رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [362] الحلقة (394) شرح سنن أبي داود [362] لقد نهى الشرع عن الورود على البلاد التي أصابها داء الطاعون، كما نهى من كان فيها أن يخرج منها حال الوباء، وهذا النهي فيه من الفوائد والحكم الشيء الكثير من الناحية العقدية والطبية. كما نهى الشرع العبد المسلم أن يتمنى الموت أو يدعو به؛ لأنه لا يدري على ماذا سيقدم عليه إن مات، فربما يفر من مصائب الدنيا إلى ما هو أشد وأعظم من ذلك من عذاب القبر وفتنته، فعلى المسلم أن يصلح عمله وأن يتوب إلى الله، فالحسنات يذهبن السيئات. الخروج من الطاعون شرح حديث (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخروج من الطاعون. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، يعني: الطاعون) ] . ثم أورد أبو داود باب: الخروج من الطاعون، يعني: بسبب الطاعون، وهو وباء يكون مثل الموت العام، فيخرج من بلده فرراً من الطاعون، فهذا هو المقصود من الترجمة، والخروج من أجل الطاعون غير سائغ؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا وقع الطاعون في بلد فمن كان خارج البلد فلا يقدم عليه، ومن كان في داخل البلد فلا يخرج فراراً منه) . والمقصود: أنه لا يخرج فراراً من الطاعون، وأما إذا جاء لمهمة وانتهت مهمته ويريد أن يخرج إلى بلده وليس قصده الفرار، فلا بأس بذلك، ولا يلزمه أن يبقى؛ لأن المنع إنما هو من أجل الفرار منه، وأما الخروج من بلد الطاعون لانتهاء المهمة مثلاً فلا بأس به، فالتقييد بقوله: (فراراً منه) يدل على أنه ليس كل خروج يكون ممنوعاً منه، وإنما الخروج الممنوع هو ما كان على وجه الفرار. فإذا كان الإنسان خارج البلد فلا يقدم عليه؛ لئلا يعرض نفسه للخطر، وعليه أن يأخذ بأسباب النجاة، ويتوقى أسباب الهلاك والضرر، وإذا كان في ذلك البلد فإنه لا يخرج منه، وإنما يتوكل على الله عز وجل ويبقى، ثم قد يترتب على خروجه إذا كان مصاباً بذلك المرض أن ينشره إلى الآخرين الذين لم يكونوا في بلد الطاعون. وهذا الحديث جاء عن عبد الرحمن بن عوف، وجاء عن غيره الصحابة. ولتحديث عبد الرحمن بن عوف بهذا قصة، وهي: أن عمر رضي الله عنه لما وقع الطاعون في الشام كان في طريقه إلى الشام، وفي أثناء الطريق لقيه أبو عبيدة وأمراء الأجناد، فكان منهم من يطلب منه أن يقدم على الشام وأن يواصل السير إليها؛ حتى ينتهي من مهمته، وبعضهم يرى أنه لا يدخلها؛ لئلا يعرض نفسه ومن معه من الصحابة للهلاك، فما كان من عمر إلا أن استشار المهاجرين الذين كانوا متواجدين معه، فانقسموا قسمين: فمنهم من يقول: ارجع، ومنهم من يقول: ادخل، ثم استشار الأنصار، فانقسموا قسمين: فمنهم من يقول: ادخل، ومنهم من يقول: ارجع، ثم استشار مُسلمة الفتح، فكان رأيهم أن يرجع، فكان الرأي الذي استقر عليه هو أن يرجع، فقال رضي الله عنه: (إني مصبح على ظهر) أي: إني في الصباح سأركب بعيري وأرجع إلى المدينة، وكان أبو عبيدة رضي الله عنه ممن يرى الدخول وعدم الرجوع، فقال لـ عمر: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه موجوداً، ولكنه لم يكن موجوداً حال المحاورة، ولعله ذهب في مهمة، فلما جاء وعلم بالمحاورة التي حصلت قال رضي الله عنه: عندي فيها علمٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الحديث، فبلغ ذلك عمر فَسُر وفرِح بذلك؛ لأن اجتهاده وقع مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يعتبر من موافقة عمر للحق، فقد كان يقول القول في أمر ما فيكون مطابقاً للسنة، وكان ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، فقد أشار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بأمور متعددة فنزل الوحي مطابقاً لمشورته، وحصل أيضاً بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، لكن هذا لا يعني أن يكون الحق معه دائماً، وأن كل قول يقوله ويخالف غيره فإن الحق معه، ففي بعض المسائل قد يكون الحق مع غيره، ومن ذلك: مسألة ميراث الجد مع الإخوة، فإن أبا بكر وبعض الصحابة رضي الله عنهم يرون أنه أب، لذلك فإنه يحجب الإخوة فلا يرثون معه، وكان عمر رضي الله عنه يرى أنهم يشتركون مع الجد في الميراث، والدليل مع أبي بكر رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) ، والجد أولى من الإخوة. أن كل مرض يكون فيه موت عام فحكمه حكم الطاعون، والنهي في الحديث للتحريم. إذا منع ولي الأمر من الخروج من هذا البلد الذي وقع فيه هذا الوباء فيستجاب قوله، ولو كان للشخص عمل في تلك البلد ثم انتهى عمله وأراد الخروج منها لا فراراً منه، فإنه يستجيب لكلام ولي الأمر ويبقى. والمنع من الخروج من بلد الوباء مقيد بالفرار من الوباء، ولا يقال: إنه خرج مخرج الغالب، بل هو تعليل لا يهمل، ولا يقال أيضاً: إن النهي هو لتفادي العدوى، فإذا كان الرجل في بلد الطاعون وليس فيه عدوى فإنه يجوز له أن يفر من تلك البلد، لأنا نقول: إن العدوى -كما هو معلوم- بالنسبة للبلد الذي فيه الوباء أمرها واضح؛ لأن المرض موجود، ولكن ليس موجوداً في كل أحد، فقد يكون شخص منهم سلم من الطاعون، وليس كل من في البلد قد أصابهم الطاعون، فلا يخرج منه أحد فراراً بحجة أنه لم يصب بالعدوى، فقد يكون مصاباً وهو لا يدري، وعلى كل فالتعليل الشرعي قد منع الخروج فراراً منه، وإلا فإنه لا يلزم أن يكون كل الذين في البلد قد أصابهم الطاعون، وإذا خرج قد لا يكون فيه عدوى، ولكن يحتمل أن يكون فيه هذا المرض. وقد مات أبي عبيدة رضي الله عنه في طاعون عامواس، وقد كان من أمراء الأجناد الذين كانوا في الشام، وقد جاءوا لاستقبال عمر ومرافقته، فلا أدري هل رجع أو لا، فكونه توفي في طاعون عمواس هذا معروف، ولكن هل هو طاعون عمواس الذي كان في خلافة عمر في سنة ثمانِ عشرة؟ لا أدري. تراجم رجال إسناد حديث (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) قوله: [حدثنا القعنبي] . هو القعنبي عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة. [عن مالك] . هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب] . هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب] . عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل] . عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [عن عبد الله بن عباس] . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [عن عبد الرحمن بن عوف] . عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صحابي، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة شرح حديث (اللهم اشف سعداً وأسلم له هجرته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا الجعيد عن عائشة بنت سعد أن أباها رضي الله عنه قال: اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني، ثم قال: (اللهم! اشفِ سعداً وأسلم له هجرته) ] . ثم أورد أبو داود باب: الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة، أي: أنه يدعو له عندما يعوده. وعيادة المريض تشتمل على فوائد منها: أن يدعو له، وأنه يؤنسه ويدخل السرور عليه. وأورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه قال: (اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني وقال: اللهم اشفِ سعداً!) ، وهذا هو محل الشاهد منه، فإنه دعا له بالشفاء. وقوله: (وأتم هجرته) أي أنه دعا له بألا يموت في البلد الذي هاجر منه، وقد كانوا يحرصون على ألا يموتوا في دار هجرتهم التي تركوها من أجل الله، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين في الحج أن يغادروا مكة، وألا يبقوا فيها بعد الحج. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اشف سعداً وأسلم له هجرته) قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] . هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا مكي بن إبراهيم] . مكي بن إبراهيم ثقة من كبار شيوخ البخاري، ومن الذين أخرج عنهم الثلاثيات، وعدد ثلاثيات البخاري في الصحيح اثنان وعشرون حديثاً، وقد رواها عن عدد قليل من شيوخه، منهم: مكي بن إبراهيم هذا، ومنهم أبو عاصم النبيل، فشيوخه في الثلاثيات قليلون جداً. [عن الجعيد] . الجعيد، ويقال له: الجعد بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن عائشة بنت سعد] . هي عائشة بنت سعد بنت بن أبي وقاص، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن أبيها] . وهو سعد بن أبي وقاص رضي تعالى الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ووضع يده على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني] فيه دليل على أن الإنسان إذا زار مريضاً فإنه يُشرع له أن يلمس جسده وأن يمسح عليه؛ لأن هذا فيه إيناس له، وليس هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم للبركة التي فيه، بل يجوز لكل أحد أن يلمس جسد المريض، وأن يلمس جبهته لينظر هل هناك حرارة أو لا؛ حتى يطمئن ويرتاح. وأما بالنسبة للبركة والتبرك فهذا لا يكون إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يمسح من أجل تحصيل البركة، وأما إذا كان من أجل الاطمئنان على المريض وسلامته فلا بأس بذلك لكل أحد. شرح حديث (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن كثير، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني) . قال سفيان: والعاني: الأسير] . ثم أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أطعموا الجائع) أي: الجائع المحتاج إلى الطعام، فهذا مأمورٌ بإطعامه. وقوله: (وعودوا المريض) وهذا أمر بالعيادة، لذلك من أهل العلم من قال: إنها واجبة على الكفاية بناء على هذا الحديث، ومنهم من قال: إنها مستحبة، وقوله: (وفكوا العاني) العاني: هو الأسير، فالأسير يفك إذا أسَره الكفار، وذلك إما بدفع مقابل لتخليصه منهم، أو بمقابلته بمأسور من الكفار، أي: على سبيل المبادلة. وليس في الحديث شيء يدل على الترجمة السابقة، وهي: الدعاء بالشفاء عند عيادة المريض. [قال سفيان: والعاني: الأسير] . وقد ذكرنا هذا. والأوامر في قوله: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض) للوجوب، ولكنه على الكفاية، فإذا وجد من يقوم بذلك حصل المقصود. وأما عيادة المريض فكما قلت إن العلماء قد اختلفوا في ذلك: فمنهم من قال: إنها مستحبة، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية كإطعام الجائع، وفك العاني. تراجم رجال إسناد حديث (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني) قوله: [حدثنا ابن كثير] . هو: محمد بن كثير، وقد مر ذكره. [حدثنا سفيان] . هو سفيان بن سعيد الثوري، وقد مر ذكره. [عن منصور عن أبي وائل] . منصور مر ذكره، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي موسى الأشعري] . أبو موسى الأشعري مر ذكره. الدعاء للمريض عند العيادة شرح حديث (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الدعاء للمريض عند العيادة. حدثنا الربيع بن يحيى حدثنا شعبة حدثنا يزيد أبو خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الدعاء للمريض عند عيادته، والدعاء ههنا مطلق، وأما في الترجمة السابقة فهو مقيد بالشفاء، والأحاديث التي أوردها أبو داود في هذه الترجمة هي في الدعاء بالشفاء، فهي صالحة في الترجمة السابقة، والترجمة هنا ذكرها مطلقة، والأولى أن يأتي بها مقيدة، أو أن يأتي بأحاديث تدل على الترجمة، حتى تناسب المقام والترجمة. قوله: (من عاد مريضاً لم يحضر أجله) أي: أن المريض إذا حضر أجله فلا ينفع فيه أي سبب من الأسباب. وقوله: (إلا شفاه الله) هذا إذا كان المريض لم يحضر أجله، وأما إذا كان المريض قد حضر أجله فلا ينفع فيه ذلك، ولا يحصل له الشفاء من ذلك المرض، بل يحصل له الموت الذي قدر الله تعالى أن يكون له، فلا يستأخر عن وقته ولا يتقدم. ويجوز أن يقول هذا الدعاء سراً وجهراً، فكل ذلك سائغ، ولكن إذا أسمع المريض فهو الأولى والأفضل؛ لأن فيه إدخال السرور عليه، وليس هناك دليل يدل على أن المريض يدعو بهذا الدعاء لنفسه، لكن له أن يسأل الله الشفاء. تراجم رجال إسناد حديث (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات) قوله: [حدثنا الربيع بن يحيى] . الربيع بن يحيى صدوق له أوهام، أخرج له البخاري وأبو داود. [حدثنا شعبة حدثنا يزيد أبو خالد] . هو يزيد أبو خالد الدهلاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن. [عن المنهال بن عمرو] . المنهال بن عمرو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن. [عن سعيد بن جبير] . سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس] . ابن عباس مر ذكره. شرح حديث (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك!) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا ابن وهب عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك؛ ينكأ لك عدواً، أو يمشي لك إلى جنازة) . قال أبو داود: وقال ابن السرح: إلى صلاة] . أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم! اشف عبدك؛ ينكأ لك عدواً، ويمشي لك إلى جنازة) ، وفي رواية: (إلى صلاة) أي: أنه يمشي إلى الصلاة على جنازة، وهذا الحديث يدل على الدعاء للمريض بالشفاء. قوله: (ينكأ لك) أي: يحدث منه نكاية في العدو، وذلك إذا شفاه الله ثم حصل منه جهاد أو غير ذلك، فإنه يفيد في النكاية في العدو. تراجم رجال إسناد حديث (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك!) قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي] . يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [حدثنا ابن وهب] . هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حيي بن عبد الله] . حيي بن عبد الله صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [عن أبي عبد الرحمن الحُبلي] . هو: عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن والحُبلي هذا سبق أن مر ذكره، وقد كنا نبحث عن ضبطه: هل هو الحُبُلِّي أو الحُبُلِي، ولم نهتدِ إلى شيء. [عن ابن عمرو] . هو: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود: وقال: ابن السرح] . هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. الأسئلة تدريس ووعظ النساء من وراء حجاب السؤال خطيب مسجد طُلب منه تدريس ووعظ النساء في مكان خاص بالمسجد، وهو يستنصح الشيخ في طريقة تدريسهن: هل يدرسهن من وراء حجاب أم كفاحاً، مع العلم أن معظم الحاضرات كاشفات الوجه، لاقتناعهن بجواز ذلك، وهل التدريس من وراء حجاب كان من هدي السلف؟ الجواب النظر إلى النساء غير سائغ، ونظر النساء إلى الرجال غير سائغ أيضاً، وقد جاء في الحديث: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) ، والتدريس من وراء حجاب هو الذي يحصل به المقصود، ويندفع به المحذور، وأما الشيء الذي كان عليه السلف فما أذكر شيئاً الآن، ولكن الذي نعلم أن السلف كانوا على أحسن حال، وعلى أتم احتياط، وكانوا أحرص الناس على كل خير، ولا شك أن كل شيءٍ فيه بُعد عن المحذور فهم أولى الناس به، وأحق الناس باتباعه، فعلى هذا الأخ أن يدرس النساء من وراء حجاب. الأطفال ودخول الجنة السؤال إذا مات الطفل قبل سن البلوغ فهل يجوز لنا أن نقول بأنه من أهل الجنة، وإذا جاز فهل هو خاص بأولاد المسلمين أم أنه يشمل أولاد المسلمين وأولاد الكفار؟ الجواب بالنسبة لأولاد المسلمين هم تبع لآبائهم، لكن لا يجزم لهم بذلك؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على المنع من ذلك، فقد قالت عائشة رضي الله عنها عن طفل مات: عصفور من عصافير الجنة، فمنع الرسول من ذلك. وأما بالنسبة لأولاد الكفار، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن أولاد الكفار قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ، وهذا يفيد بأنهم يُمتحَنون يوم القيامة، وإلا فإنهم تابعون لآبائهم في الحكم من ناحية الوراثة وغيرها، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) يعني: فآباؤهم يصرفونهم عن الفطرة، ويكونون على ما كان عليه آبائهم إلا أنهم غير مكلفين، فيحصل لهم إذاً امتحان يوم القيامة، وعلى ضوء نتيجة ذلك الامتحان يكون مآلهم: إما إلى جنة، وإما إلى نار، ومثلهم في ذلك الذين لم تبلغهم الدعوة، فإنهم يمتحنون يوم القيامة، وقد ذكر العلماء ذلك عند قوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:15] . حكم عيادة المبتدع السؤال هل تجوز عيادة المبتدع والكافر؟ الجواب سبق أن مر بنا عيادة الذمي في الدرس الماضي، وأنه إذا كان من وراءها مصلحة كأن يُدعى إلى الإسلام فإنها سائغة، وإذا لم يكن من ورائها مصلحة فإنه لا يزار، هذا بالنسبة للكافر، وأما بالنسبة للمبتدع فإذا جلس معه وبين له منهج أهل السنة والجماعة، وأنه يجب عليه أن يترك ما هو عليه من بدعة؛ ليختم له بخير، فلا شك أن هذا أمرٌ مناسب ومرغوب فيه. طهور إن شاء الله: دعاء أم إخبار؟ السؤال قوله صلى الله عليه وسلم للمريض: (لا بأس طهور إن شاء الله) ، هل هو من قبيل الدعاء أو أنه إخبار؟ الجواب يبدو أنه إخبار، وأن التطهير يحصل إن شاء الله. العمرة عن الأب الحي السؤال هل يجوز للولد أن يعتمر عن أبيه الحي الذي لا يستطيع ذلك؛ لعدم توفر المال، مع العلم أن الولد يسكن في المملكة؟ الجواب لا يُعتمر ولا يُحج عن أحدٍ حي إلا في حالتين اثنتين: إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر ولا الركوب. والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه. فإذا كان من هذين الصنفين فإنه يعتمر عنه ويحج، وإذا لم يكن كذلك فإنه لا يحج عنه ولا يعتمر وهو حي، وإنما إذا تمكن الابن من أن يدفع المال لأبيه وأمكنه أن يحج بنفسه فعل، وإلا فإنه لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه وهو حي إلا في الحالتين اللتين أشرت إليهما. إعطاء المدرس للطلاب درجات زائدة عن حقوقهم السؤال هل يجوز للمدرس أن يعطي طلابه درجات زائدة عن حقهم؛ وذلك لمساعدتهم على النجاح أو التفوق؟ الجواب على المدرس أن يعطي كل ذي حقٍ حقه، ولا يعطي أحداً شيئاً لا يستحقه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
مصافحة المرأة لخالها وتقبيله إياها السؤال خال زوجتي عندما يزورنا يقبل زوجتي مع المصافحة، وأنا أتضايق من ذلك؛ لكونه شاباً وزوجتي شابه؟ الجواب خال زوجتك محرم من محارمها، لكن إذا خيف من ذلك فتنة فلا يصلح أن يكون هناك تقبيل، ولكن يُكتفى بالمصافحة، وينبغي أن تقول لها ألا تمكنه من ذلك، وإنما تمد يدها إليه من بعد، ولا تقرب وجهها إليه ليقبلها أو تقبله. كراهية تمني الموت شرح حديث (لا يدعونّ أحدكم بالموت لضر نزل به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ: في كراهية تمني الموت. حدثنا بشر بن هلال، حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يدعُونّ أحدكم بالموت لضرٍ نزل به، ولكن ليقل: اللهم! أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ] . قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في كراهية تمني الموت، أي: أن الإنسان لا يتمنى الموت من أجل أمرٍ حصل له؛ لأنه لا يدري ماذا يحصل له بعد الموت، فقد يحصل له بعد الموت أمر أخطر وأعظم من الضر الذي قد حصل له، فينتقل من شديد إلى أشد، ومن خطير إلى أخطر، فلا يتمنين أحد الموت في أمرٍ يصيبه، ولكن إذا حصل له ضرّ فإن له أن يسأل الله عز وجل الحياة على خير، أو الموت على خير، كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه في هذا الباب: (لا يدعون أحدكم بالموت لضرٍ نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) أي: أنه يسأل الله تعالى الخير في الحياة أو في الممات، فإن كانت الحياة خيراً له فإنه يحييه، وإن كان الوفاة خيراً له فإنه يميته، أي: إن كانت الحياة خيراً له فإنه يبقى ليكتسب عملاً صالحاً، وإن كانت الوفاة خيراً له فإنه ينتقل إلى ذلك الذي هو خير له. وهذا الدعاء عظيم في كون الإنسان يسأل الله عز وجل ما هو الخير له في الدنيا والآخرة، وهذا من كمال بيانه ونصحه صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الدعاء فيه تحصيل الخير إما في الدنيا وإما في الآخرة، وكذلك في زمن وجود الفتن والبلاء فإنه ينبغي له أن يسأل بهذه الطريقة؛ لأن الإنسان لا يدرِ ما هو الخير له، فلا يدري هل الحياة خيراً له أو أن الوفاة خير له، ولكنه يسأل الله عز وجل ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة. تراجم رجال إسناد حديث (لا يدعونّ أحدكم بالموت لضر نزل به) قوله: [حدثنا بشر بن هلال] . بشر بن هلال ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الوارث] . هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد العزيز] . هو عبد العزيز بن صهيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود، ففيه بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. شرح حديث (لا يدعون أحدكم بالموت لضر نزل به) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود -يعني: الطيالسي - حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت) ، فذكر مثله] . ثم أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: (لا يتمنين أحدكم الموت) ، فهنا تمني وفي الأول دعاء، ومن المعلوم أن التمني قد يكون بدون دعاء، وقد يكون مع الدعاء، فقد يتمنى شيئاً ويطلبه، وقد يتمنى الشيء في نفسه ويحبه ويوده ولا يطلبه، فالإنسان لا يتمنى الموت ولكنه يسأل الله عز وجل الخير له: فإن كان في الحياة فيحييه، وإن كان في الممات فيميته. تراجم رجال إسناد حديث (لا يدعون أحدكم بالموت لضر نزل به) من طريق أخرى قوله: [حدثنا محمد بن بشار] . محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو داود الطيالسي] . هو سليمان بن داود ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن شعبة] . هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة] . هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . أنس رضي الله عنه صحابي، وقد مره ذكره في الحديث الذي قبل هذا. وقد يتمنى بعض الناس المرض لما في المرض من تكفير الذنوب، ولا ينبغي له ذلك، ولكن يسأل الله العافية، ويعمل الأعمال الصالحة، فالحسنات يذهبن السيئات. موت الفجأة شرح حديث (موت الفجأة أخذة أسف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في موت الفجأة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن منصور عن تميم بن سلمة أو سعد بن عبيدة عن عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال مرةً: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال مرةً: عن عبيد أنه قال: (موت الفجأة أخذت أسف) ] . ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب موت الفجأة، والفجأة هي البغتة، ومعنى ذلك أن الإنسان يموت بغتة، أي: أن الموت يداهمه فيموت إما بسكتة قلبية، أو أنه يقتل ويرمى، أو أنه يحصل له حادث فيموت في الحال، فهذا كله يقال له: موت فجأة، فالإنسان لم يحصل له مرض بحيث يوصي إذا كان يحتاج إلى أن يوصي، ولهذا جاء في الحديث الذي مر بنا في الوصية أن الإنسان يبادر بها ولا يؤخرها؛ لأنه قد يحصل له موت فجأة، فعليه أن يوصي ويبين ما له وما عليه؛ حتى لا يأتيه الموت فجأة، فلا يُعرف ما له وما عليه، والمهم في الأمر أن يُعرف ما عليه، فموت الفجأة هو موت البغتة، ويترتب عليه أن الإنسان ما يكون عنده مجال حتى يستعد ويتهيأ، وأما إذا أصابه مرض فلعله أن يرجع إلى الله عز وجل ويستفيد من ذلك، وأما إذا كان صحيحاً ساهياً لاهياً غافلاً معرضاً فقد يأتيه الموت فجأة فلا يمكنه أن يتدارك، وقد يموت الإنسان فجأة وهو على عملٍ صالح، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) ، وذلك أن العمل القليل إذا داوم عليه الإنسان فإنه إذا مات في أي وقت فإنه يموت وهو على حالة طيبة حسنة، وكم من الناس من أهل الفضل والصلاح من يحصل له ذلك، وممن مات فجأة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، فإنه مات فجأة ما بين مكة والمدينة، فالموت يحصل للمقبل وللاهي، ولكن إذا حصل للإنسان مرض فإنه يذكر الله عز وجل ويستغفره، ويرجع ويتوب إليه، فإن ذلك فيه خير له، وإذا حصل له الموت فجأة فقد يموت وهو على حالة سيئة والعياذ بالله، ولا يمكنه أن يتدارك، ولا أن يذكر الله عز وجل. وأورد أبو داود حديث عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (موت الفجأة أخذت أسفٍ) ، وسواء كان أسف أو آسف، فالآسِف هو الغضبان، والأسَف هو الغضَب كما قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] أي: أغضبونا، وليس كل من مات فجأة فهو مغضوب عليه، فقد يموت الإنسان فجأة وهو على خير، لكن الفاجر والفاسق والكافر فهؤلاء هم الذين ينطبق في حقهم هذا، فهؤلاء يموتون ولا يمكنهم أن يتداركوا، وأما من مات وهو على استقامة وحالة طيبة فلا يقال: إنه مغضوب عليه، كما عرفنا أن من أهل الصلاح والتقى من يموت فجأة كما حصل لـ عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما. وقد جاء حديث وفيه كلام: (أن موت الفجأة رحمة للمسلم أو راحة للمسلم، وأخذت أسفٍ للفاجر) ، ولكن فيه كلاماً. تراجم رجال إسناد حديث (موت الفجأة أخذة أسف) قوله: [حدثنا مسدد] . هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا يحيى] . هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة] . هو شعبة بن الحجاج، وقد مر ذكره. [عن منصور] . هو منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [تميم بن سلمة] . تميم بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [أو سعد بن عبيدة] . سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبيد بن خالد السلمي] . عبيد بن خالد السلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي. وقد قال مرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال مرةً أخرى: عن عبيد، وهذا يعني أنه جاء عنه مرفوعاً، وجاء عنه موقوفاً. فضل من مات في الطاعون شرح حديث (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في فضل من مات في الطاعون. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك -وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه- أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلب، فصاح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (غُلبنا عليك يا أبا الربيع!) ، فصاح النسوة وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟! قال: الموت، قالت ابنته: والله! إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشهادة سبعٌ سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمْعٍ شهيدة) ] . ثم أورد أبو داود باب: فضل من مات في الطاعون، أي: أن ذلك يعتبر شهادة، وهو من قبيل الشهادة من حيث الحُكم، فحكمه حكم الشهيد، وقد بوب النووي رحمه الله في (رياض الصالحين) باباً، فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، ويعني: أنهم شهداء من حيث ثواب الآخرة وليسوا شهداء من ناحية أنهم قتلوا في سبيل الله، وأنهم يأتون يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهذا هو شهيد المعركة الذي قتل في سبيل الله، وهو الأصل والمعروف في الشهادة، وهناك أناس جُعل حكمهم حكم الشهداء من حيث أنهم يثابون ثواباً عظيماً في الآخرة، كما أن للشهداء أجراً عظيماً، وإن لم تكن أحكامهم كأحكام الشهداء الذين لا يغسلون، ويدفنون في ثيابهم، ويدفنون في دمائهم؛ ليكون ذلك علامة لهم يوم القيامة، كما جاء في الحديث: (اللون لون الدم، والريحة ريح المسك) . ذكر أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فصاح به) ، هذا يدل على مشروعية عيادة المريض. قوله: (فوجده قد غلب) يعني: أنه على وشك الموت، أو أنه قد فارق الحياة، (فصاح به) أي: كلمه ليعرف هل ما زال على قيد الحياة (وقال: غُلِبْنَا عليك يا أبا الربيع!) يعني: أنك قد فتَّ، وخرجت روحكَ قبل أن ندرككَ حياً. قوله: (فصاح النسوة وبكين) أي: لما سمعن صوت الرسول يخاطبه ويناديه صِحن وبكين. قوله: (فجعل ابن عتيك) وهو الراوي، (يُسكتهن) . قوله: (دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية) أي: إذا حصل الموت فلا تبكين باكية، أي: لا تنح نائحة، فالمقصود بالبكاء هنا النياحة، وأما البكاء الذي هو دمع العين وحزن القلب فهذا لا بأس به، وقد حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم: (إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم! لمحزونون) ، فالبكاء الذي هو دمع العين، وحزن القلب إنما هو رحمة من الله عز وجل، ولا يملكه الإنسان، وأما أن يرفع صوته فهذا هو الأمر محرم، وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة، والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، وهذا شيءٍ يستطيع الإنسان أن يتركه، وأما مجرد البكاء ودمع العين وحزن القلب فهذا لا يملكه الإنسان، وإنما يأتي من غير اختيار، وهو معذور في ذلك. قوله: (وما الوجوب يا رسول الله! قال: الموت) ، أي: إذا حصل موت. قوله: (قالت ابنته: والله! إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك) أي: أنها تثني عليه، وقولها: (إني أرجو أن تكون شهيداً) تعني: شهيد المعركة، (لأنك قد قضيت جهازك) تعني: أنه قد استعد وتجهز للقتال، فمات قبل أن يخرج، وقولها هذا فيه دليل على عدم الجزم بالشهادة. قوله: (إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته) ، فقد نوى الخروج في سبيل الله، فتجهز وتهيأ وأعد لذلك العدة، فأوقع الله أجره على قدر نيته، وهذا يدلنا على أن النية لها أثر عظيم، فهو يموت دون أن يفعله ومع ذلك، فإنه يحصل الأجر على ذلك، وقد جاء في الحديث الذي في غزوة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في الطريق قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) أي: أنهم بنياتهم مع المجاهدين في سبيل الله، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في فقه غزوة تبوك: إن الجهاد يكون بالنية، ويكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالمال وبالنفس، فالإنسان يجاهد بنفسه وبماله وبنيته وبلسانه، فكل هذه يقع بها الجهاد، وهذا الحديث يدل على ذلك، فقد أوقع الله أجره على قدر نيته، والحديث الذي ذكرناه آنفاً في غزوة تبوك يدل على أنهم مجاهدون بنياتههم وبقلوبهم المتعلقة والحريصة على الخروج في سبيل الله، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك، ولم يقدر النبي على تمكينهم منه؛ لكونه لم يجد الظهر الذي يحقق به رغبتهم في ذلك، ولهذا قال الله فيهم: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة:92] . قوله: (وما تعدون الشهادة فيكم؟ قالوا: القتل في سبيل الله) فهذا هو الذي يعرفونه أن الشهادة هي القتل في سبيل الله، فإذا قتل الإنسان في سبيل الله، أو مات في سبيل الله وكان غازياً وخارجاً لقتال الكفار فهذا هو الذي يكون في سبيل الله. قوله: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله) ، ثم ذكر هذه السبع، (المطعون شهيد) وهذا هو محل الشاهد، فالمطعون هو الذي أصابه الطاعون ومات به. قوله: (والغريق شهيد) وهو الذي مات بالغرق. قوله: (وصاحب ذات الجنب شهيد) ، وذات الجنب مرضٌ يكون في الجنب، ويموت بسببه الإنسان. قوله: (والمبطون شهيد) وهو الذي أصابه المرض في بطنه، كأن يكون فيه إسهال ومات بسبب ذلك، فإنه يكون شهيداً، لأنه مات من وجع البطن. قوله: (وصاحب الحريق شهيد) يعني: الذي مات في الحريق. قوله: (والذي يموت تحت الهدم شهيد) يعني: هو الذي يسقط عليه بنيان أو جدار فيموت بسبب ذلك. قوله: (والمرأة تموت بجمعٍ شهيدة) يعني: في الولادة، أي: أنها تموت وفي بطنها ولد، أو تموت في نفاسها، فإنها تكون شهيدة. تراجم رجال إسناد حديث (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد) قوله: [حدثنا القعنبي] . هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة. [عن مالك] . هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك] . عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عتيك بن الحارث بن عتيك] . عتيك بن الحارث بن عتيك مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي. [عن عمه جابر بن عتيك] . عمه جابر بن عتيك رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي. الأسئلة حكم تسمية من مات بحادث سيارة شهيداً السؤال من مات في حادث سيارة هل يعد من الشهداء؟ الجواب من حيث إنه يموت بغتة أو قريباً من البغتة فهو من جنس ذلك، لكن قد يحصل ذلك للإنسان بسبب خطأه، فالإنسان قد يسوق سيارة فيسرع سرعة شديدة فيقتل نفسه بذلك، فمثل ذلك كيف يقال: إنه شهيد؟! وعلى كلٍ فالله تعالى أعلم، لكنه إذا كان متسبباً في ذلك، أو عمل عملاً وتصرف تصرفاً ترتب عليه موته فهذا -والعياذ بالله- أمره ليس بهين. السرطان ودخوله في داء البطن السؤال هل يدخل من يموت بالسرطان في المبطون؟ الجواب لا؛ لأن السرطان لا يكون دائماً في البطن، فقد يكون في غير البطن. حكم العمليات الاستشهادية السؤال من يموت في العمليات الاستشهادية هل يقال عنه شهيد؟ الجواب ليس هناك عمليات استشهادية!! وهذه العمليات الموجودة إنما هي عمليات انتحارية، وهي قتل للنفس. أخذ المريض من أظفاره وعانته شرح أثر خبيب في استعارته الموسى كي يستحد بها عندما أجمع المشركون على قتله قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ: المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، أو يأخذ من أظفاره وعانته. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمر بن جارية الثقفي حليف بني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً رضي الله عنه، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا لقتله، فاستعار من ابنة الحارث موسىً يستحد بها فأعارته، فدرج بُنيٌّ لها وهي غافلة، حتى أتته فوجدته مُخْلياً وهو على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها فيها، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك. قال أبو داود: روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا -يعني: لقتله- استعار منها موسىً يستحد بها فأعارته] . أورد أبو داود هذه الترجمة: بابٌ: في المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، ولفظه: (يؤخذ) هنا مبينة للمجهول، أي: يأخذ غيره، وهذا -كما هو معلوم- إذا تولى ذلك غيره ممن يجوز له الإطلاع على عورته، ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) . وليس في هذه الترجمة ولا في الحديث ما يدل على أن هناك مريضاً، ولكن لما كان خبيب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد أُجمع على قتله طلب موسىً ليستحد به، فهو مثل المريض؛ لأنه على وشك الموت، فإنهم يستعدون لقتله، والمريض أيضاً يُخشى عليه أن يموت، فمن أجل ذلك أورد هذه الترجمة وأتى بهذا الحديث. قوله: (ابتاع بنو الحارث بن نوفل خبيباً) أي: اشتروه، فقد كان في سرية فجاء جماعة من بني لحيان فأخذوهم وباعوا خبيباً، وكان أولئك حريصين عليه؛ لأنه قتل أباهم يوم بدر، فهم يريدون أن يقتلوه وأن ينتقموا منه، فحبسوه وأجمعوا وعزموا على قتله، فطلب منهم موسى ليستحد به فأعطوه، وكان هناك طفل صغير درج وذهب من أهله، أي: أنه كان يحبوا، أو كان يمشي كمشي الطفل الصغير، حتى وصل إلى خبيب، فأخذه وجعله على فخذه؛ ليداعبه أو ليؤانسه، وكانت الموسى بيده، فنظرت ابنة الحارث فوجدت الطفل على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعاً شديداً عُرف في وجهها، فقال لها خبيب: أتخافين أن أقتله؟ لست بفاعل، فقد ظنت عندما رأت الموس بيده والطفل على رجله أنه يريد أن يقتله، وإنما طلب خبيب الموسى ليستحد به. وإنما ألحقه أبو داود رحمه الله بالمريض لأنه في معناه، فهذا على وشك الموت، ولعله أراد من الاستحداد أن يكون نظيفاً، وأن تكون تلك الأشياء التي يطلب إزالتها قد أزيلت منه قبل أن يموت، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن الإنسان إذا مات وله أظفار، أو كان شاربه طويلاً، وكذلك له عانة تحتاج إلى نظافة فإنه يقص شاربه، وتقلم أظفاره، ومن أهل العلم من لم ير ذلك. ولعل قائلاً أن يقول: لو كانت الترجمة مبنية للمعلوم لكان أحسن، فأقول: قد يكون المريض لا يستطيع أن يفعل ذلك، فإذا أخذه من له حق جواز النظر إليه فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد أثر خبيب في استعارته الموسى كي يستحد بها عندما أجمع المشركون على قتله [حدثنا موسى بن إسماعيل] . موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إبراهيم بن سعد] . إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا ابن شهاب] . هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمر بن الجارية الثقفي] . هو عمر بن أبي سفيان بن الجارية الثقفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [عن أبي هريرة] . هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً. [قال أبو داود: روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عياض أن أبنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا -يعني: لقتله- استعار منها موسى يستحد بها فأعارته] وهذه طريق أخرى، وقد رواها شعيب بن أبي حمزة وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، عن الزهري وقد مر ذكره، أخبرني عبيد الله بن عياض وهو ثقة، أخرج له البخاري في (خلق العباد) ولم يُذكر أبو داود في المخرجين له؛ لأن هذه الرواية معلقة، وقد جرت العادة أنه إذا روى عن الراوي تعليقاً فإنه لا يذكر أن أبا داود أخرج لها، وإنما يقال: إن أبا داود أخرج إذا أخرج له متصلاً. [أن ابنة الحارث أخبرته] . ابنة الحارث صحابية، أخرج لها البخاري. استشكال وجوابه ولعل قائلاً أن يقول: أما كان خبيب رضي الله عنه يستطيع أن يفادي نفسه بهذا الطفل؟ فأقول: هو لم يرد هذا، ثم كيف يفادي نفسه بهذا الطفل البريء؟ فهذا لا يفعله صحابي، بل ولا يفعله من عنده إيمان. تنبيه: قال بعض أهل العلم ببدعية حلق عانة الميت، وتقليم أظافره، وحفّ شاربه، وأما أنا فلا أعلم شيئاً يدل على أن هذا من البدع، وهو محتمل للجواز؛ لأن هذه الأشياء مستكرهة في الحياة فكونها تزال عنه بعد الممات فإنه من كمال تطهيره وتنظيفه، فقد يكون له وجه، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فالحنابلة والشافعية يقولون بالجواز، والمالكية والحنفية يقولون بالمنع. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [363] الحلقة (395) شرح سنن أبي داود [363] لقد حثنا الشرع أن نحسن الظن بالله عند الموت؛ فنرجو رحمة الله وعفوه وكرمه، فهو العفو الغفور الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، وشرع لنا أن نغمض عيني الإنسان إذا مات، وفيه تجميل لصورته التي قد تغيرت بعد خروج الروح، وشرع للمسلم أن يسترجع عند المصيبة، فكل شيء من الله، وكل شيء لله، وكل شيء راجع إلى الله، ثم بعد الموت يشرع تغطية الميت وتسجيته. استحباب حسن الظن بالله عند الموت شرح حديث (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت. حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول قبل موته بثلاث، قال: (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) ] . أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت، وهذه الترجمة يرادُ بها أن الإنسان عند موته يُحسن الظن بالله، فيظن أنه تعالى يرحمه ويتجاوز عنه، فيرجو رحمته ويأمُل مغفرته، فلا ييئس ولا يقنط من رحمة الله، بل عليه أن يحسن الظن بالله، وقد جاء في الحديث: (إن الله عند ظن عبده به) ، فليؤمل وليرج منه خيراً، فهذا هو المقصود من الترجمة. ومن أهل العلم من قال: على الإنسان أن يكون خائفاً وراجياً دائماً وأبداً، ولكنه عند الموت يغلب جانب الرجاء، وقبل ذلك يغلب جانب الخوف؛ لأنه إذا غلب جانب الخوف عمل، ولكنه عند الموت لا يغلب جانب الخوف؛ حتى لا ييئس ويقنط من رحمة الله، وإنما يغلب جانب الرجاء، قالوا: والخوف والرجاء للإنسان كالجناحين للطائر، فلا يستقيم طيران الطائر إلا بسلامتهما، وإذا اختل أحد الجناحين اختل الطيران، فشأن المسلم مع الخوف والرجاء كشأن الطائر الذي له جناحان، إلا أنه عند الموت يغلِّب جانب الرجاء؛ حتى لا ييئس من رحمة الله، ويُحسن الظن بالله عز وجل، فإن الله تعالى عند ظن عبده به، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث قال) . أي: أنه قال هذا في مرض موته، (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) ، وهذا فيه دلالة على أن الإنسان يحسن الظن بالله تعالى عند موته، فيرجو رحمة الله، ويرجو أن الله تعالى يتجاوز عنه، وأنه يغفر له، ففضله واسع، ورحمته وسعت كل شيءٍ، ولا يغلّب جانب الخوف؛ حتى لا يؤدي به ذلك إلى القنوط واليأس من رحمة الله. وقال الخطابي: إن المقصود بذلك أنه يُحسن العمل الذي يكون سبباً في هذا الذي يرجوه ويؤمله، وقد ذكر النووي أن الخطابي شذّ وانفرد بذلك، وأن القول الصحيح هو أن على الإنسان عند موته أن يرجو رحمة الله، وأنه يُحسن الظن به، وليس المقصود من ذلك أن الإنسان يعمل في حال الصحة والسعة من أجل أن يكون ذلك سبباً لرجاء الله وحسن الظن به. نعم هو مطلوب من الإنسان أن يكون دائماً وأبداً عاملاً للأعمال الصالحة، لكن الحديث جاء في أن الإنسان يُحسن الظن بالله عز وجل. فالحاصل: أن النووي قال عن هذا القول: إنه شذوذ، أو إن الخطابي شذ فقال هذه المقالة، مع أن هذا الذي قاله مطلوب، لكن ليس هو المقصود من الحديث. تراجم رجال إسناد حديث (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس] . عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش] . هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سفيان] . هو طلحة بن نافع صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تطهير ثياب الميت عند الموت شرح حديث (إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت. حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جُدُد فلبسها، ثم قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها) ] . ثم أورد أبو داود باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت، يعني: أن ثيابه تكون طاهرة، فمن أهل العلم من قال: إن هذا الذي أخذ به أبو سعيد على ظاهره، وأن المقصود من ذلك الثياب الحقيقية. ومنهم من قال: إن المقصود بطهارة الثياب هنا: أن تكون أعمال الإنسان طيبة، كما قال الله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] ، فقد فسرها كثير من المفسرين بتطهير الأعمال، أي: وأعمالك فطهر، فإن العمل الطاهر هو الذي يقربك من الله عز وجل، وهو الذي يرفع من شأنك. وقالوا: إن هذا لا يراد به حُسن الكفن؛ لأن هذه الثياب التي يلبسها في مرض موته ستخلع منه إذا مات ولا يكفن فيها، وإنما يكفن في ثياب بيض ونظيفة. ثم إن الناس يحشرون حفاةً عراة غرلاً، فهذه الثياب لا يبقى لها وجود. ومن أهل العلم من قال: يمكن أن يبعثوا وعليهم الثياب، ثم يحصل العري بعد ذلك عند الحشر. وكون الإنسان يكون في ثياب نظيفة وطاهرة ليس فيها قذر ويموت وهو على حالة طيبة فهذا أمر طيب. وقوله: (يبعث في ثيابه التي مات فيها) لا ينافي أنهم يحشرون حفاةً عراة غرلاً، فهو يبعث بالشيء الذي مات فيه، ويحصل العُري بعد ذلك، كما جاء في حديث عائشة: (يحشر الناس حفاةً عراة غرلا) . تراجم رجال إسناد حديث (إن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها) قوله: [حدثنا الحسن بن علي] . الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا ابن أبي مريم] . هو سعيد بن أبي مريم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا يحيى بن أيوب] . يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن الهاد] . هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن إبراهيم] . محمد بن إبراهيم التيمي ثقة أخرج أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سلمة] . أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري] . هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يستحب قوله عند الميت من كلام شرح حديث (إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام. [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا حضرتم الميّت فقولوا خيراً؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ، فلما مات أبو سلمة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله! ما أقول؟ قال: (قولي: اللهم! اغفر له، وأعقبنا عقبى صالحة) ، قالت: فأعقبني تعالى به محمداً صلى الله عليه وآله وسلم] . ثم أورد أبو داود باب: ما يستحب من الكلام عند الميت، أي: أن يتكلم بخير ولا يتكلم بشر، فلا يدعى بالويل والثبور مثلاً؛ لأن الملائكة يؤمنون على ما يقولون، فإن قالوا خيراً أمنوا عليه، وإن قالوا شراً أمنوا عليه، فلا يقال عند الميت إلا ما فيه خير، لأن ذلك يعود بالمضرة على صاحبه، فالملائكة تؤمن على ما يقول الإنسان من خير أو شر. وأورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) يعني: ولا تقولوا شراً؛ لأنهم أيضاً يؤمنون على ما تقولون. قوله: (فلما مات أبو سلمة قالت: ماذا أقول يا رسول الله؟!) أي: لما مات أبو سلمة والرسول قد قال: (لا تقولوا إلا خيراً) أي: أنها أرادت أن تعرف ما هو الخير الذي تقوله؟ وما هو الدعاء الذي تدعو به؟ فأرشدها صلى الله عليه وسلم فقال لها: (قولي: اللهم! اغفر له، وأعقبنا عقبى صالحة) ، وهذه دعوة للميت وللحي، أي: أنها مشتملة على دعاء للميت بأن يغفر له، وللحي بأن يحصِّل عقبى صالحة. قولها: (فأعقبني الله تعالى به محمداً صلى الله عليه وسلم) أي: أعقبها عقبى صالحة، وهذه هي الفائدة التي حصلت للحي بهذا الدعاء الذي أرشدها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . محمد بن كثير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا سفيان] . هو الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش] . الأعمش مر ذكره. [عن أبي وائل] . هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة] . وهي هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. والله أعلم. الأسئلة ضوابط الاختلاف الذي لا يخرج صاحبه من دائرة السنة والجماعة السؤال ما هي ضوابط الاختلاف الذي لا يخرج صاحبه من دائرة أهل السنة والجماعة؟ الجواب هو الاختلاف في الفروع، وهي المسائل التي فيها مجال للاجتهاد، فهذا هو المجال الذي يكون الاختلاف فيه سائغاً، ومع اختلاف أهل السنة والجماعة فيما بينهم، فإنه لا تنافر بينهم، وإنما يكون بينهم التواد والتراحم، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض مسائل ومع ذلك لم يكن فيما بينهم شيء من التنافر بسبب هذا الاختلاف، فكلٌ انتهى إلى ما وصل إليه اجتهاده، وهم يعلمون أن المصيب فيهم له أجران، وأن المخطئ له أجرٌ واحد كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد) . حكم الدعاء بعد الصلاة المكتوبة السؤال هل يستحب الدعاء بعد الصلاة عملاً بحديث أبي أمامة أنه قال: (يا رسول الله! أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبة) ؟ الجواب دبر الصلوات المكتوبة يحتمل معنيين: الأول أن يكون قبل السلام؛ لأن ذلك يقال له: دُبر، والثاني: أن يكون بعد الصلاة، فإن ذلك يقال له: دُبر، وقد جاء ذكر الدُبر مراداً به هذا وهذا، فالدبر آخر الشيء، أو ما يلي آخر الشيء، فما قبل الصلاة يقال له: في دبرها؛ لأنه في آخرها، وما بعدها يقال له: دبرها، لأنه يلي آخرها، فالإنسان له أن يدعو قبل السلام، وله أن يدعو بعد صلاته. حكم قولهم اللهم ارحمني بالقرآن السؤال هل هذه المقولة صحيحة: اللهم! ارحمني بالقرآن؟ الجواب إذا كان المقصود بذلك التوسل بالقرآن فالقرآن من كلام الله عز وجل، والتوسل إلى الله عز وجل بكلامه سائغ؛ لأن التوسل بصفة الله سائغ. حكم هذه المقولة رب لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه السؤال ما حكم هذه المقولة: ربي لا أسالك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه؟ الجواب على الإنسان أن يسأل الله عز وجل اللطف ولا يسأله رد القضاء، فيسأل الله عز وجل ما يريد دون أن يذكر شيئاً قبل ذلك كقوله هنا: لا أسالك كذا وإنما أسألك كذا، فيسأل حاجته وما يريده دون هذا التقديم والتمهيد. حكم عيادة من اشتد به المرض حتى صار لا يعرف أحداً السؤال إذا اشتد المرض على المريض حتى صار لا يعرف من يدخل عليه ولا من يخرج من عنده فهل يشرع حينئذٍ عيادته؟ الجواب لا بأس بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم زار جابر بن عبد الله وهو مغمى عليه، فكونه يزوره ويدعو له فهذه فائدة تحصل له ولو ما يحصل مخاطبته وإيناسه، لأنه لا يعقل ولا يدرك، فإذا حصل من الزائر الدعاء ففيه مصلحة للمزور، ويحصل للزائر أجر الزيارة والعيادة، فالزائر يستفيد، والمزور يستفيد. الاستئذان عند الأخذ من حقوق الناس السؤال هناك شجرة سدر في أرض قريبة من المسجد، وهذه الشجرة تشرب من الماء الذي يطفح من الخزان التابع للمسجد، وصاحب الأرض لا يفكر فيها، ونريد أن نأخذ منها أعواداً نغرسها في المزرعة، وهذا العمل لا يضر تلك الشجرة، فهل يجوز لنا ذلك؟ الجواب عليكم أن تستأذنوا من صاحبها، فما دامت في أرضه فهو صاحبها وهي ملكة. أذكار النوم ومحلها السؤال هل تقال أذكار النوم في نوم الليل فقط أو أنها تعم كل نوم؟ الجواب تقال في نوم الليل فقط. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تلقين الميت شرح حديث (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التلقين. حدثنا مالك بن عبد الواحد المسمعي حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنها أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) . قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: في التلقين، أي تلقين المحتضر الذي حضره الموت، فإنه يلقن الشهادة، وليس المقصود التلقين بعد الموت، فإن ذلك لم يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا التلقين في القبر، وإنما هو التلقين عند الموت، فما دام أن الإنسان في نهاية الحياة الدنيا فإنه يلقَّن الشهادة، ليكون آخر كلامه من الدنيا النطق بالشهادة. ثم أورد أبو داود حديث معاذ رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) ، وهذا يدلنا على فضل ختام هذه الحياة الدنيا بكلمة الشهادة، وذلك بأن يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشهادة كما أنها هي الختام فهي المبتدأ، ولهذا فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما بعثه الله يطوف في القبائل ويقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) ، والدخول في الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، فهي إذن المبتدأ والمنتهى، وهذا يدلنا على أن الشهادة تكون آخر شيءٍ يتكلم به الإنسان، وإذا حصل كلامٌ آخر بعد الشهادة فإنه يذكر ويلقن مرة أخرى؛ حتى تكون الشهادة هي آخر ما يتكلم به. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ، والتلقين يكون بذكر الشهادة عنده فيتشهد الملقن عنده، فإن تشهد وإلا قال له: قل: لا إله إلا الله، فالمقصود من التلقين هو أنه يقول: لا إله إلا الله، فإذا حصل ذلك بذكر الله عنده فهو المطلوب، وإلا فإنه يقال له: قل: لا إله إلا الله، حتى يكون آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، فإن تكلم بعد ذلك أُعيد عليه التلقين. وقوله: (لقنوا موتاكم) يدلنا على أن الاسم يعطى لما يقاربه، فالإنسان الملقن لم يمت بعد ولكنه على وشك الموت ومع ذلك قيل له: ميت؛ لأنه قارب الموت، فيعطى الشيء اسم ما يقاربه، ومثل هذا الحديث الذي فيه: (أن صلاة المغرب وتر النهار) ، مع أنها ليست في النهار، وإنما هي في أول الليل، ولكونها قريبة من النهار أضيفت إلى النهار، وكذلك الحديث الذي فيه: (شهرا عيد لا ينقصان: عيد الفطر وعيد الأضحى) ، ومعلوم أن عيد الفطر ليس في رمضان، وإنما هو في أول يوم من شوال، فأُضيف العيد إلى رمضان لاتصاله به، ولأنه إنما شُرع من أجله، وكذلك هنا، فالموتى هم الذين قاربوا الموت، وليس معنى ذلك أنهم يلقنون بعد الموت، فإنه لم يثبت في التلقين بعد الموت شيء. تراجم رجال إسناد حديث (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) قوله: [حدثنا مالك بن عبد الواحد المسمعي] . مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة أخرج له مسلم وأبو داود. [حدثنا الضحاك بن مخلد] . هو أبو عاصم النبيل، فيذكر أحياناً بكنيته فيقال: أبو عاصم، ويذكر أحياناً باسمه فيقال: الضحاك بن مخلد، وهذا من أنواع علوم الحديث، وهو أن تعرف كنى أصحاب الأسناد، وفائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ فإذا ذُكر أبو عاصم في موضع، وذُكر الضحاك بن مخلد في موضع آخر فالذي لا يعرف أن أبا عاصم كنية للضحاك بن مخلد يظن أن أبا عاصم شخص، وأن الضحاك بن مخلد شخص آخر، فهذا من أنواع علوم الحديث التي يُحتاج إلى معرفتها. [حدثنا عبد الحميد بن جعفر] . عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن صالح بن أبي عريب] . وهو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن كثير بن مرة] . كثير بن مرة ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [عن معاذ بن جبل] . معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا عمارة بن غزية حدثنا يحيى بن عمارة قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لقنوا موتاكم قول: لا إله إلا الله) . قوله: (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله) أي: أنه يذكر عنده الشهادة فإذا تشهد فقد حصل المقصود، وإن لم يتشهد، فإنه يقال له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله. تراجم رجال إسناد حديث (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله) قوله: [حدثنا مسدد] . مسدد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا بشر] . بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عمارة بن غزية] . عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري في التعليق ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا يحيى بن عمارة] . يحيى بن عمارة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري] . أبو سعيد الخدري هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما ورد في السيرة من أن آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (الرفيق الأعلى) ، فليس فيه تعارض مع الحديث، فالرسول قال هكذا، وجاء عنه أنه قال: (اللهم! الرفيق الأعلى) ، فقد خُيّر، فما من نبي إلا ويخير قبل موته بين الدنيا وبين ما عند الله، فـ عائشة رضي الله عنها فهمت أنه لما قال ذلك أنه لا يختارنا، وإنما يختار أن يكون في الرفيق الأعلى. وبعضهم يقول: ورد عن الإمام أحمد، وعن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليهما أنه يستحب تلقين الميت وهو في قبره، وذلك بأن يقال له: يا فلان! قل: لا إله إلا الله. فأقول: لا أعلم صحة هذا عنهما، وقد وردت في ذلك أحاديث غير صحيحة وغير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الأمور المحدثة. وهنا تنبيه، وهو: أن بعض العلماء يقول لا يقال للمحتضر: قل: لا إله إلا الله، فربما يرد ذلك إذا جاء بصيغة الأمر؟ فأقول: قد ذكرت سابقاً أنه إذا أمكن ذلك بدون أن يؤمر فإنه يكفي، وإن لم يحصل منه ذلك طلب منه أن يقول: لا إله إلا الله؛ ليحصل هذا الأجر والثواب. تغميض الميت شرح حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تغميض الميت. حدثنا عبد الملك بن حبيب أبو مروان حدثنا أبو إسحاق يعني الفزاري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن قبيص بن ذؤيب عن أم سلمة رضي الله عنهما أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شق بصره فأغمضه، فصيّح ناس من أهله، فقال: (لا تدعو على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم! اغفر لـ أبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله رب العالمين! اللهم! افسح له في قبره ونور له فيه) . ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب تغميض الميت، أي: تغميض عينيه، فإذا خرجت الروح تبعها البصر، فتنفتح العينان؛ لأنها تتبع الروح، فشُرع تغميض العينين؛ لأن ذلك أجمل، وأما بقاؤه مفتوح العينين فإن ذلك منظر يُستقبح. وهذه الترجمة أول التراجم المتعلقة بالموت وما يحصل بعد الموت، وأما التراجم التي مضت -ومقدارها عشرون ترجمة- فكلها أمور تقع قبل الموت من عيادة، ومرض، وصبر، وتلقين، وغيرها من الأحكام التي تجري قبل الموت، وهذه أول ترجمةٍ تتعلق بما يكون بعد الموت. ثم أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي سلمة لما مات، فوجده قد شق بصرة) أي: أنه انفتح بصره وصار شاخصاً، (فأغمض عينيه) وهذا فيه دليل على أنه يُسن تغميض عيني الميت بعد موته، إذا مات وشق بصره. قوله: (فصيّح ناس من أهله) . أي: ارتفعت أصوات بعض أهله، فقال: (لا تدعو إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) أي: أنه ينبغي لهم أن يدعو بكلام حسن جميل، وأن يدعو للميت ولأنفسهم، وألا يدعو على أنفسهم بالويل والثبور والتحسر على موت الميت. قوله: (فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) أي: إن قالوا خيراً أمنت الملائكة على ذلك، وإن قالوا شراً أمنت الملائكة على ذلك، إذاً: فلا ينبغي أن يقولوا إلا خيراً؛ حتى تؤمن الملائكة على ذلك الدعاء بالخير. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء العظيم لـ أبي سلمة: (اللهم! اغفر لـ أبي سلمة) ، وهذا دعاء له بمغفرة الذنوب، (وارفع درجته في المهديين) ، وهذا دعاء برفعة الدرجات، فالأول فيه التجاوز عن الذنوب، والثاني فيه رفعة الدرجات في المهديين، وهم الذين هداهم الله عز وجل وصارت لهم الدرجات العالية في الجنة، فدرجته رضي الله عنه في جملة المهديين، (واخلفه في عَقِبه في الغابرين) ، وعَقِبه هم أهله الذين من ورائه. قوله: (في الغابرين) أي: في الباقين، والمقصود بالغابر هنا الباقي، وقد يأتي بمعنى الماضي، وبمعنى الهالك، فهي من الأضداد، وهي هنا بمعنى الباقين، أي: الذين بقوا بعده، ومن إتيانها بمعنى الهالك: ما جاء في امرأة لوط: {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [الشعراء:171] أي: الهالكين؛ إذ إنها ليست من الناجين، ولا من الباقين، وإنما هي من الهالكين. وللإمام الذهبي رحمه الله كتاب اسمه (العبر في خبر من غبر) ، أي: من مضى. قوله: (واخلفه في عَقِبه في الغابرين، واغفر لنا وله رب العالمين!) وهذا دعاءٌ للحي والميت، فبعد أن دعا له في الأول بالمغفرة، وأن ترفع درجته، وأن يُخلف في عَقِبه؛ أتى بدعاءٍ بالمغفرة يشمل الحي والميت، فقال: (واغفر لنا وله رب العالمين!) أي: يا رب العالمين! ثم دعا له بدعاءٍ يخصه، فقال: (اللهم! افسح له في قبره) أي: وسع له في قبره، (ونور له فيه) أي: فيكون فسيحاً ومضيئاً. تراجم رجال إسناد حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه) قوله: [حدثنا عبد الملك بن حبيب أبو مروان] . عبد الملك بن حبيب أبو مروان مقبول، أخرج له أبو داود. [حدثنا أبو إسحاق، يعني: الفزاري] . أبو إسحاق الفزاري هو إبراهيم بن محمد بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن خالد الحذاء] . خالد بن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحذاء لقب، ومعرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في معرفة علوم الحديث؛ وفائدتها ألّا يُظَن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر بلقبه في موضع وذكر باسمه في موضع آخر فقد يظن أنهما اثنان، وكذلك الأسماء والألقاب. والحذاء قيل: إنه لم يكن منسوباً إلى بيع الأحذية ولا إلى صناعتها كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما لقب بذلك لأنه كان يجالس الحذاءين، فقيل له: الحذاء، فهي نسبة لأدنى مناسبة، وليس لكونه بائعاً ولا صانعاً للأحذية. وقيل: إنه كان يأمر الحذاء أن يرسم له شيئاً ثم يقول له: احذوا على كذا، أي: قص على هذا الرسم وهذا المقدار، فقيل له: الحذاء لذلك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي قلابة] . هو: عبد الله بن زيد الجرمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قبيصة بن ذؤيب [. قبيصة بن ذؤيب له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة] . أم سلمة هند بنت أمية رضي الله عنها أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود: وتغميض الميت بعد خروج الروح سمعت محمد بن محمد بن النعمان المقري سمعت أبا ميسرة -رجلاً عابداً- يقول: غمضت جعفراً المعلم -وكان رجلاً عابداً- في حالة الموت فرأيته في منامي ليلة مات يقول: أعظم ما كان عليّ تغميضك لي قبل أن أموت] . ثم ذكر أبو داود أن التغميض يكون بعد الموت؛ لأن الحديث فيه: (وقد شق بصره) ، وفي الحديث: (أن الروح إذا قُبِضَ تبعه البصر) فيغمض البصر. وقال أبو داود مفسراً: إن التغميض إنما يكون بعد الموت، أي: أنه لا يكون قبله، وإنما يكون بعد خروج الروح، ثم ذكر هذا الأثر وهو: أن رجلاً غمض صاحبه قبل الموت فرآه في المنام، وقال: إن أشد شيئاً عليّ هو تغميضك لي، وهذا الأثر لا يصح؛ لأن في إسناده مقبولاً ومجهولاً. قوله: [سمعت محمد بن محمد بن النعمان المقري] . وهو مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [عن أبي ميسرة] . أبو ميسرة مجهول الحال، أخرج له أبو داود وحده. [جعفر المعلم] . جعفر المعلم لم أقف على ترجمته. الاسترجاع شرح حديث (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الاسترجاع. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم! عندك أحتسب مصيبتي فآجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها) ] . ثم أورد أبو داود بابٌ: في الاسترجاع، والاسترجاع هو قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، واسترجع الإنسان أي: أنه يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فالاسترجاع من الألفاظ التي تدل على جملة، أي: أنه لفظ واحد يدل على جملة، واللفظ يشعر بها، وهو من جنس الحوقلة والحيعله، فالحيعلة هي قول: حي على الصلاة، والحوقلة هي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقد جاء الاسترجاع في القرآن والسنة، فأما في القرآن فقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] ، وفي هذا الحديث: (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون) أي: أننا مِلْكٌ لله، والله تعالى هو الذي يتصرف فينا، فهو الذي أوجدنا، وهو الذي يميتنا وإليه نرجع، ففيه تعظيم لله عز وجل بأن كل شيء ملكه، وأن كل شيءٍ له، وأن كل شيء منه، وأن كل شيءٍ إليه راجع، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26] . قوله: (اللهم! عندك أحتسب مصيبتي) أي: أرجو الثواب منك، فالاحتساب هو أن الإنسان يصبر فلا يتسخط ولا يتضجر، بل يرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويحتسب ذلك عند الله تعالى. قوله: (فأجرني فيها) أي: أعطني الأجر على هذه المصيبة التي حلت بي، وعلى صبري على هذه المصيبة التي احتسبتها عندك. قوله: (وأبدلني بها خيراً منها) أي: وأبدلني بهذه المصيبة خيراً منها، أي: أن الله يعوضه خيراً مما فقد، وخيراً مما ذهب، ولهذا لما دعت أم سلمة رضي الله عنها بهذا الدعاء الذي أرشدها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضها الله تعالى من هو خير، وهو: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد مر في الحديث أن قالت: (فأعقبني الله محمداً صلى الله عليه وسلم) أي: وهو خير البشر، وقد كان أبو سلمة عزيزاً عندها، فقالت: (من مثل أبي سلمة) أي: أنها ما تعرف أحداً مثل أبي سلمة، ولم يكن في بالها أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سيكون بعد أبي سلمة، وهو خير البشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] . موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد] . هو ابن سلمة، وقد ذكرنا مراراً وتكراراً أنه إذا جاء حماد غير منسوب والراوي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به: حماد بن سلمة بن درهم، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [أخبرنا ثابت] . ثابت بن أسلم البناني البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر بن أبي سلمة] . ابن عمر بن أبي سلمة قيل: اسمه محمد، وهو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي. [عن أبيه] . أبوه هو عمر بن أبي سلمة، وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة] . أمه هي أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها. وبعض الناس يلتزم قول: إنا لله وإنا إليه راجعون كلما سمع المؤذن ينادي لصلاة الجنازة، كما هو حاصل في المسجد النبوي والمسجد الحرام، ولا نعلم شيئاً يدل على هذا. تسجية الميت شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجي في ثوب حبرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ: في الميت يسجى. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُجِّي في ثوب حِبَرة) ] . ثم أورد أبو داود باب: في الميت يُسَجى، أي: يغطى، فيوضع عليه شيء يغطيه؛ وذلك لستره حتى لا يبقى مكشوفاً. وقد أورد أبو داود حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سُجّي بثوب حبرة) ، وهو نوع من الثياب، وحبرة على وزن عِنَبة، وهذا الحديث يدل على تغطية الميت بعد موته وقبل أن يُشتغل بتجهيزه. وقد اشتُهر وضع قطعة خضراء على الميت مكتوب فيها آية الكرسي أو نحو ذلك، وهذا لا ينبغي وليس له أساس، فالمهم أنه يغطى، وأما أن يكون بشيءٍ مخصوص، أو بشيء مكتوب عليه بعض الآيات فهذا لا نعلم له أساساً. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجي في ثوب حبرة) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرزاق] . عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معمر] . معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري] . هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سلمة] . أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواة هذا الحديث كلهم من رجال الكتب الستة. القراءة عند الميت شرح حديث (اقرءوا يس على موتاكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة عند الميت. حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن مكي المروزي المعنى، قالا: حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بـ النهدي عن أبيه عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اقرءوا (يس) على موتاكم)، وهذا لفظ ابن العلاء] . أورد أبو داود باب: القراءة عند الميت، يعني: إذا كان محتضراً، وأما القراءة على الأموات في المقابر فلم يأت شيء يدل عليها، وهذا الحديث غير صحيح، ولهذا فلا يقرأ عند الميت شيء، والذي جاءت به السنة هو تلقين المحتضر الشهادتين كما سبق في الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما القراءة عند الأموات فلا تفعل لا بـ (يس) ولا غيرها؛ لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي ورد هنا لم يصح؛ لأن فيه من هو متكلمٌ فيه، وفيه أيضاً اضطراب، فمرة يروى عن أبي عثمان عن معقل بن يسار، وتارة عن أبيه كما في هذه الطريق، فالحديث غير صحيح. وعلى فرض صحته: فإنه يكون عند الاحتضار، وليس بعد الموت، فقوله: (موتاكم) أي: الذين قاربوا الموت، وهذا مثل قوله في الحديث السابق: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله) . تراجم رجال إسناد حديث (اقرءوا يس على موتاكم) قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] . محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ومحمد بن مكي المروزي] . محمد بن مكي المروزي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي. [حدثنا ابن المبارك] . هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سليمان التيمي] . سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي عثمان وليس بـ النهدي] . قوله: وليس بـ النهدي بيان أنه غير أبي عثمان النهدي المشهور، فهو مشهور بكنية أبي عثمان، وكثيراً ما يأتي أبو عثمان هكذا غير منسوب ويكون المقصود به النهدي، فأراد هنا أن يبين أنه شخص آخر غير أبي عثمان النهدي الثقة المشهور، قيل: اسمه سعد، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن أبيه] . وهو مجهول كابنه، وقال المنذري: وفيه أبو عثمان وأبوه، غير مشهورين. [عن معقل بن يسار] . معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ولم يثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل (يس) ، ومن ذلك حديث: (يس قلب القرآن) ، فإنه غير صحيح. فائدة: وهنا يذكر بعض الإخوان أن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ذكر في الإرواء: أنه ثبت عن أحد الصحابة أنه لما احتضر طلب من أحد الجالسين أن يقرأ عليه (يس) ، فأقول: إذا كان الميت هو الذي طلب أن يقرأ عليه شيء من القرآن فإن رغبته تحقق، سواءً طلب قراءة (يس) أو غيرها. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [364] الحلقة (396) شرح سنن أبي داود [364] الموت باب كل الناس داخلوه، وكأس كلهم شاربوه، فمن مات له قريب أو حبيب فعليه الصبر وعدم الجزع، وليتجنب ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب، ونحو ذلك، ويسن تعزية المصاب والدعاء له ولمن مات من أقربائه. الجلوس عند المصيبة شرح قصة مقتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجلوس عند المصيبة. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما قُتِل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد يُعرف في وجهه الحزن) ، وذكر القصة] . أورد أبو داود [باب الجلوس عند المصيبة] ، أي: أن الإنسان يحصل له التأثر، وبدلاً من أن يكون منشرح الصدر ويذهب ويدخل ويخرج، يحصل له حُزن، فإنه يجلس لما أصابه من الهم والحزن. وقد أورد أبو داود حديث عائشة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه موت الأمراء الذين كانوا في غزوة مؤتة وهم: عبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، جلس في المسجد يُعرف في وجهه الحُزن) أي: أنه ظهر في وجهه التأثر لفقدهم ولموتهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وليس في هذا الحديث دليل على الجلوس لاستقبال المعزين والزوار، وإنما فيه أنه جلس في المسجد متأثراً وحزيناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولعله جلس لأن الجلوس فيه راحة للإنسان، وهو أفضل لجسم الإنسان من أن يبقى قائماً. تراجم رجال إسناد قصة مقتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سليمان بن كثير] . سليمان بن كثير لا بأس به أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن سعيد] . هو يحيى بن سعيد الأنصاري، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرة] . هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رحمة الله عليها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . عائشة مر ذكرها. التعزية شرح حديث ذهاب فاطمة رضي الله عنها إلى أحد البيوت للتعزية قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ في التعزية. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل عن ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -يعني: ميتاً- فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخرجكِ يا فاطمة! من بيتكِ؟ فقالت: أتيت يا رسول الله! أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فلعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر، قال: لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديداً في ذلك) ، فسألت ربيعة عن الكدى، فقال: القبور، فيما أحسب] . أورد أبو داود رحمه الله باباً في التعزية، ومعنى ذلك: تعزية المصاب بالميت، وذلك بأن يدعى له وللميت، فيدعى للميت بالمغفرة، ويدعى له بعِظَم الأجر، وبحصول الصبر والاحتساب، فيذكر له الشيء الذي يخفف عنه الحُزن والمصيبة التي حلت به، ومن أحسن ما يذكّر به أن يقال له الدعاء المعروف: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى) فهذا أحسن ما يقال في تسلية المصاب. ولا يكون الدعاء للحي فقط، ويغفل عن الميت، وإنما يجمع بين هذا وهذا، فيدعى للميت ويدعى للحي. ويطلب من الحي الصبر والاحتساب، وقد وعد الله بالأجر الجزيل والثواب العظيم من يصبر عند المصيبة. ثم أورد رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون ميتاً، فلما رجعوا وكانوا عند منزله رأى امرأة فعرفها، وإذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها: (من أين جئتِ؟ فقالت: إني ذهبت إلى أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به) ، أي: أنها دعت له بالرحمة، أو عزتهم به، أي: أنها قالت هذا أو هذا. فقال -وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة وهي التعزية- قال: (لعلكِ بلغتِ معهم الكدى؟ قالت: لا، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) قيل: إن الكدى هي القبور، وقيل لها: كدى لأنها تكون في مكان صلب، بحيث إذا حفر القبر لا ينهال التراب، بل يبقى على صلابته، فهذا هو المقصود بالكدى، وقولها: (وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) أي: من التشديد في النهي عن ذهاب المرأة إلى المقابر، وأنها لا تتبع الجنائز. قوله: (قال: لو بلغت معهم الكدى، فذكر تشديداً في ذلك) أي: أنه كنى عن الشيء الذي ذكره، وجاء في بعض الروايات: (لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك) ، وهو عبد المطلب الذي مات كافراً، وهذا من جنس قوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] . وهذا الحديث غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث ذهاب فاطمة رضي الله عنها إلى أحد البيوت للتعزية قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني] . يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن المفضل] . المفضل هو ابن فضالة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ربيعة بن سيف المعافري] . ربيعة بن سيف المعافري له مناكير، وهو آفة هذا الحديث، فقد تفرد به، وقد أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. [عن أبي عبد الرحمن الحبلي] . أبو عبد الرحمن الحبلي هو عبد الله بن يزيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عمرو بن العاص] . عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم قول عظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك السؤال ما حكم قولهم في التعزية: عظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك؟ الجواب لا بأس بذلك، فالمهم هو أنه يُدعى للحي وللميت. عدم جواز زيارة النساء للمقابر السؤال أليس الحديث السابق يدل على عدم جواز زيارة النساء للمقابر؟ الجواب لا؛ لأنه يتكلم على مسألة اتباع الجنائز، ثم هو حديث ضعيف لا يصح. حكم التعزية في السرادقات وقراءة القرآن فيها وتوزيع الدخان على المعزين السؤال ما حكم التعزية في السرادقات التي يقرأ فيها القرآن، ويوزع فيها الدخان على المعزين؟ هل تترك أم أنها تفعل من باب تأليف قلوب أهل المصاب خصوصاً من طلاب العلم؟ الجواب هذه من البدع المحدثة في الدين، فمن التكلف أن يصنع الطعام، ويجتمع الناس لأكله، وكأنهم في مناسبة فرح! وبعض الناس الذين هم بحاجة إلى الأكل قد يفرحون بمثل هذه المناسبات؛ من أجل أن يجدوا شيئاً يأكلونه! والحاصل أن هذا من الأمور المحدثة، فلا تُعمل سرادقات ولا تُعمل أنوار، وكل هذه الأشياء من الأمور المحدثة. الصبر عند الصدمة شرح حديث (إن الصبر عند الصدمة الأولى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصبر عند الصدمة. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أتى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: اتقى الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟! فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتته فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله! لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أو عند أول صدمة) ] . الصدمة: هي الخبر الذي يحصل للإنسان لأول وهلة، أي: عندما يعلم بالمصاب ويعلم بالمصيبة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، أي: حال بلوغ الخبر أول مرةٍ إليه، وهذا هو الذي يكون فيه الصبر والاحتساب؛ لأن الذي لا يصبر ينطلق بالصياح، ولن يستمر على ذلك، بل لابد أن تأتي الأيام ويسلو كما تسلو البهائم، ولكن شدة وقع المصيبة هو فجأة حصول المصيبة عند الإنسان لأول مرة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، فعند ذلك يكون الصبر فيها، أما بعد ذلك فإنه لابد من السلوان، وإذا صبر الإنسان عند الصدمة الأولى فمن باب أولى أن يصبر فيما وراء ذلك. وقد أورد المصنف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: (اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟!) ، أي: أنت ما أصبت بمثل مصيبتي، فقد حصل لي شيء ما حصل لك، وهي لا تعرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمضى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها أُخبرت بأن هذا الذي خاطبها وخاطبته هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت إليه لتعتذر منه وقالت: إني ما عرفتك، ولم تجد عنده بوابين وحجبه، وهذا من تواضعه وكمال أخلاقه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أي: إن الصبر عند أول صدمة، فإذا وجد عند أول صدمة فهو موجود فيما بعدها من باب أولى، وهذا فيه إرشاد إلى أن الإنسان إذا حصلت له مصيبة، أو أخبر بها فإنه يصبر ويحتسب. تراجم رجال إسناد حديث (إن الصبر عند الصدمة الأولى) قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] . هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا عثمان بن عمر] . عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة] . هو شعبة بن الحجاج، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ثابت] . هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . هو أنس بن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في بعض الروايات: أنها كانت تبكي على قبر صبي لها، وليس في هذا متمسك لمن قال بجواز زيارة النساء للمقابر؛ لأنه ربما كان قبل تحريم الزيارة للنساء. حكم اتخاذ البوابين والحجبة على الأبواب قوله: (فلم تجد على بابه بوابين) ، استدل به بعض الفقهاء على عدم جواز وضع الحجاب على الأبواب، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه: أن رجلاً جاء إلى معاوية وقال له ما قال، ثم إنه وضع شخصاً يكون على حوائج الناس، فالمذموم أن يتخذ الحاجب لأجل منع الناس، وأما إذا كان من أجل تنظيم دخول الناس فهذا لا بأس به، فبدلاً من أن يدخل الناس دفعة واحدة ولا تقضى حوائجهم، فإنه يتخذ الحاجب ليدخلهم أرسالاً، فيتحدث معه كل أحد على حدة من غير حضور الناس، فإذا كان ذلك من أجل المصلحة فلا بأس بذلك، وإذا كان من غير حاجة، فإن ذلك لا يفعل. البكاء على الميت شرح حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحدى بناته وبكاؤه عند وفاة ابنها قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ في البكاء على الميت. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن عاصم الأحول سمعت أبا عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت إليه وأنا معه وسعد وأحسب أبياً رضي الله عنهم: أن ابني أو ابنتي قد حُضِر فأشهدنا، فأرسل يُقْرئ السلام فقال قل: لله ما أخذ، وما أعطى، وكل شيءٍ عنده إلى أجل، فأرسلت تقسم عليه، فأتاها فوضع الصبيُّ في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه تقعقع، ففاضت عينا رسول الله صلى الله وآله وسلم، فقال له سعد: ما هذا؟ قال: إنها رحمة وضعها الله في قلوب من يشاء، وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء) ] . ثم أورد أبو داود باباً: في البكاء على الميت، والبكاء غير النوح، فالبكاء سائغ، والنياحة محرمة، والبكاء هو دمع العين، وحزن القلب، وهذا شيء لا يملكه الإنسان، فيخرج من غير اختياره، ولكن أن يصيح ويرفع صوته ويشق ثوبه، ويلطم وجهه، وما إلى ذلك، فهذه أمور منكرة محرمة لا تسوغ، وأما حزن القلب، ودمع العين، فهذا شيء يحصل للإنسان من غير اختياره، وهي رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وقد حصلت من سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وأورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما: (أن ابنةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وهي: زينب - أرسلت إليه، وعنده جماعة من أصحابه منهم: سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وأبي بن كعب، فقالت: إن ابنها أو ابنتها قد احتضر، فترغب وتطلب مجيئه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اقرئها السلام، وقل لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمى، فأرسلت إليه مرة أخرى تقسم عليه أن يأتي؛ لحرصها الشديد على حضوره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فجاء ومعه هؤلاء الصحابة، فوضع الصبي على فخذه، وروحه تقعقع) أي: أنه في نهاية أمره، وعند خروج روحه، (ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: بالبكاء، (فقال له سعد: ما هذا؟) أي: ما هذا البكاء؟ فقد جاء عنه النهي عن النياحة، فقال: (إنها رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُحماء) أي: إن هذا شيءٌ لا بأس به، ولا مانع منه؛ لأنه يحصل للإنسان من غير اختياره، فلا بأس به، وإنما المحذور ما وراء ذلك، من رفع الصوت، ولطم الوجه، وشق الجيب، وحلق الرأس، وما إلى ذلك من الأمور المحرمة المنكرة. تراجم رجال إسناد حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحدى بناته وبكاؤه عند وفاة ابنها قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] . هو هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة] . شعبة مر ذكره. [عن عاصم الأحول] . هو عاصم بن سلميان الأحول، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت أبا عثمان] . هو النهدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أسامة بن زيد] . أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم فذكر الحديث، قال أنس: لقد رأيته يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا بك يا إبراهيم لمحزونون) ] . أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) ، وهذا يدل على أنه يجوز التسمية في أول يوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) ، وفيه أيضاً: التسمية بأسماء الأنبياء؛ لأنه قال: (باسم أبي إبراهيم) ، وفيه أيضاً: أن الجد وإن علا يقال له أب، فقد قال هنا: (سميته باسم أبي إبراهيم) ، وإبراهيم هو أبٌ عالٍ، ومثله ابن الابن، فإنه يقال له: ابن وإن نزل، فأبو الأب أبٌ وإن علا، فهذا فيه إطلاق الأب على الجد وإن كان عالياً. قوله: (لقد رأيته يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا عند موته، فقد ذكر الولادة أولاً، ثم ذكر الحديث حتى وصل إلى ما يتعلق بموته، وأنه كان يكيد بنفسه، أي: أن روحه تُنزع. قوله: (فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذه رحمة من الله عز وجل جعلها في قلبه صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجعلها في قلوب من يشاء من عباده. وقال: (تدمع العين، ويحزن القلب) ، أي: أن هذا شيءٌ لا محذور ولا مانع فيه، (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) ، أي: لا نتكلم بكلام إلا وهو يرضي الله عز وجل، وهذا يدل على أنه لا يتكلم بكلامٍ يسخط الله، أو بكلامٍ فيه دعاء على الإنسان نفسه، كالدعاء بالويل والثبور عند المصيبة، فكل ذلك لا يجوز. قوله: (إنا بك يا إبراهيم لمحزونون) ، يعني: بفراقك أصابنا الحُزن. تراجم رجال إسناد حديث بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم قوله: [حدثنا شيبان بن فروخ] . شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا سليمان بن المغيرة] . سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ثابت البناني عن أنس] . ثابت البناني وأنس مر ذكرهما. وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود، فبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام فيها أربعة أشخاص فقط. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الأسئلة صوم يوم عرفة في البلدان التي تتقدم على المملكة بثمان ساعات السؤال رجل سافر إلى أستراليا للعمل، ووافق هناك يوم عرفة، فأراد أن يصوم، مع العلم أنهم يتقدمون علينا بثمان ساعات، فكيف يصوم قبل عرفة بثمان ساعات؟ الجواب يصوم نفس اليوم سواءً تقدم أو تأخر. ليس المرض دليلاً على محبة الله دائماً السؤال هل عدم مرض الإنسان دليل على أن الله لا يحبه؛ لأن الله إذا أحب العبد ابتلاه؟ الجواب لا يقال هذا، فالمهم هي الأعمال الصالحة، فإذا كان الإنسان في صحة وعافية، وعلى أعمال صالحة فهذا هو مناط المحبة، فإن مناط المحبة هو العمل الصالح: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] . النّوح شرح حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن النياحة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النوح. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن النياحة) ] . لما ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى الباب المتعلق بالبكاء، وأورد فيه بعض الأحاديث الدالة على أن ذلك لا محذور فيه، وأن هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، أورد بعد ذلك هذا الباب فقال: [بابٌ في النوح] ، وهو رفع الصوت عند المصيبة بالصياح والبكاء، وهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز. وأورد فيه حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها، وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ علينا عند البيعة ألا ننوح) ؛ لأنه عندما كان يبايع النساء كان من جملة ما يأخذ عليهن ألا ينحن، وإنما أخذ ذلك عليهن لأن الغالب أنه يحصل منهن لشدة جزعهن، وأنهن لا يملكن أنفسهن كما يملكها الرجال، ولهذا منع النساء من اتباع الجنائز، وكذلك من زيارة القبور؛ لأن ذلك قد يكون سبباً في نياحتهن، فقد أخذ في المبايعة على النساء ألا ينحن لأنهن مظنة ذلك، ولهذا جاءت الأحاديث التي فيها لعن الصالقة والحالقة والشاقة، بذكر المرأة، وبذكر الضمير، وهو تاء التأنيث، فقد جاء في الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصالقة والحالقة والشاقة) ، ومثلها من حصل منه ذلك من الرجال، فالرجال إذا حصل من أحدٍ منهم شيء من ذلك فله ذلك الحكم، ولكنه أُتي بذلك في حق النساء، لأنه يقع منهن أكثر من الرجال، والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، فقد أُتي بهذه الأوصاف مضافة إلى النساء؛ لأنهن مظنة لذلك، ولضعفهن وجزعهن. تراجم رجال إسناد حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن النياحة قوله: [حدثنا مسدد] . هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي. [حدثنا عبد الوارث] . هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب] . هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حفصة] . هي حفصة بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [عن أم عطية] . أم عطية رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن ربيعة عن محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النائحة والمستمعة) ] . أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة) ، والنائحة: هي التي تنوح وتظهر صوتها عند المصيبة، والمستمعة: هي التي تستمع لها وتوافقها على ذلك، وتكون معها على ذلك من غير كراهية ولا إنكار، وجاء هنا ذكر المستمعة لأنها هي التي تصغي وتتجه إلى ذلك، بخلاف السامعة أو السامع، وبهذا يفرق بين المستمع والسامع، فالمستمع هو الذي ينصت ويكون قلبه وذهنه مشدوداً مع من يتكلم، وأما السامع فهو الذي يسمع الصوت ولا يتابع ولا يتأمل، ولهذا يقول الفقهاء: إذا كان هناك قارئ يقرأ القرآن فقرأ آية سجدة فعلى الذي يستمع أن يسجد معه، وأما السامع فلا يلزمه السجود؛ لأنه لم يكن متابعاً. فالمستمعة هي التي تنصت، وتتابع النائحة وترضى بذلك، ويعجبها ذلك، ولا تنكره ولا تكرهه، فجعل اللعن لهما جميعاً، وبالنسبة للنائحة قد جاءت فيها أحاديث أخرى مثل الحديث الذي أشرنا إليه. والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ثلاثة رجال متكلماً فيهم، وفيهم ضعف، وفيهم من هو مجهول أو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة) قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى] . هو إبراهيم بن موسى الرازي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا محمد بن ربيعة] . محمد بن ربيعة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن محمد بن الحسن بن عطية] . محمد بن الحسن بن عطية صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود. [عن أبيه] . أبوه ضعيف أخرج له أبو داود. [عن جده] . جده هو عطية بن سعد العوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبي سعيد الخدري] . هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث ضعيف؛ ففي سنده محمد بن الحسن بن عطية وهو متكلم فيه، وكذلك أبوه وجده. شرح حديث (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة وأبي معاوية المعنى، عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه) ، فذُكر ذلك لـ عائشة فقالت: وَهِلَ -تعني ابن عمر - إنما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبر فقال: (إن صاحب هذا ليعذب وأهله يبكون عليه) ، ثم قرأت: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ، قال عن أبي معاوية: على قبر يهودي]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) ، ولما بلغ ذلك عائشة رضي الله عنها قالت: وَهِلَ، أي: أنه حصل له ذهول وعدم ضبط للأمر، وحقيقة الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ وقال: (إنه يعذب وأهله يبكون عليه) ، وفي بعض الروايات: أن الميت كان يهودياً، ومعنى ذلك: أنه في الوقت الذي يبكي فيه أهله عليه فهو يعذب، ولكن جاء في حديث ابن عمر: (يعذبُ الميت بما نِيْحَ عليه) يعني: بسبب النياحة عليه، وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قالت: وهِل، وأشارت إلى ذلك الذي ذَكرته في قصة الرجل الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُعذب وأهله يبكون عليه، ولم يقل: إنه ببكاء أهله عليه، وفي بعضها: أنه يهودي، ولما بلغها ذلك أنكرت، وقالت ما قالت، ثم استدلت بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] . والحديث ثابت عن عبد الله بن عمر، وفيه: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وقد ذكر العلماء أجوبة عن كون الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، والله عز وجل قد قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ، وأن الإنسان لا يعذب بجريرة غيره، وبذنب غيره، وإنما يُعذب بعمله، فمن الأجوبة التي أجاب بها العلماء: أنه إذا أوصى بأن يُناح عليه فإنه يُعذب بسبب ذلك، ويكون هذا من عمله، وأنه يُعذب بشيءٍ من سببه، وأنه ما نهى عن ذلك، وإنما أمر بذلك وأوصى به، وهذا معلوم أنه لو أوصى فإنه يُعذب، أو أنه يستحق العذاب على ذلك، ولو لم ينح عليه؛ لأنه فعل أمراً منكراً، وهو الوصية بالأمر المحرم. ومن العلماء من قال: إذا كان معروفاً من عادة الناس ومن طريقهم أنهم ينوحون ولم يحذر من ذلك، ولم ينه عن ذلك، فإنه يعذب بسبب ذلك، ومنهم من قال: إن المقصود أنه يعذب مثلما جاء عن عائشة أنه إنما يُعذب في الوقت الذي كان أهله ينوحون عليه، ولكن هذا ليس فيه ذكر أن العذاب بسبب النياحة. والوجه الرابع من الوجوه التي أجاب بها العلماء: أنه ليس المقصود بكونه يُعذب في قبره أنه يُعاقب على فعلٍ فعله غيره، وهو النياحة، وليس هذا العذاب عقوبة على فعلهم ذلك الذي هو النياحة، وإنما المقصود: إخبار عن شيءٍ يحصل له وهو التألم والتأثر من فعلهم ذلك، وقد رجح هذا ابن القيم في تهذيب السنن، وقال: إنه قد جاء في الحديث الصحيح أنه يقال له بعد نوحهم عليه بقولهم: واجبلاه! واكذا! واكذا! فيقال: أنت كذلك؟ أنت كذا؟ أنت كذا؟ فيتألم بذلك الشيء وإن لم يكن عقوبة له على فعلٍ حصل منه، وقال: هذا من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب) ، وليس معنى ذلك أن الإنسان يُعذب على ما يحصل له في سفره من تعبٍ ونصب، وإنما هذا إخبار عن شيءٍ قد حصل له، فيكون هذا من جنسه، وهذا هو الذي رجحه ابن القيم في تهذيب السنن. تراجم رجال إسناد حديث (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) قوله: [حدثنا هناد بن السري] . هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبدة] . عبدة بن سليمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وأبي معاوية] . هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام بن عروة] . هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . أبوه هو عروة بن الزبير، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر] . هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قول ابن القيم في المراد بتعذيب الميت ببكاء أهله عليه قال ابن القيم رحمه الله: المسلك الرابع: أن المراد بالحديث: ما يتألم به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره مما يتأذى به ونحوه، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (السفر قطعة من العذاب) ، وليس هذا عقاباً على ذنب وإنما هو تعذيب وتألم، فإذا وبِّخ الميت على ما يُناح به عليه لحقه من ذلك تألم وتعذيب، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: أُغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه! واكذا! واكذا! تَعُد عليه، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك؟! وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن ثابت: (فإذا وجب فلا تبكين باكية) ، وهذا أصح ما قيل في الحديث. قوله: إذا وجب، أي: أنه بعد حصول الموت، وهذا أصح ما قيل في الحديث، وهو الذي اختاره ابن القيم من المسالك الأربعة. ويقول: ابن القيم: ولا ريب أن الميت يسمع بكاء الحي ويسمع قرع نعالهم، وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء، فإذا رأى ما يسوءه تألم له، وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] . انتهى. هذا الكلام غير واضح، أي: كون الميت يسمع بكاء أهله وغير ذلك، فهذا الكلام غير واضح؛ لأن هذه من أمور الغيب التي لا يقال فيها إلا بدليل، وأما ما يتعلق بقرع النعال فقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يسمع قرع نعالهم، فأمور الغيب يقتصر فيها على ما ورد، وما لم يرد يُسْكت عنه، ومما يدل على أن الميت لا يعلم ما يجري بعده، ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يذاد أناس عن الحوض فيقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك فلا حاجة لأن يقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إذا كان يدري، فقولهم له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، يدل على أن أمور الغيب لا يثبت منها شيء إلا بدليل. شرح حديث (ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن يزيد بن أوس قال: دخلت على أبي موسى رضي الله عنه وهو ثقيل -أي مريض- فذهبتْ امرأته لتبكي أو تهُمَّ به، فقال لها أبو موسى: أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: بلى، قال: فسكتت، فلما مات أبو موسى قال يزيد: لقيت المرأة فقلت لها: ما قول أبي موسى لكِ: أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سكت؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من حلق، ومن سلق، ومن خرق) ] . أورد أبو داود حديث امرأة أبي موسى، وكذلك أبي موسى، إلا أن حديث أبي موسى مجمل، ولكن زوجته هي التي روت وفصلت الحديث، ويقال لها أم عبد الله، وفي هذا الحديث: أن يزيد بن أوس قال: دخلت على أبي موسى وهو ثقيل، أي: أنه مريض مرضاً شديداً، فذهبت امرأته لتبكي أو لِتُهمَ بالبكاء، فقال لها: أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسكتت، ثم لما تُوفي أبو موسى الأشعري لقيها يزيد وقال لها: ما الذي يعنيه أبو موسى عندما قال لك: أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سكت؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من حلق، ومن سلق، ومن خرق) أي: ليس من أهل طريقتنا وسنتنا ومنهجنا، وهذا وعيدٌ شديد في حق من حصل منه ذلك، والمقصود بقوله: (ليس منا من سلق) أي: من رفع صوته بالمصيبة، (وحلق) أي: حلق الرأس بسبب المصيبة، (وخرق) أي: خرق الثوب وشقه بسبب المصيبة، وهو مثلما جاء في الحديث الآخر: (لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة) . تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي، فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة) . [حدثنا جرير] . هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن منصور] . هو منصور بن المعتمر الكوفي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم] . إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن أوس] . يزيد بن أوس مقبول أخرج له أبو داود والنسائي. [قال: دخلت على أبي موسى] . هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وامرأته هي أم عبد الله بنت أبي دومة، وهي صحابية أخرج لها مسلم وأبو داود والنسائي. شرح حديث (كان فيما أخذ علينا رسول الله ألا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً) قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا حميد بن الأسود حدثنا الحجاج -عامل لـ عمر بن عبد العزيز على الربذة- حدثني أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه: ألا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وألا ننشر شعراً) ] . أورد أبو داود رحمه الله حديث امرأة من الصحابيات المبايعات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان فيما أخذ علينا الرسول عليه الصلاة والسلام في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه -أي: عن البيعة- ألا نخمش وجهاً) أي: ألا تخمش المرأة وجهها، أو تضرب وجهها، أو تضرب خدها. (ولا ندعو ويلاً) وهذا هو محل الشاهد، ومنع ذلك لأنه من النياحة، وهو رفع الصوت بالويل والثبور وغير ذلك. (ولا نشق جيباً) وهذا أيضاً عند المصيبة. (وألا ننشر شعراً) أي: أن ينفش الشعر من أجل المصيبة. تراجم رجال إسناد حديث (كان فيما أخذ علينا رسول الله ألا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً) قوله: [حدثنا مسدد] . مسدد مر ذكره. [حدثنا حميد بن الأسود] . حميد بن الأسود صدوق يهمُ قليلاً، أخرج به البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا الحجاج، عامل لـ عمر بن عبد العزيز] . قيل: هو ابن صفوان، وهو عامل لـ عمر بن عبد العزيز، وهو صدوق له أخرج أبو داود. [عن أسيد بن أبي أسيد] . أسيد بن أبي أسيد صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [عن امرأة من المبايعات] . قال ابن حجر: لا يعرف اسمها، ومعلومٌ أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر، فالمجهول فيهم في حكم المعلوم كما عرفنا ذلك مراراً وتكراراً. صنعة الطعام لأهل الميت شرح حديث (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صنعة الطعام لأهل الميت. حدثنا مسدد حدثنا سفيان حدثني جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمرٌ شغلهم) . ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب صنعة الطعام لأهل الميت] ، أي: أن أهل الميت قد حصل لهم ما يحزنهم وصارت نفوسهم متأثرة، فليس عندهم انشراح ولا استعداد للطبخ وصنع الطعام، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يصنعوا لهم الطعام، وأن يرسلوه إليهم؛ لأنه قد جاءهم ما يشغلهم عن صنع الطعام، فهذا يدل أن على أقارب الميت سواء كانوا القريبين جداً أو غير ذلك أن يصنعوا لهم طعاماً، وأن يرسلوه إليهم، ويكون ذلك الطعام لهم، وليس المقصود من ذلك أن تكون هناك ضيافة، وأن يجتمع الناس بمناسبة الموت، فيأتي لهم أهل الميت بالطعام أو غيرهم، ويُدعى الناس إليه، ويتجمعون عند أهل الميت من أجل الأكل، كما يُفعل ذلك في هذا الزمان في بعض البلاد من بناء السرادقات، ووضع الأنوار، وجلب أناس يقرءون، ثم يتجمع الفقراء ويُصنع لهم طعام لعدة أيام، فيأكل الناس منه، فيصير الأمر وكأنه مناسبة فرح وسرور، وليس مناسبة حُزن وألم وتأثر بسبب الميت الذي فقدوه، ولهذا فإن مثل ذلك من الأمور المحدثة المبتدعة التي أحدثها الناس، وأما الذي جاءت به السنة فهو أن بعض أقارب أهل الميت يصنعون لهم طعاماً على قدرهم. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن جعفر، وفيه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) ، وجعفر هو ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد استشهد في غزوة مؤتة، وهو أحد الأمراء الثلاثة الذين قُتلوا في سبيل الله، وهو الذي قُطعت يداه، وأصابته سِهام كثيرة حتى أثرت في جسده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عبد الله بن جعفر: (هنيئاً لأبيك رأيته يطير مع الملائكة) ، ويقال له: ذو الجناحين، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري إذا لقي عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين! والمقصود أنه عوّض بجناحين بدلاً من يديه اللتين قطعتا في سبيل الله، فكان يطير مع الملائكة كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان] . مسدد مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني جعفر بن خالد] . جعفر بن خالد ثقة أخرج له أصحاب السنن. [عن أبيه] . أبوه هو خالد بن سارة، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن. [عن عبد الله بن جعفر] . هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [365] الحلقة (397) شرح سنن أبي داود [365] غسل الميت واجب على الأحياء، وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وقد جاءت صفته في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الشهيد فلا يغسل ولا يكفن، بل يدفن في ثيابه التي استشهد فيها. تغسيل الشهيد شرح حديث: (رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشهيد يُغسل. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا معن بن عيسى (ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (رمي رجل بسهمٍ في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الشهيد يُغسل] ، أي: ما حكم ذلك؟ هل يغسل أو لا يغسل؟ و الجواب أنه لا يغسل، فالمقصود بالترجمة: بيان حكم تغسيله وأنه لا يغسل، فقد جاءت السنة بعدم تغسيله، وجاء في بعض الروايات: أنه يأتي يوم القيامة وذلك علامة عليه، وأنه يأتي ودمه يسيل، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ومعنى ذلك: أن أثر الاستشهاد والقتل في سبيل الله يبقى عليه، إذاً فلا يُغسل؛ لأن الغسل يزيله ويُذهِب أثره، والمقصود بقاء ذلك الأثر؛ لأنه علامة على كونه استشهد وقتل في سبيل الله، وهذا من جنس قصة ذلك الرجل الذي وقصته ناقته في الحج في عرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيباً؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً) أي: أن ذلك يكون علامة على حجه وتلبسه بتلك العبادة التي مات وهو متلبس بها، فهنا لا يُغسل الشهيد؛ ليكون ذلك علامة له يوم القيامة يُعرف بها. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (رمي رجلٌ بسهم في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو) ، ومحل الشاهد قوله: (كما هو) أي: أنه لم يغسل، وإنما دفن على هيئته التي هو عليها، فالشهيد إذن لا يُغسّل. قوله: (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يعني: أنه في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (رُمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معن بن عيسى] . هو معن بن عيسى صاحب الإمام مالك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [(ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي] . هو القواريري، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي] . وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم بن طهمان] . إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الزبير] . هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حكم تغسيل الشهيد المقتول في غير معركة قد يقال: لماذا غُسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ و الجواب أن عمر رضي الله عنه لم يكن شهيد معركة، فالذين لا يغسلون هم الذين قُتلوا في المعركة، وأما غيرهم ممن وصفوا بأنهم شهداء فهؤلاء يغسلون، وقد مر بنا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الشهادة فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله، فقال: الشهداء سبعة) وذكر أصنافاً من الشهداء ليسوا شهداء معركة في سبيل الله، لكنهم يوصفون بأنهم شهداء، ويغسلون. شرح حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) قال المصنف رحمه الله: [حدثنا زياد بن أيوب وعيسى بن يونس قالا: حدثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) ] . أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود) والمقصود بالحديد هنا السلاح، وهي الدروع، والجلود هي ما يُلبس من الجلود كالفراء. قوله: (وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) أي: ولا يغسلون. تراجم رجال إسناد حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) قوله: [حدثنا زياد بن أيوب] . زياد بن أيوب ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [وعيسى بن يونس] . هو عيسى بن يونس الطرسوسي، وهو صدوق أخرج له أبو داود. [حدثنا علي بن عاصم] . علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، أي: على الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن عطاء بن السائب] . عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن. [عن سعيد بن جبير] . سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث إسناده ضعيف، إلا أن عدم تغسيل الشهداء أمر ثابت في كثير من الأحاديث، والضعف الذي في الإسناد هو بسبب عطاء بن السائب؛ لأنه صدوق اختلط، وعلي بن عاصم ممن روى عنه بعد الاختلاط، ثم أيضاً علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر على الخطأ، إذن ففي هذا الحديث علتان. وتسمية حنظلة بغسيل الملائكة مع أنه شهيد رضي الله عنه لا يدل على أن الشهداء يغسلون؛ لأن الملائكة غسلته من أجل الجنابة، فقد خرج إلى القتال وهو جنب. ولا يلزم من ذلك أن الرجل إذا مات وعليه جنابة أن يغسل مرتين: غسل جنابة وغسل ميت؛ بل يكفيه غسل واحد، وهذا كغسل الجمعة وغسل الجنابة، فقد سبق أن مر بنا في سنن أبي داود أنه قال: إذا كان الرجل عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر فإنه يجزئ عن الجمعة، أي: أنه ينوي هذا وهذا. شرح حديث: (أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصلّ عليهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب (ح) وحدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب وهذا لفظه أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: (أن شهداء أُحدٍ لم يُغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم) ] . أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [(إن شهداء أحد لم يُغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم)] ، ومعنى ذلك أنهم لم يُغسلوا، بل دفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم، وهذا يدل على أن الشهداء لا يُغسلون؛ ليبقى ذلك الأثر علامة على الشهادة في سبيل الله عز وجل. قوله: [(ولم يصل عليهم)] وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة، وفي بعضها أنه صلى عليهم كلهم، ولهذا اختلف العلماء في الصلاة على الشهيد، هل يُصلى عليه أم لا يُصلى عليه؟ ووفق بينها الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: إن المسلم مخير بين أن يُصلي عليهم أو أن يترك ذلك، فإن صلى عليهم فقد جاء ما يدل على ذلك، وإن لم يصل عليهم فقد جاء ما يدل على ذلك، فيكون الأمر على التخيير، ولكن الصلاة عليهم أولى إذا أمكن، فهي زيادة خير؛ لما فيها من الدعاء. وأما بالنسبة للتغسيل فإنهم -كما عرفنا- لا يُغسلون؛ ليبقى ذلك الدم علامة يعرفون بها يوم القيامة. وعلى هذا: فتكون الصلاة عليهم ليست بواجبة كغيرهم، فغيرهم تجب الصلاة عليه على الكفاية، فإن الصلاة على الميت من فروض الكفايات، وأما بالنسبة للشهداء فتجوز الصلاة عليهم، ويجوز تركها، والصلاة عليهم أولى. تراجم رجال إسناد حديث: (أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] . هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [حدثنا ابن وهب] . هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [(ح) وحدثنا سليمان بن داود المهري] . هو سليمان بن داود المهري المصري، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي. [أخبرنا ابن وهب، وهذا لفظه] . أي: لفظ سليمان؛ لأن ابن وهب يروي عنه في الطريقين. [أخبرني أسامة بن زيد الليثي] . أسامه بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [أن ابن شهاب أخبره] . هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن أنس بن مالك حدثهم] . أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة وقد مثل به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب - (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو صفوان -يعني المرواني -عن أسامة عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه المعنى، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على حمزة رضي الله عنه وقد مُثِلّ به فقال: (لولا أن تجد صفية رضي الله عنها في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يُحشر من بطونها، وقلت الثياب، وكثرت القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون بالثوب الواحد) . زاد قتيبة: (ثم يدفنون في قبرٍ واحد، فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسأل: أيهم أكثر قرآناً؟ فيقدمه إلى القبلة) . أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما رأى حمزة وقد مثل به: (لولا أن تجد صفية) ، وهي عمة رسول الله وأخت حمزة. قوله: (لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية) ، العافية هي الطيور، أي: يتركه حتى يحشر من بطونها، وهذا هو سبب إيراده في هذا الباب، أي: أن الشهيد لا يُغسل؛ لأن قوله: (تركته) معناه لم يغسله. ولا أدري ما وجه قوله: (حتى تأكله العافية، وحتى يحشر من بطونها) ، فكما هو معلوم أن الأموات من الشهداء وغير الشهداء كلهم يدفنون في الأرض، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حق حمزة: (لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، وحتى يُحشر من بطونها) لا أدري ما وجه ذلك. قوله: (وقلّت الثياب وكثرت القتلى) أي: أنهم ليس عندهم أكفان تكفيهم جميعاً، فكان الجماعة يكفَنون بالثوب الواحد، ومعنى كونهم يكفنون بالثوب الواحد: أن الثوب الذي يكفي الواحد كان يُقسم على اثنين أو ثلاثة، وليس معنى ذلك أنهم يلفون في ثوب واحد، فيستر رأس الميت، أي: أنه يُبدأ من جهة رأسه، وإذا بقي شيءٌ من جهة رجليه فإنه يستر بورق الشجر أو غيره، كما جاء في بعض الأحاديث في قصة مصعب بن عمير، فإنهم لم يجدوا له شيئاً يكفنونه به إلا قطعة صغيرة، فكانوا إن جعلوها على رأسه بدت رجلاه وإن جعلوها على رجليه بدا رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها على رأسه، واجعلوا على رجليه إذخراً) . وفي الحديث أيضاً جواز دفن الجماعة في قبر واحد، وذلك جائز عند الحاجة، كأن يكثر الموتى، فإنه يشق حفر القبور للجميع في وقت واحد، وهذا الأمر جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في هذا الحديث. قوله: (ثم يدفنون في قبر واحد، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل: أيهم أكثر قرآناً؟ فيقدمه إلى القبلة) وهذا يدل على فضل حامل القرآن. وقد اشتهر عند الناس دفن الأطفال بجانب الأموات لعل الميت يُرحم بمجاورتهم!! وهذا لا يشرع، ولا بأس به عند الحاجة، وأما عند عدم الحاجة فلا وجه له، وهذا يفعله بعض الناس، وتجدهم يحرصون إذا مات رجل وطفل على أن يدفن الطفل مع الرجل؛ ليؤنسه!! فمن أين للناس هذه الاعتقادات؟! فإن الإنسان لا يؤنسه في قبره إلا العمل الصالح، وأما غيره فلم يأت شيء يدل عليه، بل كما هو معلوم أن المنعّم منعَّم، وأن المعذب معذب، ولو كانوا في قبرٍ واحد، فهذا لا يدري عن عذاب هذا، وهذا لا يدري عن نعيم هذا، وأمور القبر هي من أمور البرزخ التي لا تُعلم كيفيتها، ولا يبحث عن كيفيتها، بل يجب أن يصدق بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم نقف على الكنه والكيفية. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة وقد مثل به) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة مر ذكره. [حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب -] . زيد بن الحباب صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [(ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو صفوان -يعني المرواني -] . هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، يقال له: المرواني، ويقال له: الأموي، نسبة إلى مروان، ونسبة إلى بني أمية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن أسامة عن الزهري عن أنس بن مالك] . قد مر ذكرهم. شرح حديث الصلاة على حمزة بعد قتله وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس العنبري حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أسامة عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بـ حمزة وقد مُثِّل به، ولم يصل على أحدٍ من الشهداء غيره) ] . أورد أبو داود حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـ حمزة رضي الله عنه وقد مثل به، ولم يصل على أحدٍ من الشهداء غيره) ، والمقصود من هذا أنه لم يصل على أحد غيره استقلالاً، وإلا فقد جاء ما يدل على أنه صلى على غيره معه، وأنها تكررت الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة. قوله: [حدثنا عباس العنبري] . هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا عثمان بن عمر] . عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أسامة عن الزهري عن أنس] . قد مر ذكرهم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم ولم يغسلوا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب أن الليث حدثهم عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ويقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أُشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يُغسلوا) ] . أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله، وهو مثل الذي قبله في عدم تغسيل الشهيد، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا، وفيه كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد، ويسأل عن أكثرهما أخذاً للقرآن فيقدمه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم ولم يغسلوا) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب] . يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [أن الليث حدثهم] . هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك] . عبد الرحمن بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . هو جابر بن عبد الله، وقد مر ذكره. شرح حديث دفن قتلى أحد بدمائهم والجمع بين الرجلين منهم في ثوب وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب عن الليث بهذا الحديث بمعناه، قال: (يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوبٍ واحد) ] . أورد المصنف الحديث من طريقٍ آخر، وفيه: (أنه جمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد) في حال التكفين، ولكن كأن المقصود: في قبر واحد، وأما الثوب الواحد فإنه يقسم على اثنين كما مر في الحديث السابق. قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن الليث بهذا الحديث بمعناه] . قد مر ذكرهم جميعاً. ستر الميت عند غسله شرح حديث: (لا تبرز فخذك ولا تنظرن إلى فخذ حي ولا ميت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ستر الميت عند غسله. حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تبرز فخذك، ولا تنظرنّ إلى فخذ حي ولا ميت) ] . أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في ستر الميت عند غسله، أي: أن عورته تستر عند غسله، والعورة هي من السرة إلى الركبة، ويكون الغسل من تحت السترة التي تكون على العورة، وأما غير العورة فلا بأس أن يكون مكشوفاً، كساقيه، وما فوق سُرته. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً: (لا تبرز فخذك، ولا تنظرنّ إلى فخذ حي ولا ميت) ، ومحل الشاهد من هذا الحديث هو قوله: (ولا ميت) ، والحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين ابن جريج وحبيب بن أبي ثابت، وقيل أيضاً: إن فيه انقطاعاً بين حبيب بن أبي ثابت وعلي، فـ حبيب بن أبي ثابت يرسل ويُدلس، والانقطاع بين ابن جريج وحبيب بن أبي ثابت واضح وبيّن، فقد قال ابن جريج: أُخبرتُ عن حبيب بن أبي ثابت، فالمُخبِر غير مذكور، إذاً: فهناك واسطةٌ محذوفة، فالحديث ضعيف. ولكن ذكْر الفخذ والعورة جاء في أحاديث متعددة، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إنها تصل إلى حد الاحتجاج بمجموعها، فقد جاء في بعض الأحاديث بدو فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها تذكر شيئاً حول شكل فخذه وساقيه، وجاء عن أنس: (أنه انحسر عن فخذه صلى الله عليه وسلم وكان راكباً على دابته، وهو في زقاق من أزقة خيبر، وذلك يوم فتح خيبر) ، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا الانحسار هو بسبب شدة جري الفرس الذي كان راكباً عليه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الاحتياط في الدين، وأن الأخذ بما جاء في ستر العورة، والاحتراز فيها، وعدم النظر إليها، وعدم إبدائها، هو الذي ينبغي أن يحرص عليه. وقال بعض أهل العلم: إن العورة عورتان: عورة مغلظة، وعورة مخففة، فالعورة المغلظة هي السوءة، والعورة المخففة هي الفخذان، فعلى الإنسان أن يحرص على ألا يبدي شيئاً من عورته مطلقاً، سواء كانت المغلظة أو المخففة، وإن كان بعضها أشد من بعض، إلا أن هذا مثل الحِمى، ومن تساهل في الحِمى يمكن أن يتساهل حتى يصل إلى ما هو مغلظ. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبرز فخذك ولا تنظرن إلى فخذ حي ولا ميت) قوله: [حدثنا علي بن سهل الرملي] . علي بن سهل الرملي صدوق أخرج له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة. [عن حجاج] . هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن جريج] . هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت] . وهذا فيه واسطة محذوفة كما هو ظاهر، وحبيب بن أبي ثابت ثقة يُرسل ويُدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عاصم بن ضمرة] . عاصم بن ضمرة صدوق أخرج له أصحاب السنن. [عن علي] . هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث غسل الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير أنه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلِّم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه) . أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي تكلم أصحابه كيف يغسلونه؟ هل يجردونه كما يجردون الموتى؟ وهذا يدلنا على أنهم يجردون الموتى عند التغسيل، ولكنهم لما توفي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في ذلك؛ هل يعمل به كما يعمل بغيره أو لا؟ فألقى الله عليهم النوم حتى صار كل واحد منهم ذقنه على صدره، فسمعوا صوتاً من ناحية البيت يقول: اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يغسلونه وعليه ثيابه، فكانوا يصبون الماء ويغسلونه من وراء الثياب، أي: أن أيديهم لم تمس بشرته صلى الله عليه وسلم. ومحل الشاهد من إيراد الحديث تحت الترجمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستوراً عند تغسيله، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فغيره كان يجرد من الثياب مع ستر العورة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد غسل وعليه قميصه صلى الله عليه وسلم، فلم يجرد منه، وأما غيره فإنه يجرد ولكن تغطى سوأته وتُغسل السوأة من تحت الستار، ويكون ذلك بشيءٍ يغسل به كالقماش ونحوه، وهذا فيما إذا كان الذي يغسل غير الزوجة أو الزوج، وأما الزوجة والزوج فلكل منهما أن يغسل الآخر، وأن ينظر إلى عورة صاحبه، وقد جاء في الحديث: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) ، فتغسيل أحد الزوجين للآخر ونظره إلى سائر جسده هذا أمر لا إشكال فيه، وإنما الشأن في غيرهما، فلا ينظر إلى العورة، ولذا جاء عن عائشة أنها قالت: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلا أزواجه) أي: كأنه بدا لها في آخر الأمر أنه لو كان كل شيءٍ أمامها ولم يمض ولم يفت ما فات؛ لكان أزواجه هن اللاتي يغسلنه، ومعلومٌ أن الزوجة إذا غسلت زوجها فإنها سترى منه كل شيء، كما أن الرجل له أن يغسل زوجته، وأن يرى منها كل شيء، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عائشة: (لو مت قبلي غسلتك ودعوت لك) ، فالرجل يغسل زوجته، والزوجة تُغسل زوجها. إذاً: ستره صلى الله عليه وسلم كله عند غسله هو من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأما غيره فكانوا يجردونهم من ثيابهم، ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أيضاً أن الناس صلوا عليه وحداناً، فكان كل واحد يصلي عليه لوحده، ولهذا تأخر بقاؤه ودفنه يومين؛ ليتمكن الجميع من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وقد أمنوا عليه من التغير، وكانوا يصلون عليه وحداناً؛ ليكون إمامهم حياً وميتاً صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً أن من خصائصه أنه يدفن في بيته، فقد دفن صلى الله عليه وسلم في بيته، وأما غيره فلا يجوز دفنه في بيته، ومن خصائصه أيضاً: أنه جعل تحته في لحده قطيفة حمراء، وقد ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة عبد الله بن لهيعة هذه الخصائص الأربع، ومنها: أنه دفن في بيته، فلا يجوز لغيره أن يحتج بذلك، أو أن يدفن في البنيان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا من خصائصه. تراجم رجال إسناد حديث غسل الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه قوله: [حدثنا النفيلي] . هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا محمد بن سلمة] . هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني، وهو ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [عن محمد بن إسحاق] . هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [حدثني يحيى بن عباد] . هو يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [عن أبيه عباد بن عبد الله] . أبوه عباد بن عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت عائشة] . عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة حكم غسل الزوج لزوجته والزوجة لزوجها بعد الموت السؤال بعض الفقهاء يقول: إن الزوج لا يُغسل زوجته وكذلك الزوجة لا تُغسله لأن عقد الزوجية انتهى، فهل هذا صحيح؟ الجواب معلوم أنها تحدّ عليه أربعة أشهر وعشراً، أو مدة حملها إن كانت حاملاً، وكل ذلك من أجله، لأنها محبوسة عليه هذه المدة وإن حصل الموت، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: (لو متِّ قبلي غسلتكِ) ، وعائشة تقول كما في هذا الحديث: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أهله) ، ولذلك لا يقال: إن الزوجية انتهت، وأنه ليس هناك أي ارتباط؛ فيحرم عليه أن ينظر إليها وأن تنظر إليه، فإن كلاً من الزوجين يجوز له أن ينظر إلى عورة الآخر، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث أن المرأة إذا كان لها عدة أزواج فإنها تكون في الجنة للآخر منهم، وهذا الآخر هو الذي ماتت وهي عنده، فدل ذلك على أنه لم ينفصل ما بينهما. حكم تغسيل المحارم للمرأة السؤال هل يجوز أن يغسل المرأة محارمها؟ الجواب لا يغسل الرجالُ النساءَ إلا الزوج للزوجة، ولا تُغسل النساءُ الرجالَ إلا الزوجة لزوجها، فالمحارم لا يغسلون محارمهم، فلا يغسل الرجل أمه، ولا أخته، والبنت لا تغسل أباها، وإنما تغسل النساء النساء، والرجال يغسلون الرجال، والمرأة تغسل زوجها، والرجل يغسل زوجته. كيف سمع الصحابة الصوت الذي ناداهم مع أنه ألقي عليهم النوم؟ السؤال قوله في الحديث: فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مُكِّلمٌ من ناحية البيت لا يدرون من هو، فكيف سمعوا الصوت وهم نيام؟ الجواب معلوم أنهم أصابهم نُعاس، والنعسان يسمع الصوت كما هو معروف، وكذلك النائم يسمع الصوت فيستيقظ. كيفية غسل الميت شرح حديث أم عطية في غسل زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف غسل الميت. حدثنا القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد المعنى، عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها، أنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته، فقال: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، بماءٍ وسدر، واجعلن في الآخر كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتنّ فآذنني، فلما فرغنا آذنّاه، فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه) ، قال عن مالك: يعني: إزاره، ولم يقل مسدد: (دخل علينا) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة [باب كيف غسل الميت] ، وهذه الترجمة عقدها أبو داود رحمه الله لبيان كيفية تغسيل الميت، وتغسيل الميت يكون وتراً، وكل غسلة منها تستوعب الجسد كله، والواجب هو غسلة واحدة كافية، وإن احتيج إلى أكثر من ذلك فإنه يُغسل وتراً، وهذا يرجع إلى نظر الغاسل، فإذا رأى الغاسل أن التنقية قد حصلت بواحدة فلا بأس، وإن حصلت بثلاث غسلات فبها، وإن حصلت بخمس فكذلك وهكذا، وقد جاء في بعض الروايات أن البدء يكون بالميامن ومواضع الوضوء، ومعنى ذلك أن الغسلة الأولى يكون فيها وضوء، ثم يكمل الغسل، وأما الغسلات الأخرى فإنها تكون مستوعبة لجميع الجسد، ولكن يبدأ بالميامن، وهذا سيأتي في حديث أم عطية: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) . والحاصل: أن الميت يُغسل سائر جسده، وأن ذلك يكون وتراً، والمقصود هو الإنقاء والنظافة، فإذا تمت بدون عددٍ كبير اكتفي بها، وإن احتيج إلى إكثار الغسلات فلا بأس في ذلك. ثم ذكر أبو داود حديث أم عطية قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته) ، قيل: هي زينب، وهي كبرى بناته رضي الله تعالى عنها، وهي زوجة أبي العاص بن الربيع، وأم أمامة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وجاء في بعض الأحاديث -كما سيأتي- أنها أم كلثوم، وأم كلثوم كانت متأخرة الوفاة، فقد توفيت سنة تسع، وقيل: إن أم عطية غسلت هذه وهذه، ولكن المعروف أنها زينب. قوله: (أكثر من ذلك) أي: أكثر من خمس، (إن رأيتن ذلك) أي: إن رأيتن حاجة إلى الزيادة، ولكن ليكن الختم بوتر، وقد جاء أيضاً ذكر السبْع والأكثر من ذلك، ومعنى هذا أن الأمر في غسل الميت مفوَّض إلى الغاسل إذا كان يرى حاجة إلى زيادة الغسلات. قوله: (بماءٍ وسدر) ؛ لأنه يكون أكمل في التنقية والتنظيف. قوله: (واجعلن في الآخرة كافوراً) أي: في الغسلة الأخيرة التي يكون بعدها التكفين، وهذا فيه تصليب للجسد ومناعة. قوله: (أو شيئاً من كافور) هذا شك: هل قال: كافوراً أو شيئاً من كافور؟ قوله: (فإذا فرغتن فآذنني) أي: إذا لم يبق إلا التكفين وفرغتن من الغسل فآذنني، أي: أخبرنني بأنكن انتهيتن. قولها (فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه) ، المقصود بالحقو هنا الإزار، والحقو هو معقل الإزار، وقيل له حقوة؛ لأنه هو الذي يلامسه، وفي بعض الألفاظ: (أنه أعطاهن إزاره) . قوله: (أشعرنها إياه) أي: اجعلنه يلي جسدها؛ لأنه كان يلي جسده صلى الله عليه وسلم، فهو حقوه الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يكون على ابنته ويلي جسدها، وفي ذلك بركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتبرك به وبما لامس جسده صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بذلك، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فكانوا يتبركون بشعره إذا حلقه، وكذلك كانوا يتبركون بفضل وضوئه، ويتبركون بعرقه وما مسته يده صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ولا يقاس غيره عليه؛ ولهذا لم يكن الصحابة يفعلون ذلك مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم خير الناس، وقد ظفر به أصحابه الكرام الذين أكرمهم الله بصحبته، وجعل وجودهم في زمانه، وجعلهم المجاهدين معه، والمتحملين للشريعة، والمبلّغين لها إلى الناس، فكانوا بذلك الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشعار: هو الذي يلي الجسد، والذي فوقه يسمى الدثار، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين لما وجدوا ما وجدوا في أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم وأعطاها المؤلفة قلوبهم، والذين أسلموا عام الفتح؛ ليتألفهم، فوجدوا في أنفسهم وتكلم بعضهم، فقالوا: إن سيوفنا تقطر من دمائهم ثم يُعطيهم العطاء ولم يُعطنا! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في مكان، وتحدث معهم، وبيّن فضلهم، وتكلم بالكلام الذي صار خيراً لهم من إعطاء الإبل والذهب والفضة، فكان مما قاله: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ ثم قال: الأنصار شعار والناس دثار) أي: أن الأنصار كالشعار الذي يلي جسدي، وغيرهم كالدثار الذي يكون وراء ذلك. قوله: [قال عن مالك: يعني: إزاره] هذا تفسير للحقو. قوله: [ولم يقل مسدد دخل علينا] ، هو أحد شيخي أبي داود هنا. تراجم رجال إسناد حديث أم عطية في غسل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: [حدثنا القعنبي] . هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك] . هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [(ح) وحدثنا مسدد] . هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا حماد بن زيد] . حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [المعنى عن أيوب] . قوله: المعنى، أي: أن الطريقين ليستا متفقتين في الألفاظ، وإنما اتفقتا في المعنى، وأيوب هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين] . محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أم عطية] . هي نسيبة الأنصارية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. تنبيهات في غسل الميت تنبيهات: الأول: أن الصابون يقوم مقام السدر، فالمقصود هو التنظيف، وذلك بأي شيء يكون به التنظيف. الثاني: لا معنى لطرح ورق السدر في الماء كما يفعله العامة، قاله العيني، وقال زين بن المنير: ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل؛ لأن قوله: (بماءٍ وسدر) يتعلق بقوله: (اغسلنها) ، قال: وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير؛ لأن الماء المضاف لا يُتَطهر به، وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافاً بذلك؛ لاحتمال ألا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يُغسل بالماء في كل مرة. الثالث: أن غسل الميت مثل الغسل من الجنابة، والمقصود هو استيعابه، فتغسل المغابن والأماكن التي يكون فيها الوسخ، كما بين الفخذين، وكذلك تحت الركب، وكذلك بين الأصابع، والمهم هو أن يُغسل كله. شرح حديث أم عطية في غسل زينب من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة وأبو كامل بمعنى الإسناد، أن يزيد بن زريع حدثهم قال: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن حفصة أخته عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (مشطناها ثلاثة قرون) ] . أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها ما يتعلق بالرأس، وأنهم مشطوها، والمَشْط هو استعمال المُشْط في تسريح الشعر؛ ليظهر ما فيه من وسخ، وجعلوها ثلاثة قرون، أي: ثلاث ضفائر من الجانبين والناصية، وكلها توضع وراءها بعد جعلها ثلاث ضفائر، كما سيأتي في رواية أخرى، وقد أخذ بعض أهل بعض العلم من هذا أن الميت تخلل لحيته بالمشط أي: تسرّح بالمشط؛ من أجل تنظيفها. قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة] . أحمد بن عبدة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [وأبو كامل] . هو أبو كامل الجحدري واسمه فضيل بن حسين، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي. [أن يزيد بن زريع حدثهم] . يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن حفصة] . حفصة هي بنت سيرين، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. وقد رواه محمد بن سيرين في الطريق الأولى عن أم عطية رضي الله عنها، وهنا يرويه عن أخته حفصة عن أم عطية، فلعله سمعه أولاً بواسطة ثم سمعه بعد ذلك مباشرة. [عن أم عطية] . أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قد مر ذكرها. شرح حديث أم عطية في غسل زينب من طريق ثالثة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: (وضفرنا رأسها ثلاثة قرون، ثم ألقيناها خلفها: مقدم رأسها وقرنيها) ] . أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى، وفيه تفصيل ما يتعلق بالرأس، ففي الرواية السابقة ذكرت أنهن مشطنه وجعلنه ثلاثة قرون، وهنا ذكرت أنهن جعلنه ثلاث ضفائر: القرنين وهما الجانبان، ومقدم الرأس وهو الناصية، ثم جعلنه كله من ورائها. قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] . محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الأعلى] . هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام] . هو هشام بن حسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حفصة عن أم عطية] . حفصة وأم عطية مر ذكرهما. شرح حديث أم عطية في غسل زينب من طريق رابعة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا إسماعيل حدثنا خالد عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهن في غسل ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ] . أورد أبو داود حديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ، أي: أنها توضأ أولاً، ثم تُكمل الغسلة الأولى، ثم بعد ذلك الغسلات الأخرى التي تليها، ويكون الغسل لجميع الجسد، ولكن يبدأ بالميامن، وقوله: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ، أي: أنه في الغسلة الأولى يُبدأ بمواضع الوضوء، ثم تكمل الغسلة الأولى على التمام، ثم يؤتى بالغسلة الثانية والثالثة أو الرابعة والخامسة وما فوق ذلك مع الختم على وتر، ويبدأ مع كل غسلة بالميامن. قوله: [حدثنا أبو كامل حدثنا إسماعيل] . هو إسماعيل بن علية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا خالد بن مهران] . هو خالد بن مهران الكاهلي الحذاء، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حفصة عن أم عطية] . حفصة وأم عطية مر ذكرهما. شرح حديث أم عطية من طريق خامسة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها بمعنى حديث مالك، زاد في حديث حفصة عن أم عطية بنحو هذا، وزادت فيه: (أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتنَّه) ] . جاء في الروايات السابقة ذكر الخمس في نهاية الغسلات، وهنا ذكر السبع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتنه) أي: إن رأيتن أكثر من سبع عند الحاجة إلى ذلك، لكن مع الختم على وتر. قوله: [حدثنا محمد بن عبيد] . هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا حماد عن أيوب] . حماد هو ابن زيد، وأيوب مر ذكره. [عن محمد عن أم عطية] . محمد هو ابن سيرين، وهو وأم عطية قد مر ذكرهماً. [بمعنى حديث مالك، زاد في حديث حفصة: عن أم عطية بنحو ذلك] . أي: بمعنى حديث مالك المتقدم. شرح أثر محمد بن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن محمد بن سيرين أنه كان يأخذ الغُسل عن أم عطية، يغسل بالسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور] . أي: معناه أن الغسلة الأخيرة يكون فيها الماء والكافور، وأما السدر فيكون قبل ذلك. قوله: [حدثنا هدبة بن خالد] . هدبة بن خالد يقال له: هداب بن خالد، وهو من شيوخ البخاري ومسلم، والبخاري لا يذكره إلا بلفظ: هدبة، وأما مسلم فيذكره بلفظ: هدبة وهداب، وقيل: إن هدبة اسم، وهداب لقب، فيكون هذا من قبيل الألقاب المأخوذة من الأسماء؛ لأنها من مشتقاتها، وهذا يقع كثيراً في الألقاب، ومثل ذلك أيضاً قولهم لعبد الله: عبدان، ومثل عبد الرحمن بن إبراهيم فإنه يقال له: دحيم، وهدبة ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود. [حدثنا همام] . هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا قتادة] . هو قتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين] . محمد بن سيرين مر ذكره. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [366] الحلقة (398) شرح سنن أبي داود [366] بعد غسل الميت لابد من تكفينه، وينبغي الإحسان في تكفين الميت، بأن يكون الكفن ساتراً جميع بدنه، من دون مغالاة أو مباهاة، وقد جاءت صفة الكفن للرجل والمرأة في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. صفة الكفن شرح حديث: (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكفن. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، وقُبر ليلاً، فزجَر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كفن أحدكم أخاه فليُحسن كفنه) . قوله: [باب في الكفن] ، أي: كفن الميت، فإن الميت يكفن بأثواب نظيفة، ولا يكون فيه مغالاة ولا تقصير، وإنما يتوسط فيه ويعتدل، ويكون ذلك وفقاً لما هو مشروع، ففي حال اليسار والإمكان يكون الكفن ثلاث لفائف بيض يلف بها، وإذا لم يتيسر إلا واحدة فإنه يكتفى بواحدة، وإذا لم يمكن إلا أقل من واحدة فإنها تجعل على مقدم رأسه، وما سوى ذلك يجعل عليه ورق من الشجر ونحوه؛ حتى يواري جسده إذا وضع في لحده، والمقصود هو الاعتدال والتوسط. وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي وكفن بكفن غير طائل) أي: غير كاف (ودفن ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا أن يضطر إليه) ، أي: الدفن ليلاً، وقال: (إذا كفن أحدكم أخاه فليُحسن كفنه) ؛ لأنهم كفنوه بكفن غير طائل، فأرشد هنا إلى إحسان الكفن، فلا يكون فيه إسراف ومغالاة، ولا تقصير وتقتير، وإنما يكون على الوجه الذي فيه كفاية، وذلك من غير إفراط أو تفريط، ومن غير غلوٍ أو تقصير، والرسول صلى الله عليه وسلم خطب وأعلمهم بأن هذا الذي قد حصل ما كان ينبغي أن يحصل. والدفن في الليل يترتب عليه شيئان، أولاً: أن الكفن قد يكون غير كاف، والأمر الثاني: أنه يفوت وجود جماعة كثيرة حتى تصلي على الميت، فالدفن في النهار هو الأولى، وهو الذي ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إلى الدفن ليلاً فلا بأس بذلك، لاسيما إذا كان العدد سيصلّون عليه مثل الذين سيصلون عليه في النهار، وذلك كأن يصلي الناس صلاة العشاء ثم يصلون عليه ويدفنونه، فإن العدد الذي يمكن أن يصلي عليه في النهار يمكن أن يصلي عليه مثله في الليل، وأما إذا كان الدفن بعد منتصف الليل مثلاً، فإنه قد يصلي عليه عدد قليل، وقد يكون الكفن غير كافٍ؛ لأن الناس نائمون، فليس هناك مجال للذهاب إلى السوق والإتيان بكفن كاف، فهذه من الأمور التي تحصل في الدفن ليلاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إذا كفن أحدكم أخاه فليُحسن كفنه) أي: يكون الكفن نظيفاً أبيض كما جاء في بعض الروايات، وأن يكون كافياً. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرزاق] . هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا ابن جريج] . هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الزبير] . هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع جابر] . هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أُدرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثوب حبرة، ثم أُخر عنه) . أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُدرج في ثوب حبرة، ثم أُخر عنه) والثوب الحبرة هي ثياب تصنع في اليمن، وفيها خطوط، فأخر عنه وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية. تراجم رجال إسناد حديث: (أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . أحمد بن حنبل مر ذكره. [حدثنا الوليد بن مسلم] . هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأوزاعي] . هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الزهري] . هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن القاسم بن محمد] . هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عن أبي بكر وعن الصحابة أجمعين، والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . عائشة رضي الله تعالى عنها، وهي عمة القاسم، وهي الصديقة بنت الصديق، وقد مر ذكرها. شرح حديث: (إذا توفي أحدكم فوجد شيئاً فليكفن في ثوب حبرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا إسماعيل -يعني: ابن عبد الكريم - حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل عن أبيه عن وهب -يعني: ابن منبه - عن جابر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا تُوفي أحدكم فوجد شيئاً فليكفّن في ثوب حبرة) . أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توفي أحدكم فوجد شيئاً) يعني: سعة (فليكفن في ثوب حبرة) ، وقد جاء في الحديث الآخر: (إن خير ثيابكم البياض، فالبسوها، وكفنوا فيها موتاكم) فيجمع بينه وبين ذاك بأنه أبيض مع وجود خطوط خفيفة فيه، فلا يخرجه ذلك عن كونه أبيض. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توفي أحدكم فوجد شيئاً فليكفن في ثوب حبرة) قوله: [حدثنا الحسن بن الصباح البزار] . الحسن بن الصباح البزار صدوق يهم، أخرج له أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا إسماعيل يعني: ابن عبد الكريم] . إسماعيل بن عبد الكريم صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير. [حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل] . إبراهيم بن عقيل بن معقل صدوق، أخرج له أبو داود. [عن أبيه] . أبوه صدوق أخرج له أبو داود. [عن وهب بن منبه] . وهب بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة، فقد أخرج له في (التفسير) . [عن جابر] . جابر مر ذكره. شرح حديث: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام أخبرني أبي أخبرتني عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كُفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة) ] . أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة) ، أي: ليس في هذه الثلاثة قميص ولا عمامة، والمقصود من ذلك هو نفي وجود العمامة في التكفين، لا أن الثلاثة زائدة على القميص والعمامة، وأن هناك قميصاً وعمامة وثلاثة أثواب. تراجم رجال إسناد حديث: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد] . هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام] . هو هشام بن عروة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . أبوه هو عروة بن الزبير، وهو ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . قد مر ذكرها. شرح حديث: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حفص عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مثله زاد: (من كُرسف) ، قال: فذكر لـ عائشة قولهم: (في ثوبين وبردٍ وبردِ حِبرة، فقالت: قد أُتي بالبُرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه) ] . أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وأنه صلى الله عليه وسلم كُفن في ثوبين من كرسف، وهذا بيان لنوع القماش، فذُكر لـ عائشة قولهم: في ثوبين وبُرد حِبرة، أي: أنه في ثوبين، والثالث من الحبرة، فقالت: قد أُتي بالبُرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. ولعل ذلك هو الذي سبق أن مر ذكره في الحديث الذي فيه: أنه أدرج في ثوب حبره ثم أُخر عنه. قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص] . هو حفص بن غياث، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة] . قد مر ذكرهم. شرح حديث: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا ابن إدريس عن يزيد يعني ابن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كُفّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة ثوبان، وقميصه الذي مات فيه) ] . أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب نجرانية) أي: منسوبة إلى نجران، (الحلةُ ثوبان) ، الحلة: هي ما كانت مكونة من إزار ورداء، فإذا كان إزاراً بدون رداء، أو رداء بدون إزار فإنه لا يقال له: حُلة، أي: أنه كفن في إزار ورداء وقميص، وإنما هي اسم لمجموع الشيئين. وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، ثم هذا الحديث أيضاً يخالف الأحاديث الصحيحة التي فيها: (أنه صلى الله عليه وسلم كُفن بثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة) ، وهذا فيه ذكر القميص. [قال أبو داود: قال عثمان: في ثلاثة أثواب: حُلة حمراء، وقميصه الذي مات فيه] . وفيه أن الحُلة كانت حمراء. تراجم رجال إسناد حديث: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة) . [حدثنا ابن إدريس] . هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد يعني: ابن أبي زياد] . يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن مقسم] . مقسم صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن ابن عباس] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. كراهية المغالاة في الكفن شرح حديث: (لا تغلوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية المغالاة في الكفن. حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا يغال لي في كفن، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تَغَالوا في الكفن؛ فإنه يُسلب سلباً سريعاً) ] . أورد أبو داود [باب كراهية المغالاة في الكفن] ، وقد ذكر صاحب (عون المعبود) أن هذه الترجمة توجد في بعض النسخ، وأما أكثر النسخ فلا وجود لهذه الترجمة فيها، ومعنى ذلك: أن الأحاديث التي فيها هي تابعة للباب الذي سبق، ومما يوضح أن حذف هذه الترجمة: أنه ذكر فيها أشياء ليس فيها مغالاة، ففيها قصة مصعب بن عمير عندما لم يجدوا له إلا نمرة لا تستر جسده كله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها على رأسه، ثم اجعلوا على باقي جسده شيئاً من الإذخر) ، فهذا ليس فيه مغالاة، وأما الحديث الأول ففيه مغالاة، وأما الأحاديث الأخرى فليست كذلك، فالأولى أن تكون هذه الترجمة غير موجودة، وأن تبقى كلها تحت باب الكفن، فتكون فيه أحاديث في المغالاة وغير المغالاة، وهذا هو المناسب والأولى. قال علي رضي الله عنه: (لا تغال لي في كفن) أي: عندما أموت، (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تَغَالوا في الكفن فإنه يُسلب سلباً سريعاً) ، أي: يذهب، والحي أولى به من الميت، فالأرض ستأكله وسينتهي بسرعة. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تغلوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً) قوله: [حدثنا محمد بن عبيد المحاربي] . محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي] . عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي. [عن إسماعيل بن أبي خالد] . إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عامر] . هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن علي رضي الله عنه] . وقد مر ذكره. والحديث في إسناده رجل لين الحديث، فهو غير صحيح، إلا أن المغالاة في الكفن -كما هو معلوم- غير مطلوبة، كما أنه لا يُقصر في الكفن، وإنما المطلوب هو التوسط والاعتدال. شرح حديث: (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب رضي الله عنه أنه قال: (إن مصعب بن عمير رضي الله عنه قُتل يوم أُحد ولم يكن له إلا نَمِرة، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غطّوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر) . أورد أبو داود حديث خباب رضي الله عنه: أن مصعب بن عمير رضي الله عنه استشهد يوم أحد، وأنهم لم يجدوا له إلا نمرة، فكانوا إذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، وإذا غطوا رأسه بدت رجلاه، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر) ، وهو شجر طيب الرائحة، فهذا يدل على أن الترجمة التي مرت وهي: كراهية المغالاة، أن عدم وجودها أولى من وجودها، فهذا الحديث ليس فيه مغالاة في الكفن، بل إن هذا فيه ضرورة وحاجة شديدة، وقد سبق أنه كثر القتلى وقلت الثياب، فكان يُجمع بين الاثنين والثلاثة في ثوب واحد، أي: أن الذي يكفي الواحد يُقسم على ثلاثة؛ وذلك لقلة الثياب، وحال مصعب مثال من أمثلة ذلك، فإنهم لم يجدوا له إلا نمرة، فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها على رأسه، وأن يُجعل على رجليه شيء من الإذخر، وهذا الحديث يدل أيضاً على أن حاجة الميت من التكفين وغيره مقدمة على الميراث والوصية وسداد الدين، أي: ما يكون به التكفين وما يلزم لذلك فإنه مقدم على غيره. تراجم رجال إسناد حديث: (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر) قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا سفيان الثوري] . سفيان الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش] . هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي وائل] . هو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن خباب] . هو خباب بن الأرت رضي الله عنه أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (خير الكفن الحلة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن أبيه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (خير الكفن الحلة، وخير الأضحية الكبش الأقرن) ] . أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الكفن الحلة، وخير الأضحية الكبش الأقرن) ، والحُلة -كما عرفنا- مكونة من إزار ورداء، وهذا الحديث ضعيف، وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كُفن في ثلاثة أثواب. تراجم رجال إسناد حديث: (خير الكفن الحلة) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] . هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [حدثني ابن وهب] . ابن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني هشام بن سعد] . هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن حاتم بن أبي نصر] . حاتم بن أبي نصر مجهول أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن عباده بن نسي] . عبادة بن نسي ثقة أخرج له أصحاب السنن. [عن أبيه] . أبوه مجهول أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن عبادة بن الصامت] . عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. إذاً فالحديث ضعيف؛ لأن فيه مجهولين. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الأسئلة حكم قصر الصلاة لمن سافر فترة طويلة في طلب العلم السؤال هل حكم من سافر لطلب العلم لمدة طويلة كطلاب الجامعة كحكم المسافر في القصر؟ الجواب ليس حكمهم كحكم المسافر في القصر؛ لأنهم مستقرون ومطمئنون، ولا فرق بينهم وبين المقيمين، فكأنهم مستقرون في بلادهم وإن كانوا متغيبين، لأنه ليس هناك عناء ولا مشقة، فالسفر مظنة للمشقة، ومثل هذا لا يوجد فيمن هو مستقرٌ ومقيم مدة طويلة، وأكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بقي في المكان الذي جلس فيه ولم يكن هناك ما يدل على عزمه على البقاء مدة أطول: أربعة أيام، وهي التي حصلت في حجة الوداع لما دخل مكة في رابع ذي الحجة، وخرج منها إلى منى في ثامن ذي الحجة، فكان بقاؤه أربعة أيام، فأخذ جمهور العلماء من هذا أن المسافر إذا عزم على أن يجلس في بلدٍ أقل من أربعة أيام فإنه يقصر في هذه المدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً بالأبطح وهو يقصر، وإذا كان سيبقى أكثر من هذه المدة فإن حكمه حكم المقيمين، أي: يتم ولا يقصر. حكم النظر إلى اللاعبين وهم كاشفوا أفخاذهم السؤال ما رأيكم في النظر إلى اللاعبين وهم كاشفوا أفخاذهم؟ الجواب لا ينبغي النظر إلى المباريات ولو لم يكن فيها كشف للأفخاذ، فعلى الإنسان ألا يشغل نفسه بذلك، فإذا كان معها كشف للأفخاذ فهو من باب أولى. كفن المرأة شرح حديث تكفين أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ في كفن المرأة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني نوح بن حكيم الثقفي، وكان قارئاً للقرآن عن رجلٍ من بني عروة بن مسعود يقال له: داود قد ولَّدته أم حبيبه بنت أبي سفيان رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن ليلى بنت قانف الثقفية رضي الله عنها قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحقاء، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعدُ في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوباً) ] . قوله: [بابٌ في كفن المرأة] أي: كيف تكفن؟ وقد مر في الباب السابق ذكر الكفن، وكله يتعلق بالرجال، وهنا ذكر كفن المرأة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ليلى بنت قانف الثقفية رضي الله تعالى عنها، أنها كانت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الأكفان كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يناولهن إياها واحداً واحداً، فأعطاهن الحقاء، وهو حقوه، أي: الإزار، ثم أعطاهن الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، والملحفة: هي ما يلتحف ويلتف به، ثم أدرجت في الثوب الآخر، أي: آخر شيء يكون فوق هذه الأشياء، وهو يكون محيطاً بهذه الأشياء التي ذكرت، والدرع: هو القميص، ثم الخمار الذي يكون على الرأس، فيكون مجموع ذلك خمسة أشياء، وقد سبق أن ذكرنا أن الرجل يُكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود ضعيف؛ لأن فيه نوح بن حكيم، وهو مجهول كما قال الحافظ ابن حجر، وقال فيه الذهبي: إنه لا يُعرف، وقد ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وذكر محمد بن إسحاق أنه كان قارئاً للقرآن كما في (تهذيب التهذيب) ، ولهذا حكم الذهبي عليه بأنه غير معروف، ولم يرو عنه إلا محمد بن إسحاق، ولم يرو هو إلا عن داود الذي ولّدته أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، ولم يأت شيء في بيان عدد أكفان النساء إلا هذا الحديث، وعلى هذا فيكون الحكم في حق الرجال والنساء واحد، أي: أنهم يلفون في ثلاث لفائف بيض كما جاء في حق الرجال، فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا أن يأتي شيء ثابت تتميز به النساء عن الرجال، وهذا الحديث غير ثابت كما سبق بيانه. تراجم رجال إسناد حديث تكفين أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يعقوب بن إبراهيم] . هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبي] . أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن إسحاق] . هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهو مدلس، وقد صرح بالتحديث هنا، فليس في روايته إشكال، وإنما الإشكال في شيخه وهو نوح بن حكيم، وهو مجهول أخرج له أبو داود. وقول ابن إسحاق: وكان قارئاً للقرآن، لا يعتبر توثيقاً؛ لأن الشخص قد يكون قارئاً للقرآن وليس ثقة. [عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود] . داود ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي. [قد ولدته أم حبيبة] . فسِّر ذلك بتفسيرين، الأول: ربته. والثاني: كانت قابلة عند ولادته. [عن ليلى بنت قانف الثقفية] . ليلى بنت قانف الثقفية صحابية أخرج لها أبو داود. المسك للميت شرح حديث: (أطيب طيبكم المسك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ في المسك للميت. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا المستمر بن الريان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أطيب طيبكم المسك) . قوله: [باب في المسك للميت] أي: استعماله للميت، فيتطيب به، وقد أورد المصنف حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطيب طيبكم المسك) ، وهذا مطلق، فيكون للأحياء والأموات. تراجم رجال إسناد حديث: (أطيب طيبكم المسك) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] . هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا المستمر بن الريان] . المستمر بن الريان ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [عن أبي نضرة] . هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبي سعيد] . هو سعد بن مالك بن سنان أبوسعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها شرح حديث: (فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها. حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي أبو سفيان وأحمد بن جناب قالا: حدثنا عيسى -قال أبو داود هو: ابن يونس - عن سعيد بن عثمان البلوي عن عروة، وقال عبد الرحيم: عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن الحصين بن وحوح رضي الله عنه أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مَرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقال: (إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فآذنوني به وعجلوا؛ فإنه لا ينبغي لجيفة مسلمٍ أن تُحبس بين ظهراني أهله) . قوله: [بابٌ في تعجيل الجنازة] أي: في تعجيل تجهيزها وإيصالها إلى قبرها ودفنها، فإنه يكره حبسها وتركها مدة دون أن تجهز. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث الحصين بن وحوح رضي الله تعالى عنه: أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مَرِض -وهو من الأنصار- فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقال: (إني لا أُرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت) أي: أنه رأى عليه علامات الموت (فأذنوني به) ، أي: أخبروني به، (وعجلوا) أي: في تجهيزه والصلاة عليه ودفنه، (فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله) ، وإنما يُبادر بتجهيزها، فتغسل وتكفن ويصلى عليها. قوله: (فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم) ، أي: لجسده (أن تحبس بين ظهراني أهله) ، أي: بين أهله، فلا يبقى بينهم، وإنما يُبادر به حتى يدفن. تراجم رجال إسناد حديث: (فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) قوله: [حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي] . عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي. [وأحمد بن جناب] . أحمد بن جناب صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا عيسى قال أبو داود: هو ابن يونس] . عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن عثمان البلوي] . سعيد بن عثمان البلوي مقبول أخرج له أبو داود. [عن عروة وقال عبد الرحيم: عروة بن سعيد الأنصاري] . وهو مجهول أخرج له أبو داود. [عن أبيه] . أبوه أيضاً مجهول، أخرج له أبو داود. [عن الحصين بن وحوح] . الحصين بن وحوح رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود. والحديث في إسناده مجهولان ومقبول، لكن كونه يسرع بالجنازة ويبادر بها جاء في ذلك أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعضها فيه الإسراع بها عند حملها، وبعضها يدل على ما دل عليه هذا الحديث من أنه يبادر بها ولا تحبس، فالمبادرة بالجنازة أمرٌ مطلوب، ولا تؤخر إلا إذا كان هناك أمرٌ يقتضي ذلك. الغسل من غسل الميت شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغُسل من غسل الميت. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا حدثنا مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، وغسل الميت) ] . قوله: [باب في الغُسل من غسل الميت] أي: أنه إذا غسل ميتاً فإنه يغتسل. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من قال: إنه يغتسل إذا غسله، ومنهم من قال: يكفي الوضوء من ذلك، ومنهم من قال: إنه لا يلزمه لا الغسل ولا الوضوء، وتكلموا في هذين الحديثين اللذين وردا في ذلك، وأحد هذين الحديثين ضعيف، وأما الثاني فقد صححه بعض أهل العلم، وحملوا ما جاء من الأمر بالغسل والوضوء على الاستحباب. ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربعة أشياء: من الجنابة، والجمعة، ومن الحجامة، ومن غُسل الميت) ومحل الشاهد قولها: (ومن غسل الميت) ، ولكن الحديث في إسناده من هو متكلمٌ فيه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي، وإنما أخرج له في (عمل اليوم والليلة) . [حدثنا محمد بن بشر] . محمد بن بشر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زكريا] . هو زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا مصعب بن شيبة] . مصعب بن شيبة لين الحديث أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن طلق بن حبيب العنزي] . طلق بن حبيب العنزي صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن الزبير] . عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . وهي خالته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) . حدثنا حامد بن يحيى عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. قال أبو داود: هذا منسوخ، وسمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الغسل من غسل الميت فقال: يجزيه الوضوء. قال أبو داود: أدخل أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا الحديث، يعني: إسحاق مولى زائدة، قال: وحديث مصعب ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليه] . أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريقين مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) . ثم قال أبو داود: إنه منسوخ، وذكر الكلام على الحديث الأول، وقال: إنه مشتمل على أشياء ليس العمل عليها، يعني: الحجامة، والغسل من تغسيل الميت، وقيل: إن الناسخ لهذا ما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الميت: (إنه ليس بنجس) أي: أنه طاهر، وكذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نحمل الميت فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل) وجاء في الحديث الذي صححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع: (إن الميت ليس بنجس، ولكن اغسلوا أيديكم منه) ، فيكفي الإنسان أن يغسل يديه، فهذه هي الأحاديث التي قال بعض أهل العلم: إنها ناسخة لحديث أبي هريرة. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من قال: يستحب للغاسل أن يغتسل، وللحامل أن يتوضأ، ومنهم من قال: يكفيه الوضوء، وليس عليه غسل، ومنهم من قال: ليس عليه غسل ولا وضوء، وإنما يغسل يديه؛ لأنه لامس بها جسد الميت، فهي التي تغسل. وهذه المسألة مشكلة من ناحية الحكم، فقد صحح جماعة من العلماء هذا الحديث وأثبتوه، ومعناه غير واضح من حيث التعليل، فقد ذكروا له تعليلاً وهو: أنه يمكن أن يصيب الإنسان رشاش من تغسيل الميت، وربما يكون عليه نجاسة، فتكون النجاسة قد أصابت المغسِّل، لكن هذا غير واضح؛ لأن المغسل عليه ثيابه والرشاش إذا تطاير فإنه يقع على الثياب، ولا يقع على الجسد؛ لأن الجسد مستور بالثياب. فالاغتسال من ناحية المعنى غير واضح، وكذلك الوضوء أيضاً غير واضح، اللهم إلا أن يقال: إن هذا الحكم غير معقول، وأنه للتعبد. وهذا الحديث صححه أو حسنه بعض أهل العلم كـ ابن القيم والألباني وجماعة، وقد اختلفوا فيه، فمنهم من قال: إنه منسوخ كـ أبي داود، ومنهم من قال بعدم نسخه، وذهب بعض أهل العلم كـ أحمد وعلي بن المديني إلى أنه لم يصح في ذلك شيء. تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] . هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [حدثنا ابن أبي فديك] . هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني ابن أبي ذئب] . هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن القاسم بن عباس] . هو القاسم بن عباس بن محمد بن معتب بن أبي لهب الهاشمي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وابن ماجة. [عن عمرو بن عمير] . عمرو بن عمير مجهول، أخرج له أبو داود. [عن أبي هريرة] . هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً. وقوله: [حدثنا حامد بن يحيى] . حامد بن يحيى ثقة أخرج له أبو داود. [عن سفيان] . هو ابن عيينة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سهيل بن أبي صالح] . سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . أبوه هو أبو صالح السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إسحاق مولى زائدة] . إسحاق مولى زائدة ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي. [عن أبي هريرة] . مر ذكره. [قال أبو داود: هذا منسوخ، وسمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الغسل من غسل الميت، فقال: يجزيه الوضوء. قال أبو داود: أدخل أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا الحديث، يعني إسحاق مولى زائدة، قال: وحديث مصعب ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليه] . مصعب بن شيبة الذي هو لين الحديث. وقوله: [فيه خصال ليس العمل عليه] هي هاتان الثنتان الأخيرتان وهما: الحجامة وتغسيل الميت، وأما الجنابة والجمعة فأمرها معروف. قال في (عون المعبود) في تعليل الوضوء من الحمل: أي: ليكون على وضوء؛ ليتهيأ له الصلاة على الميت. أقول: قوله: (ومن حمله فليتوضأ) يشمل أيضاً حمْلَه من المسجد إلى المقبرة، فهو لفظ مطلق، فهذا التعليل الذي ذكره في (العون) يمكن أن يكون في حمله من البيت إلى المسجد، وأما حمْله من المسجد إلى المقبرة فهذا ليس فيه صلاة، فقد صُلي على الميت قبل ذلك. ولا أدري الآن مَن مِن العلماء ذكر أن الوضوء يكفي من حمْله مفضياً إليه، أي: لعل ذلك مِن مسّ جسده، وعلى كل فالمسألة مشكلة. وأما قول بعضهم: إن هذا الحديث من الأحاديث التي لم يجر العمل عليها، فغير صحيح؛ لأن بعض أهل العلم قال باستحباب ذلك، ومعنى ذلك أنهم عملوا به. تقبيل الميت شرح حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون بعد موته قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تقبيل الميت. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل) ] . قوله: [باب في تقبيل الميت] ، أي: أنه سائغ، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل) أي: دموعه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن تقبيل الميت سائغ، وقد جاء فيه حديث جابر رضي الله عنه: (أنه كان يقبل أباه والناس ينهونه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقره وينهاهم، ويقول: دعوه) وهو صحيح، وكذلك قبّل أبو بكر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما جاء من السنح وقد مات عليه الصلاة والسلام، فكشف عن وجهه وقبله، فتقبيل الميت سائغ، وحديث الباب يدل على ذلك، إلا أن فيه ضعفاً، ولكن له شاهد يشهد له، وهو في نفس قصة عثمان بن مظعون، وما ذكرناه عن جابر في تقبيله أباه، وكذلك تقبيل أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم، كل ذلك يدل على أن هذا سائغ. تراجم رجال إسناد حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون بعد موته قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا سفيان] . هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عاصم بن عبيد الله] . عاصم بن عبيد الله ضعيف، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [عن القاسم] . هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها. |
الساعة الآن : 10:05 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour