ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240319)

ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:23 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث أطيط العرش

قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. هو لا بأس به، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن بشار ]. محمد بن بشار الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ و أحمد بن سعيد الرباطي ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قالوا: حدثنا وهب بن جرير ]. وهب بن جرير بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ يحدث عن يعقوب بن عتبة ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. محمد بن جبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده ]. وهو جبير بن مطعم النوفلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وقال عبد الأعلى و ابن المثنى و ابن بشار : عن يعقوب بن عتبة و جبير بن محمد بن جبير ]. ساق أبو داود إسناد الحديث على لفظ الشيخ الأخير أحمد بن سعيد الرباطي ، وفيه أن يعقوب بن عتبة يروي عن جبير بن محمد ، وأنه تلميذه، وأما الثلاثة الشيوخ الأول فإنهم أتوا بالواو بدل (عن) فصار جبير بن محمد مع يعقوب بن عتبة يرويان عن محمد بن جبير . قوله: [ والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح ] معناه أن الصحيح هو ما جاء عن أحمد بن سعيد وهو أن يعقوب بن عتبة يروي عن جبير بن محمد بن جبير بلفظ (عن)، وهي صيغة أداء، وليس فيه لفظ الواو التي هي صيغة عطف، ثم ذكر ما يؤيد ذلك، وهو أن أناساً آخرين رووه كما رواه أحمد بن سعيد ، بل إن محمد بن إسحاق قد رواه عنه أناس آخرون كما رواه أحمد بن سعيد الرباطي ، قال أبو داود : [ وافقه عليه جماعة، منهم يحيى بن معين و علي بن المديني ورواه جماعة أن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً ]. فأيد أبو داود لفظ أحمد بن سعيد بوجوه هي: أولاً: أن يحيى بن معين وغيره قد وافقوه، ورووه بعن كما رواه هو. ثانياً: أن محمد بن إسحاق رواه عنه أناس آخرون كما رواه أحمد بن سعيد أي بصيغة (عن). ثم أضاف إلى ذلك أن رواية الشيوخ المخالفين لأحمد بن سعيد كائنة من نسخة واحدة، ولهذا جاء اتفاقهم على ذكر الواو، قال: [ وكان سماع عبد الأعلى و ابن المثنى و ابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني ].
شرح حديث وصف أحد ملائكة العرش


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما. قوله: [ (أذن لي) ] الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال: أذن لي، فالآذن له هو الله، كما أنه إذا قال: أمرت ونهيت، فالآمر والناهي هو الله، وأما الصحابة إذا قالوا: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فالآمر والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) ]. أي: فإذا كان ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه سبعمائة عام، فكيف ببقية جسمه؟ أي فهو على ضخامة عظيمة لا يعلم كنهها وقدرها إلا الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر هذا الحديث في هذا الباب لأنه يتعلق بإثبات العرش، والله تعالى فوق العرش.
تراجم رجال إسناد حديث وصف أحد ملائكة العرش


قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي ]. مر ذكرهما. [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. مر ذكره أيضاً. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث وضع النبي أصبعيه على عينه وأذنه لإثبات صفتي السمع والبصر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن نصر و محمد بن يونس النسائي المعنى قالا: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حرملة -يعني ابن عمران - حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، إلى قوله تعالى: سَمِيعًا بَصِيرًا ، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه)، قال أبو هريرة : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه) قال ابن يونس : قال المقرئ : يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً. قال أبو داود : وهذا رد على الجهمية ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، ويضع إبهامه على أذنه والأصبع التي تليها على عينه، أي: أنه يبين السمع والبصر، ولكن ليس في ذلك تشبيه، وإنما هو بيان للسمع والبصر، وأن الله تعالى سميع بصير. ومعلوم أن الله عز وجل له سمع وبصر، لا كالأسماع والأبصار، وللمخلوقين أسماع وأبصار معروفة مشاهدة معاينة، وما يضاف إلى الله عز وجل من السمع والبصر يختلف عما يضاف إلى المخلوقين من السمع والبصر، وإنما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليبين إثبات السمع والبصر لله تعالى، وليس في ذلك شيء سوى هذا، ولهذا قال في آخره نقلاً عن المقرئ : [ يعني أن لله سمعاً وبصراً ]. قوله: [ وفي ذلك رد على الجهمية ] أي الذين ينفون صفتي السمع والبصر عن الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل جمع بين إثبات السمع والبصر وتنزيهه عن المشابهة، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة. فالتشبيه أن يقول الإنسان: لله سمع كسمعي وبصر كبصري، وأما أن يقول: سمع لا كالأسماع وبصر لا كالأبصار، فهذا ليس فيه تشبيه. وليس لأحد الآن إذا روى هذا الحديث أن يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد يفعل ذلك من لا يفهم، فيترتب على ذلك المحذور الذي هو التشبيه، أو تصور التشبيه، ولا نفصل فنقول: إن كان بين طلبة علم يعرفون جاز ذلك، بل نقول: يكفي قراءة الحديث، فإنه واضح في تحديد المراد.

تراجم رجال إسناد حديث وضع النبي أصبعيه على عينه وأذنه


قوله: [حدثنا علي بن نصر ]. علي بن نصر هو الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و محمد بن يونس النسائي ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حرملة -يعني ابن عمران - ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي . [ سمعت أبا هريرة ]. قد مر ذكره.
نقل كلام صاحب عون المعبود في شرح حديث وضع النبي أصبعيه على عينه وأذنه


ذكر صاحب عون المعبود في شرح هذا الحديث كلاماً نفيساً فقال: قال الإمام الخطابي في معالم السنن: وضعه أصبعيه على أذنه وعينه عند قراءته: (( سَمِيعًا بَصِيرًا )) معناه: إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه، لا إثبات العين والأذن، لأنهما جارحتان والله سبحانه موصوف بصفاته منفياً عنه ما لا يليق به من صفات الآدميين ونعوتهم، ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. انتهى. ورد عليه بعض العلماء فقال: قوله: لا إثبات العين والأذن.. إلى آخره، ليس من كلام أهل التحقيق، وأهل التحقيق يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، ولا يبتدعون لله وصفاً لم يرد به كتاب ولا سنة، وقد قال تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وقال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]). فقد ورد إثبات العين لله عز وجل، وأما الأذن فلم يرد فيها إثبات ولا نفي، فلا يجوز التكلم فيها لا إثباتاً ولا نفياً؛ لأن هذا شيء غير معلوم ولم يأت به نص، ومعلوم أن صفات الله عز وجل وما يضاف إليه هو من علم الغيب ولا يتكلم في الغيب إلا عن طريق الوحي، ولم يأت وحي بذكر الأذن، فلا يجوز إثباتها ولا نفيها؛ لأن الله تعالى أعلم بذاته وصفاته، فلا يضاف إليه شيء ما ورد، ولا ينفى عنه شيء لا يعلم عنه هل هو متصف به أو غير متصف به؛ لأن الله تعالى بيَّن من صفاته ما بين وسكت عما سكت عنه. وقوله: ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض؛ كلام مبتدع مخترع لم يقله أحد من السلف لا نفياً ولا إثباتاً، بل يصفون الله بما وصف به نفسه ويسكتون عما سكت عنه، ولا يكيفون ولا يمثلون ولا يشبهون الله بخلقه، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله تشبيهاً، وإثبات صفة السمع والبصر لله حق كما قرره الشيخ. انتهى كلامه. قلت: ما قاله هو الحق، وما قاله الخطابي ليس من كلام أهل التحقيق، وعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ، وإعلام الموقعين، واجتماع الجيوش، والكافية الشافية، والصواعق المرسلة، وتهذيب السنن كلها لابن القيم رحمه الله، وكتاب العلو للذهبي ، وغير ذلك من كتب المتقدمين والمتأخرين.
نقل كلام الحافظ ابن حجر في الكلام على الصفات


فائدة: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل: كيف استوى على العرش؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم. وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي أنه قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] فقال: هو كما وصف نفسه. وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله! الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه، فقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، كما وصف به نفسه، ولا يقال: كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وما أراك إلا صاحب بدعة، أخرجوه! وفي رواية عن مالك : والإقرار به واجب، والسؤال عنه بدعة. وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال: كان سفيان الثوري و شعبة و حماد بن زيد و حماد بن سلمة و شريك و أبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون، ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون: كيف؟ قال أبو داود: وهو قولنا، قال البيهقي : وعلى هذا مضى أكابرنا. وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني أنه قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفصيل، فمن فسر شيئاً منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وفارق الجماعة؛ لأنه وصف الرب بصفة لا شيء. هذا هو تفسير الجهمية الذي نتيجته وصف الله بأنه لا شيء، ومعناه أن النهاية أن يقال: إنه لا وجود للذات، لأن الصفات قد نفيت عنها. فالتفسير الذي ذمه محمد بن الحسن هو تفسير الجهمية، وليس بيان المعنى وتوضيح المعنى. قال: ومن طريق الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي و مالكاً و الثوري و الليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة، فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. وأخرج ابن أبي حاتم عن الشافعي أنه يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. وأسند البيهقي عن أبي بكر الضبعي أنه قال: مذهب أهل السنة في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] قال: بلا كيف. والآثار فيه عن السلف كثيرة، وهذه طريقة الشافعي و أحمد بن حنبل . وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول: وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات. وقال في باب فضل الصدقة: تثبت هذه الروايات ونؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال: كيف؟ كذا جاء عن مالك و ابن عيينة و ابن المبارك أنهم قالوا: أمروها بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا: هذا تشبيه! وقال إسحاق بن راهويه : إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد، وسمع كسمع. وقال في تفسير المائدة: قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم الثوري و مالك و ابن عيينة و ابن المبارك. وقال ابن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ولم يكيفوا شيئاً منها، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا: من أقر بها فهو مشبه. وقال إمام الحرمين: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الله تعالى. هذه العبارة المنقولة عن إمام الحرمين في تفويض المعاني إلى الله غير صحيحة، بل المعاني معلومة، ومعلوم أن السمع غير البصر، والبصر غير الاستواء، والاستواء غير الكلام، وكل هذه المعاني فهمها الصحابة؛ لأنهم خوطبوا بالقرآن وهو بلغتهم، ولم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المعاني لأنهم قد فهموها، فلا يفوض المعنى ولكن يفوض الكيف. قال إمام الحرمين: والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة؛ للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة، فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عهد الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع. انتهى. وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث، وهم فقهاء الأمصار كالثوري و الأوزاعي و مالك و الليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة؟! انتهى كلام الحافظ رحمه الله. وهذا الكلام الأخير الذي ذكره الحافظ بعد كلام إمام الحرمين كلام عظيم جميل لو سلم من الأمور الأخرى التي جاءت في الفتح من ذكر أمور غير واضحة تدل على أنه ليس ثابتاً على عقيدة مستقرة فيما يتعلق بالأسماء والصفات.

الأسئلة



علاقة الجعد بن درهم بلبيد بن الأعصم


السؤال: هل صحيح أن الجعد بن درهم يرجع نسبه إلى لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا أعرف أنه يرجع إليه، ولكن الذي أعرف أنه أخذ عقيدته عن لبيد بن الأعصم ، أي أنه أخذ هذا المذهب عن اليهود، وهذا هو الذي ذكره بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام.

المسافة بين كل سماء وسماء


السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: (إن ما بعد ما بينهما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة) أي بين كل سماء وسماء، ألا يعارض هذا ما روي أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام؟ الجواب: بلى يعارضه، لكن حديث الأوعال غير ثابت، أو يقال: جاء ذكر السبعين على سبيل التكثير.

مقياس المسافة بين السماوات


السؤال: هل المقصود بالمسافة المذكورة بين السماوات في الحديث هي التي يقطعها الإنسان برجله أو على الدابة؟ الجواب: الناس كانوا يعرفون سير الدواب، وكان التقدير بذلك في الغالب لا بسير الأقدام؛ لأن الأقدام لا يحصل بها قطع المسافات الشاسعة وإنما يكون على الدواب. وهذه المسافات الشاسعة قطعها الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة ذهاباً وإياباً حين عرج به إلى السماء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، حتى وصل إلى ما فوق السماوات وكلمه ربه وفرض عليه الصلوات الخمس، وهذا يدل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل أقدر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن رفعه إليه وتجاوزها في ليلة واحدة؛ لأنه ذهب في الليل ورجع في الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأيضاً هذا من الأمور الغيبية، وهذا يدل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى. وأيضاً: قد حصل لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام من الملك ما لم يحصل لغيره، ولا يكون لأحد من بعده، وذلك أن الله تعالى سخر له الريح، وسخر له الجن والإنس والطير، حتى أتي إليه العرش الذي كان في اليمن قبل أن يرتد إليه طرفه وهو بالشام، قال الله: قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:39-40]، وهذا شيء لم يحصل في هذا الزمان الذي ظهر فيه التقدم في الصناعة، ولن يصلوا إلى ذلك أبداً؛ لأن هذا الذي حصل لسليمان ملك أعطاه الله له ولن يعطيه أحداً من بعده، وهذا من كمال قدرة الله سبحانه وتعالى.

حكم تفسير صفة الاستواء بالجلوس


السؤال: هل يصح أن يفسر الاستواء في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] بالجلوس؟ الجواب: الاستواء أكثر ما ورد فيه أنه الارتفاع والعلو، وقد جاء عن السلف أربع كلمات في معناه وهي: علا، وارتفع، وصعد، واستقر. فهذه الأربع الكلمات هي التي جاءت عن السلف، وقد ذكرها ابن القيم في نونيته، ولكن أكثر ما جاء عنهم التعبير بعلا وارتفع، لكن هذا العلو وهذا الارتفاع لا يعلم كنهه وكيفيته؛ لأن الذات لا تعلم كيفيتها فكذلك صفاتها لا تعلم كيفيتها، كما يقول بعض العلماء: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أننا نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فيجب علينا أن نثبت له صفات لا تشبه الصفات، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات."




ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:25 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [534]
الحلقة (564)





شرح سنن أبي داود [534]

أهل السنة والجماعة يثبتون رؤية الله تعالى في الآخرة، وهي أعظم نعيم في الجنة للمؤمنين، وقد ثبتت بالنصوص القرآنية المحكمة والأحاديث المتواترة، وإنما ينكرها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والخوارج وغيرهم ممن يأخذون بالمتشابه ويتركون المحكم.

رؤية الله عز وجل


شرح حديث جرير بن عبد الله في الرؤية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرؤية. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير و وكيع و أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلوساً، فنظر إلى القمر ليلة البدر، ليلة أربعة عشرة، فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ هذه الآية: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]). قوله: [ باب في الرؤية ] أي في رؤية الله عز وجل، وكون المؤمنين يرونه بأبصارهم يوم القيامة، والرؤية حق، فإنها ثابتة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه تدل على ثبوت الرؤية في الدار الآخرة. وأما بالنسبة للدنيا فقد شاء الله عز وجل ألا يُرى، وادخر للمؤمنين رؤيته إلى الدار الآخرة؛ لأن رؤيته تكون أعظم نعيم لأهل الجنة، فجعلت في دار النعيم، ولم يجعلها الله عز وجل في الدنيا، ولو شاء لفعل، فرؤيته في الدنيا ممكنة ولكنه شاء أن يجعلها في الدار الآخرة، وأن تكون غيباً يستعد الموفقون له بالأعمال الصالحة التي توصلهم إلى ذلك النعيم، فإن أعلاه وأكمله النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى. وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) وهو حديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وهو يدل على أن رؤية الله عز وجل لا تحصل في الدنيا، وأن الله تعالى شاء ألا يُرى إلا في الآخرة.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا


أما بالنسبة لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد اختلف في رؤيته لربه ليلة المعراج، ولكن القول الصحيح الذي دلت عليه الأدلة أنه لم يره، ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، أو: (إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت)، فالراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولما سئل عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ ما قال: نعم. رأيت ربي! ولكنه قال: (رأيت نوراً)، وفي رواية أنه قال: (نور أنى أراه؟) يعني أنه إنما رأى نور الحجاب الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فهذه الأدلة تدل على أنه ما رأى ربه، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه لبين ذلك، وقال: نعم رأيت ربي. وجاء في حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام، أما في اليقظة فلا.
الحكمة من تأخير رؤية الله إلى الآخرة


الرؤية هي النعمة العظيمة والفائدة الكبيرة، ولم يجعلها الله لأحد في الدنيا حتى تبقى غيباً، وحتى يستعد كل مسلم للظفر بها والحصول عليها، كما أن أمور الآخرة قد أخفاها الله عز وجل عن الناس ولم يطلعهم عليها ولا على ما في الجنة من النعيم، ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة وهو يصلي بالناس، ورأى عناقيد العنب متدلية فمد يده ليتناول قطفاً منها، وكان الصحابة وراءه يصلون، فرأوا يده الكريمة تمتد ولم يروا الذي مدت إليه، ثم إنه عرضت عليه النار فرجع القهقرى ولم يعرفوا لماذا فعل ذلك، ولما فرغ سألوه عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (مددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا). وقد شاء الله عز وجل أن تكون أمور الآخرة غيباً، وألا تكون علانية؛ لأنها لو كانت علانية لم يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن بالغيب.
ذكر بعض الأدلة القرآنية على الرؤية

أهل السنة والجماعة قد أجمعوا واتفقوا على ثبوت رؤية الله عز وجل في الدار الآخرة، وخالف في ذلك بعض المبتدعة فقالوا: إن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. ومما جاء في القرآن الكريم دالاً على ثبوت الرؤية لله عز وجل، قوله سبحانه وتعالى في سورة القيامة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فإن (ناضرة) الأولى من النضرة وهي البهجة والسرور، أي أن وجوههم فيها نضرة وجمال، وفيها إضاءة وإشراق، كما قال الله عز وجل: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:24]. وقوله: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، هي من النظر، وهي معداة بإلى، أي أنها تنظر إلى ربها، والنظر إذا عدي بإلى فإنه يكون بالأبصار، وإذا عدي بفي فإنه يكون بالتفكر والاعتبار كما في قوله: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185] أي: يتفكروا ويعتبروا. وكذلك جاء في القرآن الكريم قول الله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] أي الكفار، قال الشافعي رحمة الله عليه: فلما حجب هؤلاء في حال السخط، دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا. وقال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وقد جاء في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله تعالى عنه. وكذلك قول الله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، فإن هذه الآية تدل على أنه يُرى لكنه لا يحاط به رؤية، كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً، فالناس يعلمون عن الله عز وجل ولكن لا يحيطون به علماً، وكذلك المؤمنون يرونه في ولا يحيطون به رؤية، فنفي الإدراك شيء خاص، وهو قدر زائد على الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فإذا نفي الإدراك الذي هو الإحاطة، فإن نفيه لا يستلزم نفي الأعم الذي هو الرؤية، فإن الله تعالى يرى ولا يدرك. ومن أهل العلم من قال: إن قوله: (( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ )) أي: في الدنيا، فهي لا تدركه في الدنيا، وإنما تدركه في الآخرة.
الرد على منكري الرؤية


قوله تعالى: (( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ )) هو مما يستدل به أهل البدع الذين ينفون الرؤية عن الله مطلقاً في الدنيا والآخرة، وهم المعتزلة والخوارج والجهمية وغيرهم من المبتدعة الذين يأخذون المتشابه ويتركون المحكم، ومن المحكم قوله: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، فإنه دليل صريح على إثبات الرؤية. وكذلك يستدلون بقول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143]))[الأعراف:143]. فموسى لما سمع كلام الله اشتاق إلى رؤيته، وطمع فيها فسألها، فقال له الله: (( لَنْ تَرَانِي )) أي: في الدنيا، وموسى عليه الصلاة والسلام ما سأل الله أمراً مستحيلاً لا يتصور حصوله، ومن المستحيل أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام لا يعلم أن رؤيته تعالى مستحيلة ثم يسألها، وإنما سأل أمراً ممكناً وليس مستحيلاً، ولكن منعه الله مما سأل لكونه عز وجل شاء ألا يرى إلا في الدار الآخرة. وأيضاً: أبصار الناس في هذه الحياة ليس عندها القدرة أمام تجلي الله عز وجل والنظر إليه، ولو أراد عز وجل لأعطاهم من القدرة في الدنيا ما يتمكنون به من رؤيته؛ ولهذا يعطيهم القدرة في الدار الآخرة. ثم أيضاً علق ذلك على استقرار الجبل مكانه أمام تجلي الله عز وجل، ولكنه اندك، وإذا اندك الجبل مع صلابته وقوته ولم يثبت أمام تجلي الله عز وجل، فالإنسان الذي هو من لحم ودم وعظام أولى ألا يثبت، قال تعالى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، وعلى هذا فإن الآية لا تدل على نفي الرؤية عن الله عز وجل مطلقاً، وإنما تدل على النفي في الدنيا، وأما بالنسبة للآخرة فهي ثابتة بالآيات الواضحة الجلية، وبالأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ عدد الصحابة الذين رووها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يقرب من ثلاثين صحابياً، وقد أورد ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه ((حادي الأرواح)) وذكر أسماء الصحابة أولاً، ثم سرد أحاديثهم.
معنى تشبيه رؤية الله برؤية القمر ليلة البدر


أورد أبو داود رحمه الله بعض الأحاديث في رؤية الله عز وجل في الدار الآخرة، فأورد أولاً حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. قوله: [ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً، فنظر إلى القمر ليلة البدر ] يعني: في ليلة من الليالي، وبين ذلك بأنه ليلة أربع عشرة من الشهر، وهي إحدى ليالي الإبدار؛ لأن ليالي الإبدار هي في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، حيث يكون القمر فيها مستديراً، ويكون ضوءه شديداً، وتستمر الإضاءة أكثر الليل. قوله: [ فقال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامُّون في رؤيته) ] معناه: لا تتزاحمون على رؤيته، فلا يلتصق بعضكم ببعض وينضم بعضكم إلى بعض ليراه كل أحد، فإنكم كلكم ترونه، ومما يوضح ذلك ويقربه أن ذلك كما ترون هذا القمر. وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية وليس للمرئي بالمرئي، فليس تشبيهاً لله بالقمر، وإنما هو تشبيه لرؤية الله عز وجل التي تحصل في الآخرة بهذه الرؤية المحققة التي تحصل لكل أحد منكم، فهو من قبيل إثبات الرؤية وتشبيهها بالرؤية، وليس من قبيل تشبيه المرئي بالمرئي. وفي بعض الروايات: (لا تُضَامُون في رؤيته) أي: لا يحصل الضيم لأحد منكم بأن لا تحصل له الرؤية، فرؤية الله عز وجل حاصلة للجميع في الآخرة كما أن رؤية القمر حاصلة في الدنيا، أي أنه يراه سبحانه وتعالى في الآخرة كل من شاء سبحانه أن يراه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى عمل من الأعمال الصالحة التي هي من أسباب تحصيل الثواب الجزيل، الذي أعلاه وقمته النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فقال: (فإن استطعتم ألا تغلبوا) معناه: إن استطعتم ألا يغلبكم أحد، وذلك بأن تكونوا من السابقين إلى الإتيان بهاتين الصلاتين: صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها، ومقصوده بذلك العصر والفجر، وكل الصلوات مطلوبة، ولكن هاتان الصلاتان نص عليهما لأنه يحصل فيها اجتماع الملائكة، كما ثبت في الصحيح: (يتعاقبون فيكم ملائكة في الليل وملائكة في النهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر) فيشهدهما الملائكة الذين يبدءون والذين ينتهون، فالذين يأتون يحضرون هذه الصلاة، والذين سيصعدون وقد انتهت مهمتهم يحضرون هذه الصلاة، فتجتمع المجموعتان من الملائكة المتعاقبة في هاتين الصلاتين. ثم إن هاتين الصلاتين جاء التنصيص عليهما؛ لأن الفجر تكون في آخر الليل، عندما يكون الناس قد طاب لهم الفراش، ولذ لهم المنام، لاسيما إذا كان في الشتاء، فيكونون في مكان دافئ، والإنسان الذي يوفقه الله عز وجل يترك هذا الذي يعجبه وترتاح إليه نفسه من الدفء، ويسعى إلى الصلاة، ليحصِّل الأجر والثواب، ولهذا جاء في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، أي: الصلاة خير من النوم الذي طاب لكم وارتحتم إليه واستغرقتم فيه. والعصر تكون في آخر النهار، أي وقد تعب الناس وكدحوا في الأعمال، فالذي لا يبالي ولا يهمه شأن الصلاة يمكن أن ينام ويتركها.
تراجم رجال إسناد حديث جرير بن عبد الله في الرؤية


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن أبي حازم ]. وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قيل عنه: إنه تيسر له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة أو غالبية العشرة المبشرين بالجنة. [ عن جرير بن عبد الله ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أبي هريرة في الرؤية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه سمعه يحدث عن أبي هريرة قال: قال ناس: (يا رسول الله! أنرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: والذي نفسي بيده! لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم سأله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم: (أنرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب؟)، يعني ليس هناك سحاب يمنع من رؤيتها، بل هي واضحة جلية، وذلك في منتصف النهار. قوله: [ (هل تضارون) ] يعني: هل يضر بعضكم بعضاً من أجل أن تتمكنوا من رؤيتها، أم أن كلاً يراها دون أن يكون بحاجة إلى أن يزاحم غيره بحيث يتضرر به بسبب الازدحام؟ والمعروف أنهم يرون الشمس إذا لم يكن دونها سحاب بسهولة ويسر، وبدون تعب ومشقة، وبدون مضرة تحصل لأحد؛ لأنها في السماء، وهي آية من آيات الله، وإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله، فأولى أن يرى الله عز وجل وهو الخالق لكل شيء ولا يتضرر الناس في رؤيته. وكذلك القول بالنسبة للقمر ليلة البدر ليس في سحاب، فهذا الحديث كالذي قبله فيه تشبيه الرؤية بالرؤية، وليس تشبيه المرئي بالمرئي. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرر لهم هذا الشيء وأخبرهم أنه لا يحصل لهم تضار في رؤية الشمس ولا رؤية القمر، أقسم وقال: (والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته)، ومعناه: أن رؤية الله في الآخرة محققة لكم كما أن رؤيتكم للشمس والقمر في الدنيا محققة. وهذا من كمال بيانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لأنه أثبت لهم الرؤية بهذا التمهيد الذي يتضح به الأمر، لأنهم لما سألوه عنها سألهم: هل يضارون في رؤية الشمس في الظهيرة؟ وهل يضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ ولما تقرر لهم أن هذا أمر محقق، قال: إن رؤيتكم لله عز وجل أمر محقق، كما أن هذا الذي تشاهدونه وتعاينونه أمر محقق، وهو عليه الصلاة والسلام أكمل الناس بياناً وأفصحهم لساناً.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الرؤية


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري عنه مقرونة. [ عن أبيه ]. أبو صالح السمان ، وهو ذكوان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث أبي رزين في الرؤية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ، ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة المعنى، عن يعلى بن عطاء عن وكيع -قال موسى : ابن عدس - عن أبي رزين -قال موسى : العقيلي - قال: قلت يا رسول الله، أكلنا يرى ربه، قال ابن معاذ : مخلياً به يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: (يا أبا رزين ! أليس كلكم يرى القمر، قال ابن معاذ : ليلة البدر مخلياً به؟ -ثم اتفقا- قلت: بلى، قال: فالله أعظم، قال ابن معاذ : قال: فإنما هو خلق من خلق الله، فالله أجل وأعظم) ]. أورد أبو داود حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، أنه قال: قلت يا رسول الله! أكلنا يرى ربه قال ابن معاذ : مخلياً به يوم القيامة؟ يعني أن في رواية ابن معاذ زيادة: (مخلياً به يوم القيامة) أي: رؤية مستقلة، وليس معنى ذلك أنه لا يشاركه أحد في الرؤية، ولكنه يراه كل أحد وهو في موقعه وفي مكانه، كما أن القمر يراه كل أحد وهو في مكانه، فيراه وهو خال وحده، ويراه ومعه غيره، وإذا كانوا مع بعض لا يتزاحمون، ويراه المسافر في الفلاة، ويراه الذي يكون نازلاً في البر، والذي يكون في المدن أو في أي مكان؛ لأنه فوق الجميع. قوله: [ (وما آية ذلك في خلقه؟) ] أي: ما علامة هذه الرؤية في خلق الله عز وجل؟ وهذا السؤال فيه بيان أنه طلب منه أن يوضح له ذلك بمثال من آيات الله عز وجل، ومن آيات الله عز وجل الليل والنهار والشمس والقمر، فالشمس والقمر هما من آيات الله الدالة على كمال قدرته، فطلب آية من آيات الله الكونية، والآية هي العلامة، فهو يريد أن يعرف علامة في الخلق ومثالاً يوضح أن رؤية الله يوم القيامة تتحقق كما يتحقق الشيء الذي يضرب به المثل، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن ما يحصل لهم في القمر، وأنه يراه كل أحد مخلياً به، وكذلك تكون رؤية الله يوم القيامة، بل قد قال ما يوضح أنها أولى فقال: (فالله أعظم).
تراجم رجال إسناد حديث أبي رزين في الرؤية


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة بن دينار البصري ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ وحدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن عطاء ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وكيع ، قال : موسى : ابن عدس ]. أي: موسى بن إسماعيل الذي هو الشيخ الأول، والمعنى أنه نسبه فقال : وكيع بن عدس ، وأما عبيد الله بن معاذ فقد قال : (عن وكيع) فقط، ولم ينسبه، فأبو داود لما ذكر رواية الشيخين ذكر الذي نسبه والذي لم ينسبه. ووكيع بن عدس مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي رزين قال موسى : العقيلي ]. وهو لقيط بن صبرة العقيلي ، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. وموسى نسب أبا رزين هنا فقال: العقيلي ، كما نسب وكيعاً ، وأما ابن معاذ فإنه لم ينسبهما، وهذا فيه بيان دقة المحدثين، وأن الشخص إذا حصل منه تميز في شيء فإنهم ينبهون على ذلك."



ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:28 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [535]
الحلقة (565)





شرح سنن أبي داود [535]

أهل السنة والجماعة يثبتون صفة اليد لله تعالى، وكذا صفة النزول إلى السماء الدنيا، ولم ينكر هاتان الصفتان إلا المبتدعة من الجمهية وغيرهم. وقد رد أهل السنة على المبتدعة بالحجج البينة والنقول السلفية الصحيحة.

الرد على الجهمية



شرح حديث (يطوي الله السماوات يوم القيامة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرد على الجهمية. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة قال: قال سالم : أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن -قال ابن العلاء : بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟). أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرد على الجهمية ، وقد سبق قبل ذلك باب في الجهمية، والموضوع واحد، وقد جاء هذا الباب في نسخة صحيحة كما ذكر صاحب عون المعبود، وفي غالب النسخ لا يوجد هذا الباب، ولكن إذا حذف هذا الباب على ما هو في أكثر النسخ، فإن الأحاديث التي فيه لا تناسب باب الرؤية، بل هي تتعلق بالرد على الجهمية ، قال: ولعل هذا من عمل النساخ، يعني التقديم والتأخير، وإلا فإن الترجمة مكررة مع السابقة، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالجهمية وبيان فساد مذهبهم، وكان أغلب ما جاء في ذلك من النصوص يتعلق بعلو الله عز وجل وفوقيته واستوائه على عرشه؛ فإن الجهمية ينكرون صفات الله عز وجل ويؤولونها، وهذان الحديثان اللذان أوردهما المصنف في هذا الباب يتعلقان بموضوع صفات الله عز وجل، وهما مثل ما تقدم في الباب الذي سبق، وهو باب في الجهمية . أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى). الطي ضد البسط، وفي قوله: (ثم يأخذهن بيده اليمنى) إثبات اليد لله عز وجل، وإثبات أن لله يدين، فهنا ذكر اليد اليمنى، ثم قال: (بيده الأخرى). وقد جاء في القرآن الكريم أن لله يدين، قال تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، فلله عز وجل يدان حقيقيتان، وهما من صفاته الذاتية القائمة بذاته سبحانه وتعالى. والواجب هو الإيمان والتصديق بسائر الصفات على طريقة واحدة، وهي أن يثبت لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل هو إثبات مع التنزيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر في قوله: (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))، ونفى المشابهة في قوله: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، وصفاته ثابتة له كما يليق به سبحانه وتعالى، ولا يجوز نفيها عنه، ولا تحريفها ولا تعطيلها. فالحديث فيه إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى، والجهمية ينكرون ذلك، ويؤولون كل الصفات الثابتة. قوله: [ (ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) ] في ذلك اليوم لا يكون هناك تجبر ولا تكبر، لأن التجبر والتكبر إنما يكونان في الدنيا، أما في ذلك اليوم فيكون الجميع خاضعين لله عز وجل، وقد سبق أن أشرت قريباً إلى أن قول الله عز وجل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فيه نص على ملكه يوم الدين مع أنه مالك كل شيء، لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، فلا يوجد تكبر وتجبر، ولهذا قال هنا: (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) أي الذين كانوا كذلك في الدنيا. قوله: [ (ثم يطوي الأرضين، ويأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) الله هو المالك لكل شيء، والسماوات والأرض كلها ملك الله، والدنيا والآخرة كلها ملك الله، والله تعالى هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو المتصرف في كل شيء سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث (يطوي الله السماوات يوم القيامة)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، و محمد بن العلاء هو أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة ]. أبو أسامة مر ذكره، و عمر بن حمزة ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قال: قال سالم ]. سالم هو ابن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه ضعف، ولكن قد جاء من طريق أخرى، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه في القرآن أيضاً.
شرح حديث (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النزول، وأحاديث النزول متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على علو الله عز وجل، وتدل على أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وأنه ينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ والمقصود من إيراد الحديث هنا هو ذكر النزول، وهو من صفات الله عز وجل الفعلية؛ لأنه متعلق بالمشيئة والإرادة، أما الصفات الذاتية فلا تتعلق بمشيئة ولا إرادة. والنزول كغيره من الصفات يقال فيها: كل ما هو ثابت لله في الكتاب والسنة يجب إثباته على الوجه اللائق بكماله وجلاله، ولا يسأل عن كيفيته، لأن الذات لا تعرف كيفيتها، فلا يعرف كيفية الصفات التي تتصف بها، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أننا نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات، ولا نسأل عن كيفيتها، فكذلك نثبت له الصفات على الوجه اللائق بكماله وجلاله دون أن نسأل عن الكيفية ودون أن يحصل تشبيه، ودون أن يحصل تنزيه يؤدي إلى التعطيل، وإنما هو تنزيه مع الإثبات الذي يكون مطابقاً لما جاء في قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. وإذا كانت الذات لا يعلم كنهها، فلا يعلم كيفية نزولها، والله عز وجل فوق العرش، وينزل كما يليق به، ومعلوم أن المخلوقات لا تحوي الله عز وجل، وأنه لا يكون حالاً في المخلوقات، ولا تكون المخلوقات حالة فيه، وإنما نثبت كل ما جاء في الكتاب والسنة على ما يليق بالله، دون أن نبحث عن الكنه والكيفية. ذكر عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال لشاب عندما سمعه يتكلم في ذات الله وصفاته ويشبهها: صف لي طائراً بثلاثة أجنحة، كيف ركب الثالث؟ فسكت الشاب. فقال له: كيف بخلقٍ من خلق الله وهو جبريل له ستمائة جناح، كيف ركبت؟ فسكت الشاب، فقال ابن مهدي : كيف تتكلم في ذات الله؟ قيل: فتاب الشاب من التشبيه! وهذا الأثر رواه اللالكائي، وهو مثال طيب، فإذا كان هذا مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، جاء وصفه بأن له هذه الأجنحة، ومع ذلك لا يعرف الإنسان كيف ركبت؛ لأنه لا يعرف ذات الملك حتى يعرف اتصافه بتلك الصفة، والله عز وجل أخفى عن الناس الملائكة وكيفيتهم، وإذا رأوهم فإنما يرونهم بصورة البشر، كما جاءوا إلى إبراهيم وإلى لوط، وجاء جبريل إلى مريم، وجاء إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بصورة رجل من أصحابه، وبصورة رجل غير معروف، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم على الكيفية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وقد رآه فوق السماوات عندما عرج به إلى السماء صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله، فالواجب أن يسكت عن التفكير في كيفية ذات الله سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، وهو من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الله الأغر ]. هو سلمان الأغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
الأسئلة



تسمية يد الله الأخرى باليسرى


السؤال: هل تصح تسمية اليد الأخرى لله سبحانه باليسرى أو بالشمال؟ الجواب: جاء في صحيح مسلم تسميتها بالشمال، قال: (ويأخذ الأرضين بشماله) فلا يمنع من ذلك؛ لأن كونها شمالاً قد جاء به الحديث، ولا يعني أن فيها نقصاً عن اليمين، بل الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين) أي: كل منهما في غاية الكمال، وليست إحداهما أكمل من الأخرى كما في المخلوقين، حيث تكون اليد اليمنى أكمل من الأخرى.

مكان الناس يوم تطوى السماوات والأرض


السؤال: أشكل عليَّ في حديث: (أن الله يطوي السماوات يوم القيامة، ويطوي الأرضين) أين يكون الخلق من الإنس والجن والملائكة في ذلك الوقت؟ الجواب: الله على كل شيء قدير، فهم حيث شاء الله عز وجل أن يكونوا.

الجمع بين النزول والاستواء على العرش


السؤال: يقول أهل الأهواء: إذا تحقق النزول إلى سماء الدنيا، كيف يتحقق الاستواء على العرش، فهل العرش سيكون خالياً؟ الجواب: الله عز وجل فوق العرش، فهو مستوٍ على عرشه وفوق خلقه، وذاته لا نعرف كيفيتها، فلا نعرف كيفية استوائه ولا نعرف كيفية نزوله، ولكن لا يقال: إنه بنزوله تحويه السماوات، فالله أعظم وأجل من أن يحويه شيء من خلقه، وإذا كانت السماوات والأرضون على ضخامتها كالخردلة أمام عظمة الله عز وجل فلا يقال: إنه يحويه شيء من مخلوقاته، والذات لا يعلم كنهها وصفاتها إلا الله، ولكن كل ما ثبت وكل ما ورد يثبت ولا يبحث عن الكيفية، ولا يقال: إن العرش يخلو منه إذا نزل، بل الله فوق العرش وينزل.

هل يستمر النزول لله بانتقال ثلث الليل الآخر


السؤال: إن ثلث الليل الآخر يختلف بالنسبة من مكان إلى مكان، فهل معنى ذلك أن الله يكون دائماً في نزول؟ الجواب: ثلث الليل الآخر هو الوقت الذي يتجلى فيه الله عز وجل، وينزل فيه ويقول: من يسألني فأجيبه؟ ومعنى ذلك أن ثلث الليل الآخر في أي مكان هو الوقت الذي فيه نزول الله عز وجل، ويشرع للإنسان أن يسأل الله عز وجل، وأن يستغفره، ولا يقال: إن هذا النزول لمكان معين، وإن الباقين لا نصيب لهم؛ لأن كلاً عنده ليل ونهار، وعنده آخر الليل، ومن استراح في نومه وفي ليله، فإنه يقوم في ثلثه الآخر، وهو الوقت الذي ينزل الله عز وجل فيه، ويقول: من يسألني فأجيبه؟ من يستغفرني فأغفر له؟

معنى انتهاء البصر في حديث (حجابه النور)


السؤال: جاء في الحديث: (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فهل يعني هذا أن هناك من خلقه من لا يصل إليه هذا البصر؟ الجواب: ليس كذلك، بل معناه أن كل شيء من خلقه يذهب؛ لأن بصر الله عز وجل نافذ في كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، وهذا بيان أن الحجاب من النور لو كشف لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وليس معنى ذلك أن هناك شيئاً يحجب عن الله، وأن الله تعالى لا يراه، فإن الله تعالى يرى كل شيء، ويسمع كل شيء، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

معنى الدعاء بلذة النظر إلى وجه الله من غير مضرة


السؤال: ما معنى هذا الدعاء: (اللهم ارزقني لذة النظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة)؟ الجواب: يعني ألا يحصل له ضر أو مضرة ولا فتنة مضلة في الدنيا تكون سبباً في المنع من الوصول إلى هذه النعمة العظيمة، وهي لذة النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فيسأل الإنسان لذة النظر؛ لأن لذة النظر هي أكبر نعيم يكون لأهل دار النعيم، (من غير ضراء مضرة) يعني في الحياة الدنيا، (ولا فتنة مضلة) تكون سبباً في عدم الوصول إلى هذه النعمة كما ذكرنا.

السيد من أسماء الله


السؤال: هل السيد اسم من أسماء الله؟ الجواب: نعم هو من أسماء الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (السيد الله).

رؤية الله في عرصات القيامة


السؤال: هل يرى الخلق ربهم يوم القيامة؟ الجواب: اختلف العلماء في الرؤية على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه في العرصات يراه المؤمنون والكافرون والمنافقون. ومنهم من قال: يراه المنافقون والمؤمنون دون الكافرين. ومنهم من قال: يراه المؤمنون دون الكافرين والمنافقين. فهي ثلاثة أقوال، وقد ذكرها ابن القيم في حادي الأرواح، ورجح أن الكل يراه، ولكن هذه الرؤية ليس فيها تنعم، وإنما فيها من يتنعم وفيها من يتضرر، فهي مثل الكلام، فالكلام من الله يكون فيه تنعم، ويكون فيه توبيخ وتقريع، قال الله عز جل: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، فإن قوله: اخْسَئُوا فِيهَا [المؤمنون:108] كلام سمعوه، ومع ذلك ما تلذذوا به ولا استفادوا، وإنما أنبوا وقرعوا، وتكليمه للمؤمنين فيه مسرة ولذة، فكذلك رؤيته تعالى."



ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:32 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [536]
الحلقة (566)





شرح سنن أبي داود [536]

القرآن كلام الله، والكلام صفة من صفاته، فهو يتكلم متى شاء وكيف شاء بحرف وصوت يسمعه من يشاء، ولا يجوز أن يقال: إنه مخلوق، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى.

القرآن كلام الله


شرح حديث جابر في إثبات صفة الكلام


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القرآن. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف، فقال: (ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي) ]. القرآن هو من كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل لا ينحصر ولا يتناهى؛ لأن الله عز وجل لا بداية له فلا بداية لكلامه، ولا نهاية له فلا نهاية لكلامه. وقد جاء في القرآن ما يبين ذلك في آيتين من سورة الكهف وسورة لقمان، ففي سورة الكهف قوله الله عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، وفي سورة لقمان: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27]. فهاتان الآيتان تدلان على أن كلام الله تعالى لا يتناهى ولا ينحصر؛ لأن المتكلم لا بداية له ولا نهاية له فإذاً لا حصر لكلامه، وقد أوضح الله عز وجل في هاتين الآيتين ما يبين عدم تناهي كلامه، بكون البحور الزاخرة والمحيطات الواسعة لو أنها كانت حِبراً ومداداً يكتب به كلام الله، ثم ضوعفت أضعافاً مضاعفة؛ فإن ذلك المداد سينفد وينتهي دون أن تنتهي كلمات الله، فقوله: (( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي )) أي: مداداً يكتب به، (( لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ )) يعني: ولا تنفد، لأن كلام الله عز وجل لا ينفد، (( وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ))، والآية الثانية: (( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ )) يعني: يضاعفه أضعافاً مضاعفة، (( مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ )) يعني: لو كتب كلام الله عز وجل بهذه البحور المضاعفة والأقلام، ما نفدت كلمات الله، ونفدت الأقلام والبحور! والقرآن هو من كلامه، والكتب التي أنزلها على المرسلين هي من كلامه، والقرآن من أوله إلى آخره -من الفاتحة إلى الناس- يكتب بمحبرة صغيرة، لكن البحور كلها لو كانت حبراً لنفدت ولا ينفد كلام الله عز وجل؛ لأنه لا حصر له ولا نهاية. ثم إن الله عز وجل متكلم بلا بداية، لم يكن غير متكلم ثم تكلم، بل كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم إذا شاء، متى شاء، كيف شاء، يقول العلماء: إن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، بمعنى أنه متكلم في الأزل بلا ابتداء، ولكن لا يقال إن كلامه كله في الأزل، وإنه لا يتعلق بالمشيئة والإرادة، بل هو متعلق بالمشيئة والإرادة، والله عز وجل كلم موسى في زمانه، وقد سمع موسى كلام الله من الله، فطمع في الرؤية فسألها، وأخبر بأنها لا تحصل في الحياة الدنيا، ولهذا يقال له: كليم الرحمن، والله عز وجل يقول: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]. وكلم الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء في زمانه، ويكلم الله أهل الجنة إذا دخلوا الجنة، فإذاً كلامه لموسى هو من آحاد كلامه الذي لا حصر له ولا نهاية، وكلامه لمحمد صلى الله عليه وسلم هو من آحاد كلامه. ومعنى حادث الآحاد أنه يحصل وفقاً لمشيئته وإرادته في أي زمن. وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، فهم يثبتون أن الله تعالى يتكلم، وكلامه الألفاظ والمعاني، ليس كلام الله الألفاظ دون المعاني، ولا المعاني دون الألفاظ، بل هو مجموع الأمرين؛ ولهذا فالقرآن معجز بلفظه ومعناه. ولا يقال: إنه مخلوق خلقه الله في مكان وخرج من ذلك المكان كما تقول المعتزلة ، بل الكلام بدأ من الله وظهر من الله، وقد سمعه جبريل من الله عز وجل، وسمعه موسى من الله عز وجل، وسمعه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وأهل الجنة يسمعون كلام الله عز جل إذا دخلوا الجنة. والقرآن يطلق ويراد به القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويطلق ويراد به القراءة، كما في قول الله عز وجل: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18] أي اتبع قراءته، يعني: إذا قرأه جبريل عليك فاستمع، ولا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16]، فإنه سيكون محفوظاً عندك، ولن يفوتك منه شيء، فما عليك إلا أن تصغي وتسمع ولا تحرك لسانك به استعجالاً من أجل أن تحفظه، فكان عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ينصت إلى جبريل عندما يلقي عليه القرآن، ثم يكون قد حفظه، ولم يفته منه شيء. وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) أي: زينوا القراءة بأصواتكم، لأن هذا هو الذي يملكه الناس، وهو تحسين الصوت، ومن المعلوم أن الصوت فعل القارئ والكلام كلام البارئ، فإذا قرأ الإنسان من القرآن، فهناك ملفوظ وهناك تلفظ، فالملفوظ هو كلام الله عز وجل وهو غير مخلوق، والتلفظ هو فعل العبد وكسبه وقراءته وفعله وهو المخلوق؛ لأن حركات الإنسان في القراءة مخلوقة، لأنها فعل المخلوق، والله عز وجل خلق الخلق وخلق أفعالهم، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فهو خالق الذوات، وخالق الصفات التي تكون بالذوات، وخالق الأفعال. إذاً: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني زينوا القراءة، لا القرآن، فإنه في غاية الزين، وفي غاية الكمال، وفي غاية الحسن، وفي غاية الوضوح، ولكنك تزين القراءة التي هي فعلك وكسبك. فالمعتزلة يقولون: إن الله خلق القرآن في محل وبدأ كلامه من ذلك المحل. وأما الأشاعرة فإنهم يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس لا يسمع منه، وما يوجد في المصاحف إنما هو عبارة عن كلام الله وليس كلام الله. وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: القرآن المحفوظ في الصدور، والمحفوظ في السطور، أي محفوظ في المصاحف بالكتابة، هو كلام الله عز وجل لفظه ومعناه، والله تعالى تكلم به، وسمعه جبريل من الله، ونزل به على محمد رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم بلغه للناس، وقد حفظه الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والمعتزلة استدلوا بأدلة من القرآن، وهي شبه وليست أدلة في الحقيقة، مثل قول الله عز وجل: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، قالوا: والقرآن شيء فيكون مخلوقاً. وهذا كلام باطل؛ لأن عموم كل شيء إنما هو بحسبه، فالله عز وجل خالق كل شيء مخلوق، والقرآن ليس مخلوقاً حتى يكون من جملة المخلوقات، لأن صفات الله عز وجل يقال لها شيء، وليست مخلوقة، وإنما الخلق هو نتيجة الصفة كما قال الله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، فكن كلام، والذي يكون هو المخلوق، ورحمة الله عز وجل صفة قائمة بذاته، والجنة هي من آثار تلك الصفة وهي مخلوقة، والمطر من آثار الرحمة وهو مخلوق، فإذاً هناك صفة وهناك آثار للصفة، فالصفة قائمة بالله، ولا يصح أن يقال: مخلوقة، وأما آثارها فإنها من خلق الله سبحانه وتعالى. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله الله عز وجل كان يعرض نفسه في الموقف، أي في الحج وفي مجامع الناس، وكذلك في غير ذلك، ويقول: (ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)، ومحل الشاهد أنه قال: (كلام ربي) الذي هو القرآن، فالقرآن هو من كلام الله عز وجل، فهو يريد أن يبلغه وقريش قد منعته من تبليغه. و أبو داود رحمه الله أورد بعض الأحاديث التي فيها إضافة الكلام إلى الله، والأصل في الإضافة الحقيقة، وليس المجاز. وقد قام عليه الصلاة والسلام وهو بمكة بتبليغ ما أمر به من التبليغ، وأوذي أشد الإيذاء، ولكن الله عز وجل شاء أن يبقى في مكة ، وأن يكون انتقاله من مكة إلى المدينة ، وكان قد عرض عليه أحد الدوسيين قوم أبي هريرة ، وهو الطفيل أن يذهب معه إلى بلاده، وذكر له أن منعة وعندهم قوة، وأنهم سيقومون بنصرته وتأييده، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يقوم بالدعوة في بلده، وذلك لأن الله تعالى شاء أن تكون هجرته من مكة إلى المدينة، وأن يكون انتقاله إلى المدينة ، وليس إلى بلد آخر.
تراجم رجال إسناد حديث جابر في إثبات صفة الكلام


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عن إسرائيل ]. هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن المغيرة ]. ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث عائشة في إثبات صفة ا لكلام


قال المصنف رحمه الله تعال: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير ، و سعيد بن المسيب ، و علقمة بن وقاص ، و عبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة رضي الله عنها، وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث قالت: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى ]. أورد أبو داود حديث عائشة ، وهو قطعة من حديث طويل في قصة الإفك، فاختصره أبو داود هنا وأشار إلى طوله وإلى كثرته بالرواة الأربعة الذين رووه عن عائشة وأن كل واحد عنده ما ليس عند الآخر، وكلٌّ حدَّث بطائفة منه، ولم يميز الزهري كلام هذا من هذا، ولكن كلهم ثقات، وكلهم خرَّج لهم أصحاب الكتب الستة. وقد أتى أبو داود بالعبارة التي هي محل الشاهد من ذلك الحديث الطويل، وهو قول عائشة : ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى؛ لأن قولها: (يتكلم الله) إشارة إلى آيات الإفك التي جاءت في سورة النور، فإنها كلام الله عز وجل. وعبرت بقولها: (يتكلم الله فيّ) أي بهذا الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الكلام الذي فيه براءتها، وكانت رضي الله عنها قد قالت: وكنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، أي: لأن رؤيا الأنبياء وحي. وقد استعظمت أو استكثرت على نفسها أن الله تعالى يتكلم فيها بكلام يتلى، ولكن نزل قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، إلى آخر العشر الآيات، وإنما كانت ترجو وتتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئها الله بها، وهذا من تواضعها، كما هو شأن أولياء الله، حيث يحصل لهم الكمال ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل، ولهذا فإن ابن القيم رحمه الله في كتابه((جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام)) ترجم عند ذكر الآل لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، فترجم لكل واحدة بترجمة مختصرة، وأشار إلى شيء من فضائلها ومناقبها، وكان مما ذكره من ترجمة عائشة أن أشار إلى تواضعها لله عز وجل وأنها قالت هذا الكلام الذي ذكره أبو داود ، وقال: أين هذا من بعض الناس يصوم يوماً في الشهر، ثم يقول: أنا كذا وأنا كذا، أو يصلي ركعتين في الليل ويقول: أنا كذا وأنا كذا، يستعظم عمله ويستكثره، وهي تقول هذه المقالة رضي الله عنها لما أكرمها الله عز وجل بنزول براءتها بآيات تتلى من كتاب الله. فأولياء الله عز وجل أعطاهم الله تعالى الكمال وأعطاهم ما أعطاهم من الرفعة والمنزلة، ولم يزدهم ذلك إلا تواضعاً لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، وهم مع إحسانهم ومع ما أكرمهم الله عز وجل به من توفيق إلى الخير يخشون الله عز وجل، ويرون أن ما عملوه من أعمال لا يعتبر شيئاً، كما جاء عن الفاروق رضي الله عنه لما طعن وكان في مرض موته، وجاءه والناس يزورونه، فجاء إليه شاب، وأثنى عليه وقال: هنيئاً لك يا أمير المؤمنين، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، وولي أبو بكر من بعده فقمت معه، وكنت سنده وعضده، ثم وليت الخلافة وحصل منك كذا وكذا، ثم شهادة في سبيل الله! فقال عمر رضي الله عنه: وددت أن أنجو كفافاً لا عليَّ ولا لي! ثم إن هذا الغلام لما ولى فإذا ثوبه يمس الأرض، فقال: ردوا عليَّ الغلام، ثم قال له: ارفع ثوبك يا ابن أخي! فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك! فهو على ما فيه من شدة الوجع لم يمنعه ذلك من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وفي أمرٍ من الأمور التي يقول بعض الناس الذين لم يوفقوا فيما يقولون: إن الشريعة لباب وقشور، وهذا من القشور. ونحن نقول: كلها لباب وليس فيها قشور، ولكنها متفاوتة، فليست الأحكام واحدة، وليست متساوية، لكن لا يجوز أن يوصف شيء منها بأنه قشور، وتقسيمها إلى لباب وقشور من الكلام السيئ، ومن الكلام القبيح!
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إثبات صفة الكلام


قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس بن يزيد ]. يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد بن المسيب ]. وهو أيضاً أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و علقمة بن وقاص ]. علقمة بن وقاص الليثي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبيد الله بن عبد الله ]. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقد جاء في هذا الإسناد ثلاثة من الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين: عروة بن الزبير ، و سعيد بن المسيب ، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أما علقمة بن وقاص الليثي فهو ثقة، وهو الذي روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وقد تفرد بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ، وتفرد بروايته عن عمر علقمة بن وقاص الليثي ، وهو من كبار التابعين، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي وهو من أوساط التابعين، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو من صغار التابعين، ثم انتشر بعد يحيى بن سعيد الأنصاري حتى بلغ الذين رووه عنه سبعين راوياً أو ما يقرب من السبعين. [ عن حديث عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو سعيد ، و أنس ، و جابر ، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث عامر بن شهر في إثبات صفة الكلام


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن عمر أخبرنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة عن مجالد عن عامر -يعني الشعبي - عن عامر بن شهر قال: كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل، فضحكت، فقال: أتضحك من كلام الله؟!]. هذا يعتبر أثراً لأنه ليس فيه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو كلام النجاشي، والمقصود منه أن الكلام إذا أضيف إلى الله عز وجل فالمقصود به كلامه الذي تكلم به، ومنه التوراة والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، فالكتب التي أنزلها الله هي من جملة كلامه، وكلام الله كما عرفنا لا ينحصر ولا ينتهي. ومحل الشاهد من هذا أنه قال: أتضحك من كلام الله؟! فهذا أثر من النجاشي أضاف فيه الإنجيل إلى الله.
تراجم رجال إسناد حديث عامر بن شهر في إثبات صفة الكلام


قوله: [ حدثنا إسماعيل بن عمر ]. إسماعيل بن عمر مقبول، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا إبراهيم بن موسى ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي زائدة ]. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد ]. مجالد بن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر -يعني الشعبي - ]. وهو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن شهر ]. عامر بن شهر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أبو داود . والشيخ الألباني صحح هذا الأثر؛ لكن الإسناد فيه إسماعيل بن عمر الذي هو مقبول، وفيه مجالد وهو ليس بالقوي.

ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:33 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث تعويذ الحسنين بكلمات الله التامة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن و الحسين : (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ثم يقول: كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق). قال أبو داود : هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن و الحسين فيقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ثم يقول: كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق)، ثم قال أبو داود : [ هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق ]. ومحل الشاهد من هذا أنه قال: (أعيذكما بكلمات الله التامة)، ومن المعلوم أنه لا يستعاذ بمخلوق؛ لأن الاستعاذة إنما تكون بالخالق بذاته وصفاته، وأما المخلوق فلا يستعاذ به، فكونه استعاذ بالكلمات يدل على أن كلام الله غير مخلوق، وأن القرآن ليس مخلوقاً لأنه من جملة الكلام، ثم إن الاستعاذة عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى. قوله: (أعيذكما بكلمات الله) كلمات الله تكون كونية وتكون شرعية، وكلمات الله الكونية هي ما قدَّره الله تعالى وقضاه ولابد أن يحصل، وكلمات الله الشرعية منها القرآن الذي أنزله الله على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهنا نعلم أن القرآن ليس بمخلوق؛ لأن القرآن من كلمات الله وكلمات الله غير مخلوقة. وقوله: (بكلمات الله التامة) جاء في القرآن قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] فهي صدق في الأخبار وعدل في الأوامر والنواهي والأحكام، فكل خبر جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو صدق وحق، فيجب أن تمتثل الأوامر وتجتنب النواهي. قوله: (ومن كل شيطان وهامة). يعني أي شيطان وهامة، والمقصود بالهامة ذوات السموم، مثل العقارب والحيات التي فيها شدة الإيذاء، وقد يحصل الموت بسبب سمها. قوله: [ (ومن كل عين لامة) ]. فسر بأنه يراد بذلك ما يحصل من العين بسبب الحسد الذي يكون من بعض الناس، حيث يحسد فإذا وقعت عينه على شيء جعل الله عز وجل فيها من الشر والضرر ما ينتقل إلى المحسود، فيحصل له الضرر. قوله: [ (ثم يقول: كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق) ]. أبوكم هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فهو أبو العرب؛ لأن العرب من ذرية إسماعيل، وهو يخاطب العرب بقوله: (كان أبوكم). وإسماعيل هو ابن إبراهيم ، وهو الذي منه العرب، وإسحاق بن إبراهيم هو أبو يعقوب الذي منه اليهود والنصارى، ولذلك يقال لهم: بنو إسرائيل، وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وتعويذ الأولاد بمثل هذا سنة.
تراجم رجال إسناد حديث تعويذ الحسنين بكلمات الله التامة


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المنهال بن عمرو ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن جبير ]. وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث ابن مسعود في إثبات صفة الكلام


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي و علي بن الحسين بن إبراهيم و علي بن مسلم قالوا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله عليه وسلم: (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحق الحق) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. قوله: (إذا تكلم الله بالوحي). هذا هو محل الشاهد، أي أن الوحي من كلام الله عز وجل، وأنه يتكلم به، وأنه يسمع منه، ولذلك قال: (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة). قوله: (كجر السلسلة على الصفا). والسلسلة هي الحلقات من الحديد المرتبط بعضها ببعض، والصفا: هو الحجر الأملس، فإنها إذا جرت على الصفا سمع لها صوت متقطع بسبب سحبها عليه، وهو يسمى الصلصلة. قوله: (فيصعقون) أي: فيصيب أهل السماوات غشي وصعق، ولا يزالون كذلك حتى يأتي جبريل بالوحي من الله عز وجل فيفيقون ويقولون: (ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحق الحق) يعني: أنه قال الحق. ومحل الشاهد من إيراد الحديث قوله: (إذا تكلم الله بالوحي)، فإن هذا فيه إضافة الكلام إلى الله عز وجل، وأنه يتكلم بالوحي، وأنه يسمعه منه جبريل وينزل به على من أرسله الله إليه؛ سواء كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو من قبله من الرسل؛ لأن جبريل هو الموكل بالوحي.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في إثبات صفة الكلام


قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ و علي بن الحسين بن إبراهيم ]. وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و علي بن مسلم ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو معاوية ]. محمد بن حازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم]. مسلم بن صبيح أبو الضحى ، وهو مشهور بكنيته، ومعرفة كنى المحدثين من أنواع علوم الحديث، وفائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، فالذي لا يعرف أن أبا الضحى هو مسلم بن صبيح إذا جاءه أبو الضحى في إسناد، وجاءه في إسناد آخر مسلم بن صبيح يظن هذا شخصاً وهذا شخصاً. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



ما يلزم من القول بأن القرآن مخلوق

السؤال: ماذا يلزم من القول بأن القرآن مخلوق؟ الجواب: معنى ذلك أنه من جملة المخلوقات، وأنه مضاف إلى الله إضافة تشريف، لا إضافة صفة إلى موصوف؛ لأن المضاف إلى الله عز وجل نوعان: إضافة معاني وإضافة أعيان، فإضافة المعاني هي من إضافة الصفة للموصوف، وإضافة الأعيان من إضافة الخلق إلى الخالق، كعبد الله وبيت الله وناقة الله، فكلام الله من جنس عبد الله وناقة الله عند المعتزلة ، أي أنه من إضافة المخلوق إلى الخالق، وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: هو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ لأن الله عز وجل هو الخالق، وهو الرازق، وهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق ومن سواه المخلوق، فكلامه من جملة صفاته وهي ليست مخلوقة، بل إن الخلق يكون بالكلام كما قال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ [النحل:40]، فقوله: (كن) كلام يكون به الخلق. وهناك لوازم باطلة على قول المبتدعة: إنه مخلوق، فيلزم أن جبريل ما سمعه من الله، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ما سمعه من الله، وموسى ما سمعه من الله، والملائكة لم يسمعوه من الله، وأن الكلام الذي حصل إنما خلق في مكان وظهر من ذلك المكان، ولهذا يقولون: إن كلام الله عز وجل خلقه الله في الشجرة، وظهر الكلام من الشجرة، ولم يظهر من الله! ومعلوم أن الذي يتكلم به هو الذي قال: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30]، وما قالت الشجرة: إني أنا الله رب العالمين، يقول بعض أهل العلم: إذا كانت الشجرة هي التي ظهر منها الكلام، فما هي الميزة الذي تميز بها موسى؟ بل يكون الذي سمع من الملائكة أحسن ممن سمع الشجرة.

تفسير كلمات الله بحمده

السؤال: هل يصح تفسير: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي [الكهف:109] بأن المراد بكلمات الله هي حمد الله والثناء عليه؟ الجواب: لا يصح، لأن السياق يتحدث عن كلام الله عز وجل الذي بدأ منه، لا عن كلام الناس، لأن الناس -كما هو معلوم- لابد أن ينتهي كلامهم؛ لأن كل إنسان له بداية ونهاية وكلامه محصور، ولكن كلام الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته وهو الذي لا ينحصر، وأما كونه سبحانه يمدح ويثنى عليه ويذكر ويسبح ويهلل ويكبر وغير ذلك، فلا يقال: إن هذا هو المراد؛ لأن هذا إنما هو فعل المخلوقين، والمخلوقون كلامهم محصور؛ لأن الإنسان مهما طال عمره فكلامه محصور، والخلق له بداية ونهاية، وينحصر كلام الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم، لكن كلام الله عز وجل لا ينتهي؛ لأنه لا بداية له ولا نهاية له، وأما الخلق فكلامهم له بداية وله نهاية، وهو مدون معروف.

معنى كون كلام الله قديم النوع حادث الآحاد


السؤال: كيف يكون كلام الله حادثاً، بينما تقول الجهمية: إذا قلتم: حادث فهو مخلوق، فنرجو توضيح مقولة الجهمية التي جعلت الأشاعرة يقولون: إن كلام الله لا يتجزأ، وقالوا بأن القرآن عبارة عن كلام الله؟ الجواب: كلام الله عز وجل لا حصر له ولا بداية له ولا نهاية له، وهو قديم النوع حادث الآحاد، بمعنى أن الكلام الذي حصل لموسى لم يكن في الأزل، فالله يخاطب موسى فيقول: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، وذلك عندما جاء موسى لميقاته وسمع كلام الله من الله، أي أن هذا الكلام من الله عز وجل حصل في زمن موسى، وتكلم الله به في زمن موسى، فكلام الله صفة قائمة بنفسه، يتكلم بصوت يسمع تابع لمشيئته وإرادته، وقد سمعه موسى من الله في زمن موسى، وليس كل ما حدث يكون مخلوقاً، بل ما حدث للمخلوقات فهو مخلوق، لكن كلام الله عز وجل الذي يتعلق بمشيئته وإرادته لا يقال: إنه مخلوق، بل هو من جملة كلامه الذي لا حصر له ولا بداية له، فهو قديم النوع، لم يكن متكلماً ثم تكلم، بل هو متكلم بلا ابتداء، لكن لا يقال: إن كل كلامه مضى في الأزل، وإن الله لا يتكلم بمشيئته ولا إرادته. وهو حادث الآحاد، فإنه كلم موسى في زمنه، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وهو يكلم أهل الجنة إذا دخلوا الجنة. ففرق بين صفة من صفاته متعلقة بمشيئته وإرادته، تحصل في زمان فيسمعها من أراد الله أن يسمعها، وبين خلق خلقه الله عز وجل الذي هو نتيجة للكلام بحيث يقول الله للشيء: كن، وهو كلام يظهر منه ويبدأ منه، فيكون المخلوق الذي شاءه الله عز وجل والذي أراد أن يكون بكن، كما قال الله عز وجل: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47]. فالقول بأنه حادث الآحاد معناه أنه كلم موسى في زمانه فسمع كلام الله من الله، ولا يقال: إن كلام الله الذي سمعه موسى لم يسمعه في زمانه وإنما هو كلام أزلي.

حكم الاستعانة بصفات الله


السؤال: وردت الاستعاذة بكلمات الله، وهي من الصفات؛ فهل يجوز الاستعانة بصفات الله كقول العامة: يا قوة الله؟ الجواب: الصفات لا تدعى ولا تنادى، فلا يقال: يا قوة الله حَقِقي لي كذا، يا يد الله أعطيني كذا، يا سمع الله حقق لي كذا، يا بصر الله حقق لي كذا، وإنما يقول: يا عزيز أعزني، يا كريم أكرمني، يا لطيف الطف بي، يا قوي قوني، وهكذا، أي: يدعى الله بأسمائه ولا تدعى الصفات ولا تخاطب ولا يطلب منها شيء، ولكن يستعاذ بكلمات الله؛ لأن الاستعاذة بكلمات الله استعاذة بالله، والاستعاذة بصفات الله استعاذة بالله.

حكم الحلف بالقرآن

السؤال: هل يجوز القسم بالقرآن أو وضع اليد على القرآن عند القسم؟ الجواب: يجوز القسم بالقرآن؛ لأن القرآن من كلام الله، ولكن كون الإنسان يقسم بعموم الصفة ويقول: وكلام الله. هو الأولى؛ لأن القرآن من جملة كلام الله، والتوارة من كلام الله، والإنجيل من كلام الله، فإذا قال: وكلام الله فهو أحسن، مثلما يقول: وعزة الله، وجلال الله، وسمع الله، وبصر الله، وحياة الله، وقوة الله، هذا هو الذي الذي ينبغي. والقرآن إذا أقسم به فهو إقسام بكلام الله، ولكن لا يقسم بالمصحف؛ لأن المصحف فيه قرآن وغير قرآن، فالمصحف فيه ورق، وفيه حبر، وفيه غلاف، وهي مخلوقة، وفيه كلام الله الذي هو القرآن.

حكم الحلف برب القرآن

السؤال: هل يصح القسم بالقول: ورب القرآن؟ الجواب: لا يجوز ذلك، لأن هناك احتمالين: احتمال أن يكون المقصود بالرب أنه الخالق، والاحتمال الآخر أن يكون المقصود بالرب الصاحب، ومن أجل الاحتمال الباطل فإنه يحلف بالله عز وجل أو يحلف بالقرآن أو يحلف بكلام الله، دون أن يقال: ورب القرآن؛ لأن فيه احتمالاً باطلاً، هذا هو الأولى. وإذا أريد به المعنى الصحيح فإنه يترك؛ حتى لا يتوهم الباطل. وإضافة الرب إلى الصفة مثل (رب العزة) ورد في قوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180]، فإن العزة صفة من صفات الله عز وجل، والمقصود بذلك صاحب العزة، وليس المقصود خالق الصفة التي هي صفته، فصفة الله عز وجل غير مخلوقة، أو يراد به العزة المخلوقة التي خلقها الله في الناس والتي أوجدها فيمن يكون عزيزاً في الناس.

الرد على من يدعو إلى ترك الرد على منكري الصفات


السؤال: كيف نرد على من يقول: إن البحث في مسألة القرآن مخلوق أو غير مخلوق ونحوه من المباحث في تأويل الصفات أو إنكارها قد ذهبت ومات أصحابها، فلماذا تتحدثون عنها؟ الجواب: هذا الكلام غير صحيح، فلكل قوم وارث، فالمعتزلة لا يزالون موجودين، ويوجد من يقول الآن: القرآن مخلوق ويؤلف في ذلك، وهناك كتاب مؤلف حديثاً ومؤلفه لا زال يمشي على الأرض حياً، وهو يقول: إن القرآن مخلوق، فإذا ذهبوا فقد بقي وراثهم، ولكل قوم وارث.

معنى قوله تعالى: (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث )


السؤال: ما هو التفسير الصحيح لقوله سبحانه: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ [الشعراء:5]؟ الجواب: الإحداث هو في نزوله، أي نزوله محدث، والله تعالى تكلم به عند إنزاله؛ لأن جبريل سمعه من الله وجاء به، فهو داخل تحت حادث الآحاد.

حكم وصف القرآن بأنه حادث


السؤال: هل يصح أن يقال: إن القرآن حادث؛ لأن الله تكلم به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا قبله؟ الجواب: القرآن موجود في اللوح المحفوظ؛ لكن لا يقال: إن الله تكلم به في الأزل، وإن كلام الله كله حصل في الأزل، فالله عز وجل تكلم بالقرآن وكتبه في اللوح المحفوظ، وأنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما جاء ذلك عن ابن عباس ، وفي كل هذه الأمور هو كلام الله عز وجل، لكن لا يقال: إن كلام الله عز وجل كله قديم أزلي، وإنه لا يتعلق بمشيئة وإرادة، وإنه لا يتكلم إذا شاء كيف يشاء؛ لأن هذا خلاف النصوص؛ قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]، فالتكليم حصل بعد المجيء للميقات، وسمع موسى كلام الله من الله، ولهذا قال عز وجل: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وهذا الكلام الذي كلم الله به موسى قد كتب في اللوح المحفوظ من قبل؛ ولكن الكتابة لا تنافي أنه يتكلم به عند إنزاله وعند حصوله.

حكم قول داود الظاهري القرآن محدث غير مخلوق


السؤال: جاء في ترجمة داود الظاهري في السير وطبقات الشافعية وغيرها: أن السلف نقموا عليه قوله: إن القرآن محدث، ولما حكى الذهبي في السير مذاهب الناس في القرآن، قال: وقال داود وطائفة: إن القرآن محدث ولكنه غير مخلوق. فما مرادهم بقولهم: إن القرآن محدث؟ الجواب: لا أدري ما يضاف إلى داود، وإذا قال: إنه محدث بمعنى أن الله عز وجل تكلم به متى شاء أن يتكلم به، فهذا الكلام صحيح؛ لكن إذا قصد أنه محدث بمعنى مخلوق فلا، والظاهرية ظاهرية في الفروع، ومؤولة في الصفات، ولو عكسوا لكان خيراً لهم، أي: لو أخذوا بالظاهر وأجروا الصفات على ظاهرها على ما يليق بالله عز وجل، وأخذوا في الفروع بالقياس وألحقوا النظير بالنظير؛ لكان هذا أولى، فهذا الكلام الذي قاله الذهبي عن داود أنه قال: محدث غير مخلوق، لا أدري ما المقصود به، وهل هو كلام الذهبي نفسه أو أنه كلام الظاهرية، فإذا كان من كلام الذهبي بمعنى أنه تكلم به وأنه من الحادث ولا يوصف بأنه مخلوق؛ فهذا كلام صحيح."




ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:38 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [537]
الحلقة (567)





شرح سنن أبي داود [537]

من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات الشفاعة لأهل الكبائر يوم القيامة، ولم ينكرها إلا المبتدعة من الخوارج والمعتزلة، والشفاعة لها أنواع عديدة أعظمها شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الخاصة به. وكذلك يؤمنون بالبعث وبالصور، وبخلق الجنة والنار، وقد وردت الأحاديث النبوية دالة على ذلك.

الشفاعة


شرح حديث (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشفاعة. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا بسطام بن حريث عن أشعث الحداني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ]. وأنكر الشفاعة لأهل الكبائر المعتزلة والخوارج فقالوا: إنهم مخلدون في النار، والأحاديث ترد عليهم. الشفاعة في الأصل هي: طلب شخص من آخر أن يشفع له في تحصيل خير، وذلك أن الشافع يضم صوته إلى طالب الحق فيكونان شفعاً بعد أن كان الطالب مفرداً، ويكون طلبه قد عزز وأيد وسوعد في الوصول إلى ما يريد. وهي: طلب الخير للغير، حيث يطلب إنسان من غيره أن يطلب خيراً له، فيفعل. والشفاعة شفاعتان: شفاعة محمودة، وشفاعة مذمومة. فالشفاعة المحمودة هي التي تكون في الدنيا بطلب الإنسان فيما يقدر عليه، ليحصل خيراً دنيوياً أو أخروياً. وفي الآخرة بالطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يشفع في الموقف، أو في الخروج من النار، أو في دخول الجنة، أو في غير ذلك من أنواع الشفاعة، وهي تحصل من النبي صلى الله عليه وسلم وغيره بالنسبة للخروج من النار، وأما بالنسبة لفصل القضاء فهي خاصة به صلى الله عليه وسلم. وأما الشفاعة المذمومة المحرمة فهي مثل ما يطلبه الكفار من آلهتهم، وما يطلب من غير الله عز وجل مما لا يجوز الطلب منه، كالطلب من الأموات بأن يشفعوا. والشفاعة لها أنواع عديدة: منها الشفاعة العظمى: وهي من خصائص نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه اختص بها، وذلك أن الناس إذا كانوا في الموقف ماج بعضهم في بعض، فيبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم، ليأتي لفصل القضاء بينهم، فيأتون آدم عليه الصلاة والسلام ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يطلبوها من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والشفعاء الذين قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يعتذرون، وكل واحد يحيلهم إلى من بعده، فإذا وصلت إلى عيسى اعتذر وأحال إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فيتقدم ويشفع، ويشفعه الله عز وجل، ويأتي لفصل القضاء بين عباده ويحاسب الناس، ويذهبون إلى منازلهم من الجنة أو النار. وهذه الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وهي عامة للبشر كلهم من أولهم إلى آخرهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الدال عليها: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، ثم بين السبب في ذلك وذكر هذه الشفاعة. وإنما كان سيدهم وخص يوم القيامة بذكر السيادة؛ لأنه يظهر في ذلك اليوم سؤدده على الجميع، حيث يشفع للجميع، ويستفيد الجميع من شفاعته من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، ولهذا يقال لها المقام المحمود؛ لأنه مقام يحمده عليه الأولون والآخرون، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأيضاً من شفاعاته صلى الله عليه وسلم التي اختص بها: شفاعته في عمه أبي طالب في أن يخفف عنه العذاب، فصار أخف أهل النار عذاباً، وهو يرى أنه ليس هناك أحد أشد منه، وذلك أنه خفف عنه العذاب فكان في ضحضاح من نار، أو له نعلان من نار يغلي منهما دماغه. فالنبي صلى الله عليه وسلم شفع له فخفف عنه العذاب فصار في ضحضاح من نار، ولولا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار مع الكفار الذين هم أمثاله. وقد قال الله عز وجل: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] أي: الكفار، وهذا الحديث يدل على حصول النفع لأبي طالب ، ولكن هذه شفاعة خاصة تستثنى من هذا النفي في قوله: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]. ثم إن النفع الذي استثنى من هذه الآية إنما هو في التخفيف، وأما الإخراج فإنها باقية على عمومها فلا يخرج كافر من النار ويدخل الجنة، بل الكفار باقون في النار أبد الآباد، ولكنها نفعت في التخفيف. فإذاً يكون الجمع بين ما ورد في القرآن من قوله: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] وبين ما جاء من شفاعته لأبي طالب أن هذه شفاعة خاصة أخرجت من ذلك العام، ولكن بالنسبة للتخفيف وليس للإخراج. والأوضح أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب تكون مخصصة لقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، فإن هذه دالة على أن الكفار لا يخفف عنهم من عذابها، وقد جاءت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب ودلت على حصول التخفيف، وتكون تلك الآية عامة وهذا الحديث مخصصاً. ثم إن هناك شفاعة ثالثة: وهي الشفاعة بالخروج من النار لمن دخلها من المؤمنين: وهذه تكون من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره، وليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد أعطي كل نبي دعوة مستجابة كما جاء في الحديث، وكل نبي دعا بها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ادخرها لتكون شفاعة لأمته يوم القيامة، وذلك بالإخراج من النار. وقد وردت الأحاديث الكثيرة المتواترة في خروج أهل الكبائر من النار، وأنهم يبقون فيها ما شاء الله أن يبقوا، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، ولو شاء الله أن يعفو عنهم فلا يدخلوها فإنهم لا يدخلونها، ولكن من دخلها فإنه لا يخلد فيها وإنما يخرج منها بعد ما يمضي عليه الفترة التي شاء الله أن يمضيها فيها. وما جاء في بعض الآيات والأحاديث من التخليد لأصحاب الكبائر، مثلما جاء في ذكر الخلود في حق من قتل عمداً، وكذلك الحديث الذي ثبت في الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة فإنه يجأ نفسه بتلك الحديدة خالداً مخلدً في نار جهنم أبداً، ومن تردى من شاهق فإنه يكون كذلك في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسم فهو يتحسى ذلك السم خالداً مخلداً في جهنم كذلك، فإن ما جاء من ذلك يحمل على الخلود النسبي؛ لقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. فكل ذنب دون الشرك هو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عن صاحبه فلم يدخله النار، بل يدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء أدخله النار وعذبه فيها، ولكنه لابد من أن يخرج منها بعد أن يطهر وبعد أن يعذب على الجرم الذي حصل منه، وهو المعصية التي أدخله الله تعالى بها النار. فهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر. وأهل السنة يقولون عن أهل الكبائر: إنهم مؤمنون ناقصو الإيمان، فلا يعطونهم الإيمان الكامل ولا يسلبون عنهم مطلق الإيمان، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فهو ما ذكرناه. وهناك شفاعة رابعة: وهي الشفاعة لمن استحق النار أن لا يدخلها، وقد ذكر ابن القيم في تعليقه على تهذيب السنن للمنذري أنه لم يجد نصاً يدل على هذه الشفاعة. وهي معروفة عند أهل العلم يذكرونها من جملة الشفاعات، وقد ذكر بعض أهل العلم دليلاً عليها، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم على الصراط: (اللهم سلم سلم) فإن هذه شفاعة بأن يسلم من استحق النار من دخولها؛ لأنه إذا لم يسلم فإنه يقع في النار؛ لأن الناس يمرون على الصراط في طريقهم إلى الجنة فمن كان من أهل النار وقع فيها، ومن نجاه الله عز وجل تجاوزها بسرعة أو ببطء على حسب ما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأنه على قدر الأعمال، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالخيل، ومنهم من يزحف زحفاً، وهكذا. وهناك شفاعة خامسة: وهي الشفاعة في استفتاح الجنة، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم دخولاً إلى الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وأنا أول شافع وأول مشفع)، فهو أول من يتقدم للشفاعة، وأول من يشفعه الله عز وجل بعد التقدم للشفاعة. ومن أنواع الشفاعة: الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة، من درجة أدنى إلى درجة أعلى. وقد ذكر الله عز وجل في القرآن أن الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان فإن الله تعالى يلحق بهم ذريتهم ويرفعهم إلى درجاتهم وإلى منازلهم بحيث يكونون مع من هو أعلى درجة. وكما في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهن يرفعن معه في درجته؛ لأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن. والحاصل أن من كان في درجة في الجنة أنزل فإن الله تعالى يرفعه إلى درجة أعلى. فهذه جملة من أنواع الشفاعة التي ذكرها العلماء. ذكر أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته فيخرجون من النار إذا دخلوها، وقد ذكرت أن الأحاديث كثيرة متواترة في ذلك، ومنها الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي دعوة مستجابة دعا بها على قومه، وإنني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة). فقوله صلى الله عليه وسلم هنا في حديث أنس (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) معناه: أنها تحصل لهم يوم القيامة وأنه يشفع. ومن المعلوم أن الشفاعة تكون بأمرين: بإذن الله للشافع أن يشفع، وبرضاه عن المشفوع، كما قال: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].
تراجم رجال إسناد حديث (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بسطام بن حريث ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ عن أشعث الحداني ]. أشعث بن عبد الله الحداني ، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأنه رباعي.
شرح حديث الشفاعة للجهنميين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثني عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين) ]. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين)، أي: أنهم كانوا في جهنم أو جاءوا من جهنم، وهذا ليس ذماً لهم، وإنما نسبوا إليها؛ لأنهم كانوا فيها ثم خرجوا منها، فيكون هذا الذي حصل لهم نعمة عظيمة ومنة كبيرة، حيث انتقلوا من العذاب الذي في جهنم إلى النعيم الذي في الجنة. وهذا الحديث من أدلة شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، كما يخرجون بشفاعة الشافعين الذين هم غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الشفاعة ليست من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث الشفاعة للجهنميين


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن ذكوان ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو رجاء ]. أبو رجاء العطاردي ، وهو عمران بن ملحان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي كنيته أبو نجيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون)، وهذا ليس بواضح في الشفاعة؛ لأنه ليس فيه شيء يدل على الشفاعة، ولكنه كما قال بعض أهل العلم: إن من خرج من النار بالشفاعة فإنه يدخل الجنة. والحديث إخبار عمن دخل الجنة من أول وهلة، ولم يكن هناك شفاعة، وقد يكون دخلها بعد أن عذب في النار، وقد حصلت له شفاعة، فإذا كان في الذين خرجوا من النار ودخلوا الجنة، فإنهم يكونون قد تنعموا في الجنة بعد أن عذبوا في النار، مثلما جاء الحديث الذي قبل هذا: أنهم يسمون الجهنميين؛ لأنهم خرجوا من النار وقد عذبوا فيها.
تراجم رجال إسناد حديث (إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سفيان ]. وهو طلحة بن نافع وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر البعث والصور


شرح حديث عبد الله بن عمرو (الصور قرن ينفخ فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ذكر البعث والصور. حدثنا مسدد حدثنا معتمر قال: سمعت أبي قال: حدثنا أسلم عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله وسلم قال: (الصور قرن ينفخ فيه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في البعث والصور. والبعث هو: إخراج الناس من القبور، وانتقالهم من حياة البرزخ إلى الحياة الباقية؛ لأن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار الآخرة، والبرزخ الذي بين الموت وبين البعث، فهو من ناحية الجزاء تابع للآخرة؛ لأن ما بعد الموت كله جزاء والعمل ينتهي بالموت. وأما من ناحية الحياة في البرزخ فإنها تختلف عن حياة الآخرة وتختلف عن حياة الدنيا، وهي حياة حقيقية لا يعلمها إلا الله عز وجل. وقد مر في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم، وأول من ينشق عليه القبر)، يعني: فأول قبر ينشق عن صاحبه قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول الناس خروجاً من قبره نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذاً هذا هو البعث. والبعث يكون بالنفخ في الصور، والصور قرن ينفخ فيه كما جاء في هذا الحديث، فبالنفخة الأولى يحصل الموت، ثم بالنفخة الثانية يحصل البعث: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، فهناك نفخة الموت ونفخة البعث، وهناك نفخة الفزع التي ستكون قبل ذلك، وهي التي تكون في نهاية الدنيا، حيث يصغي الإنسان ليتاً ويرفع ليتاً، أي: يذهل ويستمع، ثم تأتي النفخة التي هي نفخة الموت، وبعد ذلك تأتي النفخة التي هي نفخة البعث ونفخة الحياة. وعندما يحصل النفخ في الصور مرة ثانية يقوم كل من كان ميتاً من أول الدنيا إلى آخرها، ويخرج من قبره إذا كان مقبوراً، ويأتي من الأماكن التي صار فيها إذا لم يقبر، وذلك فيما إذا أكلته الحيتان أو احترق أو تقطع وتمزق في الماء، وغير ذلك من الأحوال التي هي غير الدفن في القبور، فإن الناس يبعثون، وكل منهم تعود أجزاء جسده إلى ما كانت عليه، ويخرج إلى الحياة الباقية التي تكون بعد البعث، ثم بعد ذلك في الجنة أو في النار.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (الصور قرن ينفخ فيه)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا معتمر ]. معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. سليمان بن طرخان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسلم ]. أسلم وهو أسلم العجلي ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن بشر بن شغاف ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب، منه خلق وفيه يركب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب). وعجب الذنب هو جزء من الإنسان يكون أول ما يخلق منه، ثم عند البعث يبنى عليه، فتأتي الذرات التي ذهبت وتجتمع ويكون أول ما يكون خلقاً وتركيباً، هو عجب الذنب، والمقصود بالتركيب عودة الجسم إلى ما كان عليه، بعد ما دفن في قبره وأكلته الأرض. وبعد تركيب الجسد يحصل البعث، فيخرج الناس من قبورهم بنفس الأجساد التي كانت في الدنيا، حتى تلقى الجزاء وتلقى النعيم والعذاب، بل هي في القبر أيضاً قد حصل لها النعيم أو العذاب. والمقصود من الحديث: أن فيه ذكر البعث في قوله: (منه يركب) يعني: أنه يعاد خلقه، وأن كل ذرة من الذرات تأتي إلى مكانها، وأول شيء يكون هو عجب الذنب وأن غيره يأتي ويتبعه.
تراجم رجال إسناد حديث (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب...)


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
خلق الجنة والنار



ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:39 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خلق الجنة والنار. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها. ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد. قال: فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب خلق الجنة والنار. أي: أنهما قد خلقتا وأنهما موجودتان الآن، فقد سبق خلقهما، وذلك أن الله عز وجل خلقهما وأوجدهما فأعد الجنة لأوليائه وأعد النار لأعدائه الذين كفروا به وأشركوا معه غيره. ولا يقال: إنهما لا تخلقان إلا يوم القيامة، عندما يأتي وقت الانتفاع بها، كما قاله المعتزلة، وقالوا: إن خلقهما قبل ذلك ليس فيه فائدة ولا مصلحة؛ لأنها تبقى مدداً طويلة معطلة لا يستفيد منها أحد. وقد جاءت الأحاديث دالة على خلقهما ووجودهما، ومن حكمه خلقهما: الترغيب والترهيب، وأن على الإنسان أن يسعى لتحصيل هذه الجنة التي خلقها الله، وأن يسعى إلى التخلص من النار التي خلقها الله عز وجل وأوجدها، وكذلك أيضاً التنعيم في الجنة والتعذيب في النار، فإنهما موجودان قبل يوم القيامة، وذلك أن الإنسان في قبره منعم في نعيم الجنة أو معذب بعذاب النار؛ لأن كل من مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فهو يجازى على عمله في قبره، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهو إما منعم وإما معذب. وقد جاء في القرآن ما يدل على ذلك في قصة آل فرعون، حيث قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46] ثم قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]: فهذا يدل على أن آل فرعون معذبون في النار قبل يوم القيامة، فإذا قامت الساعة انتقلوا من عذاب شديد إلى عذاب أشد. وجاء في الحديث: أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وجاء: أن نسمة المؤمن في حواصل طير يعلق في الجنة ويأكل من ثمارها. فالتنعيم حاصل للروح وللجسد فيصل إليهما ما شاء الله عز وجل أن يصل من نعيم أو عذاب. فالفائدة حاصلة بالنسبة للجنة والمضرة حاصلة بالنسبة للنار قبل يوم القيامة. والأحاديث في خلق الجنة والنار كثيرة، ومنها الحديث الذي أورده أبو داود هنا قال: (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها). يعني: لما فيها من المرغوبات واللذات. قوله: [ (ثم حفها بالمكاره ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها فذهب... وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد) ]. يعني: لما حفت به من المكاره، فلا يصبر الناس على المكاره والتعب والنصب والمشقة؛ لأن طريق الجنة فيه تعب ونصب، ولا يحصل ذلك إلا بأنواع الصبر الثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة. فالجنة لما حفت بالمكاره صار الوصول إليها ليس كالحال قبل أن تكون محفوفة بالمكاره؛ لأنه ليس كل الناس يصبر على المكاره، ولهذا قل من يدخل الجنة وكثر من يدخل النار، ولهذا يقول بعض السلف: لا تغتر بطريق الشر لكثرة السالكين، ولا تزهد بطريق الخير لقلة السالكين، فإنه ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا! قوله: [ (فلما خلق الله النار قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب إليها فنظر فيها ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها) ]. أي: لأنه خلقها دون أن تحف بالشهوات، فلا يدخلها أحد لشدتها وعظم هولها، وليس هناك أحد يقدم على أن يكون من أهلها، فلما حفت بالشهوات رجع إليه وقال: خشيت ألا ينجو منها أحد، وذلك لكثرة من يقدم على الشهوات، ويفضل الشهوة العارضة واللذة العاجلة، ويغفل عن العاقبة الوخيمة وعن المضرة الكبيرة التي تترتب على ذلك. فحفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فطريق الجنة فيه المتاعب والمشاق وطريق النار فيه الشهوات التي من أرخى لنفسه العنان فيها وانقاد للشيطان وللنفس الأمارة بالسوء فإنه ينتهي إلى النار، وينتهي إلى الهاوية والعياذ بالله. والمقصود من ذلك: أن الجنة والنار قد وجدتا وأنهما موجودتان الآن، ولا يقال: إنهما إنما يخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما قبل ذلك يكون بدون انتفاع وبدون تضرر، بل الانتفاع حاصل والتضرر حاصل قبل يوم القيامة، كما قد عرفنا ذلك. ومما يدل على وجود الجنة والنار حديث الكسوف الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي، فمد يده في الصلاة ليتناول عنقوداً من العنب، ثم إنه ترك، ولما فرغ من صلاته ذكر أنه عرضت عليه الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية فأراد أن يأخذ عنقوداً، ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا. وعرضت عليه النار فتكعكع ورجع القهقرى لما رآها، وهذا يدل على وجودها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى شيئاً موجوداً. وهذا يدلنا على أن على الإنسان أن يؤمن بالغيب وأن يصدق بكل ما جاءت به الأخبار، سواء أدرك ذلك أم لم يدركه، وسواء عقل ذلك أم لم يعقله.
تراجم رجال إسناد حديث ( لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمه بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.
الأسئلة



الحلف بصفات الله


السؤال: هل في قول جبريل: (وعزتك) هذا دليل على الحلف بصفات الله؟ الجواب: هذا دليل على الحلف بصفات الله، فيحلف بأسماء الله وصفاته ولا يحلف بغيره، ولهذا قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، المقصود من ذلك أن يكون الحلف بالخالق بأسمائه وصفاته؛ لأن الله تعالى بذاته وصفاته الخالق وكل ما سواه مخلوق، فيحلف بالخالق ولا يحلف بالمخلوق.

تناقض المعتزلة في قولهم بفناء النار وخلود أهل الكبائر فيها


السؤال: هل يمكن أن نرد على المعتزلة بالتناقض في كلامهم حيث إنهم يقولون: إن الجنة والنار تفنيان ثم يقولون: إن أهل الكبائر مخلدون فيها؟ الجواب: أنا لا أعرف عن المعتزلة أنهم يقولون بأن النار تفنى، وإذا كانوا يقولون بهذا فهم مخطئون في البداية والنهاية، مخطئون في البداية لكونهم قالوا: إن الجنة والنار إنما تخلقان يوم القيامة ولا تخلقان قبل ذلك، والنصوص قد جاءت بأنهما مخلوقتان قبل ذلك، ومخطئون في النهاية حيث قالوا: تفنى النار، وقد جاءت النصوص بأن الجنة والنار باقيتان إلى غير نهاية، وأما العصاة فإنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فإذا كانوا يقولون بالفناء فهم مخطئون فيما يتعلق بالجنة والنار من جهتين.

مدى صحة القول بأن للكفار ناراً وللعصاة ناراً


السؤال: ما مدى صحة القول بأن النار ناران: نار الكفار تبقى أبد الآبدين، والنار التي يدخلها أهل الكبائر إذا خرجوا منها فنيت، هل هذا التقسيم صحيح؟ الجواب: ذكر هذا ابن القيم في كتابه الوابل الصيب في الكلم الطيب قال: الدور ثلاث: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، ودار جمعت بين خبث وطيب، قال: فالجنة دار الطيب المحض، والنار التي فيها الكفار دار الخبث المحض؛ لأن الكفار باقون فيها إلى غير نهاية، والنار التي فيها العصاة هي التي يكون فيها من جمع بين خبث وطيب ويخرجون من المكان الذي هم فيه ويبقى مكانهم ليس فيه أحد، فابن القيم في كتابه الوابل الصيب قسم هذا التقسيم.

من مات فقد قامت قيامته

السؤال: ذكرتم أن من مات فقد قامت قيامته، هل هو حديث؟ الجواب: لا أعلم حديثاً في هذا؛ لكن هذا هو الواقع؛ لأن القيامة بالنسبة لكل أحد هي بموته، فإذا مات انتهى من الدنيا وانتقل إلى الآخرة، والقيامة التي تكون عند نهاية الدنيا تكون بالنفخ في الصور؛ لأن الساعة تطلق على الموت وعلى البعث، فمن إطلاقها على الموت: (إن من شرار الناس من تأتيهم الساعة وهم...) يعني: الذين تقوم عليهم الساعة فيموتون عند النفخ في الصور، ومن إطلاقها على القيام من القبور ما جاء في القرآن: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، أي: يوم يحصل البعث.

التوفيق بين رؤية جبريل للجنة وأن فيها ما لا عين رأت


السؤال: هل هناك تعارض بين الحديث الذي جاء في وصف الجنة: أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والحديث الذي يدل على أن جبريل رأى الجنة وما فيها من النعيم، وأن آدم كان يسكن في الجنة، فإنه رأى نعيمها، فكيف يقال: إن فيها ما لا عين رأت؟ الجواب: كون جبريل وآدم رأيا الجنة لا ندري هل رأيا كل ما فيها؟ والمقصود: أن فيها من النعيم ما لا يعرفه الناس وما لا يدركه الناس وفيها ما يعرفون أسماءه وأنواعه، ولكن الفرق بين ما في الدنيا وما في الآخرة -مثلما قال ابن عباس-: إنه ليس في الدنيا ما يشبه ما في الجنة إلا الأسماء، فاللذة موجودة، ولكن فرق بين لذة ما في الدنيا ولذة ما في الآخرة، فالناس يعرفون العنب ويعرفون الرمان، فعنب الجنة فيه عناقيد، أما عناقيد الجنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشرت إليه آنفاً: (ولو أخذت منه عنقوداً لأكلتم منه ما بقيت الدنيا).

الشفاعة لمن لم يعمل خيراً قط

السؤال: في بعض ألفاظ حديث الشفاعة أنها تكون لمن لم يعمل خيراً قط، فهل يدل هذا على انتفاء عمل الجوارح من الإيمان حتى الصلاة؟ الجواب: معلوم أن هذا من أحاديث الوعد، وأحاديث الوعد لا يجوز للإنسان أن يعول عليها ويترك أحاديث الوعيد، وإنما يأخذ بنصوص الوعد والوعيد، فيكون خائفاً راجياً، لا يغلب جانب الخوف، ولا يغلب جانب الرجاء، حتى يحصل الخير ويسلم من الشر، وحتى يعمل عملاً صالحاً ويبتعد عن الأعمال المحرمة، وإذا كان في آخر الدنيا فإنه يغلب جانب الرجاء حتى لا يحصل له قنوط ويأس عند الموت، بل يحسن الظن بالله عز وجل، ويرجو ثواب الله سبحانه وتعالى. فهذا الذي جاء في بعض الأحاديث: أنه ما عمل خيراً قط قد يكون عمل أشياء ولكنها ذهبت لمن يستحقها من الدائنين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ ثم قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم وطرح عليه، ثم طرح في النار)، فتكون عنده أعمال ولكنها ذهبت لغيره. أما تارك الصلاة فقد جاء في كفره أحاديث.

من أسماء الله الطيب ويجوز التكني به


السؤال: هل الباعث من أسماء الله؟ وكذلك الطيب؟ وهل يجوز التكني بأبي الطيب؟ الجواب: لا أذكر نصاً خاصاً في اسم الباعث. أما الطيب فقد ورد في صحيح مسلم : (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً). ويجوز أن يسمى الإنسان الطيب، وأن يكنى بأبي الطيب؛ لأن من أسماء الله ما يسمى بها غيره، ومنها ما لا يسمى به سواه سبحانه وتعالى، فمما يسمى به غيره: الرءوف والرحيم والسميع والبصير تطلق على المخلوق كما قال الله عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، والمقصود بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، وكذلك العزيز وكذلك الكريم، لكن ما يضاف إلى الله عز وجل يختص به وما يضاف إلى المخلوقين يختص بهم، وهناك أسماء لا تطلق إلا على الله مثل: الله والباري والصمد والرحمن وغيرها.

معنى شفاعة أرحم الراحمين

السؤال: في صحيح البخاري : (ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين)، فهل معنى ذلك أنه يجوز أن يقال: إن الله تعالى يشفع؟ الجواب: الشفاعة كما هو معلوم أنها كون الغير يشفع عند غيره، وهذا لا يحصل لله عز وجل، فهو تعالى لا يشفع عند غيره، بل غيره يشفع عنده، وقد سبق أن مر الحديث الذي قال فيه: (ويحك إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه)، فلا أعرف هذه اللفظة، وإنما المقصود من ذلك ما يحصل من العفو والتجاوز، وإلا فإن الله تعالى هو الذي يشفع عنده، ولا تكون الشفاعة منه عند غيره.

شروط الشفاعة وكيف تتفق مع الشفاعة لأبي طالب


السؤال: ذكرتم أن للشفاعة شرطين: إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع، وذكرتم شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمه أبي طالب ، فهل معنى ذلك أن الله رضي عن أبي طالب ؟ الجواب: لا يوجد رضا عن أبي طالب ؛ لأنه معذب، ولكن الذي حصل هو التخفيف وهذان الشرطان إنما هما في الغالب، وإلا فإن أبا طالب ليس مرضياً عنه، بل هو كافر وليس بعد الكفر ذنب، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. وأيضاً: حصلت له الشفاعة للتخفيف مع بقائه في النار على حال هو فيها أخف أهل النار، ويرى أنه ليس هناك أحد أشد منه عذاباً، والعياذ بالله.

الحكمة من الشفاعة


السؤال: ما هي الحكمة من الشفاعة، أي: لماذا نحتاج إلى شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لدخول الجنة، ولا يخرجنا الله بنفسه من النار بدون شفاعة؟ الجواب: قدر الله سبحانه وتعالى أن يحصل إكرام للشافع وفائدة للمشفوع، وأن تكون الشفاعة هي الوسيلة إلى هذه الغاية، فيكون في ذلك إكرام للشافع وإظهار لفضله ومنزلته، مثلما حصل بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الشفاعة العظمى، فإنه ظهر فيها إكرامه وسؤدده وفضله على الجميع، وحصل له المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، فهي من الأشياء التي يرفع الله تعالى بها من يشاء، ويستفيد بتلك الشفاعة من يشاء، فيحصل للمشفوع له خير، ويحصل للشافع إكرام ببيان منزلته وعلو مكانته.


نفخ إسرافيل في الصور

السؤال: هل ثبت أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور؟ الجواب: لا نعلم نصاً واضحاً في هذا، لكن بعض العلماء يذكر هذا مثلما ذكره ابن كثير في تفسير سورة الأنعام، فإنه ذكر أنه جاء في الصحيح، لكن لا نعلم نصاً في أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور، وهو من المشهورين في الملائكة، وقد ذكر بعض أهل العلم في حديث توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أن ذلك لأن هؤلاء موكلون بأنواع الحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بنفخ الصور الذي به الحياة بعد الموت، لكن لا أعلم نصاً في هذا.

متى تكون نفخة الموت

السؤال: متى تكون نفخة الموت هل بعد النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر أو قبل ذلك؟ الجواب: تكون بعد ذلك؛ لأن هذه النفخة لا تكون لمن كان حياً، والنار التي تخرج هي تخرج روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى أناس لا خير فيهم هم شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، ولهذا لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله، ومعناه: أن الأخيار قد ذهبوا، والريح اللينة التي تقبض كل مؤمن ومؤمنة حصلت قبل ذلك، والنفخ يحصل به موت من كان حياً، والذين كانوا أحياء في ذلك الوقت هم شرار الخلق كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مدى صحة القول بوجود ثقوب في الصور


السؤال: هل صحيح أن الصور فيه ثقوب بعدد أرواح الخلائق؟ الجواب: هذا شيء من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإذا جاء فيه نص فيمكن أن يتكلم فيه، وإلا فليس هناك سوى السكوت."




ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:43 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [538]
الحلقة (568)





شرح سنن أبي داود [538]

من عقائد أهل السنة والجماعة الإيمان بمواقف الآخرة، ومن ذلك حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرده المؤمنون، ويذاد عنه الذين غيروا وبدلوا. والمبتدعة ينكرون الحوض ويعتقدون فيه اعتقادات باطلة مخالفة لما جاء في السنة من صفته، وغير ذلك مع تواتر أحاديث الحوض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الحوض


شرح حديث ابن عمر (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحوض. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح) ]. الحوض هو حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرده الناس يوم القيامة وهم عطاش، فيشرب منه من يشرب، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومنهم من يذاد عنه ويمنع مع شدة حاجته إليه، وتكون ذنوبه ومعاصيه هي التي حالت بينه وبين ذلك. وقد اختلف فيه هل يكون قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فجاء عن بعض أهل العلم أنه يكون بعد الصراط، والكثيرون قالوا: إنه قبل الصراط، وهو الأقرب؛ لأن الذين يذادون عنه لو كان بعد الصراط فإنهم لا يتجاوزون إليه حتى يذاودون عنه بل يقعون في النار، وعلى هذا فالذود إنما يناسب أن يكون قبل الصراط، والله أعلم. وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح). وهذا فيه إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمام الناس، وأنه واسع. وجرباء وأذرح هي من بلاد الشام ، وهي متقاربة، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (ما بين المدينة وجرباء وأذرح)، فتكون المسافة على هذا كما بين المدينة إلى جرباء وأذرح فتكون بعيدة، وعلى ما جاء في هذه الرواية هي كما بين جرباء وأذرح، فتكون غير بعيدة. وقد جاءت التقادير عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متعددة، منها ما هو واسع جداً، ومنها دون ذلك، وجاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن طوله وعرضه سواء، وأن زواياه سواء، وعلى هذا فيكون مربعاً. ولكن كل الأحاديث تدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً، وأنه يورد عليه الحوض، وأنه يذاد عنه أناس فلا يشربون، وأناس يشربون ولا يظمئون بعد ذلك أبداً. وأحاديث الحوض متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن القيم في (تهذيب السنن) أنها جاءت عن أربعين صحابياً وسماهم، وذكر الحافظ ابن حجر في (الفتح) أنهم يبلغون الخمسين أو يزيدون عن الخمسين صحابياً.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
شرح حديث زيد بن أرقم (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليّ الحوض...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلاً فقال (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليَّ الحوض). قال: قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة ]. أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليَّ الحوض). وهذا يدل على كثرة الواردين على الحوض، وقد سأل أبو حمزة زيداً : كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة. يعني أن الذي يردون الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، وأن نسبة هؤلاء إنما هي شيء يسير ممن عداهم.
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليّ الحوض...)


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الجملي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حمزة ]. وهو طلحة بن يزيد الأيلي، وثقه النسائي ، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أنس (هل تدرون ما الحوض؟... فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسماً، فإما قال لهم وإما قالوا له: يا رسول الله! لم ضحكت؟ فقال: إنه أنزلت عليَّ أنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] حتى ختمها، فلما قرأها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة، وعليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب). أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قوله: [ (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة) ] أي: نام نوماً يسيراً. قوله: [ (فرفع رأسه متبسماً) ] والمقصود من ذلك أنه كان يوحى إليه، وقام متبسماً. قوله: [ (فإما قال لهم وإما قالوا له) ] أي: إما بدءوه بالسؤال أو بدأهم بالإخبار عن الذي قد حصل له، فذكر على أنهم بدءوه فقالوا: (لم ضحكت؟) أي: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ وأرادوا أن يعرفوا السبب الذي حصل من أجله ذلك، وهم يعلمون أنه يوحى إليه في مثل هذه الحالة، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لأمر حسن وسار قد حصل، ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (إنه أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]). أي: نزلت في هذه الإغفاءة، وقد قرأ عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، ثم قال عن الكوثر: (فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب). أي أن آنيته عدد نجوم السماء، وهذا يدل على أن الكوثر نهر في الجنة، وأن فيه حوضاً، وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة بيان أن الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة، وعلى هذا فيكون الكوثر في الجنة والحوض في عرصات القيامة، وهو يمد ويصل إليه الماء من ذلك النهر الذي في الجنة. وعلى هذا فيكون الحوض شيئاً والكوثر شيئاً آخر وليسا شيئاً واحداً، والكوثر هو الأصل والحوض فرع منه، والكوثر في الجنة والحوض إنما هو في عرصات القيامة، والماء الذي في الحوض جاء من الكوثر كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه دليل على أن: (بسم الله الرحمن الرحيم) من السورة، وبعض أهل العلم يقول إن بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن، وهي فاصلة بين كل سورتين ما عدا الأنفال والتوبة، فإنهما ليس بينهما: (بسم الله الرحمن الرحيم). قوله: [ (ترد عليه أمتي يوم القيامة) ] والمقصود بالأمة هنا أمة الإجابة بلا شك، وهناك أناس ارتدوا يردون عليه فيذادون عنه، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والمقصود بذلك الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم الصديق ومات من مات منهم على الردة، فهؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض. وهذا الحديث رواه أنس بن مالك ، فيكون من مراسيل الصحابة؛ لأن السورة مكية، ومعلوم أن مراسيل الصحابة حجة، ولاشك أن الشيء الذي ما شهده الصحابي إنما أخذه عن صحابي آخر، وإذا جاء عنهم شيء مضاف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام سواء كان مما أدركوه أو مما لم يدركوه فإنه يعتبر ثابتاً، ونسبته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحة؛ لأنه إما أن يكون أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه أخذه عن الصحابة الذين شاهدوه وعرفوه.

تراجم رجال إسناد حديث أنس (هل تدرون ما الحوض؟... فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة...)


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن فضيل ]. محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المختار بن فلفل ]. وهو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فإنه من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.
شرح حديث أنس في رؤية الكوثر ليلة المعراج


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عاصم بن النضر حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: (لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم في الجنة -أو كما قال- عرض له نهر حافتاه الياقوت المجيَّب -أو قال المجوف- فضرب الملك الذي معه يده فاستخرج مسكاً، فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه إثبات الكوثر بالسنة، وهو ثابت في القرآن، وفيه شيء آخر وهو كونه مخلوقاً وموجوداً؛ لأنه عندما رأى الجنة رأى فيها الكوثر. وأتى بهذا الحديث في بحث الحوض من أجل التلازم الذي بين الحوض وبين الكوثر، لأن الماء الذي في الحوض يكون من الكوثر. قوله: [ (فضرب الملك الذي معه يده فاستخرج مسكاً) ]. يعني استخرج مسكاً من أرض هذا النهر. قوله: [ (فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) . أي: هذا النهر هو الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل في قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
تراجم رجال إسناد حديث أنس في رؤية الكوثر ليلة المعراج

قوله: [ حدثنا عاصم بن النضر ]. وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا المعتمر ]. المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. سليمان بن طرخان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. وقد مر ذكره.
شرح حديث أبي برزة في الحوض


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم : حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان -سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا الدحداح، ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم! فقال له عبيد الله : إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين، ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئاً؟ فقال له أبو برزة : نعم، لا مرة ولا ثنتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً، فمن كذب به فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً ]. أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة، وكان طلب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن حديث الحوض، فجاء إليه أبو برزة وكان قد طلبه أن يأتي من أجل هذا الغرض. قوله: [ إن محمديكم ]. يعني: نسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه صحابي، والرجل طلب واحداً من الصحابة. فقوله: [ إن محمديكم هذا الدحداح ] أي: إن محمديكم هو هذا الدحداح، والدحداح هو السمين القصير، يقصد أبا برزة رضي الله عنه. قوله: [ ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أظن أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ] وهذا أخذه من قوله: (إن محمديكم). قوله: [ إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين ] يعني: أنها خير وليس فيها شر ولا ذم، وأراد بذلك أن يعتذر وأن يبين ما ذكره من الصحبة والتعيير بها الذي فهمه أبو هريرة . قوله: [ ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئاً؟ فقال: نعم، لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً ]. أي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبته ويحدث به مرات كثيرة، ويذكر أن هناك حوضاً ترده أمته. ثم قال أبو برزة بعد ذلك: فمن كذب به فلا سقاه الله منه، أي: فمن كذب بذلك الحوض فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحديث في إسناده رجل مجهول وهو الذي يحدث عن أبي برزة ، وكان أبو طالوت يقول: (شهدت أبا برزة دخل) ولكنه لا يعرف شيئاً عن الذي جرى، وإنما حدثه به شخص حضر ذلك المجلس، ولكن الحوض ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والألباني صحح الحديث، ومعلوم أن فيه هذا المجهول أو هذا المبهم، ولكنه صححه من أجل الطرق والشواهد الأخرى التي هي في معناه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة في الحوض


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ فحدثني فلان -سماه مسلم - ]. أي: يقول عبد السلام : فحدثني فلان و مسلم الذي سماه هو مسلم بن إبراهيم شيخ أبي داود، وفلان هذا يقول الحافظ ابن حجر : إنه عم عبد السلام، ولم أقف على اسمه ورمز له بـ(د)، أي: أخرج له أبو داود . [ شهدت أبا برزة ] أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد ، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقد كثر السؤال عن قول بعض العلماء وخاصة صديق حسن خان : إن أبا داود عنده إسناد ثلاثي، واستدل بهذا الحديث، لكن نقول: لو كان عبد السلام حدث عن أبي برزة بالذي حصل لكان ثلاثياً، لكنه أخبر عمن شهد ذلك، وهو قد أدرك الصحابي ولكنه لم يرو عنه، وإنما رآه دخل على عبيد الله بن زياد ، والذي حدثه بالحديث رجل آخر، ومعنى ذلك أنه رباعي، لأن هذا المبهم هو الثالث، فيكون أبو داود قد حدث عن مسلم بن إبراهيم وهو عن أبي طالوت ، ثم بعد ذلك هذا الرجل المبهم، وهذا المبهم يحكي ما جرى بين أبي برزة وابن زياد فيكون الإسناد رباعياً وليس بثلاثي.

شرح كلام القيرواني في الحوض للشيخ العباد


تواتر أحاديث الحوض وصفة الحوض


قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى: [والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ترده أمته لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه من بدل وغير]. أحاديث حوض نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أورد البخاري رحمه الله في باب: في الحوض من كتاب الرقاق من صحيحه منها تسعة عشر طريقاً، وذكر الحافظ في (الفتح) أن الصحابة فيها يزيدون على خمسين صحابياً، ذكر خمسة وعشرين منهم نقلاً عن القاضي عياض ، وثلاثة عن النووي ، وزاد عليهما قريباً من ذلك فزادوا على الخمسين صحابياً. وأورد الإمام ابن كثير في كتاب النهاية أحاديث الحوض عن أكثر من ثلاثين صحابياً، ذكرها بأسانيد الأئمة الذين خرجوها غالباً، ومما جاء في صفة حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً)، رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ورواه مسلم في صحيحه ولفظه: (حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: (يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل).
بيان من يذاد عن الحوض


ومن الناس من يذاد عن ورود الحوض: فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا ربي أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والمراد بهؤلاء الأصحاب أناس قليلون ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قتلوا على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتال المرتدين. والرافضة والحاقدون على الصحابة يزعمون أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفراً يسيراً منهم، وأنهم يذادون عن الحوض، والحقيقة أن الرافضة هم الجديرون بالذود عن حوض رسول الله صلى الله وآله وسلم؛ لأنهم لا يغسلون أرجلهم في الوضوء بل يمسحون عليها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ويل للأعقاب من النار)، أخرجه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليست فيهم سيما التحجيل التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)، أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:44 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
طعن حسن بن فرحان المالكي في الصحابة

وقد نبت في هذا الزمان نابتة يزعم أنه من أهل السنة وهو ليس منهم، بل هو على طريقة الرافضة الحاقدين على الصحابة، وهو حسن بن فرحان المالكي ، نسبة إلى بني مالك في أقصى جنوب المملكة، وقد كتب رسالة سيئة بعنوان: ((الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية)) زعم فيها أن الصحابة هم المهاجرون والأنصار قبل الحديبية فقط، وأن كل من أسلم وهاجر بعد الحديبية فليس له نصيب في الصحبة الشرعية، وأن صحبتهم كصحبة المنافقين والكفار! فأخرج بذلك الكثيرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي مقدمتهم العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وابنه عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين. كما أخرج أبا موسى الأشعري و أبا هريرة و خالد بن الوليد وغيرهم ممن لا يحصون، وهو قول محدث في القرن الخامس عشر لم يسبقه إليه إلا شاب حديث السن مثله اسمه عبد الرحمن بن محمد الحكمي . ومما جاء في كتابه السيئ إنكار القول بعدالة الصحابة، وزعمه أن أكثر الصحابة يذادون عن حوض الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يؤمر بهم إلى النار، وأنه لا ينجو منهم إلا القليل مثل همل النعم. وبهذا يتبين مماثلته للرافضة الحاقدين على الصحابة.
الرد على المالكي الطاعن في الصحابة


وقد رددت عليه في كتاب بعنوان ((الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي))، ومما جاء في الكتاب مما يتعلق بالذود عن الحوض ما يلي: السابع -أي من وجوه الرد في إنكاره عدالة الصحابة- قوله: ومن الأحاديث في الذم العام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواج من أصحابه إلى النار، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أصحابي أصحابي؟ فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك)، الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري : (فلا أرى ينجو منكم إلا مثل همل النعم)، فيأتي المعارض بالثناء العام بعد هذا الذم العام، فكيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟ وقال عن هذا الحديث أيضاً كما أخبر النبي صلى الله وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق؟ ويجاب عنه: بأن لفظ الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بينا أنا نائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! فقلت: أين؟ قال: إلى النار إلى النار، والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إلى زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! قلت: أين؟ قال: إلى النار، والله قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم). قال الحافظ في شرحه: قوله: (بينا أنا نائم) كذا بالنون للأكثر و للكشمهيني : (قائم) بالقاف، وهو أوجه، والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة، وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة. وقال أيضاً: قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) يعني: من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه. وقال أيضاً: والمعنى: أنه لا يرده منهم إلا القليل، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره. واللفظ الذي ورد في الحديث: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) أي: من الزمرتين المذكورتين في الحديث، وهو لا يدل على أن الذين عرضوا عليه هاتان الزمرتان فقط، و المالكي أورد لفظ الحديث على لفظ خاطئ لم يرد في الحديث، وبناءً عليه حكم على الصحابة حكماً عاماً خاطئاً فقال فيه: وفي بعض ألفاظه في البخاري : (فلا أرى ينجوا منكم إلا مثل همل النعم) فجاء بلفظ: (منكم) على الخطاب بدل: (منهم) وبناء عليه قال: كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟ وقال: كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق. وهذا كذب على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه لم يخبر أن أصحابه لن ينجو منهم إلا القليل، ولعل هذا الذي وقع من المالكي حصل خطأً لا عمداً. وأما ما جاء في بعض الأحاديث من: (أنه يذاد عن حوضه أناس من أصحابه وأنه يقول: أصحابي؟ -وفي بعض الألفاظ: أصيحابي_ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فهو محمول على القلة التي ارتدت منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا في ردتهم على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وإذا كان مصير أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار، وأنه لا ينجو منهم إلا القليل مثل همل النعم بزعم هذا الزاعم، فليت شعري ما هو المصير الذي يفكر به المالكي لنفسه؟! نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الخذلان! بل إن الصحبة الشرعية بزعم المالكي لم تحصل إلا للمهاجرين والأنصار قبل صلح الحديبية، ومن بعدهم ليسوا من الصحابة بزعمه، وعلى هذا فإنه لا ينجو من الصحابة إلا القليل مثل همل النعم، والبقية يؤخذون إلى النار، فهذا يعم الصحابة الذين كانوا قبل الحديبية، فإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين هم خير هذه الأمة لا يسلمون من النار، فمن الذي يسلم منها؟! بل إن اليهود والنصارى لم يقولوا في أصحاب موسى وعيسى مثل هذه المقالة القبيحة. وقد ذكر شارح الطحاوية أن اليهود والنصارى فضلوا على الرافضة بخصلة وهي: أنه إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتهم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد. وهذا يبين لنا منتهى السوء الذي وقع فيه المالكي، وأن من يسمع أو يطلع على كلامه في الصحابة يتهمه في عقله، أو يستدل به على منتهى خبثه وحقده على خير هذه الأمة، لاسيما أن زعمه أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسا من الصحابة، وزعمه أن أكثر الصحابة إلا قليل منهم مثل همل النعم يؤخذون إلى النار. وأيضاً: إذا كان أكثر الصحابة إلا قليل منهم يؤخذون إلى النار في زعم هذا الزاعم والكتاب والسنة لم يصلا إلى هذه الأمة إلا عن طريق الصحابة، فهم الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأي حق وهدى يكون بأيدي المسلمين؟! فإن القدح في الناقل قدح في المنقول. قال أبو زرعة الرازي المتوفي (سنة 264هـ) رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. (الكفاية) للخطيب البغدادي. وسأكشف أباطيله الأخرى التي اشتمل عليها كتابه ((قراءة في كتب العقائد)) وأدحضها إن شاء الله تعالى في كتابي: ((الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي)) . انتهى.
الأسئلة



تأليف المالكي في الطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب والرد عليه


السؤال: يذكر البعض أن المالكي ألف كتاباً في الطعن في شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ؟ الجواب: نعم، له كتاب خاص بهذا، وقد تكلم فيه كلاماً قبيحاً سيئاً، وهذا ليس بمستغرب ممن طعن في الصحابة وهم خير هذه الأمة، فلا يسلم منه من بعدهم من باب أولى، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، فالرجل يقول في الصحابة المقالات القبيحة التي لا يقولها اليهود والنصارى في أصحاب موسى وعيسى، فمن باب أولى ومن السهل أن يتكلم في الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما تكلم فيمن قبله مثل ابن تيمية و ابن القيم وابن كثير والذهبي ، وفي أهل السنة من زمن الصحابة إلى عصرنا هذا، وقد تكلم في الشيخ محمد ومن كان على طريقة الشيخ محمد من العلماء حتى العصر الحاضر، فهو في منتهى السوء، وقد رد عليه الشيخ ربيع المدخلي في كتابه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بكتاب مفيد سماه: ((دحر افتراءات أهل الزيغ والاغتياب عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أباطيل حسن المالكي ))، وهو لم يطبع.

الرد على المالكي في الطعن في الصحابة من كلامه


السؤال: ألا يمكن الاحتجاج على المالكي بمقالته، فإنه احتج بحديث عند البخاري بزعمه وهو من رواية أبي هريرة فلا يصح احتجاجه؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه ليس بصحابي عنده، فهو غير عدل؟ الجواب: على كلٍ أقول: الإنسان المبطل يأتي بالشيء الذي يريد، وأما الشيء الذي لا يريده فإنه لا يأتي به، وهو أتى بشيء كذب فيه، لأن اللفظ الذي بنى عليه الحكم لا يوجد في البخاري ، وإنما هو الحقد والخبث الذي يكون في النفوس.

الرافضة يدعون أن الصحابة يذادون عن الحوض ولا يؤمنون به


السؤال: كيف يقول الرافضة إن الصحابة لا يردون الكوثر وهم أصلاً لا يؤمنون بالكوثر، بل يقولون: إن الكوثر في القرآن هي فاطمة ؟ الجواب: الرافضة لهم مقالات قبيحة يقولونها في أمور أخرى، وأما هذا الموضع بالذات فلا أدري عن حقيقة قولهم فيه، وعندهم تحريف للقرآن وذلك بتفسيره بأمور لا يدل عليها لا من حيث اللغة ولا من حيث المعنى أيضاً.

الراجح في مكان الحوض

السؤال: ما هو الراجح في مكان الحوض؟ الجواب: الذي يبدو -والله أعلم- أنه في عرصات القيامة قبل الصراط.

حكم تأسيس معهد خاص بالنساء وسكنهن فيه

السؤال: ما حكم تأسيس معهد إسلامي خاص بالبنات يسكنَّ فيه بعيداً عن أهلهن مع الأمن، ولا يذهبن إليه ولا يعدن منه إلا مع محرم، وهو في أيام الإجازة فقط، هل هذا العمل يعد من الأعمال البدعية؟ السؤال: لا يعد هذا من الأعمال البدعية إذا كان النساء في محل خاص بهن، وفيه أكلهن ودراستهن، ولا يخرجن من هذا المكان إلا مع محارمهن، وفيه الأمور التي يحتجن إليها، ولا يحتجن إلى الخروج، لأن المنع إنما جاء عن السفر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكونها تذهب وتجيء مع ذي محرم لا بأس به، وهو مطابق لما جاء في الحديث. فعندما تكون المرأة في مكان آمن وفي مكان خاص بحيث لا ترى الرجال ولا يرونها ولا تختلط بأحد، وإنما يدخل أهلها إذا أرادوا ثم يخرجونها مثل إدخالهم إياها إلى المدرسة ثم إخراجها منها، فلا بأس.

كلام ابن رجب في معنى: (لم يعملوا خيراً قط)


السؤال: قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه ((التخويف من النار)) شرحاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (لم يعملوا خيراً قط) أي: لم يعملوا شيئاً مما هو من أفعال الجوارح، لكنهم يخرجون من النار بشيئين: الأول: قول اللسان، وهو نطقهم بالشهادتين، الثاني: عمل القلب، وهو التوحيد. فما رأي فضيلتكم في هذا التفسير؟ وهل من يقول به يعد من المرجئة ؟ الجواب: هذا كلام مستقيم، ولكن ما يتعلق بأعمال الجوارح وأنها كلها منفية وأنه لا يؤثر ذهابها؛ هذا غير صحيح، أعني إذا كان المقصود أن الجوارح ليس لها عمل أصلاً، بل الصحيح أن من أعمال الجوارح الصلاة، وتركها كفر كما جاءت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

القضاء على من أفطر لمرض لا يرجى برؤه


السؤال: أختي أفطرت رمضان العام الماضي بسبب عملية صمام القلب، وعندما تصوم تتعب ولن تقدر أن تقضي تلك الأيام، فماذا عليها؟ الجواب: إذا كان يمكنها القضاء في المستقبل فإنها تقضي في المستقبل، وتطعم عن كل يوم مسكين إذا قضت بعد دخول رمضان آخر، وذلك إذا كان المرض مما يرجى برؤه، وأما إذا كان هذا المرض لا يرجى برؤه فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليها.

حكم لبس الدبلة للرجال والنساء


السؤال: ما حكم لبس الدبلة للرجال والنساء، سواء كانت مكتوباً عليها أم لم يكتب عليها شيء؟ الجواب: هذه من الأمور التي وفدت على المسلمين واستوردوها من أعدائهم، فلا يجوز استعمالها من أجل الزواج إذا حصلت الخطبة، ولا أن يضع كل واحد في أصبعه خاتماً يسمونه الدبلة، فهذه من الأمور المحدثة المنكرة التي يقلد فيها المسلمون أعداءهم فيما يضر ولا ينفع.

حكم وصف أبي بكر بالضعف بالنسبة لعمر


السؤال: ألقى أحد الأساتذة محاضرة عن آراء الناس في أبي بكر و عمر رضي الله عنهما، فقال الأستاذ أثناء محاضرته: كان أبو بكر رضي الله عنه ليناً جداً في الإمارة، وأيضاً ضعيفاً بالنسبة لعمر رضي الله عنه، فما رأيكم فيما قال؟ الجواب: يجب أن تكون الألسنة نظيفة عند الكلام على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجب أن تكون القلوب سليمة ليس فيها شيء من الأذى والقذر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطة : ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل شيء فيه احتمال أو إيهام تنقص فإن البعد عنه مطلوب. فكون أبي بكر رضي الله عنه ليناً هذا لاشك فيه، ولكنه في بعض المواقف كان أشد وأعظم من عمر ، وذلك في مسألة قتال المرتدين، فإنه وقف وقفة شجاعة حتى إن عمر جاء وراجعه للقتال في ذلك، ولكنه قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ثم قال عمر : فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وهذا معناه أن عمر رأى أن هذا موقف شجاع. والحاصل أنه كان عنده لين، و عمر عنده شدة، وقد كان عمر محموداً في شدته وأبو بكر محموداً في لينه، ولا يقال إن أحدهما مذموم. فالتعبير بأنه ضعيف أمام عمر لا يصلح، وإذا أراد الإنسان بذلك التنقص فلاشك أنه كلام قبيح، والذي ينبغي هو تنظيف الألسنة والقلوب من أن يكون فيها شيء لا يليق بحق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما بالنسبة لعمر رضي الله عنه فخلافته طالت وبلغت مقدار خلافة أبي بكر خمس مرات، لأن أبا بكر تولى سنتين وأشهراً، و عمر رضي الله عنه تولى عشر سنوات وأشهراً، فحصل فيها خير كثير، وحصل فيها فتوحات عظيمة، وقضى على الدولتين العظميين في ذلك الزمان: دولة الفرس ودولة الروم، والرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في النزع من البئر فيها: (أن أبا بكر نزع ذنوباً أو ذنوبين، ثم نزع عمر حتى استحالت غرباً، قال: فلم أر عبقرياً يفري فرية، حتى ضرب الناس بعطن)، ومعنى ذلك أنه اتسعت رقعة البلاد الإسلامية في خلافته ودخل الناس في دين الله، وقضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان. فالحاصل أن كل شيء لا ينبغي في حق الصحابة ليس للإنسان أن يتلفظ به، وكذلك إذا كان الكلام موهماً أو محتملاً، بل يأتي بالكلام الواضح الجلي الذي فيه الثناء والمدح للجميع، ولا يأتي بشيء فيه احتمال.

إسناد أول خطبة نبوية

السؤال: نقل بعضهم من تاريخ الطبري الجزء الثاني خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة جمعها بالمدينة ويريد أن تنظر في السند، فيقول ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول جمعة صلاها في المدينة في بني سالم بن عوف : (الحمد لله أحمده وأستعينه .. إلخ) الجواب: قوله: (بلغني عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هناك مسافة شاسعة بين سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وبين زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عنه في التقريب: من ولد عامر بن حذيم ، أبو عبد الله المدني قاضي بغداد، صدوق له أوهام، وأفرط ابن حبان في تضعيفه، من الثامنة، مات سنة ست وسبعين، له اثنتان وسبعون، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . فأنت ترى أنه من الطبقة الثامنة، أي أنه بعد طبقة صغار التابعين بثلاث طبقات، لأن طبقة صغار التابعين هي الطبقة الخامسة، وهو بعد طبقة صغار التابعين بثلاث طبقات، ومعناه أن هناك مسافة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون في هذا الحديث انقطاع طويل، فهو معضل.

يذاد عن الحوض كل من غير وبدل


السؤال: هل الذين يذادون عن الحوض هم أهل البدع فقط أم أن من أهل السنة من يذاد عن الحوض؟ الجواب: الذي جاء أن الذين يذادون هم الذين أحدثوا وغيروا وبدلوا، ومعلوم أن هناك من أحدث كفراً، وهناك من أحدث بدعاً ومحدثات، ومعلوم أن الذين ارتدوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يذادون عن حوضه وذلك لكفرهم، والحديث بعمومه يدل على أن الإحداث والتغيير سبب للذود عن الحوض، لكن من ذيد عنه وهو مسلم فإنه يدخل الجنة، ولا أعلم شيئاً يدل على أنه يذاد عنه أحد من أهل الجنة، ولكن اللفظ يدل بعمومه على أن الكفار وغير الكفار ممن أحدثوا وبدلوا يذادون."




ابوالوليد المسلم 04-07-2025 03:49 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [539]
الحلقة (569)





شرح سنن أبي داود [539]

جاءت الأحاديث الكثيرة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات سؤال القبر وعذابه ونعيمه، من فتح نافذة للجنة أو النار، وتعرض الموتى لطيب الجنة، أو نتن جهنم، وكل بحسب عمله وصلاحه، وكل هذا غيب أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فيجب الإيمان به وعدم إنكاره، وأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك ويعتقدونه، ويؤمنون بأن المرء يسأل في قبره عن ثلاث: عن ربه ودينه ونبيه، فمن ثبت في الحياة على دين الله ثبته الله في الجواب عن هذه الأسئلة.
المسألة في القبر وعذاب القبر


شرح حديث البراء في سؤال القبر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المسألة في القبر وعذاب القبر. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا سئل في القبر فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]) ]. هذه الترجمة معقودة لمسألتين: مسألة السؤال في القبر، ومثل ذلك أيضاً نعيم القبر؛ لأن القبر فيه نعيم وعذاب، ولكن الشيء الذي ورد وتكرر في الأحاديث ذكر عذاب القبر، وكل ذلك حق ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمسألة في القبر هي السؤال عن الرب والدين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالسؤال يكون عن هذه الأمور الثلاثة، فالذي يوفقه الله عز وجل يأتي بالجواب السديد، ويأتي بالجواب المنجي، فيقول: إن الله ربه، وإن الإسلام دينه، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه، أو يقول: أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ومن كان بخلاف ذلك وأدركه الخذلان، أو حصل له العذاب، فإنه يقول: ها ها لا أدري، فلا يجيب بالجواب الذي ينفعه، وإنما يأتي بالجواب الذي يضره. والسؤال في القبر هو لإظهار عدل الله عز وجل، وكون الإنسان ينعَّم بإحسانه وبإيمانه، ويعذب بمعصيته وعدم إيمانه، وليس ذلك ليعلم الله شيئاً كان غير معلوم له، بل هو عالم قد علم أزلاً كل شيء سبحانه وتعالى، ولكن ليظهر للإنسان عدل الله عز وجل، وأن الإنسان يثاب على إحسانه ويعاقب على إساءته، وأن الإنسان إنما يؤتى من قبل نفسه. والسؤال في القبر هو مثل مسألة الميزان، فإن ذلك يرجع إلى إظهار عدل الله عز وجل، وأن الإنسان لا يبخس في شيء، فلا ينقص من الحسنات ولا يزاد من السيئات، ولا يعاقب بذنب لم يحصل منه، ويثاب بشيءٍ قد حصل منه وبشيءٍ لم يحصل منه فضلاً من الله عز وجل وإحساناً. كما أن الله عز وجل ينشئ خلقاً بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ويبقى فيها فضلة، ويدخلهم الجنة فضلاً من الله عز وجل، وأما النار فلا يدخلها إلا من يستحقها، فالفضل من الله عز وجل يحصل بسبب وبغير سبب، والسبب الذي حصل والمسبب هو من فضل الله عز وجل أيضاً، لأن الله تعالى وفق للسبب والمسبب، ولو لم يوفق الله الإنسان ما حصل منه السبب الذي يفضي به إلى العاقبة الطيبة وإلى النتائج الطيبة، فالكل يرجع إلى فضل الله عز وجل، فهي من الله ابتداءً وانتهاء، فهو الذي تفضل بحصول السعادة وبحصول النعيم، وهو الذي تفضل بالتوفيق لحصول الأسباب التي تفضي إلى ذلك وهي الأعمال الصالحة. ويحصل بدون فعل شيء من العبد، بمعنى: أن الله تعالى يخلق أقواماً ما كان لهم وجود من قبل، ثم يدخلهم الجنة ويسكنهم إياها وذلك فضل من الله سبحانه تعالى، وأما النار فلا يعذب بها إلا من عمل أعمالاً توصله إليها سواء كانت كفراً أو معاصي، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد أبو داود رحمه الله تعالى جملة منها، وأما أحاديث عذاب القبر فهي كثيرة جداً قد بلغت حد التواتر، وجاءت على أحوال متعددة، فمنها ما هو في بيان العذاب، وبعضها في كيفية العذاب، وبعضها في سبب العذاب، وكذلك في التعوذ من عذاب القبر. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا سئل في القبر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]). يعني: أن هذا التثبيت في الآخرة وذلك بأن يثبت عند السؤال، وهو يثبت في الدنيا على سلوك طريق الحق والنجاة، وعلى سلوك الصراط المستقيم، وذلك بإعطاء العبد خير زاد وأفضل زاد يكون في هذه الحياة الدنيا وهو زاد التقوى. وكل سفر لابد فيه من زاد، فسفر الدنيا يحتاج إلى زاد، وذلك أن الإنسان يحمل ما يحتاج إليه من النقود حتى لا يحتاج إلى الناس، وأما الآخرة فالزاد إليها هو تقوى الله عز وجل والاستقامة على أمره سبحانه. وقوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27]. أي بالتزام الحق في الحياة الدنيا، وبحصول الجواب السديد عندما يسألون في القبر، فيجيب بالأسئلة السديدة التي نتائجها وعواقبها حميدة. وفي الحديث بيان أن السنة تبين القرآن، فإن هذا الحديث يبين أن هذا هو القول الثابت في الآخرة، وأن الله يثبت المؤمن في الآخرة وذلك بأن يأتي بهذا الجواب السديد، وهذا التثبيت في الآخرة مبني على الثبات في الدنيا على الصراط المستقيم، وعلى سلوك المنهج القويم، وهو الإيمان بالله والالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27].
تراجم رجال إسناد حديث البراء في سؤال القبر


قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن مرثد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء بن عازب ]. وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أنس في عذاب القبر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلاً لبني النجار فسمع صوتاً ففزع فقال: من أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله! ناس ماتوا في الجاهلية، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار ومن فتنة الدجال. قالوا: ومم ذاك يا رسول الله؟! قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن اللهُ هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها. فينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتاً في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن! وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت! فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين). أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلاً لبني النجار فسمع صوتاً ففزع). وهذا الصوت هو عذاب القبر. قوله: [ (من أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله! ناس ماتوا في الجاهلية) ]. أي أن السبب الذي جعله يسأله أنه سمع الصوت الذي أفزعه وهو صوت الذين يعذبون في قبورهم، وهذا كما جاء في القرآن: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد وأعظم، وإلا فإنهم معذبون ما داموا في قبورهم بعذاب النار، حيث يفتح لهم باب إلى نار فيأتيهم من حرها وسمومها، ولكنهم إذا بعثوا انتقلوا إليها ووضعوا فيها فإن العذاب يكون أشد من ذاك الباب الذي كان يفتح عليهم، ويصل إليهم منه حرها وسمومها وهم في قبورهم. فسبب الحديث وجود هذا الصوت الذي أفزعه صلى الله عليه وسلم، وهو لأصحاب تلك القبور الذين هم كفار، وكانوا قد قبروا في الجاهلية. قوله: [ (فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، ومن فتنة الدجال) ] ذكر النار لأن عذاب النار موجود في القبر، والإنسان يتعوذ بالله من عذاب النار الذي يكون في القبر أو في نفس النار، والعذاب وإن لم يكن قد أضيف إليه العذاب في هذا الحديث فقد أضيف إليه في أحاديث كثيرة، لكن هذا يدل على أن عذاب القبر الذي سمعه هو من عذاب النار.
سؤال القبر يكون عن ثلاثة أمور


قوله: [ (إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن اللهُ هداه قال: كنت أعبد الله. فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فلا يسأل عن شيء غيرها). ثم أخبر أن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله: ما كنت تعبد؟ فيقول: أعبد الله، ويسأل عن الرسول، فيجيب بالجواب الحسن، وأنه رسول الله، وأنه آمن به، فلا يسأل غيرها، أي أن هذا هو موضع السؤال: الرب والنبي. ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه يسأل عن ثلاثة أمور: الرب، والدين، والنبي صلى الله عليه وسلم، ولا تنافي، فإن ما جاء في الأحاديث من ذكر الاثنين داخل تحت الثلاثة أو هو من جملة الثلاثة، فيكون العدد الأصغر داخلاً في العدد الأكبر أو من جزئيات العدد الأكبر، والثلاثة كلها ثابتة في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسؤال في القبر يكون عنها.
تبشير المؤمن بالنجاة من العذاب في قبره


قوله: [ (فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتاً في الجنة) ]. أي: ثم ينطلق به إلى بيت كان في النار ويقال: هذا مقعدك لو لم تؤمن، ولكن الله عصمك ووفقك فأبدلك به هذا البيت، فصرت من المسلمين، لأنك لو لم تكن مسلماً وكنت على الكفر لكنت في هذا المكان، لأن الكفار مكانهم في النار، وكل كافر له مكان في النار، ولكن من وفقه الله عز وجل وهداه ودخل في دين الله عز وجل فإنه يرى هذا المكان ثم يرى ذلك المكان؛ وذلك ليكون أعظم في سروره وفرحه وابتهاجه؛ لأنه إذا رأى المكان الذي سلم منه يزداد سروراً إلى سروره بسلامته من ذلك المكان الذي فيه العذاب، وحصول توفيقه بأن صار من أهل ذلك المكان الذي هو في الجنة والذي فيه النعيم المقيم. قوله: [ (فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن) ]. أي: ليس لك ذلك، والمعنى أن الإنسان لا يرجع إلى الدنيا ولا يخبر أهل الدنيا بما حصل له، فالإنسان لا يخرج من قبره إلا عند البعث والنشور، ولكنه لفرحه أراد أن يبشر أهله، ولكن يقال له: اسكن، أي: فيما أنت فيه من هذا النعيم.
انتهار الكافر في القبر وتعذيبه


قوله: [ (وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت) ]. وهذا دعاء عليه بصيغة الخبر، أو هو إخبار عما حصل، ومعنى ذلك أنك لا دريت، ولا تبعت غيرك ممن سلكوا طريق السعادة إذا لم تدر. ومعلوم أنه لا يعذب أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه، وهذا الجواب لا يعني أنه ما عرف الحق أو ما بلغه الحق، لأنه لا يعذب إلا عند بلوغ الحق، كما قال الله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وهذا قد بلغته الرسالة، ولكنه اختار طريق الضلالة والكفر واستمر على ذلك حتى مات، فيقال: (لا دريت) أي ما حصل منك الدراية التي تنفعك والتي تفيدك، ولا تليت غيرك في الخير، بل تبعت غيرك في الشر. قوله: [ (فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس) ]. أي: ويسأل عن الرجل -وهو محمد صلى الله عليه وسلم- وماذا كان يقول فيه؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس. والمقصود بالناس هنا هم الذين ما وفقوا، وإلا فإن الذين وفقوا يشهدون بأنه رسول الله ويؤمنون به ويصدقونه ويتبعونه، ولكنه يقول ما يقول الناس الذين خذلوا كما خذل وتبعهم في الضلالة، أو تبع أبويه إذا كانا سبباً في غوايته وإضلاله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه). قوله: (فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه). يعني يضربه بمطرقة من حديد على رأسه، (فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين) يعني: إلا الجن والإنس الذين هم مكلفون؛ لأنهم لو علموا ما يجري في القبور لتغير حالهم، وهذا شيء مشاهد في الدنيا، فإن الناس إذا كان عندهم مريض يتألم ويئن فإنهم لا يهدءون ولا يرتاحون ولا يستسيغون أكل الطعام، وهم يحسون بالتألم الذي يحصل لذلك الإنسان بسبب شدة المرض الذي أصابه، فكيف بحصول عذاب في القبر. وقد شاء الله عز وجل أن ينقسم الجن والإنس إلى فريق في الجنة وفريق في السعير، وشاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، وألا يكون علانية؛ ليتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به. وغير الثقلين كالملائكة وكالحيوانات والبهائم يسمعون ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع ذلك، ولهذا جاء في أول الحديث أنه سمع العذاب ففزع.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في عذاب القبر


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر ] صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد ]. سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث أنس في عذاب القبر بزيادة يسيرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان حدثنا عبد الوهاب بمثل هذا الإسناد نحوه، قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان فيقولان له.. فذكر قريباً من الحديث الأول، قال فيه: وأما الكافر والمنافق فيقولان له، -زاد المنافق- وقال: يسمعها من وليه غير الثقلين) ]. أورد الحديث من طريق أخرى عن أنس ، وهو مثل الذي قبله لكنه ذكر فيه ملكين والأول ذكر فيه ملكاً، ولا تنافي بينهما، فيمكن أن يأتيا جميعاً ويحصل السؤال من واحد منهما والضرب من الآخر أو العكس، ويمكن أن يراد بالملك أيضاً الجنس، والحاصل أنه لا تنافي بين ذكر ملك وذكر ملكين، فإن العدد الأصغر يدخل في الأكبر. قوله: [ (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ]. وهذا يدل على أن الإنسان وهو في قبره تعاد إليه روحه وتحصل المسائلة من الملكين، وأنه يسمع قرع نعال الذين قبروه إذا انصرفوا، وهذا لا يدل على أن كل ما يجري خارج القبر يعلم به صاحب القبر، وأن أصحاب القبور يسمعون كل شيء، بل يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، وقد ثبت هذا الذي جاء في الحديث، أما غير ذلك من الأمور الأخرى فإنها لا تثبت ولا تنفى، وإنما ترد إلى علم الله عز وجل ويقال: الله أعلم. وأما أن ينفى كل شيء وقد صح به الحديث، أو يثبت كل شيء ولم يصح به الحديث؛ فهذا غير صحيح، وإنما يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، فهذه هي الطريقة الصحيحة فيما يتعلق بسماع الأموات، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يدري ما أحدث المبدلون والمغيرون بعده، فهو في قبره صلى الله عليه وسلم وما عرف الشيء الذي حصل منهم بعده. وأيضاً هذا الحديث لا ينافي ما جاء من أنه لا يمشى بالنعل في المقبرة كما في قصة صاحب السبتيتين: أن الرسول رأى رجلاً يمشي وعليه نعلان فقال: (يا صاحب السبتيتين! انزعهما) فإنه لا تنافي بين هذا وهذا، فإن المقبرة لا يمشى فيها بين القبور بالنعال، إلا إذا كان هناك أمر يقتضى ذلك، كأن تكون رمضاء أو يكون بها شوك أو غير ذلك، ويتحرز الماشي من أن يطأ قبراً، ويكون مشيه بين القبور وليس على شيء من القبور. ويكون المشي بين القبور بالنعال فيما إذا كان هناك ممرات مخصصة في داخل المقابر من أجل أن ينفذ منها إلى القبور. قوله: [ (فيأتيه ملكان) ]. اسم هذين الملكين: منكر ونكير، جاء هذا في حديث صحيح أو حسن. قوله: [ (فيقولان له.. فذكر قريباً من الحديث الأول، قال فيه: وأما الكافر والمنافق فيقولان له -زاد المنافق- وقال يسمعها من وليه غير الثقلين) ]. ذكر في الرواية الأولى أنه يسمعها الخلق غير الثقلين، وسيأتي أنه يسمعه من بين المشرق والمغرب، أي أن قوله هنا: (يسمعها من وليه) لا يدل على أن السماع خاص بمن هم قريبون منه من غير الثقلين، بل جاء أنه يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلان، فيكون المقصود من ذكر الذين يلونه أنهم أقرب وأنهم يسمعون أكثر مما يسمع غيرهم، ولا يقال إن ذكر من وليه ينافي ما ذكر من سماع غيرهم.
شرح حديث البراء بن عازب في أسئلة القبر للمؤمن والكافر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ، ح وحدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية -وهذا لفظ هناد - عن الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء بن عازب قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاً. زاد في حديث جرير هاهنا: وقال: وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: يا هذا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال هناد: قال: ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. زاد في حديث جرير : فذلك قول الله عز وجل: (( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ))[إبراهيم:27] الآية. ثم اتفقا قال: فينادي مناد من السماء: أن قد صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، قال: ويفتح له فيها مد بصره. قال: وإن الكافر، فذكر موته قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها، قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه. زاد في حديث جرير قال: ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً! قال: ثم تعاد فيه الروح) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه الطويل الذي فيه بيان ما يجري في القبر من السؤال ومن النعيم والعذاب. قوله: [ (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير) ]. أي: أن اللحد ما كان جاهزاً حتى يوضع الميت فيه، وكانوا لا يزالون يحفرون اللحد، واللحد يحفر في أسفل القبر إلى جهة القبلة بحيث لا يكون الميت تحت فتحة القبر. فلما جاءوا والأمر كذلك جلس الرسول صلى الله عليه وسلم وجلسوا حوله ينتظرون، وكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم عود ينكت به مثل المهموم الذي ينكت ويخط في الأرض، ثم إنه أخبرهم وذكرهم بما يجري في القبر. قوله: [ (وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاً) ]. وهذا فيه إثبات عذاب القبر والأمر بالاستعاذة منه، وقد ذكرنا أن الأحاديث جاءت في بيان عذاب القبر من وجوه عديدة، وقد بلغت التواتر. قوله: [ (زاد في حديث جرير ها هنا: وقال: وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: يا هذا! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) ]. وهذا يدل على أن الإنسان يسأل في قبره فور دفنه، ولهذا ذكر أنه يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: من ربك؟ .. إلخ وقوله: [ (حين يقال له: يا هذا! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) ]. هذه هي الأسئلة الثلاثة التي تكون في القبر، وهي السؤال عن الرب، وعن النبي، وعن الدين. وقد ألف فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها، وهو خاص بأسئلة عذاب القبر؛ لأن الأصول الثلاثة هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه، وتلك الرسالة قيمة لا يستغني عنها أحد لا عامي ولا طالب علم؛ لأنها مشتملة على هذه الأمور الثلاثة التي يسئل عنها في القبر بالأدلة. وعندما يسأل الميت هذه الأسئلة ويجيب بتلك الأجوبة السديدة فإنه يقال له: كيف عرفت ذلك؟ فيقول: أنه قرأ كتاب الله وآمن وصدف بما فيه، فيفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويوسع له في قبره حتى يكون مد بصره، وهذا كلها من أمور الغيب التي يجب التصديق بها، والإيمان بأن ذلك حق. ثم ذكر الكافر وأنه يفتح له باب من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، أي: من عذاب النار وحرها وسمومها. وهذا فيه دليل على أن عذاب النار يحصل لأصحاب القبور، وأن من كان مستحقاً لعذاب القبر وصله عذاب القبر في حياته البرزخية. والعذاب يكون للروح وللجسد؛ لأن الإحسان حصل من الروح والجسد، والإساءة حصلت من الروح والجسد، فالعذاب يكون للروح والجسد، والنعيم يكون للروح والجسد، والجسد بدون الروح لم يحصل منه عمل، والروح بدون الجسد لم يحصل منها عمل، لكن باجتماع الروح والجسد حصلت الأعمال الصالحة التي يحصل الثواب عليها للروح والجسد، وحصلت الأعمال السيئة التي يكون العقاب عليها لمجموع الروح والجسد.


الساعة الآن : 03:31 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 231.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 231.31 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]