رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
جهة ما يثبت من الشفاعة وجهة ما ينفى منها (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ )[الأنعام:51]، هل لأحد يوم القيامة في عرصات القيامة في ساحة الحكم والقضاء، هل هناك من له شفيع وولي سوى الله؟ والله لا أحد، فإذا أراد الله أن يكرم أحدنا قال: أي فلان! شفعناك في فلانة أو فلان. إذا أراد الله أن يشفع امرأً قال: شفعناك فاشفع. ويحدد له فيمن يشفع، ولا تظن -كما يقول المبطلون وكما زور الضالون وضللوا أمة المؤمنين والمسلمين- أن فلاناً القطب هو الذي يشفع، فهذا كله باطل. فنحن لا ننفي وجود من يشفع يوم القيامة لبعض الناس، ولكن ننفي أن يقول أحد: أنا أشفع لفلان، ومن الآن أعطني بستانك أو أعطني منزلك لأشفع لك، فهم يخرجون من بيوتهم وبساتينهم للمشايخ ليشفعوا لهم، يضمنون لهم الشفاعة. إذاً: لا يملك الشفاعة يوم القيامة أحد إلا الله، هو الذي يأذن لمن شاء أن يشفع تكريماً له، ويبين له من يشفع فيه أيضاً، فلو أراد محمد صلى الله عليه وسلم -وهو رسول الله- أن يشفع في أبي جهل وعقبة بن أبي معيط فلا يصح ذلك ولا يأذن الله له، ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )[النجم:26] عمن يشاء، فلا بد أن يأذن الله لك بأن تشفع، ولا بد وأن يرضى عمن تشفع له، فإذا لم يرض له أن يدخل جنته فلن تستطيع أنت أن تشفع له. ولا ننسى ذاك المنظر العجيب الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء، فإن إبراهيم عليه السلام يقول: يا رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون -وهذا جاء في كتاب الله في سورة الشعراء- وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي يا رب؟ أراد أن يشفع في أبيه، فما كان إلا أن قال الله له: انظر تحت قدميك، فنظر فإذا والده آزر في صورة ذكر من ذكران الضباع ملطخ بالدماء، فما إن نظر إليه إبراهيم حتى اقشعر جلده وصاح: سحقاً سحقاً، أي: بعداً بعداً، فأخذته الملائكة من قوائمه الأربع وألقوه في اصل الجحيم وطابت نفس إبراهيم. التقوى غاية الإنذار بالقرآن الكريم إذاً: ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ )[الأنعام:51] يتولى أمرهم، ( وَلا شَفِيعٌ )[الأنعام:51] يشفع لهم، بل الله هو الولي وهو الشفيع.ثم علل لهذا بقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:51] الله فلا يعصونه، بم يتقى الله يا عباده؟ بتقواه، لا بالحصون ولا بالأسوار ولا بالسحر ولا بالجيوش أبداً، إنما يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله فقط، لا شيء آخر إلا بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله -أي: أطاعه فلم يعصه- فقد زكت نفسه وطابت وطهرت وأصبحت كأرواح الطاهرين، فهذه الروح لا يمكن أن يتلاءم معها العذاب أو الخزي والعار، بل تتلاءم مع أهل الجنة وما فيها من نعيم مقيم. (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:51]، أنذر بالقرآن يا عبد الله، أنذروا أيها المؤمنون بالقرآن من يخافون الله ويخشون الوقوف بين يديه؛ رجاء أن يتقوه فيتركوا معاصي الله، فكل من يخالط معصية ويباشرها وأنت تعلم ذلك فعلمه وأنذره وخوفه بلقاء الله، فأنت نائب عن رسول الله. تفسير قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ...) ثم قال تعالى: ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[الأنعام:52]. سبب نزول الآية الكريمة هذه نزلت في حادثة معينة وقد تكررت، وهي أنه أيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة جاءه وفد من المشركين من غلاتهم وكبارهم، وقالوا: إن أردت أن نسمع منك ونفهم ما تقول فأبعد عنا هؤلاء الفقراء والمتسخين لنجلس إليك جلسة خاصة ونفهم ما تقول، أما أن نجلس مع بلال وصهيب وفلان وفلان فلا نستطيع، وقالوا: اكتب لنا بهذا صكاً، وتقول الرواية: استدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ليكتب، فلما هم صلى الله عليه وسلم بهذا الفعل رجاء أن يدخل هؤلاء الرؤساء في الإسلام فيتبعهم الجهال والعوام وتنتهي هذه الحرب، وهذا من باب الرشد والفهم والبصيرة، فلو أسلم أبو جهل وعقبة وفلان وفلان لأسلمت مكة كلها، هكذا فهم ورغب وأراد أن يطبق، قال سعد بن أبي وقاص : أنا وعبد الله بن مسعود وفلان واثنان معنا لا أسميهما، فلما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطبق هذه المسألة أنزل الله تعالى قوله: ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ )[الأنعام:52]، لا تطردهم من أين؟ من مجلسك ليجلس الطغاة والمشركين، إذ كان يجلس حول الكعبة ويجلس حوله الفقراء، وأما الأغنياء فيلوون رءوسهم متكبرين، يقال لهم: اجلسوا لتسمعوا، فيقولون: لن نسمع؛ فهؤلاء يجترئون علينا ويقولون فينا. وهذه الصفة باقية إلى يوم القيامة، أهل الكبر لا يجلسون في مجالس العلم ولا يجالسون الفقراء بحال من الأحوال إلى يوم القيامة، والكتاب كتاب هداية للأبيض والأصفر إلى يوم القيامة.إذاً: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ )[الكهف:28]، لما أمر بألا يفعل أصبح يجلس مع المؤمنين ثم يقوم عنهم ليتعرض لأولئك الطغاة لعلهم يهتدون، فأنزل الله تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ )[الكهف:28] احبسها، ( مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )[الكهف:28-29]، هداية من هذه؟ هداية الله، قولوا: آمنا بالله، كيف يكفر بالله؟ ذكر خبر عتاب الله تعالى لنبيه في شأن ابن أم مكتوم ولا ننسى أيضاً عتاب الله له صلى الله عليه وسلم في سورة عبس، تلك حادثة خاصة؛ حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكلم كبار الطغاة ويدعوهم ليهديهم وعبد الله بن أم مكتوم الأعمى وراءه بعصاه يقول: يا رسول الله! علمني، يا رسول الله! أجبني، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتفت لأنه مشغول لعل الله يهدي عمرو بن هشام أو عقبة بن أبي معيط ، فأنزل الله تعالى فيه: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى )[عبس:1-2]، عبس بوجهه وتولى وأعرض، يلتفت إليه ثم يتركه، ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ )[عبس:1-11]، ما إن نزلت هذه حتى كان صلى الله عليه وسلم إذا جاء ابن أم مكتوم فرش له بعض ردائه وأجلسه إلى جنبه، ويقول: مرحباً بالذي عاتبني ربي من أجله! هل تستطيعون هذا؟ هل تقدرون عليه؟ لو أخذتم قبساً من الأخلاق النبوي فذلك يمكن، شخص سجنت أو اتهمت أو أوذيت من أجله ثم تنسى ذلك كله وترحب به وتؤهل وتسهل وتكرمه، من له نصيب من الخلق النبوي من خلق محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يفعل هذا. المراد بالدعاء في الآية الكريمة وبيان مقصد الداعين (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ )[الأنعام:52]، وهنا الدعاء بمعنى الذكر والصلاة: صلاة الصبح وصلاة العصر، والغداة قال أهل العلم: هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي: من العصر إلى غروب الشمس.قال تعالى: ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ )[الأنعام:52]، يسألونه ما يريدون أن يكملوا به ويسعدوا، هؤلاء تعرض عنهم وهم يدعون ربهم بالغداة والعشي وتلتفت إلى الآخرين! (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )[الأنعام:52]، أي: وجه الله عز وجل، فحين يصلون ويذكرون ويبكون ويدعون هل يريدون الدينار والدرهم؟ يريدون ماذا؟ أن ينظر الله إليهم ويحبهم ويغفر لهم ويرفعهم، ما يريدون ديناراً ولا درهماً ولا شهوة، يريدون وجه الله فقط، هؤلاء ( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:52]، لن تحاسب عليهم أنت أبداً، ( وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:52] وهم كذلك لا يحاسبون عليك من شيء، إذاً: أنت في طريقك إلى الله وهم في طريقهم إلى الله عز وجل. حكم طرد الفقراء والمساكين من مجالس الأغنياء ونحوهم قال تعالى: ( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:52]، إذاً: فطرد الفقراء أو المساكين من مجالس أهل العلم أو مجالس أهل الفضل محرم عندنا لا يجوز، بل إذا جلس فقير ثيابه رثة تكرمه كما تكرم الغني إذا جلس وثيابه جميلة، عرفتم هذه؟ لا تقل: أبعدوه فهذا وسخ فيه كذا، وإذا دخل الغني تهش في وجهه وتفرح!كنت اليوم عند باب المعارج هذه، وكان هناك اثنان أو ثلاثة على رأسهم إمامنا الشيخ علي ، فنزلت من العربة وصافحت الشيخ علياً وأولئك الأغنياء، وكان أمامي فقير لاصق فجئت وسلمت عليه، فتعجب؛ لأنه ليس معتاداً أن يسلم عليه، فذكرت هذه. يجب ألا ننسى هذه الهداية الربانية، لا فرق بين الغني والفقير، وإن كان هناك فرق بين العاصي والمطيع، بين المذنب والسليم من الذنوب والآثام، أما النسب والحسب والمال واللباس فهذا لا قيمة له أبداً، ها هو الله يؤدب رسوله بقوله تعالى: ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:52]، ما أنت بمسئول عنهم ولا هم بمسئولين عنك يوم القيامة. (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ )[الأنعام:52] من أين؟ من جماعة الظلمة. فهل بعد هذا شيء؟ ( فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:52]، وجزاء الظالمين معروف، ومن تلك الساعة والرسول صلى الله عليه وسلم لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين شريف ووضيع، وكذلك أصحابه وأتباعه إلى اليوم وإلى يوم القيامة. تفسير قوله تعالى: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ...) ثم قال تعالى في بيان حكمة الفقر والغنى: ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ )[الأنعام:53]، ابتلاء واختبار من الله لعباده، هذا سليم وهذا مصاب، وهذا مريض وهذا مبتلى، هذا غني وهذا فقير، هذا جميل الوجه وهذا ذميمه، لم فعل الله هذا؟ ما الحكمة؟ ما السر؟ لِمَ لَمْ يخلق الكل على أجمل إنسان؟ لم جعلنا كذا وكذا؟ لم فرق بيننا: هذا أسود وهذا أصفر، هذا مريض وهذا صحيح، هذا فقير وهذا غني، هذا جاهل وهذا كذا، ما الحكمة؟قال: ليختبرهم؛ لأنهم مهيئون لحياة الخلد والبقاء في عالم السماء وعالم الأرض، إذاً: فهذه الدنيا دار امتحان واختبار؛ فلهذا يوجد الفقير والغني والمتسخ والنظيف، وأنت مبتلى بذلك. (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا )[الأنعام:53]، من القائل؟ إنه الله. ( بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ )[الأنعام:53]، الأغنياء بالفقراء، والصالحين بالفاسدين، فتنا بعضهم ببعض ( لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا )[الأنعام:53]، أهؤلاء منَّ الله عليهم وأكرمهم وأعزهم ونحن ما فعل بنا هذا؟ معنى قوله تعالى: (أليس الله بأعلم بالشاكرين) قال تعالى: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ )[الأنعام:53]؟ بلى. من هم الشاكرون؟ الذين يعترفون بنعمة الله عليهم ويذكرونها بقلوبهم، ويترجمون ذلك بألسنتهم، ويفصحون عن ذلك بكلمة: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.ثم إن تلك النعمة إذا كانت جاهاً، بحيث صار فلان عنده جاه عند الدولة وعند الأغنياء، أو إذا كنت ذا جاه وجاهك يرتفع ويقبل؛ فأعط للناس شكراً لله عز وجل، إذا كنت ذا صحة بدنية فاشكر نعمة الله، فإذا وجدت من يحمل زنبيلاً ثقيلاً فاحمله معه، أو رأيت من يدفع سيارته فتجرد وادفعها معه، رأيت من يبني جداراً وأنت ليس عندك عمل فشمر ثيابك واشتغل معه في جداره شكراً لله على نعمة هذه الصحة، أو كان عندك مال، أغناك الله وفضلك على غيرك من الناس فاشكر الله بأن تنفق هذا المال فيما يرضي الله عز وجل ويحبه، لا تبخل به، عندك علم فضلك الله به فاشكر الله عز وجل واحمده وعلم، وإذا سألك مؤمن فأجبه ولا تقل: اذهب عني. وبذلك يتم شكرك لله على نعمته، ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ )[الأنعام:53]؟ الجواب: نعم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، إنك ولينا ووليهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام - (7) الحلقة (374) تفسير سورة الأنعام على المسلم الداعي إلى ربه أن يكون على علم كاف بالله عز وجل، وبتوحيده ووعده ووعيده، وبأحكام شرعه ودينه، وأن يكون عالماً بما يحبه سبحانه وبما يكرهه، وأن يوطن نفسه على الصبر في سبيل دعوته، فيصبر على مدعويه والمقبلين عليه، ويتلطف بهم، ويقربهم إليه، ويصبر على معارضيه من أهل الزيغ والضلال، والله عز وجل كاف عباده الصالحين. تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة ومع هذه الآيات التي نسمع تلاوتها مجودة مرتلة من أحد الأبناء، وبعد ذلك نأخذ في شرحها وبيان ما جاء فيها من الهدي الإلهي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ * قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ )[الأنعام:54-58]. توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بالحفاوة بمن يجيئه من المؤمنين معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نحن الآن مع ربنا تعالى جل جلاله وعظم سلطانه، ومع نبينا ومصطفانا محمد صلى الله عليه وسلم، فلنستمع، فيا لها من حضرة ربانية لقوم يفقهون، اسمع ما يقول ربنا تبارك وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا )[الأنعام:54]، وإذا جاءك يا رسولنا ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا )[الأنعام:54] الحاوية لشرائعنا وأحكامنا، المبينة لسبيل النجاة، فماذا تعمل معهم؟ أهل لهم ورحب بهم وسهِّل: ( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ )[الأنعام:54]، ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ )[الأنعام:54].تقدم بالأمس أنه هم بإبعاد فقراء المؤمنين الذين طالبه المشركون بأن يبعدهم عنه ليخلو لهم رسول الله ويجلس إليهم وحده، فلما هم ولم يفعل أنزل الله قوله: ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ )[الأنعام:52]، والآن ها هم قد جاءوا، فقال له: ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ )[الأنعام:54]. و(السلام عليكم) و(سلام عليكم) بمعنى واحد، وهي كلمة تدل على الأمن والستر وعدم الأذى بحال من الأحوال، أي: سلمتم، فالسلامة من نصيبكم. بيان ما كتبه تعالى على نفسه من الرحمة بالمذنب عن جهالة بعد توبته وإصلاحه (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )[الأنعام:54]، أي: أوجبها على نفسه، ولا يوجد من يوجب على الله شيئاً؛ إذ هو القاهر فوق عباده، ولكن لما اعتدنا نحن كلمة: كتب على نفسه كذا، أو كتب له بكذا، بطريق الوجوب؛ خاطبنا بما يزيد في علمنا ومعرفتنا: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ )[الأنعام:54] أي: خالقكم ورازقكم ومدبر حياتكم، كتب إلهكم الذي لا إله غيره ( عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )[الأنعام:54]، فلهذا من تاب إليه مهما جنى وقارف وارتكب من عظائم الذنوب؛ فإنه إذا تاب إليه وأصلح ما أفسده يجد الله غفوراً رحيماً، هذا الخطاب للبشرية كلها إلى يوم القيامة ونحن من بينهم.(كتب) أي: أوجب تعالى على نفسه الرحمة، من مظاهر تلك الرحمة أن من أذنب منا أعظم الذنوب ثم تاب ورجع وعاد إلى الحق والطهر وأصلح ما أفسد، وكان ارتكابه ذلك الإثم بجهالة، لا عن تعمد واستهزاء وكبرياء وكفر والعياذ بالله؛ إذ مثل هذا قد لا يتوب عليه، كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ )[البقرة:6]. لكن هذا ارتكب الذنب جهالة، ما عنده علم بأن الله يكره كذا أو لا يحب كذا، ما عنده علم أن الله يغضب لأجل كذا أو كذا، غلبته شهوته فارتكب معصية كبيرة أو صغيرة، هذا أوجب الله تعالى على نفسه الرحمة له بأن يغفر له ويرحمه إذا تاب. أثر اقتراف المحرمات على النفس في غير حالة الإكراه والنسيان وتأملوا الآية الكريمة: ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ )[الأنعام:54] لأنه في جواب (إذا)، ( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ )[الأنعام:54]، والسوء: كل ما يسيء إلى النفس البشرية، يخبثها ويعفنها ويفرض عليها الظلم والنتن، إذ كل معصية لله بترك واجب أو بفعل حرام يتولد عنها هذا الأذى للنفس والقلب، واحلف على ذلك بالله ولن تحنث، اللهم إلا إذا كان فاعل المعصية غير متعمد، أو كان مكرهاً بالحديد والنار، فالمكره كالناسي لا يتأثر أحدهما بهذا، فالمكره على أن يقول كلمة الباطل أو يرتكب جريمة معفو عنه، لأنه لا إرادة له، والناسي غير متعمد كذلك فما يتأثر قلبه بهذا العمل.أقول: المعصية لله والرسول تكون إما بترك واجب يجب أن يفعل، أو بارتكاب منهي يجب أن يترك، هذه هي المعصية، إذا ارتكبها عبد ناسياً كما لو أفطر ناسياً أن اليوم من رمضان، أو ارتكبها مكرهاً بالحديد والنار، فهل هذا تؤثر فيه تلك المعصية؟ لا تؤثر، لا تنتج خبثاً ولا تنتن قلبه ونفسه؛ لأنه فاقد الإرادة أو ناس، وفي الحديث: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، قاعدة مبينة، أما إذا ارتكب ذلك بجهالة، كأن يقول: سوف أتوب، أو لعل هذا لا يغضب ربي، أو أنا معذور.. أو نحو ذلك من أنواع الجهالات كثيرة، ليخرج ذاك الذي يحارب الله وشرعه علناً وعمداً، إذ هذا لا يتوب الله عليه، فهذا الذي فعل هذه المعصية بجهالة ثم تاب وأصلح، أي: أنه ترك المعصية ونفسه مظلمة ليزكيها ويطهرها بالصلاة بالصدقات بالذكر بالدعاء حتى يزول ذلك العفن والنتن في نفسه، وأصلح ما أفسد، سواء أفسد أموال الناس أو أفسد قلبه ونفسه؛ فإن الله تعالى يتوب عليه. توجيه الرسول وأتباعه المؤمنين إلى الهدي الرباني في التعامل مع المعترف بذنبه الراغب في التوبة (ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ )[الأنعام:54] أي: الله عز وجل ( غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الأنعام:54]، يغفر له ذلك الذنب ويرحمه، أمر الرسول أن يبلغ هذا للمؤمنين، أيما مؤمن يجيء ويعتذر ويقول: أذنبت يا رسول الله، يقول له الرسول: مرحباً وأهلاً وسهلاً، سلام عليكم، توبوا يتوب الله عليكم، استغفروا يغفر لكم، ما يواجههم بغلظة ولا بشدة ولا بعنف ولا بغضب أبداً، وهذا منهج الرسول الذي سلكه ويجب أن نسلكه نحن، إذا أذنب أخوك أو أذنبت أختك من المؤمنين والمؤمنات فلا تواجه بالمواجهة القاسية أو الشديدة وهو يقول: قد فعلت فاستغفر الله لي، ادع له بالمغفرة وبشره وهنئه بالتوبة التي رزقهم الله إياها، عملاً بهذا التوجيه الإلهي.ماذا قال تعالى؟ ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا )[الأنعام:54]، هؤلاء ليسوا بمشركين ولا كافرين، ( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الأنعام:54]، وقرئت: (فإنه غفور رحيم) يغفر له ويرحمه، يستر ذلك الذنب ويمحوه ويرحمه، هذه بشرى عاجلة، وهل من المؤمنين من لا يذنب طول الدهر؟ أيما مؤمن يذنب ذنباً ويأتيك يستفتيك أو يعرض عليك ذنبه ويسألك عما يصنع فلا تغلظ القول عليه ولا تعبس ولا تقطب، بل قل: مرحباً وسلام عليك، واصبر وتحمل وإنك كذا وكذا، هذه هداية الله للمؤمنين. (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ )[الأنعام:54] أي: الله ( غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الأنعام:54]، يغفر له ذلك الذنب ويرحمه برضاه وإدخاله جنة النعيم مع الأبرار والصالحين، أما تفرحكم هذه؟ تفسير قوله تعالى: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55]، كهذا التفصيل الذي نفصل به الآيات المبينة للشرائع والأحكام والعبادات؛ كهذا التفصيل نفصل الآيات من أجل أن تظهر طريق المجرمين وتترك وتهجر ويبتعد عنها.(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ )[الأنعام:55]، أي: كهذا التفصيل بذكر الحادثة أو ذكر ما يتبعها وما يترتب عليها، وطريق التوبة والنجاة، هذا التفصيل من أجل ماذا؟ ( وَلِتَسْتَبِينَ )[الأنعام:55] تتضح ( سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55] فيتركها المؤمنون ويهجرونها ولا يلتفتون إليها، ولو لم يكن هناك تفصيل وبيان فسنقع فيما يقع فيه الآخرون، ومن هنا نستنبط أن طلب العلم واجب وفريضة، حتى تعرف طريق الحق من طريق الباطل، حتى تعرف سبيل النجاة من سبيل الخسران، فالله عز وجل يمتن علينا ويقول: هكذا نفصل الآيات من أجل ماذا؟ ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55] وتتضح، ويعرف الإجرام والمجرمون والكفرة والكافرون حتى يتجنب طريقهم ويبتعد عنهم، فهل هذه منة إلهية أم لا؟ لو ما بين لنا طريق الهدى فكيف سنهتدي؟ لو ما بين لنا طريق الضلال وفصلها في الكتاب بعد ذلك فسنفعل ما يفعله الناس ونحن لا ندري؟ أقول: الحمد لله أن فصل الله آياته فبين طريق الهدى وطريق الضلال، فمن أخذ في طريق الهدى اهتدى، ومن أخذ في طريق الضلال ضل أحب أم كره. (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ )[الأنعام:55] وفي قراءة: (سبيلَ المجرمين) لتعرف يا رسولنا سبيل المجرمين، من هم المجرمون؟ اللصوص والسراق والزناة والمشركون الكافرون، هذا اللفظ يشمل كل معصية، إذ كل من أذنب ذنباً فقد أجرم على نفسه، لوثها وعفنها وأبعدها عن رضا الله ومحبته، كل من أجرم جريمة على نفسه فهو مجرم، وفعلته جريمة. (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55] سبيل الظالمين الكافرين المشركين اللصوص، قل ما شئت، وقد بين تعالى هذا في كتابه، ما بقي إثم غير معلوم في القرآن، ما بقيت جريمة غير مبينة في القرآن بسبب هذا التفصيل. (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ )[الأنعام:55] أي: كهذا التفصيل، ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55]. أطرح هذا السؤال: ما زلت أشك أن كثيرين لا يفهمون معنى الجريمة، فما الجريمة؟ كل من أذنب ذنباً ولو بنظرة محرمة فقد أجرم على نفسه، أفسدها، صب عليها الدخن والنتن والعفن، فهو مجرم، كل من ضرب أخاً أو سلب ماله أو سبه أو شتمه فقد أجرم أم لا؟ فهو مجرم مرتين: أجرم على ذلك العبد وأجرم على نفسه؛ فلهذا كان كل مذنب مجرم. (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )[الأنعام:55]، لولا هذا الكتاب فهل سنعرف الذنوب والمعاصي؟ لن نعرفها، إن عرفنا شيئاً جهلنا أشياء. تفسير قوله تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ...) ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ )[الأنعام:56] أيها المبلغ عنا. هنا رسول الله مع ربه، قل يا رسولنا لهم وأعلن: ( إِنِّي نُهِيتُ )[الأنعام:56]، من نهاه؟ الله ربه وخالقه.(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:56]، فابكوا أو اضحكوا، نهاني ربي أن أعبد الذين تدعونهم من أصنامكم وأوثانكم وحجارتكم، أو من شهواتكم وأهوائكم، أو مما اتخذتموه آلهة وعبدتموه كعيسى ومريم .. وما إلى ذلك، نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون من دون الله، وتدعون بمعنى: تعبدون، إذ الدعاء هو العبادة ومخها، فمن دعا غير الله فقد عبده، كل من دعا غير الله فقد عبد من دعاه، إذ الدعاء هو العبادة؛ فلهذا قال: ( نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:56]، لا أدعو اللات ولا العزى ولا وثناً ولا حجراً، أدعو الله وحده فقط، فلا تلومونني إذاً فأنا مأمور، سيدي ومولاي نهاني أن أعبد الذين تدعون من دون الله، فهل نعصيه من أجلكم؟ هذه الآيات تزيل مفاهيم من نفوس المشركين وتوجب فهوماً أخرى، يندهشون مما يقول محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون، فلا تلومونني أنا، أنا منهي، أنا مأمور، وأنتم لا تنتهون وتعبدون غير الله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين) ثم قال له مرة أخرى: ( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56]، ومعنى هذا: أن كل من عبد غير الله بدعاء.. بحلف.. بذبح.. باستغاثة.. بنذر.. بركوع.. بسجود؛ والله ما فعل ذلك إلا اتباعاً للهوى، لا يملك من الحق في ذلك شيئاً، ولا مقدار واحد من مائة من دليل.(قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56]، معنى هذا: لا أعبد ما تعبدون، ولا أعتقد ما تعتقدون، ولا أسلك ما تسلكون؛ لأنكم على غير علم ولا على بينة، وإنما بالأهواء فقط، كيف أترك بيان ربي وهداية مولاي وأتبع أهواءكم؟ هل يوجد من عرف من أبنائنا وإخواننا التوحيد ويستجيب للخرافة فيدعو غير الله؟ ما ذلك بممكن أبداً مهما كان، تدعو رسول الله: يا رسول الله أغثني، أعطيني! هل هناك من يرضى بهذا الكلام؟ لأن هذا هوى؛ فمن فعله فقد اتبع هواه، آلله أمره بهذا؟ في أي آية أمره أن يدعو غير الله والآيات كلها تندد بهذا؟ فكل من عمل ببدعة أو ضلالة والله لا يملك من الهدى شيئاً، إنما ذلك هوى واتباع النفس والشيطان، والآية نص: ( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56]، يخاطب من؟ أبا جهل وفلاناً وطغاة مكة، لا أتبع أهواءكم لأنكم لا علم لكم، وإنما هي أهواء فقط وإملاءات إبليس والشيطان، فكيف أتبع أهواءكم؟ ثم يقول: ( قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )[الأنعام:56]، إذا أنا اتبعت أهواءكم ومشيت معكم ورافقتكم على ما أنتم عليه ( قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )[الأنعام:56]، سبحان الله! ما وراء هذا البيان من بيان؟ قل يا رسولنا لهؤلاء الضالين المجرمين الداعين غير الله العابدين سواه من أهوائهم وأحجارهم، قل لهم: ( لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56] ما قال: قل لا أتبعكم، قال: ( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56]؛ لأن ما يعبدونه كله من الهوى والشهوات، ما شرعه الله على لسان إبراهيم ولا إسماعيل ولا أنزل به كتاباً ولا بعث به رسولاً، بل مجرد اتباع هوى. (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا )[الأنعام:56] إذا أنا اتبعت أهواءكم ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )[الأنعام:56]، فكيف أرضى لنفسي أن أضل وأرجع من الهداية إلى الضلال؟ هذا لا يقبله عاقل أبداً، كيف أرضى به لنفسي؟ من الذي علم الرسول أن يقول هذا؟ إنه الله جل جلاله، حتى لا يبقى في ذهنك ولا في قلبك شيء، هذه تعاليم الله لرسوله، وأمته تابعة له إلا ما دل الدليل على الخصوصية، فكلنا يجب أن نقول هذه الكلمة: لا أتبع أهواءكم في بدعكم وضلالاتكم، فكيف بعد أن نهتدي ونعرف الطريق ننتكس ونرجع إلى الباطل والخرافة والضلالة، كيف يمكن هذا؟ تفسير قوله تعالى: (قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ...) ثم قال تعالى: ( قُلْ )[الأنعام:57]، لا إله إلا الله! الله بين يديه رسوله وهو يأمره ويعلمه: ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ )[الأنعام:57].أنا على بينة واضحة كالشمس من أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن البعث حق، وأن الجزاء لازم، وهذا جاء به كتاب الله وكذبتم أنتم به، فيا ويلكم. قل يا رسولنا وبلغ: ( إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي )[الأنعام:57]، ما أنا بجاهل ولا في هوى وعمى وضلال، أنا على بينة أكثر من وضوح الشمس، كيف لا والله يكلمه وهذا كلامه يوحيه إليه وينزله عليه؟ أبعد هذا شك؟ ( إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ )[الأنعام:57] أنتم ( بِهِ )[الأنعام:57] أي: بالقرآن.. بالتوحيد.. بما جئت به من الهدى، كل هذا كذبوا به، فماذا نصنع معكم إذاً؟ معنى قوله تعالى: (ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) قل: ( مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ 9[الأنعام:57]، أما قالوا: ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )[الأنفال:32]؟ اللهم إن كان هذا الذي يقول محمد هو الحق فأهلكنا حتى لا نراه بعد الآن، ( فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )[الأنفال:32]، فهنا قال لهم الرسول بتعليم الله: ( مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ 9[الأنعام:57]، لا أملك أنا العذاب بحيث متى طلبتم أنزله عليكم، لست بملك أبداً، أنا بشر، لا أملك سوى أن أبين الطريق بأمر الله عز وجل.(مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )[الأنعام:57]، (إن) بمعنى: (ما)، ما الحكم إلا لله، هو الذي يعذب متى شاء ويرحم متى شاء، يبين ويهدي ويعلم ويرشد، أما أنا فعبد من عبيده. فهم كانوا يستعجلونه بالعذاب: إن كنت صادقاً فيما تقول فأنزل علينا كذا، مر ربك ينزل علينا العذاب. وهي حماقة وجهالة وضلال. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )[الأنعام:57]، فلا حكم لأحد، الحكم لله فقط، والله ما الحكم إلا له، هو إن شاء أعطى وإن شاء منع، إن شاء أضل وإن شاء هدى، وإن شاء أدخل الجنة وإن شاء أدخل النار، افهم فهماً سليماً أن الحكم ليس لأحد، لا لملك ولا لنبي ولا لولي ولا لأي أحد، الحكم لله، فافزع إلى الله والجأ إليه واطلبه وابك بين يديه ولا تلتفت إلى غير الله تعالى، والله ما الحكم إلا لله. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ )[الأنعام:57]، فالقرآن الكريم فيه قصص، والله ما فيه قصة واحدة كذباً، لا والله ولا كلمة واحدة ليس فيها حق، فكل ما يقصه من حال عاد وثمود وفرعون وقوم شعيب والأمم وكيف دمرها، وكيف صرخ أهلها وطالبوا بالعذاب ونزل بهم، كل ذلك يقصه قص الحق. (يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )[الأنعام:57]، خير من يقضي ويفصل بين الحق والباطل، بين الشر والفساد، بين الخبث والطهر والصفاء، فقولوا: آمنا بالله. تفسير قوله تعالى: (قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ...) وفي الآية الأخيرة يقول له ربه سبحانه وتعالى: ( قُلْ )[الأنعام:58] يا رسولنا، ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ )[الأنعام:58]، ما الذي يستعجلون به؟ العذاب، يريدون أن ينزل الرسول عليهم العذاب بأمر الله، فلو كانوا يعقلون إذا نزل بهم العذاب وهلكوا فماذا سينتفعون؟ ولكن ما هم بمؤمنين بنزول العذاب، بل يريدون أن يتحدوا رسول الله ويعجزوه، حتى إذا قال: ما عندي ذلك قالوا: إذاً ما هو برسول، فالأمم السابقة كعاد لما تحدوا وطالبوا بالعذاب استجاب الله لرسوله هود فأرسل عليهم عاصفة ثمانية أيام وسبع ليال فما بقي أحد منهم، لكن اقتضت حكمة الله ألا ينزل العذاب بتلك الأمة أو الجماعة التي طغت وطالبت بالعذاب؛ لأن الله يعلم أن منهم من يسلم، وأن منهم من يخرج من صلبه مسلمون يعبدون الله عز وجل، فقال لمصطفاه: قل يا رسولنا: ( لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ )[الأنعام:58] أي: من العذاب ( لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ )[الأنعام:58] وانتهينا، لو كان عندي الآن فسأقول: يا رب أنزل بهم وباء فلا يتنفسون حتى يموتوا، لكن ما يستطيع وما يقدر، اللهم أنزل صاعقة من السماء أو اخسف بهم الأرض من تحتهم حتى تنتهي المشكلة، لكن الرسول لا يملك هذا، ومع هذا أيضاً لو كان يملكه فإنه لا يفعل، إذ هو أرحم الناس، لكن هذا هو الجواب لسؤالهم: ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ )[الأنعام:58].لو نزل العذاب يعذب الله به الظالمين، أما غير الظالمين فينجيهم، وقد فعل مع عاد قوم هود، أما نجى الله هوداً والذين آمنوا معه؟ أما فعل هذا مع ثمود فنجى صالحاً ومن معه؟ أما فعل هذا مع فرعون فنجى بني إسرائيل في ستمائة ألف وأغرق فرعون ومن معه؟ وهكذا مع نوح في السفينة أنجى ثلاثة وثمانين رجلاً وامرأة، وأغرق العالم بكامله. قبح الظلم بالإشراك بالله تعالى (قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ )[الأنعام:58] وانتهينا، ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ )[الأنعام:58]، تكرر معنى الظلم، وأفظعه وأبشعه وأقبحه ظلمك لربك، تأخذ حقه وتعطيه لأعدائه، بعض الإخوان لا يستسيغون هذه الكلمة، أي ظلم أفظع من أن تأخذ حق مولاك وتعطيه لعدوه، هل هناك أعظم من هذا الظلم؟ الظلم المعتاد أن تأخذ مشلح هذا وتعطيه لفلان، أو تخرج هذا من داره وتعطي الدار لفلان، تسقط هذا عن دابته وتعطيها فلاناً، هذا هو الظلم، وظلمك لربك أن تأخذ حقه، تلك العبادة التي ما خلقك إلا من أجلها، ما رزقك ولا أطعمك إلا لها، فتصرفها عنه إلى غيره، أي ظلم أعظم من هذا؟ ولهذا جاء في القرآن: ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]، والظلم قاعدته عندنا: وضع الشيء في غير محله، ويتفاوت الظلم، فالآن لو أدخلت أصبعك في أذنيك وقلت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ليلى غني لنا. فهذا ظلم؛ إذ المكان ما هو بمكان غناء، لكنه ليس كظلم من وقف يبول على سارية المسجد، فالظلم يتفاوت ولكنه كله قبح وشر والعياذ بالله، أعظمه الشرك بالله تعالى، الكفر به عز وجل، الكفر بكتابه بشرعه بأوليائه بما عنده وما لديه. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات [ أولاً: وجوب الرفق والتلطف بالمستفتين وعدم الشدة والغلظة عليهم ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الأنعام:54]، فإذا استفتاك مؤمن أو مؤمنة وقال: أنا زنيت أنا كذا فلا تعبس في وجهه، يجب أن تتلطف، وتقول له: تاب الله علي وعليك، غفر الله لك، الله غفور رحيم، والحمد لله وأقبل على الله.. وهكذا، أخذنا هذا من هذه الآية. قال: [ وجوب الرفق والتلطف بالمستفتين وعدم الشدة والغلظة عليهم ]، فالله أمر الرسول ألا يغلظ ولا يشتد عليهم، بل يقول: سلام عليكم، أهلاً وسهلاً. [ ثانياً: اتباع أهواء أهل الأهواء والباطل يضل ويهلك ]، لقوله تعالى: ( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56] لم؟ خشيت أن أهلك، ( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ )[الأنعام:56]؛ لأن أصحاب الهوى في طريق الدمار والخسران، فكيف يتخلى من معه نور الله وهدايته ويمشي مع المبتدعة والخرافيين؟ تترك قال الله وقال رسوله وتجلس تسمع الخرافات والضلالات! [ ثالثاً: على المسلم الداعي إلى ربه أن يكون على علم كاف بالله تعالى وبتوحيده ووعده ووعيده وأحكام شرعه ]، من أين أخذ هذا؟ من قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي )[الأنعام:57]، ما أتكلم عن جهل أو ضلال أو تقليد، أنا على بينة، فعلى الذين يدعون إلى الله عز وجل أن يكونوا علماء عالمين بما يحب الله وبما يكره وبما شرع وبما بين من أنواع العبادات والأحكام، أما قال تعالى لرسوله: ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي )[الأنعام:57]؟ والذي لا بينة له يتكلم بهواه وبالخرافات ليتبعه الناس. قال: [ثالثاً: على المسلم الداعي إلى ربه] وما بيننا إلا داع، كل مؤمن داع مع امرأته.. مع أولاده.. مع جيرانه، ما هو بشرط أن يجلس في المسجد أو في الجامع ليدعو، كل مؤمن يجب أن يخلف رسول الله في الدعوة، لكن لا بد أن يكون على علم. [ رابعاً: وجوب الصبر والتحمل مما يلقاه الداعي من أهل الزيغ والضلال من الاقتراحات الفاسدة ]. أخذنا هذا من قوله تعالى: ( مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )[الأنعام:57]. معاشر المستمعين! هذا كتاب الله، الحمد لله أن قضينا ساعة أو بعضها مع ربنا ورسولنا في بيت مولانا، فما أسعدنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأعطنا ولا تحرمنا، وارض عنا ولا تسخط يا رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام - (8) الحلقة (375) تفسير سورة الأنعام الله عز وجل محيط بكل شيء، عنده مفاتيح الغيب، لا يعزب عنه مثقال حبة في السماء أو في الأرض، يعلم ما يجترحه عباده من أعمال صالحة وطالحة، له الجبروت والملكوت، فهو القاهر فوق عباده، وهو الذي يحفظهم بملائكته، حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته الملائكة، فإن كان مؤمناً صالحاً خرجت روحه كالقطرة تخرج من في السقاء، وإن كان غير ذلك انتزعت روحه انتزاعاً يجد أثره في كل مفصل من مفاصله، وكل عرق من عروقه، ثم مرد الجميع إلى الله مولاهم الحق. تفسير قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، راجين آملين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة والتي زفت بسبعين ألف ملك من الملكوت الأعلى إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم. وها نحن مع هذه الآيات الخمس، فهيا نستمع إلى تلاوتها مرتلة مجودة، وبعد ذلك نشرع في تفسيرها وبين مراد الله تعالى منها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ )[الأنعام:59-62]. سبحانه لا إله إلا هو. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ )[الأنعام:59] آمنا بالله..آمنا بالله. يخبر تعالى أن خزائن الغيب عنده ومفاتيحها عنده، إذاً: فمن احتاج منكم إلى شيء فليقف أمام ربه وليسأله فإنه عنده مفاتح الغيب، وقرئ (مفاتيح)، و(مفاتح) جمع مفتح، وهو الخزانة المستودعة لما أودع الله فيها من الأرزاق، والمفاتيح أيضاً بيده، فلم يبق مجال لعاقل أن يضع حاجته بين يدي كائن من كان سوى الله عز وجل. (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ )[الأنعام:59]، ليس هناك من ملك ولا نبي ولا ولي يعلم هذا الغيب، هذه المستودعات، هذه الخزائن الله خالقها وموجدها وهو العليم بها، فيا بني الإنسان ويا بني الجان! عليكم بربكم تعالى لا تلتفوا إلى غيره فإنه بيده مفاتح الغيب، هكذا يريد تعالى أن يقول لنا. (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:59]، وما هناك إلا بر وبحر، وقدم البر لأن البر أقل من البحر والبحر أوسع، كل الكائنات الموجودة في البر والبحر الله بها عليم، من الذرة إلى المجرة في الملكوت الأعلى، هذا أبلغ من كلمة (عالم الغيب)؛ حتى تنشرح الصدور وتطمئن النفوس وتهدأ القلوب. يقول تعالى: ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:59] من كائنات على اختلافها وعلى فوائدها وعلى مضارها ومنافعها، ولا يحصيها إلا الله، ويعلم ما يسقط من ورق هذه الأشجار في الجبال والسهول وفي الأماكن المطلقة، والله ما تسقط ورقة من شجر إلا يعلمها. فهذا الذي يجب أن يعبد، هذا الذي يجب أن يدان له بالطاعة، هذا الذي يجب أن يحب، هذا الذي يجب أن نطرح بين يديه ونسأله ما نحن في حاجة إليه، أما الأهواء والشهوات والأصنام والأحجار والشياطين فكل هذا ضلال مبين. إحاطة علم الله تعالى بكل شيء وتسطيره في اللوح المحفوظ (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا )[الأنعام:59]، والورق ورق الشجر، ( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ )[الأنعام:59]، أي: ولا توجد حبة من البذور على اختلافها وتنوعها من بذرة الكزبرة إلى بذرة الدبا ( وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )[الأنعام:59].علمه الذي أحاط بكل شيء، وأضف إلى ذلك أن كل شيء دونه في ذلك الكتاب، فكيف ينجو الظالمون وكيف يسعد المشركون، وكيف تهنأ نفوس البغاة والظالمين وهم بين يدي الله أكثر من كونك أنت بين يدي أمك أو أبيك؟ هذا العلم الذي أحاط بكل شيء صاحبه يسب ويشتم وينسب إليه الولد ويدعى معه غيره ويتوسل إلى غيره! أمر عجب، وهو الإعراض عن الله وذكره وعن عبادته وحده دون من سواه. مرة ثانية: تأملوا هذه الآية: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )[الأنعام:59]، ألا وهو كتاب المقادير، ألا وهو اللوح المحفوظ، ألا وهو الإمام المبين؛ إذ جاءت أسماؤه في القرآن ثلاثة: الإمام المبين واللوح المحفوظ وكتاب المقادير. هذا هو الله فكيف نعرض عنه وعن ذكره وطاعته ونقبل على طاعة الشياطين وما تزينه من الأهواء والخبائث والرذائل؟ ما يبقى إلا أن يقول قائل: ما عرفناه، لو عرفنا هذا لما أعرضنا عنه. إذاً: لم لا نعرف هذا؟ أما أنزل كتابه وهو بين أيدينا محفوظاً في صدورنا ومكتوباً بسطورنا على أوراقنا؟! وإنما العدو من الإنس والجن هو الذي صرفنا عن دراسة كتاب الله ومعرفة ما جاء فيه من سبل الهداية وطرق الضلال؛ لنبقى هابطين ساقطين حيارى مفتونين، ما هناك جواب إلا هذا. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ...) هيا إلى الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ )[الأنعام:60]، ينيمكم لتناموا. أوتظنون أن النوم سهل؟ والله لولا الله أراده لما استطاع أحد أن ينام، ما هناك فرق بين النوم واليقظة، وقد ننام بالنهار، لكن نوم الليل هو الأكثر وهو الذي تتجه الموعظة به. من يتوفانا في الليل؟ إنه الله تعالى، فالأعمال التي كنا نعملها في اليقظة لها حد تنتهي إليه، إذاً: ينيمنا فإذا نمنا وقف العمل فإذا استيقظنا بدأ التسجيل علينا والعمل، لكن الظاهرة هي ظاهرة النوم، فكيف ننام لولا تدبيره ولولا حكمته ولولا قدرته ومشيئته؟ من منكم يغمض عينيه ويقول: أنا نمت الآن؟ والله لا يغمض ولا يقدر. وقد جاء من سورة يونس من مظاهر قدرة الله وعلمه أنه تعالى يتوفانا بالنوم، وهنا يقول تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ )[الأنعام:60]، والجرح يكون بالسكين أو بالعود، والمراد من الجرح هنا العمل بالجوارح، أولاً: تجرح بعينك فتنظر ما لا يحل لك أو ما لا يجوز لك ويسجل عليك، تجرح بأذنك فتسمع الخير أو الشر والحق أو الباطل، تجرح بلسانك فتقول المعروف أو المنكر، تجرح بيديك فتسرق وتخطف أو تتصدق، تجرح برجليك فتمشي إلى الحانات ودور الباطل أو إلى المساجد ودور المعرفة والعلم، فكم جارحة هذه؟ خمس. ويبدو لي أن الجوارح الخمس لا بد أن نجترح بها، أما جرح الأنف والبطن والفرج فتابع، لأننا نجترح فننظر ونسمع ونقول أو نأكل ونشرب ونأخذ بأيدينا ونمشي بأرجلنا. (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ )[الأنعام:60] والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو قل: من اليقظة من النوم إلى النوم، نجترح أي: نكتسب بجوارحنا، وهو تعالى يعلم هذا أم لا؟ وإذا كان يعلمه فهل يجزي به أو يهمله؟ إذا: فوالله إننا لمؤاخذون بجوارحنا إن نحن اجترحنا السيئات، أما إذا اجترحنا الحسنات فليهننا ذلك، لكن إذا اجترحنا السيئات من النظرة المحرمة إلى سماع كلمة الباطل إلى النطق بالسوء إلى الأخذ باليد أو العطاء لما لا يجوز إلى المشي بالرجل إلى ما لا ينبغي؛ فكل هذا يسجل علينا ونجزى به، إلا من تاب وتاب الله عليه فإنه يمحى ذلك الأثر ويزول من نفسه ومن كتاب الملائكة. معنى قوله تعالى: (ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ )[الأنعام:60]، أي: في النهار، يتوفانا بالليل ويبعثنا في النهار، لماذا؟ ( لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى )[الأنعام:60]، ننام ونستيقظ إلى أن ينتهي النفس الأخير، انظروا كيف يرعانا نائمين ومستيقظين نعمل الحسنات والسيئات، وهكذا قال: ( ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى )[الأنعام:60]، والذي يقضي هو الله، والأجل هو نهاية العمر، الأجل المسمى نهاية الحياة للإنسان. (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ )[الأنعام:60] مرجعنا إلى من؟ إلى الله، والله ما لنا من مرجع نرجع إليه إلا الله عز وجل، ( ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ )[الأنعام:60] يخبركم بما كنتم تعملونه من الخير والشر، من الحق والباطل، من العبادات الصالحة ومن الشركيات الباطلة، ومن شك في هذا كفر وما آمن بالله، وهذه الحقائق ثابتة ثبوت هذا الكون. (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ )[الأنعام:60] أي: في النهار ( لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى )[الأنعام:60]، أي: لتتم مدة الحياة للفرد والجماعة، ( ثُمَّ ) بعد الموت ( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ )[الأنعام:60]، ثم بعد ذلك إذا وقفنا في ساحة فصل القضاء ينبئنا بما كنا نعمل ويجزينا به الخير بمثله والشر بمثله، فقولوا: آمنا بالله، هكذا يتعرف إلينا لنعرفه معرفة يقينية فيزداد حبنا فيه وله وخوفنا منه، فهذه نتائج العلم بالله. تفسير قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ...) ثم يقول تعالى: ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )[الأنعام: 61]، وهو القاهر المتحكم المسيطر المذل المعز المعطي المانع ( فَوْقَ عِبَادِهِ )[الأنعام: 61]، وليس فوق الله شيء. فهذا هو الذي يتحاب الناس من أجله، هذا هو الذي يطلب ويبحث عنه حتى يعرف معرفة يقين فيتأهل العارف بعبادته وطاعته، وبحبه والمهابة والخوف منه، وهو القاهر وحده، ولا أحد آخر معه. (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )[الأنعام: 61] أولاً ( وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً )[الأنعام:61]، والحفظة من بينهم الكرام الكاتبين، إذ يتعاقب فينا ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، اثنان أحدهما يقعد عن اليمين والثاني عن الشمال من صلاة الصبح إلى نصف إلى أن نصلي العصر، يتركانك بعد صلاة العصر وينزل اثنان من صلاة العصر إلى صلاة الصبح. وهناك قرين ملازم لا يفارقنا ليلاً ولا نهاراً، وهناك حفظة يحفظوننا من الجن والشياطين أيضاً غير هؤلاء، فمن يرسل هذا الجيش لحمايتك كأنك سلطان؟ ( وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً )[الأنعام:61]، ينزلهم من الملكوت الأعلى يرسلهم علينا لا لنا. معنى قوله تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )[الأنعام:61]، والموت قادم، والله إنه لآت، متى؟ لا ندري، قد يكون الآن أو بعد ساعة أو بعد يوم، فلم ننسى الله ونعرض عن ذكره؟ لم نصاب بهذه المحنة: الإعراض عن ذكر الله والإقبال على الشهوات والأهواء ونحن محكوم علينا بالموت؟ ومن حكمة الله ألا يطلعنا عليه حتى يأتي مفاجأة، وبذلك تتم حكمة الله. لو علمت أنك تموت بعد أسبوع أو بعد شهر فستستقيم، لكن ما دمت في دار الابتلاء والعمل فإنك لا تدري حتى تؤخذ على ما أنت عليه. (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً )[الأنعام:61] إلى متى؟ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )[الأنعام:61]، هل لله رسل؟ كل من أرسله الله من الملائكة رسول، وكل من أرسله من الأنبياء رسول. (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا )[الأنعام:61] ملك الموت وأعوانه، ملك الموت هو الذي يأخذ الروح ويستلها من الجسم ويسلمها للموكب الذي ينتظره، والموكب إما أن يكون من أهل السعادة أو من أهل الشقاء، فإن كان الميت من أهل الشقاء فلا تسأل عن هذا الموكب كيف وجوههم وكيف أصواتهم، وإذا كان من أصحاب الأرواح الزكية والأرواح الطاهرة فلا تسأل عن طهارة هذا الموكب. (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )[الأنعام:61]، والله ما يفرطون أبداً، مستحيل أن يأتي ملك الموت وأعوانه ثم يقول: نرى أن نؤجل هذا إلى غد أو إلى ساعة من الآن، مستحيل أن يعصوا الله كما نعصيه نحن، ( وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )[الأنعام:61]، لا بد أن يمضي هذا الحكم الإلهي، إذا جاءت الرسل المرسلة منه لقبض روح فلان فإنهم يأخذونها بالوقت المحدد باللحظة وبأقل من اللحظة ولا يفرطون في ذلك أبداً. آمنا بالله.. آمنا بالله. هذا كلام الله، أسألكم بالله: هل هذا يقرأ على الموتى؟ أسألكم بالله: هل هذا يهجر ولا يدرس ولا يتدبر ولا يتفكر فيه؟ تفسير قوله تعالى: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ...) قال تعالى: ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ )[الأنعام:61-62]، بعد الموت نرد إلى من؟ إلى ملكنا وإلى ولي أمرنا الله تعالى، ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ )[الأنعام:62]، مولاهم مالكهم سيدهم ربهم إلههم الذي يملكهم حقاً وصدقاً؛ إذ هو خالقهم ورازقهم وخالق الكون كله من أجلهم، أليس هو مولاهم؟! (ثُمَّ رُدُّوا )[الأنعام:62] بعد استلال الروح من هذا الجسد واستلامها والعروج بها أو الهبوط، وقد علمنا من غير هذه الآية أن الأرواح الطاهرة إذا أخرجت وعرج بها تفتح لها أبواب السماء سماء بعد سماء حتى ينتهي الملائكة بها إلى تحت العرش، ويسجل الاسم في كتاب عليين، وإذا كانت الروح خبيثة منتنة عفنة بأمراض الشرك والمعاصي والكفر والآثام فلا تفتح لها أبواب السماء، وينزلون بها إلى أسفل سافلين، واقرءوا: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ )[الأعراف:40]، ومتى يدخل البعير في عين الإبرة؟ مستحيل! فصاحب النفس الخبيثة مستحيل أن تدخل نفسه دار السلام، هل عرفت البشرية هذا؟ ما عرفت، خمسة وتسعون في المائة -بل تسعة وتسعون- ما عرفوا هذا، معرضون مصروفون، وإلا فلو فكر أحدهم فقال: أنا مخلوق أم لا؟ أي نعم، ومصنوع، فأين صانعي؟ من هو؟ فإن قالوا: يوجد في الصين من يعرفه؛ فإنه -والله- يرحل ليعرفه، وإذا وجد من يعرف صانعه قال: ماذا يريد مني؟ علمني عرفني. يقول: يحب منك كذا وكذا ويكره لك كذا وكذا وقد أعد لك كذا وكذا. فيعبد الله ويسعد بتلك العبادة وإن كان مريضاً أو جائعاً، هذا واقعنا والله يدخل في رحمته من يشاء. قال: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ )[الأنعام:62]، وهل هناك موال آخرون؟ هناك ولايات لكنها باطلة، لا مولى لك حق إلا الله، كل من ادعى أنك عبده وأنه ولي أمرك فادعاؤه باطل، فمولانا معبودنا ربنا خالقنا الحق هو الله: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ )[الأنعام:62]. معنى قوله تعالى: (ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) ثم قال تعالى: ( أَلا )[الأنعام:62]، ونحن اليوم نستخدم كلمة (ألو) هذه التي شبعنا بها حتى الأطفال الصغار، القرآن يقول: ( أَلا )[الأنعام:62] استمع انتبه، هل أنت واع، هل أنت تفهم؟ هذا معنى ألو. (أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ )[الأنعام:62]، اجتمعوا على صعيد واحد في عرصات القيامة ثم لا حكم إلا لله، ليس مع الله أحد في ذلك الموطن يحكم معه، ( أَلا لَهُ الْحُكْمُ )[الأنعام:62]، وقد يقول قائل: إذاً قد يطول الزمان، فلا بد أن يسند ويساعد! والجواب: لا تفهم هذا الفهم فإنه أسرع الحاسبين، أسرع من يحاسب ويجزي كلاً بكسبه وعمله. فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الكسب الصالح، ومن أهل الإيمان والتقوى يا رب العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما تعلمنا واجعلنا من الراشدين، اللهم اجمعنا على كلامك في بيوتك يا رب العالمين، وارزقنا اليقين، اللهم ارزقنا اليقين، وتوفنا وأنت راض عنا وأدخلنا يا ربنا برحمتك في عبادك الصالحين. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام الحلقة (376) تفسير سورة الانعام (9) كان المشركون في جاهليتهم يدعون مع الله آلهة أخرى، حتى إذا وقعوا في الشدة والكرب دعوا الله مخلصين له الدين، فإذا نجاهم من ذلك عادوا لما كانوا عليه سابقاً، وهذا برهان عظيم على بطلان فعلهم وفساد معتقدهم، فالله سبحانه وتعالى الذي تفرد بخلقهم ورزقهم وإحيائهم وإماتتهم قادر على أن ينزل على من يشاء منهم عذاباً من فوقهم، أو من تحت أرجلهم، ولن يجدوا لهم من دونه ولياً ولا نصيراً. تفسير قوله تعالى: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) . وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلك السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح. هذه السورة تقرر أصول العقيدة: توحيد الله عز وجل، إثبات النبوة لمصطفى ربنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتقرير البعث الآخر والجزاء على الكسب والعمل في الدنيا، وها نحن مع هذه الآيات فلنستمع إلى تجويدها من أحد الأبناء ثم نشرع في بيان ما جاء فيها بإذن الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:63-67]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:63]، قل يا رسولنا أيها المبلغ عنا، وهو النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي خاطبه فأمره هو الله ربنا ورب العالمين، وتلقى هذا الخطاب بواسطة الوحي الإلهي الذي ينزل به جبريل عليه السلام. قل يا رسولنا للمشركين من قومك للعادلين بربهم أصناماً وأحجاراً، قل لهم: ( مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:63]، وما ينزل عليكم من بلاء، سواء كنتم في البر بالأمطار والعواصف والرياح أو في البحر، (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً )[الأنعام:63]، تدعون الله عز وجل وتطلبون منه أن يكشف ما بكم من كرب وأن يزيل ما بكم من غم وهم عندما يصيبكم ذلك. المفارقة بين شرك العرب الأولين وشرك المعاصرين من المسلمين حال الشدائد (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا )[الأنعام:63] أي: حال كونكم متضرعين إليه بالأصوات الخافتة الخفية الدالة على الاستكانة والفقر والحاجة، ما هي بأصوات التجبر والتكبر كما تكونون خارج الهم والكرب، تدعونه تضرعاً وخفية وتحلفون له لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين له العابدين له الموحدين له، وهذه حقيقة قررها القرآن وأثبتها في آيات كثيرة. فالعرب المشركون في الجاهلية إذا كانوا في حال الشدة يفزعون إلى الله يدعونه ويتضرعون له بأصوات الضراعة، وإذا زال الهم والغم أو البؤس أو الشدة نسوا ذلك وأقبلوا على الأصنام يعبدونها بالتقرب إليها بالذبح والنذر والتمسح بها والعكوف حولها، هكذا كانوا. وهنا نذكر الجهل الذي أصاب أمة القرآن لما صرفت عنه وحول إلى الموتى وحرمه الأحياء، تجد في ديارنا في العرب والعجم إلى الآن إذا أصاب إخواننا هم أو غم أو كرب يفزعون إلى الأولياء وإلى القبور يستغيثون ويستعيذون ويطلبون ويتوسلون، وإذا رفع الله ذلك البلاء وأزال ذلك الكرب والهم كذلك لا يشكرون الله عز وجل، فكانت حالنا أسوأ من حال المشركين، وبيان ذلك أن المشركين في حال الشدة يفزعون إلى الله وفي حال الرخاء يفزعون إلى أصنامهم وينسون شكر الله عز وجل، وذلك لجهلهم، ولجهل أمة الإسلام بعد أن صرفت عن كتاب الله ودراسته حصل لها ما حصل للمشركين، ولكن الذي يؤسف أنه حتى في الرخاء نستغيث بأولياء الله ونستعين بهم إلى غير ذلك، فحالنا أحط من حال المشركين الأولين. فاسمع ما يقول تعالى عن العرب في جاهليتهم، يقول: (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً )[الأنعام:63] قائلين مقسمين حالفين (لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ )[الأنعام:63] التي نزلت بنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ )[الأنعام:63] له، فإذا زال ذلك الهم والغم نسوا الله عز وجل وما عبدوه ولا شكروه، هذا إخبار الله، يقول لرسوله: بلغهم ذكرهم ليفيقوا وليرجعوا إلى الحق. تفسير قوله تعالى: (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) ثم قال تعالى لرسوله: ( قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ )[الأنعام:64]، قل لهم يا رسولنا: الله ينجيكم من هذه المحنة أو هذه الأزمة التي حصلت، ينجيكم منها ومن كل كرب، ومع الأسف أنتم تشركون، لماذا؟ الجواب: لأنهم ما عرفوا الله وما عرفوا ما عنده وما لديه وما فقهوا ولا علموا، فلهذا يجب أن يصغوا وأن يستمعوا وأن يعلموا ويعملوا، وما بعث الله رسوله فيهم إلا من أجل هدايتهم والأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة والسعادة، لكن الرؤساء منهم يصرفونهم بأساليب الصرف كما تقدم وسيأتي. تفسير قوله تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم ...) ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )[الأنعام:65]، ( قُلْ هُوَ )[الأنعام:65] أي: الله عز وجل ( الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ )[الأنعام:65]، كالصواعق التي تنزل، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )[الأنعام:65]،كالخسف والزلزال، وتمضي الأيام والأعوام ويصبح ما ينزل من السماء الصواريخ التي تدمر البلاد والعباد، وتحت الأرض المتفجرات التي تحول الديار إلى بلاقع، وسبحان الله! هذا كلام الله. معنى قوله تعالى: (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) (قُلْ هُوَ )[الأنعام:65] جل جلاله وعظم سلطانه، هو وحده لا غيره ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )[الأنعام:65]، ما معنى (يلبسكم شيعاً)؟ أي: يوجد الفرقة بينكم وتفترقون وتصبح كل جماعة تدعو إلى ما تدعو إليه وتبغض الأخرى وتحاربها، تنقسم دولتكم إلى دويلات كل يطلب الملك والسيادة والعز، وتستمر الفتنة بينكم فلا سعادة في الدنيا ولا في الآخرة، فهو القادر على هذا وقد فعله بأمة القرآن وبأمة الإسلام، أليست مفرقة؟ أليست مقسمة؟ أليست شيعاً وطوائف وأحزاباً وجماعات؟ وهي اليوم أذل العالم. ذكر خبر التسليط على الأمة بتفرقها وتناحرها وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زوى لي الأرض ) أي: جمعها ( فرأيت مشارقها ومغاربها )، جمع له الأرض ككتلة بين يديه، وتشاهدون هذا، قد تشاهد نيويورك في صفحة كعرض الكف، كالتلفاز، ولا عجب.قال: ( وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها )، وقد جمعت الأرض بين يديه يشاهدها، قال: ( وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) الذهب والفضة، ( وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكهم بسنة عامة ) من الجدب والقحط أو البلاء والأوبئة التي تأتي على آخرهم، ( وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً ) . دعا ربه بعدما عرف على وجه شاشة شاهد فيها الكرة الأرضية، وقد كنا قبل أن توجد هذه الآلات نؤمن بما يخبر به الله والرسول، ولا نقول: كيف، والآن -كما قلت لكم- تكون جالساً أمام تلفاز عرضه وطوله ذراع وتشاهد نيويورك بكاملها أو القارة الخامسة. إذاً: فلا غرابة ولا عجب أن زوى له الأرض وجمعها بين يديه فشاهد مشارقها ومغاربها كما هي، وأعلمه أن ملك أمته سيبلغ هذا -وقد بلغ وتم- وأنه أعطي الكنزين الأحمر والأبيض، وقد كانت أمة العرب فقرها لا وصف له، فأصبح المسلمون في القرن الأول والثاني والثالث أغنى البشر والعالم بالذهب والفضة. ثم سأل ربه ألا يهلكها بسنة عامة فاستجاب الله له، وسأله أن لا يسلط عليها عدواً من غير نفسها يذلها ويهلكها فاستجاب، ولكن بشرط أن تكون أمتك متفقة متحدة، فإن افترقت واختلفت مذاهب وطوائف وشيعاً وأحزاباً ودويلات؛ فلا بد أن يسلط عليها أعداءها ليذلوها، وكذلك حصل وتم هذا الخبر كما هو، أما استعمرت أمة الإسلام كلها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب وأذلهم الغرب إذلالاً لا حد له؟ ومن مظاهر ذلك الآن أن حفنة من اليهود أذلوا العالم الإسلامي بكامله إذلالاً كاملاً، ومن هنا نعرف أن الفرقة هي سبب البلاء والشقاء، والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو سبب الجهل العميق، بحيث أصبحوا لا يعرفون الله ولا يحبونه ولا يخافونه، فضلاً على أن يعرفوا ما يحب وما يكره، وتحقق هذا. دعوة لاجتماع الأمة على كتاب الله وسنة رسوله وتوحيد أقاليمها فهيا نرجع إلى الله عز وجل، فما أخبر الرسول بهذا إلا لأنه لا بد أن نسلم أنفسنا وننقاد، علمنا لنحذر ونتقي هذه الفتنة، فأي مانع يمنع أن يجتمع المسلمون على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يبقى مذهب حنبلي ولا شافعي ولا مالكي ولا جعفري ولا زيدي ولا إباضي؟ آالله أمرنا بهذا؟ والله ما أمر. ثانياً: إذا أنهينا الفرقة في أربع وعشرين ساعة فإن معنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك بيان الحلال والحرام والآداب والأخلاق والعبادات والسياسة المالية والاقتصادية والعسكرية، كل ما نحتاجه موجود في كتاب الله وسنة رسوله. في أربع وعشرين ساعة نكون أمة واحدة، ذلك أن ولاة الأقاليم الإسلامية يجتمعون في هذه الروضة ويبايعون إمام المسلمين وكل يعود والياً على إقليمه، فماذا يكلف هذا؟ لا شيء. وماذا يثمر هذا؟ كل الخير، أما أن نرضى بالفرقة والخلاف حتى في العقائد والعبادات، ونعرض عن الشريعة بما فيها ونعرض عن كتاب الله فلا ندرسه ولا نجتمع عليه وإنما نقرؤه على الموتى؛ فما الذي يرجى لنا سوى الذل والهون والدون؟ أقسم لكم بالله على أنه لا ينتظم أمرنا وتستقيم حياتنا ونقود البشرية إلى سعادتها بعد أن ننجو نحن ونسعد إلا بترك الفرقة كيفما كانت، البلد الآن مذهبه واحد وفيه جماعات مفترقة: هذا صوفي وهذا كذا وهذا كذا وهذا كذا، مفترقون في بلد واحد، المذاهب متفرقة ومتعددة، كل جماعة تعتز بمذهبها، آالله أمر بهذا؟ حاشاه تعالى أن يأمر بهذا وهو القائل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا )[آل عمران:102-103] هذا أمره ونهيه أم لا؟ يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
صور من الفوضى في الحياة الإسلامية البعيدة عن الهدي الإلهي عجب هذا القرآن! اسمع ما يقوله تعالى لرسوله والأمة تسمع، يقول له: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ )[الأنعام:65] يخلطكم ( شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )[الأنعام:65] وحصل هذا أم لا؟ قبل وجود الاستعمار بسنوات في بدايته كيف كان حال المسلمين؟ في بلاد المغرب لا تمشي من قرية إلى أخرى حتى تدفع جزية بين العرب أنفسهم! هنا في المدينة كان يؤخذ باب منزلك كي يباع في السوق ولا تستطيع أن تتكلم. عندنا نخلة كبيرة يقول لنا آباؤنا عنها: هذه علق بها مائة رأس من قبيلة عدوة لنا! مائة شخص ذبحوهم وعلقوا رءوسهم، وهذا في بلاد العالم الإسلامي بكامله، ولولا ذلك لما سلط عليهم النصارى، سلطهم عليهم رحمة بهم وشفقة عليهم، تدبير الله عز وجل، وما عرف العرب الأمن هكذا إلا بعد أن حكموا ببريطانيا وبفرنسا وغيرها، وهذا هو شأن من يرضون بالانقسام والفرقة والبعد عن الله عز وجل. وها هم تحت النظارة، لا تظنوا أن الله غاب أو عجز، ما زال هو القوي القاهر القادر على ما يشاء، فإما أن نسلم قلوبنا ووجوهنا له ونصبح أمة واحدة كشخص واحد، وإما ينزل بنا بلاء أصعب وأشد من البلاء الأول، وبلغوا هذا. معنى قوله تعالى: (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) ثم قال تعالى لرسوله: ( انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:65]، انظر يا رسولنا كيف نصرف الآيات هذه التي تتلى وننوعها ونبين ما فيها من هداية رجاء أن يفقهوا. وأكثرهم فقه وعرف، لكن الآن لما هبطنا لم يعد كثير من المسلمين يفقهون أبداً ولا يعرفون، أما الأولون ففقهوا ودخلوا في الإسلام، ما هي إلا سنيات -خمس وعشرون سنة- وما بقي كافر في الجزيرة، لكن نحن هل أقبلنا على الآيات وقد صرفت؟ أسألكم بالله: كم درساً يوجد في العالم الإسلامي مثل درسنا هذا في تفسير كتاب الله؟ بعض العلماء يقول: لا يجوز تفسير كلام الله، ويقرءون القرآن على الموتى! وأوضح من هذا أننا دائماً نقول: من منكم جلس يوماً في ظل شجرة أو جدار أيام العمل أو جلس تحت سارية المسجد وقال لأحد المارين: تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن؟ هذه آية الإعراض أم لا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـابن مسعود : ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله فيقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: أحب أن أسمعه من غيري. فيقرأ عليه من سورة النساء قرابة الثلاثين آية حتى بلغ: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا )[النساء:41-42] قال: حسبك. قال: فالتفت فإذا بعيني رسول الله تذرفان ) ، عرفتم أننا تحت النظارة أم لا؟ سئل أحدهم: أين الله؟ فقال: بالمرصاد وقرأ ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )[الفجر:14]، فلا تظن أنه راض عن أمة الإسلام وهي في هذه الفتنة، أعرضوا عن كتاب الله عن أحكامه عن شرعه، أباحوا المحرمات علناً، فهل هم آمنون؟ هل خوفوا الله؟! والله ما هو إلا الإمهال والإنظار. (انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )[الأنعام:46]، وتصريفها من موضوع إلى موضوع ومن حكم إلى حكم ( لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:65] أسرار هذا التشريع، ويعرفون حكم هذا التشريع، ويتذوقون ذلك بإيمانهم وإقبالهم على ربهم يذكرون ويشكرون. تفسير قوله تعالى: (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) ثم قال تعالى: ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ )[الأنعام:66]، (وكذب به) أي: بهذا القرآن المنزل عليك يا رسولنا المفصل الآيات المبينة، كذب به قومك الذين أرسلت إليهم، ولكن كما قلت لكم: في أقل من خمس وعشرين سنة دخلوا في الإسلام. (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ )[الأنعام:66] الذي لا حق أبداً بعده، أليس هذا كلام الله؟ ثم قال له: ( قُلْ )[الأنعام:66] أي: لقومك وأنت توجه وأنت تبين وأنت تهدي، ( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:66]، ما أنا وكيل الله ولا وكيل السلطان ولا وكيل الملك فأكون ملزماً بهدايتكم، ما أملك هذا أبداً، ما علي إلا أن أبين الطريق فمن سلكها اهتدى ومن أعرض عنها شقي وهلك، ما أنا بوكيل عليكم ومتصرف فيكم ألزمكم بالإيمان وأكرهكم على الدخول في الإسلام وأجبركم على أن تصلوا أو تصوموا. (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:66]، اعرف هذا يا رسولنا وبلغه لهم؛ لأنهم يطالبونه -كما تقدم- بالمعجزات والآيات، ما هو من شأن الرسول هذا، ما شأنه إلا البيان: ( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ )[الشورى:48]، بلغ فقط كلامنا للبعيد القاصي والقريب الداني، هذه مهمتك، أما أن تصلح الناس وتهديهم فما هذا شأنك، ما كلفناك بهذا ( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:66]. تفسير قوله تعالى: (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) ثم يقول له: ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ )[الأنعام:67]، لكل نبأ من أنباء الله وأخباره مستقر يستقر فيه لن يخطئه، فكل ما أوعد الله به أو وعد يتم كما أخبر، لا تظنوا أبداً أن شيئاً أخبر الله به لا يقع، فخبره تعالى بقوله: ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) [الأنعام:65] هل حصل أم لا؟ هل تم كما أخبر أم لا؟ (لِكُلِّ نَبَإٍ )[الأنعام:67] والنبأ: الخبر العظيم ذو الشأن ( مُسْتَقَرٌّ )[الأنعام:67] زمان ومكان يستقر فيه ولا يخطئ، طال الزمان أو قصر، في الدنيا والآخرة، ( وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:67]، وقد علموا. ملخص لما جاء في تفسير الآيات أعيد تلاوة الآيات فتأملوا: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً )[الأنعام:63] وتقولون حالفين ( لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ )[الأنعام:63]، من هذه الأزمة التي حلت بهم ( لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ )[الأنعام:63-64] به غيره، تشركون به الأهواء والشهوات والأطماع والدنيا والباطل فضلاً عن دعاء غير الله والاستغاثة بغيره. ثم قال لرسوله: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )[الأنعام:65]، والآن عرفنا العذاب من فوقنا بالصواعق والصواريخ، ومن تحت الأرجل بالمتفجرات، ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ )[الأنعام:65] يخلطكم ( شِيَعًا )[الأنعام:65] كما يخلط الثوب بالبدن، ( شِيَعًا )[الأنعام:65] أي: طوائف وأحزاب وجماعات يتشيع بعضها لبعض، ( وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )[الأنعام:65] وقد فعل، فكم من أرواح أزهقت، وكم من أجسام مسلمة كسرت بأيدي المسلمين. وإلى الآن يوجود هذا، الآن في ديارنا الجزائرية أكثر من خمسين ألفاً، وفي ديار الأفغان إلى الآن، وقد شاهدوا آيات الله كأنهم عمي لا يبصرون، قبل أمس في لبنان ماذا حصل؟ مع مرور أكثر من عشرين سنة بلاء، وها هي دائرة في كل مكان؛ لأن الله تعالى قال: ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ )[الأنعام:67] لا بد أن يستقر في مكانه. وها نحن في هذه الديار الطيبة المباركة أيضاً نهدد ونخوف، وما سبب ذلك إلا إعراضنا وغفلتنا وإقبالنا على الدنيا وأباطيلها، ولو أننا رجعنا إلى الحق وقلنا: الله أكبر، لا إله إلا الله، ورضينا بالقليل من الطعام والشراب وأقبلنا على عبادة الله؛ فوالله لو كادنا أهل الأرض لما استطاعوا أن يزلزلوا أقدامنا، لكن هم ينفخون الذنوب والمعاصي بوسائل عجب، ونحن كالأبقار مددنا أعناقنا ونرحب بكل ما يأتينا حتى برانيط أولادنا، هذا مثال، وأمثلة الأغاني والمزامير والربا وغير ذلك لا تسأل عنها، كل هذا من يد الأعداء حتى يزول هذا النور وتنطفئ هذه الأنوار الإلهية، والله نسأل أن يبقيها إلى يوم القيامة، اللهم من كاد هذه الديار بكيد فعجل بهلاكه يا رب العالمين، واصرفه وكيده يا حي يا قيوم. ثم يقول تعالى لرسوله: ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ )[الأنعام:66]، إذاً قل لهم: ( لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:66]، أنا لا أملك هدايتكم ولا أقدر على أن أنزل العذاب بكم، هذا موكول إلى الله ليس لي أنا، ما علي إلا أنني أعلم من أراد أن يتعلم وأبلغ من لم يبلغه كلام ربه عز وجل. (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ )[الأنعام:67] والله ( تَعْلَمُونَ )[الأنعام:67] هذا. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات معاشر المستمعين! هيا مع هداية هذه الآيات، هل تعرفون ما هي الهدايات؟ كل آية تحمل نوراً، ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية كل آية تؤكد معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن البعث الآخر حق، ذلك أن هذه الآية أنزلها وقالها الله تعالى. هل هناك من يقول: أمي أو أبي أو جدي أو فلان أو فلان؟ والله قوي قدير رحيم عليم موجود، أخبر عن نفسه أنه لا إله إلا هو، فكل آية تقول: لا إله إلا الله، وهذا الذي نزل عليه هذا الكلام كيف يكون غير الرسول؟ فهو -إذاً- رسول الله، كل آية تقرر (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، من أجل أن يعبد الله في الأرض وينزل أولياؤه في السماء بعد موتهم، فهذه العبادة لتزكية نفوسهم وتطهيرها حتى يصبح المرء منهم أهلاً لتفتح له أبواب السماء ولينزل بدار السلام. [ من هداية الآيات: أولاً: لا برهان أعظم على بطلان الشرك من أن المشركين يخلصون الدعاء لله تعالى في الشدة ]. مرة ثانية: لا برهان ولا دليل ولا حجة أعظم على أن الشرك باطل من أن المشركين أنفسهم يخلصون الدعاء لله في الشدة، لو كان ينفعهم عيسى عليه السلام أو غيره فلماذا لا يفزعون إليهم في الشدة؟ عرفوا أنهم لا ينفعونهم، لو صرخوا أمام اللات ألف صرخة فوالله ما استجيب لهم. فلماذا -إذاً- في الشدة يفزعون إلى الله؟ معنى هذا أنه ليأسهم وعلمهم أنه لا يدفع الكرب ولا ينجي من الهم والغم إلا الله، فهذا أكبر برهان على التوحيد وبطلان الشرك. [ ثانياً: لا منجي من الشدائد ولا منقذ من الكروب إلا الله سبحانه وتعالى ]، وهذا لا يرده ذو عقل. [ ثالثاً: التحذير من الاختلاف المفضي إلى الانقسام والتكتل ]؛ لقوله تعالى: ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )[الأنعام:65]، فلا يصح أن يفترق المسلمون أبداً في بيت ولا في قرية ولا في مدينة ولا في إقليم، أمرهم واحد، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله وإلى رسوله، إلى الكتاب والسنة، ولا تبقى الفرقة أبداً. [ ربعاً: ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ )[الأنعام:67] أجري مجرى المثل، وكذا ( وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:67] ] كالمثل. والله تعالى نسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونتعلم ونسمع، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام الحلقة (377) تفسير سورة الأنعام (10) كان المشركون وخاصة كبراؤهم وصناديدهم يجتمعون حول البيت ويجلسون في ظل جدرانه ويأخذون في الطعن في آيات الله سبحانه وتعالى، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا كان هذا حالهم أن يعرض عنهم ولا يجالسهم إلا أن يخوضوا في حديث غيره، فمثل هؤلاء إنما غرتهم الحياة الدنيا، وظنوا أنهم مخلدون فيها فاتخذوا الدين لهواً ولعباً، فكان جزاؤهم أن يدخلهم الله النار وبئس القرار. تفسير قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره...) الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) . وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية الميمونة المباركة، تلكم السورة التي نزلت في مكة وزفها سبعون ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة تدور كلها على تقرير المبادئ الثلاثة: التوحيد، نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، عقيدة البعث والجزاء في الدار الآخرة. والآن مع هذه الآيات الثلاث نسمع تلاوتها مرتلة مجودة ثم نشرع في تفسيرها إن شاء الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ )[الأنعام:68-70]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )[الأنعام:68]، من المتكلم بهذا الكلام؟ من المخاطب به: ( وَإِذَا رَأَيْتَ )[الأنعام:68] من هو هذا؟ هذا محمد صلى الله عليه وسلم. فهذه الآية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أيعقل أن يوجد كلام حكيم راق سام بدون متكلم؟ مستحيل، إذاً: فالله موجود، وهذا كلامه وهو العليم الحكيم، والذي خوطب بهذا الكلام ونزل عليه أيعقل أن يكون غير نبي ورسول؟ مستحيل. وهكذا كل آية في كتاب الله -وهي ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية- كل آية تقرر مبدأ (لا إله إلا الله محمد رسول الله). يقول جل ذكره لمصطفاه ولرسوله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا )[الأنعام:68] إذ كان المشركون -وخاصة رؤساءهم- يجتمعون حول البيت ويجلسون في ظلال الجدران ويأخذون في الطعن في القرآن ومن أرسل به، يستهزئون ويسخرون بآيات الله. إذاً: حصل هذا وتم ووجد، فيقول الله تعالى لرسوله ولأتباعه وأصحابه ولكافة أمته: إذا رأيت من يتكلم بالباطل في كلام الله فيجب أن تقوم من مجلسه، وحرام أن تجلس إليه: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ )[الأنعام:68]، أعطهم ظهرك ولا تلتفت إليهم ولا تجلس إليهم. إذا اجتمع ثلاثة أو أربعة من العلمانيين من الملاحدة من البدعيين الضالين، وأخذوا يطعنون في كتاب الله وكلامه مستهزئين ساخرين؛ فلا يحل لك -يا ولي الله- أن تجلس معهم، فبمجرد أن يشرعوا في هذا الطعن والنقد قم وأعطهم ظهرك، وهذا أمر الله عز وجل لرسوله وأمته تابعة له فيه. (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ )[الأنعام:68]، والخوض كخوض الإنسان في الماء وتخبطه فيه، إذاً: فأعرض عنهم ولا تلتفت إليهم ولا تجلس معهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )[الأنعام:68]، إذا تكلموا في تجارة أو في مال أو في حرب أو في نحو ذلك فلا بأس، أما أن يتكلموا طاعنين ناقدين ساخرين من أولياء الله تعالى وكتابه ورسوله؛ فلا يحل لك يا مؤمن أن تبقى جالساً معهم. معنى قوله تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) ثم قال له: ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ )[الأنعام:68]، ومما يدل دلالة واضحة على أن الأمة -ونحن من أفرادها- معنية بهذا الخطاب ذكر النسيان؛ فالشيطان قد لا يقوى على أن ينسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ينسينا نحن، ومع هذا يقول أهل العلم: إن النبي ينسى، كما قال: ( إني أنسى كما تنسون ) . والشيطان لا سلطان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو معصوم بعصمة الله، لا يوقعه في مخالفة أو معصية، ولكن من الجائز أن يصرف قلبه إلى شيء آخر يتكلم فيه أو يفكر فيه فينسى نفسه أنه بين أناس يطعنون في الإسلام أو ينتقدونه. (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ )[الأنعام:68] إن حصل هذا. وـ(إما) أصلها (إن) و(ما) زيدت لتقوية الكلام، إما ينسينك الشيطان ثم ذكرت فقم ولا تجلس. فهذا التعليم وهذا التوجيه، أنه كلما خاضوا في كلام الله بالسب والنقد يجب أن تعرض وتقوم، وإن نسيت فجلست ثم ذكرت نهي الله لك فقم على الفور: ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى )[الأنعام:68] بعد أن تذكر ( مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:68]. وهذا قد يقع للمؤمنين نساءً ورجالاً، فالمؤمن قد يعلم أنه لا يحل أن يجلس مع قوم يطعنون ويتكلمون، ولكن ينسى، لكن بمجرد أن يذكر أنه لا يحل له البقاء هنا ولا الجلوس في هذا المجلس يجب أن ينهض ويقوم. مرة ثانية: ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ 9[الأنعام:68] ينسيه ماذا؟ النهي عن الجلوس مع المجرمين والمبطلين والطاعنين في الإسلام والفاسدين، قد يحصل هذا بنسيان، أو هو لأمته كما قدمنا، أي: لنا نحن، ( فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:68] لأنهم مشركون كافرون، وكل من يطعن في كتاب الله وفي شريعة الله فهو كافر ومشرك، هذه الآية الأولى. فهل عرفتم -معاشر المؤمنين والمؤمنات- أنه يجب علينا أن لا نجلس مجلساً يطعن فيه في الإسلام وتنتقد فيه شرائعه وينتقد فيه أولياؤه ودعاته وهداته، هذا المجلس لا يجوز أن نجلسه أبداً، وإن نسينا فما إن نذكر أن هذا لا يجوز حتى نقوم، خذ نعلك واخرج ولا تبق جالساً، هذا توجيه الله أم لا؟ تفسير قوله تعالى: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ...) الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:69]. (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ )[الأنعام:69] من هم؟ رسول الله والمؤمنون، هؤلاء الذين يتقون ليس عليهم من حساب هؤلاء الملاحدة أو العلمانيين أو الضلال من شيء، الله الذي يتولى ذلك، ولكن حين ننهض ونقوم ونأخذ نعالنا غير راضين بمجلسهم يكون ذلك ذكرى لهم لعلهم يفيقون ويرجعون إلى الحق. قال الشيخ مسعود تغمده الله برحمته: دعيت ليلة إلى بدعة، ولما بدأ المبتدعة يبتدعون ذكرت، فأخذت نعلي ووليت هارباً، فقالوا: يا مسعود ، يا شيخ! ما لك؟ قال: فأعرضت عنهم تطبيقاً لهذه الآية. فحين تقوم وأنت من أهل القرية أو البلد وأنت محترم فيهم وتتركهم؛ هذا قد يجعلهم يفكرون: لماذا يقوم؟ لماذا ما رضي بحديثنا؟ لابد أن يخطر هذا ببال واحد منهم، فيقول: لعلنا نحن على باطل، لعلنا لسنا على الحق. فيحمله ذلك على أن يسأل فيهتدي، وهذا تشريع الله الحكيم لا يخلو أبداً من فائدة. (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ )[الأنعام:69] وهم المؤمنون الذين جلسوا مع أهل الباطل واللهو، ما عليهم من حسابهم من شيء، ( وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:69] ذكرى فقط لعلهم يتقون، لعل أولئك المعرضين المفسدين يتقون ويرجعون إلى الحق. تفسير قوله تعالى: (وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا ...) ثم قال تعالى: ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]، يخاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له: ( وَذَرِ )[الأنعام:70] أي: اترك، ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا )[الأنعام:70]، أصل اللعب: أي قول أو عمل لا ينتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة ولا درهماً لمعاشك اليوم، ومثاله لعب الأطفال، يلعبون عند الباب ساعة أو ساعتين أو ثلاثاً، ثم هل يعودون بحسنة؟ لا، يعودون بريال؟ لا. فكل قول وكل تفكير وكل عمل لا ينتج لصاحبه حسنة ليوم القيامة أو درهماً لمعاشه الآن فهو لعب وباطل، ولا يفعله المؤمن، ومعنى هذا أن الله تعالى أغلق علينا باب اللعب، إي والله، نحن قوم نتهيأ لأن نخترق السماوات السبع وننزل في الفردوس، فلا ينبغي لنا أن نتجرد للهو واللعب ونصبح كغيرنا، ما هذا بشيء عظيم أبداً، نحن عقلاء وأئمة للبشر وهداة للناس، فكيف نلعب؟! كيف أقضي نصف ساعة أو ربع ساعة أو عشر دقائق ولا أجلب لنفسي حسنة ولا درهماً؟! أيجوز للعقلاء هذا؟ هذا للمجانين، هذا للكافرين؛ لأنهم أهل النار. أما المؤمنون الذين يرجون أن ينزلوا الفراديس العلى فليس هذا من صفتهم ولا شأنهم، وها هو تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( وَذَرِ )[الأنعام:70] اترك ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا )[الأنعام:70]، كالفساق والفجار منا والعلمانيين والملاحدة الذين يجتمعون فيسخرون من الدين، وهذا الدين هو دينهم، فالإسلام دين البشرية جمعاء أبيضها وأسودها. فالمشركون في مكة اتخذوا دينهم الإسلام لهواً ولعباً، وما هو دينهم؟ أما بعث الله رسوله لهم؟ أما أنزل الوحي عليهم من أجلهم؟ فكل من اتخذ الإسلام لهواً ولعباً يصدق عليه أنه اتخذ دينه لعباً ولهواً. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
اللهو المشروع في الإسلام وإن قلتم: ليس في الإسلام لعب، ليس فيه لهو، فقد وضع الشارع لذلك نقاطاً محددة، أنت تلاعب طفلك الصغير خمس دقائق أو ربع ساعة وأمه تطبخ الشاي أو الأزر وهو يبكي، تأخذه أنت وتجعل نفسك كأنك حمار يركب على ظهرك، كل هذا مأذون فيه: ( لاعب ابنك سبعاً )، وهذا وإن كان في الظاهر لعباً لكنك أحسنت به إلى أمه وإليه هو، فهي حسنة لك. وكذلك تلاعب فرسك، تروضه على السير والقفز؛ لأنك تعده للجهاد، هذه رياضة ظاهرها لعب، ولكنها تنتج أنك روضت فرسك، وكذلك رماحك، أو نبالك، أو رصاصك، الآن يجلسون الجيش تحت جبل ويأمرونهم بأن يضربوا، ويجعلون لهم أهدافاً معينة ليصيبوها، فهو في الظاهر لهو ولعب وفي الحقيقة مأذون فيه؛ لأجل أن يتعلموا كيف يصيبون أهداف العدو، وكذلك لهوك مع زوجتك تداعبها مأذون فيه. فالزوجة، والولد، والفرس، والرماية -سواء كانت بالبنادق أو بالمدافع- كل ذلك أذن الشارع صلى الله عليه وسلم باللهو فيه، لاعب ابنك، داعب امرأتك لتسليها وتخرج عنها همها، روض فرسك، مرن نفسك على رمي الأهداف بالرصاص أو بالصواريخ، وفيما عدا هذا لا وجود للهو واللعب عندنا، نحن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم. (وَذَرِ الَّذِينَ )[الأنعام:70]، اترك ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا )[الأنعام:70]، واللهو ما هو؟ اللهو: كل ما يلهيك ويشغلك عما يكسبك حسنة لمعادك أو درهماً لمعاشك. معنى قوله تعالى: (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت) اترك هؤلاء ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]، كيف تغرهم الحياة الدنيا؟ افتح عينيك وتأمل في العالم الإسلامي، تجد ثلاثة أرباع المسلمين مغرورين بالحياة الدنيا، منهم من لا يصلي، منهم من لا يحضر الصلاة في المساجد، منهم من يتعاطى الربا، منهم من يعمل كذا وكذا.. كل هذا اغترار بالحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، غرتهم الحياة الدنيا.(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70] يا رسولنا! يا عبدنا! ذكر بالقرآن، ذكر بهذا الكلام الإلهي، ذكر به ( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ )[الأنعام:70]، ومعنى: (تبسل): تؤخذ، ترتهن وتحبس ثم تدخل العذاب في جهنم، من قبل أن تبسل نفس، وإبسال النفس أن تؤخذ وترتهن وتحبس فترة ثم تساق إلى عذابها، تحبس في البرزخ وترتهن، ثم إذا بعثت يوم القيامة فإلى جهنم رأساً. (وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70] يا رسولنا، ذكر بهذا القرآن، بهذه الكلام، ذكر به مخافة أو كراهة ( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ )[الأنعام:70]، تبسل نفس بما كسبت أو بما كسب لها؟ بما كسبت. ما هذا الذي كسبته فأبسلت به؟ الذنوب والآثام، الشرك والمعاصي، فهل هذا كسبها أم لا؟ تقول الكلمة فينعكس رأساً دخانها أو نورها على نفسك، تمشي خطوة واحدة بحسب ما تريد فينعكس أثرها على نفسك، هذه محطة وضعها الله في الناس، ما من كلمة ولا حركة متعمدة يفعلها العاقل البالغ إلا وجد أثرها، إن كانت حسنة ينكس إشعاعها على قلبه، وإن كانت سيئة ينعكس دخانها على قلبه كذلك، وهذا معنى قوله تعالى: ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[المطففين:14]. قال صلى الله عليه وسلم: ( إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء فى قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها قلبه، فإن عاد رانت حتى يغلق بها قلبه، فذاك الذى ذكر الله عز وجل فى كتابه: ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )[المطففين:14] )، فلهذا كانت التوبة عندنا فريضة، ولا يحل تأخيرها، فبمجرد الوقوع في الزلة تقول: أستغفر الله وأتوب إليه؛ لأنه إذا تراكمت الذنوب تأتي ساعة تقول له: اتق الله فيضحك ويسخر منك. قال تعالى: ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70]، أي: بهذا القرآن، ( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ )[الأنعام:70] ذكراً أو أنثى، عربياً أو عجمياً، ( بِمَا كَسَبَتْ )[الأنعام:70]، أي: بسبب كسبها حبست وارتهنت لتدخل جهنم وتخلد فيها. معنى قوله تعالى: (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ) قال تعالى: ( لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ )[الأنعام:70]، وهل هناك نفس لها ولي يتولى أمرها ويدخلها الجنة وينقذها من النار دون الله؟ والله لا وجود لذلك. وهل هناك نفس مظلمة عفنة منتنة تجد من يشفع لها ويخرجها من النار أو يدخلها الجنة؟ والله ما كان، اللهم إلا المؤمنون الصادقون الربانيون، يتفضل الله عليهم فيأذن لنبيه أو لأوليائه أن يشفعوا فيهم، إكراماً للشافع والمشفوع، والذي لم يرض الله له أن يدخل الجنة لا تقبل فيه شفاعة أحد، قال تعالى: ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )[النجم:26]، أيضاً لمن يشاء، أولاً: يأذن الله لك يا عبد الله أن تشفع فيمن؟ في أمك؛ لأنها أهل لأن تدخل الجنة. فلا يشفع شافع إلا بإذن الله، ولا يشفع شافع في إنسان إلا إذا رضي الله عز وجل أن يدخل الجنة، والآية نص وصريحة لو كنا لا نقرأ القرآن على الموتى فحسب. اسمع: ( وَكَمْ )[النجم:26]، ملايين، ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى )[النجم:26] أيضاً عمن يشاء. وهنا يقول تعالى: ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ )[الأنعام:70]، أي: بسبب كسبها الشرك والكفر والذنوب والآثام والجرائم والموبقات. معنى قوله تعالى: (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا )[الأنعام:70]، لو أتت بمثل الأرض كلها ذهباً فوالله لا يقبل منها، ولو أتت بملايين البشر بدلها فوالله لا يقبل منها، ( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ )[الأنعام:70]، من باب الفرض، جاءك الله بجبال التبت كلها ذهباً، فقلت: خذ يا رب هذه الجبال الذهبية واسمح لي أن أدخل الجنة؛ فوالله لا يقبل منك. ولو جاء بجيل أو أجيال وقال: بهؤلاء جميعاً أفدي نفسي هل يقبل منه؟ ( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا )[الأنعام:70]، لا تفكر أن هناك من يقف بين يديه تعالى ويقول: أنا أشفع لفلان، أو يقول: أدفع كذا لفلان ليدخل الجنة، ( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا 9[الأنعام:70]، (أُبْسِلُوا) بمعنى: ارتهنوا، فهم محبوسون بذنوبهم، إذاً: يدخلون النار ولا يخرجون منها. معنى قوله تعالى: (أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]، وأي كسب؟ الأغاني، المزامير، الغيبة، النميمة، الفحش الباطل، الزنا، اللواط، الخيانة، الغش، الكذب، الكبر، العجب.. أمراض كسبوها، ما أفرغت عليهم، ما ألزموا بها وأكرهوا، كسبوها عن عقل ووعي، لو فعلوها وهم نائمون فإنهم لا يحاسبون، وإن فعلوها وهم ناسون فلا يحاسبون، وإن فعلوها وهم مكرهون بالحديد والنار فلا يحاسبون، ولكن فعلوها وهم مريدون ذلك، مختارون لأنفسهم.(أُوْلَئِكَ )[الأنعام:70] البعداء ( الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]، لا بظلم نزل بهم وحصل بهم، بسبب كسبهم الكفر والظلم والشرك والذنوب والمعاصي. (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ )[الأنعام:70]، هم الآن في دار البوار في النار، فهل شرابهم المسك؟ ما هناك كوكاكولا ولا عصير البرتقال ولا زمزم، ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ )[الأنعام:70]، لا يطاق من درجة الحرارة، حيث تتمزق أمعاؤهم. (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ )[الأنعام:70]، موجع غاية الإيجاع، ولا نستطيع تقديره أبداً، وقد عرفتم أجسامهم طولها وعرضها، فضرس أحدهم كجبل أحد، ما بين كتفيه مائة وخمسة وثلاثون كيلو، من مكة إلى قديد. إذاً:فهل شرابهم الحميم، وطعامهم البقلاوة والحلاوة؟ لا، بل الزقوم، والضريع. هكذا يقول تعالى: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا )[الأنعام:70]، ما معنى: (أُبْسِلُوا)؟ ارتهنوا وحبسوا لأجل أن يدخلوا النار، وما معنى: ( بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]؟ أي: بكسبهم، كسبوا خيراً أو شراً كسفك الدماء، الكفر، الشرك.. قل ما شئت من الذنوب والآثام، إذا اسودت نفوسهم وأظلمت أرواحهم وتعفنت؛ فلا يصلحون لدار السلام، للقاعدة التي حفظها المؤمنون والمؤمنات: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، هذا حكم الله، بلغوه يا عباد الله، يا إماء الله. لقد صدر حكم الله على البشرية وعلى الجن أيضاً معهم بأن من زكى نفسه بالإيمان وصالح الأعمال فزكت وطابت وطهرت فقد أفلح، أي: فاز بالنجاة من النار وبدخول الجنة، ومن دساها وخبثها ولوثها وعفنها بأوضار الشرك والذنوب والمعاصي فقد خاب، أي: خسر نفسه وأهله، ومن يعقب على الله؟ (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ )[الأنعام:70]، ثم قال تعالى في الختم الأخير: ( بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ )[الأنعام:70]، أي: بسبب كفرهم، كانوا يكفرون بالله، ويكفرون بشرائع الله، ويكفرون حقوق الله، فكلمة الكفر: هي الجحود والتنكر لله، لرسوله، لشريعته، للقائه، لوعده، لوعيده. مجمل تفسير الآيات مرة ثانية أسمعكم الآيات: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )[الأنعام:68]، فهل ستفعلون هذا من الآن؟(وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[الأنعام:68]، غفلت أو نسيت فجلست وهم يطعنون في نبيك أو في أمته، ثم ذكرت؛ فخذ نعلك واخرج. (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:69]، ما نحن بمسئولين نحاسب على كفرهم وشركهم، ولكن حين نقوم ونتركهم نذكرهم علهم يذكرون فيتقون. (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]، اتركهم في جرائم معاصيهم وباطلهم ولا تجلس إليه ولا تسمع منهم، ولا تخالطهم ولا تعاشرهم، ولا تنزل حتى في ديارهم. (وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70]، بماذا نذكر يا ربنا؟ بهذا القرآن، نحن نذكر به الموتى، أما الأحياء فلا، لا يجتمع أهل القرية في قريتهم، أو أهل الحي، أو أهل البيت ليقرءوا القرآن ويتدبروه، فكيف يذكرون به، نقرؤه على الموتى فقط، مات الشيخ الفلاني فنقرؤه ثلاث ليال أو سبع ليال، طلبة القرآن موجودون، سمعتم بهذا أم لا؟ من إندونيسيا إلى موريتانيا والعالم الإسلامي هكذا، عدة قرون لا يجتمع اثنان على دراسة كتاب الله وفهم مراد الله منه وما فيه. إذاً: ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]، كسبوا بأنفسهم أم لا؟ ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ )[الأنعام:70]. كيفية تحصيل ولاية الله تعالى معاشر الأبناء والإخوان! دائماً نقرر تلك القاعدة تعليماً لغير العالمين وتذكيراً للناسين، وهذا حسبنا والله يهدي من يشاء، ونقول: ما من عاقل إلا وهو يرغب في ولاية الله تعالى؛ لأنك إذا لم تواله تعاديه، ومن يعادي الله هل يفلح؟فكلنا يريد أن يواليه الله ويصبح من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فنقول: تريد أن توالي الله؟ وافقه تكن وليه، وافق ربك تصبح وليه، توافقه في ماذا؟ فيما يحب، وفيما يكره، أحبب ما يحب واكره ما يكره فأنت -والله- وليه، واعكس بحيث يحب وتكره، ويكره وتحب فإنك حينئذ عدوه، وهذا إيجاز عجيب للولاية. فالموافقة تكون في المحاب والمخالفة في المكاره، فهنا يجب على كل من يريد ولاية الله أن يعرف محاب الله محبوباً بعد محبوب، وأن يعرف مكاره الله مكروهاً بعد مكروه، وأن يرحل ولو إلى الصين أو إلى اليابان حتى يعرف محاب الله ومكارهه. أحد الصالحين قال: يا شيخ! نريد أن تكتب لنا رسالة تجمع محاب الله ومكارهه، فقلت له: لا بأس، أعمل إن شاء الله، وكتبنا الرسالة، وسنقدمها الليلة للمطبعة، هذه الرسالة اتخذنا لها بعد كل درس خمس دقائق أو عشر دقائق نقرأ منها صفحة واحدة، وقد اشتملت على خمسين محبوباً ومكروهاً، خمسة وعشرون من محاب الله، وخمسة وعشرون من مكاره الله، صفحة للمحبوب والصفحة المقابلة للمكروه، وقلنا لمن يقرأ: إذا قرأت الصفحة الأولى في المحبوب فلا تتجاوز إلى الأخرى حتى تعرف محاب الله، وتكره نفسك على أن تحب ما يحب ربك، فإذا فرغت من هذا فانتقل إلى الصفحة الثانية التي فيها المكروهات فاعرفها واكرها، وإذا ما أحبت ذلك نفسك فإنك تكره نفسك حتى تكره ما يكره ربك، وبذلك تخرج وقد أصبحت ولي الله، وهناك صك تأخذه أيضاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام الحلقة (378) تفسير سورة الأنعام (11) حرم الله عز وجل على عباده المؤمنين الجلوس في المجالس التي يسخر فيها من دين الله وشريعته وديانته، وأن من جلس في مثل هذه المجالس فعليه الإعراض والإنكار وسرعة مفارقتها، خاصة إذا كان أهل الحق مستضعفين وأهل الباطل ظاهرين، وحسب المؤمن الصادق أن يعرض عنهم فلا يفرح بهم ولا يضحك لهم، حتى لا يكون مصيره في الآخرة كمصيرهم. قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة الأنعام المكية، ومع الآيات الثلاث التي تدارسناها بالأمس ولم نوفها حقها، فنريد مرة ثانية أن يرتلها الطالب، ونعيد تفسيرها وشرحها إن شاء الله تعالى. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ )[الأنعام:68-70]. معنى الآيات معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! [معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث مع أولئك العادلين] بربهم آلهة أخرى، اصطنعوها، وكذبوا في ادعائها آلهة، أولئك العادلون ما زال الكلام معهم، [فيقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا )[الأنعام:68]] ما معنى: (يَخُوضُونَ)؟ [ يستهزئون بالآيات القرآنية، ويسخرون مما دلت عليه من التوحيد والعذاب للكافرين ].وقد بينا أن جماعات من المشركين في مكة كانوا يجتمعون ليسخروا من القرآن ويستهزئوا به وبمن نزل عليه، وفيهم نزل هذا القرآن الكريم. [( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ )[الأنعام:68]]، من أمر الرسول بالإعراض عنهم؟ الله جل جلاله، اتركهم وأعطهم ظهرك ولا تلتفت إليهم ما داموا يخوضون في الباطل، ويتكلمون بالمنكر طعناً في القرآن ومن نزل عليه، إذاً: هؤلاء لا تجلس معهم، أعرض عنهم. وبينا لأبنائنا وبناتنا أنه إلى اليوم لا يحل لمؤمن أن يجلس مجلساً فيأخذ أهل المجلس في الطعن في الإسلام، والنقد، ويبقى معهم، يجب أن يأخذ نعله ويخرج من عندهم، ولا يحل له البقاء؛ لأن الآيات عامة لهداية الخلق إلى يوم القيامة. قال: [ ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ )[الأنعام:68]، أي: فصد عنهم وانصرف ( حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )[الأنعام:68] ]، أي: غير الطعن والنقد والسب والشتم، فإن أخذوا بحديث دنياهم عن السوق والبيع والشراء وشأنهم فلا يضرك ذلك، لكن إذا اخذوا يطعنون في دين الله وفيمن أرسل وهو رسول الله، أو في أولياء الله ودعاته، في هذه الحالة ينبغي أن تعرض عنهم، فإن عدلوا عن ذلك فلا بأس. وإن كان فرضاً أن الشيطان أنساك ما نهيت عنه من عدم الجلوس معهم، ثم ذكرت وزال النسيان فعلى الفور تقوم وتخرج من مجلسهم. قال: [ وإن أنساك الشيطان نهينا هذا فجلست ثم ذكرت فقم ولا تقعد مع القوم الظالمين ]، معنى هذا: أنك إذا نسيت فجلست مع جماعة يتضاحكون ويسخرون ويستهزئون بالإسلام وشرائعه، من العلمانيين والملاحدة والضلال، أو من الخاسرين والتائهين، ثم ذكرت أنك منهي أن تبقى معهم فعلى الفور أطع الله وقم من مكانك: ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ )[الأنعام:68]، أي: وإن أنساك الشيطان نهي الله هذا، ثم ذكرت أنك منهي عن الجلوس في هذا المجلس فقم على الفور، ولا تقعد مع القوم الظالمين. وظلمهم واضح في وضعهم الأشياء في غير موضعها، بدلاً من أن يتذاكروا كتاب الله وما يهدي إليه، وأن يذكروا رسول الله وما يدعو إليه، يجعلون بدل ذلك النقد والطعن وما لا يجوز أن يقال. [ وقوله تعالى: ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:69]، أي: وليس على المؤمنين المتقين -جعلنا الله منهم- أنت وأصحابك يا رسولنا من تبعة ولا مسئولية، ولكن إذا خاضوا في الباطل فقوموا؛ ليكون ذلك ذكرى لهم فيكفون عن الخوض في آيات الله تعالى ]، نعم، ليس عليك من حساب المبطلين والملاحدة والمبطلين إذا قالوا الباطل، ما أنت بمسئول عن ذلك، كل ما في الأمر أنك تقوم وتتركهم، قد يكون ذلك حاملاً لهم على التفكير: لماذا خرج؟ لماذا أخذ نعله وما رضي كلامنا؟ لعلنا مبطلون، لعله محق. قد يكون ذلك سبباً لهدايتهم، بخلاف ما إذا بقيت معهم وأيدتهم على باطلهم برضاك بالجلوس معهم. قال: [ وهذا كان بمكة قبل قوة الإسلام ]، هذا البيان كان في مكة قبل قوة الإسلام، كان أيام ضعف الإسلام، والمراد من ضعف الإسلام: ضعف أهله إذ لا قدرة لهم على الجهاد. قال: [ ونزل بالمدينة النهي عن الجلوس مع الكافرين والمنافقين إذا خاضوا في آيات الله ]، وهذا يبقى إلى يوم القيامة، [ومن جلس معهم يكون مثلهم، وهو أمر عظيم ]، ففي المدينة لا عذر، أما في مكة فلأن المسلمين ضعفاء عاجزون وهم أقوياء، فقد لا يستطيعون أن يواجهوهم، لكن في المدينة والإسلام قوي لا يحل لمؤمن أن يجلس معهم. قال: [ ونزل بالمدينة النهي عن الجلوس مع الكافرين والمنافقين إذا خاضوا في آيات الله، ومن جلس معهم يكون مثلهم ] أي: في الظلم والكفر والنفاق [ وهو أمر عظيم ]، من يقوى على أن يتحول من مؤمن إلى كافر، ومن مؤمن صادق إلى منافق؟ [ قال تعالى: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )[النساء:140] ]، فإذا خاضوا في حديث الباطل الذي يخوضون فيه وأنتم جالسون فأنتم مثلهم في نفاقهم وكفرهم، وقرئ: (نَزَّلَ)، و(نُزِّلَ)، ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا )[النساء:140]، في أي مجلس وفي أي مكان في العالم، ( فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )[النساء:140]، فالذي يرضى بإهانة الإسلام والمسلمين، بإهانة دين الله، بإهانة شرعه وكتابه فهو مثلهم. فلهذا لا نجلس معهم ابتداء، لكن إذا جلسنا وأخذوا يتخوضون في سب الإسلام وطعنه وجب النهوض والخروج، ولا يحل البقاء أبداً، لقد أعذر الله أولئك الضعفاء في مكة، لكن لما عز الإسلام وقوي أهله وانتصرت رايته لم يسمح لأحد أن يبقى معهم، وإلا فهو منافق أو كافر مثلهم. وتأملوا الآية: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ )[النساء:140]، ماذا نزل؟ ( أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ )[النساء:140]، أي: القرآنية، ( يُكْفَرُ بِهَا )[النساء:140]، أي: يكفر بها المنافقون والكافرون، ( وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا )[النساء:140]، بالكلام الذي تعرفونه من الاستهزاء، ( فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )[النساء:140]، فإذا ما خرجتم من المجلس فقد أصبحتم مثلهم. قال: [ هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية. أما الثالثة فإن الله تعالى يأمر رسوله أن يترك الذين اتخذوا دينهم الحق الذي جاءهم به رسول الحق لعباً ولهواً يلعبون به أو يسخرون منه ويستهزئون به، وغرتهم الحياة الدنيا، قال تعالى: ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]، اتركهم ] لا تجالسهم ولا تجلس معهم ولا ترض بذلك، [ اتركهم فلا يهمك أمرهم، وفي هذا تهديد لهم على ما هم عليه من الكفر والسخرية والاستهزاء ]، اترك الذين شأنهم كذا وكذا قبل أن تنزل العقوبة بهم، فالله تعالى يقول له في إنذار وتهديد لهم: اترك ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )[الأنعام:70]، اتركهم لنا للننزل عقوبتنا بهم. [ وقد أخبر تعالى في سورة الحجر أنه كفاه أمرهم؛ إذ قال: ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ )[الحجر:95] ]، وقد كفاه إياهم، وكلهم صرعوا في بدر -وهم سبعون ظالماً- عن آخرهم، وعده الله بأنه سيكفيه إياهم، وقد كفاه أمرهم. يتبع |
الساعة الآن : 12:56 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour