رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...) والآن مع هذه الآيات، وهي ذات شأن خطير: يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165]، ناس من الناس، ما قال: ومن الجن والإنس؛ لأن الهداية التي يقوم بها الرسول متعلقة بالبشر، وللجن دعاتهم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165]، الأنداد: جمع ند، وهو المثيل والضد، فلان ندك يساويك، يطلب ما تطلب أنت من العظمة والخير، فالأنداد: جمع ند، وهو ما عبد من دون الله، مما اتخذه الجهال والضلال آلهة يعبدونه، هذا إخبار من الله، وهو حق، والله! كما أخبر: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، يحبون تلك الأنداد وتلك المعبودات مع الله كحب الله، هذا بالنسبة إلى المشركين من العرب، كانوا يحبون الله، ويدلك على حبهم أنهم يعظمون حرمة الأشهر الحرم، إذا أهل هلال رجب لا تسمع قعقعة السلاح، إذا دخل الشهر الحرام لا قتال ولا نهب ولا غزو ولا غارة، إذا دخل الحرم وقد قتل أباك لا تنظر إليه، ويعظمون بيته، ويحجونه، إذاً: فهم يحبون الله شيئاً ما، ويحبون اللات والعزى ومناة والآلهة، فيخبر الله عنهم فيقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]. معنى قوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله) وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، أشد حباً من كل محبوب ومحب لله، فالذي يروح على أنفسنا هو: هل يوجد بيننا مؤمن أو مؤمنة يكره الله؟ لا والله، مستحيل أن يكرهه مؤمن أو مؤمنة، وإذا لم يكرهوه فمعناه أنهم أحبوه، فالحمد لله أننا أشد حباً لله. فالمشركون منهم من يحبون الله ويحبون آلهتهم، سواء كانت الآلهة أنبياء أو أولياء أو ملائكة أو أصناماً وأحجاراً، ونحن نحب الله عز وجل، ولكن نتفاوت في هذا الحب، وتتجلى محبة الله في العبد بقدر ما هو مقبل على طاعته، والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا وهو يدعو: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي )، هكذا يدعو بهذا الدعاء: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي وأحب إلي من الماء البارد )، الماء البارد تعرفون قيمته أيام لم تكن الثلاجة في هذه البلاد الحارة في الصيف، الماء يكاد يغلي غلياناً، فمن ذا الذي يفضل على الماء البارد شيئاً آخر من الطعام أو الشراب أو كذا؟ويقول معلماً صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، وهل الذي يحب الله لا يحب رسوله ولا يحب أولياءه؟ إذ قلنا: الذي يحب الله تعالى يحب كل ما يحب الله، أليس كذلك؟ ذكر نعم الله تعالى محصل لمحبته في قلب العبد وهناك لفتة تستطيعون إدراكها: من أراد أن يشعر بحب الله في قلبه، من أراد منكم -أيها السامعون ويا أيتها المستمعات- أن يشعر شعوراً حقيقياً بأنه يحب الله تعالى فوق كل محبوب؛ فليذكر نعم الله تعالى عليه، يغمض عينيه ويطأطئ رأسه ويذكر إفضال الله وإنعامه عليه، فإنها لحظات وإذا عيناه تذرفان الدموع، وجلده يقشعر، وهو كأنه بين يدي الله.اخل بنفسك وإن كنت مع الناس، واذكر ما أنعم الله به عليك وما أكثر تلك النعم، يوم نجاك من حادث السيارة، يوم وهبك، كذا، يوم أعطاك كذا، فوالله! لا تزال تذكر حتى تندفع بالبكاء وتعرف حب الله عز وجل، وويل للغافلين. وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، أنا عبده ورسوله، وهكذا المؤمنون الصادقون يحبون الله تعالى، ويجبون كل ما يحب الله من معتقد، ومن قول وعمل ومن صفة، ومن ذات من الذوات، إذا علمنا أن الله يحب فلاناً فنحن مدفوعون إلى حبه، ونكره ما يكره الله، إذا علمنا من طريق الوحي أن الله يكره الكلمة الفلانية فيجب أن نكرهها، يكره السلوك الفلاني فيجب أن نكرهه، وتجد هذا مغروساً في نفسك. من منكم يحب المشركين؟ لا أحد، من منكم يحب الخائنين؟ لا أحد، من منكم يحب الظالمين؟ لا أحد، لم؟ لأن الله يكره ذلك، ونحن أولياؤه وعبيده نحب ما يحب، ونكره ما يكره. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165] شركاء، يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، ولو تسأل عن عوام وجهال المسلمين الذين يتمسحون بالقبور ويعكفون عليها ويحلفون بها، ويسوقون إليها الشاة، وينقلون المريض، فستجدهم يحبون تلك الأضرحة كما يحبون الله، هذا خبر من؟ أليس الله هو القائل؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، قولوا: نحن أشد حباً لله من كل محبوب عندنا، نحن نحب البرتقال والبطاطس والبقلاوة، لكن هذا الحب هل كحب الله؟ لا والله، نحب حب الغريزة، ولكن نسخر ذلك لله، ولولا الله ما أحببنا الطعام ولا الشراب، ولا طعمنا ولا شربنا؛ إذ حياتنا على الله موقوفة. معنى قوله تعالى: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب) ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا، ظلموا ربهم، أخذوا حقه من العبادة وأعطوه غيره من مخلوقاته، فتقرر لدينا أنه لا ظلم أعظم من الشرك، واقرءوا لذلك قول لقمان الحكيم: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وبينا ذلك باللهجة العامية القريبة، وفهم المؤمنون والمؤمنات، فظلمك لأخيك ليس كظلمك لنبيك، أليس كذلك؟ فظلمك لربك بأخذ حقه وسلبه ونهبه وإعطائه لمخلوقاته تحاده وتضاده بها؟ أي ظلم أعظم من هذا؟! إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا الفظائع، الخبر هنا لا يذكر، ومن يقوى عليه؟ أي: لرأوا الهول العظيم، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165]، وهذا متى؟ عند الموت وفي القبر، ويوم القيامة بصورة أوضح، لو رأوا ذلك لعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، إذا عذب فعذابه شديد ما يطاق. تفسير قوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) ثم قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ [البقرة:166]، هذه كلها ظروف في وقت واحد، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، الرؤساء، المعبودون، المؤلهون، ما إن يقفوا بين يدي الله ويساقوا إلى جهنم ويدخلوها حتى يتبرءوا ممن عبدوهم البراءة الكاملة، يقولون: ما عرفناهم، وينكرون. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، شاهدوا العذاب بأعينهم، والأسباب انتهت، لم يبق سبب، لا حبل ولا صلة ينجون بها أو يخرجون من عذاب الله؛ لأنهم وقفوا في ساحة فصل القضاء يوم القيامة.قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، أي: اتبعوهم، فسيدي عبد القادر والله! ليتبرأن من هذه الآلاف والملايين من الذين ذبحوا له وحلفوا باسمه وعظموه وفعلوا وفعلوا، لا يعترف أبداً بعبادتهم، وما يقوى، ما هناك إلا البراءة الكاملة، وهو رحمه الله تعالى ما أمرهم ولا دعاهم ولا رغبهم ولا رضي بعبادتهم، الشياطين هي التي زينت لهم ذلك بعد موته وحسنته لهم فعبدوه، فعبد القادر كمثال، وقد عبدت فاطمة والحسين ، والبدوي ، وعيدروس .قد تقول: كيف عبدوهم؟! والجواب: حلفوا بهم: وحق سيدي عبد القادر ، فهذه عبادة، جعلوه مثل الله وحلفوا به، هذه أقل الأشياء، أما الذي ينذر النذر: يا سيدي فلان! إن ولدت امرأتي في معافاة وولدت كذا فلك علي كذا، أي نذر أعظم من هذا في باب العبادة؟ أم تقول: لا بد من الركوع والسجود في العبادة؟ فوالله! إنهم ليدخلون الأضرحة راكعين، وفي بلاد يأتون زاحفين وهم يقرءون القرآن، مضت فترة قبل هذه الدعوة الربانية هبطت فيها أمة الإسلام إلى ما تحت الجاهلية.وعندنا مثال: ذكر الشيخ رشيد رضا تغمده الله برحمته في تفسير المنار أن سفينة عثمانية على عهد الخلافة العثمانية تقل الحجاج من طرابلس الغرب إلى الإسكندرية، إلى حيفا عبر موانئ الشرق الأوسط، وكانت تقل حجاج المسلمين من طرابلس، الشام، فلسطين، سوريا، ذاهبون إلى الحج أيام كانت السفن قليلة، فقال رحمه الله: وكان الشيخ محمد عبده معهم في السفينة، فاضطربت السفينة وتململت، وإذا بالحجاج: يا سيدي عبد القادر ! يا الله! يا مولاي إدريس ! يا مولاي فلان! يا الله! يا كذا! وكان بينهم عملاق لا ندري أوهابي هو أم لا، قال: فوقف ورفع يديه وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك. فشفى صدره، أفي حال الغرق يدعون غير الله! المشركون ما كانوا يفعلون هذا، والله! ما يفعلونه، إذا دقت ساعة الخطر فزعوا إلى الله.ويوضح هذا: أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل طاغية المشركين في مكة وذبيح بدر، ترك ولداً مثله في البطولة والشجاعة، وكان رقم واحد بعد موته في بغض الرسول والمسلمين، وسقطت مكة في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وبعض الطغاة هربوا، وبعضهم سكتوا ينتظرون حكم الرسول، وأكثرهم جلس حول الكعبة، فدخل فقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، هذا محمد رسول الله، فعكرمة هرب مع الذين هربوا إلى الساحل، فوجد سفينة ما ندري في جدة أو في ميناء آخر في ذاك الوقت، فركب، فلما ركب السفينة وأقلعت في البحر إذا بعاصفة تتململ تحتها السفينة، فقال ربان السفينة: يا معشر الركاب! ادعوا الله فإنه لا ينقذكم إلا هو! ففكر عكرمة ، قال: لم أنا هربت من محمد؟! ثم قال: والله! لترجعن بنا، ارجع بالسفينة إلى الشاطئ، ما دام أنه لا بد من التوحيد فلم أهرب أنا؟ لا بد أن آتي محمداً وأصافحه، وبالفعل رجع ودخل في رحمة الله، هذا عكرمة .والشاهد من هذا: أن المشركين من العرب قبل الإسلام كانوا في حال الشدة يفزعون إلى الله، لا يعرفون اللات ولا العزى ولا مناة، وإذا كانوا في حال الرخاء يفرفشون: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، أما جماعتنا ففي الرخاء والشدة على سواء، ما هناك فرق. تفسير قوله تعالى: (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ...) قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:166-167]، رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، هذا الذي شفوا به صدورهم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167]، أي: رجعة ثانية إلى الحياة الدنيا، فنبرأ من هؤلاء الذين عبدناهم أمس وتبرءوا منا اليوم.وختم تعالى هذا بقوله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي قاموا بها في الدنيا، الأعمال الشركية الباطلة، أراهم إياها حسرات: جمع حسرة، الهم والغم والكرب الذي يقعد بك ويحسرك. وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، والله! ما هم بخارجين منها، ماتوا على الكفر والشرك، من يشفع لهم؟ أما أهل التوحيد فنعم، يوجد من يشفع لهم، وأما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة، واسمع عيسى عليه السلام مع بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، هذه كلمة عيسى في بني إسرائيل اليهود.إذاً: نسمعكم الآيات مرة ثانية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيات نقرأ الشرح دون المفردات، قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد، وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، لما تقرر هذا [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان ومع هذا الوضوح يوجد ناس يتخذون من دون الله آلهة أصناماً ورؤساء يحبونهم كحبهم لله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى، والمؤمنون أشد منهم حباً لله تعالى. كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضلالة من متبوعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة فيتبرءوا منهم في الدنيا كما تبرءوا هم منهم في الآخرة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي، فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ]. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات ]، سنستخرج من هذه الآيات الأربع هدايتها:قال: [ من هداية الآيات: أولاً: وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله عز وجل بحبه تعالى ]، دلت الآيات على وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله من أجل الله.[ ثانياً: من الشرك الحب مع الله تعالى ]، نحن لا نحب زيداً ولا عمراً ولا ديناراً ولا منزلاً إلا بحب الله ومن أجل الله، أنت تحب بقرتك لا بأس، ولكن من أجل من؟ من أجل الله؛ لأنك تحلب لبنها وتقتات به لتعبد الله، لا تحبها استقلالاً، أنت تحب الشيخ أو لا؟ لم تحبه؟ من أجل الله، وهكذا، حتى حب الغريزة نصرفه لله، لا نحب إلا لله وبالله. [ ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم يبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، هذا الذي يبقى، كل الروابط انحلت، لا قرابة لا صداقة، إلا ما كان في الله.[ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشر والفساد، وليس بنافعهم ذلك ]، فحين يتبرءون هل يرحمون، أو يكون هذا عذراً لهم؟ ما ينفع، بل زيادة في الحسرة لا أقل ولا أكثر.قلت لكم: هل المؤمن يكره الله؟ أيوجد مؤمن يكره الله أو يكره ما يحب الله؟ إذاً: هذا معناه أنه يحب الله، وبذلك سعدنا وارتحنا. قلنا: لا يوجد في نفوس المؤمنين الصادقين كره لله قط، ومعناه أنهم يحبونه، فالشخص الذي لا تكرهه تحبه، وهل الذي تحبه تكرهه؟ الجواب: لا.ثانياً: من أراد أن يحب الله حباً يسيطر على مشاعره فليذكر آلاءه وإنعامه عليه، لا تنس إفضال الله وإنعامه عليك، فتتوق نفسك إلى الله. وزد ثالثاً: ذكره تعالى، ذكر الله إذا لازمته يكسبك حب الله أكثر. والله تعالى أسأل أن يرزقنا هذا، وأن يجعلنا من أحبائه ومحبيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (107) الحلقة (114) تفسير سورة البقرة (73) إن غضب الله عز وجل لا يقوم له شيء، وعذابه جل وعلا لا يتصور أحد من خلقه تحمله فضلاً عن اللبث فيه، والمشركون حين يرون غضب الله ويعاينون ما أعده لأهل الشرك من العذاب، ثم بعد ذلك تأتي متبوعاتهم ومعبوداتهم لتتبرأ من شركهم، وتتنصل عن عبادتهم، فعندها يسقط في أيديهم، وتأكل الحسرة قلوبهم ألا يستطيعوا الرجوع إلى الدنيا والتبرؤ من هذه المعبودات، وإخلاص العبادة لله الواحد القهار. تابع تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...) وما بعدها الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، فنحن نرجو من الله تعالى أن يحقق لنا ما وعدنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله كما في صحيح مسلم : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع قول ربنا جل ذكره من سورة البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]، وقانا الله وإياكم عذابها.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهان السامعين والسامعات أن عقيدة المؤمن تقوم على مبدأ الإيمان بالله عز وجل وبلقائه، وأركانها الستة هي ضمن هذا المبدأ؛ لأن الله كثيراً ما يقول لنا: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]؛ لأن هذه العقيدة بمثابة الروح، إذا حلت في القلب واستشرت آثارها في الجسم حيي عبد الله وأصبح يعي ما يقال له ويفهم، وأصبح قادراً على أن ينهض بالتكاليف فعلاً أو تركاً؛ وذلك لكمال حياته.فالإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يضر وينفع، هذا الإيمان يضاف إليه الإيمان بالبعث الآخر، وهو لقاء الله والوقوف بين يديه للسؤال والاستنطاق ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم أو بعذاب أليم، فهذه الآيات الكريمة -وهي ثلاث آيات- تقرر مبدأ البعث الآخر. اتخاذ المشركين الأنداد لله تعالى في عبادته فقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] ناس وما أكثرهم؛ إذ المشركون أكثر من الموحدين في كل الأعصر وفي كل الأزمان، وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] والعياذ بالله تعالى مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]. والأنداد: جمع ند، والند: الضد والمثل، والمراد من الأنداد من عبدوا من دون الله، فمن الناس من عبدوا الملائكة، وقالوا: إنهم بنات الله، قبيلة بكامل رجالها ونسائها من العرب عبدوا الملائكة.ومن الناس من يعبد الأنبياء، وجيراننا النصارى يعبدون عيسى، ومن الناس من يعبد الأولياء وصالح عباد الله، وهذا حدث في جاهلية المسلمين، إذ عبدوا الأولياء عبادة حقيقية؛ رفعوا أكفهم إليهم، سألوهم، تضرعوا بين يديهم، ساقوا لهم قطعان البقر والغنم، حلفوا بهم، نذروا لهم النذور، عكفوا حول قبورهم، رفعوا إليهم مرضاهم، وهي عبادة لا ينكرها إلا ذو جهل، وعلة هذا هي الجهل، ما وجدنا من يعلمنا، ما وجد بيننا من يعرف الحق وأهله ويعمل به فنقتدي به؛ إذ هي قرون أصابت المسلمين بظلمة لا نظير لها.ومن الناس من يعبد أصناماً وتماثيل لا تعبد لذاتها، ولكنها تمثل ملائكة أو تمثل أنبياء أو تمثل صالحين فيعبدونها، وها هو ذا عز وجل يخبر بما يعملون، وهل هناك من يعلم علم الله؟ جمع بعض المشركين بين محبة الله تعالى ومحبة آلهتهم فالله يقول وقوله الحق: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] وبالفعل يحبونهم كحب الله تعالى، إلا أن هذا قد يكون خاصاً ببعض الناس، إذ من العرب -وخاصة القرشيين ومن إليهم- من كانوا يحبون الله، يدلك على حبهم لله أنهم يكرمون الضيف، وأنهم يحجون بيت الله، وأنهم يحرمون ما حرم الله من الأشهر الحرم.. إلى غير ذلك من الصفات الدالة على أنهم يحبون الله، ولكنه حب مع حب آلهتهم، فبطل لذلك حبهم؛ لأن الله عز وجل لا يقبل عملاً أشرك فيه غيره، إما أن يكون العمل كله لله، وإلا فلا يقبله الله، فهم يحبون الله ويحبون الآلهة التي يعبدونها من أجل أن تقربهم إلى الله، ما كان العرب في الجاهلية يعبدون الآلهة لذاتها، يعبدونها متقربين بها إلى الله رب إسماعيل وإبراهيم، وشاهد هذا من كتاب الله عز وجل؛ إذ قال تعالى من سورة الزمر: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ردوا على الرسول صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهم عبادتهم، قالوا: نحن ما نعبدهم استقلالاً لذاتهم، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله قربى وزلفى.ويشهد لهذا بوضوح أن هؤلاء المشركين ممن نزل فيهم هذا القرآن كانوا إذا كانت شدة وأزمة قوية يفزعون فيها إلى الله، وخاصة إذا ركبوا البحر واضطربت السفينة للعاصفة التي أثرت فيها يدعون الله وحده ولا ينادون معه سواه، وجاء هذا في عدة آيات: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [النحل:65-55]. وهنا حادثة كررناها للعظة والعبرة، وهي أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل هو عمرو بن هشام المخزومي القرشي ، كان أحد طغاة الشرك وعتاتهم في مكة، وكان أشد خصم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذبح في بدر، له ولد يقال له: عكرمة رضي الله عنه، هذا الشاب كان نسخة من أبيه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقي على عدائه، وشن الحروب مع قومه في الأحزاب وما إلى ذلك، ولما فتح الله تعالى على رسوله والمؤمنين مكة ودخلوها باثني عشر ألف مقاتل وانهزم المشركون بفضل الله كان عكرمة ممن فر وهرب، وما أطاق أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الكثيرون فجلسوا ينتظرون حكم الرسول فيهم، وقد خلدت تلك الكلمة لما اجتمعوا حول البيت، حول الكعبة، وطأطئوا رءوسهم أذلاء صاغرين، ودخل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم والسيف بيده أو الرمح، فقال لهم: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ).ونعود إلى عكرمة فما أطاق أن ينظر إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الحنق والتغيظ والبغض، وأخذ ساحل البحر لا أدري هل جدة أو قبلها من الساحل، وإذا بسفينة تكاد تقلع، فركب، إلى أين؟ إلى الحبشة أو إلى فارس أو إلى بلاد أخرى، ومشت السفينة في البحر وجاءت موجة عاتية من تلك الموجات البحرية، فاضطربت السفينة يميناً وشمالاً، وخافوا الغرق، فنادى ربان السفينة أو ملاحها: معشر الركاب! سلوا الله عز وجل وحدوه، فإنه لا ينقذكم إلا هو! فعجب عكرمة وقال: الذي هربت منه وجدته هنا؟! لا بد من توحيد الله؟ إذاً: والله! لترجعن بنا يا ملاح إلى ساحل البحر وأذهب إلى محمد وأصافحه، وبالفعل مالت السفينة إلى الساحل ونزل عكرمة وأتى مكة بعد يومين أو كذا، واعتنق الإسلام، وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن عن حبه كأشد ما يكون حباً له. شدة محبة المؤمن لله تعالى فوق محبة المشرك لمعبوده وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، والذين آمنوا بصدق وحق بالله ولقائه ورسوله محمد وكتابه، وقضاء الله وقدره، هؤلاء أشد حباً لله.وأولئك المشركون يحبون آلهتهم التي تقربهم -في زعمهم- من الله وترضي الله تعالى عنهم، ويحبون الله، لكن حبهم للآلهة أشد، والمؤمنون أشداً حباً لله، فلا يحبون معه غيره أحداً، وإنما يحبون به. وهنا تأمل أيها السامع وأيتها السامعة: أحب -يا عبد الله- بالله، ولا تحب مع الله، باستثناء ما هو غريزة البشر كحبنا الطعام والشراب والراحة ورقيق اللباس، هذا الحب نحن أهل الحق نحبه أيضاً لله؛ نأكل من أجل الله، نشرب من أجل الله، ننام من أجل الله، وهكذا نعطي نمنع من أجل الله، إذا أعطينا فمن أجل الله، وإذا منعنا فمن أجل الله، ما وجه العطاء والمنع لله؟ إن تصدقت بزائد عن حاجتي وأهلي تصدقت به لله من أجل الله، وإذا منعت فلأن ورائي أطفالاً أو نساء أو كذا، فمن أجل الله، بل قلنا: نبني ونهدم من أجل الله، نسافر يوم نسافر ونقعد يوم نقعد لله، إذ حياة المؤمنين بحق وقف على الله عز وجل، واقرءوا لذلك آية الأنعام فهي واضحة الدلالة، يقول تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، قوله: محياي ومماتي لله، أي: حياتي وموتي. إذاً: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] من حب عابد الآلهة لله، ومن حب عابد الآلهة لآلهته، عباد الآلهة يحبونها حباً عظيماً، ولكن حب المؤمنين لله -والله- أشد من حبهم لآلهتهم، ولهذا ورد الحب في الله والبغض في الله، إيمان المؤمنين قائم على هذا المبدأ وعلى هذا الأساس، إن أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه لله، وإن كرهنا فلاناً أو فلاناً فمن أجل الله، إن أكلنا أو شربنا، إن ركبنا أو نزلنا، كل حياتنا دائرة في فلك واحد ألا وهو رضا الله وطلب مرضاته. الشرك بالله تعالى أعظم الظلم ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا بالله عز وجل غيره، إذ الظلم أنواع، لكن إذا أطلق في القرآن فالمراد به الشرك، إذ هو أعظم الظلم، كيف كان الشرك أعظم الظلم؟ إليك البيان: يخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق كل شيء حولك من أجلك، ويربيك، وينشئك، ثم تلتفت إلى غيره وتغمض عينيك فلا تنظر إليه، فتمدح غيره وتشكر غيره، وتثني على غيره، وتطيع غيره، وتتقرب إلى سواه، وهو كأن لم يكن ذاك الذي لولاه ما كنت، فأي ظلم أعظم من هذا؟ يخلقك يرزقك يربيك يكلؤك، يخلق كل شيء من أجلك، ثم لا تلتفت إليه وتتقرب إلى سواه؟ فهل عرفتم أن الشرك أعظم أنواع الظلم؟و لقمان الحكيم هذا من المؤمنين على عهد بني إسرائيل أيام داود عليه السلام، وهو نوبي من النوبة، كان له ولد يحبه كأنه الوحيد، فأجلسه بين يديه يوماً يعظه، وقد نقل تعالى إلينا تلك القصة بكاملها بالحرف الواحد، إذ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ [لقمان:13]، أي: اذكر يا رسولنا للمسلمين، اذكر لقومك المصرين على الشرك والمعاندين فيه، بل والمحاربين من أجله، اذكر لهم ما يلي علهم يفيقون، علهم يرجعون: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، هل فهمتم أن الشرك ظلم كبير أو لا؟ لما ضربت لكم مثلاً وقلت: يخلقك ويرزقك ويكلؤك ويحفظك طول حياتك، ويخلق كل شيء من أجلك وتلتفت إلى غيره تدعوه أو تتملقه وتتقرب إليه، أي ظلم أعظم من هذا؟! أنت مخلوق لله أو لا؟ يجب عقلاً ومنطقاً وسياسة وقانوناً أن تكون جميع تصرفاتك له، فشاتك صوفها لمن؟ لجارك أو لك؟ لبنها، حملها، حياتها كلها لك أيها المالك، فكيف يملكنا الله ملكاً حقيقياً -لأنه خالقنا ورازقنا- ونلتفت إلى غيره نعبده؟ أي فظاعة أعظم من هذه؟ مع العلم أن الذين نعبدهم لا يملكون شيئاً، عبادتنا لهم هراء وباطلة، لو نعبد حجراً أو ملكاً أو إنسياً أو جنياً ألف سنة فلا يستطيع أن يعطينا ما لم يعطنا الله، ولا يدفع عنا ما لم يدفعه الله، فلم -إذاً- هذه العبادة؟! إن الشيطان هو الذي زين عبادة غير الله ليهلك العابدون معه، هذا هو السر. فظاعة عذاب الظلمة يوم القيامة ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] أشركوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا أمراً فظيعاً لا يقادر قدره ولا يمكن للعبارة أن توضحه أو تدل عليه، فوق ما يطاق، فالجواب محذوف؛ لأنه أمر عظيم. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، ما بقي من له قوة يحدث بها شيئاً أو يتصرف بها في شيء والخليقة كلها واقفة حفاة عراة إنسها وجنها. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تبرؤ المتبوعين من عبادة متبعيهم وتعظيمهم لهم وجاء تفصيل هذا: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، والتبرؤ معروف: أنا بريء من قولك، بريء من سلوكك، بريء من عملك هذا، ليس لي فيه دخل. تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، من هم الذين اتُّبعوا؟ الذين عبدوا من دون الله، كعيسى عليه السلام والعزير، والعذراء مريم، وسيدي عبد القادر والبدوي والعيدروس، وفاطمة والحسين، ملايين عبدوهم من دون الله، فيتبرءون منهم: ما أمرناكم، ما رضينا بعبادتكم، ما كلفناكم، نفي كامل، وهل يستطيع معبود أن يقول: نعم يا رب عبدوني؟ لا يقوى على هذا. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا [البقرة:166]، أي: المتبوعون، تبرءوا ممن عبدوهم من دون الله أو قدسوهم أو بجلوهم أو عظموهم، أو اتبعوهم في الباطل، كالرؤساء والزعماء وما إلى ذلك، هؤلاء المتبعون هل يستطيعون أن يدافعوا عن متبوعيهم؟ هل يقولون: ما اتبعونا إلا حباً في الله فقط، إلا طلباً لمرضاتك يا رب، هؤلاء كانوا جهلة، اعف عنهم وسامحهم؟ والله !ما يقولون كلمة من هذا، ولا عيسى يقول هذا. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166] اتبعوهم. انقطاع العلائق بين الأتباع والمتبوعين بعد معاينة العذاب وَرَأَوُا الْعَذَابَ [البقرة:166]، وشاهدوا العذاب، جهنم جيء بها تجر بالسلاسل، شاهدوا ما علموه من الغيب، ما حدثوا عنه في الدنيا شاهدوه عياناً. وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] لا مصاهرة، لا نسب، لا صداقة، لا وطنية، لا أخوة أبداً، كل الأسباب تمزقت، لم يبق إلا سبب الإيمان هو الذي ما تمزق: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، المفروض أن الشيخ يشفع لمريديه، والمعبود يشفع لمن عبدوه، والعظيم الذي اتبعوه في الباطل ففجر وقتل وسفك الدماء يشفع لهم، ولكن لا شفاعة، فهل فهمتم معنى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]؟ كل واحد موكول إلى عمله، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر. تمني الأتباع الرجعة إلى الدنيا للبراءة من المتبوعين وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] صاحوا: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] العوام الذين لا بصيرة لهم، عبدوا الشيخ، وجروا وراءه، عبدوا الحكام والسلاطين، وقالوا بقولهم وسلكوا مسالكهم، قالوا: لو أن لنا كرة، أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167] في الحياة الدنيا كما تبرءوا منا الآن، لا نقبل من يقول لنا ولا من يزين ولا من يحسن ولا من يعد ولا من يتسلط علينا أو يدعي القوة علينا أبداً. لكن هذا التمني هل ينفع؟ ما ينفع، بل يزدادون به ألماً وحسرة، إذ هذه كلمات المتحسر المتأسف المتحطم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167] أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] اليوم، ولا نسمع لقولهم ولا نجري وراءهم، ولا نقبل أحاديثهم ولا أمانيهم. زيادة حسرة الكافرين وخلودهم في النار قال تعالى: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي هي المدائح والقصائد والأناشيد والذبائح، ويقضون ليلة كاملة في مدح الشيخ، أعمالهم يريهم الله إياها حسرات تمزق قلوبهم. والخاتم الأخير: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]؛ لأنهم ماتوا مشركين، والمشركون آيسون من الخروج من النار ودخول الجنة، اللهم إلا الموحدين الذين ماتوا على التوحيد، عبدوا الله وحده، ولكن قارفوا ذنوباً وارتكبوا سيئات وما تابوا منها وماتوا عليها، فدخلوا النار لتطهيرهم؛ لأنهم يحترقون فيها ويمتحشون حتى يكونوا كالفحم، ثم يعودون إلى الجنة بتوحيدهم؛ لأن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، أما أهل الكفر والشرك فأعمالهم الصالحة قد يخفف بها عنهم العذاب، فينزلون في دركات أخف، أما أن يخرجوا من عالم الشقاء وينتقلوا إلى عالم السعادة فوالله ما كان، هم آيسون، فلهذا من مات من أقارب المرء على الشرك والكفر فليبك عليه، لا رجاء أبداً في نجاته من النار. كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167] الحسرات: جمع حسرة، وهي الألم القاتل الشديد الذي يقعد بصاحبه ولا يستطيع أن يتحرك، على حد: يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4] من الحسرة. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات إذاً: معاشر المستمعين! زيادة في البيان والتوضيح نقرأ الكلمات مفسرة بهذا التفسير وازدادوا بها علماً.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات:أنداداً: جمع ند، وهو المثل والنظير، والمراد بالأنداد هنا الشركاء ]، سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو حيوانات أو نباتات أو جمادات، [ يعبدونها بحبها والتقرب إليها بأنواع العبادات كالدعاء والنذر لها والحلف بها ]، هذه من أنواع العبادات.وقولهم: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] ما معنى التبرؤ يا عبد الله؟ قال: [ التبرؤ: التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه ]، تبرأ منه: تنصل وابتعد لأنه يكرهه.وقوله: الَّذِينَ اتُّبَعُوا [البقرة:166]، من المراد بهم؟ قال: [ المعبودون والرؤساء المضلون ]، وهل يوجد اليوم مضل؟ نعم. جميع رؤساء الروافض والله! لمضلون لأتباعهم، يعرفون الحق ويضلون، ومن أهل السنة والجماعة مضلون من أجل أن يركبوا رءوس الناس ويأكلوا طعامهم، يزخرفون لهم الباطل ويحسنون لهم البدع من أجل أن يتبعوهم، موجود هذا البلاء.قا: [ الذين اتَبعوا: هم المشركون والمقلدون لرؤسائهم في الضلال ].قال تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، ما معنى الأسباب هذه؟ قال: [ الأسباب: جمع سبب، وهي لغة: الحبل ]، السبب: الحبل الذي تربط به بين شيئين، [ ثم استعمل في كل ما يربط بين شيئين، وفي كل ما يتوصل به إلى مقصد أو غرض خاص ]، فما سبب مجيئك إلى المسجد؟ لا بد من حبل ربطك به، كلمة أو إيمان أو دعوة أخيك.وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167]، ما معنى الكرة؟ قال: [ الكرة الرجعة والعودة إلى الحياة الدنيا.الحسرات: جمع حسرة، وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل ]، شدة الحزن والألم تقعد بالإنسان فما يستطيع حتى المشي، وهذا واقع، إذا كرب عبد وأصيب بحزن يلصق بالأرض. تلك مفردات قد تكون خفية على أكثر المؤمنين، فتفسر لهم كلمة كلمة. معنى الآيات أما الشرح الموجز فإليكموه كما هو في هذا التفسير.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات.لما تقرر في الآيتين السابقتين ]، وهي قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، هذه آية، وجاء الآية الأخرى فيها ستة أدلة على أنه لا إله إلا الله؛ إذ قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ]، أما الذين لا عقول لهم فكيف يفهمون؟ مجانين.بعد هذا قال: [ لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، والله! ما هو إلا واحد، لو تجتمع الخليقة كلها على أن توجد ثانياً فوالله! ما أوجدته.قال: [ أخبر ] بعد التقرير للألوهية، بعد تقرير الوحدانية لله، [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان وهذا الوضوح يوجد ناس ]، أي: مع هذه الأدلة الستة التي لا تبقي أبداً في النفس شكاً في أنه لا إله إلا الله، ومع هذا وجد ناس [ يتخذون من دون الله أصناماً ورؤساء يحبونهم كحب الله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى ]. وبينت لكم هذا، فالمشركون في مكة وفي غيرها يجمعون بين حب الله وحب ألهتهم، والنصارى الآن كذلك، واليهود، والحب إذا شاركه حب آخر بطل، رد على صاحبه، فنحن نحب الله ونحب في الله، إن أحببنا طعاماً أحببناه من أجل الله، أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه من أجل الله، ما هناك حب خارج عن دائرة حب الله، وإلا فنحن مشركون إذاً.قال: [ والمؤمنون ] بحق وصدق [ أشد منهم حباً لله ]، هم يحبون الله، لكن حباً ضعيفاً؛ لأن نصفه أعطاه لغير الله، توزع هذا الحب، ما أصبح حباً حقيقياً، أما المؤمنون الكمل في إيمانهم الصادقون فهم أشد حباً لله تعالى.قال: [ كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة ]، لو يرى المشركون الذين أشركوا في الدنيا مع الله غيره، [ عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب ]، يدلك على هذا [ إذ تبرأ المتَّبعون وهم الرؤساء الظلمة ودعاة الشرك والضلالة من متبعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي ]. والآن لا تقل: كيف يريهم الله أعمالهم؟ يري القاتل يقتل، والفاجر يفجر، والسارق يسرق، ولا تقل: كيف يمكن هذا؟ فالآن بعد شاشة التلفاز بقي شيء؟ تعرض أعمالهم هكذا، حتى يتمزقوا من الكرب والهم والحسرة، يريهم أعمالهم كما هي، وفي سورة الزلزلة: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، من الذي يريهم أعمالهم؟ هو الله، الأولون يفسرون الآية بنتائج أعمالهم وثمراتها، لكن الواقع أن الأعمال ترى، والآن الواقع شاهد، يعرضون عليك معركة فتشاهد الدماء تسيل والرءوس تتقطع، والقتال دائراً، وينقلون صورة لفاجر تراها كما هي.[ وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم، ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ] فقولوا: الحمد لله على أننا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات ]، كل آية تحمل هداية أو لا؟ أما قال تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]؟ كل آية تحمل هداية، كما أن كل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا توجد آية من الستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية لا تقرر أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن يسألني: كيف يا شيخ؛ فسأبين له كيف:فقوله تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، هذا كلام أم لا؟ من تكلم به؟ أتقول: أبي.. أمي.. جدي.. شيخ القبيلة الفلانية؟ لن تجد من تكلم به سوى الله تعالى.إذاً: هذا الكلام هل يوجد بدون متكلم؟ أيستقر في عقولكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فمن المتكلم إذاً؟ الله، إذاً: الله موجود، وهذا القرآن كلامه كله علم وحكمة، ومظاهر الكون كلها تدل على علم الله وحكمته ورحمته.إذاً: الله عز وجل أخبرنا أنه لا إله إلا هو، وشهد بذلك شهادة، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18] أيضاً وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] كذلك، فالآية وحدها تدل على وجود الله. والآية الواحدة تدل على أن محمداً رسول الله، لو لم يكن رسول الله فكيف يوحي الله إليه هذه الآية، هل أوحى الله إلينا نحن؟ منذ أن كنا وكانت البشرية إذا لم يوح إلى نبي فهل يوحي إلى غيره؟إذاً: فكل آية هي علامة على أنه لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذه الآيات الأربع فيها أربع هدايات، يا من يريد أن يهتدي إلى حب الله، يا من يريد أن يهتدي إلى رضوان الله، يا من يريد أن يهتدي إلى العلم والمعرفة بالله! إليك هذه الهداية من أربع آيات:[ أولاً: وجوب حب الله ]، الذي لا يحب الله والله! ما هو بمؤمن.. والله! ما هو بمؤمن .. والله! ما هو بمؤمن، حب الله لا بد منه، وأشد من حبك لأمك وأبيك، بل ونفسك التي بين جنبيك والناس أجمعين، اذكر ما أنعم به عليك، اذكر إفضاله، اذكر إحسانه، لولاه هل تكلمت أنا؟ لولاه هل جلستم أنتم؟ فصاحب هذا الإنعام، هذا الإفضال، هذا الإحسان، هذه القدرة، هذا الجلال، هذا الجمال، هذا الكمال، كيف لا يحب؟! والضائعون أحبوا الأمريكاني لاعب الكرة ماردونا والعياذ بالله. فطرتك يا آدمي تحب كل ذي فضل وإحسان وكرم، تسمع أن فلان شجاع فتحبه لشجاعته، فلان كريم تحبه لكرمه، فلان جميل الوجه والطلعة فتحبه، والله خالق الجمال، خالق الكمال، واهب الكائنات، كل ذلك فضله وإحسانه، فكيف لا تحبه؟ أما أخبر تعالى عنكم بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].قال: [ وجوب حب الله وحب كل ما يُحب الله عز وجل ]، هذه أخرى، كل ما بلغنا أن الله يحبه حتى المشية نحبها، حتى اللحظة والنظرة إذا بلغنا أن الله يحبها أحببناها، فإذا أخبر الله أنه يحب عبده فلاناً فإنا نحبه، وعلى أتم الاستعداد، متى علمنا أن الله يحب كذا أحببناه، ويجب، وإلا فقدنا الإيمان الصحيح.[ ثانياً: من الشرك الحب مع الله ]، هل هناك فرق بين الحب مع الله والحب لله؟ نعم. هل نحن نحب مع الله؟ لا، نحب بالله، أحب الله تعالى (سبحان الله وبحمده) فأحببناها، أحب الله صفوف الجهاد فأحببناها، أحب صفوف الصلاة فأحببناها، أحب الله محمداً فأحببناه، أحب الزهراء فأحببناها، نحب بحب الله، لا استقلالاً.قال: [ من الشرك الحب مع الله، ومن التوحيد الحب بحب الله عز وجل.ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم تبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، كل الأسباب والروابط انحلت إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه، أي: في الإيمان، هذه لا تنحل فحافظوا عليها.[ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشرك والفساد، وليس بنافعهم ذلك شيئاً ]، تبرءوا ولكن ما ينفع التبرؤ، التبرؤ ينفع الآن، لا نقلد أعمى ولا نجري وراء جاهل، ولا نطيع حاكماً ولا محكوماً في معصية الله عز وجل.قال: [ تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم ]. هم تبرءوا لأنهم ما يستطيعون أن يقولوا: هؤلاء عبدونا، يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]، ما قالوا: أجابنا فلان ولم يجبنا فلان، فوضوا الأمر إلى الله عز وجل، أما المتبوعون فكل ما في الأمر أنهم يتحسرون ويتمزقون: آهٍ لو رجعنا إلى الدنيا لتبرأنا منهم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ثم قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، لم يا رب؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، أذن لنا في الأكل من الطيبات والحلال ولم يأذن لنا في اتباع خطوات الشيطان، وهل للشيطان خطوات يا شيخ؟ أي نعم، سأدلك عليها: حين يخرج الرجل من بيته ذاهباً إلى المخمارة إلى الحانة، إلى المزناة، إلى محل اللعب والباطل، فمن الذي يمشي أمامه وهو يتبع خطواته، أهو ملك؟ لا والله، بل الشيطان، هو الذي زين له وحسن له ودفعه ليمشي وراءه إلى أن يعمل المعصية.أزيدكم توضيحاً: كل من يمشي خطوة أو أكثر إلى معصية الله ورسوله فأول من حسنها وشجع عليها وزينها هو الشيطان، ثم يمشي أمامه وهو لا يشعر، حتى يصل إلى الجريمة ويقارفها. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، إذ الشيطان هو الذي فعل بالعرب العجب، ماذا فعل؟ هو الذي دعاهم إلى عبادة اللات والعزى ومناة وهبل والأصنام كلها، مع أنهم مؤمنون بالله يعرفون الله، يكفيهم أنهم يحجون بيته ويعتمرون، ويكرمون الحجاج ويفعلون ويفعلون، كانوا مؤمنين بالله، وزين لهم عبادة الأصنام بحكم التوسل بها إلى الله، والتقرب بها إليه.ثانياً: زين لهم تحريم أربعة أنواع من الغنم والإبل، ما هي؟ البحيرة والوصيلة والحامي والسائبة، هذه أنواع من الإبل والغنم من حرمها عليهم؟ الشيطان، والوصيلة التي تصل بطناً ببطن، أو تصلى أنثى بأخيها، يقولون: اتركوها للإله هبل، والبحيرة التي تعيش كذا سنة أو يفعلون كذا بها، يقولون: ابحروا أذنها واتركوها للات والعزى، والسائبة كذلك يسيبونها لأصنامهم.فمن فعل بهم هذا والله يقول: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [المائدة:103]، يقولون: هذا حرمه الله. فقال لهم: تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:151] لا الذي حرمتموه أنتم بوسواس الشيطان.وخلاصة القول: ليس من حق أحد أن يحرم ما أحل الله، أو يحلل ما حرم الله، لم؟ لأن الملك الحق هو الله، كل ما في الأرض له، ما أذن فيه أحله، وما لم يأذن فيه حرمه، فهل يتدخل شيخ أو إمام ويقول: هذا ما ينبغي، لا تأكلوه، وهذا كلوه؟ فقد نازع الله في منصبه، نازع الله عز وجل في سلطانه، العبيد عبيده، وهو الذي يحل لهم ويحرم، وهذا جاء يريد أن يحل لهم ما حرم الله أو يحرم عليهم ما أحل الله، فنازع الله في الملك وفي الألوهية والعبادة والربوبية، هذا أقبح إنسان؛ الذي ينصب نفسه هذا المنصب. معنى قوله تعالى: (إنه لكم عدو مبين) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، لم؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، ما معنى: مبين؟ ظاهر العداوة، لا تسفك دماء على الأرض بين بني آدم إلا والشيطان هو العامل، لا يتم خناً ولا زناً ولا رباً ولا كذب ولا باطل ولا شر ولا خيانة للأمانة ولا خلف للعهد، وكل الجرائم إلا وهو الذي زينها، أما قال أمام الله عز وجل: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]؟ لولا الشيطان فالإنسان بفطرته يكره الخيانة، يكره الكذب، يكره الظلم، ما تميل نفسه إليه أبداً، حتى يأتي هذا العدو بجيشه ورجاله، ويحسن ويغش ويخدع، وويل للغافلين.إذاً: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، هل يجوز لك أن تمشي وراء عدوك، السكين في يده أو البندقية ليدفنك تحت الجبل، وأنت تمشي وراءه، أين عقلك، أين يذهب بك؟ فلهذا إذا شعرت بخاطر يدعو إلى معصية الله والرسول فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعاكسه، قم صل، حتى في الغضب حين يوقد النار في قلبك ويظهر الحمرة في عينيك وينتفخ أوداجك فهو نفخ فيك، فماذا تصنع؟ قل: الله أكبر وادخل في صلاة نافلة، فإنه يتمزق.فهل عرفت البشرية أن الشيطان عدوٌ لها؟ ما عرفت، الكفار من أين يعرفون؟ الجهال كيف يعرفون؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، أي: بين العداوة ظاهرها. تفسير قوله تعالى: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) المراد بالسوء وبيان علة أمر الشيطان به إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، ثلاث سيئات من أقبح السيئات:الأولى: يأمركم بالسوء، وهو ما يسوء إلى النفس البشرية، فيلوثها ويخبثها ويعفنها وينتنها، حتى تصبح كأرواح الشياطين، لأن الله أصدر حكمه فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].إذاً: لكي يسعد بوجود بني آدم معه في عالم الشقاء، وهو يتبجح بينهم ويعقد أيضاً حفلة عظيمة، يعقد احتفالاً عظيماً في النار، وتجتمع عليه البشرية، وإليكم نص كلماته بالحرف الواحد، فالله قد علم ما سيقول، وكتبه قبل أن ينطق، جاء من سورة إبراهيم عليه السلام: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22]، ماذا قال؟ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22]، الله أكبر! لولا القرآن فكيف سنحصل على خطبة تقال في عالم الشقاء؟ فالحمد لله.والله! إنها بالحرف الواحد، وإن كنت تشك في وجودك فشك في هذه الكلمات: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ [إبراهيم:22]، ودخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار، واستقرت الأحوال، يقوم خطيباً، ويوضع له السرادق، كما تعرفون عن الزعماء حين كانوا يخطبون أيام الاشتراكية. فماذا يقول؟ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22]، فكلمة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) تطرده ألف كيلو، فأي سلطان له؟ هل تشعر أنه يقودك إلى المعصية؟ كلا، بل تزيين فقط. وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]، ما هو إلا أن أدعوكم وأنتم تمشون ورائي وتأتون إلي: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]، إذاً: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22].وأخيراً ييئسهم: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ [إبراهيم:22]، أي: بمزيل صراخكم، فيصرخون إلى الأبد، وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22]، أنا أبكي وأندب فهل ستنفعونني؟ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم:22] أشركوه من قبل أم لا؟ كل من عبد غير الله عبد الشيطان؛ إذ هو الذي دعا إلى ذلك وزين وحسن. إذاً: هنا ثلاثة أفعال: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، أولاً: السوء: وهو ما يسوء النفس البشرية، ويجعلها تهبط إلى مستوى الحيوانات أو الشياطين في الخبث، كيف هذا؟ الكذب، الخيانة، السرقة، الكبر، العجب، الحسد، تلك العلل هي السوء، ما يسوء، الآن تقوم إلى الشيخ وتبصق في وجهه وتسبه، وتقول: اسكت يا وهابي يا ملعون، فماذا يحصل؟ تحصل إساءة بهذا أم لا؟ هذا هو السوء. المراد بالفحشاء يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ [البقرة:169] هل هناك أفحش من اللواط؟ ما عرفت البشرية من عهد آدم إلى عهد قوم لوط هذه الجريمة، حتى الشيطان علمهم إياها في كز يهم، فهل هناك أقبح من هذه؟ ما هناك أبداً، بل الحيوانات ما تفعلها، هل رأيتم فرساً ينزو على الفرس الذكر؟ هل زكجمل ينزو على الجمل؟ هل الكلب ينزو على الكلب؟ لا أبداً، ولكن الشيطان لما زين هذه الفاحشة وحسنها بلغنا أن أنزية موجودة في أوروبا، أندية اللوط، من يفعل هذا؟ هذا عدوكم، زين الفحشاء، والفحشاء بعد اللواط الزنا، فالزنا أفحش فاحشة: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، لو لم يكن فاحشة بالفطرة فمن الذي يرضى أن يز ى بأخته أو بأمه أو بامرأته؟ وإن كان فاجراً فإنه ما يرضى، النفس ما تقبل هذا، ولكن الشيطان يحسنها ويحمل عليها ويسوق إليها. قالوا: لفظ الفحشاء إذا أطلق فالمراد به الزنا واللواط، وأطلق لفظ الفحشاء على البخل في آية واحدة من كتاب الله من سورة البقرة: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أي: بالبخل. فلم كان البخل فاحشة؟ لو كنا نعيش أيام الفطرة السليمة فإن الشخص إذا كان في يده أو بين يديه طعام وقلت له: أريد أن آكل معك فأنا جائع، فقال: لا؛ فكيف تنظر إليه؟ ما كانوا يعرفون البخل، إذا زاد عنك طعامك أو شرابك وهذا يموت بالعطش أو بالجوع فما تستطيع أن تمنعه. فلهذا من أصيب بهذه المحنة والشيطان غرسها فيه يصبح من أفحش ما يقول قوله هذا ومنعه. الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] أي: إذا أنفقتم، يقول: إذا أخرجت ما في جيبك الآن تصاب بالفقر، فلا تنفق، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] بالبخل. عظم خطر القول على الله بغير علم والثالثة من عظائم المعاصي: القول على الله بدون علم: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذه أعظم، ولم كانت أعظم؟ القول على الله بدون علم هو الذي يفسد الدين، ما الذي أفسد الديانات الإلهية؟ والله! إنه للقول على الله بدون علم، كاليهودية، النصرانية، الصابئة، والإسلام ما هبط إلا حين قال الناس بآرائهم وعقولهم. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] ومن قال على الله بدون علم أباح الحرام أو حرم الحلال أو عطل كذا وكذا، وفي سورة الأعراف آية اشتملت على أصول المفاسد، والأولى منها أخف، والثانية أشد، والثالثة أشد، ثم الرابعة، والخامسة أعظمها، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].مرة أخرى: ما أفسد دين الله -سواء في المسلمين أو في غير المسلمين- إلا القول على الله بدون علم، فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقول: هذا حرام أو حلال إلا إذا علم، ولا أن يقول: واجب أو جائز أو ممنوع أو بدعة حتى يعلم. وقد تقولون: معنى هذا أنك ألجمتنا بلجام؟ فأقول: أي نعم، نلجمكم خيراً من أن نهلككم. وشيء آخر: لو التزمنا بألا نقول إلا بعد علم ما بقي جاهل بيننا، كلنا نطلب العلم، لكن ما دام الواحد منا يقول كما يشاء فلماذا يتعب وينقطع ليطلب العلم، لماذا يرحل إلى البلاد الفلانية؟ قل بعقلك وكفى، ولهذا في قول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] قلنا: حقيقة هذه الآية أنه ما يبقى جاهل في العالم الإسلامي ولا جاهلة أبداً، لم؟ لأن من كان عالماً هو عالم، وإذا سئل يجب أن يعلم، ومن لم يكن عالماً يجب عليه أن يسأل، وحرام أن يبقى بدون علم، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، لكن من بين لنا هذه الآية، وما عرفناها إلا بعد قرون مضت، فالقرآن لا يقرأ إلا على الموتى، وإذا سمعوا الشخص يقول: قال الله يغلقون آذانهم، وما يسمعون. تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ...) والآن مع المشركين في مكة وحولها: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا آبَاءَنَا [البقرة:170] أي: ما وجدنا عليه آباءنا. وهذا عندنا في القرى، في المدن، في الضواحي، في القاهرة، في العالم الإسلامي، صاحب السنة والبيان يقول كذا فيقولون: لا، نعمل كما يعمل علماؤنا، أنت وهابي، أنت من كذا، هل آباؤنا كلهم كانوا ضلالاً ما يعرفون إلا أنت تعرف؟ هذه هي، فمن يمليها؟ الشيطان. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170] في كتابه وعلى لسان رسوله، سواء قيل هذا لليهود أو النصارى أو للعرب والمشركين، فيحتجون بماذا؟ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170] ما نحن في حاجة إلى دين جديد. وهذا هو واقع البشر. فقال تعالى منكراً عليهم مستفهماً استفهام إنكار وتأديب: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا [البقرة:170] يتبعون آباءهم ولو كان آباؤهم جهالاً ما يعرفون ولا يعلمون؟ أعاقل يقول هذا؟ تتبع أباك وإن كان ما يفرق بين الكاف والياء ولا الكوع والبوع؟ أهذه حجة؟ فالتقليد الأعمى حرام، لا يحل لك أبداً أن تمشي وراء أعمى، أين يصل بك؟ إلى الحفرة، امش وراء ذي بصيرة وعينين، قلد عالماً، أما أن تقلد جاهلاً فلا، هكذا ينكر الله تعالى علينا، وانتفع بهذا خلق لا يحصون عدداً، من عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في القرون الذهبية ما كان أحد مقلداً آخر إلا قال الله وقال رسوله، لكن عرف العدو هذا وأماتونا. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات نعود إلى الشرح للبركة من جهة، ولتقرير القضية من جهة ثانية. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الحلال: هو ما انحلت عقدة الحظر عنه ] أي: المنع منه، [ وهو ما أذن الله تعالى فيه ] من قول أو فعل أو أكل أو شرب أو اعتقاد، الحلال ما انحلت عقدة المنع والحظر منه، فلو سئلت عن الحلال ما هو؟ فهو الذي انحلت عقدة الحظر منه. وهنا اختلف أهل العلم: هل الأصل في الأشياء التحليل أو التحريم؟ منهم من قال: الأصل في الأشياء الحل حتى ينزل وحي بالمنع، ومنهم من قال: لا، الأصل في الأشياء المنع حتى يأتي إذن بالفعل، وهذه الآية شاهد للآخرين، فالحلال: ما انحلت عقدة الحظر عنه؛ إذ كان محظوراً.ثم قال: [ الطيب: ما كان طاهراً غير نجس ولا مستقذر تعافه النفوس ] كما شرحنا.[ خطوات الشيطان: الخطوات: جمع خطوة، وهي المسافة بين قدمي الماشي، والمراد بها هنا: مسالك الشيطان وطرقه المفضية بالعبد إلى تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم.عدو مبين: عداوته بينة، وكيف وهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة ]، هل هناك عداوة أكثر من هذه؟ يطرد أباك وأمك من دارهما وتقول: ما هو عدوي؟ قال: [ وأكثر الشرور والمفاسد في الدنيا إنما هي بوسواسه وبإغوائه ] أنا قلت أولاً: ما سالت قطرة دم إلا وهو الذي أسالها، ما من ذنب إلا وهو الذي دعا إليه.قال: [ السوء: كل ما يسوء النفس ويصيبها بالحزن والغم ويدخل فيها سائر الذنوب.الفحشاء: كل خصلة قبيحة؛ كالزنا، واللواط، والبخل، وسائر المعاصي ذات القبح الشديد.ألفينا: وجدنا ]، وجاء في آية أخرى: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [لقمان:21]، ألفاه على كذا: وجده على كذا. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها، وهي الخلود في عذاب النار ]، كما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] لا بعد مليون سنة ولا مليار، بل خلود أبدي.قال: [ بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها، وهي الخلود في عذاب النار؛ نادى الرب ذو الرحمة الواسعة، نادى البشرية جمعاء ] لأن لفظ الناس عام، [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] وهو عطاؤه وإفضاله، حلالاً طيباً؛ حيث أذن لهم فيه، وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه لا خير لهم في أكله؛ لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً ]؛ لأن المحرمات في نفس الوقت تضر بالجسم، كالجيفة، الدم، ولحم الخنزير بإجماع الأطباء أنه يضر. وعندنا لطيفة: هل تعرفون الدياثة؟ لا أراكم الله، نجانا الله منها، نحن فحول نغار على نسائنا وبناتنا، بالتجربة وجد أن الذين يأكلون لحم الخنزير يفقدون الغيرة، ويصبح يرى امرأته يصافحها فلان ويقبلها وهو ميت لا حركة به، من أين ورثوا هذا؟ لأن هذه الدياثة من الخنزير، لا يغار على أنثاه أبداً.ودائماً نقول: ما عندنا كلام نقوله بدون علم، فالخنزير موجود في غابات في جبال في العالم، الخنزير ما يغار على أنثاه، والجمل يغار أم لا؟ يغار، وله هدير، والقط يغار، وسائر الحيوانات إلا الخنزير -والعياذ بالله- فغيرته ميتة، من أكل لحمه وعاش على لحم الخنزير يفقد الغيرة من نفسه.إذاً: عرفتم لماذا حرم الله عليكم الخنزير؟ قال: [ فإنه لا خير لهم في أكله لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً، ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم، فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلاكهم، وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان لا يأمرهم إلا بما يضر أبدانهم وأرواحهم. والسوء، وهو كل ما يسوء النفس، والفحشاء وهي أقبح الأفعال وأردى الأخلاق، وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على الله فيقولوا عليه ما لا يعلمون فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم الله، والله من ذلك بريء، وهذه قاصمة الظهر والعياذ بالله تعالى، حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا الفواحش وحللوا وحرموا وشرعوا ما لم يأذن به الله ربهم، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتبعوا -إذاً- ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. يا سبحان الله! يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلاً وضلالاً؟ أيقلدون آباءهم ولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً من أمور الشرع والدين، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تابع تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ...) والآن مع قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170] من هؤلاء؟ إنهم المشركون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ هم الذين حرموا السائبة والوصيلة والحامي، وقالوا: هذه نذرناها للآلهة لا يحل أكلها، وفيهم نزل هذا الخطاب: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168] إذ هو الذي حرم عليكم ما أحل الله لكم، فاخترعوا مذهباً أو طريقة أو تقنيناً وشريعة وقالوا: السائبة من الإبل والحامي من الجمال والوصيلة من النوق هذه لا تحل لنا؛ لأنها للآلهة، من حسّن لهم هذا؟ من زينه؟ من علمهم هذا؟ الشيطان، اتبعوا خطواته فوقعوا في هذا. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، بدليل أنه قال تعالى لهم: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:151]، لا الذي حرمتموه أنتم أو مشايخكم أو رؤساؤكم أو أهل الديانة الباطلة عندكم، وإنما أنا أقرأ عليكم ما حرم عليكم ربكم، وذكر لهم عشر محرمات. وهنا قال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:170]، يا عباد الله! أنتم عبيده أم لا؟ فاتبعوا ما أنزل في كتابه وعلى لسان رسوله من الواجبات والمستحبات ومن بيان المحرمات والممنوعات، فكان جوابهم: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]، هذا هو الجمود والتقليد الأعمى، الرسول صلى الله عليه وسلم ورجاله ودعاته وأصحابه يقولون لهم: اتبعوا ما أنزل الله في العبادات، في الآداب، في الأخلاق، في الشرائع، في التقنين، في الحقوق، في كل شيء اتبعوا ما أنزل الله، فكانت حجتهم الباطلة: لا، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. مرض تقليد الآباء والمشايخ في العالم الإسلامي هذا المرض انتشر في أمتنا أيضاً بعد دخولها في الإسلام ورحمة الله، وأصبح الكثيرون يرفضون كل دعوة تأتيهم من طالب علم أو شيخ من مشايخ العلم، ويقولون: يكفي ما وجدنا عليه أهل بلادنا، فكم من بدع، فكم من ضلالات، فكم من صور واضحة للشرك بالله عز وجل، ويتمسكون بهذه الكلمة: حسبنا ما وجدنا عليه مشايخنا أو آباءنا وأجدادنا! فهذا القول أنكره الله وقبحه، فكيف يبين لك الحق وتقول: لا، نحن أهل هذا الإقليم أو البلاد ما عندنا هذا، نعيش على ما عاش عليه أجدادنا؟ ولكن هذا هو الواقع، لم؟ لأن الشيطان هو الداعي لذلك والحامل عليه والواقف على نشره ودفع الناس إليه. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا [البقرة:170] لا، بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170] وألفينا بمعنى: وجدنا. ألفيت فلان عند فلان: وجدته. والآن حين نقول لحكام العالم الإسلامي: اتبعوا ما أنزل الله في أحكامكم فطبقوا ما شرع الله لكم، يعتذرون: وجدنا الوضع هكذا، ما نستطيع تغييره، فهل هذه حجة؟ والله! ما هي بحجة، وإنهم لمؤاخذون. قد تقول: يا شيخ! لا تحلف، وأقول: قد أخذهم الله، فعن الفقر والذل والبلاء والمصائب والمحن لا تسأل، فهذه ثمرة ماذا؟ نتيجة الإعراض عن شرع الله عز وجل، والله! لو طبقوا شرع الله في بلادهم لسادهم أمن ما عرفته الدنيا، ولسادهم طهر ما عرفته الحياة، ولسادهم شبع ما عرفته أوروبا ولا غيرها، لكن حجتهم: ما نستطيع، ما عرفنا هذا، ما وجدنا كذا. ومن دفعهم إلى هذا؟ الشيطان: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:168-170] قال تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، أيقولون هذا ويحتجون به ويقفون عنده ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون؟نعم نحتج بما بين لنا آباؤنا ودعونا إليه وعشنا عليه إذا كان على نور من الله، إذا كان من كتاب الله، من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا كان آباؤنا وأجدادنا عقلاء علماء بصراء.أما أن نحتج بآباء جهال وأجداد لا يعرفون الشرق من الغرب فكيف يمكن؟ هذه معرة كبيرة أن يقفوا هذا الموقف ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون إلى خير وإلى معروف أو إلى كمال. فهنا التقليد الأعمى محرم بيننا أيها المسلمون، التقليد: هو أن تقبل قول الغير بدون دليل ولا حجة ولا برهان، وإنما قال فلان، فلا بد أن نتبع العلماء العارفين بالله البصراء الذين أهلهم الله لمعرفة شرعه ودينه وبينوه للناس ودعوا إليه، أما أن نقلد من لا يعلم فهذا التقليد باطل وحرام، ويكفي هذا الإنكار الإلهي: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، ما وكلنا الله إلى الآباء ولا إلى الأجداد، بل وكلنا إلى كتابه، فإن قال العالم قولته ننظر: هل مصداقها في كتاب الله أو في سنة رسول الله؟ فإن وجدنا ذلك فأهلاً وسهلاً ومرحباً، فإن وجدناها فرية أو ضلالة أو جهالة ما وجدنا لها دليلاً من كتاب ولا سنة رفضناها وتبرأنا منها ولم نقبلها، لأننا أهل نور وبصيرة. معنى قوله تعالى: (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170]، فتقليد الجهلة حرام، تقليد الضلال حرام، تقليد العلماء بدون معرفة الدليل كذلك لا يجوز، لا بد من معرفة دليل هذا الحكم الذي قاله العالم، ومعنى هذا: يجب أن نكون كلنا علماء؛ لأن مصدر العلم قال الله وقال رسوله، ما يحتاج إلى بناية كليات ولا مدارس، في بيوت الله، في القرى، في الأرياف، في الجبال أهل القرية يجتمعون من المغرب إلى العشاء بنسائهم وراء الستارة وأطفالهم دونهن والفحول أمامهم، وليلة آية وليلة حديث مع الله ورسوله طول العمر، والله! ما يبقى جاهل ولا جاهلة وإن كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، كما كان أصحاب رسول الله أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب أبداً، فقط حفظوا ما قال الله، فهموا معناه، عملوا به، ما هي إلا سنيات معدودة والقرية كلها نور، وإذا عمها النور نور العلم فهل يبقى فيها ظلمة الجهل: الزنا واللواط والربا والخيانة والكبر والعجب والسخرية؟ والله! ما كان ولن يكون. والبرهنة أننا دائماً نقول: أيما أهل قرية انظر إلى أعلمهم بالله وأتقاهم لله، وطبق من الآن، أيما أهل حي من الأحياء أعلمهم بالله أقلهم خيانة وكذباً وسرقة وفجوراً وباطلاً، ومن يرد هذا الكلام؟ فلهذا إذا علموا وعرفوا ارتقوا وسموا، وصلوا إلى الكمال الذي أعده الله لأمة الإسلام. تفسير قوله تعالى: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ...) والآن مع هذه الآية: مثل عجيب يروح على النفس: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] مع داعيهم إلى الله موجههم إلى الكمال والإسعاد في الحياتين، كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ [البقرة:171] نعق الغراب ينعق ونعب ونغق ونعق: إذا رفع صوته. كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ [البقرة:171] أي: ينعق ببهائم، بحيوانات لا تسمع، إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً [البقرة:171] أنت مع الغنم، مع البقر تتحدث، فهل تفهم شيئاً؟ لا تسمع ، إلا إذا قلت (وا) بأعلى صوتك. إِلَّا دُعَاءً [البقرة:171] والدعاء هو الصوت القريب، كدعائنا لله؛ لأن الله ما هو ببعيد منا، فنقول: يا رب.. يا رب! بدعائنا، ولا نناديه المناداة للبعيد، نحن ننادي الله أو ندعوه؟ هل قال تعالى: (ادعوا ربكم) أو قال: نادوه؟ هل في القرآن: نادوه؟ ادعوه لأنه معكم. كيف يكون معنا يا شيخ؟ إذا كانت الأرضون السبع والسماوات السبع يضعهما في كفه فأين البعد؟ نحن بين يديه، هو فوق عرشه بائن من خلقه، والخليقة كلها بين يديه، لا يخفى عليه من أمرهم شيء، فلهذا تدعو ربك: يا رب.. يا يا رب، يا الله، يا عليم، يا حليم، ما هناك حاجة إلى أن ترفع صوتك.وقوله: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ [الأنبياء:89] ناداه نداء خفياً: يا رب.. يا رب! هب لي من لدنك ذرية، والشاهد عندنا في لغة القرآن: أن النداء غير الدعاء، الدعاء للقريب والنداء للبعيد. وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، إذاً: فيا أيها الداعي! تسلى، لا تحزن، لا تكرب، إن كنت تدعو كفاراً مشركين إلى الله فلا تفهم أنك بمجرد أن تقول: أيها الناس! أيها القوم! آمنوا وافعلوا فإنهم سيستجيبون، حالك معهم كحال من مع غنم أو بقر أو إبل أو حيوانات يدعوها ويناديها إذا كانت بعيدة، فلا تسمع إلا الدعاء إن كانت قريبة أو النداء، أما أن يفهموا عنك الحلال والحرام والطيب والخبيث والصالح والفاسد فما هم بأهل لذلك أبداً.وذكر ابن جرير معنىً لطيفاً لهذا أيضاً، قال: حال الكفار مع أصنامهم وآلهتهم التي ينادون ويعبدون ويتبركون ويذبحون ويعكفون حولها؛ كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء. وهو كذلك، لكن المعنى الأول هو أن مثل الداعي إلى الله مع الكفرة والمعرضين كالذي يدعو وينادي الصم البكم الذين لا يعقلون، فلا يحزن ولا يكرب وليواصل دعوته، لا يفهم أنه بمجرد أن يقول: أيها الناس! إن ربكم واحد فآمنوا به سيستجيبون، أنى لهم ذلك والشياطين قد أعمتهم وأصمتهم وحجبت عنهم كل نور وهداية؟ فتحتاج إلى مواصلة الدعوة وتلوين الأسلوب وتغيير النظام شيئاً فشيئاً عاماً بعد عام حتى تصل؛ لأن حالك وحالهم كما قال الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] بربهم وألوهيته، بلقائه، بكتبه، برسله، حجبوا حجباً كاملاً عن الله فلا يعرفونه ولا يعرفون أسماءه ولا صفاته، حالهم كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ [البقرة:171] ويرفع صوته بما لا يسمع إلا دعاء أو نداء فقط، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] فكان المؤمنون وعلى رأسهم نبيهم يتسلون بمثل هذه، ما يحزنون، ما يكربون، ما يشتد ألمهم عندما ترفض دعوتهم ولا يجابون لها، لأن القوم هكذا، هذا شأن الكافر، أعماهم الشيطان وأصمهم وذهب بسمعهم وأبصارهم، فكيف يستجيبون لك؟ استعن بالله عز وجل وواصل دعوتك في حدود قدرتك وما تستطيع، والأمر لله. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات لنستمع إلى شرح هذه الآيات، حيث قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: مثل: المثل: الصفة والحال ]، فلان مثله مثل كذا، أي: صفته وحاله كحال كذا.[ ينعق: يصيح، والاسم النعيق، وهو الصياح ورفع الصوت.[ الدعاء: طلب القريب؛ كدعاء المؤمن لربه: يا رب يا رب. النداء: طلب البعيد، كأذان الصلاة ]، يقول: حي على الصلاة على خمسة كيلو حول المدينة، فهذا نداء أم دعاء؟ وفي الحديث: ( قم فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً ) . [ والصم: جمع أصم، وهو فاقد حاسة السمع فهو لا يسمع.البكم: جمع أبكم، فاقد حاسة النطق فهو لا ينطق.لا يعقلون، أي: لا يدركون معنى الكلام ولا يميزون بين الأشياء لتعطل آلة الإدراك عندهم، وهي العقل ]، العقل أخذه الشيطان وصرفه كما شاء. معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:لما نددت الآية قبل هذه بالتقليد والمقلدين ]، أما قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [البقرة:170]؟ قال: [ لما نددت الآية قبل هذه بالتقليد والمقلدين الذين يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول لهم رؤساؤهم ويطبقون ما يأمرونهم به مسلمين به لا يعرفون لم فعلوا ولم تركوا؛ جاءت هذه الآية بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى أصبحوا كالشياه من الغنم يسوقها راعيها حيث شاء، فإذا نعق بها داعياً لها أجابته ولو كان دعاؤه إياها لذبحها ] وهو كذلك، [ وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي لا تدري لم دعيت، إذ هي لا تسمع ولا تفهم إلا مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد الطويل والاتباع بدون دليل ].عندي مثل: الذين خرجوا عن مذهب أهل السنة والجماعة من الفرق والضالة والله! لهذه حالهم، لو كانوا عقلاء وقد سمعوا أن العالم الإسلامي هم أهل السنة والجماعة، هم أصحاب رسول الله وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ فكيف سيعيشون متقوقعين هناك بمذاهب ومبادئ وكلام يمليه عليهم رؤساؤهم ومشايخهم ولا يسألون؟ هل جاءنا واحد وسألنا في ليلة من الليالي؟ أبداً. والله! لهذه حالهم، كيف يرون أن العالم الإسلامي هم أهل السنة والجماعة وأن الفرق الضالة منها الكافر ومنها الضال ولا يسألون؟ يقولون: وجدنا آباءنا هكذا، وتقليداً لمشايخهم، ولا يقولون: أين الدليل من قال الله وقال رسوله![ فقال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:171] في جمودهم وتقليد آبائهم في الشرك والضلال كمثل غنم ينعق بها راعيها، فهو إذا صاح فيها داعياً لها أو منادياً لها سمعت الصوت وأجابت ولكن لا تدري لماذا دعيت ولا لماذا نوديت؛ لفقدها العقل. وهذا المثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلال إلى الإيمان والهداية، فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلال الجامدين كمثل الذي ينعق ] بالغنم والإبل. هداية الآية هذا وفي الآية هدايات في ثلاثة مواضع: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية: من هداية الآية الكريمة:أولاً: تسلية الدعاة إلى الله تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلال ]، يتسلون بهذه الآية.[ ثانياً: حرمة التقليد لأهل الأهواء والبدع ]، صاحب بدعة وطالب هوى لا نقلده ولا نمشي وراءه ولا نتبعه أبداً.[ ثالثاً: وجوب طلب العلم والمعرفة حتى لا يفعل المؤمن ولا يترك إلا على علم بما فعل أو بما ترك ]، هذا واجبنا وهذا طريقنا.[ رابعاً: لا يتابع إلا أهل العلم والبصيرة في الدين؛ لأن اتباع الجهال يعتبر تقليداً ] والعياذ بالله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (110) الحلقة (117) تفسير سورة البقرة (76) بعد أن ذكر الله حال الكفرة المقلدين لآبائهم في الشرك، وما أقدموا عليه من تحريم ما أحل سبحانه وتعالى من الأنعام، نادى هنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين آمراً لهم بأن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، وأن يشكروه على ما أنعم به عليهم من حلال اللحوم، ولا يحرموها كما حرمها مقلدة المشركين؛ لأنه ليس لهم إلا أن يحرموا ما حرمه الله عز وجل من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيره تعالى. تحقق الكمال والطهر في تعلم الكتاب والحكمة في المساجد الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله، آملين، راجين، طامعين في ذلك الموعود الذي جاء على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .ولم يرغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية بالذات؟ لعلمه أن هذه الأمة لن تكمل ولن تسعد، لن تسمو ولن ترتفع إلا إذا اجتمعت في بيوت ربها على كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن طالبنا بالدليل وقال: ما البرهنة على ما تقول؟ نقول: أيام كانت هذه الأمة تتعلم الكتاب والحكمة في بيوت ربها من أهل الكتاب والحكمة بلغت من الكمال شيئاً -والله- ما بلغته أمة على وجه الأرض، كمال الطهر والصفاء، كمال العزة والكرامة والسمو والعلو والآداب والأخلاق، في خلال خمس وعشرين سنة فقط حملت راية الكتاب والسنة إلى ما وراء نهر الصين شرقاً وإلى ديار الأندلس غرباً، ولا تملك صواريخ ولا هيدروجين ولا ذرة، وإنما إيمان صادق ويقين ثابت ومعرفة، علم بالكتاب والسنة. ومن أراد أن يرد علينا فليتفضل، فليجمع أهل قرية من قرى العالم الإسلامي سواء كانوا عرباً أو عجماً، يجمعهم بنية أن يتعلموا الكتاب والحكمة ليزكوا ويسموا ويطهروا، ويجمعهم بنسائهم وأطفالهم وذلك كل ليلة وطول العام من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويجلس لهم رباني يعلم الكتاب والحكمة كجلوسنا هذا، ليلة آية والتي بعدها حديث، الليلة آية والتي بعدها حديث طول العام. ولينظروا: فإن بقي جهل فليطالبونا بغرامة، وإن انتفى الجهل فوالله! ما يبقى زناً ولا قمار ولا رباً ولا سرقة ولا تلصص ولا حسد ولا بغضاء ولا كبر ولا ظلم، ويصبح أهل تلك القرية كأنهم أسرة واحدة متحابين في الله، متآخين في دين الله، متعاطفين متراحمين برحمة الله، وتعالوا بالعالم ليشاهد من بعيد أنوار تلك القرية. وقد جربتم الشيوعية والاشتراكية والمبادئ الغربية، فأين وصلت هممكم وأخلاقكم وآدابكم وعزتكم وسيادتكم أيام كنتم تقولون: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها؟ أرونا عزنا وكمالنا وسعادتنا وطهرنا وصفاءنا، هل هناك من يرد على هذا غير المجانين؟ أما العقلاء فحاشاهم. إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، واقرءوا دائماً: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، ومن ثَمَّ فالطعام يشبع، ترقت الشعوب ووصلت إلى القمر فهل استغنوا عن الطعام، فما أصبح الطعام يشبعهم لا خبز ولا تمر ولا لبن؟ والنار تحرق، فهل تعطلت هذه السنة وأصبحت النار ما تحرق؟ والحديد يقطع، فهل أصبح الحديد الآن ما يقطع؟إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير شاءها كذلك، ومن ذلك سنته في أن من عرف الله فأنتجت له المعرفة حب الله فأحبه، أنتجت له خوف الله فخافه؛ فإنه بذلك يستطيع أن يستقيم على منهج الحق والعدل والخير والطهر والصفاء، سنن لا تتبدل أبداً. ونطالب ببرهنة: فنقول: هيا نذهب إلى أية قرية من قرى العالم الإسلامي في صدق، فنجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم شراً وفساداً، وأن أجهلهم بالله ومحابه ومساخطه أكثرهم فسقاً وفجوراً وخيانة وكذباً، فمن يرد؟ لم إذاً؟ ما الذي يمنع أمة الإسلام أن تعود إلى بيوت ربها؟ تحمل نساءها وأطفالها ساعتين من المغرب إلى العشاء فقط يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم، ما المانع؟ ما وجدنا لذلك مانعاً أبداً، رأينا اليهود، النصارى، البوذيين، المشركين، الشيوعيين، الكل إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يقف دولاب العمل، لا مصنع ولا متجر ولا مطعم ولا مقهى، وتذهب تلك الجماعات من النساء والأطفال والرجال إلى الملاهي، إلى المقاهي، إلى الملاعب، إلى المساخط، ولا لوم فإنهم أموات: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]. فما المانع لنا؟ هيا نجرب في قرية فقط، فإن قيل: ما نستطيع، قلنا: لم ما نستطيع؟ ما الذي يقف في وجهنا؟ هل التجارة تتعطل، هل الصناعة تقف؟ إن أرباب التجارة والصناعة الذين نجري وراءهم ونقلدهم يوقفون أعمالهم مع غروب الشمس، لم ما قالوا: تعطلت تجارتنا وصناعتنا؟ تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ...) وها نحن مع هذه الآيتين من كتاب الله من سورة البقرة، فهيا نتلوهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].هذه لو يكررها أهل المسجد ثلث ساعة ويحفظها الأطفال والنساء والرجال ويفهمون معناها ويطبقونه فستتغير الحياة رأساً على عقب، يصبحون خلقاً غير هذا الخلق الهابط، عرف العدو هذا، المجوس واليهود والنصارى عرفوا هذا منذ ألف سنة، عرفوا أن الروح التي بها الحياة هي القرآن العظيم، أن النور الذي به الهداية إلى السعادة والكمال هو القرآن، فصرفوا المسلمين بالسحر والتدجيل والحيل، صرفوهم عن القرآن، وأصبح القرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا تسمع من يقرأ القرآن إلا إذا كان في البيت ميت، وهل أفقنا؟ ما أفقنا. أينزل الله كتابه يحمل العلم والمعرفة والهداية ونعرض عنه ونقرؤه على الموتى؟ لم لا نجتمع عليه في بيوت ربنا ندرسه ونتعلمه؟ لعلنا ما نحن في حاجة إلى هذا، حسبنا كليات العلم ومدارس التربية، أهذا يكفي؟ إليكم صورة ربانية: ماذا تعرفون عن رسول الله؟ أليس هو الذي أنزل عليه القرآن؟ أليس الذي أمر ببيان القرآن وتفسيره؟ يقول يوماً لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد ) يكنيه تدليلاً له، ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن. فيعجب عبد الله ويقول: سبحان الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. وأخذ عبد الله يقرأ بإلهام، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] حتى بلغ قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] وإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وهو يقول: حسبك ) . أين أمة الإسلام؟ أين مظاهر الكمال فيها؟ الآن الركض المتواصل بين طلبة العلم وبين الأمة بكاملها -إلا من رحم الله- على الأكل والشرب والنكاح، إذاً: أصبحنا كالآخرين، ما نستطيع أن نتفرغ ساعة بأبنائنا ونسائنا لنسمع كلام الله ونحثهم ونحضهم على فهمه وتطبيقه والعمل به، لأنه سلم كمالنا ورقينا في الدنيا والآخرة. علة نداء المؤمنين بلفظ الإيمان ومقاصده اسمع هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172] لبيك اللهم لبيك، أما نادانا؟ هل نقول: لا، ما نحن بمؤمنين؟ أعوذ بالله! عبد الله بن مسعود يقول لنا: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، أعطها أذنك. لم يا عبد الله ؟ لأنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه. وهل أنت ترضى بفقدان الخير أو بحلول الشر؟ إذاً: كيف لا تسمع؟ناداهم بعنوان الإيمان، لم يا أبنائي؟ لأن المؤمن حي كامل الحياة يسمع، يبصر، ينطق، يعي ويفهم، يأخذ ويترك، قادر على أن يفعل لأنه حي، لو كان كافراً ميتاً فلن يناديه ولن يكلفه، فهو ميت، أتضع بين يديك ميتاً وتأخذ تأمره: قم صل، قم اغتسل من جنابتك، أد حقوقك؟! فلكمال الحياة يناديهم الله عز وجل إما ليأمرهم بما فيه خيرهم، أو لينهاهم عما فيه شرهم، أو لينذرهم عما فيه مخاوف لهم وعواقب سوء، أو يبشرهم بما يزيد في فرحهم وسرورهم، أو ليعلمهم، أما أن يناديهم لا لشيء فتعالى الله عن اللهو واللعب، تعالى الله علواً كبيراً. أمر المؤمنين بالأكل من طيبات الرزق فماذا قال لهم الآن؟ ماذا قال لنا؟ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] أولاً، وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] ثانياً إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، والطيبات جمع طيب، ما الطيب يا أبنائي؟ الحلال، وهو ما انحلت عقدة الحظر منه وأصبح مأذوناً فيه من مالكه مباحاً، هذا هو الحلال. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هل من رازق غير الله؟ المرأة تقول: أنا الذي طهوت الطعام وأنا الذي فعلته، نقول لها: وأنتِ من خلقكِ؟ يداك من شغلهما؟ عقلكِ من قاده؟ من علمكِ؟ ما هو إلا الله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] من لم يشكر نعم الله ما عبد الله، وقد عرفنا أن علة الحياة بكاملها وسر هذا الوجود الذكر والشكر، أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر فأوجد هذه العوالم وأوجد البشر ليذكروه ويشكروه، فمن أعرض عن ذكر الله تمزق وتلاشى، ومن كفر نعم الله تمزق وخسر نهائياً.أما الذكر فمعروف، الصلاة التي نصليها نفتتحها بذكر الله: الله أكبر، ونختمها بـ(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وما بين الافتتاح والسلام كله ذكر: الله أكبر، سبحان الله، قراءة القرآن، كله ذكر.إذاً: وأعظم من هذا أننا نحن -المؤمنين بحق- الذين ننادى لا يمكن أن تمضي الساعة والساعتان على أحدنا ولا يذكر الله أبداً، إلا إذا نام فقط، القلوب والألسنة متفقة متواطئة، يذكر القلب فيتبعه اللسان، ويذكر اللسان فيتبعه القلب؛ لأن ذكر الله غذاءنا الروحي، لأن ذكر الله حصننا الحصين، لا تستطيع الشياطين أن تدخل على قلب صاحبه يذكر الله، ولا تحتله أبداً، والذين يتركون ذكر الله تحتل الشياطين قلوبهم وتعبث بها كما شاءت. وقد تقول: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟ فأقول: الذي يجري إلى معصية من دفعه؟ من حسنها؟ من زينها إن لم يكن الشيطان؟ وقد عرفتم أن الخناس ذاك الذي يوسوس، فإذا لاح في الأفق (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) انخنس وانكسر وسكت، ما يقوى، وعرفنا أن أهل التقوى التي هي طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر فيما أمر الله به ونهى عنه، هذه الطاعة هي التي تزكي النفس البشرية وتطيبها وتطهرها، بمعنى أن ما نقوم به من عبادات يزكي أنفسنا يغسلها ينظفها يطهرها، وما نتجنب من المعاصي والذنوب وغير ذلك من الذي يخبثها ويدسيها، فإذا اتقينا الله وخفنا منه فعملنا بما أمر وتركنا ما نهى عنه وزجر احتفظنا بطهارة أرواحنا، احتفظنا بزكاة نفوسنا، فإذا جاء العدو يريد أن يغزوك تلوح على الفور أنوار التقوى فيشاهدها فيهرب، كالرادار الممتاز الآن في مطاردة العدو، ولنقرأ لذلك دائماً: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] إخوان من؟ إخوان الشياطين، فهل يصبح الآدمي أخاً للشياطين؟ أي نعم، إذا تزيا بزيهم ونطق بمنطقهم ولبس لباسهم وعمل عملهم فهو واحد منهم، أما قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [هود:119]. حقيقة الشكر يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] وحده، فما هو الشكر؟ نريد أن نشكر، فما هو الشكر؟ الشكر مادته مأخوذة من الظهور، شكرت الدابة: إذا ظهر سمنها بالعلف الذي قدمته لها، شكرت فهي شكور، فالشكر -إذاً- إظهار النعمة، وذلك يتم بثلاثة أمور: أولاً: الاعتراف للمنعم بقلبك ولسانك، ما هذا الثوب الذي ترتديه؟ من الله، ما هذه السيارة التي تركبها؟ من الله، ما هذه المرأة التي في بيتك؟ من الله، كل شيء من الله لا من زيد أو عمرو، فالاعتراف بالنعمة لله، فما بنا من نعمة إلا وهي من الله. ثانياً: الاعتراف باللسان بأن تحمد الله عز وجل على نعمه، أكلت فقل: الحمد لله، شربت فقل: الحمد لله، ركبت الدابة والسيارة فقل: الحمد لله، نزلت فقل: الحمد لله، نمت فقل: الحمد لله، استيقظت فقل: الحمد لله، وتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستيقظ من النوم فيقول: ( الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور )، ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي ). وما رفعت مائدته بين يديه بعد الفراغ من الأكل إلا قال: ( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ).فالشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم أولاً. ثانياً: النطق بها وحمده والثناء بها عليه. ثالثاً: صرفها فيما يحب، فمن صرفها فيما يكره فوالله! ما شكر، وكيف تصرف النعمة فيما يحب الله؟ كيفية شكر نعمة العلم هيا نبدأ بالنعم القائمة عندنا، نعمة العلم نعمة، إذاً: شكرها كيف يتم؟ هل في المقاهي والملاهي؟ هل في قضاء العطلة في لندن؟ بم يتم شكر الله على نعمة العلم؟ أولاً: بالعمل به. ثانياً: بتعليمه غيرك، فإن لم تعمل به فأنت كافر النعمة -والله- وجاحدها، أين هي النعمة؟ فإن عملت ولم تعمل فأنت أيضاً غير معترف بفضلها ولا بكمالها ولا بأجرها ولا بحسناتها، لم لا تعلمها؟ وهكذا أصبح العالم في القرية في المدينة في أي مكان يعلم ويعمل ويعلم. كيفية شكر نعمة الصحة البدنية ننتقل إلى شكر القوة البدنية، فهذه نعمة أم لا؟ لو مرضت يوماً فقط عرفت قيمتها، هذه النعمة من أعظم النعم، صحة البدن والقدرة على القول والعمل، هذه النعمة كيف نشكر الله تعالى عليها؟ أولاً: الاعتراف بأن هذه الصحة من الله عز وجل. ثانياً: نحمده في كل مناسبة: الحمد لله.. الحمد لله. ثالثاً: ألا نعمل بها معصية من المعاصي. ونبدأ من ذلك باللسان، لا تغتب مؤمناً، لا تسب مؤمناً، لا تؤذ مؤمناً، لا تنطق ببذاء، لا تنطق بسوء أبداً، حتى تشكر نعمة الله على المنطق والنطق. ونعمة العين انظر بها إلى كتاب الله، انظر بها إلى الآيات الكونية، انظر بها الطريق إلى بيتك، انظر بها إلى كتابك الذي تقرؤه، انظر بها إلى أولادك لتحبهم وتفرح بهم، أما أن تنظر بعينيك إلى ما حرم الله عليك فوالله! لأنت كافر بهذه النعمة، وما شكرت الله. وهل هناك أشياء غير مسموح لنا النظر إليها؟ أي نعم، كل محارم المؤمنين لا يحل النظر إليها، لا يحل لك أن تقلب عينيك في امرأة ليست من محارمك، وسواء كانت في الشارع أو في الطيارة، غض بصرك وطأطئ رأسك ولا تلتفت إليها، وما لك إلا النظرة الضرورية الأولى، وإلا فما شكرت نعمة البصر. والسمع نعمة أم لا؟ سلوا أهل الصمم: كيف حالكم؟ في كرب، ما يسمعون، فهذه النعمة كيف تشكر، هذه تشكر بسماع الحق، تشكر بسماع ذكر الله، تشكر بسماع كلام يفيد وينفع، أما أنك تصغي إلى عاهرة تغني أو إلى ماجن ساقط هابط يغني فوالله! ما شكرت هذه النعمة، لقد كفرتها وسيؤدي بك هذا الكفر إلى ويلات، قد تموت على سوء الخاتمة. وإن قلتم: ما هذا التشديد يا شيخ؟ قلت: أما عرفتم لماذا؟ إن أمريكا والصين واليابان وأوروبا والعالم آيسون من الصعود إلى الملكوت الأعلى والنزول في الفراديس العلا، آيسون بالمرة، ونحن نرجو ونأمل، إذاً: فإذا صمنا الدهر كله فذلك لا يضر، وإلا فكيف ترقى، كيف تخترق مسافة سبعة آلاف وخمسمائة سنة ساعة خروج روحك، كيف تنزل في الملكوت الأعلى؟ لو طلب منك أن لا تأكل فلا تأكل، أو أن لا تشرب فلا تشرب، أو أن تقف في مكان لا تتحرك فإنك تقف، لم؟ لأن الغاية عظيمة. ومع هذا فما حرمه الله علينا من السماع وكلام البذاءة ما منعه إلا لأنه يلوث أرواحنا ويخبث نفوسنا ويحول بيننا وبين حب الله ورضاه. إذاً: عرفتم الصحة البدنية، إذا مررت بأخيك يحمل حملاً ثقيلاً فاحمل معه ساعده، وإذا كنت ما تستطيع فادع له بالعون من الله عز وجل. كيفية شكر نعمة المال وننتقل إلى نعمة الدينار والدرهم، فهذه نعمة معروفة أم لا؟ هي السلم لعيشنا وحياتنا، والله يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، حياتنا تقوم على الدينار والدرهم، به نشتري اللباس والطعام والسكن والمركوب ونعالج المريض، هذا تدبير الله عز وجل، لو صرف قلوب البشرية في يوم ما عن الدينار والذهب والفضة فإنها تكسد وتصبح أوساخاً فقط، وعندنا علم اليقين أن يوماً -والله- قريباً سيخرج فيه أحدنا بصدقة الذهب فما يجد من يقبلها، والوقت قريب جداً. إذاً: هذا المال الذين يشترون به ما يسمونه بالصحن الهوائي كان يساوي مبالغ مالية طائلة ما يملكها أمثالنا، يبلغ خمسين أو ستين ألفاً، فعرف العدو الماكر إبليس وجنده أن هذا ما يفسد على هذه الأمة عقولها ولا قلوبها، ونحن نريد دمارها وخرابها، فأنزلوا ثمنه حتى أصبح بألفي ريال أو بثلاثة، وأصدر فتيا ربانية إلهية سماوية أعلم أهل الأرض -فيما نعرف- وأتقاهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بحرمة هذا، ووزعت الفتيا وكتب في الجرائد، وإخوانكم الهابطون يتحدون الله ورسوله والمؤمنين، وبعضهم فقراء ولا تشعر إلا والدش على السطح، البيت الواحد فيه أربعة أو خمسة بحسب السكان في المدينة، فهل المؤمنون عرفوا الله حقيقة؟ أنا في حيرة، المؤمن يقول كلمة فيرتبك ويضطرب، ويبحث ويقول: كيف وقعت هذه المحنة؟ بكيف بهذا الذي يتحدى، وتحدوا أيضاً حكومة القرآن، وأصدرت بياناتها وأبطلتها، وهم إلى الآن يتحدون. نعرف مؤمنين في القرى إذا قال الشيخ: هذا حرام يبتعد عنه نهائياً وهو أمي، يقول: أنا سألت فقال الشيخ: ما يجوز هذا، فما يدخله بيته! ونحن ندعي العلم والمعرفة والصناعة ونتحدى الله ورسوله والمؤمنين، فهل يجوز؟ واسمعوا وبلغوا: لو دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيتك وفيه عاهرة تغني أو ماجن راقص يرقص، فماذا تقول؟ وفي مدينته وتحت رايته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هذه -والله العظيم- وحدها لو وعاها ذو وعي أو معرفة لمزق هذا، وإن أكره بالتعذيب والضرب فإنه يهاجر ولا يتحدى رسول الله ويغضبه. والله! لقد كتبت كتاباً بالعبارات التي سمعتم، وأعطيناه لصاحب دش مقابل المسجد النبوي، ولا أدري من هو هذا، فوالله! ما التفت ولا تغير، وقلت لكم: والله! لو كان يهودياً لخجل واحترم هذا الكتاب والكلام وتركه، فهل عرفتم وضعنا أم لا؟ إننا منحدرون، ما علة هذا يا شيخ؟ الجهل بالله، مؤمن مقلد، اسأله عن الله، ما عرفه، فكيف يحبه أو يخافه. لكن المحنة أن يعرف أن هناك علماً وعلماء يجب أن يسألهم ولا يسأل، والله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وجاهد نفسك، إذا قال عالم: هذا باطل فلا تجعله حقاً أبداً. وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] نعمه الظاهرة والباطنة بالاعتراف بها وحمد الله بالألسن عليها وبإنفاقها في محابه وإبعادها عن مساخطه، إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ألستم تدعون تقولون: إننا مؤمنون؟ تقولون: لا إله إلا الله أم لا؟ تقولون: لا نعبد إلا الله؟ إذاً: إن كنتم كذلك فاشكروا الله، ومن قال: لا فقد كذب. تفسير قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ...) ثم قال تعالى وهو يعلم ويربي عباده المؤمنين به، يقول لهم: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، هذا الذي حرم أو حرم رسوله باسم الله، ككل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فما هذه المحرمات الممنوعة المحظورة التي لم يسمح لنا ربها ومالكها بأن نأكلها؟ أربعة: أولاً: الميتة، فالحيوان المأكول اللحم كالأنعام من الإبل والبقر والغنم والأرانب والغزلان إذا مات بدون عملية التذكية فهو ميتة، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يأكلها، لم؟ فيها جراثيم فيها أمراض فيها كذا، حاشاه سبحانه أن يحرم شيئاً لا خطر فيه ولا ضرر، والله! ما كان، وإن كابر الأطباء الدنيا. الثاني: الدم، ما هو الدم؟ هو القاني الأحمر، هذا الدم الذي يتجمع إذا ذبحت الشاة أو البعير أو البقرة ووضع له إناء يجمع فيه، أما الدم مع العظام مع اللحوم فما فيه شيء، الدم المسفوح المصبوب صباً، فهذا الدم المسفوح حرام، أما المختلط باللحم والعظم فلا شيء فيه. الثالث: لحم الخنزير، حرمه لم؟ لأنه يورث الدياثة، والديوث لا يدخل الجنة، بهذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله، والذي يأكل لحم الخنزير ويتربى عليه يصبح ديوثاً، يقدم امرأته أو أخته للآخر وهو يبتسم، أما رأيتموهم في أوروبا يكونون جالسين في المرقص فيقول لزوجه: قومي ارقصي مع فلان، أو يأتي فلان فيأخذها يقول: تعالي نرقص، ويرقص مع امرأة فلان وهو جالس؛ لأنهم أكلوا الخنزير ففقدوا الفحولة والمروءة. وعندنا كلمة نبلغها للنساء حفظناها عن عائشة أمنا قالت: الديوثة من النساء التي يسمع صوتها الضيف في حجرتها. فبلغوها، الديوثة من النساء من هي؟ التي يسمع صوتها ضيف زوجها في حجرته وهي ترفع في صوتها. والله تعالى أسأل أن يحيي قلوبنا وأن يردنا إلى الصراط المستقيم حتى نعرف الله ونحبه ونخشاه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (111) الحلقة (118) تفسير سورة البقرة (77) إن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا الطيب، ولا يرتضي لعباده المؤمنين إلا الطيب من المآكل والمشارب، لذلك فإنه سبحانه قد أحل لهم الطيبات من هذه المآكل والمشارب وحرم عليهم الخبيث منها، فلم يأذن لهم بأكل الميتة ولا الدم المسفوح ولا الخنزير؛ لأن هذه كلها تحمل نجاسة عينية، كما حرم عليهم أكل ما أهل به لغيره سبحانه لأنها تحمل نجاسة معنوية، أما من اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات فإن له ذلك على قدر الحاجة والإبقاء على حياته ولا يزيد على ذلك. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله راجين أن ينالنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين. وقد انتهى بنا التفسير إلى هذه الآيات المباركات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].شرعنا في دراسة هذه الآيات في الدرس السابق، وإليكم خلاصتها: نداء المؤمنين لشرفهم أولاً: من المنادي بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172]؟ إنه الله جل جلاله وعظم سلطانه، ومن المنادَى؟ نحن المؤمنين والمؤمنات، فلنذكر هذا ولا ننسه، وهو شرف وأي شرف أن ينادينا رب السماوات والأرض وما بينهما، رب العالمين. وقد علمتم -وزادكم الله علماً- أن سر هذا الشرف هو الإيمان، لو ما كنا مؤمنين لما كنا أهلاً لينادينا عز وجل، ولكن إيماننا هو السبب، وعلة ذلك أيضاً أن المؤمنين أحياء يسمعون نداء ربهم ويجيبونه، إن أمرهم فعلوا وإن نهاهم تركوا وإن علمهم علموا، وإن بشرهم استبشروا، وإن حذرهم حذروا؛ لكمال حياتهم. أمر المؤمنين بالأكل من طيب الزرق وشكر الله الرزاق يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هذه منة أخرى امتن بها علينا؛ إذ أذن لنا بأن نأكل من طيبات ما رزقنا، والمشركون الوثنيون الجهال الفاسقون أكلوا ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وما وضعوه لآلهتهم الباطلة وأوثانهم الملعونة، وحرم عليهم مشايخهم ما أحل الله، فحرموا السوائب وما إلى ذلك مما كان المشركون يحرمونه على أنفسهم. أما نحن -المؤمنين- فقد آمنا بالله وبلقائه وبكتابه الذي أنزله على رسوله وهو هذا الكتاب، فنحن أذن لنا بأن نأكل من الطيبات، جمع طيب، وهو ما كان حلالاً غير مستقذر، الطيب: ما كان حلالاً، أي: أذن الله لنا في أكله أو شربه، وكان غير مستقذر، ما فيه قذر ولا وسخ، لا بد من الجمع بين الحلية وبين الطيب، وإن كان فيه أوساخ وقذر فما نأكله إلا في حالة الضرورة كما سيأتي. قال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] من الرازق؟ الله. وإياك أن يخطر ببالك أن هناك رازقاً سوى الله، فجميع المأكولات والمشروبات من خلقها؟ من أوجدها؟ من سخرنا لطلبها والحصول عليها؟ من أذن لنا في تناولها؟ إذاً: كل ذلك من رزق الله، فكلوا مأذوناً لكم من طيبات ما رزقناكم، وبعد هذا فاشكروا إذاً، أم أنك تأكل الغلة وتسب الملة كما تقول العجائز من العرب والمسلمين، أيجوز هذا؟ تأكل وتشرب ولا تقول: الحمد لله، أيصح هذا؟ أي جحود وأي كنود وأي إساءة أدب أعظم من هذ؟ تجلس على مائدة أخيك فتأكل وتشرب بإذنه وبعد ذلك لا تقول شيئاً! فهذا لن يصح عقلاً أبداً. إذاً: فبما أنه أذن لنا في الطيبات التي رزقناها أمرنا بشكره. أركان الشكر وقد عرفتم الشكر زادكم الله معرفة، الشكر يتكون من ثلاثة: أولاً: شكر القلب، اعترف بقلبك بأن هذا الطعام أو الشراب أو الكساء أو المركوب أو المسكن هو من الله. ثانياً: ترجم عن ذلك الذي وقع في قلبك بكلمة: الحمد لله، عندما تنظر إلى النعمة وتعرف أنها من الله المنعم بها لا تجد بداً من أن تقول: الحمد لله .. الحمد لله، أما الغافل الذي لا يعترف بالمنعم فكيف يحمده؟ إلا إذا قلد المؤمنين وكان يقول إذا فرغ من الطعام: الحمد لله، فنحن لا نقلد، نحن أولاً ننظر إلى النعمة ومن أنعم بها علينا، فنجد أنفسنا مضطرين إلى حمده وشكره والثناء عليه، فلا نلبث أن نقول: الحمد لله. وهكذا من أكل من شرب من لبس من ركب، كل من حصلت له نعمة فليعترف بها في قلبه أولاً ثم يعلن عنها بلسانه بكلمة: الحمد لله. ثالثاً: أن يصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليه، وهنا وقفنا وقفات، والخلاصة: أن نعمة المال شكر الله تعالى عليها أن لا تنفق درهماً واحداً في معصية الله، أيعطيك أخوك السلاح لتقاتله؟ فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينفق درهماً واحداً وهبه الله وأعطاه إياه في معصية الله، لا في خمر ولا زناً ولا لباس ولا سفر، أنعم الله عليك بهذه النعمة فأنفقها حيث أذن لك في إنفاقها، أما أن تتحداه وتنفقها ضده وهو ساخط غير راض فإنك تحارب الله، ولولا حلمه لسلبها فور إعطائك، فأحلم به تعالى!فهل فهم السامعون والسامعات؟ هل يجوز لمؤمن أو مؤمنة أن يشتري ما حرم الله ليلبس أو يركب أو يأكل، والله! لا يجوز. ثانياً: نعمة البدن، عرفنا أن صحتك نعمة جلى، فلا تبدد طاقة من طاقاتك في معصية الله ولو أن تمشي خطوات إلى معصية، وسمعك بصرك نطقك لسانك يداك رجلاك كل هذا نعمة الله عليك، فإياك أن تنفقها في سخطه وعدم رضاه، ومعنى هذا: لا تمش إلى باطل ولا إلى منكر ولا تسافر إليه، ولا تنظر إلى محرم ولا تسمعه ولا تتكلم به ولا تتناوله بيدك ولا تمش إليه برجلك. قد يقال: قيدتنا يا شيخ! فأقول: أي نعم، نحن -كما تعرفون- وقف على الله، وأنتم تعرفون الوقف، كعمارة هي وقف على طلبة العلم، هل يجوز أن تنفق في غيرهم؟ وقف على المهاجرين، هل يعطى مالها لغيرهم؟ وقف على مسجد، هل يعطى لغير المسجد، ونحن وقف أم لا؟ وآية الوقف هي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذا الأمر للرسول وأتباعه وراءه أم لا؟فصحتنا وقف على الله، فالذي يبيت ساهراً أمام فيديو أو تلفاز ينقل الباطل ويعرض الشر والسوء هل يجوز أن ينظر إليه بعينين وهبه الله إياهما، هل يجوز أن يصغي ويسمع الباطل والمنكر وقد وهبه الله سمعه، هل يجوز أن يضيع الساعة والساعتين في غير خدمة الله وطاعته؟ والله! ما يجوز. إذاً: ماذا تريد منا يا شيخ؟ أريد أن نكون أولياء الله، وهل هناك مرتبة أسمى أو أعلى منها؟ نريد أن نكون أولياء الله، لا نأكل ولا نشرب ولا نسمع ولا ننظر ولا نأخذ ولا نعطي ولا ننام ولا نستيقظ ولا نأكل إلا من أجله ووفق مراده، ومن زلت قدمه منا فغلط استغفر وتاب وعاد إلى ربه، إلى متى؟ حتى تدق الساعة وننتقل إلى الملكوت الأعلى. إذاً: ونعمة العلم بم يكون شكرها؟ بعد الاعتراف بها وحمد الله عليها يكون بالعمل بهذا العلم الذي علمك الله، ثم بتعليمه سواك من عباد الله، اشكر هذه النعمة ولا تكفرها، أما عالم يعرف كل شيء ولم يعمل فأي علم هذا؟ هو أجهل الخلق، يعمل ولا يعلم غيره ويجحد هذا العلم ويكتمه، هذا كفر هذه النعمة وما بينها وما شكر الله عليها، وبهذا ينتشر العلم بين المؤمنين المؤمنات، فمن علم شيئاً علمه غيره. استلزام عبادة الله تعالى شكر نعمه إذاً: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] لا لغيره إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] . وقوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] هذا تذكير، إذا كنتم تعبدون الله إذاً فاشكروه على ما أولاكم ووهبكم وأعطاكم، ولأن النعم كلها تدور على الذكر والشكر، ما من عبادة -سواء كانت من أعمال القلوب أو أعمال الألسن أو الجوارح- إلا وهي مظهر من مظاهر ذكر الله وشكره. فبما أنكم تعبدونه إذاً فشكره عبادة، فكلوا من طيبات ما رزقكم واشكروا له هذه النعم بذكره وصرف النعمة في مرضاته. تابع تفسير قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...) معنى قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) ثم قال تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وهو الذي ذبح باسم غير اسم الله، والإهلال: رفع الصوت، كما يقال في هلال رمضان: انظر فقد طلع الهلال. فالذي يذبح الشاة أو الطير أو العصفور ويقول: باسم فلان، هذا لا يؤكل ما دام بغير اسم الله ولو كان سميناً نظيفاً صالحاً والتذكية جيدة وراقية، ما دام أنه ذكر اسم غير اسم الله فلا يحل أكله، لم؟ تقدم أن قلنا: حين نشرب نقول: باسم الله أم لا؟ حين نأكل نقول: بسم الله أم لا؟ لولا إذنه لنا فهل سنفعل؟ وقلنا: لا يحل لرجل يشعل سيجارة ويقول: باسم الله، فهو كاذب، أو يتناول الخمر ويقول: باسم الله، أو يتناول المحرم من الطعام ويقول: باسم الله، هذا كذب على الله، فما دام أنه تعالى قد حرم ما أهل لغير الله فكيف يأكله والله ما أذن به، هذا سمي عليه آخر، فإن كنت عبد هذا الذي سميت له فنعم، ولكن ما أنت بعبده، أنت عبد الله وهذه نعمة الله. وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173] إذ كانوا لا يقولون: باسم الله، ولكن بالعزى أو مناة أو كذا، ولما بعدنا عن القرآن ودراسته وما فيه وأصبحنا نقرؤه على الموتى فقط عم الجهل العالم الإسلامي، أصبح المؤمنون والمؤمنات -والعياذ بالله تعالى- يذبحون لغير الله، فشاة لسيدي عبد القادر ، وعجل لسيدي البدوي ، هذا شائع في العالم الإسلامي، هو عند الذبح يقول: باسم الله، ولكن لمن هذه؟ هذه لسيدي فلان، حتى بلغ بنا الجهل والهبوط أن المرأة في القرية أيام كنا نستولد الدجاج من بيضه ونتركه لأمهاته، كانت المرأة تضع تحت الدجاجة عشر بيضات ثم تحلق على واحدة بالفحم معلمة وتقول: هذه بيضة سيدي عبد القادر، هذه بيضة سيدي مبروك أو سيدي البدوي، لم يا أماه؟ حتى يحفظ الله هذه البيضات وتفقس عن فراخ ولا تفسد ولا تصاب بالمرض. إلى هذا الحد! ويغرس الرجل غرساً فيجعل منطقة كلها زيتوناً ويجعل فيها شجرة لسيدي فلان، والله! إنهم ليغرسون النخيل ويقولن: هذه نخلة سيدي فلان، فهم يمشون وراء أهل الجاهلية خطوة بخطوة ولا غرابة ولا عجب، فمن علمهم؟ ما عرفوا، الشياطين تحسن وتزين وتعلم والناس معرضون وغافلون وجهلاء. فلهذا إذا قيل: هذه شاة سيدي البدوي فلا يحل لمؤمن أن يأكل منها قطعة لحم قط، هذا العجل لمن؟ لفلان، فلا يحل أبداً أن يأكل شيئاً منه، لقول الله تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، وقوله من سورة المائدة: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، والنصب: جمع نصب، وهو ما ينصب، كما بلغنا أيام أصبح عندنا زعماء في البلاد العربية أنهم نصبوا لهم تذكارات، ومن السنة إلى السنة يذبحون عندها، فهذا لا يحل أكله أبداً بنص كتاب الله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
