ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 02-08-2021 04:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
ثم قال عليه السلام: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ )[المائدة:118]، والمالك لهم، والسيد عليهم، أنت خالقهم، ومن يعترض على الله؟ إذا كنت تملك شاة تريد أن تذبحها فهل هناك من يقول: لا تذبحها؟ أنت المالك، ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ )[المائدة:118]، وأنت المالك لهم فافعل ما تشاء، ( وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[المائدة:118]، العزيز: الغالب الذي لا يمانع في مراده، والحكيم: الذي يضع كل شيء في موضعه، فهو تعالى يغفر للمذنبين غير المشركين، يغفر للمذنبين الذين أذنبوا من غير المشركين، أما الذين ماتوا على الشرك والكفر فهم آيسون قانطون، والله أخبر في غير آية، ورسله صرحت بذلك، فعيسى نفسه قال: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )[المائدة:72]، والتحريم: المنع الكامل.إذاً: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ )[المائدة:118]، من يعترض عليك؟ ( وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[المائدة:118]، تقدر على ذلك وتغفر لمن يستحق المغفرة؛ لأن الحكيم يضع الشيء في موضعه.
إذاً: فبنو إسرائيل الذين بعث فيهم عيسى وجد منهم المسلمون المؤمنون كالحواريين وغيرهم، وفيهم المذنبون، فهؤلاء يغفر لهم ويرحمهم، أما من كفروا وماتوا على الشرك والكفر فهم آيسون قانطون، وهذا مجرد اعتذار من عيسى لربه وتفويض الأمر إلى الله، يقول: أنا كنت معهم كذا وكذا، وقد دعوتهم إلى ما أمرتني به، ثم توفيتني وأنت بعد ذلك الرقيب الشاهد عليهم، فإن تعذب عبادك وإن تغفر ( فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[المائدة:118]، موقف عظيم يقفه عيسى، وكيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا أين يتم؟ في عرصات القيامة، في الساحة العظمى حين يأتي الرب ويحكم بين الناس.
تفسير قوله تعالى: (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ...)
فأجابه الرحمن فقال تعالى: ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )[المائدة:119]، أهل الإيمان والعمل الصالح، الصادقون في إيمانهم وصالح أعمالهم في هذا اليوم ينفعهم صدقهم، والكاذبون المشركون والعابثون يا ويلهم، هذا اليوم يوم اجتماع الخليقة لفصل القضاء، ( يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )[المائدة:119]، فادعوا الله أن نكون منهم؟ فاللهم اجعلنا منهم.والصادقون: جمع صادق، الصادق في إيمانه وفي عمله، لا ريب ولا شك ولا شيء يختلج في النفس، صدقه كامل وسلوكه كامل وتام.
إذاً: ( هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )[المائدة:119]، بيان ذلك: قال تعالى: ( لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )[المائدة:119]، من أعلن عن هذا النعيم؟ الرب تبارك وتعالى، الله الذي قال هذا، ( يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )[المائدة:119] بلا نهاية.
وأنهار الجنة أربعة، هذه الأنهار تجري تحت الأشجار والقصور، قال تعالى: ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ )[محمد:15]. ‏
فوز الصادقين برضوان الله
ثم ختم تعالى هذا الإنعام بما هو أعظم من الجنة ونعيمها: ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة:119]، نعيم الجنة مهما كان لا يساوي رضا الله عز وجل. وقد مثلنا لإخواننا حتى يفهموا -وكلنا عوام وأشباه عوام- فقلنا: أنت ينزلك شخص منزله ويكرمك بالطعام والشراب وهو ساخط غضبان عليك، مكشر في وجهك عابس مقطب الجبين، فهل ستسعد؟ ستمل هذا النعيم مهما كان، لكن إذا كان راضياً عنك، يبتسم في وجهك ويناديك بأحسن أسمائك وإن قل الطعام والشراب فأنت في رضا وفي سعادة، فلهذا كان رضا الله أعظم نعيم الجنة، ولهذا ختمه بقوله: ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )[المائدة:119]. والنعيم الآخر هو أن يكشف عن وجهه الحجاب ويريهم وجهه الكريم فتغمرهم فرحة ما عرفوا مثلها قط.
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )[المائدة:119]، قال تعالى: ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة:119]، ما قال: هذا الفوز العظيم؛ لأنه عال، فلذلك قال: ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة:119]، ما هو الفوز بالشاة والبعير والمرأة والولد والوظيفة والمنصب، فما هذا بشيء، الفوز العظيم: أن تنجو من عذاب الله وتدخل الجنة دار الكرامة مع أولياء الله، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )[آل عمران:185]، بيان ذلك: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )[آل عمران:185]، ومن أدخل النار وأبعد عن الجنة فقد خاب وخسر، فمن منا يرغب في أن يفوز؟ كلنا ذاك الرجل. فما الطريق؟ الطريق هو أن نعمل في صدق على تزكية نفوسنا وتطهير أرواحنا؛ لقوله تعالى في قضائه وحكمه: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، هنا تقرير المصير ليوم القيامة.
يا أمة الله! اعملي على تزكية نفسك. وإن قلت: كيف أزكيها؟ فاسألي أهل العلم يعلموك، وإن كنت تريدين الخبر الآن فآمني بالله وبكل ما أمر الله بالإيمان به، ثم اعملي الصالحات التي هي الصلاة وما إليها من العبادات، وابتعدي عما يدسي نفسك من الشرك والمعاصي، وإن زلت قدمك وسقطت على ذنب فعلى الفور اصرخي بكلمة: أستغفر الله.. أستغفر الله وأتوب إليه، ولا تزالين تبكين وتدعين حتى يزول ذلك الأثر، وحافظي على هذا حتى الوفاة.
تفسير قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير)
ثم قال تعالى: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ )[المائدة:120]، كل شيء لله، الجنة والنار والكفار والمؤمنون والعوالم كلها لله؛ إذ هو خالقها وموجدها، كان الله ولم يكن شيء منها، فله ملك السماوات والأرض، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يزكي من يشاء ويضل من يشاء. وعلمنا أن مشيئته تابعة لحكمته، ما هي مشيئة هوجاء كمشيئتنا، إذ هو الحكيم، يشاء رحمة عبد أقبل عليه واطرح بين يديه يبكي بين يديه.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ )[المائدة:120] من خلائق، أما الملائكة فقد عرفنا، فالسماوات السبع تئط بالملائكة.
(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[المائدة:120]، ما من شيء أراده إلا قدر على إيجاده، فلهذا ادعه واسأل ما شئت مما هو خير لك، فالله لا يعجزه شيء، لكن لا تتنطع وتغل في الأسئلة تقول: يا رب! ارزقني أولاداً صالحين وأنت لم تتزوج وعندك المال وأبيت أن تتزوج، هذا السؤال بدعة وباطل، تقول: يا رب! فقهني في الدين وأنت في المقاهي، ولا تجلس أبداً بين عالم تتعلم عنه، فكيف يفقهك في الدين؟
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
ولنستمع إلى الشرح الذي هو في التفسير زيادة لعلمنا. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ معنى الآيات: يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر لقومك ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ )[المائدة:116] تعالى يوم يجمع الرسل ] في عرصات القيامة [ ويسألهم: ماذا أجبتم؟ ويسأل عيسى بمفرده توبيخاً للنصارى على شركهم: ( يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي )[المائدة:116]، أي: معبودين؟ يقرره بذلك، فينفي عيسى ذلك على الفور ويقول منزهاً ربه تعالى مقدساً: ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )[المائدة:116]، ويؤكد تفصيه] وخروجه [ مما وجه إليه توبيخاً لقومه: ( إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ )[المائدة:116] يا ربي، إنك ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي )[المائدة:116]، فكيف بقولي وعملي ] إذا عملت؟ فهو من باب أولى، [ وأنا ( وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ )[المائدة:116]، إلا أن تعلمني شيئاً، لأنك ( أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ )[المائدة:116-117] أن أقوله لهم، وهو: ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا )[المائدة:117]، أي: رقيباً، ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي )[المائدة:117] برفعي إليك ( كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ )[المائدة:117]، ترقب أعمالهم وتحفظها لهم لتجزيهم بها، ( وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )[المائدة:117]، أي: رقيب وحفيظ.
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ )[المائدة:118]، أي: من مات منهم على الشرك بأن تصليه نارك فأنت على ذلك قدير، ( وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ )[المائدة:118]، أي: لمن مات على التوحيد فتدخله جنتك فإنه لذلك أهل ( فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ )[المائدة:118] الغالب على أمره، ( الْحَكِيمُ )[المائدة:118]، الذي يضع كل شيء في موضعه، فلا ينعم من أشرك به ولا يعذب من أطاعه ووحده.
فأجابه الرب تبارك وتعالى قائلاً: ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )[المائدة:119]، صدقوا الله تعالى في إيمانهم به فعبدوه وحده لا شريك له ولم يشركوا سواه، ونفعه لهم أن أدخلوا به جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً، مع رضا الله تعالى عنهم ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم لا يفنى ولا يبيد، ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة:119]، إنه النجاة من النار ودخول الجنات.
وفي الآية الأخيرة يخبر تعالى أن له ( مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ )[المائدة:120] من سائر المخلوقات والكائنات خلقاً وملكاً وتصرفاً يفعل فيها ما يشاء فيرحم ويعذب، ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[المائدة:120]، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ].
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: توبيخ النصارى في عرصات القيامة على تأليه عيسى ووالدته عليهما السلام.
ثانياً: براءة عيسى عليه السلام من مشركي النصارى وأهل الكتاب.
ثالثاً: تعذيب المشركين وتنعيم الموحدين قائم على مبدأ الحكمة الإلهية ]، فالنفس الزكية يرحمها والخبيثة يعذبها.
[ رابعاً: فضيلة الصدق وأنه نافع في الدنيا والآخرة، وفي الحديث الصحيح: ( عليكم بالصدق؛ فإنه يدعو إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) ]، والعياذ بالله.
[ خامساً: سؤال غير الله شيئاً نوع من الباطل والشرك ]، طلب شيء من غير الله ممن لا يملك ذلك شرك والعياذ بالله تعالى؛ لأن غير الله لا يملك شيئاً، [ ومن لا يملك كيف يعطي ومن أين يعطي؟ ].
أقول: الذين يسألون الموتى والغائبين والأحجار والكواكب والأنبياء هؤلاء يسألون من لا يسمع دعاءهم ولا يجيب نداءهم، فهذا السؤال شرك والعياذ بالله، وهم مؤلهون لمن سألوه ودعوه، أما أن تسأل أخاك وهو إلى جنبك أو على مقربة منك ويسمع صوتك ويقدر على أن يعطيك فلا بأس، أذن الله لنا في هذا ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )[المائدة:2]، لكن كونك تأتي إلى خربة من المباني ما فيها أحد وتقف عند الباب: يا أهل الدار! أعطونا، أغنونا، أشبعونا؛ فإنك تضحك الناس عليك؛ لأن الدار ما فيها أحد، هي خربة من الخرائب، فالذي يقف أمام قبر علي أو فاطمة أو الرسول ثم يقول: يا رسول الله.. يا فلان! أعطني؛ والله لقد أشرك في عبادة الله؛ لأن الذي تدعوه معناه: أنك أعطيته منزلة الله، أصبح يسمع ويرى ويقدر على أن يعطي ويمنع وهو غائب عن الناس، فكيف يصح هذا؟
فالله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وأن يوفقنا وإياهم لما فيه حبه ورضاه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 02-08-2021 04:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (6)
الحلقة (364)
تفسير سورة المائدة (59)


الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة فريضة كانت أو نافلة، فلا تصح صلاة بدون طهارة، لذلك فقد ذكر الله عز وجل في كتابه صفة هذه الطهارة، وهي أن يغسل المرء وجهه مع ما يشمله من مضمضة واستنشاق، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، ثم يمسح برأسه مع الأذنين، ثم يغسل الرجلين مع الكعبين، وبذلك يكون قد أتم الوضوء.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل.
وها نحن مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، وقد تساءل بعض المستمعين وقالوا: ما تأكدنا من صحة ما فهمنا من آيتي البارحة، فإليكم معاشر المستمعين والمستمعات بيان تلك الأحكام مرة أخرى.
تحليل الله تعالى لعباده طيب المآكل وتحريم الخبيث كالميتة ونحوها
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[المائدة:4].هذه الآية الكريمة أولى الآيتين، وقد روي أن عدي بن حاتم الطائي وزيد الخير سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أحل لهم من الصيد، فأجابهم الله تعالى بقوله: ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[المائدة:4]، فكل طيب لذيذ ما فيه جراثيم ولا ميكروبات ولا تعفن ولا أذى فهو حلال، كل وسم الله تعالى.
أما العشرة المحرمات فهي خبيثة، وهي المذكورة في الآية التي قبلها: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، هذه العشر محرمات، وما عداها طيبات.
تحليل أكل صيد الحيوان المعلم بشروطه
ثم أعطانا الله عز وجل نعمة أخرى فقال: ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[المائدة:4]، فالمراد من هذا: أن يكون لك كلب من كلاب الصيد، أو يكون لك حيوان غير الكلاب كالفهود والسباع، روضتها ومرنتها فأصبحت تصيد لك، أو يكون لك فهد أو طير من الطيور كالبازات، هذه إذا أنت علمتها وأصبحت تطيعك وتصيد لك فباسم الله استعملها، أرسلها وقل: باسم الله عند إرسالها، سواء كانت كلباً من كلاب الصيد، أو كانت سبعاً من السباع، أو كانت طيراً من الطيور.(وَمَا عَلَّمْتُمْ )[المائدة:4] على شرط أن تعلم هذا الحيوان، وعلامة أنه تعلم أنك إذا أرسلته ينطلق، وإذا دعوته يرجع إليك، أما إذا قلت له: ائتني بكذا وما تحرك، أو يمشي ثم يرجع، فمعناه أنه ما تعلم، هذا لو صاد لا يحل أكل صيده إلا إذا وجدته حياً وذكيته.
أما الذي علمته فتعلم وأصبحت إذا أرسلته ينطلق، وإذا دعوته رجع فهذا قل: باسم الله عند إرساله فقط، فإذا هو صاد غزالاً أو ظبياً أو حيواناً وأكل منه فلا يحل لك؛ لأنه ما صاد لك، صاد لنفسه، والله يقول: ( مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )[المائدة:4] لا عليهن، فإن فرضنا أنه جرح هذه الغزالة، وأدركتها حية مستوفية الحياة كما تقدم فذكها وكل، أما إذا أدركتها قد ماتت وقد أكل منها فهي جيفة منتنة لا تحل لك: ( مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )[المائدة:4].
فحيوانات الصيد أبرزها الكلاب المعدة لذلك، يقال فيه: الكلب السلوقي، نوع خاص، هذا الكلب السلوقي إذا علمته يوماً بعد يوم أصبح طوع يدك، إذا قلت له: اذهب ذهب، إذا قلت له: ائت أتى، إذا قلت له: قف وقف! وهذا كله ممكن وواقع.
هذا الذي علمته وأصبح مكلباً معلماً إذا أرسلته على حيوان تريد صيده ينبغي أن تقول: باسم الله اذهب، لا بد من ذكر اسم الله، فإذا كان معلماً وسميت الله عز وجل ولم يأكل من ذاك الحيوان حل لك أكله، فإن أكل منه فقد صاده لنفسه لا لك، فإن فرضنا أنه وجدت الحياة مستقرة فيه وذكيته فلك ذلك، فإن وجدته قد مات فلا يحل أكله.
أما إذا كان معلماً وسميت الله تعالى وأرسلته فانطلق وأخذ الحيوان وقتله، ولكن ما أكل منه، فهذا إن وجدته ميتاً فهو حلال لك، وذلك لحديث الصحيحين، ففي البخاري ومسلم : ( إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه ) عند الإرسال ( فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة ).
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم معلماً كما في البخاري ومسلم: ( إذا أرسلت كلبك المعلم ) بهذا الشرط، ثانياً: ( فاذكر اسم الله عليه عند إرساله، فإن أمسك عليك ) لأنه إذا أمسك علي صاحبه فإنه يقف عند الصيد، أو يمسكه ويبقى ينتظرك، أو يحمله ويأتي به إليك، لكن إذا أمسك على نفسه هو فسوف يأخذ في أكله، ( فإن أمسك عليك فأدركته حياً ) فلا تنتظر حتى يموت، تقول: آكله، لا يجوز؛ لأنك أدركته حياً فذكه، لكن لو أدركته ميتاً وبالشروط الثلاثة فهو حلال.
قال: ( فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله )، أما إذا أكل فمعناه: أنه ما صاده لك، ما هو بمعلم، ( فإن أخذ الكلب ذكاة )، قتل الكلب له ذكاته.
المعنى الإجمالي لقوله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم ...)
يقول تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ )[المائدة:4] أي: أجبهم يا رسولنا. ( قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[المائدة:4] الفواكه، الخضار، اللحوم، كل الطيبات، لكن كل واذكر اسم الله واحمده في النهاية، كل أكل لا بد أن تستفتحه باسم الله، وأن تختمه بحمد الله.(وَمَا عَلَّمْتُمْ )[المائدة:4] أي: وأحل لكم ما أحل لكم ( مِنَ الْجَوَارِحِ )[المائدة:4]، الجوارح: جمع جارحة وهي التي تجرح، أي: تكتسب، الكلاب السلاقية والبازات والفهود وبعض الحيوانات التي يصيدون بها، مرنوها وروضوها وأصبحت تستجيب لهم.
(مُكَلِّبِينَ )[المائدة:4]حال كونكم مكلبين، أي: معلمين، ( تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:4] ما الذي علمنا الله؟ علمنا كيف نعلم الحيوانات، ( فَكُلُوا )[المائدة:4] إباحة وإذن، ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )[المائدة:4] أما الذي أمسكنه عليهن فلا يحل لكم، وكيف نعرف أنها أمسكت لها؟ إذا وجدتها تأكل من الصيد فقد صادت لنفسها، ما هي بمعلمة، أما إذا ضربتها ووقفت عندها ولو ماتت فهي حلال بإذن الله عز وجل وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم.
(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ )[المائدة:4] متى؟ عند إرسال الكلب، أو إرسال الرصاصة، أو إرسال الآلة التي تصيد بها، فإن أدركت ذلك الحيوان حياً فاذبحه، لا تقل: أنا صدت وضربه الكلب وتتركه يموت، لا بد من تذكيته لأنه حي، لكن إن أدركته قد مات فكله.
وقوله تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:4] أي: فيما أحل لكم وحرم عليكم، في هذه التعاليم الدقيقة راقبوا الله، وائتوا بها على الوجه المطلوب، فلا يحل لك أن تأكل حيواناً إلا إذا توافرت شروط الإذن من الله عز وجل.
أما الأربعة الأولى: الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله وذكر عليه اسم غير اسم الله؛ فهذه لا خلاف فيها، فهي بالإجماع محرمة، يبقى الصيد له أهله ورجاله، فالذي تعلم وتدرب وأصبح يعرف كيف يرسل البازي أو العقاب أو الفهد من الطيور، وكيف يأتي له بالأرنب أو بالطير، إذا علمه وعرف أنه متعلم فحينئذ يقول: باسم الله ويرسله، فإن وجده أكل مما صاده فلا يحل أكله، فإن أدركه حياً كامل الحياة ذبحه وأكله، فإن أدركه ميتاً والكلب ما أكل منه أكله وإن وجدته ميتاً.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى، وهي قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ )[المائدة:4].
التحليل العام للطيبات وطعام أهل الكتاب
في الآية الثانية يقول تعالى: ( الْيَوْمَ )[المائدة:5] من أواخر أيام الحياة النبوية، وذلك في عرفة، ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[المائدة:5] عموماً ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ )[المائدة:5]، والذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى فقط، وإن نحن أضفنا إليهم المجوس فمن أهل العلم من يقول: المجوس كان لهم كتاب، لكن الذي عليه أكثر أهل العلم أنهم اليهود والنصارى فحسب.(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )[المائدة:5] فاحمدوا الله، وكذلك ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ )[المائدة:5]، يجوز أن يستدعيك يهودي أو نصراني على غداء أو عشاء فتأكل، لكن إن قدم لك لحم خنزير فقل: أنا مسلم لا آكل، أو قدم لك خمراً فقل: لا، أعطني لبناً أو عصيراً، وكل ذلك الطعام، أو دعاك نصراني مسيحي فكذلك، جاءك نصراني مسيحي فقال: الغداء عندكم اليوم؛ فكذلك تطعمه، وقدم له اللحم المشوي، ولكن إن قال: نريد خمراً فقل: لا، نحن مسلمون لا نشرب الخمر، قال: أرأيت لو طبخت لنا شيئاً من لحم الخنزير، فقل: هذا فيه مرض، وهو خبيث وحرام.
ودل على جواز أكل طعامه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل في بيت اليهودي الذي استدعاه لضيافة.
(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ )[المائدة:5]، هذا بشرط: أن يكون اللحم الذي طبخه مذكى، اليهود إلى اليوم يذكون كما يذكي المسلمون، لكن النصارى غلبت عليهم البلشفة الشيوعية والكفر فما أصبحوا يذكون، فإذا علمت أن هذا اللحم شاته ما ذبحت أو بقرته ما ذبحت أو بعيره ما ذبح فلا يجوز أكله، لا تقل: أذن الله لي! أذن لك إذا كان مذكى ما هو بجيفة، فهل لو قدم لك اليهودي في الضيافة جيفة يجوز لك أكلها؟ لا يجوز.

يتبع



ابوالوليد المسلم 02-08-2021 04:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إباحة نكاح المحصنات المؤمنات والمحصنات الكتابيات
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ )[المائدة:5]، أي: مما أذن الله لكم وأباحه لكم وأحل لكم: المحصنات من المؤمنات. والمحصنة: المحفوظة المصونة، تلك التي ما عرفت بالزنا والعهر، محصنة محمية محفوظة بحفظ الله، ما قيل عنها: إنها زنت، وهي أيضاً مؤمنة تؤمن بالله ولقائه، وتقيم الصلاة وتعبد الله، فتزوجها، من أذن لنا في هذا؟ مالكها وسيدها، الله الذي أذن.وكذلك ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )[المائدة:5] اليهود والنصارى، يجوز أن تتزوج مسيحية أو يهودية، ولا تقل: هي أفضل، إن وجدت المؤمنة فهي أفضل وخير، لكن أن لم تجد مؤمنة، أو وجدت هذه تنتفع بها، وترجو أن يهديها الله ويدخلها في رحمته فلا بأس، أو تكون في بلادها، فيجوز أن تتزوج الكتابية المحصنة الحرة، فإن كانت أمة مملوكة لواحد فلا يحل نكاحها وهي كافرة، وإن كانت حرة ولكنها غير محصنة غير عفيفة -أي: زانية- فلا يصح نكاحها.
قال تعالى: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )[المائدة:5]، والمحصنة: العفيفة الطاهرة، التي لم يسمع عنها زنا، ولم تعرف به أبداً، فإن كانت مشهورة بذلك معروفة فلا يحل نكاحها ولو كانت مسلمة -فضلاً أن تكون كتابية- حتى تتوب فيتوب الله عليها.
شروط إباحة المحصنات من المؤمنات والكتابيات
ثم قال تعالى: ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )[المائدة:5]، يقول تعالى: هذه الإباحة إذا أنت آتيتها مهرها، لا تتزوج مسلمة ولا كتابية بدون مهر، المهر لا بد منه، فأركان النكاح أربعة: المهر ويسمى بالصداق، ثانياً: ولي المرأة أبوها أو أخوها، والقاضي ينوب عنه، أو شيخ القبيلة إذا لم يكن هناك قاض، لا بد من ولي، ثالثاً: شاهدان عدلان، رابعاً: الصيغة، أن تقول: زوجني وليتك فلانة فيقول: زوجتك على كتاب الله، فتقول: قبلتها ورضيتها زوجة، هذه الصيغة ركن من أركان النكاح.قال تعالى: ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ )[المائدة:5] غير زناة، لا أن تعطيها مليوناً وتقول: قال الله تعالى: ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )[المائدة:5]، فخذي الأجر! بل لا بد من القيد الأول: حال كونكم محصنين أعفاء غير زناة.
فالله تعالى يقول: ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ )[المائدة:5] أي: النساء العفيفات أو المحصنات من المؤمنات وأهل الكتاب، إذا آتيتموهن أجورهن حال كونكم محصنين غير زناة، لا أن تأتي إلى امرأة وتزني بها، وتقول: أنا أعطيت أجرها! فأنت لست بمحصن في هذه الحال، أنت زان وعاهر، لا بد أن تكون حال كونك محصناً عفيفاً طاهراً.
(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )[المائدة:5] والسفاح الزنا، فالذي يأتي دور بغاء في العالم ويزني ويعطيها المال فهل يكفي هذا المال في الحل؟ لو أعطاها ملياراً لا يحل له نكاحها؛ لأنه زان، فالقيد الأول: ( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )[المائدة:5].
(وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )[المائدة:5] ثانياً، والمتخذ الأخدان: رجل يظهر أنه عفيف ما يعرف بالفاحشة، ويتخذ له خليلة من الصغار أو الكبار، ويلازمها ويأتيها في الخفاء على أنها صديقته، فهذه حرام ولا فرق، ما هناك فرق بين الزنا العلني وبين السري، لا تقل: هذه تحبني وأحبها منذ كذا وكذا!
(وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )[المائدة:5]، وفي النساء: ( وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )[النساء:25] أي: هن كذلك. هذا الذي أراد الله عز وجل.
أثر الكفر والردة على العمل الصالح قبلهما
ثم قال تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ )[المائدة:5] بالإسلام ( فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )[المائدة:5]، لو عبد الله سبعين سنة لا يثاب على ركعة ولا على صيام ساعة، كل ذلك العمل هبط واحترق، فإن مات على غير توبة فإلى دار الخلد في جهنم، وإن تاب يستأنف الحياة من جديد، يحج من جديد ويصوم ويكتب له ما كتب الله، أما ما مضى فقد انتهى بالردة والكفر: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )[الزمر:65]، وهذه الآية: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ )[المائدة:5] والمراد من الإيمان: الإسلام ( فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )[المائدة:5]، فما هي المناسبة؟ إن الذي يستبيح الزنا والعهر معناه: أنه كفر بالإيمان، الذي يستبيح ما حرم الله مرتد وكافر بالإجماع! بخلاف ما إذا كان يعرف أنه حرام ويفعله، فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، أما أن يقول: أيش فيه؟ ولا يبالي فهو مرتد كافر، ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[المائدة:5] الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم، وهذا هو الخسران المبين.
الأسئلة
حكم سؤال الكتابي عن أصل اللحم حال الشك فيه
السؤال: هل يجوز أن أسأل الكتابي إذا شككت أن اللحم الذي قدمه لي لحم خنزير؟ الجواب: اسأله، وإذا غلب على ظنك أنه لحم غنم أو بقر فلا تسأله، وإذا شككت فـ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )، والغالب أنه يقول من أول مرة: هذا اللحم حلال ما هو بخنزير أو كذا.
حكم الأكل مع أهل الكتاب على مائدة يشربون عليها الخمر
السؤال: هل يجوز الأكل مع أهل الكتاب على سفرتهم وهم يشربون الخمر؟ الجواب: إذا لم يخف من أنهم يقتلونه أو يضربونه إذا سكروا له فأن يأكل معهم، وإذا خاف أن يضرب على رأسه على رأسه فليترك.
ولو كنت مع مسلمين يضعون الخمر على المائدة فلا يحل لك أن تجالسهم ولا أن تأكل معهم، بل غَيِّر المنكر، لكن هذا يهودي أو نصراني يستبيح الخمر، فليشرب، وأنت لا تشرب، تقول: أنا مؤمن، لكن إذا خفت أنه إذا سكر يؤذيك فاجتنبه، أو تجالسه في الطعام على شرط ألا يقدم خمراً في المائدة.
كيفية التذكية
السؤال: ما هي كيفية التذكية؟الجواب: لا بد من قطع الأوداج والحلقوم، ولو ذبحها من قفاها فلا يصح أبداً.
الفرق بن المخلَصين والمخلصِين
السؤال: ما الفرق بين المخلِصِين والمخلَصِين؟ الجواب: ورد هذا في القرآن بلفظ: المخلَصِين، وبلفظ: المخلِصِين، والمخلِصِين باسم الفاعل أنا وأنت إن شاء الله والسامعون، كل من يعمل عملاً لوجه الله فقط لا رياء ولا سمعة ولا شهرة، أخلص فيه فهو مخلِص.
وأما المخلَصِين فهم الذين استخلصهم الله واصطفاهم، وأغلب ما يطلق لفظ المخلَصِين على الأنبياء والرسل الذين عصمهم الله واصطفاهم لعبادته، وغيرهم يقال فيه: مخلِص، بدليل أنه يخلص عمله لله، فهو من المخلِصِين، وإذا قلت: أنا أريد أن أرقى إلى مستوى أن أكون من المخلَصِين فالسلم موجود، أسلم لله وجهك وقلبك وأعرض عن كل أسباب الحياة يستخلصك الله له، ما يقوى عليك الشيطان.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...)
والآن هيا نتلو هذه الآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[المائدة:6]. يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:6] لبيك اللهم لبيك. هل نادانا نحن؟! إي والله! فنحن مؤمنون أم لا؟ إذاً: لبيك اللهم لبيك! مر نفعل، انه نترك، هذا استعداد المؤمنين لحياتهم الكاملة.

أي: يا من آمنتم بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، أيها الأحياء! يأمركم ربكم فيقول: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ )[المائدة:6] أي: إذا أردتم أن تدخلوا في الصلاة، فماذا تفعلون؟ قال: توضئوا. وبين لنا كيف الوضوء؟
صفة الوضوء
ومعلوم أن الوضوء -وهو الطهارة- شرط في صحة الصلاة، فريضة كانت أو نافلة، فلا تصح صلاة بدون طهور أبداً، فذكر أركان الوضوء: وهي غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، أربعة، والنية لا بد منها، ما أنت تلعب أو تعبث، ثم الترتيب هذا كما رتبه هو تعالى. تبقى السنن: غسل اليدين ابتداء ثلاث مرات قبل إدخالهما في الإناء إن قمت من نومك، والمضمضة ثلاثاً، والاستنشاق والاستنثار ثلاثاً، هذه سنن بينها الحبيب صلى الله عليه وسلم، لا بد منها، ومسح الأذنين داخل في مسح الرأس.
إذاً: ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ )[المائدة:6] بعد أن تغسل كفيك، وتتمضمض، وتستنشق الماء بأنفك وتنثره تطهيراً له وتطييباً، بعد ذلك تغسل وجهك، وحد الوجه: من منبت الشعر إلى منتهى الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً، فإن كانت اللحية خفيفة فاغسلها مع البشرة، وإن كانت كثيفة فيكفي أن تمسح فوقها، وتخليلها مستحب، وغسل اليدين مع شيء من العضدين أحسن، لكن لا توصل الماء إلى كتفك، فقط اغسل المرفق وأدخله في هذا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ).
ثم امسح رأسك مرة واحدة، اذهب بيديك من الأمام إلى الوراء، ثم عد بهما هكذا لكامل الرأس، ابدأ بمقدمه وقد بللت يديك بالماء، لا تغترف الماء، بلهما فقط بالماء وامسح رأسك، وامسح أذنيك ظاهراً وباطناً، فإذا بقي بلل ماء في كفيك كفى، وإذا جف الكفان فلا بد أن تبل يديك وتمسح أذنيك، ثم اغسل رجليك، ابدأ بالرجل اليمنى؛ لأن الله يحب التيامن في كل شيء، وفي غسل اليدين أيضاً تبدأ باليد اليمنى، فتغسل الرجل اليمنى إلى الكعبين، والكعب هو هذا العظم الناتئ عند ملتقى الساق بالقدم، والكعب تغسله أيضاً احتياطاً، والأفضل أن تخلل أصابع رجليك، وتخليل أصابع اليدين ضروري لا بد منه. هذا هو الوضوء، سواء لفريضة أو لنافلة، أو للطواف أو لمس المصحف، لا بد من هذه النية.
ثواب الوضوء
أقول: هناك جائزة هي الجائزة العظمى، وهي إذا فرغت من الوضوء على هذه الطريقة ترفع رأسك إلى السماء وإن كنت تحت سقف وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فإن الجائزة أن تفتح لك أبواب الجنة الثمانية، فلو كنت عندها دخلتها! وإذا ما وصلت إليها انفتحت وتغلق، كالأبواب التي تفتح بالكهرباء، إذا قربت من الباب ينفتح، فإذا ما دخلت يرجع ويغلق! فالحمد لله حيث كشف عن عجائب، وإلا قلنا: كيف تفتح له أبواب الجنة الثمانية؟ فالآن عرفنا، بمجرد أن العبد المؤمن الموحد يرفع رأسه ويشهد هذه الشهادة وهو لا يخالفها بقلبه ولا بسلوكه، فإن أبواب الجنة تفتح، فإن كان عند الباب دخل، وإن لم يكن فإنه يفتح ويغلق، وما يزال كذلك حتى يموت فيغلق الباب. ولا يشترط الوضوء لقراءة القرآن، الوضوء يشترط لمس المصحف الكامل، أما أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب، أو يقرأ في جزء من أجزاء المصحف فما قال أحد بالوضوء، وإذا أراد أن يتوضأ فليتوضأ حتى لذكر الله، إنما أمرنا الله عز وجل إذا قمنا لأداء الصلاة أن نتوضأ، والطواف بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا بد له من الوضوء، ومس المصحف يقول الله تعالى فيه: ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )[الواقعة:79] وهكذا.
معنى قوله تعالى: (وإن كنتم جنباً فاطهروا)
يقول تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6]، وإن كنتم معاشر المؤمنين والمؤمنات جنباً، والواحد جنب، والجماعة جنب، كواحد عدل وجماعة عدل. والجنب هو الذي تلبس بجنابة، وهي إيلاج رأس ذكره في فرج امرأته، ولو لم ينزل ولم يخرج منه ماء: ( إذا التقى الختانان وجب الغسل ) تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: إذا خرج منه المني في يقظة أو منام، من أفرز تلك المادة البيضاء الثخينة في منامه أو بلذة في يقظته فهو جنب، يجب أن يغتسل، وإن كان نائماً في المسجد واحتلم يجب أن يخرج فيغتسل ويرجع، هذا هو الجنب، إذا أولج رأس ذكره في فرج امرأته وإن لم يمن فقد وجب الغسل؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى الختانان ) أي: موضع الختانين ( فقد وجب الغسل ).
ثانياً: أن يفرز مادة المني بلذة، سواء بتفكر أو بلمس أو بكذا أو في منامه، رأى نفسه يجامع امرأة، إذا أفرز منياً وجب الغسل بلا تردد، هذا معنى الجنب: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا )[المائدة:6] ماذا عليكم؟ ( فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6] أي: فتطهروا، فأدغمت التاء: فاطهروا، أي: اغتسلوا.
صفة الغسل
وكيف نغتسل؟
الغسل الصحيح الذي ما نعدل عنه هو الذي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيفيته -أيها الجنب- أن تغسل كفيك ثلاث مرات وأنت ناو رفع الجنابة، ثم تستنجي فتغسل فرجيك وما حولهما غسلاً حقيقياً، ثم تتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فرغت من الوضوء فاغمس يديك في الماء وخلل أصول شعرك ليستأنس بالماء ولا تصاب بالزكام، هذه حكمة من حكم محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا خللت شعرك فخذ غرفة بكفيك وضعها على يمين رأسك واغسل رأسك كله، زد الثانية بكفيك وضعها على الجهة اليسرى واغسل كامل الرأس، ثم ثالثة تضعها على الوسط واغسل رأسك مع أذنيك ظاهراً وباطناً ثلاث مرات، فإذا غسلت رأسك مع أذنيك فحينئذ اغسل شقك الأيمن من رقبتك إلى كعبك، هذه هي الجهة الأولى، والجهة الثانية اليسرى بعدها من عنقك إلى كعبك، وتعهد المغابن: تحت الإبط، فإذا ما تعهدته لا يبتل، وتحت الركبة، فإذا لم تمد رجلك لا يبتل ما تحت الركبة، وكذلك السرة إذا كان فيها تجاعيد، فإذا لم تتبع لم تبتل، لأنك مأمور أن تغسل كل جسمك، ولا تبقى لمعة، والظهر تدلكه بيديك، وإذا أتممت تصب بالماء حتى تطمئن إلى أن الماء قد عم جسمك، هذا هو الغسل الذي أراد الله تعالى.
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا )[المائدة:6] فماذا تفعلون؟ ( فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6] رجالاً ونساء، المرأة إذا كان عندها ضفائر الشعر فما تحل ضفائرها، تجمعها فقط وتصب الماء وتخللها رحمة بها، إذ قد يشق عليها النقض والبرم مرة ثانية، هذا هو الغسل من الجنابة، وغسل الجمعة هكذا، وغسل الإحرام هكذا، وغسل دخول مكة هكذا، وغسل العيد هكذا، إلا أن النية تختلف، غسل الجمعة سنة، غسل الإحرام كذلك، لكن غسل الجنابة واجب.

ومن أراد أن يغتسل بالصابون والليف فإنه أولاً يغتسل الغسل الواجب، وبعده يغسل بالصابون، هذا أحوط له، وإذا خاف من الماء أن ينفد فإنه يغسل بالصابون، وبعد ذلك يغسل بالماء.

وغسل الميت هكذا إن أمكن، ويجوز أن تغسل جسمك كاملاً وبعد ذلك تتوضأ، فذلك يجزئك، لكن الطريقة الأولى هي السنة النبوية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.






ابوالوليد المسلم 02-08-2021 04:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (7)
الحلقة (365)
تفسير سورة المائدة (60)


بعد أن بين الله لعباده كيفية التطهر للصلاة وذلك بالوضوء، ذكر بعد ذلك نواقض هذا الوضوء من جنابة أو غائط أو إتيان للنساء، وذكر كيفية التطهر لهذه النواقض، وهي الوضوء لمن أتى الغائط، والغسل لمن كان على جنابة أو أتى امرأته، ومن كان واجباً في حقه الغسل ولم يجد ماء، أو وجده ولم يستطع استعماله فله أن يتيمم عوضاً عن ذلك، ويدخل في هذا من أراد الوضوء ولم يجد الماء.
تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة ومع هاتين الآيتين الكريمتين، وقد تدارسنا الأولى منهما الليلة الماضية، ونحن مع الآية الثانية، ولكن نريد الدراسة للكل بعد تلاوة الآيتين:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )[المائدة:6-7].
أسباب الجنابة
عرفنا كيف نتوضأ، وكيف نغتسل استجابة منا لأمر ربنا تعالى في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[المائدة:6] هذا هو الوضوء، ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6]، وعرفنا أبناءنا كيف يتطهرون، ولا بأس أن نعيد بيان ذلك.فقوله: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا )[المائدة:6] من هو الجنب؟ من هي الجنب؟ من هم الجنب؟ من هن الجنب؟ كلمة (جنب) تطلق على الواحد والاثنين والثلاثة، وعلى الذكر والأنثى، والجنب: من قامت به الجنابة، وسببها: إما التقاء الختانين، أي: موضع ختان الذكر وختان الأنثى، بمعنى: إذا أولج الرجل ذكره في فرج امرأته ولو لم ينزل ولم يمن فقد وجب الغسل.

والأمر الثاني: هو أن يفرز المني في نوم أو بلذة في يقظة، نظر إلى امرأته أو مسها فانتعش ذكره وانتصب فأمنى فقد وجب الغسل، نام فرأى نفسه أنه يأتي امرأته أو غير ذلك فتدفق ماؤه فوجب الغسل، فالجنابة بشيئين:
بالتقاء الختانين، أو بإفراز المني، والمني: ماء أبيض ثخين دافق شبيه بلقاح ذكر النخل، هذا هو الجنب، الذي يولج رأس ذكره في فرج امرأته وإن كان ذكره غير منتصب ولا لذة له، فضلاً عن أن يمني، بمجرد أن يحصل دخول رأس الذكر في الفرج يجب الغسل، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ) الختانان: تثنية ختان، وهل المرأة تختتن؟ نعم، ختان المرأة مكرمة لها، لكن ليس بسنة واجبة كختان الذكور، ويقال فيه: الخفاض.
صفة الغسل من الجنابة
إذاً: وإن كنتم جنباً فماذا تفعلون؟ نتطهر، كيف نتطهر؟ نغتسل غسل الجنابة، وهو كما علمتم: يأتي أحدنا إلى الماء فيغسل كفيه ثلاث مرات ناوياً رفع الحدث الأكبر، أو ناوياً امتثال أمر الله، حيث أمر بالاغتسال فهو يغتسل، أو ينوي رفع هذا الحدث عن نفسه أو الجنابة، لا بد أن يحدث نفسه بهذا، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كأنه بين الناس، فإذا فرغ من وضوئه حينئذ من باب الطب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه وعلمهم أن يغمس يديه في الماء أو يصب الماء على كفيه، ثم يخلل أصول شعر رأسه بالماء خشية أن يصاب بالزكام؛ حتى تستأنس البشرة، وتقبل الماء هكذا، بعد ذلك يغرف غرفة بكفيه معاً، ويضع الماء على يمين رأسه ويغسل رأسه كله وأذنيه، ثم يأخذ الثانية على الشق الأيسر ويغسل بها عامة رأسه وأذنيه، ويأخذ الثالثة فيضعها على وسط رأسه، ويغسل بها كل رأسه وأذنيه، والأذنان يغسلهما ظاهراً وباطناً، وإذا ما اكتفى بالماء ذاك يزيد ماء، خاصة لأذنيه، لا بد أن يغسلهما من ظاهرهما وباطنهما.ثم يفرغ الماء على شقه الأيمن من رقبته إلى قدمه، فإذا فرغ من الشق الأيمن يأتي إلى الشق الأيسر ظاهراً وباطناً، من الظهر إلى البطن إلى كعبه، ويتعهد المغابن، كتحت الإبطين، والرسغين والسرة وأي مكان يخفى ما يدخله الماء يتعهده ليطمئن، وأما اللحية فإنه يخللها كما يخلل شعر رأسه، لا بد من هذا، وإنما عفي عن المؤمنة إذا كان شعرها مفتولاً بخيوط أحياناً أو مضفوراً، فليس عليها أن تحله، تجمع شعرها على رأسها وتصب الماء وتغسله إن شاءت، هذا هو الغسل.
وإذا كنت تغتسل وفسوت أو ضرطت فماذا تصنع؟ أكمل غسلك، وحين تفرغ منه توضأ بعدما تلبس ثيابك أو قبل ذلك.
وإذا كنت تغتسل فمسست بباطن كفك ذكرك فحينئذ انتقض وضوؤك، إذا فرغت من غسلك توضأ، كالذي فسا أو ضرط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ )، أما إذا مسست فرجك بظاهر الكف فليس عليك وضوء، أو مسست وأنت عليك الثياب فلا ينتقض الوضوء؛ لأن الغريزة الجنسية في الكف واللمس، أما ظاهر الكف فما يضر.
وقد بينا وقلنا: هناك صورة ثانية للغسل، هي أن ينوي الغسل ويغتسل بكامله ثم يتوضأ، أما أن تقول: يغسل جسده ولا يتوضأ فلا، لا بد من الوضوء، إنما الصورة الأولى بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدث بها نساؤه، والصورة الثانية عامة، يدخل فيغتسل بالنية، وبعد ذلك يتوضأ.
مشروعية التيمم للمريض والمسافر

ثم قال تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ )[المائدة:6]، والمريض ذاك الذي ما يقوى على أن يقوم ويغتسل، ذاك الذي فيه جراحات يخشى من مرض وتعب إذا ابتلت، ذاك الذي ما يقدر على أن يستعمل الماء، والمرض قد قام به فلا يستطيع أن يغتسل أو يتوضأ، ( أَوْ عَلَى سَفَرٍ )[المائدة:6] في الغالب أن المسافر يفقد الماء، أيام كنا نسافر على الإبل والبغال والحمير في المغرب والحجاز كان الماء في الغالب يفقده المسافر؛ فلهذا أذن الله عز وجل للمسافر أن يتيمم، لكن بينت السنة أنه إذا لم يجد ماء، أو وجد ماء ولكن لا يكفيه لشربه، والغالب في السفر في الزمان الأول أن المسافر يحتاج إلى الماء ويفقده، عنده قليل ماء يتوضأ به فيموت من العطش، فإن توافر الماء فيجب أن يتوضأ ويغتسل.(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ )[المائدة:6] والسفر معروف، وهو الذي تقصر به الصلاة، ثمانية وأربعون كيلو متر فما فوق إلى آلاف.
معنى قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط)

(أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ )[المائدة:6] الغائط ما هو؟ أصله المكان المنخفض، وعادة الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته أن يأتي إلى مكان منخفض ليستتر عن أعين الناس، ما يأتي على جبل يكشف عورته، لا بد أن يأتي إلى مكان منخفض يقال له: الغوط والغائط، فهذا المكان إذا جاء أحدنا منه، يعني: خرئ أو بال، لكن كلام الله أعلى، فما قال: الخرء كما نقول، ولا البول، نحن نقول ذلك للتفسير فقط، وإلا فما نقول هذا.لقد كان نساء المؤمنين يتغوطن في الأربع والعشرين ساعة مرة واحدة فقط، ويخرجن إلى مكان منخفض وراء البقيع، ما عندهم مراحيض ولا مياه، وأنتم اليوم كيف حالكم؟ فمن منكم إذا توضأ ذكر هذا وقال: الحمد لله، أو إذا دخل مرحاضاً بالرخام والبلاط والكراسي يخرج فيقول: الحمد لله؟
إذاً: فمن بال أو تغوط وجب عليه الوضوء، والذي يفسو أو يضرط يجب عليه الوضوء، والفساء ريح منتن بلا صوت، والضراط: ريح منتن بصوت.
وعندي لطيفة نفعني الله بها: وهي أن الذي عنده مرض في القولون والمعدة قد يشعر أن فساء خرج منه، والشيطان هذه مهمته، ينفخ في دبرك ليفسد عليك عبادتك، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: إذا لم تشم ريحاً ولم تسمع صوتاً فلا تخرج من صلاتك. فإن الشيطان ينفخ في مقعدك ليفتنك، إذا لم تجد ريحاً كريهة، إذا لم تسمع صوتاً ولم تشم رائحة، وإنما تشعر بحركة في دبرك فتلك نفخة العدو ليفتننا، فلا تخرج من صلاتك، والذي عافاه الله فما عنده مرض فهنيئاً له.

ما ينقض الوضوء من مس النساء

قال تعالى: ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ )[المائدة:6] رجل أو امرأة ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )[المائدة:6] والملامسة مفاعلة، والغالب أن تكون بين اثنين، وتطلق ويراد بها فعال الواحد، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه إذا أراد أن يفسر هذه الآية وسألوه يدخل أصبعيه في أذنيه حتى ما يسمع ويقول: إننا نستحي أن نقولها. يقول تعالى: ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )[المائدة:6] بمعنى: جامعتموهن، نكحتموهن، ما هو اللمس باليد، لم يدخل ابن عباس أصبعيه في أذنيه؟ حتى لا يذكر هذا، والملامسة تكون بين اثنين، هذا هو الجماع، ويبقى مس المرأة بيده، فإذا قصد أن يتلذذ بمسها ولمسها بهذه النية فقد انتقض وضوؤه.

ثانياً: إذا لم يقصد أن يتلذذ بامرأته إذا مسها، ولكن لما وضع يده انتعش باطنه ووجد لذة فقد انتقض وضوؤه، فإن لم يقصد ولم يجد لذة فلا ينتقض وضوؤه، أما إذا قصد أن يتلذذ فقد انتقض وضوؤه ولو لم يجد لذة، فإن لم يقصد ولم يجد اللذة لم ينتقض وضوؤه ولو تمرغ عليها.
أم المؤمنين الصديقة عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني )، وقالت وهي الحكيمة: ( وكان أملككم لأربه )، ما هو مثلكم أنتم، لا تملكون أنفسكم ولا حاجاتكم، أما هو فمصدر الكمال، يقبلها رحمة لها ورفقاً بها، ولكن لا يقصد أبداً لذة ولا يريدها.
المهم القاعدة الأولى التي وضعها أهل العلم: إن قصد اللذة باللمس أو التقبيل ولو لم يجد اللذة انتقض وضوؤه، وإذا ما قصد ولكن لما لمسها وقبل وجد اللذة انتقض وضوؤه، وإذا ما قصد ولا وجد اللذة فلا انتقاض، قبلها أو لامس أو مس.
إذاً: إذا كان مس الكف ينقض الوضوء فكيف بالذي يقصد اللذة من امرأته ويمسها، فقوله تعالى: ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )[المائدة:6] إن شئتم قولوا كما قال الحبر: أو جامعتم، وهو الأصل، ويبقى المس بشهوة ثابتاً بالسنة النبوية.
مشروعية التيمم لمن فقد الماء أو عجز عن استعماله

يقول تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6] أي: ولم تجدوا ماء، ما الماء؟ هذا السائل العذب، سواء كان ملحاً أو كان عذباً، أو ماء البحر فتوضأ منه واغتسل، ولهذا يقول المشرع صلى الله عليه وسلم عن البحر: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته).إذاً: فإن لم تجد ماء طهوراً، وإذا وجدت ماء وهو نجس فلا، أو ماء تغير لونه أو ريحه بطعام أو بكذا فلا تتوضأ منه، لا يرفع الحدث إلا الماء الذي على أصل خلقته، كماء نبع من الأرض أو نزل من السماء، أما الماء إذا كان عذباً فأصبح صالحاً بأن صببت فيه مادة أخرى فلا يجوز التطهر به.
فالماء الطهور: هو الباقي على أصل خلقته، فإن صببت فيه ريح مسك وأصبح ذا رائحة فما يصح التطهر به، أو صببت فيه عسلاً وتغير لونه بالعسل فما يصح، الماء الطهور هو الباقي على أصل خلقته التي خلقه الله عليها، ملحاً كان أو عذباً.
(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6] فماذا تصنعون؟ قال: ( فَتَيَمَّمُوا )[المائدة:6] اقصدوا ( صَعِيدًا طَيِّبًا )[المائدة:6]، الصعيد كالصاعد: ما علا وارتفع، فوجه الأرض كله صعيد، وجه الأرض صاعد فوقها؛ فلهذا إذا أصبحت محتاجاً إلى التيمم مضطراً إليه فاقصد الأرض سواء كانت تراباً أو رملاً أو سبخة أو حجارة، كل ما صعد على الأرض تيمم به، إلا أن التراب أفضل؛ لأن فيه الاعتراف بذلك وهوانك، يمسح المتيمم وجهه بالتراب لوجه الله، أما الحجر الأصم فما فيها شيء، ما يصيبه منه هون ولا دون، لكن التراب أولى، فإن لم يوجد فكل أجزاء الأرض يتيمم بها: ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )[المائدة:6] هذا الطيب بمعنى: الطاهر، أما إذا كان فيه بول غنم أو حمار فما يجوز التيمم به، وبول الغنم وروثه طاهر ولكن لا تتيمم عليه؛ ما يأذن الله لك أن توسخ وجهك ويديك، لا بد أن يكون طاهراً.

يتبع



ابوالوليد المسلم 02-08-2021 04:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
صفة التيمم

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )[المائدة:6]، ماذا تفعلون؟ ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )[النساء:43] آية النساء، وهنا: ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6]، كيف أمسح التراب بوجهي؟ الأصل أن أمسح وجهي بالتراب، وليس أن تأخذ وجهك وتمسح به، إذاً: نقول: لا تفهم أنك تأخذ وجهك وتمسح به التراب، ما هو بمعقول هذا، بل المعنى: امسح وجهك بالتراب.وللتيمم كيفيتان سهلتان ميسرتان:
إحداهما: أن تمسح وجهك وكفيك، والثانية: أن تمسح وجهك ويديك إلى المرفقين؛ لقوله تعالى: ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )[المائدة:6].

فالصورة الثانية في الموطأ عن ابن عمر وهي أكمل، وهي أن تقول: باسم الله، فتضرب بكفيك على الأرض، وتمسح وجهك مسحة واحدة، ثم اضرب بيديك على الأرض وامسح إلى المرفق، تمسح وجهك وكفيك مع ذراعيك، هكذا كان ابن عمر يفعل، ويقول: لأن الله قال: ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )[المائدة:6] واليد يدخل فيها المرفق أم لا؟ لكن الله في الوضوء قال: ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )[المائدة:6]، بين الحد، وفي التيمم ما بين: ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )[المائدة:6]، والصورة الأولى الطيبة الهينة وإن كانت قد تقل عن الأجر؛ لأن عمار بن ياسر كان قد أجنب باحتلام في سرية من السرايا، فلما أجنب قام فتمرغ في التراب، نزع ثيابه وتمرغ، فلما جاء إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وقص القصة على نبيه صلى الله عليه وسلم قال له: ( إنما كان يكفيك أن تقول هكذا وهكذا ) والله إن ذلك ليكفي! ما السر؟ ما الحكمة؟ إن مس التراب هذا ما يزيل القذى ولا الوسخ، فما السر؟ أقول: لما كان التطهر فريضة الله لمن أراد أن يناجي الله، الوضوء والغسل مفروضان، فأيما مؤمن يريد أن يتصل بذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه ليبثه آلامه ويذكر له حاجته فلا بد أن يتطهر، وإلا فلا يقبل، فإذا عجز عن الماء أو عن استعماله فماذا يصنع؟ علمه الله عز وجل أن يعلن عن إذعانه واستسلامه وانقياده، كأنه يقول: لو كنت قادراً يا رب على الماء أو وجدته لاغتسلت أو توضأت، ولكن عجزت. إذاً: أظهر بيان أنك صادق في عجزك ونيتك، فامسح وجهك بالتراب ويديك؛ فلا يخطر ببالك أنك تتصل بالله، وتجلس بين يديه، وينصب وجهه لك وأنت على غير طهارة! لن يكون هذا، وبهذا يبقى المؤمن مع طهره دائماً لا ينسى.

قال تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6] إذ مع وجود الماء ما هناك إلا الوضوء والغسل، ( فَتَيَمَّمُوا )[المائدة:6] اقصدوا ( صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6] إن اكتفيت بوجهك مرة وكفيك؛ ولا تخلل أصابعك لأن العبرة بأن تمتثل أمر الله، حتى تألف الطهر فما تتركه أبداً، مرضت أو صححت.

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6] أي: نمسح الوجه والكفين، وهذا أرحم بنا؛ إذ كم من إنسان يلبس ثياباً في الشتاء في البلاد الباردة فيحتاج أن ينزع كل ثيابه إذا أراد أن يتيمم، وفي ذلك مشقة كبيرة ويعانون منها، فنأخذ بهذه الرحمة الإلهية وهذه الرخصة فنقول: يمسح كفيه بعد وجهه ويجزئه.
معنى قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ...)

ثم ختم تعالى الآية بقوله: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )[المائدة:6]، الحرج: الضيق، مأخوذ من الحرج وهو المكان الكثيف الشجر، مكان ضيق، ما يريد الله تعالى أن يضيّق علينا، وسع علينا، علامة التوسيع أننا إذا ما وجدنا الماء أو ما قدرنا على استعماله نضرب الأرض بالكف ونمسح الوجه والكفين ونصلي أو نناجي ربنا أو نطوف أو نقرأ القرآن.(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )[المائدة:6]، أي حرج، والدليل على هذا هو أنه أذن لك أيها الجنب الذي يجب عليك أن تغتسل إن لم تجد الماء أن تضرب الأرض بكفيك وتمسح وجهك وكفيك، أو مريض ما يستطيع أن يستعمل الماء ولو كان بين يديه، لجراحات ونحوها، فيضرب الأرض بكفيه ويمسح وجهه وكفيه.

(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )[المائدة:6]، يريد أن يطهرنا؛ لأنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، إذا طهرنا أحبنا، لو تركنا أنجاساً فوالله لن يحبنا، بل لكي يرفعنا إلى مستوى حبه ورضاه علمنا كيف نتطهر وأمرنا بذلك.

(لِيُطَهِّرَكُمْ )[المائدة:6]، أولاً، ( وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ )[المائدة:6] ثانياً، ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6] ليعدكم بذلك إلى الشكر، (لعل) هنا الإعدادية: ليعدكم لشكره، ليطهرنا وليتم نعمة الإسلام علينا، نعمة هذه العبادات التي هي أدوات تزكية وتطهير للنفس ولنصبح من الشاكرين لآلائه وإفضاله وإنعامه.

(وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )[المائدة:6] أولاً، ( وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ )[المائدة:6]، وهي نعمة الطهارة نعمة الإسلام، نعمة الإيمان كما تقدم: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي )[المائدة:3].

(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]، نشكر المنعم الله جل جلاله وعظم سلطانه، والشكر يكون أساساً: بإظهار النعمة، يقال: دابة شكور، كلما أكلت ظهر السمن فيها، وأخرى كفور: تأكل وتأكل وما يظهر عليها شيء، إذاً: الشكر: إظهار النعمة، وهو:

أولاً: بالاعتراف بالقلب بالنعمة لله، كانت أو طعاماً أو عافية، تعترف في قلبك بالنعمة وأنها لله.
ثانياً: أن تحمد الله تعالى عليها بكلمة: الحمد لله.
ثالثاً: أن تصرفها فيما يحب أن تصرف فيه، إذا كانت مالاً تنفقه حيث يريد الله أن تنفقه، إذا كانت صحة بدنية تنفقها حيث يريد الله أن تنفقها، في الجهاد والعبادة والعمل الصالح، وإذا كانت جاهًا وحمدت الله تعالى على هذه النعمة فأعن إخوانك المحتاجين إلى جاهك واقض حاجاتهم، وإذا كانت علماً فعلّمه وبينه للناس، فكونوا من الشاكرين.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]، قلت: إنها (لعل) الإعدادية، أي: ليعدكم بذلك إلى شكره، علّمنا كيف نعبده؛ من أجل أن نصبح شاكرين، ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]، هيأنا لأن نشكره، علمنا كيف نتوضأ ونغتسل وكيف نتيمم ونرفع الأحداث حتى نشكره بالطاعة، لنصبح شاكرين لله، والذي لا يتوضأ هل شكر الله؟ الذي ما يغتسل هل هو شاكر؟ والذي ما يصلي ولا يذكر كافر ما هو بشاكر.
تفسير قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا...)
وأخيراً يقول تعالى: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )[المائدة:7] أولاً، ( وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ )[المائدة:7]. (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )[المائدة:7]، أي: نعمة خلقنا، نعمة إمدادنا، نعمة هدايتنا، فأول شيء أننا مخلوقون خلقنا الله تعالى، فاشكروه على نعمة الخلق والإيجاد، ونعمة الإمداد، فمن أمدنا بالطعام والشراب والهواء الذي نتنفس فيه، والغذاء والهواء عنصرا البقاء والحياة، فمن رب هذا الأكسجين؟ إنه الله تعالى. هل الدولة هي التي صنعته؟ والماء والطعام من خالقهما؟ الله، إذاً: فنشكر الله على نعمة الإيجاد والإمداد، أوجدنا بفضله وأمدنا بما يبقىي علينا حياتنا إلى نهايتها، إذاً: فليشكر الله عز وجل.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )[المائدة:7]، في الخلق والإيجاد، في الإيمان والإسلام والإحسان، غيركم كفرة فجرة فساق يأكل بعضهم بعضاً، وأنتم أنعم الله عليكم بهذه النعمة: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي )[المائدة:3]، فالوضوء والتيمم والعبادة مظاهر الشكر لله عز وجل، والذي لا يعبد الله ما شكر ولا يعتبر من الشاكرين.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ )[المائدة:7]، ما هذا الميثاق الذي واثقنا الله وربطنا به؟ هو أنك لما قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد بايعت الله، هذا هو الميثاق، وهو أن تعبد الله تعالى وحده بما شرع لك أن تعبده به، ولا تشرك به أبداً أحداً في عبادته، اذكر هذا الميثاق، فمن كفر نقض الميثاق، من ترك الصلاة والعبادة ترك الميثاق ونقضه.

(وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ )[المائدة:7]، متى؟ ( إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )[المائدة:7]، من هو الذي قال: سمعنا وأطعنا؟ كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قال: سمعت وأطعت وقام اغتسل وصلى.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )[المائدة:7]، بشكره وبالثناء عليه وبامتثال أمره وبطاعته وبحمده، ( وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ )[المائدة:7]، لما دخلنا في الإسلام كيف دخلنا؟ دخلنا بـ(لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

إذاً: أقول واسمعوا: الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قد عاهد الله على الاستمرار في هذا الدين وعلى عبادة الله بما شرع وبين، وعليه أن لا يشرك في عبادة الله كائناً من كان، لا يشرك ملكاً ولا نبياً ولا رسولاً ولا ولياً ولا كائناً من الكائنات؛ لأنه يقول: أنا أشهد على علم أنه لا يوجد إله إلا الله، فكيف يخون إذاً ويوجد له من يعبده مع الله ولو بكلمة؟
ثانياً: أن لا يرضى بأن يعبد مع الله غيره أبداً؛ لأنك أقررت بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وها أنت تعبده وحده، فكيف ترضى بعبادة غيره لفلان وفلان؟ فلهذا لا نرضى بالشرك والكفر أبداً، ويوم نقدر على نقل هذه الأنوار فإننا ننقلها إلى الأبيض والأسود كما فعل أصحاب رسول الله وأحفادهم، ما نرضى أن تبقى دولة أو أمة لا تعبد الله عز وجل، وإلا فقد رضينا بالكفر.
معنى قوله تعالى: (واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور)
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:7]، هذا الأمر الأخير: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:7]، كيف نتقيك يا رب وأنت الجبار؟! ومن نحن حتى نتقيك! الجواب: يقول: تتقوني بطاعتي، من أذعن لأمري ونهيي وانقاد فقد اتقى عذابي، أما الذي لا يعبد ربه ولا يطيعه فبم يتقيه؟ هل بالجبال والصخور والجيوش؟ إن الخليقة كلها في قبضة الجبار.
إذاً: لا يتقى الله بالأسوار ولا الحصون ولا الجيوش ولا الحيل أبداً، وإنما يتقى بالإسلام له والإذعان، أذعن لربك، إذا قال: قل فقل، وإذا قال: اسكت فاسكت، بهذا فقط يتقى الله عز وجل، أي: بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )[المائدة:7]، هذه من يطيقها، كل ما يجول في خاطرك وتتحدث به في نفسك الله عليم به كالظاهر، فكيف -إذاً- تستطيع أن تخونه في الوضوء أو التيمم أو العبادة وهو يعلم ذات صدرك؟ ما في باطنك يعلمه كما يعلم ظاهرك، هذه المراقبة التي يفوز بها من هيأهم الله لذلك، يعيش العبد أو الأمة يراقب الله في كل حركاته وسكناته، حين يأخذ يتوضأ إذا رأى الماء كثيراً يقلله؛ لأن الله معه، فكلما صببنا الماء من الصنبور نغلقه ونذكر مراقبة الله لنا، إذا أردت أن تأكل أن تشرب أن تقول أن تعطي دائماً تذكر أن الله معك ويراك ويعلم ما في صدرك.

وهذه جاءت في الآية العظيمة التي هي سلم الوصول إلى الكمال: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ )[العنكبوت:45]، أولاً، ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ )[العنكبوت:45]، ثانياً، ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )[العنكبوت:45]، ثالثاً، ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )[العنكبوت:45]، الرابعة، فهذا سلم الوصول إلى الكمال:
أولاً: قراءة القرآن بالليل والنهار.
ثانياً: إقام الصلاة كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: ذكر الله في كل الأحايين إلا إذا جلست على المرحاض تتغوط.
رابعاً: أن تعلم أن الله يعلم ما تصنع فتراقبه في كل حركاتك وسكناتك، فإذا وصلت إلى هذا فأبشر واعلم أنك من خيرة أولياء الله عز وجل.

اللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وتوفنا وأنت راضٍ عنا وألحقنا بهم يا رب العالمين.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 06-08-2021 07:10 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (8)
الحلقة (366)
تفسير سورة المائدة (61)


شرع الله عز وجل الطهارة لعباده، وجعلها شرطاً لأداء عبادة من أهم العبادات ألا وهي الصلاة، والطهارة للصلاة تكون نوعان؛ أما الغسل لرفع الحدث الأكبر، وإما الوضوء لرفع الحدث الأصغر، وقد يسر الله عز وجل على عباده في هذا الشأن، فمن لم يجد ماء لغسله أو وضوئه فله أن يتيمم صعيداً طيباً فيمسح به وجهه وكفيه ظاهراً وباطناً، وهذا من رحمته سبحانه بعباده.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ ذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة، ومع هاتين الآيتين، سبق أن درسناهما ولكن لم نستوفهما كما ينبغي أن ندرسهما.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )[المائدة:6-7]. ‏

توجيه معنى القراءتين في (أرجلكم) والرد على الرافضة في ذلك
ألفت النظر إلى أنه قرأ بخفض ( وَأَرْجُلَكُمْ )[المائدة:6]، هناك قراءة بالكسر: ( وأرجلِكم )، عطفاً على (برءوسكم).ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المسئول عن بيان كلام الله لقول الله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )[النحل:44]، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغسل رجليه ولا يمسحهما طيلة عشر سنين، وإنما المسح لمن لبس الشراب أو الجورب أو الخف، لكل من ستر رجله وقاية لها من البرد أو الحر أو الشوك، له أن يمسح على ذلك الغطاء الذي على رجله.

وهنا إخواننا من الشيعة يمسحون أرجلهم ولا يغسلونها وهي عارية عن الجورب أو الموق أو الخف، وجاءني أحدهم في الحلقة وقال لي: لماذا أنتم لا تمسحون على أرجلكم والآية الكريمة تقول: ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ )[المائدة:6]؟

فمما فتح الله به علي وأسكته أن قلت له: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساؤه وأصحابه وبناته والأمة معه كم سنة وهو يتوضأ؟ عشر سنين، والله ما مسح رجليه إلا إذا كان عليهما الخف أو الجورب، وكان يغسل رجليه ويقول: ( ويل للأعقاب من النار )، فالذي لا يهتم بغسل رجليه ويبقى العقب هذا غير مغسول تأكله النار، فوالله لقد سكت الرجل، وماذا يقول؟
فقراءة الجمهور: ( وَأَرْجُلَكُمْ )[المائدة:6]، عطفاً على: (وجوهكم): اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين، وليس معقولاً أبداً أن الرجل التي تمشي بها في المزابل في الطرقات تمسح عليها ووجهك تغسله!

ألم يُقصد بهذه الطهارة للجسم أيضاً؟ فرجلك التي تمشي بها في كل مكان لا تغسلها وتمسح فوقها هكذا، ووجهك النظيف الذي ما يتعرض للوسخ يجب أن تغسله ثلاث مرات، وكذلك يداك!
والشاهد عندنا لفت نظركم إلى أن هذه القراءة بالكسر أفادت المسح إذا كان على الرجل خف أو جورب أو موق، فما أضعنا القراءة هذه، نفعنا الله بها.
وأما قراءة الجمهور فهي عطف على الوجوه: ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[المائدة:6]، أي: واغسلوا أرجلكم -بقراءة الجر- وامسحوا بأرجلكم إذا كان على الأرجل خفاف أو جوارب أو ما إلى ذلك.

إذاً: عرفتم المسح على الخفين أو على الجورب أو على الموق وعلى كل ما يستر الرجل من أجل وقايتها من الحر أو البرد أو الحجارة والأشواك، ففي غزوة ذات الرقاع لفوا على أرجلهم قطعاً من القماش أو خرقاً وكانوا يمسحون عليها.

أثر الخلاف في معنى (من) في قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )[المائدة:6]، كيف نفعل؟ قال تعالى: ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6]، و(من) هل هي ابتدائية أو تبعيضية؟بعض أهل العلم قالوا: هذه تبعيضية، فلا بد من مسح جزء من التراب، وقالوا: ينبغي أن يكون المسح من التراب حتى يعلق بيدك جزء منه، وخالفهم الجمهور وقالوا: (من) للابتداء، كقولك: خرجت من القاهرة أو من البصرة، ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6]، أي: بابتداء من ذلك الذي صعد على وجه الأرض، سواء كان حجارة أو سبخة أو رملاً أو تراباً، إلا أن التراب أولى، متى وجد فهو أولى من الحجارة، فإن انعدم التراب فكل ما علا على الأرض وارتفع فوقها فهو صاعد عليها، فتضرب يديك -كما سيأتي وكما سبق- وتقول: باسم الله، وتمسح وجهك وكفيك.


رحمة الله تعالى بعباده الظاهرة في بيان مقاصد تشريع التيمم

(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )[المائدة:6]، أي: ضيق ومشقة وتعب. فلهذا إن كنت مريضاً أو كنت صحيحاً والماء بارداً ولا تستطيع أن تغتسل تخاف أن تمرض؛ فإنك تتيمم، فعمرو بن العاص تيمم في غزوة وصلى وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وما أنكر عليه.إذاً: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )[المائدة:6]، ليطهر أبداناً وأرواحاً، هذه مواد التطهير للبدن وتعود أيضاً بالطهارة على الروح، من فعل هذا الوضوء أو هذا الغسل إيماناً بالله وطاعة له وامتثالاً لأمره؛ فهذه الطاعة تحيل نفسه إلى كتلة من النور، فكما تزكو النفس يزكو البدن ويطيب ويطهر، ( لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ )[المائدة:6]، ألا وهي نعمة الإسلام، نعمة عبادة الله عز وجل والحياة على هذا الدين الإسلامي؛ رجاء أن نشكره في كل أحوالنا وفي كل أمورنا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
الآن نريد أن ندرس الآيتين من الكتاب: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ معنى الآيتين:
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين به وبرسوله وبوعده ووعيده] ناداهم فقال: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:6]، نادى الرب تعالى عباده المؤمنين به وبرسوله وبوعده لأوليائه ووعيده لأعدائه [ ليأمرهم بالطهارة ] الوضوء، الغسل، التيمم.[ ليأمرهم بالطهارة إذا هم أرادوا الصلاة ]، فقوله تعالى: ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ )[المائدة:6] أي: أردتم أن تصلوا؛ لا أنه يكون غير متطهر ويقوم ليصلي. [ وهي مناجاة العبد لربه لحديث: ( المصلى يناجي ربه )]، كأنما يقول: أيها المؤمنون! من أراد منكم أن يناجيني فليتطهر، لا يأتني وهو غير طاهر. فالصلاة مناجاة، يقال: فلان يتناجى مع فلان: يتكلم معه سراً، والرسول يقول: ( المصلي يناجي ربه )، فالحمد لله، نحن في الأرض وهو فوق العرش بائن من خلقه فوق السماوات ونتكلم معه ويسمعنا ويرانا أكثر مما يسمع بعضنا بعضاً ويرى بعضنا بعضاً.

فلهذا من ذنوبنا إساءة المناجاة، كيف نخلو برب العالمين نتكلم معه ونعرض عنه بقلوبنا ونصبح واقفين بين يديه مشغولين عنه حتى بالمطبخ وما فيه من طعام، فهذه زلة كبيرة وقل من يشعر بها، أيقبل عليك سيدك يسمع منك وينظر إليك وأنت تائه في متاهات أخرى؟! هذه من ذنوبنا.
[ وبيّن لهم الطهارة الصغرى منها: وهي الوضوء، والكبرى: وهي الغسل ]، وقد عرفنا الوضوء والغسل وما زلنا نتعلم، [ وبين لهم ]، أي: للمؤمنين به وبرسوله، بين لهم [ ما ينوب عنهما ]، أي: عن الوضوء والغسل، ينوب عنهما التيمم، [إذا تعذر] وصعب [وجود الماء الذي به الطهارة، أو] الماء موجود ولكن [عجزوا عن استعماله] لمرض ونحوه، [وهو التيمم، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )[المائدة:6]، وحدُ الوجه طولاً من منبت الشعر أعلى الجبهة إلى منتهى الذقن أسفل الوجه ]، منبت الشعر في الجبهة في الغالب معروف، أي: حتى وإن كان أصلع، [إلى منتهى الذقن أسفل الوجه، وحده عرضاً من وتد الأذن اليمنى إلى وتد الأذن اليسرى ]، والوتد: الشحمة، ذلك اللحم الذي كأنه يثبت الأذن ويرسخها كالوتد الذي تشد به الخيمة.

قال: [ ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )[المائدة:6]، فيشمل الغسل الكفين والذراعين إلى بداية العضدين، فيدخل في الغسل المرفقان ]، المرفقان: ما ترتفق به حين تتكئ، فقوله: إلى المرفقين، (إلى) بمعنى: مع المرفقين، تقول: وصلت إلى المدينة. يعني: ما دخلت فقط فوصلت إلى الباب، لا بد أنك دخلت فيها، فـ(إلى) تكون بمعنى:(مع).

قال: [ ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )[المائدة:6]، واللفظ محتمل للكل والبعض ]، فقوله تعالى: ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )[المائدة:6]، هل الباء للتبعيض فيكفي بعض الرأس؟ أو الباء للإلصاق أي: لا بد أن تلصق يدك مع رأسك؟ على كل حال نحن مسلمون لا نتمذهب ولا نتعصب، ما بلغنا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وبلغه لنا أئمتنا وهداتنا نعمل به ولا نخالفه، فمن هنا فالمسح الحقيقي الوافي الكامل: أن تبدأ بيديك من أول الرأس وتمضي بهما إلى القفا وتردهما، وقد مسح رأسك كله، هذا المطلوب.

ولكن تأتي رخص، حيث يكون على رأسك عمامة مشدودة وأنت في سفر أو في حال برد ما يقتضي موقفك أن تحلها، فتزحزحها هكذا وتمسح بعض الرأس وتتم الباقي على عمامتك، فنكون قد أخذنا بمعنى الباء من الجهتين: التبعيض والإلصاق.
والنساء كالرجال، فإذا رأسها مربوطاً برباط شديد فإنها تزحزحه عن بعض الشعر وتعمم المسح على خمارها، وما عصينا الله وما خرجنا عن قول أئمة الإسلام.
أما أنك لا لشيء تمسح هكذا فقط، فما أظن هذا إلا لعباً واستهزاءً وعنترية فقط؛ تقول: لأن الباء للتبعيض، والرسول صلى الله عليه وسلم ما غسل رجليه وما مسح رأسه! لقد مكث عشر سنين وهو يمسح، فهل قال هكذا بيديه فقط؟
قال: [ ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )[المائدة:6]، واللفظ محتمل للكل والبعض ] أي: لكل الرأس ولبعضه، [ والسنة بينت أن الماسح يقبل بيديه ويدبر بهما فيمسح جميع رأسه، وهو أكمل، وذلك ببلل يكون في كفيه، كما بينت السنة مسح الأذنين ظاهراً وباطناً بعد مسح الرأس ]؛ لأن الأذنين جزء من الرأس، فمن مسح رأسه يمسح أذنيه ظاهرها وباطنهما على حد سواء، فإذا بقي البلل في كفيه مسح أذنيه، وإن جف الكفان فإنه يجدد الماء من جديد فيصب على يديه ويمسح أذنيه.

فقوله تعالى: ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )[المائدة:6]، يدخل في الرأس الأذنان، لأنهما جزء من الرأس.

قال: [ وقوله: ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[المائدة:6]، أي: واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والكعبان: هما العظمان النائتان عند بداية الساق ] ساق الرِّجل، عظم من هنا وعظم من هنا، عظمان نائتان، أي: بارزان عند بداية الساق.

يتبع





ابوالوليد المسلم 06-08-2021 07:11 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
بعض المسائل المتعلقة بالوضوء وأحكامه
قال: [ وبينت السنة ] سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: طريقته ومنهجه الذي كان عليه وورثه المؤمنين من بعده. [ وبينت السنة رخصة المسح على الخفين بدلاً من غسل الرجلين، كما بينت غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق والاستنثار، وكون الغسل ثلاثاً ثلاثاً على وجه الاستحباب ]. السنة هي التي بينت غسل الكفين ثلاثاً ثم المضمضة، ثم الاستنشاق والاستنثار، النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بين هذا، والآية مجملة والرسول المبين صلى الله عليه وسلم.
والغسل ثلاثاً ثلاثاً على وجه الاستحباب، المفروض أن تعمم وجهك بالماء ويديك بالماء، فإن اكتفيت بغسلة واحدة أجزأك ذلك، لكن السنة أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً؛ لأن الله وتر يحب الوتر؛ ولأنها أضمن أن تغسل عضوك غسلاً كاملاً.
وإذا لم تكف الغسلات الثلاث فيجب أن تعود فتغسل ثالثة ورابعة وخامسة، المهم أن تعم وجهك ويديك بالماء بغسلة بغسلتين بثلاث وذلك أفضل.
قال: [ و] بينت السنة أيضاً [ قول باسم الله عند الشروع، أي: البدء في الوضوء ]، قبل أن تفرغ الماء على كفيك تقول: باسم الله، باسمه تتوضأ، لولا أنه أذن لك أن تتوضأ باسمه وبعونه وقدرته لشللت على الفور، ما تستطيع أن تفعل شيئاً.
قال: [كما بينت السنة وجوب الترتيب بين الأعضاء المغسولة الأول فالأول ]، الوجه فاليدان فالرأس فالرجلان، لو أن شخصاً يقول: أنا أغسل رجلي أولاً لأستريح ثم أغسل بعد ذلك وجهي ويدي، لقلنا: ما يصح هذا، أو يغسل أولاً يديه ورجليه ثم يقول: أترك وجهي الأخير حتى أجففه، ما يصح غسله؛ فالله تعالى ذكرها مرتبة فقال: ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )[المائدة:6]، فالذي يركب رأسه ويقول: أيش في ذلك؟ أنا سأبدأ بكذا، فإنه يكفر، لأنه يرد على الله عز وجل، لكن في حال العجز أو النسيان لا بأس، أما أن يتعمد المخالفة فهذا على شفا حفرة من النار.

قال: [ ووجوب الفور أيضاً بحيث لا يفصل بزمن بين أعضاء الوضوء حال غسلها، بل يفعلها في وقت واحد إن أمكن ذلك].
الترتيب عرفناه، الوجه فاليدان فالرأس فالرجلان، وترك الموالاة كأن يغسل كفيه فيتمضمض فيستنشق فيغسل وجهه ثم يقول: نستريح، يا أم فلان! أعطنا كأس قهوة، وبعد أن يشرب يأخذ في غسل رجليه بعد ذلك أو يديه، فهل يجوز هذا؟ لا يجوز؛ فلا بد من الفورية، اللهم إلا في حال العجز، كما لو أن الماء انقطع فوقف وذهب يأتي بالماء، فقد يبقى نصف أو ربع ساعة حتى يحصل عليه، فيبني على ما غسل، أو انكفأ الإناء الذي كان فيه الماء وهو ما غسل رجليه، فلا بد أن يطلب الماء، أو ينتظر حتى تجيء أمه بالماء، وليس عليه شيء؛ لأنه مضطر ما هو بمتعمد.
وهل يصح أن يتوضأ ويقول: سأترك رجلي لأغسلهما عند المسجد؟
الجواب: لا يصح، فالموالاة والفورية ركنان من أركان الوضوء وفريضتان من فرائص الوضوء إلا في حال العجز أو النسيان، نسي رأسه ما مسحه وقد جفت أعضاؤه فيمسحه وهو في البيت أو في السوق ولا حرج، نسي يده ما غسلها فإن كان في المجلس في موضع الوضوء فإنه يغسل يديه ويكمل وضوءه، ولكن إذا جفت أعضاؤه وبعد فترة قال: أنا ما غسلت يدي اليمنى فيغسلها وحدها ولا حرج.
قال: [ وأكدت السنة وجوب النية حتى لكأنه شرط في صحة الوضوء ]؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات )، لو تدخل الحمام وتغتسل أربع ساعات بالماء الصابون ولم تنو رفع الجنابة فأنت -والله- ما زلت جنباً، لو تدخل النيل بكامله ولم تنو رفع الحدث الأكبر فأنت جنب، فالنية شرط في صحة الوضوء وفي كل العبادة، وفريضة من فرائض العبادة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ).

ذكر بعض موجبات الغسل
[ وقال تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا )[المائدة:6]، أي: وإن أصابت أحدكم جنابة وهي الجماع والاحتلام، فمن جامع زوجته فأولج ] أي: أدخل [ ذكره في فرجها ولو لم ينزل ] أي: يخرج منه الماء [أي: لم يخرج منه المني فقد أجنب، كما أن من احتلم في منامه فخرج منه مني فقد أجنب، بل كل من خرج منه مني بلذة في نوم أو يقظة فقد أجنب ] وعلى الجنب الغسل، وقد عرفناه، يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة ثم يخلل شعر رأسه ويغسل رأسه ثلاث مرات مع أذنيه ويغسل شقه الأيمن إلى الكعب والأيسر إلى الكعب ظهراً وبطناً، هذا هو الغسل.قال: [ وانقطاع دم حيض المرأة ودم نفاسها كالجنابة يجب منه الغسل ]، إذا انقطع دم الحيض، والحيض من النساء ولذا يقال: امرأة حائض، لأن الرجل ما يحيض، فما يحتاج إلى أن تأتي بتاء التأنيث لتفرق بين الذكر والأنثى، إذ هل يقال: رجل حائض؟! لا يصح، يقال: رجل واقف، وامرأة واقفة، رجل آكل، وامرأة آكلة، رجل مستحٍ، وامرأة مستحية، أما الذي هو خاص بالأنثى فما يؤنث، فهذه التاء تسمى تاء التأنيث للفرق بين الذكر والأنثى، وفي الحيض والنفاس لا يقال ذلك للرجل.
قال: [ وقوله: ( فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6]، يريد: فاغتسلوا، وقد بينت السنة كيفية الغسل، وهي: أن ينوي المرء رفع الحدث الأكبر ]، أن ينوي المغتسل رفع وإزالة الحدث الأكبر، فالحدث الأصغر الوضوء والأكبر الغسل، وسمي حدثاً لأنه حادث ما هو بلازم ودائم، وإنما حدث له.

[وهي: أن ينوي المرء رفع الحدث الأكبر بقلبه ]، لا يقول: اللهم إني نويت أن أغتسل، اللهم إني أريد أن أرفع الجنابة، لا حاجة إلى هذا، بقلبه فقط ينوي رفع الحدث، أو ينوي طاعة الله: أمرني ربي إذا أجنبت أن أغتسل فأنا أغتسل. [ ثم يغسل كفيه قائلاً: باسم الله ]، وإذا كان في المرحاض فلا يقول: باسم الله، ما يذكر اسم الله، يسكت، ويذكر ذلك في قلبه، [ ويغسل فرجيه ] القبل والدبر [ وما حولهما، ثم يتوضأ الوضوء الأصغر المعروف، ثم يخلل أصول شعر رأسه ببلل يديه ] حتى تستأنس البشرة ولا تتألم من الماء البارد، [ ثم يغسل رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على شق جسده الأيمن كله من أعلاه إلى أسفله، ثم الأيسر، ويتعاهد الأماكن التي ينبو عنها الماء فلا يمسها؛ كالسرة وتحت الإبطين والرفقين وهما أصل الفخذين ]، ويغسل الأذنين مع الرأس، يغسل أذنيه ظاهراً وباطناً مع رأسه ثلاث مرات.

مشروعية التيمم ومتى ينتقل إليه من الوضوء والغسل
[ وقوله تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6]، ذكر تعالى في هذه الجملة الكريمة نواقض الوضوء وموجب الانتقال منه إلى التيمم فقال: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى )[المائدة:6]، فالمريض قد يعجز عن الوضوء؛ لضعف جسمه بعدم القدرة على التحرك، وقد تكون به جراحات أو دمامل يتعذر معها استعمال الماء حيث يزداد المرض بمس الماء] فيتيمم.[ وقوله: ( أَوْ عَلَى سَفَرٍ )[المائدة:6]، إذ السفر مظنة عدم وجود الماء ] كما قدمنا، فالذي يسافر على ناقته وبعيره مسافة يوم وليلة من أين يأتي الماء وكيف يحصل عليه؟ فالغالب أن المسافر في الزمان الأول يحتاج إلى الماء، فقال تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ )[المائدة:6].

قال: [ هذه موجبات الانتقال من الوضوء إلى التيمم ]؛ ينتقل من الوضوء إلى التيمم حال انعدام الماء أو العجز عن استعماله.
[ وقوله عز وجل: ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )[المائدة:6]، ذكر في هذه الجملة الأولى نواقض الوضوء إجمالاً: وهو الخارج من السبيلين ]، وهما طريق الماء وطريق الخرء، والطريق: هي السبيل، فالمراد من السبيلين: القبل والدبر.

قال: [ وهو الخارج من السبيلين من عذرة وفساء وضراط وبول ومذي ]، ومني أيضاً، فالخارج من القبل كالخارج من الدبر ناقض للوضوء، والفساء: هواء يخرج مع رائحة كريهة، والضراط صوت يسمع، والمذي: ماء رقيق يخرج عند انتعاش الذكر أو انتصابه فيوجب الوضوء ولا يوجب الغسل، والمني أيضاً قد يخرج بدون لذة.
كان عندنا في القرية رجل حشاش غفر الله لنا وله، وكان يجادلنا ونحن طلبة علم صغار يقول: أنتم تدرسون العلم؟ أنا أسألكم سؤالاً: ما هي النجاسة التي لا تطهر إلا بنجاسة؟ قلنا: مستحيل هذا، كيف تكون نجاسة لا تطهر إلا بنجاسة! قال: اذهبوا تعلموا إذاً، ما تعلمتمز وبينها لنا، وهي: أنه إذا بال الفحل يخرج منه الودي، وهو ماء أبيض ساخن كالمني، هذا الودي إذا خرج لا يمكن أن يزول بالماء، لا يغسل إلا بالبول، أي: إذا بلت انقطع، وقبل أن تبول يبقى معك فأنت تصلي وهو يسيل، وهو نجاسة، فلا تطهر إلا بنجاسة وهي البول، وهذه لطيفة فقهية.
وعندنا هنا ثلاثة أشياء: المني والمذي والودي: فالمني: ماء متدفق يخرج عند انتعاش الذكر، هذا يوجب الغسل إجماعاً في يقظة أو في نوم.
والثاني: المذي، وكان علي رضي الله عنه مذاء، قال: استحييت من رسول لمنزلتي منه، أنا زوج فاطمة ، فقال للمقداد بن الأسود : اسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي. فقال: ( يغسل ذكره ويتوضأ )، فالمذي هذا: ماء رقيق يوجد عند النظر أو اللمس وانتعاش الذكر، هذا ينقض الوضوء بالإجماع ويغسل بالإجماع، ولكن ليس بجنابة.
والودي: يوجد في الفحول، هذا يخرج عندما يتبول المرء يخرج بعد بوله ماء ثخين أبيض ما ينقطع إلا إذا بلت، فحاول أن تبول ولو بعد خمس دقائق، أو قف واجلس فإذا خرج منك بول انقطع، فهو نجاسة لا تطهر إلا بنجاسة، هذه الفذلكة يذكرها الفقهاء ولا حرج.
قال: [وهو الخارج من السبيلين من عذرة وفساء وضراط وبول ومذي، كنى عنه بقوله: ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ )[المائدة:6]، وهو مكان التغوط والتبول، وذكر موجب الغسل وهو الجماع، وكنى عنه بالملامسة، تعليماً لعباده المؤمنين الآداب الرفيعة في مخاطباتهم.

وقوله: ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6]، ماءاً للوضوء أو الغسل، بعد أن طلبتموه فلم تجدوه فتيمموا، أي: اقصدوا، من أم الشيء: إذا قصده ]، أم الدار: إذا قصدها، أم الناس: كانوا وراءه وهو أمامهم، [( صَعِيدًا طَيِّبًا )[المائدة:6] يريد ما صعد على وجه الأرض من أجزائها؛ كالتراب والرمل والسبخة والحجارة ]، ومع هذا التراب أفضل؛ لأن فيه أن تذل لله عز وجل وأن تمسح كفيك ووجهك بالتراب، وهذه مظاهر العبودية لله عز وجل، لو أن متكبراً قال: كيف أمسح وجهي بالتراب، لا أمسح إلا بالحجارة، فهل يصح هذا من مؤمن؟ هذا هو الكبر، لكن إذا ما وجد التراب فإنه يمسح على أي شيء ظهر على الأرض من أنواع أجزائها التي تصعد عليها.

قال: [ وقوله: ( طَيِّبًا )[المائدة:6]، يريد به: طاهراً من النجاسة والقذر، وقوله: ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )[المائدة:6]، بيّن فيه كيفية التيمم، وهي: أن يقصد المرء التراب الطاهر وإن تعذر ذلك فما تيسر له من أجزاء الأرض، فيضرب بكفيه الأرض فيمسح بهما وجهه وكفيه ظاهراً وباطناً مرة واحدة ]، هذا الذي علم الرسول صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر .

ولا يجوز المسح على الحائط ونحوه مما دخلت فيه يد العمران، إذ ما هو بأصلي هذا، ما هو من أصل الأرض، وإنما ما صعد على الأرض من أجزائها.
قال: [ وقوله تعالى: ( مِنْهُ )[المائدة:6]، أي: من ذلك الصعيد، وبهذا بيّن تعالى كيفية التيمم، وهي التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله عنهما.


تسهيل الله على عباده بالرخص في العبادات
وقوله تعالى: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )[المائدة:6]، يخبر تعالى أنه يأمرنا بالطهارة بقسميها: الصغرى وهي الوضوء، والكبرى وهي الغسل، وما ينوب عنهما عند العجز، وهو التيمم، ما يريد بذلك إيقاعنا في الضيق والعنت، ولكنه تعالى يريد بذلك تطهيرنا من الأحداث والذنوب، لأن الوضوء كفارة لذنب المتوضئ كما جاء بيانه في السنة.وقوله تعالى: ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]، أي: بهدايتكم إلى الإسلام وتعليمكم شرائعه، فيعدكم بذلك لشكره وهو طاعته بالعمل بما جاء به الإسلام من الأعمال الباطنة والظاهرة، وهو معنى قوله: ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]. هذا ما دلت عليه الآية الأولى.

أما الآية الأخيرة وهي قوله تعالى: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )[المائدة:7]، فإنه تعالى يأمر عباده المؤمنين أن يذكروا نعمته عليهم بهدايتهم إلى الإيمان؛ ليشكروه بالإسلام، كما يذكروا ميثاقه الذي واثقهم به: وهو العهد الذي قطعه المؤمن على نفسه لربه تعالى بالتزامه بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم عندما تعهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وأما قوله: ( إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )[المائدة:7]، قد قالها الصحابة بلسان القال عندما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقد قالها كل مسلم بلسان الحال لما شهد لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة.

وقوله تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:7]، أمر بالتقوى التي هي لزوم الشريعة والقيام بها عقيدة وعبادة وقضاء وأدباً، وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )[المائدة:7]، يذكرهم بعلم الله تعالى بخفايا أمورهم؛ حتى يراقبوه ويخشوه في السر والعلن، وهذا من باب تربية الله تعالى لعباده المؤمنين لإكمالهم وإسعادهم؛ فله الحمد وله المنة ].

هداية الآيات
[ أولاً: الأمر بالطهارة وبيان كيفية الوضوء وكيفية الغسل، وكيفية التيمم ] كما في هذه الآية.[ ثانياً: بيان الأعذار الناقلة للمؤمن من الوضوء إلى التيمم.
ثالثاً: بيان موجبات الوضوء والغسل.

رابعاً: الشكر هو علة الإنعام.
خامساً: ذكر العهود يساعد على التزامها ].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.







ابوالوليد المسلم 06-08-2021 07:12 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (9)
الحلقة (367)
تفسير سورة المائدة (62)


يدعو الله عز وجل عباده المؤمنين إلى أن يكونوا قائمين بعبادته سبحانه، شاهدين بالعدل ولو على الآباء أو الأبناء أو الإخوان، وحتى لو كانت الشهادة لصالح عدو أو مبغض فينبغي أن تؤدى على وجهها، وبهذا يمتاز المؤمن عن غيره، ويستحق أن يكون مقرباً عند الله، لأنه حقق التقوى التي أمره الله بها.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ما ينتقض به الوضوء من اللمس

قوله تعالى: ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )[المائدة:6]، فسرنا الملامسة بمعنى: الجماع، وكان ابن عباس رضي الله عنه يدخل أصبعيه في أذنيه؛ حتى لا يغتر بلفظة أخرى معروفة عند العامة، فهو يقرر أن معنى قوله تعالى: ( أَوْ لامَسْتُمُ )[المائدة:6]، أي: جامعتم النساء، فمجامعة النساء -وهي أن يغيب رأس الذكر في الفرج- موجبة للغسل، أمنى أو لم يمن، انتعش ذكره أو لم ينتعش؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى الختانان وجب الغسل ).ثم قضية لمس الذكر: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ )، أفضى بمعنى: ما هناك حائل لا ثوب ولا سراويل ولا أي شيء فمس ذكره بباطن كفه، فقد انتقض وضوؤه ووجب عليه الوضوء، لأن اللمس لا يكون بظهر اليد، هذا اللمس مظنة وجود لذة، إذا مس ذكره بكفه فذلك مظنة أن يحدث في نفسه لذة، هنا وجب الوضوء، أما إن أفضى ولكن كان بينه وبين ذكره ثوب أو سراويل فلا شيء عليه، أو وهو يغتسل مس ذكره بظاهر كفه فلا ينتقض وضوؤه، لا ينتقض الوضوء إلا بمس الذكر بباطن الكف: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه ).
وهنا يأتي اللمس بمعنى: المس، فمن أراد أن يتلذذ من امرأته فمسها بقصد أن يتلذذ انتقض وضوؤه ولو لم يجد لذة، وإذا ما قصد شيئاً ولكن ما إن مسها حتى حدث في نفسه انتعاش وشهوة فقد انتقض وضوؤه.
وقد يقال: كيف نفعل حال مزاحمة النساء؟ فنحن نقول: أولاً: لا يحل لنا أن نماس النساء لا بأجسامنا ولا يأيدينا، لكن إذا حصل في الطواف فكونك تقصد اللذة هذا ما يعقل ولا يقوله مؤمن، إلا إذا كان امرء فاسقاً يطوف ليعصي الله عز وجل، أما مؤمن يطوف وينوي اللذة فمستحيل، لكن إن حصلت فما إن مسها حتى انتعش فقد انتقض وضوؤه فيخرج ليتوضأ.
أحكام المسح على الخفين

بقي المسح على الخفين والجوربين والشرّابين، والتقشيرين باللغة المغربية، سمي تقشيراً لأنه يقشر، ينزع كالقشرة، والقول الأسلم الذي ما فيه كلفة: أن كل ما غطى الرجل وسترها من أجل دفع الحر أو البرد، كل ما ستر القدم مع الكعبين فهو يصح أن تمسح عليه، فإن كان بعض الرجل مكشوفاً فلا، إلا إذا كان جزءاً قليلاً فلا بأس، أما ثلث الرجل وربعها يكفشف فما عندك شيء.وسواء كان من جلد أو كان من صوف أو كان من ورق أو كان من ورق الشجر، المهم أنه يستر الرجل، هذا القول أسلم وأقرب إلى الرحمة الإسلامية، أما الفقهاء فمنهم من يشترط أن يكون من جلد، فنقول: ما دام أنه ما شدد الشرع علينا فلم نشدد؟
وأما كيفية المسح ففيها طريقتان:
الطريقة معروفة عند الفقهاء: أن تضع قدمك بين يديك وتمسح بيد فوق الرجل وأخرى تحتها، وهذا فيه كلفة.
وحديث علي رضي الله عنه برد قلوبنا وهدأ نفوسنا، حيث قال رضي الله عنه: لو كان الدين بالعقل لكان مسح أسفل الخف أولى من ظاهره. لأن هذا يلي التراب فهو الذي يمسح، لكن الشارع مسح أعلاه.
وقد عرفتم السر يا علماء الأسرار، وهو أنه ليبقى المؤمن ملتزماً بغسل رجليه، لو كان كل من لبس شراباً يمسح فممكن أن ينسى غسل رجليه؛ فليبقى مرتبطاً بغسل رجليه فإنه إذا غطاهما بشيء يسمح فوقهما، فلهذا لا تكلف نفسك، وإنما بُل يدك بماء وامسح بها ظاهر الخف، ونحن هنا ما التزمنا بمذهب معين، نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأئمة الإسلام ما خرجنا عما قال أئمة الإسلام الأربعة، لكن لا ننتسب إلى واحد ونترك السنة.
وأما شروط جواز المسح فهي: أن يلبس خفيه أو شرابيه على طهارة بلا خلاف، يكون قد توضأ أو اغتسل، ثم لبس خفيه أو شرّابيه، أما أن يكون قد لبسهما على غير وضوء فلا يجوز المسح أبداً، لا بد من نزعهما وغسل رجليه، هذه ما فيها خلاف.
ثم المدة: فمنهم من يقول: يمسح أسبوعاً، ومنهم من يقول: بلا حد، فإذا ما نزعهما ولا أصابته جنابة مسح دائماً.
والقول الراجح الذي به العمل هو الذي حدده صلى الله عليه وسلم: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، توضأ لصلاة الصبح ولبس شرابه فإنه يتوضأ الظهر ويمسح وفي العصر يمسح وفي المغرب يمسح وفي العشاء يمسح، ثم جاءه الصبح فيجدد ويمسح يوماً وليلة، وإن سافر ثلاثة أيام بلياليها فيمسح على شرط ألا ينزع الخفين وألا يصاب بجنابة، فإذا أجنب فإنه يغتسل، انتهى المسح.
وإذا انتقض وضوؤه بفساء أو بضراط وتوضأ فإنه يمسح فقط على خفيه ليوم وليلة، مثلاً: لو مسح على خفه بعدما توضأ للعصر فإنه يمسح المغرب والعشاء والصباح والظهر.
هذه أحكام قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6]، معنى ( فَاطَّهَّرُوا )[المائدة:6]؟ أي: اغتسلوا، ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )[المائدة:6]، فماذا نصنع؟ ( فَتَيَمَّمُوا )[المائدة:6] اقصدوا ( صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:6]، فالحمد لله، والشكر لله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 06-08-2021 07:12 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط...)
والآن مع نداء من نداءات سورة المائدة، حيث يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:8]، لبيك اللهم لبيك، نادانا مولانا ونحن نسمع، أما نقول: لبيك وسعديك؟ لقد قالها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.وكان عبد الله بن مسعود يقول: إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأعرها سمعك. إياك أن تغفل أو تلوي رأسك؛ فأنت منادى، والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا)، فقل: نعم رب، ماذا تريد؟
وقد علمنا أن الله لا ينادينا لهواً ولا لعباً ولا باطلاً، ما ينادينا إلا ليأمرنا بما فيه خيرنا وسعادتنا، أو لينهانا عما فيه شقاؤنا وضلالنا، أو يأمرنا فيبشرنا بما يزيد في طاقة أعمالنا وصالحها، أو ينادينا ليحذرنا مما يؤذينا ويضرنا، أو ينادينا ليعلمنا، ينادينا لخمسة مقاصد.
هنا ماذا يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ )[المائدة:8]، كونوا قائمين له، ( قَوَّامِينَ )[المائدة:8] بعبادة الله وطاعته، وقد تقدم من العبادة الوضوء والغسل والتيمم، وأعظم من ذلك العهد الذي أعطيناه له: ( وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )[المائدة:7]، إذاً: ( كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ )[المائدة:8]، بالقيام بتلك الواجبات والمهام فعلاً أو تركاً.

ثانياً: ( شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ )[المائدة:8]، كونوا شاهدين بالعدل عندما تشهدون ولو شهدت على أبيك أو أمك، والقسط: العدل، بخلاف الميل والجور، لا حيف ولا جور، ( كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ )[المائدة:8]، أي: قائمين أعظم قيام بما أوجب، وبما نهى وحرم.

معنى قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)
قال تعالى: ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا )[المائدة:8]، ولا يحملنكم بغض قوم أو إنسان على ألا تعدلوا، فكونه عدوك آذاك أو ضربك ودعيت لتشهد وأنت على علم فيجب أن تعدل في شهادتك، ولا تشهد على هذا الذي آذاك وعاداك ولو كان يهودياً أو نصرانياً، وبهذا نمتاز نحن عن البشر، تجد أحدنا يشهد على أبيه أنه قتل؛ حيث يحتاج القاضي إلى اثنين يشهدان على أنه قتل، فيأتي الابن يقول: لقد قتل أبي هذا.وآية النساء التي سبق أن درسناها لاحظ كيف تختلف عن هذه في اللفظ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا )[النساء:135]، فهذا الموقف لا يقفه إلا الربانيون من هذه الأمة، يشهد على أبيه، على أمه، على ابنه، على أخيه بالعدل، ولا يلوي لسانه ولا يحرف الشهادة.

وليس عندنا تقية، التقية عند الروافض، بل عندنا: ( فَاصْدَعْ )[الحجر:94]،كأنه قذيفة، ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ )[الحجر:94].

نقول: يا عباد الله .. أيها المؤمنون! أمرنا بأن نكون قوامين لله في طاعته وطاعة رسوله، من الوضوء إلى الغسل، إلى التيمم، إلى الصلاة إلى العبادات، وأن نكون شهداء بالعدل، ولا يحملنا بغض إنسان أو كفره على أن نقول فيه الباطل ونشهد بالزور أبداً، كن مطمئناً، هذا نظام حياتنا.
الأمر الثاني: ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )[المائدة:8]، أقرب إلى أن تظفروا بتقوى الله، التي هي ملاك أمركم وتحقيق ولايتكم لربكم، العدل يقود إليها، فالذي يعيش على العدل هل يخون الله في أمره ونهيه؟ كلا، الذي يعيش على العدل والقسط توجد لديه ملكة نفسية ما يعصي بها الله عز وجل ولا رسوله، ومن لم يعص الله ولا رسوله فقد ظفر بالتقوى، والتقوى ما هي؟ أليست طاعة الله والرسول؟ فملكة العدل تورثك التقوى، وتجعلك من أهلها.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ )[المائدة:8]، (شُهَدَاءَ) هنا: جمع شاهد، ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ )[المائدة:8]، أي: لا يحملنكم، ( شَنَآنُ قَوْمٍ )[المائدة:8]، الشنآن: البغض والعداء والعداوة، ( عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )[المائدة:8]، هذا هو شأن الله عز وجل مع أوليائه، فمن هؤلاء الذين يخاطبهم ويبين لهم ويهديهم؟ أليسوا أولياءه؟ يريد منهم أن يكملوا ويسعدوا، يريد أن يجاوروه في الملكوت الأعلى، ومن هنا أمرهم بتزكية النفس وتطييبها.
تفسير قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم)
ثم قال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )[المائدة:9]، وعدهم بماذا؟ وهل وعد الله حق أم لا؟ فإذا وعدك الله بالشيء فهل ممكن أن يخلف؟ هل يعجز أو ينسى؟ لا عجز ولا نسيان أبداً، فوعد الله ناجز.يقول تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )[المائدة:9]، وعدهم بماذا؟ قال: ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ )[المائدة:9] لذنوبهم، ( وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )[المائدة:9]، هو نزولهم في الملكوت الأعلى في الجنة دار السلام في جوار ربهم تعالى، فهل هناك أجر عظيم أكثر من الجنة؟ لو أعطيت بنوك الدنيا كلها فذلك أجر عظيم، لكن هل يبلغ عظم الجنة؟

فقوله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )[المائدة:9]، ما المراد من الصالحات هذه؟ هل هي علاج المرضى كما يفعل القسس والرهبان؟ هل توزيع الخبز على الجياع؟ ما المراد من الصالحات؟
الصالحات: كل اعتقاد أو قول أو عمل أمر الله به وفرضه أو ندبنا إليه أو رغبنا فيه، من عمله طهر به نفسه وزكى روحه، فهو لذلك عمل صالح؛ لأنه يزكي النفس ويطهرها، يدخل فيه الصلاة والزكاة والرباط والجهاد وبر الوالدين والأمر بالمعروف.. كل العبادات تحت شعار: العمل الصالح.
صفة المؤمن الموعود بالمغفرة والأجر العظيم
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:9] أولاً، لأن الصالحات إذا لم يعملها المؤمن إيماناً لا تنفعه، لا تنتج له زكاة ولا طهراً، فالإيمان شرط، بدليل أن الكافر لو تصدق بملء الأرض ذهباً لا يفديه يوم القيامة: ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ )[الزمر:47]، ولكن هل يقبل منهم؟إذاً: وعد الله الذين آمنوا حق الإيمان، فالشيوعيون يقولون: نحن مؤمنون، اليهود مؤمنون، النصارى، المجوس، كلهم مؤمنون، فمن هو المؤمن بحق؟
المؤمن بحق هو ذاك الذي آمن بوجود الله رباً وإلهاً وآمن بكل ما أمر الله أن نؤمن به، من الملائكة، من الكتب، من الرسل، من البعث، من الجزاء، من الدار الآخرة، من القضاء والقدر، وأعظم من ذلك أن آمن بمحمد رسولاً ونبياً، فلو آمن بكل الرسل وكفر بمحمد فوالله إنه لكافر، لو آمن بكل الرسل وكفر بعيسى فوالله إنه لكافر، لو آمن بكل الملائكة إلا جبريل فوالله إنه لكافر، آمن بيوم القيامة إلا أنه قال: ما نؤمن بجنة ولا نار، فوالله إنه لكافر، فالمؤمن عبد آمن بالله رباً وإلهاً ثم صدق بكل ما أخبر الله به من شأن الغيب والشهادة، وبكل ما أمر الله أن نؤمن به، ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا )[التغابن:8]، هذا المؤمن، ومن أراد أن يعرف هل هو مؤمن أو لا فعندنا شاشة قرآنية، ما هي بتلفاز ولا فيديو، شاشة بيضاء قرآنية، من وجد نفسه فيها قال: الحمد لله، ومن لم يجد نفسه فليعلم أنه ما هو بمؤمن، فليمش إلى أهل العلم ويسألهم: كيف نؤمن؟
قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ )[الأنفال:2]، أي: بحق وصدق، لا بالادعاء والنطق، ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ )[الأنفال:2]، من هم يا رب؟ ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )[الأنفال:2-4].

وفي شاشة أخرى قال تعالى من سورة التوبة: ( وَالْمُؤْمِنُونَ )[التوبة:71]، أي: بحق وصدق، ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، امرأة صينية وأنت أمريكاني، فأنت أخوها وهي أختك، فانصرها إذا احتاجت إلى نصرك، وتحبها كما تحب أختك وأمك، مؤمن أسود غربي وأنت أبيض صقلبي، يجب أن تحبه وأن تنصره، متى استغاث بك واستنصرك نصرته، ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )[التوبة:71]، شاشتان في القرآن، فانظر تجد نفسك في الشاشتين إن شاء الله، وإن غبت في موطن فعجل لتظهر فيه.
حاجتنا إلى التخلص من الذنوب
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )[المائدة:9]، مغفرة لأي شيء؟ لذنوبهم، وهل يعقل أن العبد ما يذنب؟ هل هو معصوم؟ لو كان ابن سنة أو سنتين أو عشر فممكن، وإذا عاش سبعين سنة فمن الجائز ألا يذنب، وقد عرفنا أن الذنب ليس دائماً هو أن تسرق أو تزني، بل تقصيرنا في شكر الله من ذنوبنا، أما أمرنا بالشكر؟ فالذي يأكل وما يقول: الحمد لله، أو يركب الطائرة ولا يقول: الحمد لله أليس بمذنب؟ فطهر نفسك وبعد ذلك تدخل الجنة، يدل لذلك قول الله تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ )[آل عمران:133] أولاً، وإلى ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ )[آل عمران:133]، فأولاً: التوبة، ثم العمال الصالح، أما الذي ما زال على الشرك ويعمل الصالحات فما تنفعه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 06-08-2021 07:13 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام - (1)
الحلقة (368)
تفسير سورة المائدة (1)


الله عز وجل هو خالق السماوات والأرض، وخالق الظلمات والنور، ومدبر الخلائق والأكوان، لا يكون شيء في السماوات أو في الأرض أو بينهما إلا بإذنه، وهو الذي خلق هذا الإنسان من طين، وعلم ما يختلج في صدره وما يتردد في فكره وسره، ومع ذلك تجد الجهال من خلقه يكفرون به سبحانه، ويعدلون به أصنافاً وأوثاناً لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، فضلاً عن أن تملكه لغيرها، فسبحان من بيده الهدى والضلال.
بين يدي سورة الأنعام
القضايا العقدية المقررة في سورة الأنعام
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
وها نحن الليلة مع فاتحة سورة الأنعام، سورة الأنعام من السبع الطوال، هذه السورة -معاشر المستمعين والمستمعات- زفَّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون ألف ملك ولهم زجل وتسبيح.
هذه السورة المكية تقرر ثلاثة مبادئ:
أولاً: توحيد الله تعالى.
وثانياً: إثبات لقاء الله تعالى.
وثالثاً: رسالة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توحيد الله، لقاء الله، تقرير النبوة المحمدية.
وهذه السورة لجلالتها وددنا لو أنها يحفظها كل مؤمن ومؤمنة، وخاصة طلاب العلم، سواء الذين يطلبون الصناعة أو الكيمياء، أو الطب، أو علم الفلك، حفظ هذه السورة خزينة من خزائن النور، صاحبها لا يضل بإذن الله تعالى.
فهيا ندرس هذه الآيات الثلاث منها:
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ...)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:1-3] من خير وشر.
السور المفتتحة بالحمد
معاشر المستمعين والمستمعات! السور التي افتتحت بحمد الله عز وجل في كتاب الله خمس: أولاها: الفاتحة. وثانيتها: الأنعام. وثالثتها: الكهف. ورابعتها: سبأ. وخامستها: فاطر.أول سورة في كتاب الله هي: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة:2]، افتتح الله تعالى بها كتابه، فهي فاتحة الكتاب، ولا تصح صلاة بدون قراءتها.
والسورة الثانية الأنعام، وسميت بالأنعام لذكر لفظ الأنعام فيها أربع مرات، والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم: الضأن والماعز، هذه هي الأنعام التي أحلها الله تعالى لنا.
معنى قوله تعالى: (الحمد لله)
فهذه السورة مفتتحة بكلمة: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1]، أي: المدح والثناء الجميل الحسن هو لله، الحمد: الثناء بالجميل، فالثناء الحسن هو حق الله عز وجل. و(أل) هنا للاستغراق، جميع المحامد هي حق الله عز وجل، هي لله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1] عز وجل.و(الله) هذا الاسم علم على ذات الرب عز وجل، كل ذاتٍ لها اسم تعرف به، حتى الإنسان والحيوان بل والنباتات، هذا عنب وهذا تفاح، والله جل جلاله بارئ النسم وخالق الخلق له اسم هو (الله)، وله تسعة وتسعون اسماً منها (الله)، ناده: يا ألله، ناده: (اللهم) وسل حاجتك، وارفع إليه شكواك، والله يسمع دعاءك أينما كنت ولو كنت في جوف سمكة بالبحر الأسود المظلم، يسمع صوتك، وقد سمع صوت يونس ذي النون عليه السلام وهو في ظلمة بطن الحوت، في ظلمة البحر، في ظلمة الليل، إذ قال تعالى عنه: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنبياء:87]، إذ نادى في الظلمات: ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، ( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )[الأنبياء:87] ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )[الأنبياء:88].
أبشروا يا من هم مؤمنون صادقون في إيمانهم، هذا وعد الله كما نجى يونس ينجي المؤمنين من ظلمات الجهل، من ظلمات الفقر، من أية ظلمة من الظلمات، ادع وارفع يديك إليه واسأل حيثما كنت فإنه قريب مجيب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
(الحمد): الوصف بالجميل، الثناء الحسن، إذ كل جميل يليق بالله عز وجل، كل حسن الله أهله، كل ثناء بالطيب والخير هو لله عز وجل، ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1].
آداب مدح الناس وحمدهم
وهنا ألفت النظر إلى أننا لا يصح منا أن نحمد من ليس هو بأهل للحمد، وإلا كنا كاذبين، فلا يُحمد شيء إلا إذا كان له وصف جميل يستحق به الثناء والحمد، ومن حمد أو مدح وأثنى على من ليس لذلك بأهل فهو كاذب والعياذ بالله، وهذا الله عز وجل في هذه الفواتح الخمس يذكر الحمد له ويذكر سببه.الحمد لله لم؟ كيف؟ ( رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )[الفاتحة:2-4]، أما يحمد على هذا؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1]، أما يحمد على هذا؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا )[الكهف:1]، ( قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا )[الكهف:2]، كيف لا يحمد؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )[سبأ:1]، تحمد الذي له بعير أو شاة، فكيف بالذي له ما في السماوات والأرض؟ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[فاطر:1]، وخالقها.
فمن هنا بيَّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم آداباً فزنا بها:
أولاً: لا نحمد إلا من كان أهلاً للحمد، وإذا حمدناه أو مدحناه فلا ينبغي أن نمدحه في وجهه، نذكره بالخير وهو غائب، أما أن نمدحه في وجهه فقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قطعت عنق صاحبك ).
وقد قررنا -والحمد لله والله شاهد- وبينا منذ عشرات السنين أنه حين يأخذ العرب يمدحون رئيسهم ويتبجحون ويحمدونه؛ لا يشعر حتى يطغى ويتجبر ويتكبر ويفعل العجب، ولفتنا النظر وقلنا: لا يصح هذا أبداً، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أذن لصاحب أن يمدح رجلاً بين يديه، وقال: ( قطعت عنق صاحبك)، ولو شئنا لسمينا الزعماء الذين أضللناهم وألقيناهم في الضلال بسبب مدحنا وثنائنا وتبجحنا حتى طغوا، ومن أبسط ما يكون: طالب علم يشاهد ذكاءه أو فطنته أو حرصه فيأخذ في مدحه ينتكس، يرى نفسه أنه أعلم الناس، أذكى الناس، فيهبط من حيث لا يشعر.
إذاً: فالله عز وجل يحمد نفسه وهو أهل للحمد والثناء، ومع هذا يذكر علة ذلك الحمد وسببه، وحسبنا أن يعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أننا إذا مدحنا لا نغالي ونبالغ، ولا نمدح في وجه الشخص حتى لا يتأثر أو يصاب بمحنة، فنذكره بخير في حال غيبته لا مواجهة.
فها هو تعالى يحمد نفسه، ويذكر سبب ومقتضى هذا الحمد: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ )[الأنعام:1]، ما بنى قصراً أو سفينة، أو حرر إقليماً، أو غزا وانتصر على جيش، خلق السموات والأرض، ووالله ما كانا موجودين وأوجدهما، وأنت لا تدعى إلى غيب، بل ارفع رأسك إلى السماء تشاهد كواكبها ونجومها وهواءها وأمطارها وشهبها، ضع رأسك للأرض تشاهد هذه المخلوقات، من خلقها سوى الله؟ والله لا خالق إلا هو، ولم يوجد في البشرية من ادعى خلق كوكب من الكواكب، خلق السموات السبع والأرضين السبع أيضاً، وقد كان الله ولا شيء، لا سماوات ولا أرضون، وأوجدهما العزيز الجبار، أهذا لا يستحق الحمد؟ إذا لم يحمد هو فمن يحمد؟
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ )[الأنعام:1] فهذه الأجرام التي تشاهد ويلمس بعضها ويحس أوجدها الله عز وجل.

يتبع




الساعة الآن : 02:29 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 176.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 176.12 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.28%)]