ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 24-05-2021 04:25 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
بيان ضرورة التعجيل بالتوبة
وتتوالى الأحكام وبيانها في سورة النساء المباركة الميمونة، فقد جاء بيان التوبة فيها، فيا عباد الله! عجلوا بالتوبة، فالذي يباشر المعصية ويتعاطاها هو في أخطر الظروف والأحوال، إذ قد يموت على الفور فلا ينجو أبداً ولا يسعد، والتوبة في صالح المجتمع، وليست في صالح الفرد فقط، يقول تعالى وقوله الحق: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17]، فالتوبة هي الرجوع من مقارفة الشر وموطن الفساد إلى مكان الطهر والصفاء، والتوبة هي ترك المعصية التي يباشرها عبد الله أو أمته، سواءً كانت رباً أو زناً أو سرقة أو خيانة أو غشاً أو خداعاً أو ترك واجباً من الواجبات أو غشيان محرم من المحرمات، والتوبة هي العودة إلى الطريق السوي، إلى ساحة الطهر والصفاء ورضا الله عز وجل، فانفض يديك يا عبد الله وأعلنها: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وكلك عزم على ألا تعود إلى هذا الذنب أبداً ما حييت، ولو تاب أهل المدينة الآن لتغير الوضع في صورة عجيبة، إذ التوبة إصلاح الفرد وإصلاح المجتمع بكامله؛ لأن هذه الذنوب أصابت الآخرين، فإذا زنيت فأنت قد أصبت ذاك الذي زنيت بامرأته أو ابنته.يقول تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ [النساء:17]، الحق الصحيحة المنجية المزكية المطهرة، ما هي؟ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، وما قال: يعملون الزنا، أو الربا، أو يقتلون النفس، وإنما قال: السُّوءَ [النساء:17]، فما هو السُّوءَ؟ اذهب إلى الطبيب الجسماني يعلمك السوء في بعوضة تلسعك، أو عقرب تلدغك، أو ريح شديدة حارة تؤذيك، أو برد كذلك، أو شبع يقعد بك، أو جوع يحطمك، فيعلمك السوء في بدنك، وهذه الآية تعلمك السوء في روحك الذي هو مركز حياتك، أو المحطة التي بها وجودك وحياتك. إذاً: السوء هو ما يسيء إلى النفس البشرية فيقع عليها كالعفن أو النتن، فهو أذى يؤذيها ويحجبها نور الله عز وجل، ولهذا كل إثم هو سوء، وكل ذنب هو سوء، وكل معصية هو سوء؛ لأن أي مخالفة لتعاليم الله وأوامره وقوانينه يفعلها العبد عامداً عالماً إلا أصابت نفسه بالأذى والسوء.
خطر إتيان العبد للذنوب والمعاصي بعلم وإصرار
ثم قال تعالى: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، أما الذي يعمل السوء وهو يتحدى الله ورسوله، والإسلام وأهله، ويسخر ويضحك من المؤمنين، فهذا لن يتوب، بل ولا تقبل له توبة، لكن الذي يعملها بجهالة، كأن غم الجهل على نفسه فأتى المعصية، فهذا قد يتوب الله عليه، لا أن يتحدى فيقول: لا أؤمن بأن هذا حرام أو هذا حلال، إذ إن الذين تحدوا الله قد ماتوا بين أيدينا على غير الإسلام، فتأملوا قول مولانا: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، لا بعلم.والجهالة لها أنواع، وقد عرفنا منها: أن يقول: لو كان هذا حراماً ما فعله الشيخ الفلاني، فيسهل عليه أن يفعل الجريمة، أو لو كان هذا يغضب الله فلماذا لم ينزل فيه قرآن؟ أو لو كان هذا حراماً فلمَ فعل فلان كذا وكذا؟ أو يقول: إن شاء الله لما أحصل على وظيفة نترك هذا! أو لما يأتيني كذا نترك بيع كذا وكذا! فهذه كلها أنواع من الجهالات التي تجعل العبد يفعل تلك المعصية لا متعمداً متحدياً، أما الذي يأتيها على علم فيتحدى الله في شرعه وقوانينه ويخرج عن طاعته، فهذا لن يتوب، ولن تكون له توبة، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]، أي: يتوبون من قرب لا من بعد، والقرب والبعد نسبي فقط.والمراد من هذا يا عبد الله! إذا قلت كلمة سوء فالآن قل: استغفر الله، ولا تقل: غداً سأتوب، أو وقعت في زلة أو في سقطة، قم فانفض الغبار عن يديك واجلس وأنت تصرخ: أتوب إلى الله وأستغفره، أما أن تواصل الإثم والجريمة عاماً بعد عام حتى تصل الثلاثين السنة من عمرك، فقد تبلغ مستوى لن تتوب فيه أبداً ولا تقبل التوبة، وهذا ملاحظ ومجرب، فالذي باشر معصية فقط وتاب منها سهل عليه التوبة، والذي عاش خمسين سنة يشرب الحشيش كيف يرجع؟ والذي تعوَّد من صباه للسب والشتم والغيبة والنميمة حتى بلغ أربعين سنة، كيف يتوب من ذلك؟ قد تأصلت فيه تلك المعصية وأصبحت من طباعه، وكذلك الذين لازموا التدخين سنين طويلة يقول لك: ما نستطيع أن نتركه، أما لو دخن اليوم وبعد أسبوع وقيل: يل عبد الله! هذا ضرر بك، هذا حرام مغضب الله عليك، فإنه يتركه بسهولة، بخلاف إذا تضلع فيه وتمكن منه، وحسبنا أن يقول العليم الحكيم: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17].
حرمة عضل النساء وإبطال قانون الجاهلية القائم على أن ابن الزوج يرث امرأة أبيه
أيضاً من هدايات سورة النساء: بيان عادة جاهلية مسحها من ديوان أهل الجهل، وهي أنه كان الرجل إذا تزوج أبوه ومات عن امرأته فالولد يرثها، فإن شاء تزوجها أو زوجها وأخذ المهر، فأنزل الله قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19]، فأبطل الله هذه العادة نهائياً، فإذا مات أخوك فللمرأة بعد انتهاء عدتها أن تتزوج من تشاء، ومهرها لها فقط، وكذلك امرأة أبيك، فإن مات أبوك عن امرأة فلاحق لك في أن تزوجها وتأخذ مهرها، أو تعضلها وتمسكها في البيت حتى تموت، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19].
حرمة نكاح ما نكح الآباء من النساء
ثم جاء التعليم الإلهي في تصحيح قاعدة الأسرة، فبين تعالى محرمات النكاح، فبدأ بامرأة الأب فقال: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، فامرأة أبيك حرام عليك وإن لم ترضعك، وإن لم تتربى في حجرها، ما دام أنه قد وطئها والدك فهي كأمك، سواء كانت شرقية أو غربية، وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22]، ومضى، فالله غفر لكم ما كان في جاهليتكم.
بيان المحرمات من النسب والرضاعة
كما بين سبحانه وتعالى في هذه السورة المحرمات من المناكح ومن الرضاعة، وذلك تبييناً شافياً، واسمعوا هذه الآية الكريمة، يقول تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، وقال الرسول الكريم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، أي: يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب، فأخذ المجتمع يطهر يوماً بعد يوم؛ لأن هذا القرآن الكريم ما نزل في يوم واحد، وإنما نزل على مبدأ التربية والترقي، وذلك يوماً بعد يوم، فسبحان الله! ما أعظم سورة النساء!
بيان دعائم المجتمع الإسلامي
كما جاء في هذه السورة أيضاً: دعائم المجتمع الإسلامي ، فقال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، ثم قال: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، وبين إذا حصل نزاع أو صراع -كما يقولون- أو خلاف بين الزوج وامرأته، أو بين الرجل والمرأة، فقد عالج الله ذلك الموقف: فأولاً: يعظها، وثانياً: يهجرها في الفراش، وثالثاً: يصفعها، ثم إذا لم يتم شيء فالحكمان يصلحان بينهما، فهل كانت العرب تعرف هذا؟ لا والله، وهل الصين واليابان والأمريكان وكل بلاد الكفر يعرفون هذه الهداية الإلهية؟ من أين لهم وهم محرومون من نور الله؟ ونحن ما حمدنا الله، ولا أثنينا عليه ولا شكرناه؛ لأننا نعيش في غفلة وفي ظلمة وجهل.
بيان الحقوق العشرة في سورة النساء
ومن الهدايات في هذه السورة العظيمة: العشرة الحقوق، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، فهذه عشر حقوق سجلها الله في كتابه، وأمر عباده مؤمنين ومؤمنات على أدائها لأصحابها، وإلا فهم ظلمة خارجون عن النظام متعرضون للغضب والعذاب والنكال، وأعظم هذه الحقوق: حق الله تعالى، وإن قلت: وهل لله حق علي؟ أنسيت أنك مخلوق؟ من خلقك؟ من فتح عينيك؟ من أنطقك فنطقت؟ من أقدرك على أن تمشي فمشيت؟ من أوجد لك الدار والسماء والأرض؟ إن الذي يعطيك عصا فقط له حق عليك، وبالتالي حق الله مقابل خلقه ورزقه لك وتدبيره لحياتك، فإياك أن تهضم الله حقه، فإن قيل: كيف أهضم حق ربي؟ تعصيه ولا تعبده وتعبد عدوه، فأي بشاعة أو قبح أعظم من هذا؟ أي: أن خالقي ورازقي ومدبري المفتقر إليه في كل لحظة من لحظات حياتي، أعرض عنه ولا أذكره ولا ألتفت إليه، وأطيع عدوه إبليس الذي يسوقني كالنعام لمجازر البشر ومفاسد الحياة!وثاني هذه الحقوق: حق الوالدين، فأنت من نطفة ماء أبيك، وأمك قد حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتحول دمها إلى لبن حلو أبيض تشربه، فكيف تنسى هذا الحق وتسبها وتشتمها وتفضل امرأتك عليها، بل ويضربون أمهاتهم وآباؤهم والعياذ بالله؟! ما عرفوا الله عز وجل.
بيان عدل الله ورحمته في المجازاة
يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، ضع هذا النور في قلبك، فالله لا يظلم عبده مثقال ذرة، وإن تك لك حسنة واحدة يضاعفها إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف، فأي كرم أعظم من هذا؟ وأي فضل أعظم من هذا؟ وأي إحسان أعظم من هذا؟ ثم تستحي أن تقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، والله لو تقلها طول النهار في الشارع ما وفيت الله حقه.لكن البشر كالبهائم يأكل الزبدة ولا يقولون: الحمد لله، أو يشربون العسل ولا يعرفون الحمد لله، أو يأكلون ألذ الطعام، أو يلبسون أحسن الثياب ولا يعرفون الحمد لله، فمن سقاك؟ ومن كساك؟ ومن آواك؟ ومن أطعمك؟ فاذكر هذه الآلاء وهذه النعم يا هذا، واحمد المنعم سبحانه وتعالى، واخرج من دائرة البهيمة فأنت آدمي.وقد ذكرت لكم قصة وهي: أننا حضرنا غداء عند أستاذ في بريدة، ولهذا الأستاذ شيخ كبير مثلي، فوالله ما إن وضعت السفرة وأخذنا نأكل الطعام إلا وهذا الشيخ: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، حتى فرغ الآكلون من أكلهم، فمن هم الحمَّادون؟ نحن والحمد لله أمة الحمد، وهذه نعوتها في التوراة والإنجيل.
تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن
وآية عجيبة أخرى، وقد تأثر بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى، ففي يوم من الأيام قال لـعبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد -هذه كنيته- اقرأ علي شيئاً من القرآن ) فعجب عبد الله بن مسعود وقال: عليك أنزل وعليك أقرأ يا رسول الله؟! قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري )، فأتحداكم معشر الحاضرين نساءً ورجالاً من هو الذي قال في يوم من الأيام لأحد إخوانه: تعال من فضلك اقرأ عليَّ شيئاً من القرآن؟ أنت وإياه؟ الحمد لله، بيننا سعد السعود والمسلمين لا اليهود.وتذكرون الطيب العقبي أيها الجزائريون! يا من حاربتموه وقلتم: إنه وهابي، إن الطيب العقبي خريج هذا المسجد النبوي، يقول عن نفسه: كنا نخرج من المسجد النبوي بعد العصر إلى أحد، ونأتي بسبعين ثمانين بيتاً من الشعر ننظمها كأجود ما تكون، هذا العقبي الذي لم تكتحل عين الوجود بأعلم من هذا الرجل ولا أبر ولا أتقى ولا أصلح، وهو مؤسس جريدة القبلة وبعدها أم القرى الموجودة الآن، وقد عاش في هذه الديار، وجاء من بلاده بلاد عقبة بن نافع الفاتح لإفريقيا، فقد جاء رضيعاً مع أسرته آل العقبي، فلما كانت الحرب الأولى وخافت الدولة العثمانية من المجاعة رحلت أهل المدينة والحجاز إلى الشام وإلى تركيا وإلى حيث شاءوا خوف المجاعة عليهم، فسافر الشيخ رحمه الله تعالى.والشاهد عندنا: هو الذي ذكر هذا الحديث: ( يا ابن أم عبد! اقرأ علي شيئاً من القرآن )، فحضر للدرس عامل في الميناء، وهو عامي لا يقرأ ولا يكتب، فأخذها وكان يأتي إلى قرانا الصحراوية أيام العطلة عنده، فكان يجلسني بين يديه وأنا غلام في الثامنة أو التاسعة، ويتربع في جلسته ويقول: يا أبا بكر! أسمعني شيئاً من القرآن، وأقرأ عليه القرآن وهو والله ما يقرأ ولا يكتب، وإنما فقط فهم هذه وقررها الشيخ الطيب في نادي الترقي، وأخذها هذا العامي وطبقها فيَّ، وذلك في المسجد، فيثني ركبتيه ويقول: اقرأ علي شيئاً من القرآن.فهل فهمتم هذه؟ أنتم تقرءون القرآن على الموتى، فمن إندونيسيا إلى موريتانيا إذا سمعت القرآن في منزل فاعلم أن هناك جنازة، فيا من يقرءون القرآن على الموتى، تعالوا فبينوا لنا هذا الطريق؟ هل أنت توبخ هذا الميت فيقوم ويتوب؟ أو لما تأمره أو تنهاه يستجيب؟ مات، وهل قرأ الرسول على الأموات؟ أعوذ بالله، فكيف إذاً تقرأ على ميت؟! بين لي؟ ما يفهمون! والله يقول في سورة يس: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70]، لينذر من كان ميتاً أو من كان حياً؟ حياً، قال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70]، وما قال: من كان ميتاً، فلا إله إلا الله! ثم قرأ عبد الله بن مسعود: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، حتى انتهى إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، قال: وإذا بعيني رسول الله تذرفان الدموع، ويقول: ( حسبك، حسبك )، فكيف تنسى هذه الآية العظيمة؟! فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ [النساء:41]، أي: أمتك، شَهِيدًا [النساء:41]، كادت نفس الرسول أن تطير.كما جاء في هذه السورة بيان للوضوء والغسل والتيمم، وذلك قبل أن تعرف الأمة الوضوء أو الغسل أو التيمم.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 24-05-2021 04:26 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (87)
الحلقة (309)

تفسير سورة النساء (9)


جعل الله عز وجل من أسباب الإرث النسب، وهذا الصنف يرث فيه الآباء والأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين، والصنف الثاني يرث بالمصاهرة، وفيه يرث الأزواج والزوجات، فمن لم يكن له أبناء ولا آباء ولا زوج فإنه يورث كلالة، فيرثه من يحوطونه من الإخوة والأخوات، فإن كان واحداً من أمه فله السدس، وإن كانوا أكثر من واحد من الأم أيضاً فهم شركاء في الثلث.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن في سورة النساء ومع آيتي التركات والوراثة:
معنى قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم ...)
الآية الأولى اشتملت على بيان وصية الله تعالى لنا بتقسيم التركة حسب علمه تعالى وحكمته؛ إذ قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، مات مؤمن وترك أهلاً وأولاداً، أربع بنات وثلاثة أولاد، إناث وذكر واحد.هنا التركة تقسم حسب علم الله وأمره: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، إذا أخذ الرجل ألفاً تأخذ المرأة نصفه، أخذت المرأة ألفاً يأخذ الذكر ألفين.. وهكذا، قاعدة عامة مشى عليها المسلمون منذ أن نزل هذا القرآن إلى اليوم: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، يجب على العامي أن يحفظ هذه الجملة: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً [النساء:11] ما ترك ذكوراً، ترك بنات كبيرات أو صغيرات: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] فماذا يعطون؟ ثلث التركة، والثلث الباقي لأولى رجل ذكر من العصبة، وإن لم يكن عدداً من البنات وكانت بنت واحدة فلها النصف، اسمع الآية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11].وإذا كان هناك أبوان: أبا الميت وأمه، فقال تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] مع الذكور والإناث، أو مع الإناث فقط، أو مع البنت الواحدة، مادام الميت ترك ولداً ذكراً أو أنثى، الأب والأم السدس.إذاً: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، الولد يطلق على الذكر والأنثى بمعنى المولود. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] فقط، مات سعيد ولم يترك ولداً، وإنما ترك والده إبراهيم وأمه زليخة، فكيف يقتسمان التركة؟ الثلث للأم والثلثان للأب: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، مع الأب والأم عنده إخوة له هو فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] حجبت من الثلث إلى السدس ببركة هؤلاء الإخوة. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، فإن كان له أخ فقط ما يحجبها، ذراعه ما هو طويل، ما يغطيها أبداً، أما إذا كانوا اثنين وثلاثة نزلوا بها من الثلث إلى السدس؛ وذلك كله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، وقدمت الوصية؛ لأنها عادة لا يوجد من يدافع عنها، وصية للمسجد أو لطلبة العلم أو فقراء، بخلاف الدين فكل من له دين يقف عند الباب يطالب بدينه، ذي لطيفة قرآنية!قد يقول قائل: لِم قدمت الوصية عن الدين، مع أن الدين أوجب أو لا؟ الوصية إذا كانت أكثر من الثلث باطلة، أليس كذلك؟ ولكن الدين الريال والمليون أصحابه يطالبون في الدنيا والآخرة. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا [النساء:11] أي: الميت أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].ثم قال تعالى: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ [النساء:11] كلهم هؤلاء: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11]، إذاً: فلا تتململوا وتقول: لِم أعط السدس، لِم أعط الثلث؟ لم أعط الكل؟ ما هو شأنكم أليسوا بآبائكم وأبنائكم؟ أنتم.. أنتم. لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11]، فرض هذه الفريضة لا تقبل أبداً الاحتيال ولا الإيقاف ولا التصرف لا بد من إيجادها، ومن الفارض لها؟ العليم الحكيم.لو كان الذي فرضها جاهل يراجع القضية ما عنده علم، لكنه الذي علم وأحاط علمه بكل شيء، وعلم بالأشياء قبل أن يوجدها، ولولا ذلك العلم والله ما نوجد في الحياة عام واحد وانتهت، كيف بآلاف السنين؟حكيم، لو كان أحمقاً لا يفرق بين الحق والباطل، ممكن أعطى السدس والحق أنها تستحق الثلث؟ يقع وهذا احتمال أو لا؟ لكنه الحكيم، هو خالق الحكمة وواهبها، فكيف تنقصه، فلا يضع الشيء إلا بموضعه.وأؤكد لكم: هذه البشرية كلها لو تريد أن تنتقد الله في حكم من الأحكام! وتريد أن تستبدله بما هو خير، والله الذي لا إله غيره ما حصلت ولا وصلت إلى هذا المستوى، مستحيل.هذه الآية الأولى فيها بيان ماذا؟ الوراثة بالنسب.
معنى قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ...)
الآن مع الآية التي فيها وراثة بالمصاهرة؛ إذ علمنا أن أسباب الميراث ثلاثة، ما هي؟النسب، والمصاهرة، والولاء، من منكم يذكر آية فيها ذكر النسب والمصاهرة؟قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54]، إما بفلان بفلان، وإما فلان زوج فلانة، كل البشر هكذا، إما نسباً وإما صهراً. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا [الفرقان:54] آدم فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54].الآن آية النسب عرفناها: كيف نوزع تركتها. مع الآية الثانية أو بعضها، وهي آية المصاهرة، قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، إذا مات الرجل.. لا، إذا ماتت السيدة -باللغة المصرية- إذا ماتت السيدة فلزوجها نصف تركتها، وإذا مات السيد فلزوجته ربع التركة؛ بشرط: ألا يكون هناك ولد. وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: الزوجات: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا [النساء:12]، والمرأة توصي أو لا؟ نعم توصي، لها حق في الثلث، توصي به للمسجد، للفقراء، لطلبة العلم، للحجاج، للمسافرين: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، والمرأة قد يكون عليها دين أو لا؟ إي نعم، وَلَهُنَّ [النساء:12] أي: النسوة الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، هذه آية المصاهرة مختصرة، واضحة.رجل مات وترك زوجته، ماذا ترث الزوجة هذه؟ترث الربع إن لم يكن له ولد، فإن كان له ولد أو أولاد؛ فلها الثمن.العكس: الزوجة ماتت ولم تترك ولداً، وتركت مبلغ عند الراجحي مليون ريال، فللزوج كم؟ النصف، فإن كان لها ولد منه أو من غيره فله الربع فقط.تأملوا: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ [النساء:12]، أي: الزوجات الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [النساء:12].
معنى قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة ...)
ننتقل إلى باقي الآية لا بأس، ونراجع، يقول تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، هذه ما جاءت في الآية الأولى لحكمة: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].هذه الجملة تسمى: الكلالة، إرث الكلالة، ما هي الكلالة؟ هي أن يهلك الهالك- وكلنا هالك إلا وجه الله- ولا يترك أباً ولا أماً ولا ولداً ولا بنتاً، وترك إخوته من أمه؛ فإن كان أخ فقط له السدس، فإن كانوا اثنين فأكثر فهم شركاء ولهم الثلث.لِم سميت الكلالة كلالة؟ لأنها كالإكليل على الرأس؛ لأنهم يحيطون به، ما هم أصول ولا فروع، ولكن يحيطون به، وستأتي كلالة وهي: إخوة من الأب والأم في آخر سورة النساء، غداً إن شاء الله، لكن هذه كلالة خاصة بالإخوة للأم.اسمع النص: يقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ [النساء:12] أي: يوجد رجل يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] أي: ما عنده أب ولا أم ولا ولد، أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] إذ لا فرق بين الرجل والمرأة، الذي يورث كلالة من هو؟ رجل ما ترك أباً ولا ولداً، أو امرأة ماتت وما تركت أباً ولا ولداً، ورثها إخوتها لأمها، لا فرق بين الرجل والمرأة. وَإِنْ كَانَ [النساء:12] أي: وإن وجد رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] تورث كلالة: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، مات الرجل ولم يترك أباً ولا أماً، ولا ولداً، ولكن ترك أخته فقط، كم لها؟السدس.ما ترك أختها ترك أخاً، كم له؟ السدس: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النساء:12] على انفراد: السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، اثنين، ثلاثة عشرة.. عشرين: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، انظر إلى ما تقدم، تجد هذه هي تركة المرأة، هذا هو إرث المرأة، المرأة ترث السدس مع الولد أو لا؟إذاً: هذا الولد، انفرد بالأخ هذا يرث كما ترث المرأة السدس، فإن كانوا أكثر من ولد، أكثر من أخ؟ شركاء في الثلث؛ لأن المرأة إذا لم يوجد ولد تأخذ الثلث.هيا نتلو الآية وتأملوا: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] كان بمعنى: وجد، (كان) تامة: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، ما معنى: يورث كلالة، أي: يرثه من يحيطون به من غير الآباء والأولاد.(كلالة) وسميت بذلك لأنهم الإكليل على الرأس، ومن يرث هذا الميت؟ليسوا بأصول ولا فروع، لا أب ولا ابن ولا أم ولا بنت، يرثه من؟ إخوته الذين يحوطون به.قال: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12]، إما ترك أخاً أو ترك أختاً لأمه: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، يأخذ السدس ومع السلامة، والباقي للأعمام، لأبناء الأخ: ( لأولى رجل ذكر )، وهم العصبة.قال: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12] ثلاثة أربعة إخوة لأمه: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].لطيفة! أنتم الآن إن شاء الله فهمتم: أن الميت إذا مات وما ترك أباً ولا ولداً ولا أماً، ترك إخوته لأمه فقط، كيف يأخذون التركة؟ إن كان واحد أو واحدة أخذ السدس، كانوا اثنين.. ثلاثة فأكثر أخذوا الثلث، والباقي لمن؟ للعصبة؛ عمه ابن عمه، ابن أخيه مثلاً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 24-05-2021 04:26 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
المسألة الحجرية أو الحمارية
في قضية تسمى بالحجرية، أو الحمارية نتجت عن هذه، وهي -سلمكم الله-: أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وإخوة لأمها، وأخاً لأبيها أو لأبيها وأمها، كيف نقسم هذه التركة؟نقول: الزوج صاحب النصف، ما نتردد، والأم ترث الثلث، ما في من يحجبها عن الثلث؟وأما الإخوة لأم، فإذا كان الزوج له النصف، وهو ثلاثة من ستة، والأم لها اثنان وهي الثلث من ستة، وبقي واحد يرثه الإخوة لأم والأخ الشقيق أو لأب ليس له حظ هنا، لأنه ما بقي شيء.هذه القضية رفعت إلى عمر ، فشكا الأخ للأب أو الشقيق، قال: يا عمر افرض أن أبانا حجراً، أليست أمنا واحدة، كيف نحرم؟ فسموها الحجرية.أو: يا عمر : افرض أن أبانا حماراً أليست أمنا واحدة، لِم نحرم نحن؟ قال: ما بقي لكم شيء، الزوج صاحب النصف، والأم صاحبة الثلث، والإخوة للأم لهم السدس.قال: [ وهذا ما يعرف بالحجرية أو الحمارية أو المشتركة يعني: أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وإخوة لأمها وأخاً لأبيها وأمها: فللزوج النصف، وللأم السدس -لأن الأولاد حجبوها من الثلث- وللأم السدس، والباقي للإخوة لأم، ولا شيء للإخوة لأب، أو لهما معاً، وسميت بالحمارية؛ لأنهم لما منعوا قالوا للقاضي بينهم: هب أن أبانا حماراً، أليست أمنا واحدة، كيف ما تعطينا، وقالوا: هب أن أبانا حجراً، أليست أمنا واحدة، وطالبوا بتشريكهم في الإرث فسميت بالمشتركة ].
حكم الجور في الوصية من قبل مورث الكلالة
نعود إلى آية الكلالة، يقول تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] وإن كانت امرأة لا فرق بين الرجل والمرأة: (يورث كِلالة) أي يرثه من يحوطون به، لا الآباء ولا الأولاد، من الإخوة، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، كذا البنت لها السدس ولد له السدس؛ لأنه واحد فقط، والباقي للعصبة: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، ثلاث أخوات مثلاً أو إخوة: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12] فقط؛ وذلك مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، هذه اللطيفة ما جاءت في الأولى؛ لأن المورث يعرف الوارثين له: إخوة لأم، والإخوة للأب والأشقاء ممنوعين، فيوصي، أو يدعي أن لفلان عليه دين كذا، فإذا ثبت أنه ادعى ديناً وهو لا وجود له، أو أوصى بوصية وهو غير صادق فيها فهذه قسمة باطلة، ولا يصادق على الوصية ولا على الدين؛ لأن هذا الدين أراد به الإضرار بالذين يرثون وهو لا يريد أن يرثوا، لاسيما وقد يحرم ابن امرأته من أخ لأب أو لأم وأب.فقال تعالى: أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] حال كونه غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، ومضار بمعنى مضارر، للتبعيض أدغمت الراء في الراء: غير مضارر، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ [النساء:12].. هذا الذي قرأناه كله وصية من الله، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12]، ووصية الله يجب أن تنفذ أو لا؟وسبق أن قلت لكم: إن الأمر أهون من الوصية، الوصية آكد، وكل العقلاء ينفذون الوصية، بخلاف الأمر، وصية هذه في المصاهرة وفي النسب وصية من أين؟ مصدرها الله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12] هنا، حليم رحيم.إذاً: فلا يرضى أبداً أن يضيع حق عبد من عبيده؛ بسبب التعصب أو الشعور بأن فلاناً آذاه، أو ما نال منه خيراً طول حياته؛ يحاول أن يخرجه من التركة بأن يوصي بأشياء ليست لازمة، أو يدعي ديوناً ويسجلها ولا يوجد ثمة ديون، فلحلم الله تعالى لا يرضى بهذا.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
الآن نعود من جديد، أولاً: أوصانا الله عز وجل بأن نوزع تركاتنا عند وفاة أحدنا على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، كذا أو لا؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، ما ترك هذا الولد بنين وبنات، بل ترك بنات فقط، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، ثلث وثلث تثنية ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً [النساء:11] فقط، ما هم نسوة، فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] بالإجماع، والباقي بالعصبة الأقرب فالأقرب الذكور، وَلِأَبَوَيْهِ [النساء:11] هذا الذي مات وترك بنين أو بنات، مات وترك بنات، مات وترك بنتاً واحدة، ما يكون للأب والأم مع وجودها؟ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، فإن لم يكن له ذكر أو أنثى وورثه أبواه فلأمه الثلث والباقي للسيد للأب: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والباقي للأب بكامله، بالعصبة وبالفريضة: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] ولو كانوا شيوخاً مثلي ومثلك، ما في فرق بين الكبير والصغير، ولا الذكر والأنثى. فرغنا من هذه .. هيا إلى المصاهرة.المصاهرة: معناها: أن يموت زوج أو تموت زوجة؛ لأن كلاً منهما يصهر في الثاني ويصبحا كجسم واحد: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، يعني: هنا زوجاتكم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12]، لا من هذا الزوج ولا من غيره؛ إذ من الجائز أن يكون للمرأة ولد من هذا الرجل، وأولاد من رجل آخر: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] إن فرضنا، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] فماذا للرجل؟ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12]، وهذا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، وهن أي الزوجات: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال الأزواج إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ [النساء:12] ماذا؟ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12].وسبق أن نبهنا أنه لا فرق بين أن تكون الزوجة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع .. إذا كان نصيبها الثمن يقتسمن الثمن كلهن، وإذا كان نصيب الزوجة الربع فيقتسمن الربع، ولهذا إذا توفي وهي تأخذ الربع ما تقبل الضرة، ما تسمح له أن يتزوج بأخرى، فمن هنا مادام هذا الزواج إضافي يجب أن يتحمل النقص إذاً، لما كانت واحدة الربع في ذلك أخذته، لكن لما جاءت أخرى تساعدها على الفراش والطعام والرحى والطحن وما إلى ذلك، لا بد وتقتسم معها هذا الربع، وإن بلغن أربعاً. هذا بالإجماع بلا خلاف بين المؤمنين. مات الرجل وترك زوجتين .. ثلاث، وترك أولاداً؛ فلهن الثمن يقتسمنه بينهن، مات ولم يترك ولداً ولا بنتاً، وإنما الزوجات فلهن الربع يقتسمنه كالواحدة.اسمع الآية: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ [النساء:12] ماذا؟ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: الزوجات: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ [النساء:12] من هؤلاء الزوجات: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] بشرط أو لا؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [النساء:12]، يجوز الثمُن والثمْن، الربُع والربْع الخمُس والخمْس لغات فصيحة.
مفهوم الكلالة ومن يرثه
والآن مع إرث الكلالة. ما الكلالة؟ أن يموت المؤمن ولا يترك أباً ولا جداً ولا ولداً ولا أولاد ولد ولا أماً، من يرثه؟ من يحوطون به من إخوته لأمه أو إخوته لأبيه وأمه، إلا أن الآية التي فيها هذا أتت متأخرة في آخر سورة النساء، لكن إن شاء الله نبينها. عمر على جلالته عاتبه الرسول عتاباً شديداً في هذه القضية؛ لكثرة سؤاله وتردده عليه فيها.اسمع الآية: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ [النساء:12]، أي: وجد رجل يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، أو وجدت امرأة تورث كلالة، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] ما هم بآبائه ولا أولاده، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، إن وجد واحداً، أما إن كانا مع بعضهما البعض فلهما الثلث، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12] اثنين فأكثر فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، ما في أكثر من الثلث، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ [النساء:12] حالية هذه، غير مضار به أحداً؛ إذ يوجد من الضالين أو الضائعين يحسد الورثة، يكتب ويشهد اثنين بأن فلاناً كفل علينا خمسمائة بسبب كذا وكذا، همه أن يحرم ويضر بهذا الدين، ما هو بدين أو وصية، أراد أن يموت وأولاده وإخوانه فقراء، وحسدهم، فقال: أوصينا بالثلث في بني فلان، ولم يرد وجه الله، فقط أراد حرمان هؤلاء الورثة، لمرض نفسه، هل يقبل هذا؟ ما يقبل؛ لأن الله اشترط هذا القيد: غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12]، ما قال: حكيم كالأولى، بل حليم ما يرضى الظلم والاعتداء، عبيده كلهم في مستوى واحد، ما يرضى أن يؤخذ حق واحد لا بالكذب ولا بالاحتيال.
مسائل في الميراث
الآن من باب التكرار نسأل ونجيب.مسألة: مات رجل وترك أولاداً، وما ترك أباً ولا أماً، كيف تقسم هذه التركة؟نقسمها للذكر مثل حظ الأنثيين لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].مسألة: هلك هالك رحمة الله عليه، ما ترك أولاداً بنين أو بنات بل ترك بنات اثنتين أو ثلاث أو أربع، ماذا نصنع بالقسمة؟لهن ثلثا ما ترك، والثلث الباقي للعصبة، والدليل: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] .مسألة: هلك هالك وما ترك إلا بنتاً فقط اسمها زليخة، وترك أعمامه وإخوانها، فهذه البنت ماذا نعطيها؟من أدبنا مع الله نقول: نحن لا نعطيها، بل الله يعطيها، الله ما ينزل يقسم بين التركات، الله أعطاها، أعطها من التركة هذه النصف؛ لأن الله أعطاها كذا، والدليل على ما نقول: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11].مسألة: هلك هالك وترك بنتاً فأخذت النصف، وأباه وأمه ما لهما؟البنت تأخذ النصف، والأبوين لكل واحد منهما السدس والباقي للأب تعصيباً؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:11].لماذا يأخذ الأب السدس هنا؟ لأن له ولد، الولد هو المانع، فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] ، فلأمه الثلث ولأبيه ولأبيه الثلثان الباقيان.والأب هو العاصب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ).مسألة: ماتت امرأة وتركت زوجها وليس لها ولد، كم للزوج؟النصف؛ لقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12]، فإن فرضنا أنها تركت ولداً، فلزوجها الربع، ما الدليل؟ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:12].مسألة: هلك رجل وترك زوجة فقط ما أنجب ولا أنجبت، هذه الزوجة ماذا ترث من تركة زوجها؟ تأخذ الربع والباقي للعصبة أولاد العم أو الإخوة شأنهم. فإن هلك وترك أولاداً ماذا ترث زوجته منه؟الثمن فقط بلا زيادة ولا نقصان، ما الدليل؟ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12]، بينا أنه لا فرق بين الزوجة أو الزوجات في هذه القضية، الإرث واحد، الربع يقتسمنه، الثمن يقتسمنه.وأخيراً: ما هي الكلالة؟أولاً: ما هي آية الكلالة؟آية الكلالة هي: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] تورث كلالة، فما الحكم؟ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] أو إخوان من أم هؤلاء انتبهتم؟ لا من الأب ولا أشقاء. ترك أخاً أو أختاً أو أخوين أو أختين من أمه، فما الحكم؟ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12] إن كان واحداً فله السدس، واحدة لها السدس، كانوا اثنين فأكثر هم شركاء في الثلث لا للذكر مثل حظ الأنثيين، بل يقتسمون الثلث بالسوية، عرفتم؟ له أخت من أمه وأخ من أمه، يأخذان الثلث يقتسمانه بالتساوي، والآية الكريمة هي قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] أي: من أمه.في مسألة الحجرية أو الحمارية لما منعهم القاضي من حظهم وقسم، أعطى للزوجة النصف، وللأم الثلث، والباقي للإخوة للأم، والإخوة الأشقاء أو لأب ما حصل لهم شيء، قالوا: لم ما نعطى؟ افرض أن أبانا حماراً، لكن أمنا واحدة، فقال: هذا الذي أعطاكم الله، عرفتم الحمارية أو الحجرية أو المشتركة أو المشترِكة.وصلى الله على نبينا محمد.

ابوالوليد المسلم 24-05-2021 04:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (88)
الحلقة (310)

تفسير سورة النساء (52)


يبين الله سبحانه وتعالى حال المنافقين في المدينة، وما كانوا عليه من الخديعة للمسلمين والغش لهم، فعادوا بعد الإيمان إلى الكفر، ومن الهداية إلى الضلال، ومن كان هذا حاله فلن يكتب الله له الهداية أبداً بما كسبت يداه؛ فهم مع كفرهم وعتوهم يتمنون للمسلمين لو يكفرون مثلهم ويرتدون عن دينهم ليكون حالهم واحداً، حسداً من عند أنفسهم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وها نحن مع سورة النساء المدينة المباركة، ومع هذه الآيات الخمس، وقد شرعنا البارحة في دارسة آية منها وما وفيناها حقاً، فهيا بنا إليها أولاً، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا * فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:87-89].والآيات سياسة حربية في أعلى الدرجات، ومردها إلى إمام المسلمين، وإلا فما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى الشرك والمشركون من الجزيرة؛ لأن آخر ما نزل هو قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، وذلك حتى لا يجتمع دينان في الجزيرة، ويبقى خارج الجزيرة فإلى إمام المسلمين، إذ قد يضطر إلى هذه التوجيهات الإلهية ويعمل بها، وسوف نقف عليها إن شاء الله قضية بعد أخرى.
وجوب توحيد الله في عبادته
قد علمنا بالأمس أن الله تعالى أخبر عن نفسه فقال: أنه لا إله إلا هو، وتقرر وتأكد وثبت باليقين أنه لا إله حق إلا هو، ولا معبود حق أو معبود يستحق العبادة إلا الله تعالى، فلو بحثت في الشرق أو في الغرب أو في السماء أوفي الأرض عمن يستحق أن يعبد، والله ما وجدت ولن تجد، لماذا يا هذا؟والجواب: لأن الذي نحبه بقلوبنا، ونذل له، ونخضع بألسنتنا وجوارحنا له، ذاك الذي وهبنا حياتنا، فخلقنا ورزقنا وحفظنا، وخلق الأشياء في الكون من أجلنا، حتى الجنة والنار، فهذا الذي نعطيه قلوبنا، وهذا الذي بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، فكيف لا نركع له ونسجد؟! ومن عدا الله سواء كان ملائكة في السماء أو ملائكة في الأرض أو أنبياء أو صلحاء أو أياً كان لا يستحق أن يكون إلهاً، وما اتخذ الجهال من آلهة فهي إنما آلهة باطلة.وإن شئت أن تضحك: فهذا النصراني الذي يعبد الصليب ويعلقه في عنقه، هو رمز إلى أن عيسى بن مريم قد صلبه اليهود، ووالله ما صلبوه وما قتلوه، ولو كان رباً إلهاً خالقاً مدبراً يقتله أعداؤه؟! أي فهم هذا؟ وأي سقم هذا؟ وأي مرض هذا؟! فالذي يُعبد وتنحني له وتركع وتسجد له يقتله عدوه؟! وهل يصح أن يكون هذا إله؟! إنهم يضحكون عليهم ويسخرون منهم، وأما الأصنام والأحجار والأشجار فهي عبارة عن تماثيل أمام العابدين، وهم يعتقدون أنها تستمد خيراتها وبركاتها من الله، فهم يتقربون بها إلى الله تعالى، ولذلك عبدوها بدل أن يعبدوا الله عز وجل.والخلاصة: لو يصلب أحدنا أو يحرق أو يقتل على أن يقول: يوجد إله مع الله، مستحيل أبداً، إذ لا وجود له، فلا إله إلا الله! وهذه شهادة الله التي حفظناها، وما زلنا نتوسل بها إلى الله، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18]، الذين يجوبون العوالم، فقد شهدوا أنه لا إله إلا الله، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، أي: من الرسل والأنبياء إلى أتباعهم من أهل العلم، فالكل شهدوا أنه لا إله إلا الله، فكيف توجد لي إلهاً آخر؟!وكما قلنا: هذه الآية بلغوها لإخوانكم، فإذا لم تستطيع أن تستدل على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته بآيات الكون ولا بآيات القرآن، فعلِّمه فقط، فيقول: أنا أشهد بشهادة الله، أي: مادام أن الله قد شهد فأنا أشهد بأنه لا إله إلا الله، والله لكان من أهل الشهادة، وإذا زاد: (والملائكة) أيضاً، فأنا أشهد بما شهد الله وما شهد به الملائكة، وأولوا العلم أيضاً، وبالتالي أصبح يقيناً ثابتاً مستقراً في نفسه، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18]، أيضاً شهدوا، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، شهدوا، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، أبدأ بالرسل والأنبياء وبالعلماء التابعين لأنبيائهم والعالمين بكتب ربهم.وصاحب هذه الشهادة لا تثبت له ولا تصح ولا تقبل ولا يثاب عليها إلا إذا حققت أمرين ضروريين: الأول: أن تعبد الله الذي شهدت ألا معبود إلا هو، فإن لم تعبده فأين أنت من شهادتك؟ فكيف تعلن أنه لا معبود بحق إلا الله ولا تعبده؟! إذاً أنت متهم بأنك تكذب، إذ لو كنت صادقاً فيما علمت وشهدت لعبدت قبل الناس.الثاني: ألا ترضى بعبادة غيره، فإن كنت تجالس من يعبدون غير الله، فتضحك وتأكل وتشرب معهم، وأنت مقتنع بعبادتهم، فإن هذا الموقف يقدح في شهادتك. مرة أخرى: الأمران هما: الأول: أن تعبده وحده، وثانياً: ألا ترضى أبداً بعبادة غيره حتى ولو كان العابد أباك أو أمك؛ لأنك تقرر وتعلن أنه لا يستحق العبادة إلا الله، فكيف إذاً ترى من يعبد غيره وترضى بذلك؟!والآن بم يعبد الله عز وجل؟ يجب على من شهد أنه لا معبود إلا الله أن يعرف بم يعبد الله؟ وكيف يعبده؟ ولا يصح أن يبقى في قريته أو على رأس جبله، بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم كيف نعبد الله؟ وبم نعبده؟ لأنه إذا لم يعلم كيف يعبد الله وبم يعبد هل يستطيع أن يعبد؟لا والله، ولهذا فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فما هي أنواع العبادات؟ الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، العمرة، الجهاد، الرباط، ذكر الله، تلاوة كتابه، صلة الأرحام، البر، التقوى، وكلها ينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يعرفها ويعرف كيف يؤديها؟ فمثلاً: الصلاة عبادة قطعاً، وهي عمود الدين، فإذا لم يعرف كيف يصلي فهل ينفعه علمه؟ لا والله، يقول: أنا أعرف أن الصلاة عبادة، إذاً كيف تصلي؟ ما علمت بعد، إذاً تعلم: كيف تتطهر؟ وكيف تستقبل بيت الله؟ وكيف تنوي أنك بين يديه؟ وكيف تعلن عن دخولك في العبادة؟
الإيمان بالبعث والجزاء
إذاً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، هذا المبتدأ، وعزتي وجلالي يقول: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87]، فهل (إلى) صلة بمعنى زائدة، ويصبح الكلام: ليجمعنكم يوم القيامة؟ وهو والله لحق، ليجمعنا يوم القيامة، ويصح أن تبقى (إلى) على معناها، أي: ليجمعنكم في الأرض في قبوركم، ثم يوم القيامة يخرجكم من قبوركم، وها نحن الآن نتجمع في الأرض، أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26]، فالأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها، فإذا ما تبنوها تدخله في بطنها، والآخرون كالقمل يمشون على ظهرها، فإذا مات أحدهم تستل وتدخله في بطنها، فهل هناك من يخرج عن الأرض؟ لا، وإنما نتجمع، وهذا التجمع ليوم القيامة حيث يوم الجزاء والحساب الدقيق، ثم إما النعيم المقيم أو العذاب الأليم. لا رَيْبَ فِيهِ [النساء:87]، أي: ليوم لا ريب في وقوعه، ولا شك أبداً في أن يوم القيامة آت لا محالة، وقيل: في يوم القيامة لأننا نقوم من مضاجعنا تحت الأرض، فهل يبقى إنسان لا يقوم فتجحده الأرض أو هناك من يغطي عنه؟ والله لا يتخلفن إنسي ولا جني، وإنما الكل يقوم، فهذا هو يوم القيامة الذي لا ريب فيه أبداً، وكيف نعلم أنه لا ريب فيه؟ قد نفى الخالق أن يكون في هذا اليوم شك في قلب إنسان، ومن أصدق من الله قولاً وحديثاً ووعداً؟ ولذا فما علينا إلا أن نقول: آمنا بالله، وقد حلف الله جل جلاله على أنه سيجمعنا تحت الأرض وذلك ليوم القيامة، وسيجمعنا يوم القيامة ويحشرنا في ساحة واحدة، أبيضنا وأصفرنا، ويجري الحساب في فترة من الزمن مقدارها خمسون ألف سنة من أيامكم هذه.ثم تستقر الحياة على ما هي عليه، فأهل الكمال والطهر والصفاء، وأهل التوحيد وعبادة الرب في الملكوت الأعلى، وأهل الكفر والشرك والفسق والفجور في أسفل سافلين من الكون، وما بقيت سماء ولا أرض، وإنما عالمان: علوي وسفلي، فالعلوي فوق هذه السموات السبع، إذ إن هذه السموات السبع تتبخر وتصبح وردة كالدهان، أي: حمراء تسيل، وكل الذي فيها يذوب ذوباناً، فأين السموات؟ انتهت، وعالم دار السلام فوق ذلك، والعالم السفلي ما هو تحت هذه الأرض، ولا هذه الأرضين السبع، وإنما هو عالم آخر، فهل هناك من هو أصدق حديثاً من الله تعالى؟ ها هو تعالى يحلف أنها سيجمعنا ليوم القيامة، فهل يبقى في نفوسنا شك؟ وهل جربنا على الله كذباً أو خلف وعد وعدنا؟ مستحيل أبداً، فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].إذاً: الإيمان بالله والإيمان بالبعث الآخر هما العقيدة التي إن فقدها الإنسان تمزق وتلاشى، بل وصار شر الخلق، إذ إن الإيمان بالله يعني الإيمان بأن الله موجود حي قيوم ذو جلال وإكرام، ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وبيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وهو الخالق، وهو الرازق، وهو المدبر، وهو الله الذي لا إله إلا هو، والثاني الإيمان بالبعث الآخر والحياة الثانية، وما يتم فيها لعباد الله تعالى.فالعقيدة مبناها على هذين المعتقدين، فإذا حصل أدنى ريب أو زلزال أو ضعف في الإيمان بالله أو في البعث الآخر هبط الآدمي، ولا يستطيع أن يستقيم ولو يوماً واحداً، بل لا بد وأن يكذب ويفجر، وذلك إذا لم ترسخ هذه العقيدة في قلب الآدمي، ذكراً كان أو أنثى، وهو أنه لا إله إلا الله، وأن البعث والدار الآخرة حق، فإذا لم تكن هذه في نفسه ما يستطيع أن يستقيم، بل لا بد وأن يعوج، ولا بد أن يكذب ويسرق ويفجر، وممكن أن يقتل أمه، ومن هنا جاءت الآيات القرآنية مثل قوله: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، وقوله تعالى: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، حتى النساء الحيض التي تؤمن بالله واليوم الآخر ما تجحد الحيض وتكذب وتقول: أنا طاهرة، وهذه أدنى مسألة، وكذلك إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يكتمن ما في أرحامهن.إذاً: علموا البشرية أنها لا تستقيم على منهج الحق إلا إذا آمنت بالله حق الإيمان، وآمنت بالبعث الآخر والجزاء والحساب، وبدون هاتين القاعدتين من قواعد الإسلام وأركانه لا يمكن للعبد أن يستقيم، لكن قد يستقيم عاماً أو عامين ثم يهبط ويعوج وينحرف، وكل انحراف واعوجاج في الإنسان مرده إلى الكفر بالله واليوم الآخر، أو إلى ضعف إيمانه بالله واليوم الآخر، ولا تتردد في هذا.وهذا ما أفادنا من قول ربنا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وهذا كالتعليل والتشجيع لأن نعمل الحسنات ونتجنب السيئات، إلى أن نشفع فيما هو حبٌ لله ورضاه، ولا نشفع فيما هو غضب لله وسخطه، ولنعيش على السلام والطهر والصفاء، وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، لم؟ لأن الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة.والآن مع هذه الآيات نأخذ في بيانها، فأولاً: أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وستسمعون ما كان يجري في هذه الديار، والذي استقر: أننا لا نقول: هذه الآيات منسوخة، وذلك أحسن وإن قال من قال، وإنما نقول: هذه الآيات عمِل بها في وقتها، ثم قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نسخ الله كل أمر يوقف القتال في هذه الجزيرة، أي: كل أمر يقر الشرك وبقاؤه في هذه الديار، وذلك بقوله: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، لماذا؟ فالرسول قريب سيرحل إلى الملكوت الأعلى، وهذه هي قبة الإسلام وبقعة النور ومصدر الحياة، فلا ينبغي أن يوجد فيها شرك ولا كفر أبداً.وقد أوصى الرسول ونفذ عمر: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، أي: في هذه الجزيرة، إذ لا يحل أن توجد كنيسة ولا بيع ولا معبد للمجوس أبداً، إذ إن هذه قبة الإسلام وبيضته، وأعيد إلى أذهان بعض السامعين أن مسيو الفرنسي كتب في الجريدة يقول: لمَ نمنع السعودية من إقامة ديننا ونحن نسمح ببناء المساجد في ديارنا؟! فكتبت كلمة رددت فيها عليه وترجمت، وقد قلت له: يا مسيو! المملكة هي عبارة عن قبة الإسلام، فهل منعناكم من وجود كنيسة في سوريا أو في العراق أو في مصر أو في المغرب أو في أي مكان؟ لا أبداً، لكن الجزيرة قد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجتمع فيها دينان، وإن أردت أن تعلم فأقول لك: أرأيت لو نبني مسجداً في كنيستكم الكبرى، هل تسمحون بذلك؟ مستحيل، إذ كيف يصح أن نبني مسجداً في وسط كنيسة؟! إن هذا ظلم، إذاً: هل يجوز أن تبني كنيسة في داخل المسجد؟ فالمملكة عبارة عن مسجد، فلا يصح أن تبنى فيها كنيسة، ثم بكى وقال: إخواننا يعملون في ليلة من الليالي ما يسمونه قدوس أو قداس، فتأتيهم رجالات الأمر بالمعروف فيطاردونهم ويخرجونهم ويسفرونهم، فلماذا؟ فقلنا له: يا مسيو! لا تعجب، فإن أهل الخرافة بيننا والضلالة وأهل الجهل لما يقيمون مولداً من هذه الموالد تطاردهم الهيئة وتبعدهم، وهذا ليس خاصاً بكم فقط، فسكت.والشاهد عندنا: أنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، أما وراء الجزيرة فهناك كنائس موجودة، وما قمنا بهدمها ولا أمرنا بهدمها، ولذا أردت أن أقول: إن هذه الآيات العظيمة لا نقول بنسخها؛ لأن إمام المسلمين في أي وقت قد يحتاج إليها سياسياً وحربياً، أما أن نقول بالنسخ فلا؛ لأن الجزيرة قد نسخ الله فيها الشرك وأبطله، ويبقى خارج الجزيرة، فإمام المسلمين ينتفعون بهذه الآيات، وإليكم بيان ذلك.

يتبع

ابوالوليد المسلم 24-05-2021 04:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ...)
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]. فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88]، سبق أن من المنافقين من كان يثبط عن القتال ويقول: دعنا أياماً أو أعواماً حتى نستعد ونتسلح، وآخرون قالوا كذا، وجاء السياق كاملاً في هذا الباب، حتى الشفاعة فيشفع لآخر فيقول له: ما هناك حاجة إلى أن تخرج أنت، دعهم يموتون، وآخر يقول كذا، والآن هذه (الفاء) لها علاقة بما تقدم، وإنما جملة: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ذكرت لبيان أن الله سيجزينا يا أهل الإحسان على إحساننا، وسيجزي أهل الإساءة على إساءتهم؛ لأنه العدل الرحيم، وذلك يوم القيامة الذي لا ريب فيه. فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88]، أي: جماعتين، ففئة تقول: ارحموهم والطفوا بهم، وفئة تقول: شددوا عليهم واضربوهم واقتلوهم، وهذا قد حصل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تظن غير هذا، إذ الحماس والاندفاع موجود في المؤمنين دائماً، فالله عز وجل يقول: فَمَا [النساء:88]، أي: أي شيء جعلكم تختلفون؟ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، والارتكاس كالانتكاس، فالأعلى يصبح أسفل، أَرْكَسَهُمْ [النساء:88]، أي: انتكسوا، فقد كانوا مؤمنين وأصبحوا كافرين، وقد كانوا عابدين وأصبحوا ظالمين، وقد كانوا رحماء وأصبحوا قساة، فالانتكاس والارتكاس هو الانقلاب، وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ ، بسبب ماذا؟ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، لا أنه ظلمهم ومسخ قلوبهم ونكس رءوسهم، لا أبداً، وإنما بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، فهذه (الباء) السببية، أي: بسبب كسبهم الباطل، وكسبهم الشر، وكسبهم النفاق، وكسبهم الظلم والاعتداء، وكسبهم بغض الله ورسوله والمؤمنين، فمن ثم نكس الله قلوبهم. ثم قال لنا: أتريدون أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء:88]، يا عمر؟! يا فلان؟! أتريدون أن تهدوا إلى الإيمان والإسلام والصراط المستقيم من أضله الله؟! إن ذلك ليس بممكن، إذ إن الذي أضله الله لا يقوى البشر على هدايته، إذاً فكيف ندعو إلى الهداية وإلى الإسلام؟ ندعو، لكن إذا عرف شخص الحق وتعمد خلافه، وأعلن حربه، فمثل هذا لن يهديه الله، وذلك عقوبة له؛ لأن الظلم والشرك والكفر أصبح وصفاً لازماً له لا ينفك. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، إلى هدايته أبداً، والخطاب لرسول الله، ومن يضلل الله حسب سنته في الإضلال فلن تجد له يا عبد الله سبيلاً، أي: الطريق إلى هدايته، وذلك مهما بذلت واحتلت وتصرفت.وهنا أذكركم بأن من استمر على المعصية يوماً بعد يوم، وشهراً بعد آخر، وعاماً بعد عام، فسيأتي يوم يصبح عبد الله أو أمته لا يستطيع أن يترك تلك المعصية، حتى لو يسمع كل ليلة القرآن بكامله، فقد انتهى أمره، ولهذا قال العلماء: التوبة تجب على الفور، فلا يصح أن تقول لأخيك: تب غداً إن شاء الله، أو خليك كما أنت عليه حتى تتزوج، أو حتى تتوظف، أو حتى تكمل دراستك، أو ابق على ما أنت عليه حتى أعود إليكم من سفري، فهذا كله باطل، إذ التوبة التي فرضها الله عندما تقع في الذنب تقول: أستغفر الله، أما أن تؤجل فيا ويلك، فإن التأجيل يورثها في نفسك وتستقر، وتصبح إذا قيل لك: اتق الله، تسخر وتضحك، فالتوبة تجب على الفور، كإنسان سقط في الطريق أو عثر، فلا يقول: غداً نقوم، وإنما على الفور يقوم ويواصل مشيه.فيا عباد الله! ويا أولياء الله! التوبة تجب على الفور، فمتى شعرت بارتكاب الذنب وعلمت، فالهج بكلمة: أستغفر الله، وإن ذرفت الدموع فذلك خير، وأنت عازم على ألا تعود خشية أن تتوالى السيئات ويطبع على القلب، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو المبين المفسر لكتاب الله يقول: ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن لم يتب وزاد ذنباً آخر نكت في قلبه نكتة سوداء إلى جنب الأولى وثالثة إلى جنب الثانية ورابعة حتى يختم على القلب، وذلكم الران الذي قال الله تعالى فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ).وعندنا مثل حي فأين الذين يعون؟ وهذا المثال هو: لو أن امرأة أو فتاة مسلمة عاشت زمناً على لباس إلى نصف الساق أو إلى الركبتين، والرأس مكشوف وهي تحمر وتحسن وتخرج في الشوارع، وفي يوم من الأيام مرت بك وقلت لها: يا أمة الله! أما تستحين من الله؟ فكيف تواجهك؟ تخرج لسانها وتضحك عليك، وتقول: هذا رجعي، ولن تتوب، بينما فتاة منذ أسبوعين غرر بها الساقطات والهابطات، لم أنتِ متململة في هذا الإزار الأسود؟ اكشفي عن وجهك، أخرجي فأنتِ حرة، واستجابت لهن وخرجت، فلقيتها في الشارع وقلت لها: أما تخافين الله يا أمة الله؟ فهل تخرج لسانها وتضحك منك؟ لا، بل تهرب أو تغطي وجهها، ومثال آخر: لو عثرت على ولدك وهو يدخن، كأن دخل المدرسة الثانوية ولاقى الأصحاب فأصبح يدخن معهم، فهل يستطيع أن يدخن أمامك؟ ما يستطيع أبداً؛ لأنه يخجل ويستحي منك، لكن إذا واصل التدخين وأنت تراه، بل وتعطيه السيجارة، أو تقول له: اشتري علبة لي وأخرى لك، فهذا بعد فترة من الزمان يصعب عليه أن يترك التدخين. ولذلك كل من رأى أنه يباشر ذنباً من الذنوب أن يعزم من هذه اللحظة عن التخلي عنه وتركه، وإلا ستمضي فيه سنة الله ولا يستطيع أن يتوب، وهذا قوله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، فكيف يضله الله؟ بالقهر؟! إنما حسب سنته تعالى، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، فهذه سنن لا تتبدل، وكذلك مواصلة الجريمة وألفتها واعتيادها يوماً بعد يوم يجعلك لا ترجع عنها أبداً، لا سيما من كان يحارب الله علناً، كأن يدعو إلى الكفر والنفاق والباطل والشر والفساد، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88].
تفسير قوله تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ...)
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89].ثم قال لنا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89]، من يخبر بهذا الخبر؟ خالق القلوب، وَدُّوا ، أي: أحبوا، لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، فالحشاشون واللوط والمجرمون كلهم يودون أن يكون كل الناس مثلهم، وكذلك الضالعون في الفساد يودون أن يكون كل الناس مثلهم، وهذا واضح من قوله: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89].والآن الثالوث المكون من المجوس واليهود والنصارى يعملون الليل والنهار كادحين عاملين من أجل إطفاء نور الإسلام؛ ليكون البشر مثلهم، بل والله الذي لا إله غيره يريدون ألا يبقى إسلام ولا مسلمون، كما كانت الشيوعية تدعو، وقد فشلت وتحطمت، وهذه سنة الله عز وجل، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، أما أن تبقوا بأنواركم ودعوتكم وسيادتكم وجهادكم فما يريدون هذا.ثم قال تعالى: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، من هم الأولياء؟ الذين تحبونهم وتنصرونهم، وقد تقررت هذه الحقيقية يا أبناء الإسلام! فما هو الولاء؟ الحب والنصرة، فمن لم يحب المسلمين والله ما هو بمسلم، ومن لم ينصر المسمين والله ما هو بمسلم، فالحب والنصرة ذلكم هو الولاء، واقرءوا قول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فمن قال: لا فقد كذّب الله تعالى، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فما معنى أولياء بعض؟ أي: يحبون بعضهم بعضاً، وينصرون بعضهم بعضاً، فالذي لا يحب المؤمنين والله ما هو بمؤمن، والذي لا ينصرهم ويرى العدو يهزمهم ويكسرهم وهو فرح بذلك، والله ما هو بمؤمن.قال تعالى: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، أي: تحبونهم وتوالونهم وتنصرونهم، حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وهنا مجموعة كانت في مكة قد تظاهرت بالإيمان، أو مجموعة كانت خارج مكة من جهة الشمال، أو من جهة أي بلد آخر، وكانت تأتي إلى المدينة لتستفيد، وأنهم يعملون على الهجرة لكن منعوا، وإذا عادوا إلى مكة يسجدون للصنم ويوافقون المشركين في شركهم، وبينهم وبين المؤمنين المهاجرين في المدينة صلات، فقال تعالى في شأن هؤلاء: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، أي: حتى يهاجروا في سبيل الله، لا للمادة والمال أو للنجاة بالنفس والأولاد، وإنما الهجرة في سبيل الله تعالى، فإن تولوا بعد الهجرة وعادوا إلى الشرك والكفر، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]، إذ ما هم أهلٌ لأن يوالوكم وتوالوهم، أو تنصرونهم وينصرونكم، والموضوع ذو أثر كبير، وغداً إن شاء الله نواصل الحديث في هذا.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:22 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (1)
الحلقة (311)

تفسير سورة المائدة (1)


الوفاء بالعهود والمواثيق شأنه عظيم، لذلك فقد افتتح الله سورة المائدة بالتنبيه عليه، ثم بين الله في تتمة الآية أنه أحل لعباده بهيمة الأنعام، واستثنى من ذلك ما سيأتي ذكره في سياق الآية التالية، وبالإضافة إلى ما حرم فيها حرم الله كذلك سائر الصيد على كل محرم حتى لو كان خارج الحرم، أما داخل الحرم فإنه لا يحل صيده لا لمحرم ولا غيره، وبعد ذلك حذر الله عباده تحذيراً عاماً من إتيان حرمات الله أو استحلال شعائره سبحانه.
بين يدي سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الفوز واجعلنا من أهله إنك ربنا وولينا ولا ولي لنا سواك.وقد ختمنا سورة النساء، ولنستفتح بحمد الله سورة المائدة، هذه السورة من آخر ما نزل من سور كتاب الله عز وجل، فهي -إذاً- سورة الأحكام، وقد اشتملت على العديد من الأحكام الشرعية، والسورة آياتها مائة وعشرون آية، وهي مدنية بدون ما شك من آخر ما نزل.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)
ومعنا الآن آيتان عظيمتان هيا نتغنى بهما ثم بعد ذلك نتدارسهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:1-2]. هيا نتدارس هاتين الآيتين الكريمتين. ‏
مقاصد نداء المؤمنين بلفظ الإيمان
أولاً: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:1]، من الذي ينادي المؤمنين هنا؟ إنه الله، هذا نداء الله جل جلاله وعظم سلطانه يوجهه إلى المؤمنين خاصة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:1]، لماذا وجه إليهم هذا النداء؟ لأنهم أحياء؛ لأن المؤمن حي يسمع ويبصر وينطق ويعمل، والكافر ميت.يا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! يا من آمنتم بالله وكتبه ورسله ولقائه وقضائه وقدره! أيها المؤمنون أولياء الله! أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وسبق أن علمنا أن الله لا ينادينا إلا لأمر يريد أن يأمرنا بفعله، أو ينادينا لينهانا عن شيء يضرنا ويفسد نفوسنا، أو ينادينا ليبشرنا بما يزيد به صالح أعمالنا، أو ينادينا ليحذرنا وينذرنا مما هو خطر علينا في دنيانا أو أخرانا، أو ينادينا ليعلمنا ما به نعرفه ونطيعه فنكمل ونسعد.فالله إذا ناداك أصغ بأذنك واسمع، وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول: إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأعرها سمعك، فإنك منادى، أعطها أذنك واسمع: فإن أمرت فافعل وإن نهيت فاجتنب، وإن بشرت فاستبشر، وإن أنذرت فاحذر، وإن علمت فتعلم، وحاشا الله أن يناديك لا لشيء.
عموم الأمر بالوفاء بالعقود وشموله لأنواعها المشروعة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:1] نادانا ليأمرنا بالوفاء بالعقود: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، هذا أمر أم لا؟ أوفوا أيها المؤمنون بالعقود. والعقود: جمع عقد، وهي عقود الإيمان والتوحيد، من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ فقد عقد عقداً على نفسه أن يعبد الله وحده ولا يترك عبادته بحال من الأحوال، وأن يمشي وراء رسول الله ويتبعه ولا يتقدم عليه ولا يمشي عن يمينه ولا عن شماله، بل يمشي وراءه، يقول ما يقول الرسول ويفعل ما يفعل الرسول، وهذا عقد وهذا عهد، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله قد عقد بينه وبين الله عقداً فيجب أن يفي به، والوفاء به -كما قلت-: أن تعبد الله، وأن تعبده وحده، وأن لا ترضى بعبادة غيره؛ لأنك شهدت وعقدت عقداً بينك وبينه أنه لا إله إلا هو، وأن تطيع رسول الله بعد حبه وتعظيمه وبعد الإيمان به، أن تطيعه فيما يأمر به وينهى عنه من واجب المأمورات ومحرمات المنهيات.ثم تأتي العقود العامة: الصلاة، إذا استقبلت البيت وقلت: الله أكبر ناوياً صلاة تصليها فهل يجوز أن تبطلها؟ أن تنقضها؟ لا يجوز فذلك حرام، إذا عقدت عقداً فوف به، قلت: لبيك اللهم عمرة، ومشيت مائة كيلو وبعد ذلك تقطعها تقول: لقد تركنا مشاغلنا. أيجوز هذا؟ إنه عقد بينك وبين الله! شرعت تتوضأ فغسلت يديك بعد وجهك ثم قلت: سوف نتوضأ في ساعة أخرى. فما يجوز، لا تنقض العقد الذي بينك وبين الله.وتأتي العقود الأخرى عقود البيع والشراء والإيجار والكراء وسائر العقود التي بينك وبين الناس، يجب الوفاء بها ويحرم نقضها ونكثها وعدم الوفاء بها، قلت: بعت. فقال: اشتريت، فلا يحل أبداً أن تقول: رجعت عن البيع. إلا أن تقول: أقلني لوجه الله. ارحمني فأنا ضعيف ما شعرت بكذا، فيمكن أن يرحمك أخوك، أما أن تعقد ثم تتراجع فلا، استأجرت سيارة منزلاً طيارة أي إيجار أي اكتراء أي شيء يجب الوفاء، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فلهذا المؤمنون الصادقون لا ينكثون عهداً ولا ينقضون عقداً أبداً، وإن اضطر أحدهم -كما مثلت- فإنه يتلطف مع من عقد له ويسأله بالله أن يرحمه أو يلطف به ليحل العقد بنفسه.هذا نظام حياتنا معاشر المؤمنين عملاً بهذا الأمر الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وعهود المرأة وعقود الزواج والنكاح أيعبث بها ويلعب بها؟! بالأمس تزوجتها على كتاب الله وسنة رسول الله ثم تسبها وتطلقها خمسين طلقة، ما حملك على هذا، أي نقض في العهود أكثر من هذا؟!بايعت إماماً يجب أن تفي بيعته حتى الموت، أما أن تعاهده وتبايعه ثم تخونه وتبايع آخر فلا يحل هذا في الإسلام أبداً، أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]. وكذلك السياسية الدولية، عقدنا عقداً مع دولة كافرة يجب أن نفي لها بعقدنا ولا نقول: هذه كافرة، وكذلك إذا عقدت عقداً مع يهودي أو مجوسي عدو لله ورسوله يجب أن تفي بعقدك؛ لأنك مؤمن حي وأما هو فكافر ميت.فهل نحن بعد هذا مستعدون للطاعة؟ إي ورب الكعبة، كيف نرضى بالكفر بعد الإيمان وهو تعالى ينادينا تشريفاً لنا بعنوان الإيمان ويأمرنا بأعظم شيء؛ إذ الحياة كلها قائمة على الوفاء، فلولا الوفاء بالعهود لأكل الناس بعضهم بعضاً، وأصبحت الدنيا ناراً مستعرة؟
معنى قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم)
ثم قال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة:1]، هذا امتنان منه تعالى، هذا فضل منه جل وعز، وهو أنه أحل لنا ما كان محظوراً علينا، أحل العقدة التي كانت تحول بيننا وبين أن نأكل اللحوم، فأخبرنا بأنه أحل لنا بهيمة الأنعام: الإبل، البقر، الغنم، الضأن، والماعز، امتن علينا بأنه أحلها لنا، أليس هو مالكها؟ لولا إذنه هل يجوز أن تأكلها وتذبحها؟ لا يجوز. فهذه منته: أولاً: خلقها لنا، ثم أذن لنا في أكلها، قال: رُفع الحظر وانحلت العقدة فكلوا من بهيمة الأنعام، فهيا نشكره: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.هل نحن خلقنا البقر أو الإبل أو الماعز؟ خلقها الله، ولو أنه ما أذن لنا في أكلها لكانت كالذئاب والكلاب ما نأكل منها أبداً، إذاً: له المنة، فالحمد لله.. الحمد لله، ما أعلمنا بهذا إلا لنحمده ونشكره. أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة:1]، الإبل والبقر والغنم بنوعيها الضأن والماعز.ثم قال تعالى: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1]، إلا الذي سيقرأ عليكم بعد الآية الثانية، وهو ما حرم علينا بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1] في المستقبل بعد آيتين، فذلك غير مباح، ما أحله، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة:1] اللهم إلا ما سيتلى عليكم من الحرام فاعرفوا أنه محرم. ولم سميت البهيمة بهيمة؟ قيل: لأنها مبهمة ما تنطق وما تبين وما تعقل وما تفهم، فهي بهيمة، والناس قد يشتم أحدهم أخاه يقول له: أنت بهيمة، لأنه ما فهمه وما عرف عنه، فالبهيمة سميت بهيمة لبهمة فيها، ما تعرف هذا ولا ذاك، هذه البهيمة أحلها الله عز وجل لنا.ولو كانت غير بهيمة لما أحلها لنا، لو كانت تنطق وتعقل وتفهم لما حلت لنا؟ أيحل لنا أكل بعضنا؟ لكن هذه البهيمة أذن لنا في أكلها لنعبده طول حياتنا.
لا يحل الصيد لمحرم
وقوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، هذا استثناء آخر، إذا كنت محرماً يا عبد الله، أو كنتِ محرمة يا أمة الله؛ فلا يحل لك أن تصيد أرنباً ولا غزالاً ولا يربوعاً ولا حيواناً، اللهم إلا صيد البحر، أنت على سفينتك محرم في طريقك إلى جدة فرميت بسلتك تصطاد الحوت فلا بأس، فالمالك هو الذي أذن.إذاً: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ [المائدة:1] والحال: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، أما من كان حلالاً فليصد ما شاء أن يصيد، باستثناء أن لا يصيد في الحرم، صيد الحرم حرام لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يصيد في الحرم أرنباً ولا غزالاً ولا ضبياً ولا حيواناً أبداً ولا طيراً ولا حماماً إلا ما أذن الشارع فيه كالحيوانات المؤذية التي تؤذي.
المراد بالحرم وبيان عظيم حرمته
والحرم ما هو؟ أولاً: حرم مكة، وهو معلوم، حوالي ثمانية عشر ميلاً من جهة الشرق قريباً من عرفة، وهناك توجد علامة وضعتها الدولة لنهاية الحرم، ومن الجهة الشمالية جبال التنعيم حيث ميقات عائشة كما يعرف الناس، وهو أقرب مكان إلى الحرم، ومن الجهة الغربية البحرة تقريباً وتقع الحديبية دونها، فهذه الأرض ومكة- وشرفها في وسطها- لا يحل فيها صيد حيوان.والمدينة أيضاً؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة وإنى حرمت المدينة ما بين لابتيها )، وقال: ( المدينة حرام ما بين عير إلى ثور )، فالمدينة حرام، فلو مررت بحيوان في الطريق تحت شجرة مستظل لا يحل لك أن تزعجه وتبعده من الظل وتجلس مكانه.و(عير): جبل في جنوب غرب المدينة، كالحمار، ولهذا يسمى بالعير لأنه رابض هناك، ووراء أحد الحل، لكن أحداً نفسه وما دونه إلى المسجد من الحرم، وجبل ثور وراء أحد ملاصق له من الجهة الشمالية الشرقية، فقوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ [المائدة:1] والحال أنكم محرمون، فالمحرم لا يصيد سواء كان في أي مكان ما دام قد أحرم وقال: لبيك اللهم حجة أو عمرة، ولو كان في فلسطين فإنه لا يحل له أن يصيد وهو حرام. والشاهد عندنا في قول ربنا: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، فالمحرم لا يحل له أن يصيد في أي مكان، لو أحرم من بلاد بعيدة وخالف السنة فهل يجوز له هل له أن يصيد وهو محرم؟ لا يحل له، لكن الحلال لا يصيد بالحرم، الحلال بخلاف المحرم لا يحل له أن يصيد في الحرم. والحرم حرمان: الحرم المكي والحرم المدني، فذاك حرمه إبراهيم وهذا حرمه الحفيد محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( إن إبراهيم قد حرم مكة وإني حرمت المدينة )، وقال في تأكيد هذه الحرمة: ( المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، لو يفهم هذا الحديث مؤمن ويبلغه لارتعدت فرائصه ولما استطاع أن يرتكب سوءاً في هذا البلد، كيف وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؟! كيف ولا يقبل منه فرض ولا نفل؟! من أحدث فيها حدثاً أو نصر وآوى محدثاً.ولكن جهل الناس تركهم يقعون في هذه وهم لا يشعرون، إذا لم تستطع أن تستقيم في المدينة فارحل منها ولا تقم فيها أبداً نفسك، ما تقوى على أن تعبد الله فيها ارحل إلى مكان آخر، هذا الكلام تكلمنا به منذ ثلاثة وأربعين عاماً ونحن على علم بما نقول، إذا لم تستطع أن تقيم في هذا الحرم فاخرج إلى بلد آخر فزمر أو غنِّ أو احرق وجهك أو اكشف وجه امرأتك! أما هنا فلا.أعيد القول: الحديث في الموطأ وفي البخاري وفي مسلم وفي الصحاح كلها: ( المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، لا فرض ولا نفل، كيف يعيش هذا العبد؟!

يتبع

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:22 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (إن الله يحكم ما يريد)
وقوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ))[المائدة:1]، الأمر له والحكم له، يحل ما شاء ويحظر ويحرم ما شاء، لا رأي لنا ولا عقل فيما أحل الله أو حرم. (( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ))[المائدة:1]، فها هو ذا تعالى حكم علينا أولاً بالوفاء بعقودنا بيننا وبين الله ورسوله، وبيننا وبين إمام المسلمين، وبيننا وبين كل مسلم ومسلمة، ثم امتن علينا بقوله: (( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ))[المائدة:1]، هذه منته، هو الذي إن شاء حظر وإن شاء أباح وأذن، الملك ملكه، إذاً: فله الحمد والمنة أنه امتن علينا بإحلال بهيمة الأنعام لنا، واستثنى منها ما سيتلى من تلك العشر المحرمات من بهيمة الأنعام، وقوله: (( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ))[المائدة:1] أي: حال كونكم غير محلي الصيد، فلا يحل لمحرم ولا محرمة أن يصيد؛ لأنه تلبس بالعبادة، لما قال: لبيك اللهم حجاً أو عمرة كان كمن أحرم بصلاة الظهر: الله أكبر، فهل الذي دخل في ظهر أو عصر أو نافلة يعبث أو يتكلم أو يعمل شيئاً؟ الجواب: لا، فكذلك المحرم دخل في هذه العبادة فلا يتكلم إلا من ضرورة، لا يأكل ولا يشرب إلا من حاجة، فكيف إذاً يلهو ويلعب والصيد منشؤه اللهو واللعب، فيحرم الصيد حتى ولو كان قد جاع، في هذه الحالة لا يصيد، بل يصبر على جوعه. ولو صاد لك إنسان فقال: أنت محرم وأنا أصيد وأطعمك؛ فلا يحل لك أن تأكل؛ لأنه صاد من أجلك، أما إذا صاده لنفسه وأعطاك فأكلت فلا بأس. فقوله تعالى: (( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ))[المائدة:1] هذه هي الآية الأولى.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ...)

عدد نداءات القرآن للمؤمنين وغاياتها
أما الآية الثانية فهي نداء رباني آخر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:2]! أجيبوا! لبيك اللهم لبيك.وقد نادانا الله تعالى في القرآن تسعين نداء، ما بقي حكم من أحكام الشرع إلا وحوته هذه النداءات: في الحرب.. في السلم.. في السياسة.. في المال.. في الاقتصاد.. في العبادات.. في العقائد.. في كل شئون الحياة.وتبين بالاستقراء والتتبع أنه ما نادانا إلا لواحدة من خمس: إما ليأمرنا بما فيه صلاحنا، أو ينهانا عما فيه شرنا، أو يبشرنا بما يزيد في عملنا، أو ينذرنا ليخوفنا فنترك ما حذرنا منه، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى علمه ومعرفته، إذاً: فالحمد لك يا رب العالمين، اللهم لك الحمد. اللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا [المائدة:2]، هذا النداء فيه ما هو محكم وفيه ما هو منسوخ.
النهي عن استحلال شعائر الله تعالى
أولاً: قوله تعالى: لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ [المائدة:2]، شعائر الله: معالم دينه، ما من عباده إلا وهي من شعائر الله، ومناسك العمرة والحج هي شعائر الله، كل عبادة مشعرة بأن الله هو المعبود الحق، وأن هذا عَبدُه يعبده، فكل الشئون الدينية مشاعر وشعائر، فلا يحل لنا أن نحل شعائر الله، فنستبيح ما حرم الله، فنستبيح ما نهى الله عنه أو نهى عنه رسوله، فهذا اللفظ واضح عام عندنا أم لا؟ كل معالم الدين ومظاهره يجب ألا نحلها، يجب أن نقف عندها ونحترمها ولا نعتدي عليها، كل مشاعر الدين.
النهي عن استحلال القتال في الشهر الحرام وبيان نسخه
ثم قوله تعالى: وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:2] هذا منسوخ، كان الشهر الحرام -وهو رجب وغيره من الأشهر الحرم- إذا هل هلاله لا يبقى القتال أبداً، وانتهت الحرب، إذ كان العرب يتمتعون بهذه الأشهر الحرم من تدبير الله تعالى لهم ورحمته بهم، حتى يتم بينهم سلم وعدم اعتداء، فيتجولون ويتجرون ويتنقلون في الجزيرة وفي غيرها، إذا دخل الشهر الحرام وقف السلاح، لم تسمع صوت سلاح أبداً، لكن لما جاء الإسلام وقامت دولته ما بقي حاجة إلى هذا.إذاً: فقوله تعالى: وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:2] منسوخ؛ لأن الله تعالى قال في الإذن: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5].
النهي عن استحلال الهدي والقلائد
وقوله تعالى: وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [المائدة:2]، الهدي: ما يهدى إلى الحرم من بعير أو بقرة أو كبش، هذا الهدي، كان العرب يهدون للرب وهم مشركون، يهدون الهدي إلى الحرم لله تعالى ليأكل سكان الحرم وخاصة الحجيج والفقراء والمساكين، هذا الهدي إذا رأيناه مهدى للحرم لا يحل أكله أبداً، وكيف نعرفه؟إذا كان بعيراً فإنه يجرح من سنامه من الجهة اليمنى فيسيل دم فيعمم على وبره، فيعرف بين الناس أن هذا هدي، لو وجدته وحده في الصحراء لا يحل لك أن تقربه، هذا مهدى لله ولحرمه، أو بقرة كذلك، والغنم لا تجرح، ولكن تعلق قلادة في عنقها وتمشي بها، من رآها يقول: هذه للحرم. فلا يختطفها منك ولا يقاتلك من أجلها، فإذا كنت خائفاً من بني فلان أن تمر بديارهم وأنت ذاهب إلى الحرم فعلق في عنقك من شجر الحرم، فيقولون: هذا من أهل الحرم فلا يؤذونك! هذا تدبير الله عز وجل.وقد جاء في السورة في آخرها قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97].إذاً: قوله تعالى: وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [المائدة:2]، الشهر الحرام قلنا: إن تحريم القتال فيه منسوخ، يجوز القتال فيه إذا أمر إمام المسلمين بالقتال.والهدي والقلائد هل يجوز أن نعتدي عليها؟ لا أبداً، لو أن شخصاً قلد عنقه لحاء من قشر من شجر الحرم فإنك تقول: هذا كان بالحرم أو هو في طريقه إلى الحرم فلا تؤذوه، ففي الإسلام من باب أولى، في الإسلام لا نؤذي مؤمناً سواء ذهب إلى الحرم أم ذهب إلى أوروبا.
معنى قوله تعالى: (ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً)
وقوله تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2]، هذا أيضاً منسوخ بقوله تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، وأعلن الرسول: ( لا يحج بعد العام مشرك أبداً ). وقد كان في الزمان الأول قبل هذه الآية إذا كان الحجاج محرمين ذاهبين إلى مكة يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً -أي: تجارة ومالاً ودعاء الله- فلا تعترضوهم ولا تؤذوهم، ثم صار هذا منسوخاً أيضاً.مرة ثانية: يقول تعالى منادياً لنا بإيماننا: لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ [المائدة:2]، فعلمنا أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحل شعيرة من شعائر الإسلام لا بفتيا يفتي بها ولا بعمل يعمله، يجب أن يحفظ دين الله بيننا.ثانياً: الشهر الحرام كان محرماً على الناس أن يقاتلوا فيه، ثم لما قامت دولة القرآن على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ الله ذلك، فما بقي للشهر الحرام حرمة القتال فيه.ثالثاً: الهدي والقلائد، وهذه محرمة إلى الآن، إذا أراد شخص أن يهدي إبلاً أو بقراً أو غنماً إلى الحرم وأعلمها فلا يحل لك أن تعتدي عليها بحال من الأحوال.رابعاً: آمو البيت الحرام الذين يذهبون للتجارة فيه أو للدعاء؛ لأن المشركين كانوا يحجون للتجارة ويحجون لدعاء الله وسؤاله وطلب حاجاتهم منه، وهو ربهم ويستجيب لهم، قال تعالى: وَلا آمِّينَ [المائدة:2]، قاصدين، الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ [المائدة:2]، ماذا؟ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:2]؛ لأنهم يتجرون يحملون البضائع ويبيعونها في الحج أو يشترون أخرى ويبيعونها في بلادهم، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا [المائدة:2].ثم قال تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:2]، أذن لنا: إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا، أي: اصطادوا خارج الحرم، أما داخل الحرم فلا صيد، سواء كنت محرماً أو غير محرم، فلا يحل الصيد أبداً.
معنى قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا)
ثم يقول تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2]. في صلح الحديبية كان بعض المؤمنين ما زال في نفوسهم تغيظ على المشركين؛ من أجل أنهم منعوهم من مكة وردوهم بدون أن يعتمروا، ففي نفوسهم بغض لهؤلاء وشنآن، فقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2]، فتمت تلك العهدة وذلك العقد وذلك العهد، فكان الرجل يمر بقاتل أبيه فما يلتفت إليه، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2]، فلهذا قدمنا أنه لا يحل الاعتداء على أي إنسان كافراً كان أو مؤمناً، والاعتداء هو الظلم ومجاوزة الحد، فلا يجوز في مال ولا في عرض ولا بدن. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة:2]، لا يحملنكم، شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [المائدة:2]، عام الحديبية، أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2] عليهم أو على واحد منهم أو أكثر.
أحكام زكاة الفطر

شروط قبولها وتزكيتها للنفس
معاشر المستمعين! بعض الإخوان يقولون: حدثنا عن زكاة الفطر بعض الحديث، فأقول: في الحقيقة هي صدقة الفطر، ولكنها زكاة لأنها تزكي النفس وتطهرها كسائر العبادات، ما من عبادة شرعها الله تعالى وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم فيفعلها العبد إيماناً واحتساباً وإخلاصاً لله إلا عملت في نفسه الزكاة والطهر والصفاء، والله العظيم، ولا تتخلف أبداً إذا استوفت الشروط وهي: أن تكون مما شرع الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم.ثانياً: أن يفعلها كما بينها الرسول بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير.ثالثاً: أن يفعلها إيماناً بالله وأن يخلصها لله وحده، فلا بد أن تطهر نفسه وتزكيها.
مقدارها الواجب إخراجه وما تخرج منه من القوت
زكاة الفطر أو صدقة الفطر بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الله بن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب )، هذه أنواع الطعام.والصاع: أربعة أمداد، والمد: حفنة بكفي الرجل المتوسط لا القصير ولا الطويل، أربع حفنات بحفنة الرجل المعتدل هي الصاع، المد حفنة، والمدان حفنتان، والثلاث ثلاث حفنات، والأربعة صاع، مما يقتات ويكون غالب قوت أهل البلد، ننظر إلى البلد الذي نحن فيه ما هو أكثر طعام يأكلونه، فإن قالوا: الأزر، إذاً: فالأرز، وإن قالوا: أكثر ما يأكل أهل البلاد التمر، إذاً: نعطي من التمر، أو أغلب ما يأكلون الأقط، ما عندهم إلا اللبن المجفف فنعطي منه، نعطي صاعاً من تمر أو شعير أو أرز أو أقط أو طعام آخر، هذا المقدار، هذه هي الكمية.
من تجب عليه زكاة الفطر
تجب على من؟ على الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والرضيع والمفطوم، وإنما لا تجب على الجنين في بطن أمه، ومن أراد أن يستبشر خيراً ويخرج عما في بطن زوجته فله ذلك، لكن الوجوب لا وجوب أبداً، لا بد أن يكون حياً يرزق بيننا.والذي يعيل أفراداً هو الذي يجب أن يخرج زكاتهم، مثلاً: تعيل اثنين أو ثلاثة من الفقراء طول رمضان وهم معك إذاً: تخرج عنهم زكاتهم، خادم أو خدم معك طول العام في بيتك أنت الذي تخرج صدقتهم وزكاتهم، أما ضيف استضفته ليلة أو ليلتين فما أنت بملزم بأن تخرج زكاة فطره.
وقت إخراجها
هذه الصدقة -معاشر المستمعين- يجوز إخراجها قبل العيد بيومين إلى ثلاثة للضرورة. وإخراجها لمن يكون؟ للفقراء والمساكين، للذين ما يجدون ما يقتاتونه يوم العيد، فمن رحمة الحبيب صلى الله عليه وسلم أن قال: ارحموا فقراءكم وسدوا حاجتهم ولا تضطروهم إلى أن يسألوا يوم عيد ويوم فرح المؤمنين.إذاً: فلو أخرجت قبل العيد بيوم أو يومين للضرورة فلا بأس، وأفضل أوقاتها من صلاة الصبح إلى صلاة العيد، أفضل وقت، وبعد صلاة العيد كأنما هي صدقة، بعد زوال يوم العيد تصبح صدقة من الصدقات وليست بزكاة الفطر؛ لأنها ما انتفع بها الفقراء والمساكين.إذاً: فلنحرص على أن نقدمها قبل وقت نهايتها، لكن لو حجزها في جانب ينتظر صاحبها أن يأتي فممكن أن يعفى عنه، فهو أبعدها وقال: يا فلان! تعال لتأخذ زكاة الفطر. وتأخر هذا الإنسان إلى ما بعد الظهر أو حتى المساء فنسأل الله تعالى أن يثيبه عليها، أما أن لا يخرجها إلا بعد زوال يوم العيد فهي صدقة يثاب عليها لكن ما هي بزكاة الفطر التي يبقى الصيام معلقا بها، فلا يقبل صوم الصائم حتى يدفع زكاة الفطر هذا شرط، زكاة الفطر قبول الصيام متوقف عليها، حتى لا يبقى في القرية أو المدينة مؤمن أو مؤمنة جائع بيننا وأهل القرية شباع.ولو أن الدولة هي التي تجمعها وهي التي تقوم بتوزيعها فشأنها؛ إذ إمام المسلمين يطاع في هذا إذا كان صادقاً.وبعض الناس يمرون بمن يبيع البر فيعطيه الفلوس ويقول: أخرج الزكاة عني. فإذا كان ثقة تطمئن إليه أنه صادق ويعطيها لمستحقيها فلا بأس، وإذا كنت تشك أنه ما يخرجها أو يخرجها لمن لا يستحقها فما يجوز، لا تعطه.
حكم إخراجها نقوداً
معاشر المستمعين! زكاة الفطر يتجلى فيها الرحمة المحمدية، ما كانت الديار هكذا ملأى بالخبز واللحم، كانت هذه الديار عامة -والعالم بأسره- فيها الفقير الذي لا يجد ما يقتاته، وآخر يأكل ويشرب في شبع، فجاءت الرحمة المحمدية في هذا اليوم؛ لتخلد هذه السنة إلى يوم القيامة، ولو أصبح المال تحت أرجلنا فلا بد أن تمضي هذه السنة، فيجب أن نعرف كيف نخرجها:أولاً: لا يحل لنا أن نخرجها نقوداً في ديار تأكل اللحم وتأكل الخبز والأرز، لكن في بلاد أمريكا وأوروبا قد يوجد من لا يعرف أن يخبز الخبز ولا من يطبخ الأرز ممن أكلهم كله في المطاعم، في هذه الحالة للضرورة تعطي الفقراء نقوداً، تقوم الصدقة كما تساوي وتعطيهم نقوداً، وتسأل الله أن يتقبل منك، أما في البلاد التي فيها التمر والبر والأرز والناس يطبخون ويطحنون ويأكلون؛ فإن أردت أن تفوز برفع صومك وقبوله فلا تخرج عن هذه أبداً.
مكان إخراجها
وأخرج زكاة الفطر في قريتك أو مدينتك، وبعض الإخوان يقولون: أنا هنا وأهلي في مصر؟ نقول: إذا كنت تعلم أنهم زكوا عنك فلا تزك، وإذا ارتبت أو شككت أخرجت زكاة نفسك، وهم إذا عهدوا إليك أن تخرج زكاتهم فأخرجها عنهم هنا، وتبرأ بذلك ذمتك وذممهم، وإن كنت لا تعلم على كل حال فأخرج زكاة نفسك واترك أسرتك لأنفسهم.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم دائماً بما ندرس ونتعلم ونسمع.

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:24 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (2)
الحلقة (312)

تفسير سورة المائدة (10)


امتن الله عز وجل على المؤمنين وذكرهم بنعمة عظيمة من نعمه، ألا وهي نجاة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من القتل على يد أعدائهم اليهود، حينما ذهب إليهم ليطلب منهم معاونته في دفع دية قتل رجلين خطأ على يد أحد المسلمين، وهذا وفق ما كان متفقاً عليه في وثيقة العهد التي وقعها معهم، وعلى إثر محاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم ثم إجلاؤهم من المدينة.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا الفوز فإنك ربنا وولينا.وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة، ومع هذين النداءين الكريمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:8-11].
الأمر بالقيام بعبادة الله تعالى والشهادة بالقسط
بالأمس تدارسنا النداء الأول، وخلاصته أن علمنا أن الله نادانا وهو مولانا وملكنا، ومن بيده أمرنا، نادانا ليأمرنا بأن نقوم لله عز وجل بعباداته خير قيام، من الوضوء إلى الصلاة، إلى كل العبادات: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ [المائدة:8]، كما أمرنا أن نشهد لله وأن نعدل في الشهادة، ولا نميل يميناً ولا شمالاً، لا حيف ولا جور، ولو كنا نشهد على أقرب قريب، إذ قال عز وجل: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ [المائدة:8]، أي: بعباداته وما فرض عليكم وما شرع لكم من سائر العبادات، منها الوضوء والتيمم والغسل، شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ [المائدة:8]، أي: بالعدل، ما من مؤمن يدعى لأداء شهادة على صديق أو على عدو أو على كافر، على قريب من أقربائه أو بعيد من الناس، إلا وعليه أن يعدل في شهادته، إن علم شيئاً يقوله كما علم؛ لأن الله أمرنا بأن نكون شهداء بالقسط، ومن حاف وجار وما عدل فقد فسق عن أمر الله وتعرض لعذابه وسخطه.ثم لفت نظرنا إلى أننا قد يكون بيننا وبين أفراد عداوة، فهذه العداوة لا تحمل على أن نشهد شهادة الزور، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة:8]، أي: لا يحملنكم، شَنَآنُ [المائدة:8]، والشنآن: البغض والعداء، عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة:8]، ولا يحملنا بغض شخص على أن نشهد عليه بالباطل، سواء كان قريباً أو بعيداً، وقال: اعدلوا، وبين لنا أن هذه العدل يقربنا من تقوانا لله، إذ هدفنا في الحياة أن نحقق تقوى الله عز وجل، ومما يساعدنا على تقوى الله ملكة العدل في النفس، فالذي تكون له ملكة العدل ما يحيف في عبادة الله تعالى ولا ينقصها: هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، ثم أمرنا مرة ثانية بتقواه: وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:8]، فيما علمتم، فيما أمرتم به، فيما نهيتم عنه، فيما دعيتم إليه، وعلل فقال: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8]، مطلع على أحوالنا الظاهرة والباطنة، في السر والعلن، في الجهر والخفاء، بل يعلم ذات الصدر، فإذا آمنت يا عبد الله بأن الله عليم خبير -والخبير: من يخبر الأشياء في بواطنها، والعليم قد يعلمها ظاهراً فقط- إذاً: فليتق الله عز وجل، فلا يفسق عن أمره ولا يخرج عن طاعته في كل ما أمر به ونهى عنه، وهكذا تكمل فينا هذه الأخلاق الفاضلة ونصبح أمناء سعداء أطهاراً أصفياء في الحياة.
الوعد العظيم للمؤمنين بالأجر والمغفرة
ثم من باب الترغيب والترهيب ليزيد في إقبالنا عليه وفي بعدنا عن معاصيه قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:9]، وعدهم بأي شيء؟ ووعد الله لا يخلف، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:9] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:9] ثانياً، وعدهم بماذا؟ بين لنا يا ربنا ما وعدتهم به؟ قال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، هذا أبلغ من جملة: وعدهم مغفرة وأجراً عظيماً، فهي جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً، كأن السائل يقول: بم وعدهم؟ نريد أن نطلع على هذا، ماذا يحمل هذا الوعد؟ فقال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، يغفر ذنوبهم ويدخلهم الجنة، يغسلهم ويطهرهم وينظفهم ويطيبهم ويزفهم كالعرائس إلى دار السلام، هل هناك أعظم من هذا الأجر؟ والله لا أعظم منه، من هؤلاء الذين فازوا بهذا بالعطاء الإلهي والوعد الرباني؟ إنهم مؤمنون عملوا الصالحات، ما عملوا الطالحات، والصالحات: الأعمال المزكية للنفس المطهرة لها، وضدها الأعمال الفاسدة الملوثة للنفس والمخبثة لها، والصالحات فاض بها الكتاب الكريم، وبينتها سنة سيد المرسلين، اسأل الكتاب يخبرك عن الصالحات ويخبرك عن الطالحات، فالصالحات: اعملوا، والطالحات: لا تفعلوا.
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)
ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، عرفنا جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات: تطهيرهم وإدخالهم الجنة، وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، ما آمنوا، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [المائدة:10]، فلم يعملوا بما فيها من العبادات؛ لأن الآيات تحمل بيان العبادات وأنواعها، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، (الْجَحِيمِ): شدة التهاب النار وعظم حرارتها، واقرءوا قول الله تعال: فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97].فالبابليون لما حكم سلطانهم على إبراهيم بالإعدام قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97]، فبنوا بناية ضخمة وملئوها بالحطب والفحم وأشعلوها، حتى صارت سوداء مظلمة، فالجحيم شدة التهاب النار، وَالَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:10]، ما آمنوا، وَكَذَّبُوا [المائدة:10]، ما عملوا، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، أي: أهل النار الملتهبة التي لا يفارقونها ولا يخرجون عنها، متى هذا؟ يوم موتهم. وهكذا بشر المؤمنين وأنذر وخوف الكافرين. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، وتوعد الذين كفروا وما آمنوا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [المائدة:10]، الذي كذب بالشريعة التي يعبد الله بها، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:10]، أهله الذين لا يفارقونه.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم...)
النداء الثاني: يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11]، يأمرنا بذكر النعم، لماذا؟ من أجل أن نشكره عليها، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11]، لم نذكر النعمة؟ حتى نشكرها، فالذي لا يذكر النعم هل يشكرها؟ كلا.ولذا تجد في القرآن الكريم: يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله إذ كنتم كذا وكذا. فلماذا يطالب بذكر النعمة؟ من أجل أن يشكروها، فالذي لا يذكر نعمتك عليه والله لا يشكرها أبداً، والذي يذكر فيقول: فلان أعطانا، حملنا، أركبنا؛ مستعد أن يشكر، ولكن إذا كان يقول: ما عندنا شيء، ما نعرف عنه شيئاً، فهل سيشكر؟ وكيف حالنا مع نعم الله، أنفاسنا التي نرددها من نعم الله عز وجل، نظرة ببصرك من نعم الله، إصغاء وسماع بأذنك من نعم الله، نطقك، كل حياتك نعمة الله، فأين الشكر؟ فلهذا لو لم نعص الله أبداً إلا بتقصيرنا في الشكر لكنا عرضة للعذاب.

يتبع

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:24 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سبب نزول الآية الكريمة
هنا يقول تعالى لأصحاب رسول الله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة:11]، يذكرهم بحادثة ذاك الحربي الذي جاء ووجد الرسول نائماً مستظلاً بظل شجرة في غزوة من الغزوات، فلما وصل أخذ السيف وجرده وقال للرسول: من يمنعك مني اليوم؟ ونجى الله تعالى رسولنا وسقط السيف من يده، وأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ، ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يقاتله في المستقبل، وألا ينضم إلى قوم يقاتلونه، هذه واحدة.لكن التي في الآية وهي أقرب إليها -كما سيأتي في الشرح- هي أن بني النضير لما ذهب إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم يطالبهم بدية العامريين؛ لأن وثيقة المصالحة أو المعاهدة بينهم من بين موادها أنهم يساعدون بعضهم في دفع الديات، فالعامريان قتلهما مؤمن ظناً منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمنهم، فجاء قومهما يطالبون بالدية، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان في نفر ونزلوا بديارهم، فتآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يلقوا عليه رحى من السطح، ولكن الله عز وجل أخبره بواسطة جبريل وانصرف، وستأتي القصة مفصلة في الدرس إن شاء الله.إذاً: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:11]، متى؟ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [المائدة:11]، من شرار الخلق، أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، بالانتقام، بالقتل، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة:11]، وهل الرسول صلى الله عليه وسلم هو لكل مؤمن ومؤمنة؟ أي نعم إلى يوم القيامة، لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عبدنا الله، ولا عرفنا الله، ولا استقمنا على منهج الله، ولا توالينا إلى يوم القيامة، كل مؤمن ومؤمنة الرسول له، فحفظ الله رسوله حفظه للمؤمنين أجمعين إلى يوم القيامة، والخطاب واضح: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، ما قال: إلى نبيكم فقط، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، أي: أيدي بني النضير، عَنْكُمْ [المائدة:11]، أي: عن رسولكم.
حقيقة تقوى الله تعالى وثمرتها العظيمة
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]، والأمر بالتقوى، وخاصة في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه السورة من أخريات ما نزل، وتقوى الله -كما علمتم- إذا فقدها الإنسان هبط، وتمزق وتلاشى وخسر، وإذا رزقها وحافظ عليها فاز بكرامة الولاية في الدنيا وكرامة السعادة في الآخرة.وتقوى الله دائماً لا ننسى أنها: خوفنا من الله الذي يملكنا وما نملك وإليه مصيرنا، نخافه خوفاً يحملنا على طاعته وعدم معصيته، إذا أمرك أن تقتل ولدك تقتله، أمرك أن تنتحر فتنتحر، فتقوى الله عز وجل خوف يملأ النفس، سببه معرفتك بعظمة الله وجلاله، بقدرته وإنعامه، هذا الخوف يجعلك ما تستطيع أن تقول كلمة تعرف أنه لا يريدها، ما تستطيع أن تتحرك حركة تعرف أنه يكرهها، وبذلك يسهل عليك أن تؤدي الواجبات بارتياح وطمأنينة نفس وتتجنب المنهيات بسعادة أيضاً وانشراح صدر، هذه التقوى ملاك الأمر، من لم يتق الله فجر، خرج عن طاعته، أغضب ربه عليه، وكيف ينجو وكيف يسعد، وفوق ذلك أن تقوى الله عز وجل ليست خاصة بالعبادات، تقواه في الحياة بكاملها، فلا تلصص ولا إجرام ولا خلاف ولا بغض ولا عداء، فالتقوى تساعد على المودة والتعاون والحب والولاء بين المؤمنين، فهي تحفظ علينا دنيانا كما تحفظ ديننا وأخرانا، ولهذا في آيتين كرر لفظ التقوى ثلاث مرات.
التوكل على الله تعالى من خصال المؤمنين
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ [المائدة:11]، لا على سواه، فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]وعلى الله لا على غيره، هذا قصر حقيقي، التوكل مقصور على الله ولا يصح التوكل على غيره كيفما كانت الحال، وَعَلَى اللَّهِ [المائدة:11]، وحده، فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]، أهل الإيمان الكامل، ومعنى هذا: لما ننهض بالواجبات والتكاليف قد تعترضنا العقبات والأزمات، قد تعترضنا جماعات الشياطين من الإنس والجن، فلا يحملنا الخوف على أن نترك ما أمرنا به أو نرتكب ما نهى عنه، نتوكل عليه ونمضي في طريقنا حتى نحقق رضا الله لنا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]، فإنه يكفي من توكل عليه.إذاً: نلفت النظر أيضاً كعادتنا إلى أن الذين يتعاطون المحرمات ويريدون أن يعيشوا عليها خوفاً من الفقر أو المجاعة نقول لهم: توكلوا على الله ولا تبيعوا ولا تشتروا ما حرم الله عليكم، وإن جعتم اليوم فستشبعون غداً، وإن جعتم فقد جاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذين يبيعون المحرمات من أجل الخوف من الفقر أو الجوع نقول لهم: أين التوكل على الله عز وجل؟ وننبه الذين يبيعون المجلات التي فيها صور الخلاعة، يبيعون الأفلام، يبيعون أشرطة الأغاني، لم يبيعون هذه المحرمات في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الذين يعملون في بنوك الربا لم لا يتركون هذا العمل حتى تغلق تلك البنوك؟ لو خرج العمال فهل ستبقى مفتوحة؟ وخاصة في المدينة، حيث لا يستطيعون أن يأتوا بيهود ونصارى، فالمؤمنون إذا قالوا: لن نشتغل، حولوها إلى مصارف إسلامية، فإنها تتحول وتربح وتصبح أفضل مما كانت بمليون مرة. والشاهد عندنا: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]، يفوضون أمرهم إليه، ويطرحون بين يديه، ولا يخيبهم أبداً، وقد يمتحنهم الشهر والشهرين والعام والعامين ليظهر كمالهم والروح الحقيقي، فليصبروا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
والآن مع شرح هذه الآيات في التفسير نفسه فتأملوا. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ ما زال السياق الكريم ] أي: سياق الآيات [ في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم، ففي الآية الثامنة أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا قوامين لله تعالى بسائر حقوقه عليهم من الطاعات، وأن يكونوا شهداء بالعدل لا يحيفون ولا يجورون في شيء، سواء كان المشهود عليه ولياً أو عدواً، ونهاهم أن يحملهم بغض قوم أو عداوتهم على ترك العدل وقد أمروا به ] أي: بالعدل [ ثم أمرهم بالعدل وأعلمهم أن أهل العدل هم أقرب الناس إلى التقوى؛ لأن من كانت ملكة العدل صفة له كان أقدر وأقوى على أداء الحقوق والواجبات، وعلى ترك الظلم واجتناب المنهيات، ثم أمرهم بالتقوى مؤكداً شأنها؛ لأنها ملاك الأمر، وأعلمهم بأنه خبير بما يعملون؛ لتزداد ملكة مراقبة الله تعالى في نفوسهم فيفوزون بالعدل والتقوى معاً، هذا ما دلت عليه الآية الأولى. أما الآية الثانية: فقد تضمنت بشرى سارة لهم ]، وهي قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة:9]، بماذا؟ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]، [ فقد تضمنت بشرى سارة لهم، وهي أن ربهم قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة لذنوبهم والأجر العظيم لهم وهو الجنة، وقلت: بشرى سارة لهم لأنهم هم أهل الإيمان وصالح الأعمال رضي الله عنهم وأرضاهم.أما الآية الثالثة: فقد تضمنت وعيداً شديداً للكافرين المكذبين بآيات الله وحججه التي أرسل بها رسله وأيدهم بها، ولازم لكذبهم وكفرهم خبث أرواحهم، ولذا فهم لا يلائمهم إلا عذاب النار، فكانوا بذلك أصحاب الجحيم الذين لا يفارقونها أبداً ]، لأن الصحبة ملازمة، فلان صاحبي: ملازمني، أصحاب الجحيم ملازمون لها أبداً، وهي ملازمة لهم، أي: لا يفارقونها أبداً.[ وأما الآية الرابعة: فقد ذكرهم تعالى بنعمة عظيمة من نعمه ]، وهي نجاة نبيهم من مؤامرة اليهود والكفار عليهم، [ فقد ذكرهم تعالى بنعمة عظيمة من نعمه هي نجاة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من قتل أعدائه وأعدائهم وهم اليهود؛ إذ ورد في سبب نزول هذه الآية ما خلاصته: أن أولياء العامريين اللذين قتلا خطأ من قبل مسلم حيث ظنهما كافرين فقتلهما، جاءوا يطالبون بدية قتيلهم ]، جاءوا إلى المدينة يطالبون الرسول بالدية؛ لأن الذي قتل مسلم، [ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الخلفاء الراشدون الأربعة ] أبو بكر وعمر وعثمان وعلي [ وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين إلى بني النضير] شرق المدينة [يطالبونهم بتحمل شيء من هذه الدية بموجب عقد المعاهدة]، الاتفاقية التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، فهي مصالحة أو مهادنة، [إذ من جملة موادها] وبنودها [تحمل أحد الطرفين معونة الطرف الآخر في مثل هذه الحالة المالية ]، لو أنهم هم فرضت عليهم دية لجاءوا يطالبون ليعطيهم الرسول صلى الله عليه وسلم حسب المعاهدة، [ فلما وصلوا إلى ديارهم شرق المدينة ]، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، [استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحفاوة والتكريم ]، يهود! استقبلوه بالحفاوة: مرحباً، أهلاً وسهلاً، نزلت بدياركم، ستقضى حاجاتكم، استقبلوه بالحفاوة والتكريم، [ وأجلسوه مكاناً لائقاً تحت جدار منزل ]، ما هناك عمارات معروفة من طابق واحد أو اثنين، بل في الظل فرشوا تحت الجدار وأجلسوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.قال: [ وأجلسوه مكاناً لائقاً تحت جدار منزل من منازلهم وأفهموه أنهم يعدون الطعام والنقود ]، اطمئن يا محمد، فحن نعد الطعام ونعد النقود، أموال تجمع من أفراد عديدين.قال: [ وقد خلوا ببعضهم وتآمروا على قتله صلى الله عليه وسلم ]، فالفرصة سانحة، والذي دبر هذه هو حيي بن أخطب ، [ وقالوا: فرصة متاحة فلا نفوتها أبداً. وأمروا أحدهم أن يطلق من سطح المنزل حجر رحى كبيرة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فتقتله، وما زالوا يدبرون مكيدتهم حتى أوحى الله تعالى إلى رسوله بالمؤامرة الدنيئة] الهابطة الساقطة، [فقام صلى الله عليه وسلم وتبعه أصحابه ]، قام ومشوا وراءه، [ودخلوا إلى المدينة وفاتت فرصة اليهود واستوجبوا بذلك اللعن وإلغاء المعاهدة وإجلاءهم من المدينة، وقصتهم في سورة الحشر ]، قال تعالى في هذه القصة: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ [الحشر:1-3]، هذه الآيات نزلت في بني النضير، من هو الذي أخرج بين النضير على قوتهم وقدرتهم؟ الله. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2]، ما إن تجمع الرسول برجاله وأحاطوا بالمنطقة حتى استسلموا وانقادوا للخروج.قال: [ والمقصود من هذا بيان المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، أي: بالقتل للنبي صلى الله عليه وسلم، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة:11]، حيث أوحى إلى رسوله ما دبره اليهود فانصرف وتركهم لم يظفروا بما أرادوا، وهو معنى: فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة:11] ]، ونحن نقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، حيث نجى الله نبينا ورسولنا من قتل اليهود، لو قتلوه لما وصل هذا النور إلينا.قال: [ ثم أمر الله تعالى المؤمنين ]، من هم؟ نحن المؤمنين، ومن شك فما هو مؤمن، فما حملك على ألا تؤمن؟ وبم أمرهم؟ قال: [ بتقواه ]، يا عباد الله! بم تتقون الله؟ هل عندكم قدرة تكافئ قدرة الله؟ لا والله. إذاً: بم نتقيه؟ بالإسلام له والطاعة والانقياد، أمر ففعلنا، ونهانا فانتهينا، بهذا تتم لك تقوى الله وتظفر بالنجاة، يبقى فقط أنه يجب أن تعرف ما أمر الله به وما نهى عنه، فإن لم تجد في القرية من يعرف ذلك فارحل إلى قرية أخرى، ما وجدت في قرى منطقتكم فارحل إلى منطقة أخرى، جاء الناس من الأندلس إلى المدينة يتعلمون الحلال والحرام والطاعات والمنهيات، إذ ليس من المعقول: أن عبداً لا يعرف أوامر الله ولا نواهيه ويتقيه، كيف يتقيه ما دام لا يعرف المأمور به فيتركه وهو لا يدري، ولا يعرف المنهي عنه فيفعله وهو لا يدري! فلا بد من معرفة ما نتقي الله فيه، وهي أوامر ونواه من العقائد إلى الأقوال إلى الأعمال.وما هبطت أمتنا وسادها الشرق والغرب ومزقها إلا بعد أن جهلت وما عرفت فيما تتقي الله، وإلى الآن سكرى، اليوم سمعنا خبراً عجيباً من رجل صالح يقول: إنه سمع في الإذاعة أن البوسنة والهرسك أخذت تجهز شبيبتها وتبعث بها إلى الروافض في إيران، فيا للمصيبة.. يا للمحنة! هذا جزاؤنا لأننا معرضون، إذا تقوت تلك الأمة فستعرف ماذا تفعل بكم! فاليهود والنصارى أرحم منهم، ونحن في سكرة بحب الدنيا وأوساخها.قال: [ ثم أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه؛ إذ هي سلم كمالهم وسبيل نجاحهم ]، التقوى سلم الكمال وطريق النجاح، وهي عبارة عن امتثال أمره وأمر رسوله، واجتناب نهيهما، مع معرفة ما يأتي:أولاً: بدون علم ما نستطيع أن نتقي الله.ثانياً: مع الفرقة والنزاع والصراع لن نقوم بالواجبات، لو كان أمرنا واحداً فنحن المسلمين فقط يوم يوجد القتال في البوسنة والهرسك نتولى طرد ذلك العدو وإبعاده، وننشر دعوة الله في إخواننا، لكن هل تحركت أمتنا؟قال [ ثم أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه؛ إذ هي سلم كمالهم وسبيل نجاحهم، وهي عبارة عن امتثال أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيهما، وأرشدهم إلى التوكل عليه تعالى في جميع أمورهم بقوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122] ].بالمناسبة: كتبت كلمة وبعثنا بها إلى جريدة (المسلمون)، وما نشروها، لأننا هابطون، قلت: آن الأوان لأن تكون تركيا هي المركز، بلاد واسعة شاسعة في أوروبا، فعلى كل دولة إسلامية أن تبعث بفريق من جيشها، هذه تبعث خمسة ألاف وهذه تبعث عشرين ألفاً، وهذه عشرة وكذا فيتجمع على الأقل مليون مقاتل، ما إن تتجمع تلك القوات حتى تنهار تلك القوى الكافرة، ولكنا قد حررنا تلك الأمة المضطهدة المعذبة وغمرناها بنور العلم والإسلام والمعرفة، ولكن هزمنا أنفسنا فهزمناها، الآن المسيحيون من جهة يدخلون وينشرون الباطل والكفر، والمجوسية أيضاً، فلا إله إلا الله! وا حسرتاه!
هداية الآيات
[ هداية الآيات:أولاً: وجوب القيام بحق الله تعالى على العبد وهو ذكره وشكره بطاعته ]، لقوله تعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ [المائدة:8].[ ثانياً: وجوب العدل في الحكم والقول والشهادة والفعل ومع الولي ومع العدو سواء.ثالثاً: تأكيد الأمر بتقوى الله ]، فلابد منها.[ رابعاً: الترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد ]، كما تقدم.[ خامساً: وجوب ذكر النعمة حتى يؤدى شكرها ]، فالذي لا يذكر النعمة والله ما يشكرها، فلنجري نعم الله على ألسنتنا؛ حتى نقول على الأقل: الحمد لله، نركب السيارة وننزل وما نعرف: الحمد لله! نأكل ونشرب وما نعرف: الحمد لله! ننام ونقوم وما نعرف: الحمد لله! إذاً فكيف نشكر؟[ سادساً: وجوب التوكل على الله تعالى والمضي في أداء ما أوجب الله تعالى ].اللهم أيقظ المسلمين من غفلتم، وابعثهم بعثاً جديداً إليك يا رب العالمين ليعبدوك ويوحدوك وتتحد كلمتهم على رضاك ومحبتك، اللهم يا ولي المؤمنين تولنا ولا تتركنا لغيرنا يا رب العالمين.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:25 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (3)
الحلقة (313)

تفسير سورة المائدة (11)


يخبر الله سبحانه وتعالى عن اليهود أنه قد أخذ ميثاقهم على عهد موسى عليه السلام بأن يعملوا بما في التوراة، وأن يقاتلوا الكنعانيين ويخرجوهم من بيت المقدس، وبعث منهم اثني عشر نقيباً، فهؤلاء اليهود قد نقضوا عهدهم وميثاقهم، فكان جزاؤهم عند الله سبحانه وتعالى أن لعنهم، وجعل قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا كثيراً مما جاءهم به أنبياؤهم، فلا تصلح أحوالهم ولا يستقيم أمرهم.
تفسير قوله تعالى: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فهنيئاً لكم معشر الدارسين والمستمعين.ما زلنا مع سورة المائدة المباركة الميمونة، وألفت نظر المستمعين إلى أننا لا نرتل الآيات ترتيل أهل القرآن؛ من أجل أن نفهم معنى مراد الله عز وجل، هذا هو السر، وإلا فلو رتلنا فإن أكثر المستمعين لا يتفطنون لمعنى الآية. يقول تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:12-13].
المراد ببني إسرائيل
قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، هذا إخبار من الله، الله يخبر عن نفسه: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، من هم بنو إسرائيل؟ اليهود، لم قيل فيهم: بنو إسرائيل؟ لأن إسرائيل لقب ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، هم بنو إسرائيل، ويحتفظون بنسلهم وذريتهم، فلهذا ما اختلطت بهم الأمم ولا الشعوب، ما يزوجون بناتهم لغيرهم، ولا يتزوجون من غيرهم إلا نادراً، فاحتفظوا بهذه النسبة، وهم المعروفون بعد ذلك باليهود، وقيل في تسميتهم باليهود: إنهم لما فعلوا تلك الجريمة، وطلب الله تعالى منهم التوبة قالوا: هدنا إليك يا ربنا، أي: رجعنا، فقيل فيهم: يهود، من هاد يهود: إذا رجع تائباً.
مناسبة الآية لما قبلها
إذاً: من أخذ عليهم الميثاق؟ الله عز وجل. وقد نقضوه: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13]، وما هو الميثاق؟ العهد الموثق المؤكد باليمين ذلك هو الميثاق؛ لأنه يربط صاحبه ربطاً كاملاً، وهنا ذكر تعالى هذا لنذكر نحن ميثاقنا مع ربنا، فقد تقدم ذلك في الآيات السابقة، ويكفي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:8-11]، فنحن عاهدنا ربنا ووثقنا المعاهدة عندما قلنا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فما من مؤمن ولا مؤمنة شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إلا وقد عاهد الله على أن يعبده وحده وبما شرع في كتابه وعلى لسان رسوله، ويجب الوفاء بذلك حتى الموت، ومن أشرك بالله أو أعرض عن عبادته فقد نقض ميثاقه، ولا عجب أن يحدث النقض، وقد حدث في بني إسرائيل أبناء الأنبياء.ثم المناسبة أيضاً في الآية: أنه تقدم لنا أن الله عز وجل طلب منا شكره على نجاة نبينا من قتل اليهود، وعرفنا كيف تآمر بنو النضير على قتله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل هموا وعزموا وأرادوا، ولكن الله سلم ونجى نبينا من غدرهم وخداعهم، فكانت نعمة على كل مؤمن ومؤمنة أن يذكرها ويشكر الله عليها، ولا عجب فها هم بنو إسرائيل أمامكم، واسمعوا ماذا يجري فيهم وما تم لهم، فقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، ونقضوه مئات المرات.
معنى قوله تعالى: (وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً)
وقوله: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا [المائدة:12]، النقيب فوق العريف، النقيب ذاك المسئول الذي ينقب على الأمور ويبحث عنها ويصلحها وينظمها، والجمع: نقباء، قالت العلماء: هي درجة أعلى من العريف. إذاً: هؤلاء النقباء اختارهم موسى عليهم السلام، وكانوا اثني عشر نقيباً، كل قبيل أو سبط من أسباطهم، أو كل عائلة أو أسرة من أسرهم أخذ منهم رجلاً من خيرتهم، وبعث بهم ليتحسسوا أو ليزنوا قوة العمالقة وقدرتهم على القتال في فلسطين، وهذا يوم خرج موسى ببني إسرائيل في صحراء سيناء وكان الذي كان كما سيأتي؛ حيث جبنوا وما استطاعوا أن يقاتلوا؛ فكتب الله عليهم التيهان أربعين سنة في تلك الصحراء. ولما كان موسى يقودهم في الطريق ليقاتل العمالقة من كفار ومشركين ويخرجهم من أرض القدس بعث هؤلاء النقباء ليعرفوا قيمة قتال الكافرين، وقدرتهم على القتال، فأصيبوا بالخور والجبن والضعف، إلا رجلين منهم فقط، كما سيأتي بيانه في الآيات.
معية الله تعالى لعباده المؤمنين
قال تعالى: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12]، باسم الله، قاتلوا العمالقة تنتصروا عليهم، أنا معكم، ومع هذا ما فعلوا، فالنقباء جاءوا يقولون العجب، يروى أن أحدهم قال لهم: إن عملاقاً أخذني وجعلني في جيبه، ووضعني بين أطفال يلعبون بي ويضحكون علي! ومن عاش أيام حرب ألمانيا الأخيرة سمع من العجب أكثر من هذا، فانهرموا فقالوا: لن نقاتل، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].وكتب الله عليهم التيه أربعين سنة: يرحلون وينزلون، ويرحلون وينزلون، وأمدهم باللحم والعسل في تلك الصحراء، آية من آيات الله، ومات موسى عليه السلام وقبله هارون عليه السلام، ثم قادهم يوشع بن نون ، بعدما مات الجيل المهزوم وجاء جيل جديد، بعد أربعين سنة، كل من كان عمره أكثر من عشرين سنة وأربعين مات، فغزا بهم ودخل بيت المقدس وطهرها.والشاهد في قوله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12]، وهل قال الله لنا: إني معكم؟ الجواب: نعم. أما قال في عشرات الآيات: أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]؟ فهيا اعملوا جاهدوا فالله معكم، الخور والجبن والضعف لا يصح، وإلا فكيف يخبر الله بأنه مع المتقين ولا نتقيه، يخبر بأنه مع المحسنين ولا نحسن سلوكنا ولا أعمالنا؟
اشتراط إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لتحقق الوعد الإلهي
وقوله تعالى: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ [المائدة:12]، انظروا إلى هذا الوعد الإلهي: وعزتي وجلالي لئن أقمتم الصلاة. وإقامة الصلاة هي أنه إذا أذن المؤذن وقف العمل، الفلاح يلقي بالمسحاة، الحداد يلقي بالآلة، التاجر يغلق باب تجارته، نادى المنادي فوقف العمل وأقبلت الأمة إلى بيت الرب، فيقيمون الصلاة يصلونها كما أمر الله وبين رسوله، وذلك طول الحياة، الصيف كالشتاء والخريف كالربيع، وحالة الجوع كحالة الغنى، هذا إقام الصلاة؛ لأنها عبادة يومية تلازم الحياة إلى نهايتها، فالمقيمون للصلاة أولئك الذين يتحدثون مع الله ويتكلمون معه ويناجونه خمس مرات في اليوم والليلة، إيمانهم لا يضعف، عقيدتهم لا تتزعزع كمالهم لا ينقص، بل يزدادون كمالاً وثباتاً، ومظهر تلك الإقامة: أنه لا يبقى في المدينة ولا القرية فحش ولا منكر ولا باطل ولا خبث ولا شر ولا فساد، وإن قلت: ها نحن نقيم الصلاة ونشاهد هذا، قلنا: فهل الذين يقيمون الصلاة تجدهم في السجون يتعاطون الحشيش أو الأفيون؟ والله لا أحد منهم، هل الذين يقيمون الصلاة تراهم يشهدون الزور في المحاكم؟ هات واحداً منهم؟ هل الذين يقيمون الصلاة ترى بينهم من يسب ويشتم الناس؟ فالذين خرجوا عن نظام الله في طاعته وطاعة رسوله إما تارك صلاة أو مصلون غير مقيمين للصلاة، يدخلها ويخرج منها ما عرف ماذا كان يقول ولا مع من كان قائماً. لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ [المائدة:12]، أي: أعطيتم الزَّكَاةَ [المائدة:12] ثانياً، من كان عنده مال صامت أو ناطق، بين لنا رسولنا كيف نزكي الإبل والبقر والغنم، إذا حال الحول على غنمك أو بقرك أو شاة ضأنك فزك، هذا هو المال الناطق، والصامت كالغلال: البر والقمح والشعير والتمر والثمار، حصدت باسم الله فأخرج الزكاة، والصامت أيضاً: الدينار والدرهم، حال الحول على ما عندك وهو يساوي قيمة سبعين جرام ذهب فأخرج زكاته.
صورة مثالية لحياة إسلامية اجتماعية
لو كان أهل القرية أهل الحي من أحياء المدن يجتمعون في بيوت ربهم اجتماعنا هذا، وذلك كل ليلة طول العمر، يتلقون الكتاب والحكمة بالنساء والرجال والأطفال، النساء وراء ستارة والأطفال دونهن في صفوف كصفوف الملائكة وعليهم من يراقبهم والفحول أمام الجميع، ويدرسون كتاب الله كما ندرس الآن طول الحياة، هل يبقى بينهم ظالم جاهل؟ لا يبقى، يصبحون كالملائكة، هذه القرية صندوقها الحديدي أو الخشبي في محراب المسجد؛ لأن مسجد القرية أو الحي يصبح كخلية النحل، يبيت الناس ركعاً وسجداً يبيتون يتلون كتاب الله، لا يخلوا أبداً المسجد من الصالحين طول النهار والليل، ما يغلق باب المسجد، وفيه صندوق يقول المربي: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من وجبت عليه زكاة فليأت بها ليودعها في هذا الصندوق، من وجبت عليه كفارة فليودعها في هذا الصندوق، من أراد أن يتصدق عن أبويه فليأت بصدقته، هذا الصندوق يمتلئ، والله ما يبقى في قريتهم أو حيهم من يسأل الناس أو يمد يده أو يفكر في أن يسرق أو يسلب أو يرتكب جريمة، وتظهر ثمار الزكاة، فإن قلت: ما نستطيع أن نفعل هذا يا شيخ؟ إذاً: فليبق هذا الهبوط والسقوط والبلاء والشقاء.
أركان الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل وجزاء الوفاء به
والشاهد عندنا: أن بني إسرائيل هؤلاء أخذ الله عليهم هذا العهد والميثاق: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، عامة الرسل، كل من أرسله الله فهو رسول، من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، ومع الأسف أنهم كفروا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم كفروا بالرسل، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، هذا مما أخذ عليهم من العهد، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ [المائدة:12]، قويتموهم ونصرتموهم، معظمين مبجلين لهم، لا مهينين ولا محتقرين لهم، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المائدة:12]، أيضاً، وهو غير الزكاة، الصدقات تسمى: قرضاً، من أراد أن يقرض الله فالله يقبل القرض، ويرد عليك بالأضعاف: الحسنة بعشر، حتى يسد باب الفقر وتنتهي الخلة بين المؤمنين.ثم ذكر الجزاء فقال: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [المائدة:12]، التي قارفتموها وارتكبتموها، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [المائدة:12]، الأنهار تجري من تحت الجنة، من تحت قصورها ومن تحت أشجارها وما فيها من نعيم، فالدنيا الزائلة فيها أنهار، فكيف بالدار الخالدة؟ وقد عرفنا الأنهار في الجنة في كتاب الله، نهر الماء غير الآسن، واللبن الذي لم يتغير طعمه والخمر التي هي لذة للشاربين والعسل المصفى.

يتبع



الساعة الآن : 05:12 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 210.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 210.17 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]