رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [371] الحلقة (403) شرح سنن أبي داود [371] إن من حسن توفيق الله للميت ثناء الناس عليه خيراً إذا مرت جنازته، ومن علامات سوء توفيقه إذا أثنوا عليه شراً عند مرور جنازته، ولقد كرم الله تعالى المسلم في حياته وبعد مماته، فمن تكريمه بعد مماته أن نهى عن المشي على قبور المسلمين، ونهى عن الجلوس عليها، ونهى عن امتهانها، وفي المقابل منع الشرع من تعظيم هؤلاء الأموات تعظيماً زائداً عن الحد المشروع، فنهى عن رفع قبورهم وتشييدها، ونهى عن تجصيصها، والتوسل بها ودعائها والاستغاثة بها، والذبح عندها، فالأمر وسط، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء. كراهية الذبح عند القبر شرح حديث: (لا عقر في الإسلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية الذبح عند القبر. حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا عقر في الإسلام) ] . قوله: [باب كراهية الذبح عند القبر] الكراهية هنا بمعنى التحريم، فلا يجوز أن يُذبح عند القبور، وأما إذا كان الذبح عند القبور لأصحاب القبور فهذا شرك بالله عز وجل؛ لأن الذبح عبادة، فإذا تقرب به إلى غير الله فإن ذلك شرك، وأما إذا لم يكن الذبح لأصحاب القبور وإنما أريد به الذبح لله عز وجل فلا يجوز، وهو محرم، لكن لا يقال: إنه شرك، إلا أنه ذريعة ووسيلة إلى الشرك؛ لأن من ذبح في ذلك المكان -وإن كان يريد أنه لله- فإن الأمر يئول به إلى أن يكون لغير الله، وذلك بأن يذبح للميت. فالحاصل: أنه لا يجوز الذبح عند القبور مطلقاً، فإن أريد بذلك التقرب إلى الميت فهو شرك بالله عز وجل، وأما إذا لم يكن كذلك فهو من البدع المحرمة التي لا تسوغ ولا تجوز. وقد أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا عقر في الإسلام) ، فقد كانوا في الجاهلية يذبحون عند قبر الشخص إذا كان كريماً، ويقولون: كما أحسن إلى الناس في حياته فإنه يكون كذلك بعد وفاته، فيذبحون عنه؛ حتى يكون مطعماً حياً وميتاً. فمعنى هذا الحديث: (لا عقر في الإسلام) أن هذا الذي كان يُعمل في الجاهلية لا يسوغ ولا يجوز. [قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة] . وهذا مثاله. تراجم رجال إسناد حديث: (لا عقر في الإسلام) قوله: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي] . يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عبد الرزاق] . هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر] . هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ثابت] . هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس بن مالك] . أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الصلاة على قبر الميت بعد حين شرح حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل أحد قال المصنف يرحمه الله تعالى: [باب الميت يصلى على قبره بعد حين. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف) ] . قوله: [باب الميت يصلى على قبره بعد حين] ، المقصود بذلك: أن الميت يصلى على قبره بعد مدة ولو كانت طويلة، وقد قال بعض أهل العلم: إنه يصلى على الميت ولو قد مضى عليه مدة طويلة، وقال آخرون: إنه لا يصلى عليه إلا إذا كان حديث عهد بدفن، ويكون ذلك في حق من فاتته الصلاة ومن لم يصل عليه. والحديث لا يدل على أن الميت يصلى عليه بعد مدة طويلة؛ لأن هذا -كما جاء في بعض الروايات- خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء فيها: (كان كالمودع للأحياء والأموات) ، أي: أنه فعل ذلك توديعاً للأحياء والأموات في آخر عمره عليه الصلاة والسلام، فلا يستدل به على أنه يجوز الصلاة على أصحاب القبور بعد مدة طويلة، وإنما يدعا لهم في كل وقت وحين، وأما الصلاة عليهم فإنما تكون عند الموت قبل الدفن في المصلى أو المسجد، ومن فاتته الصلاة فإنه يصلي عليه عند القبر، كما سبق حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب -أي: حديث عهد بالدفن- وصفوا وراءه، فصلى عليه وكبر أربعاً) ، وكذلك في قصة الرجل أو المرأة الذي كان يقمُّ المسجد فمات ودفن في الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا آذنتموني؟ ثم قال: دلوني على قبره، فذهب وصلى عليه صلى الله عليه وسلم) ، فإذا كان ذلك في وقت قريب من الموت فيصلي عليه من لم يصل، وأما بعد تقادم الزمان، ومرور الأوقات فلا يفعل ذلك، وإنما يدعا للأموات والأحياء، وأما هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من خصائصه كما جاء: (أنه كان كالمودع للأحياء والأموات) . تراجم رجال إسناد حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل أحد قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث] . هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن أبي حبيب] . هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الخير] . هو مرثد بن عبد الله اليزني وهو مصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عقبة بن عامر] . هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي سكن مصر، فهذا الإسناد مسلسل بالمصريين إلا قتيبة بن سعيد. شرح حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل أحد من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الحديث، قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات) ] . أورد الحديث من طريق أخرى وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات) ، وهذا يفيد أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فكونه يصلي عليهم بعد هذه المدة، وأنه كالمودع للأحياء والأموات، فهذا يدل على أنه من خصائصه. ووجه ذكر الأحياء هنا أنه رجع من الصلاة على قتلى أحد فخطب الأحياء، هكذا جاء في بعض الروايات، وقال: (أنا فرطكم على الحوض) ، وذكر كلاماً فيه إشارة إلى توديعه إياهم. قوله: [حدثنا الحسن بن علي] . هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا يحيى بن آدم] . يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن المبارك] . هو عبد الله بن المبارك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حيوة بن شريح] . هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الحديث] . وقد مر ذكر الإسناد والمتن. البناء على القبر شرح حديث: (نهى أن يقعد على القبر وأن يقصص ويبنى عليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في البناء على القبر. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى أن يُقعد على القبر، وأن يقصَّص، ويُبنى عليه) ] . قوله: [باب في البناء على القبر] ، أي: أنه حرام لا يجوز، وقد جاءت عدة أحاديث تدل على منعه ومنها هذا الحديث، وقد دُفن الرسول صلى الله عليه وسلم في البنيان، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الأنبياء يدفنون في المكان الذي ماتوا فيه، وقد جاء في الحديث: (إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون) ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم في البنيان دُفن في المكان الذي مات فيه، فيكون ذلك من خصائصه. وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن لهيعة عندما ذكر الحديث الذي فيه: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً) ، ذكر أن الدفن في البنيان من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه ليس لأحد أن يدفن في البنيان، ولا أن يبنى بناء على القبر، إذاً فلا يسوغ البنيان على القبور، ولا دفن الموتى في البنيان: لا في المساجد ولا غير المساجد. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد على القبر) أي: أن يجلس عليه، وهذا فيه امتهان للميت، (وأن يُقصَّص) أي: أن يجصص، فيجعل عليه جص، وهو مثل الإسمنت، وهو يتخذ من بعض أجزاء الأرض، ثم يحرق حتى يتماسك فلا يأخذه الماء، فهو كالإسمنت في هذا الزمان، فلا يجصص القبر ولا يسمّت، وإنما يوضع عليه ترابه فقط، وإن وضع عليه شيء من الحصى أو ما إلى ذلك حتى يمنع من تطاير التراب مع الهواء فيندرس القبر ويختفي، فلا بأس بذلك. قوله: (وأن يقصص ويبنى عليه) أي: أن القعود فيه امتهان، والتجصيص والبنيان فيها تعظيم وغلو، وقد نُهي عن الإفراط والتفريط، عن الغلو والجفاء، فكل من الغلو والجفاء ممنوعان، فلا يمتهن الأموات بحيث يداس ويجلس على قبورهم، ولا يغلو الناس فيهم بأن يكون هناك بنيان وتعظيم يترتب عليه محاذير ومفاسد. تراجم رجال إسناد حديث: (نهى أن يقعد على القبر وأن يقصص ويبنى عليه) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج] . عبد الرزاق مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني أبو الزبير] . هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع جابراً] هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (نهى أن يقعد على القبر) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى، وعن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه بهذا الحديث. قال أبو داود: قال عثمان: (أو يزاد عليه) ، وزاد سليمان بن موسى: (أو أن يكتب عليه) ، ولم يذكر مسدد في حديثه: (أو يزاد عليه) . قال أبو داود: خفي علي من حديث مسدد حرف: (وأن) ] . أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وفيه: (وأن يزاد عليه) أي: يزاد عليه تراب من غيره، فيكون ذلك رفع له، وهذا لا يجوز، فلا يرفع في بنيان القبر، ولا يزاد في ترابه فيعلو بذلك ويكون مشرفاً، وقد مر حديث علي وفيه: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته) أي: أنه لا يجوز أن يجعل مرتفعاً، وأما إذا جعل عليه تراب القبر نفسه ولم يزد عليه شيء من غيره فلا بأس في هذا، ولهذا قال: (أو يزاد عليه) أي: لا يزاد عليه شيء من تراب غيره. قوله: (أو أن يكتب عليه) أي: لا يكتب عليه شيء لا اسمه ولا غير اسمه، وسواء كبرت المقبرة أو صغرت، فالرسول صلى الله عليه وسلم فعل علامة يعرف بها قبر الميت، وأما الكتابة فكأنها إعلان يعرف به هو وغيره من الناس أن هذا قبر فلان. تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن يقعد على القبر) من طريق ثانية قوله: [حدثنا مسدد] . هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [وعثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [حدثنا حفص بن غياث] . حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن جريج عن سليمان بن موسى] . ابن جريج مر ذكره، وسليمان بن موسى الأشدق صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [وعن أبي الزبير عن جابر] . قد مر ذكرهما، وهنا يروي ابن جريج عن سليمان بن موسى وعن أبي الزبير. [قال أبو داود: قال عثمان: (أو يزاد عليه) ، وزاد سليمان بن موسى: (أو أن يكتب عليه) . ولم يذكر مسدد في حديثه: (أو يزاد عليه) . قال أبو داود: خفي علي من حديث مسدد حرف: (وأن) ] . أي: قبل كلمة: (يبنى عليه) ، وهذا يدل على عناية العلماء الفائقة بضبط ألفاظ الأحاديث، فتجدهم يضبطون مثل هذه الألفاظ اليسيرة السهلة التي يكون المعنى واضحاً بها وبدونها، ومع ذلك فقد اعتنوا عناية فائقة بضبط الأحاديث وتدوينها. شرح حديث: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، وفي بعض الأحاديث جاء ذكر اليهود والنصارى، وهذا يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وتحريم البناء عليها، سواء كان البناء مسجداً أو غير مسجد، ولكن الحرمة في حال اتخاذها مسجداً أشد وأعظم. تراجم رجال إسناد حديث: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قوله: [حدثنا القعنبي] . هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك] . هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب] . هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن المسيب] . سعيد بن المسيب ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه. كراهية القعود على القبر شرح حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة خير له من أن يجلس على قبر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية القعود على القبر. حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) ] . قوله: [باب في كراهية الجلوس على القبر] سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه: (نهى أن يقعد على القبر) وهناك ذكره في البناء، وهنا ذكر شيئاً يخص الجلوس على القبر، فيكون هذا الحديث وذاك الحديث كل منهما يدل على عدم جواز الجلوس على القبور، وهنا زيادة بيان خطورة هذا الأمر. وقد أورد المصنف حديث أبي هريرة مرفوعاً: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) ، وهذا يدل على تحريم الجلوس على القبور؛ لأن فيه امتهاناً لها، والمسلم محترم في حياته وبعد وفاته، ويدخل في النهي عن الجلوس على القبور القيام والوقوف عليها، وأما قبر الكافر فليس له حرمة. وتفسير القعود بأنه لقضاء الحاجة تفسير بعيد، وإذا وجد فهو أسوأ، ولكن المقصود ما هو أعم من ذلك وهو مجرد الجلوس، ومعلوم أن الإنسان في حالة الجلوس لقضاء الحاجة يجلس على رجليه، وجسده وثيابه لا تمس الأرض، وأما الجلوس على القبر والقعود عليه فهو الذي تلي فيه الثياب القبر، فهذا هو الجلوس المقصود من الحديث، وليس الجلوس لقضاء الحاجة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة خير له من أن يجلس على قبر) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا خالد] . مسدد مر ذكره، وخالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سهيل بن أبي صالح] . سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد روى له البخاري مقروناً وتعليقاً. [عن أبيه] . أبوه هو أبو صالح السمان واسمه: ذكوان، ولقبه: السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . قد مر ذكره. شرح حديث: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن يزيد بن جابر - عن بسر بن عبيد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) ] . أورد أبو داود حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) ، وهذا فيه النهي عن الجلوس على القبور، وعن الصلاة إليها، أي: أن يقصدها الإنسان بالصلاة، فيجعلها أمامه ليصلي لله عز وجل مستقبلاً لها، كل ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مرّ في الجلوس ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: هو الحديث الذي فيه النهي عن التجصيص والبناء، والحديث الثاني هو الذي فيه ذكر الوعيد، والحديث الثالث هو هذا الحديث الذي فيه النهي عن الجلوس على القبور: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) . وهذا يدل على أن استقبالها بالصلاة لا يسوغ ولا يجوز، ويدل أيضاً على أن فعل بعض الناس الذين يأتون إلى المسجد النبوي المبارك فيتركون الصفوف الأول، وربما أتوا مبكرين، ويصلون خلف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يدل على أنهم واقعون في هذا الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى القبور، وهؤلاء يتعمدون الصلاة إليها، فيكونون بذلك مخالفين أو واقعين فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان بين القبر وبين المصلي حاجز من جدار أو نحوه، فما دام أنهم يتعمدون الصلاة وراء القبر فيشملهم النهي. وبعض الناس قد يسألون عن امتداد الصفوف -خاصة في العيدين- إلى جهة البقيع، فنقول: على الإنسان ألا يتعمد الصلاة وراء القبر، وعليه أن يتخير المكان المناسب، ولا يفعل كبعض الناس الذين يأتون والمسجد خالي فيتعمدون أن يأتوا إلى هذا المكان الذي فيه القبر، وأما إذا كان الإنسان لا يدري أن أمامه قبر، أو لم يتعمد ذلك فهو معذور. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى] . هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن يعني ابن يزيد بن جابر] . عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بسر بن عبيد الله] . بسر بن عبيد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن واثلة بن الأسقع] . واثلة بن الأسقع رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [سمعت أبا مرثد الغنوي] . أبو مرثد الغنوي اسمه كناز بن الحصين، وهو صحابي أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وهذا الحديث في صحيح مسلم. المشي في النعل بين القبور شرح حديث: (يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المشي في النعل بين القبور. حدثنا سهل بن بكار حدثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير السدوسي عن بشير بن نهيك عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه -وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما اسمك؟ قال: زحم، فقال: بل أنت بشير) - قال: (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، ثلاثاً، ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً، وحانت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلعهما فرمى بهما) ] . ثم قوله: [باب المشي في النعل بين القبور] ، أي: أن ذلك لا يجوز، إلا إذا كانت المقبرة فيها حرارة شديدة في الرمضاء، أو كان فيها شوك يتأذى به الإنسان فإنه يمشي بالنعل، ولكن يكون ذلك بين القبور، وليحرص على ألا يطأ على قبر، والنهي جاء حتى عن المشي بين القبور، كما أورده أبو داود في حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، فهو يدل على أن المشي في المقبرة لا يجوز بالنعال، ولكن إذا كان هناك أمر يقتضيه كأن تكون الشمس حارة وفيها رمضاء، أو كان فيها شوك أو شيء يؤذي فيمكن للإنسان أن يستعمل ذلك من باب ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وذلك سائغ؛ لأن هذا ضرر وهذا ضرر، ولكنه لا يطأ على قبر؛ حتى لا يكون الامتهان واضحاً. وقد أورد أبو داود حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه: (أنه كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمرا بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم تقدموا وجاء خير كثير بعدهم لم يدركوه، (وجاء إلى قبور المسلمين وقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم لحقوه وأدركوه وصاروا من أهل ذلك الخير، وأما أولئك فلم يبقوا حتى يدركوا ذلك الخير الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، فماتوا على الشرك والكفر ففاتهم ذلك الخير، (ثم حانت منه التفاتة) أي: التفت (فرأى رجلاً يمشي في القبور وعليه نعلان سبتيتان) ، والنعلان السبتيتان هما اللتان صنعتا من الجلد المدبوغ بالقرض، (فقال: يا صحاب السبتيتين! ألقهما) ، وليس معنى ذلك أنه خاص بالسبتيتين، بل هو عام في جميع النعال ولعله ذكر السبتيتين حتى يتنبه ذلك الرجل إلى النعل التي كانت عليه فيعرف أنه المقصود، (فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما) أي: لا تمشي بهما، (فخلعهما) أي: أنه بادر إلى الامتثال لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبادرة إلى امتثال ما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحكم هنا عام لجميع النعال وليس مقصوراً على السبتيتين، وبعض الناس قالوا: إن هذا خاص بالسبتيتين؛ لأن فيهما ترفاً، ولا يستعملهما إلا أهل الترف، وهذا ليس بصحيح، فالمقصود من ذلك النعال مطلقاً. تراجم رجال إسناد حديث: (يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك) قوله: [حدثنا سهل بن بكار] . سهل بن بكار ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي. [حدثنا الأسود بن شيبان] . الأسود بن شيبان ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن خالد بن سمير السدوسي] . خالد بن سمير السدوسي صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن بشير بن نهيك] . بشير بن نهيك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم] . بشير مولى رسول الله مشهور بـ ابن الخصاصية، وهو صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد، فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما اسمك؟ قال: زحم، قال: بل أنت بشير) . أي: كأن هذا الاسم وهو زحم بن معبد لم يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدري ما هي المعاني التي تدل عليها هذه الكلمة حتى لم يعجب ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب يعني: ابن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ] . أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ، وهذا فيه دلالة على أنه يُمشى بالنعل في المقبرة، وقد مر في حديث صاحب السبتيتين أنه لا يمشى، ويمكن أن يجمع بينهما بأن هذا الحديث لا يلزم منه أن يكون المشي بين القبور، وإنما قد يكون في المقبرة فضاء فيمشي الناس في ذلك الفضاء بنعالهم حتى يصلوا إلى القبور ثم يخلعونها، وعند الانصراف إذا وصلوا إلى ذلك الفضاء في المقبرة لبسوا نعالهم، وإنما المحذور إذا مشوا بها بين القبور، فالناس عندما يدفنون في المقبرة فإنهم يبدءون من آخرها ثم تتصل القبور حتى تصل إلى الباب، فهذه المنطقة التي يمشون فيها هي تلك المنطقة التي لم يكن فيها قبور، فهم يمشون إذاً في أرض لا قبور فيها وإن كانت في داخل مقبرة، فيحمل هذا الحديث على هذا المعنى، ولا يلزم أن يكون المشي بين القبور. وفي هذا الحديث أيضاً دليل على سماع الأموات، ولكن لا يستدل به على سماعهم مطلقاً، فالأصل هو أن هذا من أمور الغيب التي لا يثبت منها شيء إلا بدليل، فالشيء الذي ورد فيه دليل مثل هذا، ومثل تكليمه عليه الصلاة والسلام لأصحاب القليب يوم بدر وقال: (إنهم يسمعون) ، فهذا يُثبت، ولا يتوسع في ذلك بأن يقال: إنهم يسمعون كل شيء؛ لأن هذه من أمور الغيب، فيقتصر فيها على ما ورد. تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري] . محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج له أبو داود. [حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء] . عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [عن سعيد] . هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة] . هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره. تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث شرح حديث جابر في قصة إخراجه أبيه من القبر بعد ستة أشهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال: دُفن مع أبي رجل فكان في نفسي من ذلك حاجة، فأخرجته بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئاً إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض] قوله: [باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث] ، أي: تحويله من قبره إلى مكان آخر، وليس معنى ذلك أنه ينقل ويسافر به إلى مكان بعيد، وإنما المقصود: تحويله من مكان إلى مكان في نفس البلد؛ لأمر اقتضى ذلك، كما جاء في فعل جابر مع أبيه، فإن السبب في إخراجه أنه دفن معه شخص، وكان في نفسه من ذلك شيء، وهذا أمر يتعلق بالحي ولا يتعلق بالميت، وكما هو معلوم أن من كان منعماً فإنه لا يضره من يعذب بجواره، ومن كان معذباً فإنه لا ينتفع بتنعم من كان بجواره، وأمور الغيب من الأمور التي يجب الإيمان والتصديق بها، فالمنعم منعم والمعذب معذب، فذلك الأمر لا يرجع إلى الميت بأنه يناله شيء من أمر من بجواره، ولكن كان في نفس الحي -وهو جابر رضي الله عنه- شيء، فنقله وحوله عن مكانه. وجاء أيضاً في بعض الآثار -وما أدري عن ثبوته-: أنه كان يخشى عليه أن يجترفه السيل، أي: أن السيل كان يمر بقرب القبر، فإن صح هذا فهذه علة وجيهة. قوله: (فأخرجته بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئاً إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض) أي: أنه رآه بعد ستة أشهر على حالته التي دفن عليها، فلم يتغير منه شيء إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض. وهذا يدل على أن بعض الأموات قد يبقى في قبره مدة طويلة لا تأكله الأرض، لكن لا يقطع بأن الشهداء لا تأكلهم الأرض؛ لأن هذا لم يكن إلا بعد ستة أشهر، والله أعلم ما سيكون في المستقبل، وأما الأنبياء فإن الأرض لا تأكل أجسامهم أبداً كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث جابر في قصة إخراجه أبيه من القبر بعد ستة أشهر قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] . سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد بن زيد] . حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن يزيد] . سعيد بن يزيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي نضرة] . هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن جابر] . جابر رضي الله عنه، وقد مر ذكره. الثناء على الميت شرح حديث: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الثناء على الميت. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن إبراهيم بن عامر عن عامر بن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) ] . قوله: [باب في الثناء على الميت] ، ثناء الناس على الميت بالخير يرجى معه أن يكون كذلك، وأن يكون ممن وفقه الله عز وجل، ولكنه لا يقطع له بالجنة، وذكر الناس لشخص بسوء يخشى عليه أن يكون كذلك، ولكنه لا يقطع له بشيء؛ لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) أي: أن تلك الشهادة التي شهدوها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لها شأن ومنزلة، ولذلك قال: (وجبت) فالذي أثنوا عليه خيراً يكون من أهل الخير، والذي أثنوا عليه شراً يكون من أهل الشر، وهذا الذي حصل بين يديه صلى الله عليه وسلم الأمر فيه واضح، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن هذا الذي أثنوا عليه خيراً قد وجبت له الجنة، وأن ذاك الذي أثنوا عليه شراً قد جبت له النار، لكن هذا لا يعني أن كل من يثنى عليه بالخير أو بالشر يكون كذلك، وأنه تجب له الجنة أو النار، فإن العلم عند الله عز وجل، وأما هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (وجبت) فأمره واضح، فقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وقال: (وجبت) . وأما غيره: فإذا أثنى الناس على أحد بخير أو بشر فلا يقال: وجبت له الجنة، أو وجبت له النار، وإنما يقال: يرجى للمحسن، ويُخاف على المسيء. ومما يوضح هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح: (أن رجلاً كان في إحدى الغزوات، وكان قد أبلى بلاء عظيماً في سبيل الله، فأثنوا عليه ثناء عظيماً، وأنه لم يترك شيئاً فيه نكاية بالعدو إلا وعمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار) ، ومع ذلك فإنهم كانوا قد شهدوا له بالعمل وبالجهد العظيم، ومع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) ، فصار على خلاف ما ظهر لهم منه، فقال أحد الصحابة: أنا آتيكم بخبره، فصار يتابعه، فإذا أسرع أسرع وإذا تأخر تأخر، حتى أصيب في يده، فجزع من ذلك فجعل نصل سيفه على الأرض ورأسه على صدره فتحامل عليه حتى قتل نفسه، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) . فهذا الذي أثنوا عليه خيراً وذلك الذي أثنوا عليه شراً فقال عليه الصلاة والسلام: (وجبت) لا شك أنه قد وجب له ذلك، وأما غيره ممن يثنى عليه سواء كان في زمن الصحابة أو بعد زمن الصحابة فلا يقطع له بجنة ولا نار، ولكنه يرجى للمحسن ويخاف على المسيء. ومما يوضح هذا المعنى أيضاً ما جاء في بعض الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم ذلك يا رسول الله؟! قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ) ، ومعنى (توشكون) : تقربون، أي: أنه ليس شيئاً محققاً، وإنما شيء مقارب، والمعنى: أنه لا يجزم به، وعلى هذا: فإن من أثني عليه خير فيرجى له الخير والثواب العظيم من الله، ومن أثني عليه شر فيخشى عليه، والعلم بالحقائق إنما هو عند الله سبحانه وتعالى. وأما ما جرت به العادة في بعض البلدان من أنهم إذا فرغوا من صلاة الجنازة قال الإمام: ما قولكم في هذا الميت؟ فيقولون: خيراً، فهذا غلط، وهذا الكلام لا يصلح أن يقال؛ لأن هذا الفعل ليس له أساس في الدين، هذا أولاً. وثانياً: أنه قد يتكلم متكلم في من هو على خير بخلاف ذلك، وقد يكون أيضاً بالعكس، فمثل هذا لا يصلح ولا يليق أن يكون. تراجم رجال إسناد حديث: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً) قوله: [حدثنا حفص بن عمر] . حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي. [حدثنا شعبة] . هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم بن عامر] . إبراهيم بن عامر ثقة أخرج له أبو داود والنسائي. [عن عامر بن سعد] . هو عامر بن سعد البجلي، وهو مقبول أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [عن أبي هريرة] . هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [372] الحلقة (404) شرح سنن أبي داود [372] زيارة القبور من الأمور التي استحبها الشارع وسنها للناس؛ وذلك لما فيها من تذكر الموت والآخرة، وهي خاصة بالرجال دون النساء، ولا يجوز الاستغفار والدعاء للميت الكافر مطلقاً ولو كان من أولي القربى. زيارة القبور شرح حديث زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في زيارة القبور. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: استأذنت ربي تعالى على أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر بالموت) ] . قوله: [باب في زيارة القبور] ، زيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها فائدة للزائرين والمزورين إذا كانوا مسلمين، فالزائر يستفيد أنه يتذكر الموت؛ فيستعد له بالأعمال الصالحة، ويستفيد أيضاً أنه يكون قد فعل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيؤجر على ذلك، ويستفيد أيضاً أنه دعا لإخوانه المسلمين فأحسن إليهم، فيثاب على ذلك الإحسان، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] . إذاً: الحي يستفيد ثلاث فوائد، وأما الميت المسلم المزور فإنه يستفيد الدعاء له، فالأموات يستفيدون من دعاء الأحياء. إذاً: الزيارة الشرعية التي تكون على وفق السنة، والمشتملة على تذكر الموت، وعدم فعل شيء من البدع، ثم حصول الدعاء للميت، يستفيد فيها الحي والميت. وأما الزيارة البدعية المخالفة للسنة التي يكون فيها استغاثة بالأموات، أو يكون فيها توسل بهم وغير ذلك، فإن ذلك يتضرر منه الحي ولا يستفيد منه الميت، فالحي يتضرر من ذلك لأن الاستغاثة بغير الله شرك بالله، وأما التوسل بأصحاب الأموات إلى الله عز وجل فهذا من البدع المحدثة، وهو من الوسائل التي تؤدي إلى الشرك، فيكون الزائر قد تضرر من ذلك ولم يستفد، وأما المزور الذي استُغيث به فلم يستفد من ذلك شيئاً؛ لأنه طلب منه أمور لا تطلب منه، ولا يقدر عليها، وعلى هذا فالزيارة الشرعية يستفيد منها الحي والميت، والزيارة البدعية يتضرر بها الحي ولا يستفيد منها الميت شيئاً. وأما زيارة المسلم لقبر الكافر فإن فيها فائدة للحي وهي تذكر الموت، وأما الميت فلا يستفيد شيئاً؛ لأنه لا يجوز الدعاء له. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله) قيل: إنه بكى على ما فاتها وعلى ما سبقها من الخير الكثير عندما ماتت قبل أن يبعث نبياً، فقد كانوا على عبادة الأوثان والأصنام، فبكى وأبكى عليه الصلاة والسلام، وقال: (إنه استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له) ؛ لأن الكافر لا يستغفر له، قال الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة:113] ، (واستأذن أن يزورها فأذن له، فقال صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور؛ فإنها تذكر بالآخرة) ، إذاً فزيارة قبر الكافر سائغة ولكنها من أجل تذكر الموت لا للدعاء للميت، فإن الميت الكافر لا يدعا له، والدعاء لا ينفعه، وهذا الحديث يدل على أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة، وأنها من أهل النار، وقد بيّن الله عز وجل في كتابه أنه لا يجوز للنبي والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] . وهذا الحديث حديث صحيح، وقد رواه مسلم في صحيحه، وهو يدل على أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة، وكذلك أبوه، فقد جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما رأى ما في وجهه دعاه وقال له: إن أبي وأباك في النار) . تراجم رجال إسناد حديث زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري] . محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج له أبو داود. [حدثنا محمد بن عبيد] . هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن كيسان] . يزيد بن كيسان صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب الكتب السنن. [عن أبي حازم] . هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) ] . أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) ، وهذا الحديث فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ، فقوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) منسوخ، وقوله: (فزوروها) ناسخ. وقد كان النهي عن الزيارة في أول الأمر؛ لكونهم حديثي عهد بالجاهلية، فمنعوا من ذلك حتى تنقطع ما في قلوبهم من أمور الجاهلية، ثم نسخ بعد ذلك وأثبتت الزيارة؛ لأن فيها تذكرة للموت وللآخرة، فيكون الإنسان على استعداد تام لذلك بالأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله عز وجل زلفى. وهذا إنما هو في حق الرجال، وأما النساء فقد جاءت في حقهن بعض الأحاديث التي فيها لعن الزائرة كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] . أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معرف بن واصل] . معرف بن واصل ثقة أخرج له مسلم وأبو داود. [عن محارب بن دثار] . محارب بن دثار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن بريدة] . هو عبد الله بن بريدة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. زيارة النساء للقبور شرح حديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في زيارة النساء القبور. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) ] . قوله: [باب في زيارة النساء القبور] ، اختلف العلماء في حكم زيارة النساء للقبور، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها. والذين قالوا بالجواز استدلوا بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، واستدلوا أيضاً بالأحاديث العامة في الزيارة كقوله: (فزوروها) ، وكذلك قوله: (فإنها تذكر بالآخرة) قالوا: والنساء بحاجة إلى التذكرة، فهن مثل الرجال. واستدل أصحاب القول الثاني بالأحاديث التي فيها منع النساء من الزيارة، والتي تدل على لعن الزوارات، وأن المصلحة اليسيرة التي تحصل لهن بالزيارة يقابلها مفسدة أكبر وأعظم وهي: ما يكون منهن من النياحة، وما هن عليه من الضعف وعدم الصبر كما هو حال الرجال، لذلك جاءت أحاديث تدل على المنع. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) . وهذا الحديث جاء بلفظ: (زائرات) وفيه ذكر اتخاذ المساجد والسرج عليها، وكل هذه الأمور غير سائغة. وهذا الحديث في إسناده رجل متكلم فيه وهو أبو صالح الراوي عن ابن عباس، وليس أبا صالح السمان، وإنما هو شخص آخر فيه كلام، فتكلموا على الحديث من أجله، ولكن الحديث جاء من وجه آخر وفيه: (لعن الله زوارات القبور) . فالذين قالوا: إن زيارة النساء للقبور جائزة قالوا: إن المقصود بالنهي هو المكثرات من الزيارة؛ لأن (زوارات) صيغة مبالغة، تدل على إكثارهن من الزيارة. ولكن يمكن أن يفسر (زوارات) بمعنى (زائرات) ، فيكون متفقاً مع هذا الحديث السابق: (لعن رسول الله زائرات القبور) ، فصيغة فعّال كما أنها تأتي للمبالغة فإنها تأتي للنسبة، فليس كل ما يأتي على صيغة فعّال يكون للمبالغة، بل قد يكون للنسبة، وذلك مثل: نجار وحداد، فهذه الصيغ ليست للمبالغة، وإنما هي نسبة إلى الحدادة والنجارة. ومن ذلك أيضاً قول الله عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] ، فإن المنفي هو أصل الظلم، أي: وما ربك بذي ظلم، فهو سبحانه ليس بمنسوب إلى الظلم، ولا يقال: إن المقصود من ذلك نفي المبالغة، وإنما هو نفي لأصل الظلم عن الله تعالى. إذاً: المراد من قوله: (زوارات) أي: المنسوبات للزيارة، وليس معنى ذلك المكثرات من الزيارة. وقد ضعف الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في السنن، ولما جاء إلى الكلام عليه في (أحكام الجنائز) ذكر أن الترمذي قال: حديث حسن، وقال: إن هذا لا يسلم له، إلا إن أراد أنه حسن لغيره فيكون مسلماً؛ لأنه قد جاء بلفظ: (زوارات) ، وهذا إنما يكون إذا اعتبرنا أن (زوارات) بمعنى (زائرات) ، وهو رحمه الله قد أشار إلى أن اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة، ولكن الذي يظهر أن ذلك اللعن ليس على المبالغة، وإنما هو لعن على أصل الزيارة؛ لأنه يترتب عليها ضرر كبير، وأمر عظيم، وذلك لضعف النساء، وعدم صبرهن، وعدم قدرتهن وجلدهن كما هو حال الرجال. وعلى هذا: فالقول الصحيح هو القول بالتحريم، وأن النساء لا يجوز لهن أن يزرن القبور، ثم أيضاً -كما هو واضح- أن المرأة إذا تركت الزيارة فأكثر ما في الأمر أنها تركت أمراً مستحباً، وأما إذا فعلت الزيارة فإنها تتعرض للعنة كما في هذا الحديث، ومعلوم أن ترك هذا الفعل الذي تسلم فيه من اللعنة أولى ومقدم على كونها تفعل شيئاً لو تركته لم يحصل لها شيء إلا أنها تركت أمراً مستحباً لا يترتب على تركه شيء. إذاً: القول بالتحريم والمنع هو الأظهر والأولى. وكذلك إذا أتين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لهن أن يقصدن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور) قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا شعبة] . شعبة مر ذكره. [عن محمد بن جحادة] . محمد بن جحادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت أبا صالح] . أبو صالح اسمه باذان، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [عن ابن عباس] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يقوله إذا زار القبور أو مرّ بها شرح حديث الدعاء الوارد في زيارة القبور قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها. حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ] . قوله: [باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها] ، أي: أنه يسلم على أهل القبور ويدعو لهم. وقد أورد حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) . قوله: (السلام عليكم) هذا دعاء لهم بالسلامة. وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) فيه أن الإنسان يتذكر أن مصيره إلى ما صاروا إليه، وأنه لا بد أن يكون في يوم من الأيام معهم، وأنه سيُزار كما زارهم، فكما أنه الآن زائر فغداً سيكون مزوراً. وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ليس هذا للشك وأنه قد يحصل وقد لا يحصل، فهذا أمر محقق، وهذا مثل قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح:27] ، فهو إخبار عن أمر محقق، وليس أمراً مشكوكاً فيه. وقد جاء في بعض الروايات زيادة على ذلك: (أنتم سلفنا ونحن بالأثر، نسأل الله لنا ولكم العافية) . والحاصل: أن الزيارة الشرعية تشتمل على الدعاء للأموات، وفي ذلك فائدة لهم. وأما تخصيص السلام على ميت واحد كأن يقول: السلام على فلان، ثم يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، فإنه إذا رأى القبور يسلم على الجميع، وإذا أراد أن يسلم على شخص بعينه فإنه يذهب إليه، ويقف عند رأسه مستقبلاً إياه، فيسلم عليه، ويدعو له. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء الوارد في زيارة القبور قوله: [حدثنا القعنبي] . هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك] . هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن العلاء بن عبد الرحمن] . هو العلاء بن عبد الرحمن الحرقي، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه] . أبوه ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة مر ذكره. إذا مات المحرم كيف يصنع به؟ شرح حديث الرجل الذي وقصته راحلته وهو محرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المحرم يموت كيف يصنع به؟ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقَصْته راحلته، فمات وهو محرم، فقال: كفنوه في ثوبيه، واغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي) ] . قوله: [باب في المحرم يموت كيف يصنع به؟] أي: إذا مات في حال إحرامه فكيف يصنع به؟ و الجواب أنه يغسل، ويعامل معاملة المحرم الحي فلا يغطى رأسه، ولا يطيب. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن رجلاً وقصته دابته وهو واقف بعرفة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كفنوه في ثوبيه) أي: الإزار والرداء. قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: كما أن المحرم في حال حياته لا يغطى رأسه فكذلك في حال موته، فيدفن ورأسه مكشوف لا يغطى، ويعامل في حال موته معاملة الحي المحرم. وكذلك أيضاً لا يطيب، وذلك مثل المحرم الحي فإنه لا يمس طيباً. وقوله في أول الحديث: (وقصته راحلته) أي: أنه سقط عنها فدقت عنقه، فمات من ذلك. وهذا الحديث يدل على أن من مات على شيء فإنه يُبعث عليه، فهذا مات وهو محرم يلبي وسوف يبعث وهو محرم يلبي. وأما تغطية الوجه ففيه خلاف بين أهل العلم، وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: (ولا تخمروا رأسه ووجهه) ، وجاء عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يغطون وجوههم. وهناك حديث ذكره الشيخ الألباني في كتاب العلل للدارقطني، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2899) ، وقد جاء موقوفاً ومرفوعاً: (أنه كان يخمر وجهه وهو محرم) إذاً: قد جاء المنع والجواز، ولكن إذا احتاط الإنسان ولم يخمر وجهه فهذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، ولعل المنع يكون على العموم، ويكون الجواز للحاجة. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي وقصته راحلته وهو محرم قوله: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان] . محمد بن كثير مر ذكره. وسفيان هو الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني عمرو بن دينار] . هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير] . سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس] . ابن عباس مر ذكره. [قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن: (كفنوه في ثوبيه) أي: أن الميت يكفن في ثوبين، (واغسلوه بماء وسدر) أي: أن السدر يكون في جميع الغسلات، (ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيباً، وكان الكفن من جميع المال] ، فهذه خمس سنن ذكرها الإمام أحمد في قصة هذا المحرم الذي وقصته ناقته. قوله: (كفنوه في ثوبيه) أي: أنه يكفن في ثيابه، فلا يكفن في ثلاثة أثواب، وإنما يكفن في ثوبيه اللذين أحرم بهما، وهما إزار ورداء. قوله: (واغسلوه بماء وسدر) أي: أنه يغسل بماء وسدر كما يغسل الميت غير المحرم، والسدر ليس بطيب، ويكون السدر في كل غسلة. قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، فالتخمير هو التغطية. قوله: (ولا تقربوه طيباً) ، أي: أنه يعامل معاملة المحرم الحي، فلا يطيب، ولا يغطى رأسه، ويكون الكفن من جميع المال، فإنه قال: (في ثوبيه) ، ولم يسأل: هل له ورثة؟ أو هل عليه دين؟ ومعنى هذا أن الكفن يكون من رأس المال، وأنه يقدم على غيره بحيث لو ضاقت التركة ولم تكف إلا للكفن فإنه يكفن بها، ولا يعطاها أصحاب الدين إذا كان عليه دين. وكما أن كسوته في حال الحياة مقدمة على الديون فكذلك في حال الموت فإن كفنه مقدم. وأما المحرمة إذا ماتت في حال إحرامها فإنها تكفن في ثيابها التي أحرمت بها. شرح حديث الرجل الذي وقصته راحلته من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عبيد المعنى، قالا: حدثنا حماد عن عمرو وأيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه قال: (وكفنوه في ثوبين) ] . أورد رواية فيها: (كفنوه في ثوبين) ، وهذا مطلق، أي: أنهما قد يكونان ثوبي الإحرام وقد يكونان غيرهما، لكن جاء في الرواية السابقة: (في ثوبيه) أي: أنه يكفن في نفس إحرامه الذي عليه. قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] . سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ومحمد بن عبيد] . هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا حماد] . هو ابن زيد بن درهم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو] . هو عمرو بن دينار وقد مر ذكره. [وأيوب] . هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس] . قد مر ذكرهما. [قال أبو داود: قال: سليمان: قال: أيوب: (ثوبيه) ، وقال: عمرو: (ثوبين) ] . وهذا اختلاف في الروايات، ففي بعضها: (ثوبين) ، وفي بعضها: (ثوبيه) . [وقال ابن عبيد: قال: أيوب: (في ثوبين) ، وقال: عمرو: (في ثوبيه) ، زاد سليمان وحده: (ولا تحنطوه) ] ، الحنوط: شيء يوضع مع الميت في كفنه، وهذا بمعنى قوله: (لا تقربوه طيباً) . شرح حديث الرجل الذي وقصته راحلته من طريق ثالثة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه بمعنى سليمان: (في ثوبين) ] . قوله: [حدثنا مسدد] . هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس] . قد مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث الرجل الذي وقصته راحلته من طريق رابعة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (وقصت برجل محرم ناقته فقتلته، فأُتي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اغسلوه، وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيباً؛ فإنه يبعث يهل) ] . أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو كالسابق. قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [حدثنا جرير] . هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن منصور] . هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحكم] . هو الحكم بن عتيبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس] . سعيد وابن عباس قد مر ذكرهما. الأسئلة متى يكون الثناء على الميت? السؤال كيف يكون الثناء على الميت؟ ومتى يثنى عليه؟ هل عند السماع بخبر موته أو عند دفنه؟ الجواب ليس لذلك وقت معين، فيمكن أن يكون عند السماع، أو عند الدفن، فكل ذلك جائز، ولا يتكلم إلّا من يعرف حاله، ومن لا يعرف حاله يسكت، أو يستغفر له ويسكت. الصلاة على القبر إذا كان قديماً من خصوصياته صلى الله عليه وسلم السؤال لماذا جعلنا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم الصلاة على القبر إذا كان قديماً كما فعل في قتلى أحد، ولم نجعل من خصوصياته إذا كان القبر حديثاً؟ الجواب لأنه صلى على القبر الذي كان رطباً كما مر بنا، وصفوا وراءه فصلى بهم وصلوا معه، وإن لم يأت ما يدل على أنهم صلوا معه فإن ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم تفعله أمته، ولكنه لما جاء في الحديث: (كالمودع للأحياء والأموات) دل ذلك على أنه خاص به، وأما نحن فلا نفعل ذلك، فلا يذهب أحدنا ويصلي على القبور مودعاً للأحياء والأموات. فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أخبر بقرب أجله، وأما نحن فلا ندري متى آجالنا. حكم منع الحمل مؤقتاً السؤال هناك امرأة تعيش مع أهل زوجها في بيت ضيق، ولها ثلاثة أولاد ينامون معها في غرفتها، فهل يجوز لها أن تمنع الحمل مؤقتاً حتى تستقل في بيت خاص؟ الجواب المكان الذي يترتب عليه مضرة فيما يتعلق بالحمل وتربية الأولاد من ناحية أنهم يولدون كل سنة، فقد تلد والشخص الذي قبله لم يمش بعد، فلها أن تعمل شيئاً يؤخر الحمل ولا يقطعه. وأما قضية كونهم في حجرة واحدة فيمكن أن تنجب أكثر من ثلاثة أولاد وليس في ذلك بأس، بل الأولى أن تفرح بكثرة الولد. حكم الوليمة للختان السؤال هل يشرع للختان وليمة؟ الجواب لا نعلم شيئاً يدل على مشروعيتها، لكن إذا فُعل شيء من ذلك فليس هناك ما يمنعه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
إقامة الحدود من خصوصية الحاكم والوالي السؤال حدثت في إندونيسيا حادثة كبرى، وهي: إقامة الحد على الزاني بالرجم، وقد أقامتها بعض الجماعات الجهادية المنتمية إلى الدعوة السلفية، وقد كان الزاني من أتباع تلك الجماعة، وقد اعترف بما فعل، ورضي بما حُكم عليه، فما رأيكم بهذا يا فضيلة الشيخ؟ الجواب الحدود يقيمها السلطان والوالي، ولا يقيمها أشخاص ليسوا بأهل سلطة ولا ولاية. صلاة الرجل مع غيره جماعة تصدقاً عليه السؤال هل يجوز لمن صلى صلاة الجماعة في المسجد أن يصلي مع رجل فاتته الجماعة في البيت قياساً على من تصدق على رجل في صلاته معه في المسجد؟ الجواب الذي يبدو أنه جائز، فهذه جماعة وتلك جماعة، ولا شك أن الجماعة في المسجد أفضل؛ لأنها أولى، وإذا صلى معه تطوعاً وقد فاتته الصلاة فإنه يكون محسناً إليه، فلا بأس بذلك. رأس الميت يكون عن يمين الإمام رجلاً كان أو امرأة السؤال هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل رأس الميت في صلاة الجنازة عن يسار الإمام، ورأس المرأة عن يمينه؟ الجواب كلهم يكونون عن يمينه، مثل وضعهم في القبر، ومثله لو صلى عليهم وهم في القبر، فإن الميت يكون في القبر مستقبل القبلة، وما نعرف شيئاً يدل على خلاف ذلك. حكم وضع حجرين على القبر كعلامة السؤال هل يجوز وضع حجرين على القبر من أجل العلامة، أحدهما عند الرأس، والآخر عند الرجلين؟ الجواب الذي يبدو أنه لا بأس بذلك. حكم أكل الدجاج المستورد السؤال ما حكم أكل الدجاج المستورد من الخارج علماً أنها من ذكاة المشركين الكفار؟ الجواب المشركون الوثنيون غير أهل الكتاب لا تحل ذبائحهم، وأما إذا كانوا أهل كتاب فإن ذبائحهم تحل، إلا إذا عرف أنهم يذبحون ذبحاً غير شرعي، أي: غير الذبح الذي جاء في شريعتنا، كأن يخنقوها خنقاً أو تكون ميتة، فالمسلم لو فعل ذلك فإنها لا تؤكل ذبيحته فما بالك بالكتابي. وأما إذا كانوا يصعقونها: فإن كانت تموت بالصعق فلا تحل، وأما إذا كان الصعق لا يميتها ولكنه يخدرها، فتبقى حية، وتبقى لها قوتها ونشاطها وحركتها، وتبقى الحياة مستقرة فيها، فلا بأس بذلك. ولا يؤخذ بما هو مكتوب عليها من أنها ذُبحت على الطريقة الإسلامية؛ لأنهم يكتبون ذلك على علب الأسماك!! حكم وضع حجر على قبر الرجل وحجرين على قبر المرأة السؤال هل هناك دليل على التفرقة بين القبرين من حيث وضع حجر على قبر الرجل، وحجرين على قبر المرأة؟ الجواب لا نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولكن إذا وضع حجران ليتعرف عليه الإنسان، وفي نفس الوقت أيضاً ليكون تحديداً للقبر وأطرافه بحيث يُعرف ولا يوطأ فلا بأس بذلك. والذي جاء في أصل الإعلام هو وضع حجر واحد، فقد مر بنا في الحديث: (أعلمه بحجر، فكانت تلك الحجر صخرة كبيرة لم يستطع الرجل أن يحملها فحسر الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذراعيه وحملها ووضعها عند رأسه) . حكم الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في الصلاة على الصبي السؤال هل نقول عند الصلاة على الطفل بعد التكبيرة الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله؟ الجواب نعم يقال ذلك، وقد جاء في الحديث: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) ، فيقال بالذي ورد. حكم الوضوء في غسل الجنابة السؤال هل الوضوء واجب عند غسل الجنابة؟ الجواب إذا أراد الإنسان أن يغتسل من الجنابة فالمستحب له أن يتوضأ ثم يغتسل، ولكنه إذا اغتسل فلا يمس -في حال الاغتسال- ذكره؛ لأن ذلك ينقض الوضوء، وإذا صب الماء على جسده ونوى بذلك رفع الحدث الأكبر والأصغر فإنه يصح، ويغني ذلك عن كونه يتوضأ؛ لأن الكل لرفع الحدث، ولكن ذلك لا يصح في مثل غسل الجمعة أو غسل التبرد؛ لأن هذين ليس فيهما رفع للحدث، والأكمل أن يتوضأ ويغتسل. عدم صحة حديث: (اختلاف أمتي رحمة) السؤال هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اختلاف أمتي رحمة) ؟ الجواب لم يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم تسمية الطفل والعق عنه والصلاة عليه إذا ولد لسبعة أشهر ميتاً السؤال إذا خرج الطفل من بطن أمه ميتاً وله سبعة أشهر، فهل يسمى، ويعق عنه، ويصلى عليه؟ الجواب نعم، يصلى عليه، والأولى أن يعق عنه، وأما التسمية فليس لها وجه؛ لأنه ليس بحي حتى يسمى ويدعا وينادى. كيفية وضع يدي الميت بعد موته السؤال ما الصحيح في كيفية وضع يد الميت، فإننا في مجتمعنا نضع يد الميت اليمنى على اليسرى على صدره، وقد قال بعض الناس: إن ذلك بدعة، فهل هذا صحيح؟ الجواب لا نعلم شيئاً يدل على أن يديه توضع على صدره، وإنما تكون على وضعهما الطبيعي، فتوضع بجنبيه ممتدتين، وكل واحدة لاصقة بجنبه. معنى قوله تعالى: (كل شيء هالك إلّا وجهه) السؤال قال الله جل وعلا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] ، فهل اليدان والعينان وغير ذلك من صفات الله داخلة في هذا المستثنى؟ الجواب هذه الآية الكريمة تدل على إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وتدل على بقاء الله عز وجل بذاته ومنها صفة الوجه، والله تعالى باق بذاته وصفاته، ولا يقال: إن البقاء إنما هو للوجه فقط، وإنما هو للذات والصفات. الفرق بين التسطيح والتسنيم في القبر السؤال لو تزيدنا إيضاحاً في بيان الفرق بين التسطيح والتسنيم؟ الجواب التسنيم: هو أن يكون أعلى القبر ضيقاً، وأسفله واسعاً كالهرم، وهو أيضاً مثل سنام البعير. فلو نظرت إلى البعير لوجدت بطنه واسعة، ثم يضيق شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى مكان ضيق أعلى السنام، بحيث إنه لو نزل عليه المطر لذهب ولم يستقر، وهكذا القبر المسنّم. وأما إذا كان مسطحاً فإن الماء يستقر عليه، ويكون فيه مجال للحيوانات كالكلاب وغيرها أن تبرك وتربض عليه، فإذا كان مسطحاً فإنه يكون أسلم وأبقى له. سماع الأموات عند السلام عليهم السؤال هل يسمع الميت عندما يسلم عليه؟ الجواب لا أعلم شيئاً يدل على هذا. حكم دفن الميت بنعشه السؤال ما حكم دفن الميت بنعشه؟ الجواب لا يفعل ذلك؛ فإن النعش يبقى للناس يحملون عليه، ثم إن دفن النعش -مع أنه لا أصل له- فإنه يضيق القبر، فإن القبر يحفر على قدر الإنسان، والنعش يحتاج إلى مساحة كبيرة، ولذلك فإنه يضيق القبر، فيترتب عليه توسيع اللحد، بالإضافة إلى كونه ليس له أساس، ثم ما هي الفائدة منه؟! حكم العمليات الاستشهادية السؤال ما قولكم فيمن يقوم بعملية الانتحار من بعض الشباب الفلسطينيين، هل يعتبر شهيداً أم منتحراً؟ الجواب الذي يقوم بعملية التفجير بنفسه هو منتحر، ولا يوصف بأنه شهيد. وقد توسع الناس الآن في إطلاق الشهادة، فكل من يموت يقال: استشهد، وقد يكون هؤلاء الذين ماتوا نصارى، ومع ذلك يقال عنهم: إنهم شهداء، نعم هم شهداء النار، فليس أمامهم إلا النار يشهدونها ويحضرونها، وأما الجنة فلا سبيل لهم إليها، أعني النصارى والكفار الذين يموتون على ذلك. فصارت الشهادة الآن سهلة تعطى لكل أحد. حكم قول أنا مؤمن إن شاء الله بقصد التحقيق السؤال ما حكم قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله، بقصد التحقيق؟ الجواب كان السلف يقولون: أنا مؤمن إن شاء الله، والمقصود من ذلك عدم تزكية النفس، فالإيمان صفة كمال، وهو أعلى من درجة الإسلام. فالمسلم إذا قيل له: أنت مسلم؟ قال: نعم أنا مسلم والحمد لله، لكن إذا قيل له: أنت مؤمن؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أي: أرجو أن أكون من أهل هذه الصفة التي هي صفة كمال. الثناء على الميت بالشر لا يُعدّ غيبة السؤال قوله في الحديث: (فأثنوا عليها شراً) هل يفهم من ذلك جواز الكلام على الميت؟ وهل يعتبر ذلك غيبة له؟ الجواب لا يعتبر ذلك غيبة له إذا ذكره بصفاته الذميمة، أو بشيء مما هو فيه؛ حتى يجتنبه الناس ويبتعدوا عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على الثناء بالخير والثناء بالشر. حكم قول جرت عادة الله بكذا السؤال ما حكم التعبير بهذه العبارة: جرت عادة الله بكذا وكذا؟ الجواب التعبير بمثل هذه العبارة ليس بجيد. ما يفعل عند زيارة من هو في سكرات الموت السؤال إذا ذهبت لزيارة أحد المرضى فوجدته في سكرات الموت فما الذي ينبغي عليّ أن أفعله وأقوله؟ الجواب كما هو معلوم أن الميت إذا كان في سكرات الموت وروحه تنزع فإنه ليس هناك مجال كي يلقن الشهادة، ولا تنفع في ذلك الوقت، فما ينفعه الإيمان في ذلك الوقت إذا لم يكن قد آمن من قبل، وأما إذا كان يعقل فتذكر عنده لا إله إلا الله؛ حتى يقولها فتكون آخر كلامه. وأما إذا لم يؤمن قبل ذلك فلن ينفعه أن يؤمن في سكرات الموت، وأما إذا لم يغرغر فإن توبته تقبل، وأما إذا غرغر فلا ينفعه ذلك كما حصل لفرعون؛ فإنه لما قال: آمنت، قيل له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] . أبوا النبي صلى الله عليه وسلم ليسا من أهل الفترة السؤال هل يدخل أبوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] فيكونان من أهل الفترة؟ الجواب لا يدخلان في ذلك؛ لأن الرسالة كانت موجودة في عهدهما، وكان هناك مؤمنون على دين إبراهيم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحنث على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث، فالدين إذاً كان موجوداً، وهناك من كان متمسكاً به، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهما في النار. حكم زيارة قبر أمّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم السؤال ما رأيكم فيمن يزور قبر أم النبي صلى الله عليه وسلم الآن، ويقول: إن ذلك سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ويشد الرحل لذلك؟ الجواب لا يجوز شد الرحل لأجل ذلك، وأما إذا مر الإنسان وتذكر الموت فلا بأس به، ولا يدعو، فإن الفائدة من زيارة قبور الكفرة هي تذكر الموت لا الدعاء لهم. أما هؤلاء الذين فُتنوا فيعتقدون أنها مؤمنة، فإنهم يذكرون في ذلك أشياء ساقطة ليس لها قيمة، وقد ذكرها بعض العلماء، ومن ذلك: أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به!! ولو كان هذا أمراً ثابتاً لنقل، ولصار أمراً خارقاً للعادة يتناقله الناس، ولم يأت شيء صحيح من ذلك، بل الذي جاء من طرق صحيحة أنهما في النار، كما رواه مسلم في صحيحه. حكم السلام على القبور من خارج المقبرة السؤال هل تصح الزيارة والسلام من خارج المقبرة؟ الجواب نعم تصح، فإذا كان على القبور سور فرآها وشاهدها وسلم عليهم السلام المشروع من خارج السور كفى، وليس بلازم أن يدخل إلى المقبرة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [373] الحلقة (405) شرح سنن أبي داود [373] اليمين هو توكيد الشيء بذكر معظم، ولذا لا يجوز أن يكون إلا بالله عز وجل، ولا يجوز الحلف بالله عز وجل إلا على صدق، كما أنه ينبغي عدم الإكثار من الأيمان وإن كانت على صدق، أما إن كانت على كذب وباطل فقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، واليمين والنذر متقاربان، وكفارتهما واحدة، كما أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها. التغليظ في الأيمان الفاجرة شرح حديث (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الأيمان والنذور. باب التغليظ في الإيمان الفاجرة. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) ] . قوله: [كتاب الأيمان والنذور] الأيمان: جمع يمين، والنذور: جمع نذر، واليمين المقصود به الحلف والقسم، وقيل للحلف يميناً لأنهم كانوا عند الحلف يضع الشخص يمينه بيمين الآخر، أو يده بيد الآخر، من أجل التوثيق والتأكيد للشيء الذي يحلف عليه، فلذلك لها: يمين. واليمين شرعاً: توكيد الشيء بذكر اسم الله أو صفته، يقول: والله، والرحمن، والرحيم، والعزيز، والحكيم، واللطيف، والخبير، وهذه أسماء، أو يقول: وحياة الله، وجلال الله، وعظمة الله، وعزة الله، وكلام الله، ويد الله، وغير ذلك من صفات الله عز وجل، فيؤكد الشيء بذكر اسم الله عز وجل عليه أو صفته، ويكون ذلك بالأسماء والصفات، والحلف بأسماء الله وصفاته هو حلف بالله عز وجل؛ لأن أسماء الله يحلف بها وصفات الله يحلف بها، والحالف بذلك يكون حالفاً بالله؛ لأن الله عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق ومن سواه مخلوق، فلا يحلف إلا بالله سبحانه وتعالى، ولا يكون الحلف مقصوراً على لفظ الله، بل الذي يحلف بصفات الله وأسمائه يكون حالفاً بالله؛ لأن الحلف بالله هو الحلف بأسمائه وصفاته، وليس مجرد لفظ الجلالة الذي هو (الله) ، وإنما هذا الاسم هو أعظم الأسماء وأصل الأسماء الذي تضاف إليه الأسماء وتتبعه. فالحلف بالأسماء والصفات هو حلف بالله عز وجل. وأما النذور فهي جمع نذر، والنذر: هو أن يوجب الإنسان على نفسه ما ليس واجباً عليه لحدوث أمر، كأن يقول: إن حصل كذا فلله علي كذا وكذا، أو إذا تحقق كذا أو وجد كذا فلله علي كذا وكذا، فالناذر يلزم نفسه بشيء ليس بلازم عليه، لكن هذا الإلزام يكون مبنياً على حصول شيء، ومضافاً إلى حصول شيء، كأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا، أو إن رد الله غائبي فلله علي كذا، ونحو ذلك. ويجمع بين الأيمان والنذور في الكتب للتقارب بينها، ولأن النذر أيضاً جاء في بعض الأحاديث: (كفارته كفارة يمين) ، ولهذا صار العلماء يجمعون بين الأيمان والنذور في كتاب واحد، كما فعل أبو داود، وكما فعل البخاري وغيرهما؛ فإنهم يجمعون بين هذا وهذا فيقولون: كتاب الأيمان والنذور. قوله: [باب التغليظ في الأيمان الفاجرة] ، الفاجرة: هي الكاذبة التي هي مبنية على كذب، وهي اليمين الغموس، واليمين الغموس هي التي تغمس صاحبها في الإثم، وقيل لها: فاجرة بمعنى كاذبة؛ لأن الحالف كاذب في حلفه، وهي تكون عن خبر وليس فيها كفارة، وإنما على الإنسان أن يتوب إلى الله عز وجل ويستغفر ويندم مما قد حصل منه. وأما الأيمان المعقودة على أمر مستقبل فهذه هي التي تكون فيها كفارة إذا حنث فيها، فإذا لم يف بما حلف عليه فإنه يكفر عن يمينه، كما جاء في الحديث: (فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) فإذا حلف الإنسان على يمين ورأى غيرها خيراً منها فيكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. فالكفارة تكون عن الإيمان المعقودة التي يؤتى بها لأمر مستقبل، أو لأمر يفعله، أو أمر لا يفعله، ثم بعد ذلك يظهر له أن المصلحة في الفعل أو عدم الفعل -وهو الحنث- فإنه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. والكفارة ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وإذا لم يستطع لا هذا ولا هذا فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام، هذه هي كفارة الإيمان التي شرعها الله عز وجل في كتابه العزيز. وقد أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) . وهذا هو المقصود من قوله: (التغليظ في الأيمان الفاجرة) أي: أن أمرها خطير، وأنه ورد فيها زجر ووعيد شديد، فهذا هو المقصود بالتغليظ، والتغليظ هو في قوله: (فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) ، وهذا يدل على خطورة هذا الأمر، وأن فيه الوعيد الشديد، وأن أمره خطير تُوعد عليه بهذه العقوبة الشديدة العظيمة التي هي أنه يتبوأ بوجهه مقعده من النار. واليمين المصبورة: هي التي يصبر لها الإنسان ويلزم بها في الحكم، كأن يلزم القاضي شخصاً بأن يحلف على أمر من الأمور فيحلف، فإن هذا يقال له: يمين صبر أو يمين مصبورة؛ لأنه حبس عليها وألزم بها، وليست من قبيل لغو اليمين، كقول الإنسان: لا والله وبلى والله، وإنما المقصود من ذلك يمين يترتب عليها حكم، ويلزم القاضي الشخص بأن يحلف فيحلف، ويترتب على ذلك تحصيل شيء محلوف عليه هو كاذب فيه، فيصل إليه شيء لا يستحقه بسبب اليمين، فيتبوأ مقعده من النار بسبب ذلك. وقوله: (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) ، أي: أنه يكب على وجهه، وأنه يستعد لهذا المكان الذي هيئ له والذي يكب فيه على وجهه في النار والعياذ بالله! وكونه يقع في النار على هذا الوجه الذي فيه إذلال وإهانة، ويكب على أشرف شيء فيه، لا شك أن هذا فيه ذل وهوان، وفيه زيادة في العقوبة، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22] ، فالذي يسحب على وجهه في النار -والعياذ بالله- وهو أشرف شيء فيه، معناه: أنه بلغ الغاية في الذلة والإهانة والعياذ بالله. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز] . محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يزيد بن هارون] . هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا هشام بن حسان] . هشام بن حسان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين] . محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمران بن حصين] . عمران بن حصين رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة. من حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد شرح حديث (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد. حدثنا محمد بن عيسى وهناد بن السري المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) ، فقال الأشعث رضي الله عنه: في والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال: لليهودي: احلف، قلت: يا رسول الله! إذاً يحلف ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران:77] ، إلى آخر الآية) ]. قوله: [باب فيمن حلف يميناً ليقتطع بها مالاً لأحد] ، أي: ليأخذ مالاً لغيره بسبب يمين هو فيها فاجر كاذب، فمن أجل أن يحصل على مال غيره حلف هذه اليمين، وهذا أمره خطير، وقد توعد من كان كذلك بالعقوبة الشديدة، فقد ورد في حقه وعيد شديد، ولهذا جاء في هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان) ، أي: من يفعل كذلك، ففيه تغليظ شديد في هذا الأمر. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود والأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنهما في ذلك، أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) . وهذا يدل على عقوبته، وأن فعله هذا يكون سبباً في غضب الله عليه، وفيه أيضاً إثبات صفة الغضب لله، فنثبت صفة الغضب لله عز وجل على ما يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات، حيث يجب إثبات كل ما جاء في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات لله تعالى على وجه يليق بكماله وجلاله دون تشبيه بخلقه، ودون تأويل أو تعطيل أو تكييف، بل على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] . فهذا يدل على خطورة الحلف على الكذب والفجور، ويدل أيضاً على أن كون الإنسان يأخذ مال غيره بالحلف الفاجر الكاذب أن ذلك يؤدي إلى غضب الله عليه يوم يلقاه، فيكون مستحقاً للوعيد الذي يعاقبه الله تعالى به. قوله: [قال الأشعث بن قيس: في والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف. قلت: يا رسول الله! إذاً يحلف ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} [آل عمران:77] ) ]. أي: أن هذا الذي جاء في هذا الحديث: (أن من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وعليه غضبان) ، حصل للأشعث شيء من هذا القبيل، حيث قال: (كان بيني وبين يهودي أرض فجحدها اليهودي، فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف. فقلت: إذاً يحلف، ويذهب بمالي) أي: ما دام أن المسألة مجرد حلف فإنه سيحلف ويأخذ مالي، قال: فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77] ، فهذه الآية تدل على عقوبة من اشترى بعهد الله وباليمين الفاجرة الكاذبة شيئاً قليلاً من حطام الدنيا، سواء كان قليلاً أو كثيراً، فإن هذه عقوبته، وسوف يلقى الله عز وجل فلا يكلمه ولا ينظر إليه ولا يزكيه، وله عذاب أليم، فيحصل له هذا الوعيد الشديد الذي جاء في هذه الآية الكريمة، وفي هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته وعليه. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] . هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود، والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة. [وهناد بن السري] . هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [المعنى] . يعني: أن هذين الشيخين لم يتفق لفظ الحديث عندهما في كل شيء، وإنما هو متفق من حيث المعنى. [قالا: حدثنا أبو معاوية] . هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش] . هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن شقيق] . هو شقيق بن سلمة أبو وائل، وهو مشهور بكنيته واسمه، فيذكر بالكنية أحياناً فيقال: أبو وائل، وأحياناً يذكر باسمه فيقال: شقيق كما هو هنا، وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله] . هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [فقال الأشعث] . هو الأشعث بن قيس النخعي، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. بيان أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها هذا الحديث فيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، والقول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة هو القول الصحيح؛ والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، لكن القول الصحيح هو أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، لكن ليس معنى ذلك أنهم لو أتوا بالفروع ولم يأتوا بالأصول أنها تقبل منهم، فإنها لا تقبل إذا لم يوجد الإيمان والتوحيد، كما قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] ، ولكن فائدة الخطاب هو الزيادة في العذاب والعقاب؛ لأن الكفار متفاوتون فليسوا على حد سواء، فهم دركات في النار، كما أن أهل الجنة في الجنة درجات بعضهم فوق بعض، فهؤلاء بعضهم أنزل من بعض، وبعضهم أشد عذاباً من بعض، وإن كان أسفلهم وأخفهم عذاباً يرى أنه لا أحد أشد منه عذاباً، ولكن هم في النار دركات، ومعلوم أن من كفر ولم يحصل منه إيذاء للمسلمين فهو أخف ممن كفر وصد عن سبيل الله، ولهذا يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88] ، فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهم مطالبون بالفروع، ولكنهم مطالبون قبلها بالأصول، ويعاقبون على عدم الإتيان بالأصول والفروع، والفروع لو أتوا بها دون الأصول فإنها لا تقبل منهم. شرح حديث (لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الفريابي حدثنا الحارث بن سليمان حدثني كردوس عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه: (أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده، قال: هل لك بينة؟ قال: لا، ولكن أحلفه، والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم، فقال الكندي: هي أرضه) ] . أورد أبو داود حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه: (أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وكندة: قبيلة كبيرة في اليمن، وحضرموت: أرض في اليمن، فهذا منسوب إلى قبيلته، وهذا منسوب إلى أرضه وبلده حضرموت: (فقال الحضرمي: إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده) يعني: بيد هذا الشخص الذي يخاصمه، ويريد أن يحصل عليها. قال: (هل لك بينة؟ قال: لا. ولكن أحلفه) وهذا فيه أن المدعي هو الذي عليه البينة، وهو الذي يُطالب بالبينة؛ لأنه ادعى على غيره أن عنده حقاً، أو أن له عليه حقاً، فإن أقر المدعى عليه فلا يحتاج الأمر إلى شيء، ولكن إن أنكر طولب المدعي بالبينة، فإن أتى بالبينة حكم بها، وإن لم يؤت بها حلف المدعى عليه وبرئت ساحته إن حلف، وإن نكل قضي عليه بالنكول، يعني: ما دام أنه لم يحلف، والواجب والمتعين عليه أن يحلف، فإنه يحكم عليه، وإن حلف خلي سبيله. والخصومة بينهم ستكون عند الله عز وجل إذا كان أخذ مالاً بغير حق، ولكن في الدنيا وفي الظاهر ليس هناك إلا البينات من قبل المدعين والإيمان من قبل المدعى عليهم. وقوله: (ولكن أحلفه) يعني: أنه مستقر عنده أن اليمين على المدعى عليه؛ لأن المدعي ليس عنده بينة، فيطلب يمين المدعى عليه. قوله: (والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه) ، هذا تأكيد لقوله بأنه أرضه، وأضاف ذلك إلى أن الله تعالى يعلم، وأنه عالم بكل شيء، وأن الذي يعلمه الله عز وجل أنها أرضي، وهذا فيه تأكيد، وفيه أن الإنسان يضيف العلم إلى الله تعالى، وأن الله تعالى يعلم أن هذا هو الواقع، والله تعالى يعلم كل شيء، وهذا مما يعلمه الله على حقيقته؛ لأن الله يعلم كل شيء على ما هو عليه، والناس قد يحصل منهم ذكر الشيء على غير حقيقته، والله يعلم المحق من المبطل والكاذب من الصادق. وفي بعض النسخ زيادة: (والله ما يعلم أنها أرضي) ، وشرحها بعض الشراح فقال: إنه يريد أن يحلف بهذه الصيغة بأن يقول: (والله! ما يعلم أنها أرضي) ، لكن يبدو -والله أعلم- أنه بدون (ما) أوضح؛ لأنه قال بعدها: (والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه) ، أي: أن الله تعالى يعلم هذا وهذا، يعلم أنها أرضه، ويعلم أن أباه أغتصبها. إذاً: بدون (ما) أوضح، وإذا كانت بـ (ما) فتفسيرها كما قال بعض الشراح: أنه يحلف بهذه الصيغة، يعني: أحلفه بأن يقول: (والله! ما يعلم أنها أرضي) . وقوله: (فتهيأ الكندي لليمين) ، يعني: استعد أن يحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم) ، وقد فسر هذا بأنه ناقص البركة، أو فاقد البركة أو غير ذلك. وقوله: (فقال الكندي: هي أرضه) أي: أنه كان مبطلاً، ولكن لما سمع بهذا الوعيد ترك تلك الأرض خوفاً من الله عز وجل، فقال: هي أرضه، فأخذها. تراجم رجال إسناد حديث (لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم) قوله: [حدثنا محمود بن خالد] . هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [حدثنا الفريابي] . هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الحارث بن سليمان] . الحارث بن سليمان صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي. [حدثني كردوس] . هو كردوس الثعلبي، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي. [عن أشعث بن قيس] . أشعث بن قيس رضي الله عنه قد مر ذكره. وهذه القصة غير القصة السابقة، فهذه فيها أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما وفي الأولى قال: (كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني) ، فالأولى تتعلق به، وهو أحد الطرفين فيها، وأما الثانية فليس طرفاً فيها، وإنما يخبر عن شيء حصل عند النبي صلى الله عليه وسلم وأن الخصمين اختصما، وأن أحدهما قال كذا والثاني قال كذا، فهذه قصة، وتلك قصة أخرى. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث (جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه، قال: يا رسول الله! إنه فاجر لا يبالي ما حلف عليه، ليس يتورع من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ليس لك منه إلا ذاك، فانطلق ليحلف له، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما لئن حلف على مال ليأكله ظالماً ليلقين الله عز وجل وهو عنه معرض) ] . أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وفيه: (أن رجلاً من حضرموت ورجلاً من كندة اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الحضرمي قال: إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق) ، يعني: هي في حوزتي وتحت تصرفي وتحت يدي، ويدي مستولية عليها، فهي لي، وأنا مالكها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألك بينة) ، ولم يكن عنده بينه، فقال له: (فلك يمينه) فقال: إنه فاجر وسيحلف ويأخذ حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لك منه إلا ذاك) ، يعني: إذا لم يكن عندك بينة، فليس هناك إلا اليمين، وليس لك منه إلا ذلك، فإن حلف فإنها تبقى في حوزته، وإن عدل عن الحلف فإنه يسلمها إليك. قال: (فانطلق ليحلف له، فلما أدبر قال عليه الصلاة والسلام: (أما لئن حلف على مال ليأكله ظالماً ليلقين الله عز وجل وهو عنه معرض) ، وهذا وعيد شديد في حق من حلف على يمين كاذبة من أجل أن يقتطع بها حق غيره، فمن فعل ذلك فإنه يلقى الله وهو معرض عنه. وهذه القصة عن وائل بن حجر، وتلك عن الأشعث، فيحتمل أنهما قصتان ويحتمل أن تكون قصة واحدة واختلفت فيها الرواية، لكن هذه القصة ليس فيها أنه اعترف بأنها أرضه، وأما السابقة ففيها أنه اعترف وقال: هي أرضه، وتركها، وفي الأولى قال: إنها لأبي وأبوه اغتصبها، وأما هنا فقال: إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي. فإذا كانت هي نفس القصة الأولى فسيكون معنى قوله: (غلبني) أنها في يده ولم يمكني منها، وفي الحديث الأول أن أباه هو الذي غصبها، وهذا قام مقام أبيه، فيحتمل أن يكون أبوه -كما جاء في الحديث الأول- هو الذي أخذها وهذا ورثها، وأضيف إليه هنا أنه غلبه عليها على اعتبار أنه تمسك بها ولم يمكنه منها، فقال: إنه غلبه عليها وإن كان أصل الاغتصاب من أبيه، وهنا كأن الاغتصاب منه هو وأنه غلبه عليها، فيحتمل أن تكون قصتين، وأن تكونا قصة واحدة، ويكون توجيه الكلام على اعتبار أنه أضيف إليه المغالبة، وإن لم يكن هو الغاصب، وإنما هو وارث للغاصب؛ لأنه ممتنع من تسليمها لصاحبها. وقوله: (فانطلق ليحلف له فلما أدبر) . قال صاحب عون المعبود: لعل المقصود من ذلك أنه ذهب ليحلف عند المنبر، كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا، والذي فيه تغليظ الحلف عند منبره صلى الله عليه وسلم، وأنه أراد أن يذهب ليحلف في ذلك المكان. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما لئن حلف على مال) ، لا يدل على الحلف ولا على عدمه، وإنما أخبر بأنه إن حصل منه كذا فإن عقوبته كذا وكذا، لكن هل حلف أو لم يحلف لا يوجد شيء يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله) قوله: [حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص] . هناد بن السري مر ذكره، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سماك] . هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن علقمة بن وائل بن حجر] . علقمة بن وائل بن حجر صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم وأصحاب السنن. وذكر الحافظ أنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه قد سمع من أبيه، والذي لم يسمع من أبيه هو أخوه عبد الجبار بن وائل، وأما علقمة فقد سمع، وقد أخرج له مسلم عدة أحاديث يرويها عن أبيه، ومسلم كما هو معلوم من شرطه الاتصال، وعدم الانقطاع، وكذلك جاء عن بعض العلماء أنهم أثبتوا سماعه منه، وقال الأمير علي: إنه سمع أباه، كما نص الترمذي في باب المرأة استكرهت على الزنا بقوله: علقمة بن وائل سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل الذي لم يسمع من أبيه. انتهى، وعدم السماع إنما يستلزمه قول يحيى بن معين فيما ذكره الذهبي، ولعله لم يثبت، فإن الإمام مسلماً روى في منع سب الدهر حديثه عن أبيه، وعليه الجمهور، فالله تعالى أعلم. انتهى كلامه. قلت: وقد صرح البخاري في تاريخه وغيره أنه سمع من أبيه، فالصحيح أنه سمع من أبيه، فالحديث متصل وليس بمنقطع. [عن أبيه] . أبوه هو وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا هاشم بن هاشم أخبرني عبد الله بن نسطاس من آل كثير بن الصلت أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار) ] . قوله: [باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم] ، أي: تغليظها وتعظيمها في المكان، وأن ذلك قد يسبب هيبة ورهبة للشخص الحالف ويجعله يتخوف من العقوبة إذا كان كاذباً. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار) ]. أي: ولو كان على شيء يسير، فكيف بالكثير؟! وذكر السواك الأخضر فيه إشارة إلى يسره وسهولته وكثرته، بخلاف اليابس؛ فإن اليابس قد ينقل من بلد إلى بلد فيكون عزيزاً نفيساً، ولكنه في المكان الذي هو فيه مبذول وحاصل بكثرة، فهو شيء يسير، فالأمر فيه خطورة ولو كان بهذه المثابة، ولذا قال: (إلا تبوأ مقعده من النار) ، فهذا فيه الوعيد الشديد في حق من حصلت منه هذه اليمين الآثمة الكاذبة ولو كان على الشيء اليسير، وفيه تعظيم اليمين عند منبره صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي، فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [حدثنا ابن نمير] . هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هاشم بن هاشم] . هاشم بن هاشم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عبد الله بن نسطاس] . عبد الله بن نسطاس وثقه النسائي، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. [أنه سمع جابر بن عبد الله] . هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تعظيم الحلف بعد العصر هذا الحديث فيه تعظيم المكان، وأما تعظيم الزمان فقد جاء فيه تغليظ اليمين بعد العصر، وهذا يشعر بأن هناك تغليظاً في الوقت أيضاً، وتنصيصاً عليه، وهذا فيه إشارة إلى تعظيمه. حكم مطالبة الإنسان خصمه بالحلف في مكان أو زمان خاص إن قيل: هل للإنسان أن يطالب خصمه بهذا الأمر فيقول له: احلف في هذا المكان أو في هذا الزمان؟ ف الجواب ليس له ذلك إلا إذا رأى القاضي ذلك، ورأى أنه لا يحلف في مكانه الذي هو فيه، فلا بأس، ومعلوم أن الحالف إذا كان كاذباً فإنه آثم ولو لم يحلف عند المنبر، فقد جاء في الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان) ومنها: (لقي الله وهو أجذم) . من حلف على يمين كاذباً فلا يخلد في النار قوله: (وجبت له النار) ، لا يدل على الخلود، وإنما يدل على أنه يستحقها، وأمره إلى الله عز وجل؛ لأن كل ذنب دون الشرك فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذب صاحبه، وإن شاء عفا عنه، وإن عذبه لا يخلده في النار؛ لأنه لا يخلد في النار إلا الكفار الذين هم أهل النار، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها بحال من الأحوال، وأما من لم يكن كافراً فإن مآله إلى الجنة وإن دخل النار، وإن عذب في النار فإنه لا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة. حكم الحلف بالأنداد شرح حديث (من حلف فقال في حلفه واللات فليقل لا إله إلا الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحلف بالأنداد. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات، فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق بشيء) ] . قوله: [باب الحلف بالأنداد] في بعض النسخ: [الحلف بغير الله] ، والحلف بغير الله محرم مطلقاً سواء كان أنداد أو بغير أنداد، ولكن لعله ذكر الأنداد لأنه هو الذي جاء في هذا الحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة وهو يتعلق بالأنداد والأصنام، وهذا إنما اعتادوه في الجاهلية، حيث إنهم كانوا يحلفون بالأصنام، فيقول الواحد منهم: واللات والعزى، فلما جاء الإسلام وصار الحلف إنما يكون بالله عز وجل، وكانوا قد ألفوا وغلب على ألسنتهم استعمال الحلف باللات، كان بعضهم يقول ذلك؛ لأنه حديث عهد بالإسلام ولسانه قد اعتاد على ذلك، فهو يحلف بها وهو لا يريد ذلك، وما كان حلفه في الإسلام كحلفه في الجاهلية؛ لأنه قبل ذلك كان يعبد الأصنام، ثم صار كافراً بالأصنام بعد أن هداه الله للإسلام، فهو كافر بالأصنام والأنداد، وقبل ذلك كان يعبد الأنداد ويحلف بها، فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعود ألسنتهم على أنه إذا حصل منهم شيء وهم حديثو عهد بالإسلام وألسنتهم قد اعتادت على ذلك فيحصل من الإنسان من غير اختياره، فيعود نفسه أن يأتي بالتوحيد بعد أن يحلف بهذا الشيء الذي كان قد ألفه، لأنه نشأ عليه وعاش عليه، فقال: (من قال في حلفه: واللات، فليقل: لا إله إلا الله) يعني: كما أنه حلف بهذا الشيء الذي قد ألفه فإنه يبادر ويأتي بكلمة لا إله إلا الله التي هي كلمة التوحيد، والتي فيها أن الله عز وجل هو الذي يعبد وهو الذي يعظم وهو المستحق للعبادة، فيكون في ذلك تعويد للألسنة على ترك هذا الأمر الذي حصل منها وقد اعتادته، فإذا حلف بالأصنام فيقول بعد ذلك: لا إله إلا الله، حتى تألف الألسنة ذكر الله عز وجل وكلمة التوحيد، وحتى يحصل نسيان وترك لهذا الأمر الذي ألفوه. وكذلك أيضاً بالنسبة للقمار والميسر كانوا يستعملون الميسر ولذا قال: (من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق بشيء) وفي بعض الأحاديث: (فليتصدق) بدون ذكر (بشيء) . وهذا أيضاً كذلك؛ لأنه لما جاء الإسلام ومنع من القمار كان يحصل منهم التداعي له والتنادي له؛ لأنهم كانوا قد ألفوه، وقد كانوا يعملونه في الجاهلية، فمن قال لصاحبه: تعال أقامرك، ليبذل المال في الباطل، فقد أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبذل المال في الحق، وإلى أن يبذله في صدقة تنفعه، فيكون في ذلك تأديب لهم، وتعويد لهم إذا فكروا في أمر محرم قد اعتادوه وألفوه أن يبادروا إلى أن يتصدقوا بشيء. وبعض أهل العلم قال: إنه يتصدق بالشيء الذي أراد أن يقامر به، يبذله في الخير بدل أن يبذله في الميسر. والحاصل: أن هذا فيه إرشاد إلى أن الإنسان يتصدق، ومعلوم أن هذا كان وهم حديثو عهد بالإسلام، فمن أراد أن يقامر أو قال لصاحبه: تعال أقامرك، فعليه أن يتصدق. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف فقال في حلفه واللات فليقل لا إله إلا الله) قوله: [حدثنا الحسن بن علي] . هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا عبد الرزاق] . هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر] . هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري] . هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حميد بن عبد الرحمن] . هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين. حكم من حلف بالكعبة ونحوها هل يلحق بهذا من حلف بالكعبة أو بأي شيء غير الله، بأن يقال له: قل: لا إله إلا الله؟ لا أدري هل يلحق كل حلف بغير الله بذلك أم لا؟ لأنه إنما جاء في الأصنام التي كانوا يحلفون بها في الجاهلية، كاللات وهبل، فإنهم كانوا يعبدونها في الجاهلية من دون الله عز وجل، فالذي يبدو أن هذا في ذلك الأمر الذي اعتادوه وألفوه، وأن هذا كان من أجل أن تعتاد ألسنتهم، وأما الذي يحلف بالكعبة فهو حلف بغير الله، والكعبة معظمة في الإسلام، ولكنه لا يحلف بها، وأما الصنم فليس له إلا الإهانة والتدمير، ولكن الحديث ورد في شيء معين وهي الأصنام، فهذا هو الذي يبدو أنه يؤتى بعده بلا إله إلا الله، وأما من حلف بالكعبة أو حلف بالنبي فإنه يرشد إلى أن يحلف برب الكعبة وبرب النبي، فالكلمة التي قالها يجعلها مضافة إلى رب، فيأتي برب قبل ذلك، ويعود نفسه أنه بدلاً من أن يقول: والنبي، يقول: ورب النبي، فكلمة النبي يبقيها ولا يتخلى عنها، ولكن يضيفها إلى ربه؛ بأن يقول: ورب النبي، وكذلك الكعبة يقول ورب الكعبة. فالذي يبدو أن الأمر بقول: لا إله إلا الله؛ لأنه في مقابل شيء كان يعبد في الجاهلية. وأما هل الأمر في قوله: (فليقل) للوجوب أو للاستحباب؟ فالأصل أنه للوجوب، وأما فيما يتعلق بالصدقة فقال بعض العلماء: إنها للاستحباب؛ لأن هذا فيه إخراج مال فهو إرشاد، وأما الحلف فهو توحيد، وأمره بالتوحيد لا يدل على كفر، وإنما يدل على أنه سبق لسانه إلى شيء قد اعتاده وألفه، فيعود أن يأتي بالتوحيد بدل هذه الكلمة التي أتى بها لأن لسانه قد تعودها. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [374] الحلقة (406) شرح سنن أبي داود [374] لقد رحم الإسلام الشرك بالله عز وجل، وسد الأبواب والذرائع التي تؤدي إلى الشرك الأكبر، فحرم الحلف بالآباء والأمهات والأنداد، فهو شرك أصغر إلا إذا اعتقد الحالف أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله فهو كفر وشرك أكبر، كذلك حرم الإسلام الحلف بالأمانة، ولا كفارة في لغو اليمين، والحلف لا يجوز فيه المعاريض إلا إذا كان مظلوماً أو مكرهاً على شيء، فالأصل: أن اليمين على نية المستحلف. كراهية الحلف بالآباء شرح حديث (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية الحلف بالآباء. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلحفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) ] . قوله: [باب في كراهية الحلف بالآباء] ، الكراهية هنا المقصود بها: التحريم؛ لأنه قد جاء في هذا الحديث النهي، وجاء أيضاً وصف الحلف بغير الله بأنه شرك، وهو يدل على التحريم، ولكنه شرك أصغر، فإذا كان الحالف بغير الله معتقداً أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله، وأهم من الحلف بالله فهذا كفر، ولكن كون الإنسان يحلف بغير الله عز وجل فحلفه من الشرك الأصغر، ومعلوم أن الشيء الذي يوصف بأنه شرك يعتبر من أعظم الذنوب وأخطرها، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر) ، وفي لفظ آخر: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً) ، يعني: أن الحلف بالله توحيد، والكذب معصية، ولكن الحلف بغير الله شرك، حتى وإن كان حلفاً على صدق؛ لأن الشيء الذي يوصف بأنه شرك أخطر من غيره، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه هذا يدل عليه؛ لأنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أحلف بغيره فأبر) ؛ لأن الحلف بغير الله شرك وإن وجد معه صدق، والحلف بالله توحيد وإن وجد معه كذب، فسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد) ، وقد كانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم وأمهاتهم وبالأنداد، ثم قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) ، فقد أرشد إلى أنه لا يجوز الحلف بغير الله من جهتين: في قوله: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم) ، وفي قوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) ، فصار النهي عن الحلف بغير الله موجوداً في الجملتين، الجملة الأولى فيها التنصيص على أنه لا يحلف بالآباء ولا بالأمهات، ولا بالأنداد، والجملة التي بعدها فيها أن الحلف يكون مقصوراً على الله وحده، وأن كل ما سواه لا يحلف به؛ لا الآباء ولا الأمهات ولا الأنداد ولا غير ذلك، فالجملة الثانية أعم من الأولى؛ لأنها تشمل على ما دلت عليه الأولى وزيادة، وهو أن كل شيء غير الله لا يحلف به، وكل مخلوق لا يحلف به، وأن الحلف إنما يكون بأسماء الله وصفاته، والحلف بأسماء الله وصفاته حلف به سبحانه وتعالى. فقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) أي: يجب أن يكون الحلف بالله، وليس المقصود أن يكون بلفظ الجلالة الذي هو (الله) ، وإنما بأسمائه وصفاته؛ لأن الحلف بأسمائه وصفاته حلف به، والذي يقول: وعزة الله وجلالة الله حالف بالله، والذي يقول: وكلام الله، أو والرحمن والرحيم والعزيز والخبير والسميع والبصير هو حالف بالله. وقوله: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) ، أي: إذا حلفتم بالله فلتكونوا صادقين، ولا تحلفوا على كذب، بل احلفوا على صدق. والجملة الأولى فيها قصر الحلف على أن يكون بالله لا بغيره، والجملة الثانية فيها بيان أن الحلف بالله إنما يكون بالصدق، ولا يكون بغير الصدق، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) . أي: لا تحلفوا بالله الذي أمرتم بالحلف به إلا على وجه الصدق لا على الكذب. تراجم رجال إسناد حديث (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد) قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] . هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثني أبي] . أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عوف] . هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة] . محمد بن سيرين وأبو هريرة مر ذكرهما. شرح حديث (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركه وهو في ركب، وهو يحلف بأبيه، فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) ] . أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه، وهو في ركب، والركب: جمع راكب. وقوله: (وهو يحلف بأبيه) ، أي: يقول: وأبي وأبي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) أي: من كان حالفاً فليكن حلفه بالله أو ليسكت، ولا يحلف بغير الله، ففيه النهي عن الحلف بغير الله، وفيه الإلزام بأن الحلف إذا أريد إنما يكون بالله وإلا فعليه السكوت وعدم الحلف إذا كان الحلف بغير الله، فإما أن يحلف بالله أو ليسكت. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] . أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زهير] . هو زهير بن معاوية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبيد الله بن عمر] . عبيد الله بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع] . هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر] . هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [عن عمر بن الخطاب] . عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سمعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو معناه إلى بآبائكم) ، زاد: قال عمر: (فوالله! ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً) ] . أورد المصنف حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه هذه الزيادة وهي أنه قال: (والله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً) ، أي: أن عمر رضي الله عنه استسلم وانقاد لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فابتعد عن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان يفعله ولا يحكيه عن غيره، فلا يقول: وأبي، ولا يقول: إن فلاناً قال: وأبي. فقوله: (ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً) ، أي: ما فعلت ذلك من نفسي بأن حلفت بالآباء، ولا آثراً ذلك عن غيري بأنه قال كذا وكذا، وهذا معناه أنه حفظ لسانه من أن يذكر الحلف بغير الله لا بفعله ولا بالنقل عن غيره، وهذا يدلنا على أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يستسلمون وينقادون ويبادرون إلى اتباع النصوص وإلى الانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم أسبق الناس إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري] . عبد الرزاق ومعمر والزهري مر ذكرهم. [عن سالم عن أبيه] . هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبوه عبد الله بن عمر مر ذكره. [عن عمر] . عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث (من حلف بغير الله فقد أشرك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس قال: سمعت الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد أشرك) ] . أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، أي: يحلف بالكعبة، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد أشرك) أي: أن الحلف بغير الله شرك، ولكنه -كما هو معلوم- شرك أصغر، ولكن إذا أريد به أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله فإنه يكون شركاً أكبر، فإذا أريد بالحلف تعظيم غير الله، وأنه أعظم من الله، وأنه يهاب الحلف بغير الله، ولا يهاب الحلف بالله، فهذا -والعياذ بالله- شرك أكبر، وأما إذا كان غير ذلك فإنه من الشرك الأصغر، ولكن كما ذكرنا أن الأمر الذي يوصف بأنه شرك أخطر من جميع المعاصي والذنوب الأخرى، وقد مر آنفاً الأثر عن ابن مسعود الذي فيه: (لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً) . تراجم رجال إسناد حديث (من حلف بغير الله فقد أشرك) قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] . هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن إدريس] . هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت الحسن بن عبيد الله] . هو الحسن بن عبيد الله النخعي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن سعد بن عبيدة] . سعد بن عبيدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: سمع ابن عمر رجلاً] . ابن عمر قد مر ذكره. شرح حديث (أفلح وأبيه إن صدق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه -يعني: في حديث قصة الأعرابي- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق) ] . أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) ، فقول الرسول: (وأبيه) هذا فيه أنه حلف بغير الله؛ وذلك أنه جاء أعرابي وقال: علمني الإسلام، فقال: (إن الله أوجب خمس صلوات، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، ثم قال وصيام رمضان، قال: هل علي غير ذلك؟ قال: لا. قال: والزكاة، قال: هل علي غير ذلك؟ قال: لا. فلما ولى قال: والله لا أزيد ولا أنقص، فقال: أفلح وأبيه إن صدق) . وقوله: (في قصة الأعرابي) أي: أنه ذكر الحديث باختصار، وهذا يخالف ما جاء في الأحاديث المتقدمة من النهي عن الحلف بغير الله، والحلف بالآباء، وهذا الحديث فيه أن الرسول قال: (أفلح وأبيه) وقد اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن هذا الحديث شاذ، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن هذه الرواية شاذة؛ لأنها جاءت من طريق مالك: (أفلح إن صدق) بدون ذكر (وأبيه) . وبعض أهل العلم قال: إن هذا كان قبل النهي. ومن العلماء من قال: إن هذا مما اعتادوه دون أن يكون قصدهم الحلف والتعظيم. والقول بأن لفظة (وأبيه) شاذة هو أحسن من غيره، من جهة أن عدم ذكرها متفق مع الروايات الأخرى التي فيها النهي عن الحلف بالآباء. تراجم رجال إسناد حديث (أفلح وأبيه إن صدق) قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي] . هو ابن الربيع الزهراني، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني] . إسماعيل بن جعفر المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه] . أبو سهيل نافع بن مالك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع طلحة بن عبيد الله] . طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كراهية الحلف بالأمانة شرح حديث (من حلف بالأمانة فليس منا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية الحلف بالأمانة. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا) ] . قوله: [باب في كراهية الحلف بالأمانة] المقصود بالكراهية هنا: التحريم؛ لأنه قد أورد في الباب حديثاً فيه الزجر والتحذير وبيان خطورة الحلف بالأمانة، فهو على هذا محرم، وكل حلف بغير الله فهو محرم؛ لأن الحلف إنما يكون بالله وبأسمائه وصفاته، ولا يحلف بغيره، كما سبقت الأحاديث في ذلك، وقد جاء في بعضها أن ذلك شرك، ومن ذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً) ، وذلك أن الذنب الذي يوصف بأنه شرك يكون أخطر من غيره، وإن كان شركاً أصغر، كالحلف بغير الله. وقد أورد حديث بريدة: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وهذا يدل على تحريمه، وأنه أمر خطير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، أي: أن هذا ليس من شأن المسلمين, وليس من عمل المسلمين، ومن فعل ذلك فليس على طريقتنا ولا على منهجنا وسنتنا، وإنما هو متشبه بغيرنا، وهذا لا يدل على أنه خرج من الإسلام، وإنما يدل على الزجر من هذا العمل. والحاصل: أن الحلف بالأمانة فيه زجر شديد؛ لأن الحلف بالأمانة حلف بغير الله، وكل حلف بغير الله فإنه لا يجوز، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) ، فقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) فيه قصر الحلف على أن يكون بالله، أي: بأسمائه وصفاته، ولا يكون بغيره؛ لا بالأمانة ولا بالآباء ولا الأمهات، ولا بحياة إنسان، ولا بشرفه، ولا بأي شيء آخر، بل كل حلف يجب أن يكون بالله عز وجل، كما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) . |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (من حلف بالأمانة فليس منا) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] . أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زهير] . هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي] . الوليد بن ثعلبة الطائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن ابن بريدة] . هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. معنى الكراهة عند المتقدمين تعبير المصنف بالكراهة هو على طريقة المتقدمين أن الكراهة يراد بها: التحريم، كما قال الله عز وجل: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] ، فإن الله عز وجل ذكر قبل هذه الآية جملة من الذنوب الكبيرة التي منها الزنا وقتل النفس، وقتل الأولاد، وأكل مال اليتيم، وغير ذلك من الأمور المحرمة، ثم ختم بقوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] . حكم قول (وأمانة الله) أما قول: (وأمانة الله) فقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا قال: وأمانة الله، كانت يميناً ولزمته كفارة فيها، وقال الشافعي: ليس ذلك يميناً ولا يكون فيه الكفارة، والظاهر أنها ليست يميناً، وليس فيها كفارة؛ لأنها ليست حلفاً بالله، وقول: (وأمانة الله) هو مثل الأمور التي تضاف إلى الله للتشريف، كبيت الله وعبد الله وناقة الله، وهذا إضافته من هذا النوع؛ لأن الأمانة ليست من صفات الله عز وجل، وإنما هي من مخلوقاته، أو من الأمور التي شرعها كالعبادات، كما في قوله عز وجل: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) [النساء:58] ، وحقوق الله تعتبر أمانة عند الإنسان، وحقوق الآدمي كذلك، والغسل من الجنابة أمانة، والصيام أمانة، وكل ذلك أمانة، أي: أن الإنسان مؤتمن عليها يجب عليه أن يأتي بها، فليس الإنسان حالفاً بصفة من صفات الله، ولا باسم من أسماء الله، إذاً: هو ليس حلفاً شرعياً، وليس عليه كفارة. لغو اليمين شرح حديث (هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لغو اليمين. حدثنا حميد بن مسعدة السامي حدثنا حسان -يعني ابن إبراهيم - حدثنا إبراهيم -يعني الصائغ - عن عطاء في اللغو في اليمين قال: قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هو كلام الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله) ] . قوله: [باب لغو اليمين] ، المقصود بلغو اليمين: الشيء الذي لا يراد عقده، ولا التزامه، وإنما هو شيء يجري على الألسنة عند الكلام، فهذا يقال له لغو يمين، مثل: لا والله، وبلى الله، فعندما يتحدث الإنسان أو يخبر عن شيء أو يراد أن يطلب منه شيء في المستقبل، فيقول: لا والله، وبلى والله، فهذا من لغو اليمين، ولغو اليمين ليس فيه كفارة، ولا يؤاخذ عليه الإنسان، ولكن على الإنسان أن يحرص على أن يحفظ لسانه عن اليمين، فقد جاء عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار. أي: كانوا يؤدبونهم ويعظمون في أنفسهم الحلف بالله، حتى لا يكون الحلف بالله أمراً سهلاً، وإنما كانوا يجعلونه أمراً عظيماً، وكانوا لا يقدمون عليه ولا يستسهلونه ويستهينون به، فالإنسان يحرص على ألا يحلف، إلا إذا كان هناك أمر يحتاج إلى توكيد وأراد أن يحلف عليه فلا بأس بذلك. وتفسير لغو اليمين بهذا جاء عن عائشة رضي الله عنها من طرق كثيرة موقوفاً عليها، وجاء من هذه الطريق مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون قد صح عنها موقوفاً ومرفوعاً، فهو من كلامها، وأيضاً أضافته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في لغو اليمين: (هو كلام الرجل: كلا والله، وبلى والله) أي: الشيء الذي يجري على اللسان ولا يقصد الإنسان به عقد اليمين. المعاريض في اليمين شرح حديث (يمينك على ما يصدقك عليها صاحبك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المعاريض في اليمين. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم (ح) وحدثنا مسدد حدثنا هشيم عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يمينك على ما يصدقك عليها صاحبك) ] . قوله: [باب المعاريض في اليمين] ، المقصود بالمعاريض: أن يذكر الإنسان شيئاً مورياً به، فهو يريد شيئاً وغيره يريد شيئاً آخر، بمعنى: أنه يريد أن يفهم منه صاحبه شيئاً أو يريد شيئاً وهو يريد شيئاً آخر، فهذا يقال له: معاريض، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه وعن عمران بن حصين: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) ، ولكن المعاريض لا تستعمل إلا عند الحاجة إليها. أما إذا كان الإنسان الذي استحلف صاحب حق، أو استحلفه القاضي، فليس له استعمال المعاريض، وإنما تستعمل المعاريض في أمر هناك داعٍ إليه، كأن يكون مظلوماً، أو مكرهاً على شيء، أما إذا كان الذي استحلفه صاحب حق فليس الأمر كذلك، بل الأمر كما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي هريرة: (يمينك على ما يصدق عليها صاحبك) أي: أن اليمين على نية المستحلف، وقد جاء في بعض الروايات: (اليمين على نية المستحلف) فليس هو على ما يريد أو على ما يعرض به أو يذكره الحالف من المعاريض، وإنما هو على نية المستحلف. فإذا كان مظلوماًَ، أو كان في أمر لا يلزمه فله أن يعرض حتى يسلم، فيكون صادقاً فيما يقول على حسب الظاهر، والمستحلف يفهم شيئاً آخر غير الذي يريده الحالف. والمعاريض تكون في الحلف وفي غير الحلف، وقد جاء في أحاديث عديدة فيها ذكر المعاريض أو التعريض، ومن ذلك قصة أم سليم مع أبي سليم لما جاء وكان ولده مريضاً وقد مات الولد، فسألها عنه فلم تخبره بأنه مات، ولكنها أتت بعبارات هي أرادت شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، فقالت: إنه أسكن ما كان وقد استراح. ففهم أنه في حالة جيدة وأنه هادئ مستريح في النوم، وهي تريد أنه هدأت نفسه واستراح وانتهى من هذه الدنيا، فقد كانت تريد شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، فهذا يقال له: تعريض، ولهذا أكل معها وجامعها واطمأن معها، ولم تقل له: إنه قد مات حتى لا يتأثر ويتألم. ويأتي في بعض الأحاديث وفي كلام بعض أهل العلم ذكر المعاريض، فهذا من هذا القبيل، وقد ذكر أبو داود في آخر الباب حديثاً فيه ذكر المعاريض، وهو أن سويد بن غفلة قال عن وائل بن حجر: إنه أخوه، والمخاطب كان يفهم أنه أخوه من النسب، وهو يريد أخوته في الإسلام، فهذا يقال له معاريض. ومنه أيضاً ما حصل من إبراهيم الخليل في الكذبات الثلاث التي قال: إنها كذبات، وهي في الحقيقة معاريض؛ لأنه قال عن زوجته: إنها أختي، وقال: إنه ليس هناك مسلم إلا أنا وأنتِ، ولذا قال للجبار: إنها أخته، وهي ليست أخته من النسب، ولكنها أخته في الإسلام، فهذا من قبيل المعاريض. وقوله: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) أي: على نية المستحلف، فإذا أمره القاضي أن يحلف فعليه أن يحلف بدون تعريض، ولكنه إذا كان مظلوماً، أو كان في أمر فيه مضرة عليه وليس المستحلف محقاً فله أن يعرض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما. تراجم رجال إسناد حديث (يمينك على ما يصدقك عليها صاحبك) قوله: [حدثنا عمرو بن عون] . عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا هشيم] . هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا مسدد] . هو ابن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا هشيم عن عباد بن أبي صالح] . هشيم مر ذكره، وعباد بن أبي صالح هو ابن أبي صالح السمان، ويقال له: عبد الله، وعبد الله اسمه وعباد لقبه، وهو أخو سهيل، وأبوه أبو صالح السمان المشهور الذي يروي عن أبي هريرة كثيراً، وهو لين الحديث، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبيه] . أبوه هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان ولقبه السمان ويقال له: الزيات، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحديث رواه مسلم، فهو حديث صحيح. [قال مسدد: أخبرني عبد الله بن أبي صالح، قال أبو داود: هما واحد؛ عباد بن أبي صالح وعبد الله بن أبي صالح] . يعني: أن في رواية هشيم الأولى قال: عباد بن أبي صالح، وفي رواية مسدد عن هشيم قال: عبد الله بن أبي صالح، ثم قال أبو داود: إنهما شخص واحد، يعني: أن هذا عبر باللقب، وهذا عبر بالاسم، أو هذا أتى بالاسم وهذا أتى باللقب، وهذا من الألقاب التي تؤخذ من الأسماء؛ لأن مثل عباد مأخوذ من عبد الله، ومثل عبد الله بن عثمان المروزي لقبه عبدان، ومثل: عبد الرحمن بن إبراهيم يقال له: دحيم، وهكذا فالألقاب أحياناً تؤخذ من الأسماء، فهنا عباد مأخوذ من عبد الله، ومثله كلمة (العباد) التي أنتسب إليها في نسبي، فأنا يقال لي: عبد المحسن العباد، وذلك أنه اشتهر أحد الأجداد بلقبه: العباد، فحصلت النسبة إلى الجد باللقب، وإلا فاسمه عبد الله، ولكن لقب بالعباد، فهذا الذي في هذا الإسناد هو من هذا القبيل. والتورية هي بمعنى المعاريض، فيعرض ويوري بمعنى واحد. شرح حديث (صدقت المسلم أخو المسلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن أبيها سويد بن حنظلة رضي الله عنه قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا وائل بن حجر رضي الله عنه، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، فخلي سبيله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، قال: (صدقت؛ المسلم أخو المسلم) ] . أورد أبو داود رحمه الله حديث سويد بن حنظلة رضي الله عنه أنهم كانوا في سفر وكان معهم وائل بن حجر، وأنه أخذه عدو، وأن أصحابه الذين كانوا معه تحرجوا أن يحلفوا وأنني حلفت وقلت: إنه أخي، فقال عليه الصلاة والسلام: (صدقت؛ المسلم أخو المسلم) يعني: أخوة الإسلام موجودة، فكونك أتيت بهذا الوصف فهو وصف حقيقي وهو واقع، ولكن المستحلف فهم أنه يقصد أخوة النسب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (صدقت؛ المسلم أخو المسلم) أي: صدقت فهو أخوك، أو الواقع أنه أخوك، لكنها أخوة الإسلام، وليست أخوة النسب، وهذا هو وجه كونه من المعاريض، وهو من جنس قول إبراهيم عليه السلام للجبار: إنها أختي، وهي زوجته، أي: أنها أخته في الإسلام، وهذا من التعريض والتورية. تراجم رجال إسناد حديث (صدقت المسلم أخو المسلم) قوله: [حدثنا عمرو بن محمد الناقد] . عمرو بن محمد الناقد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا أبو أحمد الزبيري] . هو محمد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسرائيل] . هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم بن عبد الأعلى] . إبراهيم بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن جدته] . جدته مجهولة. [عن أبيها سويد بن حنظلة] . سويد بن حنظلة رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة. الحكم على حديث (صدقت المسلم أخو المسلم) هذا الحديث في إسناده هذه المجهولة، وأما قوله: (المسلم أخو المسلم) فهذا ثابت في أحاديث أخرى صحيحة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، التقوى ها هنا) كما في حديث أبي هريرة الطويل في صحيح مسلم، وهو أحد الأربعين النووية، ولكن قوله في هذه القصة: (صدقت المسلم أخو المسلم) لا أعرف شيئاً يدل على هذا اللفظ الذي فيه هذه التورية، والألباني يصحح هذا الحديث، ولكن لا أدري هل التصحيح المقصود به لفظ: (المسلم أخو المسلم) ، فإن هذا صحيح ثابت وليس فيه إشكال، ولكن هذه القصة التي فيها التورية جاءت من طريق سويد بن حنظلة، ولم يرو عنه إلا ابنته وليس له إلا هذا الحديث الواحد، وابنته مجهولة. فإن قيل: الحلف لا يجوز فيه التعريض فكيف حلف هنا على المعاريض؟ ف الجواب أن الحالف ليس له أن يعرض إلا إذا كان مظلوماً كما في هذه القصة، فإن فيها: أنه أخذه عدو فحلف أنه أخوه حتى يخلصه، وهذا تعريض جائز، وعلى هذا فالتعريض فيه تفصيل: إذا كان بحق فليس للإنسان أن يعرض، وإذا كان المستحلف محقاً فليس له أن يعرض كما جاء في الحديث الأول: أن اليمين على نية المستحلف. وأما إذا لم يكن المستحلف محقاً بأن كان ظالماً، فللحالف أن يعرض حتى يتخلص من الظلم، وفي نفس الوقت أيضاً يكون صادقاً في مقاله وابتعد عن الكذب واعتاد الصدق؛ ومثل ذلك قوله: (إنه أخوه) وهو يريد أخوة الإسلام، وهذا كلام صحيح. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [375] الحلقة (407) شرح سنن أبي داود [375] الحلف لا يكون إلا باسم من أسماء الله عز وجل أو صفة من صفاته، والأمانة ليست اسماً من أسماء الله عز وجل ولا صفة من صفاته، لذا لا يجوز الحلف بها، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن حلف بالأمانة أو بملة غير الإسلام، ويكون الوعيد أشد إذا كانت اليمين على كذب، ولا حنث على من قرن اليمين بمشيئة الله تعالى. ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام شرح حديث (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو قلابة أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملكه) ] . قوله: [باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام] كأن يقول: هو يهودي أو هو نصراني إن حصل كذا أو كذا أو إن فعل كذا وكذا، هذا معنى قوله: بملة غير الإسلام وقوله: (بالبراءة) أي: أنه بريء من الإسلام. وقد أورد أبو داود حديث ثابت بن الضحاك وهو ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال) وهذا فيه زجر وفيه وعيد شديد، وليس معنى ذلك أنه يكون كافراً، ولكنه تلفظ بكلام خبيث وقبيح، فهو آثم وإثمه شديد، وسواء كان كاذباً أو صادقاً كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا؛ لأن التلفظ بهذا الكلام لا يجوز لا بكونه صادقاً ولا كاذباً، فكون الإنسان يكذب ويتلفظ بمثل هذا فهو سوء إلى سوء وشر إلى شر، فإذا تلفظ بهذا التلفظ الخبيث ومع ذلك كذب فيكون قد جمع بين خصلتين ذميمتين: كذب ولفظ سيء، وإذا كان صادقاً فإن الصدق محمود ولكن اللفظ مذموم. فقوله: (من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال) معناه: كأن يقول: هو يهودي أو هو نصراني إن فعل كذا وكذا أو إن حصل كذا وكذا. وقوله: (كاذباً) معناه: أنه أتى بهذا الكلام ليؤكده وهو كذب ليس بصحيح، ولكن حتى لو كان صحيحاً فإن الأمر خطير كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا. وقوله: (ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) هذا فيه أن الجزاء من جنس العمل، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة جاء وحديدته بيده يجأ بها نفسه -أي: يقتل بها نفسه- ومن قتل نفسه بسم فإنه يتحساه في نار جهنم) ، أي: أنه يعذب بالشيء الذي قتل نفسه به في الآخرة، وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه وألا يعرضها للتهلكة، كما قال الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] ، فنفس الإنسان ليست ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، وإنما يتصرف في حدود ما هو مأذون له وما هو مشروع له، وقد حرم عليه أن يقتل نفسه، فإذا أقدم على قتل نفسه فإنه يكون بذلك مرتكباً أمراً خطيراً وهو مستحق للعقوبة، ويعذب بالشيء الذي قتل نفسه به، فإن قتل نفسه بحديدة فإنه يوم القيامة يجأ نفسه بتلك الحديدة، وإن قتلها بسم فإنه يتحسى ذلك السم، وإن قتل نفسه برميه نفسه من جبل فإنه يعاقب بمثل ذلك يوم القيامة. وقوله: (وليس على رجل نذر فيما لا يملكه) أي: أن الإنسان ينذر بالشيء الذي يملكه، أما شيء لا يملكه كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر، فليس له ذلك؛ لأنه لا يملكه، فالإنسان لا ينذر إلا في الشيء الذي يملكه، ولا يكون النذر إلا في طاعة، أما شيء لا يملكه الإنسان فليس له أن ينذر به. والنذر أيضاً غير مستحب، فالإنسان لا ينبغي له أن ينذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) وذلك أن الناذر يقول مثلاً: إن شفى الله مريضي أصوم مثلاً شهراً، أو أتصدق بكذا، أو أعتق كذا، فإذا شفى الله المريض فإنه قد يتألم ويتأثر، وهذه الصدقة التي ألزم نفسه بها قد يؤديها وهو كاره ويبحث عن مخرج ليتخلص؛ لأنه لا يريد أن يخرج هذه الصدقة باطمئنان وارتياح، وإنما خرجت منه بكره، فهو قال: إن حصل كذا فعلي كذا، ولما حصل الأمر الذي ذكره كره أن يفعل الأمر الذي نذره؛ لأنه يتعلق بماله أو يتعلق بصحته وصيامه، فتجده يبحث عن المخارج، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وإنما يستخرج به من البخيل) فهو يلزم نفسه وقد كان في عافية قبل أن يلزم نفسه، فالنذر غير مرغب فيه، ولكنه إذا نذر فيلزمه الوفاء، والإنسان يمدح على وفائه، كما قال الله عز وجل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7] أي: أنهم بعد أن ينذروا يوفون، ولكن لا ينبغي النذر، فالإنسان إذا أراد أن يتصدق، فيتصدق بدون أن يعلق صدقته بشيء وبدون أن يعلقها على شيء، وإنما يخرجها لله من أول وهلة، أما كونه يلزم نفسه إن حصل شيء ثم إذا حصل ذلك الشيء كرهت نفسه أن يخرج الشيء الذي نذره، ويبحث عن المخارج والتخلص، فهذا لا ينبغي. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال) قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع] . أبو توبة الربيع بن نافع ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا معاوية بن سلام] . معاوية بن سلام ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن أبي كثير] . هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني أبو قلابة] . هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن ثابت بن الضحاك أخبره] . ثابت بن الضحاك رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (من حلف فقال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين -يعني ابن واقد - حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً) ] هذا يدل على خطورة مثل هذا الكلام؛ سواء كان صادقاً أو كاذباً، وأنه سواء إن كذب أو صدق، ولكنه إن كذب ينضاف إلى إثم القول الشنيع والقول السيئ إثم الكذب، وإذا كان صادقاً فإتيانه بهذا اللفظ السيئ مضرة عليه؛ لأن اللفظ نفسه شنيع وقبيح ولا يجوز للإنسان أن يأتي به. فمن حلف بذلك فهو آثم على كل حال؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (فإن كان كاذباً فهو كما قال) وذلك مثل أن يقول: هو يهودي أو نصراني. (وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً) أي: لن يبقى على ما كان عليه قبل أن يقول هذه المقالة؛ لأن هذه الكلمة خبيثة يعاقب على قولها ولو كان صادقاً. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف فقال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وهو الإمام ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زيد بن الحباب] . زيد بن الحباب صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا حسين يعني ابن واقد] . حسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه] . عبد الله بن بريدة وأبوه قد مر ذكرهما. الأسئلة خطورة الحلف بملة غير الإسلام السؤال ألا يكون قوله: (فلن يرجع إلى الإسلام سالماً) أمارة على خروجه من الإسلام وكفره بحلفه بملة غير ملة الإسلام، وأن حلفه بالبراءة من الإسلام يقضي بكفره الأكبر وإن لم يرد حقيقة البراءة؟ الجواب الذي يبدو أن هذا إنما هو زجر، وهو مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه: يا كافر فإن كان كذلك وإلا حار عليه) فالذي قالها لا يكون كافراً بمجرد أنه قالها لإنسان غير كافر، وإنما المعنى: أنه يعود عليه مغبة ذلك وإثمه. وإذا حلف بذلك كاذباً فإنه يكون أشد مما لو كان صادقاً، ومعلوم أن كونه يقول هذا الكلام ويكذب أسوأ وأعظم من كونه يقول ذلك ويصدق؛ لأنه جمع بين خصلتين ذميمتين: الأولى: أنه تكلم بكلام قبيح، والثانية: أنه كذب، وأما هذا فتكلم بكلام صحيح وصدق. والذي يصرف الحديث عن ظاهره يقول: إن هذا من جنس أحاديث الوعيد التي فيها التهديد والتخويف، مثل الحديث الذي ذكرنا: (من قال لأخيه: يا كافر فإن كان كذلك وإلا حار عليه) . حكم العمليات الاستشهادية السؤال في قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) تأتي أسئلة منها: ما هو الموقف الصحيح تجاه ما نسمعه مما يسمى بالعمليات الاستشهادية أو الانتحارية في مقابلة الكفار: هل يثنى على هذه الأعمال أم أننا نحذر منها؟ فإن بعض الناس يقول: إن الذي يفجر نفسه مع مجموعة من الكفار يكون شهيداً، فهل هذا صحيح؟ الجواب الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء:29] ومعلوم أن من فعل ذلك فإنه قاتل لنفسه، فقتال الكفار مأذون فيه، ولكن كون الإنسان يقتل نفسه غير مأذون فيه، فقتلهم يكون بغير قتل النفس، وأما أن يقتلهم بقتل نفسه فإن ذلك غير سائغ، وهذا لا يقال له: استشهاد، وإنما يقال له: انتحار وقتل نفس. حكم من قتل نفسه بشرب الدخان السؤال الذي يشرب الدخان ويكون سبباً في موته هل يعتبر قاتلاً لنفسه ويعذب به يوم القيامة في النار أم لا؟ الجواب هذا محتمل؛ لأنه إذا كان قتل نفسه بالدخان أو بأي شيء فإنه يعذب به؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) عام. حكم الرجل يحلف ألا يتأدم شرح حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال هذه إدام هذه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يحلف ألا يتأدم. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن العلاء عن محمد بن يحيى بن حبان عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه) ] . قوله: [باب الرجل يحلف ألا يتأدم] ، أي: أنه إذا حلف ألا يستعمل إداماً ثم استعمل إداماً، فيكون قد حلف فتلزمه الكفارة، لكن ما هو الإدام؟ لم يورد أبو داود حديثاً فيه حلف على ألا يأتدم، وإنما فيه تسمية التمر بأنه إدام، ومعنى ذلك: أنه إذا أضاف التمر إلى الخبز الذي هو الطعام فإنه يعتبر إداماً له، والمشهور: أن الإدام هو مثل الزيت والسمن، واللحم، ونحو ذلك، ولكن ذكر هنا أن التمر يؤتدم به سواء كان مخلوطاً مع الطعام أو متميزاً عنه ما دام أنه يؤتدم به، فالحديث ليس فيه ذكر حلف وإنما فيه ذكر تسمية التمر أنه إدام. والحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من اتهم بالوضع فهو غير ثابت، ولكن إذا حلف الإنسان ألا يأتدم وكان حلفه على قضية معينة فله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، فإذا حلف على ألا يأكل إداماً فإنه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، والحديث هنا ليس فيه شيء فيه حلف، ولكن فيه تسمية التمر إداماً، وهو غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال هذه إدام هذه) قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] . هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة. [حدثنا يحيى بن العلاء] . يحيى بن العلاء متهم بالوضع، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة. [عن محمد بن يحيى بن حبان] . محمد بن يحيى بن حبان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يوسف بن عبد الله بن سلام] . يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. طريق أخرى لحديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال هذه إدام هذه) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن محمد بن أبي يحيى عن يزيد الأعور عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما مثله] . يعني: أنه وضع تمرة على كسرة فقال: (هذه إدام هذه) . قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] . هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا عمر بن حفص] . هو عمر بن حفص بن غياث وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [حدثنا أبي] . أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن أبي يحيى] . محمد بن أبي يحيى صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة. [عن يزيد الأعور] . يزيد الأعور مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل. [عن يوسف بن عبد الله بن سلام] . يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قد مر ذكره. الاستثناء في اليمين شرح حديث (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستثناء في اليمين. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى) ] . قوله: [باب الاستثناء في اليمين] ، الاستثناء في اليمين هو أن يقول: والله! إن شاء الله، أي: أنه يضيف ذلك إلى مشيئة الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله فإن الأمر واسع، ولا يعتبر حانثاً؛ لأن الذي يقع هو الذي شاءه الله إما هذا وإما هذا، فإذا قال الإنسان في حلفه: والله إن شاء الله لأفعلن كذا وكذا ولم يفعل، فليس عليه كفارة ولا يعتبر حانثاً؛ لأنه أضاف ذلك إلى مشيئة الله. وقوله: (من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى) أي: أنه يقول: إن شاء الله بعد اليمين بشرط أن يكون متصلاً، لا أن يكون بين الحلف والاستثناء مدة، وإنما إذا كان متصلاً بأن قال: والله! ثم قال بعدها: إن شاء الله، فهذا هو الاستثناء الصحيح، ولا يضر إذا كان الفصل للتنفس أو السعال أو العطاس أو شيء منعه من الاستثناء فإنه يعتبر متصلاً، أما كونه يحلف ثم بعد مدة يقول: إن شاء الله، فهذا لا ينفع؛ لأن الاستثناء لا بد أن يكون متصلاً، ولا مانع أن يلقن الاستثناء بأن يقول: والله! فيقال له: قل: إن شاء الله، فقال إن شاء الله، فإذا لقن فلا بأس، كما جاء في قصة سليمان بن داود حين قال: (والله! لأطوفن الليلة على تسعين امرأة. فقيل له: قل: إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله) الحديث. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان] . سفيان هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأحمد لا يروي عن الثوري؛ لأن الثوري متقدم الوفاة؛ فقد توفي سنة (161هـ) والإمام أحمد توفي سنة (241هـ) . [عن أيوب] . هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع] . هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر] . هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى ومسدد وهذا حديثه قالا: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث) ] . أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف فاستثنى) أي: قال: إن شاء الله (فإن شاء رجع) أي: رجع عن اليمين، (وإن شاء ترك غير حنث) . أي: لا يعتبر ذلك حنثاً ولا يعتبر حالفاً، سواء فعل أو لم يفعل. تراجم رجال إسناد حديث (من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث) قوله: [حدثنا محمد بن عيسى ومسدد] . محمد بن عيسى ومسدد مر ذكرهما. [وهذا حديثه] . أي: حديث مسدد الذي هو الشيخ الثاني. [قالا: حدثنا عبد الوارث] . هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب عن نافع عن ابن عمر] . أيوب ونافع وابن عمر قد مر ذكرهم. الأسئلة صيغة الحلف بالأمانة السؤال ما هي صيغة الحلف بالأمانة؟ وهل قول الرجل: بأمانة -يعني: بصدق- فيها شيء؟ الجواب صيغتها: أن يقول: بالأمانة مثل قوله: بالله أو والله، هذه هي صيغة الحلف بالأمانة. وأما إذا قال الرجل لآخر: بأمانة، ومقصوده: أني أأمنك، أو أنك تصدقني فيما تقول وأن هذا شيء أنت مؤتمن عليه، ولم يرد صيغة الحلف؛ فهذا لا شيء فيه، لكن كونه يحلف ويقول: بالأمانة أو والأمانة فهو مثلما يقول: والله وبالله. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الحكم على حديث عائشة في تفسير لغو اليمين السؤال حديث عائشة في تفسير لغو اليمين الذين رووه مرفوعاً هم دون من رووه موقوفاً، ألا يمكن أن يكون رفعه خطأً من بعض الرواة وأن الصواب مع من وقف؟ الجواب كل منهما صحيح؛ لأن الرفع زيادة ثقة، فهي مقبولة، ولا تنافي بينهما؛ لأن هذا ثابت وهذا ثابت. حكم الحلف في المعاريض من دون طلب السؤال هل تجوز اليمين في المعاريض دون طلب اليمين؟ الجواب استعمال اليمين من غير حاجة لا ينبغي، والإنسان يحرص على ألا يستعمل اليمين، ولا يعود نفسه على كثرة الحلف، لا سيما إذا لم يطلب منه، أما إذا طلب منه اليمين وكان الطالب محقاً فهذا يتعين عليه. التعريض بعدم وجود مال لمن عرف بعدم الوفاء السؤال جاءني شخص يريد أن يستقرض مني مبلغاً، وأنا أعرف أنه لن يرده، فقلت معرضاً: إنه لا يوجد عندي هذا المبلغ في البيت، مع أن المبلغ موجود في البنك، فهل تعريضي هذا صحيح؟ الجواب تعريضك صحيح؛ لأنك تعرف أنه لن يرده، وأنت تريد أن تتخلص منه. حكم الاستثناء في الوعد السؤال ما حكم قول الإنسان عند الوعد: إن شاء الله، حتى يسلم إن لم يف؟ الجواب على الإنسان أن يحرص على أن يفي بوعده إذا وعد، وإذا أضاف إليه (إن شاء الله) فيمكن أن يكون ذلك من باب الجزم والتحقيق والتأكيد وليس التعليق، أي: أن الإنسان عندما يقول: إن شاء الله ليس معناه: أنه إن شاء وفى بالوعد وإن شاء لم يف، بل على الإنسان أن يفي بالوعد. دخول قاتل نفسه تحت المشيئة وحكم الصلاة عليه السؤال من قتل نفسه هل هو داخل تحت المشيئة؟ وما حكم الصلاة عليه؟ الجواب لا شك أنه داخل تحت المشيئة؛ لأن كل من لم يكن كافراً فهو تحت المشيئة، وإنما الذي لا يدخل تحت المشيئة هو الشرك؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فالشرك هو الذي لا يغفر، ولا يدخل تحت المشيئة؛ لأن الله شاء أن يعذب المشرك في النار أبد الآباد، لا يخرج منها أبداً، وأما من فعل ما دون الشرك فهو تحت المشيئة إن شاء عفا الله عنه ولم يعذبه، وإن شاء عذبه، ولكن إذا عذبه لا يخلده في النار، بل يخرجه منها ويدخله الجنة، فكل من مات غير مشرك ودخل النار فإنه لا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة، وقد لا يدخل النار إذا تجاوز الله وعفا عنه. وأما الصلاة فيصلى عليه، ولكن ينبغي أن يتخلف عن الصلاة عليه بعض من لهم شأن ومنزلة؛ حتى يكون في ذلك ردع وزجر لغيره، لكن لا تترك الصلاة عليه نهائياً. حال حديث (من حلف واستثنى لم يحنث ولو بعد عام) السؤال ما مدى صحة حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (من حلف واستثنى لم يحنث ولو بعد عام) الجواب لا أعتقد أنه يصح عن ابن عباس؛ لأن كونه يستثني بعد عام معناه: أن كل يمين يمكن أن يتخلص من كفارتها عند الحنث، ولن تبقى هناك يمين مكفرة أبداً، فما دام أنه بعد مدة طويلة يقول: إن شاء الله إذاً: كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها) وفيه شيء يخلص منها وهي كلمة: إن شاء الله؟! فهذا الحديث لا أدري عن صحته، ولا أعتقد أنه يصح عن ابن عباس. النذر لا يغير من قضاء الله السؤال هل يغير النذر من قضاء الله شيئاً؟ الجواب النذر لا يغير من قضاء الله، بل الذي قضاه الله وقدره يقع، سواء نذر أو لم ينذر، فإذا شفى الله عز وجل مريضهم فإن هذا شيء قد كتبه الله، وإذا لم يشفه فهو مقدر أيضاً، فالقضاء والقدر قد كتب في اللوح المحفوظ، فلا يغيره نذر الإنسان، وإنما الذي قضاه الله عز وجل وقدره واقع، فإن كان في قضاء الله وقدره أنه يشفي مريض الناذر شفي، وإن كان في قدر الله أن مريضه يموت مات. حكم الرجوع في النذر السؤال من نذر أن يصوم ثلاثة أيام كلما عصى الله ولم يستطع فهل يمكنه الرجوع في النذر؟ وما هي الكفارة؟ الجواب إذا كثرت عليه وصارت كثرتها تؤثر عليه بأن يصير ذلك مثل صيام الدهر فكفارته كفارة يمين، لكن على الإنسان أن يلتزم بالشيء الذي التزمه من أول وهلة، لا أن يهمل حتى تتجمع عليه أشهر ثم يذهب يبحث عن مخرج. حكم خروج الطالب من فصله إلى فصل آخر السؤال هل يجوز للطالب أن يخرج من فصله إلى فصل آخر غير فصله لحضور مجلس أحسن من الحصة في فصله؟ الجواب ليس له ذلك؛ لأن المسئولين رتبوا هذه الفصول، وأتوا بالمدرس ليدرس في هذا المكان الطلاب الذين خصص لهم هذا الدرس، وكلف المدرس بأن يحضر، فعليهم أن يلتزموا بالحضور، وليس لهم أن يذهبوا إلى مكان آخر؛ لأن هذا هو المطلوب منهم، وهذا هو الشيء الذي بني عليه تنظيم الدراسة، فليس الإنسان مخيراً فيها، ولو كل واحد فعل هذا لبقي المدرس بدون طلاب. حكم ارتداء العروس للفستان الأبيض المخرز بخرز سكري السؤال هل يجوز للعروس أن ترتدي الفستان الأبيض المخرز بخرز سكري ليلة العرس؟ الجواب الابتعاد عن الأشياء المستوردة وتقليد الأعداء والكفار بما كان من عاداتهم ومن أفعالهم هو المطلوب. الفرق بين من حكم بغير من أنزل الله مستحلاً وغير مستحل السؤال هل هناك فرق بين من حكم بغير ما أنزل الله في مسألة واحدة وبين من وضع قوانين تخالف شرع الله عز وجل يرجع إليها؟ الجواب إذا حكم في مسألة واحدة مستحلاً ذلك ومعتقداً أن هذا حلال فهو كافر، وكذلك إذا حكم في مسائل كثيرة وهو مستحل لذلك فهو كافر، وإن كان وضع هذه النظم معتقداً أن الشريعة لا تصلح وأن النظم هذه هي التي تصلح فهذا كفر، أما إذا كان يعتقد أنه مخطئ وآثم، وأن عمله غير صحيح، فهذا كفر دون كفر، ولا فرق بين مسألة ومائة مسألة. سبب اعتذار إبراهيم عليه السلام عن مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة السؤال الكذبات التي قالها إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم من باب المعاريض، فلماذا يعتذر بهذه الكذبات عن مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة؟ الجواب لأن الأنبياء كما هو معلوم هم أفضل الناس وأعلى الناس، والشيء وإن كان ليس على حقيقته، ولكنهم يرون ذلك عظيماً وإن كان يسوغ لهم فعله، وأنه من باب المعاريض، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو خليل الرحمن الذي اتخذه الله خليلاً، وهذا من كماله وتواضعه لله عز وجل. وقت قول الإنسان بعد المؤذن وأنا أشهد أن محمداً رسول الله السؤال متى يقول الإنسان إذا سمع المؤذن: وأنا أشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً؟ الجواب عند شهادة أن محمداً رسول الله. بيان أن الأولى ترك المعاريض الموهمة السؤال قول بعض السلف: إنه أصبح يكره الحق، ويحب الفتنة، ويصلي بغير وضوء. والمقصود: الموت والأولاد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذه تعتبر من المعاريض؟ وهل يجوز حكاية مثل هذه الأقوال؟ الجواب مثل هذه الأشياء بعد توضيحها وبيانها يتبين أن صاحبها ليس كما يتبادر إلى السامع، ولكن كون الإنسان يبتعد عن مثل ذلك ويعود نفسه السلامة من مثل هذا الكلام لا شك أنه خير. كيفية معاملة الرجل لزوجته التي لا تستجيب لفراشه السؤال لدي زوجة وإذا طلبتها للفراش لا تأتي ولو خوفتها، فماذا يجب علي؟ الجواب الرسول صلى الله عليه وسلم بين الوعيد الشديد في حق من كان هذا حالها، فإذا كان يمكنه الاستفادة منها وإلا فإنه يسرحها ويتخلص منها. متى يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم السؤال قول: الصلاة خير من النوم هل يقال في الأذان الأول أو الثاني؟ الجواب يقال في الأذان الذي عند دخول الوقت؛ لأن هذا هو الوقت الذي ليس للناس أن يناموا فيه، وأما الأذان الأول فهو كما جاء في الحديث أنه لأجل أن يوقض النائم ويرجع القائم، وقد قال بعض أهل العلم: إن المقصود بالأذان الأول: الأذان الثاني بالنسبة للإقامة، فإنه أول بالنسبة للإقامة، ولهذا جاء أن الأذان الذي أتى به عثمان بن عفان رضي الله عنه قالوا له: الأذان الثالث، أي: الثالث بالنسبة للإقامة والأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة) أي: الأذان والإقامة. حكم زيادة الثقة السؤال ما رأيكم في قول من يقول: إن المتقدمين يكادون أن يجمعوا على أن زيادة الثقة لا تقبل؟ الجواب زيادة الثقة كالحديث المستقل، ومعلوم أن من الرواة من يحدث بما حفظ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والزيادة في الحديث كرواية حديث مستقل، فلو أنه روى حديثاً مستقلاً قُبل منه، فكذلك إذا روى وحفظ أكثر مما حفظه غيره فإنه يقبل، والزيادة من الثقة مقبولة معروفة، لكن كونه بهذا الوصف الذي ذكره أن المتقدمين يكادون يجمعون، وأن الأكثرية على أن زيادة الثقة لا تقبل، هذا لا أعتقد أنه صحيح. حكم سب الدين السؤال من سب الدين ولم يرد بذلك الخروج من الدين، فهل حكمه مثل حكم من قال عن نفسه: إنه بريء من هذا الدين؟ الجواب الذي يسب الله عز وجل أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو يسب دين الإسلام ظاهره الكفر، وليس مثل من قال هذا الكلام الذي يقوله عند الغضب: إنه يهودي أو نصراني، فكونه يسب الله عز وجل الذي هو رب العالمين وخالق لكل شيء هذا كفر، وكذلك إذا سب الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رسالته أعظم منة امتن الله تعالى بها على المسلمين، ولهذا كانت محبته أعظم من محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين، فالذي يبدو أن هذا ليس مثل هذا. والله أعلم. |
الساعة الآن : 02:45 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour