ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 18-11-2020 02:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الدور اليهودي
أما اليهود فكانوا يحلمون من سنين .. من قرون، ويتطلعون إلى آخر النبوات، وفي التوراة والإنجيل بيان ذلك، وكانوا ينتظرون خروج رسول من جبال فاران -جبال مكة-، فإذا خرج آمنوا به وانطووا تحت لوائه ورايته، وقادهم لإعادة مجد بني إسرائيل، وعاشوا في المدينة يتطلعون يوماً بعد يوم، وإلا ما جاء بهم من القدس في الشام إلى مدينة سبخة وحرة وحفنة التمر؟ جاءوا لتطلعهم إلى النبوة الخاتمة للنبوات.وما إن لاحت أنوار النبوة في مكة وأخذوا يتجمعون ويتطلعون، وعندما جاء وفد قريش يسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أهل علم، والعرب جهال، قالوا لهم: سلوه عن ثلاثة أسئلة إن أجاب عنها كلها فما هو بنبي، وإن لم يجب عنها فليس بنبي، وإن أجاب عن بعضها وسكت عن البعض فهو نبي.وكان الوفد برئاسة أبي سفيان فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فلما سألوه قال صلى الله عليه وسلم: ( غداً أجبيكم عن أسئلتكم )، انتظاراً للوحي، فعاتبه ربه من أجل أنه ما قال: إن شاء الله، فانقطع الوحي خمسة عشر يوماً، وزغردت نساء قريش، وقالوا: انفضح الرجل، وتركه ربه وقلاه، فهو ليس بنبي وقد عجز. ومسح الله دموع حبيبه ببشرى عظيمة: بسم الله الرحمن الرحيم: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2]، فالحالف هو الله. والمحلوف عليه: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، أي: ما تركك ولا أبغضك؛ لأن أم جميل كانت تغني بالشوارع وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى:4-6]، وقد مات أبوه في السنة التي ولد فيها، وماتت أمه بعد ذلك وعمره أربع سنين وَوَجَدَكَ ضَالًّا لا تعرف شيئاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا [الضحى:7-8]، فترك له والده جارية وناقة أو خمسة من النوق فأغناه، فكانت هذه السورة بشرى عظيمة لرسول صلى الله عليه وسلم، فانشرح صدره وطابت نفسه.ونزلت سورة الكهف تحمل قصتين: قصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين، وفيها قول الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] أي: حتى تقول: إن شاء الله.وهنا نذكر قصة سليمان بن داود والتي قصها علينا رسول الله في هذا الباب: ( قال سليمان: لأطأن الليلة أو لأطوفن بمائة جارية، فتلد كل جارية ولداً يقاتل في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فلم تلد واحدة من المائة جارية، إلا واحدة ولدت ولداً مشلولاً نصف ولد )، ووضعوه على كرسيه ليشاهده، لأنه ما تأدب مع الله، وما قال: إن شاء الله.ونحن لما هبطنا بلغنا أن بعض الدوائر الحكومية في العالم الإسلامي إذا قال أحدهم: إن شاء الله، يقول الآخر: لا تقل: إن شاء الله، فلا يقبلون منه أن يقول هذا. فلا يحل لمؤمن أن يذكر الله ويذكره، ويقول: أفعل أو لا أفعل.ونسي هؤلاء أن هذا الإنسان لا يتحرك إلا بالله، ولا يسكن إلا بإرادة الله، فلهذا إذا لم يقل: إن شاء الله وحنث تلطخت روحه بالنتن والعفونة، ولا تغسل لا بماء ولا صابون ولا بعملية جراحية، ولا بصيام ولا .. ولا، لا تغسل إلا بالمادة التي وضعها الله لذلك، وهي كسوة عشرة مساكين عمامة وثوباً، أو إطعامهم، أو عتق رقبة، وفي الأخير صيام ثلاثة أيام إن لم يستطع.وهذه هي المواد التي تزيل ذلك الأثر الناتج عن كونه يقول: أفعل، ولم يقل: إن شاء الله، فنسب القدرة إليه.والصواب يا عبد الله! أنك إذا قلت: أسافر غداً، فقل: إن شاء الله، وإذا قلت: سنلتقي غداً عند فلان فقل: إن شاء الله، وإذا قلت: أقوم وأتوضأ، فقل: إن شاء الله، والذي مضى من الأفعال لا تقل فيه: إن شاء الله، فإن الله شاءه، فإن سئلت: هل صليتم المغرب؟ فلا تقل: إن شاء الله، فقد شاء الله وصلينا، لكن قل: سنصلي العشاء إن شاء الله، ولو لم يشأ والله ما صلينا، فيخسف بنا الأرض، ففي الكلام الماضي لا معنى لكلمة: (إن شاء الله)، فقد شاء ووقع، لكن للمستقبل احفظ هذه الكلمة: (إن شاء الله)، ومن قال لك: لا تقل: إن شاء الله، فقل: إن شاء الله رغم أنفك.إذاً: اليهود ما إن طلعت الشمس وانتشر نورها، وهزم المشركون في بدر في السنة الثانية حتى كشروا عن أنيابهم، وعرفوا أن الريح ليست لهم، وأن هذه النبوة لا تخدمهم، فإن هم دخلوا في الإسلام ذابوا، وانتهى وجودهم كيهود وبني إسرائيل، وأصبحوا من عامة البشر، فقالوا: إذاً لن نسلم ولن ندخل في هذا الدين.وبحثوا عمن يتعاون معهم على ضرب الإسلام ومحوه فوجدوا المجوس والحزب الوطني اللذين يعملان في الخفاء فتعانقوا، وإلى الآن هم متعاونون، وعملوا ما عملوا في المدينة ثم أجلوا منها.

الدور النصراني
لما انتشر نور الإسلام في شمال إفريقيا، ودخل من الغرب إلى أوروبا ومن الشرق، صاحت النصارى وقالوا: يا ويلنا! هذا النور سيغمرنا. فبحثوا مع من يتعاونون، فوجدوا اليهود والمجوس فتعانقوا، وكونوا الثالوث الأسود، وإلى الآن متعاونون.

شاه إيران يحتفل بذكرى قيام الدولة الساسانية
لطيفة سياسية: كان شاه إيران يحكم البلاد وقد قرأت بلساني ونظرت بعيني مجلة في الدار البيضاء فيها: أن الشاه يقيم ذكرى للدولة الساسانية التي مضى عليها ألفان وخمسمائة عام.وفكروا يا عقلاء: حاكم مسلم يحكم مملكة إسلامية يحتفل بذكرى دولة مجوسية مضى عليها ألفان وخمسمائة عام! فماذا تقولون؟قولوا: لا نعرف.لو أن العرب احتفلوا بموت أبي جهل أو عقبة بن أبي معيط أو بقتلى بدر من المشركين هل يقال فيهم: مسلمون؟! مستحيل!فهؤلاء يحيون ذكرى الجاهلية. وأولئك يحيون ذكرى المجوسية فماذا تقولون فيهم؟ وهل تشكون أن هذا كفر؟!ووراء ذلك لابد من إعادة مجد الساسانيين وعرش كسرى.

دور الثالوث الأسود في انتزاع القرآن الكريم من صدور المسلمين وإخراجه من حياتهم
الآن أصبح الثالوث متكوناً من: المجوس .. اليهود .. النصارى، وإلى اليوم التعاون مستمر.وأخذوا يعملون متعاونين في الظلام، فخاضوا حروباً مع الإسلام وأهله، واندحروا وانهزموا في مواطن كثيرة، وكادوا ييأسوا، فاجتمعوا وبحثوا عن سر هذه القوة التي لا تقهر، وهذا السلطان الذي لا يسقط، فعثروا على الحقيقة، وقالوا: سر هذا هو القرآن الكريم والسنة، فإذا استطعتم أن تذهبوا من بين أيديهم القرآن وتلهوهم عن سنة الرسول وبيان القرآن أمكنكم أن تضربوهم ثم تسودوهم وتتحكموا فيهم، فقالوا: هيا نعمل، وحاولوا أن يسقطوا حرفين فقط كلمة (قل)، وانعقدت محافل بحثوا فيها كيف يسقطون من القرآن كلمة (قل)، فوالله ما استطاعوا. فالقرآن يحفظه النساء والرجال والحضر والبدو، ولم يستطيعوا أبداً أن يذهبوا بذلك النور.إذاً: ماذا صنعوا؟قالوا: اصرفوهم عن دراسته وفهمه.لكن كيف صنعوا؟قالوا: اجعلوا القرآن يقرأ على الموتى، ومن ذاك التاريخ إلى اليوم يقرأ القرآن على الموتى فقط، فيحفظه الأبناء، ويحفظه الرجال لا لشيء، إلا ليقرأ على الموتى، حتى علمنا أن في بلاد سوريا مكتباً خاصاً بهذه القضية، فمن مات له أب أو أم يتصل بالهاتف على المكتب ويقول: نحتاج عشرة من الطلبة يقرءون القرآن! أو خمسة على قدر الحال! فيقال له: من فئة مائة ليرة أو خمسين ليرة؟ فإذا كان الميت غنياً من فئة مائة ليرة، وإذا فقيراً خمسين ليرة.وأصبح القرآن من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يقرأ إلا على الموتى! فأكثر من ألف سنة تقريباً لا يقرأ إلا على الموتى.أما لِم لا يفسر ويبين مراد الله منه لعباده ليعملوا، فقالوا: إن هناك قاعدة ومن أراد أن يقف عليها فعليه بحاشية الحطاب على مختصر خليل، وفيها قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، فإذا فسرت وأصبت فأنت مخطئ، وخطؤه كفر، وإذا فسرت وأصبت فأنت آثم. فكمموا أفواه المؤمنين وألجموهم، وما بقي من يقول: قال الله أبداً، فالقرآن يقرأ على الموتى.أدلل لكم بما أنتم عليه، من منكم أيها الزوار يقف ويقول: نحن إذا كنا جالسين تحت ظل شجرة أو جدار في الصيف، أو كنا في مجلس نقول لأحدنا: أسمعنا شيئاً من كلام الله، أو تجلس بجوار سارية المسجد ويمر بك من يحفظ القرآن فتقول: يا شيخ! يا سيدي! من فضلك اقرأ عليّ شيئاً من القرآن، وما حصل هذا أبداً.إذاً: فارقنا القرآن، وفارقتنا الروح فمتنا، ومن قال: كيف تقول: متنا؟أقول: أما سادتكم بريطانيا وحكمتكم فرنسا وإيطاليا وهولندا، فمائة مليون مسلم كانوا تحت أقدام ثلاثة عشرة مليون، أما ذللنا وهِنا وهبطنا؟ وسبب ذلك أننا متنا، قالروح علت وارتفعت، وعشنا بدون روح، وهذا شأن من لا روح له.والرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً وجلس إليه عبد الله بن مسعود فيقول: ( يا ابن أم عبد ! اقرأ عليّ شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله ويقول: أعليك أنزل وعليك أقرأ؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري، فيقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] ثلاثين آية، وإذا برسول الله يبكي والدموع تسيل من عينيه، وهو يقول: حسبك حسبك، فلما انتهى إلى قوله الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] بكى رسول الله ).إذاً: عرفتم الثالوث ماذا فعل بنا؟لا تقولوا: استعمرونا وأذلونا هذا كله ماض، لقد أماتونا وأخذوا الروح وسلبوها، وكتب الفقه التي تدرسونها في الشتاء والربيع ما فيها قال رسول الله أبداً، بل قال سيدي فلان .. قال فلان .. قال فلان.فأبعدونا عن الروح والنور، فهلكنا وضللنا.قلنا: هيا نعود.قالوا: لا نستطيع يا شيخ، ولا نقدر.قلنا: نحن لم نقل لكم: اخرجوا من أموالكم ودياركم، لا، فقط: هيا بنا نؤمن إيماناً حقاً وصدقاً، فيعود كل شيء.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران


نداء الله لأهل الإيمان
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فقل: لبيك اللهم لبيك، وقد كان عبد الله بن مسعود يقول: إذا سمعت القارئ يقرأ: (يا أيها الذين آمنوا) فأعرها سمعك، وأعطها أذنك فإنك منادى، ألست مؤمناً؟فقوله: (يا أيها الذين آمنوا) يعني: أن مولاك يناديك، فاسمع.وقد عرفنا نحن أهل الدرس بالاستقراء والتتبع، أن الله ما نادانا إلا لواحدة من أربع، إما ليأمرنا لما فيه كمالنا وسعادتنا، أو لينهانا عما فيه شقاؤنا وخسراننا، أو ليبشرنا ليزداد إيماننا وصالح أعمالنا، أو ليحذرنا من المفاسد لننجو ونسلم من المهالك والمعاطب، أو ليعلمنا ما نحن في حاجة إليه.وقد جمعت نداءاته تعالى تسعون نداءً، وهي عند المؤمنين، فما اجتمعوا عليها ولا قرءوها ولا درسوها، وما زلنا هابطين.ومن يقول: نحن في القرية الفلانية نجتمع كل ليلة على نداء نحفظه ونفهم مراد الله منه، ونعزم على العمل وعلى الترك؟ ولا أحد. عشرات الآلاف وزعت، لِم ما دقت ساعة الحياة وما زلنا هابطين.

التحذير من طاعة الكافرين
قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسمعوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، هذا خبر الله، وهو صحيح إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا أي: فريقاً خاصاً من المستشارين والساسة والمدرسين والمعلمين؛ تطيعوهم: يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100].والهبوط الذي أصاب أمتنا سببه أن جل الوزراء والمسئولين والحاكمين تخرجوا من مدارس اليهود والنصارى، وكل الشهادات السياسية من عندهم، فجلسوا بين يدي أساتذتهم يعلمونهم فأطاعوهم.ثم قال: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ما الذي يحصل؟ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، عرفتم العلة أو لا؟ والعالم الإسلامي قد مد عنقه للخبراء والمستشارين و.. و.. من العالم الشرقي والغربي حتى من روسيا.إذاً: كيف تريدونهم أن يقيموا دولة الإسلام، وقد ختم على قلوبهم، وصرفت نفوسهم؟!والله يخبر بالواقع: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، هذه الأولى.

التمسك بالكتاب والسنة حصانة للمسلمين
والثانية: يقول الله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فالحصانة والمناعة هي أن نعيش على روح الله ونوره؛ الكتاب والسنة.واسمع الله يقول: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ فمن أين يأتي الكفر والحال أنكم: تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].وهنا ذكرنا مئات المرات، وقلنا للمسئولين من العالم الإسلامي: إذا اضطروا إلى أن يبعثوا أولادهم ليتعلموا في الشرق والغرب في ديار اليهود والنصارى؛ فعليهم أن يبعثوا معهم علماء، وأن يعدوا لهم مساكن خاصة بهم ينزلون بها، فيصلون الصلاة في الجماعة ويتلون كتاب الله، ويتلقون الكتاب والحكمة من ذلك العالم المنتدب لهذه المهمة، فيطلبون العلم المادي ويعودون سالمين آمنين، فلا يصل إلى قلوبهم زيغ ولا كفر ولا.. ولا؛ لأن الكتاب يتلى عليهم كل ليلة، وسنة الرسول بين أيديهم.وقوله: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، أي: مستحيل أن يأتي الكفر لقلب أشبع بمعرفة الله وحب الله، وهو يسمع كل يوم كلام الله وكلام رسول الله، لكن مع الأسف بعثوا أبناءهم فعادوا شبه مسلمين فقط، يسخرون من الإسلام.وهنا: عرفتم أن المناعة والحصانة توجد في الكتاب والسنة، وهذا هو الحل، وهذا هو الطريق، والله إن أردنا أن نعود إلى الطريق السوي المنجي المسعد؛ فعلينا أن نعود إلى الروح فنحيا وإلى النور فنهتدي بالكتاب والسنة.كيف الطريق؟ كيف الوصول إلى ذلك؟تقرر مئات المرات: أهل كل قرية من قرى العالم الإسلامي، عرباً أو عجماً عليهم أن يوجدوا عالماً بالكتاب والسنة، وأن يلتزموا في صدق؛ فإذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، فلا مصنع يشتغل، ولا متجر، ولا مزرعة، ولا .. ولا، ويأتي أهل القرية بنسائهم وأطفالهم يصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما جلسنا، وآية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، ثم تشرح لهم وتفسر، ويبين لهم مراد الله منها، فإن كانت عقيدة عقدوها في قلوبهم، ولن تنحل إلى يوم القيامة، وإذا كانت أدباً تأدبوا بها من تلك اللحظة، وإذا كانت خلقاً تخلقوا، وإذا كانت واجباً عزموا على القيام به، وإذا كانت ممنوعاً محرماً عزموا على تركه، وغداً حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحفظونه ويفسر لهم، وتوضع أيديهم على المطلوب، وكلهم عزم؛ نساء، رجالاً، أطفالاً، أغنياء، فقراء، أشرافاً .. باعة .. كلهم جماعة واحدة في قريتهم، فليلة آية وليلة حديثاً، ومع هذا العلم وهذا التصميم والله ما تمضي سنة فقط إلا وتلك القرية كأنهم ملائكة، فلا غش ولا كذب، ولا خداع، ولا زنا، ولا ربا، ولا فجور، ولا ظلم، ولا يجوع بينهم جائع ولا يعرى عارٍ، ولا يظلم مؤمن؛ لأنهم أسرة واحدة.يتحقق هذا أو لا؟والله ليتحققن هذا حسب سنة الله عز وجل، أليس الطعام يشبع والنار تحرق، وكذلك الكتاب والحكمة يرفعان الإنسان إلى منارات الكمال.ومن شك قلنا لهم: يا أهل القرية! من أتقاكم من أحسنكم؟أعلم أهل البلد هو أتقاهم لله، وأفجرهم أجهلهم بالله، وهذه سنة الله، فوالله لا سبيل إلى نجاة العالم الإسلامي لأي بلد إلا هذا.فنرجع إلى الله في صدق.فإذا دقت الساعة السادسة مساءً ذهب اليهود والنصارى إلى المقاهي والمقاصف والملاهي، وذهب المسلمون إلى بيوت ربهم بأطفالهم ونسائهم يتعلمون الكتاب والحكمة، وخلال سنة واحدة والله ليصبح إنتاجهم المادي أضعاف ما كانوا، ووالله لتتوفر أموالهم وتزيد؛ لأن السرف والترف قد انتهى، والتكالب على الشهوات انتهى، فهذا هو الطريق، ولا نحتاج إلى فلوس ولا إلى رشاش، فيصبحون كالملائكة، والحكام يجلسون معهم فيتبركون بهم!!وهل هناك طريق سوى هذا؟والله لا وجود له، ولو يخرج عمر والله ما استطاع إلا على هذا المنهج.وهذه الآية بين أيدينا ونواصل دراستها غداً إن شاء الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:100-101]، فليلة الكتاب وليلة السنة هو الكتاب والنبي، وبدون هذا لن نسمو ولن نرتفع ولن نسود، بل ولن ننجو إلا من شاء الله من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.هل فهم السامعون هذا؟ وهل تتحدثون به في القرية أو لا؟بلغونا أن قريتكم شبعت، فتدرس الكتاب والحكمة، وإذا قالوا: ما عندنا عالم نبعث لهم عالماً، فيجلس بين أيديهم سنة واحدة وراجعوا الحياة كيف تبدلت وتغيرت، أما بدون هذا فإن كثر المال عم السرف والبذخ والإسراف، وإن قل المال صار الشح والسرقة والتلصص، وهكذا لا ينجو إلا من أنجاه الله، واذكروا هذا وانووا النية الصادقة على أن تعملوا به وتبلغوه، وأجري وأجركم على الله. والسلام عليكم ورحمة الله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 18-11-2020 02:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (33)
الحلقة (174)

تفسير سورة آل عمران (39)

إن القرآن الكريم ما ترك شيئاً تتوقف عليه سعادة العالمين في الحياتين الأولى والآخرة إلا بيّنه، وجاءت السنة النبوية مفصلة لما أجمل، وما من شيء ينفع العباد ويهمهم في أمر معاشهم ومعادهم إلا بيّنه لهم عليه الصلاة والسلام، فاجتمع للناس النبراسان الأكملان، باتباعهما والأخذ بهما ينال العباد السعادة والغفران، وبالإعراض عنهما وتنكب طريقهما يتحقق للناس الشقاوة والخسران.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل.وبالأمس كنا مع هذا النداء الإلهي الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:100-101].

عظمة تأثير القرآن والسنة في أتباعهما
ما زلنا مع هذا النداء معاشر الإخوان والأبناء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فالمنادي هو الله، وسبحان الله! هل الله هو الذي نادانا؟ إيه وعزته وجلاله.كيف بلغنا هذا النداء؟الجواب: بلغنا من طريق وحيه إلى رسوله، فقد نبه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بغراء حراء، ثم أرسله رسولاً للعالمين، بعد أن بلغ من العمر أربعين من السنين، وأنزل عليه كتابه القرآن العظيم، وهذا الكتاب ما قدرته البشرية حق قدره.وهذا الكتاب الحاوي لمائة وأربعة عشر سورة، وهذا القرآن العظيم ما ترك شيئاً تتوقف عليه سعادة العالمين في الحياتين الأولى هذه والآخرة الآتية إلا بينه، واقرءوا: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وهذا أبو هريرة صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم يقول اسمعوا: ( علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء )، أي: ما ترك شيئاً يكفل شهادتنا ويبعدنا عن شقائنا وخسراننا إلا علمه، ( حتى علمنا الخراءة ) أي: علمنا كيف نخرأ.والبشرية اليوم تعيش بعيدة كل البعد عن هذه التعاليم الإلهية، ففقدوا هذا النور وعاشوا في الظلام.نعم ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك شيئاً تحتاج إليه أمته المؤمنة به إلا بينه، حتى كيف تجلس لقضاء حاجتك بينه والله العظيم، فكيف إذن بالسياسة في الداخل والخارج، وكيف بالاقتصاد.وكلمة واحدة ما أخذ بها عبد وافتقر قط، وقد تكلم صلى الله عليه وسلم بمئات الآلاف، وكلامه صلى الله عليه وسلم من يوم أن أوحي إليه كل كلامه حكم وعلوم ومعارف.وائتني بكلمة من كلامه لا تحمل هدى أو حكماً؛ ومن ذلك قوله: ( ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد )، فالذي يقتصد في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه لا يفتقر أبداً، والفقر يصيب الذين لا يقتصدون، والشاهد عندنا في كلمة واحدة من ملايين الكلام: ( ما عال من اقتصد ).وقد جربت هذا، وهدانا الله إليه، والآن نيفنا على ثلاث وسبعين سنة وما سألت أحداً ديناراً ولا درهماً قط، ولا مددت يدي لأتناول ما لا يحل لي، وسر هذا الاقتصاد، فإن رزقت ريالاً أنفق بحسب الريال، وإن رزقت عشرة أنفق بحسب العشرة، والشاهد عندنا فقط في كلمة واحدة لم يستطع أحد أن يلفظها غير رسول الله: ( ما عال من اقتصد ).إذاً: هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اختاره الله .. اصطفاه .. اجتباه .. انتقاه من أصلاب الآباء والأمهات؛ من إسماعيل بن إبراهيم إلى جده عبد المطلب إلى والده عبد الله ، فما اختلط بشيء اسمه زنا، فنطفة حفظها الله عدة قرون؛ هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.هذا الذي قال واصفه: إنه لأشد حياء من البكر في خدرها، فالبكر غير الثيب تكون في خدرها مخدرة فيه محجوبة تستحي أن تقول كلمة أو يسمع صوتها رجل، وقد كان الرسول أشد حياء من البكر في خدرها، وما واجه أحداً من أصحابه وقال: لم قلت أو لم فعلت؟ وما لطم امرأته بيده.وهذا تلميذه أنس بن مالك الأنصاري لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة جاءت به أمه وقالت: هذا ابني يخدمك يا رسول الله في البيت، وقد كان ابن سبع سنين أو ثمان، فخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، يقول رضي الله عنه: ( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي يوماً في شيء فعلته: لم فعلت هذا؟ أو في شيء تركته: لم تركت هذا أبداً ).وأنتم ماذا تفعلون بنسائكم وأولادكم؟للأسف يوجد الضرب والشتم والطلاق!كيف هذا؟! ولا يحل لمؤمن أن يروع مؤمنة، ولا يحل لمؤمن أن ينظر نظرة شزراً إلى مؤمن؟!أين نحن؟الحمد لله نتبجح، لعلكم تقتدون: لقد أقمت مع أم أولادي تغمدها الله برحمته ستين سنة تقريباً، والله ما لطمتها بيدي، ولا قلت لها يوماً: أنت طالق أو إن فعلت كذا فأنت طالق، ولا قلت لها كلمة تغضبها أبداً.وتبلغنا الأخبار عنكم معاشر المستمعين! السب والشتم والطلاق.. فلا إله إلا الله، أين يذهب بنا؟إلى مسارح الباطل والظلام، والعلة الجهل، فما ربينا في حجور الصالحين، فكيف إذاً نستقيم؟! كيف نهتدي؟! كيف نتهيأ لرضا الله تعالى وحبه؟!

الطريق القويم هو طريق تلقي الكتاب والحكمة
الطريق كما ذكرنا في قوله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] أي: من أين يأتيكم الكفر وكيف يصل إلى قلوبكم والمناعة كاملة والحصانة تامة، وهما أنكم تتلقون الكتاب والحكمة كل يوم وليلة، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟فمن هنا لا حل لمشكلتنا ولا مخرج لنا من ظلمتنا، ولا طمع في أن نسود ونقود كما ساد أسلافنا وقادوا البشرية إلا إذا عدنا لتلقي الكتاب والحكمة فقط، فلا مذهبية ولا طائفية ولا وطنية ولا حزبية ولا جمعية، مسلمون فقط.وهل كان على عهد رسول الله مذهب حنفي .. مالكي .. أباضي .. زيدي .. إمامي .. شافعي ..؟لا والله لا يوجد إلا أمة الإسلام.وهل كان على عهد أصحاب رسول الله مذهب وطائفة؟والله لا يوجد.وهل كان على عهد أحفاد رسول الله وأبناء أصحابه طائفية؟الجواب: لا، مسلمون فقط.فعرف هذا العدو كما علمتم وأبعدنا عن الكتاب والحكمة، وأبعدنا عن القرآن والسنة بمكر من أشد أنواع المكر، حيث حول القرآن إلى الموتى والمقابر، وهجروا السنة.وأعطيكم مثالاً في الديار الجزائرية فأيام كنا بها كان بعض الجزائريين يجلسون في محراب الجامع الكبير، ويقرءون صحيح البخاري للبركة لا ليتعلموا حكماً شرعياً أبداً، فقط يقرءون صحيح البخاري للبركة، وجئنا المدينة مهاجرين، فوجدناهم في تلك الروضة كل رمضان كان أعيان البلاد ورجالات المدينة يجتمعون حلقة عظيمة ليقرءوا صحيح البخاري للبركة إلى هذا العام، وليس فيهم من يرد يقول: لا.فهل السنة والحكمة النبوية تقرأ للبركة؟ أيعقل هذا الكلام؟ إيه لقد عقلوه، يقرءون حدثنا .. حدثنا .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل عن حكم لا في الآداب والأخلاق ولا السياسة المالية، ولا الاقتصاد والحرب ولا السلم.. أبداً.إذاً: ذبحنا رسول الله وأقبرنا القرآن.وهذا مكر الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى، ومازال هذا العدو متعاوناً مع بعضه بعضاً، لا يريدون أن تلوح أنوار الإسلام كما لاح الصليب، وعرفوا كيف يتحكمون بنا تحكماً كاملاً.فإن قلنا: هيا نعصهم.قالوا: لا نستطيع يا شيخ.قلنا: لم؟ هل وضعوا الرشاشات على أبوابنا؟ لا لا، كيف لا نستطيع؟ أنعجز أن نبرهن وندلل على أننا مسلمون، ثم في حينا نحن آل المدينة من مدننا الإسلامية يتصل بعضنا ببعض، نقول: هيا نعود.اسمعوا يا أبنائي ويا إخوتي! من غدٍ لا يتخلف رجل ولا امرأة، والكل إذا دقت الساعة السادسة مساء يتطهر ويتوضأ ويحمل امرأته وأولاده إلى بيت ربه .. إلى المسجد الجامع، فإذا أتيت متأخراً تمر بالحي لا تجد دكاناً مفتوحاً، لا حلاقاً ولا تاجراً، ولا مطعماً ولا مقهى أبداً، فإذا سألت: أين أهل المدينة؟ يقولون لك: في بيت الرب، سبحان الله! في بيت الرب؟ إي والله، وهذه الكلمة ترعب الشياطين، وتصيبهم بالخذلان: أهل القرية كلهم في بيت الرب!ويصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون جلوسنا هذا، إلا أن النساء وراء الستار محتجبات، والأولاد الصغار صفوف بيننا وبين أمهاتهم كالملائكة لا يلتفتون، ونتلقى الكتاب والحكمة، والكتابُ موجود محفوظ بحفظ الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، ألف وأربعمائة سنة وخمسة عشر عاماً، ولم يستطع العدو مهما تلون أن يحذف حرفاً واحداً فضلاً عن كلمة أو جملة من كلام الله، والله لولا الله ما بقي إلى اليوم.أين التوراة؟ (75%) كذب.أين الإنجيل؟ الإنجيل الواحد حولوه إلى خمسة أناجيل، فبعد أن فضحوا اجتمعوا في روما وجعلوا الأناجيل خمسة وثلاثين إنجيلاً، ثم لما تفطن لهم الأذكياء وعابوهم وعيروهم اجتمعوا اجتماعاً آخر وجمعوها في خمسة أناجيل، بمعنى: أن كلمة الله خمسة من أربعة، والأربعة كذب وتضليل، فلهذا ضل النصارى ضلالاً بعيداً.والمسلمون على ما أصابهم وحل بهم كتاب الله بين أيديهم ما نقص منه حرف واحد ولا تغير له معنى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيض لها أيضاً رجالاً؛ فحموها وحفظوها وصانوها، وما يمر بهم حديث إلا وعرفوه هل هذا من النبوة المحمدية أو من كذب الكاذبين.إذاً: أهل القرية في مسجدهم الجامع أو أهل الحي في حي مدينتهم، إذا اجتمعوا على الكتاب ليلة والسنة أخرى، لا يكفرون أو يرتدون أو يفسقون أو يفجرون؛ لأن الله خالق القلوب ومصرفها قال: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فمن أين يأتي الكفر، ونقول: من أين يأتي الفجور والفسق والظلم والشر والخبث والفساد؟! ويصبح أهل القرية كأسرة واحدة، لا فرق بين أبيض وأسود ولا أحمر وأصفر، ولا عربي ولا عجمي، ولا صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير، يتلقون الكتاب والحكمة.سلوني: كيف تصبح تلك القرية؟قلنا مرات: لو ظهرت في الآفاق لحججناها وزرناها كما تزار مكة؛ لنشاهد آثار الكتاب والحكمة كيف حولت الإنسان إلى شبه ملك، ونعم إي والله، لا يقوى على أن يقول كذبة، بل يجوع ثلاثة أيام ولا يمد يده لمال غيره.فالكتاب والحكمة هو الطريق، وأهل القرية عندما اجتمعوا سنة وهم يدرسون قال الله وقال رسوله، هل بقي فيهم من يقول: أنا مذهبي كذا؟ هل بقي فيهم من يقول: أنا حزبي كذا؟ هل بقي فيهم من يقول: أنا من جماعة كذا؟ هل بقي فيهم من يقول: أنا من وطن كذا؟ والله لم يبق لهذا وجود، وعدنا كما بدأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطريق.والبلاد التي فيها فتن دائرة اليوم بسبب الجهل وسوء التصرف والتدبير، فنقول لهم: اصبروا عاماً .. عامين حتى تنطفئ نار فتنتكم، وعودوا إلى بيوت الله عز وجل بنسائكم وأطفالكم ورجالكم، أغنيائكم وفقرائكم، علمائكم وجهالكم، أمة واحدة لا مذهبية ولا طائفية ولا حزبية.والبلاد التي هي الآن آمنة ولا تمنع من دخول المسجد ولا الاجتماع فيه، ولا تعلم الكتاب والحكمة في بيوت الله لم ما تأخذ هذا الطريق وما المانع؟الجواب: لا مانع إلا الأهواء والشهوات والأغراض، وقدر الله نافذ.وهذا الحديث يا معاشر المؤمنين والمؤمنات هو معنى قوله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فنقول: كيف تفسقون أو تفجرون أو تظلمون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ والرسول وإن مات فسنته .. تعاليمه .. هدايته .. هداه موجود مع القرآن، وما من آية إلا ويفسرها لك حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 18-11-2020 02:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سر مناداة الله لأهل الإيمان
هكذا نادنا مولانا جل جلاله وعظم سلطانه بعنوان الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:102]، وهنا سر يخفى على الكثيرين: لماذا ما قال: (يا أيها الناس)، ولم ما قال: أيها المسلمون، إنما قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:102]، أي: يا من آمنت بالله رباً وإلهاً وبالقرآن هداية ونوراً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وبالإسلام ديناً؟السر هو أن المؤمنين أحياء، والكافرين أموات.اسمعوا معاشر الحجاج والزوار، وإن شئتم حلفت لكم بالله: المؤمن بحق يسمع إذا ناديته .. يعقل إذا خاطبته .. يعطي إذا طلبته .. يمنع إذا نهيته؛ لكمال حياته، والكافر ميت.تريدون دليلاً أو لا؟أيام كنا سائدين وحاكمين، وتحتنا أهل الكتاب من يهود ونصارى أو من يسمون بالذميين، هل كنا نأمر الذمي بأن يصلي؟ والله ما نأمره، هل كنا نأمر الذمي بأن لا يشرب خمراً؟ لا لا. هل كنا نأمر الذمي بأن يصوم؟ هل كنا نقول له: اخرج وجاهد معنا؟ والله ما كان، لماذا؟ لأنهم أموات وليسوا بأحياء، وإن قلت: يأكلون ويشربون وينكحون فالحمير والخيول والبغال والدجاج كذلك، فالحياة التي صاحبها إذا ناديته سمع النداء .. إذا علمته علم .. إذا قلت: افعل، فعل، وإذا قلت: اترك ترك، هذا هو الحي، فهذه حقيقة تأملوها وعودوا بها إلى دياركم، فالإيمان هو الحياة، وإن ضعف ضعفت الطاقات البشرية، وبقدر ما يضعف إيمانك يا عبد الله تضعف طاعتك لله ورسوله، وبقدر ما يزيد إيمانك ويرتفع منسوبه بقدر ما تقوى وتقدر على الطاعة، وإن كانت الطاعة تدعوك إلى الخروج من مالك كله، أو تقديم نفسك فداءً لله، ولهذا يجب أن نحقق إيماناً وأن نرعاه رعاية كاملة حتى لا ينقص ولا يضعف أبداً، ويزيد الإيمان ويقوى على الطاعة.سبحان الله، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ينتجها الإيمان، وتلك الطاعة تزيد في طاقة الإيمان والله العظيم، وقم في ليلتك وتوضأ وصل ركعتين وابك يرتفع منسوب إيمانك إلى ما فوق المائة وتسعين، يزيد على طول، ولولا إيمانك ما قمت في آخر الليل ولا صليت، فالإيمان يأخذ ويعطي، لا إله إلا الله!وهذا هو السر في نداء الله لنا بعنوان الإيمان؛ نادانا تسعة وثمانين نداء: (يا أيها الذين آمنوا).ولِمَ ينادينا؟ينادينا ليأمرنا بفعل أو اعتقاد أو قول، وما من شأنه يزيد في طاقة إيماننا، ويؤهلنا لكرامة الدنيا وسعادة الآخرة، أو ينادينا لينهانا عما من شأنه أن يثبطنا أو يقعد بنا عن الكمال، أو يحرمنا السعادة في الدنيا والآخرة، أو ينادينا ليبشرنا فتنطلق أعضاؤنا تعمل بسرعة وتتزود من صالح الأعمال، أو ليحذرنا من عواقب سوء حتى نتجنب تلك العواقب ونبتعد عنها؛ لأننا أولياؤه، والله لا يرضى أن يؤذى وليه أو يخسر أو يتحطم أو يشقى، وحاشى لله، أو ينادينا ليعلمنا علوماً ومعارف من شأنها تزيد في طاقات إيماننا، وتزيد في أعمالنا وتزيد في سعادتنا.إذاً الله عز وجل ينادينا ليأمرنا وينهانا ويبشرنا وينذرنا ويعلمنا؛ لأننا أولياؤه، واسمعوا أبو هريرة في صحيح البخاري يروي لنا عن أبي القاسم فداه أبي وأمي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، يقول: ( قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، أي: أعلنت الحرب عليه، فيا ويلك يا عبد الله، ويا ويلكِ يا أمة الله أن تؤذي ولياً من أولياء الله، فمن آذى ولياً في عرضه .. في دمه .. في ماله، فقد تعرض لأن يعلن الله الحرب عليه، ومن يعلن الله الحرب عليه مستحيل أن يحارب الله وينتصر.

دور الثالوث الأسود في تغيير مفهوم الولاية لله
عرفتم الثالوث الأسود: اليهود والنصارى والمجوس، فلما عرفوا ما عرف المؤمنون: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) فأصبح أهل القرية أو أهل المدينة أو المسافرون في سفرهم لا يؤذي أحدهم أخاه، ولو بكلمة نابية، فلم يبق ظلم ولا زنا ولا فجور ولا خيانة، ولا ولا، لأنهم أولياء الله، فكيف إذاً: يؤذي ولي الله ولي الله؟ مستحيل، فقالوا: نستطيع أن نقلب حالهم فيصبح بعضهم يأكل بعضاً ويذبح بعضهم بعضاً، ويزني رجالهم بنسائهم، كيف؟قالوا: نحصر الولاية في الموتى! فلا ولي بيننا، لكن الولي من مات وبنينا على قبره قبة خضراء أو بيضاء، ووضعنا على قبره تابوتاً من أغلى أنواع الخشب، ووضعنا على الخشب أزر من الحرير، فهذا ولي الله .. هذا الذي يحلف به .. هذا الذي ينذر له النذور .. هذا الذي ترتعد فرائصنا إذا تعرضنا لأذاه، أما الأحياء فاسرقهم واكذب عليهم، وسبهم، واشتمهم، وازن بنسائهم، ولا شيء عليك.وأقول: هذه الكلمات تقال في هذا المسجد من أربعين سنة، ولو تدخل إلى القاهرة ذات الملايين من العلماء والمؤمنين، وتدخل وتقول لأول من تلقاه في الطريق من المطار أو من القطار: يا سيد! أنا جئت من بلاد أريد أن أزور ولياً، فوالله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر، ولا يفهم أن هناك الملايين في القاهرة من الأولياء الأحياء.وما نقوله في القاهرة نقوله في إسطنبول .. في كراتشي .. في مراكش .. في تونس .. في الجزائر .. في العراق .. في اليمن .. في المملكة قبل عبد العزيز فقط. وقبل عبد العزيز وأولاده، والله ما يفهم أن ولياً في السوق بين الناس، إلا من مات وضربت عليه القبة وعُبد من دون الله.من خط هذه الخطة؟ من وضع هذا المنهج؟إنه الثالوث، فقد شاهدونا إخوة لا يسرق مؤمن مؤمناً، ولا يكذب مؤمن على مؤمن، ولا يفجر مؤمن بنساء مؤمن، سبحان الله!فقالوا: كيف نفعل معهم؟قالوا: نحول الولاية منهم إلى موتاهم، وبعيني وأذني وأنا طفل حدث مثل هذا في القرية، كان هناك مشايخ يتحدثون قالوا: فلان كان إذا زنا لا يمر بضريح سيدي فلان! وإذا زنا في قرية لا يستطيع أن يمر على شارع أو زقاق فيه قبر سيدي فلان، فانظر، يحارب الله والمؤمنين ويفجر بنساء المؤمنين ولا يخاف الله ولا يبكي ولا ترتعد فرائصه، ويخاف من الولي الميت، فما يمر بالشارع الذي فيه قبره!!والقضاة عندنا كان إذا رفعت إلى القاضي قضية يقول: ( والبينة على المدعي واليمين على من أنكر )، هذه الكلمة وضعها أبو القاسم، وقضاة العالم كلهم لا يستطيعون أن يخطئوا هذه: ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر )، فبكلمة واحدة قام القضاء عليها؛ لتعرفوا من هو رسول الله، فيجيء الرجل إلى القاضي يقول: فلان سرقني، يقول: هات البينة، يقول: ما عندي، لكن أنا أعرف أنه سرق شاتي وذبحها، ما هناك بينة احلف، أنت تعترف أو لا؟ قال: أنا ما سرقت، احلف، قال: أنا أحلف، قال: احلف بالله، والله .. والله .. سبعين مرة ما سرقت، يقول الخصم: يا سيادة القاضي! هذا يحلف بالله مرة، لكن قل له يحلف بسيدي عبد الرحمن، أو بمولاي فلان، فلما يقال له: اسكت لا تحلف بالله فأنت متعود على الكذب، لكن احلف بسيدي فلان! فيخاف ولا يستطيع! قلنا للقضاة: لم؟ قالوا: ماذا نصنع؟ نحن نحافظ على أموال الناس وحقوقهم.قلنا لهم: لم تقبلون اليمين بغير الله، قالوا: اليمين بالله يحلفونها لأنهم جهال؛ لكن إذا قلت له: احلف بسيدي عبد القادر يقول: لا، ما يستطيع.فانظر إلى أين وصلنا، فأصبحنا نعبد الأولياء عبادة كعبادة الله.كذلك أمي رحمة الله عليها، وأنا كهذا الغلام قبل أن أعرف التوحيد، كان عندها خصومة أخوها مع امرأته؛ فمرت بقبة على جبل قالت: يا سيدي فلان! إذا كان انتصر أخي في الخصومة على زوجته أفعل لك كذا وكذا!وهذا الأمر من وجود النذور للأولياء عام من إندونيسيا إلى موريتانيا، فيأتي بالكبش ويقدمه لسيدي فلان، ومعنى هذا أننا عدنا إلى الجاهلية والشرك الأول، إي والله، وسبب هذا أنهم أبعدونا عن الكتاب والسنة، فغشانا الجهل وغطانا، ووضعوا لنا هذه المحنة فحولنا إلى عبدة الأوثان.ومن قال: هذا ليس بصحيح، نقول له: استعمر العالم الإسلامي وحكمته بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبلجيكا، فكيف الموحدون المسلمون يحكمهم الكافرون، وماذا تصنع بقول الله: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، أيكذب الله؟ أبعد هذا تقول: أعطني دليلاً على هذا، فأصبحنا وثنيين، وحسبك أنه يحلف بالله سبعين مرة كاذباً ولا يحلف بسيدي عبد القادر صادقاً أو كاذباً.

مفهوم الولاية الحقيقية لله
نعود إلى أولياء الله، تعرفون عنهم شيئاً؟جاء من سورة يونس عليه السلام ما بين هود والتوبة، جاء قول الله عز وجل: أَلا [يونس:62] أداة استفتاح للحديث وتنبيه للمحدث، بمعنى: أنت واعٍ تسمع؟ فهذه تركناها مع القرآن، فلا نفهم له معنى، إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا خوف عليهم لا في الدنيا، ولا في القبر ولا يوم القيامة، ولا حزن ينتابهم لا في دنياهم ولا في أخراهم.ولا تظن أن هذا الكلام ليس بصحيح، فقد رأينا ولي الله يدفن أولاده وهو يبتسم ولا يعرف الحزن، ويفقد كل شيء من جيبه ولا يحزن.يقول: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] هؤلاء أولياء الله، من هم أولياء الله؟ سيدي عبد القادر .. إدريس .. العيدروس .. البدوي ، وقد علمنا هذا الخبراء الفنيون أهل الكتاب الثالوث الأسود: اليهود والنصارى والمجوس.ما السر؟أبعدونا عن الكتاب والحكمة، فقالوا: نجهلهم أيضاً في قضية الولاية حتى يصبح المسلمون يشيع بينهم الزنا .. اللواط .. السرقة .. الكذب .. الغش .. الخداع .. الربا، والباطل بطريقة واحدة، ما هي هذه الطريقة؟قالوا: نعلمهم أنهم ليسوا أولياء الله، فأعداء الله يأكل بعضهم بعضاً، أما أولياء الله من يستطيع أن يسب واحداً منهم أو يشتمه أو يتعرض له، كيف لا وهم يتقربون إليهم في مدينة من مدننا العربية: سيدي فلان! إذا جاء الزوار كما بلغني لا يأتون إلى الضريح يمشون؛ إنما يأتونه حبواً، وقد بينت لكم أن الواحد منهم أمام القاضي يحلف بالله سبعين مرة ولا يبالي ولا يحلف بالولي.إذاً: سلبونا ولاية الله وأضفوا علينا ثوب أعداء الله، إذاً: فليأكل بعضنا بعضاً من خلال السرقة .. الخيانة .. الغش .. الكذب، حتى الرجل يضرب امرأته، ويضرب ولده، والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).معشر المستمعين والمستمعات! هل يجوز الآن يا من علمت أن تنظر إلى مؤمن وتقول له: اسكت يا كلب .. امش يا خنزير كما كنت تقول؟ والله لا تستطيع.هل تستطيع أن تمر بامرأة مؤمن وتأخذ تنظر في امرأته من رجليها إلى رأسها؟ والله لا تستطيع أن تؤذي هذا المؤمن.ولو سقط من جيبه دينار أو مليار هل تستطيع أن تأخذه وتسكت؟ والله ما كان.والسر أنهم أبعدونا عن الله، فأصبحوا أولياء للشياطين، وتركنا ولاية الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه.وإليكم بيان هذه الولاية، يا من يرغب في ولاية الله يرفع يده، الليلة تضفى عليك وتصبح من أولياء الله.قالوا: لا نستطيع يا شيخ، تريد أن تقول لنا: لا تكذبوا، لا تسرقوا.. لا.. لا، لا نستطيع.إذاً: ترضون بأنكم أعداء الله؟اسمع بيان الله للولاية والأولياء، لما أعلن ذلك الإعلان: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، كأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب؟ فهذه الجملة مستأنفة استئنافاً بياناً واقعة في جواب سؤال، فلما أعلن هذا الإعلان العظيم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، تتطلع النفوس: من هم أولياؤك يا رب؟ فأجاب تعالى بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فقط لا عربي ولا عجمي ولا شريف ولا وضيع، ولا في الأولين ولا في الآخرين، فقط آمن واتقى وواصل التقوى المتجددة.فهؤلاء آمنوا حق الإيمان، وكانوا طول حياتهم يتقون سخط الله وغضب الله، بحيث لا يتركون واجباً أوجبه، ولا يفعلون حراماً حرمه قط، فهؤلاء هم أولياء الله، ومن منكم يرغب أن يكون منهم؟ قولوا: كلنا، إننا والله لمنهم.فهؤلاء آمنوا الإيمان الحق، وعاشوا طوال حياتهم يتقون الله، فلا يقولون كلمة كفر، ولا ينظرون نظرة تسخطه، ولا يأخذون ريال لا يرضاه يعيشون على التقوى.وكيف تعرف نفسك أنك ولي الله؟قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، وإياك أن تشك: لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى بقوله: ( الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له )، فالبشرى في الحياة الدنيا رؤيا منامية صالحة يراها هو أو يراها عبد صالح ويبلغه ما رأى، أما عند سياق الموت فسوف يشاهد مواكب الملائكة تزف إليه البشرى ذاتها، واقرءوا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] آمنوا واستقاموا: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] هذا تنزل الأفواج فوج بعد فوج، ماذا تقول لهم: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، أما في عرصات القيامة وساحة فصل القضاء: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:103]، سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73].إذاً: يا أولياء الله! إياكم أن تنقضوا هذه الولاية؛ بأن تشتم امرأتك الليلة أو تسبها، أو تنظر إلى مؤمنة مارة في الشاعر وتحملق بعينيك فيها، أو تقضي الساعات بعد الآن مع التلفاز وأنت تشاهد عواهر يغنين ويرقصن أعوذ بالله! أو تسمع صوت كافر في بيتك وهو يتكلم وأنت تنظر إليه، فهذه تتنافى مع ولاية الله أبداً، ولن تكون ولي الله، وإذا لم تتق ما يغضب الله فكيف تحقق الولاية، أليست إيمان وتقوى؟يا ابننا الحلاق كيف تحلق في وجوه الرجال أعوذ بالله، هذا ولي الله؟يحلق في وجوه المؤمنين من أجل خمسة ريالات وعشرة؟!اكتب على الصالون هذا محل تحسين الحلاقة وليس حلق الوجوه، لتكون ولي الله.يا من يبيع في دكانه التبغ والسجائر وأنواع الدخان، لمن تبيع هذه؟ لأولياء الله؟ كيف يصح هذا؟من الآن بع الحلويات والبطاطس، وأما الدخان فلا تبع.. وهكذا تترقى يا عبد الله حتى تصبح حقاً ولي الله.اللهم اجعلنا من أوليائك.. اللهم اجعلنا من أوليائك.. اللهم اجعلنا من أوليائك.. واضفِ علينا آلائك ونعمائك، إنك ولينا وولي المؤمنين.وصل اللهم على محمد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg



ابوالوليد المسلم 18-11-2020 02:11 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (34)
الحلقة (175)

تفسير سورة آل عمران (4)

توعد الله الكافرين يوم القيامة بأن يكونوا وقوداً للنار، ولن تغني عنهم أموالهم التي جمعوها، ولا أولادهم وإن كثر عددهم، وذلك لأنهم اتبعوا سنة من قبلهم من آل فرعون وغيرهم في تكذيبهم بالرسل وإنكارهم للرسالة، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يبشر كل من أنكر رسالته وعانده ورفع راية العداء له أنهم سيغلبون في الدنيا ثم سيحشرون يوم القيامة إلى النار التي أعدت لهم.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).وبشرى ثانية قال فيها صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وثالثة: ( ما من مؤمن يصلي الفريضة -كما صليتم العصر- ويبقى في المسجد ينتظر الصلاة الآتية حتى يصليها إلا كانت الملائكة تصلي عليه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى يصلي أو ينصرف ).تعجبون من هذا؟ من نحن؟! وما نحن حتى تصلي علينا الملائكة الأنوار؟!لو أردنا أن نفرض على أحدهم أن يصلينا علينا مرة واحدة هل نملك ذلك؟ هل نقدر عليه؟ هل نستطيعه؟ الجواب: لا. ولكنه فضل الله علينا ورحمته! الملائكة تصلي علينا بقولها: اللهم اغفر لهم! اللهم ارحمهم! حتى نصلي المغرب أو العشاء وننصرف، ومع هذا نسبة الذين يحضرون بيوت الله ويطلبون فيها الذكر والعلم واحد إلى ألف، وتسعمائة وتسعة وتسعون في غفلتهم نائمون! أليس كذلك؟ بلى. ولا عجب إذ يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام في عرصات القيامة: ( يا آدم خذ بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين )، إلى جهنم وواحد إلى الجنة، فلا عجب إذاً ولا غرابة في كفر الكافرين وضلال الضالين وإجرام المجرمين.ولقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات النورانية وهي أربع آيات، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:10-13]. هذه الآيات من سورة آل عمران عليهم السلام. ‏

معنى المحكم والمتشابه
أذكركم! بالأمس علمنا أن القرآن الكريم فيه المحكم، فما موقفكم أيها المؤمنون من ذلك؟ قولوا: نؤمن بمحكمه ومتشابهه، كل من عند الله.والمحكم ما معناه؟ المحكم ظاهر بيّن واضح نعمل به ونعيش عليه ونطبقه. والمتشابه: ما خفي معناه وستره الله عنا؛ لعجزنا وليبتلينا فنؤمن بالمحكم ونفوض أمر المتشابه إليه سبحانه.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الذين يتبعون ما تشابه من آيات الكتاب
أيضاً: سبق أن عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذين يبتغون المتشابه: ( احذروهم ) ، فلهذا واجبنا تجاه أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه: هجرانهم والإعراض عنهم؛ لأنهم مبتدعة من أهل الأهواء، فلا نجادلهم ولا نتكلم معهم؛ لأنهم مرضى بأهوائهم وقلوبهم يريدون إفساد ديننا علينا، فواجبنا الإعراض عنهم وعدم الالتفات إليهم، وهجرانهم الكامل، إذ قال الرسول: ( احذروهم ) هكذا!

استحباب الدعاء وطلب النجاة عند ظهور الزيغ ورؤية الفتن
عرفنا أيضاً: استحباب الدعاء بطلب النجاة عند ظهور الزيغ ورؤية الفتن والضلال، كما فعل أبو بكر رضي الله أيام حروب الردة، فقد كان إذا صلى المغرب وصار إلى الركعة الثانية قرأ فيها بقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].أيضاً: تذكرون ما قالت الصدّيقة عائشة وقد رأت وسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ( لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماًً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ، هذا عزمنا على حفظه وعلى أن نقوله كلما استيقظنا.

صفات الراسخين في العلم
قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]. ذكرنا الراسخين في العلم، فمن هم هؤلاء هل يعني ابن عباس وحده أم من؟ الجواب: الراسخ في العلم من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه، ذلكم الراسخ في العلم. من هم الراسخون في العلم؟ بشرنا رسول الله وقال: ( من برت يمينه )، ما معنى برت يمينه؟ أي: لا يحلف إلا على حق، ( وصدق لسانه ) فلا ينطق بكلمة كذب قط، فما يقوله دائماً الصدق والحق، ( واستقام قلبه ) فلم يزغ يميناً ولا شمالاً، هؤلاء هم الراسخون في العلم.
طلب الهداية والرحمة من الله

قال الله: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، علمنا الله هذا الدعاء لما لا ندعوه به؟ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] .

جمع الله الناس ليوم لا ريب فيه
قال الله: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:9] يجمعنا ليوم لا شك فيه، وهو يوم القيامة، اليوم الآخر، يوم البعث والنشور، يوم الحساب والجزاء بعد نهاية هذه الدورة التي طالت بنا. إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9]، الوعد والميعاد لا يخلفهم الله عز وجل، فلا بد وأن يجمعنا مع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ونتلقى الجزاء حسب عدل الله عز وجل ورحمته.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم...)
أما آياتنا الأربع في هذه الأمسية المباركة، فنبدؤها بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]. هذا خبر أم لا؟الجواب: الصيغة صيغة خبر، يقول الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10] .النار في الدنيا توقد بالفحم وبالحطب وبالغاز، ويوم القيامة مادة اتقادها: لحوم البشر وعظامهم، والله العظيم تتقد النار يوم القيامة بلحوم الكافرين والمشركين، قال تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، أي: من الحجارة والأصنام التي كانوا يعبدونها.هذا الخبر يشمل: أولاً: وفد نجران الذي جاء يتبجح ويجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد أن يقنع رسول الله بأن عيسى عليه السلام ابن الله! أعوذ بالله! الأعمى لا يقول هذا، والجن تعجبت كيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة؟! مجانين هؤلاء؟ أيوجد ولد بدون زوجة؟ مستحيل، كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟! ثم هذا الولد أيها النصارى كبرتموه وعظمتموه وعبدتموه وجعلتموه إلهاً يعبد مع الله، وعلقتم الصلبان في أعناقكم وحتى على سيارتكم، فأنتم تعتقدون أن اليهود قتلوه وصلبوه! وقبل أن يسحرهم اليهود كان الصليبي لا يفتح عينيه في يهودي من بغضه له، فهو لا يريد أن ينظر إليه؛ لأنه قاتل إلهه، فكيف ينظر إلى من قتل ربه؟! فهل الإله الذي يعطي ويمنع ويبسط ويقبض ويحيي ويميت يقتل ويصلّب؟! كيف يعقل هذا الكلام؟!ملايين النصارى من أمريكا إلى اليابان يعتقدون هذا الباطل وهذه الخرافة والضلالة ويموتون عليها!قبل أن يوجد عيسى من كان يدير الكون؟ وأمه العذراء من أوجدها؟ من نفخ فيها من روحه حتى كان عيسى؟! لا توجد خرافة أعظم من خرافة النصارى في تأليه عيسى، والآن لما ارتقوا بعض الشيء في الماديات قالوا: نحن ما عبدنا عيسى لذاته؛ بل عبدناه من أجل الله؛ لأن الله يحبه، وهذا كذب.إذاً: نقول لهم: اسألوا عن الله وتعالوا نعرفكم به! ما دمتم تؤمنون بأن عيسى ابن الله فتعالوا نتعرف إلى الله! هل الذي كان ولم يكن شيء قبله يكون له ولد يا خرافيين؟!هل الذي يقول للشيء كن فيكون يحتاج إلى ولد؟تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!ثانياً: يدخل في حبر الوعيد: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10] المشركون عامة، ويدخل رأساً اليهود المتبجحون في المدينة، فهذه الآية اشتملت على وعيد الله للنصارى واليهود والكافرين. ‏

سبب ذكر الله للأموال والأولاد في هذه الآية
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10].لماذا ذكر الله الأموال والأولاد؟ لأنهم ما أصروا على الكفر وثبتوا عليه ونفوا التوحيد وهربوا منه إلا من أجل أموالهم وأولادهم، والحفاظ على المركز والوظيفة! إذاً: ذكر تعالى المال والولد هنا؛ لأن سبب بقاءهم على الكفر والإصرار عليه بعدما لاحت شموس الهداية ونزل القرآن وبعث الله الرسول هو الحفاظ على أموالهم وأولادهم ومراكزهم. والآن اليهود كالنصارى لم يدخلوا في الإسلام بعد علمهم به -بالنسبة إلى كثير منهم- إلا للحفاظ على حياتهم المادية، وصدق الله العظيم إذ قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:10]، أي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [البقرة:161] لا بد من هذا القيد، فهو لازم وضروري. ما معنى كفروا؟ أي: سبوا الله، سبوا رسوله، وصفوا الله بما لم يصف به نفسه، نسبوا إليه العجز والنسيان والغلط والخطأ كاليهود، جعلوا له آلهة تشفع لهم عنده خرافة وضلالة! كفروا: جحدوا رسوله وخاتم أنبيائه محمداً صلى الله عليه وسلم! جحدوا القرآن وأنكروه وقالوا: ليس بكلام الله، وهكذا.. لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، لن تغني عنهم أدنى غنى أبداً.

الذين كفروا هم وقود النار يوم القيامة
قال الله: وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10] أولئك البعداء -واللام في أولئك للبعد في هذا المقام- أولئك البعداء عن ساحة الخير والصلاح والطهر والصفاء هم لا غيرهم، هم وحدهم وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10]، وحطبها الذي تلتهب به. الخبر هذا عظيم! ولهذا والله لو تأتي بمؤمن صادق الإيمان فتصلبه وتقطعه على أن يكفر بالله ما كفر بالله! إليكم موقف غريب وما هو بغريب إلا أننا تركنا سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم! أتعرفون خبيباً ؟ من هو خبيب هذا؟ هذا ولي الله في مكة، عذبه أهل الشرك بمكة؛ لأنه قال: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، سجنوه في بيت، فكانت امرأة الرجل تأتيه بالطعام -ليس كطعامنا ولكن كسرة من خبز- فتجد عنده العنب يأكله، فتسأله: من أين لك هذا يا خبيب ؟ فيقول: من الله. كان هذا في بني إسرائيل ، وكان أيضاً في المسلمين. وأما في بني إسرائيل فـمريم البتول العذراء نذرتها أمها لله، لا لإبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب نذرت لله ما في بطنها -ونساءنا ينذرن لسيدي عبد القادر - فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا أي: خالصاً، فلما ولدته وجدته بنتاً فقالت: إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ . فخرج بها من خرج بين علماء بني إسرائيل وصلحائهم يقول: من يكفل هذه النذيرة؟ فالكل رغب أن يكون هو الكافل والكفيل فاضطروا إلى القرعة واقترعوا وفاز بها زكريا؛ لأن امرأته أخت حنا ، وكان زكريا وضعها في غرفة مرافقة للمسجد كالمقصورة؛ لتعبد الله، إذ ما خلقت إلا لذلك، وما أرادت أمها إلا أن تعبد الله، فكان إذا دخل عليها يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب ويقول: أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]. استفاد زكريا من هذا أم لا؟ الجوب: ما إن رأى هذا المنظر وهذه المرأة العجب حتى قال: لم لا أدعو الله أن يرزقني ولداً، رغم كوني كبير السن وامرأتي عاقراً، فالله يفعل ما يشاء، قال تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]. لما شاهد العبرة وهو من أهل العبرة اجتاز عليها بعبارة إلى أن يسأل الله الولد وهو في شوق وحاجة إليه، وكان يمنعه من الدعاء كونه كبير السن ولم تجر العادة بابن الثمانين والتسعين والمرأة العاقر العقيم، لكن لما رأى آيات الله وعجائبه في الخلق قال: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا [آل عمران:38].واستجاب الله لدعائه: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].

تفسير قوله تعالى: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم...)
قال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [آل عمران:11]. يعني: حال المشركين واليهود ونصارى نجران حالهم كحال فرعون وقومه ومن قبلهم عاد وثمود ذاقوا العذاب.فرعون تبجح تبجحاً ما تبجحته أحد، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال لرجاله: اصنعوا لنا آلات نطلع إلى السماء نبحث عن إله موسى هذا وإني لأظنه من الكاذبين! وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [القصص:38]. قال العلماء: والله ما قال هذا إلا ليخادع البلهاء والبسطاء وإلا فهو موقن أنه ليس بإله ولا بالله ولا يستطيع أن يصل إلى السماء، لكنه استغفل قومه! وظهرت آيات الله في أخذه وعقابه فألقاه في أعماق البحر هو ورجاله!أين عاد ذات العماد الشداد، الذين قالوا: من أشد منا قوة، سلط الله عليهم ريحاً لسبع ليالي وثمانية أيام فقط فما أبقت منهم أحداً، أصبحوا كالنخيل المحطمة الهابطة في الأرض.وأين ثمود؟ وأين.. وأين؟ أهلكهم الله!إذاً: حال هؤلاء النصارى واليهود والمشركين كحال الأولين: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ . ‏

يتبع


ابوالوليد المسلم 18-11-2020 02:11 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تكذيب الكافرين بآيات الله
قال: كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا هذه العلة كذبوا ، جحدوا وأنكروا وكفروا بآياتنا. ما هي آيات الله؟ هي العلامات التي أعطاها لرسله؛ ليبينوا بها للناس من هو خالقهم، من الرحيم بهم، من مولاهم وسيدهم سواء كانت التوراة أو الإنجيل، أو كانت المعجزات على أيدي الرسل. أما كذب فرعون وقومه بالآيات؟ بلى تسع آيات عجب، أولها العصا وآخرها انفلاق البحر وما آمنوا، العصا تتحول إلى جان تهتز! وأعظم من هذا: أنهم أقاموا مهرجاناً حضره أهل البلاد من شرقها إلى غربها وهي مباراة وجاء السحرة بحبالهم ونفخوا فيها بالسحر فأصبحت كلها حيات وثعابين، فخاف موسى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:67-69]، فألقها وقال بسم الله ففتحت فاها فدخل ذلك الباطل كله في جوف تلك الحية، إذا بتلك الثعابين المرهوبة كلها تدخل في جوف عصا موسى، وما إن رأى السحرة تلك الحال حتى خروا ساجدين على الأرض، آمنا برب موسى وهارون، ما وسعهم إلا أن يقعوا على الأرض يرتعدون! وهددهم فرعون وأراد وقتلهم وصلّبهم فلم يردهم ذلك عن دينهم! كنا نقول: خبيب العبرة لما صدر حكم أبي سفيان عليه السلام رضي الله عنه في إعدام خبيب أيام كان رئيس الدولة الكافرة، أخرجوه من الحرم؛ لأنه لا يجوز القتل في الحرم -كفار ويؤمنون بهذه النعم- خرجوا به إلى الحل إلى التنعيم، وجاءت الأمة وراءه تتفرج، وخبيب على أعواد المشنقة، فبعثوا خبيراً سياسياً يساومه، فقال له: هل ترضى أن محمداً في مكانك هذا وأنت تطلق الآن وتعود إلى أهلك؟ مساومة، لو قال: نعم أرضى لأطلقوه. ولكنه قال لهم: اسمعوا، والله لا أرضى أن يشاك بشوكة وهو في مكانه الذي هو فيه وأن أعود أنا إلى أهلي، فصلبوه! لكن قبل أن يصدر حكم التنفيذ، قال: اسمحوا لي أن أصلي ركعتين، فسمحوا له بذلك! والآن في سجونكم أيها العرب لو يطلب هذا والله ما يعطوه، لم؟ لأن أولئك كانوا من قديم وبقايا الفطرة السليمة موجودة فيهم، الصدق والوفاء والرحمة والولاء موجود فيهم، تناقلوه، ونحن شاخت الدنيا بنا نحن في آخر عمرنا! فلا تعجب.قال :اتركوني أصلي ركعتين، فتركوه يصلي فقام فتوضأ وصلى وخفف وما أبطأ؛ خاف أن يقولوا: انظروا الخوف من الموت كيف يفعل به! طول الصلاة خوفاً من ساعة الموت! قال: لولا أني خشيت أن تقولوا خاف من الموت فأخذ يطيل الصلاة لأطلتها كما كنت أطيلها وأصلي، لكن دفعاً لهذا الخاطر الباطل استعجلت. فرضي الله عن خبيب وأرضاه! ما سر هذا الصبر والشجاعة؟ يا معشر العقلاء إنه اليقين، ارتفع إيمانه إلى مستوى اليقين.وعندنا مظاهر أخرى: أصحاب الأخدود في نجران، تسرب إليهم الإيمان فآمنوا، وكان الحاكم يهودياً، فحكم عليهم بإحراقهم في النار، واقرءوا: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7]، فكان يؤتى بالرجل فيقال له: تعود إلى دينك وإلا تلقى في النار؟ فيقول: لا إله إلا الله، فيدفعونه إلى النار، ويؤتى بالمرأة فتسأل: تعودين إلى دين آبائك وأجدادك؟ فتقول: لا، آمنت بالله، فيدفعونها إلى النار! وجاء دور امرأة وفي يديها رضيعها ضمته إلى صدرها وفاه معلق بثديها، فلما وقفت ورأت النار ملتهبة خافت، كيف يحترق هذا الطفل؟ فتأخرت وأحجمت فأنطق الله الطفل الرضيع، وقال: أماه أدخلي من النار إلى الجنة دار السلام.

حلقات الذكر وتدارس كتاب الله هي طريق التغيير
آه متى نؤمن؟ متى نحصل على هذا الإيمان؟ ما الطريق يا أبناء الإسلام؟تعرفون الطريق أم لا؟ الطريق ما قررناه من سنتين أو ثلاث سنين! الطريق هو -اسمعوا! بلغوا! علموا- أن أهل القرية من قرى المسلمين سواء كانت في بلاد العجم أو العرب، القرية ذات العدد المحدود كذا مائة أو ألف نسمة يتعاهدون على أن لا يؤذن المغرب وفي القرية رجل أو امرأة خارج المسجد بأطفالهم ونسائهم! يشتغلون في الفلاحة.. في التجارة إلى الساعة السادسة مساءً، فإذا دقت الساعة السادسة أوقف العمل، وتوضأ، حمل زوجه وأطفاله ونسائه إلى بيت ربه العظيم الجليل، إلى بيت الرب، فيصلون المغرب وكأنهم نسمة واحدة، ولما يفرغون من صلاة المغرب وأداء السنة النافلة ركعتين يجتمعون حول مربٍ عليم يعلمهم الكتاب والحكمة من صلاة المغرب إلى العشاء وهم ساكنون سكوننا هذا يتعلمون الكتاب والحكمة، ويوماً بعد يوم والعام كله وأهل القرية بنسائهم ورجالهم لا يتأخر منهم أحد إلا مريض أو ممرض! أسألكم بالله كيف سيصبح إيمانهم؟ كل يوم يسقونه بماء النور الإلهي فينمو ويزيد فيبلغ درجة اليقين!وفي نفس الوقت لا يبقي كذب ولا خيانة ولا غش ولا خداع ولا سرقة ولا حسد ولا كبر ولا باطل ولا ترف ولا سرف ولا شره ولا طمع أبداً، تنمحي بهذا النور الإلهي وتصبح قرية كأنها كوكب في السماء تنير هذه الأرض! والقرية الأخرى والمدينة، أحياؤها الخمسة أو العشرة أهل كل حي يتعهدون ألا يتخلف رجلاً ولا امرأة من السادسة حتى يصلوا العشاء، ويحضرون كلهم وتغلق أبواب الدكاكين والمقاهي والمعامل، وترمى المساحي وآلات الحرافة، ويجتمعون كلهم في بيت ربهم، فيتعلمون ليلة آية وليلة حديثاً، يتعلمون الكتاب والحكمة، وتزكو أنفسهم وتطيب وتطهر فتتجلى حقائق الإيمان، وتظهر آيات اليقين فينتهي الباطل ويختفي الشر والخبث والظلم والفساد، ويصبحون أولياء الله لو رفعوا أكفهم إلى الله على أن يزيل الجبال والله لأزلاها، ولن يستطيع من على الأرض أن يكيدهم أو يمكر بهم وينجو؛ لأنهم في حماية الله؛ ولأنهم أولياء الله.هل هناك طريق غير هذا؟ والله لا وجود له أبداً، جربوا ما جربتم! الاشتراكية! الديمقراطية! الرأسمالية! العربية! الوطنية! جربوا الخرافات كلها.. المنظمات.. الأحزاب.. الجمعيات.. الطعن.. السب.. الشتم، وبعد دلونا على خير نراه! وسؤالي الآن: هل هذا أمر صعب مستحيل؟ هل هذا أمر تمنعه الحكومات الموجودة الآن في العالم الإسلامي؟ والله ما تمنعه، أقسم بالله، والله سيأتون ويجلسون معكم، ما إن تتجلى تلك الأنوار والحقائق وإذا بهم معنا، فينتهي الظلم، حتى الشرطة تنتهي، ما بقي لها مجال، فكلهم في المسجد! فهيا نطبق هذا؟ ستقولون: لا نستطيع. إذاً: لماذا تتعنترون وتكفرون الحكام وتخرجون عليهم وتقاتلونهم؟ من أجل ماذا؟ من أجل إيجاد الدولة الإسلامية؟ كم سنة وأنتم تقاتلون؟ أين هي؟ لن تكون هذه الدولة إلا إذا كان أفرادها من المؤمنين والمؤمنات.إياكم أن يقول لكم أبو مرة: اسمعوا هذا العميل هذا الذنب ماذا يقول ، والله ليسمعونها ويقولونها، وقالوها وهم أغبياء جهلة لا بصيرة لهم ولا نور ولا هداية.عرفنا أن اليقين هو السبب، أما إيماننا هذا فلا، ما يستطيع أن يترك معصية ألفها، تورط في ربا فلا يستطيع أن يتخلص منه، تورط في حشيشه ما يستطيع أن يتركها، تورط في عقوق أبويه وسبهما فيألف ذلك، ما استفاد، ليس هناك إيمان حقيقي ولا طاقة دافعة.

معنى قوله تعالى: (فأخذهم الله بذنوبهم)
يقول الله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بماذا؟ بِذُنُوبِهِمْ . الذنوب بريد العذاب! الذنوب هي التي تصل بالمذنب إلى عذاب الله في الدنيا والآخرة، هي التي تصل بالعذاب إلى أصحابه! هل تعرفون معنى الذنوب؟نحن مع إخواننا وأبنائنا العوام طول العام نقرب لهم المعاني ويفهمونه وتستنير قلوبهم، لما يجري أمامك حيوان هارب من أين تمسكه؟ من ذنبه. فلا تأتي من أمامه وتأخذه من رأسه، بل تمسكه من موخره، فالله عز وجل يؤاخذ عباده بذنوبهم! ولكن هل يكون هذا قبل أن يذنبوا؟ لا لا، لما يذنبوا يأخذهم بذنوبهم، قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ . والذنوب جمع ذنب وهي المعصية، وترك الطاعة لله عز وجل.وقد يسأل سائل: ما معنى المعصية وترك الطاعة يا شيخ؟ إذا قال لك الله: قف ووقفت أطعت، وإذا قال: اجلس وجلست أطعت، وإذا قال: لا تأكل البرتقال وأكلت عصيت، ما أكلت أطعت، فطاعة الله هي فعل المأمور به، وترك المنهي عنه. لم يؤاخذنا على هذا؟ لأن فعل المأمور يزكي أنفسنا ويطهرها ويسمو بها إلى السماء ودخول الجنة، ومعصيته بترك ما أمر بفعله أو اجتناب ما نهى عنه يخبث نفوسنا ويلطخها فتهبط إلى الدركات السفلى في عالم الشقاء، فهو يأمرنا وينهانا لصالحنا، فوالله ما أمر ولا نهى إلا من أجلنا! وهذا الأب يأمر ولده وينهاه لصالحه أم أنه يريد أن يعذبه؟ لصالحه! إذا نهاه عن مجالسة الضائعين وعن استعمال الدخان أليس من صالحه؟بلى. والله أرحم من الأب بابنه فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ، وإن شئت فقل بسبب ذنوبهم

معنى قوله تعالى: (والله شديد العقاب)
قال الله: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [آل عمران:11]، شديد المعاقبة قويها، يستطيع أن يقلب البلاد ظهراً على باطن، يصيب بالوباء فلا ينجو أحداً، يصيب بالزلازل فيفنون عن آخرهم، يصيب بدولة كافرة يسلطها على تلك الأمة فتذلها وتهينها شديد العقاب أي: عقابه قوي وقاس؛ لأنه الجبار العظيم.

تفسير قوله تعالى: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون...)
قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12] ، فوجه الله تعالى الخطاب لمصطفاه ولرسوله صلى الله عليه وسلم فقال: قل يا رسولنا أيها المبلغ عنا، قل لمن؟ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، الله أكبر! قم أنت الآن وبلغ أمريكا والهند والصين والعالم الكفري، قل لهم: والله لتغلبن ولتدخلن جهنم، وتمضي سنة الله فيكم، بلغ عن رسول الله.قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، بماذا كفروا؟ بالإسلام وأبو أن يعترفوا به دين الله، وما كفروا إلا للحفاظ على أموالهم وأولادهم ومناصبهم، وما كفروا إلا أنه يكلفهم بأن يصلوا ويصوموا ويتصدقوا! أذكركم! لما شاعت وراجت البلشفية الحمراء الشيوعية ووضعوا ذلك المبدأ العجيب الغريب، والذي استساغه البشر من غير أهل القرآن والسنة وهو: (لا إله والحياة مادة). من وضع هذا المبدأ؟ وضعه بنو عمنا اليهود، لا عامة اليهود والدراويش والبهاليل، بل رؤساء ورجالات المأسونية التي تدير دفة العالم في هذه الأيام! قالوا: كيف نهبط بالبشرية وخاصة الصليبين -أعداء اليهودية- والمسلمين؟ قالوا: نوجد لهم مبدأ ننسيهم الله، بالأدلة والبراهين (لا إله والحياة مادة فقط)، وراجت الفكرة ودرست حتى في مدارس بعض العرب، وأظن في الثانوية درسوا نظرية داروين ، وهي تقول: أن الإنسان أصله قرد! أعوذ بالله، أولاد حواء يتناسلون جيلاً بعد جيل خلال هذه القرون، يعرفون أمهم وأباهم فيأتي هذا بخرافة ويقول: أصلك قرد، ويصفق له الهابطون!!لا إله إلا الله! ما انقطعت البشرية قروناً وجاءت من جديد، والله ما انقطعت، من حواء إلى اليوم والبشر يلد بعضهم بعضاً، فكيف يسوغ بيننا أن أصل الإنسان قرد؟! ودفنوا القرد في الأرض وأخرجوا رأسه قالوا هو هذا!! فحاصرهم علماء أوروبا الصليبيون وأخذوا في جلسات خاصة يضغطون عليهم وقالوا وأخيراً: لو نقول: الله لقلتم صلوا، فلهذا لا نقول الله أبداً، فضاغطوهم وحاصروهم: من خلق الكوكب؟ الماء؟ من أنزل كذا؟ أين.. أين.. فشلوا. قالوا: تريدون أن نقول الله، إذا قلنا الله تقولون صلوا، ولذا لا نقول الله، فانكشفت سوءتهم وظهرت عورتهم، وإلى الآن في كل مكان لا ينكر الإسلام إلا المصر على الفسق والباطل والفجور ولا يريد أن يستقيم ولا يطهر، أما منطقياً وعقلياً فلا وجود لمانع أبداً يمنع الإنسان من أن يعترف بأنه مخلوق وأن له خالق وأنه أنزل كتبه وبعث رسله ليتربى ويكمل ويسمو! قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا قل يا رسولنا للذين كفروا سَتُغْلَبُونَ إي والله العظيم وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، وهذا تناول أولاً اليهود من بني النضير فقد انهزموا وتحطموا، وكذا من بني قينقاع وقريظة دفنوا هنا، وآخر المسجد كانت مقبرة لهم، سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، بئس المهاد مهدوه لأنفسهم، مهدوا وأوجدوا لهم عذاباً في عالم الشقاء.

تفسير قوله تعالى: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا...)
قال تعالى: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13] . قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ، أي: علامة كالشمس في رابعة النهار فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ، الفئة: الجماعة يفيء بعضها إلى بعض التقتا تلاقيا في ساحة المعركة. أين كان هذا اللقاء؟ والله في بدر. أي بدر؟ هذا ماء في طريق مكة، بئر الذي حفره يقال له: بدر، فسميت القرية به في بدر، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهي فئة محمد صلى الله عليه وسلم ورجاله أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وَأُخْرَى فئة ثانية كَافِرَةٌ جاحدة منكرة للخير والكمالات البشرية يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ من تدبير الله عز وجل لما بدأ السيف والرمح في بدر أن المشركين لما نظروا إلى أصحاب الرسول وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فقط نظروا إليهم وأنهم أضعاف منهم ، وقللهم في أعين المؤمنين، فالمؤمنون لما شاهدوهم وهم قرابة الألف قللهم الله فنظروا إليهم فكأنهم أقل منهم، حتى تحتدم المعركة وتسيل الدماء!إذاً: قد كان لكم آية على صدق دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، على صدق هذا الكتاب ورسوله من أن المشركين الكافرين سينهزمون وسيتحطمون وسيئول أمرهم إلى جهنم وبئس المهاد، ها هي آية انظروا إليها يا معشر اليهود في المدينة! لما انهزم المشركون في بدر، بنو قينقاع بدءوا يتبجحون وقالوا: اسمع يا محمد! لا تظن أننا كمن لقيتهم لا يعلمون ولا يعرفون القتال، لو قاتلتنا لعرفت من نحن، تبجحوا، فقال تعالى لهم: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [آل عمران:13] .‏

تأييد الله لعباده المؤمنين بالنصر على الأعداء
قال الله: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:13] منهم الذين يشاء الله تأييدهم؟ بيض أم حمر؟ أغنياء أم فقراء؟ دائماً أنبه السامعين والسامعات إلى أن مشيئة الله قائمة على الحكمة، من يشاء نصرهم؟ أولئك الذين قدموا لله قلوبهم ووجوههم وانتهت آمالهم في دنياهم وأصبحوا لا هم لهم إلا رضا ربهم، هؤلاء الذين أقبلوا على الله هم الذين ينصرهم ويؤيدهم، أما الذين قلوبهم ممزقة هذا ينظر للمرأة وهذا للمال وهذا للوظيفة وهذا للحياة وهذا كذا فهذا التشتت وأهله لا ينصرون، وليسوا أهلاً لنصرة الله. إذاً: تأييد الله يكون للمؤمنين الصادقين الذين أسلموا قلوبهم لله ووجوههم لله. كيف أسلم قلبي لله؟ أنزعه وأعطيه لله؟ ما معنى أسلموا قلوبهم لله؟ قال تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22]، وإسلام القلب لله: أن لا يتقلب قلبك طول العام ولا يدور إلا في طلب رضا الله، حركة القلب ودورانها من أجل الله، لا هم لي إلا أن يرضى الله عني، فهذا هو إسلام القلب لله، وإسلام الوجه فلا تبقى له وجهة يتجه إليها إلا رضا الله وطلب طاعته، فهؤلاء يهديهم الله وينصرهم.

الاعتبار بنصر الله وتأييده لعباده المؤمنين
قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13]، إن في ذلك النصر لأولياء الله والهزيمة لأعدائه عبرة!في هذه الأحداث الجليلة عبرة لأولي الأبصار والبصائر، فمن الآن عرفوا أن لا نصر إلا من الله، فلا يطلبون النصر من الشرق والغرب ولكن يطلبونه من الله، برفع أكفهم إليه بعد استقامت القلوب والوجوه، وبانطراحهم بين يديه، لا هم لهم إلا أن يرضى عنهم، ثم يتحقق النصر! ومن أراد أن يمتحننا يقول لنا: هيا نعود إلى بيت الله من جديد حتى ننمو ونسمو ونكمل أربع سنين فقط إذا دقت الساعة السادسة مساءً لا يبقى رجل ولا امرأة خارج المسجد، الكل يتعلمون الكتاب والحكمة أربع سنين والأمة كلها أولياء لله عز وجل، ومن ثم لو رفعنا أكفنا إلى الله ما ردها صفراً ولا خائبة.

لا حياة ولا هداية بدون القرآن
معشر المستمعين! عرفتم هذا الكلام كلام الله، هذا الذي كنا نقرأه على الموتى قروناً ولا يجتمع عليه ولا يدرس أبداً، ومن فعله كفروه، ووضعوا قاعدة مُرة: (تفسير القرآن صوابه خطأ) أي: إن فسرت وأصبت مراد الله فأنت مخطئ مذنب، (وخطأه كفر)، فكممونا وألجمونا قروناً!قتلونا؛ لأن القرآن هو الروح ولا حياة بدون الروح، القرآن هو النور ولا هداية بدون نور.وسرني أمس أن خطاباً وردني من بهلولة من الصالحات في ديارنا افتتحت الخطاب وتقول: الحمد لله الذي جعل القرآن روحاً لا حياة بدونه، وجعله نوراً لا هداية بدونه! فقلت: كيف وصل هذا الخبر واجتاز عشرات الآلاف؟ آمنا بالله، فحمدنا الله أن هذا الدرس مبارك، ونفع الله به في الشرق والغرب؛ لأنه كلام الله.نعم. لا حياة بدون القرآن ولا هداية بدونه، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فهل تطلب أمة حياة بدون القرآن؟ هل تحيا؟ تحيا كالقردة والخنازير ينزل بعضها على بعض، أما حياة الطهر والصفاء والمودة والإخاء والحب والتلاقي والتعاون فوالله لن تتم إلا على القرآن إيماناً به وحفظاً له ودراسة وتعلماً، وتطبيقاً وتنفيذاً لأحكامه! هل تريد أن تهتدي بأمتك أو بشعبك أو بإخوانك أو ببيتك إلى حب الله ورضوانه بدون القرآن؟ والله ما وصلته ولا ظفرت به، فالقرآن هو النور: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، سماه الله نوراً؛ فإن انعدم النور تتخبط في الظلام! والبرهنة على ذلك قاطعة! كيف سلط الله علينا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولندا؟ أين ممالك الهند الإسلامية التي حكمت المجموعات من التجار البريطانيين؛ لأنهم هبطوا؟ كيف يسلط الله على أوليائه أعداءه؟ هذا من شأن الله العزيز الحكيم! متنا سلبونا الروح وأبعدونا عن النور فهبطنا فركبوا على أجسادنا وإلى الآن نساق هذا المساق وننتظر يوماً لا تنزل فيه الكوارث والمصائب والويلات، ولا يكون إلا إذا استيقظنا وعدنا إلى الله! وقد يقول قائل: يا شيخ! كيف نعود؟ أمر صعب، مستحيل هذا؟ فأقول له: والله ما هو بصعب والله هو بمستحيل أبداً، فقط ساعتين من كل أربع وعشرين ساعة نبكي بين يدي الرب في بيته، نبكي يوماً بعد يوم فيرفع الله شأننا ويعلي قدرنا ويذهب آلامنا وأحزاننا.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:42 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (35)
الحلقة (176)

تفسير سورة آل عمران (38)


لقد أنعم الله عز وجل على أمة الإسلام بأن عصمها بالكتاب والسنة، فمتى ما تمسكت هذه الأمة بكتاب ربها وسنة نبيها حازت الفلاح في الدنيا، والفوز بالجنات في الآخرة، ومتى ما أطاعت أعداء الله الحريصين على إفسادها، فتنكبت طريق الهدايتين، وأعرضت عن سبيل النبراسين أصابتها سنة الله التي لا تتخلف فتاهت في سبل الضلال، وحارت في دياجير العماية والظلام.

التمسك بالقرآن الكريم هو سبب سمو أمة الإسلام وعلوها
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل.وقد عرفتم معشر المستمعين والمستمعات أن القرآن الكريم روح، وأنه لا حياة بدون روح، والقرآن الكريم نور، ولا هداية بدون نور، والماشي في الظلام لا يصل إلى غرضه ولا ينتهي إلى أمله، ولهذا كان الكتاب الكريم والحكمة المحمدية -أي: السنة النبوية-؛ كانا سلم رقي هذه الأمة، وكانا معراج رسولها إلى غاية كمالها. ‏

كيد أعداء الأمة وتآمرهم على القرآن والسنة
لعلكم تذكرون أن عدو هذه الأمة المسلمة تكون من اليهود والمجوس والنصارى، فلما انهزموا في المعارك؛ معارك السيف والسنان، عرفوا سبب سمو هذه الأمة وعلوها؛ وعرفوا سبب رقيها وسيادتها بعد طهرها وصفائها. فقالوا: إنه القرآن والسنة، فاحتالوا ونجحوا، فحولوا القرآن إلى المقابر والأموات، ومن إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً ومن عدة قرون لا يقرأ القرآن إلا على الموتى، وطلبة القرآن يحفظونه لهذا الغرض؛ ليقرءوه على الموتى.أما السنة فقد أبعدوها، وإن كانوا يقرءونها فللبركة.وقد قلت لكم: إنه كان في هذه الروضة النبوية الشريفة يجتمع أهل الغفلة ويقرءون صحيح البخاري بركة، لا لتعلم الحكمة، ولا لمعرفة الحلال والحرام، ولا الواجب والمندوب، ولكن للبركة، فقطعونا عن سلسلة وحبل وصولنا إلى السماء، وما زالت أمة الإسلام في غفلتها إلى اليوم.

استجابة الله لدعوة إبراهيم وإسماعيل في تعليم أمة الإسلام
القرآن الكريم هو كتاب الهداية، والسنة النبوية بيان لذلك الكتاب، وشرح هدايته وتفصيلها. وأذكركم بما قاله إبراهيم الخليل وولده إسماعيل وهما يبنيان هذه الكعبة، وإذا بهما يتقاولان الكلمات الآتية: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، وهذه دعوة إبراهيم وولده إسماعيل، وقوله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ ، أي: في ذرية إسماعيل قبل أن يوجدوا، ابعث فيهم ماذا؟ رَسُولًا مِنْهُمْ ومهمته ما هي؟ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .وتمضي القرون وتتوالى السنون، ويصبح لإسماعيل مئات الآلاف بل ملايين الذرية، واحتاجوا إلى رسول يعلمهم الكتاب والحكمة، فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبعث في ذريتهما محمداً صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس لأولاد إسماعيل يعلمهم الكتاب والحكمة ويهذبهم ويزكي أرواحهم.وامتن الله علينا بهذه النعمة في آيتين؛ في آل عمران وفي الجمعة، إذ قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]، ومن سورة آل عمران: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164].وسمت أمة الإسلام وعلت وارتفعت، وبلغت مستوى لم تحلم به الدنيا، ولم تعرف البشرية أمة أرقى ولا أسمى ولا أطهر ولا أصفى، ولا أعز ولا أكرم، ولا أعلم ولا أعرف من تلك الأمة، استجابة الله لدعوة إبراهيم وإسماعيل.
من مظاهر كيد الثالوث الأسود بالمسلمين


تحويل قراءة القرآن إلى الموتى دون الأحياء
عرف العدو المكون من المجوس الذين سقط عرش كسراهم، وأطفئت نار عبادتهم وتأليههم؛ ومن اليهود الذين خابوا وخسروا؛ وذهب أملهم في إعادة مملكتهم؛ ومن النصارى الذين خافوا أن يغمر هذا النور ديارهم؛ فتذهب تلك السيادة والكرامة لقسسهم ورهبانهم، فتضامنوا على إطفاء هذا النور.لكن كيف وصلوا إلى إطفائه؟ بالسحر؟ لا، بالسيف والرمح؟ لا، فما يستطيعون.قالوا: نميتهم، لكن كيف؟قالوا: إن روحهم التي سموا بها وارتفعوا بها وسادوا هي القرآن والحكمة المحمدية المبينة المفصلة الشارحة لكلام الله، فحولوا القرآن إلى المقابر وإلى ليالي العزاء، فإذا مات ميتنا نجمع مجموعة من طلبة القرآن يقرءون على ميتنا من أجل إنقاذه من النار، وتشترى الختمة الواحدة بألف دينار.وانعدم من يقول لأخيه: يا أخي! أسمعني شيئاً من كلام ربي. فلا يوجد هذا أبداً، ولا تمر بجالس في المسجد ويقول: يا أخي! إن كنت مساوياً له في السن، أو يا أبتِ! إن كنت أكبر منه، أو يا ولدي! إن كنت أصغر.. أسمعني شيئاً من كلام ربي.أسألكم بالله: هل حصل هذا فينا؟ ومن صرفنا عن القرآن؟هل بلغكم ما سمعتم، وقد رددت عليكم هذا القول لتحفظوه؛ قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر.أي: من يستطيع أن يقول: قال الله إذاً؟فإذا فسر آية وأصاب معناها أخطأ وارتكب خطيئة، ومن يقوى على ارتكاب الخطايا، وإن أخطأ في تفسيرها كفر، ومن يقوى على أن يكفر؟فألجمونا وكمموا أفواهنا، وما بقي من يقول: قال الله.إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ ماذا نصنع؟نعم أراد الله حفظه وبقاءه، فقالوا: نقرؤه ونحفظه لنقرؤه على الموتى فقط، وأما الأحياء فلا ينتفعون به.وهنا لطيفة عرفناها من أهل العلم: كان حاكم فرنسي في بلد إسلامي في شمال إفريقيا أيام استعمرتنا فرنسا، فاستبدل بحاكم آخر، وفرنسا كغيرها تستبدل الحاكم في الإقليم كل عام أو عامين، فجيء بهذا الحاكم يتجول في المدينة فعثر على الكتاتيب في المسجد يقرءون القرآن فتعجب، وجدهم جالسين على الحصر أو على التراب وفي أيديهم ألواح من خشب، وأقلام من قصب، ومظاهر الفقر والحاجة عليهم، فقال: ما هذا؟ قالوا: يتعلمون القرآن.قال: يتعلمون القرآن! هل أذنت لهم الحكومة؟ وماذا يريدون من هذا التعلم؟! أعجزت الحكومة عن فتح المدارس لتعليمهم وترقيتهم؟ ما عجزت، فإلى المدارس وأغلقوا هذه الكتاتيب فإنها لا تنفعهم. فلمس هذا الحاكم وخاف أن هذا القرآن يعيد الحياة لأمته فخاف.وألهم الله أحد المؤمنين فقال: يا سيادة الرئيس! أبكيت النساء والرجال وآلمت الأمة بقرارك هذا، فهؤلاء يقرءون القرآن من أجل الموتى، فإذا مات ميت يقرءون عليه القرآن، لا لأجل وظيفة ولا عمل ولا سياسة ولا.. فقال: لأجل هذا فقط ؟ قال: إي نعم، قال: إذاً: افتحوا الكتاتيب، فما دام القرآن يقرأ على الموتى فقط فخلوهم وحالهم.فهل عرفنا الطريق وعدنا إلى القرآن؟الجواب: ما زلنا والله يشهد.فهذا القرآن الكريم هو الروح التي بها الحياة، وقد فعل بنا العدو ما فعل وهبطنا.

تشويه ولاية الله في العباد
الكلمة الثانية التي نرددها وهي: من هم أولياء الله يرحمكم الله؟ سيدي عبد القادر ؟ سيدي العيدروس ؟ مولاي إدريس ؟ سيدي عبد الرحمن .. سموا أولياءكم.هؤلاء هم الأولياء؟ إي والله، فقط من مات وبني على قبره قبة ووضع على القبر تابوت من خشب، ووضعت عليه الأزر الحريرية، وأوقدت الشموع ليلة الإثنين والجمعة فهذا ولي الله، وهذا الذي يحلف به، وهذا الذي يستغاث به، وهذا الذي تساق له الأبقار والعجول، وهؤلاء هم الأولياء! فوضعوهم موضع الله عز وجل، فيحلفون بهم كما يحلفون بالله، والله ليجلونهم أعظم من الله، ويخافونهم أعظم مما يخافون الله.لكن: لم فعل الثالوث بهذه الولاية بهذه الطريقة؟ وما السر؟السر عرفت قول الله عز وجل في صحيح البخاري من طريق أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، وفي رواية: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته ) أي: أعلمته، ( بالحرب ) بيني وبينه، ومن يستطيع أن يؤذي ولي الله فيقول فيه كلمة سوء بشتمة أو عدم مبالاة.إذاً: ماذا فعل العدو؟سلبنا ولايتنا أيها الأحياء، ووضعها على الموتى، لم؟ من أجل أن يزني بعضنا بنساء بعضنا .. من أجل أن يسرق أحدنا مال أخيه المؤمن .. من أجل أن يكذب على أخيه المؤمن .. من أجل أن يضربه بعصاه أو ببندقيته.لعلي واهم! أسألكم بالله: ألا يوجد في ديار المسلمين زنا .. سرقة .. كذب .. خداع .. غش .. إزهاق الأرواح .. قتل المؤمنين .. إخافتهم؟!ولو كنا نعتقد أن هؤلاء أولياء الله، فإننا لا نستطيع أن ننظر إليهم فقط بنظر شزر، أو أن نكذب على ولي الله أو نسخر منه، أو نفجر بنسائه.ونحن كما تعرفون نستطيع أن نحلف بالله ولا نقدر على أن نحلف بسيدي فلان تعظيماً وإجلالاً له، حتى إن القضاة في بلاد العالم الإسلامي أصبحوا يُحلِّفون الخصوم بالأولياء ولا يحلفونهم بالله؛ لعلمهم أن هذا الإنسان يحلف بالله سبعين مرة ولا يبالي، ولا يقدر على أن يحلف بسيدي فلان.إذاً: أفقدونا ولاية الله، ونقلوها من الأحياء ووضعوها على الموتى، ومشينا وراءهم، وأكثر من سبعمائة سنة إلى ألف سنة ونحن هكذا؛ وإذا خرجت للسوق تجد هذا يشتم هذا، وهذا يسب هذا، وهذا يعير هذا.. ولا يقوى أن يقول في ولي كلمة، فترتعد فرائصه أبداً ولا يستطيع؛ لأن الولي ميت، وهذا الإنسان حي.وقد قلت لكم: إلى الآن باستثناء الذين سمعوا هذا الهدى؛ لو تسألوا رجلاً عن ولي في قريته فإنه لا يهتدي أبداً إلا إلى ميت، ولا يفهم أن في القرية ذات الخمسة آلاف نسمة بينهم ولي أبداً، ولا ولي إلا الميت المدفون.لكن هل في الإمكان أن نغير وضعنا أو لا نستطيع؟هيا نعود إلى الكتاب والسنة، ونعود إلى معرفة ولاية الله ونحققها في أنفسنا.

يتبع


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:42 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
كيفية اكتساب ولاية الله
ولاية الله تكتسب بشيئين فقط: الإيمان وتقوى الرحمن، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، وأحلف لكم بالله: كل مؤمن تقي هو لله ولي، فيحرم أن تنظر إليه بنظرة شزر، ويحرم عليك أن تمسه بأصبعك إهانة له أو إذلالاً، ويحرم عليك أن تنال من عرضه بكلمة، أو من ماله بفلس واحد، فهو ولي الله، فكيف تؤذي ولي الله! أما تخاف الله؟ ( إن الله ليثأر لأوليائه كما يثأر الأسد الحرب ) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم. فهيا نعود.معشر الأولياء! هل مرتبتكم واحدة أو متفاوتون؟التفاوت حاصل، ونحن رتب على طريقة الجيوش، فأول ما يدخل الشاب للعسكرية يقال فيه: عسكري، وعام عامين يرتقي إلى جندي أول، ثم ملازم، ثم ملازم أول، ثم رقيب، ثم نقيب، ثم عريف، ثم كذا، ثم جنرالا.وأولياء الله كذلك ليسوا بمرتبة واحدة بل يتفاوتون، لكن ما من مؤمن يتقي الله إلا وهو ولي الله، فيحرم عليك أن تناله بسوء، وإن أبيت إلا أن يعلن الله الحرب عليك فاستعد ولن تفلح ولن تنجح أبداً وأنت تؤذي أولياءه.إذاًً: أولياء الله حصلت لهم هذه المنزلة العالية بشيئين: الإيمان والتقوى. ‏

معنى الإيمان
ما الإيمان يا شيخ؟ هل الإيمان دعوى أن نقول: أنا مؤمن؟ لا.الإيمان اعتقاد جازم قاطع راسخ في القلب بوجود الله لا إله إلا هو ولا رب سواه، واعتقاد جازم قاطع بأن محمداً رسول الله، واعتقاد جازم قاطع بأن كل ما أخبر الله تعالى به أو أخبر به رسوله هو واقع كما أخبر، ويستحيل أن ينتقض هذا هو الإيمان، وهذه هي الطاقة الدافعة، وهذه هي القوى التي تحملك على تقوى الله، فإن ضعفت ضعف تقواك يا عبد الله.

آيات قرآنية تبين صفات أولياء الله
ومن باب تقريب المعاني للمستمعين نعرض عليهم شاشة قرآنية، وهم متعودون على شاشة التلفاز والسينما؛ شاشة قرآنية تشاهدون عليها أولياء الله، فمن رأى نفسه بينهم فليحمد الله وليقل: أنا مؤمن، ومن ظهر في زاوية واختفى في أخرى فليعلم أنه ضعيف الولاية، وليعمل على تحقيق ولايته يا ولي الله، ومن لم يجد نفسه بينهم والله ما هو بمؤمن.مستعدون تشاهدون أو لا؟اسمعوا من سورة الأنفال يقول الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه في الرد على الذين يدعون الإيمان وهم كاذبون، قال جل وعز وتأمل هذه الصيغة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي: بحق وصدق، لا بالادعاء والنطق: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، فإذا كان في يدك خاتم من ذهب استعملته للجهل وعدم العلم، ونظر إليك مؤمن فقال: أي فلان! أما تتق الله كيف تتختم بخاتم الذهب؟! فانظر إذا اهتزت عواطفك واقشعر جلدك وخشيت الله ونزعت الخاتم من يدك فأنت والله لمؤمن، وإن أنت لا قدر الله ضحكت أو سخرت واستهزأت فوالله لا إيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، أما أن يذكر الله فيضحك ويسخر ولا يبالي، ويواصل جريمته المتلبس بها، فوالله ما هو بمؤمن.ثم قال: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] فإذا قرئت عليه الآيات ارتفع منسوب إيمانه، فإذا كانت العقرب تشير إلى مائة وخمسين فإنه يرتفع إلى المائتين والزيادة.وعلى سبيل المثال: إذا قام قائم يعظنا ويذكرنا، ويطلب منا عملاً ما، وقرأ آيات الله عز وجل، فمن هش ورغب وأحب أن يعمل وأخرج من جيبه مطلوباً، دل ذلك على أن إيمانه ارتفع وزاد، وأن إيمانه موجود، والدلالة على وجوده ارتفاع منسوبه. وإن قرأت علينا الآيات أمراً ونهياً لنفعل كذا أو نترك كذا، ولم تحصل أي إجابة، ولا رغبة فينا أن نفعل ولا أن نترك..! فوالله من كانوا هؤلاء فليسوا بمؤمنين؛ لأن الذي أخبر بهذا الخبر هو واضع الإيمان في القلوب: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] فإذا ما ازداد الإيمان فليس بموجود، لابد وأن ينمو ويرتفع.ثم قال: وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] أي: يفوضون أمرهم إلى الله، ويقفون إلى جنب الله ولا يبالون بالحياة وما فيها من مهام أو آلام.تريدون صورة واضحة.تقول لأحدهم: يا سيد! أنت والحمد لله في خير وعافية، فلماذا تسمح لزوجتك تشتغل مع الرجال؟ أمن أجل الخبز والماء؟ فالله قد تكفل به، ودع امرأتك في بيتك تربي أولادك وتصون عرضك، وتزيد في كرامتك، وتسعدك بابتسامتها وتقديم حاجتك إليها، وهو خير لك من أن تتركها تشتغل مع البوليس أو مع الشياطين في فندق .. أو متجر .. أو كذا ..لكنه يقول: الحياة تطلبت هذا.فأين التوكل على الله؟ وأين تفويض الأمر إلى الله؟واضح هذه الصورة أو لا؟وقد قلنا لهم في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تزيدوا في تعليم بناتكم على الابتداء فقط، فتتعلم خمس سنوات وتصبح تعرف الله وما يحب وما يكره، وكيف تقدم له المحبوب وتبعد عنه المكروه، وتحقق ولاية الله لها، وما هناك حاجة إلى مدرسة ثانوية وجامعية.قالوا: المستقبل.وهناك فتاة دخلت المتوسطة أو الثانوية فغار أبوها وقال: أخرجوها، وأمها مطلقة من سنين، وأبت أن تسلم له بنته فهو بالطائف وهي بالمدينة، فاستدعاني كقريب لها وجلسنا في البيت ومن وراء الستار، فقلت لها: يا بنيتي! تعلمتي والحمد لله كيف تعبدين ربك وتتقربين إليه، فما هناك حاجة إلى هذا التعليم، فطريقه موصلة إلى الدمار والخراب.فقالت وراء الستار: مستقبلي يا بابا .. مستقبلي يا يابا.ومن علمها هذه الكلمة؟فقلت لها: اسمعي. هذه أمك تسمع، والله من زمن أمك هذه إلى وقت فاطمة الزهراء ما توظفت امرأة مع الرجال ألف وثلاثمائة سنة وزيادة، وأنتِ فقط: مستقبلي يا بابا! إن مستقبلك في بيتك مع زوجك وأولادك، وليس مع التحاكي مع الرجال وطلب الوظيفة.والشاهد عندنا: أين التوكل على الله؟فاترك بنتك في بيتك وقد تعلمت وعرفت خمس سنوات وحفظت من القرآن ما شاء الله ومن السنة ما شاء الله، وعرفت كيف تعبد الله، واتركها في البيت تساعد أمها على تربية أخواتها وإخوانها.لكن الشياطين أرسلهم الثالوث الأسود، وإن شئتم حلفت لكم بالله: إن ذلك الثالوث هو الذي حسن تعليم بنات المؤمنين والزج بهم في مدارس الكليات والجامعات ليفقدن الصلة بالله عز وجل.أين التوكل على الله واحجب ابنتك، وفوض أمرك وأمرها إلى ربك.والآن الذين توظفت نساؤهم استعاضوا عن النساء بالخادمات، لينظر إلى ما لا يحل النظر إليهن، ويجالسه وقد يأكل معه، فانمسخوا، ولم يبق إيمان ولا نور، فعرف هذا العدو وما عرفناه؛ لأننا هجرنا كتاب الله، وسيشكونا رسول الله إلى ربه: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30].إذاً أيها المستمعون بينكم متوكلون على الله لا على المحراث، ولا على القلم، ولا على الوظيفة .. على الله فلا نعصيه ونجاهر بالمعصية؛ إذ الأمر له وبيده.ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [الأنفال:3] تعرفون معنى يقيمون الصلاة بحق؟!فإذا قال المؤذن: حي على الصلاة، في منارة القرية أو المدينة، أخذ أهل القرية يلبسون ثيابهم، ويغلقون أبوابهم، وإذا بمظاهرة لم تعرف الدنيا مثلها، فأهل المدينة كلهم مقبلون على الله، ولم يبق دكان مفتوح ولا مقهى، ولا واقف بالباب ولا أحد.. فالكل إلى الله في خمس مظاهرات في الأربع والعشرين ساعة، ولم يتخلف إلا مريض أو ممرض.فهذا هو إقام الصلاة، وهذا هو الذي ينتج الطاقة ويولد النور في النفس؛ ليعرف صاحبها الطريق إلى ربه.ولكن هل هذا موجود في ديار المسلمين؟ الجواب: المؤذن يؤذن وهو يغني، والمؤذن يؤذن وهو يحلق في وجه فحل ولا يبالي. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [الأنفال:3] وإقامتها أن تقف على قدميها فلا تميل يميناً ولا شمالاً، وتؤدى في أوقاتها المحددة، وبالصفات والهيئات التي نزل جبريل فعلمها رسول الله والمؤمنين. وهذا مظهر من مظاهر الإيمان الحق.أما أن هذا يصلي وذلك لا يصلي، وهذا يصلي وهذا يغني .. فما أقيمت الصلاة.وأخيراً: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:3] فدائماً وأبداً مما رزقناهم ينفقون، فليس الإنفاق مرة في العام أو في الشهر، بل الإنفاق متواصل.فإن قيل: كيف ننفق يا شيخ ونحن كذابون، ودجالون، وسحرة، ومتلصصة وبعضنا يكذب فيقول: إنه جائع وهو شبعان، أو يقول: أنا مدين وهو يشتري الحشيش ويأكلها. كيف نصنع؟أقول: هذا يتلاءم معه ذلكم المنهج الرباني في أن أهل القرية يجتمعون في مسجد قريتهم بنسائهم ورجالهم كل ليلة وطول العام، وعلى مدى الحياة فيتعلمون الكتاب والحكمة، ومن ثم يكونون كلهم علماء صادقون صالحون بررة، فتنتفي كل مظهر من مظاهر الخيانة والكذب والباطل لتعلمهم الكتاب والحكمة.ويجعل صندوق في المحراب من حديد، ويقول المربي: معاشر المستمعين! من زاد ريال عن قوته اليوم يدفعه إلى هذا الصندوق، وهو بين خيارين: إما أن ينمى ويأخذ الفوائد المباركة أو يتركه فقط فماله محفوظ وعند الحاجة يتسلمه، وهذا الصندوق إذا مضى عليه ستة أشهر إذا به يفيض، فإن كان أهل القرية من أهل الزراعة أنشئوا مزرعة ربانية، مزرعة في المسجد، وإن كانوا في بلاد صناعية أنشئوا مصنعاً ولو لإنتاج الملاعق أو الإبر، وسوف يبارك الله في ذلك الصندوق ويدر ويجلب المال.ومن ثم فإن أهل تلك القرية هيهات هيهات أن تجد بينهم عارياً أو جائعاً أو مريضاً بدون علاج ولا دواء، فأمرهم واحد وكأنهم بيت واحد.هنا النفقة أنت تطلبها، وأنت تبحث أين تضعها، للتكاثر والتضامن الإيماني المؤمن أخو المؤمن، المسلم أخو المسلم.والآن تستطيع أن تنفق هذا؟ لا تستطيع، ولا تعرف المحل اللائق، فما عندنا صدق ولا وفاء ولا.. ولا.وأخيراً اسمع هذا الختم الإلهي: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4]. كيف حال أبنائنا إن شاء الله؟ وجدتم أنفسكم هنا، أو ظهرتم في مكان واختبيتم في آخر.إليكم شاشة أخرى، ولا تقولوا: الشيخ يشجعنا على السينما والتلفاز والفيديو!هذا فقط من باب أنكم عرفتم هذا، وإلا بيتك يا عبد الله لا توجد فيه شاشة تلفاز ولا فيديو.فإن قيل: لم يا شيخ؟أقول لك: أسألك وأجبني: هل وجود التلفاز في بيتك تعرض فيه صور العواهر والكافرين والمجرمين، ينتج لك يومياً عشرة ريالات؟والله ما كان.هل ينمي كل يوم صحتك وصحة أولادك؟الجواب: لا.هل يرضي عنك الله عز وجل؟الجواب: لا.هل يزيد في معارفك وعلومك الإلهية؟والله لا.إذاً النتيجة أن ترحل الملائكة من بيتك وتنزل منازل الشياطين فقط، وإذا نزلت الشياطين ورحلت الملائكة والله لينتشرن الخبث بين أهلك وأولادك، أحببت أم كرهت.لعلي واهم؟ والواقع واضح، فهبطنا والرسول يقول: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ).وإن قلت: أنا سياسي ومسئول عن الدولة! فاجعل تلفازاً في غرفة المكتب، واحضر ساعات تتلقى فيها لك ذلك قد تؤجر، لكن بيوت المؤمنين والمؤمنات ماذا يستفيدون من تلك المناظر والملاهي والأباطيل.أما قلت لكم: إن الأطفال تعلموا اللواط من طريقها؟ وتعلموا الفجور بواسطتها وهم صبيان.وزادتنا محنة الصحن الهوائي المسمى بالدش، وتكالب عليه إخواننا كأنهم لا يؤمنون بالله؛ إذ كم صحنا وبكينا؟ وصدر إفتاء من رجل ما تكتحل عين الوجود بمثله هذه الأيام، إنه مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز بحرمة هذا الفيديو. لكن البعض كأنه يتحدى وبعض السطوح فيها أربعة وخمسة صحون، وهذا يدل على إيمان مؤمنون! هذا خرافة.لكن تذكروا: أين ربكم؟ أين الله؟ بالمرصاد إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].وها هو رسول الله على المنبر يقول: ( إن الله ليملي للظالم ) الإملاء الزيادة في المال والمتعة والحياة ( ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )، وقرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].والمسلمون الآن ألف مليون في الشرق والغرب تحرروا، وفسقوا، فجروا، وفعلوا كل شيء، فهل أنتم آمنون؟ والله ما هي إلا إملاء لله وإمهالاً، ومن يعش سيذكر هذه الكلمة.أنعيش منحرفين عن طريق الله ونسلم، وتقولوا: سلامتنا وشهادتنا..؟ هيهات هيهات.ومن قال: دلل على ما تقول؟أقول: استذلنا الغرب وسادونا أو لا؟ حكمونا أو لا؟ وفعلوا بنا الأعاجيب أو لا؟كيف هذا ونحن مؤمنون؟الجواب: فسقنا عن أمر الله، وخرجنا عن طريق الله، وسنة الله من أكل السم هلك، ولا تتخلف السنن، فإذا خرجنا عن منهج الله نتحطم لا محالة، طال الزمان أو قصر.وأكثر المسلمين ظنوا أنهم لا يخافون الله، ماذا يفعل؟ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] يرصدنا، وفسر هذا رسول الله ( إن الله ليملي للظالم ) والظالم هو الذي ظلم نفسه فدلاها في مهاوي الشر والخبث والعفونة والفساد.إذاً: الآن عرفتم الطريق إن شاء الله؟ فهيا نحقق ولاية الله.
تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ...)


العصمة في الكتاب والسنة
الآية الكريمة ختمها تعالى بقوله: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] الآية التي نحن بصددها نصها الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:100-101].فإن قيل: يا شيخ! ما تتلى علينا الآيات ولا نسمعها، وما بيننا رسول الله!يا ويلنا إذاً! متى تتلى علينا آيات الله ويكون الرسول فينا؟ إذا اجتمعنا في بيوت ربنا اجتماعنا هذا، نقرأ كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] أي: من أين يأتيكم الكفر وأنتم في هذه المناعة وهذه الحصانة العظيمة ويتلى عليكم القرآن، وأنتم أحياء لتتعلموا الطريق إلى الله، وفيكم الرسول يبين ويشرح ويفصل.فالعصمة كل العصمة للأسرة والقرية والعالم الإسلامي في قال الله وقال رسوله، إما أن نخصص وقتاً في الأربعة وعشرين ساعة لنتعلم الكتاب والحكمة، لنزكو ونطهر .. لنسمو ونعلو .. لتنتهي مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد، وتتجلى مظاهر العلم والمعرفة والصدق والطهر والصفاء، إما وإما، ولا تفهم أنك حر تعمل ما تشاء، إنما أنت تحت النظارة.

الاعتصام بالله طريق الهداية إلى الصراط المستقيم
ثم قال: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] هذا خبر، والمخبر هو الله.ماذا يقول؟ يقول: وَمَنْ يَعْتَصِمْ أي: من رجل أو امرأة .. من عربي أو عجمي، في الأولين في الآخرين.. فـ(من) من ألفاظ العموم وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ ونعتصم بالله أي: بحبل الله وهو دينه، ومن يعتصم أي: يأخذ بيديه بشدة وبقوة، فلا ينحرف يميناً ولا شمالاً في عقيدته .. في عبادته .. في سلوكه .. وهذا الذي يعتصم بحبل الله فَقَدْ هُدِيَ من هداه؟ الله، إلى أين؟ إلى طريق الجنة إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: الطريق الموصل إلى دار السلام.عرفتم الآن لما حذرنا من موالاة الكافرين واتخاذهم قادة وهداة، فحذرنا من ذلك وأرشدنا إلى العصمة وهي أن نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله طول الحياة، وأخيراً قال واسمعوا أيضاً هذا الخبر: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ [آل عمران:101] أي: يستمسك بدينه .. بحبله الممتد من السماء إلى الأرض، فهذا العبد قد هدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى رضا الله وإلى الجنة دار السلام.ونعتصم بالله بأن: أولاً: يجب أن نعرف العقيدة التي شرعها الله وأحبها لنا، ثانياً: يجب أن نعرف العبادات التي شرعها وكيف نؤديها، وبعد ذلك يمكننا أن نستعصم ونعتصم، أما جاهل لا يعرف عن الله شيء، فكيف يستعصم؟وصلى الله على نبينا محمد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (36)
الحلقة (177)

تفسير سورة آل عمران (40)


إن طاعة المؤمنين لأعدائهم من الكافرين سبب لبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبعدهم عن هذين المصدرين سبب لضعفهم وذهاب ريحهم، وتسلط عدوهم عليهم؛ لأنهم إنما يقوون باتباع الكتاب والسنة، وتحكيمها في كل شأن من شئونهم الدنيوية والأخروية.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي التي سبقتها ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:100-103].

مخططات الأعداء في صرف المسلمين عن القرآن
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! عرفنا بتعريف الله لنا أن الذي يطيع فريقاً من اليهود والنصارى والمشركين والكافرين يردوه عن دينه، لكن الآية خصت أهل الكتاب: اليهود والنصارى؛ لأن اليهود لا يريدون أن يبقى الإسلام ولا المسلمون، يريدون فقط أن يبقى بنو إسرائيل، والنصارى لا يريدون أن يغمرهم نور الإسلام، يريدون الصليب ليسودوا على أممهم الجاهلة ويتحكموا فيها.وقد علم أهل الكتاب أن الإسلام روح لا حياة بدونه، ونور لا هداية بدونه، عرف اليهود والنصارى هذا معرفة يقينية. وقد قررنا -على علم- أن القرآن روح ولا حياة بدون روح، وأن القرآن نور ولا هداية بدون نور، فلما عرف أعداء الإسلام هذا صرفوا أمة الإسلام عن القرآن، ففقدت الروح فماتت، وابتعدت عن النور القرآني فضلت وما اهتدت، وقد علمتم -ولا يخالكم تنسون هذا- أنهم حولوا القرآن ليُقرأ على الموتى، فلا يجتمع اثنان تحت ظل شجرة أو جدار أو سارية في مسجد أو على حصير في بيت ويقول أحدهما للآخر: اقرأ عليّ شيئاً من القرآن. أبداً، وإنما إذا مات أحدنا يؤتى بطلبة القرآن يقرءون عليه ثلاث ليال، سبع ليال، أربعين ليلة.. بحسب غناه وفقره، لا أقل ولا أكثر.فلما أخذوا القرآن وحولوه ليُقرأ على الموتى ماتت وضلت أمة الإسلام، ومن ثَّم أمكنهم أن يسودونا ويحكمونا، ويتحكموا فينا من اندونيسيا التي حكمتها بلجيكا إلى موريتانيا والمغرب التي حكمتهم فرنسا، والشرق الأوسط بكامله لبريطانيا وممالك الهند. كيف حكمونا؟! كيف سادوا علينا؟! كيف ساقونا سوقَ البهائم؟ لأنهم أماتونا أولاً، أخذوا الروح القرآن، ولكنهم ما عرفوا أين يضعونه، فقد تعهد الله بحفظه، حاولوا أن ينتزعوا من القرآن كلمة: (قل) فقط وعقدوا مؤتمرات سرية لذلك فما استطاعوا.إذاً: ماذا يصنعون به؟ حوَّلوه ليُقرأ على الموتى فقط، وما زال المسلمون إلى الآن يقرءون القرآن على الموتى! حتى إن بغياً-زانية-في دار البغاء يُؤتى لها إذا ماتت بأهل القرآن يقرءون عليها في بيتها! وعليه فلا تسألني كيف هبطنا؟! كيف متنا؟! كيف سادنا الشرق والغرب؟! كيف عزَّ اليهود الأذلاء وذل المؤمنون الأعزاء؟! تطلب دليلاً؟ الآن علمتم، ولن يَرُدَّ هذا أحد على الأرض.

وصف الله للقرآن الكريم بأنه روح ونور
قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] أيسميه الله روحاً وهو ليس بروح؟! ممكن؟! مستحيل، أيكذب الله؟! لمَ لم يقل: وكذلك أوحينا إليك قرآناً؟ بل قال: روحاً؛ ليعلِّم البشرية أنه لا حياة بدون القرآن، ومن عاش بدونه عاش حياة البهائم، يأكل ويشرب وينكح، وكل آماله في ذلك لا تخرج عنه.وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8] أي نور أنزله الله؟ والله إنه للقرآن، فهو نور، فالذي حفظه، فهمه، عرفه، عاش عليه، لن يضل أبداً، لن يخطئ طريق الحق أبداً، ولن يتيه في متاهات الحياة والنور بين يديه.

كيد الأعداء للكتاب والسنة
إذاً: عرفتم ما فعل بنا أهل الكتاب؟ لقد أبعدونا عن مصدر حياتنا: الكتاب والسنة. وهل تذكرون أن السنة النبوية -وهي المفسرة للقرآن، المبينة لأحكامه، الشارحة لكلماته- في عصور الهبوط تُقرأ للبركة، يجتمعون في الروضة في المسجد النبوي يدرسون البخاري فقط حدثنا حدثنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ولا يسألون عن حكمٍ في الأموال، ولا في السياسة، ولا في الاجتماع، ولا في الحرب، ولا في السلم، ولا في الآداب، ولا في الأخلاق، ولا في العقيدة، ولا في العبادة، أبداً، يسمعون فقط، فإذا فرغوا رفعوا أيديهم يدعون ليحصلوا على بركة دراسة كتاب البخاري!أزيدكم: توجد مؤلفات ومصنفات في الفقه، في العقيدة، لا يوجد فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمَ؟ لأن العدو أراد أن يميتنا، وأن يهبط بنا لنساويه وننزل إلى الدرك الأسفل دونه، فعرفوا الحياة والنور فأبعدونا عنهما فضللنا في متاهات الحياة وإلى الآن.

دعائم الدولة القرآنية الإسلامية
يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] من يقول: لا يا رب؟! أعوذ بالله، إن الواقع شاهد، ثم لمَ لما استقل العالم الإسلامي عن مستعمريه في الشرق والغرب ما طبق شريعة الله؟ من يقف ويدلل ويبرهن؟إن قلت: قد جهلوها فكيف يطبقونها؟! قلنا: الدولة القرآنية الإسلامية تقوم على ثلاثة دعائم يعرفها النساء والرجال والصبيان والعلماء والجهال، وهي بعض آية فقط من القرآن الكريم، إذ إن القرآن الكريم يحتوي على ستة آلاف آية ومائتين وأربعين، كل آية علامة أكثر من الشمس تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وسميت الآية آية أو علامة -لا فرق بين آية وعلامة- لتدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، جاء ذلك في سورة الحج المدنية المكية، إذ بعضها مكي وبعضها مدني، جاء فيها قول الله عز وجل: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ما معنى: مكناهم في الأرض؟ سوَّدنهم، حكَّمناهم، أصبحوا حاكمين سائدين في الأرض. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ الذي عاصرناه مع آبائكم أيام استقلالاتكم، أنه إذا تم الاستقلال ماذا نصنع؟! حفلات الرقص، والاختلاط، وشرب الخمر، والكذب، والصياعة، فهذه هي حفلات الاستقلال!!وأنتم لا تعرفون لأنكم أحداث، لكن كبار السن يعرفون حفلات رقص الاستقلال، والله يقول: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] أي: أزمِّة الأمور بيد الله.فأيما إقليم يستقل عن الاستعمار، وتتكوَّن فيه دولة، هذه الدولة إن لم تقم على هذه القواعد الثلاث والله ما سعد أهلها، ولا طابت حياتهم، ولا كمُلوا، بل يسلبها الله في يوم ما من الأيام، فبلغوا أن هذا الشيخ الكبير في المدينة يعلن طول العام على أن محنة يقترب منها العالم الإسلامي وتقترب منه، وهي والله لأشد مرارة من الاستعمار، إلا أن ينقذنا الله بتوبة صادقة في أربع وعشرين ساعة، أمَا لو نستمر هكذا معرضين عن الله، عن ذكر الله، عن عبادته، نستحل ما حرم، ونستبيح ما منع، ونترك الواجبات، ونتخلى عن المسئوليات، وكأن الله لا وجود له، مع علمنا أن الله بالمرصاد: إِنَّ رَبَّكَ لَبِا لْمِرْصَادِ [الفجر:14]، أتعرفون الرَصَد؟ يجلس فيه الرجل ويطلع على كل ما يجري.وعليه؛ فإما أن يتوب المسلمون -في أي بلد- ويرجعون إلى الله، فيكتب لهم المناعة، ويسودهم ويعزهم، وإما أن تستمر الحال هكذا حتى تدق ساعة سنة الله تعالى، فلله سنناً لا تتبدل ولا تتغير لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123].

يتبع


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
حكم وفوائد إقامة الصلاة
ما المانع أن نعود ونحن قادرون على العودة؟! يصدر قرار حكومي، جمهوري، ملكي، سلطاني: أنه لا يتخلف عن الصلاة جندي عسكري ولا مدني، فإذا دقت الساعة وأذن المؤذن تقف الحياة كلها، وتُقبل الأمة على ربها-ولهذا خلقت-فإذا قضيت الصلاة انتشر المؤمنون في الأرض ينتجون ويوجدون ويصنعون، فوالله لو أقيمت الصلاة بهذه الطريقة لاختفى الظلم، والفسق، والفجور، والكذب، والخيانة، والشر، والفساد تلقائياً.ولنقرأ لذلك قول الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، وكأن سائل يقول: لمَ؟ ما فائدة إقامة الصلاة؟ فكان الجواب بالعلة: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] الصلاة إذا أقامها العبد أو الأمة من شأنها أو من خواصها أنها تمنعه من أن يأتي الفواحش أو يرتكب المنكرات، وعندنا مثل -نكرره- على ذلك وهو: لو مشينا في أي بلد إسلامي إلى المحافظ، أو مدير الشرطة والأمن، ونقول: يا سيادة الرئيس أعطنا قائمة بالجرائم التي ارتكبت في هذا الأسبوع أو في هذا الشهر، هذا زنى، وهذا سرق، وهذا ضرب أمه، وهذا لعن أباه.. وتُرفع القضية قطعاً للشرطة، فهي مدونة عندهم، فأعطانا القائمة، وأنا أقول لكم: والله لن تجد نسبة أكثر من 5% من أصحاب الجرائم من مقيمي الصلاة، و95% من تارك الصلاة ومن المصلين الذين ما أقاموا الصلاة، وهذا الكلام كررته أربعين سنة وزيادة، فهل وجد من نقضه فذهب إلى مدير الشرطة وقال: أعطنا قائمة بالمجرمين لهذا الأسبوع، ووجد أكثر من 5% من مقيمي الصلاة؟! إن سنة الله لا تتخلف، فالطعام يشبع أو لا؟ الماء يروي العطشان أو لا؟ الحديد يقطع أو لا؟ النار تحرق أو لا؟ الجواب: نعم، وإقام الصلاة سنة من سنن الله لن تتخلف، والمقيم للصلاة لا يأتي الفواحش ولا يرتكب المنكر.وإن سألت عن العلة سؤال فلسفة: إقام الصلاة عملية لتوليد الطاقة، عملية لتوليد النور، فهي كمولدات الكهرباء، إذا أُديت أداء صحيحاً في أوقاتها المحددة بشروطها وأركانها فلن تتخلف عن إنتاجها، بل تنتج النور يغمر قلب الإنسان، فيظهر على سمعه، على بصره، على لسانه، على جوارحه، والذي ما صلى من أين يأتيه النور حتى يعرف قبح الجريمة وسوء المنكر؟! والذي صلى وما أقامها حق إقامتها، وما حسَّنها فما ولَّدت وأنتجت؟! الفقيه يقول: صلاته باطلة، فمثلاً: صلى أحدنا المغرب ركعتين فقط، هل يقول له فقيه: صلاتك صحيحة؟! لا، وإنما يقول له: أعد صلاتك، فصلاتك باطلة، ولو أنه قال: أنا سأصلي المغرب أربع ركعات، فأنا في صحة وعافية، وقال: لمَ لا نزيد ركعة؟! فصلى المغرب أربع ركعات تفضلاً منه، فهل تجد فقيهاً يقول له: صلاتك صحيحة؟ لا والله، بل صلاته باطلة، فالفقيه يقول: باطلة، ونحن نقول الليلة ماذا؟! يا سامعيّ! ماذا نقول؟ ما أنتجت النور المطلوب منها، فهي عملية فاسدة، ما ولَّدت الحسنات، فيبقى القلب في ظلمة، وتنتشر الظلمة ودخنه على جوارحه، فيسمع الباطل ويرضى به، وينظر إلى الحرام ويتلذذ به، وينطق بالسوء ويجد له لذة وراحة، ويمشي على قدميه إلى الباطل ولا يتعجب؛ لأنه فاقد للنور، واسمعوا حتى أبرهن لكم: حديث البخاري، وهو حديث قدسي، أي: من كلام الله أوحاه إلى رسول الله، خارجاً عن القرآن، أي: ما هو في القرآن، وبالتالي فكلام الله: القرآن والحديث القدسي الذي يأتي به جبريل إلى رسول الله، أو يلقي الله في روع رسول الله فيفهم عنه، فهذا هو الحديث القدسي، وإليكم نصه:يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) يا ويح من يسرق أموال المؤمنين! من يفجر بنسائهم! من يسفك دماءهم! من يأكل لحومهم! من يحتقرهم ويزدريهم، أو يهينهم ويذلهم! على شرط أن يكونوا أولياء الله، أما إذا كانوا أعداء الله فافعل فلا حماية ولا مناعة، إنما هذه المناعة لأولياء الله تعالى فقط.والدليل على ذلك: أن قومك في بلادك لا يذكرون ولياً بسوء أبداً، ولا يستهينون به ولا بضريحه ولا بقبره، مع العلم أنه قد يكون ليس بولي، لكن استقر في أذهان المؤمنين على أن أولياء الله هم الذين ماتوا وضربت عليهم القباب، ووضعت عليهم التوابيت، ووضع عليها الأُزر الحريرية، ووقدت الشموع.. والآن لا ندري هل هناك شموع أو كهرباء؟ كنا نعرف إضاءة الشمع على قبر السيد ليلة الإثنين، ليلة الخميس والجمعة، وكأنه يبيت يقرأ على الشمعة! أمة هابطة، ميت تجعل له شمعة في قبره! ماذا يصنع؟ لا إله إلا الله! كالذي يضع له قصعة من الثريد! هل يأكل منها؟! ومثله الذي يقرأ عليه حزباً وحزبين من القرآن! هل يقوم يتفكر فيها؟! يتدبرها؟! لا إله إلا الله! وصلنا إلى هذا؟ إي والله.من فعل بنا هذا؟ إنه الثالوث الأسود المكون من اليهود والمجوس والنصارى، واسأل إذاعة بريطانيا عن هذا الثالوث الذي عزم على أن يطفئ نور الله؛ لأن هذا النور أضاء الدنيا، وهم يحبون الظلام ليعيشوا فيه، ما يريدون الحق ولا العدل ولا الطهر ولا الصفاء ولا الكمال.يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) أي: أعلنت الحرب عليه، فأسألكم بالله، هل الذي يحارب الله ينتصر عليه؟! هل ينكسر وينهزم ويتمزق؟ لا. وإن آذيت أولياء الله -طال الزمان أو قصر- والله لتتحطمن، فالحرب معلنة إلا أن تتوب، وهذا أمر مشاهد بالعيون.وقوله: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) فتح لكم الباب أيها الطلاب لتدخلوا إلى قصر الولاية فتتخرجوا منها أولياء أفضل من عبد القادر، وسيدي أحمد فقال: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء )، أي: يتزلَّف ويتملَّق حتى يحبه سيده، والعوام يعرفون هذا فيما بينهم، فإذا أراد أن يحصل على شيء من عندك يأتي إليك فيصلح لك نعلك مثلاً، أو يتقرب إليك، أو يشكرك، ويقول لك: أنت سيد، أنت كذا، سمعنا عنك كذا وكذا.. حتى يستميلك، ولكنهم لا يعرفون التملق إلى الله. ستقول لي: يا شيخ! علماؤكم ما عرفوا هذا حتى يعرفه العوام؟ فأقول: التزلف إلى الله والتملق ولو بذكره.قوله: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) لا أفضل من الفرائض أبداً، فيا من يريد أن يتملق إلى الله ليحبه ويواليه، الفرائض أعظم من النوافل بسبعين مرة، والغافلون يستهينون بالفريضة ويعبثون بها، ويتقربون ليلة كاملة بالنوافل وهي لا تنفع، ولذا فاعلم الفرائض، واعرف كيف تؤديها، واعرف أوقاتها وشروطها.. وتقرب بها إلى الله، فإنك ما تقربت بشيء أفضل منها.( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) تأملوا إماء الله وعبيد الله ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ) أي: بعد أداء الفرائض، ( حتى أحبه )، فإذا أحبك الله نم فالمخاوف كلهن أمان، إذا أحبك عصمك فلا يرضى أن تتلوث ولو بكلمة سوء، فإن الله طيب لا يقبل إلا الطيبين، إذا قربك وأدناك وأصبحت وليه حفظك من التلوث، بل لن تتلوث أبدأ.إذاً: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) كم سنة؟ كم شهراً؟ ما يزال يتقرب يوماً بعد يوم، شهراً بعد آخر، عاماً بعد عام ( حتى أحبه ).ونضرب المثل بالمعتاد، فقد بينا لكم في السابق أن ولاية الله أهلها يتفاوتون فيها، إذ إن كل الحاضرين أولياء الله، لكن مستواهم غير واحد.وقلنا: إن أصحاب رسول الله رضي الله عنهم ليس مستواهم واحداً، فـأبو بكر أفضلهم، ولكن الولاية ولاية، فمن آمن واتقى فهو ولي الله.كما ضربنا مثلاً بالرتب في الجيش، فهذا عسكري، وهذا ملازم أول، وهذا عريف، وهذا عقيد، إلى عشرة أو عشرين جنرالاً، عرفتم هذا أو لا؟ فهل بالإمكان أنك من أول أسبوع تدخل الجيش فتصبح جنرالاً؟ لا، إلا أن يشاء الله، فيهيئك تهيئة خاصة في أمر ما.قال: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ) يوماً بعد يوم ( حتى أحبه )، هنا أحببت أن أقول: من الجائز أن يُدخل عبد الله في طلب رضا الله وحب الله شهرين أو ثلاثة أو أربعة وإذا هو ولي الله، قد أحبه الله، وقد يعمل في هذا الشأن عشرين سنة حتى يظفر، وذلك لقصوره ولعدم أدائه هذه العبادات على وجهها، ولهذا قال: ( وما يزال -يوماً بعد يوم- يتقرب إليّ -أي: بأداء الفرائض والنوافل- حتى أحبه ) .وهنا معاشر المستمعين والمستمعات! من منكم يرغب أن يعرف هل أحبه الله أو لا؟ لو أجد من يخبرني أن الله يحبني لكدت أطير من الفرح؛ لأن من أحبه الله أمّنه، وحاشا لله أن يعذب أولياءه.أيها المتسابقون! أيها المتنافسون! هل منكم من عرف أنه أُحب أو لا؟ من يرغب أن يعرف؟ قولوا: كلنا، أو لستم في حاجة إلى هذا؟ نعوذ بالله.اسمع كلامه تعالى يبين لنا ويعرفنا الطريق، يقول: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به )، إذا وجدتَ نفسك يا بني أو يا أُخيّ لا تستطيع أن تسمع ما يغضب الله، وترتاح وتسعد لسماع ما يحب الله فاعلم أنك وصلت، وبالتالي فهؤلاء إذا سمعوا كلام الله، كلام رسول الله، كلام الحق، كلام الخير، كلام المعروف يرتاحون ويصغون ويسمعون ويطيب لهم المجلس، وإذا سمعوا كلمة منكرة، كغيبة، أو نميمة، أو أغان، أو أصوات عاهرات.. لا يستطيعون أن يجلسوا، وإنما يأخذون نعالهم ويخرجون، بل والله ليغلقون آذانهم، وكأنهم مدفوعون إلى هذا؛ لأن الله أحبهم، ومن أحبه الله لا يرضى له أن يلوث روحه بسماع الغيبة والباطل والكذب والسب، وهذه الحقيقة-والله-نسلٍّم بها كما علمتم.قال: ( وكنت بصره الذي يبصر به ) الولي أن ينظر إلى المؤمن فيرتاح، ينظر إلى أمه، إلى زوجته، إلى أولاده، إلى أقاربه.. فيسعد بالنظر إليهم، ولا يستطيع أن ينظر إلى امرأة لا تحل له؛ لأنه يشعر وكأن اللهب في وجهه، فلا يشعر إلا وقد طأطأ رأسه وأغمض عينيه، لأن الله أحبه، فلا يتركه يتلوث ويتلطخ بالآثام والجرائم وهو حبيب الله، وإنما يحفظه من ذلك، وجرب ذلك في نفسك، فإذا وجدتَ أنك لا تقوى على أن تسمع الباطل، ولا أن تنظر إلى الحرام، فاعلم أنك قُبلت من يوم ما أصبحت هكذا.قال: ( وكنت لسانه الذي ينطق به )، فملك الله سمعك فلا يسخره إلا في رضاه، وملك بصرك فلا يسخره إلا في رضاه، وملك لسانك فلا تستطيع أن تنطق إلا بما يحب، فتجلس مع أخيك-ولي الله-عاماً وعامين ما تسمع كلمة سوء أبداً، ما ينطق بها، من عصمه؟ من حفظه؟ إنه الله؛ لأنه تقرب إليه حتى قبله ورضي عنه وأحبه، فهنا يحفظه حتى لا يتلوث، وإن زلت القدم ووقع الشيطان عليه، ووضع عصابة سوداء على عينيه، وارتكب يوماً ذنباً من الذنوب، فإنه يلهم على الفور أن يستغفر الله، ويندم ويتألم ويحزن حتى يزول ذلك الأثر، وتبقى الولاية ثابتة.قوله: ( وكنت يده التي يبطش بها ) الأبطال يختطفون الفارس من على صهوة جواده على الأرض ويأخذون القنطار ويرفعونه، والله لا يستطيعون أن يتناولون بأيديهم كأس خمر، ولا يستطيعون أن يمسوه بأيديهم أو يلطمون وجه مؤمن؛ لأن يده ملكها الله، فلا يستخدمها إلا فيما يرضيه ويحبه ( وكنت يده التي يبطش بها )، فإذا ملك يدك سخرها فيما يحب لا فيما يسخط.قوله: ( وكنت رجله التي يمشي بها )، قد عرفنا أيام كنا مع العوام يعجز الرجل أن يمشي مائة خطوة إلى المسجد، فيصلي في بيته، لكن إن أُعلن عن حفل غناء ورقص أو عرس ووليمة، فإنه يمشي عشرة كيلو أو عشرين كيلو! فانظر العجب؛ لأن الله ما ملك رجله، وإنما ملكها الشيطان، فيدفعه إلى حيث يغضب الله جل جلاله، ولا يدفعه حيث يرضى الله جل جلاله.وأخيراً يقول الله تعالى: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني ) أي: طلب الحفظ ( لأعيذنه، ولئن استنصرني لأنصرنه )، وأعظم من ذاك وذا ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ) لا إله إلا الله! أبشروا يا أولياء الله، يعلم أن وليه يكره الموت وهو لا يريد أن يؤذي وليه، ولكن لا بد من الموت ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته )، هذا سبب التردد. إذاً: هنيئاً لكم يا أولياء الله. عرفتم الطريق إلى الولاية، فزكِ نفسك يا عبد الله وطيبها وطهرها بأنواع العبادات، فإذا طابت وطهرت قبلك الله ووالاك، وإذا مت أنزلك بجواره.أما الروح الخبيثة العفنة المنتنة بأوضار الذنوب، والآثام، والشرك، والكفر، والربا، والزنا، وقتل النفس، والغيبة، والنميمة، والحسد، والكبر.. فهذه الظلمات صاحبها ما يرقى إلى السماء، ولا ترفع روحه إلى الله.والدليل على ما نقول: قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فهذا حكم الله صادر علينا، فهل هناك من يعقب على الله ويبطل حكمه؟! أمَا قال في سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]؟ أيما قاضٍ يصدر قضاء أو حكماً قد يعقَّب عليه، قد يخطئ أو يجهل أو ينسى، أما الله فمن يعقب عليه؟! قَدْ أَفْلَحَ [الشمس:9] ما معنى: أفلح؟ التجار يعرفونه في تجارتهم، في مزارعهم، ألا وهو بمعنى: فاز ونجا من المرهوب وظفر بالمرغوب المحبوب. واسمع إلى حال أصحاب الأرواح الخبيثة التي سببها الكفر والتكذيب وعدم العمل بما تطهر عليه النفس، جاء في آية من سورة الأعراف ما ننساها: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]. وسم الخياط: الإبرة التي لها ثقب يدخل فيه الخيط، ذاك سم الخياط، فهل البعير أو الجمل الأورق يستطيع أن يدخل في عين الإبرة؟! مستحيل. إذاً: فصاحب الروح الخبيثة مستحيل أن يدخل دار السلام، إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40] يعني: لأرواحهم، فالروح لما تقبض يعرجون بها إلى السماء فتغلق الأبواب في وجهها وتهبط إلى الأسفل وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، الذين أجرموا على أنفسهم، فصبوا عليها أطنان الذنوب والآثام فنتنت وتعفنت، وما أصبحت أهلاً للملكوت الأعلى لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ أي: أغطية، فالنار فراشهم وغطاؤهم وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41] هذا جزاء الظالمين أرضاً، الذين ظلموا أنفسهم الطيبة الطاهرة وهم صبية وغلاماناً، فلما بلغوا وأصبحوا مكلفين أخذ يصبون عليها أطنان الذنوب والآثام ظلماً لها، فخبثت وأنتنت وتعفنت، فلن يرضاها الله ولا نحن أيضاً.والآن لو يجيئنا فحل يلبس ثياب ملطخة بالقيح والدماء، والرائحة المنتنة، فهل نفسح له في المجلس؟ لا، وإنما نقول له: اذهب يا نجس، اخرج، فكذلك دار السلام دار الطهر والصفاء، لا يدخلها -والله- إلا الطيبون الأطهار الأصفياء، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

الطريق إلى ولاية الله تعالى
معاشر المستمعين! هذه ذكرى لا ننساها، فلو قيل لنا: كيف نرجع إلى الله وقد غشينا الظلم والفسق والفجور، وخرجنا عن عبادة الله وطاعته، وتهنا في متاهات الحياة؟ ما الطريق؟ دلونا؟ تقولون على علم: لن تستطيع يا عبد الله أن تستقيم على منهج الله إلا إذا عرفت الله، وعرفت ما يحب وما يكره، وعرفت كيف تتملق وتتزلف إليه بأداء ذلك المحبوب، والبعد وترك ذلك المبغوض المكروه، فلا طريق إلا العلم، وكلمة إبراهيم وإسماعيل ما ننساها: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، فهل استجاب الله أو لا؟ نعم، استجاب في ذرية محمد وإسماعيل، وأصبحت تلك الأمة مضرب المثل في الكمال ثلاثة قرون، ثلاثة أجيال، ثم تسلط عليها الثالوث فهبط بها.فهيا نعد، فلا طريق إلا أن نعود إلى بيوت الله بنسائنا وأطفالنا، في جامع القرية أو الحي، وذلك كل ليلة من غروب الشمس إلى أن نفرغ من صلاة العشاء، فنحفظ آية من كتاب الله بعد أن نتغنى بها وتدخل كلها في قلوبنا، ثم يبين لنا المربي العليم الحكيم مراد الله منها، ثم العمل والتطبيق بها، يوماً آية ويوماً حديثاً، وعند ذلك سنة ويتغير وضع البلاد تماماً، ويصبح أهل القرية كلهم أولياء الله، حتى لو أنهم رفعوا أيديهم على أن يُزيل الله الجبال لأزالها.. على أن يدمر عدوهم لدمره، أما قال الله: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه )؟أرأيتم أهل إقليم -مدنهم وقراهم- قالوا: الآن نعود إلى الله، وعادوا إلى تعلم الكتاب والحكمة في صدق، وأخذوا يتعلمون ويعملون، سنة أو سنتين فقط، كيف يصبحون؟ لاشك أنهم سيصبحون أولياء الله كالملائكة، وتهجرهم الشياطين من الإنس والجن. وإن أردت التفصيل: فوالله ما يبقى فقر، ولا هون، ولا دون، ولا ذلة، ولا مسكنة، ولا ظلم، ولا خبث، ولا شر، ولا فساد أبداً.. يصبحون فاعلين، يبحثون في الأرض ويخرجون كنوزها، ويزرعون فينبت النبت، وتنزل بركات السماء بدون أن يتكلفوا شيئاً، فقط قالوا: نرجع إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحقق دعوة إبراهيم وإسماعيل، فيؤذن للمغرب فتأتي إلى القرية فلا تجد رجلاً ولا امرأة إلا في المسجد، دقت الساعة السادسة في المدينة فلا تجد أبداً إلا من هو يهرع إلى بيت الله، يتعلمون العلم الحقيقي: قال الله، قال رسوله، ويتدرجون في التطبيق والعمل، وبالتالي فمستحيل أن يبقوا فجرة أو فسقة أو مجرمين، سنة الله لا تتبدل.هذه هي الدعوة فقوموا بها، والعودة العودة والإنابة والتوبة الصادقة إلى الله.لما نجتمع في المسجد كلنا هل يبقى فينا من يقول: سامحوني أنا مالكي؟ هل سيوجد من يقول هذا الكلام؟ يستحي.هل سيوجد من يقول: أنا حنفي؟ هل يبقى من يقول: أنا زيدي؟ أنا أباضي؟! لا وجود لهذا، وإنما قال الله قال رسوله، أصبحنا أمة واحدة كما أراد الله، فالبعد عن الكتاب والسنة هو الذي مزقنا فرقاً وأحزاباً وجماعات. وهل يبقى بين الربانيين من يقول: هذا وطنه كذا وهذا كذا، وهم أمة واحدة؟!لا. يا حجاج بيت الله! يا وافديّ المسجد النبوي! هل علمتم هذا؟ ادعوا بهذا وبلغونا نزوركم، نزور هذه القرية التي إذا دقت الساعة السادسة أقبلوا على بيت الله، وهم مجتمعون بنسائهم وأطفالهم يتعلمون الكتاب والحكمة، ومن أراد أن يدلل نقول له: أهل قريتك أعلمهم بالله أتقاهم لله، أليس كذلك؟ بلى، فهل عرفتم علماء ربانيين زناة؟ لائطين؟ مرابين؟ خونة؟ والله ما كان، بل أعلمنا هم أطهرنا، فلا سبيل إلى الطهر والصفاء إلا هذا العلم فقط، العلم الجاد الصادق، نجلس في بيت ربنا نستمطر رحمته، ونطلب هداه ومعرفته، فاذكروا هذا ولا تنسوه.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (37)
الحلقة (178)

تفسير سورة آل عمران (42)


تقوى الله عز وجل سبب كل فلاح، فلابد للعبد أن يتقي الله حق تقواه، باتباع ما أمر به سبحانه، وما أمر به رسوله صلوات الله وسلامه عليه، واجتناب ما نهى عنه سبحانه، وما نهى عنه رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وبذلك يتحقق لهم الإيمان الحق الذي امتدحهم الله سبحانه وتعالى به في مواطن كثيرة من كتابه العزيز.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع نداء من نداءات الرحمن لأهل الإيمان، والنداء من سورة آل عمران، ونصه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103].

الحكمة من مناداة الله لعباده المؤمنين
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قد سبق أن علمتم-زادني الله وإياكم علماً-أن الله جل جلاله وعظم سلطانه لا ينادي عباده المؤمنين إلا لواحدة من أربع: إما ليأمرهم باعتقادي أو قولي أو فعلي، ما من شأنه أن يزكي نفوسهم ويطهر أرواحهم؛ لتستوجب رضاه والنزول بجواره، أو يناديهم لينهاهم عما من شأنه أن يُخبِّث نفوسهم، فيدنو من سخط الله وغضبه. وما ينهاهم عنه فقد يكون اعتقاداً باطلاً، أو قولاً سيئاً، أو عملاً فاسداً، إذ هم أولياؤه وهو مولاهم ووليهم، ولا يرضى لهم أبداً أن يتلوثوا، أن تتعفن أرواحهم فتصبح كأرواح الشياطين، فيلعنها بعد أن يسخط عليها، ويبعدها من ساحته، أو يناديهم ليبشرهم بما من شأنه أن يزيد في إيمانهم وأعمالهم الصالحة، أو يناديهم ليحذرهم، لينذرهم من مخاوف، من عقائد أو سلوك أو عمل، من شأنه أن يغضبه عليهم، وهم أولياؤه وهو وليهم، فلا يرضى لهم أبداً أن يخبثوا ويتلوثوا، أو يناديهم ليعلمهم العلم النافع لهم، ذاك العلم الذي هو نور يهتدون به إلى ما يحقق لهم إرضاء ربهم عز وجل عنهم، هكذا عرفنا فلا ننسى هذا.

نعمة الإيمان سبب لمناداة الله لنا
وشيء آخر يا معشر الأبناء والإخوان! ويا مؤمنات! من نحن حتى ينادينا رب السموات والأرض وما بينهما، الذي خلق الخلائق كلها، الذي أدار الأفلاك كلها، الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير، الغني الذي كل شيء مفتقر إليه وهو غني عما سواه؟! من نحن حتى ينادينا؟! كيف أصبحنا أهلاً لأن ينادينا؟! الجواب: إنها نعمة الإيمان، لما آمنا به وعرفناه، وأحببناه ورغبنا في جواره وما عنده أحبنا، ولذلك ينادينا ليأمرنا أو ينهانا، ليبشرنا أو ينذرنا، ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى معرفته والعلم به، فقولوا: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.

مناداة الله لعباده المؤمنين بأن يتقوه حق تقواه
نادانا في هذا النداء ليأمرنا أولاً: بتقواه عز وجل حق التقوى، نادانا بعنوان الإيمان؛ لأننا مؤمنون، والمؤمنون أحياء يسمعون ويبصرون، يعقلون ويفهمون، يقدرون على الأخذ والعطاء، على الفعل والترك، أما الكافر فهو ميت، وهل الميت ينادى؟! وهل إذا نوديَ يسمع؟ وإذا أُمر يفعل؟ وإذا نهي ينتهي؟ الجواب: لا، وإنما ينادى الحي.وقد تذكرون برهنة هذا وقد تنسونها، كيف تفرقون بين حياة المؤمن والكافر؟ هل تذكرون ما علمتم؟ أن أهل الذمة من أهل الكتاب والمجوس في ديارنا لا نأمرهم بالصلاة، ولا نأمرهم بالصيام، ولا نأمرهم بالزكاة، ولا نأمرهم بالحج، ولا نأمرهم بالجهاد، ولا بالرباط، ولا بالصدقات، لماذا؟ خوفاً منهم؟! أليسوا تحت رايتنا ونحن السائدون؟! لمَ لا نأمرهم وننهاهم؟ لأنهم أموات، أتأمر ميتاً؟! كيف يعقل هذا؟! فإذا نفخنا فيه الروح وحيي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله فمُره بالغسل يغتسل، مره بالصلاة يصلي، انهه عن الخمر وما يتعاطاه من المحرمات ينتهي؛ لأنه حيي، أصبح حياً بين الأحياء، أما وهو ميت فكيف نكلف الأموات؟! هل أدركتم هذه الحقيقة؟ برهنة كالشمس، والذي يرد عليك ويقول: ما هذا؟ كيف تفرق بين الأحياء وتقول: هذا حي وهذا ميت؟ فقل له: الحياة حياتان: حياة بهائمية لا قيمة لها، وأهلها كالأموات، بل هم أضل، وحياة حق، وهي حياة الإيمان والمعرفة، وهذه التي يُكلَّف صاحبها، وينهض بالتكاليف ويقدر عليها.

حقيقة الإيمان بالله تعالى وأصاف المؤمنين به تعالى
ما هو الإيمان؟ كل يدعي أنه مؤمن، فهل عرفت الله الذي آمنت به، أو تقول: هاه! لا أدري؟ كيف تؤمن بما لا تعرف؟! إن كنت آمنت فدلل وبرهن على إيمانك، وقد تعلمتم -زادكم الله علماً- آيتين واضحتين في القرآن الكريم، من أراد أن يمتحن نفسه هل هو مؤمن أو غير مؤمن فلينظر إلى آية في سورة الأنفال، وآية أخرى في سورة التوبة، فإن رأى نفسه تنطبق عليه تلك الآية مع مواكب المؤمنين فليبشر، وليهلل، وليكبر، وليحمد الله، وليقل: إني مؤمن، وإذا وجد غير ذلك فكيف يكون مؤمناً؟! وكيف يقول: أنا مؤمن؟! وأتل عليكم هاتين الآيتين لتشاهدوا بأنفسكم هل تنطبق فيكم أم لا؟الأولى: من سورة الأنفال، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، يا عرب! إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، هذه الصيغة ترد على دعاة الإيمان بالباطل، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2] بحق وبصدق لا بالادعاء والنطق، و(إِنَّمَا): أداة حصر وقصر إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] أي: يرتفع منسوب الإيمان عنده، وكأنه يشير إلى المائة والخمسين إلى مائتين وعشرين، على الفور، دلالة على وجود إيمان حي، وإلا كيف يرتفع؟! إذا تليت عليه الآيات ولم يرتفع منسوب إيمانه فهو ميت وغير حي، إيمانه جامد ليس بسليم ولا صحيح، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] فاللهم اجعلنا منهم، آمين. أجرح إخواننا، وهم مستحقون للجراح حتى يعالجوا أنفسهم، الذي يبيع المحرمات في مدينة الرسول توكل على الله؟! يقول: لولا بيعي لكذا وكذا.. ما حصلت على قوتي، ولا عشت! بالإجمال: المتوكل على الله لا يتعاطى ما حرم الله من أجل الخوف من الجوع أو المرض أو الموت، إذا أمره الله أو نهاه لا يبالي بمخاوف الشياطين وما تزينه أو توسوس به، ويصبر على ترك ما حرم الله، ذلك هو المتوكل على الله، الذي يفوض أمره إلى الله، إن عذبه حمده على التعذيب، وإن أسعده حمده على السعادة، اطرح بين يديه وفوض أمره إليه، إلا أن هذا يا أبنائي لا يتم لأناس ما عرفوا الله، كيف يتم لهم وهم ما عرفوه حتى يتوكلوا عليه؟! الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:3-4]، هذه الآيات من سورة الأنفال ما سمع بها المسلمون؛ لأنهم لا يقرءونها على الموتى؟! إذاً: كيف وجدتم أنفسكم يا أبنائي؟ هل انطبقت هذه الآيات على كل واحد منكم أم لا؟ من وجد ذلك فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فليسأل الله من فضله.الآية الثانية: من سورة التوبة، وذلك لما ادعى المنافقون ما ادعوه من الإيمان، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] بحق وصدق لا بالادعاء والنطق، و(أل) هنا للأصالة وللعراقة والمتانة في اللفظ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:71] بحق، وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، المؤمن ولي المؤمن، والمؤمنة ولية المؤمن والمؤمنة، ومن هنا سادهم الحب والولاء، فلا يكذب مؤمن على مؤمن، ولا يشتم أو يسب المؤمن المؤمنة، ولا يغش ولا يخدع ولا يهزأ ولا يستسخر ولا.. ولا.. فضلاً عن أن يتركه فريسة للعدو من الشياطين والإنس، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] النصرة الكاملة، والحب الشامل الكامل، فالذي لا يحب المؤمنين -والله- ما هو بمؤمن، والذي يخذل المؤمنين ويهزمهم ويعرِّضهم للمحن والإحن والبلاء؛ والله ما هو بمؤمن، والذي ينهك أعراضهم ويأكل أموالهم ويمزق كرامتهم ويهينهم ويدوسهم بنعاله؛ والله ما هو بمؤمن.وإن قلتم: يا شيخ! أمة المسلمين هذه حالها في كل مكان، فالجواب: ما عرفوا الله حتى يؤمنوا به، كيف يعرفونه وما سألوا عنه، ولا قرعوا أبواب العلماء، ولا نزلوا على عتبة أبوابهم يطالبونهم بمعرفة الله؟! يسأل أحدهم عن البصل والثوم، وعن الفحم واللحم، ولا يسأل عن الله! كيف يعرف الله؟! وقد عرفتم الدليل على معرفة الله: هو حبه له وخوفه منه، فالذي لا يحب الله ما عرفه، والذي لا يخاف الله والله ما عرفه، ماذا نصنع؟ هيا نتعلم، قالوا: ما نستطيع أن نتعلم! لمَ لا نستطيع أن نتعلم؟ هذا أمر أعظم من أي عظيم في حياتنا، لمَ لا نتعرف إلى ربنا حتى نحبه ونخافه؟!إذاً: وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:71] بحق وصدق، وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] الولاء والبراء سائدة في الأحزاب والجماعات والمنظمات! وحب المؤمنين لبعضهم البعض فريضة الله، إذ إن آية الإيمان وعلامته: نصرة المؤمنين لبعضهم بعضاً؛ لأن ذلك من أوجب الواجبات، وألزم ما يلزم يا عبد الله ويا أمة الله، أما أن يزني بعضهم بنساء وببنات بعض، ويسرق أموالهم، ويحتقرهم ويزدريهم، ويتكبر عليهم، ويحسدهم ويبغضهم و.. و.. و.. من هذه الفضائح، ويقول: نحن مؤمنون! أين الإيمان؟! أين الولاء؟! يقتل بعضهم بعضاً، ولا يستطيع أحد أن يقول: هذا باطل أو منكر، أو يدعوا إلى صلح أو مصالحة، أين الولاء؟! يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71] فلهذا تدخل قرية المؤمنين أو مدينتهم لا تسمع -وإن عشت بينهم أربعين سنة- بأن فلاناً زنى أو فلانة زنت، بمن يزني وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! كيف تزني هذه المرأة وهي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فلا تسمع أبداً بجريمة من الجرائم إلا نادراً؛ لفقدان وانطفاء نور الإيمان على العبد، فيحصل هذا مرة في زمانه، أما أن يعيش أهل البلد يزني بعضهم بنساء بعض، فهذا من المنكر العظيم، ولو أقص عليكم ما أسمع وما يسألونني تبكون الدماء، نسأل: أفي مدينة الرسول؟! ما هذا الذي حصل؟! ما هذه الانتكاسة؟! أردة بعد إيمان؟! أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! حتى الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يسخرون منهم، ويستهزئون بهم، ولا يلتفتون إليهم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هلاك الصالح والطالح إذا كثر الخبث
صاح أبو القاسم صلى الله عليه وسلم في عشية من العشايا لغبار وغيم وسحاب وعواصف ويقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتقول أم المؤمنين: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟! فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا كثر الخبث )، نعم نهلك وبيننا الصالحون إذا كثر الخبث، وهذا حديث صحيح، وقد وضع القواعد التي لا تنخرم على مدى الحياة، والخبث هو الغش، الخداع، الكذب، النفاق، الزنا، اللواط.. ماذا أقول؟ أي شيء هو خبث. ومع الأسف عرف هذا خصومنا، عرف هذا أعداؤنا، عرف هذا اليهود والنصارى، فعملوا على نشر الخبث في العالم الإسلامي، فخمَّت ديار العالم الإسلامي بالخبث، وندر الطهر فيها والصفاء، وهي تتأهل للفتنة العامة، والضربة الربانية، وهذا البلد الأمين، وهذه البقعة الطاهرة، تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يحكمون شرع الله، فتضايق الأعداء، وتململوا، وتحرجوا، كيف يصنعون؟ كيف يعملون؟ فعرفوا، ومددنا أعناقنا فهبطنا! من يوم ما أصبحت العاهرات تغني في بيوتنا عرفنا الطريق إلى الهاوية! هذا بيت مسلم تدخله فتجد رجلاً وامرأة ومعهم البنون والبنات وعاهرة تغني على شاشة الفيديو والتلفاز! أهذا البيت يُحتضن بالطهر؟! والله ما احتضنه الطهر.والعجيب-كما ذكرنا-أنك تجد هذا في مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد قلنا هذا وبكينا، فتمر بأسواق المدينة فتجد دكاناً من أعلاه إلى أسفله يحتوي على أشرطة أغاني، بل حول مسجد رسول الله قبل أن تهدم هذه المباني، كان هناك دكان يسمى بالديكور أو بالبلكور، من أعلاه إلى أسفله يحتوي على أشرطة أغاني، من يشتريها؟! من يغني في بيته؟ آلله أمر بهذا؟! لا والله، وهل الرسول سمح بهذا وهو الذي يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ) ويغضب ويتجلى الغضب في وجه الطاهر، فتعرف ذلك أم المؤمنين وتقول: أتوب إلى الله ورسوله، ويقول: ( أزيلي عني قرامَك يا عائشة )، وهي خرقة من الصوف فيها صورة منسوجة بالصوف على نافذة تُسْتُر بها بعض حاجتها. والآن خمَّت البلاد من الزنا والعهر والجرائم، ولولا هذه الدويلة-التي نسأل الله أن نموت ولا تموت-وهذا الظل والله لرأيتم -إن عشتم- العجب العجاب، مُسخت القلوب، انطفأ نور الإيمان، ونحن تائهون في متاهات لا ندري ما مصيرنا؟! فهيا نتب. كيف يتصور هذا في مدينة الرسول؟! في بلد الإسلام وشرعه ينتشر هذا الخبث بين الناس؟! جاءني إلى البيت مؤمن يبكي ويقول: أشاهد الرجال يدخلون على بيت جاري! ماذا أصنع؟ قلت له: علِّمه، انصحه، ابعث زوجتك لتنصح زوجته. وآخر يقول: كذا وكذا. وواحدة تقول: زوجي يعرف إحدى عشرة امرأة! ما هذا الخبث؟! كيف انتشر؟! بالسحر؟! والله ما له من أسباب سوى أننا فتحنا أبوابنا وقلوبنا للشياطين، والأغاني والمزامير والطبول، وما إلى ذلك وشيئاً فشيئاً حتى قست القلوب وماتت لدى أكثرنا، وسوف نذوق الألم والمرارة إن طالت الحياة بنا.

العلم النافع طريق إلى معرفة الله تعالى
هذا الله عز وجل يأمرنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] فهيا بنا نعمل على أن نتقي الله، قولوا للناس: اتقوا الله، وأولاً: عرفوهم بالله حتى يعرفوا عظمته، سلطانه، قدرته، وجوده، رحمته، ملكوته، ثم عرفوهم بمحابه، علموهم ما يحب ربهم وما يكره، وعلموهم كيف يفعلون المحبوب، وكيف يقدمونه له تملقاً وتزلفاً ليرضى ويحب، ولا يعذب ولا يشقي.عدنا من حيث بدأنا، ووالله ما هناك حيلة، لو يخرج عمر ما استطاع إلا من طريق: هيا يجب أن نتعلم.كيف نتعلم؟ المدارس والجامعات والكليات موجودة، فماذا تريد من هذا العلم؟ أين يُذهب بعقلك؟! قلنا: أين آثار تلك المدارس والجامعات والكليات؟! أين آثارها في مظاهر الحياة.. في العز والكرامة.. في الصدق والوفاء.. في الطهر والصفاء.. في المودة والرحمة والإخاء.. في الرغبة في الملكوت الأعلى؟! أين آثار ذلك؟! إن وجودها أصبح كعدمها؛ لأن العدو الذي رسم ووضع الخطط، وضع طلب العلم للوظيفة فقط، وأتحداكم أن تأتوا لي برجل -واسمحوا لي إن شئتم أو ادعوا علي- يقول لولده: يا ولدي! تعلم كيف تعرف ربك، تعلم كيف تعبد مولاك، تعلم كيف تحصل على رضاه، بل لا نجد إلا: تعلم لتكون كذا وكذا.. تعلم لتصبح كذا وكذا.. وهذا كان مع الذكور، والآن والله مع الإناث أيضاً، تعلمي لتكوني كذا وكذا.. فكيف نرتفع وقد لصقنا لصوقاً كاملاً بالأرض؟!

الطريق إلى رفعة هذه الأمة
بحت حلوقنا ونحن نردد هذه الكلمة، وملها الغافلون أيضاً، فأصبحوا لا يريدون سماعها: الطريق -إن أردنا أن نتعلم العلم الذي يرفعنا إلى الملكوت الأعلى، هو: أن يجتمع نساؤنا ورجالنا في بيوت ربنا، هذا الاجتماع على هذه الصورة في بيوت ربنا المتواجدة في كل حي وفي كل مكان من مدننا، نساؤنا وراء الستار، وأبناؤنا دونهن، وفحولنا -كأنتم- في الأمام، والمربين بين أيديهم، وفي ليلة يحفظون آية من كتاب الله، وليلة أخرى يحفظون حديثاً من أحاديث رسول الله، فيحفظون ويفهمون، وكلهم عزم وصدق في أن يعملوا بما علموا، فيعودون والأنوار تغمر قلوبهم وجوارحهم، وذلك كل ليلة وطول العام وعلى مدى حياتنا، ووالله الذي لا إله إلا الله غيره -ولا تقولوا: لمَ يحلف الشيخ كثيراً؟ أما ينتقد الناس الحلف؟ والجواب: الله يحلف، ورسول الله يحلف، إذ إن الحلف حتى يُقبل الخبر ويصدق، وهذا شأن الإنسان، إذا لم تحلف له لا تطمئن نفسه- لا يمكن لأهل بلد في العالم الإسلامي أن يعودوا إلى الطهر والصفاء، والولاء والمودة ولإخاء، إلا إذا سلكوا هذا المسلك الذي سلكه رسول الله والمؤمنون، فإذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، ولم يبق مقهى ولا مطعماً ولا دكاناً ولا متجراً ولا.. ولا..إلا أُغلق؛ لأن كل أهل المدينة أو القرية قد تطهروا، وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، يستمطرون رحماته، ويطلبون آلاءه وإنعامه وإحسانه إليهم، ويتعلمون الهدى، وعند ذلك والله ما تمضي سنة وما في القرية جاهل وجاهلة بربها، وإذا زال الجهل وحل محله العلم فلا تسأل عن الطهر كيف ينشر؟! وعن الولاء والمودة ولإخاء كيف يتم؟! فكل مظهر من مظاهر الباطل والسوء اختبأ، وإن شذ شاذ فالشاذ لا حكم له.وإن قالوا: نحن لا نستطيع على ذلك! قلنا لهم: كيف لا تستطيعون وأنتم تقتدون بالنصارى، وتعتزون بسلوكهم وبنظامهم وبديمقراطيتهم وبحضارتهم، وهم إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا العمل، ولبسوا أحسن ثيابهم، وأخذوا نساءهم وأطفالهم إلى دور السينما، إلى المراقص، إلى المقاصف، إلى الملاهي، إلى الملاعب، حتى نصف الليل أو ثلث الليل؟! استطاعوا هذا ونحن الذين نريد أن نسود الدنيا، ونقود البشرية لا نضحي بساعة ونصف! ونحن الذين نريد أن نخترق السبع الطباق، وأن ننزل بالملكوت الأعلى في الفراديس العلى؟! هذه المسافة كيف نجتازها؟ كيف نصل إليها؟ نشح بساعة ونصف نتعلم فيها هدى الله؟ أين يُذهب بعقولنا لو كنا عاقلين؟ لمَ العلماء لا يرددون هذا الكلام؟ هل أنهم لم يفهموه؟ لا، بل هو مكتوب علينا. جاء في سورة الأعراف قول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175]، من يأمر؟ الله، ومن المأمور؟ رسول الله، ومن المقروء والمتلو عليهم؟ نحن. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ [الأعراف:175]، كيف ينسلخ منها؟ هل كان يلبسها كالثوب؟! تعرفون الثعبان يا أهل الصحراء ينسلخ من ثوبه ويترك الأبيض نظيفاً، ويذهب هو أسوداً، فالآيات هي كتاب الله وسنة رسوله، والانسلاخ منها: وضعها على الرفوف، وعدم قراءتها ودراستها والعمل بها والتفقه بما فيها. فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] أي: أدركه، كان الشيطان خائفاً يوسوس من بعيد، ما يقوى على أن يصل إلى هذا القلب المعمور بالنور، فلما زالت الحصانة وانتهت المناعة -إذ كانت في كتاب الله وهدي رسوله-أصبح ذاك الإنسان أهْلاً لأن يركبه الشيطان، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175] والغاوي من الغي، أي: الوساخة، الكذب، الزنا، الربا، اللواط، الغش، الخداع، خلف الوعد، الكره، البغض، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]؛ لأن الشيطان هو الذي يغمسه في هذه الأغياء، فيعلمه الخيانة والكذب والفجور والباطل والشرك وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] لمَ هذه الآية ما يقرؤها العرب والمسلمون؟! هل لأنها لا تُقرأ إلا على الموتى أم أنها طويلة؟! وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ [الأعراف:176] بماذا؟ بِهَا [الأعراف:176]، أي: بالآيات، فهل هناك رافعة لأمة العرب من هبوطها وسقوطها غير آيات الله؟ والله لا رافعة لهم، فقد جربوا الاشتراكية وقالوا: اشتراكيتنا نوالي من يواليها، ونعادي من يعاديها، فتمزقوا وتمنطقوا أكثر من أربعين سنة، وبعد أين وصلوا؟! كذلك الجمهورية، أين آثار الجمهوريات؟ أصبحت نيراناً أحرقت من فيها، والآن يطالبون بالديمقراطية والعدالة! وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] ما هي الرافعة؟ آيات الله، هل سبق أن رفعت أو لا؟ نعم، سبق أن رفعت أمة العرب حتى أصبحت مضرب المثل في كمال البشرية، فقد كانت أمة جاهلة لاصقة بالأرض وثنية تعبد الأوثان، فرفعتها خلال خمسة وعشرين سنة فقط. وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، هذا هو الواقع، فأبناؤنا وبناتنا تعلموا لأجل الوظيفة والخبز، كل شيء للخبز. وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176] لا عقله ولا هدى الله له.إذاً: ماذا حصل؟ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176]، لو كنا لا نحفظ القرآن لقلنا: كيف أن القرآن فيه هذه الكلمة؟! فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176] من هذا؟ الذي انسلخ من آيات الله ومشى في ظلمة الحياة، فاستولت عليه الشياطين فأغوته وحطمت كرامته، وأصبح في هذه الوضعية كالكلب إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] بالتجربة، إن جريت وراء الكلب والعصا بيدك لهث وأخرج لسانه، وإن تركته تحت الشجرة والظل والماء بين يديه والله يلهث -شاهدناهم- فوالله لن ينتهي لهث العرب والمسلمين إلا إذا عادوا إلى الرافعة، لا فلسفة ولا باطل ولا.. ولا.. وإنما قال الله وقال رسوله، إيمان صادق، وقلب متفتح يريد الملكوت الأعلى.قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:102] لو كنا صادقين لقلنا: يا رب! كيف نتقيك؟ علمنا، دلنا. يقول: عليكم بعلمائكم يعلمونكم كيف تتقون الله، وإن شاء الله غداً نتعلم كيف نتقي الله تعالى.والله أسأل أن يتوفنا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (38)
الحلقة (179)

تفسير سورة آل عمران (43)


ولاية الله عز وجل هي أمل كل عبد من عباده، ومنتهى مطلب كل من على ظهر هذه البسيطة، وهذه الولاية لا تتحقق لكل أحد، ولا يدركها كل من تمناها، فقد اشترط الله على من أراد نيل ولايته أن يتقيد بعدة صفات، ويحقق عدداً من الخصال؛ ومن هذه الخصال أن يلتزم العبد تقوى الله عز وجل، وأن يلتزم جماعة المسلمين القائمين بأمر الله، وغير ذلك من الصفات.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا طلبنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هذا النداء الإلهي الكريم، وتلاوته بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103]. ‏

سر مناداة الله تعالى لعباده بوصف الإيمان
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! عرفنا فيما مضى أن هذا النداء يحمل ما يلي:أولاً: الأمر بتقوى الله عز وجل، فهيا نطع ربنا، أما نادانا بعنوان الإيمان لأننا مؤمنون فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:102]؟ فقلنا: لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، انه نجتنب، بشر نفرح، أنذر نخاف ونحذر، علم نتعلم، كلنا استعداد، وذلك لأننا أحياء، ولأن الإيمان روح وصاحبه حي، والحي يسمع ويأمر وينهى، ويمتثل ويترك لكامل حياته.

معنى قوله تعالى: (اتقوا الله)
قوله: اتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:102] ما معنى: أمره لنا بتقواه؟ أي: أن نتقي غضبه وسخطه وعذابه، وقل: اتقوا الله: خافوه، ارهبوه، اخشوه، ولازم ذلك أن تطيعوه.إذاً مرة أخرى: نتقي الله بطاعته فيما أمر، وفيما نهى عنه وزجر، إذ لا يمكن لآدمي أو جني أن يتقي عذاب الله وسخطه بدون طاعته عز وجل، فأطيعوه بفعل ما أمركم بفعله، وترك ما نهاكم عن تركه، والمأمور والمنهي يدور على أعمال القلوب والألسن والجوارح.إذا أمر الله بمعتقد -سواء استطعنا إدراكه وفهمه أو عجزنا لضعفنا- أمرنا أن نؤمن به، كأن يُخبرنا بأنه تعالى فوق عرشه، بائن من خلقه، وكأن يُخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة وينادي: ( هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه )، فنقول: آمنا بالله، ولا نقول:كيف ينزل؟! بل آمنا فقط، وذلك لعجزك يا ابن آدم، ولضعفك، ولعدم قدرتك على ذلك، إذ إننا قد عرفنا أن طاقاتنا محدودة، فالطاقة البدنية صاحبها يستطيع أن يحمل كيساً من الدقيق، وقد يعجز عنه آخر، كذلك الطاقة البصرية قد تبصر إلى مدى ستة أميال عشرة أميال، ثم يعجز بصرك فلا تستطيع أن ترى، أيضاً طاقة سمعك، فقد تسمع صوتاً ينادي من ثلاثة أميال من عشرين ميلاً، ثم تعجز فلا تستطيع أن تسمع، فكذلك عقلك يدرك في حدود محدودة، ولا يستطيع أن يدرك كل شيء، فإذا أمرنا الله تعالى بعقيدة فيجب أن نعتقدها ونعقدها في قلوبنا، سواء قدرنا على فهمها أو عجزنا، والمثال الذي ذكرته لكم واضح، فإذا كان الله ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر وينادي، فلا نقول: كيف؟! فالله أخبرنا، ورسوله يقول: ( إن الله ينصب وجهه لعبده في صلاته ) فإذا قلت: الله أكبر ودخلت في الصلاة، فالرحمن جل جلاله ينصب وجهه لك، وهو معك، فلا تقل: كيف؟! فهو يعلم السر وأخفى، يعلم نبضات العروق وتدفق الدم فيها، لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137]، أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: ( كان الله ولم يكن شيء قبله ) آمنا بالله.كذلك إذا أمرنا أن نقول قولاً فيجب أن نطيعه ونقول، ولو كان ذلك القول يتنافى مع أغراضنا، مع شهواتنا، مع أطماعنا، مع متطلبات حياتنا، قد أمر الله فأطعه، واتق عذابه بطاعته، فإذا نهانا عن قول أو عمل ينبغي أن ننتهي، إذ تقوى الله عز وجل تكون بالخوف والرهبة منه، والخوف والرهبة يحملان العبد على الطاعة، فالخائف يطيع، والذي لا يخاف ما يطيع.

الإيمان والتقوى طريق تحقيق الولاية لله
وأذكركم بشأن التقوى، فهي الخطوة الثانية في تحقيق ولاية الله عز وجل، فمن أراد أن يصبح ولياً لله، أو يمسي من أولياء الله، فعليه بالإيمان والتقوى، فالذين لا يتقون الله لا يصبحون أولياء الله أبداً، وهذا أمر مفروغٍ منه، وذلكم لما حفظتم وعلمتم من قول الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، فإذا رأيت العبد لا يخاف من غير الله، ولا يحزن لموت امرأة ولا ولد، ولا لفوات مال، فاعلم أنه ولي الله، لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا، ولا في البرزخ -أي: في الحياة بين الحياتين- ولا يوم القيامة، منفي عنهم الخوف والحزن، لكن أعداء الله هم محط الخوف والحزن في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. كأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب الذين قلت فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]؟ قد يقول لك العوام: سيدي عبد القادر، مولاي إدريس ، سيدي العيدروس! فهم لا يعرفون أولياء لله بين الناس أبداً، وإنما يعرفون أولياء الله الذين ماتوا وبنيت على قبورهم القباب، ووضعت عليها الستائر الحرير، وأنيرت قبورهم بالمصابيح، أولئك أولياء الله عندهم! أما أولياء الله الأحياء في الأسواق والمتاجر والمزارع فلا يعرفونهم أبداً.وقد تكرر هذا القول فبلغوه؛ لأنه لا يزال (95%) منا معاشر المسلمين! لا يعرفون أننا أولياء الله، وإنما أولياء الله -في نظرهم- الذين ماتوا وعُبِدوا من دون الله بالذبح والنذر لهم، والحلف بهم، والخوف منهم عند وجودنا أمام قبورهم، أولئك الأولياء حسب اعتقاد العوام، أما الموجودون على سطح الأرض، يبيعون ويشترون، ويحرثون ويحصدون، ما هم بأولياء! فهل هناك من يرد علي لعليَ واهم؟الجواب لا، لا يوجد، وقد عرفنا سر ذلك معرفة علمية يقينية، فقد أراد الثالوث الأسود، وأراد العدو أن يهبط بنا لنصبح دونه، فقنن هذه القوانين، وحصر ولاية الله في الموتى فقط من أجل أن يستبيح الأحياء دماء بعضهم بعضاً، وأعراض بعضهم بعضاً، وأموال بعضهم بعضاً، فترى المسلمين في القرية هذا يزني بامرأة أخيه، وهذا يسرق ماله، وهذا يسبه ويشتمه، وهذا يتكبر عليه ويترفع فوقه، وهذا يزدريه ويحتقره، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، من هذا مع ولي من أولياء الله ما يقدر على أن يقول في ولي: يا كذا.. ممن ماتوا وبنيت عليهم القباب، فهل فهمتم هذه وبلغتموها أو ما زلنا نبكي فقط؟هيا نسافر إلى دمشق، أو بغداد، أو القاهرة المعزية، أو كراتشي الباكستانية، أو اسطنبول، وبمجرد ما ننزل من الطائرة وندخل المدينة، أول من يقابلنا من أهل البلاد نقول له: يا سيد! جئنا لنزور أحد أولياء الله في هذه المدينة، فمن فضلك دلنا على ولي، والله -إن لم يكن حضر في هذه الحلقة وعرف- لا يقودونا إلا إلى قبر، ولا يفهم أن في كراتشي ولياً بين الناس، ولا في اسطنبول ولا في بغداد ولا في دمشق ولا في مراكش، اللهم إلا الذين بلغتهم هذه الدعوة، وقد انتشرت ففهموا، أما أولئك فلا يفهمون وجود ولياً بين الناس، ولهذا وجد الشتم، والتعيير، والتلصص، والسرقة، والخيانة، والزنا، والفجور، فلا إله إلا الله! لو كانوا مع أولياء الله يفعلون هذا؟! أحدهم ما يستطيع أن يحلف بالكذب بولي من أولياء الله.فهل عرفتم من هم أولياء الله؟ الجواب من رب الأرباب، إذ قال في بيان ذلك: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].

يتبع


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
التحذير من إيذاء أولياء الله تعالى
احذر يا عبد الله! احذري يا أمة الله! أن تؤذي ولياً من أولياء الله ولو بكلمة شر، أو نظرة شر، أو كلمة قاسية، وما أجمل أن تدخل سوق المؤمنين وتخرج، وتدخل مساجدهم وتخرج، فلا تجد من يسب أخاً له، أو يشتمه، أو يعيره، أو يحاول أن ينال منه شيئاً من ماله أو جسمه أو عرضه؛ لأنهم أولياء الله، فمن يؤذي ولي الله والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الأسد الحرِب )؟! فهل الذي يعرف هذا يعتدي على ولي الله؟! يسخر منه؟! يستهزئ به؟! يمكر به؟! يفجر بامرأته؟! والله ما كان.إذاً: تنال ولاية الله بأمرين اثنين: الإيمان، والتقوى الدائمة المتجددة المتكررة، إذ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] يتقون من؟ الله؛ حتى لا يغضب ويسخط عليهم، أو يمحو اسمهم من ديوان أوليائه.كيف نتقي الله يا أبناء الإسلام؟ نتقيه بطاعته، بالإذعان له، بالتسليم له، إن قال: آمِن، قلت: آمنت، قال: قل، قلت، قال: قف، وقفت، قال: سر، سرت، فهذا هو الإيمان، وهذه هي التقوى.

سؤال أهل العلم لمعرفة ما يحب الله وما يكره
بالأمس نبهت وعلَّمت وقلت: الذي لا يعرف أوامر الله ولا نواهيه، أسألكم بالله هل يتقي الله؟ لا، كيف يتقيه؟! فلابد من معرفة كل ما يحب الله، وكل ما يكره الله، من الاعتقادات والأقوال والأفعال، بل والصفات والذوات أيضاً؛ لأن هناك صفات يكرهها الله، لا يحب لعبده أن يتصف بها، كالخيلاء ومشية التكبر.وبالتالي فكيف نستطيع أن نعرف محاب الله ونستوفيها، ونعرف مساخط الله ونجمعها، فنصبح عالمين بما يحب ربنا وبما يكره؟ هل يحصل هذا بالمنام؟ بالتمني؟ أسألكم بالله بم يحصل؟يحصل بالطلب، فاطلب تجد، وحسبك أن تسمع قول الله في كتابه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] (فَاسْأَلُوا): فعل أمر، أيأمرنا ولا نلتفت إلى أمره؟! كفرنا به، أم تكبرنا عليه، أم ماذا أصابنا؟! أليس هذا أمره؟ يا من لا يعرف محاب الله، يجب أن تسأل أهل العلم عنها حتى تعرفها، يا من لا يعرف مساخط الله، اسأل أهل العلم حتى تعرفها فتتركها حتى لا تُغضب الرب عليك.هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون رسول الله؟ ، نعم، فهذا ابن مسعود وقف في الصف وقال: ( يا رسول الله، أي شيء أحب إلى الله؟ قال -جواب العالم-: الصلاة على وقتها -أحب شيء: الصلاة على أول وقتها- قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين )، فأصبح ابن مسعود يبر بأبويه، يؤثرهما على نفسه، يجوع ولا تجوع أمه، يعرى ولا يعرى أباه، ( قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله )، فما نودي إلى الجهاد إلا كان في وسط الصف، يسأل أو لا؟ والرسول نفسه يعلمهم بالسؤال فيقول: ( ألا ) تعرفون: (ألا)؟ ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله ) أي: نبئنا، أخبرنا، لمَ ينبئهم بأكبر الكبائر؟ ليجتنبوها، وحتى يحققوا تقوى الله لهم، ( بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله ) فلم يبق أبداً ممن سمعوا من المؤمنين والمؤمنات من يرضى بأن يشرك بالله ولو في كلمة، والشرك بالله يكون باعتقاد وجود من يخلق أو يرزق أو يدبر أو يحيي أو يميت أو يعطي أو يمنع أو يضر أو ينفع في هذه الأكوان، فلا يصرف عبد الله ولا أمته عبادة الله لغير الله ولو بانحناء.كثير من شبيبتكم أيها المؤمنون! ومن أحفادكم وأولادكم يقبل يد أبيه أو الشيخ، هكذا، ويسجد، يُقبَّل وهو فحل أطول منك! فهل يجوز هذا؟ هل هناك من يستحق أن يُسجد له على الجبهة والأنف سوى الله؟ والله لا أحد، فالركوع لا يكون إلا لله.ومن المؤسف: أن أبطال الكرة -والعياذ بالله- لما ينتهي اللعب ويريدون أن يتفرقوا يركعون للشيطان! ومع الأسف فيهم من يزعم أنه مؤمن. أرأيتم كيف يركعون للشيطان؟!آه! لا يحل لمؤمن يؤمن بالله ولقائه أن يصرف عبادة من العبادات لمخلوق من مخلوقات الله يحمل العذرة والبول العفن في بطنه، فكيف يركع له ويسجد؟! كيف ينحني له؟!وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سيد البشر، والله ما رضي أن يُسجد له، جاء أحدهم من أهل الشام، وأراد أن يفعل كما يفعل مع حكامه ومسئوليه، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )؛ لما له عليها من حقوق، ولكن لا سجود إلا لله.

حكم الحلف بغير الله
الحلف بغير الله، هذا الشرك الواضح بيننا وضوح الشمس والقمر، ثلاثة أرباع المسلمين يحلفون بحق فلان وسيدي فلان، وكأن هذا ليس من الشرك أبداً، بل يحلف بالله سبعين مرة ولا يبالي، ولا يستطيع أن يحلف بولي من أولياء الله الموتى، وقد كررت هذا القول على علم لتنقلوه، فقد حدث أيام الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا، أنه أخذ بعض القضاة يحلَّفون الخصوم بالأولياء ولا يخلفونهم بالله! وسألناهم فقالوا: إذا قلنا له: احلف بالله، فإنه سيحلف سبعين مرة ولا يبالي، وإذا قلنا له: خذه إلى سيدي فلان وليحلف عنده يرتعد ويخاف! مع أن الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول في جامع الترمذي: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ( من حلف بغير الله فقد كفر ). وبينا لكم كيف الشرك؟ وفيم أشرك؟ في عظمة الله، تلك العظمة مخلوق من مخلوقات الله؛ لأن أصل الحلف هو تعظيم المحلوف به وإجلاله وإكباره؛ لما له من سلطة وقوة وقدرة وجناب عظيم، فإذا حلفت بمخلوق فقد أعطيت مما هو لله لهذا المخلوق، وأشركته في العظمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أشرك هذا المخلوق في حق الله، في عظمة الله، ولعلكم لا تعلمون أن الفطرة البشرية في الجاهلية أنه لا يحلف إلا بشيء عظيم، فلا يحلف بالشيء المهان كالقط والكلب وما إلى ذلك، وإنما يحلف بما هو عزيز وعظيم، ومن هنا من حلف بغير الله فقد أشرك في عظمة الله وجلاله وكبريائه.وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد كفر )، فقد قلت لكم وعلمتم أن الكفر معناه: الجحود، التغطية، الستر، فمن حلف بغير الله فقد غطَّى الله وستره وجحده، حتى حلف بغيره، لو تجلى له الله عز وجل ما يستطيع، كيف يحلف بغيره؟ فمن حلف بغير الله فقد كفر الله، وجحده، ولو ما جحده لمَ لا يحلف به؟! وكيف يحلف بغيره وهو يؤمن به؟! وماذا نصنع مع هؤلاء؟ نقول لهم: توبوا، قولوا: لا إله إلا الله.إذاً: لابد من معرفة ما نتقي الله تعالى فيه، وهو أوامر ونواهي جاءت في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن لم يعرف تلك الأوامر ولا تلك النواهي -والله- لن يكون ولياً لله، ولو طار في السماء ونحن نشاهد، أو غاص في الماء ونحن نبصر، والله ما هو بولي لله أبداً، تذكرون هذه أو نسيتموها؟ قالت الحكماء: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علَّمه. أي: إذا أرادك الله ولياً له وأنت جاهل علمك، كيف يعلمك؟ يعطيك ذكاء فارطاً، فلا تسمع كلمة إلا تحفظها، يبعثك إلى حِلق الذِكر ويدفعك دفعاً، يبعث بك إلى أبواب العلماء فتقرع الباب وتسأل حتى تتعلم، فهو يعلمك بالإيحاء الخاص، لا أنك بنبي.

طريق تعليم المؤمنين محاب الله ومكارهه
ما هو الطريق لتعليم المؤمنين والمؤمنات محاب الله ومكارهه؟ هل هي المدارس والمعاهد والكليات والجامعات؟! حقاً هي وضعت للتعليم، ولكن صرفناها لغير الله، وقد قلنا لهم: اتركوها لدنياكم، اتركوها لتعليم الصناعات ومهن الحياة، وأما تعليم محاب الله ومكارهه فإنه لا يتم في غير بيوت الله عز وجل، إذ الآتي إلى المسجد لا يرجو شهادة يظفر بوظيفة بها، ولا سمعة ولا شهرة يرتفع بها، وإنما يجيء فيتململ ويطِّرح بين يدي الله في بيته يتعلم محابه ومساخطه، ليحب ما يحب ربه، ويكره ما يكره ربه، وليعمل المحبوب ويقدمه لمولاه، ويبتعد عنه المكروه والمبغوض له. يا علماء الإسلام! أين أنتم؟ ماتوا.. سبحان الله! أين علماء الإسلام؟ كأنني قاربت الموت، فلهذا ما أصبحت أخاف، أين العلماء؟ لا وجود لهم أو غطيتموهم؟ كذا شهراً بل سنة ونحن نقرر هذه الحقيقة، لن نعود إلى الصراط السوي والطريق المستقيم لنكمل ونسعد إلا إذا عدنا إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن يجتمع نساء ورجال القرية وأولادهم في جامعهم الذي بنوه باللبن والطوب، بالخشب والشجر أو بالحديد والاسمنت، يصلون المغرب ويجلسون جلوسنا هذا، النساء وراء، والأطفال دونهن، والفحول أمامهم، ويجلس لهم عالم رباني، يعلمهم ليلة آية من كتاب الله، وأخرى حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك لن يبقى مذهب ولا فرقة ولا طائفة ولا جماعة؛ لأن أهل القرية أصبحوا كنفس واحدة، فقد أخذوا يتعلمون: قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، في العقيدة، في العبادة، في الآداب، في الأخلاق، في المعاملات، فلا تمض سنة إلا وهم أولياء الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله على أن يزيل جبلاً لأزاله، فيصبحون في حماية الله، من عاداهم أعلن الله الحرب عليه، فمزقه وشتت شمله وأهلكه، ولا يكلف هذا المؤمنين شيئاً، فلا يوقِف مزارعهم ولا متاجرهم، ولا يوقِف أعمالهم أبداً، فكل البشر إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل وأقبلوا على اللهو والباطل والأكل والشرب، والمؤمنون عرب وعجم في قراهم ومدنهم أولى بهذا أو لا؟ ولا سبيل إلى توحيد أمة الإسلام، وجمع كلمتها وقلوبها، وإطفاء نار التحزب والخلاف والفتنة بينها إلا هذا الطريق، أحببنا أم كرهنا.ووالله لن يسعد حكامهم، ولن تطيب حياتهم، ولن يشعروا بطمأنينة ولا سلام ولا سعادة إلا على هذا المنهج، من يرد عليّ؟ يا أهل البصائر قولوا، عندنا مثل: يا أهل القرية الفلانية! نسألكم بالله من هو أتقاكم لله، فلا يسرق ولا يزني ولا يكذب ولا يخون؟ الجواب: أعلمنا، أو في هذا وهم؟! في أي مكان أعلم أهله أتقاهم لربه؟ لمَ؟ لأنه عرف الله وعرف ما يحب وما يكره، وعرف ما لديه لأعدائه ولأوليائه فاتقى الله، أما أن تأمر جاهلاً بتقوى الله فلن يتقي الله؛ لأنه ليس أهلاً لتقوى الله.

دور العلماء في تعليم الناس ما يحب ربهم ويكره
ما زلنا ننادي: يا علماء الإسلام هيا! والله لولا المسجد النبوي لرحلت إلى قرية أو حي من أحياء مدينتنا وناديت في أهل الحي: أن اجتمعوا، هاتوا نساءكم، هاتوا أبناءكم، نصلي المغرب ونجلس إلى صلاة العشاء فنبكي بين يدي الله ونتضرع له، نتعلم هداه، نتعرف إلى محابه كل ليلة، وانظر إلى ذلك الحي كيف يزدهر، كيف تطيب النفوس وتطهر القلوب، ويتم الإخاء والمودة والحب، اتركوا أبوابكم مفتوحة طول الليل، من يأتيها؟ ما هناك من يجيب! ماذا نصنع؟وشيء آخر قلته غير ما مرة: حتى في البلاد التي فيها الحكم العسكري والضغط و.. لما يشاهد المسئولون اجتماع القرية في مسجدهم على هذا النور، والله لأتوا وجلسوا معهم واطمأنوا، واستفادوا أموالاً كثيرة يصبحون في غنىً عنها؛ لأن هذا التجمع في الله ينتهي معه الفقر المدقع، إذ إن العامل ناشط مبارك العمل، فينتهي الإسراف والشهوات والبذخ، والخبز والزيت كافيان، فلا نريد البقلاوة والحلاوة، ويتوفر الثياب واللباس، وتستريح الدولة، فهل ما نستطيع أن نفعل ذلك؟ يا علماء! أين الكتاب المفتوح إلى علماء المسلمين وحكامهم، إلى مسئولي أمة الإسلام علماء وحكام؟ بمن البداية؟ بالعلماء أو بالحكام؟بالعلماء، والحكام يكفيهم مهمتهم، ولذا لابد أن العلماء هم الذين يقرعون أبوابهم، ويقدمون الهدى لهم، فهذا كتاب مفتوح كأنما وزعناه على القبور إلى الآن! سنة إلى الآن؟ هذا في فاتح المحرم، والله سنة، كأنما نشرناه على قبور الموتى، ما بلغنا أن عالماً حاول هذه الحركة بأدب واتصل بالمسئولين وقال: نجمع إخواني في هذا المسجد ولا.. ولا.. لا في الشرق ولا في الغرب، لا في العرب ولا في العجم، أبداً، كأن هذا الكلام باطل، أو خرافة، أو ضلالة، أو يجلب بلاء، أو يسوق إلى فتنة، والله لا ذاك ولا ذا، ما هو إلا أن نعود إلى الله؛ لنطهر ونصفوا ونكمل ونسعد، وينتهي الخبث من ديارنا، وينتهي الشر والفساد؛ ليظهر الحب والولاء، وينتهي كل مظهر من مظاهر الضعف والهبوط، إذا السُلَّم للرُقي هو ما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].

معنى قوله تعالى: (حق تقاته)
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]، قال العلماء: حق التقوى: أن يذكر الله فلا ينسى -وها نحن نذكره ولا ننساه- وأن يشكر فلا يكفر -له نعمة، ولو خيط في إبرة، ما من نعمة إلا والله مسديها والمتفضل بها، لما تفتح وتنظر تقول: الحمد لله، أنا نظرت بفضل الله- وأن يطاع فلا يعصى، لا في أمر أوجبه ولا في نهي حرمه.وهنا جاءت آية من سورة التغابن خففت عن نفوس المؤمنين، وهي قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] اتقوا الله بالقدر الذي تقدرون وتستطيعون عليه، فمن أراد أن يحمل كيساً يحمل، فإن عجز تركه، ولا يقول: أنا ما أستطيع، لا، أولاً: قم طاعة لله واحمد، فإذا أراد أن يصوم ما يقول: ما أستطيع أن نصوم، وإذا أذن الظهر عجز أفطر، لما يعرف أنه اتقى الله في حدود طاقته، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فهذه كالمخففة لعموم هذه الآية، وما قاله العلماء نعيش عليه، نذكر الله فلا ننساه، ونشكره فلا نكفره، ونطيعه فلا نعصيه. وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (39)
الحلقة (180)

تفسير سورة آل عمران (44)


لا تزال أمة الإسلام بخير، ولا يزال الدين في منعة، ما اعتصم المسلمون بحبل الله المتين، وما كانت كلمتهم واحدة ورأيهم غير مختلف، وقد امتن الله على عباده من أمة الإسلام أن جمعهم على كلمة الحق، فكانوا بنعمته إخواناً، وأن أنقذهم من ظلمات الضلال والكفر وهيأ لهم الهداية والرشاد، وكل هذا من آيات الله التي يهتدى بها المهتدون.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل -القرآن الكريم- رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن ما زلنا مع هذا النداء الإلهي من سورة آل عمران عليهم السلام، وتلاوة هذا النداء بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103].

مناداة الله لعباده بأن يتقوه حق التقوى
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نادانا الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه فكان هذا شرفاً لنا وإلا فمن نحن؟ وما نحن حتى ينادينا ملك الملوك، ذو الملك والجبروت، المحيي المميت، الذي يضع الأرض في كفه ويطوي السموات السبع في أخرى؟! لكنها منة الله علينا حيث رزقنا الإيمان به وبلقائه وبكتابه وبرسوله وبقضائه وبقدره فحيينا، أي: أصبحنا أحياء نسمع ونبصر وننطق ونأخذ ونعطي لكمال حياتنا، فلما أحيانا نادانا: يا أيها الذين آمنوا، فأجبناه: لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، انه نترك، بشر نفرح، أنذر نحذر، علم نتعلم، هذا استعدادنا معشر الأحياء، أما الأموات فأنى لهم ذلك، وهذا النداء الكريم اشتمل على ما يلي: أولاً: على الأمر بتقواه عز وجل حق التقوى، وعرفنا -زادنا الله معرفة- أن الله يُتقى عذابه وسخطه وغضبه بطاعته وطاعة رسوله، فيا من يريد أن يتقي عذاب الله فلا ينزل عليه، وغضب الله وسخطه فلا يكون عليه، أطع الله ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. كما عرفنا أن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله تكون بفعل الأوامر المستلزمة للوجوب، وبترك النواهي المستلزمة للتحريم، فبهذا يُطاع الله ورسوله، وبهذا يتقى الله جل جلاله وعظم سلطانه.

طريق معرفة أوامر الله ونواهيه
وهنا بكينا وقلنا: ما هي أوامر الله؟ وما هي نواهيه؟ ما عرفنا؟ ماذا نصنع؟ ما نستطيع أبداً أن نطيعه في شيء ما عرفناه، فتقرر عندنا أنه لابد من طلب العلم، ومن أعرض ولوى رأسه وأبى فمصيره معروف، من أعرض أعرض الله عنه، لابد من معرفة أوامر الله ونواهيه، والطريق إلى ذلك سؤال أهل العلم، إذ قال تعالى في آيتين من كتابه العزيز من سورة النحل والأنبياء: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] والمراد بالذكر: القرآن الكريم، فمن سأل وعلم عرف واتقى الله، ومن لم يسأل لم يعرف، وإذا لم يعرف كيف يتقي الله؟! مستحيل.

مصير المسلمين عند جهلهم بأوامر الله ونواهيه وإعراضهم عن شرعه
لو نظرنا إلى أمة الإسلام ذات الألف مليون -مضت عليها قرون- لوجدنا خمسة وتسعين في المائة لا يعرفون أوامر الله ولا نواهيه، إذاً كيف يتقون الله؟! كيف يتقون نقمه وعذابه وبأسه؟! ومن ثم سلط الله عليهم أعداءه وأعداءهم فسادوهم، وحكَموهم، وأذلوهم، وتحكموا فيهم، وأهانوهم، وأخرجوهم عن دائرة الكمال، وما زلت أقول: إن العالم الإسلامي لينتظر ساعة من أسوأ الساعات وأشدها؛ لأن الله تعالى مكَّن لهم في الأرض فأبوا أن يعبدوه، وأعرضوا عنه وعن كتابه وذكره، وغرتهم الحياة الدنيا بزخارفها، وقد كررنا القول: أين ربكم؟ بالمرصاد، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]. إذاً: فالعالم الإسلامي تحت النظارة، وفي إمكانهم أن يعلنوا عن وحدتهم في أربع وعشرين ساعة، والصوت يدوي فيدخل كل بيت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وهذا كان متعدياً ومستحيلاً فيما مضى، لكن الآن في إمكانهم أن يجتمعوا على كتاب واحد يدرسونه، كلهم رجالاً ونساءً في العالم الإسلام بأسره، ولا مشقة في ذلك، بل في الإمكان أن يبايعوا إماماً لهم -الله أكبر إمامنا فلان- وإذا بالأمة الإسلامية تحت راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله، وأسهل من أكلها البقلاوة وشربها الشاي، فقط تسلم قلوبها ووجوهها لله، وتصبح بلاد المسلمين حقاً بلاد المسلمين، لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، كما في إمكانهم أن يطبقوا شريعة الله -فيزول الجهل ويظهر العلم- فيجتمع علماء الفقه ليضعوا الدستور الإسلامي في أربعة أيام، وفي أربعين يوماً يُطبع منه مئات الآلاف، ويوضع في يد كل حاكم ويقول لمسئوله: طبقوا شرع الله، وهذا كان مستحيلاً في القرون الماضية، ولو فعلنا ذلك فإننا سنطير في السماء كالملائكة، فما المانع أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله تعالى حتى تنتهي الفوارق، فلا عنصريات ولا تحزبات ولا مذاهب ولا تجمعات، وإنما مسلم فقط؟إن هذا الخير متوفر والمسلمون معرضون، فماذا عسى أن يكون مستقبلهم؟ أهملهم الله، إن لله سنناً، صدقت يا أبا عبد الله، قال: أمهلهم، إي نعم، إن الله يمهل ولا يهمل، وكأننا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على منبره ذاك يخطب في المؤمنين، ثم قال لهم: ( إن الله ليملي للظالم ) يزيده ( حتى إذا أخذه لم يفلته )، وقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، ما المراد بالقرى؟ العواصم، الحواضر، ما يقول: البادية، إذ البلاء في المدن، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102]، والحال أنها ظالمة، ظالمة لربها، ظالمة لنفسها، ظالمة لغيرها، أي: ما نهجت منهج الله المؤدي إلى سعادتها وكمالها، كالذي يحتسي السم ويشرب الخمر ويلاعب الأفاعي والحيات، فهل يسلم هذا؟! إذاً: فعلى المسلمين أن يتعلموا محاب الله ومكارهه، وكيف يؤدون تلك الفرائض على الوجه الذي من شأنه أن يولد لهم الطاقة النورانية في قلوبهم،وقد تكرر العلم عندنا أن هذه العبادات مولدة للنور، فأنت لا تدري إذا صمت ماذا حصل؟ وإذا صليت لم تدر ماذا حصل؟ إن هذه العبادة التي شرعها الله العليم الحكيم لعباده شرعها لهم من أجل تزكية نفوسهم وتطهير أرواحهم، فإذا كان الماء والصابون من شأنهما تطهير الأجسام أو الأبدان أو الثياب فكذلك العبادة إذا أداها عبد الله أو أمة الله بإخلاص لله -أداها وقلبه مع الله لا يتلفت إلى سواه، وأداها كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا زاد فيها ولا نقص منها، ولا قدم جزءاً ولا أخر آخر- فإنها تولد النور المسمى بالحسنات، فإذا زكت روح العبد أو الأمة رضيه الله وقبله ورفعه إليه.أما إذا كانت روحاً خبيثة عفنة من أوضار الذنوب والآثام، ولم تزك يوماً، ولم تطهر ساعة، فإن مصيرها سجين أسفل الكون، ولا ترتفع إلى الله، ولن تصل إلى الملكوت الأعلى، وهذا بنص كتاب الله تعالى، أما قرأنا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]؟ متى يدخل البعير في عين الإبرة؟! مستحيل، فكذلك صاحب الروح الخبيثة المنتنة بأوضار الشرك والمعاصي، مستحيل في حق روحه أن ترقى إلى الملكوت الأعلى. أيضاً: عرفنا حكم الله الصادر علينا إنساً وجناً، أولين وآخرين، حكم الله الذي لا يُوارِب، إذ قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فهل في الإمكان أن يُنقض هذا الحكم؟ من يقوى على نقضه أو التعقيب عليه والله القائل: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]؟! وهنا تقرر مصيرك يا ابن آدم ويا ابن الجان، فإن أنت عملت على تزكية نفسك فزت وأفلحت ونجوت من عذاب النار، وسكنت الجنة دار الأبرار. وإن أنت لوثتها بأكل الربا وتعاطي الزنا وسب العلماء وسب المؤمنين و.. و.. و.. أصبحت عفنة كأرواح الشياطين، فهيهات هيهات أن تقبل هذه الروح في الملكوت الأعلى، فالذي خلق الماء العذب والصابون المطهر للأبدان هو الذي أوجد كلمة: لا إله إلا الله، أو سبحان الله، أو الله أكبر، أو الحمد لله، وما قالها مؤمن موقناً بها عالماً بمعناها إلا وعملت في نفسه الزكاة والطهر والصفاء، ولن تتخلف، ولا قال كلمة سوء أو نطق بكلمة باطل أو خبث إلا وانعكس أثره على نفسه ظلمة وعفناً ونتناً والعياذ بالله تعالى. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]، وقد علمتم أننا نذكره ولا ننساه، ونشكره ولا نكفره، ونطيعه ولا نعصيه، وبذلك نكون قد اتقينا الله حق تقاته، وبهذا أمرنا.

معنى قوله تعالى: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
لننتقل إلى الأمر أو النهي الثاني، وذلك بعد أن نادنا وأمرنا بتقواه حق التقوى، نهانا أن نموت على غير الإسلام، فقال تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] و(اللام) هنا ناهية، فلا تمت يا عبد الله إلا وأنت مسلم، وقبل ذلك أمرنا بتقواه حق التقوى من أجل أن يرفعنا إليه بعد أن يطهرنا ويزكي نفوسنا، وهو ذا ينهانا عن الموت على غير الإسلام، لماذا؟ خشية أن ننقطع؛ لأنك قد تزكي نفسك أربعين سنة، بل سبعين سنة، ثم تقول كلمة الكفر فتتحول إلى عفن وإلى نتن والعياذ بالله، وعند ذلك يحال بينك وبين الملكوت الأعلى. وكلمة الكفر إن أردتم لها مثلاً فبحبة الهيدروجين أو الذرة، إذ إنها في وزن حمصة، لكنها تنسف مدينة بكاملها، فكذلك كلمة الكفر كلمة واحدة تبطل كل عمل صالح قد عملته، ولا عجب. وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فإن من مات غير مسلم حرم من لقاء الله، استحال أمره أن يرفع إلى الملكوت الأعلى.

معنى الإسلام المطلوب تحقيقه
وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] قد سبق أن بينا للصالحين والصالحات معنى الإسلام، إذ إن الإسلام هو: أن تسلم قلبك ووجهك لله، فيا فلان هل أسلمت؟ نعم. هل أديت حق فلان؟ ما معنى: أسلم يا عبد الله؟ وأُسلم ماذا؟ أسلم قلبك ووجهك لله، فالمسلم الحق عبدٌ أسلم قلبه ووجهه لله تعالى، وفي القرآن: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، كيف أعطي وجهي لربي؟ لا ننظر إلا إليه، لا نرى إلا هو، كيف أسلم قلبي لله؟ لا يتطلب أربع وعشرين ساعة إلا في طلب رضا الله. فهذا إسلام القلب والوجه لله، فما لنا إلا الله، نأكل ونشرب لله، نبني ونهدم لله، نبيع ونشتري لله، ننام ونستيقظ لله، نتزوج ونطلق لله، لا تخرج أعمالنا أبداً عن دائرة رضا الله عز وجل، فهل عرف المسلمون هذا؟ وهل في إمكانهم أن يفعلوه؟ ما يستطيعون، ما عرفوا. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( إني أعلمكم بالله، وأشدكم له خشية )، فأعلمنا بالله أتقانا لله، وأجهلنا بالله أفجرنا عن طاعة الله. عرف هذا الثالوث المكون من المجوس واليهود والنصارى معرفة يقينية، فأبعدونا عن العلم ووضعونا في برك الجهل نشرب منها ونرتع، والقرآن يُقرأ على الموتى منذ قرابة ألف سنة ولا يُقرأ على الأحياء وإنما على الموتى فقط من إندونيسيا إلى الدار البيضاء. أي سخرية هذه؟ أي استهزاء هذا؟ أي أجنون هذا؟ أي أموت هذا؟ تضع بين يديك ميت وترغبه وتعظه وتخوفه وتهدده بعذاب الله في الآيات، هل يقوم يتوضأ ويصلي؟! هل يقوم يستسمح منك ويقول: سامحني؟! كيف هذا؟! أين عقولنا؟! لا إله إلا الله! القرآن يُقرأ على الموتى؟! من فعل هذا بنا؟! اليهود.وأيضاً بقيت الأنوار المحمدية -السنة النبوية- ماذا فعلوا بها؟ قالوا: السنة فيها الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والصحيح والضعيف، اتركوها ويكفينا مصنفات الفقه التي صنفها علماؤنا! وما أصبح الرسول يُذكر بينهم، من يقول: قال رسول الله؟ أبعدهم العدو عن مصدر حياتهم كاملة، لا كتاب ولا سنة، فكيف نعرف الله والطريق إليه؟! معاشر المستمعين -وخاصة الغرباء والزوار- هل بلغكم هذا الكلام وسمعتموه؟ هل فهمتم ما سمعتم؟ دلوني على شخص يقول: تعال أسمعني شيئاً من القرآن، في قرية أو في حاضرة أو في أي مكان، هُجِر كتاب الله، والذين يقرءونه إنما يقرءونه على الموتى ليأكلوا الخبز والحليب، لا ليُعرف الله ومحابه ومكارهه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 27-11-2020 05:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تعاليم ربانية لمن أراد أن يموت مسلماً
يا من صح عزمه على ألا يموت إلا مسلماً، أنصح لك بالتالي، إليك هذه التعاليم:

أولاً: أن لا ننسى الله أبداً
أولاً: أن لا تنسى الله أبداً، دائماً اذكره، فإذا أكلت: باسم الله، شربت: باسم الله، فرغت من الطعام: الحمد لله، نمت: باسم الله، استيقظت: باسم الله، أخذت المعول أو الفأس: باسم الله، ضربت: باسم الله، وعندها تصبح حياتك كلها مع الله، ومثلك لا يموت على غير الإسلام، وأما الذين يتعرضون للموت على غير الإسلام هم الذين يعرضون عن ذكر الله، هم الذين ينسون الله.إذاً: فأول ما ينبغي أن نعلم ونعمل ألا ننسى الله أبداً، نذكره طول النهار والليل، حتى عند الدخول إلى المرحاض تقول: باسم الله الذي لا إله إلا هو، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، الرجس النجس الشيطان الرجيم، وثم تسكت فلا تتكلم، فإذا خرجت ألقيت برجلك اليمنى خارج المرحاض وقلت: الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في جسمي قوته.

ثانياً: أداء الواجبات باجتهاد وصدق
ثانياً: أداء الواجبات باجتهاد وصدق -ومن أعظمها: الصلوات الخمس- إذ إن أداء هذه الفرائض والمحافظة عليها فيه ضمان للموت على الإسلام، والذي يتلاعب أو يتهاون بها، يأتيها يوماً ويترك يوماً، والله إنه لعرضة لأن يموت على غير الإسلام.وبالتالي فالذي يسلك الطريق في صدق، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً، يُرجى له أن يصل إلى غايته، والذي يتلاعب ويمشي خطوات ويرجع للوراء، أو يميل ذات اليمين وذات الشمال، قد لا يبلغ هدفه، ولا يصل إلى غايته.

ثالثاً: الابتعاد عن الكفر وأهله
ثالثاً: الابتعاد كل الابتعاد عن الكفر وأهله، فلا تقيمن بين كافرين، فإنك لا تأمن أن تنتكس وتنقلب على رأسك، فلهذا حذر أبو القاسم من ذلك وقال: ( لا تتراءى نارهما ) ، فالبعد كل البعد عن أهل الكفر.

رابعاً: البعد عن أهل الفسق والفجور
رابعاً: البعد عن أهل الفسق والفجور، فإنهم يعدونك بالعدوى، فلهذا قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف:28] أي: احبس نفسك مع أهل لا إله إلا الله، ألزمها بالعيش معهم والبقاء بينهم، وتجنب مجالس الباطل والسوء.

خامساً: الحذر من كتب ومصنفات أهل الكتاب
خامساً: الحذر من كتب ومصنفات كتبها المجوس واليهود والنصارى، إذ إن هذه الكتب قراءتُها تفتح لك أبواب الردة وتصاب بها وأنت لا تشعر، فهذا عمر رضي الله عنه كان في يده ورقات من التوراة، فنظر إليه رسول الله وسأله ما هذا؟ فقال: ورقات من التوراة، فقال له صلى الله عليه وسلم: ( ألم ائتكم بها بيضاء نقية؟! كيف يهدونكم وقد ضلوا؟! ارمها يا عمر )، وقد عرفنا أن مئات الآلاف من المسلمين هلكوا بتتلمذهم لعلماء الإلحاد والشرك والكفر، والانقياد لهم والإذعان لتعاليمهم، فماتت قلوبهم وأصبحوا أجساماً بلا أرواح، وأكثرهم يموت على سوء الخاتمة.

سادساً: تطهير البيوت من المعاصي والآثام
سادساً: طهروا بيوتكم كما طهرتم مجالسكم، أنصح لكم فأقول: أخرجوا كل آلة تعرض صور الخلاعة والدعارة والنساء والرجال، وتسمعكم أصوات الكفر والكافرين، إذ إن هذه أخذ يظهر أثرها ويموت أهلها على سوء الخاتمة، فانتبهوا، وإذا أُلزمتم بالحديد والنار فهاجروا، اتركوا البلاد التي ألزموكم فيها بأن تعمروا بيوتكم بالشياطين وترحِّلوا منها الملائكة لتعيشوا مع الشياطين، كيف يرحمونكم؟! أسألكم بالله، الذي امتلأ بيته بالشياطين كيف يستطيع أن يموت على الإسلام؟! ومرة ثانية أقول: من أُجبر وأُلزم بأن يدخل الفيديو والتلفاز والسينما في بيته بالقوة فيجب عليه أن يهاجر، يلتحق بالجبال وبالسهول والأودية أو بمناطق أخرى، ولا يرضى أبداً أن يتهيأ لأن يموت على غير الإسلام، وقد سمعت اليوم خبراً عظيماً: جاءت امرأة تشكو زوجها فقالت: زوجي لا يصلي! كيف لا يصلي؟! شكته للمحكمة فصلى فترة ثم ترك الصلاة، فقلت لها: ماذا يصنع؟ قالت: لا يعمل شيئاً، فقط هو جالس في البيت عند التلفاز أمام الأغاني والمسلسلات، وعنده مال أودعه في بنك، وهو يعيش على فوائده! فلأول يوم سمعنا هذا! كم يعطونهم؟! خمسة في المائة؟ اجعلها سبعة، إذا كان عنده سبعمائة ألف؟ كم يعطونه؟ سبعين ألفاً، ومع ذلك لا يصلي ولا يعمل شيئاً، وإنما يفجر فقط ويغني. الآن تبين لنا آثار الربا أم لا؟ إن هذه البنوك من وضع الثالوث وتخطيطه، ومد المؤمنون أعناقهم واستسلموا للشيطان، والمؤمن بحق يرضى أن يموت جوعاً ولا أن يأكل لقمة حراماً، يرضى أن يعمل الليل والنهار من أجل الخبز والزيت -إن أمكن- ولا يرضى أن يجاهر ربه بالمعاصي، لكن الشياطين التي ملأت بيوت القوم وطردت الملائكة هي التي تزين لهم هذا وتحسنه. إذاً وهو أخيراً: طهروا بيوتكم من الشياطين، فإنها لا يخلو منها بيت، ترى فيه تلك الصور في فيديو أو تلفاز أو آلة سينما أو أي آلة، ومن كذب بهذا فقد كذب رسول الله وكفر، ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ) والذي يعيش زمناً وهو مرتاح النفس، يضحك مع أهله، مع عاهرة تغني أو ترقص، والله ما نستطيع أن نجزم له بالموت على الإسلام، ولكن كيف ينجو ويموت وقلبه مع الله؟! فهل عرفتم نهي مولاكم: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]؟ فابعثوا، فاعملوا، فابعثوا على كل وسيلة من شأنها أن تحفظ لك إيمانك وطهرك وصفاءك في قلبك حتى تُسلَّم روحك لملك الموت وهي كأرواح الملائكة في الطهر والصفاء، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا [آل عمران:102] والحال أنكم مسلمون، قلوبكم ووجوهكم لله.

تفسير قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...)
قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]. ‏

معنى قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً)
جاء أمر آخر لنا نحن أولياء الله المؤمنين المتقين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103] أغنياؤكم فقراؤكم أمراؤكم علماؤكم خدمكم نساؤكم أولادكم، كلكم، والمراد بحبل الله الممتد من السماء إلى الأرض: الإسلام بشرائعه، بأحكامه، بآدابه، بأخلاقه، والذي يمثله القرآن الكريم، فتمسكوا به، عضوا عليه بالنواجذ، وإياكم والفرقة، فلا تقل: أنا شافعي وتستبيح ما شئت، ولا يقول هذا: أنا حنفي ويفعل ما يشاء، ولا يقول هذا: أنا حنبلي، أنا مالكي، فلا فرقة، وإنما الجمع فقط، وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل القرون الذهبية -خير القرون- وهم لا ينتمون إلا إلى الله ورسوله، مسلمٌ، قال الله قال رسوله.وهذا يتطلب منا أن ندرس كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهما نرد ومنهما نصدر، فهيا بنا نعد إلى دراسة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيهما الغناء الكامل، لكن للأسف أصبحت السنة تُقرأ للبركة، فنقرأ كتاب البخاري إلى اليوم للبركة، مع أننا قد استيقظنا، وها نحن ندرس كتاب الله من أربعين سنة -الحمد لله- فهل ضللنا بقراءة كتاب الله ودراسته؟ والله ما ضللنا، وإنما اهتدينا، وهل دراستنا لأحاديث رسول الله تفرق شملنا وتشتت جماعتنا، وتجري العداوة والبغضاء بيننا؟! لا. أبداً.

الفرقة والاختلاف سبب في طمع الأعداء في الأمة الإسلامية
قوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103] أغنياؤكم فقراؤكم أمراؤكم علماؤكم خدمكم نساؤكم أولادكم. كلكم يا أهل الإسلام اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإن الفرقة هي الحالقة، ما إن تفرق المسلمون وأصبحوا مذاهب وطرقاً حتى تسلط عليهم عدوهم، فسادهم وحكمهم وأذلهم كما علمتم وكما تعلمون. الآن لنا أربعة وأربعون دولة، آلله أمر بهذا؟ هل الرسول أوصى بهذا؟ أسألكم بالله، هل هذه تفرقة أم جمع؟ لمَ لا نعلن عن الوحدة في أربع وعشرين ساعة؟ تعالوا إلى الحرم الشريف، إلى الروضة ونقول: بايعنا فلاناً، هاتوا كتاب الله واحكمونا به، وتصبح ديارنا واحدة، لا شامي ولا يمني، لا شرقي ولا غربي، لا عربي ولا أعجمي، وبذلك نأمن ونسود ونقود وننقذ البشرية من وهدة الضلال والفقر والعياذ بالله، ما المانع؟ قلوبنا مريضة، ما تربينا في حجور الصالحين، وعندنا براهين قاطعة، ونحن مع أبنائنا وإخواننا مللناهم من هذا الكلام . أبرهن لكم أم لا على أننا لسنا بأهل للكمال والإسعاد؟ دبر الله الأمر -ولا مدبر إلا هو- فوضع العالم الإسلامي تحت أقدام بريطانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال، إنها آية من آيات الله، سبحان الله! المسلمون أصبحوا مسودين محكومين تطبق فيهم شرائع الكفر؟! إنها أعظم آية من آيات الله، وفجأة وبعد سبعين مائة من السنين أزال الله سلطان الكفر وحرر المسلمين من اندونيسيا إلى بريطانيا، فاستقلوا وتحرروا، وهذه فتنة أخرى. وقد قلت والله يعلم: لو ربينا في حجور الصالحين، وكانت نفوس علمائنا ورجالنا ونسائنا ومشايخنا وأهل البصيرة فينا، لو كانت البصيرة حقة، والنفوس طاهرة، كان المفروض -واسمعوا- أيما إقليم يستقل عن فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، أيما إقليم يأتي إلى الدولة القرآنية، لكن قد يقول قائل: يا شيخ أين هذه الدولة؟ إنها ليست بموجودة، لا، أوجدها الله جل جلاله وعظم سلطانه، وهي آية من آياته، ومعجزة من معجزات الأنبياء، وإلا فكيف والعالم الإسلامي تحت أقدام الكفار، ويأتي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ويعلن عن دولة القرآن في الرياض! أين بريطانيا؟ أين فرنسا؟ أين أمريكا؟ كيف يتم هذا؟! والله ما تم إلا بالله، ومن شك فلينظر إلى إخوانه في كل ديارهم، هل لهم أن يطبقوا الشريعة؟ لا، إنهم يخافون من الكفار وهم مستقلون! يمالقون ويتملقون الكفار بإعراضهم عن الشريعة وعدم تطبيقها، ويأبى الله ويأتي بهذا الرجل فيعلن عن دولة القرآن، ويؤسسها على دعائم وضعها الله لا سقراط ولا نابليون ولا فيلسوف، أربع دعائم وضعها الله عز وجل، كم سنة ونحن نذكر هذا، والعالم الإسلامي يستقل من الوقت إلى الوقت، ولا استطاع إقليم عربي أو أعجمي أن يقيم دولته على قواعد وضعها الله بنفسه؟ ما هذه القواعد؟ اطلبوها في الدساتير البريطانية لا توجد، إنها لا توجد إلا في القرآن الذي حوَّلوه ليُقرأ على الموتى فقط. جاء في سورة الحج المدنية المكية قوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، كلام من هذا؟ هل يحتاج إلى تفسير؟ الذين إن مكناهم، أي: سوَّدناهم، حكَّمناهم، ملكوا، ماذا فعلوا؟ أقاموا الصلاة إجباراً، إذا قيل: حي على الفلاح وقف دولاب العمل، ووقفت الحياة كلها، وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم، إذ لذلك خُلِقوا، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، على هذه الدعائم أقام عبد العزيز دولته هذه التي بقيت باقية، أقامها على هذه الدعائم فأقيمت الصلاة، وجبيت الزكاة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، واستقل العالم الإسلامي قطراً بعد آخر، وهذا محل الشاهد. فلو كنا أهلاً للسيادة والعزة والطهر والكمال، فأيما إقليم يستقل يأتي وفد منه ويقول: يا عبد العزيز، استقل الإقليم الفلاني، جزء الدولة الإسلامية، ابعث لنا قضاة، وابعث والياً عاماً يدير هذا الإقليم، فهمتم هذه اللغة أو لا؟ ممكن ما تقبلونها، والله الذي لا إله غيره لو كنا أهلاً للكمال لكان كل إقليم يستقل ولو كان كالباكستان مائة مليون، يأتي رأساً إلى عبد العزيز ويقول: استقل القطر الفلاني، ابعث قضاة يطبقون شرع الله، ابعث والياً عاماً يطاع بطاعة الله ورسوله، وهكذا في ظرف سبعين سنة والعالم الإسلام كل عام عامين يستقل إقليم، وإذا بأمة الإسلام أمة واحدة، فلمَ لا نفعل هذا؟ أجيبوا؟ إنه الجهل المركب، وظلمة النفس، وحب الدنيا والشهوات والأهواء، والإعراض عن ذكر الله وشرعه ودينه، فهل هناك غير هذا؟ والله ما هو إلا هذا. من يرضى بهذه الدويلات والأقاليم؟ إن بلاد المسلمين بلد واحد، حكمهم واحد، شريعتهم واحدة، فلمَ تفرقوا؟ عصوا الله وفسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، ولم يعتصموا بحبله، وتفرقوا، فأذاقهم الله المرارة، في هذه الظروف التي أصبحنا كأننا نقرب من الجنة، فلو كان العالم الإسلامي أمة واحدة لكنت تشاهد ماذا؟ما تستطيع أن تدرك النعيم الذي يفيض على المسلمين. حب وولاء، طهر وصفاء، مودة وإخاء، ربانية لا تحلم بها، لكن استجابوا للعدو، وأعرضوا عن الله ورسوله وكتابه، فهم إذاً تحت النظارة، ولا تبكي وتقول: الخلافة والدولة؛ لأننا لو كنا رشداً فأيما إقليم يستقل يُقدِّم مفاتيحه، وحتى دول الجزيرة -البلد الواحد- جزيرة الإسلام، كل إقليم منطقة للاستقلال، ماذا ينتظرون؟ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فاتت الفرصة وضاع الأمل إلا أن يشاء الله يقلب تلك القلوب ويلويها. وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:102-103] بهذا أمرنا، فنعيش -والحمد لله- لا على مذهبية ولا وطنية ولا إقليمية، وإنما مسلم أعيش لله.

معنى قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم)
وأخيراً يقول تعالى لنا: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:103]، هذه وإن نزلت في أصحاب رسول الله فهم آباؤنا وأجدادنا، لما اجتمعت كلمتهم بعد التفرق جاء النور والهداية، وجئنا للإسلام والمسلمين، فهي نعمة ما تنسى، نذكر الله تعالى ونشكره عليها. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (40)
الحلقة (181)

تفسير سورة آل عمران (45)


يدعو الله عز وجل عباده المؤمنين إلى طاعته، ويحضهم سبحانه وتعالى على تقواه واتباع سبيله، وأن يكونوا عباده المسلمين، وحتى يكون العبد من المسلمين فعليه أن يلتزم الآداب الإسلامية، ومن هذه الآداب أن يبقى لسانه رطباً بذكر الله عز وجل، وأن يؤدي واجباته الشرعية باجتهاد وصدق، وأن يفارق أهل الكفر والعصيان والفجور، وأن يطهر نفسه وبيته من المعاصي والآثام، وغير ذلك من الآداب الإسلامية.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقط رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! ما زلنا على عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع ذلكم النداء الإلهي العظيم من سورة آل عمران، وتلاوته بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103].

التقوى طريق تحقيق ولاية الله تعالى
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نادانا مولانا أولاً ليأمرنا بتقواه، إذ تقواه عز وجل -كما علمتم- هي الخطوة المؤكدة لولاية الله لعبده الله المؤمن وأمته المؤمنة، والأمر بتقوى الله عز وجل معناه تحقيق ولاية الله للعبد، إذ لا يكون العبد ولياً لله إلا إذا كان تقياً لله. واذكروا قول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فهذه التقوى عليها مدار تحقيق سعادة الدنيا والآخرة، إذ إن أهلها لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقد نبهنا إلى أنه لا يتأتى لعبد ولا لأمة من إماء الله وعبيده أن يتقي الله بدون ما لم يعلم ما يتقيه فيه، فثبت أن طلب العلم فريضة أكيدة، فالذي لا يعرف ما أوجب الله ولا ما حرم الله -أسألكم بالله- كيف يفعل واجباً ما عرفه؟! كيف يحذر ويتقي محرماً ما عرفه؟! غير ممكن أبداً. فوجب على كل من دخل في الإسلام أن يعرف ما أمر الله به وما نهى عنه بنية أن يفعل المأمور، وأن يجتنب المنهي.وكما قد علمتم أكثر من هذا، أن كل أوامر الله ونواهيه تدور على تزكية هذه النفس وتطهيرها، ففعل الأوامر أدوات تزكية، وترك المحرمات إبقاء على التزكية كما هي، فالذي يصلي ركعتين ويشتم مؤمناً كأنما غسل ثوبه ثم أفرغ عليه زنبيلاً من الوسخ، وهذا عابث ولاعب، والذي أدى الزكاة فزكت بها نفسه ثم انغمس في أكل الحرام من السرقة والربا، كان كمن اغتسل بالماء والصابون ثم أفرغ عليه زنبيلاً من القاذورات والأوساخ. ففعل الأوامر أدوات تزكية، واجتناب المنهيات إبقاء لتلك التزكية على ما هي، فإنه إذا ارتكب كبيرة معنى ذلك أنه عم ذلك الأثر وأفسده، ولهذا أرشدنا الرسول الكريم بقوله: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )، وقعت نجاسة في يدك أفرغ عليها الماء واغسلها، وقعت لطخة من دم في ثوبك أفرغ عليها الماء واغسلها، كذلك قلت كلمة سوء، نظرت نظرة محرمة، تناولت ما لا يحل لك، عجل بالتوبة، واعمل الصالحات، فإنها تحيلها إلى كتلة من النور، ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ). إذاً: هذه هي التقوى التي أمر بها المولى عز وجل لصالحنا قطعاً.

معنى قوله تعالى: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
ثانياً: نهانا الله فقال: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فنهانا أن نموت على غير الإسلام فيفسد كل ذلك الذي بنيناه وينهدم كما علمنا، فلو أن عبداً عبد الله سبعين سنة ليلاً ونهاراً، ثم قال كلمة الكفر أو الشرك ومات عليها انمحى ذلك كله ولم يبق له أثر، ومن هنا أرشدنا ولينا -وله الحمد والمنة- على أن نحافظ على إسلامنا لله، أي: نسلم قلوبنا ووجوهنا لله حتى يتوفانا ونحن مسلمون، والإنسان لا يدري تقلبات الحياة، فقد يأتي يوم يكره فيه العبادة ويبغض فيه الصالحين.وهذا الصديق ابن الصديق ابن الصديق، يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول في ابتهاله بينه وبين ربه: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]، أتدرون متى قال هذه الكلمة؟ قال هذه الكلمة لما جلس على أريكة الملك، وحكم الديار المصرية، وأصبح مالكها، ودانت له بالطاعة، وجاء الله بأبويه وإخوته، وتم له كل مطلوب في هذه الحياة، فبدل أن يقبل على النساء وعلى اللهو والطعام والشراب، إذ إنه كان في نِعم متوالية، بدل أن يقبل على اللذات والشهوات، بعد أن حضرت بين يديه، وتم له السلطان عليها والقدرة، رغب عنها بالمرة، واتصل بذي العرش يقول له: يا رب، يا خالقي، ويا رازقي، يا إلهي الذي ليس لي إله سواه، قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:101]، وهي النبوة وتعبير الرؤى -ولا ننسى تعبيره لرؤيا الملك وهو في السجن- فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [يوسف:101]، يا خالق السموات والأرض، أنت لا غيرك، أنت وحدك، وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [يوسف:101] . إذاً: توسلتَ إليك رب بإنعامك عليّ، وها أنا أريد منك شيئاً واحداً وهو أن تتوفني مسلماً وتلحقني بالصالحين، فهل عرفتم هذا؟ إخواننا آباؤنا أبناؤنا من أهل الجهل والغفلة بمجرد ما يجلس على أريكة، سواء كانت وظيفة أو شركة، بدل أن يفزع إلى الله ويشكو ويبكي بين يديه يستفرغ ذلك كله في الشهوات، وكأنما أعطاه الله ما أعطاه ليعصيه به وحاشا لله. تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]، هل تسألون ربكم هذا أو لستم في حاجة إليه؟! لم لا نسأل؟! يا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي [يوسف:101] وليس لي ولي سواك في الدنيا والآخرة معاً، أطلب منك أن تتوفني مسلماً، أي: على الإسلام، إسلام قلبي ووجهي لك، وقد علمنا من قبل معنى إسلام القلب والوجه، فأسلم قلبك لله، فلا تفكر أبداً إلا في ما يرضي الله، لا تلتفت بقلبك إلى غير الله، لا مانع ولا معطي ولا ضار ولا نافع ولا رافع ولا واضع إلا هو، أعطه قلبك ووجهك، فلا تلتفت إلى أحد سواه، أنت وليي فليس لي ولي سواك.

بعض التعاليم لمن أراد أن يموت مسلماً
كما بينت لكم ما ينبغي أن نسلكه لنحصل على هذه الجائزة العظمى وهي أن نموت مسلمين، فمن ما بينت لكم: البعد عن مجالس السوء والباطل حتى لا تسري العدوى إلى قلبك من قلوبهم، فهذا الله جل جلاله يوصي رسوله ويقول له: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف:28]، فاحذروا مجالس السوء -وأنتم تعرفونها- كمجالس الغيبة والنميمة والقمار والكذب والأغاني والمزمار والأباطيل والأضاحيك فأهلها قلوبهم ميتة. ثم طهروا بيوتكم ونقوها، اطردوا الشياطين منها -وقد أعطاكم الله قدرة على ذلك- واملئوها بالملائكة أهل النور، فلا يرى الله تعالى في بيتك في حجرتك في غرفتك شاشة للتلفاز أو الفيديو، كما لا يرى الله عاهرة من عاهرات الدنيا تغني أو تتبجح وتتكلم، أو يرى كافراً أو فاسقاً في بيتك يتكلم بالباطل وينطق بالسوء. وقد ظهرت آثار هذه الفتنة، وأصبح الناس يموتون على سوء الخاتمة، إذ إن لله سنناً لا تتبدل أبداً، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، ومجالسة السوء والإقبال عليه وإعطاؤه القلب والنفس نهايته أن يموت العبد وهو لا يقول: لا إله إلا الله. واذكروا قول الله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وإرشاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن )، والله عز وجل يقول -وقوله الحق- في سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17]، حق أوجبه على نفسه تفضلاً منه وتكرماً على عبده، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، ما السوء؟ موسى؟ سكيناً؟ سماً؟ ما السوء؟ قيل: إن عالماً بالرياض يعرف السوء، فهل نبعث إليه واحداً يعلمنا السوء أو ليس هناك حاجة؟ وإن قالوا: إنه غير موجود في الرياض، فقد التحق بالهند، فهل نبحث من نبعث إليه أو ليس هناك حاجة؟ ما السوء؟ السوء: كل ما أساء إلى نفسك، فلوثها بالعفن والنتن والظلمة من سائر الذنوب والآثام، كل ما يسيء إلى تلك النفس الطاهرة فيخبثها أو يلوثها فذلكم هو السوء، وعليه فيدخل في السوء كل معصية صغرت أم كبرت، وإنما التوبة على الله حقاً وصدقاً منته تفضله إحسانه، وإلا فمن يوجب على الله شيئاً وهو قاهر الخلق وملك الكل؟! لكن من إحسانه يوجب على نفسه اطمئناناً لقلوبنا، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17] أولاً، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] ثانياً. ما معنى: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]؟ أنواع الجهالة كثيرة، منها: أن يقول: هذا العالم الفلاني يفعل في هذا، فلو كان حراماً ما فعله، فهذا نوع من الجهالة، ومنها: أن يقول: هذا أحسن من أن أقتل فلاناً أو أفعل كذا وكذا، يهون هذا الذنب ويخففه، كذلك من الجهالة أن يقول: سيتوب الله عليّ وأتوب، أو يقول: إذا فعلت كذا أتوب، فهذه أنواع الجهالة، ويخرج منها ذاك الذي يتعمد معصية الله والفسق عن أمره عناداً ومكابرة على علم، ومثل هذا لا يتوب الله عليه، إنما يتوب الله على من فعل المعصية بجهالة من الجهالات، ثم يتوب من قريب، لا يؤجلها العام والأعوام، أما الذي يعرف أن الله حرم هذا ويفعله ساخراً وضاحكاً، فمثل هذا لا يتوب أبداً، ولا تقبل له توبة، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17] عليم وحكيم يضع كل شيء في موضعه. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18]، الباب أُغلق، ما تنفعه تلك التوبة، وقد بين الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الإجمال بقوله: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) إن الله يقبل توبة العبد والأمة ما لم يغرغر، تعرفون الغرغرة؟ آه، ما يُفصح، عندنا لها مثل الحاضرون ما عرفوه، أيام كانت البطارية -الحجر- التي نُشغِّل بها الإذاعة -سبحان الله- الكهرباء كالروح لا محالة، وهي الطاقة، لما تفرغ تلك الطاقة تصبح تلك البطارية تغرغر، فتسمع لها خشخشة، وكأن الروح كادت أن تخرج، فسبحان الله! الكهرباء هذه سواء بسواء، فإذا غرغرت وحشرجت الروح في الصدر فلا تقبل توبة العبد، ونحن لا ندري متى نموت؟ أو فينا من يعلم ذلك؟ يكذبكم من يدعي أبيضاً كان أو أسوداً. إذاً: فمن هنا وجب علينا أن نأخذ بالإرشاد المحمدي: أتبع السيئة الحسنة، والتوبة بإجماع أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة على أنها تجب على الفور، فلا توجد توبة يقول لك: أخرها أسبوعاً، أو انتظر بها حتى يأتي فلان، أو انتظر حتى تتوظف، أو انتظر حتى تتزوج، فهذا كله باطل ولا وجود له، وكل هذا من أجل أن نحقق مطلوب الله منا، ألا وهو: أن نموت مسلمين، فقلوبنا لله لا للشيطان ووجوهنا لله لا للشياطين.

يتبع


ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أمر الله لعباده بأن يعتصموا بحبله ولا يتفرقوا
ثم جاء الأمر الثاني: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، كيف نعتذر اليوم إلى الله؟ واعتصموا، الاعتصام: الالتفاف حول الشريعة، وأخذها بعقائدها وعباداتها وآدابها وأخلاقها وأحكامها، اعتصامٌ كامل بذلك الحبل الممتد من العرش إلينا، ألا وهو الإسلام وكتابه وشرائعه. كيف حالكم معاشر المسلمين؟! كم مذهباً عندكم؟ سبعون، كم طائفة؟ كم حزباً؟ كم دولة؟ أين الاعتصام بحبل الله؟! أين عدم التفرق؟! وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وقد خلعنا أيدينا من حبل الله وتركناه مدلى، وقلَّ من يُمسكه، فغضب فانتقم، لما تفرقنا وتمزقنا سلط الله علينا أوروبا التي كانت ترتعد فرائصها إذا قيل: عربي عند الباب. حدثنا الشيخ رشيد رضا في مناره عن شيخه محمد عبده رحمهما الله ورضي عنهما -وهناك فئة لا هم لها إلا النقد والطعن! وإنه لضلال في ضلال- قال: كنت في فندق في باريس -أستغفر الله- أو سويسرا فقلت لربة الفندق: أريد ماءً أتوضأ به، فجاءته بإناء فيه ماء -الشيخ محمد عبده يتوضأ ليصليَ المغرب أو الظهر- قال: فلما فرغت من الوضوء من ذلك الماء -ممكن في صحفة أو غيرها- جاءت طفلة جويرية صغيرة تحبو كعادة الأطفال الصغار، وأرادت أن تمس الماء، فقالت لها أمها: كخ كخ. فقالت البنت: ماما ماما ديدان ديدان. أي: العربي هذا سقطت منه هذه الديدان! فانظر كيف حذرت الأم الطفلة وقالت لها: كخ كخ، ابعدي، لمَ يا أماه؟ فيه وسخ هذا العربي، فالبنت انحسرت عنه فقالت: ماما ماما، ديدان، حشرات موجودة، جراثيم! فإذا أرادت هذه الأم أن تخوف ابنتها تقول: عربي عند الباب! فهل عرفتم أوروبا؟ واسألوهم، إذا أرادت الأم أو الأب أن يخوف ولده يقول له: عربي عند الباب! وكلمة: (عربي) عندهم يعني: مسلم، فكل مسلم عربي، صيني هندي بخاري، كل مسلم عربي، فكلمة: (عربي) هذه طغت؛ لأنهم هم الذين نشروا نور الله، وأخذوا الإسلام وبلغوه الشرق والغرب. فهؤلاء عرفوا كيف يعاملوننا، فمزقوا جمعنا وشتتوا شملنا، فقط الطرائق في قرية واحدة سبع طرائق: التجانية، القادرية، العيساوية، الرحمانية، الأحمدية، وكل طريقة يجتمع أهلها فيشربون الشاي ويأكلون، لا رابطة ولا جامعة، فهم على مذاهب شتى، فإذا قلت لأحدهم: هذا هو الحديث، يقول لك: لا، أنا مالكي! اسأل كذا، فيأتي للآخر فيقول لك: لا، أنا حنفي! آلله جاء بهذا؟! هذه مظاهر الخلاف والفرقة، كما جاءت مصيبة أكبر وهي الحزبية، فهذا حزب فلان، وهذا حزب فلان، وهكذا لما هبطنا سلط الله علينا أوروبا فساسونا وسادونا، من يقول: لا، والله إلا هذه البقعة فقط، كرامة الله لرسوله ولبيته، والعالم الإسلامي تحت أقدام الكفار، لمَ؟ لأنهم عصوا ربهم.قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وهؤلاء نفضوا أيديهم من حبل الله وتركوه وتفرقوا، وبالتالي حقت عليهم كلمة العذاب. وإلى الآن ما زال المسلمون متفرقين جاهلين متخاصمين متباعدين، فلا إله إلا الله! وتأتينا مجلة كشمير اليوم إلى البيت فنشاهد الدماء مسفوكة والعظام مكسرة، فماذا نصنع؟ تأتي أنباء البوسنة والهرسك و.. و.. والشيشان فماذا نفعل؟ جاءتني اليوم ورقة منشورة عن أحد الإخوان قال: وصل إلى البوسنة والهرسك من المدينة ثلاثة آلاف مجاهد. كذب هذا! ثلاثة آلاف مجاهداً؟! أين تدربوا؟! أين تعلموا؟! كيف يجاهدون؟! يذهبون ليزاحموا أولئك المبتلين الممتحنين في قرص العيش؟! بماذا يجاهدون؟! أهكذا الجهاد؟! إن الجهاد في أمة لا إله إلا لله أن يقودها أمام واحد، هو الذي يبعث بالكتائب ويرسل بالفيالق التي تغزو وتفتح، أما أن ننتكس هذه الانتكاسة ونجاهد هذا الجهاد فلا عندما نكون أمة هابطة لا نستطيع أن نجاهد في أي بلد؛ لأننا ما ربينا في حجور الصالحين، ولا تجمعنا جامعة ولا تربطنا رابطة، وليس لنا من الآداب والأخلاق ما يوحد كلمتنا أو يؤاخي بيننا، فنحتاج إلى تربية ربع قرن على الأقل، خمسة وعشرين سنة حتى نعرف قيمة الجهاد. إخوانكم في الجزائر أربع سنوات أو ثلاث إلى الآن يريقون دماء بعضهم بعضاً، ويمزقون لحوم بعضهم بعضاً من أجل الجهاد، وإقامة الدولة الإسلامية؟ هل ستقوم؟! أين الذين تقوم عليهم الدولة؟ أين أولئك الأبرار الصادقون الصالحون أولوا البصائر والنهى الذين يذوبون في ذات الله، الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟ أمة هائجة تجري وراء الشهوات والأطماع هل يمكنها أن تتلاءم وتنحني بين يدي الله فتعطيه القلب والوجه حتى يسودها شرع الله؟ واحسرتاه! ولكن ماذا يجدي البكاء والتأوه، من الآمر بهذا الأمر: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] إنه الله.

معنى قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم)
وآخر أمر: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103]، المسلمون في الهند قبل دخول الإسلام عليهم كانوا أعداء لبعضهم البعض، المسلمون في الشام، في إفريقيا، في أي مكان قبل وجود الإسلام ما كانوا على المودة والإخاء، بل كانوا على الفرقة والبلاء، وبخاصة أهل المدينة -الأوس والخزرج- فقد دارت رحى الحرب بينهم أربعين سنة، وذلك بين قبيلتين من أصل واحد أيضاً، ولكنه الجهل والكفر والعمى والضلال، فجمع الله بين قلوبهم بصورة عجيبة بالإسلام

امتنان الله على رسوله بأن ألف بين قلوب المؤمنين
واسمع قول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63]، فلو تأتي الآن دولة كبيرة كأمريكا، وتأتي بباخرة كلها دينار أمريكاني أو دولار وتقول للجزائريين: تحابوا، تعاونوا، تلاقوا، تعانقوا، خذ شيكاً بمليار، خذ شيكاً بكذا، فهل تزول الأحقاد والإحن والبغضاء والفتن؟ والله ما تزول، يأخذون المليارات، ويأخذون في الإسراف فيها والفساد والشر، فلا ننفع. لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63]، ما معنى: مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [الأنفال:63]؟ من الأموال؟ لا تفهم أن المال يوحد بين الناس، بل والله إنه يزيد الفتنة، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63]، ألف الله بينهم بهذا النور القرآني، بمعرفة الله ومعرفة محابه ومساخطه، ومعرفة ما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه. هذه هي المعرفة التي ألفت القلوب ووحدت بينها، ألف الله بينهم أن هداهم للإيمان، وأن جمعهم حول رسوله الكريم، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وفترة من الزمن وإذا هم على قلب رجل واحد.وإن قلت: هذه القضية تتعلق بالأوس والخزرج أو بالأنصار والمهاجرين، ونحن بيننا وبينهم قرون، فكيف يذكرنا الله بها؟ فأقول لك: أما سمعت الله يقول: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [إبراهيم:6]؟ يذكرهم بأن أنجاهم من آل فرعون، فكم بينهم من الزمن؟ ثلاثة آلاف سنة. ويقول ليهود المدينة: اذكروا هذه النعمة، فلا يقولون: أوه هذه بعيدة؛ لأن تلك الوحدة وذلك التآلف والحب هو الذي نقل إلينا هذا النور والإسلام فعشنا عليه. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103]، كانت القبائل العربية تتقاتل، والقبائل في كل بلاد العالم قبل الإسلام تتقاتل.

وجوب شكر نعم الله علينا
وهنا معاشر المؤمنين والمؤمنات! نذكر النعم فلا ننساها، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع بين يديه طعام، لا بقلاوة ولا رز بخاري ولا مصلي ولا.. ولا..، بل طعامه من تمر أو غيره لا يقول: ما هو؟ وما هذا؟ بل يأكل قرص عيش، أو كسرة خبز ثم يقول: ( الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )، فالحمد لله رأس الشكر، فاحفظوا هذا يا عباد الله، فمن لم يحمد الله ما شكره. ثم تأتي السنة الأخرى وهي: ما رفع طعام الرسول أو مائدته أو صحفته من بين يديه إلا وقال: ( الحمد لله -لا تستعجلوا- حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنىً عنه ربنا ) فالصحابي يقول: ما رفع رسول الله صحفة أو مائدة إلا قال هذا اللفظ حتى مات، فكيف حالكم أنتم؟ هل تقولون هذا؟ إذا أردت أن تركب سيارتك والمفتاح بيدك ماذا تقول؟ هل تشكر الله؟ أليست هذه السيارة نعمة؟ والله لنعمة، إنها تسير بنا في الطرقات، وتقطع المسافات التي كنا نقطعها في الأيام في ساعات، والدابة التي تدب على الأرض، سواء كانت حماراً أو بغلة أو فرساً أو جملاً ماذا علَّمنا الله تعالى عند ركوبها؟ ماذا قال؟ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:13-14]، فارفع رجلك يا عبد الله وضعها على جانب السيارة وقل: الحمد لله الذي سخر لي هذا وما كنت له مقرناً. والسفينة علمنا إذا ركبناها أن نقول: باسم الله مجراها ومرساها. أما الطائرة فلا تسأل، وطائراتكم أيها المسلمون -باستثناء هذه الأمة الطاهرة أو الحكومة الإسلامية- تباع فيها أنواع الخمور، تباع في السماء! ولا يذكر اسم الله، ولا يقال فيها: الله أكبر، فأين شكر الله على هذه النعم؟ إذاً: الشاهد عندنا: اذكر النعمة تشكرها، أما أن تنساها والله ما تشكر، فنحن مأمورون بذكر النعمة أو بشكرها؟ بذكرها؛ لأننا إذا ذكرناها شكرناها، لو قال: اشكروا، لا نستطيع ونحن لا نعرف النعمة ولا نذكرها، فأولاً: اذكروا النعمة؛ لأنك إذا ذكرتها شكرت الله، فإذا مشيت فاذكر قدميك وساقيك ورجليك، وأخوك يمشي على عصا، فهلا قلت: الحمد لله؟ وإذا مشيت وترى أخاً أعمى بين يديك أو ضعيف البصر وأنت تبصر، فهلا قلت: آه! هذه نعمة، أذكر الله وأشكره عليها. في جيبك ريال وعشرة وعشرون، وآخر ليس في جيبه ريال ولا قرش واحد، فهلا قلت: الحمد لله والشكر له. كذلك تجلس على مائدة فتأكل ما شاء الله من الأطعمة، فتذكر أن أناساً بجوارك وفي بلدك وغير بلدك ما وجدوا هذا الطعام، فهلا قلت: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله. ولنذكر حادثة حتى نعمل بما نعلم والشكر لله، فإذا تعلمنا المسألة والله من جريدة وما هي من كتاب، ما نستطيع إلا أن نعمل بها!كنا بمدينة بريدة في رحلة للدعوة أو محاضرة، واستدعانا أستاذ من أساتذة البلاد للغداء، فوضع السفرة والغداء، وله شيخ أكبر مني، فلما وضعت السفرة وأقبلنا عليها نأكل وذاك الشيخ يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، ينظر في تلك النعم من الرز واللحم ويقول: الحمد لله، والله حتى فرغنا وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله، وإن شاء الله تنتقل إليكم. ومضت سنتان أو ثلاث وحدثت بها في هذا المسجد وانتشرت، وجمعني الله بآخر في الرياض، كذلك ما إن وضعت السفرة وأخذ الأكلة يأكلون إلا وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله. إذاً: ذكر النعمة يا أبنائي يحملك على شكرها، وأما أن تتجاهل النعمة وتغمض عينيك عنها ولا تلتفت إليها، فلا يمكن أن تشكر الله عليها، بل اذكر تشكر. ولا تسألني عن نعمة الشكر، فالشكر قيد النعم، إذا النعمة حاصلة فقيدها الذي تقيدها به هو شكر الله، وهو أيضاً يجلب النعم ويأتي بها، فإن فقد عبد الله الشكر خرجت النعم من بين يديه، ولا يطمع في أن يحصل على مثلها، واقرءوا قول الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ [إبراهيم:7] هذه فيها معنى: وعزتي وجلالي لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ [إبراهيم:7] فماذا؟ إِنَّ عَذَابِي [إبراهيم:7] ما قال: ولئن كفرتم لأسلبنها أو لأحرمنكم منها، فهذه العبارة لا تؤدي الغرض، لكن التي تؤدي إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء، يمشي في صحة فيصبح مشلولاً، يمشي في رغد من العيش فيصبح فقيراً ، يصبح في أمن وإذا به في مخاوف، فهذا ألوان العذاب إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فاذكروا معاشر الأبناء هذا، ولا تنسوا نعم الله، فإنها أداة الشكر، اللهم اجعلنا وإياكم من الشاكرين. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (41)
الحلقة (182)

تفسير سورة آل عمران (46)


إن طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالأخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على المسلم تودي به إلى الكفر، شعر بذلك أم لم يشعر، فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم، وإنما يعصم المسلم من مثل ذلك التمسك بكتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن تمسك بهما لم يضل، وعن سبيل الهداية لم يزل.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران، وما زلنا مع النداءين الكريمين أتلوهما وتأملوا ما جاء فيهما، وقد عرفتم الكثير ولا ينقصكم إلا أن تتذكروا ما علمتم، ثم ندرس الآيات دراسة في الكتاب -أي: التفسير- إذ لو درسناها بدون قراءة لما جاء فيها في التفسير، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:100-103].

معنى الآيات
هذه الآيات شرحها في هذا التفسير، فلنستمع ولنتأمل، قال الشارح غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ بعد أن وبخ الله تعالى اليهود على خداعهم ومكرهم وتضليلهم للمؤمنين، وتوعدهم على ذلك، نادى المؤمنين محذراً إياهم من الوقوع في شباك المضللين من اليهود، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، وذلك أن نفراً من الأوس والخزرج ] والأوس والخزرج سكان هذه المدينة، وقد كان يقال لها: يثرب، وهم من قبائل اليمن، وذلك لما تحطم السد وشرد أهل البلاد نزح من نزح إلى الشام، ومن نزح نزح في طريقه، فبقي الأوس والخزرج هنا، وبعد أن طلعت الشمس المحمدية فيهم سماهم الله بالأنصار، إذ نصروا دين الله ورسوله والمؤمنين. قال: [ وذلك أن نفراً ] سبعة أنفار أو ثمانية [ من الأوس والخزرج كانوا جالسين في مجلس ] من مجالسهم في مدينتهم [ يسودهم الود والتصافي ] أي: جالسين يسودهم الود والتصافي والحب [ وذلك ببركة الإسلام الذي هداهم الله تعالى إليه، فمر بهم شاس بن قيس اليهودي ] عليه لعائن الله، فلما رآهم صامتين مبتسمين هادئين ساكنين مسرورين اغتاظ، وما طابت له الحياة [ فآلمه ذلك التصافي والتحابب، وأحزنه بعد أن كان اليهود يعيشون في منجاة -بعيدة - من الخوف من جيرانهم الأوس والخزرج؛ لما كان بينهم من الدمار والخراب ] أي: من الحروب، فقد دامت حرب أخيرة بينهم في الجاهلية أربعين سنة، واليهود ينعمون ويضحكون، أعداؤهم يتقاتلون وهم في راحة. قال: [ فأمر شاس شاباً ] من شبيبة المدينة [ أن يذكرهم بيوم بعاث ]. أرأيتم الإعلام اليهودي؟ إن اليهود اليوم أخبث من اليهود الذين مضوا لما علمتم أن الدنيا ما تنتهي حتى تشيخ البشرية فيزول ذلك الكمال البشري شيئاً فشيئاً، كنشأة الإنسان، ينشأ ذكياً طاهراً نقياً أربعة عشر سنة أو خمسة عشر ثم بعدها يشب، ويبدأ الطيش والمكر وكذا.. وإذا عرج على الستين أخذ يهبط حتى يخرف، فالدنيا هكذا، الكمال الذي كان في العرب لا يوجد الآن في خريجي كليات المشركين في أوروبا وغيرها.والشاهد عندنا -وهي لطيفة-: ما يمضي عام إلا والذي بعده شر منه، وعلة ذلك أن البشرية تكبر وتشيخ شيئاً فشيئاً، فتصبح تعبث بالحياة.قال: [ فأمر شاس شاباً أن يذكرهم بيوم بعاث، فذكروه وتناشدوا الشعر، فثارت الحمية القبلية بينهم، فتسابوا وتشاتموا حتى هموا بالقتال ] عرفتم ما فعل شاس؟ جاء بشاب مغرور لا يدري، فقال له: ذكرهم بأيام بعاث، فذكرهم فأخذوا يتناشدون الشعر كما كانوا، ويشتم بعضهم بعضاً حتى هموا بالقتال. قال: [ فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ] ذهب من ذهب إليه وقال: تعال، الأنصار كادوا يقتتلون [ فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم بالله تعالى وبمقامه بينهم ] أي: بمقام الرسول بينهم ووجوده فيهم [ فهدءوا، وذهب الشر ونزلت هذه الآيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، فحذَّرهم من مكر أهل المكر من اليهود والنصارى، وأنكر عليهم ما حدث منهم، حاملاً لهم على التعجب من حالهم لو كفروا بعد إيمانهم؛ فقال عز وجل: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ [آل عمران:101] صباح مساء، في الصلوات وغيرها، وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] هادياً ومبشراً ونذيراً، وأرشدهم إلى الاعتصام بدين الله. وبشر المعتصمين بالهداية إلى طريق السعادة والكمال، فقال: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ [آل عمران:101] أي: بكتابه وسنة نبيه، فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101]، ثم كرر تعالى نداءه لهم بعنوان الإيمان تذكيراً لهم به، وأمرهم بأن يبذلوا وسعهم في تقوى الله عز وجل، وذلك بطاعته كامل الطاعة، بامتثال أمره واجتناب نهيه، حاضاً لهم على الثبات على دين الله حتى يموتوا عليه، فلا يبدلوا ولا يغيروا، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وأمرهم بالتمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإيمان والإسلام، بعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين، فألف بين قلوبهم فأصبحوا بها إخواناً متحابين متعاونين، كما كانوا قبل نعمة الهداية إلى الإيمان على شفا جهنم، لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالداً أبداً، وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار، ما زال يبين لهم الآيات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه؛ ليثبتهم على الهداية ويكملهم فيها، فقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103] ] هذا شرحٌ لتلك الآيات، فهيا نضع أيدينا على ثمارها، وعلى نتائجها وعبرها علَّنا ننتفع بذلك.
هداية الآيات
قال الشارح: [ هداية الآيات: ] ولكل آية هداية تهدي المؤمن إلى رضوان الله وجواره الكريم[من هداية الآيات: ]

أولاً: أن طاعة علماء اليهود والنصارى يؤدي بالمسلم إلى الكفر
[ أولاً: أن طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالأخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر، شعر بذلك أم لم يشعر، فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم ]، وبينا هذا بياناً شافياً، وسمعتموه في إذاعة القرآن، فانتبهوا، إذ إن طاعة كثير من اليهود -لا كل اليهود- والنصارى والأخذ بنصائحهم التي يقدمونها لنا وبتوجيهاتهم السياسية والمالية والعلمية والاجتماعية والديمقراطية وما يشيرون به على المسلم، افعل كذا، لا تفعل كذا، يؤدي بالمسلم إلى الكفر، شعر بذلك أم لم يشعر، فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم.وقد بلغني اليوم من أحد الناس: أن امرأة مصرية زوجها ملحد علماني فرفعت أمرها إلى المحكمة وطالبت بالطلاق لأنه كافر، فطلقها القاضي، فأذاع اليهود من إذاعة لندن فقالوا: إن المصريين تأخروا بهذا الحكم خمسين سنة إلى الوراء! كيف تُطلِّق المرأة عن زوجها لأنه علماني، أو لا يؤمن بالله واليوم الآخر؟! تبجحت إذاعة لندن بهذا.والشاهد عندنا: قولوا: صدق الله العظيم، أقول على علم: إن الكثيرين ممن يسوسون العالم الإسلامي من وزراء وخبراء وفنيين ومسئولين، كثيرون منهم لما كانوا يدرسون هذه العلوم المادية في روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، تخرجوا وقد سمموهم وأفسدوا قلوبهم، ومن قال: لمَ؟ ما الدليل؟ أقول: الدليل: أنهم مصرون على الباطل، وتطبيق الهوى، والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله، ولو كانوا أحياء بإيمانهم بصراء لا يثبتون على هذا، لا بد وأن يطالبوا بالإسلام وتطبيق شريعته، لكنهم كالمسحورين. أو ما فهمتم هذه اللغة؟ أنت تجلس بين يدي كافر يربيك عشرين سنة حتى تأخذ الدكتوراه، عشر سنوات وأنت تسمع منه وتتلقى منه وهو كافر، أما ينتقل كفره إليك؟ هل أنت معصوم؟ شاب يجلس في مجلس فاسد سبعة أيام أربعة أيام فيقلبوه إلى خبيث منتن، فكيف بالذي نضعه بين أيدي مربين علماء مسيح ويهود ونصارى يتعلم منهم؟! ما يسلم إلا أن يشاء الله، وهذا كلام الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:100-101]. من أين يأتي الكفر؟ يا للعجب وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، وهذا قد بيناه مئات المرات، لكن صوتنا هذا لا يسمع. هل يمكن أن اليهود سحرونا؟! نقول: ينبغي إذا أردنا أن نبتعث بعثة من أبنائنا أن نبعث معهم عالَمين، وأن نسكنهم في منزل واحد، وأن يكون في المنزل مسجداً، فإذا خرجوا من المدرسة يأتون إلى تلك القاعة النورانية، فيتعلمون الكتاب والحكمة، ويعبدون الله عز وجل، فيعودون أطهر مما كانوا؛ لأنهم حبسوا كذا سنة في بيت الله يتلقون الكتاب والحكمة، أما أن نبعث بهم وهم شبان، حمقى، طائشين، هائجين، شهواتهم عارمة، نبعث بهم يدرسون، من يسلم منهم من الزنا والعهر؟ ومن يسلم منهم من الباطل؟ ومن ومن؟ إلا أن يشاء الله.في بلادنا هذه المكرمة السعيدة بدولة الإسلام، يأتون ولكن ما يُفصحون، لا بد وأن يصلي ويقول: لا إله إلا الله، لكن بلاد حرة أخرى يسب فيها الله والرسول ويسخر منك، فهل فهمتم هذه أم لا؟ لمَ لا تبلغونها؟ والمحنة أيضاً: أنهم يبعثون بناتهم وفتياتهم يتعلمن في سويسرا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا! كيف يعدن هؤلاء؟ عواهر مائة في المائة، ومن أجل ماذا؟ ومن شرع لنا تعليم بناتنا الكفر والباطل؟ إنهم اليهود والنصارى، الذين يقولون: حتى لا تبقى المرأة ميتة في البيت، ميتة في البيت! تعال نبين لك حياتها في البيت، فأنت الميت وأمك وامرأتك، المرأة في بيتها تعبد الله أربعاً وعشرين ساعة، فهي تذكره دائماً، فهل هذه ميتة؟! إنها تربي البنين والبنات وتخرجهم صالحات، وتقوم بشئون زوجها، وتسعده في فراشه وفي طعامها وشرابها، كل هذا العمل لا تأتي به فرنسا كلها، قولوا: مسجونة في البيت! ونحن نمد أعناقنا لأننا جهالاً لا نعرف شيئاً، ماذا أنتج لهم تعليم بناتهم في الضلال والزندقة والباطل؟ هل لهم أن يدلونا؟ والشاهد عندنا: قول الله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101]، والحال أنكم تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟ هذه هي المناعة، هذه هي الحصانة، أما أن نبعدهم عن الكتاب والسنة بالمرة ونطرحهم ونضعهم بين أيدي مربين كفرة، ونقول: يؤمنون، فهذا ليس بمعقول، بل إنهم يكفرون، فبلغوا هذا للمسلمين.

ثانياً: أن العصمة في التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
[ ثانياً: العصمة] كل العصمة [ في التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تمسك بهما لم يضل ] ولن يضل، وأخذنا هذا المعنى من قول الله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فأيما أسرة أو قرية أو أمة أو جيل من الناس يعيشون على كتاب الله وسنة الرسول، فلا يضلون ولا يكفرون ولا يفسقون -ووالله ما كان- بل مستحيل، فإنها سنن الله التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، والماء يروي، والحديد يقطع، والنار تحرق. فلماذا لم تتوقف هذه السنن؟ هل أصبحنا في وقت الماء لا يروي أبداً؟ هل تشرب برميل ماء فلا تروى؟! هل أصبحت النار لا تحرق؟ هل هذه السنة تبدلت؟! لا. إذاً: الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله من سنن الله أن صاحبهما لن يزيغ ولن يكفر ولن يهلك أبداً.

يتبع


ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ثالثاً: الأخذ بالإسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال
[ ثالثاً: الأخذ بالإسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال، وأخيراً من الهلاك والخسران ] في الدنيا والآخرة، فلا زيغ في القلب ولا ضلال في الحياة، ولا هلاك في الدنيا والآخرة، ولا خسران للذين تمسكوا بالإسلام. والبرهان على هذا: ما زلنا نقول: أنت في بيتك تمسِّك بالكتاب والسنة، وانظر هل تزيغ أو تهلك؟ هل تخسر؟ والله ما كان، سواء أسرة أو قرية، وقد بينا غير ما مرة: القرون الثلاثة الذهبية، هل اكتحلت عين الوجود بمثلها؟ والله ما كان، وعرف هذا الأعداء، فهم يشوهون ويزيدون وينقصون كالكلاب يلهثون، ولكن مستحيل أن يوجد جيل أو أمة تبلغ ذلك المستوى الذي بلغته تلك القرون الذهبية من الصحابة وأولادهم وأحفادهم، إنه الكمال المطلق في عقولهم، في آدابهم، في سلوكهم، في حياتهم كلها. سبب ذلك ماذا؟ تعاليم سقراط؟ الفلسفة الكاذبة؟ التاريخ الهائج؟ إذاً ماذا؟ ما هو إلا قال الله وقال رسوله، التمسك بالكتاب والسنة عقيدة وخلقاً وآداباً وشرائع وأحكاماً وقوانين. وقلنا لهم: تعالوا نريكم بأعينكم يا حسدة، لما هبط العالم الإسلامي إلى الأرض أين كان؟ كان في السماء، هبط فوضع الغرب قدميه أو أقدامه على العالم الإسلامي، ممالك الهند حكمتها شركة تجارية بريطانية، أُسود المغرب وأبطاله شمال إفريقيا كان يضرب بهم المثل، وضعت فرنسا أقدامها على رقابهم وبالت عليهم. الشرق الأنور الأوسط كله يرزح تحت وطأة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. فكيف هذا؟ ما السبب يا فلاسفة، يا علماء الاجتماع، يا علماء النفس؟ دلونا؟ والله ما يعرفون، هبطوا لأنهم احتالوا عليهم منذ قرون، أبعدوهم عن القرآن إي والله، حوَّلوا القرآن ليُقرأ في المقابر والمآتم، ليُقرأ على الموتى فقط، ويحك! أن تقول: قال الله، اسكت، كيف تقول بدون علم: قال الله؟! والسنة تُقرأ للبركة، ففقدوا مصدر الحياة فماتوا، انتشر الشرك، وعمَّ علماء أزهريين بعمائمهم وهم يركعون ويسجدون على القبور! لا إله إلا الله! قرون فقدوا العقيدة، فقدوا النور، فقدوا الهداية، وأصبح في القرية خمس طرق، الآن مصر المعزية بها سبعون طريقة، وإن كان خفت صوتها لكن ما زالت أصولها سبعين طريقة، من التجانية إلى القادرية إلى.. إلى..، لا إله إلا الله! المذاهب مفرقة، الطرق.. و.. وبالتالي سلط الله علينا الغرب فحكمونا، وشاء الله عز وجل أن يريهم آية من آياته، ومع هذا عموا وصموا، لا إله إلا الله! ففجأة طلعت شمس الإسلام من جديد، قالوا: عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود احتل الرياض وأعلن عن دولة القرآن! كيف هذا؟! قالوا: نعم، زحف من بلد إلى بلد، ووصل إلى المدينة فحاربوه وقتلوا رجاله، ثم انتقل إلى مكة وجلس عبد العزيز على كرسي الملك.لطيفة ذكرها الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار فقال: زرت الملك عبد العزيز وهو في قصر المعابدة، وقصر المعابدة كان لدولة الأشراف، قال: فلما دنوت تلوت آية من سورة يونس، وهي قوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [يونس:13] الله أكبر! لما ظلموا أو لا؟ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:13-14] قال: وإذا عبد العزيز يغلبه البكاء والنشيج، فأين أنت نازل يا عبد العزيز ؟ في قصر المعابدة تبع الأشراف، من أجلسك هناك؟ من ملَّكك؟ أليس الله؟ لمَ؟ ليبتليك، لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14]. ونحن صبية في الكُتّاب نتعلم القرآن لنقرأه على الموتى فقط، حتى أمي رحمة الله عليها -وهي من الصالحات إن شاء الله- قالت: يا رب! أسألك أن تجعل ولدي إما طالب قرآن وإما جزار. لماذا؟ لأن اللحم عندنا من العام إلى العام، أو كل ستة أشهر مرة، وسلوا أجدادكم، الجزار لا بد أن يأتي باللحم وبالكرشة وبكذا، أو طالب قرآن يقرأ على الموتى ويأتيها بقطعة اللحم يلفها في منديله ويأتي بها، رحمة الله عليها. إذاً: هذا الشيخ يعلمنا القرآن ونحن صبية، فقال: الآن السلطان عبد العزيز في مكة ومر رجل معه كيس في الشارع فيه دقيق، ومسه آخر بأصبعه -هذا الرجل- فبلغ السلطان أن هذا الرجل أراد أن يسرق أو كذا، فقام فقطع له أصبعه -وهذه مبالغة- قطع أصبعه لأنه مسَّ كيساً ليس له، وليس له ذلك، وبالتالي ساد الأمن في هذه الديار، وما عرفته والله إلا أيام الخلفاء الراشدين والقرون المفضلة. أمن حارت به الدنيا، لا يوجد في أوروبا ولا في أي مكان، ما عنده تلفوناً ولا رشاشاً ولا طيارة ولا..، يخرج المؤمن من المدينة إلى حائل، إلى الأحساء، إلى أبها، إلى الرياض لا يخاف إلا الله، فلا إله إلا الله! أمن وطهر، فقد انتهت الجريمة، فلا خلاعة ولا زنا ولا فجور ولا.. ولا..، وما شذ فلا قيمة له، إذ قد شُذَّ حتى على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن منذ ثلاث وأربعين سنة قلت لكم: كنا ننزل في بيت بلا أبواب أبداً، ودكاكين الذهب والله ما هي إلا خرق تلقى عليها، ويذهب صاحب الذهب إلى بيته يقيل ويتغدى وينام ثم يأتي! سحر هذا أم ماذا؟ كيف تحقق هذا؟ إذاً: أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. هذه هي النعمة. والشاهد عندنا: العرب والمسلمون يقولون: هؤلاء وهابيون، خوامس! وقد جاءني - وأنا طفل- أحد الصالحين من تلامذة العقبي في العاصمة بالأصول الثلاثة، وقد طبعت في الجزائر لأن دعوة الإصلاح منتشرة على عهد العقبي ، فأعطيت الكتاب لشيخي الذي يعلمنا القرآن، وكان ذكياً وفطناً، فتصفح الكتاب وهو على المنصة أو الدكة، ثم قال لي: يا أبا بكر ! هذا الكتاب طيب، ولكن قالوا: مؤلفه خامسي، مذهب خامسي! وأخذ العالم الإسلامي ينهش ويعض ويكسر ويحطم، لا يريد هذا النور أن يبقى أبداً، لكن الله قهرهم.وجاء دور الاستقلال، وهنا قلت: إن القوم عموا وصموا - فجاء دور الاستقلال- فأول قطر استقل -اسمعوا يا أحداث- هو انسحاب فرنسا من سوريا ولبنان، فكان المفروض والواجب القرآني الإسلامي الإيماني بمجرد ما خرجت فرنسا أن يبعثوا وفداً إلى السلطان عبد العزيز، وكان يومها هو هو، ويقولون: استقل هذا الإقليم عن دولة الكفر فلينضم إلى دولة القرآن. افهموا أن الشيخ يتكلم معكم ولا يعتبر ساسة الدنيا ساسة، بل هم جهلة يعيشون في الظلام، وأعود فأقول: كان المفروض أن يأتوا إلى عبد العزيز ويقولون له:يا سلطان عبد العزيز! استقل هذا الإقليم، ابعث لنا قضاة يطبقون شريعة الله، يحكموننا بالإسلام، وابعث خليفة لك يضيء هذا القطر وينضم إلى المملكة، وتطبق شريعة الله في دمشق وفي بيروت وفي تلك البلاد كما هي في المدينة والرياض والأحساء وحائل وتبوك. يسعدون أو لا؟ أو ما تعرفون؟ والله لو فعلوا لسعدوا في الدنيا والآخرة. ثم فجأة استقل العراق عن بريطانيا، فلو قالوا: يا سلطان عبد العزيز! ابعث قضاة، كنا نُحْكَم بالهوى، وابعث والياً عاماً يخلفك في تلك الديار، وهكذا استقل الأردن، استقلت مصر، استقلت كذا.. خمسة وثلاثون سنة والخلافة قائمة، أمة الإسلام أمة واحدة. لمَ ما فعلوا هذا؟ كل إقليم يستقل ماذا يصنع؟ الجمهورية، الديمقراطية، الوطنية، كذا.. مضى هذا من أجل أن يذوق المسلمون الذل والهون والدون والشقاء والخسران في الدنيا قبل الآخرة. أليس هو هذا أيها المسلمون؟ أين ثمار الاستقلال ونتائجه؟! فهل عرفنا الآن أو لا؟ قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103]، فما حبل الله سوى دينه وكتابه وهدي رسوله وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] لن يضل ولن يشقى أبداً. إذاً الهداية الثالثة: [ الأخذ بالإسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال، وأخيراً من الهلاك والخسران ] والله الذي لا إله غيره! لو أن دولة في أوروبا تسلم غداً بلجيكا أو بريطانيا أو هولندا أو أي دولة، وتقيم الدولة كما أقامها عبد العزيز، للاحت في آفاق أوروبا أنوار لا حد لها، ولدخل الناس في دين الله أفواجاً، آيات الله، لكن اليهود والنصارى لا يريدون هذا، فهاهم الآن في البوسنة والهرسك فقط ما هم بالمسلمين، فقط قالوا: مسلمون، وإلا لا شريعة ولا ولا ولا، وأوروبا في كرب وهمّ وحيرة، يعقدون مؤتمرات في الداخل والخارج من جهة أن هؤلاء مظلومين، ومن جهة أنهم يريدون الإسلام، وهم في فتنة، فكيف لو أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله؟! أربعة وعشرون ساعة فقط ويهتز العالم بأسره.وكيف نسلم يا شيخ؟ بينا الطريق، فليس فيه كلفة، فقط معاشر المسلمين! من الليلة يجب أن نجتمع في بيوت ربنا بنسائنا وأطفالنا ورجالنا، نتلقى الكتاب والحكمة، ونبكي بين أيدي ربنا؛ فإنه سوف يعزنا ويرفعنا. فهل هذا يكلف شيئاً؟ ما إن تقبل الأمة على ربها، وتجتمع في بيوته يقودها نور الله -الكتاب والسنة- حتى تنتهي الخلافات، وينتهى الباطل والشر والخداع والتكالب على الدنيا والعبث والسخرية والفجور، كل هذا يمحى، سنة الله لا تتبدل، وتعود أمة الإسلام من جديد، بالحجارة تهدم كل سور من أسوار الكفر، بل ما يتركها الله للحجارة، وإنما يفتح عليها أنواعاً من السلاح ما عرفته أوروبا؛ لأن الله معها.معاشر المستمعين! هذا كلام اليهود والنصارى على علم به وعلى يقين، والمسلمون ولا واحد في المائة يعرف هذا ويسمع به، أما هم فيعرفونه يقيناً على علم.

رابعاً: وجوب التمسك بالدين الإسلامي وحرمة الفرقة والاختلاف فيه
قال: [ رابعاً: وجوب التمسك بشدة بالدين الإسلامي، وحرمة الفرقة والاختلاف فيه ] فلا مذهبية ولا طرقية ولا وطنية ولا.. ولا..، وإنما مسلم، وهذا شأن المسلم، لكن ما يريد الأعداء ذلك، فقد قسمونا مذاهب وطرقاً، قسمونا دياراً ووطنيات، فهل في الإسلام وطنية؟ وطن الإسلام الأرض كلها، ليس فلسطين فقط، أوروبا كاملة يجب أن تكون للمسلمين، أمريكا وكل ما فيها، ما هي قضية طين وتراب، وإنما يجب أن يُعبد الله في الأرض ولا يعبد غيره، لكن الوطنية درسناها في كتب السياسة.

خامساً: وجوب ذكر النعم لأجل شكرها
قال: [ خامساً: وجوب ذكر النعم لأجل شكر الله تعالى عليها ] بمَ يشكر الله؟ بطاعته وطاعة رسوله، بعد الحمد لله الطاعة لله ورسوله، وهي شكر النعمة. هل أمر تعالى بهذا؟ أما قال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:103]؟ لمَ نذكرها يا رب؟ من أجل أن تشكروها، فمن ذكر شكر، ومن جحد وأنكر كيف له أن يشكر؟! الذي لا يعترف أنك أعطيته سيارتك كيف يقول: جزاك الله خيراً؟ فإذا اعترف أنك أعطيته سيقول لك: جزاك الله خيراً، فاذكروا تشكروا، ومن لم يذكر والله ما يشكر.

سادساً: أن القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم
قال: [ سادساً: القيام] أي: البقاء [ على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم ] القائم الواقف على الشرك في عقيدته، في عبادته، في أحكامه، القائم على المعاصي، ارتكاب المحرمات، غشيان الذنوب، ترك الواجبات؛ هذا معناه أنه واقف على شفير جهنم. أتعرفون الشفير؟ إنه حافة البئر، والواقف على حافة البئر يكاد أن يسقط. ثم قال: [فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتماً بقضاء الله وحكمه ] وقد قال الله: وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ [آل عمران:103]. أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (42)
الحلقة (183)

تفسير سورة آل عمران (47)


أمة الإسلام هي خير الأمم، لأنها حملت مهمة تبليغ الدين بعد انتقال نبيها صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وقد حث الله أفراد هذه الأمة أن تحمل لواء الدعوة إلى التوحيد، والأمر بالمعروف في أوساطها، والنهي عن المنكر؛ لأن ذلك هو طريق الفلاح والفوز برضا الله عز وجل ودخول جنته.

تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي تليها ندرس كتاب الله عز وجل -القرآن العظيم- رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران، ومع قول ربنا جل ذكره بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:104-109].

معنى قوله تعالى: (ولتكن منكم)
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ [آل عمران:104] وصفها كذا وكذا؟ والله لهو الله، إذ هذا كلامه في كتابه أوحاه وأنزله على المصطفى الذي اصطفاه من كافة الخليقة، واجتباه لهذه الرسالة، محمد صلى الله عليه وسلم. إذاً: هذا أمر، والأمر مثل: قم، صلِ، انطق، افهم، والآمر إذا كان الله فهل يُعصى؟! لا يصح العصيان أبداً، لا يصح عصيانه وإلا العصا، إذاً: ولتكن منكم يا معشر المسلمين، و(اللام) هنا لام الأمر يجب أن تكون منا. أُمَّةٌ [آل عمران:104]، والأمة: العدد الكبير من الرجال الذين أمرهم واحد، معتقدهم واحد، منهجهم واحد، أملهم واحد، تجمعهم جامعة، فلا يكونون أفراداً متفرقين.

صفة ومهمة: (الأمة) في قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ [آل عمران:104] ما مهمتها؟ ما الذي وصفت به؟ قال تعالى: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، والخير ضد الشر، الخير ما يحصل به كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، وما يحصل به شقاؤه وخسرانه ونقصانه في الدنيا والآخرة فهو شر وليس بخير.

تفسير معنى: (الخير) في قوله تعالى: (يدعون إلى الخير)
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] الخير ما يحصل به الكمال والسعادة للإنسان، وينجو به من الشقاء والنقصان والخسران، وبالتالي فما هو هذا الخير؟ ألا إنه الإسلام بعقائده وآدابه وأخلاقه وعباداته وشرائعه وأحكامه، هذا هو الخير الذي يجب أن يكون من المسلمين من يدعون إليه، يدعون الأبيض والأصفر، الأحمر والأسود، العربي والعجمي من بني آدم أجمعين. وَلْتَكُنْ [آل عمران:104]، يجب أن تكن؛ لأن الله أهلَكم لذلك، وهيأكم له وأعدكم، فبعث فيكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه، ورزقكم الإيمان الصادق به وبما جاء به رسوله، فأنتم متأهلون لهذه المهمة. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ [آل عمران:104] أيها المسلمون، أُمَّةٌ [آل عمران:104]، كم عددها؟ لا يقال: لها عدد، إنما المهم أن يوجد بين المسلمين من يغزو ويفتح ويعلن كلمة التوحيد ويدعو البشرية إليها، هل امتثل المسلمون هذا؟ إي والله، لو ما امتثلوا هذا ما اجتمعنا هذه الليلة، ولا كان فينا إسلام ولا مسلمون، ولكن الذين امتثلوا هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأولادهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم، فهم طيلة ثلاثمائة سنة وهم ينشرون راية العدل والحق في العالمين، حتى انتهى الإسلام إلى المحيط الأطلنطي، فقال أحدهم وقد رمى بفرسه في البحر: لو أعلم أن وراء هذا البحر أمة لمشيت إليها. وشرقوا وانتهوا إلى ما وراء نهر السند أداءً لهذا الواجب، ويعلم الله لقد قاموا به، فلقد كانت منهم أمة الجهاد والغزو والفتح، لا للدنيا ولا للمال، ولكن لامتثال أمر الله. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، ألا وهو الإسلام، فهل وراء الإسلام من خير؟ قولوا! لا، فهيا بنا نتجول في ربوع العالم، نبدأ بالبرازيل وننتقل إلى كندا، ونترك أمريكا في الوسط، ونشرق ونغرب إلى اليابان، إلى الصين، أي خير هم فيه وعليه؟! الفجور، الخداع، الكفر، الباطل، المقاطعة، بلاء عظيم! أين الخير؟ الخير هو الإسلام، فهو نعمة الله، إذ قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

واجب العلماء الربانيين في السعي لتوحيد الأمة
الآن هل أمة المسلمين وِجدت من هذه الأمة؟ من هم؟ يجب أن يكون للمسلمين إمام يؤمهم، قائد يقودهم، هادي يهديهم، مرشد يرشدهم، مصلح يصلحهم، هذا الإمام يجب أن يعد العدة، وأن يجيش الجيش ويهيئوه ويغزو به بلاد العالم، هل لاستعمار الأمم واستغلال أموالهم وثرواتهم واستذلالهم وإهانتهم؟! لا والله، وإنما لإدخالهم في رحمة الله، لتطهيرهم وتصفيتهم وتزكيتهم، وإعدادهم لسعادة الدنيا والآخرة.بعبارة أقرب: من أجل أن يعرفوا ربهم وخالقهم، رازقهم ومدبر أمرهم، ثم يعبدوه بما شرع، فتلك العبادة هي التي تكملهم في آدابهم وأخلاقهم ومعارفهم، وتسعدهم في دنياهم وأخراهم، إذ ليس للبشرية سوى هذه الأمة، فمن يقوم بهذه الرسالة؟ الكاثوليك عبدة الأهواء والشهوات، أم الملاحدة، أم المجوس؟ من يحمل هذه الرسالة؟ هل يوجد غير المسلمين؟! فهيا نطيع ربنا، دلونا على الطريق، جماعات تقول: الحاكمية، الجهاد، الحكام كفار، الأمة كافرة، وصاحوا وذُبِحوا، وصاحوا وخُنِقوا، وصاحوا وماتوا ولا شيء، لعلي واهم؟ قم وقل لي: أما رأيت كذا؟ حينئذ نقول: نستغفر الله ونتوب إليه.هل أقمتم حكماً إسلامياً؟ أطلعت شمس تلك البلاد وأصبحت تضيء الحياة للناس، وأصبحت مضرب المثل؟ تعالوا وزوروا هذا البلد وشاهدوا الأنوار، الصفاء والطهر، والأخوة والولاء، العزة والكرامة، انظروا إلى تحكيم شرع الله! ماذا نصنع؟ هيا دلونا، لو تقوم جماعة من الربانيين الصادقين أولياء الله الذين إذا رفعوا أكفهم إليه ما ردها خائبة أبداً ولا صفراً، لو سألوه أن يزيل الجبل لأزاله، لو أقسموا على الله لأبرهم وما حنثهم، هذه الجماعة الربانية تزور العالم الإسلامي إقليماً بعد آخر، وتقرع باب كل حكم وحكومة، وتقول: هيا بنا نتعانق، نحيي هذه الأمة بعد موتها، ويبتدئون من بلد إلى بلد وهم يعركون ويُلَيِّنون و.. و.. وفجأة وإذا بحكام العالم الإسلامي وعلمائه قد اجتمعوا في هذه الروضة، إذ ما هو صعب الآن، بالطيارة خلال أربع وعشرين ساعة وهم فيها، ما هو كالزمان الأول مستحيل. فيقولون: بايعناك يا إمام المسلمين، ثم يا علماء! لا تخرجوا من هذه الروضة حتى تضعوا دستور أمة الإسلام، القرآن والسنة وما عليه فقهاء وعلماء الأمة، في خلال أربعين يوماً والدستور يطبق من إندونيسيا إلى موريتانيا بأيدي القضاة والحكام -الكتاب موجود- أربعون يوماً فقط وأمة الإسلام أمة واحدة، فإذا قلت لها: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] وجدتها قائمة، الجيوش العربية الإسلامية أصبحت تقام فيها الصلاة ويعبد فيها الله، وانتهت الضلالة والخرافة، وانتهى هذا الفسق والمجون والباطل، ولاحت أنوار الصدق والوفاء، وأصبحت كلمتهم كلمة أولياء الله، فيغزون ما شاء الله، بل إذا اتجهوا صوب إقليم دخل في رحمة الله، فماذا ترون؟ أو ما هناك حاجة إلى هذا الدرس يا شيخ! اترك هذا؟! أيجوز هذا؟ نقرأ ونمشي، ألسنا مأمورين؟ وَلْتَكُنْ [آل عمران:104] من؟ مِنْكُمْ [آل عمران:104] نقول: لا، نحن غير مؤمنين، تكون من غيرنا، نرضى بهذا؟ نقول: ما نحن بمؤمنين، اتركنا! لا أبداً، نرضى أن نُحرَّق، نصلب، نقتل وما نرضى أن نكفر ونتخلى عن إيماننا. وَلْتَكُنْ [آل عمران:104] هل الأمر صعب؟ لا، بل سَهُل الآن، وكما قلت لكم وأعيد القول من فتوحات الرحمن: لو بيننا ربانيون سالمون، صالحون، صادقون، خمس عشرة عالماً، عشرون، مائة من العالم الإسلامي، وتتكون لجنة من خيارهم وتقوم بزيارة مسئولي أمة الإسلام وحكامهم، وتعرض عليهم منهجاً ربانياً لجمع كلمة هذه الأمة، وتوحيد صفها؛ لتنهض بواجباتها، وتقوم بأداء رسالتها، فلا أظن أنهم يخيبون أبداً؛ لأنهم يعرفون كيف يعرضون، وأنوار الله تلوح من أفواههم ومن أبصارهم، وفجأة وإذا موعدنا شهر كذا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يخرجون من هذه الروضة إلا وقد بايعوا إمامهم: أنت إمام المسلمين، ويعودون يطبقون شرع الله، وفجأة وإذا بالبلاد كلها أنوار؛ لأن الوقت مناسب، والزمان مواتي، لكن قبل وجود هذه المواصلات كان هذا من أبعد البعيد، كيف تزور هذه البلاد وأنت تحتاج إلى أربع سنوات وأنت تمشي حتى تصل، بينما الآن يطوفون بالعالم الإسلامي في ثلاثين يوماً، بل أقل، فأين هؤلاء الأولياء الصالحون؟ ما وِجِدوا بيننا؟! لمَ؟ لأن آباءهم وأمهاتهم ما رُبُوا في حجور الصالحين، فما تربوا هم في حجور الصالحين، فكيف يوجدون بهذا الصلاح؟! كيف يحصل هذا؟! ونقول: كيف؟ نقول: ما وجدوا، فأين هؤلاء؟ لو وجِدوا لجمعوا كلمة المسلمين، لوحدوا صفوفهم، لطهروا قلوب المؤمنين من الشرك والضلالات والخرافات والأوهام والأطماع والشهوات، لكن إن وجد هذا فقد قلت لكم: قطعاً هذا أمر سهل ويسير في هذه الظروف.

يتبع


ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الطريق الموصل إلى الله تعالى
قد تقولون: هذه بعيدة، أنى لنا أن نصل إليها، كيف توجد هذه؟ ماذا نصنع؟ نعود من حيث بدأنا، وأنا أحلف بالله، وبعض الإخوان يلومونني لماذا أحلف؟ لا تلوموني، فأنا أحلف اقتداء بربي، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والحلف من أجل أن تطمئن النفس إلى القول وتقبله، فمن أراد أن يرحم أناساً يحلف لهم، من أراد أن يصدقوا الخبر يحلف لهم، والحلف الحرام بسيدي عبد القادر ورسول الله وفاطمة والحسين، فهذا من الشرك والعياذ بالله، الحلف بالباطل حرام، والحلف بالكذب فسق وفجور، لكن الحلف على الحق دين الله عز وجل. فأقول: الطريق السهل الميسر الذي نُري الله تعالى فيه قلوبنا وصدقنا في إيماننا، ورغبتنا في لقائه والسير في الطريق الموصل إليه، هو أن نأخذ بمبدأ: أن أهل القرية كأهل الحي في بلاد العرب والعجم على حد سواء، إذا دقت الساعة السادسة مساءً يقف دولاب العمل، لا دكاناً ولا مقهى ولا مطعماً ولا مصنعاً ولا مزرعة ولا.. ولا.. أهل القرية أهل الحي يتوضئون بسرعة، يلبسون أحسن ثيابهم ويحملون نساءهم وأطفالهم في صدق إلى بيت ربهم، وهل لربهم بيت خاص؟ إي نعم، المسجد، وإن ضاق وسَّعوه، وليسوا في حاجة إلى الحديد والإسمنت، يوسعونه بالخشب والحطب، باللبن والتراب، يجتمعون في بيت ربهم، أذَّن المغرب في الساعة السابعة والربع وإذا بأهل الحجاز كلهم في بيوت الله، أما الجهة الشرقية فبيننا وبينها نصف ساعة، والأمة كلها في بيوت الله، فيصلون المغرب والنساء وراء الستائر، والأطفال النورانيون دونهن، والفحول من أمثالكم أمامهن، ويجلس لهم عالم من ذاك النوع الرباني، فيدرسون كتاب الله وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقط قال الله وقال رسوله، لا أباضي ولا زيدي ولا نخولي ولا رافضي ولا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي ولا حنفي ولا حزبي ولا وطني، وإنما أمة لا إله إلا الله، أمرها واحد، يخاطبها رب واحد، يهديها إلى الصراط المستقيم إله واحد، لا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا أبيض ولا أسود، أهل القرية أهل الحي يتعلمون كتاب الله وحكمة رسوله، ليلة بعد ليلة، وفي عام وعامين تصبح تلك القرية وكأنها في عهد رسول الله وأصحابه. ما الذي يحصل بالعلم؟ يحصل به المودة، الإخاء، الحب، الولاء، التعاون، الزهد في أوساخ الدنيا وأوضارها وشهواتها وأطماعها، يتوفر المال عند الناس فماذا يصنعون به؟ من كان ينفق في الشهر عشرة آلاف ينفق ألفين ويفيض الزائد، ماذا يصنع به؟ لعلي واهم؟ والله لكما تقولون، عندما يصبح أهل الحي كأمة واحدة، جسم واحد، ماذا يصنعون بالمال؟ يفيض عليهم، وتنتهي مظاهر الضعف: الخيانة، الغش، الخداع، الكذب، الكبر، الحسد، الزنا، اللواط، ال.. ال.. انتهت، مُسِحَت، وهل تُمسح يا شيخ؟ إي نعم، سنة الله التي لا تتبدل، ونضرب المثل دائماً فنقول: أعلم أهل القرية اليوم في بلاد العرب أو العجم أعلمهم بالله ومحابه ووعده ووعيده أتقاهم لله، وأقلهم فجوراً، وأقلهم خيانة وكذباً، وأقلهم باطلاً وشراً، والله العظيم، فهل في من يشك بهذا؟ ومن ثَمَّ ما تكلفنا شيئاً، كل ما في الأمر أن النتاج يقوى، قلوبنا تتغير، يصبح ما يحصل عليه العامل وينتجه أضعاف ما كان قبل، فنحن نصلي الصبح ونقبل على الأعمال في البساتين، في المزارع، في المصانع بصدق وجد، بإخاء ومودة وتعاون، والله لننتج أكثر ما تنتجه مصانع الشرك والباطل والكفر، لا تقولوا: إذاً نعوِّق الحياة ونقف بها والناس يتقدمون، والله نصبح في وضعية يفتح الله أبواب العلم والمعرفة، فننتج ما لا تنتجه دول الكفر، وبهذا نكون قد أطعنا ربنا وامتثلنا أمره في قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].وهنا قد يقول قائلٌ: أنت فسرت الخير بالإسلام، وهذه الأمة -كما هو معروف- أمة الجهاد والغزو، كما أنك تقول: لو اجتمعنا في بيوت الله بنسائنا وأطفالنا نتلقى الكتاب والحكمة، فسننتقل من وضعية إلى وضعية أحسن، ونصبح.. ونصبح.. فكيف ونحن قد تركنا الجهاد؟! الجواب: نحن الآن لسنا في حاجة إلى أن نغزو، لا بريطانيا ولا إيطاليا، ولا تخوفوهم؛ لأن بلادهم مفتوحة لنا، فادخل وابن المسجد، وادع إلى الله، ووزع الكتاب والنَشْر ولا تخف، ولسنا في حاجة إلى أن نرسي سفننا في ميناء كذا لندخل إلى كذا، أبداً، انتهى هذا، فقط هيا ندعو إلى ربنا، كيف يا شيخ؟لقد بينا وقلنا: لمَ لا تتكون لجنة عليا، والمسئول عنها رابطة العالم الإسلامي، هذه التي بكينا وصحنا كذا سنة حتى تكونت، فتكوَّنت الرابطة، وتكوَّنت الجامعة الإسلامية، وتكون صوت الإسلام أو نداء الإسلام، هذا كله بسبب هذه الدعوة، فهل انتبهتم أو لا؟ أو نحلف لكم؟ والله العظيم، لو أن عندي الآن الرسالة التي رفعتها إلى جلالة الملك سعود، لاشتريتها بألفين ريال وهي ما تساوي عشرة قروش، لكن ضاعت، رفعنا رسالة وطبعتها بالآلة، ورفعناها إلى المسئولين، وكان مفتي الديار السعودية الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، أحد كبار العلماء في أيام الملك سعود رحمة الله عليه، وقلنا: لابد من القيام بهذا الواجب، أي: إنشاء جامعة أو معهد لتخريج الدعاة، فأمة الإسلام يأكلها الجهل ويغشيها ويعميها الضلال والشرك، فمن ينقذها؟ لابد من مصدر لتخريج العلماء أهل التوحيد والمعرفة لتطهير القلوب والنفوس، فوافق على تكوينها، فكذلك لابد من جماعة تربط العالم الإسلامي بعضه ببعض، وقد أخذ العالم يستقل إقليماً بعد إقليم. لا بد من هيئة عليا للعلماء تتكلم باسم العالم الإسلامي فتكونت الرابطة فكانت صوت الإسلام ولكن النتاج قليل؛ لمعوقات، ولأن القائمين عليها ما هم من النوع الذي نحلم به من الربانيين والأصفياء، أهل كرامة الله هم من نوعنا، فلهذا ما خطونا الخطوة الواسعة.الشاهد عندنا: الآن تتكون لجنة عليا من العالم الإسلامي تضم من كل إقليم -كبير وصغير- عالماً أو عالمين، وإذا بمجلس العلماء أفراده ينيفون على الثمانين، فكل دولة تبعث عالمين، هذه اللجنة العليا للإسلام لما تجتمع تكوِّن منها لجنان؛ لجنة إلى أمريكا، لجنة إلى أوروبا الشرقية، إلى أوروبا الغربية، لجنة إلى اليابان، أخرى إلى الصين.. إلى بلاد الكفر، وتدرس أوضاع الجاليات الإسلامية، وتتعرف إلى أعدادهم، وإلى مذاهبهم، وإلى سلوكهم، وإلى حاجاتهم، وبعد أربعين يوماً أو شهرين تأتي بخريطة، الإقليم الفلاني فيه كذا، الدولة الفلانية فيها كذا.إذاً: فهيا ننشر الإسلام، وحينئذ يكوِّنون ميزانية سرية خفية حتى لا نفزع اليهود أو الصليبيين، يسهم فيها كل مؤمن ومؤمنة بقرش؛ لأنها ضريبة الجهاد، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ [آل عمران:104]، يشارك فيها كل مؤمن، فأهل كل إقليم العلماء الذين منه يتولون الاتصال بالأفراد نساء ورجالاً يعلمونهم بأنه لا بد من المشاركة في هذه الميزانية في نشر الإسلام ودعوته في العالم، وفي خلال أربعين يوماً يعرفون أكبر ميزانية في العالم، فتكرس وتأخذ اللجنة العليا أولاً: تنتقي الكتاب اللائق بتدريسه وتعليمه، تنتقي العلماء الربانيين الصادقين، وتبعث العالم والكتاب بيده، وتتولى نفقة المسجد أو المدرسة على حسابها، وفجأة وإذا بتلك الجالية من أمريكا إلى أوروبا إلى اليابان أمرهم واحد؛ لأن مصدر النفقة واحد، ولأن الكتاب الذي يدرس واحد.وعلى سبيل المثال: منهاج المسلم، فأيما مسلم يقول: أنا لا أدرس هذا، مُسح اسمه من الإسلام، ما هو بمسلم؛ لأن هذا الكتاب يجمع المسلمين، فلا فرق بين شرقي، لا بين شافعي ولا حنفي، لا بين زيدي ولا أباضي، ولا بين مسلم ومسلم، يجتمعون في بيت الله، يتلقون الكتاب والحكمة، وتنمو أخلاقهم، وتسمو معارفهم، وإذا بالنور ينتشر، وإذا بالكفار من جيرانهم يغمرهم نورهم، فيطلبون هذا النور ويظفرون به، والله العظيم لو شاهد الكفار أنوار الإيمان حولهم لما رغبوا عنها ولطلبوها.وبالتالي نكون قد قمنا بواجب نشر الدعوة وبرئت ذمتنا، العوام والعلماء والحكام والأغنياء والفقراء.. كلهم برئت ذمتهم، وأصبحوا قد أدوا واجبهم، وكوَّنوا ما طلب الله أن يكوِّنوا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، فهل فهمت هذه يا دكتور أحمد؟ واضحة أم لا؟ ما الذي يمنع أن تكوَّن لجنة عليا وقد طالبنا بهذا في كتاب مكتوب إلى مسئولي الأمة علماء وحكاماً، ومضت عليه سنة، وما تحرك عالم ولا حاكم؟ أنا لا ألوم الحكام وإنما ألوم العلماء أولاً؛ لأن العالم لم يأت الحاكم فيبين له، وعليه فإننا آثمون، ما أدينا واجبنا، ما قمنا بأمر ربنا، عفوك يا عفو يا كريم، رحماك يا رب العالمين.

أهمية وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين
قوله تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا توجد في العالم الإسلامي قط إلا في هذه المملكة، وقد أوجدها عبد العزيز رحمه الله؛ لأنه استقل عن العالم الكافر، والمسلمون مازالوا تحت سماء بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا، فكيف يكوِّنون هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم محكومون؟!إذاً: أعذرناكم أيام كنتم محكومين، لكن لما حكمتم واستقللتم وسدتم، وأصبحت لكم الحكومة المستقلة، لم لا تكوِّنون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! نادوهم، ادعوهم: يا حكام كذا وكذا وكذا، من إندونيسيا إلى المغرب، لمَ لا تكونون هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أهم عصاة؟ إي والله، لم يطيعوا الله تعالى، أما وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]؟ لمَ نكوِّن أنواع البوليس على اختلافها؛ الدَرَك، الشُرَط ولا يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! البوليس في يده الكُرْبَاج والصفارة يدور طول الليل والنهار، يشاهد منكراً ما يقول: هذا منكر، يشاهد معروفاً متروكاً ما يقول: يا عبد الله ما لك؟ لا، ما هي مهمتي؟! لا، لا، ما تتهمهم بهذا يا شيخ عبد الله اتركنا، اسمع، أنا ماشي في الطريق لمَ تعترضني سامحك الله؟! أنا أقول: استقل الإقليم عن بريطانيا، فيجب أن تكوِّن فيه هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله لو وجد في ذلك الإقليم -الذي استقل أمس عن بريطانيا أو فرنسا- علماء ربانيون صادقون لألزموا الحاكم أن يفعل، ولفرح بذلك؛ لأن الحكام ليسوا بجهلة، علمتموهم؟ جُهال وضلال؛ لأنهم تخرجوا من مدارس روسيا وأمريكا وبريطانيا، كيف يصبح وزيراً أو حاكماً وهو أمي؟! معقول هذا الكلام؟ لابد وأن يحمل الماجستير، الدكتوراه في علم السياسة، في علم النفس، فأين درسوا؟ في المسجد النبوي؟! أنفي ما قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101]؟ نحن الذين بعثناهم فدرسوا حتى كفروا، أنلومهم؟ ما لنا؟ أين عقولنا؟ سنقول: لو كان هناك علماء ربانيون لطالبوا الحاكم عندما استقل البلد أن يوجد هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يفرض إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لأمر الله تعالى بذلك عند وجود الحكم والاستقلال، ما ننسى آية الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].لكن قد يقول قائل: يا شيخ، هذا الكلام نظريات قرآنية، فأين الواقع؟ ما رأينا الواقع، أقول: تعالوا إلى السعودية تشاهدون الواقع -إذا قالوا لهم: هذه رجعة إلى الوراء- تشاهدون هذا البلد المبارك، لولا الخليط الآن والارتكاسات، وماذا نقول؟ الذين يحاربون هيئات الأمر بالمعروف في داخل المملكة أكثر من خارجها، فهم يتقززون منها، ومع هذا والله لا يوجد بلد آمن من هذا البلد، ولا أطهر من هذا البلد، ومن يرد علي يخرج معي إلى البيت ويقول: أنا آخذك إلى البلد الفلاني الذي ليس فيه زنا ولا عهر ولا خيانة ولا كذب ولا.. ولا..، هاتِ، والله لا آمن ولا أطهر من هذا البلد، بسبب ماذا؟ الحكومة السعودية؟! هل عندها سحر؟ والله ما هو إلا إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله العظيم -لا تقولوا: الشيخ يحلف- يا ويل الذين يثبطون الحكومة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكتبون في الصحف، إنهم مرضى؛ لأنهم درسوا في الخارج، فيتقززون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما هو أمر الله يجب أن يكون في كل قرية من قرى المسلمين، رجالٌ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، حتى لا ينتشر المنكر بينهم فيهلكوا، حتى لا يختفي المعروف فينزلقوا ويتحطموا، ويسلط الله عليهم من يذلهم ويدوسهم بنعاله. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] إي: الإسلام، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، كذا أو لا؟ فهيا نعتذر إلى ربنا، يا ربنا ما نستطيع، ما نقدر على أن نكوِّن، يقبل هذا العذر؟ نبحث عن الأسباب.

معنى قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون)
قال: وَأُوْلَئِكَ [آل عمران:104]السامون الأعلون، أشار إليهم بالبعد لعلو منزلتهم، والآن الحكومات والشعوب الإسلامية والكافرة كلها هابطة، والحكومة هذه البقية الباقية عالية والله العظيم، أو ما تثقون بهذا الكلام؟ أو لعلكم تقولون: هذا الشيخ يتملق! إن هذه كلمات يوحيها إبليس يمرض بها القلوب والعقول، ما يسمحون لمؤمن يقول كلمة حق أبداً، يتملق فقط، والتملق إذا قال الكذب أو قال الباطل، إذا دعا إلى المنكر من أجل إرضاء أصحابه، أما أن تكتم الحق، فهل هذا يصح من مؤمن؟! هذه البلاد من عفَّنَها؟ العالم الإسلامي يهشمها ويحطمها في كل مكان، فتجد السب والشتم والتضييع، ولا يقولون فيها خير أبداً ويذكروه، جبنا ديارنا وعرفناها في الشرق والغرب، والله لولا الله ما بقيت إلى اليوم أبداً. وَأُوْلَئِكَ هُمُ [آل عمران:104] لا غيرهم، الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] فالله يكذب؟ أعوذ بالله! تعالى الله عن الكذب، عرف الأشياء قبل أن يخلقها، كونها قبل أن توجد، فهل يجهل هذا؟ وأولئك الذين كونوا أو كانت منهم أمة تدعو إلى الإسلام وتجاهد وتبتع، وأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديارها، هؤلاء هم وحدهم المفلحون، ما قال: (وأولئك المفلحون)، وإنما قال: وَأُوْلَئِكَ هُمُ [آل عمران:104] فلمَ أتى بالضمير(هم)؟ ليقصر الفلاح عليهم، ووالله لكما قال تعالى: هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فما معنى الْمُفْلِحُونَ ؟ الفائزون، وما معنى: الفائزون؟ هل الفائزون بجائزة نوبل؟! الله أكبر! أهل القرآن يقولون: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] إي والله، واقرءوا هذه الآية الكريمة: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، من يقول: إلا نفوس بني هاشم، إلا نفوس الطِليان. هل هناك من يستثني؟ لا. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، من حكم بهذا الحكم؟ الله، فهل استطاع أن ينقضه كائن في الكون؟ نافذ أو لا؟ إذاً: اسمع: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أيتها الشغيلة، أيتها العملة، يا عمال! اعملوا، واصلوا العمل في الليل والنهار، ولا تطالبون اليوم بالأجر، إذ هذه دار عمل وليست دار أجر وجزاء، لا إله إلا الله! اعمل الصالح والطالح، والجزاء ليس هنا أبداً، فهي ليست دار جزاء، وإنما هي دار عمل، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ [آل عمران:185] متى؟ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، أجور العمل سواء كان شراً أو كان خيراً وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. ما هذه الأجور؟ دولارات، مليارات، إبل، أغنام، قصور؟! بين الأجور فقال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185] أي: أُبعد عنها وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فهل عرفتم الفوز أو لا؟ وأخيراً: اذكروا حكم الله فينا وقد صدر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].معاشر المستمعين والمستمعات! هيا نزكي أنفسنا ولا يضرنا سقوط البشرية كلها في الهاوية، ليعمل كل واحد منا على تطهير نفسه بهذه العبادات المتقنة المقننة، وبالبعد عن كل ما حرم الله، من نظرة محرمة، أو لقمة محرمة، أو كلمة سيئة، أو حركة باطلة، بهذا تفلح يا عبد الله، وتفلحين يا أمة الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].اللهم اجعلنا من المفلحين الفائزين يا رب العالمين، اللهم إن بيننا من يشكو الألم والمرض، فاشف مرضانا يا رب العالمين، وزكِ نفوسنا، وطهر قلوبنا ونورها لنا يا رب العالمين، وتوفنا وأنت راض عنا، وأدخلنا -يا ربنا برحمتك- في عبادك الصالحين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (43)
الحلقة (184)

تفسير سورة آل عمران (48)


الأمة المحمدية هي أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأجل أن تكون دعوتها على بصيرة فلابد لكل داعية فيها أن يعلم محاب الله عز وجل فيأمر بها، ويعلم مكاره الله ومساخطه فينهى عنها، ومتى ما قامت الأمة بهذا الواجب العظيم حفظ الله أمرها في الدنيا، وكتب لها الفلاح في الآخرة.

تابع تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركات من سورة آل عمران عليهم السلام، وتلاوة الآيات -التي شرعنا في درسها البارحة- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:104-109]. ‏

وجوب وجود جماعة من المسلمين تدعو إلى الإسلام
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! عرفنا وعلمنا وفهمنا وأيقنا أن على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل أزمنتها وعصروها أن توجد فيها من يدعو إلى الإسلام، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، فلا خير أعظم من الإسلام، وبالتالي فلابد من إمام تبايعه أمة الإسلام، وأن يكون له جيش عظيم يغزو ويفتح من أجل نشر دعوة الله، وإدخال البشرية في الإسلام الذي هو رحمة الله، وهذا واجب ضروري، سواء قلنا: كفائي أو عيني، فأين إمام المسلمين؟ تفرقوا عنه ومزقوا بلاده وكوَّنوا دويلات وجماعات! إذاً فكيف يوجد لهم جيش إسلامي يدعو فيغزو ويفتح؟!إذاً: يجب أن تلتئم جراحاتهم، وأن تجتمع كلمتهم، وأن تتحد رايتهم، وأن يحملوا راية الدعوة إلى الله عز وجل، وإلا فهم آثمون بتركهم هذا الواجب، اللهم اغفر لنا وارحمنا.وقد ذكرت لكم فيما مضى ولعل بيننا من ينقل هذه الكلمات الحقة: مادمنا قد عجزنا عن الغزو والفتح، وقد فتح الله لنا بلاد العالم من الصين واليابان إلى أمريكا وأوروبا، فباسم الله نكوِّن لجنة عليا يشترك فيها من كل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي عالم أو عالمان، وهذه اللجنة المكونة من أربعين أو خمسين عالماً تتولى نشر الدعوة الإسلامية بالكتاب والمعلم، وقبل ذلك بالدينار والدرهم.كما قلت لكم: إنه في الإمكان أن يرسموا خريطة للجاليات الإسلامية الموجودة في العالم، ويُعرف عددها وحاجتها، ثم توضع ميزانية تُفرض على كل مسلم في العالم الإسلامي أن يساهم بدينار، وهذه الأموال لا نريد أن نتبجح بها في الصحف والإعلانات فنثير أحقاد اليهود والماسونية والصليبيين، وإنما تتم في حالة سرية، والحكمة تقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، ثم يبعث إلى تلك الجاليات بعالم أو عالمين أو ثلاثة أو أربعة على قدر اتساع رقعتهم، ومعهم الكتاب الذي يوحد كلمتهم وصفوفهم، وحتى لا تبقى الفرقة ولا مظهر لها، وإنما كلهم مسلمون، فلا مذهبية ولا طائفية ولا عنصرية ولا وطنية، وإنما ديننا الإسلام الذي مصدره الكتاب وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم.وتمشي القافلة فلا تلبث أكثر من ربع قرن إلا وقد تضاعف أعداد المسلمين في العالم الخارجي، ولا يبعد أن تظهر دويلات إسلامية، ونكون بهذا قد أدينا هذا الواجب، ولنحمد الله على أن أراحنا من حمل السلاح وغزو البلاد وفتحها، إذ إن الله قد فتحها فالحمد لله، فهل تذكرون هذا أم لا؟ ننتظر حتى توجد الخلافة الإسلامية؟! متى؟ إن الباب مفتوح أمامنا انشر دعوة الله تعالى، بل يستطيع المسلمون أن يتجولوا في تلك البلاد بدون ما أمر من فوق أو من تحت، وبالتالي فالذي له ساعة في وقته له أن يزور بلداً ما على أن يحسن لغتهم، وله أن يتصل بفلان وفلان، فيعلمهم دين الله تعالى، وكل ما في الأمر أن الله رحمنا لضعفنا وعجزنا، ففتح لنا أبواب العالم لننشر الإسلام بكل راحة وطمأنينة.أما ديارنا الإسلامية فنحن قد هبطنا فمن يرفعنا؟ ورفعتنا ليست مستحيلة أبداً، إذ إن العالم الإسلامي اليوم كبلد واحد، فإذا كبرت في الشرق سمعت تكبيرتك في الغرب، وإذا رفعت يديك: وارباه، سمع دعاءك كل مؤمن في الشرق والغرب، فتستطيع أن تأتي إلى مكة في نصف يوم من أي بلد، وتأتي إلى المدينة في أقل من أربع ساعات.

الطريق إلى إيجاد جماعة من المسلمين تدعو إلى الله تعالى
والمهم والطريق هو -كما علمتم- أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله تعالى، فنطرحهما بين يديه، وترجمة ذلك أن نقبل على ربنا في بيوته، فنبكي بين يديه بنسائنا وأطفالنا كل ليلة حتى يستجيب دعاءنا، ويجمع كلمتنا، ويطهر أرواحنا، ويزكي نفوسنا، وهذا لا يكلفنا شيئاً، فكيف لا ندلل على أننا مفتقرون إلى الله محتاجون إلى رحمته لأننا في أسوأ الأحوال وأقل الظروف؟ يجتمع أهل القرية في مسجدهم، وأهل الحي في مسجدهم، وذلك من المغرب إلى العشاء كاجتماعنا هذا، ويتعلمون الكتاب والحكمة، ويزكون أنفسهم، واسمعوا إلى قول الله فيكم: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، أي: القرآن والسنة، فهل فينا يا أهل هذه الحلقة من يعتز بمذهبه فيقول: أنا حنفي، أنا شافعي، أنا مالكي، أنا حنبلي، أنا أباضي، أنا زيدي؟ لا أبداً، فالذين يجلسون في صدق فيتعلمون الكتاب والحكمة أصبحوا مسلمين، فلا عنصرية ولا طائفية ولا مذهبية، وإنما فقط نتبع هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولسنا في حاجة إلى من يبين لنا ذلك، وإنما إذا اتضح ولاح سلكناه ولا نبالي بالشرق ولا بالغرب؛ لأننا نريد أن ننزل بالملكوت الأعلى، نريد أن نخترق ونجتاز السبع السموات الطباق لننزل بدار السلام، فإذا كان هذا يكلفنا أن نجتمع في بيت الله ونبكي بين يديه طول حياتنا، فهل هذا غال؟ رخيص هذا.وشيء آخر: أين السياسيون؟ أين علماء النفس؟ أين علماء الاجتماع الذين يستطيعون أن يردوا على الله ورسوله؟ والله ما إن يطرح المؤمنون بين يدي ربهم إلا وقد انتهى كل مرض في قلوبنا، فلا غش، ولا خداع، ولا كبر، ولا غيبة، ولا نميمة، ولا سحت، ولا ربا، ولا زنا، ولا باطل، بل تنتهي كل هذه الأخباث المتنوعة، وهذا الظلم المتنوع، وهذا الشر والفساد، ولو تجتمع البشرية كلها على إزالته والله ما تزيله إلا على هذا الهدي الإلهي، ولو يضعون مع كل إنسان عسكري، والله ما يستطيع أن يستقيم، وإنما يكذب ويخدع ويغش ويخون، فلمَ لا نعرف هذا؟ فهيا نطهر قرانا ومدننا من هذا الخبث الذي خمت له الأجواء، ومن هذا الشر والفساد الذي طغى، ومن هذا العجز والضعف الذي أصابنا، بله من الحاجة والفقر، فما السبيل إلى ذلك؟ وما الطريق إلى ذلك؟ أن نحقق ولاية الله، أن نصبح أولياء الله، فالله قد نفى عن أوليائه الخوف والحزن فقال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. من هم أولياء الله تعالى؟ يقولون: العيدروس وسيدي عبد القادر والبدوي وفلان وفلان! إن أولياء الله كل مؤمن تقي لله تعالى، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أي: يتقون سخط الله وغضبه وعذابه، بمَ يتقونه؟ بالمظلات؟ بالكهوف؟ بالطائرات؟ يتقونه بتسليم قلوبهم ووجوههم لله تعالى، بطاعة الله وطاعة رسوله، هذه الطاعة محتاج العبد إلى أن يعرف فيمَ يطيع الله؟ فيمَ يعصه؟وطلب العلم فريضة، وبالتالي فما الطريق إلى طلب العلم؟ عيينا، فتحنا في العالم الإسلامي مدارس وكليات، ومازال الجهل مخيماً، إذاً كيف نتعلم؟ دلونا على الطريق يا رشداء، يا عقلاء، ما الطريق إلى أن نتعلم؟ أو لستم بموقنين بما نتكلم به؟ والله لن يزول هذا الجهل وهذه الظلمة إلا إذا أقبلت الأمة على ربها في صدق، وأصبحت تجتمع في بيت ربها بنسائها وأطفالها، فيتعلمون الكتاب والحكمة طول العام، بل طول الحياة، في وقت يجب ألا يبقى فيه عمل، إذ الكفار لا يعلمون من الساعة السادسة إلى نصف الليل، ونحن نرفض هذا ونعمل حتى أننا لا نصلي المغرب في جماعة، ولا نجلس بين يدي معلم يعلمنا.

ضرورة إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قرى ومدن المسلمين
قال تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، وقد قلنا في الجملة: لمَ الدويلات الإسلامية عربها وعجمها لا توجد بها هيئات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قالوا: هذا يكلف ميزانية جديدة! قلنا: نقسم الميزانية نصفين، نصفها للبوليس والشرط، ونصفها للهيئة، إذ البوليس والشرط لتحقيق الأمن، والهيئة لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فينتهي نصف الشر أو ثلاثة أرباعه، وشيء آخر: والله ليوجد من المسلمين من لو يأذنون لهم فيعطونهم سمة رسمية، ولا يحتاجون إلى مكافأة شهرية ولا عامية، لكن للأسف تستقل الدولة أو الإقليم ولا يريدون إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونستطيع أن نقول: إن الذي صرفهم هو الماسونية، لكن نحن الذين نمد أعناقنا لكل أحد، فالماسونية نلعنها، والمستعمرون الذين كانوا يحكموننا والله ما ألزمونا بألا نأمر بمعروف ولاننهى عن المنكر، بل ولا نصدق ذلك، فإقليم من الأقاليم يقول: لا، فنحن لما خرجت بريطانيا فرضت علينا ألا نفعل كذا! والله ما كان، لم ما يفعلون؟ ما يريدون الدار الآخرة؟ استغنوا عنها أم ماذا؟ نكل أمرهم إلى الله، اللهم اشهد فقد بلغنا.

يتبع


ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:09 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
دعائم الدولة الإسلامية
وقد بينت لكم ولهم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضهما الله عز وجل على الدولة التي تقوم في البلاد، وهذه ليست نظرية وإنما سياسية، إذ إن دعائم الدولة الإسلامية أربعة:الأولى: إقامة الصلاة، ومعنى إقامة الصلاة أن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، وقف العمل، وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم، فالجندي والعسكري كالمدني، والعامل كمراقبه، وأقبلوا على الله ليستمدوا قواهم، ويستمدوا رحمته وعونه لهم، وفي خلال ربع ساعة تنتهي الصلاة، ثم اندفعوا وراء أعمالهم، وذلك خمس مرات في الأربعة والعشرين ساعة؛ ليبقوا دائماً أولياء الله، ولتبقى ولاية الله ثابتة لهم.ولا تسألني عن النتائج المادية المحسوسة الملموسة من إقامة الصلاة، إذ لو أقيمت الصلاة اختفى كل وجه للباطل والشر والظلم والخبث والفساد، الأمر الذي لا تستطيع قوى الأمن بأي حال من الأحوال أن تحققه، بينما إقامة الصلاة والله ليحققه، أما قال العليم الحكيم: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟ وكررنا هذا القول -واشهد اللهم وإننا لمودعون- وقلنا لهم: تعالوا إلى أي بلد من العالم الإسلامي العرب والعجم، ونأتي بمحافظ المدينة ونقول له: يا فلان أعطنا قائمة بأسماء المجرمين في هذا الأسبوع، فيقدم لنا القائمة: هذا ضرب أباه، وهذا سرق أمه، وهذا فعل كذا، فقلت: والله لا نجد في تلك القائمة نسبة أكثر من 5% من مقيمي الصلاة، و95% من المصلين وتاركي الصلاة، والآن أربعين سنة ولم يعرفوا هذا، فالمقيم الصلاة الذي يناجي ربه على علم وبصيرة خمس مرات يخرج فيلوط ويزني ويكذب ويفجر ويسرق؟! والله ما كان، وإن وقعت مرة في عمره انغسل منها وانمحى ذنبه ببكائه وصيامه النهار وقيامه الليل. فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، لم؟ لأنها ما أنتجت لهم الطاقة النورانية، إذ الصلاة إن لم تقم على قدميها وساقيها كما هي لتنتج وتولد الطاقة النورانية في القلوب فإنها لا تنفع لضعفها، فهي صلاة بلا خشوع لا تولد هذا النور. إذاً: والآن لنعلم معاشر المؤمنين والمؤمنات! أن قول الله تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] وآيات أخرى دالة على أنه يجب على المؤمن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سواء كان مسئولاً أو غير مسئول، وذلك في القرية أو في الحي أو في السوق أو في الطريق أو في المسجد أو في البيت، فإذا رأى معروفاً متروكاً مهملاً، يلفت النظر إلى تاركه ومهمله، ويرغبه في فعله، ويكون بذلك قد أدى واجبه، وإن رأى منكراً مرتكباً مفعولاً في قرية أو في السوق أو في المدينة أو في المسجد أو في أي مكان، وهو يعلم أنه منكر، فينبغي أن ينبه أخاه بلطف ولين على أن هذا منكر، ومثلك لا يفعله، وأنت ولي الله، وهنا يتطلب الموقف معرفة المعروف ومعرفة المنكر، فالذي لا يعرف المعروف كيف يأمر به؟! قد يخطئ، والذي لا يعرف أن هذا الكلام منكر أو هذه الحركة منكر، أو أن هذا العمل منكر، كيف ينهى عنه؟!

أهمية معرفة محاب الله ومساخطه لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر
عدنا من حيث بدأنا: يجب علينا أن نعرف محاب الله ومساخطه، ومحابُ الله هي المعروف، ومساخطه هي المنكر، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش زمناً وهو لا يعرف ما يحب ربه ولا ما يكره مولاه؛ خشية أن يترك المحبوب فيغضب عليه ربه، أو يرتكب المكروه فيسخط عليه ربه، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش فترة يتمكن منها من السؤال والعلم والمعرفة، وهو لا يعرف المعروف ولا يعرف المنكر، إذ المعروف هو ما أحبه الله فشرعه في دينه، وأنزله في كتابه الذي أوحاه إلى رسوله، والمنكر هو المبغوض لله تعالى، أو ما حرمه الله تعالى، أو هدد فاعله، أو توعده، أو وضع له حداً من الحدود، سواء كان عقيدة أو قولاً أو عملاً، وبالتالي نعلم هذا كله في المساجد فقط، أما المدارس والكليات فلا، وقد بلغني -وأنا ما أطيق أن أسمع الأخبار- أن أعداداً كبيرة من خريجات الجامعات في البلاد العربية الآن يتزوجن بإطاليين وأسبان وأمريكان! مع أن الواجب على إمام المسلمين لو تزوجت امرأة مسلمة بكافر أن نغزو تلك البلاد، وأن نحرر تلك المرأة المؤمنة، ولا نترك الكافر يعلوها ويحول بينها وبين عبادة ربها. والآن فتياتنا وبناتنا علمناهن ورفعنا قيمتهن، فتخرجن من الكليات والجامعات، وبعث بهن إلى سويسرا وأسبانيا، وبالتالي يتزوجن اليهود والنصارى! فاسمعوا أيها المؤمنون! من الآن امنعوا بناتكم من دخول الجامعات في المدينة النبوية، لا أقول: من الجامعات في القاهرة المعزية، لكن قدي يقول قائل: يا شيخ! كيف تقول هذا؟ والله ما إن تزول هذه الراية -لا قدر الله- ويتولى الحكم إخوانكم، تصبح أوضاعكم أسوأ من أوضاع البلاد الأخرى، ويتسابقن بناتكم إلى أوروبا ليتعلمن، وتحل الخيبة وينزل البلاء والشقاء.ومع هذا مادمنا مندفعين وراء تعليم بناتنا، والزج بهن في الكليات والجامعات -هو الطريق المعروف- فلابد وأن ينتهي إلى كشف الوجوه والخلاعة والدعارة والوصول إلى البلاء، فهل يوجد علماء نفس يجادلوننا؟ أو علماء سياسة؟ أو علماء الحكمة؟ إن الله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، فكذلك الزج بالبنات في الجامعات والكليات والمدارس الثانوية وغيرها من أجل الرغبة في الدينار والدرهم مآله معروف، ولن يفلح إلا من شاء الله، ونحن أتباع النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم نعلم بناتنا كيف يعبدن الله؟ كيف يعشن على ذكر الله؟ كيف يربين البنين والنبات على نور الله وهداية الله؟ كيف يسعدن أزواجهن في بيوتهم؟ لا نعلم من أجل الوظيفة، إذ الوظيفة عمل رسمي يُعطى صاحبه مالاً معيناً.آه لما بدأت الصحف تظهر عندنا، وخاصة صحيفة المدينة والبلاد والرياض، أخذوا يطالبون بحماس: إلى متى والبنت السعودية في دياجير من الظلام؟! لم لا تُفتح مدارس للبنات؟! فكتبت رسالة بعنوان: الإعلام بأن العزف والغناء حرام، وهم يضربون ضربتين، مرة: لمَ تبق بنات السعودية في الظلام، افتحوا لهن مدارس؟ لمَ تبق إذاعتنا محطمة مهجورة ما فيها امرأة تغني، ولا فيها صوت كذا؟ وفعلاً انتصروا، وذلك لأننا -كما علمتم- نمد أعناقنا إلى الأعداء، ما هناك روح إيمانية ولا بصيرة، فقلت: والله إن فتحتم لهن المدارس الابتدائية لتطالبون بالثانوية، وإذا انتقلتم إلى الثانوية والله لتطالبون بالجامعة، وقد تم هذا كله بالحرف الواحد، والآن والله لتطالبن بالوظيفة، وفعلاً بدءوا الآن يطالبون بتوظيف النساء! وإذا تململنا وتململ آباؤهن وقالوا: كيف تتوظف النساء؟! إن التعليم غير الوظيفة، وهذا لا ينفع، فيبعثون بهن بالليل إلى جامعات أوروبا ليتعلمن العلوم التي البلاد في حاجة إليها! لأجل أن نصل إلى الوظيفة لا إلى الله. وعلى كل حال معشر المستمعين والمستمعات! احفظوا بناتكم عن الفتن، وإن جعن وإن عطشن وإن عرين خير لهن من الخروج عن دائرة الآداب والأخلاق والعقيدة والإيمان والإسلام، وحتى لا تكون سبباً في الفتنة إذا ظهرت.وقد بلغنا اليوم أن الحكومة قللت من استقدام الخادمات، فحمدنا الله عز وجل على ذلك، والآن ما يجد إبراهيم أو عثمان خادمة، إذاً: فيقول لابنته: اجلسي، اتركي هذه المدرسة واشتغلي مع والدتك في البيت، إذ والله لو شغلنا بناتنا في بيوتنا ما احتجنا إلى خادمات جاهلات، وبعضهن فاسقات ساحرات مبطلات، وترتب على مجيئهن البلاء وما يغضب الجبار.ونعود فنقول: يجب على المؤمن أن يعرف المعروف الذي يأمر به، ويعرف المنكر الذي ينهى عنه، وليس شرطاً أن تعرف كل معروف حتى تأمر بالمعروف، أو تعرف كل منكر حتى تنهى عن المنكر، وإنما حسبك إن عرفت أن إقامة الصلاة فريضة الله، وواجب على كل مؤمن ومؤمنة، فإذا وجدت من أهملها أو أعرض عنها فمره بذلك، أو عرفت أن الغيبة هي ذكر إنسان غائب في مجلس، وتعريته ونقده، فإذا كنت في مجلس وسمعت من يؤذي مؤمناً فقل: يا إخواننا! لا تذكروا أحداً وهو غائب، إذ إن هذه غيبة محرمة، أيضاً في مرة من المرات مرت بك امرأة كاشفة عن محاسنها في بلاد الطهر كهذه -والحجاب قائم والحمد لله- فأمرها بستر وجهها ومحاسنها، لكن بالكلمة الطيبة، وقد كان عندنا أحد الطلاب وقد مات، فقد كان يقرب من تلك المرأة المتبرجة ويلتفت بعيداً عنها ويقول: يا أمة الله! غط وجهكِ، ويمشي ويبتسم، وهو بهذا قد أدى الواجب الذي عليه .إذاً: يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية )، فمن عرف آية، بمعنى: حفظ الفاتحة، ثم سمع أمياً يصلي وهو لا يحسن قراءة الفاتحة، فيجب أن يقول له: يا عبد الله! تعال أعلمك الفاتحة، ويخلو به في جانب المسجد ويعلمه.أيضاً لو دخل أحدكم إلى بيت صاحبه فوجد في التلفاز نساء يغنين ويرقصن، فيبين له أن هذا لا يجوز، أو وجد كلباً في حجرة صديقه، فيتغدون والكلب إلى جنبهم يلهث، ولا يعرف أن وجود هذا الكلب في هذا المكان حرام، فقل له: يا عبد الله! أبعد هذا الكلب، ضعه عند حراسة الباب أو عند الغنم، لا عندنا في الحجرة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ).كذلك إذا زرت أخاك ووجدت عنده مغنية تغني في التلفاز وامرأته وبناته يشاهدهن، فقل له: هذا ما ينبغي، فأنتم مسلمون، طهروا بيتكم، وكل ذلك بكلمة طيبة، وبالتالي يكون قد أديت الأمانة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر.والذي لا يعرف مسألة لا يجوز له أن يأمر وينهى بدون علم، بل لابد وأن يكون قد عرف المعروف معرفة حقيقية، وعرف المنكر معرفة حقيقية، وحينئذ يأمر وبالتي هي أحسن، وعندنا نظام رباني فاسمع: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فادع يا عبد الله إلى ربك بالحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه، والموعظة الحسنة: هي التي ترغب العبد في فعل الخير أو تبغض إليه فعل الشر، فتذكره بالدار الآخرة وما فيها، وإن جادلك من جادل فجادله بالتي هي أحسن؛ لأنه لابد من الكلم الطيب المعسول كما يقولون حتى يصل إلى قلبه ويستفيد منه، فهل عرفتم من هم المفلحون الفائزون؟ أبعدهم الله عن النار وأدخلهم الجنة.

نهي الله للمسلمين أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في الفرقة والاختلاف في الدين
وقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا [آل عمران:105]، وهذا نهي، فاسمعوا يا عباد الله! وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105] في الدنيا والآخرة. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا أي: تفرقوا بعدما كانوا أمة أصبحوا أمماً، بعدما كانوا جماعة أصبحوا جماعات، واختلفوا في: هذا حلال وهذا حرام، هذا حق وهذا باطل، وهؤلاء هم أهل الكتاب وبصورة خاصة اليهود والنصارى، وَأُوْلَئِكَ أي: البعداء، لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لا يقدر قدره ولا يعرف حقيقته إلا الله تعالى.وهنا أذكركم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة )، اليهود كانوا قبل النصارى، ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاثين وسبعين فرقة )، رواه الترمذي وهو صحيح، وقال: هذا حديث صحيح، وفعلاً فقد وجدت ست فرق في أمة الإسلام، وهي: الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية، وانقسمت كل فرقة إلى اثنتي عشرة فرقة، فيكون مجموع تلك الفرق كلها اثنتان وسبعون فرقة، والناجية هي الثالثة والسبعون.فأولى هذه الفرق: الحرورية، نسبة إلى حروراء مدينة بالكوفة أو بالبصرة، ثم بعد ذلك القدرية الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، وثالثاً: الجهمية محرفوا صفات الله ومؤولوها، ورابعاً: المرجئة الذين ليس عندهم ذنب أبداً، وإنما كل شيء يغفره الله تعالى، وخامساً: الرافضة أو الشيعة، وأخيراً: الجبرية القائلون: بالجبر، فيقتل ويقول: أنا مجبور! ويسب أمه ويصفعها ويقول: أنا مجبور! وكل ذلك حتى يستبيح كل شيء، وكل هذه الفرق لو تتبعتها في كتبها تجدها. إذاً: ما هي الفرقة الناجية؟ بنو هاشم؟ بنو تميم؟ الفرقة الناجية هي التي عقائدها وعباداتها وآدابها وأخلاقها وقضاؤها وحكمها على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعقيدتك كعقيدة رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة، وصلاتك وعبادتك تؤديها كما كان الرسول يؤديها وأصحابه ومن بعدهم، وزكاتك وصيامك وآدابك وأخلاقك وسلوكك دائماً مأخوذ من رسول الله وأصحابه، فهذه هي الفرقة الناجية، ومن عداها ففي النار؛ لأن العبادة إذا أُديت كما شرع الله فإنها تزكي النفس البشرية وتطهرها، فإذا زكت نفس العبد قبله الله في دار السلام، والعبادات التي تتنافى مع عبادة الرسول وأصحابه بالزيادة والنقص، أو بالتقديم والتأخير، هذه العبادة فاشلة، ولا تزكي النفس، وإذا لم تزكُ نفس العبد فكيف يدخل الجنة؟! فهل ينقض الله حكمه؟ أو هل هناك قوة أقوى من قوة الله؟ وهل صدر حكم الله على البشرية بأن من زكى نفسه دخل الجنة، ومن دساها دخل النار؟ نعم، ونجد ذلك في قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فكن ابن من شئت، وعش في أي مكان شئت، إذا لم تزك نفسك -وأنت قادر على تزكيتها- فلن تفتح لك أبواب السماء، ولن تدخل الجنة مع الداخلين، وهذا حكم الله.وقد انتهت واندرست كل هذه الفرق والطوائف، إذ ما وجدت إلا للفرقة والتقسيم والضلال والعياذ بالله، وأنت مسلم أمرك الله بكذا، فقل: سمعاً وطاعة، أمرك الرسول بكذا، فقل: سمعاً وطاعة، نهاك الله ونهاك رسوله، فقل: سمعاً وطاعة، ولا تقل: أنا زيدي، أنا أباضي، أنا اثني عشري، بل لا تقل: أنا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي، بل مد عنقك وقل: طاعة لله ورسوله.إذاً: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، ونحن قد جاءتنا البينات، فكتاب الله خالد والله حافظه، وسنة الرسول حفظها الله وهيأ لها رجالاً يحفظونها، ولم يبق عذر لأحد من المسلمين، بل ومن الكافرين، ومن طلب وجد، والذين خرجوا عن أمة الإسلام لمَ لا يسألون العلماء ويرجعون إلى دين الله؟ لمَ يبقوا متعصبين جماعات جماعات، يضحك عليهم الشيطان وأولياؤه؟ من أجل أن يستقلوا ويكونوا الدولة على المذهب! إنها فعلة يهودية، وقد مد المسلمون أعناقهم وقبلوا الفرقة وانهزموا أمام الطغيان والشر، وأبوا أن يُقبِلوا على الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (44)
الحلقة (185)

تفسير سورة آل عمران (49)


الدنيا هي دار العمل، والآخرة هي دار الجزاء، فمن عمل في الدنيا الأعمال الصالحات، وقطع عمره في مرضاة الله، والعمل بأمره واجتناب نهيه جاء يوم القيامة أبيض الوجه، ودخل في رحمة الله عز وجل وجنته، وأما من أقام على المعاصي في الدنيا، ولم يأتمر بأمر الله عز وجل ورسوله، ولم ينته عن نهيهما فإنه يجيء يوم القيامة أسود الوجه، ويستحق سخط الله وعقابه.
تابع تفسير قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت، الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.هذا وقد انتهى بنا الدرس من سورة آل عمران إلى هذه الآيات التي درسناها ليلتين متتاليتين، وها نحن في الليلة الثالثة، ولعل الله يوفقنا لختمها ونهايتها، وإليكم تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتأملوا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] جعلنا الله منهم، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:105-109]. ‏

وجوب إيجاد جماعة في الأمة لنشر دعوة الله في العالم

أولاً: علمنا موقنين بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل أزمنتها وعصورها لابد فيها من جماعة تغزو وتفتح، وتدعو وتنشر دعوة الله في العالم، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104] الذي هو الإسلام، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].وقلنا: يجب على كل أهل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي أن يوجدوا هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونظرنا إلى واقعنا فوجدنا أمة الإسلام أعرضت إعراضاً كاملاً عن هذا الواجب إلا ما شاء الله، كالدولة السعودية التي أسسها المرحوم عبد العزيز، فما زالت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة، وخصوم لا إله إلا الله يحاربونها في كل مكان، وإن حاربها اليهود والنصارى فلا عجب ولا غرابة؛ لأنهم لا يريدون أن نسعد وننجو، ولكن كون المحاربين لها من المسلمين فهذه التي لا تطاق.
الأسس الأربعة لقيام الدولة الإسلامية
قال تعالى: وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] بلغوا: لا يحل لمن أقام دولة في أرض الإسلام، وادعى أنه استقل بشعبه، وأصبح يدير مملكته أو إقليمه أو سلطنته أو جمهوريته، لا يحل له ألا يوجد هيئات من أهل العلم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن تكبر عن هذا، أو خاف وانهزم، فمآل دولته الخراب والسقوط والنهاية المرة، أحبوا أم كرهوا؛ لأن الله تعالى قال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: حكمناهم وسوَّدناهم وأصبحوا حاكمين، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41].فهذا إخبار بما يجب أن يكون، فإذا مكنك الله يا فلان وأصبحت حاكماً تدير مملكة أو قطراً أو جمهورية أو سلطنة، إن لم تقم دولتك على هذه الأسس الأربعة، فالعاقبة لله، وسوف تذوق أنت وقومك مرارة الحياة وآلامها، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، ماذا يصنعون؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] إجباراً، إلزاماً، لا يحل لمواطن مهما علا شأنه أو نزل ألا يصلي في دولة الإسلام، والذي يتركها معرضاً عنها يستتاب ثلاثة أيام أو يقطع رأسه إلى جهنم، وأن تجبى الزكاة جباية نظامية إسلامية حتى صاع الشعير ورأس العنز؛ استجابة لأمر الله، أما أن نستبدل بها الضرائب الفادحة أو غير الفادحة، ونعرض عن جباية الزكاة، فمعناه: أننا أعرضنا عن الله وذكره، وتكبرنا عن الله وشرعه، قلنا هذا أو لم نقل.
إيجاد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة صمام أمان من العذاب
ثالثاً: لابد كما كوَّنا هيئات الشرط والبوليس والدَرَك للأمن وتحقيقه، فيجب أن نكوِّن هيئات يأمر رجالها بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن رفضنا فالزمام بيد الله، أما قال: وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41] أو عاقبة الأمور عند بريطانيا وفرنسا؟ سوف تنزل بهم المحنة.فإن قيل: يا شيخ! لمَ تقول هذا؟ فنقول على علم: أما أنزل الله بالمسلمين بلاء عظيماً؛ إذ سلط عليهم هولندا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا، فأذلوهم وأهانوهم وسادوهم وتحكموا فيهم ونكلوا بهم؟ فعل الله هذا أو لا؟ خائفون؟ تجاملون؟ فعل أو لا؟ إي نعم، مع أن أجدادنا الذين تسلط عليهم كانوا أتقى منا اليوم، كان عندهم الحياء والمروءة والرجولة، ونساؤهم محتجبات، ومع هذا لما أعرضوا ضربهم الله.وأما اليوم بعد هذه النعم المتتالية يعرض المسلمون عن ربهم، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، لا يقيمون صلاة ولا يجبون الزكاة! فأين ربنا؟ بالمرصاد: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].إما أن يتوبوا قبل أن تدق الساعة، وإما والله سينزل بلاء ما عرفوه، مع أنهم في وضعيتهم هذه هم في بلاء، وليسوا في خير ولا في راحة ولا في سعادة، وإنما خبث وظلم وشر وفساد وتكالب.فهل عرفتم مضمون: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]؟ والجائزة: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] الناجون من العذاب، الفائزون بالنعيم المقيم لا غيرهم.
التحذير من مشابهة الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات
قال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ [آل عمران:105] البعداء، لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، ينهانا أن نكون كاليهود والنصارى في تفرقنا واختلافنا، ونزاعنا وصارعنا، ويعلمنا أن هذا الصنف من الناس لهم عذاب عظيم، حتى لا نتفرق ولا نختلف، فهل خِفنا مما خوفنا الله؟ الجواب: لا أبداً، أصبحنا أكثر من أهل الكتاب في الفرقة والخلاف، فعندنا ثلاثٌ وأربعون دولة، آلله أمر بهذا؟ أمة واحدة أم أمم؟ كم دستوراً -قانون- عندكم تحكمون به؟ عشرات، أين دستور الله: كتابه وسنة رسوله؟ على الرفوف في المكاتب، أما المحاكم فلا، هذه مقتضيات العذاب أو لا؟ والله لمقتضياته، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف:6]، يمهل ولا يهمل، على ذاك المنبر الشريف يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المؤمنين فيقول: ( إن الله ليملي للظالم ) يزيد في أيامه وطغيانه وحياته، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102]، العواصم والحواضر، وليست جغرافية الملاحدة، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود:102] عاصمة كذا، وعاصمة كذا، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ [هود:102] شديد الألم، أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] فقل لهم: انتظروا.
تفسير قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه...)
والآن مع قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، اذكروا يا عباد الله، يوم القيامة وساعة فصل القضاء، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] فتصبح وكأنها الأقمار المشرقة، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] فتصاب بالظلمة والسواد حتى كأنها الليل المظلم، وقطعاً سيتحقق هذا. ‏
جزاء المبيضة وجوههم والمسودة وجوههم يوم القيامة
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] بين لنا ربنا جزاء المبيضة والمسودة وجوههم، فقال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران:106]، فيقال لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]؟ ما لكم؟ ألستم كنتم بمؤمنين؟ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]، فماذا يقولون في ساعة فصل القضاء؟ الاستفهام للتوبيخ والتأنيب والتعنيف والتقرير، وفيه إشارة إلى أن الذين يعبثون بدين الله ويستهزئون به، ويسخرون منه، ويعطلونه -وإن انتسبوا إلى الإسلام- فوالله لتسود وجوههم، وهذه فضيحة لهم.
قول الإمام مالك في قول الله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه...)
هذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وإمام دار النبوة، يروى عنه في العتبية أنه قال: لا توجد آية في كتاب الله أشد على هذه الأمة من هذه الآية؛ لأنها لا تتناول اليهود والنصارى والمجوس والمشركين، فلا يقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ ثم هل كانوا مؤمنين؟! فهذا يتناول هذه الأمة.اسمع، قال: روى ابن القاسم -تلميذ مالك- عن مالك شيخه في العتبية -كتاب معروف- أنه قال: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، قال مالك : إنما هذه الآية لأهل القبلة بدليل قوله: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106]، فهاتوا لنا علماء معاصرين يؤولون هذه الآية، ويقولون: إنها في المشركين واليهود والنصارى، لا، فاليهود والنصارى قد انتهى أمرهم، فهل يقال لـأبي جهل: أكفرت بعد إيمانك؟! هو لم يؤمن حتى يقال له ذلك، وهل يقال لابن غوريون أو لـستالين: أكفرت بعد إيمانك؟ هو كان كافراً، إنما يقال هذا لمن يدعون أنهم مسلمون، فلا إله إلا الله! والسر في ذلك: أن هذه العبادات، وهذه الأحكام والشرائع ضمنها الله كفالة، وهي أنها تكفل سعادة الدنيا والآخرة، وذلك إذا طبقت على الوجه المطلوب، لكن إذا وقفت الشريعة، وعطلت أحكامها -كما هو واقع العالم الإسلامي إلا ما استثنينا من هذه الرقعة- فهل إذا سُئلوا يقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم وإلا كيف عطلتم شريعتنا واسودت وجوهكم؟! لأنها فضيحة ربانية، كذلك أهل الأهواء الذين حرفوا عقيدة الإسلام، فزادوا ونقصوا وكذبوا وافتروا، وهم يدعون أنهم مسلمون، وإذا دعوناهم إلى الكتاب والسنة، إلى قال الله ورسوله، تأففوا وترفعوا، وقالوا: لنا معتقدنا ولكم معتقدكم، فهؤلاء أهل البدع المخطئة المفسقة، فآيات الله فيهم أن تسود وجوههم، ويقول لهم الرب وملائكته: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106]، تجحدون بالقول أو بالعمل؛ لأن هذه العبادات إذا لم تؤد على الوجه المطلوب فلا تزكي النفس ولا تطهرها، فإذا صليت الصلوات الخمس ولم تصليها كما صلاها الرسول وأصحابه، فوالله لن تولد لك الطاقة، ولن تنتج لك النور، وهات صلاتك واعرضها على فقيه رباني من أهل السنة وقل له: صلاتي صحيحة أم لا؟ يقول لك: صلاتك باطلة؛ لأنك نقصت فيها كذا، زدت فيها كذا، أخرجت منها كذا، فبطل مفعولها، وهذه هي الحقيقة، ولذلك لو عرفوا لأكبوا على كتاب الله وسنة رسوله يبكون، وطالبوا العالمين بأهل السنة أن بينوا لهم الطريق إلى الله، لا الكبر والعنترية والاعتزاز بالقبيلة وبالإقليم وبالدولة وبالمذهب وبكذا، وكأن لم يكونوا عبيد الله.فهذا مالك يقول: إن هذه الآية لأهل القبلة، وليست في المشركين والكافرين، وإنما لأهل القبلة الذين ينتسبون إلى الإسلام ويصلون إلى الكعبة، وذلك لقول الله تعالى لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران:106] وإلا فكيف اسودت وجوهكم؟!إذاً: فما الذي تستفيدونه؟ هو أن نحافظ -ما حيينا- على معتقدنا الرباني السليم، وعلى عباداتنا كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤديها ونحن موقنون، لا بدعة ولا ارتداد ولا انتكاس ولا باطل ولا.. ولا..، حتى نُبعث إن شاء الله وينزل بنا ماء من السماء فتبيض له وجوهنا فنصبح كالقمر.

يتبع

ابوالوليد المسلم 02-12-2020 12:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله ...)
قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107]، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم. ففي رحمة الله ألا وهي الجنة ورضا الرحمن، خالدين فيها لا يموتون ولا يخرجون منها ولا يرحلون، إنها بشرى عظيمة، إذ إن هذه الآية تساوي الدنيا وما فيها.مرة ثانية: اذكروا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران:106]، بذنوبهم وآثامهم، بشركهم وكفرهم وعنادهم، بإعراضهم عن ذكر الله، مع انتسابهم إلى الإسلام والمسلمين، فهؤلاء يقول لهم الله بنفسه، بل ينزه نفسه أن يكلمهم، فملائكته تكلمهم وتقول لهم: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106]، ويساقون إلى جهنم كما تُساق الإبل. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107]، لا يسألون ولا يستنطقون أبداً، فما إن ابيضت وجوههم إلا وقد عرفوا أنهم إلى دار السلام إلى الجنة.
تفسير قوله تعالى: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق...)
وأخيراً: يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، هذه التي سمعتم آيات الله وعلاماته الدالة على وجوده رباً وإلهاً عليماً حكيما قوياً قديراً تغلل علمه في كل شيء، قدرته لا يعجزها شيء، آية تدل على وجود الله وعلمه وقدرته ورحمته وحكمته، وتدل على نبوة محمد ورسالته، إذ لو لم يكن رسوله لما أنزل عليه هذا القرآن، ولما أوحى إليه هذا الهدى وهذا البيان، تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، ينزل بها جبريل بأمر الله تعالى، وجبريل يقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، بشرى، حاشا لله أن يريد الظلم للعالمين، إنسهم وجنهم، أبيضهم وأسودهم، أولهم وآخرهم، والله ما يريد الله الظلم لأحد، فهو منزه عن الظلم؛ لأن الظلم من شأن العجزة والضعفة والمحتاجين، فهم يظلمون من أجل أن يُكمِّلوا حالهم، أما الغني عما سواه فكيف يظلم؟! وأي داعٍ للظلم؟! إنما الذي يظلم هو العاجز الضعيف، يريد أن يُكمِّل قوته، وأن يزيد فيها، أما القوي الكامل فكيف يظلم؟! إذاً: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، بل يريد رحمتهم وهدايتهم وسعادتهم وكمالهم؛ لهذا أنزل كتابه، وبعث رسوله، وبين هذا البيان، وفصل هذا التفصيل.
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض...)
وأخيراً يأتي هذا التعقيب: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، من يقول: إلا الإقليم الفلاني لنا؟ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، هل هناك من يقول: إلا القطر الفلاني فهو لنا، إلا الحكم فهو لنا، أين ستالين ولينين وجماعة موسكو؟ في جهنم، وأين تلك العنجهية والعنترية والتعالي؟ انتهوا، مائة سنة من هذه الليلة لم يبق منهم كلب ولا خنزير، إذ إن كل ما في السموات وما في الأرض للباقي الخالد، أما الذي يفنى ويزول ويذهب، أسوأ أحواله هل يملك شيئاً فيقال: له كذا وكذا.
طلب الحوائج من الله
قوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، إذاً: يا فقراء، اطلبوا من هذا الغني، تريدون عزة وسلطان ودولة اطلبوها من الله، فهو يقول لكم: طبقوا شريعتنا، امشوا على منهجنا، تكملون وتسعدون، لكن لا نريد سعادة ولا كمال، وإنما نريد الخبث والظلم والهزؤ والسخرية! إذاً: ابقوا كما أنتم. إن هذا الإعلان عجيب، وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، يا طلاب الدولة! يا طلاب الرئاسة! يا طلاب المال! يا طلاب العزة! يا طلاب الطهر! يا طلاب الصفاء! يا محتاجون إلى أي شيء، اطلبوه من الله، أو هناك آخر نطلبه منه؟ ليس هناك من يملك إلا هو، فالله ملكاً أبدياً ما في السموات وما في الأرض، فكل من أراد سعادة في الدنيا وفي الآخرة فيطلبها من الله، أما أن يطلبها من الشياطين بالحيل والمكر والخديعة والخبث والنتن والعفونة والله ما ظفر بشيء، ومآله الخسران الأبدي.أردت أن تتزوج، عليك برب الأرباب، قم آخر كل ليلة وصل ركعتين وابكي وقل: زوجني يا رب، والله يأتيك بها كحوراء، تريد عملاً تقتات منه وتسد حاجتك، اقرع باب الله، ما هو بالغش وبالحيلة والمكر والخديعة، وإنما اركع واسجد وابكي عاماً عامين يفتح لك الباب، تريد أن يرفع عنك الظلم وأنت مظلوم مهان فكذلك، وهكذا. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، من كل شيء بيده، هو الذي بيديه، ممن نطلب هذا إذاً؟ نطلب من أمريكا؟ من فرنسا تقوينا؟ من أسبانيا تمدنا؟ اطلبوا من الله.
كل الأمور مردها إلى الله سبحانه وتعالى
وأخيراً: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، مردها كلها إليه تعالى، فما بقي لنا إلا أن نقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علمونا محاب الله لنحبه، علمونا مكاره الله لنتركها، علمونا كيف نعبد ربنا من طريق رسولنا، بينوا لنا سنته؟ الجواب: تعالوا إلى بيوت ربكم يعلمكم، فإن رفضتم فلن تموتوا إلا بعداء أشقياء، وهي سنن الله التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، وطلب الهداية من الله يهبها لمن طلبها، وطلب الغنى وعدم الحاجة من الله الله، فهو الذي يغني عبده، وهكذا، أما أن تستغني عن الله، أو لا تعلن احتياجك له، وتطلب حاجاتك من الشياطين والأهواء، فوالله لن تفلح، وإنما تتعب سبعين سنة ثم تتحطم؛ لأن الله قال: وَإِلَى اللَّهِ لا إلى غيره، تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، كلها، أمور الدنيا والدين، أمور الدنيا والآخرة، قولوا: آمنا بالله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ معنى الآيات: بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه، والتمسك بدينه، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف، وحضهم على ذكر نعمه؛ ليشكروها بطاعته، أمرهم في هذه الآية بأن يوجدوا من أنفسهم جماعة تدعو إلى الإسلام، وذلك بعرضه على الأمم والشعوب، ودعوتهم إلى الدخول فيه، كما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار الإسلام وبين أهله، فقال تعالى مخاطباً إياهم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] - ولتكن منكم أي: يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير، أي: الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر- وبشرهم بأن الأمة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والآخرة، فقال: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، الفائزون بالنجاة من العار والنار، وبدخول الجنة مع الأبرار.وفي الآيات (105) (106) (107) نهاهم أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرق في السياسة والاختلاف في الدين، فيهلكوا هلاكهم، فقال تعالى مخاطباً إياهم: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ، فلا ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع الله سبباً في الفرقة والخلاف، وهما أداة الوحدة والائتلاف، وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب؛ ليعتبروا فلا يختلفوا، فقال تعالى: وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، لا يقادر قدره ولا يعرف مداه، وأخبرهم عن موعد حلول هذا العذاب العظيم بهم، وأنه يوم القيامة حينما تبيضّ وجوه المؤمنين المؤتلفين القائمين على الكتاب والسنة، وتسودّ وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والأهواء، فقال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، وبيّن جزاء الفريقين فقال: فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهوال الموقف، وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار ].لطيفة: اسودت وجوههم بسبب ماذا؟ قال: من سوء ما شاهدوا من أهوال الموقف، وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار، فلذلك اسودت وجوههم. قال: [ فيقال لهم تقريعاً وتوبيخاً: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ، إذ هذه وجوه من تلك حالهم، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106] بالله وشرائعه.وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل في الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم، قال تعالى: فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107].وفي الآية (108) شرف الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بخطابه والوحي إليه، فقال: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [آل عمران:108]، أي: هذه الآيات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق الثابت الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه، فبلغها عنا وادع بها إلينا، فمن استجاب لك نجا ومن أعرض هلك، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ [آل عمران:108]، فلا يُعذب إلا بعد الإعلام والإنذار.وفي الآية الأخيرة (109) يخبر تعالى أنه له ملك السموات والأرض خلقاً وتصرفاً وتدبيراً، وأن مصير الأمور إليه، وسيجزي المحسن بالحسنى، والمسيء بالسُّوأى ].
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: وجوب وجود طائفة من أمة الإسلام تدعو الأمم والشعوب إلى الإسلام، وتعرضه عليهم، وتقاتلهم إن قاتلوها عليه ].وقد بينا هذا وقلنا: لا بد من وجود إما الجهاد وإما لجنة عليا كما هي اليوم، وإن شاء سوف تسمعون بوجود لجنة عليا تكونت؛ لأنكم بلَّغتم، وتحدثتم بهذا في بيوتكم، وسوف تنقل إلى بعض الصالحين المسئولين فيكونونها. قال: [ ووجوب وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين.ثانياً: حرمة الفرقة بين المسلمين والاختلاف في دين الله ].فالذين يرفضون الوحدة والاتفاق على منهج الحق ملعونون هالكون، والذين ينادون: تعالوا، قال الله وقال رسوله ناجون والحمد لله.قال: [ ثالثاً: أهل البدع والأهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم.رابعاً: أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم. خامساً: كرامة الرسول على ربه وتقرير نبوته، وشرف من آمن به واتبع ما جاء به.سادساً: مرد الأمور إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة، فيجب على عقلاء العباد أن يتخذوا لهم عند الله عهداً بالإيمان به وتوحيده في عبادته، بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:16 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (45)
الحلقة (186)

تفسير سورة آل عمران (5)


زين الله عز وجل لعباده زينة الدنيا ومحاسنها وما فيها من النساء والأولاد والأموال فتنة لهم وامتحاناً واختباراً، وذلك حتى يأخذوا منها ما أباحه لهم، وما سمح لهم بأخذه والاستمتاع به، ويجتنبوا ما نهاهم عنه وحرمه عليهم من هذه النعم، ثم أخبرهم تعالى بأن ما أخذوا وما تركوا ما هو إلا متاع الحياة الدنيا والله عنده في الآخرة الجنة لعباده المؤمنين الصادقين.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين!وها نحن اليوم مع آية واحدة من كتاب الله، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]. وقبل أن نشرع في تدارس هذه الآية الكريمة نتذاكر ما علمناه بالأمس! تذكرون أننا عرفنا أن الذنوب هي بريد العذاب، إذ قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أخذهم الله فعذبهم أشد العذاب؛ بسبب ذنوبهم، فالذنوب بريد المهالك والمعاصي وبوابة الخسران والشقاء والعذاب.والذنوب: هي المعاصي، معصية الله في أمره أو نهيه ذنب، ومعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أو نهيه ذنب، فمن أمر ولم يفعل كمن نهي وفعل، كلاهما أذنب، فيؤاخذ بذنبه ما لم يتب ويتوب الله عليه.
الإيمان والعمل الصالح هما سلم الصعود إلى الملكوت الأعلى
من منكم يذكر لنا مراقي الصعود؟ ما هي المرقاة التي نخترق بها السموات السبع وننزل بالفردوس الأعلى؟الطلبة يخافون أو يستحون؟! الإيمان والعمل الصالح هما مرقاة الصعود إلى الملكوت الأعلى، وإن طلبتم بيان ذلك فأنتم عليمون به، فقد عرفتم حكم الله الذي صدر علينا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، والله إذا حكم فلا معقب لحكمه، فهو الذي أخبر بنفسه في سورة الرعد فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]!تأملوا! قول الله عز وجل من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، طاعة الله وطاعة الرسول أليست هي الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي؟! بلى.والطاعات: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، أمر بالإيمان والعمل الصالح، ونهى وحرم الشرك والمعاصي، اسمع لتشاهد هذه المرقاة: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]! كيف انتظم هؤلاء في سلك هذه المواكب في الملكوت الأعلى؟ ما هي المرقاة؟ ما هو السلم؟ ما هو البريد؟ إنها طاعة الله عز وجل، وطاعة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، واللفظ واضح كوضوح الشمس، ولفظ (من) من ألفاظ العموم، فكل من يطع الله والرسول سواء كان ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، فقيراً أو غنياً، شريفاً أو ضيعاً مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]!أين هم الذين أنعم الله عليهم؟ أين رسول الله؟ في الملكوت الأعلى.أين أرواح الشهداء؟ أين أرواح المؤمنين؟ في الفراديس العلى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]. اللهم اجعلنا منهم ووالدينا يا رب العالمين!
إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة الإيمان به
هنا سؤال يُطرح على السامعين والسامعات: بماذا أنعم الله عليهم؟ بالأموال؟ بالذرية والأولاد؟ بالمناصب العالية؟ بالجاه والسلطان؟ نريد أن نعرف بماذا أنعم عليهم؟ من نسي فليقرأ سورة الفاتحة ويتدبر قول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، إذ أنعم عليهم بأربع نعم: الأولى: نعمة الإيمان بالله، وبما أمر الله أن نؤمن به ونصدق وإن كان وراء العقول -كما يقولون- فإذا قال تعالى شيئاً نؤمن بما قال، ونقول: آمنا!في ذات ليلة وهو صلى الله عليه وسلم جالس كالبدر وحوله الكواكب الزهر من أصحابه قطع الدرس وقال: (آمنت به، آمنت به ) وأخذ بلحيته الطاهرة ، فما هذا الذي أُمر الرسول أن يؤمن به على الفور؟ ( أوحى الله إليه أن رجلاً فيمن كان قبلنا من الأمم السابقة كان يركب بقرة ) فلاح.. مزارع ركب بقرة ( فقالت له: إنا لم نخلق لهذا ) فالبقرة للسقي والحرث وليست للركوب عليها، فلما كان هذا مما لا يعقل ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: ( آمنت به ). لأنها رفعت رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! البقرة نطقت بلغة الرجل، ورفعت رأسها إلى الخلف وهو عليها وقالت: ما لهذا خلقت! فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( آمنت به، آمنت به )، وكان الشيخان غائبين عن المجلس فقال صلى الله عليه وسلم: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر ) ثقة في إيمان الرجلين!ومعنى هذا يا أبناء الإسلام! إذا أمر الله بالإيمان بشيء فسلموا وقولوا: آمنا به، سواء أدركتموه أو لم تدركوه فليس أمامك أيها المسلم إلا أن تقول: آمنت به!
إنعام الله على عباده الطائعين بمعرفته سبحانه بأسمائه وصفاته وجلاله وكماله
ثاني نعمة: معرفة الرحمن، معرفة الله، معرفة الله بأسمائه وصفاته، بجلاله وكماله، بآياته في الكون، بمخلوقاته؛ إذ ما من مخلوق إلا والله خالقه؛ فدل ذلك على واسع علمه وعظيم قدرته! من منكم يقول: أنا عرفت الله؟ من منكم يقول:أنا أنعم الله علي بمعرفته فعرفته؟ نحن نقول: عرفنا ربنا، فما هي البراهين على معرفتنا لله أو عدم ذلك؟ ما الدليل؟ اسمعوا وعوا! معرفة الله في القلب تثمر شيئين متى وجدا كانت المعرفة موجودة، ومتى انتفيا أو انتفى أحدهما فلا معرفة، وهما: حبه تعالى والخوف منه. من لم يخف الله والله ما عرفه! من لم يحب الله عز وجل والله ما عرفه! أنت الآن بفطرتك تحب من تسمع عن شجاعته.. عن كماله.. عن سخائه.. عن علمه.. عن طهره.. عن صفائه.. فتحبه لصفاته وليس شرطاً أن تراه أبداً، فكلنا يحب رسول الله لما له من صفات الجلال والكمال، وكلكم يحب علي بن أبي طالب ؛ لشجاعته.إذاً: من لم يحب الله ولم يخفه ما عرف الله!ومعرفة الله تثمر وتنتج للعارف شيئين ضروريين لحياته حتى يستقيم على منهج الحق وهما: حب الله، والخوف منه، فمن أحب الله عمل كل ما يحب في حدود طاقته، ومن خاف من الله هجر وهرب من كل ما يكره الله.
إنعام الله على عباده الطائعين بتعريفهم محابه ومساخطه سبحانه
النعمة الثالثة: معرفة محابه ومساخطه، معرفة ما يحب الله من الاعتقادات القلبية والأقوال والأعمال الذاتية، ومعرفة عكس ذلك وضده وهو ما يكره تعالى من الاعتقادات والأقوال السيئة والأعمال الفاسدة والصفات الذميمة، فلا بد من معرفة ما يحب الله حتى الكلمة الواحدة: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، ولا بد من معرفة ما يكره الله حتى الكذبة. هذه هي النعمة الثالثة: معرفة ما يحب الله وما يكره، وإذا قلت لنا: كيف أعرف ذلك؟ يقال لك: اقرع أبواب العلماء واسألهم، اقرع كتابه وادرسه، امشي وراء رسوله وتتبع سيرته تجد ما يحب الله وما يكره، أما أن يوحي إليك وأنت في مزرعتك أو مصنعك فهذا مستحيل، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] ، وهذا أمر، اسألوا! من نسأل يا رب؟ أهل الذكر. ما الذكر هذا؟ إنه القرآن: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1].وإذا لم نجد من نسأل ماذا نصنع؟ يجب أن نرحل ونركب بعيراً أو بهيمة أو طيارة أو باخرة حتى نجد الشخص الذي يعرف ما يحب ربنا وما يكره! قد تقول: يا شيخ هذا متعب، وهذا غير معقول؟ فأقول لك: ارحل من هذه القرية التي لا يوجد فيها من لا يعرف ما يحب الله وما يكره وانتقل، هاجر كما هاجر الأصحاب من مكة إلى المدينة؛ ليتعلموا الكتاب والحكمة! فإذا قلت: لا أستطيع! سأقول لك: كيف تستطيع أن تخترق سبع سموات وتنزل هناك؟ أهذه سهلة؟ مستحيلة هذه، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يعلم أحب أم كره، وبذلك يفترض أن لا يوجد بين المسلمين جاهل إلا من كان حديث عهد بالإسلام؛ إذ هذا نظام حياتهم، من لا يعلم يسأل حتى يعلم، ولا يشترط أبداً القلم ولا القرطاس، فإذا كنت تريد أن تأكل ولأول مرة فائت إلى عالم وقل له: كيف أتناول الطعام؟ سيقول لك: إذا وضع الطعام بين يديك فقل: (بسم الله)، وتناوله بيدك اليمني، ولا تأكل من حافة القصعة، وكل مما يليك فقط، وإذا أكلت فلا تشبع، بل كل بقدر ما تقيم صلبك وحياتك، ثم إذا ختمت فالعق أصابعك كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يلعق إن كان فيها إدام، ثم قل: (الحمد لله)، وبهذا تكون قد تعلمت كيف تأكل، فعلم امرأتك وأولادك ما تعلمته!
إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة التوفيق للعمل
أخيراً: النعمة الرابعة: توفيق الله لك يا عالم أن تعمل بما علمت، إذ لو خذلك الله وما وفقك فستصبح كعلماء اليهود المغضوب عليهم!لم غضب الله عليهم؟ لأنهم علموا وأبوا أن يعملوا، آثروا الدنيا وأوساخها بعدما علموا فغضب الله عليهم، قال الله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، صراط المغضوب عليهم من اليهود لا نسلكه ولا نمشي عليه، وكذا صراط الضلال والجهال من النصارى، لا نمشي وراءهم! إذاً: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] أنعم الله عليهم بأربع نعم هي: أولاً: الإيمان؛ لأن هذه النعمة تطلب من الله، فكم وكم ممن طار في السماء وغاص في الماء ما آمن، فهذه نعمة تطلبها من الرحمن.ثانياً: معرفته عز وجل، وهذه تطلبها من الكتاب والسنة، وسؤال أهل العلم.ثالثاً: معرفة ما يحب وما يكره سبحانه، وهذه تطلبها من أهل العلم، وترحل من بلد إلى بلد لتظفر بها. وأما الأخيرة فنعمة التوفيق، فاطرح بين يدي الله وتململ بين يديه وأنت تبكي: رب زدني علماً! رب وفقني لما تحب وترضى! فيوفقك، ومن ثم -إن شاء الله- تجدون أنفسكم قد اخترقتم سبعة آلاف وخمسمائة عام، وما هي إلا لحظات فقط والشيخ على سرير الموت، وموكب من الملائكة -وليس ملكاً واحداً- فيسلم عليه ملك الموت: السلام عليكم، فلو كنت حاضراً لرأيت الابتسامة على وجهه وهو فرح، وتزف إليه البشرى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31]، الله أكبر! لأن هذا الميت آمن واستقام، ما اعوج ولا انحرف ولا زاغ، وواصل مسيرته! وروحه ما هي إلا لحظات وهي تحت العرش! وهنا قد يقول قائل: لحظات وهي تحت العرش يا شيخ؟ فأقول له: نعم، هذا فوق مستوى عقولنا، فقل: آمنت بالله! وقد صار أعظم من هذا، من بيت أم هانئ رضي الله عنها إلى بئر زمزم أجريت عملية جراحية لأول مرة في القلب، وغسل القلب وحشي بالإيمان والحكمة، وأسري به إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى ما وراء دار السلام، وعاد صلى الله عليه وسلم. تقول أم هانئ : ما زال فراشه دافئاً ما برد!!
تفسير قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين...)
الآن مع قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، من المزين؟ إنه الله الذي زين لعباده الحسن الجميل، وذلك لحكم عالية. ‏

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:16 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (زين للناس)
ما معنى (زين)؟ هل أنت تحب الطعام وتحب الشراب أم لا؟ بلى، كيف تحب هذا؟ من جعل هذا الحب فيك؟ إنه الله، فهو الذي زين لك هذا! وأنت أيها الفحل تحب امرأتك وتأتيها ولولا التزيين الإلهي والله ما تنظر إلى ذلك المكان ولا ترضاه لنفسك، ولكنها غرائز غرزت وطبائع طبعت لحكم عالية، من أبسطها: لولا أن الله زين لك حب الطعام والشراب ما كنت لتعيش، ولو قلت: أنا لا آكل ولا أشرب -كما يفعل الغافلون في السجون فيضربون عن الطعام حتى الموت- فلا بد أنك ستموت. إذاً: زين الله لك هذا حتى تحيا وتمتد حياتك لتذكره وتشكره.ومن ذلك أيضاً: قضية إتيان الأنثى في تلك الصورة، فهذه والله لولا أن الله زينها ما أقبل عليها آدمي ولا عرفها. لِم زينها الله؟ للتناسل وتواجد بالبشرية لتذكر الله وتشكره، وهذا تدبير الحكيم العليم.إذاً: الله يزين هذه الأمور لعباده لحكم عالية، مع ملاحظة أن الله يزين الحسن، والشيطان يزين القبيح، فكن مع ما يزين الله الحكيم العليم، وإياك أن تكون مع ما يزين الشيطان الرجيم، فالشيطان لا يزين إلا القبيح، والله لا يزين إلا الحسن، وتزيين الله عز وجل لحكمة، وتزيين الشيطان أيضاً لحكمة، فيزين لك الخبائث والمحرمات من أجل أن تهلك معه، والقضية قديمة الجذور والأصل، فالشيطان -عليه لعائن الله- حسد أباكم آدم وتكبر، ومن ثم لما أبلسه الله وأيئسه من الخير وأصبح قانطاً آيساً لا يدخل دار السلام أبداً سأل الله عز وجل أن يطيل عمره إلى نهاية الحياة من أجل أن يزين لبني آدم المنكر والباطل، والشرك والكفر، والفسق والفجور؛ ليهلكوا معه ويصبحوا معه في دار البوار والعذاب والشقاء، كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه فقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، اللهم اجعلنا منهم! وقال: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39]، فهيا نشرح الواقع: تزيين الطعام الحلال، والشراب الحلال، والنكاح الحلال حسن أم قبيح؟الجواب: حسن. وتزيين اللواط والزنا، وشرب الخمر والمسكرات حسن أم قبيح ؟الجواب: قبيح. فكل قبيح لا تفهم أن الله شرعه، أو أمر به ورغب فيه، وكل حسن تعرف أن الله أمر به وشرعه، فإبليس يزين القبيح، والرحمن جل جلاله يزين الحسن، ولذلك قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14]، فما قال (زينت) أو (زينا) بل قال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14] من بني آدم!
الشهوات التي زينها الله عز وجل للإنسان
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ [آل عمران:14] فماذا زُين لهم؟ الجواب: زين لهم حب الشهوات، والشهوات جمع شهوة، بمعنى المشتهى، فمثلاً: حبة التفاح تنظر إليها فتشتهيها، فتلك هي الشهوة. ‏
الأولى: شهوة النساء
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، من ينكر هذا من البشر؟ روسي؟ ياباني؟ من هذا؟ لا أحد ينكر هذا، فهذه غرائز غرزها الرحمن في بني آدم لحكم عالية، وقد قلت لكم: والله لولا أنه غرز هذه الشهوة ما اندفع الآدمي إليها أو حتى الحيوان وما توالدت البشرية، وما كان لها وجود.قوله: مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، النساء: واحده امرأة، وليس له مفرد، والنساء واحدة النساء، امرأة، ولا يخطر ببالك أنه مادام قد زين هذا فلتأته أنت مع من شئت من بنات ونساء المؤمنين بالعهر والزنا والفجور، لا ، بل انزع هذا من ذهنك؛ لأنه سبحانه زينه لحكمة وهي التناسل وكثرة البنين والبنات؛ ليعبد الله عز وجل، وليس لذات الغريزة والشهوة.إذاً: من زين له الشيطان الزنا أو اللواط فهذا التزيين للقبيح الذي هو أشد قبحاً، ودائماً نقول: ما أعرف! ما أقبح! ولا أبشع ولا أرخص ولا أذل ولا أنتن من يأتي الذكر الذكر، وقد بلغنا: أن في أوروبا أندية مخصصة للواط!! وذكر أن أحد أئمة الإسلام الأمويين، وهو عبد الملك بن مروان ناشر الدعوة وحامل رايتها زمناً، وقف على منبر دمشق يخطب الناس فحلف بالله: لولا أن الله تعالى أخبرنا عن قوم لوط ما كان يخطر ببالنا أن الذكر ينزو على الذكر. لا يخطر ببال العربي أن الرجل ينزو على الرجل أبداً.أما اليوم فقد وردني كتاب عند باب المسجد من مؤمن يبكي، يقول: إن أخاً له يأتي أخاً له في بيته، وقد قمنا بتأديبهما وضربنا وعذبنا وما استطاعا أن يتركا! لا حول ولا قوة إلا بالله! من أين تعلموا هذا؟ كيف وصلنا إلى هذا؟ لقد كان العرب حتى البغال لا يدخلونها بلادهم، ولا توجد في هذه الديار بغلة إلا الدلدل التي أهداها مقوقس مصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع مارية القبطية.لِماذا كان العرب لا يدخلون البغال ديارهم؟ لأن البغلة تتولد من إنزاء الحمار على الفرس، يسلطون الحمار على الفرس فتنتج بغلة. هذا العرب لا يعرفونه أبداً، ولا يستسيغون أن حماراً ينزو على فرس، مستحيل.. أبداً.وما عرفت هذه الجريرة وهذه الفاحشة - اللواط- إلا في خلافة عمر ، فقد ضبط الصحابة اثنين من العجم في البحرين ينزو أحدهما على الآخر، فاحتار الصحابة كيف يفعل بهما، فقال علي : نطلقهما من أعلى الجبل إلى الأرض، ونرميهم بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط.آه! هذه الجريرة تمارس في بيوت الإيمان؟! أتدرون من علمهم؟ إنه إبليس، أبو مرة! ما هي الآلات التي تقدم بها إليهم؟الجواب: إنه التلفاز، الفيديو، الصحن الهوائي، الدش، فتعلم الأولاد العهر والفجور مما يشاهدون! آه.. أين الإيمان والمؤمنون، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )؟! وإذا رحلت الملائكة من يحل محلها؟! تحل محلها الشياطين. والشياطين ما مهمتها؟ تزيين القبائح. ائتوني بسياسي يتكلم معي، يقول: هذه رجعية وتخلف،سأقول له: يا هذا! أتحداك أن تعدد لي النتائج المباركة الطيبة التي نمت بيننا عندما أدخلنا هذه الآلات في بيوتنا! هل كثرت الأموال؟ ولا ما استفدنا منها ريالاً واحداً! هل أصبحنا شجعان؟ لا والله فقد عبث بنا أذل الخلق من اليهود! فما الذي تحقق؟ لا شيء.إذاً: أيها العاقل الرشيد، نحن نظام حياتنا لا نقول الكلمة إلا إذا عرفنا أنها تنتج خيراً، ولا نتحرك حركة يميناً ولا شمالاً إلا إذا علمنا إذن الله بها، وأنها تنتج خيراً، فكيف نطرد الملائكة من بيوتنا؟ وكيف هجرنا بيوت الرب وتركناها ثم طردنا الملائكة حتى من بيوتنا؟ هل بعد هذا نستطيع أن نعيش طاهرين؟ كيف نطهر؟ هل ماتت الشياطين أو أعلنوا عن هزيمتهم؟! لا والله، وكنا الأمة تخلت عن دينها!وإن فرضنا أنك سياسي، ولابد وأن تطلع على أحداث العالم ولم تنفعك الصحف فاجعل التلفاز في غرفتك أيها الفحل، واضبط أوقات النشرة أو أوقات العرض وادخل وأغلق الباب عليك في الغرفة، ووالله لو تجعله في المرحاض لكان أفضل! وانظر ذاك واسمع الأخبار وما جرى في الحادثة وأغلقه واخرج.قد يقول قائل: لِم هذا يا شيخ؟ فأقول: لأننا عرفنا أنفسنا، هبطنا وما ارتفعنا، ماذا أفادنا هذا؟ زادنا بلاء ومحنة فقط.
الثانية: حب البنين
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ [آل عمران:14]، والبنات! أيضاً؟ لا.. لا، البنين فقط، ولو قال: (والأولاد) لدخل في ذلك البنات، فهن مولودات، لكنه قال (والبنين)، وأهل هذه الديار، أهل المروءات قديماً كان إذا بشر أحدهم بأنه ولدت له بنت يظل في كرب ويسود وجهه، ويستحي أن يلتقي مع الناس: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59].عمر رضي الله عنه فعلها قبل أن يسلم! ولدت له بنت في مكة فدفنها حية، حفر لها وأخذت تمسح التراب من لحيته، ودسها، وبكى على هذه في الإسلام! مغفور لك يا ابن الخطاب ، فهذا كان في عهد الجاهلية غير عهد الإيمان والإسلام.إذاً: قال: (والبنين) ليكونوا فيلقاً تمر بهم بين الرجال ليحموك، ليحوطوك بالحماية، ولهذا تحبهم!أما الآن فيحبونهم حب شهوة فقط، لأنهم ما ينفعون، أو من أجل الراتب فقط! من فعل بنا هذا؟ إنه الثالوث الأسود، خصوم لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ المجوس، واليهود، والنصارى، ومددنا أعناقنا وساقونا إلى المهاوي والمهالك وما شعرنا بعد.إذاً: حب البنين لأنهم يجاهدون ويقاتلون وينشرون دعوة الله ويبنون ويصنعون، ويسافرون ويتجرون ويربحون، أما البنات فلو قال تعالى: (حب البنين والبنات) فسيقول أحدهم: لا.. لا، هذا ليس كلام الله، نحن لا نحب البنات، ولكن الله قال: (والبنين).
الثالثة: حب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران:14] مقنطرة، أي: بعضها فوق بعض، والقنطار: ألف أوقية ومائة، والأوقية معروفة عند الناس، وهم يحبون القناطير- أي: الكثرة- لأنها غريزة مطبوعة في النفس. وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [آل عمران:14]، وقدم الذهب على الفضة لأنه أرقى.لِم قلوب البشرية متعلقة بالذهب؟ لأن الذهب أجمل من الزبدة، وأحلى من العسل، وأطيب من اللبن! أسألكم بالله! من ربط القلوب الآدمية بهذه الطينة؟ لا إله إلا الله، آمنت بالله! هل جاء زمان أو وقت كره الناس فيه الذهب والفضة؟ لا، ولهل واهم يقول: لعلها أيام الشيوعية، فأقول: لا، فقد ربط الله قلوبهم بهذه لينتظم الكون وتنتظم الحياة إلى نهايتها، آمنت بالله.
الرابعة: حب الخيل المسومة
قال تعالى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران:14]، وهذه شُغلنا عنها بوجود السيارات، وقد كان للخيل قبا وجود السيارات أهمية كبيرة فالذي لا يملك فرساً لا قيمة له، وقد كانت الأمة تجاهد على أرجلها وعلى خيولها، وفرسانها يركبون الخيول سواء العرب أو العجم، الدنيا كلها، والآن هبطت الخيول لوجود السيارات فقط، ومع هذا ما زالت محترمة، وإذا جاء في يوم من الأيام وانتهت المادة وانقطعت السيارات سنعود إليها من جديد، فهي محفوظة، ولعل أحدكم لو يهدى إليه فرس لفرح به مع أنه ليس في حاجة إليه، ولكنه فرس موسوم جميل، فتبيت ليلتك تحمد الله وتشكره إن كنت مؤمناً.
الخامسة: الأنعام
قال: وَالأَنْعَامِ [آل عمران:14]. ما هي الأنعام؟ في ثلاثة أصناف من الحيوان: الإبل، والبقر، والغنم، والغنم منها الماعز، ومنها الضأن، مزينة لأهلها، يحبونها.
السادسة: الحرث
وجاء الختم الإلهي، فقال: وَالْحَرْثِ [آل عمران:14] . (الحرث) يدخل فيه كل المزارع والحقول من إنبات الحبوب إلى نبات الورود والرياحين، ولو تهدى إليك الآن حديقة لطرت بها فرحاً! من غرز هذا فينا؟ إنه الخلاق العليم؛ من أجل أن تنتظم الحياة وتسير إلى نهايتها.
معنى قوله تعالى: (ذلك متاع الحياة الدنيا)
قال: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] أيها المستمعون وأيتها المستمعات! (ذلك) المزين لكم المذكور في الآية من حب النساء والبنين والقناطير من الذهب والفضة والحرث مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14].والمتاع: ما يتمتع به ويزول، لما تسافر تأخذ معك زنبيلاً فيه الخبز والتمر، فتأكله ولا يبقى منه شيء، فتحمل معك ما يكفيك في سفرك. هذا هو المتاع.(الحياة الدنيا) أي: القريبة. فتترك متاعها وترحل، ولنقرأ آية سورة الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، فهذا المتاع في الحياة الدنيا زينه الله للابتلاء والاختبار والامتحان، وهو زائل ومنتهٍ، (لنبلوهم) من يأخذ بما أحل الله، ويتخلى عما حرم الله، ومن ينغمس فيما حرم الله فتتمزق نفسه وتخبث وتصبح كأرواح الشياطين.

معنى قوله تعالى: (والله عنده حسن المآب)

قال: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، أرأيت هذا الختم الإلهي؟ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] والآخرة عند من؟ عند الله حسن المرجع والمآب.ومعنى هذا: يا عباد الله! يا أولياء الله! خذوا من دنياكم ما حل لكم وطاب، وميلوا إلى التقتير والتقليل؛ لأن آمالكم في السماء وليست في الأرض؛ لأن: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96]! إذاً: اذكروا ما عند الله، فإنه يصرفكم عما حرم الله. وَاللَّهُ عِنْدَهُ [آل عمران:14] ماذا؟ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] أي المرجع في الجنة دار السلام، دار النعيم المقيم.
الحكمة من تزيين هذه الشهوات للإنسان
عرفتم هذا؟ ما هي النتيجة الطيبة؟النتيجة: عرفنا أن هذا المحبوب المزين زينه خالقه للفتنة وللاختبار والامتحان، فلنأخذ منه ما أذن لنا فيه وسمح به لنا، ونتجنب ما نهي عنه وحرم علينا؛ لأننا ممتحنون، فإن نحن كابدنا فقراً.. كابدنا تعباً ومشقة، فلنصبر ولنعلم أن وراء ذلك: النعيم المقيم، الذي لا حد له ولا حصر، وإليكم كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ) هذا الكلام الحكيم من أستاذ الحكمة ومعلمها، ( حفت الجنة بالمكاره ) فإذا أنت لم تغامر وتتقوى وتمزق تلك المخاوف وتقبل على عبادة الله لن تدخل الجنة، فالجنة محفوفة بما تكره النفس! آه.. الصيام! كيف نترك الطعام والشراب؟ كيف نترك كذا، محفوفة بما تكره النفس.. الزنا حرام، ما تزوجنا كيف نصبر ليلاً ونهاراً الأعوام والسنين؟ إذاً: حفت الجنة بالمكاره. تقول: كيف هذا الحج؟ أمشي على رجليّ وأنا في الأندلس؟ كيف أصنع؟ الاعتراف بالحق! لو صفعك مؤمن فقل: سامحتك! تجوع وتعطش ولا تمد يدك إلى مال غيرك لتسرقه! هذه المكاره تحوط بالجنة، فإن أنت اجتزتها وتجاوزتها دخلت دار السلام! ( حفت الجنة بالمكاره ) كحمل راية الجهاد مع إمام المسلمين، لابد للشبان والكهول أن يخرجوا إلا مريض، أو عاجز، وهذا تكرهه النفس! أصحاب الأموال أيها المؤمنون من عنده فضل عن قوته فليضعه غداً في صندوق الجهاد، تجد نفسك مضطر لابد وأن تخرج. قال: ( وحفت النار بالشهوات )، شهوات الربا، الزنا، الغش، اللهو، الباطل، الخداع، عقوق الوالدين، سب المؤمنين وتكفيرهم، كل هذه محاطة بالنار حتى يدخلها، ويقول فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، يقول: ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )، هذا كلام أستاذ الحكمة ومعلمها، اسمع ما يقول لنا يا عبد الرحمن!يقول: (اتقوا الدنيا) كيف نتقيها؟ نجعل بيننا وبينها وقاية فلا ننغمس في أوضارها وأوساخها، ولا نتكالب عليها، بل نأخذ منها الزاد فقط للوصول إلى القبر. لم ننغمس في الأموال فنصبح في أسوأ الأحوال؟ أنت موظف، فاكتف بوظيفتك ولا تفتح دكاناً، أنصحك!يا عبد الله ! أنت في خير وعافية فلا تفتح باب شر عليك، وتبدأ تتطلع ماذا فعلنا، وماذا ربحنا! قال: ( اتقوا الدنيا ) أي: انتبهوا! خافوها واحذروها بأن لا تقعوا في أحضانها فتهلككم ( واتقوا النساء ). كيف نتقي النساء يا رسول الله؟ تخاف من فتنتهن، فإذا مرت امرأة كأنها حية أو ثعبان، فأغمض عينيك واهرب ( فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ). بنو إسرائيل.. أبناء الأنبياء قادوا العالم بطهرهم وصفائهم، حتى بدأت فتنتهم بالكعب العالي فهبطوا! الزائرون لا يعرفون الكعب العالي، اذهبوا إلى أسواق المدينة يعلموكم ما هو الكعب العالي، حذاء كعبه رقيق إذا لبسته المرأة تصبح تتمايل، الشيطان يجعلها تتمايل هكذا.. وهذا الكعب العالي من سنة اليهود.وهذه الصديقة رضي الله عنها رأت بعض نساء المؤمنات تخرج وهي متزينة، فقالت: أو تردن أن ينزل القرآن فيكن كما نزل في بني إسرائيل. والشاهد عندنا: أن فتنتهم كانت بالنساء وإلى الآن فتنتنا في النساء. إذاً: علموا بناتكم ست سنين في المدرسة الابتدائية، وإذا تعلمن كيف يعبدن الله ويتقينه، فاحجبوهن في البيت يخدمن أمهاتهن، ويساعدن على تربية الصغار، ويتهيأن للأنوار؛ فيتزوجن وينجبن البنين والبنات. أما أنك تعلمهن للمستقبل، مستقبلك يا ابنتي! وهي تقول: مستقبلي يا بابا! ثم يتقدمون لخطبتها في الثامنة عشر فتقول لهم: لا، مشغولة، وفي الخامسة والعشرين فتقول: لا، حتى تأخذ شهادة الجامعة وتتخرج، وبعد ذلك تبحث عن وظيفة، والشيطان يوسوس لها، ويوجد لها وظيفة وتنتهي حياتها ولا تستفيد منها شيء، فلا وألف لا.إذاً: فتنتنا بدأت وكانت من النساء كفتنة بني إسرائيل، ولو أن النساء طاهرات صالحات ربانيات -والله- لأسعدن الفحول والرجال، لكن ما دمن شهوانيات راغبات في المال والمتعة والتمتع بالحياة فسيعكرن الحياة على أزواجهن.على كل حال: عمر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال: الآن يا رب. أي: ما دمت زينت لنا هذه فمن الآن، فأنزل الله تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15].. وهذا هو درس أو آية غد إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:17 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (46)
الحلقة (187)

تفسير سورة آل عمران (50)


لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام ويحملون هم تبليغه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكرهم سبحانه وتعالى بخير عظيم وهو أنه جعلهم خير أمة أخرجت للناس، وامتن عليهم بأن وقاهم من كيد أعدائهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا، بل وسلط عليهم المؤمنين وغضب عليهم بما كانوا يفسقون.
تفسير قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس في سورة آل عمران عليهم السلام إلى هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران:110-112].معاشر المؤمنين والمؤمنات! يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، هذا خبر من أخبار الله التي لا يتطرق إليها غير الصدق، فيخبر تعالى مبشراً مهنئاً هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجها الله للناس، إذ ما وجدت على وجه الأرض أمة سمت ووصلت إلى ما وصلت إليه هذه الأمة الإسلامية في الخير وعلو الدرجات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. كُنْتُمْ [آل عمران:110]، أي: وجدتم، خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، والمخرج لها هو الله عز وجل، و(الناس): لفظ يشمل البشرية كلها، عربها وعجمها، أولها وآخرها على حد سواء.ثم بين وجه الخيرية، وكيف اكتسبناها وظفرنا بها وحصلنا عليها، فقال تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، أي: لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكَرهم بخير عظيم، وبشر وأعلن عن خيريتهم وأفضليتهم فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].وفي هذا إجمال، وقد بينا (المعروف) الذي تأمر به هذه الأمة ألا وهو شرع الله عز وجل، وما عرفه الله من خير، فيدخل فيه الإسلام وكل شرائعه، إذ ما شرع الله لعباده إلا خيراً، و(المنكر) الذي ينهون عنه يشمل الكفر والشرك، وكل ما كره الله وأبغضه وحرمه ونهى عنه، سواء من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات والذوات. وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ولازم إيمانهم بالله أنهم آمنوا بكل ما أمرهم الله أن يؤمنوا به، كالملائكة والكتب والرسل والبعث والجزاء، وكل غيب من الغيوب التي أخبر الله عنها وأمر بالإيمان بها، فلا تفهمن من قول الله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]: لا تؤمنون بغير الله، بل تؤمنون بالله وبكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، سواء كان من عالم الغيب أو الشهادة، فإذا أمر الله بأن نصدق بكذا وجب على المؤمن أن يصدق.وأركان الإيمان الستة قد بينها جبريل عليه السلام، ونحن والحمد الله على علم بها، ومع ذلك إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نصدق بحادثة معينة وجب الإيمان بها، ولا قيمة لعقولنا حتى ترفض أو تقبل، فكيف إذا أخبر الله تعالى؟!
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال: [ لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكرهم بخير عظيم فقال لهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنتم خير الناس للناس ) ] وهذا حديث صحيح، فكيف حالنا اليوم؟ هل نحن خير الناس للناس؟ ما قدمنا للناس شيئاً، بل غرقناهم في الباطل والمنكر، هبطنا فائتسوا بنا وسلكوا سبيلنا، فهذا عمر رضي الله عنه عام حجه وهو خليفة للمسلمين رأى في الناس دعة وقعوداً، فقرأ هذه الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ثم قال: من سره وأفرحه وأثلج صدره أن يكون في هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها، أي: من سره أيها المؤمنون! أن يكون في هذه الأمة الممدوحة المعلن عن كمالها فليؤد شرط الله فيها، وشرط الله فيها: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك لما كنا نجاهد ونغزو ونفتح ونعلن عن كلمة لا إله إلا الله والبشرية تدخل فيها، وتجلى للبشرية صدقنا وعدلنا ورحمتنا وإحساننا وكمالاتنا، انجذبوا إلى الإسلام ودخلوا فيه.لكن لما وقفنا وهبطنا الآن أصبحوا لا يقبلون الإسلام؛ إذ لم يشاهدوا أنواره ولا آثاره بين المسلمين، فهل نبقى هكذا أو نحاول أن نعود إلى ما كنا؟ الواجب أن نحاول، والطريق الذي ما زلنا لا نعدله هو أن نخلص قلوبنا ووجوهنا لله، ونطرح بين يدي الله نبكي في بيوته بنسائنا ورجالنا، ونتلقى الكتاب والحكمة، وما هي والله إلا فترة قصيرة ونحن أولئك الذين أسوة للبشرية في الكمال البشري، ومن غير هذا الطريق فلا عصا تنفع ولا سحر يؤتَّى.قال: [ كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنتم خير الناس للناس )، ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [آل عمران:110]، وهو الإسلام وشرائع الهدى التي جاء بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]، وهو الكفر والشرك وكبائر الإثم والفواحش، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وبما يتضمنه الإيمان بالله من الإيمان بكل ما أمر تعالى بالإيمان به، من الملائكة والكتب والرسل والبعث الآخر والقدر.ثم دعا تعالى أهل الكتاب إلى الإيمان الصحيح المنجي من عذاب الله فقال عز وجل: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ [آل عمران:110]، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من الإسلام، لكان خيراً لهم من دعوى الإيمان الكاذبة التي يدعونها ] أي: ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لكان خيراً لهم من هذه الدعاوى الفارغة، وأنهم يدعون إلى اليهودية والصليبية، إذ كل ذلك من الدعاوى الباطلة، فهذا الله عز وجل الحكيم العليم يقول لهم: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ [آل عمران:110]، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به عن الله من هذه الشرائع والعبادات والقوانين، لكان خيراً لهم مما هم عليه من دعوى أنهم يؤمنون، وأنهم موقنون، وهو كله كذب وباطل. قال: [ وأخبر تعالى عنهم بأن منهم المؤمنين الصادقين في إيمانهم ]، أي: من اليهود، وقد دخل من النصارى ملايين والآيات تنزل بالمدينة.قال: [ وذلك كـعبد الله بن سلام وأخيه، وثعلبة بن سعيد وأخيه ]، وهؤلاء من يهود وعلماء المدينة الذين آمنوا [ وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما جاء في كتابهم من العقائد والشرائع، ومن ذلك أمر الله تعالى بالإيمان بالنبي الأمي، واتباعه على ما يجيء به من الإسلام ] وهذا عندهم في كتابهم، فلمَ لم يؤمنوا به؟ قد عرفوه وأنكروه وجحدوه وتنكروا له، وذلك للحفاظ على اليهودية الملعونة المزعومة، وحتى لا يذوبوا في روح الإسلام. قال: [ ثم أخبر تعالى أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إلا أذى يسيراً، كإسماعهم الباطل، وقولهم الكذب، وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم، مولينهم ظهورهم، فارين من القتال هاربين، ثم لا ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين ] وهذا ما أخبر به الله تعالى في الآية الثانية إذ قال: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، أي: مجرد أذىً فقط باللسان، كالمهاترات والكذب، وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، في يوم ما، يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ [آل عمران:111]، أي: يعطوكم ظهورهم وأدبارهم ولن يقفوا أمامكم، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]، وهذه بشرى للمسلمين وقد حصل ذلك، وهو الواقع. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، وهذا في اليهود، والضرب كطبع وختم، والذي ضربها عليهم وألصقها بهم هو الله خالقهم، ذلك لأنهم كفروا به وبما بعث به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولقتلهم الأنبياء والعلماء، ولارتكابهم جرائم لا حد لها، فقد أهانهم الله وأذلهم فضرب عليهم الذلة. أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، أي: حيثما وجدوا في العالم، وصدق الله العظيم، إذ حيثما وجد اليهودي في العالم فهو أذل من الذليل إلى أن ارتبطوا بأوروبا وأمريكا كما يأتي في الآية الكريمة، إذ قال تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، فإذا ارتبطوا بالله ودخلوا في دينه، رفع ذلك الذل وأصبح اليهود من أعز الناس وأكرمهم، أو ارتبطوا بمعاهدة مع دولة عظيمة كما ارتبطوا أولاً ببريطانيا التي رفعتهم وسادوا أوروبا، ثم أمريكا، فهم أعزة ونحن الأذلة. إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وهذه الآية مخصصة لعموم آية الأعراف وهي قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف:167]، يا رسول الله، لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، فهذه الآية في سورة مكية، وهذه السورة -آل عمران- مدنية.فاسمع إلى قول الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ، أي: أعلن، لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ [الأعراف:167]، أي: اليهود، لَيَبْعَثَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، وهذا عام خصص بهذه الآية التي نزلت بعدها من سورة آل عمران، إذ قال تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وذلك حتى لا تفهم أن قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167]، أنهم إذا أسلموا يبقى العذاب عليهم، لا أبداً، بل إذا ارتبطوا بدولة أو معاهدة قوية فإنه يرفع العذاب عنهم، لكن إذا لم هناك إسلام ولا معاهدة فيبقون أذلة، بل أذل من الحيوانات، وقد عرف هذا البشر كلهم، إذ ليس هناك أذل من اليهودي؛ لأنهم أصحاب مكر وخداع وغش وكذب، مع أنهم أقلية لا يساوون أي شعب من الشعوب، لكن فتح الله تعالى لهم الباب إذا أرادوا أن يخلصوا فقال: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]. إذاً: ضرب الله تعالى على اليهود الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي أي البلاد وجدوا، ولن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الأحوال إلا في حال دخولهم الإسلام وهو حبل الله، أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك حبل الناس، وهذا علمه الله قبل أن يكون، وما كان النصارى يفرحون باليهود، إذ الثابت عنهم تاريخياً أن النصراني المسيحي لا يفتح عينيه في اليهودي، بل ينزه بصره أن ينظر إلى يهودي؛ بحجة أنه قاتل إلهه، فالذي يقتل ربك كيف تنظر إليه؟! لكن تم ما أخبر الله تعالى به واستطاعوا أن يحتالوا على البشرية، فكان أول ضربة ضربوها بأن أوجدوا المذهب البلشفي الشيوعي الأحمر، ووالله لهم صانعوه وناسجوا خيوطه، وهم الذين نشروه في العالم، وبذلك خف الضغط عليهم، واتسعت رقعة الأرض لهم، بل ورفعوا رؤوسهم، والآن ثلاثة أرباع المسيحيين بلاشفة، ومن ثم أصبح اليهودي يتعنتر في ألمانيا التي هي مخ الصليبية، وظهرت البلشفية الشيوعية، وساقت العالم، ووقع الذي وقع، وخف الضغط على اليهود، والآن لما أدت الشيوعية وظيفتها عوضوها بالعلمانية، فقالوا: كل شيء للعلم فقط لا للدين، وهكذا يعبثون بالبشرية، وهذا شأن الأمة إذا مدت أعناقها لعدوها. قال: [ كما أخبر تعالى في الآية (112) أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا، وفي أي البلاد وجدوا، لن تفارقهم الذلة والمسكنة ] والمسكنة هي الفقر والحاجة والضعف.قال: [ إلا في حال دخولهم في الإسلام أولاً وهو حبل الله، أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك حبل الناس.كما أخبر تعالى عنهم أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب من الله ] أي: ذاك العناد والكفر الذي عاشوا عليه رجعوا خائبين، رجعوا بغضب من الله [ وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر المعبر عنها بالمسكنة، وفي الآخرة بعذاب جهنم، كما ذكر تعالى علة عقوبتهم: وأنها الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير حق، وعصيانهم المستمر، واعتداؤهم الذي لا ينقطع، فقال تعالى: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ] أي: كتبنا عليهم تلك الذلة والمسكنة بسبب عصيانهم أولاً لله ورسله، وثانياً: باعتدائهم بقتلهم الأنبياء والعلماء، وارتكابهم الجرائم التي لا حد لها.يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، أي: نحن إن شاء الله تعالى، فكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويؤمن بالله وبما جاء عن الله فهو منهم، وكل من تخلى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتورط في الموبقات والجرائم هبط وانسل منهم؛ لأن التعليل واضح: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:110]، وهم أقلية كما علمتم، وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110]، أي: المتوغلون في الفسق، والفسق: الخروج عن طاعة الله ورسوله، يقال: فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، وبالتالي كل من خرج عن دين الله فهو فاسق.ثم قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، أي: مجرد كلام يقولونه، أما أن يقاتلوا وينتصروا على المسلمين فلا، وقد وقع ذلك، فهل انتصر اليهود على العرب في حرب فلسطين؟ لو كان العرب هم المسلمون بحق، والفلسطينيون يشهدون بأن اليهودية إلى الآن أذل مخلوق، إذ ما يستطيع اليهودي أن يواجه مسلماً واحداً. وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، ما قال: وإذا قاتلوكم، وإنما قال: إن يقاتلوكم؛ لأن هذا نادر، أي: أن يقاتل اليهود المسلمين، لكن عندما هبطنا هذه الأيام في فلسطين فقط، فليس من المؤمل فيه أن اليهود يقاتلون المسلمين، قال: وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ [آل عمران:111]، من باب الفرض، فلن يضروكم أبداً، بل يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [آل عمران:111]. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112]، أي: أينما وجدوا، سواء في الجبال أو في السهول أو في أوروبا أو في أي مكان من العالم، اللهم إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وحبل الله هو الإسلام، فإذا اعتصموا بحبل الله، أي: دخلوا في الإسلام إيماناً وإسلاماً وإحساناً أعزوا وكملوا، وما أصبحوا يهوداً ولا أهل ذلة ولا مسكنة، وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وهذه ما ننساها، إذ إنهم استطاعوا أن يسحروا أوروبا وأن يستولوا على أموالها بعد أن مسخوها، ولو بقيت الصليبية النصرانية كما هي ذات آداب وأخلاق وعطف ورحمة، وتبغض اليهود بغضاً لا حد له ولا نظير له، ما كانوا ليستولوا على أموالهم وتجارتهم ومصانعهم، لكن سحروهم أولاً ثم حولوهم إلى بلاشفة حمر، إذ ثلاثة أرباع المسيحيين في أوروبا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أي: أنهم ملاحدة. وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:112]، أي: عادوا مهزومين أذلاء مغضوباً عليهم من الله، وضربت عليهم المسكنة، أي: الفقر والحاجة. ذلك [آل عمران:112]، أي: حصل هذا، وتم هذا، وفعلنا هذا؛ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:112]، فقد قتلوا زكريا، وقتلوا ولده يحيى، وحولوا قتل عيسى، إذ إنهم صلبوا من شبه لهم بعيسى، وكأنهم قتلوا عيسى عليه السلام، وسحروا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، بل وأطعموه السم في خيبر، ومات وأثر السم في لسانه، وكادوا له في بني النضير وأرادوا أن يرموا عليه الصخرة أو الرحى.كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد، وفي المساء تكون أسواقهم عامرة بالبيع والتجارة والشراء، وكأن الأمر عادي، ومع هذا فباب التوبة مفتوح، فلو يسلم اليهودي يصبح مثلنا أو خيراً منا، إذ العبرة بطهارة النفوس وزكاتها وليس بالأصل، إذ لو نعود إلى الأصل فأصلهم أشرف الأصول، إذ إنهم أبناء الأنبياء، وأحفاد إبراهيم وأولاده. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:112]، أي: في الزمان الأول قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا [آل عمران:112]، أي: لما تمردوا على شرائع الله وخرجوا عن طاعته، وتوغلوا في الاعتداء، فذبحوا الأنبياء، وقتلوا العلماء.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:18 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: إثبات خيرية أمة الإسلام ]، إذ إن هذه الآيات قد أثبتت -وهي كلام الله- خيرية هذه الأمة، فلن يستطيع على وجه الأرض إنس ولا جن أن ينفي خيرية هذه الأمة وقد أثبتها الله عز وجل، ورسوله يقول: ( كنتم خير الناس للناس )، وما زلنا والله، إذ لو نعود إلى الله تعالى لنفع الله بنا البشرية وأنقذها من الخلود في النار، ومن الهبوط والسقوط والحيوانية التي تعيش عليها، ولكن ذنبهم هو الذي جر لهم هذا، فهم الذين احتالوا على هذه الأمة ومكروا بها وخدعوها وأضاعوها، ففقدوا من يهديهم ومن يصلحهم. قال: [ وفي الحديث النبوي الشريف: ( أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ] أنتم، أي: أيها المسلمون، تتمون سبعين أمة، أي: تكملون من الأمم البشرية سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله والله العظيم، ويكفي شهادة الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وبالتالي لو أراد أو حاول أحدهم أن يهبط بهذه الأمة، أو ينفي عنها كمالها ما يستطيع، إذ الله يخبر في القرآن الكريم بخيرية هذه الأمة فيقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110]، والرسول يقرر في السنة النبوية فيقول: ( أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ، فالحمد لله، وأنبهكم إلى أمر وهو ألا تنظروا إلى خيرية أمتكم، بل ليعمل كل واحد منا على أن يحقق ما به الخير، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمن بالله، ولن يمسح منه هذا اللقب أبداً. [ ثانياً: بيان علة خيرية أمة الإسلام، وهي الإيمان بالله، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] أي: أن علة خيرية أمة الإسلام: الإيمان بالله وبكل ما أمر الله أن نؤمن به، والجهاد في سبيل الله لنشر راية التوحيد، لكن لما تركنا الجهاد ما أصبحنا خير أمة؛ لأن الجهاد بذل الجهد والطاقة لهداية البشرية، فنصل إلى بلادها وندعوها إلى الإسلام، كرهت أم أبت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان من الأرض، فهذه مهمة هذه الأمة لإنقاذ البشرية جمعاء. [ ثالثاً: قال: وعد الله تعالى لأمة الإسلام ما تمسكت به ]، أي: بالإسلام، فما ضيعت وما فرطت في قاعدة من قواعده ولا في ركن من أركانه، [ وعد الله لأمة الإسلام ما تمسكت به ]، وإلى يوم القيامة، [ بالنصر على اليهود في أي قتال يقع بينهم ].ولهذا صحنا وبكينا أربعين سنة وقلنا: لو أن إخواننا الفلسطينيين -والله شاهد- اجتمعوا وبايعوا إماماً منهم، وتجمعوا في طرف من الأرض وأقاموا الصلاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر سبع سنين فقط، وإذا هم أولياء الله تعالى، وقالوا: الله أكبر، والله لهزموا اليهود، بل والله ما إن يتحرك هذا الجيش الرباني حتى يأخذ اليهود في الرحيل، ثم على شرط أيضاً وهو لا أنهم يخرجون اليهود فقط، بل يواصلون المسيرة إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب، فما المانع من هذا كله؟ كأن يتجمعون عندنا في طرف المملكة، أو في طرف لبنان، أو في طرف سيناء مصر، فيتربون نساءً ورجالاً وأطفالاً، فيقومون الليل ويصومون النهار، ويصبح الرجل إذا نظر إلى وجه أخيه يرى النور يلوح من وجهه، ثم يعلنونها: الله أكبر، والله ثلاثة أيام واليهود تشتتوا، ثم يلتفتون إلى جيرانهم فيقولون لهم: يا أهل لبنان تدخلون في رحمة الله؟ قالوا: لا إله إلا الله، يا أهل الأردن تدخلون في رحمة الله؟ يا أهل كذا وكذا.ماذا يكلفنا هذا؟ فقط أن نعبد الله بحق، وأن نسلم إسلاماً حقيقاً فقط، أما الآلام والأتعاب فهاهي معنا، سواء مع الغنى أو الفقر، وما زال الباب مفتوح، فوالله لن يخرج اليهود من أرض فلسطين إلا المسلمون بحق، ولهذا ويلكم أن تقاتلوا اليهود فإنهم يهزمونكم، ولا ننسى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لتقاتلن اليهود )، يا رسول الله! أين اليهود الذين نقاتلهم؟ إنهم حفنة وثلة وطائفة قليلة، والإسلام قد انتشر في الشرق والغرب؟! ( والله لتقاتلن اليهود )، الله أكبر، تعجب الأصحاب كيف نقاتل اليهود وقد أ جلاهم عمر وطردهم ولم يبق يهودياً منهم، وهم أذلة في بلاد الروم وفي غيرها؟ لكن سيكون لهم شأن، وستكون لهم دولة، وستكون لهم قوة، إذاً ولا بد من قتالهم.( ثم لتسلطن عليهم )، وهذه قد استفدنا منها كلمة سياسية رددناها أربعين سنة في هذا المسجد، فقلت: لو أن العرب أسلموا قلوبهم لله تعالى ودخلوا في رحمته، وخلعوا المعاهدة التي تربط اليهود في أوروبا، وشاء الله أن أمريكا التي تنصرهم تعثر على مؤامرة يهودية تسعى بأن تضر أمريكا، فإنهم يذبحونهم ويقتلونهم، ونظير هذا لما أراد ألله أن يذلهم اكتشف هتلر النازي مؤامرة يهودية لضرب ألمانيا، فوالله قتلهم وتتبعهم وأذلهم في العالم بأسره، فقتل منهم ثلاثين ألفاً، وما بقي يهودي في ألمانيا، فلو أن المسلمين أو العرب أسلموا قلوبهم لله تعالى، فأقل شيء أن تكتشف أوروبا أو أمريكا مؤامرة يهودية لضرب العالم وإفساد البشرية، وعند ذلك سيضربونهم أو يسلطوننا عليهم فنقتلهم، وهذا هو نص الحديث: ( ثم لتسلطن عليهم )، فالله هو الفاعل.( ثم لتسلطن عليهم فتقتلوهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجر اليهود )، واليهود الآن يحتفون بهذا الشجر وينمونه أكثر من العنب والتفاح! وذلك لأنه ما يخبر عنهم، فإذا جاء المسلم يبحث عن اليهودي فإن هذا الشجر يغطيه ولا يخبر عنه.والشاهد عندنا هل الشجر يكذب؟ هل الحجر يكذب؟ كيف يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، وهو ليس بمسلم؛ لأنه ما أعطى لله لا قلبه ولا وجهه، فأين الإسلام؟!وسيأتي هذا اليوم لا محالة، لكن هل نحن موجودون؟ الله أعلم، لكن ما زلنا نقول: والله لو نعود إلى الله بالطريقة السليمة الربانية، وذلك بأن يعلنون في بلاد العالم الإسلامي: هيا نعد إلى الله عز وجل، فيجتمعون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم في بيوت ربهم كل ليلة من المغرب إلى العشاء، فيتعلمون الكتاب والحكمة، ويبكون ويذرفون الدموع أسفاً وحزناً وألماً، وما هي إلا ساعات وإذا بالباطل يزول والخبث ينتهي والشر ينمحي، وأمة الإسلام كلها ربانية، إذا سألت الله شيئاً أعطاها، ولا نحتاج إلى أن نكون جيلاً يطير في السماء ويغوص في الماء، وإنما نسلك هذا الطريق الذي يعتبر من أيسر الطرق وأسهلها، ولكن مضروب على قلوبنا، مسحورون، واليهود هم الذين سحرونا. [ رابعاً: صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا ] في الشرق أو الغرب، إلا بأحد الحبلين كما ذكر الله تعالى، وقد عرفناهم في شمال أفريقيا، وذلك لما انتصرت ألمانيا أصبح اليهودي أذل من الشاة في الجزائر أو في تونس، فلا يتكلم ولا ينطق، لكن عزوا وانتصروا وارتفعوا عندما حولوا الصليبيين إلى بلاشفة حمر، ولا ننسى هذه الحقيقة. [ خامساً: بيان جرائم اليهود التي كانت سبباً في ذلتهم ومسكنتهم ].فهل أصابهم الله بالذل والمسكنة لعرقهم أو لشيء آخر؟ لا، ولذلك نحن نعرف أن المسلمين أطهر الخلق وأعزهم، لكن لما خبثت نفوسهم ولطخوها بالشرك والمعاصي والجرائم أذلهم الله، فسلط عليهم الكفار فحكموهم وسادوهم.قال: [ وهي الكفر المستمر ] بدون انقطاع [ وقتل الأنبياء بغير حق ] وهل الأنبياء يقتلون بحق؟ قتل إنسان يعتبر فضيعة كبيرة، لكن إذا كان بحق فلا بأس. قال: [ والعصيان ] أي: التمرد على طاعة الله ورسوله [ والاعتداء على حدود الشرع ] وهذه ظاهرة غريبة وهي واضحة. أسألكم بالله! من الذي كون بنوك الربا؟! أجدادنا؟! النصارى؟! والله إنهم اليهود، وذلك حتى نهبط فلا يرفع لنا دعاء، ولا تستجاب لكم كلمة، فهم الذين كونوا هذه البنوك الربوية ونشروها في العالم، بل وإلى الآن يعملون ليل نهار لإفساد البشرية. ستقولون: كيف هذا يا شيخ؟ بينته غير ما مرة فقلت: المفروض فينا نحن المسلمون: أن أهل كل قرية يجمعون ما زاد عن قوتهم وتوفر في صندوق واحد من حديد أو خشب، وينمونه في طرق التنمية كالتجارة أو الزراعة أو الصناعة، وبذلك تجتمع قلوب أهل القرية فيتحابون ويتآلفون؛ لأن مالهم أصبح في يد واحدة، ثم من ذلك الصندوق يسلفون أو يقرضون من أراد أن يستلف، والمؤمن إذا استقرض أو استلف سوف يرد ذلك أو يقدم دمه وقلبه؛ لأنه المؤمن الحق، وهذه الرابطة قضى عليها اليهود بإيجاد البنوك، فلم يبق من يسلف ولا من يقرض ولا من يساعد ولا من يتعاون أبداً، وقد حاول أناس أن يوجدوا شركات مساهمة فما أفلحوا، فهل عرفتم ما فعل اليهود؟ إن هذه ظاهرة واحدة فقط مما ذكرنا، أما العهر والزنا وأندية اللواط -وكل هذا من صنائعهم- فحدث ولا حرج، وكل ذلك من أجل أن يهبطوا بالبشرية ويعلو فوقها، ويوجدوا مملكة بني إسرائيل التي تحكم الشرق والغرب، وليس لأجل الأكل والشرب، وإنما من أجل أن تعود لهم مملكتهم، إذ البشرية كلها عدو لليهود.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.


ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:19 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (47)
الحلقة (188)

تفسير سورة آل عمران (52)


إن من كفر بالله وجحد حقه لن تغني عنه أمواله وإن كانت مثل حبات الرمال، ولن يغني عنه أولاده وإن استقوى بهم؛ لأن سبب كفره هو حرصه على هذه الأموال والأولاد، ومهما أنفق الكافر من أموال لإطفاء نور الله وللصد عن دينه فسينفقها ثم ستكون عليه حسرة، وحتى لو أنفق ماله في وجوه الخير في الدنيا فلن ينتفع بها لأن الكافر لا ينتفع بالعمل الصالح.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، فإنك مولانا ولا مولى لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:116-117].
معنى الكفر في الآية
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه أخبار إلهية، والمخبر بها هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فالخبر الأول: يقول تعالى مؤكداً هذا الخبر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116]، وسواء كانوا من العرب أو العجم، من أهل الكتاب أو من المشركين، من المجوس أو غيرهم، فما معنى: كفروا؟ كفروا بماذا؟ نريد أن نعرف شيئاً عن هذا الكفر؛ لأن الوعيد شديد، والجزاء عظيم، والمفزوع إليه الله أن ينجنا من هذه الفتنة.أولاً: الكفر معناه: الجحود، يقال: كفَر نعمة الله، أي: جحدها، وفلان كفر ما كان بيننا وبينه من الخير والبر والإحسان، أي: جحده، فالكافر جاحد، وهذا الجحود يتناول أولاً -كما هو مذهب البلاشفة الشيوعيين والملاحدة الدهريين-: جحود وجود الخالق عز وجل، وهذا كفر باطل هابط ممزوج مردود، ولا يقول به إلا هؤلاء الذين صنعهم اليهود بأفرادهم، وإلا فالفطرة البشرية تصرخ بوجود خالقها ورازقها ومدبر أمرها، بل مضت قرون على البشرية -آلاف- ما أنكر فيها أحد -عربي أو أعجمي- وجود الله، وما كان إنسان من عهد آدم إلى هذا القرن يوجد من ينكر وجود الله، إذ الفطرة تعد هذا وتقرره، لكن لعبة اليهود التي صنعوها واستطاعوا أن ينجحوا فيها فقد أوجدوا المذهب الشيوعي الدهري البلشفي، فقالوا: لا إله والحياة مادة!وأُطايبكم بتلك اللطيفة: حدثنا أحد إخواننا كان مهاجراً من فرنسا إلى المدينة، يقول: كانت له صديقة فرنسية أيام كان عيشه في فرنسا، هذه الصديقة أُصيبت بالإلحاد؛ لأن المدارس علمانية، ولذلك من أراد أن يدرس الدين فليدرس في المدارس الخاصة، أما مدارس الحكومة فمدارس علمانية، فقد كانوا يعلمونهم الإلحاد، ونظرية داروين انتقلت حتى إلى بلاد العرب ودرسوها في الثانوية والكليات، ولا عجب؛ لأننا تابعون إلا من رحم الله، فهذه الصديقة التي تبلشفت -وهي مسيحية- كلما ذكرها بالخالق، بالرب تعالى تسخر منه، وتقول: أنت متخلف، أنت رجعي، إلى متى وأنت هابط؟ قال محدثنا غفر الله له: وشاء الله أن تتزوج وتحبل، ثم بلغه أنها مريضة في المستشفى، وأن الطلق يهزها لتضع، قال: فدخلت عليها وسمعتها تصرخ: يا رب، يا رب، يا رب، قال: فتعجبت، فأخرجت ألف فرنك أو ألفين وقلت لها: نادي كما كنت تنادي بهذه، لم عجزت الآن؟! وقبل ذلك كان إذا ذكرها بالله تخرج الكيس وتقول: هذا هو الله الذي ينفعنا! لكن لما هزَّها الطلق وشاهدت الموت: الله، الله، يا رباه، يا رباه، قال: فلما أريتها الجنيه وقلت لها: ادع هذا، سخطت علي وغضبت وقالت: اذهب عني.فهذه كانت بلشفية ملحدة، لكن لما دقت ساعة الهلاك وعرفت أيقنت أنه لا ينفع إلا الله، فهي تنادي: يا رباه، يا رباه، وقوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وقوم إبراهيم، أقوام نتلو قصصها في كتاب الله، فما مر بنا أن قوماً أنكروا وجود الله قط، بل وثقوا فيما تسمعون، فلم يوجد من ينكر وجود الله إلا هذه الطائفة التي كونها اليهود المعروفة بالبلاشفة والشيوعيين فقط، والبشر كانوا يؤمنون بالخالق الرازق، ويؤمنون بالتوسل إليه بالآلهة التي صنعوها وزينها لهم الشيطان، لكن لا ينكرون وجود الله، كذلك العرب كانوا في القمة في الشرك والعياذ بالله، وأنتم تسمعون عنهم في التاريخ أنهم كانوا يحلفون بالله ويؤمنون بالله! ومع هذا كما تسمعون في القرآن أنهم كانوا يسخرون من النبي والقرآن، ويكذبون بالبعث والجزاء.والمراد من هذا: أن كلمة: (كفروا) لا تفهم منها أنهم اليهود فقط، أو النصارى أو العرب، بل يجب أن نعرف ما الكفر حتى نتجنبه، حتى نذهب من ساحته ونبعد من رائحته الكريهة.فخلاصة القول: كل من جحد وجود الله، أو جحد أسماء الله، أو جحد صفات الله، أو جحد عبادة الله، أو جحد نبياً من أنبياء الله فضلاً عنهم جميعاً، أو كذب بخبر من أخبار الله، سواء أطاقه عقله واستطاع أن يفهمه أو لم يفهمه، أو كذب رسول الله في حادثة معينة من أمور الشريعة أو الدار الآخرة فهو كافر، والمؤمن هو الذي صدَّق بوجود الله، وبكل ما أخبر الله به، وآمن بكل ما أمر الله أن نؤمن به، ولو أن عبداً آمن بالقرآن الكريم وكذب فقط بآية واحدة وقال: مثل هذه لا أؤمن بها، فهل يبقى مؤمناً؟ والله لا يبقي مؤمناً، وإنما كفر بالله تعالى، كذلك آمن بكل الرسل إلا أنه قال: إن فلاناً -عيسى- لا أصدق أنه رسول الله، فقد كفر وخرج من ملة الإسلام، إذ إن الكفر: التكذيب والجحود والإنكار لله وبكل ما أمر به من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقضاء والقدر، والبعث والجزاء، وأحوال الآخرة وما يقع فيها من شقاء أو سعادة، فذلكم الكافر، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116] بهذا المعنى.
لطيفة في قوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً)
يقول تعالى عنهم: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116].وهنا لطيفة: لمَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]؟ لأن كفرهم سببه المال والولد، والحفاظ على أموالهم وأولادهم حملهم على أن يكذبوا رسول الله، والاعتماد عليهما -المال والولد- على أن صاحبهما لا يشقى ولا يكرب ولا يحزن ولا يخسر في الدنيا، هذه النظرية باطلة، وذكر تعالى المال والولد لعلمه بخلقه، وأن الكافرين يعتزون بأموالهم وأولادهم، كالاعتزاز أيضاً بالجيوش، والاعتزاز بالوطن، والاعتزاز بالحيل، وبالتالي كل من كفر لا بد وأن لكفره عاملاً وسبباً من الأسباب، وأكثر ما يحمل على الكفر هو الحفاظ على المال والولد، إذ الاستغناء يجعل هذا الغني لا يبالي بما يُطلب إليه من الدين، أو ما يُدعى إليه من الإيمان والعمل الصالح، وصدق الله إذ قال: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28]، وتأمل واقعنا تجد المؤمنين كغيرهم، إذ إن أكثر الذين يعرضون عن ذكر الله سبب ذلك اعتزازهم واستغناؤهم بأموالهم وأهليهم، فأبطل تعالى هذا بقوله: لَنْ [آل عمران:116] التي تفيد التأبيد، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:116]، فإذا أراد أن يضربهم في الدنيا بوباء من الأوبئة، بأن يسلط عليهم عدواً من أعدائهم، بأن يسلبهم عقولهم، بأن يفني ما لديهم وما عندهم من الأولاد والمال، فهل هناك من يرد عنهم شيئاً؟! تُغني عنهم أموالهم وأولادهم؟! لا؛ لأن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الخير للإنسان أن يفزع إلى الله ويلجأ إليه ويحتمي بحماه، أما أن تغتر نفسه بما لديه من سلطة أو جاه أو مال، ويعرض عن الله معتزاً بما عنده، والله لن يغني عنه من الله شيئاً متى أراده الله؛ لأن كثيراً من كفار العرب -الذين كفروا وحاربوا- كانوا معتزين بأموالهم وأولادهم، فهذا الوليد بن المغيرة كان معتزاً بأولاده وماله، واقرءوا ذلك في سورة المدثر، اليهود كذلك حافظوا على كفرهم وأبوا الإسلام معتزين أيضاً بأموالهم ورجالهم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، متى أراد أن يُنْزِل بهم نقمه، وأن ينزل بهم عذابه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:19 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وصف النار التي أعدها الله للكافرين
ثم جاء الخبر الثاني وهو قوله: وَأُوْلَئِكَ [آل عمران:10] البعداء، المنحطون الهابطون، الذين ما أصبحوا يتسمون بسمات البشر والعقول البشرية، أولئك البعداء أصحاب النار الذين لا يفارقونها ولا تفارقهم، كما هو صاحب اللسان لا يفارقه أبداً، فكذلك النار لا تفارقهم أبداً.فأولاً: ما هي هذه النار؟ لولا أن الله عز وجل أوجد لنا جزءاً منها من سبعين جزءاً، لكان البشر يكذبون بشيء ما عرفوه، فقطع الله عز وجل عليهم الحجة وأرانا النار، وبها نصطلي ونستدفئ ونطبخ، فهي موجودة، فمن ينكر هذه النار؟! جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80]، هذه النار وهذا اللهب وهذه الحرارة أصلها من تلك النار التي هي في عالم أسفل، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن نارنا هذه جزء من سبعين أو ستين جزءاً من نار الدار الآخرة.ثم هذا الكوكب النهاري -كوكب الشمس- بإجماع البشر على أنه أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، هذا الكوكب كله نار، فمن أوجد نار هذا الكوكب؟ آباؤنا؟! أجدادنا؟! أيضاً هذا الكوكب الناري -كما نقول غير ما مرة- ما دام أنه أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، فقد قال علماء الإسلام قبل أن يعرف هذا علماء الكفر: لو وضعنا البشرية كلها في الشمس فقط ما سدت جزءاً أو زاوية من زواياها! مع أنه كوكب يجري ويسبح بهذه الضخامة والعظمة طول الحياة، فمن أوجده؟ تلقائياً؟! أتوماتيكياً؟! خرافة الهابطين وسفه السافهين، إنه الله خالق كل شيء.فهذه النار وصفها الله تعالى بأوصاف لو يؤمن بها العبد وتُتلى عليه أو يتلوها يخر مغشياً عليه، وحسبنا منها ما بلغنا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم من أن بعض الناس الأشقياء يوضع في تابوت -صندوق- من حديد ويغلق عليه، ويقذف في ذلك العالم فيعيش بلايين السنين، لا يأكل ولا يشرب ولا يسمع ولا يبصر ولا ينطق، ويمزقه الخوف والجوع والعذاب ملايين السنين، فكيف نأكل أو نشرب؟! كيف نضحك؟!وهذه النار قد عُرضت في ذلك المحراب، شاشة بيضاء قبل أن تعرف البشرية عرض دور السينما وشاشات التلفاز، والله لقد عرضت في محراب رسول الله، في جداره الذي يصلي إليه، وقد شاهدها وشاهد النساء فيها، وآلمه لهبها في وجهه حتى رجع القهقرى، حتى أشاح بوجهه، وليس ذلك العرض الهابط الكاذب، وإنما عرض حقيقي.ثم ليلة الإسراء والمعراج عند عودته مر بها وشاهد ما يتم وما يجري فيها، هذا العالم العظيم، هذه النار حروفها قليلة: (ن، ر، ا) لكن ماذا نعرف عنها؟ لو نستعرض آيات القرآن.أما طعامها وشرابها فالحميم والزقوم، والحميم هو: الماء الحار الذي يشوي الوجوه، والله ما يرفع الإناء ليشرب ويدنيه من وجهه من شدة الظمأ والعطش حتى تتهرى بشرته وتنزل، أما الضريع: فهو الشوك، وقد عرفه العرب في صحرائهم، وهو طعام أهل النار، وكذلك الزقوم، وحسب الأشقياء أن يعيشوا في عالم يفقدون آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم، فلا يعرفهم أحد ولا يعرفونه بلايين السنين، فأي نار هذه؟! ماذا نقول؟!ضرس أحدهم كجبل أحد، إذ يخلق الله تعالى لهم أجساماً ما هي كأجسامنا هذه، وإنما يخلقهم خلقاً جديداً، عرض ما بين كتفي الكافر في النار والله كما بين مكة وقُديد، مائة وخمسة وثلاثون كيلو متراً، فإذا كان عرضه هكذا فضرسه والله كجبل أحد، إذ كيف يعيشون ملايين السنين لو لم تكن أجسامهم هكذا؟! كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56].لطيفة: لما قدَّم أبو جهل -عليه لعائن الله- لأولاده العجوة من المدينة وصِحاف الزبدة قال: تعالوا نتزقَّم، هذا هو الزقوم الذي يهددنا ويخوفنا به محمد، فكلوا العجوة والزبدة، فأنزل الله تعالى فيه قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، جاء في سورة الدخان قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-48]، وقولوا له: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، ذق هذا العذاب الروحي الذي هو أشد مليون مرة من العذاب البدني، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان:49-50] أي: تشكون. وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ [آل عمران:116]أي: أهلها الذين لا يفارقونها، هُمْ [آل عمران:116]أي: لا غيرهم، فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:116] والخلود: البقاء الأبدي، فلا يموتون ولا يحيون، ولا تنتهي النار أبداً، ولم يشأ الله نهايتها وإفناءها والقضاء عليها، إذ خلقها لحكمة فلا تخرج عن حكمته، فهل عرفتم جزاء الكفار؟إذاً: فهيا نحمد الله على أنا مؤمنون: الحمد لله، الحمد لله، بينما أمثالنا بلايين هم كافرون في الشرق والغرب.
تفسير قوله تعالى: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر...)
قال تعالى: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117]. ‏
إنفاق الكافرين الأموال لإطفاء نور الله تعالى
الخبر الثاني: يقول تعالى: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:117]، والآية تعني: جماعات تهدم الإسلام وتحطمه وتنفق على ذلك الأموال، وعلى رأسهم هؤلاء اليهود والصليبيون، فهم ينفقون أموالهم لإحباط دعوة الله وإبطالها، ولحمل البشرية على الكفر وإبعادها عن الإيمان، ولإخراج الناس من نور الإيمان إلى ظلمة الكفر، ولا شك أنهم ينفقون أموالاً طائلة. مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ [آل عمران:117] من أموال في هذه الحياة الدنيا، وليس ينفقونها على أبدانهم فيطعمون ويشربون ويكتسون ويسكنون، وإنما أناس ينفقون الأموال لإطفاء نور الله، وقد نجحوا في ذلك، مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:117]، لهذه الأغراض السيئة.
معنى قوله تعالى: (كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم)
كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [آل عمران:117] أي: مثل الريح، والريح معروفة وخاصة ريح الشتاء والبلاد الباردة، والصر: صوت بارد شديد، صوت يُسمع منها، وبردها قاتل.هذه الريح أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ [آل عمران:117]، والمراد من الحرث: ما يحرث للأرض من سائر الزروع، كالبر والذرة والشعير وما إلى ذلك، أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ [آل عمران:117] أي: زرع قوم.
معنى قول الله تعالى: (ظلموا أنفسهم)
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:117]، ظلموا أنفسهم بماذا؟ كفروا، فسقوا، فجروا، جحدوا، اعتدوا، ظلموا، أفرغوا وصبوا على أنفسهم أطنان الذنوب والآثام. ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:117]، وهل يوجد إنسان يظلم نفسه؟ إي نعم، ومسكينة تلك النفس التي بين جنبيه، فبها يسمع ويبصر وينطق ويقوم ويقعد، هذه الروح التي أُودعت في جسمه كأرواح الملائكة طهراً وصفاء، ونوراً وإشراقاً، فيؤاخذ بمجرد أن يصل إلى مستوى التكليف، وتصبح كلمته ينعكس ظلها على روحه وحركته، كلما أذنب ذنباً صب عليها طناً من القاذورات والأوساخ، فهو بذلك قد ظلمها.ثم هل أودعت نفسه في جسمه مظلمة، منتنة، عفنة، خبيثة؟ لا والله، وإنما نفخها الملك المكلف بنفخ الأرواح وهي نور تتلألأ، والذي حوَّلها من نور إلى ظلمة، ومن طهر إلى خبث، ومن خير إلى شر وفساد، يكون قد ظلمها.إذاً: فكل الفجار والفساق والكافرين والمجرمين والمشركين والظالمين ظلموا أنفسهم، وليس من حقهم أن يفعلوا ذلك، ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:117] فهل عرفتم بمَ ظلموها؟ أخذوا السياط وضربوها كالبهيمة بين أيديهم؟! لا، وإنما ظلموها بأن صبوا فوقها أطنان الذنوب والآثام، فاسودت وأظلمت وخبثت وتعفنت.فهل يُرى ذلك في خارج الحياة؟ إي نعم، فأصحاب هذه النفوس الخبيثة هم الذين يزنون بنسائنا، هم الذين يحسدوننا على ما آتانا ربنا، هم الذين يتمنون زوال نعمة أنعم الله بها علينا، هم الذين يحتالون علينا ويأخذون أموالنا، أليس هذا مظهراً من مظاهر هبوط النفس واسودادها وخبثها؟ وهل صاحب الروح الطاهرة النقية يفجر؟! والله ما يفجر، وهل صاحب الروح النقية الطاهرة يكذبك؟ والله ما يكذبك، وهل يمد يده إليك ليأخذ مالك أو يخنقك؟ والله ما كان؛ لأن روحه مشرقة طاهرة، إذاً: فمن هو الذي يأتي هذه الجرائم؟ صاحب الروح الخبيثة، إذ إنه كلما ازداد خبثها ازداد شر هذا الخبيث وظلمه وفساده.
معنى قوله تعالى: (فأهلكته)
كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران:117]، أهلكت ماذا؟ ذاك الزرع الذي كاد أن يصبح سنابل يملأ العين بخضرته وجماله، أصابته تلك الريح فقضت عليه، فكذلك هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم يقضون على مستقبلهم، ويصبح مصيرهم الفناء والخراب والشقاء والدمار، ولما أصابهم بما أصابهم به من الخسران والخراب والدمار والهلاك في الدنيا والآخرة ظلمهم الله؟ والله ما ظلمهم؛ لأن الله حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه، فلما أصابهم بالدمار والخراب سلط عليهم دولةً اجتاحتهم ودمرتهم، سلط عليهم وباء دمرهم وأفناهم، سلط عليهم فقراً وجوعاً فأهلكهم، وضعَ ذلك الحكيمُ العليم في موضعه؛ لأن الله حكيم عليم، إذا أصابك الله يا عبد الله بمصيبة فاعلم أنه الحكيم العليم، حكمته وعلمه اقتضيا أن يصيبك بهذا المرض أو الألم، فلهذا ما من مصيبة إلا بذنب، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].أنتم الآن هادئون سالمون راضون، فلو الآن يسب بعضكم بعضاً، ويشتم بعضكم بعضاً، ويلْكِمُ بعضكم بعضاً، فإذا بالدماء تسيل، وإذا بالجيش يطوقكم، وإذا بكم تبيتون في السجن، فهل ظلمكم الله أم ظلمتم أنفسكم؟كذلك لو تذهب الآن إلى بيتك وتقول لزوجتك: يا أم إبراهيم هات الشحم واللحم كله، فأكلت حتى امتلأ بطنك، وأصبحت لا تستطيع الحركة، ثم نقلوك إلى المستشفى، فهل ظلمك الله أم ظلمت نفسك؟أيضاً الآن أنا ظالم لنفسي بينكم والله العظيم، فقد شعرت بمغص هناك، ثم خف الآن والحمد لله، وذلك بأني شربت أربعة أكئوس من الشاي الأخضر، مع أن أكلي كأكل الطفل، وغدائي لا يغدي طفلكم، لكن مع فراغ البطن أربعة أكئوس من الشاي أصابني المغص، فهل ظلمني الله؟ لا، وإنما ظلمت نفسي، وقد هممت أن أقول للدكتور: ماذا أعمل لهذا المغص؟ ما هو الدواء؟ لكن الله لطف فسكتُ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال تعالى: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117].كذلك لما استولى علينا الشرق والغرب وحكمنا، هل ظلمنا الله؟ حاشا لله، وإنما ظلمنا أنفسنا؛ لأننا انقدنا وجرينا وراء الباطل، وجهلنا بربنا وعصيناه، وفسقنا عن أمره وعبدنا سواه، ومزقنا كلمتنا وشتتنا أمتنا وأصبحنا مذاهب وطوائف، فدقت ساعة الانتقام، فأذاق الله أمة الإسلام العذاب، وهذا الذي نصرخ به، وأن الأمة الإسلامية متهيئة وأنها تحت النظارة، ووالله إن لم تتدارك بالأمة بالتوبة الصادقة، فتجتمع على كتاب الله، وتعود إلى منهج رسول الله، لنزل بها بلاء أعظم من بلاء الاستعمار، والغافلون ما يشعرون بهذا. أمة الإسلام أصبحت أمماً تعبد الطين والوطن، وتُعرض عن ذكر الله وكتابه، وتتعلق بالأوهام والضلالات، وتعتز بالباطل، فلا إله إلا الله! إلى أين تريد أن تصل هذه الأمة؟ ولكن أنفسهم ظالمون لها، والله ما ظلمهم أبداً.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات
قال [ شرح الكلمات: كَفَرُوا [آل عمران:116] ]: كذبوا بالله ورسوله وشرعه ودينه. لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ [آل عمران:116]: لن تجزي عنهم يوم القيامة أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً، إذ لا مال يومئذ ينفع ولا بنون. مَثَلُ [آل عمران:117] أي: صفة وحال ما ينفقونه لإبطال دعوة الإسلام أو للتصدق به ] وهم كافرون، فهل تنفعهم صدقاتهم من بناء المستشفيات وتوزيع الأدوية مع السعي إلى تكفير الناس؟! كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [آل عمران:117]، والآن الصليبيون ينفقون أموالاً طائلة، فهل هذه تغني عنهم من الله شيئاً؟ إن مثلها: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران:117]، والله لا ينتفعون بحسنة؛ لأنهم كفار، وينفقون ضد الإسلام للتنصير والتكفير.قال الشارح: [ الصر: الريح الباردة الشديدة البرد التي تقتل الزرع وتفسده، الحرث: ما تحرث له الأرض وهو الزرع. ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:117]: حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلاك والخسار ].
معنى الآيات
قال [ معنى الآيات: لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال، ذكر هنا في هاتين الآيتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب؛ ليهتدي من هيأه الله تعالى للهداية، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:116] أي: كذبوا الله ورسوله، فلم يؤمنوا ولم يوحدوا، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ [آل عمران:116] أي: في الدنيا والآخرة مما أراد الله تعالى بهم شيئاً من الإغناء؛ لأن الله تعالى غالب على أمره، عزيز ذو انتقام، وقوله تعالى: وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:116] فيه بيان حكم الله تعالى فيهم، وهو أن أولئك البعداء في الكفر والضلال المتوغلين في الشر والفساد، هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها لا يفارقونها أبداً، ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرون بها، ولا أولادهم الذين كانوا يعتزون بهم ويستنصرون، إذ يوم القيامة: لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] سليم من الشك والشرك والكبر والعجب والنفاق.هذا ما تضمنته الآية الأولى، أما الآية الثانية: فقد ضرب تعالى فيها مثلاً لبطلان نفقات الكفار والمشركين، وأعمالهم التي يرون أنها نافعة لهم في الدنيا والآخرة، ضرب لها مثلاً: ريحاً باردة شديدة البرودة أصابت زرع أناس كاد يُحصد -أي: الزرع- وهم به فرحون، وفيه مؤملون، فأفسدته تلك الريح، وقضت عليه نهائياً، فلم ينتفعوا بشيء منه، قال تعالى في هذا المثل: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ [آل عمران:117] أي: أولئك الكفار، فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:117] أي: مما يرونه نافعاً لهم من بعض أنواع البر، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ [آل عمران:117] أي: تلك الريح الباردة، حَرْثَ قَوْمٍ [آل عمران:117] أي: زرعهم النابت، فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران:117] أي: أفسدته، فحرموا من حرثهم ما كانوا يؤملون، وَمَا ظَلَمَهُمُ [آل عمران:117] حيث أرسل عليهم الريح فأهلكت زرعهم، إذ لم يفعل الله تعالى هذا بهم إلا لأنهم ظلموا بالكفر والشرك والفساد، فجزاهم الله بالحرمان، وبذلك كانوا هم الظالمين لأنفسهم، قال تعالى: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117] ].
هداية الآيات
قال [ من هداية الآيتين:أولاً: لن يغني عن المرء مال ولا ولد متى ظلم وتعرض لنقمة الله تعالى.ثانياً: أهل الكفر هم أهل النار، وخلودهم فيها محكوم به، مقدر عليهم لا نجاة منه.ثالثاً: بطلان العمل الصالح بالشرك والموت على الكفر ] فقد يعمل العبد عشر سنين أو خمسين سنة وهو صائم قائم، وإذا بكلمة كفر تخرج منه فتمحو ذلك كله، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، أي: أن بطلان العمل الصالح هو بالشرك وبالموت على الكفر، ومن هنا نعلم أن المشرك يصوم ويتصدق، فهذا الكافر عبد الله بن جدعان الذي سألت عنه أم المؤمنين الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: ( ما تقول فيه يا رسول الله؟ قال: هو في النار، قالت: كان يذبح في الحج الواحد ألف بعير، ويكسو ألف حلة )، من يفعل هذا؟! قال: ( هو في النار؛ لأنه مات على الشرك، مات ولم يقل يوماً: رب اغفر لي وارحمني ). [ رابعاً: استحسان ضرب الأمثال في الكلام لتقريب المعاني ]، فالله ضرب المثل من أجل أن يقرب المعنى إلى الناس ولينتفعوا بما يسمعون، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:20 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (48)
الحلقة (189)

تفسير سورة آل عمران (53)


حرم الله عز وجل على عباده المؤمنين اتخاذ مستشارين من أهل الكفر، وحرم إطلاعهم على أسرار المسلمين ومواطن ضعفهم وقوتهم، لما في ذلك من الضرر الكبير الذي يلحق بالمسلمين، وذلك لفساد الكافرين تجاه المسلمين، وما يحملونه في قلوبهم من إرادة الشر لهم، والفرح بما يصيبهم من العنت والنصب والبلاء، وإنما يظهرون لأهل الإيمان النصح والمحبة ويبطنون في أنفسهم البغض لهذا الدين وأهله.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فهنيئاً لكم معشر المؤمنين والمؤمنات.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وهانحن مع هذه الآيات المباركات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:118-120].
مناداة الله لعباده بوصف الإيمان
فهيا نتغنى بهذه الآيات، فنكرر تلاوتها، ونتابع معانيها، وما تهدف إليه، وما تدعو إليه، وما تحققه لنا -معشر المؤمنين-إن كنا مؤمنين صادقين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:118] نادانا ربنا، فلبيك اللهم لبيك، نادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء، والحي يسمع النداء ويجيب، وإن أُمر فعل، وإن نُهي ترك، وإن بُشر استبشر، وإن حُذِّر حَذر، وإن عُلم عَلِم وتعلم، هذا العلم علمناه الله، وأصبحنا أهلاً له، فالحمد لله، وملايين المسلمين لا يخطر ببالهم هذا ولا يعرفونه! فيا معاشر المستمعين! هل أنتم متفاعلون مع هذه الآيات؟مرة أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، ربنا لك الحمد، فقد بينت لنا إن كنا نعقل، أما إن فقدنا عقولنا، وتهنا في متاهات الدنيا، وأصبحنا كالمجانين فما ننتفع بهذه الآيات. هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:119] أي: كالتوراة، أو الإنجيل، أو الزبور، وكل كتب الله، وهم لا يؤمنون بكتابكم. وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا [آل عمران:119] قل: يا رسولنا، قل يا عبد الله المؤمن: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119] فلا يضرنا غيظكم شيئاً، سبحان الله! إنه تعليم مولانا، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، كيف يضرنا كيدهم ونحن أولياء الله، والله محيط علمه بهم؟! الله أكبر! هل هذا القرآن يجوز قراءته على الموتى؟! آه، يا للعجب! يا معشر العرب! هذا القرآن يُقرأ على الموتى وما أفقنا إلى اليوم! وإن قلت: لا يُقرأ القرآن على الموتى، يعجبون، كيف لا يُقرأ على الموتى؟! آلله أنزله ليقرأ على الموتى؟! إن هذه الآيات الثلاث لا يوجد واحد في الألف من مسئولي العالم الإسلامي قرأها وعرفها، ولا دروا ما هي، لعلي واهم؟ من يرد عليّ؟ وبالتالي كيف يسوسون البشرية؟! كيف يقودون أهل: لا إله إلا الله؟! إنهم لا يلامون؛ لأن آباءهم وأمهاتهم لا يعرفون القرآن إلا ليلة الميت، فيقرءونه على الميت سبع ليال، أو إحدى وأربعين ليلة، وكأن القرآن ما نزل إلا للموتى، فعجب هذا أو لا؟ والآن الحمد لله هذا النداء تضمنته نداءات الرحمن، وأصبح الآن يقرأه المسئولون، فقد وِزِّع كثيرٌ منه، واليوم طلبوا منا القوات المسلحة إذناً بطبع هذا الكتاب وتوزيعه على كل أفراد القوات، فالحمد لله، وهذا نداء منها، إذ إنها تسعون نداء.والمفروض أن كل مؤمن يضع هذا النداءات عند رأسه، وقبل أن ينام يستمع إلى نداء من نداءات ربه، فيقول: الحمد لله، الحمد لله، الله يناديني! أية نعمة أعظم من هذه؟! يناديني سيدي ومولاي ليعلمني وليهذبني وليرفعني، وما نصغي ولا نسمع! وهل كل مؤمن ومؤمنة يسمع هذه النداءات يبقى جاهلاً؟! والله ما يبقى جاهلاً، يبقى ضالاً؟ والله ما بقي ضلاله إلا أن يشاء الله، فهو قد عرف أن الضلال لمن فقد الهداية والنور، أما الذي هدايته تقوده والنور أمامه كيف يضل؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:118]، نادانا الله عز وجل -نحن معاشر المؤمنين والمؤمنات- بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي؛ لأن الإيمان بمثابة الروح، والأجسام لا تحيا إلا بالأرواح، فإذا خرجت الروح مات الجسم، فكذلك الإيمان والله بمثابة الروح، فلما حيينا بفضله ومنته علينا، وأصبحنا أحياء، نادانا ليعلمنا، ليؤدبنا، لينجينا، ليبعدنا عن المساخط والمهالك.
معنى قوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم)
ثم قال لنا: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]، وهنا اللام ناهية، لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]، ما هي هذه البطانة؟ البطانة من تستبطنهم وتطلعهم على بطائن أمورك وخفاياها، فأيها المسئول! سواء كنت قائداً عسكرياً، أو كنت إماماً للمسلمين، أو كنت صاحب متجر، أو مصنع، فمصنعك لا تريد أن تطلع عليه غير المؤمنين الصالحين، كذلك تجارتك ومورد أموالك، لا تريد أن تطلع عليه إلا الخواص، الذين تطمئن إليهم، أما أن تطلع عليه أعداءك فسوف يحرمونك من ذلك. لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] من غيركم، أي: من اليهود والنصارى والبلاشفة الشيوعيين والمجوس والمشركين والكافرين، وقوله: مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118] فقط، أخْرِج المؤمنين، فلا استثناء إلا للمؤمنين، ومن عداهم هم دوننا، من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والملاحدة، بل كل الكافرين، فقد نهانا مولانا أن نتخذ بطانة من دوننا من الكافرين، فنستبطنهم ونطلعهم على خفايا أمورنا وأسرارنا الحربية والسلمية؛ ليكملنا ويسعدنا ويعزنا.
معنى قوله تعالى: (لا يألونكم خبالاً)
ثم بين وعلل فقال: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، والخبْل: الفساد والشر، أي: لا يقصرون في إفساد حياتكم عليكم، وقائل هذا هو الله خالق القلوب، وواهب العقول، والعليم بذات الصدور، فإن قلت: لا، كفرت، كذبت الله، وأعوذ بالله أن تكذب الله، وهل لك قيمة حتى تكذب العليم الخبير؟! فالأعداء لا يقصرون أبداً في إفساد الحياة عليكم، وصدق الله العظيم، إذ إلى الآن لا يريدوا للعالم الإسلامي أو أي بلد إسلامي أن يسمو أو يسعد أو يكمل أبداً؛ لما في نفوسهم من الحقد والغل على الإسلام والمسلمين.
معنى قوله تعالى: (ودوا ما عنتم)
وَدُّوا [آل عمران:118]، أبلغ وأكثر لتأدية المعنى من: (أحبوا)، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118]، العنت: المشقة الشديدة، مثل: الذي كُسِر وجبر، ثم ازداد كسراً بعد الجبر، فهذا معنى العنت، وهو أشد من المشقة، وما قال: ودوا مشقتكم، وإنما عنتكم؛ ليبقى المسلمون دائماً في بلاء وفقر وجدب وضعف وخلاف وهزيمة وشر وهكذا، فهذا الذي يودونه. وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118]، احذر أن تقول: لا، يوجد يهود ونصارى لا يحبون لنا إلا الخير! والله ما كان، ولن يكون حتى تطهر تلك القلوب، وتحيا تلك النفوس الميتة، وتتصل بالملكوت الأعلى، وتؤمن بلقاء الله وما عند الله، ثم يحبون كل مؤمن ومؤمنة، ولا يودون له الشقاء ولا التعاسة ولا البلاء، أمَا وهم يعرفون أنهم هم أصحاب النار والجحيم الخالدون فيها، والمسلمون أهل السعادة والكمال، فكيف يحبونهم؟!فإن قيل: يا شيخ! أنت تقول هذا الكلام! إن هذا أمر واقع، فما الذي أنزلنا من علياء السماء إلى الأرض؟ القرآن؟! أولياء الله؟! إذاً فمن؟ والجواب: هم، فقد حولوا قلوبنا إلى قلوب شرك وباطل وأوهام، أبعدونا عن نور الله فعشنا في الظلام، افترقنا وتنازعنا وتناحرنا، وأكل بعضنا بعضاً، وضاعت آدابنا وأخلاقنا، وهبطنا حتى ساسونا وسادونا، وهم يديرون دفة حكمنا، فهل هناك من يرد عليّ من أهل العلم والسياسة؟ أهل السياسة والبصيرة يعرفون هذا، أما الجهال فلا تسأل عنهم.
معنى قوله تعالى: (قد بدت البغضاء من أفواههم...)
ثم يزيدنا ربنا بياناً فيقول: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [آل عمران:118]، أي: بغضهم الشديد لنا ظهر من ألسنتهم، ومن يجلس إليهم ويستمع منهم والله ما يلبث حتى يسمع كلمات دالة على بغضهم لنا.قوله: وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، أي: ما تخفي صدورهم من بغضنا وحسدنا، وحب سقوطنا وضعفنا وعجزنا ومصيبتنا، أعظم مما قد يظهر على ألسنتهم.
معنى قوله تعالى: (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)
وأخيراً: يقول لنا ربنا -سامحنا يا رب-: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ [آل عمران:118]، ماذا نقول؟ ربنا لك الحمد، ولا نقول: جزاك الله خيراً، إذ إنه صاحب الخير، فاللهم لك الحمد على ما علمتنا وبينت لنا، ونحن نأسف أننا ما عرفنا بيانك، ولا أخذنا بآياتك، فارتبكنا وهبطنا وتمزقنا، والمنة لك يا رب العالمين. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، وإذا كنتم لا تعقلون فلن تشاهدوا الطريق أبداً، وإلا فإن الله بين الطريق -سبيل النجاة- على أوضح ما يكون، ولكن أين العقول؟ العقول ذهب بها الهوى والدنيا والشهوات، وغطاها الجهل وظلماته، وارتبك العالم الإسلامي وهو الآن في محنة. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ [آل عمران:118]، فلك الحمد يا ربّ أن بينت لنا، وقلت: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، فالذين لا يعقلون ما ينفعهم البيان أبداً، فالمجنون، والخبل، والبهلول، إذا قلت له: الطريق من هنا، فاسر عن يمينك إلى كذا، ثم يأتيك المحل الفلاني، ثم امش حتى تصل إلى كذا، فإنه لا يفهم؛ لأنه لا يعقل، ما عنده عقل.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:20 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم...)
قال تعالى: هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]. هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ [آل عمران:119] عجيب هذا الكلام الإلهي! لما جاء بالهاء في (أنتم) ما استعجل فقال: هؤلاء، وإنما (هَا)، أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ [آل عمران:119]، إذ عواطف المؤمنين والمسلمين تطغى عليهم، فقد يحب المسلم جاره اليهودي أو النصراني أو المجوسي، وخاصة إذا أحسن إليه وشاهد منه بعض الإحسان، ولا يفكر في قلبه، وما ينطوي عليه صدره من الغل والحسد للإسلام والمسلمين، فمن يرد على الله؟ أعوذ بالله! هَاأَنْتُمْ [آل عمران:119] وخاصة قبل نزول هذه الآيات، قبل نزول هذه التعاليم الإلهية، قال لنا: هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ [آل عمران:119]، صدق الله العظيم، إي والله، لا يحبونكم.ثم قال: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:119]، لفظ: (الكتاب) يا طلبة العلم ما هو بمفرد، وإنما هو اسم جنس بمعنى: الكتب الإلهية، كقولك: الإنسان، هل هو واحد؟ لا، إذ إن كل البشرية إنسان. هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ [آل عمران:119] والبرهنة: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ [آل عمران:119] الإلهي، كُلِّهِ [آل عمران:119]، فلو كان مفرداً ما يقول: كله، لكن (الكتاب) اسم جنس المراد به الكتب الإلهية، فنحن نؤمن بالتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف موسى، وصحف إبراهيم، وصحف شيث وإدريس وهكذا، كل ما أنزله الله من كتاب نحن نؤمن به، وهم لِمَ لا يؤمنون بكتابكم؟! لِم لا يؤمنون بالقرآن ويدخلونه في صدورهم؟! أو ما هم بمؤمنين كما يزعمون؟ أنزله الله أو لا؟ يقولون: هذا كتابه، لِم لا يؤمنون به؟ لأنهم يحافظون على كيان وجودهم، ومن هنا سوف يبغضونكم ويعادونكم، ولا يرون لكم الخير أبداً، فسبحان الله! كيف يُعلٍّم الله المؤمنين؟ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:119]، وهم لا يؤمنون بكتابكم أبداً، بل ولا بآية منه.ثم قال: وَإِذَا لَقُوكُمْ [آل عمران:119]، هذا أيام ضعفهم ووجودهم في المدينة، قَالُوا آمَنَّا [آل عمران:119]، أي: نحن مؤمنون، وَإِذَا خَلَوْا [آل عمران:119] ببعضهم البعض، وما بقي معهم مؤمن في المجلس، عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ [آل عمران:119]، وهذا من عادة الإنسان وفطرته أنه إذا تألم يعض أصبعه، حتى الأطفال الصغار يفعلون ذلك، فهؤلاء إذا خلوا فيما بينهم، وما بقي مؤمن يسمع أو يرى مجلسهم، عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ [آل عمران:119] من شدة الغيظ، فلا يريدون أن يروا مؤمناً سعيداً أبداً.وعند ذلك قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119]، فخفف عن نفسك يا رسولنا، خفف عن نفسك يا شيخ فلان، قل لهم: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119]، وليس شرطاً أن يسمعوك، فما دمت قد علمت هذا فقل لهم الآن: موتوا بغيظكم، لن ينفعكم الغيظ، بل تحترقون به، وهذا أيام كنا أولياء الله والله معنا، فلم نبال بغيظهم، إذ قال لنا ربنا: قولوا لهم: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119]. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119]، كل ما في صدر الإنسان وانطوى عليه واختبأ فيه الله عليم به، ولهذا أخبرنا بغيظهم، وأنهم مصرون عليه، وقلوبهم مملوءة، وصدورهم محشوة به، فإذا قال لك اليهودي: لا، نحن لا نحمل لكم غيظاً ولا بغضاً ولا كرهاً! فقل لهم: أخبرنا العلام للغيوب أنكم تبغضون المسلمين، وهذا إخبار الله عز وجل خالق قلوبكم، وموجد صدوركم.
تفسير قوله تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم...)
قال تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، زاد الله تعالى في البيان للآيات، فقال: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ [آل عمران:120]، لا أن تصيبكم، وإنما مجرد المس، كأن نزل المطر بدياركم، الغزوة الفلانية انتصرتم فيها، الرخاء عمَّ الديار، أدنى حسنة تمسَّكم تسؤهم، فيكربون ويحزنون ويتألمون، وكذلك إذا سمعوا أننا أصبحنا ننتج الطائرات المقاتلة يكربون. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ [آل عمران:120] قلَّت أو كثرت، والله: تَسُؤْهُمْ [آل عمران:120]، أي: تصبهم بالإساءة في نفوسهم، لا يريدون أبداً أن يصيبكم خير؛ لأنهم أعداء. وَإِنْ تُصِبْكُمْ [آل عمران:120] لا أن تمسكم مصيبة، وإنما تصبكم مصيبة، كالجدب العام أو هزيمة في معركة، يَفْرَحُوا بِهَا [آل عمران:120]، فتمتلئ صدورهم بالفرح، ويظهر ذلك على ألسنتهم وعلى وجوههم.وبعد: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، وهذه بشرى الله لعباده المؤمنين، لكن بشرطين عظيمين:أولاً: الصبر في البلاء والشدة، فلا نتزعزع.ثانياً: أن نتقي الله عز وجل فلا نعصه، ولا نخرج عن طاعته.وعند ذلك إن نحن صبرنا واتقينا ربنا، والله ما ضرنا كيدهم ولا مكرهم، بل والله لو تألبوا كلهم، وجاءوا من شرق الدنيا وغربها، ما زلزلوا أقدامنا ولا أصابونا بما يضرنا؛ لأن من بيده الملكوت هو الذي يديره، فيخيبهم في كل حملاتهم وظنونهم، ويرجعون خاسرين من حيث أتوا. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، أي: أذاهم، مكرهم، احتيالهم، خبثهم، ما يضر أبداً، إن أنتم صبرتم واتقيتم، وتقوى الله مستلزمة لطاعته في كل الأمر والنهي، في العقيدة، في القول، في السلوك، في اللباس، في كل حياتنا؛ لأنها أنظمة ربانية، إذا تم تنظيمها وأُديت كذلك، فأهلها لن يخسروا أبداً، ولن يضرهم كيد الكائدين.وكرر ذلك بهذا التعليق فقال: إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]، هم يبيتون المكر ويتآمرون ويجتمعون في لندن، ويجتمعون في الهند، وفي كذا وكذا، والله مطلع عليهم، فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، إذ إن كل أعمالهم مفضوحة لله مكشوفة بين يديه، فلهذا يا معشر المؤمنين! اصبروا واتقوا، والله لن يضركم كيدهم شيئاً؛ لأن الله سيدنا ومولانا وخالقنا وولينا مطلع على كل تحركاتهم الظاهرة والباطنة. وقد قيل لـعمر -خليفة المسلمين- رضي الله عنه: إن هنا رجلاً نصرانياً من رجالات الحيرة -والحيرة قريبة من العراق- لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم -أي: أنه كاتب ممتاز- أفلا يكتب عنك يا عمر؟ فقال عمر: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين؛ لأنه سيصبح يطلع على كل مهام عمر. والناظر إلى الدول الشيوعية الاشتراكية يوم دخلوا في الاشتراكية، أصبحت بطانتهم كلهم من الروس، خواصهم الذين يسيرون دفة الاشتراكية من الروس، أو من المجر، أو المناطق الروسية من يوغسلافيا. كذلك: جاء أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه وأرضاه وعن الأشعريين كلهم -بحسَّاب نصراني- حسَّاب لا نظير له في الحساب إلى عمر، فانتهره عمر وقال له: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله. فأدب عمر رضي الله عنه أبا موسى رضي الله عنه، مع إتيانه له بحساب لا مثيل له، إذ إنه يستطيع أن يحسب الملايين والبلايين. إذاً: معاشر المسلمين! لا تتخذوا بطانة من غير المؤمنين، فتطلعونهم على أسراركم وخفايا أموركم، وخاصة العسكرية والمالية والتربوية والتوجيهية وغيرها؛ لأنهم يدسون، ما يفرحون بسعادتكم وكمالكم، اللهم اجعل المؤمنين يفيقون.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
والآن مع هداية الآيات لنتتبع ما علِمناه. قال المصنف غفر الله لنا وله: [ من هداية الآيات: أولاً: حرمة -والحرمة: المنع- اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامة، وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإسلامية، والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم؛ لما في ذلك من الضرر الكبير ] أي: حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامة، سواء كانوا بيضاً أو سوداً مطلقاً، وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإسلامية، وما تخفيه وتستره عن الناس.[ والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم؛ لما في ذلك من الضرر الكبير على المسلمين ]، فبلغوا هذا، فهم يضحكون عليكم إلا من شاء الله، ولا تلوموهم؛ لأنهم ما عرفوا، ما جلسوا هذا المجلس ولا عرفوا عن الله، ووالله لـ(95%) من مسئولي العالم الإسلامي ما عرفوا شيئاً، منهم دكاترة، أصحاب شهادات، لكن تخرجوا من المسجد النبوي؟! لا، وإنما تخرجوا على أيدي أعداء الإسلام، فملّئوهم وشحنوهم، ووجهوهم التوجيه الذي لا يرجع إلى الله أبداً، ومن طلب البرهنة أو التدليل على هذه القضية، فإليه الدليل:كيف تُسْتَقل ويوجد لنا نيفاً وأربعين دولة، ولا توجد واحدة منها أمر حاكموها بإقامة الصلاة؟! أنتم لا تفكرون هذا التفكير؛ لأننا هابطين، فأسألكم بالله، ما علة وجودنا سوى الصلاة؟ هل هناك شيء غير هذا؟! لماذا لا يُؤمر بإقامة الصلاة؟! السبب: أنهم ما عرفوا، فأبناؤنا وإخواننا غشيهم الجهل، تعلموا من طريق الكفار فهبطوا بهم وأفسدوا عقولهم، وقالوا لهم: يجب أن ننهض، التمدن، الحرية، الترقي، اتركونا من التخلف، اتركونا من الرجوع إلى الوراء، و.. و..، وقد سمعت بأذني مسئولاً من المسلمين في أوروبا يقول: ما هي إلا أيام فقط ونتحرر، وتخرج المرأة عارية تغني، يعني: كالفرنسيات واليهوديات! قال: [ثانياً: بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين ]، أما قال: تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ [آل عمران:119]؟ فقلوبنا رقيقة، إذ لو عندي جار أو أسير كافر أرحمه وأشفق عليه، فهل عرفتم فضل المؤمن على الكافر أو لا؟ كفضل ماذا؟ كفضل الآدمي على الخنزير! كفضل الآدمي على الكلب والقرد! فإن قيل: يا شيخ! كيف تقول هذا؟! والجواب: قد قرر هذا القرآن فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة :6]، فما البرية يا عرب؟ الخليقة، وهل شر الخليقة القردة والخنازير والحيات؟ لا، فلا حيات ولا ثعابين ولا غيرها، وإنما الكفار من أهل الشرك والنفاق، والدليل: أولاً: أن هذا خالقهم أصدر الحكم عليهم.ثانياً: هل الأفعى أو الحنش أو الأرقط أو الخنزير أو الكلب كفر ربه؟! جحد مولاه؟! حارب أولياءه؟! غش عباده؟! الجواب: لا، وهذا الكافر كفر بربه وجحده، وصنع آلهة باطلة وتركه، وخرج عن عبادته وطاعته! فأيهم أشر إذاً؟! وهل عرف الناس هذا؟ ما عرفوه؛ لأن سورة البينة لا تُقرأ على الموتى، وإنما التي تُقرأ على الموتى يس والملك! ثم قال تعالى بعدها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7] أي: الخليقة، من بَرَأ النسمة يبرأ إذا خلقها، والبارئ هو الله، قال تعالى: الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24]، وإنما قرئ (البرية) من باب التخفيف، وهي قراءة حفص، فقلبت الهمزة ياء وأدغمت في الياء، وإلا فهي ليست من (برية)، وإنما من (برأ يبرأ بريئة)، بمعنى: مبروءة، على وزن فعيلة بمعنى مفعولة، خليقة بمعنى: مخلوقة.إذاً: شر البريئة هم الكفار والمشركون، ومن قال: كيف تقول هذا ياشيخ؟ فنقول: سائر الحيوانات على اختلافها ما عصت ربها، ولا خرجت عن طاعته، بل ما فطرها عليه وهداها إليه تفعله بانتظام، والإنسان يسب ربه ويكفر به، ويحارب أولياءه، وينتقم من أوليائه، ويفعل ويفعل، وكل هذا ضد الله، فهل هذا أصبح فيه خير؟ هذا كله شر، فهو شر الخليقة. قال: ثالثاً: [ بيان نفسيات الكافرين، وما يحملونه من إرادة الشر والفساد للمسلمين ]، كيف عرفنا هذا؟ هل درسناه في كلية من الكليات؟ في علم النفس؟ لا، وإنما عرفنا ذلك من قول الله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]. قال: رابعاً: [ الوقاية -الكافية- من كيد الكافرين -مطلق كافر- ومكرهم ]، والوقاية: الحبر، وهو شيء يقيني من البرد كالثوب، ومن الشمس كالمظلة، ثم هذه الوقاية أين توجد؟ أين تكمن؟ قال: [ تكمن في الصبر والتجلد، وعدم إظهار الخوف للكافرين، ثم تقوى الله تعالى بإقامة دينه، ولزوم شرعه، والتوكل عليه، والأخذ بسننه في القوة والنصر ]، وسيأتينا لاحقاً -إن شاء الله- معرفة سبب انهزام المؤمنين في أحد، وذلك بعدم الأخذ بسنة النصر، فقد تفرقوا وآثروا الدنيا على الآخرة، فلا إله إلا الله! إن هذا القرآن عجيب.فهيا نسمع للآيات مرة أخيرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:118-119]، وهم لا يؤمنون بكتابكم، وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ [آل عمران:119]، ماذا تقولون لهم؟ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:119-120].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.


ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:24 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (49)
الحلقة (190)

تفسير سورة آل عمران (54)


بين الله لعباده المؤمنين أن الصبر والتقوى هما عدة الجهاد في الحياة، وأن الله عز وجل بولايته لعباده المؤمنين يقيهم مصارع السوء، ويجنبهم موارد التهلكة، ويهيئهم لطريق السلامة، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم مثالاً للفئة المؤمنة التي أوشكت على الهلكة، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الفشل، إلا أن عناية الله تدركها، ورحمة الله عز وجل تحوطها، فيعود فشلها عزاً وهزيمتها نصراً، كما حدث في غزوة بدر لبني الحارث وبني سلمة.
تفسير قوله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوِّئ المؤمنين مقاعد للقتال...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وهذه الآيات الثلاث التي انتهى إليها الدرس، نتلوها ونكرر تلاوتها، والمستمعون والمستمعات يحاولون ما استطاعوا حفظها وفهمها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:121-123]. ‏
سبب نزول قول الله تعالى: (إذ همت طائفة منكم أن تفشلا والله وليهما)
وهنا أذكركم بما قاله جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وأرضاه، إذ إنه قال: فينا نزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [آل عمران:122]، وهما بنو سلمة من الخزرج، وبنو الحارثة من الأوس، فقد همتا بالعودة عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من المدينة لقتال المشركين بأحد، فرجع عبد الله بن أبي ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين وضعفة الإيمان، وبنو سلمة وبنو حارثة همتا بالرجوع، ولكن الله عصمهما، فـجابر يقول: فينا نزلت، ولكنا نحب هاتين الآيتين؛ لأن الله قال: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، شهادة الله لنا بأنه ولينا تعدل الدنيا وما فيها؛ لأن نزول هاتين الآيتين فيه معنى التأديب وعدم اللياقة والرضا، أي: كيف تهم الطائفة بالرجوع وتترك رسول الله في المعركة؟! لكن لما كان فيها: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، قال: إني أحب أنها نزلت فينا.فقوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ [آل عمران:122]، أي: اذكروا، إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [آل عمران:122]، وتعود إلى المدينة تابعة لـابن أبي، وهذا ذم قاتل، لكن لما قال: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، ما ضرنا هذا ولا آلمنا، بل أفرحنا وأثلج صدورنا، إذ شهد الله لنا بأنه ولينا، أو ما تحبون ولاية الله؟ والله لا خير بدون ولاية الله لنا، إذ من لم يواله الله عاداه، ومن عاداه الله خسر ودمره لله وأهلكه، وولاية الله لا تطلب بالملايين أو بالإبل أو البقر، وإنما تطلب بشيئين اثنين ألا وهما: أولاً: الإيمان الصحيح، وبالتالي فلا تظفرن عبد الله بولاية الله إلا إذا آمنت إيماناً صحيحاً، إذا عرضته على القرآن وافق عليه وصدَّق وأمضى.ثانياً: تقوى الله عز وجل، وهي خوف منه يحملك على فعل ما يأمرك وترك ما ينهاك عنه، ودليل هذا قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: منهم أولياؤك يا ربّ؟ بنو هاشم؟! بنو تميم؟! إذاً فمن هم؟ أجاب تعالى بنفسه فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فكل مؤمن تقي هو ولي لله، ولن يكون المؤمن الفاجر ولياً لله، ولن يكون التقي غير المؤمن ولياً لله، بل لابد من إيمان وتقوى.وسر هذا وفقهه: أن المؤمن التقي تطيب نفسه وتطهر وتزكو وتصفو بواسطة الإيمان الحامل على فعل المأمور وترك المنهي، إذ إن فعل المأمورات تزكي النفس، وترك المنهيات تحافظ على الزكاة والطهر كما هي، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].إذاً: ولاية الله -يا من يطلبها- تتحقق لك بالإيمان الصحيح، وتقوى الله عز وجل التي هي فعل ما أمر بفعله، وترك ما نهى عن فعله، والسر في ذلك: أن الإيمان والعمل الصالح يطهران النفس ويزكيانها، فترك المحرمات والمنهيات يحتفظ بزكاة النفس وطهارتها؛ لأنه إذا كان يزكيها ثم يصب عليه أطنان الأوساخ، فهو كمن يغسلها ثم يفرغ عليها براميل الوسخ، وعند ذلك لا تنتفع، بل لابد من فعل المزكيات وترك المخبِّثات والملوثات.وكل ما في الأمر: أنه إذا زلت القدم، وارتكب عبد الله إثماً، فعلى الفور يغسل وينظف ويطيب ويطهر، أي: يندم ويستغفر ويعمل العمل الصالح.فهل عرفتم معنى قول جابر؟ وهي رواية البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: فينا نزلت هذه الآية: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، قال: نحن الطائفتان بنو الحارثة وبنو سلمة، وما أحب أنها لم تنزل فينا؛ لقول الله تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، اللهم كن ولينا، اللهم حقق لنا ولايتك.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معاشر المستمعين والمستمعات! نقرأ شرح هذه الكلمات لنتأكد من فهم ما فهمنا. ‏
شرح الكلمات
قال [ قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ [آل عمران:121] أي: واذكر -يا رسولنا صلى الله عليه وسلم- إذ غدوت، والغدو: الذهاب أول النهار ]، والرواح: الذهاب آخر النهار، يقال: غدا فلان وراح، إذا مشى في الصباح، وراح -عاد- بعد الظهر، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ وقوله تعالى: مِنْ أَهْلِكَ [آل عمران:121]، أهل الرجل: زوجته وأولاده، و(من) هنا لابتداء الغاية، إذ خرج صلى الله عليه وسلم صباح السبت من بيته إلى أحد، حيث نزل المشركون به يوم الأربعاء ] بقيادة أبي سفيان رضي الله عنه، حيث جاءوا للانتقام وضرب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ لأنهم ذاقوا الهزيمة في بدر، وقد مضت سنة وعزموا على الانتقام، فجاءوا بأحابيشهم ونزلوا بأحد، وأحد جبل طويل فيه أكثر من عشرة كيلو، وقد نزلوا في طرفه في الوادي، وذلك يوم الأربعاء، وقد عرفتم تشاور النبي مع رجاله، هل يخرجون إلى قتالهم أو يتركونهم حتى يدخلوا المدينة ويقاتلونهم دخل المدينة؟ فالنساء والأطفال يرمونهم من السطوح بالحجارة وغيرها، والمؤمنون الرجال يقاتلونهم داخل الأزقة، وهذا كان اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً، واختاره ابن أبي رئيس المنافقين، ولهذا رجع من الطريق برجاله، وقال: عدل الرسول عن رأيي وأخذ برأي الآخرين، فأنا لا أقاتل. قال: [ وقوله تعالى: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:121] ]، ما معنى تبوّؤهم؟ يقال: بوأه الدار، أي: أنزله فيها، وبوأه المكان، أي: أنزله فيه.قال: [ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:121] أي: تنزل المجاهدين الأماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها من ساحة المعركة ]، إذ هو الذي صفَّ رجاله، وأمر الرماة أن ينزلوا بجبل الرماة.فال: [ وقوله: إِذْ هَمَّتْ [آل عمران:122]: حدثت نفسها بالرجوع إلى المدينة، وتوجهت إرادتها إلى ذلك ]، يقال: هم بالشيء، أي: عزم عليه، ولكن الله حفظهم وعصمهم؛ لأنهم أولياؤه المؤمنون المتقون، إذ لو عادوا لخسروا كالمنافقين.قال: [ وقوله: طَائِفَتَانِ [آل عمران:122]: هما بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار ]، بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، والأنصار هما طائفتا أو قبيلتا الأوس والخزرج.قال: [ وقوله: تَفْشَلا : تضعفا وتعودا إلى ديارهما، تاركَين الرسول ومن معه يخوضون المعركة وحدهم ]. قال: [ وقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]: متولي أمرهما وناصرهما، ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة ].قال: [ وقوله: بِبَدْرٍ [آل عمران:123]، بدر: اسم رجل ]، وعندنا شاب يقال له: أبو بدر، إذ له ولد سمَّاه: بدراً، والبدر معروف، وهو القمر إذا امتلأت جعبته بالأنوار، قال: [ وسمي المكان به لأنه كان له فيه ماء -كان لهذا الرجل بدر ماء في هذا المكان، فسمي المكان به- وهو الآن قرية -أو قُريَّة صغيرة- تبعد عن المدينة النبوية بنحو من مائة وخمسين ميلاً، أي: كيلو متر ]، وأهل البلاد يعرفون ذلك، لكن الذين يقرءون التفسير في الهند أو في أمريكا لابد أن يسألوا: أين توجد مدينة بدر أو قرية بدر؟ قال: [ وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، أي: لقلة عَدَدِكم وعُدَدِكم -وأنتم أذلة في بدر، فقط ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، وفرس واحد- وتفوق العدو عليكم ] أي: عدو المشركين، فقد كانوا ألفاً تقريباً.والآن وبعد أن عرفنا المفردات، نسمعكم الآيات مرة أخرى لتتذكروا المفردات: قال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:121]، اذكر أيضاً: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:122-123].

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 05:24 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيات: لما حذر الله تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق ]، نعم حذرنا فقال قبل هذه الآيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، قال: [ لما حذر الله تعالى المؤمنين ] من أصحاب رسول الله، ومن المؤمنين إلى يوم القيامة؛ لأن ذاك الحكم عام، قال: [ لما حذر الله تعالى المؤمنين -حذرهم من أي شيء؟- من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق ]، ما معنى: بطانة؟ البطانة الذين نستبطنهم ونجعلهم مطلعين على أسرارنا وخفايا أمورنا، قال: [ وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا لا يضرهم كيد أعدائهم شيئاً ]، وهذا تقدم في الآيات السابقة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:118-119]، وهم لا يؤمنون، وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا [آل عمران:119-120]، ثم قال الله -وهو محل الشاهد- تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، وذلك لما كشف الله النقاب عنهم، وأزاح الستار عن غيظهم ومكرهم وعدائهم -وليس معنى هذا أنه يخوفنا ويهددنا،لا، وإنما يبين لنا- وضع تعالى لنا الطريق فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120].فقوله: وَإِنْ تَصْبِرُوا أي: على ما أمركم الله به ونهاكم عنه، وَتَتَّقُوا الخروج عن آدابه، عما شرع من قوانين في الحرب والسلم، لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].قال: [ لما حذر تعالى المؤمنين من اتخاذ البطانة من أهل الكفر والنفاق، وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا لا يضرهم كيد أعدائهم شيئاً، ذكرهم بموقفين:أحدهما: لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم الهزيمة، وهو غزوة أحد.والثاني: صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم، وهو غزوة بدر، فقال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [آل عمران:121]، أي: اذكر يا رسولنا لهم غدوك صباحاً من بيتك إلى ساحة المعركة بأحد، تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال، أي: تنزلهم الأماكن الصالحة للقتال الملائمة لخوض المعركة، وَاللَّهُ سَمِيعٌ لكل الأقوال التي دارت بينكم في شأن الخروج إلى العدو أو عدمه وقتاله داخل المدينة، عَلِيمٌ بنياتكم وأعمالكم، ومن ذلك همُّ بني سلمة وبني حارثة بالرجوع من الطريق لولا أن الله سلَّم، فعصمهما من الرجوع؛ لأنه وليهما، هذا معنى قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122] أي: تجبنا وتحجما عن ملاقاة العدو، وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، فعصمهما من ذنب الرجوع، وترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخوض المعركة بدون جناحيها، وهما بنو حارثة وبنو سلمة، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122]، فتوكلت الطائفتان على الله، وواصلتا سيرهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمهما الله من شر ذنب وأقبحه -ألا وهو العودة إلى المدينة وترك الرسول وحده- ولله الحمد ].قال: [ هذا موقف ]، أي: موقف غزوة أحد، قال: [ والمقصود منه: التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه؛ حيث أصاب المؤمنين فيه شر هزيمة، واستشهد من الأنصار سبعون رجلاً ومن المهاجرين أربعة، وشج رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، واستشهد عمه حمزة رضي الله عنه وأرضاه ]؛ لأنهم ما اتقوا ولا صبروا، فكانت الهزيمة بترك التقوى والصبر.قال: [ والموقف الثاني: هو غزوة بدر؛ حيث صبر فيها المؤمنون، واتقوا أسباب الهزيمة، فنصرهم الله وأنجز لهم ما وعدهم؛ لأنهم صبروا واتقوا، فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين، وغنموا غنائم عظيمة ].إذاً: في أحد ما اتقوا أسباب الهزيمة ولا صبروا عند المواجهة، فكانت الهزيمة المرة، حيث قتل من الأنصار سبعون رجلاً، ومن المهاجرين أربعة رجال، كما استشهد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله، وشج وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، بينما في بدر اتقوا وصبروا، فقتلوا سبعين مشركاً، وأسروا سبعين -ضعف الذين قتلوا- وأما الغنائم فلا تسأل فإنها عظيمة.قال: [ والموقف الثاني: هو غزوة بدر؛ حيث صبر فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة، فنصرهم الله تعالى وأنجز لهم ما وعدهم؛ لأنهم صبروا واتقوا، فقتلوا سبعين رجلاً، وأسروا سبعين، وغنموا غنائم طائلة، قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، فاتقوا الله بالعمل بطاعته، ومن ذلك: ترك اتخاذ بطانة من أعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نِعَم الله عليكم فيزيدكم، فذكر تعالى في هذا الموقف النصر لأنه خير، فقال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، ولم يقل في الموقف الأول: ولقد هزمكم الله بأحد وأنتم أعزة؛ لأنه تعالى حيي كريم ] الله أكبر! آمنا بالله، لو شاء لقال كما قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران:123]، لقال: ولقد هزمكم الله بأحد! لكن فقط ذكَّرهم بالحادثة، ولم يقل: الهزيمة.قال: [ لأنه تعالى حيي كريم، فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط، وهم يذكرون هزيمتهم قطعاً ] أي: لما ذكرهم بغزوة أحد، فإنهم سوف يذكرون الهزيمة ويبكون، ولم يقل: ولقد هزمكم في أحد!قال: [ لأنه تعالى حيي كريم، فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط، وهم يذكرون هزيمتهم فيها، ويعلمون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر ]، أي: قلة الصبر عند المواجهة، وأما عدم الطاعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم من حذقه وبراعته وعلمه وفهمه وولاية الله له، لما نزل أحداً جعل الرجال دون الجبل، وجعل ظهورهم إلى أحد، وصفهم صفوفاً، وجعل الرماة أمام أحد -وكانوا خمسة وثلاثين رامياً- على ذلك الجبل، وأمرهم فقال لهم: ( لا تنزلوا من الجبل وإن رأيتم الطير تتخطفنا )، أي: لا تنزلوا من الجبل، سواء كانت الدائرة لنا أو علينا، انتصرنا أو انكسرنا، وعند ذلك أصبح المشركون بين نارين، بين الرسول وأصحابه وبين الرماة، فانهزم المشركون وفروا في بداية الأمر، حتى فررن نساء قريش، لكن الرماة خالفوا الأمر فنزلوا، وكانت هذه معصية، فلما رأى خالد بن الوليد قائد خيل المشركين أن الجبل خلا احتله، فلما احتله وقع المؤمنون بين فكي المقراض، بين المشركين وبين الرماة، وعند ذلك أُصيبوا بالهزيمة ففرَّوا. والشاهد عندنا -حتى لا ننسى- أن الله عز وجل ما ذكرهم بالهزيمة فقال: واذكروا هزيمتكم في أحد، ولكن ذكر الواقعة فقط، وهم سيذكرون الهزيمة، أما في بدر فقال لهم: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123]، أي: تشكرون الله على نصره إياكم.
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: فضيلة الصبر والتقوى، وأنهما عدة الجهاد في الحياة ]، فهيا نكرر هذا ونبلغه المسلمين عرباً وعجماً، وهنا أقول: هل صبر المسلمون على قتال اليهود في فلسطين؟ بمجرد ما يلتقون ينهزمون، أو يصدر أمراً من الأمم المتحدة بوقف القتال يوقفون القتال، وعند ذلك انتصر اليهود على العالم الإسلامي بكامله، من اندونيسيا إلى موريتانيا، إذ فلسطين بلد الإسلام والمسلمين، وليست بلد العرب والمستعربين، فلما لم يصبر المسلمون في قتال اليهود هُزِموا وانكسروا، واحتل اليهود فلسطين وأقاموا دولتهم عالية الراية شامخة اللواء.كما أقول أيضاً: هل اتقى المسلمون الله في القتال؟ هل اختاروا جيوشهم وأعدوا رجالهم وسلَّحوهم وزودوهم؟ والله ما فعلوا ذلك أبداً، أما إخواننا الفلسطينيون فلا ينتصرون ولن ينتصروا؛ لأنه لا إمام لهم يقودهم، لا إمام لهم بايعوه على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يُعبد الله وحده، ولذلك شأنهم شأن المسلمين، هابطين لا يستطيعون أن تجتمع كلمتهم على إمام واحد فيصلون وراءه، ويقيم بينهم حدود الله، ويدربهم ويروضهم العام والعامين، لكن ما استطاعوا ككل العرب والمسلمين.كذلك الذين في مصر، وفي الجزائر، وفي تونس، وفي المغرب، وفي لبنان، وفي العراق، وفي سوريا وغيرها، ينادون بـ: الحاكمية، والجهاد، وإقامة الدولة الإسلامية! هل أقاموا دولة إسلامية في تونس؟ لا، بل اضطهدوا المسلمين هناك، وأذاقوهم سوء العذاب، كذا في سوريا، أين إمامكم؟ من بايعتم؟ هل روَّضكم؟ هل رباكم؟ هل أصبحت كلمتكم واحدة؟ الجواب: لا، وبالتالي مزَّقوا شملهم، وقطعوا ألسنتهم، وفي مصر كل يوم الدمار والخراب والبلاء، آه! إلى متى تبقى هذه الجماعات متطاحنة متناحرة متخاصمة يكفر بعضها بعضاً؟ فهل عرفنا الطريق أو لا؟ عرفنا، لكن إخواننا لا يستطيعون أن يسلكوا هذا الطريق؛ لأنهم ما رُبوا في حجور الصالحين، والطريق الذي يجمع كلمة المسلمين، ويعلي رايتهم، وينصرهم على اليهود والنصارى والبوذيين والمشركين والكافرين أجمعين، هو أن يتوبوا إلى الله عز وجل توبة نصوحة صادقة، وتبتدئ توبتهم وتظهر آثارها في الدنيا وفي العالم بأكمله، عندما يعترف المسلمون بأنهم أخطئوا الطريق وضلوا السبيل، ونهجوا منهجاً ما يرضاه الله، وعند ذلك يعودون إلى الله تعالى، ويطرحون بين يديه، فيبكون الليالي والأيام في بيوت ربهم، النساء وراء الستائر من الكتان، والأبناء والأطفال والأحداث الذين يمرنونهم على اللعب والباطل، يصطفون دون أمهاتهم، وأمامهم رجالهم وآباؤهم، ويجلس لهم العالم الرباني، العالم بكلام الله وكلام رسوله، قال الله وقال رسوله، من المغرب إلى العشاء وهم يتلقون الكتاب والحكمة، ويزكون أنفسهم، ويهذبون أخلاقهم، ويسمون بآدابهم، اليوم بعد اليوم، والعام بعد العام، وفجأة وإذا بأمة الإسلام قد أقبلت على الله، وقبلها الله، وأصبحت لا نفرة ولا خلاف ولا صراع، ولا تحزبات ولا جماعات ولا وطنيات، وإنما أمة الإسلام أمة واحدة.ومن ثم تتجلى آثار الإيمان والتقوى، فلا حسد، ولا بغضاء، ولا عداء، ولا كبر، ولا عجب، ولا شح، ولا بخل، ولا جريمة، ولا تلصص، ولا خيانة، ولا.. ولا..، وكأنهم تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم.ويومها يكونون قد آمنوا واتقوا، حتى أنهم لو قالوا: الله أكبر، لرددها الكون كله، فهل عرفتم الطريق أو لا؟ في أي مدينة، في أي قرية، في أي بلد، إذا اجتمع أهل القرية في مسجد الله، في بيت ربهم بصدق، يتعلمون الكتاب والحكمة، والله لتطهرن تلك القرية، ولتصفون تلك النفوس، وإذا بهم كأنهم في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيظهر الصدق والطهر والوفاء والرحمة والإخوة والإخاء، ولن تبقى مظاهر البخل ولا الفقر ولا الظلم ولا الفجور ولا الكذب ولا.. ولا..، وإنما أصبحوا كأنهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهل هناك طريق غير هذا؟ والله لا طريق، إما أن نتوب، ونقبل على الله، ونتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونطهر أرواحنا، ونهذب آدابنا وأخلاقنا، فنصبح حقاً أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا طريق غير هذا. قال: [ أولاً: فضيلة الصبر والتقوى ]، أي: الصبر على طاعة الله ورسوله، والتقوى مما يفزعنا أو يزعجنا من سائر الذنوب والمعاصي، ومن الإهمال والترك؛ لما علمنا الله ودعانا إليه.قال: [ ثانياً: استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والاتعاظ ]، أي: يستحسن أن يُذكَّر المسلمون بنعم الله عليهم، وأن يُذكَّروا بالنقم الإلهية ليرهبوها ويخافوها؛ لأن الآية ذكَّرت بهزيمة أحد وبنعمة النصر في بدر، فعلمتنا هذا.قال: [ ثالثاً: ولاية الله تعالى للعبد تقيه مصارع السوء، وتجنبه الأخطار ]، وتجلت هذه في طائفة بني حارثة وبني سلمة، إذ إن إيمانهم وتقواهم جنبهم الهزيمة؛ لأن الله وليهم، وإلا كانوا سيقعون في الهاوية ويسقطون، إذاً فولاية الله للعبد تحفظه من مصارع السوء وتجنبه الأخطار.هل عرفتم ذلك معشر السعوديين المؤمنين؟ أقسم بالله، لو أقبلنا على الله بصدق، وتركنا هذا الباطل وهذا الشر، وكادنا اليهود والنصارى والمشركون والعالم بكامله، ما أذلنا الله لهم، ولا أخزانا أبداً في حربٍ معهم.وقد أرانا آية في حرب الخليج، فقد كانت جيوشنا قليلة ودولتنا واسعة، فجاء العدو من الغرب ومن الشرق ومن الجنوب ومن الشمال، وأرادوا أن يضربوا مدة ثلاثة أيام وإذا هم في مكة، فينتهي وجود هذه الدولة وهذا الإسلام، والذي أوقفهم هو الله عز وجل، ولو ما أوقفهم الله قبل أن تصل أمريكا ومصر وغيرهما، لدخلوا البلاد واحتلوها؛ لأنهم رتبوا ترتيباً عجيباً.ثانياً: يحدثكم رجالات الحرب -والله- فيقولون: ما إن يشاهدنا العدو حتى يرتعدون ويهربون، وبالتالي لا يستطعون أن يقفوا أمام الجيش السعودي، وهذا كلام الله وليس كلامي، إذ إن ولاية الله للعبد تقيه مصارع السوء وتجنبه الأخطار، فإذا أردنا أن نحتفظ بهذه البقية الباقية، فعلينا أن نطهر بيوتنا، وأن نزكي نفوسنا، وأن نهذب آدابنا وأخلاقنا، ونقبل على الله، فاذكروا هذا إن كنتم تذكرون.قال: [ رابعاً: تقوى الله تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هي الشكر الواجب على العبد ]، الشكر: الذكر والعبادة، وقد خلق الله الكون كله من أجلنا، ونحن خلقنا من أجل أن نذكره ونشكره، ويتم ذكر الله وشكره بتقواه، بفعل أوامره وترك نواهيه، ولهذا قال: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 07-12-2020 10:31 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (50)
الحلقة (191)

تفسير سورة آل عمران (55)


إن النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد من المقاتلين، وقوة العدة والعتاد، إلا أنه بيد الله وحده، فقد ينصر الضعيف ويخذل القوي، لذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدة، وتحقيق هذه الولاية يكون بالإيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله، ثم التوكل على الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلة التي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة ) وهي واضحة، فهل هناك ضوضاء ولغط وأصوات؟ السكينة واقعة، ( إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة )، فأين العذاب؟ والله إنها لرحمة، ( وحفتهم الملائكة )، ولو كنا نقوى على رؤيتهم والله لرأيناهم يطوفون بالحلقة، ( وذكرهم الله فيمن عنده )، وهذه التي تعدل الدنيا وما فيها، أي: أن يذكرنا ملك الملوك، رب السموات والأرض في الملكوت الأعلى، فمن نحن وما نحن حتى يذكرنا؟! ولكن منته علينا، وفضله وإحسانه إلينا، رزقنا الإيمان، وهدانا إلى كتابه وتلاوته ودراسته في أعظم بيت من بيوته، فاللهم له الحمد، وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وها نحن مع قول ربنا جل ذكره بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران:124] منزَلين: اسم المفعول، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ [آل عمران:125-127]. ‏
خلاف المفسرين في وقت وسبب نزول هذه الآيات
قول ربنا: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:124]، يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: اذكر يا رسولنا -إذ هو الذي ينزل عليه القرآن ويخاطبه- الوقت الذي تقول للمؤمنين: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران:124]، فهل وقع هذا في أحد أو في بدر؟أهل التفسير منهم من يقول: كان هذا في أحد، لما لم يصبروا ويتقوا حرمهم ذلك، أي: يريدون أن يقولوا: لما كان المؤمنون -أقلية- سبعمائة نفساً والمشركون كذا ألفاً، عند المواجهة طمأنهم الله عز وجل على لسان رسوله، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: لم تخافون أو ترتعدون؟ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:124-125]، فلما لم يصبروا ولم يتقوا، ولم يطيعوا أمر رسول الله، ما نزلت الملائكة، وإنما نزلت المصيبة والهزيمة بهم.ولذلك كونها نزلت في بدر أولى؛ لأن المؤمنين كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، والمشركين كانوا ألفاً تقريباً، لكن في بداية المعركة أُعلن أن كرز بن جابر المحاربي قد أمد قريشاً بكذا ألفاً من المقاتلين، وهو في الطريق إليهم، فارتعدت نفوسُ المؤمنين، واحتاجوا إلى من يحملهم على الصبر والثبات، فأنزل الله تعالى على رسوله هذه الجمل، فقال لهم -أي: للمؤمنين- في بدر: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ [آل عمران:124] أيها المؤمنون! أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ [آل عمران:124-125]، أي: كرز بن جابر المحاربي ورجاله، مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ [آل عمران:125]، لكن كرز بن جابر فشل وانهزم قبل مجيئه إلى بدر، فمن ثم لم يمدد الله إلا الألف المقاتل من الملائكة كما جاء في سورة الأنفال؛ إذ قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، فهذه الألف نزلت على الخيول مسومة، أي: على رؤوسها ريش أو عمائم صفر كما يفعل المقاتلون؛ ليظهروا وليفزعوا عدوهم، فقاتلت الملائكة، وكان جبريل عليه السلام يقودهم على فرس، وتمت هزيمة المشركين في بدر.واسمع السياق: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:124] لما اضطربوا وقالوا: إن كرز بن جابر المحاربي جاء بآلاف المقاتلين إمداداً لقريش، فقال لهم: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ [آل عمران:124]، أي: ربكم بهذا العدد الذي جاء أو يجيء، أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى [آل عمران:124-125] يمدكم، إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا [آل عمران:125]، والفور من فار القدر، يعني: على الفور بدون تراخي، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:125] أي: معلِّمين أنفسهم، فلما عاد كرز ورجع بجيشه ولم يسعف قريشاً في جيشها، ما أنزل الله تعالى الثلاثة ولا الخمسة؛ لأنها بشرط: إن يأتوكم من فورهم هذا، فلما لم يأتوا ما أنزل الله الملائكة.ثم قال تعالى لهم: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ [آل عمران:126]، وإلا لو شاء الله لنصركم بكلمة: انتصروا، ولهزم المشركين بكلمة: انهزموا، لكنها سننه في الخلق، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الذي لا يمانع فيما يريد، الغالب الذي لا يقهر بحال من الأحوال، الْحَكِيمِ [آل عمران:126] الذي يضع كل شيء في موضعه، فالنصر من عنده، ويفعل ذلك، لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، أي: يبيدهم ويهلكهم، أَوْ يَكْبِتَهُمْ ، أي: يذلهم ويهينهم ويعودوا خاسئين أذلا، وقد فعل؛ إذ قتل سبعون وأسر سبعون، وأذل الله المشركين أعظم ذل عرفوه، فرجالاتهم وصناديدهم قتلوا وأسروا.مرة أخرى أعيد الآيات فاسمعوا: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:124]، وكلمة: (للمؤمنين) تعرفون مغزاها؟ أي: الصحيحي الإيمان الصادقين في إيمانهم، وهم الثلاثمائة وعلى رأسهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ [آل عمران:124]، وقال لهم هذا -الرسول- لما ارتعدوا وقالوا: كرز بن جابر جاء بجيش عرمرم يؤيد به أبا سفيان، وهو في الطريق إليهم، فلما رأى الرسول هذه الحال في المعسكر قال لهم: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران:124]، أي: ينزلهم الله من الملكوت الأعلى، بَلَى أي: يمددكم، إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ [آل عمران:125]، أما إذا ما صبرتم ولا اتقيتم وهربتم من الآن قبل وصول الإمداد ما يعطيكم شيئاً، إن تصبروا على ملاقاة العدو مواجهته، وتتقوا الله فلا تخرجوا عن نظام الجهاد وما يتطلب من الصبر وعدم الهزيمة. وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:125] معلِّمين أنفسهم بعلامات يُعرفون بها، ثم قال لهم لما لم يأت كرز: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126]، لمَ يفعل هذا؟ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:127]، أو يذلهم ويهينهم ويردهم خائبين، فمن قتل قتل، ومن رجع رجع ذليلاً منهزماً.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
الآن نسمعكم شرح معاني الكلمات أو المفردات كما هي في الكتاب. ‏
شرح الكلمات
قال: [ شرح الكلمات: قوله: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ : الاستفهام إنكاري، أي: ينكر عدم الكفاية -كيف لا يكفي ثلاثة آلاف؟- ومعنى يكفيكم: يسد حاجتكم ] ولا بأس أيضاً أن يكون الاستفهام تقريري؛ لأن (بلى) تدل على هذا، وهو صالح للوجهتين.قال: [قوله: أَنْ يُمِدَّكُمْ أي: بالملائكة عوناً لكم على قتال أعدائكم المتفوقين عليكم بالعدد والعتاد ]، إذ ما مع الرسول إلا فرس واحد.قال: [قوله: الْمَلائِكَةِ: واحدهم ملأك، وهم عباد الله مكرمون مخلوقون من النور، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون ]، وهذا اعتقاد المؤمنين في الملائكة، فهم عباد الله مكرمون، أكرمهم خالقهم، فخلقهم من مادة النور، ولا يعصون الله ما أمرهم، فإذا أمرهم بشيء فعلوا، ولا يعرفون المعصية؛ لأنهم مطبوعون على طاعة الله، فيفعلون ما يؤمرون بفعله.قال: [قوله: بَلَى: حرف إجابة، أي: يكفيكم.مُسَوِّمِينَ: معلمين بعلامات تعرفونهم بها ]، ومعلوم أن الأبطال فيما مضى كانوا يعملون ريشاً على عمائمهم، على رؤوس خيلهم؛ ليظهروا القوة بهذا التسويم والتعليم.قال: [ وقوله: إِلا بُشْرَى لَكُمْ: البشرى: الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلاقة ]، يقال: بشرني فلان بكذا، أي: أخبرني بخبر مفرح وسار فتهلل له وجهي وانطلق، وضده الكآبة والحزن.قال: [ قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً: الطرف: الطائفة ] من الجيش، قال: [ يريد ليهلك من جيش العدو طائفة ] وقد فعل.قال: [ قوله: أَوْ يَكْبِتَهُمْ: أي: يخزيهم ويذلهم ] يقال:كبته، إذا أذله وأخزاه.قال: [ قوله تعالى: فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ: يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أملوه ] وقد خابوا فعلاً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 07-12-2020 10:31 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى الآيات
قال: [ معنى الآيات ] وهي أربع آيات، قال: [ ما زال السياق -أي: سياق الكلام- في تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما تم لهم من النصر في موقف الصبر والتقوى في بدر ]؛ لأن السياق يحمل المؤمنين على ألا يوالوا الكافرين ولا يودونهم ولا يرهبونهم ولا يخافونهم، إذ إنهم متى صبروا واتقوا فلن يضروهم شيئاً وإلى يوم القيامة.قال: [ فقال: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ عندما بلغهم وهم حول المعركة أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين برجاله يقاتلون معهم، فشق ذلك على أصحابك يا رسولنا، فقلت لهم: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى أي: يكفيكم، إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا أي: من وجههم ووقتهم هذا ]، فلما لم يأتوا ما أنزل الله الملائكة، ما أعطاهم الخمسة ولا الثلاثة؛ إذ قيد هذا بقيد: يأتوكم من فورهم هذا [ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ بعلامات وإشارات خاصة بهم، ولما انهزم كرز قبل تحركه وقعد عن إمداد قريش بالمقاتلين، لم يمد الله تعالى رسوله والمؤمنين بما ذكر من الملائكة، فلم يزدهم على الألف الأولى التي أمدهم بها لما استغاثوه في أول المعركة؛ إذ جاء ذلك في سورة الأنفال في قول الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ] أي: تطلبون الغوث والغياث، ونحن نسمع دائماً العوام يقولون: فلان يستغيث بسيدي فلان، وهذه استغاثة الضلال والهابطين، فيقولون: يا سيدي يا فلان أنا في كذا، جئتك من كذا، أنا في حماك، أغثني، اسأل الله لي، مع أن الاستغاثة لا تكون لغير الله؛ لأنه لا يقدر عليها إلا الله، فالضائع الذي يأتي إلى ضريح، أو إلى قبر، أو إلى شجرة، أو إلى مقام ويصرخ: يا سيدي فلان، أنا في كذا، أنا في حماك! لو وقف ألف سنة والله ما أُغيث، ولا يسمعه من يستغيث به، لا فاطمة ولا رسول الله ولا فلاناً ولا علاناً، والرسول صلى الله عليه وسلم ما أعلمنا إلا بشيء واحد، وهو أن من سلم عليه في قبره رد الله عليه روحه ليرد السلام عليه، أما أن تقول: يا رسول الله امرأتي مريضة! يا رسول الله ولدي فصلوه من العمل! كل هذا هراء وباطل. وللأسف نجد الضلال والجهال يقفون أمام الأضرحة: أعطني، افعل لي كذا.. وهذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام المحنة في الروضة، والمشركون يناوئونهم، والمنافقون يكيدون لهم، واليهود ينابذونهم العداء، فتململوا وقالوا: هيا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم -الاستغاثة جائزة- أي نقول له: يا رسول الله، خلصنا من هذه الفتنة، فسمعهم صلى الله عليه وسلم وهم يقولون ذلك، فأعلن صوته من وراء الستار فقال: إنه لا يستغاث إلا بالله، إنه لا يستغاث إلا بالله، استغيثوا بربكم، أي: اطلبوا منه تعالى الغوث يغثكم، فهل استغاث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بربهم أم بنبيهم؟ بربهم. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال:9] أي: خالقكم ورازقكم، وهاديكم إلى هذا النور، ومعطيكم هذا الكمال.قال: [ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ فهذه الألف هي التي نزلت فعلاً وقاتلت مع المؤمنين، وشوهد ذلك وعلم به يقيناً، أما الوعد بالإمداد الأخير فلم يتم ] لم؟ قال: [ لأنه كان مشروطاً بإمداد كرز لقريش، فلما لم يمدهم لم يمد الله تعالى المؤمنين، فقال تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ أي: الإمداد المذكور، إلا بشرى للمؤمنؤن تطمئن به قلوبهم، وتسكن له نفوسهم، فيزول القلق والاضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين، ولذا قال تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ العزيز، أي: الغالب ] الذي لا يمانع في شيء أراده، قال: [ الحكيم: الذي يضع النصر في موضعه، فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى، لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وقد فعل، فأهلك من المشركين سبعين ] صنديداً، قال: [ أو يكبتهم، أي: يخزيهم ويذلهم، إذ أسر منهم سبعون ] منهم: عقبة بن أبي معيط، فقد أُسر هذا الخبيث وقتل في الطريق، وهو الذي جاء بسلا الجزور -مذبوحة عند الصفا- بقيوحها ودمائها فوضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي حول الكعبة، والمشركون والله يضحكون حتى وقعوا على الأرض، وإذا بجويرية كلؤلؤة تمشي، وهي فاطمة بنت خديجة بنت محمد صلى الله عليه وسلم الهاشمية، فأزالت السلا عن أبيها ونظرت إلى المشركين فسبتهم ولعنتهم، إذ إنهم لا خير فيهم ولا مروءة، أيرضون هذا بنبيهم صلى الله عليه وسلم؟! فما استطاعوا أن يتكلموا بكلمة واحدة؛ لأنها طفلة صغيرة، فهبطوا وخابوا وخسروا.قال: [ وقد فعل -جل جلاله وعظم سلطانه- فأهلك من المشركين سبعين، أو يكبتهم، أي: يخزيهم ويذلهم؛ إذ أُسر منهم سبعون، وانقلبوا خائبين لم يحققوا النصر الذي أرادوه ].وإليكم الآيات مرة أخرى، فاسمع يا عبد الله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي: في بدر، والذي يخاطبهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنه يقول لهم: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:124-125]، فلم يمددهم ربهم بِخمسة آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَة؛ لأنه ما تحقق الشرط، وهو أن يأتوكم من فورهم هذا، أي: ما جاء كرز ولا رجاله، إذاً فلا داعي إلى إنزال الملائكة، أما الألف الأولى التي سألوا الله وأعطاهم فهي موجودة معهم يقودها جبريل عليه السلام. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ، ليس معناها: أنه قد يمدنا بخمسة آلاف، وبالتالي فلنفرح ولنستبشر، بل لا بد من الصبر على طاعة الله ورسوله، والتقوى الملازمة لذلك، إذ لو ما صبروا واتقوا وجاء كرز برجاله والله ينهزمون؛ لأنه لا يمدهم الله إلا بهذا الشرط: إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:125-126]، العزيز يقدر على النصر، وهو الغالب الذي لا يغلب، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه. لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ [آل عمران:127] أي: ذليلين خاسرين.
هداية الآيات
بعد معرفة معنى الآيات، هيا نستنبط ونستخرج منها درراً نتزين ونتحلى بها، نستخرج منها مبادئ سياسية وعسكرية؛ لأننا عرضة للحرب من الإنس والجن، فنحن في حاجة إلى الهداية الإلهية، فلا توجد آية خالية من الهداية، إذ ما أنزلها الحكيم إلا لحكمة.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ من هداية الآيات:أولاً: بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد، وهو عدم صبرهم، وإخلالهم بمبدأ التقوى، إذ عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من الجبل يجرون وراء الغنيمة، هذا على تفسير أن الوعد بالثلاثة آلاف وبالخمسة كان بأحد -كما قدمت لكم- وكان الوعد مشروطاً بالصبر والتقوى، فلما لم يصبروا ولم يتقوا لم يمدهم بالملائكة الذين ذكر لهم ]، واذكروا كلمة علي بن أبي طالب : القرآن حمال الوجوه، فالآية في أحد وفي بدر، أي: أنها نزلت في أحد ثم نزلت في بدر تذكرهم بها، وذلك لما خافوا من كرز ورجاله، فالقرآن حمال الوجوه؛ لأنه موجز مختصر، إذ لو كان القرآن كالتفسير لم يحفظه أحد ولم يحمله أحد.مرة أخرى: قال: [ بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد ]، ما سبب هزيمتهم؟ [ وهو عدم صبرهم، وإخلالهم بمبدأ التقوى، إذ عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، وكانوا خمسين رامياً [ ونزلوا من الجبل ] لما شاهدوا المشركين هاربين تاركين أموالهم وغنائمهم، فقالوا: نحن أيضاً ندخل مع إخواننا ونحصل على الغنائم، ونسوا قول الرسول: ( لا تبرحوا مكانكم هذا، لنا أو علينا )، ولولا أنه أدبهم وهزمهم لكانوا في أية معركة -وأمامهم معارك إلى يوم القيامة- يقولون: ما دام الله قد أمرنا فانفعل كذا.يذكر الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار -وهو يفسر هذه الآيات- أنه رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته وهو راجع من أحد، والمسلمون وراءه في كرب وهم وحزن، والرسول يقول: لو خيرني ربي بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة؛ لأنهم لو انتصروا مع عصيانهم للرسول وخروجهم عن الطاعة والآداب لاتخذوا هذا سلماً، وفي كل معركة لا يبالون إذا عصوا القيادة وخرجوا عن طاعتها. قال: [ ثانياً: النصر وإن كانت له عوامله ]، ومن هذه العوامل: [ من كثرة العدد وقوة العدة، فإنه بيد الله تعالى ]، إذ إن الله تعالى قال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126]. قال: [ فقد ينصر الضعيف ويخذل القوي ] كما فعل في بدر، فقد نصر الضعفاء وخذل الأقوياء.قال: [ فلذا وجب ]، ماذا وجب علينا؟ [ تحقيق ولاية الله تعالى أولاً ] قبل أن نقاتل اليهود أو البريطانيين أو الروس، قبل أن نقاتلهم يجب أن نحقق ولاية الله أولاً، فهل نحن أولياء أو لا؟ إن وجدنا أنفسنا أولياء الله حينئذ نقاتل، وإن لم نحقق ولاية الله، وملكنا الهيدروجين والذرة والصواريخ ما انتصرنا، ولا تقولوا: ماذا هناك؟! نحن أقوى منهم فلنقاتلهم، فأقول: هل قد انتصرنا على اليهود؟ هذه الشلة الهابطة التي هي من أذل الخلق، إذ لا أذل منهم إلى اليوم، إذا انتهر الجزائري يهودياً في بيت فإنه يهرب، وقد عرفنا هذا من العمال، ووجدتُ ذلك أيضاً في دولة فرنسا، فإذا اختلف اليهودي مع الجزائري، وانتهر الجزائري اليهودي والله يذل ويهرب، وصدق الله إذ يقول: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61]، فمن يمح هذه الذلة، من يزيلها؟ لكن على شرط أن نكون أولياء الله، فهل العرب والمسلمون أولياء الله؟ فلنسأل، وهيا بنا نمشي إلى القاهرة المعزية، إلى دمشق، إلى بغداد، إلى كراتشي، إلى مراكش وغيرها من البلدان الإسلامية، ونسأل أهل البلاد ونقول لهم: من فضلكم دلونا على ولي من أولياء البلاد، والله ما يدلونكم إلا على ضريح أو قبر، ولا يفهمون ولياً حياً بين الناس، وإنما كلهم أعداء الله! فلا إله إلا الله!كذلك تدخل أي مدينة وتقول لمن تلقاه في أول الطريق: أنا جئت أريد أن أزور ولياً من أولياء الله، والله ما يعرف ولياً في تلك العاصمة إلا ميتاً، وعليه قبة خضراء أو بيضاء، والأزر التي يضعونها على قبره، والناس عنده عاكفون راكعون! فهذا هو الولي عندهم.إذاً: حققنا عملياً أننا لسنا بأولياء، والبرهنة على ذلك: كيف يذلنا اليهود ويقهروننا وهم لا يساوون واحداً إلى ألف، ولا أعني بهذا أنه لا يوجد بيننا ولي لله تعالى، بل يوجد أفراد، لكن الأمة التي قاتلت اليهود ما فيهم أولياء، ولذلك حقق الولاية ثم قاتل الأبيض والأصفر، أما وأنت لا ولاية لك مع الله فكيف ينصرك؟! حتى لو كنت أكثر منه عدداً وعدة؛ لأنه إذا نصرك معناه أنه قد خانك وغشك، والمؤمنون في أحد بعدما عصوا لو نصرهم الله لغشهم وخانهم.قال: [ النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد من المقاتلين، وقوة العتاد والعدة، فإنه بيد الله تعالى، فقد ينصر الضعيف ويخذل القوي، فلذا وجب تحقيق ولاية الله ]، لما كان النصر قطعاً بيد الله وجب تحقيق ولاية الله حتى ينصرنا، وإن لم نحقق ولاية الله، فنسبه ونكفر به ونشرب الخمر ونتعاطى المحرمات، ثم نقاتل اليهود واليونان! والله ما ننتصر، وهذا هو الواقع، فكم من معركة دارت بين العرب واليهود في سنوات متعددة ولم ينتصر فيها العرب، ولم يطردوا فيها اليهود، بل آخر ضربة احتلوا فيها مدينة القدس.قال: [ فلذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدة، وتحقيق الولاية يكون ] بماذا؟ هل لأنه مسلم؟ لا، وإنما تحقيق الولاية يكون بالإيمان الحق الذي دائماً نقول: اعرضه على القرآن، فإن وافقه وأمضاه فهو إيمان وإلا فهو ضلالة، أيضاً بالصبر، والصبر حبس النفس حتى لا تعصي الله ورسوله، لا بترك واجب ولا بفعل حرام، والصبر على الابتلاء والامتحان الإلهي، فإذا ابتلاك وامتحنك إنما ليرفعك، وليهيئك للكمال.قال: [ وتحقيق الولاية يكون بالإيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله، ثم التوكل على الله عز وجل ].قال: [ ثالثاً: ثبوت قتال الملائكة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر قتالاً حقيقياً -والله العظيم-لأنهم -أي: الملائكة- نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول، وعليهم شاراتهم وعلاماتهم، ولا يقولن قائل: الملك الواحد يقدر على أن يهزم ملايين البشر، فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم لا يزيدون عن الألف رجل -إياك أن تقول- وذلك أن الله تعالى أنزلهم في صورة بشر، فأصبحت صورتهم وقوتهم قوة البشر، ويدلك على ذلك ويشهد له: أن ملك الموت -ملك الموت عما قريب سيزورنا- لما جاء موسى في صورة رجل يريد أن يقبض روحه ضربه موسى عليه السلام ففقأ عينه، وعاد إلى ربه ولم يقبض روح موسى عليهما معاً السلام. من رواية البخاري ].إذاً: لما ينزل الله الملائكة في صورة بشر، تصبح طاقاتهم وقدراتهم قدرة البشر، لكن لو أنزل الملائكة في صورتهم الحقيقية فإن الواحد منهم سيقلب مدناً على ظهرها، والدليل القاطع على ذلك: لما جاء ملك الموت عزرائيل عليه السلام في صورة إنسان إلى نبي الله موسى عليه السلام ليمتحنه، فقال له الملك: أنا ملك الموت جئت لقبض روحك -وموسى كما تعرفون طويل وقوي، فقد لَكَم مرة قبطياً حتى قتله، ثم تاب إلى الله واستغفره- ففقأ موسى عين الملك، وعاد الملك يبكي إلى الله، وقال: يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فقال له الله: ارجع إليه وقل له: إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: إذا كنت لا تريد الموت فضع يدك على مسْك ثور -أي: جلد ثور- ولك بكل شعرة عاماً، ثم عرف موسى وقال: ثم ماذا؟ فقال ملك الموت: ثم الموت، فقال موسى: إذاً الآن، وسلَّم نفسه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كنت بصحراء سيناء لأريتكم قبره عند كثيب الرمل في المكان الفلاني.وبالتالي كيف تردون على من قال: إن هذه خرافة؟! كيف ألفاً من الملائكة يقاتلون ألفاً من المشركين؟ والجواب: أن الله أنزلهم في صورة بشر، وبالتالي فهم في طاقة بشر، وفي قدرة بشر، سواء بسواء، والدليل على ذلك مجيء ملك الموت -على جلالته- في صورة إنسان لقبض روح موسى عليه السلام، ففقأ موسى عين الملك. وصلى الله على نبينا محمد.


ابوالوليد المسلم 07-12-2020 10:32 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (51)
الحلقة (192)

تفسير سورة آل عمران (56)

إن الله عز وجل مستقل بالأمر كله، فليس لأحد من خلقه تصرف في شيء إلا أن يأذن الله عز وجل به، ولو كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد تعرض للأذى الشديد من المشركين في أحد، فداخله الأسف على ذلك، فبين له الله عز وجل أنه ليس له من الأمر شيء، بل الأمر كله بيد الله إن شاء رحمهم وأدخلهم في الإيمان، وإن شاء أبقاهم على الكفر فاستحقوا العذاب يوم القيامة.
تفسير قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال-فداه أبي وأمي والعالم أجمع-صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وها نحن مع هذه الآيات الخمس، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:128-132]. لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] هذه الجملة موجهة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد والمجاهد والمدير للمعركة والمبلغ، قد انتزع الله منه هذا، فقال له: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]، فهل بقي من الناس من يزعم أن له شيئاً في القول أو العمل؟ كل شيء لله.وهذا لما شُج وجهه صلى الله عليه وسلم، وسقطت رباعيته، وأوذي في أنفه، وكان يكمِّد الجراحات، فقال عليه الصلاة والسلام: ( كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا؟ ) ودماؤه تسيل، وجراحاته تؤلمه، فأنزل الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، فقال بعدها عليه الصلاة والسلام: ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ). لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ يا رسولنا، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ويدخلون في رحمة الله، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128].

تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض...)

قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:129].قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:129] خلقاً وملكاً وعبيداً، وليس لغير الله في الملكوت الأعلى والأسفل من له شيء مع الله، بل ولا إبرة، إذ كل ما في الملكوت العلوي والسفلي من الكائنات هو ملك لله عز وجل، وكيف لا وهو خالقه وصانعه وموجده، ثم أيوجد الشيء ويخلقه ثم يكون لغيره؟! إن هذا الغير مخلوق لله مربوب، فالله أوجده وخلقه، إذاً وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ من الكائنات كلها. يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، يغفر لمن يشاء من عبيده الذين أنابوا إليه، وتابوا ورجعوا إليه، ويعذب من يشاء ممن أصروا على الكفر والعناد والشرك والظلم والحرب ضد الإسلام، ومع هذا لسنا كالمعتزلة، فيغفر لمن يشاء أن يغفر له، وليس هناك سلطة فوق سلطة الله بأن تلهمه بأن يغفر أو لا يغفر، أو يعذب أو يرحم، إذ له الخلق والأمر، قال عمر : من بقي له شيء فليطلبه، أي: كل الكائنات قائمة على الخلق والأمر، فالله هو الخالق والآمر والمدبر، فمن بقي له شيء فليطلبه. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، لكن علَّمنا أنه يغفر لمن رجع إليه، وتاب من ذنبه، وتخلى عن باطله، وابتعد عن كفره وشركه، وعد الصدق يعدهم الله أن يغفر لهم، وأوعد أيضاً من أصر على الشرك والكفر والظلم وحرب المسلمين بأنه يعذبه، ويبقى المؤمنون العاملون للصالحات إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فالله عز وجل يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ولا نجزم بأن كل مؤمن ارتكب كبيرة من الذنوب ولم يتب منها، أن الله يغفر له، إذ لا يقول هذا ذو إيمان وعلم ومعرفة، وإنما يُترك الأمر لله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والذي نجزم به عقيدة: أن أهل التوحيد أو أهل الإيمان إذا قارفوا الذنوب، وغلبت سيئاتهم حسناتهم، وطغت عليها، ثم أدخلوا النار، فإنهم يعذبون فيها، فإن وعد الله لهؤلاء أن يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة.إذاً: أهل الإيمان الحق، أهل التوحيد الصحيح الذين ليس في قلوبهم غير الله، إن زلت أقدامهم، وارتكبوا الكبائر من الذنوب، ثم دخلوا بها النار، فحسب قانون الله وسنته، أن وعد الله على لسان رسوله أن يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة دار الأبرار، وأما من مات على الكفر والشرك، فقد أخبر تعالى-وخبره الصدق الحق-أنهم في النار خالدون، لا يخرجون منها أبداً. فليهنأ المؤمنون الصادقون أنهم مهما ارتكبوا من الكبائر واستوجبوا العذاب ودخلوا دار الشقاء فإنهم يخرجون ويدخلون الجنة، فلا بد من فهم هذا من قوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، وختم ذلك بقوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:129]، (غفور) على وزن فعول، أي: كثير المغفرة، كسئول بمعنى: كثير السؤال.إذاً: ثقوا بأن الله يغفر الذنوب، وإلا فهذا الاسم وهذا الوصف -غفور- كيف يظهر؟! أيسمي نفسه غفوراً وهو لا يغفر؟! مستحيل، ورحيم أيضاً فيرحم المعذبين الذين استوجبوا العذاب أو ذاقوه، ولن يستطيع كائن من كان أن يقول: فلان قد غفر الله له! أو فلان سيعذبه الله! وإنما يُترك الأمر لله. وأما حكمه على أهل الكفر أنهم خالدون في العذاب والشقاء، فهذا يجب أن يكون عقيدة كل مؤمن ومؤمنة، وإلا فقد كذَّب الله عز وجل.وأما خروج أهل التوحيد من النار بعد أن يعذبوا فيها أحقاباً أو دهوراً، فكذلك عقيدة المؤمنين، فالله عز وجل يخرج الذين ما عبدوا غيره ولا عرفوا سواه، ولكن غلبتهم دنياهم أو شهواتهم أو شياطينهم، فزلت أقدامهم فارتكبوا الكبائر من الذنوب، كأن قتلوا نفساً مثلاً، فهؤلاء إذا كانت سيئاتهم أكثر من حسناتهم فإنهم يدخلون النار، ويخرجون منها بإيمانهم وصالح أعمالهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، فلا تبكِ إلا على أخيك إذا مات على الشرك، مات على الإلحاد، مات على الكفر، مات على تكذيب الله ورسوله؛ لأن هذا قد فرغ منه. ثم بعد هذا جاء هذا النداء في استطراد عجيب؛ لأن البلاغة تقتضي أن المتكلم أو الخطيب أو غيرهما ما يسترسل في أحداث يمل السامعون، بل لا بد وأن يستطرد حادثة أخرى؛ لتستأنس النفوس وتقبل القلوب.فالآن نحن مع أحداث أحد وبدر من عدة أيام، وهذه الآيات خاتمة، وقلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا؟ )، فقال الله له: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، ثم قال بعدها عليه الصلاة والسلام: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )، فعاد صلى الله عليه وسلم إلى الصواب بتوجيه الله وهدايته له.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة...)
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130].‏
دعوة المؤمنين للخروج من الربا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:130] لبيك اللهم لبيك، يا أيها السامعون! من كان لديه قليل من المال في البنك الفرنسي السعودي، أو في البنك الأمريكي السعودي، أو في البنك الأهلي، يعزم الليلة على أنه في غدٍ الساعة الثامنة يكون عند باب البنك، يأخذ حقه من المال، فإن وضع خمسين ألفاً أخذها بدون زيادة أو فائدة؛ لأنها لا تحل له ولا لهم، وحينئذ يصبح أخونا قد استجاب لله، وإن أصر فالله يقول: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، قالت العلماء في هذه الجملة: في هذا إشارة إلى أن المستحل للربا، أي: الذي يعتقد حليته ولا يرى حرمته، ولا يثق فيمن يقول: حرام، أنه ارتد وكفر، وهذه قاعدة عامة في كل من استحل محرماً مجمعاً على تحريمه بين المسلمين، أنه قد ارتد وخلع ربقة الإسلام من عنقه بلا خلاف، وعليه فكل من اعتقد حلية محرماً مما حرم الله، واستعمله وقال: لا حرمة عندنا ولا حلال، فقد ارتد وكفر بالله.

قول أهل العلم في قول الله تعالى: (أضعافاً مضاعفة)

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] قال أهل العلم: هذه الصيغة خرجت مخرج الغالب، إذ ليس معناه أنه إذا كان قليلاً فلا بأس أن تأخذه وتأكله، ثم تقول: الآية تقول: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، لا، فهذا خرج بحسب الواقع؛ لأن الرجل يكون في حاجة إلى مال، فيأتي إلى أخيه فيقول له: أقرضني إلى الحج، أو إلى الحصاد، أو إلى أن تعود القافلة الفلانية، فيعطيه قرضاً حسناً، فإذا جاء الوقت وما استطاع أن يسدد، يقول لمن أقرضه: أخرني وزد عليّ، فيقول: أخرناك سنة أخرى وزدنا عليك عشرة أو عشرين أو كذا، فهذا هو ربا الجاهلية، أي: أخر وزد، ويسمى ربا النسيئة، أي: التأخير والتأجيل، وهذا الذي نزل به القرآن فأبطله ومحا أثره بين العرب والمسلمين قروناً.
الفرق بين ربا الجاهلية وربا المعاصرين اليوم
ثم جاء اليهود بعدما استولوا على مصادر العيش والرزق في العالم، فأعلنوا عن الربا بوضوح، وذلك حتى لا تبقى سلفة ولا رحمة ولا إخاء ولا إحسان أبداً، ووضعوا هذا الربا، وحال لسانهم يقول: اتركوا البشرية كالحيات تأكل بعضها بعضاً، بينما ربا الجاهلية أرحم بكثير من ربا اليهود والحضارة الغربية؛ لأن ربا الجاهلية-كما علمتم-تستقرض من أخيك إلى ستة أشهر أو سنة، فإذا عجزت تقول: أخرني وزد عليّ، أما ربا اليهود اليوم فمن أول يوم استلفت عشرة آلاف يحسبونها تسعة، فيعطونك تسعة وفي ذمتك عشرة، وإن استقرضت مائة ألف يعطونك خمسة وتسعين ويكتبون عليك مائة ألف، فإن سئلوا: لمَ تفعلون هذا؟ قالوا: نخشى أنه ما يرد، ومن ثم نخصم عليه من الآن.ومن ثم انتشر الربا في أوروبا أولاً، ثم انتقل إلى العالم حتى لا تبقى رحمة ولا أخوة ولا ود ولا صداقة، والأسرة الواحدة كأن كل واحد منهم من عائلة أخرى، بل من إقليم آخر، وهذا كله من صنع بني عمنا اليهود، وللأسف أننا مددنا أعناقنا إليهم، وقبلنا توجيهاتهم وإرشاداتهم، وقبلنا هذا لما هبطنا، لما أصبح فينا من لا يعرف الله، ولا ما عند الله، ولا ما لدى الله، فضعف الإيمان وتخلخل في النفوس، وما أصبح هناك مودة ولا إخاء، ولا حب ولا صفاء، وبالتالي ماذا نصنع؟ أقبلنا على الربا، مع أن الربا جاءت فيه وعود من الكتاب والسنة لا تُطاق.إذاً: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من سبق له أن تورط فليخرج من الورطة، وليتوكل على الله، وليسحب نقوده من البنوك الربوية، ومن لم يقع في هذه الورطة فليحمد الله، وليكثر من حمد الله، وليدع لإخوانه أن ينجيهم الله أيضاً، وأن يخرجهم من هذه الفتنة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 07-12-2020 10:32 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سبب وجود الربا في بلاد المسلمين وكيفية الخلاص منه
معشر المستمعين والمستمعات! إن الربا سببه انحرافنا، وفقدنا لصلتنا بربنا، فأصبحنا كالبهائم، أصبحنا نستلف ولا نرد السلفة، نستقرض من إخواننا ولا نرد قرضاً، نعد ولا نفي بوعد، أسرفنا إذا عندنا الدينار والدرهم، نأكل بلا حساب، ونشرب بلا حساب، ما عرفنا الاقتصاد والصبر أبداً، فلما هبطنا جاءنا البديل وهو البنك فقط، إذاً فما المخرج؟ أصبح هذا المخرج عندنا كالشمس، وهو أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، وأن يصبح أهل الحي من أحياء المدن كأنهم أسرة طاهرة، ويصبح أهل القرية كأنهم أسرة طاهرة؛ وذلك بإقبالهم على الله في صدق، فيجتمعون في مسجدهم الجامع - الذي وسعوه حتى أصبح يتسع لأفراد الحي- كلهم رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، فإذا مالت الشمس إلى الغروب، أوقفوا دولاب العمل، فالفلاح رمى بمسحته ومنجله، والتاجر أغلق باب دكانه، والصانع رمى بالحديدة من يده، فتطهروا وتوضئوا، وجاءوا مقبلين على ربهم في بيته، فيصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما جلسنا هذا الجلوس، النساء من وراء الستارة، والفحول أمامهن، والأطفال بينهما، ويتعلمون الكتاب والحكمة كما نتعلمها، ليلة آية وليلة أخرى حديثاً، ووالله ما تمضي سنة إلا وهم أولياء الله، وسلوني عما يحدث في هذه السنة، لم يبق مظهراً للسرقة، ولا للبخل، ولا للشح، ولا للترف، ولا للحزن، ولا للكرب، وإنما تغيرت طباعهم، وزكت نفوسهم، وطابت أرواحهم، فتعيش في تلك القرية سنة لا تسمع كلمة سوء، ولا تشاهد منظراً يغضب الله ورسوله والمؤمنين، وإنما تجد الوفاء والصدق والرحمة والأخوة، ووالله ليفيض مالهم، وعند ذلك ماذا يصنعون به؟ فأكلهم محدود، وشرابهم محدود، ونومتهم محدودة، وعملهم محدود، بل كل حياتهم منظمة تنظيماً دقيقاً، فهل يبقى حينئذ الربا؟ هل يبقى حينئذٍ من يحتاج إلى المال؟ الجواب: لا.هذا هو الطريق، وبدون هذا لو أن الحكام رفضوا البنوك وأغلقوها لأوجدنا في بيوتنا بنوكاً أخرى، وذلك أننا عرفنا عجائز يفعلن هذا، فتمشي إلى العجوز فتقول لها: يا عمتي، تقول لك: أعطني كذا، نعطيك كذا، إذاً فما هو الحل؟ الحل أن نسلم قلوبنا لله، فلا هم لنا إلا رضا الله، ونسلم وجوهنا إليه، فلا نقبل إلا على الله، ويتبع ذلك جوارحنا، فألسنتنا لا تنطق بما لا يرضي الله، أرجلنا لا تمش حيث يسخط الله، أيدينا لا تمتد حيث لا يرضى الله، وهذا والله لهو الحق المبين، وهذا ما يتم بالكرباش ولا بالسحر، وإنما يتم بالطريقة التي سلكها رسول الله والمؤمنون، أي: أن نتعرف على الله، فتمتلئ قلوبنا بحبه وخشيته.والآن نحن في هذه الفوضى سلوا الذين يسلفون إخوانكم: هل ردوا عليهم أموالهم؟ لا يراه طول العام، وقد جربنا هذا والحمد لله تجربة كاملة، وما أظن في حياتي رد عليّ في الوقت المحدد إلا واحداً فقط! إذاً: ما المخرج يا عباد الله؟! هل نبقى هكذا نهبط فقط؟ هيا يا أهل حي بني فلان، من غدٍ نجتمع في بيت ربنا، ولا يتخلف رجل ولا مرأة ولا طفل، وإذا ما اتسع بيت الله نفرش السجادة ونجلس عند الباب، ونعزم على تزكية نفوسنا، وتطهير أرواحنا، وذلك من طريق الكتاب والحكمة، قال الله وقال رسوله، ويجلس لنا رباني عليم بشرع الله، فيأخذ معنا ويهذبنا ويطهرنا وينمي معارفنا ويزيد في كمالاتنا، وكل يوم ونحن نشعر بزيادة من الخير، وفي خلال أربعين يوماً فقط نصبح نعجز أن نغادر المسجد، بل ما تقوى على أن تبقى في الدكان أو في البيت، وهذه سنة الله، أما في خلال سنة فسيصبح أهل الحي كأنهم رجل واحد، يتقاسمون الخير والخيرات على حد سواء.فهل هناك طريق غير هذا؟ نستعمل الإنجيل؟! السحر؟! أو نأتي بعصا هتلر وكل باب أمامه شرطي بالعصا؟! والله ما ينفع، وأقسم بالله أنه لا طريق إلا هذا، أي: أن نصدق ربنا في إسلامنا له، ومن ثم والله لتبحث عن من تعطيهم النقود الفائض عنك، وراتبك كفاك وأنت مقتصد وزاد، وعند ذلك تتمنى أن يأتي إليك مؤمن يقول لك: أقرضني كذا، أو هيا نفتح دكاناً، أو ننشئ مزرعة؛ لما تعلم من صدق أخيك، إذ إنه يرضى أن يقتل ويصلب ويحرق، ولا يرضى أن يخون أو يكذب أو يغتال أو يخدع، وهذا هو المؤمن، إذاً: نحن في حاجة إلى عودة جديدة إلى الإسلام. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:130] لبيك اللهم لبيك! لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، وأصل المضاعفة كانت جارية بها العادة في ربا الجاهلية، خلاف ربا العلمانية اليوم، إذ إنه أفظع وأعظم، بينما ربا الجاهلية تأتي إلى أبي جهل عمرو بن هشام، أو إلى عقبة بن أبي معيط فتقول له: الآن موسم تجارة كذا، فأقرضنا عشرة آلاف درهم، وموعدنا نهاية الموسم، فيعطيك عشرة آلاف، ثم يأت الموسم ولم تستفد أو تربح، فتأتي فتقول: يا عقبة! الأمر لك، إن شئت أخر وزد، أما الآن ما عندي شيء، فيقول: نؤخرك إلى عام آخر ونزيد عشرة! كذلك تمشي إلى أبي سفيان فتقول له: نريد خمسة من الإبل نتجر عليها أو نركب عليها، وفي الحج المقبل نأتيك بها، ثم أخذت الإبل ومشيت، وشاء الله أن ضاعت أو ماتت، ثم جاء الوقت المحدد، فماذا تقول؟ لصدقك وكرامتك تقول: يا أبا سفيان! أخر وزد، أجلني سنة وزد ناقة أو كذا، فهذا هو ربا الجاهلية.أما ربا المعاصرين، ربا البنوك اليهودية، تأتي إلى البنك فتقول: نريد مائة ألف ريالاً، فيسجل عليك مائة ألف ويعطيك خمسة وتسعين! ولا يعطيك مائة ألف ثم يقول لك: ردها مائة وعشرة، فأي الربا أفضل وأهون؟! ربا الجاهلية؛ لأن جهَّال العرب كانوا أكرم الناس، وكانوا أرحم الخلق، وهذا الربا المعاصر ربا اليهود الذين ينظرون إلى الإنسان كوسَخ، سواء كان أسبانياً أو إيطالياً أو بريطانياً، إلا اليهودي، إذ إنهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار، ولهم الحق في الحياة، وكل البشر أوساخ ونجس، فيحتالون على إفسادهم، على تعذيبهم ما استطاعوا، لكن لعجزهم وعدم قدرتهم يتلوَّنون، ومع ذلك الآن استطاعوا أن يسودوا العالم بأسره بالربا.فهيا نعصيهم، ولا نستطيع ولا نقدر على ذلك حتى يعود نور الإيمان إلى قلوبنا، ونصبح نرجو الله والدار الآخرة، وفي ذلك الوقت نستغني عن الحثالات والفضلات، والأطعمة والألبسة الزائدة، فلا نحتاج إلى أن نستقرض، وإنما نكتفي بقرص العيش أو بحفنة التمر.
معنى قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون)
وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:130] أي: خافوا الله، لا تعصوه، لا تأكلوا الربا، لا تتعاطوه، لا ترضوا به، لا تقروه. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] رجاء أن تفلحوا، والفلاح في الدنيا أن تطهروا وتطيبوا وتصفوا وتزكو نفوسكم، وتسعدوا بالإخاء والمودة والطهر والصفاء والعزة والكمال في الدنيا، فلا ذل ولا إهانة ولا فقر ولا بلاء، وتنجوا من مخططات الكفار والماكرين والكائدين من اليهود والنصارى والمشركين، والفلاح في الآخرة أن تزحزحوا عن عالم الشقاء وتدخلون الجنة دار السلام.فاتقوا الله وأغلقوا أبواب الربا، واحذر يا عبد الله أن يراك الله أمام بنك، إلا إذا كنت في بلاد المسلمين، فعرفوا أن في جيبك ألف ريال قتلوك من أجلها، أو في غرفتك هدموها عليك، ففي هذه الحال نقول: ضعوا أموالكم في البنوك لتحميها، ولكن لا تقبلوا فائدة أبداً مهما احتجتم، بل لا تأخذوا فلساً واحداً؛ لأنه حرام. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]، هذا الفلاح دنيوي وأخروي والله العظيم، فدنيوي أن يصبح أهل البلاد أو أهل القرية وكأنهم شخص واحد، ولاء وحب وتعاون، وطاعة وإحسان وبر-فإنها سعادة وأي سعادة-فتمشي تجاهد أربعة أشهر لا تخاف على امرأتك ولا على مالك ولا أولادك؛ لأنهم بين إخوانك، يحمونك أكثر مما يحمون أنفسهم، سعادة فلاح في الدنيا بذهاب المخاوف وحصول الأمان والسعادة، وفلاح في الدار الآخرة بالزحزحة عن النار ودخول الجنة، وهذا توجيه الله عز وجل. أما بالنسبة لشركات التأمين، فإذا كانت تؤمن أموالها في البنك، ولا تأخذ فائدة عنه فلا بأس كما قدمنا، وأنت إذا أُمرت أن تأخذ نقودك من البنك الفلاني فلا يضرك ذلك، ونحن قلنا: لا يراك الله عند باب بنك، يعني: تودع وتستلف وتأخذ، وهذا هو مراد المتكلم.
تفسير قوله تعالى: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين)
قال تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، أُعدت: أُحضرت، هيئت، وجدت بالفعل، ما تُعَدُّ في المستقبل، فهي موجودة قبل الأرض، وقد أعدت للكافرين بالله وبلقائه وبكتابه وبرسوله وبدينه وبتحليل ما أحل وبتحريم ما حرم. قال أهل التفسير: في هذه الجملة إشارة إلى أن المستبيح للربا كافر، ومعنى المستبيح: أن يقول: ليس هناك حرام، اتركونا من هذا، بخلاف من يقول: حرام وأستغفر الله، فهذا ما يكفر أبداً، فهو يستغفر ويندم، ويجيء يوم يترك المنكر الذي يفعله، أما إذا قال: دعونا من هذا، ليس هناك حرام، فهذا ارتد وكفر وإن صام وصلى.
تفسير قوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)
قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132].قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران:132] محمداً صلى الله عليه وسلم، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، هذه توجيهات الله رب العالمين لهذه الأمة الطاهرة، فأطيعوا الله في أمره ونهيه، والرسول أيضاً في أمره ونهيه وتوجيهه؛ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، أي: يرحمنا الله إذا أطعناه وأطعنا رسوله بكل أنواع الرحمة في الدنيا وفي الآخرة.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
الآيات مرة أخرى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، قال أهل العلم: (أو) بمعنى: حتى، أي: ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم أو يعذبهم، فاتركهم ما هم لك، وإنما هم لله عز وجل، وقد عذب من عذب، ورحم وتاب من تاب ورجع إليه، ومن الذين تابوا: أبو سفيان قائد المعركة رضي الله عنه وأرضاه. إذاً: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، فيعذبهم لأنهم ظالمون، والظالمون هم الذين يضعون الشيء في غير موضعه، فبدل أن يعبدوا الله عبدوا الشيطان، وبدل أن يتجروا في الحلال اتجروا في الحرام، وبدل أن يقولوا الطيب من الكلام قالوا الخبيث من الكلام، فهذا ظلم، والظالم يلقى جزاءه في الدنيا والآخرة، وقد بينا غير ما مرة، فلو أنك قمتَ الآن وقلت كلمة سيئة فإن إخوانك سينهالون عليك بالضرب؛ لأنك ظلمت، كذلك كُلْ هذه الليلة خمسة كيلو من الطعام، غداً وأنت في المستشفى من التخمة؛ لأنك ظلمت. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:129]، فإياكم أن تطلبوا ما لله من غير الله، فأنت تؤمن بأن لله ما في السموات وما في الأرض، فكيف تقول: يا سيدي فلان أعطني كذا! إذاً: لا يصح أن تطلب شيئاً من غير الله، إذ ليس من شيء إلا وهو لله في السموات والأرض، لا المطر ولا العشب ولا النبات، ولا الذهب ولا الفضة. يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، إرادته مطلقة، ولكن عَلَّمنا أنه يغفر لمن قرع بابه، وسأله التوبة والمغفرة، أما من أعرض واستنكف وتكبر فلا يجري الله وراءه ويقول: تعال أتوب عليك! وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، من أعرض عن الله وأراد العذاب يعذبه، ومع هذا حتى نخرج من فتنة المعتزلة نقول: إرادة الله مطلقة، فأهل التوحيد يدخلون النار ويغفر لهم، بينما المعتزلة يقولون: لا يغفر لهم، وهذا باطل، إذ إن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهذا إعلان عن إرادته المطلقة، ولكن يعذب بالحكمة ويرحم بالحكمة؛ لأنه هو العليم الحكيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، وقد عرفتم أنه لا يجوز لأحدهم أن يحتج فيقول: ليس هناك مضاعفة، أعطانا خمسين ألفاً، فأعطيناه ألفين فقط، ليس هناك مضاعفة، ولو نصف ريال؛ لأن هذا خرج مخرج الغالب فقط، فلو تقول: من فضلك أعطني مائة ألف وأردها مائة وعشرين ألفاً، والله ما صح ولا جاز أن تأخذ ريالاً أبداً. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ [آل عمران:131] لمن؟ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، أي: الجاحدين والمكذبين لأخبار الله وأخبار رسوله، ولوعود الله ووعود رسوله صلى الله عليه وسلم. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 07-12-2020 10:33 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (52)
الحلقة (193)

تفسير سورة آل عمران (57)


الربا ذنب عظيم وجرم جسيم، لذا فقد أمر الله عباده المؤمنين بعد أن خرجوا من الجاهلية ودخلوا في الإسلام أن يتركوا أكل الربا وكل تعامل به، لما فيه من أكل الأموال بالباطل وظلم العباد، ولما فيه من المفاسد العظيمة فقد أعلن الله الحرب على متعاطيه والمتعاملين به، ومن حاربه الله فأنى له أن يفلح.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وها نحن أيضاً مع الآيات الخمس التي تذاكرناها يوم أمس وتدارسناها، ولم نوفها حقها؛ لأننا ما قرأنا شرحها في الكتاب، فهيا نتذكر ما سبق أن تعلمناه منها، وإليكم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، وتذكرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا )، ثم قال: ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) لما نزلت هذه الآية: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]، و( أو ) قلنا: بمعنى: حتى. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:129]، وتذكرون أيضاً أنا بينا أن المعتزلة يحتجون بهذه الآية على أن الله لا يغفر كبائر الذنوب، ومن مات عليها يخلد في النار، والآية لا تحمل هذا؛ لأنها في سياق حال الكافرين والمشركين الذين جاءوا يحاربون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غزوة أحد وفي غزوة بدر قبلها.فقوله: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، أي: الذين يشاء الله مغفرة ذنوبهم هم الذين تابوا إليه، وأنابوا ورجعوا إليه؛ فآمنوا وصدقوا وأطاعوا الله ورسوله، وأخلصوا في طاعتهما، فهؤلاء وإن عاشوا على الشرك عشرات السنين متى ما تابوا إلى الله قبلهم وغفر ذنوبهم، وأسكنهم الجنان العالية. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، أي: تعذيبه لمن أصروا على الشرك والكفر وماتوا عليه، أما أهل الإيمان إن ماتوا على كبائر الذنوب إن شاء غفر لهم ولم يدخلهم النار، وإن شاء عذبهم ثم أخرجهم بتوحيدهم من النار، وهذا هو الجمع بين مذهب المعتزلة وعلماء أهل السنة والجماعة.وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، تذكرون أن هذه الصيغة: (أضعافاً مضاعفة) لا تدل على أن الربا لا يحرم إلا إذا تضاعف، وإنما خرجت مخرج الواقع أو الغالب في تلك الأيام، إذ كان الرجل يكون عليه دين لأخيه، فإذا حلَّ الأجل قال: يا أخي! أخر وزد، ليس عندي ما أُسدد به، أخرني حولاً آخر وزد، فيأتي الحول الثاني وما استطاع السداد، فيقول له مرة أخرى: أخر وزد، فيصبح الدين أضعافاً مضاعفة! وكان هكذا ربا الجاهلية، وإلا فدرهم ربا كقنطاره، لا فرق بين القليل والكثير فيما حرم الله عز وجل، فدرهم واحد يعذب الله به صاحبه، وهو والعياذ بالله أفظع من ثلاثين زنية! وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]، أي: اتقوا عذابه، اتقوا عقابه، وذلك بطاعته وطاعة رسوله، ولا يتم فلاح إنسان ولا جان إلا إذا زكت نفسه وطابت وطهرت، وتزكو النفس وتطيب وتطهر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الحسنات مزكيات للنفس، والسيئات ملوثات مخبثات لها، فمن أطاع الله ورسوله فيما أمرا به زكت نفسه، ومن أطاعهما فيما نهيا عنه فترك الذنوب والآثام احتفظ بزكاة نفسه وطهارتها، وأصبح أهلاً لدار السلام. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، أي: أُحضرت لهم من قرون، من أزمنة لا يحصيها إلا الله، فهي موجودة مهيأة للكافرين، والكافرون هم الذين كذبوا الله ورسوله في قليل أو كثير، والكافر هو الجاحد المكذب، فمن مات على تكذيب وجحود الله ورسوله، فإنه مهما عمل من الصالحات فلن يغني ذلك عنه شيئاً.فهذا عبد الله بن جدعان الذي كان يذبح في كل حج ألف بعير للحجاج، فيطعمونها أيام وجودهم في الحرم، ويكسو كل عام ألف حلة -بدلة من ثوبين- لفقراء الحجاج، ومع هذا سألتَ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( هل عبد الله بن جدعان في الجنة؟ قال: لا، هو في النار؛ لأنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )، أي: أنه مات كافراً. وبالتالي فالحسنات لا تكون حسنة محسِّنة للنفس مزكية لها إلا إذا كانت مما شرع الله، وعملها عبد الله أو أمته إيماناً واحتساباً، أما حسنات ما شرعها الله، فلن تكن حسنة وإن كانت في ظاهرها من فعل الخير، ثم تلك الحسنة إذا لم تؤد على الوجه الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن تنفع، ولن تزكي النفس.وأخيراً: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، فباب الرحمة مفتوح، أطع الله وأطع رسوله، افعل المأمور واجتنب المنهي، فإنك إن فعلت ذلك وصلت إلى الفلاح، والفلاح ليس ربحك الشاة والبعير، ولا الدينار ولا الدرهم، ولا الجاه ولا السلطان، إنما الفلاح أن تزحزح عن النار وتدخل الجنة، إذ بين تعالى هذا بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
والآن مع الآيات بمفرداتها وشرحها وهداياتها؛ لأننا يوم أمس قد تجاوزنا هذا. ‏
شرح الكلمات
قال: [ قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] والأمر: الشأن، والمراد به: توبة الله على الكافرين أو تعذيبهم ]، أي: ليس لك من أمر تعذيبهم أو هدايتهم يا رسولنا شيء؛ لأن هذا لنا، فنحن لنا ما في السموات وما في الأرض، نغفر لمن نشاء ونعذب من نشاء [ و(شيء): نكرة متوغلة في الإبهام -والجهل- وأصل الشيء: ما يُعلم ويُخبر به ] قل أو كثر، صغر أو عظم. [ قوله: أَوْ يَتُوبَ [آل عمران:128] -قال العلماء:- (أو) بمعنى: حتى، أي: فاصبر حتى يتوب عليهم أو يعذبهم ]، أي: اتركهم حتى يتوب عليهم أو يعذبهم. [ قوله: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ[آل عمران:129]، أي: ملكاً وخلقاً وعبيداً ]، كل ما في السموات وما في الأرض هو مملوك لله، إذ هو خالقه وهم عبيده يعبدونه، قال: [ يتصرف فيهم كيف يشاء، ويحكم كما يريد ].[ وقوله: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا [آل عمران:130] لا مفهوم للأكل، بل كل تصرف بالربا حرام، سواء كان أكلاً أو شرباً ولباساً ] أو سكناً أو ما كان، وإنما مخرج الغالب أن الأصل في الأموال أنها تؤكل، فلا تقول: أنا لا آكل الربا، ولكن ألبس به ثياباً! أو هذا الحاصل من الربا لا ألبسه، أنا أبني به منزلاً! أو تقول: أنا أروِّح به على نفسي فأذهب به رحلة إلى الخارج! كل هذا باطل، إذ لا يحل درهم ربا ولو كنت ترميه في المزبلة، ولا يحل التصدق به حتى على اليهود والنصارى، ولذلك قد منعنا من أخذه فلنمتنع، وعلى كلٍ قال: (لا تأكلوا) باعتبار الأكثرية والغالب أنه يؤكل. قال: [ الربا -في لغة العرب- لغة: الزيادة ]، يقال: ربا الشيء يربو، إذا زاد وكثر [ وفي الشرع] أي: ديننا [نوعان] لا ثالث لهما [ ربا فضل، والثاني: ربا نسيئة ] فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذين النوعين. [ ربا الفضل يكون في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ] وبعبارة فقهية: يكون في كل مقتات مدخر، أي: في كل ما يقتات ويعيش به الإنسان ويصلح للادخار، أما البطيخ والحبحب والبرتقال لا يدخر [فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل، أي: الزيادة، ويحرم التأخير ]. إذا بعت ذهباً بذهب يجب أن يكون الوزن جراماً بجرام، كيلو بكيلو، ويحرم الفضل، أي: الزيادة، كذلك إذا بعت فضة بفضة، فإياك أن تفضل وتزيد، وإنما كيلو بكيلو، قنطار بقنطار، أيضاً بعت قمحاً بقمح، كيساً بكيس، خيشة بأخرى، فلا بد أن يكون كيلو بكيلو، حفنة بحفنة، ولا تزد شيئاً؛ لأنه نوع واحد، كذلك بعت شعيراً بشعير، فإياك أن تفضله وتزيد عليه حفنة أو كيلو، أيضاً الملح يدخل في الربا؛ لأنه عنصر الطعام، فإذا بعت ملحاً بملح، فبع الكيلو بالكيلو، والقنطار بالقنطار، وإياك أن تزيد، فإن زدت فقد رابيت ربا الفضل، أي: ربا الزيادة، وكلمة: (الفضل) تعني: الزيادة، يقال: تعشيتم؟ قالوا: نعم، وهذا الذي بقي؟ قالوا: هذا فضلة، أي: زائد عن طعامنا.فهذه الأجناس وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم كقاعدة، فإذا بيعت ببعضها البعض فيحرم الفضل والزيادة، وإن اختلفت الأجناس، كأن بعت فضة بذهب، أو قنطار فضة بعشرة كيلو ذهب فلا حرج، أو بعت قنطارين شعير بقنطار قمح أو أقل، أو بعت قنطار تمر بعشرة قنطار ملح، كل ذلك لا حرج. إذاً: إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم بحسب الأسواق، أي: زيدوا الفضل ولا حرج، لكن إذا بعت ربوياً بمثله فلا يحل الزيادة من جنسه.قال: [ ربا الفضل يكون في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل، أي: الزيادة -ولو حفنة أو جراماً- ويحرم التأخير ] أيضاً، فإذا بعت فضة بذهب جاز التفاضل، كأن تبيع كيلو فضة بعشرة كيلو ذهب، لكن يجب أن يكون التقابض في مجلس واحد، فلا تأخذ الذهب وتقول: سآتيك بالفضة فيما بعد، أو تأخذ الفضة وتقول: سآتيك بالذهب فيما بعد، لا، بل يجب أن يكون التقابض في المجلس، فإذا بعت تمراً بتمر، كأن بعت برْنياً بعجوة، فيجب أولاً: أن يكون صاعاً بصاع، وثانياً: أن يكون التقابض في المجلس، ولا تقل: أعطني وأنا سآتيك بعد.وعليه فربا الفضل الزيادة فيه محرمة إذا كان الجنس واحد، أما إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم حسب الأسعار والسوق، ويحرم التأخير، أما إذا اشتريت كتاناً بفضة فهذا شيء آخر، أو اشتريت بعيراً بذهب فلك أن تؤخر، لكن هذه الستة التي ذكرناها إذا بعتها فيجب أن يتم ذلك في مجلس واحد، ولا يجوز التأخير.قال: [ ربا النسيئة -هذا سهل-: هو أن يكون على المرء دين إلى أجل، فيحل الأجل ولم يجد سداداً لدينه، فيقول: أخر لي وزد في الدين ]، وهذا ربا الجاهلية، وقد قلت لكم: إن ربا الجاهلية أفضل وأهون من ربا العلمانية اليوم! ووجه التفضيل: أن يكون لك دين على إبراهيم، ثم حل الأجل، فتقول له: سدد، فيقول: ليس عندي شيء، فتقول له: نزيد، فيزيد خمسة في المائة أو عشرة! أما إذا جئت وقلت: سدد، فقال: تفضل دينك، فإنك تأخذ دينك فقط، ولا يعرف العرب الزيادة، فقد كان يستقرض بعضهم من بعض إلى آجال المواسم وغيرها، فإذا حل الأجل يأتي بما عليه من دين، بلا زيادة أبداً، فإن عجز يعتذر فيقول: أخرني وزد.بينما ربا البنوك هذه الأيام أشد وأفظع، فيأتي أحدهم إلى البنك يريد مائتين ألف لسنة، فيعطيه البنك مائة وخمسة وثمانين ألفاً، ويسجل عليه مائتين ألفاً! وهذا هو الواقع، فقد زادوا قبل نهاية الأجل! ولو أتيتهم بالمال لا يقبلونه، بل لا بد من الزيادة أن تنتهي.قال: [ وربا النسيئة: هو أن يكون على المرء دين إلى أجل، فيحل الأجل ولم يجد سداداً لدينه، فيقول له: أخرني وزد في الدين ]، فيتفقون على الزيادة، كثرة أو قلة.قال: [ قوله: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]: لا مفهوم لهذا القول؛ لأنه خرج مخرج الغالب، إذ الدرهم الواحد حرام كالألف، وإنما كانوا في الجاهلية يؤخرون الدين ويزيدون مقابل التأخير حتى يتضاعف الدين، فيصبح أضعافاً كثيرة ]، كانت ألفاً، وفي خلال خمس سنوات وهو يؤخر فيها صارت خمسة آلاف! وهكذا كلما أخر السداد زد ألفاً فوقها، حتى تصبح أضعافاً مضاعفة. [ قوله: تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]: تنجون من العذاب وتظفرون بالنعيم المقيم في الجنة ]، وقد بينا الزحزحة وقلنا إنها: إبعادٌ عن النار ودخول الجنة.[ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]: هيئت وأحضرت للمكذبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ]، وليس معنى هذا: أن النار ستوجد يوم القيامة، إذ إنها والله لموجودة الآن وقبل مئات القرون، وقد شاهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه كما شاهد الجنة دار السلام، وعالمنا هذا بالنسبة إلى عالم الجنة وعالم النار قطرة ماء في المحيط الأطلنطي، فعالم الجنة تطوى السموات وهو فوقها، وعالم النار تطوى الأرضون كلها وهو تحتها، ومثل الدنيا إلى الآخرة كمثل أن يغمس أحدنا أصبعه في البحر ثم يستخرجها ويزن تلك البلة، فكم سيجدها إذا كان عنده موازين دقيقة؟! كذلك فإن آخر من يدخل الجنة يعطى مثل الدنيا مرتين، أما أنتم فتعطون إن شاء الله عشر مرات، فأين دنياكم إذاً؟! وأما عالم الشقاء فتعرفون أن ضرس الكافر والله كجبل أحد، وعرضه مائة وخمسة وسبعون كيلو، أي: من مكة إلى قُديد، إذاً: كم تتسع النار؟! قولوا: اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، ولله نفحات ما تدري قد يُستجاب لك.قال: [ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]: لترحموا، فلا تُعذَّبوا بما صدر منكم من ذنب المعصية] .

يتبع


الساعة الآن : 11:10 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 623.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 622.11 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.28%)]