ذكر أنواع الميتة وفي آية المائدة ذكر تعالى أنواع الميتة فقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، هذه كلها داخلة في لفظ الميتة مفصلة فقط؛ لأن حال الموت سيكون بالتردي من جبل أو من السطح إلى الأرض فيموت الحيوان، وأحياناً يكون موقوذاً بحجر أو بعصا فيموت، أحياناً يختنق بين شجرتين تدخل الشاة رأسها بين غصنين فما تستطيع أن تخرج رأسها فتموت، أو تكون مربوطة بحبل فتحاول أن تطلق نفسها فتختنق. فالموقوذة والمتردية والنطيحة تنطحها أختها بقرنها فتقتلها، وما أكل السبع، الذئب يجري وراءها فيأخذها، فهذه إن ماتت بدون تذكية فهي ميتة، من أدركها حية والحياة مستقرة فيها تستطيع أن تعيش بعدها وذكاها حلت له: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، أما إذا وجدها وقد أيس من حياتها حيث فارقتها الروح وبقيت فيها بقية لا تنفع فهذه لا تذكى ولا تنفع، لا بد أن تكون الحياة مستقرة فيها وإن كان بطنها مفقوءاً. وإذا صاد الصائد حيواناً وقال: باسم الله وأطلق رصاصته، أو باسم الله وضربه بسيفه، فإن وجده حياً ذكاه وإن وجده قد مات فهو حلال، لكن لو وجده حياً فبدل أن يذكيه لوى رأسه وقطعه بيده فهذا ما يجوز، إن وجده حياً ذكاه، وإن وجده مات يأكله ولا حرج، هذا مشروط بأن يقول: باسم الله ويرمي، فإن لم يسم الله فلا يأكل. معنى قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) وقوله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، هذه عامة وتحتاج إلى بعض الحفظ، فمن الباغي هذا؟ هذا يتناول البغاة الذين يخرجون على إمام المسلمين، خرجوا عن الإمام وتحزبوا وتعصبوا بالجبال والطرق، وهم خارج البلد، هؤلاء إن جاعوا لا يأكلون الميتة ولا الدم ولحم الخنزير.الباغي: الذي يقطع طرقات المؤمنين وليس ضد الحكومة فقط، متسلط جبار يروع المسافرين ليستولي على ما عندهم ويقتلهم، هذا الذي في الطرقات يبغي على الناس هل يجوز له أن يأكل الحرام؟ لا يجوز، موته أولى، ما أذن الله له فيه، لأنه قال: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، والعادي بمعنى: المعتدي، فإذا خرج لمخرج باطل وسوء ليقتل المسلمين أو يأخذ أموالهم أو يسلبهم ما عندهم فهذا المعتدي، فهذا إذا جاع لا يأكل الميتة. نظيره المسافر إذا سافر لمعصية الله، سافر باغياً أو عادياً، لا يحل أن يتيمم ولا أن يجمع الصلاة أو يقصرها؛ لأن سفره حرام لا يحل له ذلك السفر. ويدخل في قوله تعالى: (غير باغ) أن يأكل القدر الذي يسد رمقه ويقيم صلبه، ولا يشبع من الميتة أو الدم ولحم الخنزير، فإن طلب ما هو زائد على حاجته. كذلك الاعتداء إذا كان في غير حاجة ماسة إلى أكل هذه الميتة، ويدخل في الاعتداء أيضاً أنه لا يشبع ويمتلئ بطنه بالميتة أو بالمحرم؛ لأنه يأكل بالقدر الذي يحفظ حياته ليذكر الله ويشكره، فلا بد من هذا الاستثناء: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173] ظالم معتد متجاوز للحد، إلا أن مالكاً رحمه الله يرى أنه إذا أكل فلا بأس أن يشبع، لكن ليس رغبة في الأكل من هذا الحرام، وإنما يعرف أن الطريق والمسافة بعيدة ولا يمكنه أن يواصل سفره، فلهذا يأكل القدر الذي يستطيع أن يسافر به ويواصل سفره، بل أجاز بعضهم أن يأخذ منها لأنه يعلم أن الطريق بعيدة، فيأخذ هذا الفخذ من الشاة لكن لا على نية أن يأكله إلا إذا خاف على نفسه الموت؛ لأنه لا يحل له أن يأكل مما حرم الله إلا إذا خاف الموت والهلاك على نفسه، لا أن يأكله متلذذاً طالباً له، بل لا بد ألا يأكل إلا حفاظاً على حياته ليعبد الله ربه، هذا معنى قوله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، فإن كان باغياً أو عادياً فعليه الإثم وحرام أن يأكل المحرم، لا ميتة ولا دم ولا لحم خنزير. وعلل لذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173] غفور لمن تاب رحيم بعباده، ولولا رحمته ما أذن لهم ولقال: موتوا ولا تأكلوا. حكم ترك المضطر الأكل من المحرم مفضلاً الموت على ذلك وهنا السؤال: هل يجوز للمؤمن أن يموت وبين يديه جيفة ميتة أو لحم خنزير أو دم؟ الجواب: لا يحل له أن يرضى بالموت ولا يأكل، لم؟ لأنه عصى الله عز وجل، أذن الله له فقال: ما نأكل، فهذا تعدي أم لا؟ فلا يحل له أبداً أن يمتنع من الأكل حتى يموت أو من الشرب حتى يموت؛ لأن حياته لله؛ فكيف يقضي عليها لينقطع ذكره وشكره؟ فالله ما يرضى هذا لعباده، وحسبنا أننا نسمع قوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]. تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173] لما أذن لنا في الحلال، وهو اللبن والشاي والبن والعسل والبطيخ والتفاح، وما أكثر الحلال، فمن الحكمة اكتفى بقوله: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57]؛ لأن ذكر كل الحلال صعب ما يتسع له الوقت ولا الورق، والذي هو حرام محدود يعد، فذكر تعالى ما حرم علينا من المطاعم فقال: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ [البقرة:173]، وهي كل ما مات حتف أنفه بدون تذكية له من بعير أو بقرة أو كبش أو أو دجاجة أو عصفور، كل المأكولات من الأنعام والطيور، اللهم إلا السمك والجراد، فميتة السمك وميتة الجراد أحلهما الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( أحل لنا ميتتان: السمك والجراد ) فكل ما مات حتف أنفه بدون تذكية فهو ميتة وحرام ولا يؤكل. ثانياً: الدم، بشرط بأن يكون سائلاً مسفوحاً، أما الدم الذي هو ممتزج مختلط باللحم والعظم فلا شيء فيه؛ لأنه من الصعب أن نصفي اللحوم ونزيل الدم، ما كلفنا الله بهذا، فالدم الحرام الذي يؤذي هو الدم الذي يسيل حين تذبح الشاة أو البقرة أو البعير، فكانوا يجعلون آنية تحتها ويجمعون الدم ويطبخونه. هذا الدم حرام، وعلة تحريمه ما فيه من الضرر والأذى، والله! إن فيه أذى وضرراً وإن أكله الكفار سمان الأجسام، فهم لا يعترفون، وإلا فهم يتأذون به، وسواء كان دم حيوان أو طير. قال تعالى: وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173]، والخنزير حيوان معروف من أخبث الحيوانات، وهو ديوث، فلم لا نأكل لحم الخنزير؟ لأنه يورثنا الدياثة؛ لأنه الحيوان الوحيد الذي لا يغار على أنثاه، والديوث في الإسلام والمسلمين من يرضى الخبث في أهله، والديوث لا يدخل الجنة. وبلغنا عن أمنا عائشة أنها قالت: الديوثة من النساء تلك التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها. هذه أمكم تقول هذا، يا معشر المؤمنات! اسمعن عائشة تقول لكن: إن الديوثة من النساء هي التي ترفع صوتها حتى يسمعها ضيفها وهي في حجرتها. فلتكن أصوات المؤمنات منخفضة على قدر الحاجة، وحتى أصوات الرجال، فلا تبدد طاقتك فيما لا معنى له، أما قال تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]؟ تكلم بصوتك على قدر الحاجة كريالك في جيبك تخرجه على قدر حاجتك تنفقها، فلا تبدد طاقتك فتتكلم بصوت عال، بل اخفض من صوتك وتأدب. هذا الفحل فكيف بالمرأة؟ فهي من باب أولى أم لا؟ لأن صوتها يتأثر به الفحل، ومن يمسح هذه الطبيعة والغريزة التي جبلنا الله عليها؟ صوت الأنثى في الحيوان يتأثر به ذكور الحيوانات، فصوت الأنثى في البشر يتأثر به الرجل، ونحن نحافظ على طهارة أرواحنا استعداداً للعروج إلى السماء، نخشى أن نموت والنفس خبيثة فيبطل عملنا ونهلك. حرمة كل أجزاء الخنزير إذاً: ولحم الخنزير حرام، وهل شحمه لا بأس به؟ النص يقول: اللحم؟ فما حكم الشحم؟الجواب: كل أجزائه محرمة، العظام والعصب والعنق والدم والجلد أيضاً، ينبغي ألا يوجد في ديارنا ولا نسمح بتربيته أو وجوده في بلادنا؛ إذ لا يحل أكله بأية صورة من الصور، وهل يوجد في المدينة خنازير؟ كلا. هل يوجد في المملكة خنازير؟ كل بلاد المسلمين يجب أن تطهر من هذا الحيوان، لا خير فيه. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيتين إذاً: نسمعكم دراسة هاتين الآيتين من الكتاب:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيتين الكريمتين: بعد أن بينت الآية السابقة حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام؛ حيث سيبوا للآلهة السوائب وحموا لها الحامات وبحروا لها البحائر؛ نادى الجبار عز وجل عباده المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172] أي: بالله رباً وإلهاً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً! كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57] وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] ربكم على ما أنعم به عليكم من حلال اللحوم ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين؛ فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره تعالى.ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه، على شرط أن لا يكون في سفره باغياً على المسلمين ولا عادياً يقطع الطريق عليهم، وذلك لأن الله غفور لأوليائه التائبين إليه رحيم بهم لا يتركهم في ضيق ولا حرج ]، هذا معنى الآيات. هداية الآيتين في الآيتين هدايات إلهية: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين: من هداية الآيتين: الندب إلى أكل الطيبات من رزق الله تعالى في غير إسراف. ثانياً: وجوب شكر الله تعالى، وذلك بالاعتراف بالنعمة له وحده وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه. ثالثاً: حرمة أكل الميتة والدم المسفوح ] بهذا القيد، أي: السائل، لا العالق بالعظم أو اللحم، [ ولحم الخنزير ]، وقد عرفتم أن كل أجزاء الخنزير محرمة، [ وما أهل به لغير الله ] سواء كان عبد القادر أو اللات أو عيسى أو موسى عليهما السلام، كل ما قيل: هذا لفلان فهو له، إلا من قال: هذه لله فنعم. رابعاً: جواز الأكل من المذكورات عند الضرورة، وهي خوف الهلاك، مع مراعاة الاستثناء في الآية، وهو (غير باغ ولا عاد).خامساً: أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أكل السمك والجراد وهما من الميتة، وحرم أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور ]، فالذئب حلال أو حرام؟ له أنياب، والسبع النمر الفهد، وذوات المخالب من الطيور كالبازات، كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها، كل ذي ناب من السباع وذي المخلب من الطير. وما الفرق بين الميتة والميِّتة؟ هذه مسألة لغوية: ما الفرق بين الميِّت والميت؟ قالوا: الميت من انقطعت حياته نهائياً، وأما الميِّت فهو في حياة ما مات، ومن هنا قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميِّت ميت الأحياء.والآية واضحة، فالميِّت يكون حياً ويموت، وأظهر من هذا كله قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فهل لما نزلت الآية كان الرسول ميتاً؟ لكن بحكم أنه سيموت قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فإذا أطلق لفظ الموت ننظر: فإذا كان بلفظ: الميِّت أو الميِّتة فما انقطعت روحه ولا انتهت حياته، فكلمة (ميِّت) يصح أن تطلق على حيوان مات، لكن الصواب أن تقول: ميت، أما الميِّت فما زال في الحياة ويموت فيما بعد. والدم مقيد، فما كل دم حرام، فهناك دم حلال، فقيد الدم هو المسفوح، ما معنى المسفوح؟ السائل، هل هذا الدم المسفوح من الشاة أو البعير أو البقرة حرم لضرر يحصل منه أو لا لشيء وإنما تعبداً فقط؟ الجواب: لضرر، لأن الجراثيم عندما تذبح الشاة والحيوان تخرج مع ذلك الدم فما تبقى في الجسم، فإذا ما ذبحت الشاة أو البعير بقيت تلك الجراثيم فيها، فحرم الله الميتة لما فيها من الضرر، فإذا خرجت مع الدم واحتسينا الدم أو طبخناه حصل نفس الضرر، فمن هنا من لطف الله ورحمته بعباده أنه حرم الميتة لما فيها من الضرر وحرم الدم المسفوح السائل الذي تخرج معه الجراثيم لما فيه من الأذى والضرر، وأما الشاة المريضة فتذبح وتؤكل، إذا ذبحها وسالت الجراثيم والدم أكلها. وما علة تحريم لحم الخنزير؟ الجواب: لأنه يورث الدياثة، وهي عدم الغيرة على الأنثى، فالحيوانات تغار على إناثها إلا الخنزير فلا يغار، إذاً: فالديوث من الرجال هو الذي لا يغار على امرأته أو أهله، وحكمه أنه لا يدخل الجنة، والديوثة من النساء تقول عنها عائشة هي التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها. ومعنى هذا أن نتأدب ذكوراً وإناثاً فلا نرفع أصواتنا إلا على قدر الحاجة، فإذا كنت تنادي بعيداً فارفع صوتك، أما رفع الصوت بغير حاجة فتبديد للطاقة وتبذير لما أعطاك الله، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]. اللهم ارزقنا الأدب معك والأدب في طلب العلم يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (112) الحلقة (119) تفسير سورة البقرة (78) يبين الله عز وجل حال اليهود ويندد بصنيعهم من كتمان لما أنزل الله من الكتاب والدين، وبيعهم له بعرض من الدنيا خسيس، جاحدين ما جاء به نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وإرضاء لأهل الشرك والنفاق، رغبة في عطاياهم وحرصاً على هداياهم، مخبراً سبحانه أن كل ما يأكلونه من ذلك إنما هو النار، مع ما يصاحب ذلك من غضب الجبار، فلهم الويل والبوار. تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله نفسر آيات الله وكلنا رجاء في أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم اجعلنا منهم. وها نحن مع هذه الآيات الثلاث من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:174-176]. سبب تسمية السور القرآنية معاشر المستمعين والمستمعات! من المخبر بهذا الخبر؟ الله، هذا خبر وأي خبر! يقول الله جل جلاله وعظم سلطانه في كتابه العزيز القرآن الكريم الذي أنزله على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم من سورة تسمى سورة البقرة، وسميت سورة البقرة لأن لفظ البقرة فيها، فتسمى سور القرآن ببعض الكلمات التي تمتاز بها حتى تتميز عن باقي السور؛ لأن السور مائة وأربع عشرة سورة، فمن تدبير الله وحكمته أن جعل لكل سورة اسماً علماً عليها، فهذه السورة الجليلة العظيمة ذات الجزئين والنصف اسمها البقرة؛ إذ قال تعالى فيها عن موسى عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، هذا الخطاب موجه لليهود، وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، وإذا ذبحتموها اسلخوها وخذوا قطعة لحم منها وقولوا: باسم الله واضربوا قتيلكم؛ فإن الله يحييه وينطق ويقول: قتلني فلان. وذلك لأنهم وقعت بينهم جريمة القتل، فاتهمت كل قبيلة الأخرى وكادوا يقتتلون، فمن رحمة الله بهم وإنعامه عليهم أوحى إلى عبده موسى أن يقول لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67]، أعوذ بالله! أنجاس أجلاف قساة جهلة، كيف يخاطبون رسول الله بهذا؟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67]؛ إذ لا يستهزئ إلا جاهل، أما العالم العارف بربه فحاشاه أن يستهزئ أو يسخر من مؤمن، وسوف تكشف هذه الآيات عن حالهم، والشاهد هنا أنها سورة البقرة. المراد بكتمان ما أنزل الله في الكتاب إذاً: يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ [البقرة:174]، والكتمان: الجحود والستر والتغطية والإخفاء بشيء معلوم يغطونه، يكتمون ماذا؟ ما أنزل الله من الكتاب؟ وما المراد بالكتاب؟ إنه التوراة، والإنجيل والقرآن أيضاً، فمن كتم آيات القرآن لمصالحه ومنافعه فهو -والله- منهم، والنصارى إن كتموا ما في الإنجيل -وقد فعلوا- فهم -والله- منهم؛ لأن القرآن كتاب هداية عامة للبشرية كلها منذ نزوله إلى أن يرفعه مولاه، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. نعم نزلت في أحبار اليهود: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ [البقرة:174]، والمراد مما كتموا صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته المبينة له المظهرة له، كتموها جحدوها غطوها حتى لا يؤمنوا به ولا يتابعوه. معنى قوله تعالى: (ويشترون به ثمناً قليلاً) وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174] يشترون بذلك الكتمان والجحود والتغطية، ويقولون: إن نبي آخر الزمان لم يظهر بعد وسيظهر، أما هذا الذي ظهر الآن فليس هو، راجع حاشية فلان، راجع تعليق فلان على التوراة، راجع شرح فلان. وهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويفسرون بغير مراد الله منه للإبقاء على المنصب من طاعة وإجلال ومال؛ ليعيشوا على حساب العوام الجهلة يكرمونهم يبجلونهم يطيعونهم يأتونهم باللبن والزبدة ويأتونهم بالطعام واللباس، فهم ساداتهم وأئمتهم ومشايخهم، وقد فعل هذا بين المسلمين، فعجب هذا القرآن! وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174] ويشترون بذلك الذي كتموه ثمناً قليلاً، فما قيمة ما يعطونه من عوامهم من الطعام أو اللباس أو المال أو التبجيل والتعظيم وتقبيل اليدين والرجلين، أي شيء هذا؟ ليس بشيء، هو ثمن قليل. معنى قوله تعالى: (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) واسمع: أُوْلَئِكَ [البقرة:174] البعداء الأشقياء التعساء الهابطون السفلة الجاحدون لآيات الله الغاشون لعباده، ما قال: هؤلاء، بل أشار إليهم بلام البعد، فما أبعدهم عن الخير والكمال! أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ [البقرة:174]، فالبيض واللحم المشوي والبرتقال والموز، كل هذا هو عبارة عن نار في بطونهم، وسيئول هذا إلى نار يأكلونها عند موتهم، ما يأكلون في بطونهم إلا النار، ومن سورة النساء قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] لمن هذه وفيمن نزلت؟ فينا أم لا؟ أيما مسلم يدعي الإسلام والإيمان ويصلي ويزكي ثم يأكل أموال اليتامى بدون حق ظلماً إما بالاختلاس أو بالسرقة أو بادعاءات فالويل له: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] ثم وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] . فلهذا كان أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب، وأكل ماله كالشرك وقتل النفس والسحر وعقوق الوالدين، يتيم فقد أباه امتحاناً من الله له ووكلك أنت بهذا الولد، سواء ابن أخيك أو ابن أختك أو عمك، فاحفظ ماله حتى يكبر ونمه وأنفق عليه في حدود ما يستطيع أن يعيش واحفظ له هذا المال، أما أن تستغله وتأكله ظلماً وعدواناً فهذا حرام، وأغلب الذين يتولون أمور اليتامى قبل هذه الإفاقة كانوا يأكلون أموال اليتامى إلا من رحم الله. ولا عجب: فالذين يقتلون المسلمون تعجب منهم؟ الذين يتعاطون سحر المؤمنات تعجب منهم؟ الذين يتركون الصلاة تعجب منهم؟ لا عجب، فهو الجهل، المال بين يديه يوفر ماله ويأكل من مال اليتيم، وشاهدناهم ورأيناهم. ما هي العلة؟ إنها الجهل؟ هل الجهل بالتقنية؟ بالسحر؟ إنه الجهل بالله تعالى وبمحابه ومساخطه وبما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، فالجاهل بهذه يفعل ما لا تتصور. دلونا -يرحمكم الله- على طريقة نذهب بها هذا الجهل عن المسلمين ونبعده من ديارهم ليستنيروا ويعودوا إلى ربهم فتزدان الحياة بهم ويصبحون هداة الخلق وأئمة البشرية.الطريق: أن يعرف المسلمون هذا الذي هبط بهم وسقط بهم من علياء كراماتهم إلى أسفل الأرض، فهذا الجهل يعرفونه أولاً كما عرفناه الآن، لا سعادة معه ولا كمال ولا هداية ولا طهر ولا صفاء ولا هدوء ولا استقرار أبداً، يعرفون هذا فيقولون: هيا نطلب العلم الذي هو معرفة الله ومعرفة محابه من عقائد من عبادات من أقوال، ومساخطه من ذلك، وما عنده وما لديه، فمعرفة هذا أيها المسلمون تتم لكم بأن تعترفوا أولاً بهذا، ثم تعزموا على ألا تغيب الشمس في دياركم إلا وأنتم في بيوت ربكم المساجد، النساء الأطفال الرجال، الأغنياء كالفقراء والمسئولون كغيرهم، الشمس غابت فأهل القرية كلهم في بيت ربهم، النساء وراء الستائر والأطفال دونهن والفحول أمامهم، والمعلم المربي أمامهم يتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً، وهذا هو الكتاب وهذه الحكمة، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وفي كل القرى والمدن، المدن ذات المناطق، كل منطقة في المدينة أو كل حي كما يسمونه يوسعون مسجدهم حتى يتسع لأفراد الحي كلهم ذكوراً وإناثاً ويجلسون من المغرب إلى العشاء، يقف دولاب العمل فلا يبقى واحد في الشارع ولا في البيت، أين أهل الحي؟ في بيت ربهم، ماذا يريدون؟ يريدون رضاه، يريدون أن يحبهم يريدون أن يسعدهم ويكملهم يريدون أن يرفعهم وأن يعزهم بمعرفته التي توجد لهم حبه في قلوبهم أكثر من حبهم لأنفسهم، وتوجد لهم خوفاً في نفوسهم فترتعد فرائصهم إذا ذكر ربهم بين أيديهم، فضلاً أن يكفروا أو يكذبوا أو يفجروا، فهل فهم السامعون هذه اللغة؟ كم كررناها؟ بالله الذي لا إله غيره! لن يرتفع شعب ولا أهل إقليم ولا أهل بلدة ولا قرية ولا حي في العالم الإسلامي إلا من هذا المبدأ، اقبلوا أو لا تقبلوا، والبرهنة والتدليل كالشمس. ثم نقول: لم لا نفعل هذا؟ اليهود والنصارى والكفار والمشركون إذا غابت الشمس ودقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، إلى أين يذهبون؟ إلى المقاهي والملاهي والمراقص إلى نصف الليل، ولا لوم؛ فهم بهائم على الأرض لا هم لهم إلا شهوة بطونهم وفروجهم، والمسلمون لم لا يذهبون إلى ربهم، لا إلى المقاهي والملاهي، يجلسون في بيت مولاهم يستمطرون رحماته ويضفي عليهم آلاءه وإنعامه ورضاه، سنة واحدة وهم كلهم أولياء الله، فاختفى الفقر والظلم والفسق وسوء الأدب وأصبحت القرية كأنهم ملائكة في السماء، فلم لا نعمل هذا؟ ما وجدنا لهذا جواباً إلا أن نقول: كتب الله هذا! معنى قوله تعالى: (ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم) إذاً: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:174]، والمراد من عدم التكليم: التكليم التكريمي والإكبار والإجلال والرحمة، أما مطلق التكليم فإنه يكلمهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] هذه كلماته أم لا؟ يقول لأهل النار: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، لا يكلمهم هنا تكليم تكريم وإعزاز وإكبار لشأنهم كما يكلم أولياءه، أما أعداءه فلا يكلمهم إلا تكليم الإهانة والتصغير والتحقير، فحين يصرخون في النار يقول: (اخسئوا)، كما تقول للكلب: اخسأ في مكانك، يقول لهم الله عز وجل: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:108-110]، يسخرون بالمؤمنين الآن، فلا تلمهم يا شيخ لأنهم ما عرفوا، إي والله ما عرفوا، الذي عرف هل يسخر من سنة الرسول ومن شرائع الله ودينه؟ والله! ما كان، بل يرضى أن يصلب أو يقتل ولا يسخر من دين الله. لكنهم جهلاء، وهل جهلاء وهم يقرءون ويكتبون؟ نقول: وهل القراءة والكتابة هي العلم؟ فعدنا من حيث بدأنا، فنقول: تعالوا نتعلم، قالوا: ما نستطيع، نحن مشغولون من طلوع الفجر إلى المغرب، مشغولون بالدنيا. قال تعالى: وَلا يُزَكِّيهِمْ [البقرة:174] أيضاً، لا يكلمهم ولا يزكيهم، ومعنى: ولا يزكيهم: أي: ولا يطهرهم من ذنوبهم وأوضارها حتى يدخلهم دار السلام، لا يزكيهم، تبقى أدرانهم وأوساخهم وذنوبهم عليهم حتى يعيشوا في جهنم ولا يخرجون منها. معنى قوله تعالى: (ولهم عذاب أليم) وأخيراً: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:174] الأليم: الموجع الشديد الإيلام، آلمه يؤلمه العذاب: إذا اشتد عليه، وما أطاقه، هذا العذاب ألوان، أتريدون صورة منه؟ يقول الشقي: عطشت، أريد ماءً، فيؤتى بقدح من الحميم، فما يدليه من فمه حتى تسقط جلدة وجهه! وفي آية سورة محمد: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، ماذا نعرف عن عذابهم؟ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21].أهل النار ما هم كذباب مثلنا حتى تقول: ضربة واحدة تكفيه، إن ضرس أحدهم -والله- كجبل أحد، لأن عرض جسمه أخبر به أبو القاسم فقال صلى الله عليه وسلم: ( ما بين كتفي الكافر يوم القيامة في النار كما بين مكة وقديد )، ومكة وقديد بينهما مائة وخمسة وسبعون كيلو، هذا العرض فقط، لا تسأل عن الطول إذاً، فضرسه كجبل أحد، فلهذا يحترق ويعذب ملايين السنين فما يموت. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار) ثم قال تعالى في خبر بعد خبر: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:175] شروها بكتمان الحق، وصرف الأمة عنه ليعيشوا سعداء أغنياء مرفهين، باعوا آخرتهم بدنياهم: أُوْلَئِكَ [البقرة:175] البعداء الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:175]، الناس العقلاء يطلبون الهدى، وهم اشتروا الضلالة، أعطوا الهدى وأخذوا الضلالة! أبعدوا الهدى مرة واحدة، وأقبلوا على الضلالات يعيشون وينشرونها بين إخوانهم؛ من أجل أن يستمتعوا يوماً من الأيام في حياتهم بالطعام والشراب! قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ [البقرة:175] شروا العذاب بالمغفرة أم لا؟ كل من فسق فجر كفر فقد اشترى الضلالة بالهدى، واشترى العذاب بالمغفرة، بدل أن يتوب إلى الله ويرجع إليه بعدما لاحت أعلام الحق وظهرت الهداية؛ أعرض عنها، فكان كمن اشترى الضلال بالهدى والعذاب بالمغفرة.وأخيراً: يقول تعالى: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175] ما أعظم صبرهم على النار! وإلا فكيف يقترفون هذه الذنوب، ويرتكبون هذه الجرائم ويعلمون أن مصيرهم هذا ويعرفونه، إذا:ً فصبرهم على النار عجب، فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175].إذاً: فمصيرهم إلى جهنم حتماً. تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ...) ثم قال تعالى: ذَلِكَ [البقرة:176] الحكم الذي سمعتم بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ [البقرة:176] نزل القرآن بالحق والتوراة والإنجيل بالحق، وهؤلاء أعرضوا عن الحق وجحدوه وكتموه، وعملوا بالباطل وعاشوا عليه، إذاً: فهذا هو الذي حصل. تم ذلك ونفذ لأن الله أنزل الكتاب بالحق، والكتاب: اسم جنس، يدخل فيه القرآن والتوراة والإنجيل كما علمنا، وإن كان يراد به أولاً: التوراة، فنزل الكتاب بالحق ليبطل الباطل، فهم أعرضوا عن الحق وحرفوه وبدلوه، وأخذوا بالباطل، أما ينتقم الله منهم؟ ينزل كتابه ويعلمهم إياه ليهدوا به ويهتدوا به ويعاكسونه ثم يتركهم؟ لا بد من هذا العذاب، فهذا العذاب الشديد العظيم بسبب أنهم كتموا الحق الذي أنزل الله به كتابه. خطر الاختلاف في كتاب الله وشريعته وأخيراً: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:176]، يخبر تعالى بأن الذين يختلفون في الكتاب في التوراة والإنجيل والقرآن في شقاق بعيد.كم بلغت فرق اليهود؟ إحدى وسبعين طائفة وملة، كم بلغت فرق النصارى؟ اثنتين وسبعين فرقة، كم بلغت فرق المسلمين؟ ثلاثاً وسبعين فرقة! ما سبب هذا؟ اختلافهم في الكتاب، يؤولون ويفسرون بحسب أهوائهم وأغراضهم الهابطة؛ فيحدثون الشقاق والخلاف ثم التناحر والدماء والقتال، ثم التعصب للمذهب وللطائفة وللقبيلة.سأكشف الغطاء عن بعض الأشياء، الروافض يقولون: عثمان وأبو بكر وعمر تمالئوا وجحدوا سوراً من القرآن الكريم! قالوا: الآيات التي فيها الثناء على آل البيت وحقوق آل البيت كلها كتموها وجحدوها! فهل اختلفوا معنا أم لا؟ إذاً: هل نحن معهم على اتفاق أو شقاق؟ وشقاق بعيد أو قريب؟ بعيد كما بين الشرق والغرب.فهذه آية واضحة، الذين يفسرون القرآن على أهوائهم إبقاء على مناصبهم، ويفسرون: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] فيقولون: هذه عائشة! والشاهد: ما من قوم اختلفوا في كتاب الله إلا انشقوا وانقسموا، وأصبح شقاقهم بعيداً، فلهذا يجب على المسلمين أن ينكبوا على دراسة كتابهم، وتفهم وفهم ما فيه، حتى تتحد عقائدهم وآدابهم وأخلاقهم وشرائعهم وأحكامهم، ويصبحوا الأمة الرفيعة ذات الشأن، أما أن نحرف كلام الله ونفسر كما يبدو لنا حتى تتم الفرقة والتعصب للمذهب؛ فهذا هو الذي توعدنا الله به.اسمع: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:176] فلهذا لا يحل لنا أن نختلف في كلمة واحدة في كتاب الله، ما عرفناه جهرنا به، وما لم نعرفه قلنا: آمنا بالله! قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات معاشر المستمعين! الآن ندرس هذه الآيات الثلاث في الكتاب: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:يكتمون: يجحدون ويخفون.ما أنزل الله من الكتاب: الكتاب التوراة، وما أنزل فيه من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به.لا يكلمهم الله: لسخطه عليهم ولعنه لهم ]، هذه هي العلة.[ ولا يزكيهم: لا يطهرهم من ذنوبهم؛ لعدم رضاه عنهم ]، فإذا زكاهم أدخلهم جنته.[ الضلالة: العماية المانعة من الهداية للمطلوب.الشقاق: التنازع والعداء؛ حتى يكون صاحبه في شق ومعاديه في شق آخر.بعيد: يصعب إنهاؤه والوفاق بعده ]، إذا كان الشقاق بعيداً بين الاثنين فيصعب تلافيه. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:هذه الآيات الثلاث نزلت قطعاً في أحبار أهل الكتاب ] العلماء [ اليهود، تندد بصنيعهم، وتريهم جزاء كتمانهم الحق وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه، بيعهم له بعرض خسيس من الدنيا، يجحدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام؛ حتى لا يقطعوا هداياهم ومساعداتهم المالية، وحتى يبقى السلطان الروحي عليهم، فهذا معنى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174].وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار، إذ هو مسببها، ومع النار غضب الجبار، فلا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.كما أخبر تعالى عنهم في الآية أنهم -وهم البعداء- اشتروا الضلالة بالهدى،. أي: الكفر بالإيمان، والعذاب بالمغفرة، أي: النار بالجنة، فما أجرأ هؤلاء على معاصي الله وعلى التقحم في النار! فلذا قال تعالى: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175].وكل هذا الذي تم مما توعد الله به هؤلاء الكفرة لأن الله نزَّل الكتاب بالحق، مبيناً فيه سبيل الهداية، وما يحقق للسالك من النعيم المقيم، ومبيناً سبيل الغواية، وما يفضي بسالكه إلى غضب الله والعذاب الأليم.وفي الآية الأخيرة أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب -أي: التوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى- لفي عداء واختلاف بينهم بعيد، وصدق الله؛ فما زال اليهود والنصارى مختلفين متعادين إلى اليوم؛ ثمرة اختلافهم في الحق الذي أنزله الله وأمرهم بالأخذ به، فتركوه وأخذوا بالباطل، فأثمر لهم هذا الشقاق البعيد ].قد يقول القائل: اليهود الآن متفقون مع النصارى؟ والجواب: متفقون فقط لأنهم سحروا النصارى، وجاءوهم بالمبدأ اللاديني اللائكي الفلسفي الأحمر؛ فأخرجوهم من عقيدة النصارى؛ فأصبحوا كالأبقار والحيوانات؛ فركبوهم واستولوا على أموالهم وبنوكهم، وأصبح النصارى خانعين خاضعين.فالنصراني بحق ما يستطيع أن ينظر إلى يهودي بعينيه، بل كانوا يقلونهم كالسمك في الزيت، وقد بينت لكم فقلت: الذي قتل ربك وإلهك كيف تنظر إليه؟ ما أنت بالمؤمن إذاً! لكن سادوا بالمكر والحيل، ووجدوا النصارى حيوانات فركبوا ظهورهم، حتى إن بولس الثامن منذ حوالي سبع عشرة سنة أعلن أن اليهود برآء من دم السيد المسيح! فقامت الدنيا وقعدت، فقلنا لهم: نحن عرفنا هذا من ألف وأربعمائة سنة، أخبرنا الله بقوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، والآن النصارى ترقوا فقالوا: اليهود ما قتلوا السيد المسيح. فبالضغط والمال والسيطرة والسحر أعلن رئيس الكنيسة في العالم: أن اليهود برآء من دم السيد المسيح، وهم يعلقون الصليب في أعناقهم أم لا؟ فمن صلبه وقتله في نظرهم؟ إنهم اليهود. هداية الآيات هذه الآيات تحمل هداية، وكل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تحمل هداية، بل هدايات لمن أراد الطريق والوصول إلى الجنة.كل آية تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الآية من أنزلها؟ هل نبتت بها شجرة؟ هل قالها إبراهيم أو عثمان؟ لا، ما هناك إلا أن الله الذي أنزلها، فالله موجود، وهذه الآية تحمل العلم أم لا؟ فالله عليم حكيم، وتحمل الهداية للخلق أم لا؟ إذاً: لا إله إلا الله. والذي نزلت عليه من هو؟ محمد بن عبد الله، فهل هو رسول الله أم لا؟ والله! إنه لرسوله، كيف ينزل عليه كتابه وما هو برسوله؟ كيف يعطيه كتابه ليبلغه ويقول: ما أنت برسول؟! مستحيل هذا عقلاً، فكل آية تقرر معنى: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فضلاً عما تحمل من آداب في الأخلاق وفي الأموال، وفي الحياة كلها.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات.أولاً: حرمة كتمان الحق ].الحرمة بمعنى: التحريم، لم سميت أمك حرمة؟ لأنها حرام عليك، فلا يحل لإنسان أن يكتم الحق، وما معنى: يكتمه؟ يجحده ويغطيه، ما يعترف به، لا سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رئاسة، فيكون أبشع، فكتم الحق من أجل ريال أو بقرة حرام، لكن هذا هين بالنسبة لمن يكتم الحق من أجل أن يغوي البشر أو يصرفهم عن الله، فبينهما فرق كبير، والذنوب تتفاوت، كتمان الحق محرم ولو في بيضة تجحدها وتكتمها، لكن كونه يكتم الحق من أجل أن يتوصل إلى منافع دنيوية مالاً أو رئاسة هذا أبشع، لأنه يصرف الناس عن الحق والعمل به والانقياد له.[ ثانياً: تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب ]، لأن هذه الآيات وإن نزلت في علماء أهل الكتاب فهل نحن ما ننتفع بها؟ كل من يسلك سلوكهم هو منهم وإن كان هاشمياً قرشياً.[ تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وإفتاء الناس بالباطل؛ للحصول على منافع مادية معينة ]، ولما هبطت أمتنا ظهر فيها علماء ومشايخ طرق وزوايا يفعلون صنيع علماء اليهود بالضبط، يجحدون الحق لتبقى لهم تلك المنزلة.أعطيكم مثلاً عشناه: لما بدأت فترة التوحيد كانوا يقولون لأتباعهم: لا تستمعوا لهؤلاء، هؤلاء وهابيون؛ ليصرفوهم عن الحق، لأنهم إذا انصرفوا عنهم ذهب ذاك المنصب الذي كان لهم، هذا كان يأتي بدجاجة، وهذا يأتي بشاة، هذا يقبل رجليه، والآن من أين يأتي ذلك؟كلنا سواء.ويوجد أيضاً علماء يفتون بالمال، ويحللون الحرام في الفتيا! وهذا انتشر في العالم الإسلامي فترة طويلة، ما يفتيك مجاناً أبداً، تسأل عن طلاق فيقول: هات ألف ريال ويفتيك، ويحل لك الحرام إذا أكثرت العطاء، ولا لوم ولا عتاب؛ لأنهم ما عرفوا، ما علموا، ما عرفوا ربهم معرفة أوجدت خشيته في قلوبهم ومحبتهم له، فلهذا يفعلون، علوم سطحية مادية فقط.[ ثالثاً: التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم ]، أما حذرنا الله؟ الأولون اختلفوا في الكتاب فهم في شقاق بعيد، فإن اختلفنا نحن في القرآن فوالله! ليتمن هذا، وقد حصل، فهذه الطوئف: الإباضية، الزيدية، الجعفرية، والله! إنها للاختلاف في القرآن في تفسيره ومعانيه.لو أقبلوا على الحق وأرادوه لانتهى الخلاف في سنة واحدة، لم نختلف؟ أم يجوز هذا؟ هو الذي هبط بأمة الإسلام إلى الأرض، وإلا فكان يجب أن يقال: هيا نستعرض آي القرآن ونحضر العلماء وتثبت القضية بيننا، واقبلها وطأطئ رأسك، وإن عاش أسلافك وأجدادك على الباطل فلا تبق أنت على الباطل، أنت تريد النجاة أم لا؟ تريد دار السلام أم لا؟ أم تريد فقط بقاء العصبية لقبيلتك أو لحزبك وجماعتك؟ [ التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين ]، وهو واقع ثابت من ألف ومائة سنة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (113) الحلقة (120) تفسير سورة البقرة (79) لما أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة تجاه البيت الحرام، زعم اليهود أن قبلتهم هي القبلة الحق، وزعم النصارى أيضاً أن قبلتهم هي القبلة الصحيحة، فبين الله سبحانه وتعالى هنا أن البر ليس باستقبال المسجد الحرام أو بيت المقدس، ولكن البر والحق هو بالإتيان بأركان الدين، وفعل ما أمر الله عز وجل به، والانتهاء عما نهى الله عز وجل عنه، فإن ذلك هو سبيل المتقين، والموصل إلى مرضاة رب العالمين. قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ....) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة السبت من يوم الجمعة المبارك- ندرس كتاب الله من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي القدير.وقد انتهى بنا الدرس عند هذه الآية المباركة الكريمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، هذه آية من أجل الآيات القرآنية وأعظمها. هداية الآيات ونشير هنا إلى هداية الآيات السابقة؛ حيث قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: حرمة كتمان الحق ]، علمنا الله عز وجل بما قص علينا من شأن أهل الكتاب أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يكتم الحق إذا عرفه، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يطلب منه لأن يكتم هذا الحق.قال: [ حرمة كتمان الحق إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رياسة ]، تشتد حرمة كتمان الحق إذا كان الكاتم للحق يرجو من وراء ذلك منفعة دنيوية مالاً أو جاهاً؛ لأن الذين كتموا الحق من أهل الكتاب كتموه من أجل مصالح دنيوية بحتة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:174-176]، وهم اليهود والنصارى عليهم لعائن الله.[ ثانياً: تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب ]، الآية الكريمة تهدينا إلى أن الله حذرنا نحن -علماء الإسلام- من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب [ بكتمانهم الحق وإفتاء الناس بالباطل للحصول على منافع مادية معينة ]، فعلماء اليهود والنصارى كتموا الحق، إذ صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته في الكتابين في التوراة والإنجيل واضحة وضوح الشمس، ولكن للبقاء على السلطة والسيطرة الروحية على أتباعهم حرفوا تلك الصفات، وجحدوا أكثرها، وهذا هو الكتمان؛ لأجل البقاء على الرئاسة والسيطرة الروحية على أتباعهم. ومع الأسف حصل هذا للمسلمين ووقع، فكثير من مشايخ الطرق وأصحاب الزوايا كانت هذه حالهم، فاستولوا على العوام من الناس وحرموهم هداية الله عز وجل، وما علموهم إلا أشياء قليلة من دين الله، كل ذلك للحفاظ على أتباعهم؛ حتى لا يتصدروا ويهربوا منهم، فإذا سمعوا بدعوة الحق بغضوها إلى أتباعهم، وحرموهم من قبولها وطلبها، وما زال إلى الآن الروافض يسيطرون على العوام، ويحرمونهم من هداية الله ليبقوا تحت سلطتهم وسلطانهم، هذا واقع البشرية.إذاً: هذه الآية تحذر علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب، وذلك بكتمانهم الحق، وبإفتائهم الناس بالباطل، يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله من أجل الحصول على المادة، سواء كانت السلطة أو الرئاسة، أو كان المال: الدينار والدرهم.[ ثالثاً: التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم ]؛ لأن اليهود والنصارى اختلفوا في كتب الله، وسبَّب ذلك الاختلاف انقسامهم وسقوطهم وهبوطهم، فالآية تحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم؛ [ لما يفضي إليه الاختلاف من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين ]. وها نحن مع الروافض مختلفون، والسبب أنهم حرفوا كلام الله وفسروه بأهوائهم، فمنعوا من أن يتصلوا بالعالم الإسلامي ويعيشوا معهم.وسبحان الله! فقد تبين بالتتبع والاستقراء أنه ما من عبادة إلا ووضعوا فيها ما يخرجون به عن جماعة المسلمين! لا حج ولا عمرة ولا غسل، ولا وضوء، ولا تيمم، ولا صلاة، كل عبادة حتى النكاح، أباحوا المتعة لا لشيء إلا للخروج من جماعة المسلمين؛ ليبقى ذلك الشعب وتلك الأمة خاضعة لسلطان الأئمة! فها هو ذا تعالى يحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم، إذ اختلف اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل فحصلت الفرقة وتم الخلاف على أشده، فحذرنا تعالى من أجل ما يفضي إليه الخلاف من العداوة بين المؤمنين والشقاق البعيد، فكيف -إذاً- يحملون راية التوحيد؟ تفسير قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...) والآن مع هذه الآية الكريمة: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]. سبب نزول الآية الكريمة سبب هذه الآية: أن اليهود زعموا أن قبلتهم هي القبلة الحق، والنصارى كذلك قالوا: قبلتنا هي القبلة الحق. وتأثر بعض السفهاء من المنافقين، ونسمع قول الله تعالى فيهم: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة، وقويت شوكته فيها وعظم سلطانه؛ كان يرغب جداً في أن يخالف أهل الكتاب، ولا يرضى أن يتصل بهم في أي جانب من جوانب الدين، من ذلك: أنه نهانا عن صيام يوم السبت، من ذلك: أنه كان يتطلع إلى أن يحول الله القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، إذ صلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالمدينة سبعة عشر شهراً وهم يستقبلون بيت المقدس، فكانت القبلة غرباً وليست بالجنوب، فكان عليه الصلاة والسلام يتطلع متى ينزل الوحي بتحويل القبلة، إذ قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، وقال تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال تعالى: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145] فهل اليهود استقبلوا المشرق كالنصارى؟ ما استقبلوا، ولا النصارى استقبلوا بيت المقدس، فاحتفظت كل أمة بقبلتها، فلما حصل هذا تبجح من تبجح، فقال تعالى في رده على هذا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] ليس الخير كل الخير والإسلام كل الإسلام والهداية كل الهداية في أن تستقبلوا بيت المقدس أو الكعبة، لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] أي: في الصلوات، وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أو صاحب البر أو ذا البر مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:177]، وذكر من أركان الإيمان خمسة ركناً بعد ركن. مجمل أركان الإيمان الواردة في الآية الكريمة وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أو ذا البر أو الخير أو فاعل الخير بحق عبد آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذه خمسة أركان في آية واحدة، والركن السادس جاء في سورة القمر، إذ قال تعالى من سورة القمر: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فكان هذا الركن السادس لأركان الإيمان الستة.وقد ذكر منها أيضاً في آخر البقرة في قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285] عدة أركان، مجموعها ستة عليها ينبني الإيمان، فإن سقط ركن سقط البناء، وأصبح صاحبه كافراً.وفي حديث جبريل في صحيح مسلم عدها الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل، وجبريل يقول: صدقت، صدقت، إذ سأله عن الإيمان فقال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ).إذاً: هذا رد على من ظنوا أن القضية كلها تدور حول استقبال القبلة أو بيت المقدس، وهذا جزء من آلاف الأجزاء، نحن الآن إذا أردنا أن نصلي وما عرفنا القبلة صلينا حيث صلينا: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115]، ولكن كوننا نرغب في أن نتميز ونستقل هذا أمر ضروري، ما دمتم لا ترضون بديننا ولا تدخلون في إسلامنا إذاً: فالمفاصلة بيننا أولى حتى لا تكون شبهة على المؤمنين، فكانت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن تتحول القبلة، وعرف الله ذلك منه، واستجاب له، وحول القبلة، وبقي من يتكلم ويكرر الكلام في موضوع القبلة كما تعرفون الطابور الخامس الذين ينشرون الفتنة؛ فأسكتهم الله عز وجل بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] صاحب البر الحق مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]. معنى الإيمان بالله تعالى وهنا بإيجاز نقول: الإيمان بالله: التصديق بوجود الله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، وأنه موصوف بكل صفات الجلال والكمال، منزه عن كل صفات النقصان، إذ هو رب كل شيء ومليكه، لا إله إلا هو ولا رب سواه.ثم الإيمان باليوم الآخر، وهو آخر يوم تنتهي فيه هذه الحياة، فندخل في ذلك اليوم الذي هو آخر الأيام، هذه الأيام التي تمر بنا يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام سوف تنتهي في آخر يوم وهو يوم الجمعة، فيه تقوم الساعة.وفجأة نستقبل اليوم الآخر، إذ لم يبق بعده يوم، وفي الحساب وفي فصل القضاء يدوم ذلك اليوم خمسين ألف سنة، ثم يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، أهل الملكوت الأعلى في الملكوت الأعلى، وأهل الملكوت الأسفل في الأسفل، وطويت صفحة هذه الحياة. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الإيمان بالملائكة وذكر بعض خبرهم والملائكة: جمع ملأك، ويجمع على ملائك، والملائكة مادة خلقهم من النور، خلقهم الله تعالى من النور، وخلق الجان من مارج من نار، فلهذا يوجد تقارب بين عالم الملائكة وعالم الجن، ويدلك أن إبليس عليه لعائن الله قبل أن يبلس من رحمة الله كان مع الملائكة يعبد الله، وأخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الملائكة في السماء إذا تكلمت بكلمة يختطفها الجني ويقرقرها في أذن صاحبه.إذاً: الملائكة عالم من نور، ولا يوصفون بأنوثة ولا بذكورة، لا يقال فيهم: إناث ولا ذكور، ما هم بإناث ولا بذكور، ولولا أن الله عرفنا بالإناث والذكور فهل سنعرف شيئاً؟ لما خلق هذا أخبرنا، خلق الملائكة من نور، ولم يجعل بينهم ذكراً ولا أنثى؛ ولهذا زين الشيطان لبعض القبائل في العرب خطيئة وزلة كبيرة، وهي قوله لهم: إن الله تعالى أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة، وفي الآية من سورة اليقطين: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا [الصافات:158]، قالوا: الملائكة بنات الله! وكيف تولد الملائكة؟ قالوا: إن الله أصهر إلى الجن، خطب منهم جنية وتزوجها، فولد الملائكة؛ فلهذا نعبدهم بوصفهم بنات الله! ولا تعجب، فالعرب جهال، فكيف بالنصارى الذين يقولون: عيسى ابن الله؟! لا تعجب لأن الحامل لراية الإفساد والإغواء والإضلال هو الشيطان، إلى الآن النصارى أطباء ودكاترة وفلاسفة يقولون: عيسى بن مريم هو ابن الله! أو الناسوت واللاهوت، مركب من إله وعبد مخلوق.إذاً: فالملائكة عبدهم قبيلة من العرب بهذه الفرية التي افتراها إبليس ليضللهم! فرد الله تعالى بقوله: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات:153-158] ممنوعون من الوصول إلى السماء ومخالطة الملائكة فيها، وآيات كثيرة تشنع على هذا النوع من العبادة، وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19]، وجعلوا له البنات سبحانه وتعالى عما يشركون.المهم أن هذه الخدعة الشيطانية وجدت مناخ الجهل في الجزيرة، فوجدت قبيلة تعبد الملائكة بوصفهم بنات الله.فالملائكة خلقهم الله من نور لعبادته فقط، وليسوا بذكور ولا بإناث، وتعالى الله أن يصهر إلى الجن وهو خالق كل شيء. أصناف الملائكة وأعمالهم إذاً: عرفنا عن الملائكة وأنهم أصناف، أعظمهم وأجلهم الملائكة المقربون من الله، ولا يعرف عددهم إلا هو، كذلك حملة العرش أربعة منذ أن خلق الله العرش، خلق هؤلاء الملائكة وأسند إليهم مهمة حمل العرش، فهم يحملونه، ويوم القيامة يعززون بأربعة، فيصبحون ثمانية، واقرءوا لذلك من سورة الحاقة: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:17-18].ومنهم المخلوقون فقط لتسبيح الله وذكره، لا يفترون أبداً: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، يلهمون التسبيح كأنفاسنا نحن نرددها، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].ومنهم من كلفهم بالجنة ونعيمها، مهمتهم فقط إسعاد أهل الجنة، والملائكة يطوفون عليهم: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، ومنهم الذين يقدمون أطباق الطعام وألوان الشراب، هذه مهمتهم.ومنهم أيضاً ملائكة موكلون بالنار فقط وعذابها، لا مهمة لهم إلا هذه، وقد أعلمنا الله عن عددهم فعلمناه، ألا وإنهم تسعة عشر من الزبانية! جاء هذا من سورة المدثر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:30-31]؛ لأن أبا جهل لما نزلت الآية قال: يا معشر قريش! أنا أكفيكم شر سبعة عشر، فهل تعجزون أنتم عن اثنين ونطفئ النار ونخرج الناس من بعدنا؟! فهذا مجنون؛ لأنه يكثر التبجح، يقول: تسعة عشر؟! أنا أكفيكم سبعة عشر! وما درى هذا الجاهل الأحمق أن ملكاً أخبر الرسول عنه كما في سنن أبي داود بحديث سنده صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )، فيا أبا جهل ! أين أنت؟ وجبريل عليه السلام لما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، بعد أن دخل عليه في صورة رجل كريم، وعلمه وأدبه، بعد ذلك تركه، وحين كان الرسول عائداً رآه وقد تجلى في الصورة التي خلقه الله عليها، وكان له ستمائة جناح، فسد الأفق كله، وناداه: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل. ومدائن قوم لوط -عمورة وسدوم وغيرها-كيف قلب ظاهرها على باطنها بجناح جبريل؟! إذا:ً لا تسأل عن عظم الملائكة وما آتاهم الله من قدرة.ومن الملائكة الموكلون بالعباد والحمد لله، وما حمدنا الله على هذه النعمة؛ لأننا جهال، فمن أنت حتى يوكل الملك بك؟ عشرة ملائكة يحرسونك، فكيف تشكر الله؟ الآن إذا كان أمير أو كذا يخاف عليه يعطونه عسكرياً واحداً يحرسه، وما ينفع، وأنت با ابن آدم يحرسك عشرة، اثنان من الكرام الكاتبين، وثمانية يحمونك من الجن والشياطين.فكم عددهم إذاً؟ الجواب: لا يحصي عددهم إلا الله، يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير. قدرة الملائكة على التشكل والملائكة يتشكلون بإذن الله كما شاء الله، وحسبنا أن جبريل عليه السلام يشاهده المؤمنون بينهم، ففي حديث عند مسلم وهو صحيح، ولا نزاع فيه، أن الرسول كان جالساً بين أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم في الروضة، وإذا بجبريل يأتي في صورة رجل، ولا يرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لحيته سوداء، شاب سهل، ثيابه نظيفة بيضاء، ما عليه غبار ولا رمل؛ لأن المسافر في ذلك الوقت ينكره أهل البيت، فالرمال والرياح والعواصف وهو على جمل أو على حمار، ما إن يصل حتى يدخل الحمام للغسل، وجربنا هذا، والحمد لله، كنا نأتي من الرياض على السيارة التي تسمونها (لوري) مكشوفة ثلاثة أيام، ما نصل إلى المدينة إلا وكلنا رمال! إذاً: فلهذا قال: ( لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ) أيضاً، وجاء من طرف الحلقة وهو يشق الصفوف، فتعجب الأصحاب من هذا البدوي، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ليعلمهم كيف التلقي، فالذي يتلقى العلم ما يلتفت، ما ينظر إلا إلى ما يخرج من كلام، فوضع يديه على فخذيه، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، أسندهما ووضع يديه على فخذيه يتلقى، وأخذ يسأله، فسأله أولاً عن الإسلام، فقال: كذا، قال: صدقت، قالت الصحابة: عجبنا له يسأله ويصدقه، هذا أعلم منه إذاً! فلما فرغ من ذلك التعليم الذي حوى الشريعة بكاملها، وأعظم ما جاء فيه الإحسان المفقود عندنا من قرون؛ فلما فرغ قال: أخبرني عن الساعة، قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، أنت أعلم مني، وأمر الساعة خفي على الإنس والجن والملائكة والبشر، علمها عند الله: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187] حتى ينتظم الكون وتمشي الحياة إلى نهايتها.قال: ( فأخبرني عن أماراتها )، والأمارة: العلامة، والجمع علامات، قال: أخبرني عن أماراتها، أي: العلامة الدالة عليها.قال: ( أن تلد الأمة ربتها ) وهل الأمة تلد سيدتها؟! السيدة هي التي تلد، كيف يتم هذا؟ تم على عهد الصحابة والتابعين، إذ كان الرجل يشتري الأمة وقد كان تسراها أحد الناس، وأنجبت لمن تسراها بنتاً، فيبيعها، وتتنقل بحسب الظروف والأيام والأعوام، فيشتريها الأول، فتصبح البنت ربة الأمة.المهم أنه لما كثر الناس ما التزموا، كحالنا، وإلا فمن تسرى جارية وولدت له بنتاً فهي حرة بسبب بنتها، وهي تابعة له مع ابنته، لا يبيعها، والشاهد عندنا: هذه العلامة، وهي خفية، لكن العلامة الواضحة هي: أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، تحققت بعد ألف سنة أو أكثر، أن ترى الحفاة العراة من سكان البادية والجبال والأرياف في العالم بكامله حتى في أوروبا يتطاولون في البنيان: أيهم عمارته أعلى؟! هذا خبر عجب، من يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلهذا أخبار الغيب تشهد أن محمداً رسول الله. الأدب مع الملائكة والشاهد عندنا في الملائكة عليهم السلام، هؤلاء الملائكة ما موقفنا معهم يا معشر المؤمنين؟! أن نتستر ولا نبدي عوراتنا لهم، حاول أن تستر نفسك دائماً ولا تكشف عورتك.ثانياً: احذر أن تلوث ساحتهم برائحة كريهة، وويل للمدخنين الذين ينفخون الرائحة الكريهة في وجوه الملائكة وهم لا يشعرون.يا معشر المستمعين والمستمعات! لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشعل سيجارة فينفخ في وجه الكرام الكاتبين ذاك اللهب وتلك الرائحة الكريهة، ومن شك في هذا القول فليذكر ما جاء في صحيح الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، من أكل ثوماً أو بصلاً نيئاً رائحته في فيه فلا يدخل المسجد، لم يا رسول الله؟! لأنه يؤذي الملائكة وهم سكان بيوت الله.فإن شاء الله لا يسمع هذا الخبر مؤمن ولا مؤمنة ويدخن ليلته هذه! ثالثاً: معاشر الأبناء والإخوان! معاشر المؤمنات! لا تطردوا الملائكة من بيوتكم، لا تسلطوا عليهم صور الخلاعة والدعارة في بيوتكم، فأزيلوا آلات الفيديو وأزيلوا التلفاز إذا لم تكن قادراً على صيانته والتحكم به؛ حيث لا تفتحه إلا لأمر ينفعك في دينك ودنياك.أما أن تفتحوه لبناتكم ونسائكم وأبنائكم؛ فتدخلون على قلوبهم الخبث فيفسدون أمامكم وأنتم السبب، وأعظم من هذا وذاك أن تطردوا الملائكة من بيوتكم! وقد تقول: وكيف؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ) صورة في كتان، أو في ورق، أو في خشبة.وشيء آخر: لو يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك في بيتك، ويجدك جالساً مع بناتك وأولادك، وممكن أن أمك معكم أيضاً، وعاهرة تغني وترقص وهي كافرة وخبيثة، أو فاسقة من العرب والمسلمين، فكيف يكون موقفك؟ تذوب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟ يغمى عليك، فما حملك على هذا؟ فأنا أقول بأعلى صوتي: إن كانت هذه المناظر -يا أهل القرآن، يا أهل لا إله إلا الله- تكسبكم مالاً وأنتم في حاجة إليه لسد جوعتكم وستر عريكم فلا مانع، فأنتم مضطرون، ولكن هل يكسبكم مالاً؟ إذا كان هذا يدفع عنكم البلاء، والأمراض والعاهات من الحمى إلى غيرها، فقولوا: نحمي أنفسنا حتى نعبد الله، ولكن هل يكسب هذا صحة وعافية بدنية؟ والله! إنه ليبددها.إذاً: ما هو السبب إلا أن نغضب الله ونخرج الملائكة؟! أعوذ بالله! ما عندنا سبب إلا أن نغضب الله ونطرد الملائكة من بيوتنا حتى يرضى اليهود والنصارى عنا! أرأيتم هذا الكفر كيف عمل؟ شيء عظيم هذا، لو أن أهل البيت يجتمعون على آية من كتاب الله يتغنون بها ساعة ويحفظونها لكان خيراً من أوروبا وما فيها، لأن يجتمعوا على حديث من أحاديث نبيهم يصلون عليه ويسلمون، ويتعلمون الهدى والمعرفة من قال رسول الله؛ لكان خيراً من الدنيا وما فيها.لكن غشونا وخدعونا وضللونا؛ فوقعنا في هذه المحنة إلا من نجاه الله، ولكن إلام؟ بل في بعض بلاد العرب من أدخل التلفاز يدفع ضريبة أيضاً، الحكومة فقيرة، تضرب ضريبة على من يدخل تلفازاً في بيته، ويعطون الضرائب ويدخلون التلفاز! فسلوا الله تعالى العافية، من عوفي فليحمد الله! الإيمان بالكتب قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ [البقرة:177]، و(أل) هنا للجنس، لا بمعنى القرآن فقط، الكتاب كالإنسان لفظ جنس يستغرق كل إنسان، والكتب -معاشر الأبناء- التي نزلت جملة واحدة بين لنا تعالى منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وأخبرنا الرسول عن صحف شيث عليه السلام، لكن الكتب الأربعة هي التي عليها المدار، وناسخها القرآن العظيم وهو آخرها نزولاً، ونزل مفرقاً في خلال ثلاث وعشرين سنة؛ فلهذا قال المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32] يعنون ما سمعوا عن اليهود والنصارى، ولله تعالى في تنزيله الحكمة العالية البالغة، فلو نزل جملة فمن سيحفظه؟ من يعمل بما فيه؟ لكن ينزل آيات بحسب الأحوال، كلما يحصل إشكال تنزل الآية تبين وتفصل، ويحفظها المؤمنون والمؤمنات.إذاً: إيماننا بالكتب هو أن نصدق بكل ما أنزل الله من كتاب في الجملة، لا بما داخله من الزيادة والنقص والتبديل والتحريف؛ لأننا علمنا أن الله نسخ تلك الشرائع وتلك الأحكام من تلك الكتب، وجعل القرآن الكتاب الحاوي لكل ما فيها! لو كان اليهود أو النصارى يعقلون لأفهمناهم بكلمة واحدة، وهي: أن رئيس الجمهورية يصدر أحكاماً لعشر سنوات والشعب يطبقها، أليس كذلك؟ ثم يصدر حكماً بإلغائها، هل يبقى مواطن يحتج يقول: هذا كان الحاكم قد أمر به؟ مضى عشرون سنة والدولة تقوم بكذا، والشعب يقوم به، ثم بدا لها نقض هذا القانون لفساده، أو لوقوع ظروف لا يتناسب معه، فأبطلوه، فهل يبقى المواطنون يحتجون بالأول ويعملون به؟والله! ما كان، إذاً: اليهود والنصارى يعرفون أن القرآن نسخ الكتب السابقة، فلم لا يعملون به ويتركون المنسوخ؟! الجواب: ما علمتم الآن: رؤساؤهم، أحبارهم، علماؤهم الذين يعيشون على حسابهم يحملونهم على هذا الباطل، وإلا فأدنى عاقل يفهم، أنت تؤمن بالكتب الإلهية أم لا؟ هذا آخر كتاب نسخ الله به ما سبق من القضايا والأحكام؛ لأن الزمان تغير. إذاً: يجب أن نعمل بهذا الكتاب ونلغي تلك الكتب. الإيمان بالأنبياء والرسل قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، والنبيون يقال فيها: والنبيئون، كالنبي والنبيء، وقرأ ورش : (يا أيها النبيء) في كل القرآن، من أنبأ ينبئ إنباء، فهو منبأ من الله عز وجل، ولا بأس للتخفيف أن تحذف الهمزة وتعوض بها الياء: النبيون، فهذا أسهل من: (النبيئون)، كـ(الآخرة والأولى) بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبله، فتقرأ: (الاخرة ولولى)، وهو أسهل من (الآخرة والأولى). ورأيت لبعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذف الهمزة في مثل الآخرة والأولى؛ لأنه أسهل في المدينة، وقراءة ورش هي قراءة أهل المدينة بالتخفيف.إذاً: النبيون أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم صنفان: أنبياء رسل، وأنبياء ليسوا برسل، ما كل رسول إلا وهو نبي، لا يكون رسولاً حتى يكون نبياً، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.وعدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر على عدة قوم طالوت الذين هزم الله بهم جالوت ، وعلى عدة أهل بدر الذين هزم الله بهم أبا جهل ، فسبحان الله! عدة قوم طالوت ثلاثمائة وأربعة عشر هزموا جيشاً عرمرماً، وكان داود البطل فيه، ثلاثمائة وأربعة عشر فقط من المدينة من المهاجرين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم هزموا ألف مشرك في بدر.إذاً: عدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر، وعدد الأنبياء مائة وعشرون ألفاً، ولا تنكر العدد، إن أنكرته أنت أنكره غيرك، ولكن الذي عليه جمهور الأئمة أن هذا العدد ثابت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضرنا إن زاد العدد أو نقص، وفي الجملة أن الأنبياء هكذا كان عددهم. وفي حديث صحيح: أن اليهود كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد! ويقيمون أسواقهم في المساء للبيع والشراء وكأن شيئاً ما وقع! وذلك لموت قلوبهم، وقساوة قلوبهم، قتلوا زكريا نبياً ورسولاً، وقتلوا ولده يحيى نبي الله ورسوله، وتآمروا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وكادوا يقتلونه مرتين أو ثلاثاً.والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، أو أرسل ونبئ بشريعة سبقته، كأنبياء بني إسرائيل.وعندما نذكر الأنبياء ماذا نقول؟ نقول: عليهم السلام: يوسف عليه السلام، يعقوب عليه السلام، إلا إبراهيم فإننا نقول: صلى الله عليه وسلم، وإننا في كل صلاة نصليها نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.وأول الأنبياء آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأولو العزم منهم خمسة، وحفظ هؤلاء الخمسة ومعرفتهم واجب وركن من أركان العقيدة، وهم: نوح عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، محمد صلى الله عليه وسلم، وهم في آية واحدة من سورة الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7] بدأ بقوله تعالى: (منك)، فهو أولهم وأفضلهم في الآية، وحديث الشفاعة العظمى جاء بمثل هذا.قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] وصبر إبراهيم معلوم.نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (114) الحلقة (121) تفسير سورة البقرة (8) أنزل الله سبحانه القرآن الكريم برهاناً على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتحدى العرب وغيرهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بسورة فعجزوا، بل إن الله سبحانه قد بين أنهم لن يستطيعوا، وأن الأجدر بهم أن يتقوا النار التي وقودها العصاة من الناس والحجارة، والتي هيأها الله سبحانه لكل من جحد به أو بدينه. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع بعض الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم. استشعار العبودية لله في كل شئون الإنسان وأحواله معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! دراسة كتاب الله وقراءته من أجل استخراج تلك الدرر والمعاني التي تغمر النفس والقلب بالنور الإلهي، فيصبح عبد الله وأمة الله النور على علمه وفي سمعه وبصره وفي لسانه، ويصبح أشبه بملاك في الأرض، فلا يصدر عنه شيء اسمه معصية لله ورسوله، ويقضي أوقاته كلها في ذكر الله وطاعته وعبادته.وقد قلت وبينت أن هذا المؤمن الذي يعيش على طاعة الله تحقيقاً للعبودية، تراه يحصد الزرع والمنجل في يده وهو في طاعة الله! تراه يضرب بفأسه الصخرة ليكسرها وهو في طاعة الله! تجد المائدة بين يديه يأكل ويشرب وهو في عبادة الله! هذا هو العبد الخالص لله. لمَ؟ لأنه يذكر دائماً بأنه خلق لذكر الله وشكره، وذكر الله تعالى يكون بالقلب واللسان، وشكره يكون بالأركان .. بالطاعة، فعبد الله إذا وجدته يبني أو يهدم اسأله: لم؟ يقول: أردت أن أبني غرفة أو حجرة لتكنني من الحر والبرد أنا وأفراد عائلتي، فعملي هذا لله. وتراه يحرث أو يزرع أو يصنع، لم؟ لله، لأنني وقف لله، وهذا الزرع أو هذه الصناعة من أجل عباد الله، أنتفع أولاً بشيء يسد حاجتي، والعمل كله لله، وينتفع به عباد الله.وإذا جلست في مجالس هؤلاء فإنك لا تسمع كلمة سوء، ولا بذاء، ولا باطل، ولا منكر أبداً كأنهم الملائكة، فأحاديثهم وكلامهم لا تخرج أبداً عن دائرة مرضاة الله عز وجل، وهؤلاء أهل النور الإلهي الذي اكتسبوه من كلامه؛ لأن كلام الله نور، إذا يقول تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، و جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].وآية الوقفية على الله ينبغي أن لا ننساها؛ لتفهم أنك إذا كنت مؤمناً حقاً فأنت وقف على الله، فريعك ودخلك وغلالك كلها لله، وحياتك وموتك لله، وفي هذا يقول تعالى من سورة الأنعام واحفظوا الآية وتأملوها: قُلْ [الأنعام:162]، والمخاطِب هو الله، والآمر هو الله، والمخاطَب هو رسول الله، والمأمور هو رسول الله، وأمته تابعة له، ولا تنفك عنه في أغلب الأحوال، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهذه هي آية الوقفية، فنحن وقف على الله، فنأكل من أجل الله، ونشرب من أجل الله، ونتزوج من أجل الله، ونطلق من أجل الله، ونبني .. نهدم .. نبيع .. نشتري .. الكل من أجل الله. فصاحب هذا النور إذا باع أو اشترى هل يغش .. يخدع .. يكذب؟! والله لا يفعل، وصاحب هذا النور إذا بنى هل يبني على غير هدي الله ورسوله؟ يقتطع قطعة أرض ويبني عليها؟! والله لا يفعل.المهم فيما نريد أن نقوله: هيا نتدبر كلام الله، فإنه الروح التي بها الحياة، والنور الذي به الهداية. هداية القرآن الكريم عرفنا مما درسنا أن هذا القرآن الكريم -كلام الله- لا ريب فيه، وأن فيه هدى، والهدى: ما يصل بك إلى مطلوبك، وينتهي بك إلى رغائبك، وما تريد أن تنتهي إليه من كمال وسعادة، لكن هذا الهدى مكنون في باطنه. من ينال هذا الهدى؟أولاً: من يؤمن بالله ولقائه .. بالله ورسوله .. بالله وكتابه، ثم يتقي الله عز وجل فلا يخرج عن طاعته فيما يأمر وفيما ينهى، فهذا الذي تتجلى له أنوار الهداية ويجدها في القرآن الكريم، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].وذكر الله تعالى أنهم: هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5]، واقرءوا إن شئتم: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:2-5]، لا سواهم. أقسام الكافرين ثم ذكر تعالى حال الكافرين، وقد عرفنا أنهم صنفان: صنف توغلوا في الشر، في الظلم، في الفساد، في الخبث يوماً بعد يوم، عاماً بعد عام، حتى مضت فيهم سنة الله عز وجل، فختم على قلوبهم وعلى أسماعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فهم لا يسمعون، ولا يفهمون، ولا يعقلون، ولا يبصرون، هؤلاء مصيرهم معلوم، الخلود في عالم الشقاء في النار دار البوار، لا يخرجون أبداً بليارات السنين، وليس هناك مكان آخر، وفيهم يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لم؟ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:7]، الختم على الظرف، الختم على الآنية، من أين يدخل الشيء والختم موجود؟ من أين يدخل نور الإيمان أو معاني الإيمان أو مفاهيم الكلام وقد أغلق على القلب، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]، نعوذ بالله أن نكون منهم، أو يكون بيننا أحد منهم!الصنف الثاني: كفروا، وظلموا، وفسدوا، لكنهم ما توغلوا، أي: ما وصلوا إلى مستوى أن طبع على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم، فهؤلاء بلغهم دعوتك يا رسولنا! وأنذر وخوف، فإنهم يدخلون في رحمة الله، وقد دخل من هذا العدد بلايين. صنف المنافقين جاءت الآيات تذكر لنا صنفاً آخر من الخلق، ألا وهم المنافقون.ومن هم المنافقون أيها المؤمنون؟ هم الذين يبطنون الكفر في قلوبهم ويخفونه في نفوسهم ولا ينطقون به أمامكم أيها المؤمنون، وهم الذين يتظاهرون بالإسلام فيصلون معكم، وقد يجاهدون إلى جنبكم، ولكن من باب أن يحفظوا على أنفسهم حياتهم وأموالهم ووجودهم؛ لأنهم لو أعلنوا عن الكفر والردة لقتلوا بيننا، ولا نسمح لهم بالبقاء في ديارنا.فخوفهم من السيف حملهم على أن يصروا على كفرهم، وعلى تكذيبهم بوجود الله .. بعلم الله .. بقدرته .. بحقه في الطاعة والعبادة .. بالكفر برسول الله وبكتابه، ولكن يداهنون مؤقتاً.وهؤلاء المنافقون كانوا موجودين والقرآن ينزل في هذه المدينة النبوية، فما زال القرآن ينزل ويصفي ويغربل حتى ما بقي منهم أحد، فمنهم من مات على كفره ونفاقه، وأغلبهم مات على الإيمان والتوحيد.والآن لا يسمون بالمنافقين بل يسميهم العلماء بالزنادقة، والواحد زنديق، والجمع زنادقة، فالزنديق: هو الذي يتكلم ببسم الله، ورسول الله، كأنه مؤمن، وهو فقط يضحك على المؤمنين، ويسخر منهم من أجل أن يصل إلى أغراضه الهابطة الدنية، أو يخاف أن يطرد من القرية أو من الحي أو يهجر فلا يتكلم معه، فهذا يقال عنه: الزنديق، وهو المنافق.وهؤلاء المنافقون نسمع الله تعالى يخبرنا عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، ومن أخبر عنهم؟ العليم بقلوبهم، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9]، إي والله. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]، أي مرض هذا؟ هل يعرفه الأطباء؟! هل هو الخفقان؟! هذا مرض الشرك، والكفر، والنفاق، وبغض الإسلام وأهله، وبغض التوحيد والداعين إليه، وبغض دار السلام وأهلها، فهؤلاء يزيدهم الله مرضاً، والمرض إذا لم يعالج في الجسم فإنه يستشري وينتصر فيعجز الأطباء عن مداواته، فهذا الفريق من المنافقين يموت على الكفر ولا يعالج. وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة:11-12]، وقد ذكرنا وأشرنا إلى أنهم كانت لهم اتصالات باليهود، واتصالات بالكافرين في مكة وخارجها، بل حتى مع الروم، وإذا سئل يقول: هذا من أجل تحقيق الأمن للبلاد .. من أجل أن ندفع شر هؤلاء الكفار أو اليهود، نحن مصلحون، وعندما يقول له المؤمن: كيف تتصل بفلان، فالبارحة كنت في بيته وهو كافر من اليهود؟ يقول: لغرض صحيح، للدفاع عن الحقيقة، لرد هؤلاء عن ظلمنا والاعتداء علينا.إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11] أي: بالمعاصي، فالإفساد في الأرض يكون بماذا؟ وأنا أريد أن يبقى هذا علماً راسخاً في نفوس المؤمنين والمؤمنات فلا نتردد: الإفساد في الأرض بم يكون؟ الإفساد يكون بمعصية الله ورسوله؛ لأن الذي عصى الله: أجرم، ظلم، فجر، اعتدى، سرق، كذب.إذاً: هذا هو الفساد؛ ولهذا جاء في آية سورة الأعراف: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، كان في البلاد كفر، وظلم، وشر، وفساد، فجاء نور الإيمان فاشتملته القلوب والأبصار، وظهر النور، واستقام أهل البلاد، فمن جاء يحدث باطلاً أو شركاً أو كفراً أو ذنباً فقد جاء ليفسد في الأرض.إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:12-13]، آمنوا كما آمن فلان وفلان وفلان من إخوانكم وجيرانكم: قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13]، فيعتبرون الذين دخلوا في الإسلام من اليهود ومن العرب المشركين سفهاء، كيف يذوبون في هذه الدعوة ويتخلون عن عقائد آبائهم وأجدادهم ومميزاتهم، ويدخلون في هذه الدعوة التي قد لا تدوم أعواماً بعد اليوم؟! فيقولون بهذا القول: أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13].قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، كيف يعلمون وهم كالأبقار انطمست بصائرهم وعميت عيونهم. ضرب الأمثال للمنافقين ضرب الله تعالى للمنافقين مثلين فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:14-16]. هنا مثلين: مثل ناري: مضروب للذين علم الله أنهم يموتون على النفاق، ومثل مائي: مضروب لمن يرجى لهم العودة إلى الطريق المستقيم، وإلى الدخول في رحمة الله.قال تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18]، وهذا النور معبر عنه بالنار والنور القرآني، والآيات تنزل، فإذا نزلت الآية وكانت تحمل بشرى وهداية، وما سمتهم، ولا عرَّضت بهم، فرحوا واطمأنوا، فإذا نزلت الآية كالرعد القاصف تخرج نفاق المنافقين -والعياذ بالله تعالى- أصابهم ما أصابهم، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18].المثل الثاني: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:19]، مطر يقال فيه: الصيب؛ لأنه يصب، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19]، هذه هي الآيات وأنوارها، فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ [البقرة:19-20]، برق الآيات وأنوارها. كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]، ولو شاء الله لأصابهم ما أصاب الأولين، وماتوا على النفاق، ولا دخول في الإسلام، ولا نظر إلى رحمة الله. نداء الله للناس أجمعين بعد الآيات الأولى التي كشفت الهدى وبينته جاء نداء الله عز وجل للبشرية كلها بعنوان: الناس، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، أبيضكم وأسودكم .. عربكم وعجمكم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أمرنا بأن نعبده، كيف نعبده؟ نعبده بما يبين لنا من أنواع الطاعة، إذ العبادة من العبودية، إذا قال: قوموا قمنا، وإذا قال: اقعدوا قعدنا، وإذا قال: انظروا، نظرنا، وإذا قال: أغمضوا أعينكم غمضنا. ولو لطول الحياة؛ لأننا عبيد.قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: بما شرع لكم من أنواع العبادات والطاعات.لم هذه العبادة؟ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، إذا خطر ببال أحد: مَنْ هو هذا الذي يأمرنا بعبادته؟ من هو؟ الله الذي خلقك، وخلق أمك، وأباك، وجدك، وجدتك وإلى آدم الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، قد يقولون: نحن لسنا بمخلوقين، إذاً: هؤلاء مجانين، فلا يدخلون في دائرة الكلام معهم، مخلوقون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] أيضاً، ما أنتم وحدكم، أي: اعبدوا الله الذي خلقكم، وخلق من قبلكم بل وخلق كل شي، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81]، فالذي صنعك، وصورك، ووهبك حياتك، طلب منك أن تطيعه من أجل أن يكملك ويسعدك وأنت تقول: لا، لا. هذا جنون أو عقل؟! خلقك وصورك، ووهبك سمعك وبصرك وحياتك، وخلق كل شيء في الكون من أجلك، وطلب منك أن تطيعه؛ لأجلك أنت لا لأجله هو، حتى تكمل وتسعد في الدار الأولى والدار الثانية، وأنت تقول: لا، لا.. لا أعرفه.أرأيتم هبوط الكافرين والمشركين؟! دون البهائم، فالذين يرفضون عبادة الله مستواهم أحط من البهائم، والله تعالى ما قال: اعبدوا الجبار العظيم الذي بيده أرواحكم وأرزاقكم، والذي إن شاء أماتكم وأبادكم. ما نادى بهذا النداء، بل نادانا بما يمكن أن يعقله الرجل والمرأة والعربي والعجمي. اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: خالقكم، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وعلل فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] بذلك عذابه ونقمه، أي: اعبدوه لتحصلوا بتلك العبادة على النجاة مما تخافون، ومما تحزنون وتتألمون. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، نتقي ماذا؟ عذاب الله، حتى لا نقع في فقر، ولا في فتنة، ولا في اضطراب، ولا في آلام، ولا في حروب، ولا ولا.. هذا في الدنيا، وعلَّنا نتقي أيضاً عذاب الدار الآخرة التي نرحل إليها تباعاً، واحداً بعد واحد، ومائة بعد مائة، والمصير واحد إلى دار البوار أو دار السلام.سبحان الله العظيم! ماذا يريد الله تعالى من العباد؟ يريد أن يكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة، وأسباب الكمال والسعادة في طاعته، طاعته فيما وضع من قوانين من شأنها أن تزكي النفس وتطهرها، وأن تهذب الأخلاق وترفعها، وأن تحسن الآداب وتسمو بها، فينتهي الظلم والشر والخبث والفساد، فيعيشون على سطح الأرض كالملائكة في السماء، قالوا: لا، الشيطان ما يريد. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
إثبات ربوبية الله على العباد وتفضله عليهم زاد الله الأمر بياناً فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، إذا ما عرفتم الله بخلقه لكم، وخلق من قبلكم انظر .. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، مبسوطة: تبني، تنام، تحرث، أليس كذلك؟! وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]، فوقكم، لو شاء لخرَّت من فوقكم، من يبقى؟ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65].لو تسقط الشمس فقط -والعياذ بالله- والله لا يبقى موجود على الأرض. لا يا شيخ! ما من شأنها أن تنزل، أن تسقط فقط، فلو نزلت عن مستواها لاحترق الكون، والشمس حرارتها معروفة والأبعاد ما تدركها بعقلك، ومع هذا لو تخرج عن فلكها وتنزل لاحترق كل شيء، ولو ارتفعت لتجمد كل شيء، فنحن نعيش بحرارة الشمس بفضل الله. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22]، تكلمنا عن المطر الصناعي، وهل هناك مطر صناعي هذه الأيام في الصين أو في اليابان؟ قالوا: المطر الصناعي .. المطر الصناعي، وكتبت الجرائد والصحف: يتحدون بالمطر الصناعي، هل فعلاً حصل مطر صناعي؟ فرنسا عندما أصابها جدب في عام من الأعوام قالوا للمسلمين: صلوا وادعوا لنا الله عسى أن يمطرنا، وخرجنا وصلينا وأمطرهم الله.أين المطر الصناعي؟! فقط أنابيب مخروقة يخرج الماء منها، وقالوا: هذا المطر الصناعي.تدرون قبل ثلاثين .. أربعين سنة لما بدءوا يفكرون في قضية الطلوع إلى القمر، أخذت صحف العرب تكتب: من يحجز من الآن؟ احجزوا منازل في القمر، وشطحوا ورقصوا. فأين الطلوع إلى القمر؟! وقبل أيام أعلن أنها مناورات وكذب، وتمثيليات في الجبال فقط، وقد سبقت إلى هذا الصين الشيوعية أيام قوتها وشدتها، فنشرت في مجلاتها أنها مؤامرة ضد البشرية تمت بين الدولتين العظيمتين: روسيا وأمريكا، لإذلال البشر وإخضاعهم، وكل ما قالوا باطل، والذي يعرضونه في التلفاز وشاشات السينما تمثيليات فقط. أما نحن فبكينا، وقلنا: يا رب!يا مسلمون! اخجلوا، لا تتبجحوا بانتصارات أعدائكم، فعدوك يحقق هذه الأهداف السامية العالية، وأنت تمدحه وتثني عليه، ما تستحي؟! أما الصين فما أخفت هذا عن شعبها ولم تذكره، بل قالت: باطل، ليبقى الشعب الصيني متماسكاً وقوي الروح، ويستطيع أن يقف في وجه روسيا أو أمريكا، ونحن أبقار هابطون نصفق لهم، وإذا قلت: ما طلعوا. قالوا: اسكت، أنت رجعي، وأنت كيف ما طلعوا؟! وهذا الحديث سمعتموه أو لا؟ أعدناه من ثلاثين سنة، أين الطلوع إلى القمر؟ آه.إذاً: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، رزقاً لمن؟ لله وملائكته! لا، لكم يا بني آدم، من ينزل الماء من السماء؟ كيف يتحول هذا الماء؟ كيف يتكون؟ كيف؟ دعنا من آثار تكوينه، نزل ماءً عذباً فراتاً، فإذا انقطع ماتت الأرض ومات أهلها، وهذا ما نعرفه، أنه ربنا وخالقنا، نقول: من هذا؟ ربوبية الله تقتضي توحيده في عبادته وعدم الإشراك به قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، فبعد هذه المعرفة اليقينية يجوز أن تقول: يا ألله! ويا عيسى؟! أو يا رب ويا هبل؟ أو يا رب وسيدي عبد القادر ؟! يجوز أن تجعل مضاداً لله تضاده به؟! لا يصح أبداً إلا التوحيد: لا إله إلا الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي من الصالحين، فضلاً عن الأوهام، وما عبد البشر إلا بأمر الشيطان وتزيينه، إذ عبدوا حتى الفروج.إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، تضادونه بها بأن تعبدوه، فمعه تدعونها، تستغيثون بها، تذبحون لها الذبائح، تنذرون لها النذور، تتمسحون بها، تعكفون عليها، تعلقونها في أعناقكم.واليوم أخبرني طالب وهو صادق، أن مسيحياً مصرياً مدسوساً هنا جاء للعمل، فضبطوه وفي عنقه سلسلة الصليب، فمسكوه وكسروا الصليب وتركوه، وهو لا ينفعه. وعيسى نفسه الذي وضع الصليب له والله لن يغني عنك من الله شيئاً، والصليب في عنقه مضادة لله ومحادة له، فماذا ينفع الصليب؟ ماذا ينفع عيسى، أو أمه، أو جبريل عليهم السلام؟ من يستحق أن يعبد؟ الله، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فالذي ما خلق، ولا أمر، ولا كوَّن كيف يعبد؟إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، نعم يعلمون، لو تسألوه عن هذا الصليب: هل يشفيك من مرضك؟ تترك العلاج؟ يقول: لا، لا يشفي، هذا الصليب يمثل عيسى، وعيسى عليه السلام أنت تقول: ذبحوه وقتلوه، فلو كان ينفع ويضر فكيف يصلبونه على أخشاب والناس يشاهدون؟ أين عقول النصارى؟! والله -سبحان الله العظيم- إذا تكلم البصير منهم يقول: عادات فقط جرى عليها الناس، الإله يذبح ويصلب! سبحان الله العظيم! والدليل على أنه صلب أنهم يعلقون الصليب؛ لأنه صورة عيسى لما قتل وصلب من قبل اليهود، يا سبحان الله! والقرآن يصرح بأن عيسى ما قتل ولا صلب، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، ونقول: لا. القرآن يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، لا لا لا.. هذا قرآن العرب.وتمضي الأيام وتتوالى القرون والأعوام ونسمع ونحن في الدرس أن بولس الثامن أعلن أن اليهود برآء من دم المسيح، أما سمعتم بهذا بولس ! والغريب أن بولس هذا اسم قس، ورئيس كنيسة، وبولس عندنا ماذا في جهنم؟ درك من دركات النار اسمه: بولس.بولس يقول: إن اليهود برآء من دم السيد المسيح، فلا تحملوا لهم أيها النصارى العداء والبغضاء، وما قال هذا إلا بالمال؛ لأن اليهود سيطروا على العالم في باب البنك والرصيد والمال، فأخضعوا أوروبا وأمريكا، وأخضعوا العرب والمسلمين. سمعتم بهذه؟ قلنا: آمنا بالله، نحن من قبل نقول: عيسى حاشاه ما قتلوه وما صلبوه، بل رفعه الله إليه، وسينزل، وهم: لا لا لا.. قتلوه، هل استطاعوا أن ينزعوا الآن الصليب من أعناقهم؟ ما استطاعوا. تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ...) الآن مع قول ربنا: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، يخاطب الله تعالى البشرية كلها، وبخاصة الكافرين، والمشركين، والمنافقين، فيقول لهم: وَإِنْ كُنتُمْ [البقرة:23]، وبعد هذا النداء الذي وجهناه إليكم، والبيانات والبراهين التي لاحت في الآفاق بينكم بأنه لا إله إلا الله، فاعلموا أن محمداً رسول الله. يا من شهدوا أن لا إله إلا الله لما ظهر لهم من الآيات ولاح لهم في الآفاق من بينات، وعرفوا ألا يعبد إلا الله، فقالوا: لا إله إلا الله قولوا: محمد رسول الله.والبرهنة والتدبير على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله اسمع! وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23]، والريب: الشك الذي معه اضطراب في النفس، وقلق وحيرة، فليس مجرد شك وصاحبه هادي النفس بل في قلق. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، من عبده هذا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الإضافة للتشريف: عبد الله، ومن منا يرقى إلى هذا المستوى، ويصبح حقاً عبد الله؟ تصبح عبداً لله مطيعاً له في حركاتك وسكناتك، وفي أفكارك، وميولك، وما تحمل من حياة، كل ذلك لله فأنت عبده إذا قال: قف. وقفت الدهر كله، وإذا قال: نم. نمت كذلك، ولا تصرف لك أبداً بل الكل لله. هذا العبد الذي استعبده بالخدمة، بالطاعة .. بالعمل المتواصل .. بترك كل شيء من أجل الله عز وجل. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] من الآيات القرآنية التي حواها هذا الكتاب. ومن نزل هذا الكتاب؟ الله جل جلاله.فإن كنتم في ريب من تنزيل هذا الكتاب، أي: من كونه نزله الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليقرر رسالته ونبوته، وليجيب طاعته والاتباع له فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، تفضلوا! الباب مفتوح، نعطيكم عاماً .. عامين .. ثلاثة .. ألف سنة، تفضلوا فأتوا بسورة من مثل محمد في أميته، وعدم قراءته وكتابته وعلمه، أو من مثل هذا القرآن الكريم، والقرآن حمال أوجه.والشاهد في الاثنين، فأتوا بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقد عاش أربعين سنة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ونزل عليه القرآن، وهو لا يفرق بين الألف والباء، ولا بين الهاء والواو.ولما بلغ الأربعين سنة نبئ، وهذه سنة الله في تنبئته وإرسال رسله، فعامتهم ينبئهم إذا بلغوا سن الرشد والكمال العقلي؛ لأن الفتوة والشباب يوجد فيها طيش للعبد؛ ما فيه ثبات ورصانة، ولكن إذا بلغ الأربعين اكتمل عقله ونماؤه، فسنة الله في هذا الباب ما نبأ ولا أرسل إلا من بلغ الأربعين، هذا في الغالب. فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وتفضلوا!ووجه آخر: فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل القرآن.وهذا التحدي الإلهي قائم إلى الآن، فهل استطاعت البشرية أنت تأتي برجل يقول: أوحي إلي القرآن وأنزل علي كتاب، وهذه سورة من سوره؟! ما استطاعوا.وهنا حقيقتان أو وجهان مشرقان:الأول: أن الله عز وجل صرف قلوب البشر عن محاولة الإتيان بسورة، ومن يقوى على صرف قلوب البشر إلا الله؟ أجيال، الجيل بعد الجيل، وما هناك من حاول أن يأتي بسورة من مثل القرآن، ومن يقدر على قلب القلوب وصرفها؟ ما هي من جيل ولا من أمة؟ ألف وأربعمائة سنة، وهو كذلك.ثانياً: القرآن المعجز بألفاظه .. بكلماته .. بجمله .. بمعانيه لا يستطيع أحد مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة والبيان لن يستطيع أن يأتي بسورة من مثل القرآن.إذاً: هذا التحدي قائم وباقٍ إلى الآن، فهو وحده يشهد أن محمداً رسول الله، إن طولبت وطلب منك التدليل على نبوة محمد ورسالته أجيبوا بكل سهولة: أنزل الله عليه كتابه مائة وأربعة عشر سورة، وتحدى الله البشرية كلها أن تأتي بسورة من مثله فعجزت، فدل هذا يقيناً أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، وجاء قول الله عز وجل: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، وجاء أيضاً: فأتوا بمثل القرآن، فعجزوا إذ قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] وتعاونوا وتضافروا، عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88]، من سورة الإسراء، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، أي: معيناً ومساعداً، فالشياطين والجن فسقتهم وفجرتهم، والبشرية فجارهم وطغاتهم كلهم تعاونوا على أن يأتوا بمثل القرآن في هدايته وقضائه وأحكامه وشرائعه وبلاغته وبيانه فوالله ما استطاعوا، ومن هنا نزل تعالى وتحداهم بعشر فقط: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13]، ثم تحداهم بسورة واحدة من سورة يونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، وفي البقرة هذه الآية التي ندرسها: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، أي: من القرآن بأحكامه، وشرائعه، وآدابه، وقصصه، وأخباره، وأنبائه: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [البقرة:23] الذين تعبدونهم، وتستغيثون بهم، وتستعينون بهم، وترجون شفاعتهم فليتفضلوا ليعينوكم، ويقفوا إلى جنبكم، ويساعدوكم على إتيان سورة فقط من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهدوا لكم بأنكم على حق أيضاً، فعجزوا وما استطاعوا إلى اليوم. تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) تصريح القرآن بعجز المنكرين له عن الإتيان بسورة من مثله قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، يفعلون ماذا؟ الإتيان بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، مستعينين بشهدائهم، بآلهتهم، بشركائهم، بمن يدعونهم، بمن يعولون عليهم من الإنس والجن، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، هذه (لن) الزمخشرية.وقد اختلف النحاة في (لن) هل نفيها مؤبد أو نفيها كنفي لا: لا تأكل .. لا تشرب، لن تأكل بعد اليوم ولن تشرب؟ فالجمهور على أنها مثل لا النافية، أما الزمخشري اللغوي البحر فيقول: (لن) هذه تدل على النفي المؤبد، فإذا أردت أن تحرم أخاك من شيء، تقول له: لن أعطيك بعد اليوم، فلا يطمع، أما إذا قلت له: لا أعطيك بعد اليوم. ممكن تتراجع وتعطيه، لكن إذا قلت: (لن) أبَّدت النفي، وهنا (لن) للتأبيد. وَلَنْ تَفْعَلُوا هل فعلوا؟ لا.وهنا دائماً أذكر الأبناء والإخوان والمؤمنات من باب التبيين والتوضيح، أقول: لو أن أمريكا أنتجت آلة من الآلات الصناعية، ثم أعلنت أنها تتحدى العالم الإنساني سبعين سنة، ومن بين ذلك أوروبا الصناعية، واليابان الصناعية، وروسيا الاتحادية، فإذا استطاعوا أن ينتجوا مثل هذه الآلة، وهل تفعل أمريكا هذا التحدي؟ لا تفعل، وإذا تحدت فإنها تفضح.وأقول كذلك: اليابان الصناعية الآن متفوقة، فهل تستطيع أن توجد شيئاً من الصناعات ولو إبريقاً من أباريق الماء أو الشاي وتقول: أتحدى العالم الإنساني لمدة خمسين سنة أن ينتجوا مثل هذا؟ ممكن يقع هذا؟!والجبار جل جلاله وعظم سلطانه يقول: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، إلى الأبد، هل فعلوا؟ ما فعلوا.لو اجتمع علماء اللغة والبيان والفصاحة والسحر والمنطق كلهم وقالوا: نجمع عقولنا وقلوبنا على أن نأتي بسورة، ونعلن عنها في الصحف وفي الجرائد وفي الكتب أنها كسور القرآن:أولاً: الله يصرفهم، والله ما يجتمعون على ذلك، أليست قلوبهم بيد الله فهو الذي يصرفهم!.ثانياً: لو أراد الله أن يتركهم يتخبطون ليفضحوا، وتنكشف عورتهم، والله ما أن يقدموه حتى يضحك منها النساء والرجال: هذا كلام الله؟ هذا يشبه كلام الله حتى ننسبه إلى الله عز وجل؟ وتتم الفضيحة الكبرى.هذا معنى قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]. كيفية اتقاء النار إذاً: ماذا تنتظرون؟ ثبتت نبوة محمد، وتقررت رسالته، صح دينه. إذاً: فانجوا واطلبوا النجاة لأنفسكم: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وما دمتم عجزتم، وعرفتم ضعفكم وعجزكم، ولاحت أنوار الكمال المحمدي وأنه رسول الله، وأن هذا وحي الله وكتابه، فأنقذوا أنفسكم من النار.إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا [البقرة:24]، أي: ما تتقد به وتشتعل، ليس فحماً، ولا حطباً، ولا بنزيناً، ولا غازات، بل وقودها أجسام الكفرة والكافرات، والمشركين والمشركات، العظام واللحوم، ومادة أخرى هي حجر من سجين، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وهذا النوع من الحجارة ما رأيناه، ولكن البشر رأيناهم، فما هناك حطب، ولا خشب، ولا غازات، ولا.. هذا العالم المشتعل يشتعل بأجسام البشر وبالحجارة التي كانت آلهة وأصناماً يعبدها المشركون، وهذه الحجارة هي أصنام المشركين التي نصبوها حول بيوتهم وفي المنعطفات يعكفون عليها ويأتونها، ويتقربون إلى الله بالتمسح بها، والعكوف حولها.ومن الأمثال اللطيفة، أن العرب في جاهليتهم لما جاءهم عمرو بن لحي بالأصنام من الشام، الذي رآه الرسول في النار لما كشفت له وشاهدها، فوجده يجر قصبه في جهنم، فـعمرو بن لحي لما جاء بالأصنام انتشرت، وأصبح كل منعطف، كل حي في المدن، يجعلون تمثالاً، وإذا بأحد الأعراب ذهب إلى صنمه ليزوره ويستشفع به ويتبرك به، فلما دنا منه وجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعها على كتفه ويبول عليه، كعادة الذئاب والكلاب عندما يبول أحدها يرفع رجله على شيء مرتفع، فنظر إليه ثم قال:أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالبواعتزله حتى مات، وتخلى عنه. ففطرته اقتضت هذا، كيف أن ربي آتيه لأعبده والثعلب يبول على رأسه، وما يدفعه ولا يقتله؟!ووا أسفاه، ووا حسرتاه!! فقد وقع آباؤنا وأجدادنا من القرن الثامن أو السابع في مثل هذه العمياء فعبدوا قباب الصالحين وقبورهم، وتقربوا إليها أكثر مما يتقربون إلى الله، فيحلفون بها، ويستغيثون بها، ويجعلون البقر والغنم لها، ويجعلون الأشجار لها، وهكذا مثل ما كان المشركون، ولا لوم ولا عتاب؛ لأن نور القرآن صُرف عنهم، فعاشوا في ظلام.وأنتم الآن ترون شيخاً يدرسكم القرآن أو لا؟ هذا كان مستحيلاً، يقولون: كيف يتكلم في كلام الله؟ ممنوع، لم؟ يقولون: القرآن فيه الناسخ والمنسوخ، فيه مجمل ومفصل، فيكفينا كتب الفقه، لا نتورط ونكذب على الله، فأصبح من يقول: قال الله؛ يرمى بالحجارة، فصرفوا أمة الإسلام عن القرآن.إذا ذهب القرآن بنوره أسألكم بالله: من أين تأتي الهداية؟ كيف يعرفون التوحيد؟! هذا هو السر.الحمد لله الآن، ولا ندري لو كنا في بلد آخر يسمحون لنا أو لا؟ الآن الحمد لله من نيف وأربعين سنة ندرس كلام الله في بيت الله ومسجد رسوله.والشاهد عندنا في أن ظلام الجهل هو الذي أوقعهم في عبادة غير الله عز وجل يستشفعون بغير الله.وقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، والسؤال معاشر الأبناء: بم نتقي النار؟ كنا نقول بالأمس: بم نتقي الله أو لا؟ وبم نتقي الحر أسألكم بالله؟ بالمكيفات والشمسيات أو لا؟ وبم نتقي البرد؟ وبم نتقي الجوع؟ لكل ما نخاف منه له ما يتقى به أو لا؟ فالنار بم تتقى؟إن عرفنا بم يتقى الله عرفنا بم تتقى النار، وإذا اتقينا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمرا باعتقاده وقوله وعمله، وفيما نهيا عن اعتقاده وقوله وفعله، فذاك الذي نتقي به النار؛ لأننا إذا اتقينا الله وبعُد غضبه عنا وعذابه اتقينا النار، لكن من باب التوضيح ومن باب البيان: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، فلا تشتعل بمادة غير أصنام المشركين وآلهتهم التي عبدوها ثم بأجسامهم الضخمة في تلك النار أو ذلك العالم. إعداد النار للكافرين برب العالمين هذه النار أُعِدَّتْ [البقرة:24]، الإعداد للشيء إذا كان ذا قيمة، تقول: أعددنا لكم عشاء، معناه تعبنا وهيأنا، كذا أو لا؟ أعددنا للحرب عدتها، أعدت وهيئت بعناية خاصة. لمن أعدت النار؟ للكافرين، للكافرين بيض أو حمر، سود أو سمر. من هم الكافرون؟ إنهم الذين أنكروا وجود الله، وقالوا: الحياة مادة، وهؤلاء كفار جدد ما مضى عليهم أكثر من مائة وخمسين سنة، وهم البلاشفة الحمر الروس، وهؤلاء لم يسبقهم من كفر كفرهم قط في البشرية، بل البشرية موحدوهم ومشركوهم، مؤمنوهم وكافروهم يؤمنون بوجود الله الخلاق العليم، الذي يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ولكن أهل الشرك يتوسلون إليه بعبادة غيره، تلك العبادة التي زينها العدو لهم فعبدوها من أجل الله، واقرءوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].ويدلك لذلك أن أبا سفيان يحلف بالله، وأبا جهل يقسم بالله عز وجل، ويحج بيته، فهم مؤمنون بوجود الله، وأما هذا الكفر فجديد، وقد تغير بعدما انهزمت الشيوعية وتحطمت فلبسوا بدلة جديدة وهي العلمانية؛ ليسلبوا عقول البشر، وليتغنوا بالعلم، فيرفضون كل شيء إلا العلم، وهم ما يسمون بالعلمانيين.هل عرفتم الآن العلمانيين؟ ما استطاعوا أن يقولوا: لا إله والحياة مادة. فشلت هذه النظرية. إذاً: كيف يختبئون؟ تستروا بالعلم، فلو رفعت يديك بالدعاء قيل لك: قم اشتغل واسترزق، ولا ترفع يديك إلى السماء، بل اعمل وتعلم العلم.ومن هو الذي وضع هذا المبدأ البلشفي؟ والله إنهم اليهود، ولا عجب، فهم الذين وضعوا هذه من أجل التعجيل بتدمير البشرية والقضاء عليها لتصبح حيوانات يركبون منها ما شاءوا، ويأكلون ويذبحون ما شاءوا، وترتفع راية بني إسرائيل، ومملكة بني إسرائيل، فكل العظائم من السحر ومن موبقات الجرائم من وضعهم، وهم السر في ذلك، لو يسمعون كلامي هذا تأخذهم الحمى، ونحن ما يأخذنا شيء.وأخيراً: ما قلت لكم منذ أيام أنهم عرفوا أن هذه الدولة القرآنية لا تسقط ولا تزول إلا إذا عم أفرادها الخبث، وغطاها الفسق والفجور بالله العظيم، ومددنا أعناقنا كالأبقار، وما بكينا ولا اطرحنا بين أيدي ربنا، واستجبنا لهم ونحن لا نشعر، فهم يعملون على نشر الإلحاد والفسق والفجور؛ حتى تزول هذه العقبة من بين أيديهم، وهذه هي المانعة، عرفوا هذا أو لا؟ فهيا نقارن معرفتهم بأن نستقيم، لا نأكل إلا الحلال، ولا ننطق إلا بالحق، ولا نسكت إلا على الحق، وهكذا طهر وصفاء، ولو يجمعون الجن كلهم بسحرهم ما يؤثرون علينا، ولا يطفئون هذا النور الذي نعيش عليه، لكن عرفوا وما عرفنا، نشروا أفلام الدعارة والفجور بأنواعها، والسحر بضروبه، والآن في المدينة سحرة فكل يوم يكتشفون ساحراً.واسمع الآن، يقول لي طالب: في المدرسة أساتذة يقررون أن كشف الوجه ليس بحرام، بدليل القرآن والسنة، المرأة تكشف عن وجهها وكفيها. يا هؤلاء! أنسيتم قول ربنا: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] أية ثياب يضعونها؟ تنزع ثيابها وتخرج حمراء؟ هذا مقصود الله؟ أعوذ بالله! ما الذي تنزعه؟ تنزع ما كانت تغطي به وجهها وعنقها ويديها، ومع هذا يقول الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] تبقى كالبنت، عمرها مائة وعشرون سنة وهي تخرج كالكتلة في ثيابها السوداء، لا تعرف كبيرة هي أو صغيرة. ولولا هذه الصيحات لفعلوا ما فعلوا، وبدأ الحجاب من عشرين سنة يزول في جامعة جدة، لكن بكى العلماء وبكى المسلمون وأدبوهم، الآن بدءوا يرددون -أيضاً- عن كشف الوجه، وهل ترضى أن تخرج امرأتك كاشفة وتضحك في الشوارع يا ديوث؟ يرضى بهذا مؤمن أو عاقل؟! حتى ولو كانت رمصاء، عمشاء، عمياء ما تريد أن تفضح بين الناس.إن نساء المؤمنين مستورات في الخيام مقصورات حتى في الجنة، فكيف نرضى بأن تصبح المرأة كاشفة عن وجهها ثم عن عنقها أيضاً، وكفيها وهي تلوح في الشوارع؟ أعوذ بالله.ثم لما بدأ دعاة السفور؛ عملاء اليهود في العالم الإسلامي، هل انتهى السفور فقط إلى الوجه؟ نزل إلى الفخذين والركبتين والساعدين، ودمج النساء مع الرجال في كل الأعمال والوظائف حتى أصبحوا كاليهود والنصارى.وهؤلاء في المدرسة لا يستحون أن يقولوا: الكشف ليس في الوجه والكفين، إذا كان فقط الكف والوجه مكشوفان إذاً ماذا بقي؟أنا أقول لهم: انظروا، أنا مستور أو مكشوف؟ انظروا إليّ، هل هناك غير وجهي وكفي؟ هذا هو الحجاب، إذاً السعوديون كلهم متحجبون، هذا فهم وذوق الذي يقصر الحجاب على الوجه والكفين.والشاهد عندنا: هذه أصابع الماسونية اليهودية لعنها الله عز وجل وقطع دابرها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (115) الحلقة (122) تفسير سورة البقرة (80) رد الله عز وجل على أهل الكتاب تبجحهم بالقبلة، وادعاءهم الإيمان والكمال فيه، لمجرد أنهم يصلون إلى بيت المقدس، ثم بين سبحانه أن البر الحقيقي، والإيمان الصادق هو بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله، وإقامة شرع الله عز وجل، وحكم دينه في سائر شئون حياته، والالتزام بأداء الحقوق على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا هو طريق الفلاح والنجاح. تابع تفسير قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا ذلك يا رب العالمين.وقد كنا مع هذه الآية العظيمة الجليلة وما استوفيناها شرحاً ولا تفسيراً. معرفة مقياس الإيمان بعرضه على قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]. يصح -معشر المستمعين والمستمعات- أن نقول: هذا عرض للمؤمنين الصادقين، شاشة بيضاء من نور الله عز وجل، إن شئت أن ترى نفسك في هذه المواكب السعيدة فانظر: فإن وجدت نفسك فيهم وبينهم ومعهم فاحمد الله وأكثر من حمده وشكره، وإن وجدت نفسك غير موجود فابك على نفسك، واقرع باب الله فإنه يفتحه لك، وادخل في رحمته.وإن وجدت نفسك تظهر في معرض وتغيب في آخر فجد في عزمك من جديد، وأصلح حالك، وحدد وجهة نظرك في مسيرتك، وادخل مع مواكب الإيمان والإسلام قبل أن تفوت الفرصة، والله! إنها لضيقة. الرد على اليهود والنصارى في ترك حقائق الإيمان والاعتراض بتحويل القبلة ذكرت لكم أنه لما استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، إذ كان يتطلع إلى القبلة ليستقبل بيت الله الكعبة المشرفة، وقد جاء في هذا قول الله عز وجل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، لما استجاب الله تعالى لرسوله اغتاظ اليهود، وكانوا يساكنون اليهود في المدينة، وقالوا: بالأمس يستقبل قبلتنا، واليوم يعدل عنها، ومن الجائز أن يعدل عن القبلة الثانية غداً! والمرض موجود، وكانت شائعات تألم لها المؤمنون، ويكفي أن نسمع قول الله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، إذ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون قرابة سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، ثم رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود، فكان يتطلع إلى ذلك، ففتح الله، وأمر المؤمنين أن يتجهوا نحو الكعبة المكرمة.هذه الشائعة أبطلها الله عز وجل بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ [البقرة:177] وفي قراءة: ( ليس البرُّ ) أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]، ما هي قضية قبلة وصلاة فقط، وهذه الآية أيضاً تهز قلوب الذين لا هم لهم من الإسلام إلا الصلاة، فإذا صلى ظن أنه بلغ الكمال في إسلامه!ليس البر تولية وجوهكم قبل المشرق والمغرب، أي: للصلاة، ولكن البر الحق والبرور والصدق والبار بالحق هذا الذي آمن بالله حق الإيمان أولاً، وهل هناك إيمان غير صحيح غير حق؟ نعم. إنه إيمان المنافقين بألسنتهم، ولا دخل له في قلوبهم، وكم من مدعي الإيمان وما هو بمؤمن، فإيمانه كاذب وليس بصادق. صور الإيمان الحق المتجلية في أركانه وأعماله فالإيمان الحق تتجلى لكم صوره فيما يأتي: أولاً: آمن بالله، أي: رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، هذا الإيمان الحق إن وجد أثمر لصاحبه ثمرتين عجيبتين: الأولى: حب الله، فيصبح يحب الله أكثر من نفسه وأهله والناس أجمعين.ثانياً: يثمر له خشية الله، الخوف من الله، يصبح إذا ذكر الله ترتعد فرائصه ويوجل قلبه، فأيما دعوة للإيمان وصاحبها لا يحب الله ولا يخشاه فهي دعوى باطلة ما هي بحق.ثانياً: وآمن باليوم الآخر، أي: آمن بالله وبلقائه، ولقاء الله متى يتم؟ يوم القيامة في اليوم الآخر حيث البشرية كلها في صعيد واحد في ساحة واحدة تسمى ساحة فصل القضاء، وانظر إلى هذا المنظر: قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:67-71] ثم قال تعالى بعدها: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر:73]، وانتهى كل شيء، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، فاستقر أهل النعيم في نعيمهم وأهل العذاب في عذابهم.فالإيمان بلقاء الله والإيمان باليوم الآخر قوة دافعة للعبد على أن يطيع الله ورسوله، إذا قويت هذه العقيدة في النفس وأصبح لا يفارق قلبه ذكر الدار الآخرة فهذا يجد العصمة الكاملة، وقد أثنى الله على بعض عباده الصالحين وقال: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] الآخرة، من نسي يوماً واحداً الموت والفناء والبلاء ثم الوقوف بين يدي رب الأرض والسماء أكلته المعاصي واجتاحته، فلهذا من الحكمة أن تجعل الموت نصب عينيك.والإيمان باليوم الآخر -معاشر المستمعين والمستمعات- معناه: الإيمان بالبعث والحساب والجزاء، ليس مجرد لقاء. ثم الإيمان بالملائكة، وقد عرفنا عنهم ما شاء الله، ومن ذلك أنهم لا يحصي عددهم إلا الله، وأنهم موكلون بوظائف وأعمال يقومون بها، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأن من أعظمهم المقربين، ثم الكروبيين، ثم حملة العرش الأربعة الذين يعززون يوم القيامة بأربعة فيصبحون ثمانية، إذ قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، وأن منهم الموكلين بالجنة ونعيمها، ومنهم موكلون بالنار وعذابها، وقد عرفنا الزبانية التسعة عشر، وعرفنا مدى قوة هؤلاء الملائكة، فجبريل تجلى وظهر بمكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيام البعثة الأولى وقد سد الأفق كله بستمائة جناح، وعرفنا قوته في سدوم وعمورة مدن قوم لوط؛ جعل عاليها سافلها، ونفخة إسرافيل في البوق في الصور نفخة واحدة تتزلزل الكائنات وتبددها، وقد عرفنا عددهم، فإذا كان كل واحد منا له عشرة: ثمانية حراس واثنان يكتبان أعماله، فكم عددهم إذاً؟وعرفنا الإيمان بالكتب، وهي جمع كتاب، والمراد من الكتب ما أنزل الله تعالى على رسله، وأعظم الكتب أربعة: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وهناك صحف شيث عليه السلام ستون صحيفة، وصحف إبراهيم عليه السلام، وما لم نعلمه أكثر، والذي جاء في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن نعرفه وأن نؤمن به.ثم الإيمان بالنبيين: جمع نبي، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فما كان رسول إلا وهو نبي، ثم أرسل فهو رسول، وأما النبي فقد يكون نبياً وليس برسول.وقلنا: الفرق بينهما: أن الرسول يحمل الرسالة يبلغها أهل إقليم من الأقاليم أو بلاد من البلدان، والنبي لا رسالة له، يعلمه الله ويخبره ويوحي إليه ولكن هو يعيش على شريعة ورسالة من سبقه، هذا الفرق. فلهذا فعلماء المسلمين شبيهون بالأنبياء، إذا صاموا وصلوا، إذا صدقوا واستقاموا وبلغوا رسالة الله فهم كالأنبياء في بني إسرائيل، لم يوح إليهم بشرع والشرع موجود وهم يدعون إليه.وعرفنا أن عدد المرسلين ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، على عدة قوم طالوت وعلى عدة أهل بدر، وأما الأنبياء فقد ورد في الحديث أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويدلك على كثرتهم ما أخبر به أبو القاسم صلى الله عليه وسلم من أن اليهود لما هبطوا هبوطنا هذا كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم ويقيمون أسواقهم في المساء. إذاً: ذلك الذي درسناه من الآية وهو بعضها. معنى قوله تعالى: (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين) انتهينا إلى قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177]، (آتى) بمعنى: أعطى، كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ [الحاقة:19] أي: أعطي كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]. فهذا البار المؤمن الصادق صاحب البر: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177] أي: على شدة حبه له وضنه به أعطاه، وإن شئت أيضاً فقل: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177] أي: من أجل حبه الله تعالى أنفق فيما أمره أن ينفق، والكل صحيح، والقرآن حمال الوجوه، ولولا حب الله ما أنفق ماله، ولكن الظاهر هو الأول: أنفق المال مع حبه له ورغبته فيه، وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177] ذوي بمعنى: أصحاب، ذو المال: صاحب المال، ذو الجاه: صاحب الجاه، والجمع ذوو مرفوع وذوي منصوب.(ذوي القربى) أي: القرابات الأقرب فالأقرب، كما قال عمر رضي الله عنه: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فأنت لا تستطيع أن تصل كل رحم وهم ألف نسمة أو أكثر، لكن الأقرب فالأقرب، الابن قبل ابن الابن، والبنت قبل بنت البنت، والأخ قبل ابن الأخ.. وهكذا في حدود طاقتك وما تتسع له. وَآتَى الْمَالَ [البقرة:177] أعطاه، يحمله بيده ويضعه في يد الآخر.وقوله تعالى: وَالْيَتَامَى [البقرة:177] الذين فقدوا الآباء قبل بلوغهم واستكمال حياتهم، فهؤلاء اليتامى من يقيتهم؟ من يعيشهم؟ لا بد من مؤمنين صادقين ينفقون عليهم.وقوله تعالى: وَالْمَسَاكِينَ [البقرة:177] جمع مسكين، من أسكنته الحاجة وأذلته وقعدت به، فمن لهذا المسكين؟ المؤمنون الصادقون في إيمانهم ذوو البر والتقوى هم الذين ينفقون. وَابْنَ السَّبِيلِ [البقرة:177] وهل السبيل تلد؟ ما السبيل يا هذا؟ هي الطريق، فالسبيل لا تلد ولداً ورجلاً، لا، ولكن الذي جاء معها ودخل بلادنا ولا يعرف فيها أحداً هو ابن السبيل، لا تعرف أباه ولا أمه فتقول: هذا ابن عثمان ولا ابن زيد، هذا ابن السبيل، فهذا إذا نزل بالقرية كما في الزمن الأول لا فندق ولا مطعم، فمن له؟ وإن كان من أغنى الأغنياء في دياره، لكن انقطع، جاء على راحلته أو على رجليه بينه وبين بلاده آلاف الأميال وإن كان غنياً، فماذا يصنع؟ فالمؤمنون الصادقون هم الذين ينفقون عليه حتى يعود. وَالسَّائِلِينَ [البقرة:177] أي: وينفقون على السائلين الذين تدفعهم الحاجة إلى أن يقولوا: يا فلان! سد حاجتي، جعت. معنى قوله تعالى: (وفي الرقاب) قال تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] أيضاً، ما معنى: في الرقاب؟ الرقبة هي الجزء المعروف من البدن، ما بين الرأس والجسد، والمراد من الرقاب: المملوكون، المملوك يملك من رقبته أم لا؟ من أين يجر؟ يؤخذ من رقبته، إذاً: هذا المملوك ينتظر من يحرره؟ من يعتقه؟ متى؟ ما يستطيع، فيتفضل المؤمنون المتقون أولياء الله فيشترونه: فيقولون: أنت حر في سبيل الله فاعبد ربك، يتملقون إلى الجبار ويتزلفونه بتحرير عبيده، فهم استُعبدوا بما أذن الله به، ولكن يمتحن الله أولياءه بعتق هؤلاء وتحريرهم. فهذه مشاريع وأبواب الإنفاق: أولاً: (ذوو القربى)، ثانياً: (اليتامى)، ثالثاً: (المساكين)، رابعاً: (ابن السبيل)، خامساً: (السائلون)، سادساً: (في الرقاب)، أي بيان أعظم من هذا البيان؟ بيان من هذا؟ هذا بيان الله، فلهذا أمة حرمت القرآن أمة ضلت وهلكت. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (وأقام الصلاة) قال تعالى: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177] هذا الذي هو بحق مؤمن بار من ذوي البر، آمن بالله وباليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر، كما في آية سورة القمر: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، الآية الوحيدة، وبينته السنة في صحيح مسلم وغيره من حديث جبريل عليه السلام.ثم بعد هذا بين وجوه الإنفاق بالمال الذي يحبه، أما إذا كان يكره المال وما له فيه حاجة فما يكون هذا مظهراً من المظاهر كما لهذا الفحل، لكن ما حاجته إليه؟ورد في السنة النبوية أن أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت قوي شحيح، أما إذا مرضت وتخاف الموت فالصدقة هينة، أو كنت سخياً طبعت على السخاء تنفق الليل والنهار، لكن أعظم الصدقة أجراً ومثوبة وأنت قوي شحيح تحب الدنيا والمال. وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]، هل عرفتم إقام الصلاة، ما قال: وصلى، كلا، قال: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]، وورد: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، فرق بين (صلى) وبين (أقام الصلاة)، فذاك صلى صلاة لا تنتج له الطاقة النورانية، لا تولِّد له الحسنات، أيما صلاة لا تستوفي شرائطها وأركانها وسننها وواجباتها فهذه عملية فاشلة، ما تولد النور، وقد علمنا -زادنا الله علماً- أنه لا عبادة أكثر توليداً للحسنات من الصلاة، شاهد هذا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فما من مؤمن يقيم الصلاة إلا وينتهي انتهاء كلياً عن القول أو الفعل الفاحش أو الفعل الباطل والمنكر، وكل من ترك الصلاة فهو عرضة لغشيان الذنوب والآثام، وكل من صلى ولم يقم الصلاة لا يسلم من السقوط في الجرائم والموبقات.وهنا كلمة رددناها مئات المرات ولكن ما استجاب أحد، حيث قلت: إذا كنتم تريدون أن تتأكدوا فاذهبوا إلى محافظ المدينة أي مدينة، وقولوا: يا سيد! أعطنا قائمة بالمجرمين في هذا الشهر، وهم كثيرون، هذا سرق.. هذا كذب.. هذا عق أباه.. هذا سب فلاناً، فأقول: أنا أقسم بالله! لن تجدوا نسبة أكثر من خمسة في المائة من المقيمين الصلاة وخمسة وتسعون من تاركي الصلاة ومن المصلين، وأحياناً أقول: اذبحوني إذا ما صدقت، وفي أي بلد في العالم الإسلامي.فالذي يناجي ربه في الليل والنهار لا يفارق محاربه هل هذا ينغمس في المعاصي والذنوب والآثام؟ ما يستطيع، النور يمنعه، أما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فكل المخالفات نتيجة ترك الصلاة أو التهاون بها وعدم إقامتها.والآن أسألكم: لم يقول تعالى: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]ولم يقل: صلى؟لأن هذه عبادة إذا أديت على ما وضعها الله عليه تنتج النور للقلب، فإذا امتلأ القلب نوراً فاض على سمعه فلا يسمع باطلاً، فاض على لسانه فلا ينطق بسوء، فاض على عينيه فلا ينظر حراماً، غطاه النور، والذي يعيش في الظلمة أما يقع في الهاوية؟ معنى قوله تعالى: (وآتى الزكاة) ثم قال تعالى: وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] فضلاً عن الإنفاق العام في تلك الطرق الستة قال: (وآتى الزكاة)، فيعترف بها أنها قاعدة الإسلام، وآتاها وأعطاها أهلها، وما سميت الزكاة زكاة إلا لأنها تزكي النفس وتطهرها وتزكي المال وتنميه بإذن الله أيضاً، إذا أديت إيماناً واحتساباً وعلى الوجه الذي بين الله عز وجل بلا زيادة ولا نقصان فهذه من شأنها أن تزكي النفس البشرية وتطهرها كالصلاة، لكنها دون الصلاة، الصلاة كل يوم والزكاة في العام مرة. معنى قوله تعالى: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) قال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177] هذه لا تظنوها سهلة، والموفي من: أوفى، عاهد وأوفى، وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177] إذا عاهدوا الله أولاً أو عاهدوا رسوله أو عاهدوا إخوانهم أو عاهدوا من عاهدوا لا ينقضون العهد، ولو يترتب عليه هلاكهم أو ضياع مالهم. ومن لم يوف فهو مريض بالنفاق، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعطى رجاله أمارة، وما كان عندهم شرطة ولا مخابرات ولا أمن، كل مؤمن شرطي وخبير بالمخابرات وحام وحارس للبلاد والعباد، ولماذا نعمل نحن الآن المخابرات والشرط؟ لأننا هبطنا، فكل مؤمن يجب أن يكون في القرية حارساً أميناً يرعى الحق والفضيلة، وكم كان للرسول من شرطي؟ فكل مؤمن شرطي، أتمر بجريمة وتسكت؟ أتمر بفساد أو شر وتسكت؟ غيِّره فأنت المسئول، لكن قلدنا الغرب من جهة؛ لأن الغرب كفار لا يخافون الله، إذا جاع أكل أمه، لكن المؤمن إذا جاع يحتسب جوعته لله، ما يأكل مال أخيه، لكن لما هبطنا وأصبحنا لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر، بل نتآمر ونكون عصابات للشر، إذاً: لا بد من الشرطة والمخابرات والآلات، فاللهم سلم سلم، أو تريدون أن نقول لكم: اتركوا هذا؟ أسلموا يوماً واحداً فقط، هيا نسلم، والله! لتبيتن أبوابكم مفتوحة، أما وقد أعرضنا وما أسلمنا لله شيئاً فكيف إذاً يتحقق الأمن؟ هل لكوننا كنا مؤمنين؟يقول صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، إذا ضبطتم الرجل في القرية هكذا فألقوا القبض عليه فإنه منافق، ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)، والعياذ بالله. الحاجة إلى التربية المسجدية لإصلاح أخلاق المسلمين تدخل المحاكم في العالم الإسلامي فتتجلى في الخصومات أنواع الفجور، والخروج عن الآداب واللياقة والعقل والمعروف، ما علة هذا؟والله! لا علة إلا الجهل، قد يقال: كيف تقول: الجهل، والكليات والجامعات والمدارس من موريتانيا إلى إندونيسيا، أي جهل هذا الذي تعني؟ تريد منا أن نجعل في كل بيت مدرسة؟فأقول: الجهل بالله جل جلاله وعظم سلطانه، الجهل بمحابه تعالى ومكارهه، الجهل بما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، وهذه شريعته كائنة ما كانت، فالذي ما عرف الله بأسمائه وصفاته فما أحبه ولا خافه، فمثل هذا تأمنه؟ يفجر ويأكل ويسخط.إذاً: هيا نتعلم، وما الطريق؟ سوف أموت وتبقى هذه الكلمة مسجلة ولم تطبق، لم؟ أمة هبطت، كيف نطهر قلوبنا ونزكي أرواحنا؟ كيف نبعد ظلمة الجهل عن نفوسنا؟ المدارس كثيرة ووسائل التعليم لا حد لها ولكن ما نفعت؛ لأننا ما طلبنا العلم لله، ما وضعنا وسائله لله.الطريق الوحيد -اللهم اشهد- أن نراجع تاريخ الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحينئذ نجد أنفسنا كما كان رسول الله وأصحابه.إذا مالت الشمس للغروب في الساعة السادسة وقف دولاب العمل، الفلاح يرمي بالمسحاة ويوقف العمل، والتاجر يغلق باب المتجر، والعامل، حتى الكناس يلقي المكنسة، أهل البيت يحملون أطفالهم ويخرجون إلى بيت ربهم، ما إن يؤذن المغرب إلا وأهل القرية كلهم في المسجد، ما بقي أحد خارج المسجد إلا مريض أو من في حكم المريض، أهل الحي من المدينة ذات الأحياء إذا أذن المغرب لا يبقي من هو خارج المسجد، كلهم في بيت ربهم، النساء وراء ستارة ومكبرات الصوت تبلغهن الكلام، والأطفال صفوف كأنهم ملائكة دون النساء، والفحول مثلكم أمامهم، ويجلس لهم مرب يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وذلك كل ليلة، فليلة آية وأخرى حديثاً، وهم ينمون ويرتقون ويتعلمون ويعملون، وبعد سنة فقط لن تعثر على معصية في تلك القرية، فلم يبق شح ولا بخل ولا حسد ولا رياء ولا كبر ولا نفاق ولا زناً ولا سرقة ولا خلف العهد ولا كذب، كل ذلك يزول؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والكتاب والسنة يزكيان النفس ويطهرانها، سنة الله تعالى لن تتخلف أبداً، ومن مرض أو اشتد مرضه فليرحل ولا يقيم في الحي ولا في القرية، فلان رحل وما أطاق أن يعيش على نور الله، هذا هو الذي يزول به الجهل، لا المدارس والمكاتب والكليات، هذا هو الطريق، والمدارس افتحوها وتعلموا أنواع الصناعات فيها وتفوقوا، ما عندنا مانع، افتحوها ليتخرج علماء الكتاب والسنة والشريعة، أما التعليم الرباني الروحي المزكي للنفس الذي تظهر نتائجه في أول ساعة فهو في بيوت الله عز وجل، بـ(قال الله قال رسوله)، فتنتهي الفرقة والمذهبية نهائياً، أهل بيت الله يتعلمون كتاب الله وسنة رسول الله، لا إباضي ولا زيدي ولا رافضي، ولا مذهبي، هم مسلمون، والذي ما يطيق هذا النور فهو كالشيطان فليرحل، والله! ما يبقى في القرية أبداً ولا يبقى في الحي، يذهب إلى من هم على صفاته، فهذا هو الطريق.ولا غير هذا أبداً، وقلنا لهم: جربوا، ونحن سنزورهم، والله! لو أن أهل قرية التزموا بهذا المبدأ المحمدي وعاشوا سنة لذهبنا إلى دارهم لنشاهد كمالاتهم، ولكن ما وجدنا، كم مرة ونحن نعيد هذا الكلام، فأين العلماء؟ أين الأمراء؟ أين الأذكياء؟ أين الأغنياء؟ أين البصراء؟ خيم علينا ظلام المستقبل، فلا إله إلا الله! معنى قوله تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) قال تعالى: وَالصَّابِرِينَ [البقرة:177] أيضاً فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة:177]، هؤلاء أصحاب البر الحق، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ [البقرة:177]، والبأساء:حالة البؤس، قد تكون فقراً، والضراء: حالة الضرس، مرض أو غيره من آلام، لا يتتعتعون ولا يتزعزعون، فقير ما يشكو فقره إلا إلى الله، مريض لا يفارقه قول: الحمد لله .. الحمد لله، هذا الصبر لن يتم إلا لأصحاب العقائد التي مرت بنا، فهم الصابرون بحق في حال البأساء وحال الضراء. وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177] أي: وقت الحرب والشدة، البأس هنا القتال، إذا اندفعت كتائب الله تجاهد لا يتزعزعون والموت يتخطفهم، أولئك العالون السامون أين هم؟ في الملكوت الأعلى. معنى قوله تعالى: (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) أُوْلَئِكَ [البقرة:177] أشار إليهم بلام البعد، أولئك الذين صدقوا في أنهم مؤمنون، وادعوا الإيمان وقالوا: نحن مؤمنون، هؤلاء هم الذين صدقوا، ومن لم يكن على نهجهم وعلى التجمل بصفاتهم فما هو بصادق، ما صدق في دعواه الإيمان وأنه من أهل البر والتقوى. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] هؤلاء هم المتقون لسخط الله وغضبه وعذابه ونقمه، هؤلاء هم المتقون لغضب الله فلا يغضب عليهم، ولسخطه فلا يسخط عليهم، ولعذاب الله فلا يعذبهم، لا يخزيهم ولا يذلهم لا في دنياهم ولا في أخراهم، لما هم عليه من هذه المناعة الكاملة: إيمان وعمل صالح، فاللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآية الكريمة قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:في الآيات الثلاث السابقة لهذه الآية ندد الله تبارك وتعالى بأحبار أهل الكتاب وذكر ما توعدهم به من غضبه وأليم عقابه يوم القيامة، كما تضمن ذلك تخويف علماء الإسلام من أن يكتموا العلم على الناس طلباً لحظوظ الدنيا الفانية.وفي هذه الآية رد الله تعالى على أهل الكتاب أيضاً تبجحهم بالقبلة، وادعاءهم الإيمان والكمال فيه؛ لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بيت المقدس بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق؛ إذ الأولى قبلة اليهود والثانية قبلة النصارى، فقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ [البقرة:177] كل البر أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]، وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات.بين تعالى لهم البار الحق في دعوى الإيمان والإسلام والإحسان فقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أي: ذا البر أو البار بحق هو مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:177]، وذكر أركان الإيمان إلا السادس منها: القضاء والقدر، وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] وهما من أعظم أركان الإسلام، وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنه به على ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهو ينفق ماله على من لا يرجو منه جزاء ولا مدحاً ولا ثناء؛ كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسرى، وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]] أي: [ أدامها على الوجه الأكمل في أدائها، وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] المستحقين لها، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد الإسلام، وذكر من صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال، فقال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177]، وهذا هو مبدأ الإحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته.ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الإيمان والإسلام، وهم المتقون بحق غضب الله وأليم عذابه، جعلنا الله منهم، فقال تعالى مشيراً لهم بلام البعد وكاف الخطاب لبعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] ]. هذا معنى الآية. هداية الآية الكريمة ومن هدايتها: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية الكريمة:أولاً: الاكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض لا يعتبر صاحبه مؤمناً ولا ناجياً ]، فالذي يكتفي ببعض العبادات أو بعض التكاليف عن الأخرى ما آمن ولا هو بناج.[ ثانياً: أركان الإيمان هي المذكورة في هذه الآية، والمراد بالكتاب في الآية: الكتب.ثالثاً: بيان وجوه الإنفاق المرجو ثوابه يوم القيامة، وهو ذوو القربى... إلخ ] إلى آخر ما ذكر تعالى.[ رابعاً: بيان عظم شأن الصلاة والزكاة ]، ولو أن أهل إقليم أقاموا الصلاة فقط فوالله! لانتفت مظاهر الباطل كلها، ما بقي شيء اسمه جريمة، تقام الصلاة فقط، فإذا تركت الصلاة أو أهملت الصلاة تجلى الفسق والظلم والفجور في أعظم صوره.وقد استقل العالم الإسلامي من بريطانيا وفرنسا ومن إيطاليا، وما استطاعت دولة أن تأمر بالصلاة، فأنا في حيرة من هذا، فمن إندونيسيا إلى بريطانيا تستقل الحكومة عن الحكومة الغاصبة والمستعمرة ولا يصدر أمر بإقام الصلاة، ما السر في هذا؟العدو عرف قبل أن نعرف، فمن ثم نزع هذا من قلوب من ولاهم وسلطهم، عرفوا لو أن الصلاة أقيمت فإنه ينتهي الفقر والبلاء والذل والهون والجرائم كلها، تمسح مسحاً كاملاً إذا أقيمت الصلاة، لم؟أما قال الله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟ فالكذب والخيانة وخلف الوعد كل هذه المصائب من ترك الصلاة وعدم إقامتها.[ خامساً: وجوب الوفاء بالعهود.سادساً: وجوب الصبر وخاصة عند القتال ]؛ لقوله تعالى: وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177]. [ سابعاً: التقوى هي ملاك الأمر والغاية التي ما بعدها غاية للعاملين ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (116) الحلقة (123) تفسير سورة البقرة (81) كان بعض قبائل العرب يتعاملون مع قضايا القتل والثأر بنوع من التميز، ويتخذون لأنفسهم مقاماً أعلى من مقام الناس، ظناً منهم أن ذلك يجوز لهم، فإن قُتل لهم امرأة قتلوا بها رجلاً ممن سواهم، وإن قُتل لهم عبد قتلوا به حراً من غيرهم، فجاء الإسلام مبطلاً لذلك، ومبيناً لهم ضوابط الاقتصاص والأخذ بحق الدم، فلا يقتل بالعبد حر ولا عبدان، ولا بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان، لكن من قتل إنساناً قتل به، إلا أن يتنازل أولياء الدم إلى الدية أو العفو فلهم ذلك. قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله جل جلاله وعظم سلطانه.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178-179].معاشر المستمعين والمستمعات! أذكركم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، كما أذكركم بفضيلة أخرى هي لكم بإذن الله، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وهذه الآيات سبقت لنا دراستها في نداءات الرحمن؛ لأنها إحدى النداءات الإلهية، ولا بأس بتكرارها؛ إذ الشيء إذا تكرر تقرر، بهذا قال أهل العلم، فهيا إلى شرح هذه المفردات المباركة. شرح الكلمات قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، من الذي كتب؟ الله جل جلاله، وهذا الكتب بمعنى الفرض، وكتب في أي كتاب؟ في القرآن وكتاب المقادير اللوح المحفوظ، إذ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، واذكروا قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]، ونزل في ليلة القدر، واستمر نزوله ثلاثاً وعشرين سنة. وسطية الأمة في استيفاء الولي حق دم وليه قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: كتب: فرض، والقصاص: إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف ]، أما إذا رضي ولي الدم بالدية أو بالعفو فلا قصاص، وقد عرفتم فضيلة هذه الأمة؛ إذ كان القصاص فرضاً على بني إسرائيل ولا دية ولا عفو، لو قال ولي المقتول: آخذ دية، لم يقبل الحاكم بذلك، ولو قال: نعفو لوجه الله، لم يقبل الحاكم بذلك؛ وذلك لحكمة علمتموها: أن القوم قست قلوبهم وتمردوا على شرع الله وفسقوا عن أوامره، فلما عتوا أغلظ الله الحكم عليهم تأديباً وتربية.وأما النصارى من عهد عيسى عليه السلام فقد استقلوا أيضاً بديانتهم، فرض الله تعالى عليهم العفو، فلا قصاص ولا دية، من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر.وهذه الأمة أمة الوسط، وهي -في الحقيقة- البشرية اليوم كلها، وإنما من أجاب أصبح من أمة الإجابة، ومن أعرض أصبح من أمة الكفر والعياذ بالله، والكل نزل القرآن لهم، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ولهم.قال: [ في القتلى: الفاء سببية، أي: بسبب القتل ]، فقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178] أي: بسببه.[ والقتلى: جمع قتيل ]، قتيل وقتلى كمريض ومرضى. [ وهو الذي أزهقت روحه فمات بأي آلة ] كان القتل، بحصاة أو بعصا، بسيف أو برمح، الكل واحد. قتل العبد بالعبد وبيان تشوف الإسلام إلى تحرير الرقيق [ الحر ] في قوله تعالى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178] [ خلاف العبد ]، وهو كذلك، [ والعبد هو: الرقيق المملوك ].كلنا عبيد الله، ولكن فيما تعارفت عليه البشرية أن العبد من مُلِك وتُصرِف فيه، ولملكه عوامل وأسباب أظهرها: أن الحرب إذا أعلنت وانتصر فريق على آخر فسبيهم من الذراري والنساء والأطفال يسترقون، فإذا ما استرقوا ووزعوا على المجاهدين أو المقاتلين يصبح كل واحد مالكاً لعدد من أولئك العبيد، جاء الإسلام والحال هكذا في العالم بأسره، فلم يشأ الله أن يبطله رأساً وفوراً؛ لما في ذلك من تبعات ومسئوليات وقضايا قد لا يتمكن ولاة المسلمين من تنفيذها، لكنه عمل على تحرير الأرقاء.واذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة حين يصبح كان له عدل عشر رقاب )، ففيه الترغيب بتحرير العباد المسترقين.واذكر لذلك: أن من حلف بالله لا أعطيك، أو بالله لأعطينك وحنث فعليه كفارة، بم يكفِّر هذا الذنب الذي علق بنفسه؟ وسبب الذنب هو أنه نسي أو غفل عن أنه لا يملك أن يعطي ولا يأخذ، أنفاسه مملوكة لله، فمن أين لك القدرة على أن تفعل أو لا تفعل، أتملك ذلك أنت؟ المفروض أن تقول: إن شاء الله، أو: إلا أن يشاء الله، فإذا ما قلت هذا وتجاهلت وقلت: والله! لأفعلن، ثم عجزت تعلق بك إثم لا يمحى ولا يزول أثره إلا بما حدد الشارع وعين، إذاً: فمن حنث فليكفِّر أولاً بعتق رقبة، فإن لم يجد فبإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذه دعوة إلى تحرير العبيد أم لا؟ومن ظاهر من امرأته وقال: أنت عليَّ كأمي أو كأختي، فعليه كفارة، لم؟ لأنه كذب، لأنه حرم ما أحل الله، كيف تكون كأمك أو كأختك؟ فتعلق به إثم عظيم، بم يزول هذا الإثم؟ هل بالتوبة؟ لا تكفي التوبة هنا، شاء الله أن يكون المزيل لهذا الأثر هو أن تعتق رقبة وتحررها لتعبد الله عز وجل، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت فإطعام ستين مسكيناً، هذا من عوامل تحرير العبيد أم لا؟والشاهد عندنا في اصطفاء الله لهذه الأمة وتفضيله لها على غيرها من الأمم، ومن ذلك هذه التي نعالجها وهي القصاص، فالحر بخلاف العبد، والعبد هو الرقيق المملوك. حكم قتل المسلم بالكافر وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178]، هناك لطيفة في كلمة: (من أخيه)، هل هو أخوه ابن أبيه أو ابن أمه؟ هذه أخوة الإسلام، والسر فيها: أن الكافر لا يقتل بالمؤمن، ليس الكافر بأخينا حتى إذا قتلناه نُقتل بسببه، وهذا الذي عليه جماهير العلماء والأئمة من الصحابة والتابعين؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون تتكافؤ دمائهم )، ثم قال: ( ولا يقتل مسلم بكافر )، لو قتل مسلم كافراً من أي جنس فهل يقتل هذا المسلم؟الجواب: لا؛ لأن دمه لا يتكافأ مع دم المؤمن، والسر وراء ذلك: هو أن هذا المسلم لما أبقي على حياته يبقى يذكر الله ويشكره، والذكر والشكر سر الحياة كلها ووجودها، فإذا قتلناه عطلنا هذا الخير، وحرمناه منه، وعطلنا الملائكة الذين كانوا يكتبون؛ فلهذا من الحكمة أن المسلم لا يقتل بكافر: ( لا يقتل المسلم بكافر )، ما السر في هذا؟الكافر لو قُتل أو ترك هل يعبد الله؟ هل يذكر الله ويشكره؟ لولا رحمة الله والرجاء أن يسلم لم يكن له حق أن يأكل ولا يشرب ولا يتنفس الهواء، لولا رجاء أن يسلم ويعبد الله لم يكن له حق في الحياة، إذ خلق الله كل شيء من أجلنا وخلقنا نحن من أجل أن نعبده، وكثيراً ما تترد هذه الجملة، لو سئلنا عن سر الحياة وعلة الوجود ما هي؟ فإنا نقول: ذكر الله وشكره، أراد الله أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون وأوجد هذه البشرية، فمن عطل ذكر الله وشكر الله فكفر بالله ونسيه لا حق له في الحياة، فلم يأكل ويشرب؟ وهل هناك سر غير هذا؟ والله! لا وجود له فيما نعلم.فمن هنا هذه اللطيفة في الآية: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] أي: في الإسلام والإيمان، أما إذا كان ليس بأخ فلا قصاص. الواجب على الولي والقاتل حال العدول عن القصاص قال: [ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فمن تنازل له ولي الدم عن القود إلى الدية أو العفو ].ما معنى: ولي الدم؟ إذا قلت لأخيك: أنت ولي الدم، قتل عمك فأنت ولي الدم.قال: [ فمن تنازل له ولي الدم عن القود ] وقال: لا أقتادك إلى المجزرة حيث القصاص، تنازل عن القود إلى الدية أو العفو، عفونا عنك، اعبد الله والأجر لنا ولك، أو: قال: أعطونا المبلغ الذي أعطانا الله. [ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:178]: فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف ]، أي: [ بالرفق واللين ].[ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]: وأن يكون أداء الدية بإحسان خالياً من المماطلة والنقص ] وما إلى ذلك، فهذه تعاليم ربانية، هذا هو الأدب الإلهي، الله يؤدب عباده في هذا الكتاب وعلى لسان من أنزل عليه هذا الكتاب. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] المؤمن شَيْءٌ [البقرة:178] تنازل عن القصاص عن القود ورضي بالدية، فيا من وجبت عليك الدية! تأدب عند أدائها لا تماطل ولا تنتقص منها لا تأتي بأشياء غير سليمة كالإبل يأتي ببعض الأبعرة المريضة أو لا تساوي شيئاً، وأنت أيها المطالب بالدية وقد عفوت ورضيت بالدية أيضاً اطلبها بالتي هي أحسن، لا تعنف وتؤذي هذا المؤمن وقد عفوت عنه، هذه الآداب أين توجد في غير القرآن العظيم؟ والمسلمون عنه معرضون. [ ذَلِكَ [البقرة:178] ] أي: ما سمعتم من الأحكام [ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:178] أي: ذلك الحكم العادل الرحيم وهو جواز أخذ الدية بدلاً من القصاص تخفيف عنكم من ربكم؛ إذ كان في شرع من قبلكم القصاص فقط أو الدية فقط، وأنتم مخبرون بين العفو والدية والقصاص ].أي توسيع أعظم من هذا؟ فقولوا: الحمد لله، الحمد لله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
حكم قتل القاتل بعد أخذ الدية وقوله تعالى: [ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ [البقرة:178] يريد ] أن [ من أخذ الدية ثم قتل فإنه يتعين قتله لا غير ].رجل قتل آخر فأهل القتيل أخذوا الدية وقالوا: نتنازل عن قتله إلى الدية، ولما أخذوا الدية قتلوه، اعتدوا وقتلوه، فما الحكم؟قال: [ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ [البقرة:178] يريد: من أخذ الدية ثم قتل فإنه يتعين قتله لا غير ] عند بعض أهل العلم.قال في الهامش: [ اختلف فيمن قتل بعد أخذ الدية:فقال مالك والشافعي وكثير من العلماء: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة ].مالك والشافعي قالا: هذا كالذي قتل ابتداء، أولياء المقتول مخيرون: إن شاءوا عفوا وإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية، وهذا مذهب الجمهور في هذه القضية.[ وقال آخرون: عذابه أن يقتل، ولا يمكِّن الحاكم الولي من العفو ]، لو قال ولي الدم: أنا عفوت، يقول الحاكم: لا بد من قتله، من أجل هذه الجرأة والوقاحة، كيف يقبل الدية وبعد ذلك ينتقم ويقتل؟[ وقال عمر بن عبد العزيز ]، وعمر بن عبد العزيز كان أميراً على المدينة، وجاء الحر في مثل هذه الأيام، وكان مولاه يروح عليه حتى ينام؛ إذ ما هناك حيلة، فالمرأة تروح على زوجها، والولد على والده، والصديق على صديقه، والعبد على مولاه، فأخذ النعاس العبد فنام أيضاً، فاستيقظ عمر وإذا بمن يروح عليه نائم، فأخذ المروحة وأخذ يروح عليه، فاستيقظ العبد فقال: لا تخف، ما الفرق بيني وبينك؟ أنت عبد الله وأنا عبد الله، نم أروح عليك، فمن يرقى إلى هذا المستوى؟وكان والياً لعمه الخليفة بالشام، ولما ولي الخلافة انكسرت درجة من درج بيته، فقالت المرأة أو الخدم: يا سيدي! الدرجة الفلانية لا بد من إصلاحها، قال: لا أصلحها، ما دمت قد وليت أمر المسلمين فلا أضع لبنة على أخرى، لا أبني بيتاً ولا منزلاً ولا أصلح درجة! هذا الزهد الحقيقي.إذاً: عمر بن عبد العزيز ماذا قال في هذه القضية؟ قال رحمه الله: [ أمره إلى الإمام ]، أمر هذا القاتل الذي أخذ الدية وقتل إلى الإمام، فينظر الإمام هل تحدث هذه القضية اضطرابات بين القبائل.. بين الأفراد.. بين الأسر، فالأمر الذي يراه يحقق الأمن والاستقرار يطبقه، ويجوز اجتهاداً منه ومن أئمة العلم. المساواة في القصاص وما معنى القصاص في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]؟قال: [ القصاص: المساواة في القتل والجراحات وفي آلة القتل أيضاً ].المساواة في القتل، قتل واحد فلا يقتل به اثنان، والجراحات تقدر حتى بالمعاير والمقاييس وتتساوى، وفي آلة القتل كذلك، هذا قتل برصاص فما تقتله أنت بعصا، فالمرء مقتول بما قتل، قاعدة وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.وقد ورد أن يهودياً قتل جارية مسلمة رضخ رأسها بين حجرين، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقتل كذلك، وهذا هو معنى القصاص. تحقق حياة الناس بالقصاص قال: [ حياة ] في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] أي: [إبقاء شامل عميم، إذ من يريد أن يقتل يذكر أنه سيُقتل فيترك القتل فيحيا ] إذاً، [ ويحيا من أراد قتله، ويحيا بحياتهما خلق كثير وعدد كبير ].وصدق الله العظيم: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] عظيمة كثيرة، وجهها: [ إبقاء شامل عميم، إذ من يريد أن يقتل ] أول مرة [ يذكر أنه سيُقتل فيترك القتل فيحيا، ومن أراد قتله يحيا ]، وهكذا يحيا بحياتهما أيضاً آخرون، وهذا معنى قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179].وقوله: [ أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179] ] في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، أولي وأولو مثل: ذو وذي بمعنى صاحب، هذا ذو المصحف الفلاني، هذا ذو السيارة الفلانية، بمعنى صاحب، هذا ذو الدار أو ذو الخلق العظيم، هؤلاء أولو الدار الفلانية، بمعنى: أصحابها، أولو: بمعنى أصحاب.[ أولو الألباب: أصحاب العقول الراجحة ]، الألباب: جمع لب، ولب الخبزة وسطها اللذيذ منها، ولب الإنسان أيضاً قلبه، أعظم جزء في الإنسان وأبركه وأطيبه القلب: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).إذاً: أصحاب الألباب أي: أرباب العقول، ذوو العقول.قال: [ أصحاب العقول الراجحة ]، أما العقول المرجوحة التائهة فلا قيمة لها، أولو الألباب: أصحاب العقول الراجحة الثقيلة الوزن التي لا تتحرك بسرعة فتخطئ.قال: [ واحد الألباب: لب، وهو في الإنسان العقل ].وقوله: [ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] ليعدكم ]، هذه (لعل) ليست للترجي، بل للإعداد، قال بعض أهل العلم -وأصابوا-: هذه لعل الإعدادية.أي: [ ليعدكم بهذا التشريع الحكيم لاتقاء ما يضر ولا يسر في الدنيا والآخرة ]. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، شرعنا هذا الحكم بالقصاص لماذا؟ لنعدكم للتقوى فتتقون ما يؤذيكم ويضركم في دنياكم وفي آخرتكم، ولله الحمد والمنة. هذا شرح الكلمات، فهيا بنا إلى معنى الآية الكريمة. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: هذه الآية نزلت في حيين من العرب كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر، فلذا يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة تطاولاً وكبرياء، فحدث بين الحيين قتل وهم في الإسلام، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]، أجمله تعالى وتركه هكذا، وأهل العلم والحكم يوفقهم الله لما فيه الخير، فما قالوه لا يخطئون؛ لأن اللفظ عام. فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178-179]، ليعدكم بذلك إلى التقوى، نتقي ماذا؟ البلاء والشقاء الخسران والعذاب في الدنيا والآخرة.قال: [ هذه الآية نزلت في حيين كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر؛ فلذا يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة تطاولاً وكبرياء، فحدث بين الحيين قتل وهم في الإسلام، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية تبطل ذحل الجاهلية وتقرر مبدأ العدل والمساواة في الإسلام ].تبطل ذحل الجاهلية: الذحل هو يجمع على ذحول، أي: الثأر الذي كان في نفوس أهل الجهالة؛ ولهذا ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة )، اللهم لا تجعل واحداً منا منهم، ( إن من أعتى الناس على الله يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله )، قتل ابن عمه أو أباه أو أخاه، قتل غير الذي قتل، ( رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل في الحرم )، في حرم مكة أو المدينة، ( ورجل أخذ بذحول الجاهلية ) جمع ذحل، أي: بعاداتها الباطلة من الثأر إلى غير ذلك.الله أكبر! هكذا إذاً نطوي الكتاب، العرب والمسلمون اليوم كلهم من أعتى الناس على الله يوم القيامة، يطبقون شرائع الغابات، لا قصاص أبداً يعرفونه.فالآن العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يطبق شريعة الله ويأخذ بقوانين الشرق والغرب وهم أجهل الجاهلين، لا إله إلا الله! قال: [ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178]، فلا يقتل بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان، ولا بالعبد حر ولا عبدان، فمن تنازل له أخوه ]، أخوه في الإسلام، [ فمن تنازل له أخوه -وهو ولي الدم- عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقاً فليتبع ذلك، ولا يقل: لا أقبل إلا القصاص، بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه ]، لو أن القاتل قال: اقتلوني، وأولياء الدم قالوا: لا نقتل، سنأخذ الدية، عفونا عنك، فلا يؤخذ برأيه.قال: [ ولا يقل: لا أقبل إلا القصاص، بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو، وليطلب ولي الدم الدية بالرفق والأدب، وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث لا يماطل ولا ينقص منه شيئاً ]، هذا كله تقرر عندنا زادنا الله وإياكم علماً. [ ثم ذكر تعالى منته على المسلمين ] ولله الحمد والمنة، [ حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيراً بين ثلاثة: العفو، أو الدية، أو القود ] أي: [ القصاص، في حين أن اليهود كان مفروضاً عليهم القصاص فقط، والنصارى الدية فقط.وأخبر تعالى بحكم آخر في هذه القصة، وهو: أن من أخذ الدية وعفا عن القتل ثم تراجع وقتل، فقال: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]، واختلف في هذا العذاب الأليم هل هو عذاب الدنيا ] بالقتل [ أو هو عذاب الآخرة؟ومن هنا قال مالك والشافعي : حكم هذا المعتدي كحكم القاتل ابتداء: إن عفي عنه قبل، وإن طولب بالقود أو الدية أعطى. وقال آخرون: ترد منه الدية ] التي أخذها [ ويترك لأمر الله ]، نقول له: أعطنا الدية واذهب، نتركك لله عز وجل.[ وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: يرد أمره إلى الإمام يحكم فيه بما يحقق المصلحة العامة.ثم أخبر تعالى: أن في القصاص الذي شرع لنا وكتبه علينا مع التخفيف حياة عظيمة؛ لما فيه من الكف عن إزهاق الأرواح وسفك الدماء، فقال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] ].واضح معنى الآيات، ولو درسنا القرآن هكذا ما بقي مؤمن غير عالم. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية الكريمة ]، كل آية فيها هداية تحملها، كما أن كل لقمة فيها مادة مغذية.قال: [ من هداية الآية الكريمة:أولاً: حكم القصاص في الإسلام وهو المساواة والمماثلة، فيقتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة، ويقتل القاتل بما قتل به مماثلة ]، فالسكين بالسكين -كما علمتم- والرصاصة بالرصاصة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ ( المرء مقتول بما قتل به )، ولما كان العبد مقوَّماً بالمال فإنه لا يقتل به الحر ]، وهذا عرفناه وتقرر عندنا؛ لأن الحر إذا قتل العبد فالعبد هذا يباع في السوق وقيمته معروفة، إذاً: يعطى هذا المبلغ لمولاه وسيده ينتفع به ولا يُقتل هدراً، وهذا الذي عليه الجمهور، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن العبد يُقتل بالحر والحر يُقتل بالعبد، فخالف الجمهور.قال: [ وعليه الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد ، وخالف أبو حنيفة ] رحمه الله، [ فرأى القود، فيقتل الحر بالعبد أخذاً بظاهر الآية ]، فـأبو حنيفة احتج بآية المائدة: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]. [ ثانياً: محاسن الشرع الإسلامي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو والدية بدل القصاص.ثالثا: بلاغة القرآن الكريم ]، ما وجه ذلك؟ [ إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون: القتل أنفى للقتل ].حكماء العرب في الجاهلية أطلقوا هذه الحكمة وقالوا: القتل أنفى للقتل، ما معنى: القتل أنفى للقتل؟أي: إذا قتل قيل: اقتلوه، فهذا يجعل حداً للقتل، فالقتل أنفى للقتل، فماذا قال القرآن الكريم؟ [ فقال القرآن: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] ]، ما ذكر القتل؛ لأن لفظ القتل مزعج.[ فقال القرآن: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، فلم يذكر لفظ القتل بالمرة، فنفاه لفظاً وواقعاً ]، فقال: فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] لأننا إذا تركنا القتل فهذا المؤمن يعبد الله عز وجل.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم دائماً بما ندرس ونتعلم ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (117) الحلقة (124) تفسير سورة البقرة (82) بعد أن ذكر الله في الآيات السابقة أحكام القصاص، ثنى هنا بذكر الوصايا لارتباطها بمن استحق حكم القصاص وأن عليه أن يوصي للوالدين والأقربين، ولكن هذه الآية نسخت بآية المواريث، ونسخ الحكم بالوجوب في الوصية إلى الاستحباب، فصارت الوصية مستحبة لغير الوالدين أو الأقربين الوارثين، إلا أن يجيز ذلك بقية الورثة. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله. نسخ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) بآية المائدة وكنا مع قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].وهذه الآية نسخت بآية سورة المائدة، في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].وقد قلنا: كان العرب -أي: حكماؤهم- يطلقون كلمة يعتزون بها؛ لأنها من حكمهم، فنزلت آية طمستها ولم يبقَ لها أثر، حيث كانوا يقولون: القتل أنفى للقتل. ونزلت الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]. ذكر سبب نزول آية القصاص في القتلى وبيان وسطية الأمة فيه وسبب نزول هذه الآية التي نسخت، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ .. [البقرة:178]، نزلت في قبيلتين من العرب، كانت إحداهما تتفوق في الشرف والمكانة، فكان إذا قتل منهم امرأة يقتلون من القبيلة الثانية رجلاً، ما يقبلون امرأة، وإذا قتل منهم عبد قتلوا حراً، فأبطل الله هذا، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178]، ونزلت آية المائدة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45].وهل القصاص خاص بالنفس أو يتناول الأعضاء؟ يتناول الأعضاء، فالعين بالعين، والأنف بالأنف.. حتى الجراحة تقدر بمقاييس، وهذه نعمة فازت بهذه الأمة الإسلامية دون غيرها، فقد كان حال اليهود القتل في النفس فقط، إذا قتل اليهودي فلا بد أن يقتل، لا دية ولا عفو، بل القصاص تأديباً لهم، لأنهم قساة القلوب، وكان النصارى بعدهم: لا دية ولا قصاص، فمن صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، لِم هذا؟ تربية وتأديب، فجاءت أسمى الأمم وأشرفها فأعطيت الثلاثة: إن شئتم قتلتم، إن شئتم أخذتم دية، إن شئتم عفوتم، الأمر واسع لكم، ونعم السعة هذه.وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] أي أن الذي يريد الدية يتبعها ويطالب بها بالمعروف، لا بالعنف والشدة، والذي يؤدي الدية ينبغي أن يؤديها أيضاً بلا مماطلة ولا نقصان. امتناع قتل المسلم بالكافر وذكرنا في قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] لطيفة في قوله تعالى: (من أخيه)، أي: في الإسلام، وبناءً على هذا فالكافر إذا قتل مسلماً فلا عفو ولا دية، الكافر إذا قتل مسلماً فالقصاص، لا عفو ولا دية، أنت تعفو عنه ليواصل كفره بالله وشركه! ما استفادت الدنيا، لكن المؤمن إذا عفوت عنه عبد الله سنين، والكافر ماذا يصنع؟ يزداد في الظلم والشر والخبث، إذاً: فالموت خير له، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178]، لا ابن أبيه أو أمه، أي: في الإسلام.ولا يقتل مسلم بكافر، وفي الحديث الصحيح: ( لا يقتل مسلم بكافر )، قد يقول الجفاة: هذا تعصب، وهذه شدة، وهذه غلظة!والجواب: أن الكافر ميت، أتقتل حياً بميت؟ أتميت حياً بميت؟ وقد تقرر عندنا أن الكافر حكمه حكم الميت، فالكافر من حقه أن لا يحيا ولا يعيش؛ لأنه خلق لعبادة الله بذكره وشكره فعطلها، إذاً: لِم يأكل ويشرب ويتنفس الهواء إلا رجاء أن يؤمن ويعبد الله، فلهذا لا يستحق القتل أبداً إلا قصاصاً، رجاء أن يسلم غداً أو بعد غدٍ فيعبد الله، فلهذا فالمؤمن حي يسمع ويعي، ينطق ويفهم، ويأخذ ويعطي، ولهذا كلفناه بالغسل فاغتسل، وبالحج فحج، وبالصيام فصام، وكلف كافراً فهل سيصوم؟ هل سيصلي؟ سيغتسل من جنابة؟ كلا، لأنه ميت، فلا نكلفه، وأهل الذمة في ديار المسلمين لا يكلفون، لا بصلاة ولا صيام، ولا بحج ولا زكاة، ولا بجهاد، ولا برباط، شأنهم شأن الموتى، فإذا أسلموا حيوا، وحينئذ كلفهم ولا تخف. تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين ...) مناسبة الآية الكريمة لما قبلها ونحن الآن مع آيات أخرى، والمناسبة بينها وبين السابقة أنه لما ذكر تعالى القصاص، والقصاص موت، فهذا الذي أريد أن يقتص منه له وصايا، فينبغي أن يوصي، فمن هنا قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].فهيا نسمع الآيات مرتلة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:180-182]، هذه آيات الأحكام. كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180]، الخطاب لمن؟ للمؤمنين قطعاً، ومعنى (كتب): فرض، وكتب في اللوح المحفوظ وفي القرآن العظيم. معنى قوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت) كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180] ماذا؟ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180]، بمعنى: إذا جاءه الموت وعرفنا مجيئه، لا أنه جاء في شخصية بارزة، وإذا جاء الموت فحينئذ ما بقيت وصية، فالمعنى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180] أي: حضرت أسبابه وعوامله، ومقتضياته، صدر الحكم على فلان بالقتل، قد يقتل بعد سنة، لكن يعتبر أنه حضر الموت، فليوصِ بما لديه وما عنده لغيره ولنفسه، ومن هذا قول الشاعر:أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءهذا جرير سمى نفسه الموت، باعتبار أنه سبب الموت، فقال وهو يهجو الفرزدق في مناورات عجيبة، قال له: أنا الموت الذي حدثت عنهفليس لهارب مني نجاءوالشاهد عندنا في ذكر الموت، والمراد أسبابه ومقتضياته وعوامله، وإن لم يحضر هو بعد عام أو أعوام. معنى قوله تعالى: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) قال تعالى: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ [البقرة:180] أيها المؤمنون الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] إن ترك الذي حضره الموت ولاحت أعلامه ودلائله وبراهنه، ككبر السن مثلاً، فماذا يفعل؟ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] ما الخير الذي يتركه الإنسان؟ المال، صامتاً كان أو ناطقاً، كالأراضي.. الدكاكين.. الإبل.. البقر.. الذهب.. الفضة، كل ما يتمول يسمى مالاً وخيراً. إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] أي: فالوصية، فالوصية هنا من حيث هي واجبة، لا يحل لمؤمن أن يبيت وله ديون أو عليه ديون ولم يكتب وصيته عند رأسه، بهذا جاءت السنة الصحيحة: ( ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، إن كانت له حقوق أو عليه حقوق، حتى لا تضيع بموته، فمن الناس من لهم حقوق عند آخرين، فالورثة يفقدونها إذا مات، ومن الناس من عليه حقوق للآخرين إذا مات وما كتبها فالورثة يجحدون، ينكرون، ويعذب هو، إذاً: الوصية.وهنا لطيفة لأهل النحو: لِم ما قال: إن ترك خيراً فالوصية؛ إذ إن (إن) الشرطية الجواب بعدها يكون مقروناً بالفاء: من حضرته الصلاة فليقم، من حضره الطعام فليأكل أو ليتقدم. والجواب: حذفت هذه الفاء من باب التخفيف: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]، بدلاً من: (فالوصية)، وهذا الكلام الإلهي الراقي السامي تتجلى فيه آيات الإعجاز في بلاغته وفصاحته في مثل هذه المواطن، وهذا معروف بالضرورة: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]؟ أي: وصية واجبة عليه أن يفعل كذا وكذا. ومن هذا قول الشاعر:من يفعل الحسنات الله يشكرهاوالشر بالشر عند الله مثلان.والشاهد: من يفعل الحسنات الله يشكرها، كان المفروض أن يقول: فالله يشكرها، ولكن ضرورة الشعر والهروب إلى التخفيف، ما قال: (فالله)، لو قال: فالله فإنه ينخرم الوزن. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
نسخ الوصية للوالدين والأقربين بآيات المواريث والشاهد عندنا في قوله: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].وهنا نسخ هذا اللفظ بالذات، ما هذا اللفظ؟ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] الواجبة لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا [البقرة:180] واجباً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180]، هذا قبل نزول آية المواريث، قبل أن تنزل سورة النساء، وفيها: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] إلى آخر الآيات.فقد فرض الله أولاً على المؤمنين إذا حضر أحدهم الموت أن يوصي لوالديه أولاً ثم الأقربين كالأبناء والإخوان وما إلى ذلك، إذ ما كانت قسمة، وهذا هو التدرج والترقي لتبلغ هذه الأمة كمالها في ظرف ثلاث وعشرين سنة.أمك قبل كل شيء، أوص لها بشيء، وأبوك كذلك، ثم الأقرب فالأقرب، هذا قبل نزول آية المواريث، قبل قسمة المواريث التي أنزلها الله فيما بعد. إذاً: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180] معناه: واجباً على الذين يتقون غضب الله وسخطه، الذين يتقون النار وما فيها من عذاب مقيم، حق واجب عليهم، وهذه الآية منسوخة، وبقيت فيها أحكام لم تنسخ، منها ما علمتم من أنه لا ينبغي لمؤمن له حقوق أو عليه حقوق أن يبقى ثلاثاً وليست وصيته عند رأسه. حكم الوصية للوارث ثانياً: أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يوصي المؤمن أو المؤمنة بثلث ماله في وجوه البر والإحسان، ولا يوصي للورثة، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( لا وصية لوارث ) خلدت هذه الكلمة، قلها يا عبد الله، فالوارث له حق في التركة أم لا؟ فلِم توصي له؟ لو فتح الله هذا الباب لكان الرجل يوصي لمن يشاء من أحبائه، من أبنائه وأعمامه وأخواله، لكن الباب أغلقه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ) ما معنى هذا الكلام؟ أي: لا توصِ بالثلث أو بالربع أو بالسدس أو بشيء لواحد من ورثتك وأنت تموت، وأجاز أهل العلم أخذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي لوارث بشرط أن يرضى بذلك سائر الورثة، فيقول: يا أبنائي.. يا إخوتي: إن فلاناً أعمى أو أعرج، أو أمي كذا، ونريد أن نوصي له بشيء، فهل توافقون؟ قالوا: نوافق ونوقع، أوص لأخينا مثلاً، فإن أجازها الورثة أجمعون جازت.فـ ( لا وصية لوارث )، فإذا رضي الورثة بأن عرض عليهم الهالك أن فلاناً أو فلانة في حاجة إلى كذا، وذكر الأسباب والعوامل، فاقتنع الورثة كلهم، وقالوا: لا بأس فإنه يجوز، أليس هو خيراً أو لا؟ أصبح الورثة قد تصدقوا على هذا، ولهم أجرهم، كأنهم اشتركوا في صدقة، فيجوز. حكم رجوع الموصي عن الوصية وهل للموصي أن يتراجع عن وصيته قبل أن يموت؟ الجواب: نعم. أوصى بالبستان الفلاني للفلانيين، أو الدار الفلانية للفلانيين، ثم أصابه ضعف أو مرض أو حصل له موانع فتراجع وأبطل الوصية وهو حي، وهي لا تنفذ إلا بعد موته، حتى ولو كتب، والوصية بالكتابة وبالشهود، أوصى لابن عمه الذي ليس من الورثة، ولاحظ فيه بعد أعوام أو أيام التمرد والفسق والباطل والشر، فقال: أنا ما أعطي مالي لهذا ليعصي به الله، فأبطل الوصية عند القاضي، فيجوز إبطالها، فله أن يوصي ثم يتراجع لأمر شرعي أو لنظرية سديدة صالحة، فله الحق في ذلك ما لم يمت أو يحضره الموت. تفسير قوله تعالى: (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) وقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ [البقرة:181]، إذا أوصى المؤمن بوصية وأشهد اثنين وسمعا، ثم لما مات بدلا وغيرا، فهل يأثمان أو لا؟ يأثمان، والمتوفى ما يأثم: فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181]. وقوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181] تهديد، إياك أن تظن أنك وحدك، وتغير الوصية وتزيد وتنقص، فمعك السميع العليم، السميع لأقوالك، العليم حتى بنياتك وإراداتك. تفسير قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه ...) قال تعالى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، من هو هذا؟ أنت حاضر في المجلس، وخفت من هذا الذي يوصي ميلاً عن الحق، أو رأيت منه جنفاً واضحاً في وصيته، حيث قال: تعال يا فلان، يا فلان، أنا مريض أشهدكم على وصيتي، فَمَنْ خَافَ [البقرة:182]، منكم مِنْ مُوصٍ [البقرة:182]، من هذا الموصي جَنَفًا [البقرة:182] ميلاً، إما عن جهل وإما عن عدم بصيرة، خاف ميلاً عن الحق في وصيته أَوْ إِثْمًا [البقرة:182]، بمعنى أنه متعمد الحيف والجور في وصيته، قال: فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ [البقرة:182]، قال للموصي: هذا ما ينبغي، ما يجوز هذا، كيف تحيد، كيف تجور؟ ما الفرق بين ابنك إبراهيم وخالك فلان أو عمك فلان، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، فهذا غير الوصية وبدلها؛ لأنه كان فيها انحراف واعوجاج، فتحمل واجتهد وأصلح تلك الوصية ومضى بها على الوجه المطلوب، فهل حين بدل وغير يعتبر آثماً؟الجواب: لا، فإن الله قال: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]؛ لأنه أصلح فاسداً، لا لرغبة ولا لهوى، ولكن للحق وحب الخير، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182]، لِم لا إثم عليه؟ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:182]، يغفر له ويرحمه، ويغفر للموصي الذي مال وصوبناه، أو انحرف، بل سقط في الإثم وأنقذناه، وإن كان مريضاً ومات بعد ساعات، لكن لما استقر الوضع على وصية شرعية فلا إثم عليه، لِم؟ لأن الله غفور رحيم، فيغفر له ويرحمه، هذا معنى الآيات، ونقرؤها في الكتاب. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: كُتِبَ [البقرة:180]: فرض وأثبت. خَيْرًا [البقرة:180] أي: مالاً، نقداً أو عرضاً أو عقاراً ]، والعقارات: الأراضي والمباني، والنقد: الدينار والدرهم.[ الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] الوصية: ما يوصى به من مال وغيره. بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:180] هو ما تعارف عليه الناس كثيراً أو قليلاً؛ بحيث لا يزيد على الثلث ]، لا تزيد وصيتك على ثلث مالك، لو أوصيت بثلثين أو بنصف فالقاضي يبطل هذه الوصية، ما عندك أبناء ولا آباء، عندك أبناء عم أغنياء، فقلت: إذاً: أوصي بالنصف فلا، فالقاضي لا يقر ذلك، أو بالثلثين، فهذا حسد للورثة، ما أنت بمسئول عن غناهم وفقرهم.إذاً: الذي تعارف عليه المسلمون: أن الوصية لا تزيد على الثلث، سواء لحي أو ميت.قال: [ فَمَنْ بَدَّلَهُ [البقرة:180] التبديل: التغيير للشيء بآخر. جَنَفًا أَوْ إِثْمًا [البقرة:182]، الجنف: الميل عن الحق خطأ، والإثم: تعمد الخروج عن الحق والعدل ].هذه كلمات تحتاج إلى شرح، والآن مع معنى الآيات. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات: بمناسبة ذكر آية القصاص، وفيها: أن القاتل عرضة للقتل، والمفروض فيه أن يوصي في ماله قبل قتله؛ ذكر تعالى آية الوصية هنا، فقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180] أيها المسلمون إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] إن ترك مالاً الْوَصِيَّةُ [البقرة:180] أي: الإيصاء لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بآية المواريث ]، في سورة النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ .. [النساء:11] إلى آخر الآيات، [ وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ) .ونسخ الوجوب وبقي الاستحباب، ولكن لغير الوالدين والأقربين الوارثين، إلا أن يجيز ذلك الورثة، وأن تكون الوصية ثلثاً فأقل ] إن أجاز الورثة، [ فإن زادت وأجازها الورثة جازت؛ لحديث ابن عباس عند الدارقطني : ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) ]، إذا أجاز الورثة ما فوق الثلث فلهم ذلك؛ لأن المال مالهم إذا أرادوا أن يتطوعوا.[ ودليل الاستحباب ] استحباب الوصية [ حديث سعد في الصحيح؛ حيث أذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في الوصية بالثلث. وقد تكون الوصية واجبة على المسلم، وذلك إن ترك ديوناً لازمة أو حقوقاً واجبة في ذمته، فيجب أن يوصي بقضائها واقتضائها بعد موته، لحديث ابن عمر في الصحيح: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، هذا ما تضمنته الآية الأولى، وهي المائة والثمانون. وأما الآية الثانية -وهي: المائة وإحدى وثمانون- فيقول تعالى لعباده المؤمنين: فمن بدل إيصاء مؤمن أوصى به بأن زاد فيه أو نقص، أو غيره، أو بدل نوعاً بآخر؛ فلا إثم على الموصي، ولكن الإثم على من بدل وغير، وختم هذا الحكم بقوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181]، تهديداً ووعيداً لمن يقدم على تغيير الوصايا لغرض فاسد وهوى سيئ. وفي الآية الأخرى أخبر تعالى: أن من خاف من موصٍ جنفاً أو ميلاً عن الحق والعدل بأن جار في وصيته بدون تعمد الجور، ولكن خطأ، أو خاف الإثم على موص حيث جار وتعدى على علم في وصيته فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ [البقرة:182] أي: بين الموصي والموصى لهم، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182] في إصلاح الخطأ وتصويب الخطأ والغلط، وختم هذا الحكم بقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:182]. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة ].وهنا سؤال: هل يجوز للمؤمن أن يقسم التركة قبل موته؟الجواب: يجوز، وإذا كسب مالاً جديداً فإنه يقسمه أو يتركه يُقسم بعده.إذاً: من هداية الآيات أولاً: نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة، وإذا أجاز بعض الورثة أجاز والبعض ما أجاز فلا تنفذ الوصية، لا بد أن يتفقوا.[ ثانياً: استحباب الوصية بالمال لمن ترك مالاً كثيراً يوصي به في وجوه البر والخير ].يستحب لأي مؤمن أو مؤمنة يكون له مال كثير وخير كثير أن يوصي في وجوه البر كالمساجد، الفقراء، طلبة العلم، المسافرين، الغرباء، المرضى، المستشفيات، يوصي بشيء من ماله، يستحب له هذا، لكن هل هذا واجب؟ الجواب: لا، فيستحب لمن حضره الموت أن يوصي بالثلث فأقل في وجوه البر والإحسان.[ ثالثاً: تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر ]، ليس شرطاً أن يحضر الموت، وإنما الغالب، فالشخص إذا مرض مرضاً شديداً وخاف الوفاة فإنه يوصي.[ تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق، خشية أن يموت فتضيع الحقوق، فيأثم بإضاعتها ]كما قدمنا، فلا يبيت أحدنا ثلاث ليال أو ليلتين كما ورد وله شيء يوصي به إلا وكتب وصيته، كم من إنسان عنده ديون عند الناس، فإذا وما وصى فالورثة لا حق لهم، أو تكون عليه حقوق لفلان وفلان وفلان، فإذا مات يؤاخذ بها ويطالب، فلا بد أن يوصي.[ رابعاً: حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير الصالح ]، ما معنى (إلى غير الصالح)؟ الشيخ الفلاني حضره الموت والمرض فقال: أوصيكم بأن تأخذوا ثلث مالي بعد موتي لبناية القباب على قبور الصالحين، فالآن ما بقي الناس يحترمون الأولياء، ولا يقدسونهم، وأصبحت القباب إذا سقطت لا تجدد، فهذا المال في ذمتكم أن تجددوا به قباب الصالحين، فهل يجوز هذا؟وآخر كان مغرماً بالحشيشة أو بالخمر، فقال: ثلث مالي للحشاشين من أصدقائي وأحبائي! فهل يجوز؟! لا يجوز، وهكذا، فإن كان تغييرها وتبديلها لأجل الصالح فنعم، هذا أوصى على الخمر فيبدلونها إلى الفقراء والمساكين، أوصى لبناية القبور أو للمواليد، فلان يقول: كل سنة تقيمون المولد على حسابي، غلة البيت الفلاني أو البستان الفلاني تنفق في هذا! فهل يجوز هذا؟ لا يجوز، ويبدل إلى الصالح، فهذا لا يصح، هو بدعة، فكيف تنفق فيها المال؟مرة أخرى أقول: هذه الآيات ذات هدايات: الهداية الأولى: [ نسخ الوصية للوارثين مطلقاً إلا بإجازة الورثة ]، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، كم من إنسان يكون له أربعة أولاد أكثرهم موظفون وأغنياء وواحد منهم معتوه وضعيف، فيقول: أبنائي! الدار الفلانية أوصينا بها لأخيكم، فهل توافقون؟ إن قالوا: لا أسكتوه، وإن قالوا: نعم يا والدنا، ونحن أحق بهذا منك، فلا حرج.[ استحباب الوصية بالمال لمن ترك مالاً كثيراً ]، لماذا قلنا: كثيراً؟ عندك أربعة أولاد وعندك دخل خمسة آلاف في الشهر، فتوصي بماذا؟ مثلاً: عندك ثلاث بنات متزوجات ومع أولادهن، وعندك مال ما شاء الله، فأوص بالثلث، لِم؟ لأن ورثتك أغنياء، يرضون أو لا يرضون؟ لا حق لهم؛ لأنك أوصيت بما دون الثلث أو بالثلث فقط.هذه الوصية مستحبة، وتذكرون سعداً رضي الله عنه، ذهب إلى مكة فمرض، فخاف أن يموت في غير دار هجرته، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى وذكر له ماله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الثلث والثلث كثير ) .[ تأكد الوصية سواء حضر الموت أو لم يحضر ] وهذا للذي عليه حقوق أو له حقوق، فكيف لا يكتب ويوصي إلا عند المرض؟ لا يدري الإنسان فقد يموت وهو يمشي، أو وهو راكب، فالذي له حقوق ينبغي أن يكتبها ويوصي، والذي عليه حقوق كذلك يكتب: لفلان علينا كذا، لفلان علينا كذا وكذا، حتى إذا مات فالورثة يوزعون ذلك المال على الورثة، إذ القسمة لا يبدأ بها إلا بعد سداد الدين وقضائه.[ تأكد الوصية حضر الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق خشية أن يموت فتضيع الحقوق فيأثم بإضاعتها ]؛ إذ هو الذي أضاعها. وأخيراً: [ حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير الصالح ]، هل هذا له إشارة في الآية؟ نعم. قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181].فإن أوصى بمال لبناء قبة، أو أوصى بأن يدفن في المسجد الفلاني، فهذا التبديل يصح، فإن كان التبديل لغير صالح فهو حرام، ولا يجوز، وعليه الإثم: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181].هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم بما ندرس ونسمع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (118) الحلقة (125) تفسير سورة البقرة (83) لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأت تتوالى الأحكام وبدأ التشريع ينزل تباعاً، ولما كان الصيام من أعظم ما يكوّن عند الإنسان ملكة التقوى، فقد أنزل الله عز وجل فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وشرع لعباده صيام شهر رمضان، وبين سبحانه أنه فرضه على هذه الأمة كما فرضه على من كان قبلهم من الأمم، وهون عليهم سبحانه بأن جعله شهراً واحداً في العام، ورتب عليه الثواب الجزيل إضافة إلى غفران الذنوب وذهاب الأدواء والأمراض. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183-184].معاشر المستمعين والمستمعات! أذكركم ونفسي بالموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) فليهننا ذلك الخير وهذا الموعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألسنا في بيت الله؟ أليست هذه آيات من كتاب الله؟ ألسنا متدارسين لها؟ إذاً: الحمد لله، ولولا فضل الله علينا ورحمته ما اجتمعنا ولا تلونا ولا تدارسنا، فالمحرومون ملايين البشر.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذا نداء الله عز وجل، وإن كنا درسناه في النداءات في الأسبوع الماضي هذا النداء باختصار، وليس بوافي الدراسة، والشيء إذا تكرر تقرر وثبت، هذا النداء موجه من قبل الله عز وجل إلى عباده المؤمنين ونحن إن شاء منهم. ينادينا بعنوان الإيمان، وسر ذلك معروف؛ لأننا أحياء بإيماننا نسمع ونعي، ونعقل ونعمل، نادانا ليخبرنا بخبر عظيم، يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، افرحوا، أبشروا، فرض عليكم الصيام. حقيقة الصيام وشرط تبييت النية فيه والصيام: إمساك عن شهوتي البطن والفرج، إمساك بمعنى امتناع عن شهوتين: شهوة البطن فلا طعام ولا شراب، والفرج فلا جماع ولا وطء.هذا الصيام امتناع وإمساك، وقد علمنا أن من شرط صحته تبييت النية، العزم على أن نصبح غداً إن شاء الله صائمين، وعلمنا -وزادكم الله علماً- أن النية تبيت بالليل، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح ولم يفطر ولم يتناول شيئاً من المفطرات، ودخل على أهله يطلب طعاماً ليفطر، فإذا قالوا له: ما عندنا يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء، قال: إذاً أنا صائم. وينوي الصيام ويصوم إلى الليل، هذا الصيام صيام النافلة، لا الفريضة ولا الواجب، ومن حدث له هذا وفعل فإنه قد ائتسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن نعوذ بالله أن نصبح نطلب طعاماً ولا نجده، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أهله يطلب فطوراً، فقالوا: ما عندنا شيء، فقال: إذاً: أنا صائم.أما أحدنا إذا أصبح وما نوى الصيام، فلما أصبح وطلع النهار وجاء الضحى، وجاء الإفطار قال: إذاً: أنا سأصوم، فهذا لا يصح: ( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له )، ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، لا توجد عبادة إلا وتسبقها نية التقرب إلى الله والتزلف إليه والتملق، أو نية أداء الواجب وما افترضَ عليّ مولاي، وما ألزمني به سيدي. فرض الصيام على الأمم السابقة وفائدة ذكره و(كتب) هنا بمعنى: فرض، وهو مكتوب أيضاً في اللوح المحفوظ، مكتوب في القرآن كتابة. كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، من آدم عبد الله ونبيه إلى آخر أمة، وهي أمة الإسلام، لما في الصيام من عوائد خير وبر وبركة على المؤمنين، سنستعرض بعضها إن شاء الله؛ لأن الله حكيم عليم، أليس كذلك؟ والحكيم إذا شرع أو قنن فهل يشرع لغير مصلحة؟ مستحيل هذا، وينزه الله تعالى عنه، فإذا شرع للمؤمنين الصيام فقد شرعه لحكم عالية، وفيه من الخيرات والبركات والعوائد ما لا يقادر قدره.وفي قوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] معنى التهوين والتخفيف، لستم وحدكم الأمة التي كتب عليها الصيام، فتمتنع من الطعام والشراب والوقاع، بل هذا تم لكل الأمم المؤمنة قبلكم، فلا حاجة إلى التململ أو التضجر.وشيء آخر: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، لا أعوام ولا أشهر، بل أيام معدودات: تسعة وعشرين يوماً، وأكثر شيء ثلاثون يوماً. تحصيل التقوى بالصيام وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، هذه (لعل) نسميها الإعدادية، أي: ليعدكم بذلك للتقوى، والتقوى رأس مالكم، وأهل هذه الحلقة يعرفون قيمة التقوى، وباقي المسلمين لا يعرفون، إنها الخطوة الثانية للوصول إلى ولاية الرب تبارك وتعالى، فخطوتان يخطوهما العبد أو الأمة يصل إلى ولاية الله، ويصبح ولياً من أولياء الله، لا خوف عليه ولا حزن.اقرءوا قول الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم يا رب؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].فمن لم يؤمن إيماناً يوقع عليه القرآن ويصدقه، ويعيش على تقوى الله فيأتي بالواجبات ويتخلى عن المحرمات وينافس في الصالحات ويبتعد عن المكروهات والمشبوهات؛لم تتحقق له ولاية الله، لن يكون ولي الله، فمَن من السامعين والسامعات يرغب أن يصبح غداً ولياً لله؟ الجواب: كلنا. إذاً: حقق إيمانك، واعرضه على القرآن، فإن وافق عليه وصدق فأنت مؤمن، مشيت الخطوة الأولى فزد الثانية، وهي أن تعيش تتقي الله، لا تتكلم بالكلمة حتى تعلم هل أذن لك أو لم يأذن، لا تفتح عينيك تنظر حتى تتأكد أذن لك أن تنظر أو لم يأذن، لا تتناول اللقمة -بله حبة العنب- حتى تعرف أذن لك أو لم يأذن، لا تنام حتى تعلم أذن أو لم يأذن، ولا تقم ولا تقعد، وهكذا تحقق تقوى الله عز وجل فتصبح من أولياء الله تعالى ممن قال الله فيهم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] فاللهم اجعلنا منهم.والبشرى في الحياة الدنيا: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له )، لن تموت يا ولي الله حتى تبشر بالجنة دار السلام، إما أن ترى ذلك أنت أو يراه لك عبد صالح ويخبرك ويبشرك.أما عند سياقات الموت وحال سكراته فلا تعجب، وفود تنزل من السماء محتفلة بروحك ورفعها في الملكوت الأعلى، وهي تبشرك وأنت تبتسم وتفارقك روحك وأنت تبتسم، وجاء هذا في كتاب الله، إذ قال تعالى من سورة (حم فصلت): إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] هؤلاء هم الأولياء أو لا؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، بشارات متتالية، هؤلاء أولياء الله ينتظرونه ساعة الاحتضار وهو في غرفة الإنعاش كما يقولون، فهل يتم لنا هذا؟ فهل عرفتم منزلة التقوى؟ الصيام يساعدكم على تقوى الله عز وجل؛ لأنك طيلة ما أنت صائم ما تجرؤ على أن تقول باطلاً أو ترتكب محرماً وأنت صائم أو تقول سوءاً، أو تحدث باطلاً، فأنت معصوم بالصيام. تفسير قوله تعالى: (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ...) ثم قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا [البقرة:184]، والمرض من أعراض الحياة، وفيه خير أيضاً، فبالنسبة إلى المؤمنين المرض خير لهم، وبالنسبة لغير المؤمنين هو عذاب عجل لهم في الدنيا قبل الآخرة، أما المؤمن فبالمرض تكفر سيئاته وتمحى ذنوبه، وترتفع درجاته، ما من مؤمن تصيبه مصيبة حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها خطاياه، فالحمد لله.أحد الصحابة لما سمع هذا الخبر قال يا رسول الله: اسأل الله تعالى أن لا تفارقني الحمى ولكن لا تقعد بي عن العمل. واستجاب الله له، فما سافر إلا والحمى عليه ليل نهار طول حياته، وهو يواصل الطاعات والعبادات ولا تفارقه الحمى رضي الله عنه وأرضاه. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فالواجب عدة أخرى من أيام أخر يصومها. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:184] أيها المؤمنون والمؤمنات مريضاً مرضاً لا يقوى معه على الصيام، والمرض درجتان: درجة الخطر، وهنا يحرم الصوم، ودرجة دون الخطورة، درجة ألم فقط، فالصوم أفضل، ولو أفطر جاز له الإفطار، والمسافر المسافة المعروفة: ثمانية وأربعون ميلاً، والميل ألفا ذراع، والكيلو متر بالحساب الفرنسي ألف متر، والمتر ذراعان، فهذا القول الوسط عند أهل العلم، وهو: أن المسافة لا تنقص عن ثمانية وأربعين كيلو متر، فإن زادت فلا تسأل. فَعِدَّةٌ [البقرة:184] أي: فعليه، أو فواجب عدة من أيام أخر بعددها. معنى قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184]، يقدرون عليه ولكن مع المشقة، وهذا الجزء منسوخ، فالصيام فرض على مراحل، حيث فرض صيام عاشوراء في السنة الأولى من الهجرة، ما إن دخل النبي صلى الله عليه وسلم في محرم حتى وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم فقالوا: ( هذا يوم أنجى الله فيه موسى وبني إسرائيل فنحن نصومه شكراً لله، قال: نحن أحق بموسى منكم ) ، ونحن أحق بموسى منهم، فصام وأمر أهل المدينة أن يصوموا، فصوم الأنصار والمهاجرون أطفالهم الصغار، صاموا وصوموا أطفالهم الصغار.ثم جاءت السنة الثانية ففرض الله صيام رمضان، ونسخ الصيام الأول، وبقي صيام عاشوراء سنة مستحبة، ليس بواجب أبداً.إذاً: ففي أول سنة فرض صيام رمضان كانت هذه الآية تقول: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184]، وما يقال: تطيق في نحو حمل الكتاب، لكن إذا وضع بين يديك كيساً فيه مائة كيلو فإنه يسألك: تطيق حمله أم لا؟ أقول: هل من المعقول أن تقول لأخيك: تستطيع أن تحمل هذا الكأس من الشاي؟ هذا لا يقوله عاقل، لكن إذا كانت غرارة، أو صندوق، أو شيء كبير يقول: تطيق هذا أو لا؟ فقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] معناه: يتحملونه بمشقة وعناء، إما لكبر سن وإما لمرض وإما للعادة، ما تعودوا أن يتركوا الأكل والشرب طول النهار، فقال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أي: يقدرون عليه مع العناء والمشقة والألم والتململ، هؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكيناً رحمة من الله تعالى. وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] يدفع الفدية ويأكل، ولا يلومه أحد، لأنه ما هو منشرح الصدر وقوي على أن يصوم، ما يقوى، فمن رحمة الله بالمؤمنين أوليائه شرع هذا: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] يقدمها ويفطر، ولا يقضي.ثم نسخ هذا بالآية التي تأتي بعد هذا، وهي قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، أما مجرد أنه يتململ أو ما تعود فقد انتهى. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] أي: دخول الشهر، وشهده وحضر الإعلان عنه أو رآه، فالصيام لا بد منه حينئذ، إلا أن يكون مريضاً حقاً، أو مسافراً. فهذا الجزء نسخ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة:184] أطعم عشرة مساكين فله ذلك. والإطعام يقول فيه أهل العراق في الزمان الأول: إنه نصف صاع، أي: مدان. وأهل الحجاز وأهل المدينة بالذات يقولون: مد واحد، والمد: حفنة بحفنة الرجل المتوسط، والآن الإطعام هو كيلو إلى كيلو ونصف. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]، إذا أطعم عشرين فليفعل، بدل أن يعطي المد يعطي أربعة أمداد، هل هناك من يقول: لا؟ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]. وَأَنْ تَصُومُوا [البقرة:184] أيها المطيقون للصيام بالتكلف، إن شئتم أطعمتم، ولكن: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ففوائد الصيام وآثاره طيبة في النفس والحياة، خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]. الأحكام المتعلقة بفطر الشيخ الكبير والمريض والحامل والمرضع هنا عندنا شيخ كبير هرم، وعندنا مريض ميئوس من شفائه، على سرير الموت، وعندنا حامل في بطنها جنين أو جنينان، وعندنا مرضع ترضع ولداً، ما كان الثدي الصناعي ولا كانت الإبرة، هؤلاء أربعة أصناف. فالرجل الكبير المسن، طالت به الحياة فما أصبح يستطيع الصيام، هذا يفطر بلا نزاع، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق، ويطعم عن كل يوم مسكيناً.ونظيره المريض الذي لازمه المرض، وما أصبح ينتظر الشفاء حتى يقضي، هذا أيضاً كالأول يطعم مسكيناً عن كل يوم ولا قضاء عليه.أما الحامل والمرضع فشفقة بهما ورحمة بهما، الحامل في بطنها الجنين، وهي تتألم، إذا جاعت تخشى أن يسقط جنينها، والمرضع تخشى إذا جاعت أن ينقطع لبنها ويبكي طفلها ويصرخ، فتفطران وتطعمان وتقضيان، تفطران وتطعمان عن كل يوم مسكيناً، وتقضيان.هنا مسألة: المرضع إذا خافت على ولدها، والحامل إذا خافت على حملها، هاتان تفطران وتطعمان وتقضيان، وإذا خافت على نفسها فقط لا على الولد، مرضع أو حامل خافت إذا صامت أن تتأذى وتمرض هي، فهذه تقضي ولا تطعم، كالمسافر والمريض.والموضوع يحتاج إلى تأمل، فأقول: ما حكم المريض والمسافر؟الجواب: يفطران ويقضيان. وما حكم الشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه؟الجواب: يفطران ويطعمان.فعندنا حامل ومرضع، فإن خافتا على نفسيهما لا على ولديهما فإنهما تفطران وتقضيان، ولا تطعمان، شأنهما شأن المريض، لكن إن خافتا على ولديهما لا على نفسيهما، فهنا تفطر وتطعم وتقضي، لأن خوفها على ولدها أو على ما في بطنها، ما هو بخوف على نفسها، ما هي مريضة، خافت على طفلها. إذاً: لابد أن تطعم مسكيناً. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات وبعد ذلك البيان نسمعكم ما في التفسير لزيادة معرفة وعلم.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:كتب: فرض وأثبت ].ما معنى كتب؟ معناه: فرضه وأثبته بالكتابة تأكيداً له. [ الصيام: لغة: الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ]. غشيان النساء، يقال: غشيها: إذا غطاها، وفي ذلك تعبير قرآني فيه الأدب: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا [الأعراف:189]، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ [البقرة:187]. ودعنا نبكي قليلاً، فالآن بلغنا: أن مؤتمراً عالمياً سيعقد في القاهرة يضم مائة، هذا المؤتمر إشفاقاً منه ورحمة على البشرية،يريد أن يبيح اللواط والزنا والباطل والشر، وأن يحدد الولادة ويمنع الولادة، نصب نفسه منصب الرب تعالى ليخطط ويشرع، وأحسب أنه ما ارتكبت زلة أعظم من هذه في الحياة، حتى قلت وأنا في كرب: لو يستطيع أحداً أن يأخذ كلمات مني في الرسالة ويقرؤها في المؤتمر الذي أسأل الله أن لا ينعقد، فوالله! لأعطينه خمسة آلاف ريال، يطير بالطائرة بألف ويقرأ الرسالة.فهؤلاء كفار، بلغ بهم الكفر حتى تنكروا للفطرة، والذي نقول لهم: يا كفرة! ابتعدوا عن ساحة الرب، فهو الذي يشرع ويقنن لعباده، هل خلقتم أنتم امرأة أو رجلاً، خلقتم طفلاً أو طفلة؟ من أين لكم أن تشرعوا وأن تقننوا، وتبيحوا ما حرم الله، وتحاربوا الله عز وجل ورسله وأولياءه في الأرض والسماء؟أمر يكرب ويحزن ويحطم في بلد إسلامي، قالوا: حقوق الإنسان، ومن حقوق الإنسان أن يسمح للأولاد بأن يلوط بعضهم ببعض أمام أهليهم وذويهم، فالحق حقهم! كلام قذر وأوساخ.والحقيقة أنهم لا يلامون: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ [النحل:21]، بهائم، بل شر من البهائم وأسوأ، ظهروا لما غبنا، ورفعوا رءوسهم لما ذللنا وطأطأنا رءوسنا، نحن الذين أضعناهم وأهملناهم، ما عرفناهم بالله ولا عرفوه، ما عرفناهم بشرائع الله وما تنتجه وما تظهره من كمال البشر في الأرض، فلهذا نحزن فقط.قال: [ الصيام لغة: الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ]، لِم عبر بالغشيان والتغطية واللباس؟ ينزه المؤمنين أن يتكلموا بكلمة سوء، أو ينطقوا بعبارة تدل على الفحش والقبح، إنهم أولياء الله، وهؤلاء الملاحدة والمسحورون بسحر اليهودية يتبجحون بفتح المجال للأولاد أن يلوط بعضهم ببعض![ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً بحسب شهر رمضان ]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا )، وعقد بكفيه تسعة وعشرين وثلاثين، وما هناك واحد وثلاثون ولا ثمانية وعشرون أبداً.[ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فعلى من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها ].وهنا مسألة: إذا فرط المسافر أو المريض وما قضى، عاد من سفره ولم يقضِ حتى دخل العام الثاني؟ هنا يسن له أن يطعم عن كل يوم مسكيناً مع القضاء قطعاً؛ لأن المفروض ألا يمضي عليه سنة كاملة ولا يقضي، إلا إذا كان في مرض متواصل أو سفر متواصل فلا حرج، فيقضي في العام الآتي وليس عليه إطعام.[ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أي: يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه ]، وهذا الجزء منسوخ.[ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة:184] أي: زاد على المدين أو المد أو أطعم أكثر من مسكين، فهو خير له. وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الإفطار مع الإطعام ].هذا الشرح للكلمات، كل كلمة على حدة. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ]، أي: المدينة النبوية [ وأصبحت دار إسلام ] بعدما كانت دار كفر وأوثان، [ أخذ التشريع ينزل ويتوالى، ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص، وحكم الوصية، ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يُكوِّن في المؤمن ملكة التقوى الصيام، فأنزل الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، فناداهم بعنوان الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة، فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وعلل لذلك بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: ليعدكم به للتقوى، التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى ]، فالصائم دائماً يراقب الله، لولا أنه يراقب لكان يأكل ويشرب، فما دام مع مراقبة الله فإنه ما يعصي الله.[ وقوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً، وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر، ويقضي بعد الصحة أو العودة من السفر، فقال لهم: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكيناً، وأعلمهم أن الصيام في هذه الحالة خير، ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].وقوله: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]، يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والأخروية، وهي كثيرة، أجلها: مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض ]. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: فرضية الصيام وهو شهر رمضان.ثانياً: الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.ثالثاً: الصيام يكفر الذنوب؛ لحديث: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).رابعاً: رخصة الإفطار للمريض والمسافر.خامساً: المرأة الحامل أو المرضع دل قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة:184] أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك ] يفطر ويطعم ولا يقضي، [ إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً، بإعطائه حفنتي طعام ]، هذا نصف صاع، [ كما أن المرأة الحامل والمرضع إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكيناً ].لكن فصلنا فقلنا: إذا خافت الحامل أو المرضع على نفسيهما فتفطران وتقضيان ولا تطعمان كالمريض، وإن خافتا على ولديهما فتفطران وتقضيان وتطعمان.[ سادساً: في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة، أشير إليها بلفظ: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ]. فوائد الصيام [ من هذه الفوائد: أولاً: يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلن.ثانياً: كسر حدة الشهوة، ولذا أرشد العازب إلى الصوم ]، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) أي: خصاء، وبعض الشباب يقولون: كلما صمنا زادت قدرتنا، فنقول: لا، واصلوا الصوم، ولا تسرفوا في الطعام والشراب طول الليل، صوموا الصوم الشرعي فلن يتخلف أبداً.[ ثالثاً: يربي الشفقة والرحمة في النفس ]، فالذين ما ذاقوا الجوع أبداً لو سقط أمامهم أحد بالجوع لا يفهمونه، لكن لما يصومون يعرفون الذي يتلوى من الجوع أو العطش.[ رابعاً: فيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف والأوضاع ]، يقال: غداً رمضان فتصبح كل الأمة صائمة، الشريف، الوضيع، الغني، الفقير، العالم، الجاهل، فهذه مساواة أو لا؟[ خامساً: تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام ]، يقال: غداً رمضان فتصبح كلها صائمة، وبعد غد العيد فتصبح كلها مفطرة، فيعود على النظام والوئام.وعندنا مثل للنظام: فالآن لو نربي الحجاج في بلادهم ونأتي بهم ليرموا الجمر فإذا أحسنوا النظام سيرمونها وهم يبتسمون، ولما نزلت آية تحويل القبلة إلى الكعبة جاءَ جاءٍ من المسجد النبوي إلى مسجد القبلتين فوجدهم يصلون غرباً صفوف النساء والرجال، فأعلمهم فاستداروا كما هم عليه.والآن والله! ما تستطيعون، فأولئك استداروا كلهم في خط واحد، وقد كانوا إلى الغرب فاستداروا كما هم، فهذا يحتاج إلى تربية، والأمة قابلة للطلوع، فنحن الآن هابطون ما نستطيع.[ سادساً: يذهب ] أي: الصيام [ المواد المترسبة في البدن ] من الشحم وما إلى ذلك، [ وبذلك تتحسن صحة الصائم ]، وفي الحديث: ( صوموا تصحوا، وسافروا تغنموا ) .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (119) الحلقة (126) تفسير سورة البقرة (84) لما ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب على الأمة الصيام وجعله أياماً معدودات، ذكر هنا أن هذه الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، ثم بين سبحانه أن من كان حاضراً في البلد عند دخول الشهر فقد وجب عليه الصوم، ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ثم قضى بعدة الأيام التي أفطرها بسبب ذلك تيسيراً على العباد، ورفعاً للمشقة عنهم. تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة، فلنتلها أولاً ثم نأخذ في بيان ما احتوت عليه من العلم والمعرفة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. معنى رمضان أولاً: شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور الشمس القمرية، ورمضان مأخوذ مشتق من الرمضاء، وهي شدة الحر، ولهذا ورد: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، والفصال جميع فصيل: ابن الناقة الصغير، إذا اشتد الحر وارتفعت الشمس فالفصيل ما يقوى على الوقوف بخفيه، فيبرك على الأرض، فهذا وقت صلاة الأوابين، والمراد منها: صلاة الضحى حين ترتفع الشمس وتشتد الحرارة، والرمض: هو شدة الحر للعطشان، من به ظمأ وعطش ترمض نفسه، فمن هذا سمي شهر الصوم برمضان، ويجوز أن تقول: شهر رمضان أو تقول: رمضان، ولا حرج. وقوله تعالى: الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] أولاً: أنزل القرآن في بيان فضل الصيام، وأنزل القرآن في شهر رمضان، بل ورد أن كتب الله من صحف إبراهيم إلى الإنجيل إلى القرآن كلها نزلت في رمضان. نزول القرآن في شهر رمضان ثم إن نزول القرآن من اللوح المحفوظ، أما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]؟ نزل في رمضان إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم أخذ ينزل منجماً نجماً بعد نجم بحسب أحوال البشرية، فكلما تطلب الأمر نزول آية أو آيات تنزل والرسول يعلم ويبلغ، والكتبة يكتبون ويدونون، إذ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون كاتباً يحسنون الكتابة، وكلما نزلت الآية أو السورة كتبوها.إذاً: وما هي الليلة التي نزل فيها القرآن؟ الظاهر أنها ليلة القدر، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5]، وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5]. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والقرآن: هذا اللفظ علم على كتاب الله، وله علم آخر: الفرقان، القرآن مشتق من القرء الذي هو الجمع، جمعت حروفه وكلماته وآياته وسوره في كتاب واحد، فهو قرآن، وسمي بالفرقان؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، بين الشر والخير، بين كل متلابسات الحياة. معنى قوله تعالى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وقوله: هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] هذا هو القرآن، والله! لهدى للناس أبيضهم وأصفرهم، عربهم وعجمهم، لفظ الناس عام، فأيما إنسان ذكر أو أنثى يؤمن بهذا الكتاب ويقبل عليه يقرؤه ويتفهم مراد الله منه ويعمل به إلا اهتدى إلى طريق سعادته وكماله ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ولا يقولن قائل: قرأناه ولم نجد فيه الهداية! فهذا كلام باطل ولا ينطق به حتى إبليس. هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] ليس مجرد هدى، بل كان بينات، أنواع وفنون من أنواع الهدايات، فهو في العقل، في الآداب، في الأخلاق، في المال، في الحياة بكلها لا يوجد موضع في الحياة إلا والقرآن يهدي ويبين ما فيه.إذاً: والفرقان كذلك، فرق الله بالقرآن بين الكفر والإيمان، بين الشرك والتوحيد، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والمفسدين، بين الأبرار والفجار، القرآن هو الفرقان، وشأن الفرقان عظيم. معنى قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) بعد هذا قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وتقدم لنا في الدرس الماضي أن الله أخبرنا أنه كتب علينا الصيام، وأنه أيام معدودات لا أعوام ولا أشهر، وكما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين تسعة وعشرين يوماً إلى ثلاثين، وأن هذا ليس مما كلفنا به دون غيرنا، بل الأمم التي عرفت الله كلها فرض عليها الصيام.إذاً: متى نصوم؟ بين تعالى الشهر الذي كتب أيامه، فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] كأن سائلاً يقول: ما هو الشهر الذي نصوم فيه؟ ما هي الأيام التي نصومها؟ فأخبر تعالى أنها أيام شهر رمضان. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] كيف يشهد الشهر؟ يشهده: يحضر في القرية أو في الحي، يشهد من يقول: انظروا إلى الهلال، أو يقول: أنا رأيت الهلال أو رؤي الهلال، شهده وكان حاضراً غير مسافر.ثم هنا مسألة فقهية لا بد من معرفتها: وهي أن ثبوت رؤية الهلال للصيام تثبت برؤية المؤمن العدل، ولا يتطلب الأمر شاهدين أو استفاضة الشهادة، أ يما مؤمن عاقل يشهد بأنه رأى مساء الليلة الهلال فقد وجب على المؤمنين الصيام، هذا الذي عليه أكثر أئمة الإسلام.أما الإفطار -وهو الإعلان عن شهادة رؤية هلال شوال- فثَمَّ لا تقبل شهادة الواحد وإن كان عدلاً، وإنما لا بد من شهادة اثنين من المسلمين العدول.والسر واضح؛ لأن الذي يشهد بأنه رأى هلال رمضان ليصوم ويصوم المؤمنون؛ فالفطرة تتنافى مع تحمل الأتعاب والظمأ والعطش وترك الأكل والشرب، فكيف إذاً يقول: رأيته وما رآه؟ أما الرؤية من أجل أن يفطر فقد يكذب حتى يفطر، هذا ليس واجباً أنه يقع، لكن هذه وضعية البشر، هذه فطرة الناس، فمن هنا تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة مؤمن واحد ولا نطلب شهادة اثنين أو ثلاثة.أما العيد برؤية هلال شوال فلا بد من اثنين من العدول، فلو قال واحد: أنا رأيت فلا نأخذ برؤيته، له أن يفطر هو في بيته، فإذا تأكد من الرؤية ورآها فله الحق أن يفطر، لكن لا يحمل الأمة أن تفطر برؤيته، ولا يقبل منه هذا أبداً، إلا إذا شهد اثنان فأكثر على أنهم رأوا الهلال. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون، ولو قامت كتلة من اليهود وقالوا: رأينا الهلال فلا نقبل قولهم، لو قالت أوروبا الصليبية كلها: لقد رأينا الهلال الليلة، فصوموا، فلا نقبل؛ لأنهم غير عدول، وأي انحراف وهبوط أكثر ممن يكفر بالله ويجحده؟ إذاً: قوله تعالى: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون.ثم هنا أمر آخر: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المكلفون، فغير المكلف لا يدخل في هذا، والمكلف هو المؤمن العاقل البالغ، فغير المؤمن ما هو بمكلف، لو رأى الهلال فلا التفات إليه، وطفل صغير لم يبلغ لا تقبل شهادته، ومجنون مختل العقل لا تقبل شهادته. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ...) قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].[ ذكر تعالى عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة ]. معنى قوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم) ثم قال تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] على هدايته لكم، وهذا في ليلة العيد، فهل الكافرون يكبرون؟ ائت لي بكافر يكبر وسنعطيك ألف ريال، يكره أن يقول: الله أكبر، وإذا بك أنت تتلذذ بها وترفع صوتك بها وأنت في فرح وسرور، أليس هذا مما يحمد الله عليه ويشكر؟ عندنا مثل عامي، فالعجوز إذا كانت تكره جارتها تقول: لا تنطقي باسمي، ما أسمح أن تقولي: فلانة، فكيف هذا؟ بمعنى: أنا فوق مستواكِ أنتِ حتى تذكري اسمي. ومن هنا أذن الله لنا في ذكر اسمه، فهذا إنعام لا حد له، وإلا فمن نحن وما نحن حتى نذكر اسم الله الجليل؟ هل نحن أهل لأن نذكر الله؟ والله! ما نحن بأهل، ما قيمتنا؟ ولكن من فضله علينا وامتنانه أن أذن لنا في ذكره، بل وأثابنا عليه، بل ورفعنا درجات بذكره. معنى قوله تعالى: (ولعلكم تشكرون) وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: وليعدكم أيضاً للشكر، وقد تقرر عند السامعين والسامعات الشكر، فالشكر أولاً: الاعتراف في القلب بالنعمة للمنعم.ثانياً: ترجمتها والإعراب عنها باللفظ: الحمد لله.ثالثاً: صرف النعمة فيما من أجله أنعم بها المنعم، لا أن ينعم عليك بألف ريال فتشتري بها كأس خمر وتشربه، أنعم عليك بنعمة الصحة فلا تبدد طاقتك في معصيته، أنعم عليك بنعمة الشرف والمكانة الرفيعة فتواضع وتطامن، لا تترفع على أوليائه وتتكبر عليهم، وهكذا.. فهذه الحقيقة لن تفوت المؤمنين والمؤمنات، الشكر علة الحياة كلها، أليس كذلك؟ لو سألت: يا رب! لم خلقت هذه العوالم كلها؟ يقول: خلقتها لأجلك. يا رب! وأنا خلقتني لم؟ يقول: من أجل أن تذكرني وتشكرني. فعلة الوجود بكله: أن يذكر الله ويشكر، لهذا فالذي لا يذكر الله ولا يشكره جزاؤه أن يخلد في العذاب الأبدي.وبينا غير ما مرة فقلنا: لو أن شخصاً نسف مدينة فسيحكمون عليه بسجن خمسين سنة، وإذا كان نسف قارة بكاملها فسيسجن حتى الموت، وهذا الذي ترك ذكر الله وشكره كأنما نسف السماوات كلها ونسف الأرض وبدد العوالم كلها، إذ كلها مخلوقة لأن يذكر الله ويشكر، فلما رفض ذكر الله وشكره كان كمن نسف العوالم كلها وصيرها دخاناً، إذاً: كم يعذب هذا؟ لا نهاية لعذابه؛ لأن جريمته أعظم.قد يقول قائل: هذا كفر سبعين عاماً فكيف يخلد في جهنم؟ فنقول: لأنه ما كفر سبعين عاماً، بل لأنه كمن نسف الكون كله ودمره، لأن الحياة كلها مخلوقة لنا، أما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]، وقال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13]؟ وفي الحديث: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك )، إذاً: فإذا أراد من عبده أن يذكره ويشكره فرفض الذكر والشكر كان شر الخليقة والبرية، وجزاؤه أن يخلد في عذاب لا ينتهي. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات الآن نقرأ الدرس من الكتاب.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:شهر رمضان: هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة ]، والشهرة: الاشتهار والانتشار، مأخوذ من الشهرة؛ لأنهم يشاهدون الهلال.ورمضان مأخوذ من: رمض الصائم إذا حر جوفه من العطش. الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن، وذلك في ليلة القدر منه لآية: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] ] وفي ليلة مباركة.قال: [ أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل ] منجماً [ نجماً بعد نجم ]، والنجم كوكب، لأن البشرية قبل الحساب وقبل هذا الترقي في المادة كانوا إذا طلع النجم الفلاني فإن أحدهم يسافر، أو طلع النجم الفلاني فيسدد دينه، يشاهدون السماء والنجوم تطلع وتغيب، فيحسبون هذا الحساب، هذا معنى أنه منجم نجماً بعد نجم، فترة بعد فترة، زمناً بعد زمن.قال: [ وابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً ]، وهل في ليلة السابع عشر؟ خلاف. [ هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]: هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين. وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] البينات: جمع بينة، والهدى: الإرشاد، والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً طريق الفوز والنجاة فارقاً لهم بين الحق والباطل وفي كل شئون الحياة.شهد الشهر: حضر الإعلان عن رؤيته. فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] أي: فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها مريضاً أو مسافراً ] أو حائضاً أو نفساء.قال: [ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد، والتكبير مشروع وفيه أجر عظيم، وصفته المشهورة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ] هذا محفوظ عند أكثر الناس.[ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين لله تعالى على نعمه؛ لأن الشكر هو الطاعة ] هذه هي المفردات، فهيا معنى الآية الإجمالي. معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات؛ بين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، فقال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يريد شهر رمضان، ومعنى شهد: كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً ]، والمكلف: العاقل البالغ، وإن أسلم الكافر وبلغ الغلام في الليل وجب الصيام، وإن كان في النهار فلا شيء عليه.[ ثم ذكر عرض المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدته، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة، فقال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].