت بالسين. والتشميت إنما يكون لمن عطس وحمد وليس لكل عاطس، ويجيب الذي دعي له بالرحمة وقد حمد الله في الأول بقوله: (يهديكم الله ويصلح بالكم) كما جاء في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث قال: (يغفر الله لنا ولكم) ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه. ثم ما جاء في الحديث من ذكر السلام يحتمل أنه سبق لسان أو أنه ظن أن هذا يقال في هذا الموقف، ولكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه، ولكن السنة ثبتت بأن العاطس يحمد الله، وأن سامعه يشمته، فيقول: يرحمك الله، والعاطس يجيب من شمته بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم.
تراجم رجال إسناد حديث سالم بن عبيد (... إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده: يرحمك الله ...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ كنا مع سالم بن عبيد ]. وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن. والحديث فيه انقطاع بين هلال بن يساف وبين سالم بن عبيد .

ابوالوليد المسلم 05-07-2025 06:15 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
طريق أخرى لحديث سالم بن عبيد في تشميت العاطس وترجمة رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا تميم بن المنتصر حدثنا إسحاق -يعني ابن يوسف - عن أبي بشر ورقاء عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن عرفجة عن سالم بن عبيد الأشجعي رضي الله عنه بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن سالم ، وأحال على الطريق السابقة، وهذه الطريق تختلف عنها بوجود واسطة، ثم أيضاً قد اختلف في وجود الواسطة على عدة أوجه، والذي ذكره أبو داود هنا واسطة هو مقبول. قوله: [ حدثنا تميم بن المنتصر ]. تميم بن المنتصر ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا إسحاق يعني ابن يوسف ]. إسحاق بن يوسف وهو المشهور بالأزرق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ورقاء ]. أبو بشر ورقاء وهو صدوق في حديثه عن منصور لين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذه أيضاً علة أخرى؛ لأنه هنا يروي عن منصور بن المعتمر فهذه علة غير علة الانقطاع بين هلال بن يساف وسالم بن عبيد ، وأيضاً غير علة الواسطة التي بين هلال وبين سالم الذي هو ابن عرفجة . [ عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن عرفجة ]. خالد بن عرفجة ويقال عرفطة وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سالم بن عبيد الأشجعي ]. سالم بن عبيد الأشجعي مر ذكره.
شرح حديث (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه تفصيل ما يقوله العاطس في البداية وما يقوله في النهاية، وما يقوله من يسمعه في الوسط، فالعاطس يقول: الحمد لله على كل حال، وجاء أنه يقول: الحمد لله رب العالمين، وسامعه يقول: يرحمك الله، وهو يجيب بعد التشميت بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. أبو صالح وأبو هريرة وقد مر ذكرهما.
الأسئلة



حكم قوله: (يهدينا ويهديكم الله) في رد العاطس على من شمته


السؤال: هل ورد: (يهدينا ويهديكم الله) في رد العاطس على من شمته؟ الجواب: لا أعلم شيئاً في ذلك، والذي أعلم هو قوله صلى الله عليه وسلم: (يهديكم الله ويصلح بالكم).

وجه ورود قوله: (الحمد لله على كل حال) في باب العطاس مع كونه يحبه الله


السؤال: قوله: (الحمد لله على كل حال) هذا لا يقال إلا على شيء مكروه، والعطاس يحبه الله، فهل هذا صحيح؟ الجواب: ما دام أنه جاء ذلك في السنة فيؤتى بما جاءت به السنة، ومعلوم أن ذلك فيه مبالغة في الثناء على الله عز وجل، وأنه محمود في جميع الأحوال، ولا يقال: إنها خاصة بالمكروه، بل تكون فيه وفي غيره؛ لأنها تشمل المكروه وتشمل غير المكروه.

حكم حمد الله لمن عطس في الصلاة


السؤال: إذا عطس شخص في الصلاة فهل يحمد الله؟ الجواب: يحمد الله ولكن لا يشمت، ولا يرفع صوته بحيث يشوش على الناس، وإنما يحمد بينه وبين نفسه.

حكم تعليق تشميت العاطس بحمد الله

السؤال: إذا عطس عاطس ولم يقل: الحمد لله، فهل يقال له: يرحمك الله إن حمدت الله؟ الجواب: لا يقال هذا وإنما يسكت، وجاء عن الأوزاعي أنه عطس عنده شخص فقال له: ماذا تقول إذا عطست؟ قال: أقول: الحمد لله، قال: يرحمك الله، وقيل: إن هذه القصة عن ابن المبارك . إذاًَ: قبل أن يشمت يُذّكَّر، ويقال له: إن العاطس يحمد الله، أما لو قال له: كيف حالك؟ فقال: الحمد لله، فلا نقول له: يرحمك الله؛ لأنه لم يحمد الله على العطاس، وإنما حمد الله على هذا الشيء.
عدد مرات تشميت العاطس



شرح حديث أبي هريرة (شمت أخاك ثلاثاً فما زاد فهو زكام)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم مرة يشمت العاطس . حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: شمت أخاك ثلاثاً فما زاد فهو زكام ]. أورد أبو داود [ باب كم مرة يشمت العاطس ] والمقصود أنه يشمت ثلاث مرات: إذا عطس الأولى وحمد الله يشمت، ثم إذا عطس الثانية وحمد الله يشمت، ثم إذا عطس الثالثة وحمد يشمت، فإن زاد على ذلك فإنه لا يشمت وإنما يقال: أنت مزكوم أو زكام. أما إذا عطس وهو يقضي حاجته فإنه لا يحمد الله لا جهراً ولا سراً، لكن يحمد الله في قلبه. لكنه لا يزال يحمد الله كلما عطس وإن زاد على الثلاث؛ لأنه ليس هناك شيء يمنع من هذا، لكن التشميت ينتهي عند الثلاث.
تراجم رجال إسناد حديث (شمت أخاك ثلاثاً فما زاد فهو زكام)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، ويحيى بن سعيد القطان مر ذكره أيضاً. [ عن ابن عجلان حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ]. سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبيه، وهنا يروي عن أبي هريرة مباشرة، وكما ذكرت أن أبا هريرة يروي عنه أبو سعيد المقبري ويروي عنه سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
طريق ثانية لأثر أبي هريرة مرفوعاً بمعناه وترجمة رجال الإسناد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم بمعناه ]. أورد الحديث من طريق أخرى وفيها شك في الرفع، ولكن الرواية الأولى مصرحة بالوقف. قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري ]. عيسى بن حماد المصري هو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وهو الذي يلقب بزغبة . [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
طريق ثالثة لأثر أبي هريرة مرفوعاً وترجمة رجال الإسناد


[ قال أبو داود : رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله سلم ]. وهذه طريق أخرى وفيها أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال: أبو داود رواه أبو نعيم ]. أبو نعيم هو الفضل بن دكين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن قيس ]. موسى بن قيس وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي . [ عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث (تشمت العاطس ثلاثاً فإن شئت أن تشمته فشمته...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمه حُميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيها رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تشمت العاطس ثلاثاً، فإن شئت أن تشمته فشمته وإن شئت فكف) ]. أورد أبو داود حديث عبيد بن رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تشمت العاطس ثلاثاً، فإن شئت أن تشمته فشمته وإن شئت فكف) يعني: أنه بعد الثلاث مخير، وفي الثلاث الأول يشمت، وقد مر أنه يشمت ثلاثاً وبعد ذلك يقال له: مزكوم. وهذا الحديث الذي فيه أنه مخير غير صحيح؛ لأن في إسناده ضعفاً؛ لأن راويه قيل إنه ليس من الصحابة وإنما هو مرسل، وكذلك أيضاً فيه كلام آخر في بعض رواته.
تراجم رجال إسناد حديث (تشمت العاطس ثلاثاً فإن شئت أن تشمته فشمته...)


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا مالك بن إسماعيل ]. مالك بن إسماعيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب وهو ثقة له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الرحمن ]. هو يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدلاني، صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي ]. وهي مقبولة، أخرج لها أصحاب السنن. [ عن أبيها ]. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو من ثقات التابعين، يعني: لم تثبت صحبته، فيكون الحديث مرسلاً. فإذاً: فيه الإرسال، وفيه أيضاً الراوية التي هي مقبولة، وفيه أيضاً الشخصان اللذان دونها فواحد منهما كثير الخطأ والآخر له مناكير. وعبيد بن رفاعة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
صفة تشميت من يكون عطاسه متتابعاً أو في الصلاة


هناك من يكون عنده العطاس متتابعاً، فمثل هذا يشمت بعدها مرة واحده. كذلك إذا عطس من كان مصلياً فحمد الله فسمعه من لم يكن في صلاة فليس له أن يشمته؛ لأن المصلي لا يخاطِب ولا يخاطَب، اللهم إلا في السلام فإنه يسلم عليه ويرد بالإشارة.
شرح حديث (أن رجلاً عطس عند النبي فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال الرجل مزكوم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يرحمك الله، ثم عطس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع قال: (أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يرحمك الله، ثم عطس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم)، وهنا لم يثبت تكرار، ولكن جاءت الأحاديث المبينة بأن الإنسان يشمت إلى ثلاث، وبعد ذلك يقال له: مزكوم. أما كون الزكام يتتابع بسبب غبار أو غيره فهذا ليس هو الزكام العادي، وإنما هو لمرض أو غيره.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً عطس عند النبي فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال الرجل مزكوم)


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي زائدة]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن إياس بن سلمة بن الأكوع ]. إياس بن سلمة بن الأكوع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. كذلك إذا علمت أن الرجل مزكوم من أول مرة فشمته إلى ثلاث مرات.
كيفية تشميت الذمي



شرح حديث (كانت اليهود تعاطس عند النبي رجاء أن يقول لها يرحمكم الله)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب كيف يشمت الذمي. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن حكيم بن الديلم عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كانت اليهود تعاطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لها: يرحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم) ]. أورد أبو داود [ باب كيف يشمت الذمي ] وهو أنه يشمت بأن يقال له: يهديكم الله ويصلح بالكم، وهذا هو الذي يناسبه، وأما الرحمة فإنها تناسب المسلمين الذين هم أهل الرحمة، وأما أولئك فهم أهل العذاب والمستحقون للعذاب، ولكن يدعى لهم بالهداية، فالكافر يدعى له أن يهديه الله للإسلام، وأن يخرجه من الظلمات إلى النور. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن اليهود كانوا يتعاطسون ويتكلفون العطاس؛ رجاء أن يدعو لهم بالرحمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم).
تراجم رجال إسناد حديث (كانت اليهود تعاطس عند النبي رجاء أن يقول لها يرحمكم الله)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان ]. مر ذكر الثلاثة. [ عن حكيم بن الديلم ]. حكيم بن الديلم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي والنسائي . [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حكم من عطس ولم يحمد الله


شرح حديث (عطس رجلان عند النبي فشمت أحدهما وترك الآخر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يعطس ولا يحمد الله. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير ح وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان المعنى قالا: حدثنا سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما وترك الآخر، قال: فقيل: يا رسول الله! رجلان عطسا فشمتّ أحدهما، قال أحمد: أو فسمت أحدهما وتركت الآخر، فقال: إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله) ]. أورد أبو داود [ باباً فيمن يعطس ولا يحمد الله ] والمقصود أنه لا يشمت؛ لأن التشميت تابع للحمد ومبني على الحمد من العاطس، فإذا عطس وحمد الله بعد عطاسه استحق أن يشمت، وإن لم يحمد فإنه لا يشمت. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن رجلين عطسا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام فشمت أحدهما، وأحد الشيخين لأبي داود قال: (سمت) بدل شمت؛ لأن معناهما واحد، فقيل له: رجلان عطسا شمت أحدهما ولم تشمت الآخر، فقال: هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله، فدل هذا على أن التشميت تابع للحمد، وأنه يأتي بعد حصوله.
تراجم رجال إسناد حديث (عطس رجلان عند النبي فشمت أحدهما وترك الآخر ...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير ح وحدثنا محمد بن كثير ]. أحمد بن يونس مر ذكره، وزهير مر ذكره، و محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان الثوري مر ذكره. [ قالا: حدثنا سليمان التيمي ]. هو سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
الأسئلة



حكم حمد الله ممن عطس وهو بمفرده


السؤال: إذا عطس الإنسان وكان لوحده فهل يحمد الله؟ الجواب: نعم يحمد الله ولو كان لوحده.

حكم تشميت العاطس ممن يقرأ القرآن أو يشتغل بالذكر


السؤال: إذا عطس أحد بجواري وأنا أقرأ قرآناً أو مشغول بالذكر فهل أقطع وأشمته؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا شيء طارئ ولا يمنع من المواصلة.

حكم تشميت من سُمع عطاسه من بعيد دون حمده لله


السؤال: إذا كان العاطس بعيداً لكنني أعلم أنه من عادته أنه يحمد الله فهل أشمته وإن لم أسمعه؟ الجواب: لا تشمته إلا إذا سمعته؛ لأنه قد ينسى.

صفة تشميت المبتدع البدعة المكفرة والمفسقة


السؤال: إذا عطس صاحب بدعة اعتقادية وحمد الله، فهل يقال له: يرحمكم الله، أو يهديكم الله ويصلح بالكم؟ الجواب: إذا كانت بدعته مكفرة يدعى له كما يدعى للكفار، وإن كانت بدعته مفسقة، فإنه يدعى له كما يدعى للمسلمين.

حكم تشميت الرجل الأجنبي للمرأة والعكس


السؤال: هل يشمت الرجل المرأة الأجنبية والعكس؟ الجواب: لا ينبغي ذلك مع الأجنبيات؛ لأن هذا يؤدي إلى تخاطب وإلى كلام، والمرأة الأجنبية كما هو معلوم عليها ألا ترفع صوتها بالحمد إذا عطست، فهي ليس لها أن تظهر صوتها وأن تحمد الله عند الرجال، والرجال أيضاً كذلك لا يجيبونها، وقد جاء في السنة أن الإمام إذا حصل له شيء في صلاته فإنه يسبح الرجال وتصفق النساء، والمقصود بذلك ألا يسمع صوتها وألا يظهر صوتها.

حكم تشميت العاطس بقولهم له عافية


السؤال: إذا عطس الرجل فمن عادتنا في البلد أن يقال له: عافية، فهل هذا جائز؟ الجواب: السنة أن يحمد الله، ويقال له: يرحمك الله.

عدم تشميت من يعطس أثناء خطبة الجمعة


السؤال: إذا عطس شخص يوم الجمعة والخطيب يخطب فهل أشمته؟ الجواب: هو يحمد الله كما يحمد الله في الصلاة ولكن لا يشمت.

حكم توزيع رسالة كفر تارك الصلاة في فرنسا


السؤال: لقد ترجمت رسالة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (حكم تارك الصلاة) إلى اللغة الفرنسية، ولكن بعض الإخوة ينصح بعدم توزيعها في فرنسا؛ لأن ذلك يسبب فتنة لكثرة تاركي الصلاة هناك، ولأن الشيخ قد قرر فيها كفر تارك الصلاة، فماذا ترون حفظكم الله؟ الجواب: على كل الحكم يبين؛ لأنه حتى في نفس البلاد الإسلامية الذي يترك الصلاة أناس كثيرون، فعلى هذا لا توزع أبداً ولا توجد.

حكم الجهر بالتسمية قبل الوضوء


السؤال: هل للإنسان أن يرفع صوته بالتسمية قبل الوضوء أم يسمي في نفسه؟ الجواب: إذا سمى في نفسه بدون نطق لم يسم كلاماً؛ لأن الكلام إنما هو باللسان وتحريك الشفتين لا بسكون اللسان وإطباق الشفتين، فهذا لا يقال له كلام؛ لأن حديث النفس ليس بكلام، قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل). فالكلام هو ما يسمعه المتكلم سواء كان سراً أو جهراً، فهو إن كان المقصود به أنه يسمي بينه وبين نفسه بحيث يسمع نفسه فلا بأس، وكذلك أيضاً كونه سمى ليسمع غيره حتى يعلم وينبه هذا شيء طيب.

طرق إرضاء الوالدين في السماح للولد بفعل النوافل من العبادات


السؤال: ما هو الضابط في رضا الوالدين إذا كانا يمنعان من بعض نوافل العبادات كنافلة الحج والعمرة والصيام؛ خوفاً وشفقة على صحتي؟ الجواب: على الإنسان أن يحرص على رضا الوالدين وعلى إقناعهما، ويخبرهما بأن هذا خير له ولهم؛ لأنه بذلك يؤدي عبادة عظيمة ويدعو لنفسه ولهم في تلك الأماكن المقدسة الفاضلة.

حكم إعطاء الرجل سيارته لأصدقائه دون رضا أمه


السؤال: يقول شخص: والدتي تمنعني من إعطاء سيارتي لأصدقائي وزملائي، فإذا أعطيتها لواحد منهم هل أعتبر عاصياً لها؟ الجواب: الإعطاء لكل أحد قد لا يكون مناسباً؛ لأنه قد يعطيها لشخص ويتهور في قيادتها ويتلفها، ولكن إذا كان الذي أعطاه إنساناً عاقلاً ومأموناً ودعت الحاجة إلى ذلك، فالناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ولا يستغني بعضهم عن بعض، ولكنه يقنع والدته ويقول لها: كما أن الواحد منهم يعطيني سيارته إذا احتجت فهم أيضاً كذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) يعني: يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، لكنه لا يعطيها لكل أحد؛ لأنها قد يحصل لها دمار ويحصل لها تلف."




ابوالوليد المسلم 05-07-2025 06:20 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [572]
الحلقة (602)



شرح سنن أبي داود [572]

يستغرق النوم ما يقارب نصف عمر الإنسان، وقد جاء الشرع الحنيف بذكر آداب النوم وسننه، وما ينبغي تركه وتجنبه عند النوم، وما يفعله المرء عند الاستيقاظ.

ما جاء في انبطاح الرجل على بطنه


شرح حديث (... إن هذه ضجعة يبغضها الله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أبواب النوم باب في الرجل ينبطح على بطنه. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال: (كان أبي رضي الله عنه من أصحاب الصفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة رضي الله عنها فانطلقنا، فقال: يا عائشة ! أطعمينا. فجاءت بجشيشة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة ! أطعمينا. فجاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة ! أسقينا. فجاءت بعس من لبن فشربنا، ثم قال: يا عائشة ! أسقينا. فجاءت بقدح صغير فشربنا، ثم قال: إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد، قال: فبينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني إذا رجل يحركني برجله، فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى [ أبواب النوم ] أي: الأبواب المتعلقة بالنوم وأحكامه وآدابه، فعنون لها بهذا العنوان العام، ثم أتى بأبواب متفرقة تندرج تحت هذا التبويب العام فقال: [باب في الرجل ينبطح على بطنه ] أي: في حال نومه يكون منبطحاً على بطنه. ومعلوم أن ذكر الرجل ليس له مفهوم كما جاء مراراً وتكراراً، فحكم المرأة كحكم الرجل ولا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت النصوص تدل على أن هذه الأحكام خاصة بالرجال، أو أن هذه الأحكام خاصة بالنساء، فعند ذلك يصار إلى هذا التمييز، وأما إذا لم يأت شيء يدل على اختصاص الرجال بشيء أو النساء بشيء، فإن الحكم يشمل الرجال والنساء. أورد أبو داود رحمه الله حديث يعيش ين طخفة الغفاري قال: كان أبي من أهل الصفة وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليهم وقال: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة. فذهبوا إليها وقال: يا عائشة أطعمينا. فأطعمتهم جشيشة، والجشيشة هي البر الذي لم يطحن بحيث يكون دقيقاً، ثم إنه طبخ وقدم، وهو الذي يسمى في هذا الزمان الجريش، فقدمته لهم. ثم قال: (يا عائشة أطعمينا. فأتتهم بحيسة مثل القطاة) يعني: قطعة من الحيس، والحيس هو التمر والأقط والسمن إذا جمع بينها وخلطت، وقد يكون معها سويق؛ لأنه يتكون من الأشياء الثلاثة بدون سويق، وقد يضاف إليه سويق فتكون أجزاؤه أربعة: التمر والأقط والسمن والسويق، والسويق هو البر الذي قلي ثم طحن. وفي القاموس قال: إن الحيس هو الذي جمع أو ألف من التمر والأقط والسمن، وقال: ربما أضيف إليه السويق. فمن قال: إنه مكون من ثلاثة فهو كذلك، ومن قال: إنه مكون من أربعة فإنه يكون كذلك، ويضرب المثل بالحيس للشيء الذي حصل اختلاطه وامتزاجه، ومنه قول القائل: واختلط الناس اختلاط الحيس. يعني: أن هذه الأمور الثلاثة دخل بعضها في بعض وامتزجت. قوله: [ (مثل القطاة) ] والقطاة طائر من الطيور يشبه الحمام ولكنه ليس من الحمام؛ لأن الحمام يأتي للبساتين ويأتي للنخل، وأما القطاة فإنها تكون بعيداً في أماكن خالية، ولهذا فإن الذين يصطادونها يعملون له حياضاً ومشارع في الفلاة ويضعون عليها شباكاً، ثم يصيدونها بهذه الوسيلة؛ لأنها تعيش في الفلاة وليست مثل الحمام الذي يعيش مع الناس ويقع على أشجارهم. فقوله: [ (مثل القطاة) ] يعني: أنه شيء قليل مثل حجم القطاة؛ لقلته وصغر حجمه. قوله: [ (أسقينا. فجاءت بعس من لبن) ] قيل: إن العس هو القدح الكبير. قوله: [ (ثم قال: يا عائشة أسقينا. فأتتهم بقدح صغير فشربوا، ثم قال: إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد) ] يعني: من شاء أن ينام فلينم وإلا فلينطلق. فانطلقوا، ونام والد يعيش في المسجد، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو منبطح على بطنه من السحر فحركه برجله وقال: (إنها ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث أورده أبو داود من أجل هذه الجملة التي في آخره، وهي الضجعة التي يبغضها الله. وقوله: [ (من السحر) ] قيل: إنه من آخر الليل، وقيل: إنه من السحر الذي هو ما يكون بين الرقبة وبين البطن والذي يقال له سحر، ولهذا جاء عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين سحري ونحري) يعني: بين رقبتها وما فوق بطنها، فإن هذا يقال له: سحر: فقيل: إنه فعل ذلك للعلاج أو لأنه يؤلمه وأراد أن يتكئ به على الأرض. والحديث فيه اضطراب في اسم يعيش بن طخفة أو قيس بن طخفة وجاء على عدة أوجه، ولكن هذه الجملة الأخيرة جاءت عند ابن ماجة من طريق أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه فهي ثابتة. وأما ما جاء في أوله من ذكر الطعام والشراب، وكونه طلب منها مرتين أن تطعمهم ثم مرتين أن تسقيهم، فهذا جاء بهذا الإسناد الذي فيه الاضطراب، وأما ما جاء في آخره، فإنه قد جاء عند ابن ماجة من طريقين، وهو مقتصر على هذه الجملة التي هي الضجعة التي يبغضها الله عز وجل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... إن هذه ضجعة يبغضها الله ...)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بالزمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام بن أبي عبد الله بن الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري ]. يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال فيه الحافظ : إنه هو طخفة وإنه يعيش وإنه قيس . فيكون معناه أنه رجل واحد، ولكن الذي في الرواية أنه يروي عن أبيه؛ ولهذا قالوا: إن فيه اضطراباً؛ لأنه ذكر على أوجه متعددة. [ قال: كان أبي من أصحاب الصفة ]. أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
الأسئلة



حكم الانبطاح على البطن للعلاج


السؤال: الأطباء ينصحون بوضع الأطفال على بطونهم فهل يخرج غير المكلف؟ الجواب: إذا كان بطن الإنسان منتفخاً وانبطح على بطنه من أجل أن يسهل خروج الريح من ذلك الانتفاخ للعلاج فلا بأس بذلك. وجاء في الحديث: (إن هذه ضجعة يبغضها الله) فما دام فيها بغض من الله فالإنسان يبتعد عنه، لكن لو أن الإنسان فعل ذلك وهو نائم لا يشعر فهو معذور، حتى الانبطاح حال اليقظة فنفس هذه الهيئة هي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم من اعتاد النوم على البطن


السؤال: يصعب علي النوم إلا على هذه الحالة فماذا أصنع؟ الجواب: عود نفسك النوم على غير هذه الحالة.

حكم النوم على الجهة اليسرى أو على الظهر


السؤال: ما حكم النوم على الجهة اليسرى أو على الظهر مستلقياً؟ الجواب: سبق أن مر بنا عدة أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام مستلقياً ويضع إحدى رجليه على الأخرى، وفي بعضها النهي عن وضع إحدى الرجلين على الأخرى، وعرفنا فيما مضى أن الجمع بينها أنه إذا لم يكن عليه سراويل أو أنه يترتب على ذلك انكشاف العورة فهذا هو الذي ينطبق عليه ما جاء من النهي، وما جاء من التجويز فهو فيما إذا أمن انكشاف العورة. وأما بالنسبة للنوم على الجنب الأيسر فقد جاء ما يدل على أن الإنسان ينام على شقه الأيمن كما سيأتي في الأحاديث، وجاء ما يدل على جواز التحول إلى الشق الأيسر، كما سبق أن مر بنا بالنسبة للرؤيا التي تحزن الإنسان، فإن من جملة الآداب فيها أنه يتحول إلى جنبه الآخر، بحيث لو كان على اليمين يتحول على الشمال، وإذا كان على الشمال فيتحول على اليمين. إذاً: الإنسان يضطجع على شقه الأيمن، لكن إذا احتاج إلى أن يتحول إلى الشق الأيسر لمصلحة أو لفائدة لا بأس بذلك، مثل ما جاء في حديث الرؤيا.

صفة الإنكار على من ينام على بطنه


السؤال: هل يؤخذ من الحديث أنه ينكر على من نام على بطنه ولو كان نائماً فإنه يحرك ويؤمر بالتحول؟ الجواب: يرشد إلى السنة وأن هذه ضجعة يبغضها الله، وإذا كان يتأثر من التحريك بالرجل فإنه يحركه باليد.

وجه خدمة المرأة للضيوف أخذاً بفعل عائشة


السؤال: هل يؤخذ من الحديث خدمة المرأة للضيوف حيث إن عائشة رضي الله عنها أتت بالطعام؟ الجواب: لا يدل الحديث على ذلك؛ لأنه ليس فيه أنها جاءت وخدمتهم، وإنما يمكن أنها أخرجت لهم هذا الشيء الذي طلبوه، وبعد ذلك أخذوه هم.
ما جاء في النوم على سطح غير محجر


شرح حديث(من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النوم على سطح غير حجار. حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا سالم -يعني ابن نوح - عن عمر بن جابر الحنفي عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن بن علي -يعني ابن شيبان - عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من بات على ظهر بيت ليس له حجار، فقد برئت منه الذمة) ]. أورد أبو داود [ باب من بات على سطح ليس عليه حجار ] وفي بعض النسخ: [ ليس بمحجر ] يعني: ليس عليه ساتر من الجوانب، وهو يقال له: حجار، ويقال له: حجى، ويقال له: حجاب، وقد جاءت روايات متعددة بهذا اللفظ. فحجار: معناه أنه يوجد حجر يمنع من السقوط، أو وجود قائم مرتفع يمنع الإنسان من السقوط. وحجى: قيل: إنه تشبيه بالعقل؛ لأن العقل هو الحجى والعقل يمنع من الوقوع في الأمور التي لا تنبغي، وكذلك الحجى الذي يكون على جوانب السطح يمنع من السقوط والتردي من فوق السطح. وحجاب: تعني الشيء الساتر الذي يحجب الإنسان عما وراءه. والمقصود من ذلك هو ألا يكون السطح الذي ينام فيه الإنسان ليس له ساتر من الجوانب؛ لأنه قد يتحرك وينقلب وهو نائم فيسقط من السطح فيلحقه ضرر، أو أنه يكون مستيقظاً ولكنه قد يكون غافلاً لاهياً ويمشي على حافة السطح وليس له شيء يمنعه فيقع، ولكن إذا كان له حجى وصار له ساتر فإنه لو انتقل وهو نائم يرده هذا الفاصل، وإن كان يمشي وهو غافل فإنه يرده ذلك الفاصل، ففي ذلك مصلحة وحيطة من الوقوع فيما يحصل به ضرر على الإنسان، وهو التردي من فوق ذلك المكان العالي. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن شيبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة) يعني: لو أن إنساناً نام على سطح لغيره ليس له حجار، فإن ذلك الشخص لا يكون مسئولاً؛ لأنه هو الذي فرط حيث نام على هذا المكان الذي لا يأمن من ورائه السقوط. أو أن يكون المقصود أنه غير محفوظ بحفظ الله عز وجل، وأنه إذا لم يأخذ بالأسباب فإنه يكون بذلك قد عرض نفسه لأن يحصل له الشيء الذي لا تحصل به السلامة والحفظ من الله.
تراجم رجال إسناد حديث (من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى مر ذكره. [ حدثنا سالم -يعني ابن نوح - ] سالم بن نوح هو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عمر بن جابر الحنفي ] عمر بن جابر الحنفي وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود . [ عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب . ] هو وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب الحنفي وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود. [ عن عبد الرحمن بن علي يعني ابن شيبان ]. عبد الرحمن بن علي بن شيبان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو علي بن شيبان رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و ابن ماجة . والحديث فيه مقبولان، ولكن له شواهد تشهد له، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في النوم على طهارة


شرح حديث (ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النوم على طهارة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا عاصم بن بهدلة عن شهر بن حوشب عن أبي ظبية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً، فيتعار من الليل فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه) ]. أورد أبو داود [ باباً في النوم على طهارة ] يعني: أن الإنسان يكون على وضوء عندما ينام، وهي هيئة كاملة وهيئة مفضلة. أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً) يعني: أنه يذكر الله عز وجل عند النوم وعند البيات، ويكون طاهراً، وهذا محل الشاهد أنه يكون على وضوء. قوله: [ (فيتعار من الليل) ] يعني: يستيقظ وينتبه من نومه. قوله: [ (فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه) ] والمقصود من الحديث أن الإنسان ينام على طهارة وأن هذا أمر مستحب.
تراجم رجال إسناد حديث (ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا عاصم بن بهدلة ]. هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة. [ عن شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ظبية ]. هو أبو ظبية الكلاعي قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وقد سبق أن مر ذكره قريباً عند ذكر الحديث الذي فيه: المرأة التي وعدت ولدها قالت: تعال أعطيك، وذكرت أن في ترجمته في تهذيب التهذيب أن ابن معين نُقِلَ عنه نقلان في توثيقه وأنه قال عنه: ثقة، وأن بعض العلماء أثنوا عليه ولم يذكر أحد فيه شيئاً من الجرح، والمنذري وثقه كما في عون المعبود ولا أدري هل ذكره في الحاشية أو لا، فالحاصل أن قول الحافظ فيه: مقبول ليس بمستقيم؛ لأن المقبول هو الذي لا يحتج بحديثه إلا إذا اعتضد، وهذا قد وثق ولم يقدح فيه أحد بقادح، بل أثني عليه ثناء عظيماً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي وابن ماجة . [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال ثابت البناني : قدم علينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. ذكر المصنف رحمه الله عن ثابت البناني وهو يروي عن أبي ظبية وهناك روى عن أبي ظبية شهر بن حوشب وفيه كلام، ولكن رواية ثابت هذه تزيل الإشكال الذي في رواية شهر بن حوشب ، و ثابت البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
معنى قوله (لقد جهدت أن أقولها حين أنبعث فما قدرت عليها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال ثابت : قال فلان: لقد جهدت أن أقولها حين أنبعث فما قدرت عليها ]. يعني أن ثابتاًلم يسم القائل؛ لأن هذا وصف غير محمود، وقد يكون المقصود من ذلك أنه جهد وحرص على أن يقولها إذا قام من النوم، ولكنه يحصل له نسيان عند الاستيقاظ ويذهل عن ذلك الشيء الذي كان عازماً عليه من قبل. وهذا الذكر هو أن يسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة، فيفهم من هذا أن الرجل كان حريصاً على أن يأتي بهذه المسألة بعد أن يستيقظ من النوم، ولكنه إذا استيقظ ينسى، وليس معنى ذلك أنه يكون متنبها ويعجز أن يسأل الله أو أنه يحال بينه وبين ذلك.
شرح حديث (أن رسول الله قام من الليل فقضى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام من الليل فقضى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام). قال أبو داود : يعني بال ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام. يعني أنه بال وغسل وجهه ويديه فنام على طهارة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام على طهارة؛ لأنه بعد ما قام وبال حصل منه أن غسل وجهه ويديه، ومعنى ذلك أن هذا شيء من الطهارة أو شيء من النظافة، وإن كان الحديث فيه اختصار فيكون معناه أنه حصل منه الحد الأدنى من الطهارة الذي هو غسل وجهه ويديه. والإنسان يتوضأ وينام، فإذا حصل منه قضاء الحاجة ونقض الوضوء بهذا الفعل الذي حصل، فإنه يستعمل الماء في بعض الطهارة الذي هو غسل الوجه واليدين وليس كامل الطهارة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قام من الليل فقضى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به الثوري . [ عن سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة



حكم الوضوء أو التيمم قبل النوم للحائض والجنب


السؤال: هل يستحب للحائض والجنب الوضوء أو التيمم قبل النوم؟ الجواب: كما هو معلوم الحائض لا تحصل لها الطهارة مع وجود الحيض، ولو توضأت لم يرتفع الحدث بل الحدث قائم وهو الحدث الأكبر، والجنب كذلك لا يرتفع حدثه بالتيمم إلا إذا كان الماء غير موجود، ولكنه جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان يتوضأ وهو جنب ثم ينام، وهذا فيه تخفيف الجنابة.

المراد بالنوم على طهارة

السؤال: هل المراد بالنوم على طهارة نوم الليل أم يدخل فيه القيلولة ونوم النهار؟ الجواب: إذا كان ذلك في جميع الأحوال فلا شك أنه أولى، لكن الذي يظهر أن الغالب في الأحكام التي تذكر أنها لنوم الليل؛ لأن فيها ذكر البيتوتة، والبيتوتة إنما تكون في الليل لا في النهار. أما من أراد أن يغفو أو يمتد فلا يفعل ذلك؛ لأن الإنسان قد يسترخي استرخاء وإن لم يحصل منه نوم وقد ينعس.
كيفية التوجه في النوم


شرح حديث (كان فراش النبي نحواً مما يوضع الإنسان في قبره ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب كيف يتوجه. حدثنا مسدد حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن بعض آل أم سلمة : (كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم نحواً مما يوضع الإنسان في قبره، وكان المسجد عند رأسه) ]. أورد أبو داود [ باب كيف يتوجه ] يعني: كيف يتوجه الإنسان في نومه. والمقصود من الترجمة أنه يتوجه إلى القبلة، وذلك بأن ينام على جنبه الأيمن ووجهه متجه إلى القبلة كهيئته عندما يوضع في قبره؛ لأنه يوضع على جنبه الأيمن موجهاً إلى القبلة. وأورد أبو داود هذا الحديث عن بعض آل أم سلمة ولا تعرف الصحبة لذلك الذي هو من آل أم سلمة والحديث غير صحيح. وقد جاء فيه أن فراش النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينام يكون رأسه إلى جهة المسجد على شقه الأيمن، ومعنى ذلك أن رجليه تكونان إلى جهة الجدار الخارجي الذي من جهة الشرق، ورأسه إلى جهة المسجد الذي هو من جهة غرب الحجرة؛ لأن الحجرة في شرقي المسجد ولها باب إلى المسجد وباب إلى الخارج، فهو عندما ينام في حجرته يكون رأسه إلى جهة المسجد ورجلاه إلى جهة الجدار الذي في المشرق وهو متجه إلى القبلة، وهذه هي الهيئة التي يكون الإنسان عليها عندما يوضع في قبره، حيث يوضع على جنبه الأيمن موجهاً إلى القبلة. والحديث يدل على استحباب النوم إلى القبلة، لكن الحديث غير ثابت.
تراجم رجال إسناد حديث (كان فراش النبي نحواً مما يوضع الإنسان في قبره...)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة عنده تدليس وإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن بعض آل أم سلمة ]. بعض آل أم سلمة لا يعرف هل هو صحابي، وفيه هذا الإبهام لبعض آل أم سلمة ، وفيه أيضاً رواية أبي قلابة وهو يدلس ويرسل. ولا أعلم له شواهد والألباني ضعفه."



ابوالوليد المسلم 05-07-2025 03:16 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [573]
الحلقة (603)



شرح سنن أبي داود [573]

وردت كثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين لنا آداباً وسنناً وأذكاراً تكون عند النوم، وذلك أن النوم أخو الموت، فقد ينام المرء فتقبض روحه في المنام فيكون قد مات على طهارة وعلى ذكر لله عز وجل.

ما يقال عند النوم


شرح حديث (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول عند النوم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم عن معبد بن خالد عن سواء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك. ثلاث مرار) ]. أورد أبو داود [ باب ما يقول عند النوم ] يعني: الذكر الذي يقوله المرء عند النوم. أورد أبو داود جملة من الأحاديث في هذا الباب، وأولها حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، وقال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) قالها ثلاثاً، والحديث صححه الألباني بدون ذكر الثلاث، وإنما يقولها مرة واحدة وليس فيه ذكر التكرار. وفيه: أنه ينام على شقه الأيمن، وهنا ذكر أن يده اليمنى تكون تحت خده، ومعنى ذلك أن اليمنى تحت خده الأيمن؛ لأن اليد اليمنى هي أقرب شيء إلى خده الأيمن، وقد جاء ذلك صريحاً بأنه كان ينام على شقه الأيمن وكان يضع يده تحت خده.
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عاصم ]. عاصم بن بهدلة مر ذكره. ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في مقدمة الفتح أن الجرح أو الكلام إذا كان لم يثبت فإنه لا يعول عليه وذلك بحسب الإسناد؛ لأنه ذكر في ترجمته في مقدمة الفتح أن من العلماء من تكلم فيه، ولكن جاء هذا الكلام بإسناد فيه من هو ضعيف، فقال: لا يعول عليه. [ عن معبد بن خالد ]. معبد بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سواء ]. سواء وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن حفصة ]. حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني بدون ذكر الثلاث وهنا فيه المقبول، ولكن له شواهد دون ذكر الثلاث.
شرح حديث البراء (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر سمعت منصوراً يحدث عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، قال: فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول، قال البراء : فقلت: أستذكرهن، فقلت: وبرسولك الذي أرسلت، قال: لا، وبنبيك الذين أرسلت) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن) وهذا دليل واضح على أن الإنسان يضطجع على شقه الأيمن عند نومه، وأن يكون على وضوء، حيث أمره بأن يتوضأ الوضوء الذي هو للصلاة. قوله: [ (اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، قال البراء : فقلت: أستذكرهن) ] يعني: أعاد الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه يريد أن يتأكد من حفظه وأتى بقوله: (وبرسولك الذي أرسلت) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، وبنبيك الذين أرسلت). قوله: [ (فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول) ] أي: أن هذا آخر ذكر يقال عند النوم. قوله في أول الحديث: [ (اللهم أسلمت وجهي إليك) ] يعني: استسلمت لأمرك ونهيك، وانقدت لما جاء به شرعك، فأصدق الأخبار وأنفذ الأوامر وأجتنب النواهي. قوله: [ (وفوضت أمري إليك) ] يعني: أني اعتمدت عليك وتوكلت عليك. قوله: [ (وألجأت ظهري إليك) ] يعني: اعتمدت عليك واستندت إليك وليس إلى غيرك. قوله: [ (رهبة ورغبة إليك) ] يعني: رغبة فيما عندك من خير، ورهبة مما عندك من العقوبة. قوله: [ (لا ملجأ ولا منجى إلا إليك) أي: لا مفر من الله إلا إليه، وأن الإنسان لا يسلم مما هو ضار إلا بالتعويل على الله عز وجل الذي منه الضر والنفع، والذي هو خالق كل شيء وبيده كل شيء سبحانه وتعالى، وهذا كما جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). ثم إن البراء رضي الله عنه قال: (فقلت: أستذكرهن) يريد أن يحفظها وأن يتأكد من حفظه لها والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه وكان أن عبر بقوله: (وبرسولك الذي أرسلت) بدل: (وبنبيك الذي أرسلت) قال: (لا، وبنبيك الذي أرسلت) والمعنى واحد، ولكن من أحسن ما قيل في معناه ما قاله الحافظ ابن حجر: إن الأذكار يتمسك بها ولا يبدل لفظ منها بآخر، وإنما يحافظ على ألفاظها ويتمسك بها ولا يعدل عنها إلى ألفاظ أخرى، وإلا فإن إرسال النبي وإرسال الرسول جاء في القرآن، قال تعالى: وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ [الزخرف:6]، وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4].
تراجم رجال إسناد حديث البراء (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ...)


قوله: [ حدثنا مسدد عن المعتمر ]. مسدد مر ذكره. والمعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت منصوراً ]. هو منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني البراء بن عازب ]. البراء بن عازب وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا كان الإنسان على طهارة قبل النوم فلا يحتاج إلى وضوء؛ لأن المقصود أن يكون على وضوء.
معنى قوله (واجعلهن آخر ما تقول)


قوله: [ (واجعلهن آخر ما تقول) ] فلو حصل طارئ وتكلم الإنسان بعد أدائه لهذا الذكر فليس عليه إعادته؛ لأن الإنسان قد يتكرر منه ذلك، ولكن المقصود منه عندما يأتي بأذكار النوم فليكن هذا الذكر آخر ما يقوله.
ذكر مناسبة أمر النبي بالوضوء عند النوم


أما مناسبة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند النوم مع أن النوم ناقض للوضوء، فلا شك أن هذا من الصفة المحمودة، وليس معنى ذلك أنه سيستمر على طهارة، ولكن كونه ينام وهو على هيئة حسنة وعلى هيئة طيبة، هذا هو الذي ينبغي.

شرح حديث البراء (إذا أويت إلى فراشك...) من طريق ثانية وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن فطر بن خليفة قال: سمعت سعد بن عبيدة قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك) ثم ذكره نحوه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر توسد اليمين، والذي قبله فيه ذكر النوم على الشق الأيمن. يعني: هذا الحديث يدل على أنه يتوسد يمينه، والحديث السابق يدل على أنه ينام على شقه الأيمن، فيجمع الإنسان بينهما. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فطر بن خليفة ]. فطر بن خليفة صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ قال: سمعت سعد بن عبيدة قال: سمعت البراء بن عازب ]. وقد مر ذكرهما.
طريق ثالثة لحديث البراء في التطهر قبل النوم وترجمة رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الملك الغزال حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش و منصور عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا. قال سفيان : قال أحدهما: (إذا أتيت فراشك طاهراً)، وقال الآخر: (توضأ وضوءك للصلاة)، وساق معنى معتمر ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله مع بيان اختلاف الراويين اللذين اشتركا في روايته، وأن أحدهما عبر بأنه إذا أتى فراشه يتوضأ، والثاني عبر بأنه ينام وهو طاهر؛ فالمعنى واحد واللفظ مختلف. قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الملك الغزال ]. محمد بن عبد الملك الغزال وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن يوسف ]. هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري . [ عن الأعمش و منصور ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و منصور : هو ابن المعتمر الذي مر ذكره. [ عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب ]. وقد مر ذكرهما.
شرح حديث (كان النبي إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه في الذكر عند النوم وبعد القيام من النوم قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور). يعني: عندما ينام يقول هذا اللفظ؛ لأنه يحيا بقدرة الله ويموت بقدرة الله وبمشيئة الله وإرادته، والإنسان في نومه قد يعود إلى الحياة بعد أن تأخذه هذه الموتة الصغرى التي هي النوم، وقد يفارق الحياة كما جاء في القرآن: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42] يعني: يتوفاها. (( وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )) يعني: التي لم يقض عليها الموت في هذه النومة فإنها تعود إلى الحياة. فالإنسان يعتمد على الله ويجعل كل شيء بيد الله عز وجل، ويعظم الله عز وجل ويعلم بأن كل شيء بقدرته ومشيئته وإرادته، وهو المحيي والمميت، والإنسان يعلم أنه بنومه قد يحيا بعد هذه النومة وقد يموت. قوله: [ (وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ] وهذا فيه أن النوم يطلق عليه الموت، كما في الآية التي ذكرتها: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا )) يعني: والتي لم يتوفها الله في منامها. فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، وهي التي حصلت لها الحياة يرسلها إلى الأجل الذي يأتي فيه الموت. وقد جاء في الحديث: (النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون). قوله: [ (وإليه النشور) ] أي: أن الناس يبعثون من قبورهم، ويكونون في المكان وهو الصعيد الذي يأتي الله عز وجل لفصل القضاء بينهم فيحاسبهم، ويذهبون إلى منازلهم من الجنة أو النار.
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت ...)


قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح مر ذكره. [ عن سفيان عن عبد الملك بن عمير ]. سفيان مرّ ذكره، وعبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي ]. هو ربعي بن حراش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويمكن للإنسان أن يجمع بين هذه الأذكار عند نومه، لكن كون الإنسان يذكر بعضها لا بأس بذلك؛ وهذه الأذكار في الغالب تكون في النوم الذي يكون بالليل.
شرح حديث (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره) يعني: الإنسان يكون عليه إزار، وينفض فراشه بداخلة الإزار مما يلي جسده. وقيل: إن الحكمة في ذلك أنه قد يكون عليه شيء من وسخ أو هوام، أو شيء من ذلك. قوله: [ (فإنه لا يدري ما خلفه عليه) ]. يعني: بعد أن تركه وقبل أن يرجع إليه لا يدري أي شيء خلفه، ومن المعلوم أن هذا يتعلق بهوام أو بغبار أو وسخ وما إلى ذلك. فعلى الإنسان أن ينفض فراشه سواء كان فيه شيء أو لم يكن فيه شيء. وأما بالنسبة للجن فإن التسمية والتعوذ بالله يطردان الجن، وإنما المقصود من ذلك أن يكون هناك غبار أو هوام أو وسخ أو شيء من ذلك. قوله: [ (ثم ليضطجع على شقه الأيمن) ]. وهذا مثل الذي مرّ في حديث البراء : (ثم ليضطجع على شقه الأيمن)، وقد جاء في الروايات الأخرى أنه يجعل يده تحت خده. قوله: [ (ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه) ]. يعني: وضعت جنبي في النوم، ورفعته بعد النوم، كل ذلك بمشيئة الله وإرادته، مثل قوله: (بك أحيا وبك أموت). قوله: [ (إن أمسكت نفسي فارحمها) ]. يعني: إن أنت قبضتها في هذه النومة وخرجت من الدنيا بالموت في حال النوم فارحمني برحمتك. قوله: [ (وإن أرسلتها فاحفظها) ] يعني: لم يحصل لها الموت، بل عادت وحصلت لها الحياة، وحصل لها الانتباه من النوم، فالمطلوب أن يحفظها بما يحفظ به عباده الصالحين، وذلك بالاستقامة على أمر الله وطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، حتى يموت الإنسان وهو على حالة طيبة.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث (أن النبي كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب ح وحدثنا وهب بن بقية عن خالد نحوه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، زاد وهب في حديثه: اقض عني الدين وأغنني من الفقر) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن..) هذا تمهيد وتوسل إلى الله عز وجل بصفاته وأفعاله؛ ومن الأمور المطلوبة في الدعاء أن الإنسان عندما يدعو يتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، أو بتقديم حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من أسباب قبول الدعاء. قوله: [ (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء) ] فكل هذا ثناء على الله عز وجل، فهو رب السماوات ورب الأرضين، ورب كل شيء، وهذا عام؛ لأنه يشمل السماوات والأرض، ويشمل غيرهما. قوله: [ (ورب كل شيء) ] أي: رب السماوات والأرضين ومن في السماوات ومن في الأرضين من المخلوقات، فكلها أشياء، فهو ثناء على الله عز وجل وتعظيم له سبحانه وتعالى. قوله: [ (فالق الحب و النوى) ] يعني: يفلق الحب لإخراج النبات منه، كما ينثر الحب عند الزرع في الأرض ثم تحرث الأرض ويسقى بالماء، فتنفتح الحبة وتنفلق ويظهر منها الزرع، وكذلك النوى عندما يكون في الأرض ويسقى بالماء فإن تلك النواة تنشق ويظهر منها أصل النخلة وتنشأ حتى تكون نخلة كاملة. والحب هو ما يتعلق بالزرع، والنوى هو ما يتعلق بالنخل، والله عز وجل هو الذي أوجد هذا، وهو الذي بيده كل شيء سبحانه وتعالى، فلو شاء أن الحبة أو النواة لا تنفلق لم يحصل الانفلاق، وإذا شاء أن يحصل انفلاقها ويحصل نبات الزرع وخروج النخل من تلك النواة فعل ذلك؛ لأن كل شيء بيده ومشيئته، فإن شاء أن تحصل النتائج من وراء هذا السقي والزرع ظهرت، وإن شاء ألا تحصل الفوائد والنتائج حصل ما أراده الله وقضاه. قوله: [ (منزل التوراة والإنجيل والقرآن) ] وهذه الثلاثة الكتب: التوراة المنزل على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وخصت هذه الكتب الثلاثة من بين الكتب المتقدمة؛ لأنها أشهرها وأهمها وأعظمها، وهي التي يأتي ذكرها كثيراً في القرآن، ولم يذكر القرآن كتباً أخرى سوى التوراة والإنجيل إلا صحف إبراهيم وموسى وإلا زبور داود عليه الصلاة والسلام، فصحف إبراهيم وموسى جاءت في موضعين: في سورة النجم، وفي سورة الأعلى، وزبور داود جاء في موضعين: في سورة النساء وفي سورة الإسراء، وأما التوراة فجاءت في مواضع كثيرة بلفظ الكتاب وبلفظ التوراة، وكتاب عيسى عليه الصلاة والسلام جاء بلفظ الإنجيل كثيراً في القرآن، والقرآن هو خير الكتب وأفضلها وخاتمها. قوله: [ (أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته) ]. يعني: جاء المطلوب الذي مهد له بهذا التمهيد؛ لأن ما تقدم هو ثناء على الله عز وجل وتعظيم للوصول إلى ما يريده وما يطلبه من الله، وهو الاستعاذة بالله من كل ما فيه شر، فالله عز وجل هو آخذ بناصية كل مخلوق، وهو الذي بيده أمره وبيده التصرف فيه، وهو الذي يجعله يضر ويجعله لا يضر، ومن أعظم الوقاية من الضرر سؤال الله عز وجل ودعاؤه. قوله: [ (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، وهذه أسماء أربعة من أسماء الله عز وجل قد جاءت في هذا الحديث، وقد جاءت في أول سورة الحديد. وفيه أيضاً توضيحها وبيانها؛ لأنه قال: (أنت الأول فليس قبلك شيء)، فهو أول ليس قبله شيء، وكل شيء تابع له، وكل شيء عقبه، والأولية المطلقة إنما هي لله عز وجل، وكل من سوى الله كان عدماً فأوجده وخلقه بعد أن لم يكن، والله عز وجل هو الذي كان بلا بداية، وهو الذي يدوم بلا نهاية سبحانه وتعالى؛ ولهذا ذكر هذين الاسمين المتقابلين: الأول الذي ليس قبله شيء، ويقابله الآخر الذي ليس بعده شيء، وأنه الباقي الذي يدوم وغيره لا يدوم، وإن حصلت إدامة فإنما هي من الله عز وجل كما يكون في الجنة والنار وأهليهما، فإنه ليس لهما إلا العدم؛ ولكن الله عز وجل هو الذي شاء أن يحصل بقاؤهما، وأن يحصل استمرارهما، فبقاء الله عز وجل لازم لذاته، وأما بقاء الجنة والنار فهو مكتسب، والله تعالى هو الذي أكسبهما ذلك، ولو شاء أن ينهيهما لفعل سبحانه وتعالى. قوله: [ (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء) ] يعني: أن الله عز وجل ليس فوقه شيء؛ لأنه عالٍ على كل شيء، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، فهو عال فوق كل شيء قاهر له، وهو فوق كل شيء في المنزلة والنفوس، فلا يكون أحد مقدم عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله .) ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، وإنما يُحَب غير الله وفقاً لما جاء عن الله، فيكون التفاضل بين الخلق بالمحبة لله والفضل، وكل ذلك راجع إلى ما جاء عن الله عز وجل من بيان التفاضل، ومن يكون أفضل ومن يكون أعظم محبة، وأن محبة الله عز وجل مقدمة على كل شيء، وكل شيء محبوب فإنما هو تابع لمحبته، سواء كان ذلك المحبوب أشخاصاً أو أفعالاً، فإنها تُحب من أجل أن الله تعالى شرعها ورغب فيها، ومن كانت له مكانة وله فضل فيحب لفضله ولتفضيل الله عز وجل إياه. قوله: [ (وأنت الباطن فليس دونك شيء) ] يعني: أن الله عز وجل مطلع على كل شيء، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولكن ليس معنى ذلك أنه يكون حالاً في المخلوقات وأن المخلوقات تحويه، فالله أعلى وأجل من أن يحويه شيء مخلوق، بل هو مباين للمخلوقات؛ ولكن مع كونه عالياً على المخلوقات فإنه مطلع على كل شيء ولا يخفى عليه شيء ولا يحجب عنه شيء سبحانه وتعالى، بل كل شيء أمامه وتحت قهره ونظره وسمعه، لا يخفى عليه دبيب النمل في الظلام وعلى الصخور الصماء، ولا يخفى عليه دقيق ولا جليل، بل هو مطلع على كل شيء، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم السر وما كان أخفى من ذلك. زاد أحد الشيخين لأبي داود وهو وهب بن بقية الواسطي : [ (اقض عني الدين وأغنني من الفقر) ] يعني: أن الإنسان يدعو ربه أن يسلم من الدين، وأن يحصل له الغنى من الفقر، فيكون غنياً وإن لم يكن عنده غنى اليد، ولكن غنى النفس، وإذا كان غنى النفس موجوداً، فإن هذا هو الغنى الحقيقي، وإذا كانت النفس ليست غنية فلو كانت اليد مليئة فإنها تكون فقيرة، وتراها تبحث وتهتم وتشتغل بتحصيل على مزيد.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا وهب بن بقية ]. (ح) يتحول من إسناد إلى إسناد، ووهب بن بقية الواسطيثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته في البخاري مقرونة. [ عن أبيه ]. هو ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
حكم دعاء الله باسمه الأول والآخر مع الإفراد وإثبات صفة (فالق) لله


قوله: [ (فالق الحب) ]. هذا لا يأتي إلا مضافاً، فهو من صفات أفعاله سبحانه وليس من أسمائه. أما كون الإنسان يدعو الله بهذه الأسماء بأن يقول: يا أول ويا آخر دون تقييد فالأولى أن يأتي بها الإنسان على الهيئة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي فيها ثناء عليه وتعظيم له: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) وذلك لأن الإتيان بها كذلك أكمل.
عدم التلازم بين اسم الأول والآخر في الذكر


أما عن التلازم بين اسم الأول والآخر بحيث لا يذكر أحدهما إلا بالآخر؛ وكذلك اسم الظاهر والباطن فليس بلازم؛ لأنه يمكن أن يسمى شخص: عبد الأول، ويسمى آخر: عبد الآخر، ولا يقال: عبد الأول والآخر، أو عبد الأول الآخر، بل يؤتى بهذا على حدة، وهذا على حدة، وليسا مثل: النافع والضار، فهذه لا يخاطب الإنسان بها ربه ويقول له: يا ضار، وإنما يصف الله بأنه النافع الضار.
حكم الرضاء بالفقر وعدم سؤال الله الغنى


أما بالنسبة لمن يقول: هل الأفضل الرضا بالقضاء والرضا بالفقر لمن يقدر على الصبر عليه، أم الأفضل سؤال الله الغنى مطلقاً، أم الأمر فيه تفصيل؟ فأقول: الإنسان يسأل الله عز وجل مثل ما جاء في الحديث أنه لا يكون فقيراً؛ لأن الفقر يجعله يحتاج إلى غيره، ويجعله ينشغل، ولكن كونه يصير عنده الكفاف الذي ليس فيه غنى يطغيه، ولا فقر يشغله، وإنما يكون كفافاً مثل ما كان يعيش المصطفى صلى الله عليه وسلم. والغنى إذا طرأ على الإنسان وأنفق في سبيل الله فهذا ثوابه عظيم عند الله عز وجل؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيهم أثرياء؛ ولكن كانوا يبذلون في سبيل الله، ويحصلون ما يحصلون؛ ولهذا جاء فقراء المهاجرين وقالوا: (ذهب أهل الدثور بالأجور والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم..) فالمال إذا وجد وصرف في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فأجره عظيم عند الله عز وجل؛ ولكن كونه يصير بيد الإنسان ويشغله عن الخير ويمسك عليه، فهذا فيه ضرر عليه، وفي نفس الوقت تعب له ونصب؛ لأنه دائماً مشغول به، تراه يحرص على أن يضيف إليه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (لو يعطى ابن آدم وادياً من ذهب لطلب ثانياً، ولو أعطي ثانياً لطلب ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).
شرح حديث (أنه كان يقول عند مضجعه: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا الأحوص -يعني ابن جواب -حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن الحارث و أبي ميسرة عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه كان يقول عند مضجعه: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة، من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم، اللهم لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: (كان يقول صلى الله عليه وسلم عند مضجعه: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) . يعني: كان يقول عند اضطجاعه وعند نومه: (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) وهذا فيه إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى. وتأتي صفة الوجه في القرآن والحديث ويراد بها تلك الصفة، لكن لا يقال: إنها دائماً يراد بها نفس الصفة دون الموصوف، فإنه يراد بها الصفة والموصوف؛ ولكنه لا يقال: إن هذا عبارة عن الذات وليس لله صفة وجه، بل لله ذات متصفة بالصفات ومنها صفة الوجه، فإذا ذُكرت الصفة وذكرت الذات فلا بأس بذلك. وأما أن تفسر الصفة بالذات، فهذا نفي للصفة، وهذا غير سائغ؛ لأن الذين يؤولون الصفات، يقولون: إنه يراد بالوجه الذات، ولا يثبتون لله وجهاً، وإنما يقولون: إنما عبر بالوجه عن الذات وإلا فليس لله وجه، لكن نقول: بل النصوص جاءت بذكر الوجه وأنه من صفات الله عز وجل. وقول الله عز وجل: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] يعني: أن البقاء للذات والصفات ومنها الوجه، ولا يقال: إن البقاء للذات وأنه ليس لله صفة وجه، كما يقول بعض المفسرين في قوله تعالى: (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ )) أي: ذاته، فهذا يتأول ولا يثبت صفة الوجه، فهذه طريقة أهل التأويل وأهل التعطيل الذين لا يثبتون الصفات بل يتأولونها ويصرفونها عما تدل عليه إلى أمور أخرى مقتضاها عدم إثبات الصفة؛ لأنه كما يقولون: هذا مجاز، والمجاز يصح نفيه، فمعنى ذلك أنه ليس لله وجه على قولهم. وأما إذا أثبت الوجه، وأثبتت الذات المتصفة التي من صفاتها الوجه، فكل ذلك حق، فقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] يعني: ويبقى الله عز وجل بذاته وصفاته ومنها صفة الوجه وليس معنى ذلك أن البقاء للوجه وحده الذي هو الصفة دون الموصوف، بل للذات المتصفة بالصفات، ومنها صفة الوجه لله عز وجل. قوله: [ (وكلماتك التامة) ] الكلمات يمكن أن تكون كلمات كونية، وأن تكون كلمات شرعية، والكلمات الكونية هي القضاء والقدر، الذي قدر الله عزّ وجل بأن هذه كلمات كونية، والكلمات الشرعية هي القرآن. فكلمات الله تعالى الكونية تامة لا يتخلف شيء منها، وكلماته الشرعية تامة أيضاً، كما قال الله عز وجل: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، فأخبارها صادقة وأحكامها عادلة. وهناك من الكلمات ما تأتي لمعنى كوني ولمعنى شرعي، منها: القضاء، ومنها: الأمر، ومنها: الكتابة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (شفاء العليل) فصلاً خاصاً فيها، وذكر جملة منها وأدلة كل واحدة منها، سواء كانت كونية أو شرعية دينية. وقوله عز وجل: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ [هود:119] يعني: الذي هو القضاء والقدر؛ لأن (كلمة) هنا بمعنى القضاء والقدر، فتأتي الكلمة بمعنى كوني، وتأتي بمعنى شرعي ديني. قوله: [ (ومن شر ما أنت آخذ بناصيته) ]. يعني: كل شيء الله آخذ بناصيته، وكل شيء تحت قبضة الله عز وجل وتصرفه. قوله: [ (اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم) ]. المغرم: هو الغُرم، ومنه الدَيْن؛ وذلك بالتخليص منه والسلامة منه والإغناء حتى يتخلص الإنسان منه. والمأثم هو ما يحصل به الإثم، فهو يدعو الله تعالى أن يكشفه ويزيله، وهو الذي يعفو عن السيئات، وهو الذي يسلم من أسباب الآثام. قوله: [ (اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك) ]. يعني: جندك هم الغالبون لا يهزمون، ووعدك نافذ لا يحصل له خلف. قوله: [ (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك وإنما ينفعه عمله الصالح؛ لأن الحظوظ الدنيوية سواء كانت مالاً أو جاهاً أو غير ذلك لا تنفع عند الله عز وجل إلا إذا كان معها إيمان وتقوى واستقامة على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. والجد هنا في الموضعين معناه الحظ والنصيب، فالجد هو فاعل ينفع، يعني: لا ينفع الجد صاحب الحظ، فهو قدم المفعول فيه على الفاعل، أي ولا ينفع صاحب الحظ حظه عندك. وذُكر أن (من) بمعنى بدل، يعني: ولا ينفع صاحب الحظ حظه بدلاً منك، يعني: بدلاً من طاعتك، بل الطاعة هي التي تنفع و(من) تأتي بمعنى البدل في بعض المواضع كما في قول الله عز وجل: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة:38] يعني: بدل الآخرة. وقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] أي: من الذي يكلؤكم غير الرحمن أو بدل الرحمن؟! والجد يأتي بمعنى الجد الذي هو أبُ الأب وأبُ الأم، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى العظمة، كما قال الله عز وجل: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3] يعني: تعالت عظمته وجلاله؛ وكذلك في دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك) فهي هنا بمعنى العظمة. وهو من الألفاظ التي تأتي لعدة معان، ويسمونها المشترك اللفظي؛ لأن اللفظ واحد ولكنه يطلق على عدة معان. أما المشترك المعنوي فهو الاتفاق في المعنى مع التفاوت في اللفظ، فالإبصار يتفاوت الناس فيه، وكل من لا يكون أعمى فهو مبصر وإن كان بصره ضعيفاً جداً، يعني: فهم مشتركون في المعنى مع التفاوت فيه. وأما المشترك اللفظي فإنه يطلق على كل واحد على حدة، هذا يطلق عليه جد، وهذا يطلق عليه جد، وهذا يطلق عليه جد، وقد يكون المشترك اللفظي من الأضداد مثل: عسعس، فإنه يطلق على (أقبل) وعلى (أدبر) وهما ضدان، وكذلك القُرء يطلق على الطهر وعلى الحيض وهما ضدان.
تراجم رجال إسناد حديث (أنه كان يقول عند مضجعه: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم ...)


قوله: [ حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري ]. العباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الأحوص -يعني ابن جواب - ]. الأحوص بن جواب وهو صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عمار بن رزيق ]. عمار بن رزيق وهو لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث ]. هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ و أبي ميسرة ]. هو عمرو بن شرحبيل وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعفه الألباني وليس فيه إلا عنعنة أبي إسحاق على ما يبدو، وإلا فالباقون كلهم محتج بهم، اللهم إلا أن يكون هناك انقطاع لا أدري عنه.
الأسئلة



حكم استقدام الأشخاص للعمل مع فرض نسبة معينة من كسبه
م

السؤال: يقول شخص: قدمت إلى هذا البلد للعمل تحت كفالة شخص، واشترط عليّ أن أدفع له مما أكسبه نسبة، وقدرها (15"




الساعة الآن : 11:15 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 257.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 256.51 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.19%)]