ثم علل تعالى للقضاء ] قضاء رمضان [ بقوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً. وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال. وأخيراً: ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، فقال عز وجل: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] ].الآن مع هداية الآيات، وكل آية فيها هداية، والله! لكل آية فيها هداية، كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أليس كذلك؟ هذه الآية من أين أتت؟ إذاً: الله موجود وعليم، وعلى من نزلت؟ على محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: هو رسول الله. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: فضل شهر رمضان وفضل القرآن.ثانياً: وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم العاقل البالغ مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس.ثالثاً: الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه ]، فالمريض الذي إذا صام يتأخر الشفاء وتطول مدة مرضه يفطر، أو يخاف زيادة المرض وارتفاع درجته.قال: [ الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة قصر ]، وهي ثمانية وأربعون كيلو متر، وأصلها: أربعة برد، والبريد اثنا عشر ميلاً، والميل: هو عند علماء الأندلس والمغرب: ألفا ذراع، أما عند أهل العراق والمشرق فلا بد من مسافة سبعين كيلو، ومنهم من يقول: ثمانين، ما هي بمضبوطة؛ لكن المسافة التي يمشيها الرجل على ناقته لا تزيد على ثمانية وأربعين كيلو في اليوم، ومشينا هذا وجربناه، اركب ناقتك في الصحراء وامش، تأتي القيلولة فتنزل، تنام وتستريح وتجدد السفر، فتمشي ثمانية وأربعين كيلو، فهذا الحساب للأندلسيين المالكية من أبدع ما يكون، جاءت فرنسا تركض وأوروبا وأخذوا به، فقالوا: الكيلو ألف متر، والمتر ذراعان، فاتفقنا إذاً، جروا وراءنا وسبقناهم. وهذا ننظر إليه من جهة أخرى: أن من أهل العلم من يقول: من سافر ولو عشرين كيلو فله أن يفطر ويقصر، كالظاهرية، ومنهم من قال: مسافة سبعين كيلو، ونحن دائماً مع الوسط، وهو ثمانية وأربعون كيلو، يبتدئ عندما يغادر البلد ويترك الديار وراءه، أما وهو ما زال في بلده ويفطر فلا يصح، أما قال تعالى: أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:185]؟ وهذا ما سافر بعد فكيف يفطر؟ [ رابعاً: وجوب القضاء على من أفطر لعذر ] والذي أفطر لغير العذر فعليه الكفارة والقضاء، فالذي أفطر بعذر من مرض أو سفر أو دم حيض أو نفاس يقضي، أما أن يقول: لن نصوم؛ فهذا عليه الكفارة والقضاء. وهذه المسألة شيخكم فيها يجري وراء ظل ابن عباس رضي الله عنه، فـابن عباس رضي الله عنه كان إذا جاء الرجل يسأل: ما تقول فيمن قتل نفساً، فهل له توبة؟ هل تقبل توبته؟ يقول له الحبر: أنت قتلت؟ فإن قال: نعم قتلت. يقول: من يمنعك من التوبة وباب الله مفتوح والله يدعو إلى التوبة، تب يا بني. وإن قال: لا، ما قتلت، قال: أعوذ بالله! هل قاتل النفس له توبة، والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. ففرق بين من قتل ومن لا يقتل، فنحن كذلك إذا جاءنا الشخص وقال: ما تقول فيمن يأكل في رمضان فقط، فيشرب ويأكل؟ فنقول: عليه القضاء والكفارة. وإن قال: أنا أكلت ولم أستطع، قلنا: هل جامعت؟ فقال: لا، ولكن أكلت وشربت، فنقول له: اقض فقط ولا كفارة عليك؛ وذلك لأن مذاهبنا الأربعة نصفهم يقول بالقضاء ونصفهم يقول: لا قضاء إلا في الجماع، فالمفتي أو الذي يعلم ينبغي أن يسلك مسالك الهداية. [ خامساً: يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر والحرج.سادساً: مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإسلام.سابعاً: الطاعات: هي الشكر، فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً أبداً حتى يعد مع الشاكرين ] فمن لم يطع الله تعالى ورسوله فما شكر، بل كفر.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (120) الحلقة (127) تفسير سورة البقرة (85) لما جاء نفر من الصحابة إلى النبي يسألونه عن ربهم أهو قريب فيناجى أم بعيد فينادى، فجاء الجواب مباشرة من عند الله لهم ولمن بعدهم، أنه سبحانه قريب مجيب لدعوة الداعي، فمن التزم آداب الدعاء وأطاب مطعمه ومشربه كان أرجى أن تجاب دعوته، وما من مؤمن يدعو دعوة إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يستجيب له بها، أو يرد عنه من الشر ما يقابلها، أو يدخرها له يوم القيامة، وما عند الله خير لعبده مما أراد لنفسه. تفسير قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية القرآنية النورانية المباركة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. سبب نزول الآية الكريمة هذه الآية لها سبب نزلت به، وكثير من آي القرآن الكريم ينزل لأسباب اقتضت نزوله، ومعرفة السبب تساعد على معرفة المراد من الآيات التي نزلت لذلك السبب.سبب هذا: هو أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) لأن المناجاة تكون سرية خفية، وقد عرفتم المناجاة وحكم الله فيها: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المجادلة:9]، وناجى الله تعالى موسى عليه السلام، قالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ )، والنداء بـ(يا ألله)، فنزلت هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: أقريب أم بعيد؟ فأجبهم أني قريب أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].إذاً: هذا السؤال معقول ومشروع، لا عنت فيه ولا تكلف، أرادوا أن يعرفوا إذا نادوا ربهم هل ينادونه بأعلى أصواتهم أو يدعونه بالألفاظ القريبة، فقالوا: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ ) فأنزل الله تعالى قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ [البقرة:186] يا رسولنا عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] أي: في كوني قريباً أم بعيداً، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا دعاني الداعي أجيب دعوته. مثال توضيحي لقرب الله تعالى من عباده وهنا -معاشر المستمعين والمستمعات- كثيراً ما أكرر تلك اللطيفة لتعرفوا القرب والبعد، فالله تعالى يقول: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] يضع الجبار السموات والأرض في كفه ويقلبها ويقول: أنا الملك، أين الملوك؟ هذه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي يتلقاها بالوحي الإلهي. إذاً: فأين البعد؟ فنحن بين يديه، لو وضعت نملة في كفك فأنت محيط بها من كل جوانبها، أنت فوقها، أنت تحتها، أنت عن يمينها، عن شمالها؛ لعظمتك وحقارتها، إذاً: فالله عز وجل والعوالم كلها كهذه النملة بين يديه، فكلنا بين يديه. وشيء آخر: أحوالنا الظاهرة والباطنة هو الذي يسيرها، لا تنطق حتى ينطقك، لا تبصر حتى يجعلك تبصر، لا ترفع يديك حتى يجعلك ترفعها، وكل شيء قد كتبه في كتاب المقادير قبل خلق السماوات والأرض فضلاً عن البشر، إذاً: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].إذاً: فالله معنا، قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] لا تفهم أنك تبعد عن الله أو تغيب عن الله، هيهات هيهات! وهنا -معاشر الإخوان والأبناء- أذكر أن أحد المؤمنين رأى رؤيا، وفيها: أن على الشيخ هذا أن يعلم المستمعين والمستمعات الآداب مع الله عز وجل، وهي رؤيا صالحة، والله يعلم أننا ما تأدبنا معه، ودائماً نذكر هذا، أدبنا مع الله ليس بشيء، فباسم الله كل ليلة إن شاء الله أضع بين أيديكم مسألة فاذكروها وتأدبوا بها مع الله. الأولى: الشكر على النعم. لو أن أحد إخوانك في بيتك وبين يديك تطعمه وتسقيه، تكسوه وتلبسه، تسكنه وتركبه، تحميه وتدافع عنه، ولا يذكرك بخير، ولا يقول: جزاك الله خيراً، ولا يشكر لك نعمة بين الناس، كيف تنظر إلى هذا؟ أي أدب هذا عنده؟ هذا أسوأ الناس أدباً. ونحن نعيش في كنف الله وفي نعمه وفي رعايته وحمايته، وفي أرضه وتحت سمائه، وبه نأكل ونشرب، ونجيء ونذهب، حركاتنا من فضله وإحسانه، فمن الأدب أن ننسى هذه النعم وأن ننساه وهو المنعم المتفضل، فهيا نتأدب مع الله، فدائماً لساننا يذكر الله ويحمده، دائماً مع الله نشكر له إنعامه وإفضاله وإحسانه، لا يفارقنا لفظ: الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله، في المرض والصحة، في الجوع والشبع، في القيام والقعود، في السفر والإقامة، في كل حال: الحمد لله، نذكر النعم التي نتقلب فيها، ونذكر المنعم بها وهو الله، ونحمده بما علمنا، والحمد لله أن قبل منا كلمة: الحمد لله، هذه نعمة أخرى، أن قبل منا كلمة: الحمد لله وشرعها لنا وانتدبنا إليها، هذه نعمة أخرى. فإن شاء الله سنتأدب من الآن، فنعم الله لا ننساها، وحمد الله وشكره لا ننساه، هذه خطوة إن شاء الله، وسنواصل خطواتنا بإذن الله حتى نصبح من أهل الأدب مع الله، وإن كانت الرؤيا تعنيني أنا فقط فأنا مقصر في الأدب مع ربي، فاسألوا الله لي أن يجعلني من المتأدبين معه، اللهم آمين. معنى قوله تعالى: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) إذاً: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي [البقرة:186] فأعلمهم أني قَرِيبٌ [البقرة:186] أي: منهم. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة:186] وحذفت الياء للتخفيف؛ لأن القرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، يتلوه العربي والعجمي والصغير والكبير والفصيح والألكن، فهو قائم على الخفة، بدل الداعي: الداع، فالياء محذوفة. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ما معنى: دعاني؟ قال: يا رب! اغفر لي وارحمني، يا رب! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا رب! فرج ما بي، يا رب! فرج كربي، يا رب! اقض حاجتي، يا رب! أسكني المدينة، هذا مؤمن قال لي: ادع الله لي أن يجعلني من سكان المدينة، فاللهم اجعله من سكان المدينة يا رب العالمين، اللهم ائت به إلى المدينة.إذاً: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] والذي لا يدعو الله كافر، الذي يستغني عن الله تربب وتأله وادعى الربوبية، وإلا فكيف يستغني عمن أنفاسه بيده؟ والدعاء هو العبادة، اذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، و( الدعاء مخ العبادة ) في حديث ضعيف؛ لأن المخ في الحيوان هو مقر الحياة، إذا أخذ المخ سقطت البنية، لكن الحديث الصحيح: ( الدعاء هو العبادة ) .وقد عرفتم كيف كان الدعاء هو العبادة، وسأعلمكم بهذه للناسي والغافل أريكم كيف كان الدعاء هو العبادة:فأنا إذا رفعت يدي إلى السماء فقد أعلنت عن فقري، الذي يرفع كفيه أعلن عن فقره أم لا؟ المتسول يقول هكذا فتضع ريالاً في يده، إذاً: هذه صورة معناها: أن هذا الشيخ فقير محتاج إلى الله.ولو كان غير الله يقضي حاجته ويسد خلته لقال هكذا أو هكذا يميناً وشمالاً، لكن يرفع يديه إلى من فوق عرشه وفوق سماواته، إذاً: أنا مؤمن بعلو ربي عز وجل، وأنه فوق ليس تحت ولا عن يمين وشمال، وأنا فقير ومحتاج. ثم حين أقول: يا رب يا رب فأنا مؤمن بأنه يسمع سري ونجواي، ولهذا أقول: يا رب يا رب يا رب! فمعناه: أنني مؤمن بأن الله يسمعني، وأن الله قادر على قضاء حاجتي وإعطائي سؤلي وإلا فما رفعت كفي إليه.ثم لو كان في الكائنات من يقضي حاجتي أو يفرج كربي أو يعطيني سؤلي لسألته، إذاً: عميت عن كل المخلوقات ولم أر إلا الله، فأعطيته قلبي ويدي ولساني وكلي وأملي، وهذا هو التوحيد، العبادات كلها تعود إلى هذا، فصلوا على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم القائل: ( الدعاء هو العبادة ).فلذا أيما إنسان يتجه إلى غير الله ويسأله حاجته فقد مسخ ومسح اسمه من ديوان المؤمنين وإن صام وصلى، فالذي يقول: يا سيدي عبد القادر ، يا مولاي، يا فاطمة، ينادي ميتاً وغائباً أعطاه صفات الله من الجلال والكمال وسأله فقد مسخ وما بقي مسلماً، فلولا يقيننا بأن الله يسمعنا ويرانا ويقدر على إعطائنا الحاجة هل سنسأله؟ فالذين يدعون غير الله عز وجل ويرفعون أصواتهم بأسمائهم منادين صارخين هؤلاء لولا أنهم جهلة ما علمهم العلماء لقلنا لهم قولاً غير هذا، ولكن نكل أمرهم إلى الله. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا لم تدع واستغنيت عن الله وتكبرت فإنه لا يجيبك، ما هو في حاجة إليك، وفي هذا ترغيب في الدعاء وحث عليه وحظ عليه، لو تظل طول ليلك ونهارك: يا رب يا رب؛ فأنت في أحسن حال، فأكثروا من الدعاء. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
آداب الدعاء لكن للدعاء آداب، نذكر بعضها:أولاً: الذي يمنع الإجابة أكل الحرام، سواء كان دماً أو ميتة أو خنزيراً أو مالاً مسروقاً أو مغصوباً أو مأخوذاً، المال الحرام، أكل الحرام محجوب صاحبه عن إجابة الدعاء، والذين يعيشون على الربا كيف حالهم؟ ارحموهم، استغفروا لهم، ادعوا لهم بالتوبة، ما ترفع لهم دعوة أبداً، ورطهم الجاهلون. وإن قلت: ما الدليل على ما تقول؟ قلت: حديث مسلم ؛ إذ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرجل يطيل السفر -في الجهاد والغزو والحج والعمرة- أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟ ) كيف؟ فهذا الحديث واضح. فالذي في بطنه الحرام محروم من الإجابة، إلا إذا تقيأ وأخرج ما في بطنه، وهل يستطيع؟ فعل ذلك أبو بكر الصديق ، والله! لقد تقيأ اللقمة التي أكلها، أدخل أصبعه وأخرجها، وهي بالنسبة إلينا من أحل الحلال واعتبرها شبهة وأخرجها، هذه واحدة.ثانياً: الاستعجال في الدعاء، وهذا متورط فيه أكثر الناس، وهو أن تقول: دعوت وما استجيب لي! فأنت ترجوا الاستجابة ولو بعد أربعين سنة، إلا إذا قلت: دعوت وما استجيب لي فقد انتهيت، فلا تيأس، لا تقنط، لا تقطع رجاءك، ابق مع سؤالك عشرين سنة، أربعين سنة، ستين عاماً ما تترك الدعاء، ويستجيب الله لك، فلا تستعجلن الدعاء وتقول: دعوت ولم يستجب لي.من الآداب: أن على الداعي أن يعزم في دعوته، يطلب: اللهم أعطني، اللهم أكرمني، اللهم افعل بي كذا، ولا يقول: اللهم ارزقني ولداً إن شئت، اللهم أسكني مدينة نبيك إن رأيت ذلك أو شئت، هذا حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقل: اللهم أعطني كذا إذا شئت، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري : ( فإذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإنه لا مستكره لله ) ما هناك قوة فوق الله تكره الله على أن يعطي أو لا يعطي، اعزم المسألة: أعطني، اغفر لي، ارحمني، ارفعني، أعزني، بلا تردد. ومن الآداب: أنه يستحب الإسرار بالدعاء، أي: يستحب إخفاء الدعاء، ما معنى الإسرار به؟ عدم الجهر، واذكروا قول الله تعالى عن نبيه زكريا: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3] الخفي ضد العلني والجهري فيستحب في الدعاء أن يكون خفياً، فلهذا لا ندعو كل ليلة وفي كل حلقة، بل ندعو عند المناسبة ونسأل الله العفو، وإلا فالدعاء يكون سراً فيما بينك وبين الله عز وجل. أوقات إجابة الدعاء هناك أوقات يستجاب فيها الدعاء، نضبطها ونسأل الله فيها، أوقات عدة بينها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.من الأوقات التي يرجى فيها استجابة الدعاء: ما بين الأذان والإقامة، فإذا أذن المؤذن ادخل في الدعاء حتى يقول المقيم للصلاة: قد قامت الصلاة، وهي عشر دقائق وأحياناً عشرون دقيقة، فهذه -والله- نتصيدها كل يوم على علم، قبل أن يقول: الله أكبر ونحن في الطريق أو في الصف ندعو، فبين الأذان والإقامة اطلب حاجتك.ثانياً: السَّحر، وقت السحور، الثلث الأخير من الليل إلى أذان الصبح، هذا الوقت وقت استجابة، وسر ذلك: أن الله عز وجل ينزل في هذا الوقت إلى السماء الدنيا وينادي: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فهذه فرصة.ثالثاً: وقت الفطر، وقت فطر الصائم، عندما يؤذن المؤذن قبل أن ترمي بالتمرة في فيك ادع الدعوة التي تحتاج إليها وبعد ذلك أفطر، وتحين الوقت، بعدما يقول: الله أكبر قل: يا رب! افعل بي كذا وكذا، ثم كل التمر أو اشرب الماء.رابعاً: حال السفر. أيها المسافرون! إن كان سفركم لله لا للشيطان ولا للهوى فلكم دعوة مستجابة، ادعوا الله عز وجل فإنه يستجيب لكم؛ لأنكم مسافرون له، حتى ولو كنت تاجراً تتجر من أجل أن تعول أسرتك وتحفظ نفسك عن سؤال غير الله، والتجارة مأذون فيها والمال حلال وبيعك وشراؤك على أسس البيع والشراء الذي أباح الله؛ فأنت في عبادة، ادع الله وأنت مسافر، أما إذا كنت في الحج والعمرة والزيارة وطلب العلم والدعوة إلى الله فادع بما شئت.أما إذا كان السفر كسفر الغافلين للنزهة والترويح على النفس، ويخالطون الكفار والفساق والفجار، ويعيشون معهم الشهر والشهرين ويعودون ملطخين، وأعوذ بالله من هذه الحالة، ولا تغضبوا، فما سمينا زيداً ولا عمراً، لكن بلغنا أن هناك من يسافر لا لشيء إلا للهوى، تخرج من مدينة الرسول؟ تترك مكة وتذهب إلى بلد لتروح على نفسك؟ !والله إن الذي لا يجد الروحانية في الحرمين لن يجدها في العالم، لو أعطوه أموال بريطانيا ونساءها كلها فوالله لن يجدها، ولكن الجفاف والقسوة سببها البعد عن الله، فيحاولون كيف يخففون.خامساً: المرض، أيها المرضى -ونحن منهم- ادعوا الله عز وجل طول الليل والنهار فدعاؤكم لا يرد، إذا كان المرض ما تسببنا فيه بمعصية الله، إذا امتحنك الله وابتلاك ليطهرك ويزكيك، أما إذا أنت شربت الخمر أو لعقت السم بيدك فهذا أمر ثان، أنت عاص لله، حتى الذي يسرف في الأكل والشرب حتى يتخم ويمرض لا يستجاب له، عصى الله عز وجل.سادساً: في السجود، هذه أصعب من سابقتها، يضع رأسه بسرعة ويرفع، فما هي قضية سهلة، ما يعرف حتى سبحان الله أو سبحان ربي الأعلى، يخطفها ويرفع رأسه، فإين يسجد؟ أين يدعو؟ فالدعاء يستجاب في السجود وأعظمك السبعة على الأرض ووجهك معفر في التراب وأنت تسأل الله، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لو تظل ألف سنة وأنت صاعد في السماء فما أنت بأقرب من ساجد في الأرض يسجد لله، واقرءوا قول الله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] واسجد واقترب من الله عز وجل، والسجود: وضع الجبهة والأنف والكفين والركبتين والرجلين على الأرض، ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) حال السجود.سابعاً: دبر الصلوات، عرفنا حديث معاذ : ( يا معاذ! والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) هل فيكم من لم يدع بهذا الدعاء اليوم؟ نحن لا نتعلم ونترك، ما تعلمنا مسألة إلا طبقناها، وإلا فكيف نسمو؟ ثامناً: عند اشتداد الكرب من ظلم وغيره، إذا اشتد البلاء وعظم الكرب ففي الحالة هذه الله معك، فادع الله عز وجل، إذا ابتلينا بحرب، بفتنة، بعذاب، بعدو يعذبنا، عند اشتداد الكرب من ظلم وغيره، فقد ورد من الأحاديث والآثار ما يصدق هذا ويؤكده. تاسعاً: عند رؤية الكعبة، ورد عندما ندخل المسجد ونشاهد الكعبة أننا ندعو بدعاء، والحاصل أن ما ذكرنا ليس معناه الإحصاء والإحاطة، فأبواب الفضل كثيرة.وأما الدعاء في الركوع فباطل، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) لا دعاء في الركوع. معنى قوله تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، قوله: وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] فالذي لا يؤمن بالله ولقائه، لا يؤمن بما أمر الله بالإيمان به من الغيب والشهادة؛ هذا سفيه، ضائع، خاسر، لا وجود له.فقوله تعالى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] أقول: الكفار السفهاء، لا يعرفون الرشد أبداً، ولا يذوقون له طعماً، ولا يظفرون بفائدة منه قط، لأن الله اشترط للرشد أولاً الإيمان به، وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البقرة:186] بجلالي، بكمالي، بوجودي، بإنعامي، بإفضالي، بإحساني، بشرائعي، بقوانيني، وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. لكن نعود إلى الوراء: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]، فكيف تدعو الله: يا رب! أكرمني، تريد أن يستجيب لك وأنت لم تستجب له؟ أعوذ بالله! تقول: يا رب أعطني، يا رب افعل بي، وتلح تريد أن يستجيب لك، وهو يدعو: عبدي، ولا تستجيب، فوالله! لا يستجاب لك. وهل نادانا الله؟ نعم، نادانا تسعين نداء إلا نداء، فالذي لا يستجيب لله إذا ناداه الله فهل يستجيب له الله تعالى؟فهل هذا هو الأدب مع الله: أن تقول: أعطني وأنا لا أعطيك، أمعقول هذا؟ أتقول: يا فلان! أعطنا، خذ كذا، أعنا، وأنت لا تعطيه، كيف يمكن هذا؟ هذا هو سوء الأدب مع الله. عجب هذه الآية: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا دعوتهم، وكم دعانا ربنا في القرآن؟ تسعين مرة، دعانا لأي شيء؟ لا لشيء، وإنما دعانا ليأمرنا بفعل ما يسمو بنا ويعزنا ويكملنا، دعانا لينهانا عما يشقينا ويردينا ويهبط بنا، دعانا ليبشرنا لننطلق في ميادين الصالحات، دعانا لينذرنا من عواقب السوء والمصائب والويلات، دعانا ليعلمنا فنسموا ونتعلم، فالذي ما استجاب لله ويقول له: أعطني فهل سيستجيب له؟ هذا سوء أدب.فمثله: أني أعطيك ما تسأل وما تطلب، دائماً أقول: خذ، وحين أقول: من فضلك أعطني كذا تسكت، فهل هذا أدب؟ لعام وعامين وأنت تعطيه وبعد ذلك قلت: أعطني فلوى رأسه. فحالنا مع الله تعالى هي هذه، كأننا ما سمعناها أبداً: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا دعوتهم، وقد دعانا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] استجبنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]، استجبنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، في تسعين نداء، أكثر المسلمين ما شعروا أن الله ناداهم، وقد تضمنها القرآن الكريم، والحمد لله، فقد علمنا الله وهدانا وكتبنا وعرفنا، وها نحن ندرسها. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] إذا كانوا يريدون أن نستجيب لهم وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، الرشد ضد السفه، فالرشد هو أن تمشي دائماً في سبيل نجاتك، بعيداً عن سبيل هلاكك، هذا الرشد، فالإيمان بالله وطاعته في أوامره ونواهيه بعد معرفة الأمر والنهي والله! لهو الرشد، وصاحبه راشد ورشيد.والإعراض عن معرفة محابه ومساخطه والعيش بعيداً عنها والله! لهو السفه الكامل، وصاحبه خاسر.إذاً: هذه (لعل) الإعدادية ما هي للترجي، ليعدكم بذلك للرشد، فمن آمن بالله وعرف محابه ومكارهه وأخذ بطريق طاعته رشد، أصبح من الراشدين، أعطه مليار ريال أمانة وغب أربعين سنة، فوالله! لتجدنها كما هي؛ لأنه ما هو بسفيه، بل راشد. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات الآن نعود للآيات في الكتاب. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الداعي: السائل ربه حاجته ]، يقال فيه: الداعي.[ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]: أي: يجيبوا ندائي إذا دعوتهم لطاعتي وطاعة رسولي بفعل المأمور وترك المنهي والتقرب إلي بفعل القرب وترك ما يوجب السخط. يَرْشُدُونَ [البقرة:186]: بكمال القوتين العلمية والعملية، إذ الرشد: هو العلم بمحاب الله ومساخطه، وفعل المحاب وترك المساخط، ومن لا علم له ولا عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك ]. معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: ( أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى قوله: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186].. الآية ).ومعنى المناجاة: المكالمة بخفض الصوت، والمناداة: برفع الصوت ]، ناجاه: كلمه بصوت منخفض، ناداه: كلمه بصوت عالٍ مرتفع.[ وإجابة الله دعوة عبده معناها: قبول طلبه وإعطاؤه مطلوبه، وما على العباد إلا أن يستجيبوا لربهم ] إذ دعاهم [ بالإيمان به وبطاعته في أمره ونهيه، وبذلك يتم رشدهم ويتأهلون للكمال والإسعاد في الدارين: الدنيا والآخرة معاً ]. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية ]، كل آية فيها هداية، إذ في كل تمرة مادة غذاء وفي كل حبة عنب كذلك، فكيف بآية ما فيها هداية؟ والله! ما تخلو آية من هداية.قال: [ من هداية الآية:أولا: قرب الله تعالى من عباده ]، لو كان الله بعيداً عنا فمن يبلغ صوتنا، من يرفع سؤالنا؟ لكنه معنا، قريب منا، فادع وأنت مرتاح.[ قرب الله تعالى من عباده، إذ العوالم كلها في قبضته وتحت سلطانه، ولا يبعد عن الله شيء من خلقه؛ إذ ما من كائن إلا والله يراه ويسمعه ويقدر عليه، وهذه حقيقة القرب ]. فالقرب ما هو؟ أن يسمعك ويقدر على أن يمنعك ويعطيك، هذا هو القرب.[ ثانياً: كراهية رفع الصوت بالعبادات، إلا ما كان في التلبية والأذان والإقامة ]، مطلق العبادات رفع الصوت بها مكروه، فلم ترفع صوتك، أما يسمع هو؟ هذا اتهام له، فهذا وجه الكراهة، هل أنت خائف أنه لا يسمعك، فلهذا العبادة كلها يستحب فيها خفض الصوت والمناجاة مع الله، إلا التلبية، فقد أذن الرسول بذلك، فارفعوا أصواتكم: لبيك اللهم لبيك، حتى تصاب بالبحة، والإقامة والأذان، فالأذان لا بد حتى يسمع أهل الحي، والإقامة حتى يسمع أهل المسجد، فقط هذه الثلاثة: الأذان والإقامة والتلبية، وهل ترفع التلبية للمؤمنات؟ لا، هذا خاص بالفحول الرجال، أما أم سعيد فلا، المؤمنة لا يحل لها أن ترفع صوتها، والديوثة التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها، هكذا تقول الصديقة ، فالمؤمنة صوتها منخفض فكيف تلبي بصوتها؟[ ثالثاً: وجوب الاستجابة لله تعالى بالإيمان وصالح الأعمال ]، أما دعانا فقال: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186]؟[ رابعاً: الرشد في طاعة الله والغي والسفه في معصية الله ]، أين يوجد الرشد؟ في طاعة الله ورسوله، أين يوجد السفه؟ في معصية الله ورسوله، والسفيه: هو الذي يشرب الخمر وينفق أمواله في الباطل.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (121) الحلقة (128) تفسير سورة البقرة (86) كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل ثم استيقظ في وسطه لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية، وكأن الصيام هنا يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، فأتى ناس من الصحابة نساءهم في الليل فشق ذلك عليهم، فأنزل الله عز وجل بيان وقت الصيام من النهار، وأذن لهم بالأكل والشرب وإتيان النساء طالما وأن الفجر لم يطلع، ثم امتن سبحانه عليهم بما بين لهم من الأحكام وما شرع لهم من الشرائع التي توصلهم إلى تقواه سبحانه وتعالى. تفسير قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا ذاك، أنت ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]. اختصاص الله تعالى بالتشريع معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من الذي أحل لنا؟ الله، إذ لا يحل ولا يحرم إلا هو، لم؟ لأنه هو المالك لكل شيء، فما أذن فيه فهو كذلك، وما منعه وحظره ولم يأذن فيه فممنوع، أليست هذه حالكم؟ مالك الدار إن أذن لأحد نزل وإن لم يأذن لم ينزل، هذا أولاً.وثانياً: أليس الله عليماً حكيماً؟ فالعليم يعرف المنافع والمضار، فلا يأذن إلا بما فيه منفعة، ولا يمنع إلا ما فيه مضرة، والحكيم يضع كل شيء في موضعه، إذاً: لا يحل ولا يحرم إلا الله، ومن أخذ يحلل ويحرم بدون إذن الله فقد تربب وادعى الربوبية. وهنا لطيفة كررناها عمراً طويلاً، وقلنا للحكام المسلمين: أيها الحاكم! طبق شرع الله في جماعتك في أمتك، أنت عبد الله، كلفك الله وأناط بك هذا، فطبقه كما أراد هو، فإن شقي الشعب أو سعد فلا لوم عليك، إن أصابهم بلاء وجوع فقل: ربكم هو الذي فعل وتبرأ ذمتك، إن أصابهم خير وطهارة وكمال فقل: هذا فضل الله عليكم، فإن أبيت هذا فاخلق إقليماً من الأقاليم من البلاستيك أو من الطين وانفخ فيهم الأرواح، واجلس على سرير ملكك، وإذا نازعك أحد في حكمك فاقتله، فهل يستطيع أحد أن يخلق أمة حتى يحكم فيها بما يريد؟ الجواب: لا.إذاً: أما تستحي يا عبد الله أن تبعد الله عز وجل عن حكمه وتحكم أنت بما تشتهي؟ يا ويحك، يا ويلك! إلا أن يتوب الله عليك.فإذا أراد الإنسان أن يحكم بهواه على المؤمنين أهل الكتاب والسنة فليصنع ما شاء من البلاستيك مليون نسمة أو مليونين وينفخ فيها الروح وليتربع على سرير ملكه يأمر وينهى: افعلوا، لا تفعلوا، ولا يلومه أحد، لأنه يقول: خلقي، صنعي وصنعتي، فمن يلومه؟ أما أن يخلق الله ويرزق الله ويدبر الله وينزل كتابه ويبعث رسوله ويكل الأمر إليك لتطبقه فتعرض عن الله وعن كتابه وشرعه، وتطبق على المؤمنين شرائع الهوى والأباطيل فهذا عار ومذمة، ولو فقه هذا واحد فإنه سيدعي الجنون ويهرب، ما يقبل أبداً أن يبقى على كرسي الحكم، لكن من بلغهم؟ الأدب القرآني في الكناية عن الجماع والشاهد عندنا قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من المحلل؟ الله، ماذا أحل لنا؟ قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، الرفث: الجماع، لم ما قال: الجماع أو الوطء أو النكاح؟ لأن هذا كتاب مقدس، هذا تقرؤه الفتاة وتتلقى عن أبيها، ويتلقاه الشاب عن أبيه، بل عن أمه، فكل عبارة من شأنها أن تثير الغريزة أو تحدث فكرة في الجنس لا يستعملها، آمنا بالله!ومعنى هذا: تربوا يا عباد الله وطهروا ألسنتكم وأقلامكم، فلا تتكلموا بما يسيء، بما يضر، تأدبوا بآداب ربكم، وارتقوا إلى مستويات نبيكم، هذا هو المطلوب منا، وقد يقال: يا شيخ! من علمنا هذا، ما وجد من يعلمنا، ونحن مشغولون بالملاهي والمقاهي والملاعب والطعام والشراب! إذاً: فلا نلومن إلا أنفسنا، ولا حجة لنا عند الله أن نقول: ما تعلمنا، فلم ما تعلمتم؟ كان سلفكم يرحل الرجل من المدينة إلى حمص من أجل حديث واحد يتعلمه، وأنتم التعليم في بيوتكم وتعرضون عنه، فأي عذر لهذه الأمة؟قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]، أي: إذا كان الغد هو يوم صيام فتلك الليلة قبله هي ليلة الصيام، الرَّفَثُ [البقرة:187]، أي: الجماع ومخالطة نسائكم. معنى قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ثم قال تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، من هن هؤلاء؟ الزوجات، والضمير يختلف، فـ(هن) غير (أنتم). ودعاة المساواة بين الرجل والمرأة يقولون: اتركوا كلمة (هن) هذه، فالكل (هم)! فيا للسخرية والاستهزاء والهبوط، أين تهبط البشرية؟ هذا شأن من جهلوا الله وما عرفوه، شأن من كفروا بالله وأنكروه، شأن من أعرضوا عن ذكر الله وكتابه وتجاهلوه، فهم في حيرتهم يتخبطون. إن الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، شر الخليقة، من شر الخليقة؟ الكفار، من قضى بهذا؟ خالقهم، ولو حللنا ذلك تحليلاً علمياً فوالله! لوجدناهم شراً من القردة والخنازير، ولكن ما دمنا هبطنا وجاريناهم ومشينا وراءهم فما يتبين لنا هذا، لو كنا في سمائنا وكمالاتنا ننظر إليهم كالقردة والخنازير لا وزن لهم ولا قيمة، لكن هبطنا فتساوينا، بل تفوقوا علينا، فماذا نقول؟ هُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] كيف لباس؟ العامة من عجائز القرية يقلن: فلانة تستر زوجها وهو يسترها، واللباس هل يستر أو يفضح؟ فزوجتك تسترك، وأنت تسترها، حتى لا تتعرض للفضيحة أنت ولا هي، إذاً: فهي لباس وهو لباس، سبحان الله! معنى قوله تعالى: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ...) وبيان سبب نزول الآية وقوله بعد: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لهذه الجملة سبب نزلت به، حيث كانوا إذا نام أحدهم بعد المغرب ثم استيقظ لا يأكل ولا يشرب حتى اليوم الآتي ويفطر مع غروب الشمس، فمن أراد أن يأكل، يشرب، يجامع أهله فقبل أن ينام، إذا نام واستيقظ فهو صائم لا أكل ولا شرب ولا جماع، ومشى الحال هكذا لسنة أو سنتين، أو لأيام وليال، فـعمر رضي الله عنه استيقظ وأتى أهله رضي الله عنه، فشعر بأنها زلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة، فأجاب الله تعالى عمر والمؤمنين: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]، فتلوثونها بأدران المخالفة والمعصية، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، بشراك يا ابن الخطاب بشراك، الحمد الله، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لا مؤاخذة، ولا قضاء ولا إثم، منة الله على ذاك النور الأرضي عمر .و عمر يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، ما يقدر وما يستطيع الشيطان أن يمشي مع عمر في شارع واحد، فيحترق، ويقول فيه: ( لو كان في أمتي محدثون -أي: من تحدثهم الملائكة- لكان منهم عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، هذا هو عمر ، هذا هو ابن الخطاب .ويوجد من الغافلين والجهال المضلين من يسبونه، وضبط واحد منهم يبصق على قبره! فما هذا العمى، ما هذا الجهل، ما هذا الضلال؟! تعالوا اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ما عندنا إلا أن نقول: كتب الله خلقاً للجنة وخلقاً للنار.إذاً: عرفتم سبب نزول الآية، وتأمل قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، وإن كان الذي فعل واحداً فقط، لكن القرآن في سماء الآداب والكمال، ما يقول: علم أنك، فتسأل: من هذا؟ فقال: (أنكم) أنتم أيها المؤمنون، إذ الواحد منكم جزء منكم والكل واحد، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، أمرنا واحد. معنى قوله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) وقوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: أذنا لكم، إذا أذن المغرب وأكلت أو أشربت أو صليت العشاء فائت زوجتك، نم حتى تشبع نوماً وقم وائتها وكل واشرب حتى الفجر، والحمد لله، هذه فضيلة عمر . فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، فالآن بعد الذي حدث وبعد العفو الذي تم باشروهن، ما معنى باشروهن؟ من أراد أن يجامع زوجته فليجامع، وإن نام واستيقظ ولا حرج، لم هذه المباشرة، لم هذا الجماع يا حكيم يا عليم؟ قال تعالى: وَابْتَغُوا [البقرة:187]، اطلبوا ماذا؟ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، ما هو بجماع شهوة فقط، اطلبوا البنين والبنات، إذا كتب الله لكم ذلك في كتاب القضاء والقدر في اللوح المحفوظ فسوف يكون الولد والبنت، فانظر كيف رفع مستوانا إلى الكمال، ما هي بقضية بهائم فقط، باشر انكح.. اطلب الولد حتى يعبد الله عز وجل، ما هو لمجرد الشهوة. معنى قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، كان أحد الأصحاب قد فهم من الآية أنها خيوط، فوضع تحت رأسه عند وسادته خيطين أبيض وأسود، وما عندهم كهرباء، فكان ينظر: فإذا وجد الخيط أسود قال: ما زال الليل، وإذا وجد الخيط الأبيض قال: طلع الفجر، فذكر ذلك للحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: ( إنك لعريض القفا )، قفاك عريض، لم؟ تجعل المشرق والمغرب كله تحت رأسك؟! تجعل الأفق بكامله تحت رأسك وأنت نائم! هذه اللطيفة المحمدية، فليس المراد من الخيوط هذه خيط يلوح هكذا أبيض فتظن الفجر، وخيط يأتي بعده أسود. وهذا عرفناه وعشناه وجربناه قبل وجود هذه الكهرباء الظالمة التي أفسدت حياتنا، وقد تقول: يا شيخ! لا تقل هذا. فأقول: والله ما استعملناها في منافعنا، لو استعملناها في النافع لكانت نعمة، الآن أقل ما يكون أن أولادنا يعلبون طول الليل وهم يجرون ويصيحون، وينامون بعد الفجر إلى الظهر أو إلى العصر، بل حتى النساء تغيرن فجعلن النهار ليلاً والليل نهاراً؛ بسبب ماذا؟ أيام كان الفانوس والزيت أو جريد النخل ما كان هذا، الآن يسهرون فلا يصلون الصبح ولا يشهدونها، ولا يذكرون الله، ولولا هذه الكهرباء فمن أين يأتي التلفاز والفيديو؟ هي محنة الكهرباء.المهم أننا سفهاء، لا رشد لنا، فلهذا ما ننتفع بما فيه نفعنا، ونحول المنافع إلى مضار؛ وذلك لهبوطنا، ما نحن سادة البشرية وقادتها.إذاً: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، إلى متى؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]، نكون في المسجد في القرية، وفجأة يضاء المسجد من النوافذ وما هناك كهرباء ولا فوانيس، فنقول: طلع الفجر، ونأخذ في صلاة النافلة، وفجأة يأتي الظلام كما كان خيطاً أسود، بعدها بدقائق ينبلج الصبح، هذا الذي أراده الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، الخيط الأول كذنب السرحان، حيث يطلع بياض في الأفق عشر دقائق أو خمس دقائق ثم ينسخ ويأتي ظلام الخيط الأسود، بعدها ينبلج الفجر. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، وسمي الفجر فجراً لانفجار الضوء وانتشاره، فاشرب مع الخيط الأسود وكُلْ حتى ينبلج الفجر الخيط الأبيض.وقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، هذا الأمر للإباحة، منة الله، ولو أن شخصاً قال: يجب أن نأكل، فربي قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، فسيبقى يراقب الفجر حتى يأكل، ولكن هذا للإباحة، فإذا لم ترد أن تأكل فلا تأكل ولا تشرب، فقد كان ذلك ممنوعاً فأذن لهم فيه. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) قال: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] أتموا الصيام من الفجر الذي هو انتشار الضوء في الأفق إلى الليل، والليل يبتدئ بغروب الشمس، سقطت عين الشمس بالأفق فدخل الليل.إذاً: وأتموا الصيام إلى الليل، ما هو الصيام؟ هو الإمساك والامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وهل للبطن شهوة؟ أي نعم، يشتهي الطعام والحلويات أو لا؟ يشتهي الماء والعصير أو لا؟ والفرج له شهوة. معنى قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) إذاً: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، هذا إعلام لنا بمشروعية الاعتكاف، وهو ملازمة المسجد للعبادة، ويشترط للعكوف أن يكون المسجد مسجداً جامعاً، أي: تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج منه ليصلي الجمعة، والعكوف أقله يوم وليلة، كونك تجلس نصف النهار أو الليل وتقول: اعتكفت ليس هو العكوف الشرعي، هو عكوف لغوي، العكوف في المسجد: ملازمة المسجد لا تخرج إلا للبول أو الوضوء، أو تأتي بطعام من السوق أو شراب بدون أن تتكلم ولا تجادل، إذا لم يكن لك من يأتيك بطعامك وشرابك، وتنام في المسجد، وإن احتلمت فاخرج على الفور اغتسل وارجع، لا تبق محتلماً.إذاً: هذا الاعتكاف فيه فضل عظيم لا يقادر قدره، حسبك أن عبد الله عكف في بيت ربه يذكره، وهو قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والركوع والسجود أربعاً وعشرين ساعة، فإذا جاءك النوم فنم ولا حرج، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم عشر ليالٍ، والاعتكاف سنة في العشر الأواخر من رمضان.يقول تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ما معنى: ولا تباشروهن؟ المباشرة: أن تمس البشرة البشرة، فنحن بشر لأن بشرتنا ما عليها ريش ولا وبر، فـ(باشر زوجته): اختلطت بشرته ببشرتها، كناية عن الجماع والوطء. وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، لا الناهية، حرام عليكم، وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فمن غلبته شهوته فذهب إلى بيته وواقع امرأته بطل اعتكافه وفسد، ويجب قضاؤه حتماً؛ لأنه دخل في عبادة وتركها بدون مقتضٍ ولا موجب، أثم وعليه أن يقضيها، إذ المعتكف قد تغلبه نفسه ويمشي إلى البيت مثلاً ليأتي بطعام أو شراب فينهزم، فإذا انهزم بطل اعتكافه وعليه قضاؤه، وهذا كلام الله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] والحال أنكم عاكفون في المساجد.ويقضي في شوال أو في أي وقت، إذا التزم بعشرة أيام فإنه يقضيها في شوال، وإذا التزم بيوم وليلة فقط يقضي يوماً وليلة. معنى قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها) ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]، تلك الأحكام التي بيناها من قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187] إلى هذه الجملة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] هذه كلها حدود الله، فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] ولا تعتدوها، ابتعدوا عنها، وقوله: فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] أعظم من: تعتدوها؛ لأن النهي عن قربانها من بعيد. معنى قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) ثم يقول تعالى: كَذَلِكَ [البقرة:187] كهذا البيان والتبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [البقرة:187] التي تحمل شرائعه وأحكامه، وآداب وأخلاق الكمال البشري، يبينها للناس أبيضهم وأسودهم من عرب وعجم، ولكن من هم؟ الذين يؤمنون بهذا الكتاب، ويقرءونه ويفهمون ما فيه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] كل هذا من أجل التقوى، إذاً: للتقوى شأن عظيم. والذين ما حضروا هذه الحلقة ليقم أحدهم ويبين لنا سر التقوى وسنعطيه ألف ريال، ولكن لا يعرفون، وقد يقال: يا شيخ! ماذا تريد؟ فأقول: نريد أهل المدينة المنورة يأتون بيوت الله يتعلمون العلم، في ساعة ونصف فقط بين المغرب والعشاء، ينبغي أن يمتلأ المسجد بنا نحن ونسائنا وأطفالنا، كل ليلة نتلقى الكتاب والحكمة، وتمضي الأيام والأعوام وأحدهم ما يجلس جلسة كهذه أبداً، فكيف يتعلم، من أين له أن يتعلم، أيوحى إلينا؟ إنما العلم بالتعلم كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.فالتقوى هي امتثال الأمر واجتناب النهي، أن تطيع الله ورسوله وأولي الأمر في الأمر والنهي، هذه هي التقوى، فكيف علت وأصبحت هكذا؟ الجواب: لأن المتقي طيب النفس زكي الروح، روحه كأرواح الملائكة في السماء، هذا الذي يقبله الله ويرضى عنه ويدنيه، وولاية الله التي يطلبها العقلاء متوقفة على التقوى، من هم أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أولياء الله من ألف سنة عند العرب والعجم سيدي عبد القادر ، سيدي عيدروس وفلان وفلان، ولا يعرفون ولياً بين الناس، تدخل إلى القاهرة وإلى الإسكندرية أو دمشق أو بغداد أو الرياض، وتقول لشخص: من فضلك أنا جئت من بلاد بعيدة، نريد ولياً من أولياء هذه البلاد أزوره، فوالله! ما يأخذك إلا إلى ضريح، ولا يعرف أن هناك ولياً لله! فمن فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، كيف فعلوا بنا هذا؟ لأننا بالولاية نحفظ، فولي الله انتبه أن تقول فيه كلمة سوء: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فأصبح الرجل إذا فجر ما يمر بقبر الولي أو بضريحه، بل يأتي من شارع آخر خائفاً من الولي، فحصروا خوفنا في القبور، وسلطوا بعضنا على بعض: الزنا، السرقة، الكذب، القتل، الضرب، الدمار بيننا؛ لأننا أعداء الله ما نحن أولياء الله، لو علمونا أننا أولياء فما يستطيع الإنسان أن يؤذي ولي الله أبداً والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فانظر كيف توصلوا إلى أن أبحنا الزنا والربا واللواط والجرائم، فالمؤمن أخوه يقتله يسبه يشتمه، ويزني بامرأته، فكيف يتم هذا؟ لأننا لسنا أولياء الله، ما علمونا أننا أولياء الله، من فعل هذا؟ العدو، هل عرفنا عداوته؟ كلا أبداً، بل هم أصحابنا! إذاً: ماذا نقول؟ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، الولاية تتحقق بخطوتين: آمن حق الإيمان واتق الرحمن فأنت ولي الله، وإن لم تؤمن أو لم تتق فأنت ولي الشيطان.فلهذا أمرنا بهذه الحدود وهذه الآداب في الصيام والاعتكاف ثم قال: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] فيصبحوا أولياء الله عز وجل، فاللهم اجعلنا من المتقين. ذكر بعض أحكام سنة السحور من سنن الصيام: السحور، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، الفرق بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى أكلة السحر، هم لا يتسحرون؛ لأنهم بهائم، أما نحن فمرابطون مجاهدون صناع، نأكل قبل الفجر بخمس دقائق ونمشي للعمل لننتج، فالسحور هو الغداء المبارك، لو كنا أهل علم فلن نتسحر وننام، بل نتسحر وإذا أذن المؤذن صل واحمل مسحاتك أو آلتك إلى عملك، ولن تفكر في الطعام لأنك شبعان. ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى تأخير هذه السنة فيقول: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور )، ما هذه الرحمة المحمدية؟ يدعونا إلى أنه بمجرد أن تغيب الشمس نأكل، رحمة بنا أو لا؟ لو قال: أخروا حتى تصلوا العشاء أو المغرب ففي ذلك أجر لكان ذلك ضرراً بنا، لكن قال: ( عجلوا الفطر وأخروا السحور ) إلى قبيل الفجر بدقائق، فهذا الشارع حكيم أو لا؟ إنه أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات والآن تسمعون شرح هذه الآيات مرة ثانية.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]: الليلة التي يصبح العبد بعدها صائماً.الرفث: الجماع. لِبَاسٌ لَكُمْ [البقرة:187]: كناية عن اختلاط بعضكم ببعض؛ كاختلاط الثوب بالبدن. تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]: بتعريضها للعقاب، ونقصان حظها من الثواب بالجماع ليلة الصيام قبل أن يحل الله تعالى ذلك. بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]: جامعوهن، أباح لهم ذلك ليلاً لا نهاراً. وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]: أي: اطلبوا بالجماع الولد إن كان قد كتب لكم في قضاء الله وقدره، ولا يكن الجماع لمجرد الشهوة ]، هذه تربية ربانية.[ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [البقرة:187]: الفجر الكاذب، وهو بياض يلوح في الأفق كذنب السرحان ]، أي: كذنب الذئب. [ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]: سواد يأتي بعد البياض الأول فينسخه تماماً. الْفَجْرِ [البقرة:187]: انتشار الضوء أفقياً، ينسخ سواد الخيط الأسود ويعم الضياء الأفق كله. عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]: منقطعون إلى العبادة في المسجد تقرباً إلى الله تعالى. حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]: جمع حد، وهو ما شرع الله تعالى من الطاعات فعلاً أو تركاً. كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ [البقرة:187]: أي كما بين أحكام الصيام يبين أحكام سائر العبادات من أفعال وتروك ليهيئهم للتقوى التي هي السبب المورث للجنة ]. التقوى سبب مورث للجنة، كما قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، قالها إبراهيم عليه السلام، إذاً: الجنة تورث، وسبب إرثها التقوى. معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية؛ كأن الصيام يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، ثم إن ناساً أتوا نساءهم وأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة تبيح لهم الأكل والشرب والجماع طوال الليل إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] أي: الاختلاط بهن؛ إذ لا غنى للرجل عن امرأته، ولا للمرأة عن زوجها. هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]: يسترها وتستره؛ كالثوب يستر الجسم، وأعلمهم أنه تعالى علم منهم ما فعلوه من إتيان نسائهم ليلاً بعد النوم قبل أن ينزل حكم الله فيه بالإباحة أو المنع، فكان ذلك منهم خيانة لأنفسهم، فقال تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187] فاحمدوه.وأعلن لهم عن الإباحة بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، يريد: من الولد؛ لأن الجماع لا يكون لمجرد قضاء الشهوة، بل للإنجاب والولد ]، وغداً سينعقد مؤتمر يمنع الولادة، فلعنة الله عليهم.قال: [ وحدد لهم الظرف الذي يصومون فيه، وهو النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وحرم على المعتكفين في المساجد مباشرة نسائهم، فلا يحل للرجل وهو معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته، وإن فعل أثم وفسد اعتكافه ووجب عليه قضاؤه، قال تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأخبرهم أن ما بينه لهم من الواجبات والمحرمات هي حدوده تعالى فلا يحل القرب منها ولا تعديها، فقال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]، ثم قال: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، فامتن تعالى على المسلمين بهذه النعمة، وهي بيان الشرائع والأحكام والحدود بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة؛ ليعد بذلك المؤمنين للتقوى، إذ لا يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم، وقد فعل فله الحمد وله المنة ].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (122) الحلقة (129) تفسير سورة البقرة (87) يبين الله عز وجل في هذه الآية حكم أكل أموال المسلمين بالباطل، وأنه يحرم على المسلم أن يأكل لحم أخيه بغير طيب نفس منه، ثم ذكر نوعاً من شر أنواع أكل المال بالباطل، وهو دفع الرشوة إلى القضاة والحكام ليحكموا لهم بغير الحق، فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ليأكلوا أموال إخوانهم بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة، وهذا الحكم من الله يدخل فيه مال المسلم ومال غير المسلم على حد سواء. قراءة في تفسير قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ...) من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله؛ رجاء أن يتحقق لنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا ذلك يا ولي المؤمنين.كنا قد أخذنا في الدرس السابق قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، هذه الآية شرحناها وفهمنا مراد الله تعالى منها، وبقي أن نذكر هداية هذه الآية الكريمة. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ))[البقرة:187] الآية.[ ثانياً: بيان ظرف الصيام ]، بيان وقت الصيام، [ وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ))[البقرة:187]، فالفجر إذاً فجران: صادق وكاذب.[ ثالثاً: بيان ما يمسك عنه الصائم، وهو الأكل الشرب والجماع ]، من أين أخذ هذا الحكم أو هذه الهداية؟ من قوله تعالى: (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ))[البقرة:187] الآية.[ رابعاً: مشروعية الاعتكاف وخاصة في رمضان، وأن المعتكف لا يحل له مخالطة امرأته وهو معتكف، حتى تنتهي مدة اعتكافه التي عزم أن يعتكفها ]، من أين أخذنا ذلك من الآية؟ من قوله تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ))[البقرة:187]، وقد عرفنا أن من باشر امرأته وهو معتكف فسد اعتكافه، ووجب قضاؤه بعد رمضان، وعرفنا أن الاعتكاف لا يقل عن أربع وعشرين ساعة، عن يوم وليلة، ولا يكون اعتكافاً شرعياً إلا إذا كان صاحبه صائماً، لا اعتكاف بدون صيام، أقله يوم وليلة، وأفضل ما يكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.[ خامساً: استعمال الكناية بدل التصريح فيما يستحى من ذكره ]، حيث قال تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ))[البقرة:187]، فكنى عن الجماع بالمباشرة من باب تربيتنا لنعيش على الآداب وحسن الأخلاق، ما قال: ولا تجامعوهن. [ سادساً: حرمة انتهاك حرمات الشرع وتعدي حدوده ]، من قوله تعالى: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ))[البقرة:187].[ سابعاً: بيان الغاية من إنزال الشرائع ووضع الحدود وهي تقوى الله عز وجل ]، إذ قال تعالى: (( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ))[البقرة:187].[ ثامناً: ثبت بالسنة سنة السحور، واستحباب تأخيره ما لم يخش طلوع الفجر، واستحباب تعجيل الفطر ]، لحديث: ( فصل ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحر )، ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ). تفسير قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ...) ولننتقل للآية الآتية من هذه السورة المباركة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].هذا النهي الإلهي، والذي نهانا هو ربنا العليم الحكيم، فقال: وَلا تَأْكُلُوا [البقرة:188] و(لا) ناهية، ويطلق الأكل للمال على كل استعمالاته، سواء للباس، للسكن، للركوب، للشراء، الكل يطلق عليه لفظ: أكل المال؛ لأن الغالب أن الأموال تستعمل فيما يأكله الآدمي. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ [البقرة:188] هل هي أموالنا؟ أي نعم، فالله هو واهبها لنا، ونحن كفرد واحد، أمة واحدة، لا فرق بين البعيد والقريب ولا الشريف والوضيع، ولا العربي ولا العجمي، نحن مثل أمة واحدة. وَلا تَأْكُلُوا [البقرة:188]أيها المؤمنون أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] والباطل خلاف الحق، وفي هذا يدخل المال الذي يؤخذ من طريق الاغتصاب، إذ الاغتصاب باطل، والذي يؤخذ من طريق الخداع والغش فهو باطل، والذي يؤخذ من طريق شهادة الزور فهو أخذ باطل، الباطل ما كان بغير مقابل، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، وكل ما أخذ بغير طيب النفس فهو حرام، وهو مأخوذ بالباطل، وقد حرم الله علينا أن نأخذ أموالنا بالباطل، وقد يأخذ المرء مال أخيه مع طيب نفسه؛ وذلك كالذي يقامر ويأخذ مال أخيه بالقمار ونفسه طيبة، لكن كونه راضياً ولا ينكر هل هو راضٍ حقيقة عن أخذ ماله؟ والله! ما هو براضٍ، إذاً: فيبقى اللفظ على عمومه، لا يحل لمؤمن أن يأكل مال مؤمن بغير حق، بأن يأكله بالباطل، وأموال أهل الذمة كأموال المسلمين، لا يحل لمؤمن أن يأخذ مال كتابي كيهودي أو نصراني بغير حق، لا فرق بين هذا وذاك، وكلمة (بينكم) تشمل الأمة كلها على اختلافها. معنى قوله تعالى: (وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وقوله: وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] هذا يندد بالرشوة وبأصحابها وبالقضاة الذين يأخذونها، الرِشوة والرُشوة والرَشوة: ما يعطى للحاكم ليحكم بغير حق، يعرف المواطن المؤمن أن هذا البستان لي لا له هو، ولوجود شبهة أو محاولة يرشي الحاكم ليحكم له بذلك البستان، والبستان كالدار، كالدابة، ككل شيء، الأمور ذات البال هي التي ترفع إلى القضاء، فحرم الله تعالى على المؤمنين أن يدلوا بأموالهم إلى القضاة والحكام ليتوصلوا بذلك إلى أكل أموال إخوانهم بالباطل؛ إذ قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].وقوله تعالى: لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا [البقرة:188] قدراً معيناً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ [البقرة:188] الملطخ للنفس، المقبح لها المشوه لها، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] أن هذا المال حرام، وأن الدابة ليست لك أو البستان أو كذا، وترشي الحاكم مع وجود شبهة تدعي بها أن الدابة دابتك أو أن الدار دارك، وأنت تعرف أنها ليست لك، وتغرر بالحاكم وتضلله، وتفسد عليه حياته، فتشجع القضاء بالباطل بما تدلي به إليه من مال، وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] من أجل ماذا؟ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا [البقرة:188] يقل ويكثر، وهذه اللام لام العاقبة والصيرورة، لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ [البقرة:188] وكلمة (النَّاسِ) تشمل الكافر والمؤمن، فلهذا قال أهل التفسير: أهل الذمة بيننا لا يصح لمؤمن أن يأكل أموالهم بالباطل بحال من الأحوال، لا يقولن: هذا يهودي أو هذا نصراني ويقيم شبهة، ويقدم القضية للحاكم ويقول: هذا يهودي عدو، فيقضي له بالباطل ويأكل مال الناس.وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] والحال أنكم تعلمون أن هذا حرام ولا يصح ولا يجوز بحال من الأحوال، ولهذا كانت الرشوة من أفظع الذنوب وأسوئها؛ أن نعطي الحاكم مالاً كالرشاء الذي ننزع به الدلو من البئر، من أجل أن نحصل على مال محرم.هذه الآية نص في حرمة الرشوة واستعمالها، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يدعي أخيه في ماله، ثم يرفع القضية إلى القضاء إلى الحاكم ويرشي الحاكم ليحكم له بمال أخيه. ولنرجع إلى الآية الكريمة في الكتاب. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:الباطل: خلاف الحق ]، فالشيء إما أن يكون حقاً أو باطلاً، لا وسط بينهما، ما هناك شيء ما هو لا حق ولا باطل، إما أن يكون حقاً أو باطلاً، فالباطل خلاف الحق.[ تدلوا: الإدلاء بالشيء: إلقاؤه، والمراد هنا: إعطاء القضاة والحكام الرشوة ليحكموا لهم بالباطل حتى يتوصلوا إلى أموال غيرهم ] فيأكلوها بالباطل.[ فريقاً: أي: طائفة وقطعة من المال ]، وفريق من الناس: جماعة، كذلك فريق من المال، قطعة من المال، كل ما يؤخذ من مجموعة ويفرق بينه وبين غيره يقال فيه: فريق، سواء كان دنانير ودراهم، أو كان رجالاً ونساء، الفريق هو القطعة من المال في هذه الآية: لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].[ بِالإِثْمِ [البقرة:188]: المراد به هنا: بالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة، أي: الحلف بالكذب ليقضي القاضي لكم بالباطل في صورة حق ]؛ لأن المدعي هذا قد يحلف، يقول القاضي: احلف، فيحلف بالله الذي لا إله غيره وهو كاذب، ولهذا فاليمين الغموس هي التي يحلف صاحبها وهو كاذب ويتعمد، بعض أهل العلم قالوا: هذه لا كفارة فيها، ومنهم مالك ، ما يكفي فيها صيام ولا إطعام؛ لأنها سميت بالغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في أتون الجحيم، وبعض أهل الفقه يقول: مهما كان فإنه يكفر فيطعم عشرة مساكين ولا ينفعه ذلك؛ لأنه حلف فاجراً متعمداً من أجل أن يأخذ أموال الناس أو يمزق أعراضهم، فلهذا قال: المراد بالإثم هنا: الرشوة وشهادة الزور، وشهادة الزور أن يقول: أشهد بالله أن كذا لفلان وهو يكذب، أشهد أن فلاناً ما قال كذا وكذا، يقوله أمام القاضي.ولهذا في الصحيح أيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي رجاله كان جالساً بينهم في هذا المسجد، ثم قال لهم بهذا الاستفهام: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس -اهتماماً بالأخيرة- ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور )، وما زال يكررها حتى فزع الأصحاب وتمنوا أن لو سكت خشية أن ينزل ما ينزل، قال الراوي: ( حتى قلنا: ليته سكت ). وشهادة الزور كثرت لما هبطت أمتنا وأصبح يحوم حول المحكمة صعاليك ويتحسسون، فإذا جاء أحد قال له: تريد شهادة؟ أنا أشهد معك، فيضع في جيبه نقوداً ويدخل يشهد، ويحلف بالله ما كان هذا أو لم يكن، أما إذا كان من قبيلته أو من أهل قريته -بل حتى من إقليمه- فيشهد له شهادة زور لكونه من بلاده، ما سبب هذا؟ الجهل، ما جلسوا في حجور الصالحين كما جلس الأصحاب في حجر الحبيب صلى الله عليه وسلم، فمن أين يعرف ويتعلم؟ بل يشهد وهو يضحك.قال: [ بِالإِثْمِ [البقرة:188]: المراد به هنا: بالرشوة وشهادة الزور، واليمين الفاجرة ]، أي: اليمين الغموس، هذه يمين الفجور والخروج عن طاعة الله ورضوانه.قال: [ أي: الحلف بالكذب ليقضي القاضي لكم بالباطل في صورة حق ]؛ لأنه قال: اعتمد على شهادة فلان وفلان. فهذه مفردات هذه الآية المباركة. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة: لما أخبر تعالى في الآية السابقة ] ذات الأحكام المتعددة [أنه يبين للناس ] إذ قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [البقرة:187]، والآيات القرآنية هي التي تحمل الأحكام الشرعية: الحلال والحرام والحق والباطل وما إلى ذلك.[ أنه يبين للناس أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي ]، ليتقوه: أي: ليتقوا الله، بأي شيء يتقوه؟ بفعل ما أمرهم وترك ما نهاهم، والتقوى: التي بها نتقي الله حتى لا يسخط علينا ولا يغضب ولا ينتقم، فهي امتثال أوامره وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، واجتناب نواهي الله ونواهي الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا يتقى الله، ما يتقى بالجيوش الجرارة، بالحصون العالية، بالأسوار الحصينة، هذه ما تنفع، والله! لا تنفع، بم يتقى الله؟ بطاعته وطاعة رسوله، فمن أطاع الله تعالى فيما أمر وفيما نهى -أي: في فعل المأمور وترك المنهي- وأطاع الرسول في ذلك فهو متقٍ، وهو في عداد المتقين. وراثة الجنة بالتقوى وللتقوى فضل عظيم، فهي سبب وراثة الجنة، فالجنة دار السلام تورث، وورثتها معلومون، وسبب الوراثة تقوى الله عز وجل، واقرءوا: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، يورث الله الجنة من كان تقياً. وإبراهيم الخليل في دعوته التي حفظناها قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، إذاً: الجنة تورث كالتركات المالية تورث، نحن الآن نتوارث بثلاثة أسباب: النسب، المصاهرة، الولاء، فالنسب: كالبنوة والأخوة والقرابة، والمصاهرة: بين الزوجة والزوج، والولاء أيام كان عندنا العبيد، والآن كلنا عبيد، لكن هل نحن عبيد لله؟ لا، للدينار والدرهم، إذاً: فالجنة دار السلام لها ورثة يرثونها، وسبب إرثهم تقواهم لله عز وجل. وسر هذه التقوى: أنها تزكي النفس أي: تطهرها، كيف تزكي النفس يا شيخ، كيف تطهرها؟ الجواب: أن الله إذا أمر بكلمة تقال أو حركة تحدث فقد جعل تلك الكلمة يخرج منها إشعاع نوراني يصل إلى النفس فتطهر به، ما شرع الله جل جلاله من عبادة قولية أو فعلية أو اعتقادية إلا وعمل ذلك يولد الطاقة النورانية في النفس المعبر عنه بالحسنات، فالمتقي كل يوم يزكي بنفسه، المواد التي تزكي النفس يفعلها، والمواد التي تخبث النفس يتركها، يفعل المأمور المزكي للنفس، ويترك المنهي المخبث لها الملوث لها، وهكذا كل يوم يزكي هذه النفس ويبعدها عما يخبثها، وإن حدث مرة أنه أذنب فإنه يتوب إلى الله ويرجع إليه، ويغسل ذلك الأثر بما يفرغ عليه من الحسنات، فإذا وافاه الأجل والنفس طاهرة فإنه تفتح له أبواب السماء. وهل تعرفون حكم الله في هذه القضية؟ صدر على البشرية كلها، حكم الله صدر وأكثر البشر لا يعرفون هذا ولا يسمعون به، ولو كانوا بصراء فإنه إن قيل: صدر حكم الله عليكم، وبلغنا أن عالماً بالهند عرف هذا الحكم؛ فوالله ليمشن إليه. فما هذا الحكم؟ إنه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، ومن يراجع؟ لا استئناف ولا مراجعة، قد أفلح من زكى نفسه أي: طيبها وطهرها، وقد خاب -أي: خسر- من دساها بما صب عليها من أطنان الذنوب والآثام حتى لم يبق لها وجود.هذا حكم الله الذي صدر على البشرية، ولشأن هذا الحكم ولتأثيره أقسم الله عليه بأقسام ما أقسمها على حكم كهذا، فماذا قال تعالى؟ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8].والمقسم عليه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]؛ لأن الله عز وجل لما خلق الجنة، وهيأها بنعيمها حكم ألا يدخلها إلا ذو نفس طاهرة، ولما خلق عالم الشقاء وأعده كذلك حكم بألا يدخله إلا خبيث النفس منتن الروح.ولهذا قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، من هم الأبرار؟ بنو هاشم؟ أتباع عيسى؟ الأبرار: جمع بر أو بار، هم المطيعون الصادقون.والفجار: جمع فاجر، فمن هو هذا الفاجر؟ هو الذي فجر عن الطريق السوي، وأخذ يذهب ذات اليمين وذات الشمال، ما مشى مع الطريق إلى باب الجنة، إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] لبرهم، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14] لفجورهم، هذا يؤكد معنى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، بل يبينه ويشرحه.وفي آية الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]، عجب هذه الآية!أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: أن ملك الموت وأعوانه إذا أخذوا الروح الخبيثة يعرجون بها إلى السماء، فيستفتحون السماء فلا تفتح لهم أبواب السماء، ويرجعون من السماء الأولى، وأما الأرواح الطاهرة، النقية، النظيفة بسبب العبادات المزكية للنفس، المطهرة لها، وبسبب الإبعاد عن الذنوب والآثام المخبثة للنفس المدسية لها؛ فوالله! ما ينتهى بها إلا إلى تحت العرش. حكاية شيخ الإسلام ابن تيمية مع خالته في مرض موتها ولهذا عندنا لطيفة ذكرها شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى ورضي الله عنه، يقول عن شيخه الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله: كانت لي خالة في دمشق، فمرضت، فزرتها في مرضها. وزيارة المرضى سنة من سنن الإسلام، قال: فعدتها في مرضها، فقالت لي: يا شيخ! أنا مقبلة على الله، كانت شاعرة بقرب أجلها؛ لأن المرض له آثاره، أو لرؤيا رأتها، على كل حال قالت: إني مقبلة على الله، وإذا وقفت أنا بين يديه فماذا أقول؟ علمني. قال: فارتج علي وفزعت، وما عرفت ماذا أقول؟ قال: ثم فتح الله علي، فقلت لها: قولي: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. هذا الذي نقوله نحن مع الله بعد كل فريضة، بعد السلام نستغفر الله؛ لأننا قد أسأنا في المقابلة وما أدينا المناجاة على وجهها، وهذا واقع، فنفزع إلى الاستغفار أولاً، ثم نقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. قال: وقمت عنها وماتت رحمة الله عليها، فرأيتها في المنام فقالت: يا شيخ! جزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً؛ إني لما وقفت بين يدي ربي ما عرفت ما أقول، واندهشت، ثم ذكرت الكلمة التي علمتني فقلتها، فجزاك الله خيراً. فبعد كل صلاة فريضة تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ما نقول: السلام عليك يا رب الأرباب، السلام عليك يا خالق العباد، السلام عليك يا ذا الجلال والإكرام، فهو السلام، فكيف تقول: عليك السلام وهو السلام ومنه السلام؟ تقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. واسم البر التقي يدون في عليين، فحين يسجل في عليين يهبطون بالروح إلى القبر للمحنة والابتلاء، واقرءوا كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:18-21]. والفجار والظلمة أين كتبهم؟ أين تسجل أسماؤهم؟ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ [المطففين:18-9]، في أسفل الكائنات.إذاً: احمدوا الله على نعمة الإيمان والإسلام. تتمة معنى الآية ونعود إلى معنى الآية الكريمة، وهي قول الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].قال: [ معنى الآية الكريمة: لما أخبر تعالى في الآية السابقة أنه يبين للناس أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي؛ بين في هذه الآية حكم أكل أموال المسلمين بالباطل، وأنه حرام، فلا يحل لمسلم أن يأكل مال أخيه بغير طيب نفس منه، وذكر نوعاً هو شر أنواع أكل المال بالباطل، وهو دفع الرشوة إلى القضاة والحاكمين ليحكموا لهم بغير الحق، فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ليأكلوا أموال إخوانهم بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة والتي يحلف فيها المرء كاذباً، وقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، حرمة ذلك ومنعه ]، فمعنى الآية -والحمد لله- واضح. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين:[ هداية الآية ]، إذ كل آية تحمل هداية.[ من هداية الآية:أولاً: حرمة أكل أموال المسلم بغير حق، سواء كان بسرقة أو بغصب أو بغش أو باحتيال ومغالطة.ثانياً: حرمة الرشوة، وهي ما يدفع للحاكم ليحكم بغير الحق ]، الحاكم قد يكون قاضياً، وقد يكون شيخ قرية أو جماعة، يدفع له ليحكم بغير الحق.[ ثالثاً: مال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة ]، أما المحارب فدمه وماله حلال، والمحارب: العبد الذي بيننا وبين قومه حرب دائرة، فماله حلال؛ لأن دمه حلال، لكن إذا كان معاهداً ذمياً فلا يحل، أو كان مستأمناً لا يحل أكل ماله، ولهذا اذكروا قول الله تعالى من سورة الفرقان في صفات عبادة الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الفرقان:68] أي: قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان:68]، فما هي النفس التي لا تقتل إلا بالحق؟ هي نفس المحارب، فلا يحل لمؤمن أن يأكل مال كافر، ولا أن يسيل دمه أبداً بوصفه كافراً.قال: [ مال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة، إلا أن مال المسلم أشد حرمة؛ لحديث: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ) ]. مال الكافر حرام، لكن مال المؤمن أعظم وأشد؛ لأن إزعاجك لمؤمن، وتخوفيك، وإقلاقك له من أكبر الذنوب، بخلاف الكافر، فلو فزع أو انقبض أو تألم فما هو بشيء.[ ولقوله تعالى ] في هذه الآية: [ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] ]، وحكم الحاكم لا يحل الحرام، لا تفهم أن القاضي إذا قضى لك بمال أنه أصبح حلالاً، فحكم الحاكم لا يجعل الحرام حلالاً، لا يحل ما حرم الله!قال في الهامش: [ حكم الحاكم لا يحل حراماً، سواء كان أموالاً أو فروجاً ]، وإذا قضى القاضي بأن الزوجة زوجتك مثلاً وأنت ليس بزوج لها فهل يصبح النكاح حلالاً؟ كلا.قال: [ لهذا الآية أولاً، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها ]، وهي التي مكثت سنة كاملة وهي تبكي في الأبطح، أخذ ولدها، وذهب عنها زوجها، فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إنما أنا بشر )، ما أنا بملك من الملائكة، أنا بشر والبشر يصيب ويخطئ أو لا؟ ( وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن -أفصح- بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها ). يقول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب أصحابه وأمته: (أنا بشر) لست بملك أعرف الغيب وأعلم ما غاب، وقد يكون الخصم ألحن من خصمه وأفصح، يحسن التعبير، فأقضي له بحسب ما سمعت من بيانه، فمن حكمت له بغير حقه فإنما هو قطعة من النار إن شاء أخذها وإن شاء تركها؛ لأن القاضي قد يخدعه الفصيح، يؤثر عليه بإيراد حجج باطلة، لكن يزوقها ويحسنها ويجعلها معقولة ومقبولة، والآخر المظلوم ما يفصح، بل يتلكأ في كلامه، بل قد يقول ما لا يقبل، فيتهمه القاضي بأنه أيضاً كاذب، فيصدر القاضي حكمه، وهو هنا غير آثم، ولا إثم عليه؛ لأنه قضى بحسب ما سمع، والذي يأخذ ذلك الحق وهو يعلم أنه خدع الحاكم فإنما هو قطعة من نار إن شاء أخذها وإن شاء تركها. وقفة مع أدب الحياء معاشر المستمعين! بدأنا في الآداب، وذكرنا منها أدباً، ونحن مأمورون بأن نتأدب مع الله، بل مأمورون بأن نتأدب مع بعضنا، مع أقاربنا، مع أباعدنا، فكيف -إذاً- لا نتأدب مع ربنا؟ وقد قلنا: أول أدب: الشكر على النعم، كيف تأكل وتشرب وتكتسي في بيت ولا تحمد صاحب البيت ولا تشكره؟ أهذا أدب؟ يركبك دابته، يسقيك ماءه، يكسوك ثوبه، ولا تقول له: جزاك الله خيراً؟! أين الأدب؟!فنحن نتقلب في نعم الله، فإذا لم نشكره على كل صغيرة وكبيرة أسأنا الأدب، ما نحن بأدباء أبداً، ومن هنا قلنا: كلما أكلنا لقمة، كلما حصلت نعمة نفزع إلى قول: الحمد لله، والشكر لله، لنكون قد تأدبنا مع الله الذي ينعم علينا ويجدد النعم في كل لحظة.والأدب التالي: هو الحياء من الإيمان، الحياء كله خير، وفي هذا خبر الرجلين اللذين مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم في أزقة المدينة، أحدهما يلوم أخاه ويعتب عليه، يقول له: اترك هذا الحياء، افعل كذا، أضعت نفسك، أضعت مالك بهذا الحياء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، ( دعه؛ إنما الحياء من الإيمان )، هو ينصح أخاه بأن الحياء أضاع مالك، أضاع حقوقك.. كما يفعل الناس، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم توجيه هذا قال: ( دعه -اتركه- فإن الحياء من الإيمان ).والحياء: خلق، من عمل على اكتسابه اكتسبه، وأصبح لا يستطيع أن ينطق ببذاءة أو سوء، إذاً: الحياء عندما يميل أحدنا إلى المعصية يجب أن يستحي من الله.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (123) الحلقة (130) تفسير سورة البقرة (88) سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ما بالها تكون صغيرة، ثم تكبر حتى تتكامل، ثم تعود لتصغر حتى تكون كما بدأت، فجاءه الوحي صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم أن هذه الأهلة هي مواقيت، وعلة بدئها صغيرة، ثم تكبر حتى تتكامل، ثم تعود تصغر حتى المحاق، هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لأعمالهم وعباداتهم، فتفرق الشهور ويعرف الصيام ويعرف الحج، وتعرف العقود وآجالها وغير ذلك من المصالح. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل.وأعيد تلك البشرى التي زفت إليكم من طريق الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: (من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله).وأخرى ما ننساها: أن المؤمن إذا صلى الفريضة وجلس ينتظر أختها التي تأتي بعدها كانت الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، حتى يصلي الصلاة الثانية، ولو أردنا هذا الخير بالمال فلن يقادر قدره، ولن نجد مالاً يبلغه، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وثالثة البشريات: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد سبق لنا دراسة قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، هذه الآية دلت دلالة قطعية على حرمة أكل أموال الناس بغير طيب نفوسهم، وسواء كانوا مؤمنين أو كافرين، نص قطعي الدلالة على تحريم أكل أموال الناس بغير طيب نفوسهم.ثانياً: دلت على تحريم الرشوة، وأنها من أقبح ما يكون، وأن المؤمن لا يقدم على مثلها.والرشوة: أن تعطي الحاكم أو القاضي مالاً ليقضي لك بحق أخيك فتأخذه، فتهلك وتهلك القاضي معك، إذ قال: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]. تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ...) وها نحن الليلة مع هذه الآية المباركة من سورة البقرة، إذ انتهى الدرس إليها:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189].قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]، هذا الخطاب ممن؟ من الله عز وجل، وإلى من؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال: سأله كذا، أي: طلب منه كذا، سأله مالاً، سأله قرطاساً، سأله دابة، أي: طلبه، وإذا كان المطلوب خبراً وعلماً يقال: سأله عن كذا ليعرف، فسأل للطلب يتعدى بنفسه، سألته كذا، أي: طلبت منه، وسألته عن كذا: طلبت بيانه وما أريد منه. يَسْأَلُونَكَ [البقرة:189]، عم؟ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]، ولم يسألون هذا السؤال؟ سألوا وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: لم الأهلة تبدو صغيرة ثم تتكامل وتصبح قمراً، ثم تأخذ في الاضمحلال حتى تغيب، ما سر هذا؟ وعلى كل حال فصاحب الفراغ يسأل هذا السؤال، وإلا فما هناك حاجة إلى هذا، وقد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره تعالى بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189]. المراد بالأهلة الأهلة: جمع هلال، وهو الأيام الأولى من الشهر، ثلاثة أيام، إذا رآه الناس رفعوا أصواتهم: الهلال.. أهل الهلال، ظهر، وبعد الثلاثة أيام يصبح قمراً إلى أن يضمحل، والعامة يقولون: مات الشهر، ويولد يوم كذا! وهذا مأخوذ عن اليهود وجهالهم، وإلا فالقمر ما يموت ثم يخلق في اليوم الثاني، وإنما يستتر ويظهر في اليوم الذي بعده. والشهر تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثون، قرر هذه القاعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يستطيع ابن امرأة تحت السماء أن ينقضها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) وعقد أصابعه، يعني: تسعة وعشرين يوماً وثلاثين يوماً. معنى قوله تعالى: (قل هي مواقيت للناس والحج) يقول تعالى: قُلْ [البقرة:189]، أجبهم يا رسولنا عن سؤالهم هذا، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، هذا الجواب، بمعنى أن الشهر حين يبتدئ بالهلال ثلاثة أيام ثم يتكامل ويصبح قمراً ثم يضمحل وينتهي ويستأنف رجوعه من جديد، العلة في هذا أو السر أو الحكمة أن ذلك مواقيت للناس وللحج.ومواقيت: جمع ميقات، والميقات أخص من الوقت، الوقت عام، والميقات محدد، مواقيت للناس؛ لأنهم يتعاملون بالسلم، بالاستقراض، بالديون، فلولا الشهر فكيف سيعرفون الآجال؟ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة:189]، يعده مدة شهرين ويأتيه بما وعده، يعده لشهر رجب أو رمضان، لولا هذه الأهلة بهذه الطريقة فكيف سيعرف الناس الآجال؟ ستتعطل حياتهم، وفوق ذلك الحج، وهو يوم واحد في السنة، وهو تاسع ذي الحجة، فلولا الأهلة تبدو صغيرة وتتكامل وتكبر ثم ترجع وتعود، فكيف سنعرف الحج الذي قرره الله وافترضه على عباده. قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] بصورة خاصة؛ لأنه تاسع شهر ذي الحجة، فكان الجواب مقنعاً مسكتاً، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ [البقرة:189] يا رسولنا، قُلْ [البقرة:189] لهم: هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة:189] عامة، أبيضهم وأصفرهم، والحج بصورة خاصة، فمواعيد الناس وعقودهم لا بد لها من ضوابط وليس إلا الشهور، لو جعلنا الشهر الشمسي فكيف سنعرف أن الشهر دخل أو لم يدخل؟ إلا من يحسب أو في جيبه مفكرة، لكن البشرية ليست كلها هكذا، يعرفون الشهر بالهلال، يعرفون العام بعدة الشهور، يعرفون نصف السنة كذلك. معنى قوله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى) قال تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، هذا يقرر أن العرب في الجاهلية -وخاصة أهل المدينة من الأوس والخزرج- كان أحدهم إذا أحرم بالحج أو العمرة وتجرد وخرج من بيته يريد مكة، فإذا عنَّ له أن يعود إلى بيته لأمر ما فماذا يصنع؟ لا يجيز لنفسه أن يدخل تحت نجف الباب يظلله، فيحتاج إلى أن يصعد على الجدار من فوق السقف ويهبط؛ حتى لا يدخل تحت نجف الباب. ولا تضحك؛ فالروافض إلى الآن ما زالوا إذا أحرم أحدهم لا يريد أن يظلله شيء، حتى سقف السيارة!إذاً: فأبطل الله هذه البدعة، إذ الله ما تعبدنا بها، والله لا يعبد إلا بما شرع، فكوننا نخترع، نبتكر، نوجد ما نسميه طاعة لله، ونطيع الله به وهو ما شرعه، فهذا لا يحل أبداً وهو بدعة وضلال. وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189]، من فوق السقف وتهبطون؛ خشية أن تنزلوا تحت نجف الباب. صور من إنكار الشارع التقرب بغير المشروع وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، البر بر عبد اتقى الله عز وجل، بفعل أوامره وترك نواهيه، هذا هو العبد البار، وهذا هو البر والخير، أما بدعة تبتدعها يا عبد الله وتتقرب بها فما تقبل.ونذكر حادثة أبي إسرائيل أحد الصحابة رضوان الله عليهم، ولعله كان من اليهود وأسلم، نذر أن يقوم ولا يقعد، وأن يقوم في الشمس ولا يستظل، وأن يسكت ولا يتكلم، وأن يصوم ولا يفطر، وهو في الحصباء، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل فرأى أنه واقف في الشمس ولم يقعد وطالت مدته وهو ساكت لا يتكلم، فسألهم عن حاله، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم لله ولا يقعد، وأن يسكت ولا يتكلم، وأن يصوم ولا يفطر، وأن يقف في الشمس ولا يستظل بأي شيء يظله، فأمرهم أن يأتوا به، وقال لهم: ( مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه )، اسقط ثلاثاً وأبقى الرابعة؛ لأن الله ما تعبدنا بالوقوف في الشمس، ولا بالقيام دون القعود، ولا بدون استظلال، وإنما أمرنا بالصيام، فمن أراد أن يصوم تملقاً لله وتزلفاً فليفعل، أما أن يتملق الله ويطلب حبه ورضاه ببدعة يبتدعها فوالله! ما تنفع؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، ضلالة تضل صاحبها عن طريق الهدى ليشقى ويردى، فإياكم، احذروا! وهذا القضية واضحة.وفي خبر الثلاثة الذين دخلوا على عائشة رضي الله عنها وسألوا عن صيام الرسول صلى الله عليه وسلم وقيامه، فيه أنها أخبرتهم، فتعاهدوا فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، والآخر قال: أنا لا أتزوج النساء، والثالث قال: أنا أصلي الليل كله ولا أنام، فإذا كان الرسول يصوم ويقوم فأين نحن منه؟ وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف يخطب الناس وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني -وأنا رسول الله- أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، هذه سني ومن رغب عن سنتي فليس مني، فتابوا وتراجعوا، وعلى رأسهم ابن مظعون رضي الله تعالى عنه أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.والشاهد عندنا: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189]؛ لأن هذه بدعة ابتدعها الناس، فالله أمر بتعرية الرأس وكشفه والتجرد من المخيط، بهذا تعبدنا الله على لسان رسوله، فكل من أراد مكة للعمرة والحج لا بد أن يتجرد من المخيط وأن يعري رأسه ويكشفه لله في الحر والبرد على حد سواء، أما أن نبتكر أو نخترع أو نحاول أن نتقرب إلى الله بما لم يشرع فهذا لا يقربنا من الله، بل يبعدنا. انتفاء تحصيل الطهارة بغير العبادات المشروعة وهذه الحقيقة تقررت عندنا مئات المرات، وهي: أن هذه العبادات ما سرها؟ هل لأن الله في حاجة إليها؟ لا والله، إذا: عوائدها تعود على من؟ على العباد، فهذه العبادات شأنها شأن الغذاء والماء والهواء للبدن، حياتك متوقفة على الغذاء والماء والهواء، بدونها تموت يا عبد الله، فصحتك متوقفة على هذه.إذاً: وطهارة روحك لتصبح كأرواح أهل السماء في الطهر والصفاء؛ ليتم التجانس وتنتقل إلى أهل السماء وتعيش معهم، فهذه الروح بم تطيب وتطهر؟ ما هي الأدوات؟ الجواب: هي هذه العبادات التي شرعها الله عز وجل، لا غيرها، فمن لم يعبد الله تعالى بها فوالله! ما زكت نفسه، ولا طابت، ولا طهرت، ولا ينفع فيها ماء ولا صابون، ولا حيلة أبداً.إذاً: هذه الأدوات التي تزكي النفس إن لم يكن الله قد شرعها فهل تفعل شيئاً؟ كلا. ولو اجتمع العلماء ليخترعوا بدعة عظيمة.وعلى سبيل المثال: هل هناك أفضل من الحجرة النبوية وما فيها بعد الكعبة؟ كلا. فلو قال قائل: هيا بنا نطوف بحجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ونحن نهلل ونكبر ونصلي على الرسول وآله وصبحه سبع مرات لنشفي صدورنا، لنطهر نفوسنا، وأخذوا يفعلون، فهل هذا الطواف يحدث زكاة لنفوسهم؟ والله! ما كان، ولن يحدث إلا ظلمة وعفناً ونتناً، وعلى هذا المبدأ لا يرضى مؤمن ببدعة مهما كانت؛ لأنها لا تنتج الطاقة المطلوبة وهو النور المعبر عنه بالحسنات. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
رد التقرب بغير المشروع وعندنا قاعدة حفظها المؤمنون والمؤمنات، كلمة فاصلة هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يسمعها ولا يحفظها وما يبالي بها ميت، ولأن يخرج من المسجد خير له. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، من عمل عملاً ما أمرنا به فهو مردود على صاحبه، لن يعود بأجر ولا مثوبة ولا حسنة أبداً؛ لأننا ما كلفناه، هو الذي اخترع وابتدع وفعل، وهكذا سائر البدع التي استحسنتها العقول الفارغة أو الضالة أو اللاهية البعيدة عن سر هذه الشريعة الإلهية فجعلت البدعة لوجه الله. فهؤلاء قالوا: أحرمنا، فكيف أدخل تحت الباب ويكون فوق رأسي السقف! وهذا تقرب إلى الله، فعلوه تقرباً، إي والله العظيم، ما هو لأجل الرياء ولا السمعة، يريدون رضا الله، لكن لما لم يشرع الله هذا عاتبهم وأبطل به عملهم. كيفية تقوى الله عز وجل وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، أي: صاحب البر المتقي.ونعود فنقول: الله جل جلاله بم يتقى عذابه وسخطه، هل بجحافل الجيوش؟ هل بالأموال؟ بالرجال؟ بالعصبيات؟ بما يتقى غضب الله وعذابه؟يتقى فقط بطاعته وطاعة رسوله، لا تعصه فقط، قال: صم فصم، قال: أفطر فأفطر، قال: نم فنم، قال: استيقظ فاستيقظ، هذا الذي يتقى به الله عز وجل، فالبر كله في تقوى الله عز وجل، وصاحب البر هو التقي، أما الفاجر الخارج عن طاعة الله ورسوله فما هو بالمتقي أبداً ولا يستطيع أن يتقي عذاب الله، ولا غضبه ولا سخطه بأي وسيلة من الوسائل إلا بالإسلام له، بأن يسلم قلبه ووجهه لله. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ [البقرة:189] يا رسولنا هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]، يوقتون بها ديونهم وأعمالهم، وميقات للحج بصورة خاصة، إذ الحج عرفة: ( الحج عرفة )، ويوم عرفة هو تاسع ذي الحجة، فلولا هذه الأهلة فكيف سنعرف الحج؟ كيف نعرف الشهر، ونعرف التاسع منه؟ ما نستطيع، مع أن الحج مفروض قبل الإسلام، من يوم أن بنى إبراهيم البيت أمر أن يؤذن في الناس أبيضهم وأصفرهم بالحج.وقوله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:189] بر مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، الذي يتقي الله، يخافه، فلا يفجر، ولا يفسق، ولا يخرج عن طاعته، ذاك الذي حصل له النجاة، ذاك الذي اتقى عذاب الله. معنى قوله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها) ثم قال تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، هذا كالمثل، من طلب شيئاً ينبغي أن يطلبه من الطريق الذي يحصل منه عادة، وَأْتُوا الْبُيُوتَ [البقرة:189]، من أين؟ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، كل من أراد أن يطلب شيئاً جرت سنة الله الحصول عليه يطلبه من ذاك الطريق لا من طريق آخر.رجل أراد أن يصبح غنياً ثرياً، فكيف يطلب الآن الغنى والثروة؟ يجب أن يكدح، وأن يعمل الليل والنهار، وأن يربط على نفسه، من أجل أن يحصل، إذ من هنا تأتي الثروة أو لا؟ وإن قال: أنا آتي بالثروة وأحصل عليها من طريق الإجرام والتلصص والسرقة والاحتيال فهل هذا هو الطريق؟ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، لا تأتوها من ظهورها.أراد أن يشبع، فهل يدخل الطعام من أذنيه أو منخريه؟ لا بد أن يدخله من فمه، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]. معنى قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) إذاً: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]، نقول: هذه (لعل) الإعدادية: لتعدكم التقوى للفلاح، ولو قلنا: (لعل) للترجي فسيبقى العاملون المتقون خائفين دائماً وأبداً، فالتقوى تعدهم للفلاح، هذه سنة الله، فمن أكل شبع، من شرب ارتوى، من اتقى الله عز وجل أفلح. والفلاح يكون دنيوياً وأخروياً، فمن اتقى الله ففعل الأوامر واجتنب النواهي فوالله! ليسعدن في دنياه، فلا وسواس، ولا هواجس، ولا آلام ولا خوف ولا اضطراب أبداً ما دام على منهج الله سائراً، والفلاح الأخري هو المقصود بالذات، فما هو الفلاح في الآخرة؟ أن يبعد عن النار ويدخل الجنة، لآية آل عمران: زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، آمنا بالله، اجتاز المفازة المهلكة ودخل دار النعيم. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]، واتقوا الله -يا عباد الله، أيها المؤمنون- رجاء أن تفلحوا، فمن اتقى الله أفلح؛ لأن المتقي لله ذاك الذي أسلم لله قلبه ووجهه، قلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وجهه لا يلتفت أبداً إلى غير الله، دائماً مع الله، فهذا العبد أفلح. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات نقرأ هذه الآية من الكتاب؛ لنقف على بعض ما فيها من بيان وهدى.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: الأهلة: جمع هلال، وهو القمر في بداية ظهوره في الثلاثة الأيام الأولى ]، يقال فيه: هلال؛ [ لأن الناس إذا رأوه رفعوا أصواتهم: الهلال .. الهلال.المواقيت: جمع ميقات، الوقت المحدد المعلوم للناس ]، الوقت المحدد المعلوم للناس، فإن كان مطلقاً غير محدد ولا معلوم فهو الوقت، والدنيا كلها وقت واحد من بدايتها إلى نهايتها، لكن الميقات وقت محدد بالشهر أو بالشهور أو بالأعوام.[ إتيان البيوت من ظهورها: أن يتسور الجدار ويدخل البيت تحاشياً أن يدخل من الباب ]، هذه بدعة باطلة لا يثابون عليها.[ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]: البر الموصل إلى رضوان الله تعالى بر عبد اتقى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه ]، فليس البر دخول البيوت من ظهورها، هذه بدعة لا تصح ولا تقبل.[ الفلاح: الفوز، وهو النجاة من النار ودخول الجنة ]، كما قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:90-91]، الجنة تبرز للمتقين كما يبرز القمر، فالجنة أزلفت وأدنيت وقربت للمتقين، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91].أتذكرون كيفية بروز النار؟ أما تذكرون قول الله تعالى من سورة الفجر: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، جيء بها من أين؟ تجر بسبعين ألف زمام، كل زمام ممسك به سبعون ألف ملك، تجر حتى تبرز ويشاهدها أهل الموقف.إذاً: إياك أن تفهم أن الزمام هذا حبل غليظ صنعته اليابان، نحن علمنا أن أهل النار، أهل الكفر والفجور والظلم والشر كل واحد منهم تدخل فيه سلسلة من فيه وتخرج من دبره طولها سبعون ذراعاً، ما هو بذراع السلطان اليوم، فإذا كان عرض هذا الكافر مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر، وضرسه كجبل أحد؛ إذاً: فهذه السلسلة بأي ذراع؟ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32]، لم؟ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34].إذاً: برزت الجحيم للغاوين، أزلفت الجنة للمتقين، هذا الموقف والبشرية هائجة مائجة، تنتظر حكم الله فيها، فمن نجاه الله من النار وأدخله الجنة دار الأبرار قيل عنه: فاز فلان ابن فلان، هذا هو الفوز العظيم: النجاة من النار أولاً، ودخول الجنة ثانياً.أما من دخلوا النار ولو خرجوا منها بعد أحقاب من السنين فما فازوا، فإنهم يخرجون منها وقد امتحشوا، أصبحوا كالفحم، ويغسلون في نهر عند باب الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في السيل.وقد يقال: يا شيخ! عرفنا الفلاح أنه النجاة من النار ودخول الجنة، فنريد أن نعرف بم يكون هذا الفلاح؟ ما هي الأدوات؟ ما هي الآلات؟ كيف نحصل عليه؟ الجواب: طاعة الله ورسوله والتقوى هي السبب المورث، يا من يريدون الجنة! إن للجنة سبباً فحققوه وإلا فلا حظ لكم في هذا الأمل أو الطمع، السبب هو التقوى؛ لأنها تزكي نفسك وتطهرها حتى تصبح كأنفس وأرواح أهل السماء في الملكوت الأعلى. وأصحاب الأرواح الخبيثة، العفنة، المنتنة من أوضار الذنوب والآثام؛ أرواحهم كأرواح الشياطين، والله! ما تدخل الجنة وهي كذلك، بل تنزل إلى عالم الخبث والدرن.وهل من شاهد في القرآن على هذه القضية؟ يا أهل القرآن! الأرواح الطاهرة تفتح لها أبواب السماء إلى أن تصل إلى دار السلام، والأرواح الخبيثة المنتنة تخبث بالمعاصي، فالكذبة يكذبها العبد تحول نفسه إلى هذا العفن أو النتن، فإذا لم يبادر إلى غسلها وتنظيفها خسرت. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:40]، والذي كذب بآيات القرآن هل صام وصلى؟ هل تجنب الربا والزنا؟ ما آمن، كذب بالآيات. وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]، والمستكبر عنها وإن آمن هل يعمل بها؟ الآن المسلمون استكبروا عن شرع الله وما طبقوه، فهل انتفعوا بالشريعة؟ هل طهرت البلاد؟ هل حصل أمن وإخاء ومودة؟ الجواب: لا؛ لأنهم ما طبقوا.وضربنا مثلاً لنفرق بين المستكبر والمكذب، فقلنا: مريضان في مستشفى، هذا على سرير وهذا على سرير، ففحصوا فقالوا لهما: عليكما أن تستعملا هذه الأدوية بهذا النظام بالساعة كالصلوات الخمس، فالأول قال: أنا لا أومن بهذه الخرافة، أي دواء هذا؟ ما آمن بالدواء ورفضه، فهلك ومات.والثاني: وصفوا له الأدوية وأوقاتها فقال: جزاكم الله خيراً، لكن نفسي ما تقبله، ما عندي قابلية لهذه الأدوية، أنا أعرف أنها نافعة لكن ما هناك انشراح للصدر عندي، فما استعملها فهلك كالأول، فأي فرق بينهما؟ فاليهود والنصارى ما آمنوا بالشريعة الإسلامية، فهلكوا، والمسلمون من يوم أن أعرضوا عنها وتركوها مثلهم، أولئك كفروا وهؤلاء في صورة المستكبرين، يقولون: كيف نطبق قانون الرجعية؟! والواقع يشهد أنه ما في العالم إلا هذا البلد، فكل دولة استقلت تطبق قوانين وشرائع من استعمرها، كأنهم مسحورون، فما تحقق أمن ولا طهر ولا صفاء؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، من لم يطبق شرع الله الذي أنزله لتحقيق الطهر والأمن والصفاء والكمال فوالله! لن يحصل له شيء. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]، ما لهم؟ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، هل الجمل الأورق يدخل في عين الإبرة؟ والإبرة: حديدة رقيقة فيها ثقب تدخل فيها المرأة الخيط وتستخرجه وتخيط الثياب المقطعة، فهل يمكن أن ندخل بعيراً في عين إبرة؟ مستحيل، كذلك مستحيل أن يدخل من كذب بآيات الله واستكبر عنها فخبث بشركه وكفره وفسقه، مستحيل أن يدخل دار السلام، فمن يفتح له أبواب السماء حتى يلج ويدخل؟وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، لقد قضى الله، لقد حكم الجبار، ولا مراجع لقضائه ولا معقب لحكمه، فقد قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، هنا تقرير المصير، لا في الأمم المتحدة، يا ابن آدم! يتقرر مصيرك في الدار الآخرة، فإن أنت آمنت واستقمت وجاهدت نفسك والهوى وفعلت ما أمر به وتركت ما نهي عنه فأنت قررت مصيرك إلى الجنة، وإن أعرضت واستكبرت وتجاهلت وجريت وراء الشهوة والهوى والدنيا ولعبت معرضاً عن الله وذكره فأنت قررت مصيرك في العالم الثاني الأسفل. معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة ]، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189]قال: [ روي أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين: ما بال الهلال يبدو دقيقاً، ثم يزيد ثم يعظم ويصبح بدراً ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما كان أول بدئه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] ].قال: [ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: هي مواقيت للناس، وعلة بدئها صغيرة، ثم تتكامل، ثم تنقص حتى المحاق: هي أن يعرف الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لأعمالهم، فبوجود القمر على هذه الأحوال تعرف عدة النساء ]، فالمرأة المعتدة بالموفاة عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فلولا الهلال فكيف سنعرف الأشهر؟ قال: [ وتعرف الشهور، فنعرف رمضان ونعرف شهر الحج ووقته، كما نعرف آجال العقود في البيع والإيجار، وسداد الديون وما إلى ذلك ]، فلا بد من هذا القمر بهذه الطريقة.[ وكان الأنصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة وخرج من بيته وأراد أن يدخل لغرض خاص لا يدخل من الباب حتى لا يظله نجف الباب، فيتسور الجدار ويدخل من ظهر البيت لا من بابه، وكانوا يرون هذا طاعة وبراً، فأبطل الله تعالى هذا التعبد الجاهلي بقوله عز وجل: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:189] بر أهل التقوى والصلاح، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها فقال تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، وأمرهم بتقواه عز وجل ليفلحوا في الدنيا والآخرة فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189] ]. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: أن يسأل المرء عما ينفعه ويترك السؤال عما لا ينفعه ]، وفي الحديث الصحيح: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فحين تقوم الآن وتسأل سؤالاً ما يتحقق به أي خير لك ولا للسامعين، فهل يجوز هذا السؤال؟ هو إضاعة للوقت، ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، كل ما لا علاقة له بطهره وصفائه أو بكماله لا يلتفت إليه.[ ثانياً: فائدة الشهور القمرية عظيمة؛ إذ بها تعرف كثير من العبادات.ثالثاً: حرمة الابتداع في الدين، ولو كان برغبة في طاعة الله تعالى وحصول الأجر ]؛ لأن المبتدع في الغالب يريد رضا الله والحصول على الأجر، لا يبتدع فقط للفتنة، قد يوجد في الضلال من يبتدعون لفتنة الناس، لكن أغلب الناس يبتدعون رغبة فيما عند الله وحباً فيه.[ رابعاً: الأمر بالتقوى المفضية بالعبد إلى فلاح العبد ونجاته في الدارين ]. معاشر المستمعين والمستمعات! هيا نتأدب مع الله، وقد عرفنا أول أدب: أننا نشكره على آلائه وإنعامه، وإلا فقد أسأنا الأدب مع الله، فهو يطعمنا ويسقينا، يركبنا ويكسونا ويداوينا، خلق الكون كله لنا حتى الجنة والنار، ثم لا نقول: الحمد لله والشكر لله، أي أدب هذا؟ ويا ويل من يسب الله ويشتمه، ويكذبه ويكفر به وهو يأكل ويشرب من رزقه!ثانياً: الحياء عند الميل إلى المعصية، عندما تميل يا عبد الله إلى الكلمة السيئة أو الفعل المحرم فاستح من الله؛ لأنه يراك، ويعلم حالك، وما تقدم على فعله، فأنت بين يديه، فكيف لا تستحي؟ هل يستطيع واحد الآن وهو عاقل أن يكشف عن سوأته ويبول؟ هل يكشف عن فرجه فقط؟إذاً: فيا عبد الله! عندما تميل نفسك إلى معصية اذكر أن الله يراك، فاستح منه، واقطع عملك وقف؛ لأنك بين يديه، كيف يراك وأنت تسرق؟! كيف وأنت بين يديه ترتكب إثماً وهو يراك؟ فمن رزق الحياء من الله فما يستطيع أبداً أن يعصي الله، فقط نحتاج إلى الذكر ونبعد الغفلة، عندما يهم أحدنا بمعصية الله فليذكر الله أنه معه ويراه، فيقف، ولا يقدم عليها.إذاً: الحياء عند الميل إلى معصية الله، عندما تميل النفس وتريد أن تفعل اذكر أن الله تعالى يراك وأنك بين يديه فتستحي منه كما تستحي من الناس، وكنا نعرف كثيراً من الشبيبة يدخنون، لكن ما يستطيع أن يدخن أمام والده، أبداً، بل رأيناهم إذا مروا برجل صالح من أهل العلم أو الصلاح أو كبار السن يطفئون السيجارة حياء، فمثل هذا لو علم أن الله يكره التدخين لأنه يؤذي ملائكته لما دخن، ولكن الجهل هو المصيبة.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (124) الحلقة (131) تفسير سورة البقرة (89) هذه الآيات من أوائل ما نزل من القرآن في شأن قتال الكافرين، وهي متضمنة الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم، والكف عمن يكف عنهم، مبيناً سبحانه أن فتنة قتال أهل الشرك والكفر أهون عند الله من فتنة الكافرين للمؤمنين، وحملهم على الكفر باضطهادهم وتعذيبهم وصدهم عن دين الله، وأن إخراج الكافرين وقتالهم إنما هو جزاء كفرهم واعتدائهم وظلمهم. تفسير قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل أملاً في أن يحقق الله تعالى لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا ذلك يا ربنا.وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:190-193]. مراحل تشريع الجهاد بين يدي تفسير هذه الآية أعلمكم: أن الله لم يأذن لرسوله والمؤمنين بقتال الكافرين والمشركين فترة من الزمن، كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة أذن الله تعالى لهم في القتال، وأول آية في هذه الشأن قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، ثم خص هذا العام بهذه الآية الكريمة: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190]، من؟ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، فمن قاتلكم قاتلوه، من كف عن قتالكم كفوا عن قتاله، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].إذاً: أذن لهم في قتال من يقاتلونهم، ولم يأذن لهم في قتال من لم يقاتلهم، ثم بعدما انتصر الإسلام وانتشرت الدعوة نزلت آيات من سورة التوبة، فأعطى الله المشركين في الجزيرة فرصة للتفكر والتأمل: إما أن يدخلوا في الإسلام، أو أن يخرجوا من هذه الديار، وإلا فسوف يقاتلون، قال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، أعطاهم أربعة أشهر، حيث قال تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:1-3]، إذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علياً في السنة التاسعة يعلن هذا الإعلان: لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن مشرك بعد هذا العام.إذاً: فهم ممهلون أربعة أشهر، هؤلاء أصحاب العهود، فمن كانت مدته أقل من أربعة أشهر فمدته تلك، ومن كانت أكثر من أربعة أشهر فأربعة فقط: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، والمراد من هذا: تطهير هذه الديار، ديار التوحيد، ديار الجزيرة. ثم نزلت آية أخرى في آخر سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، إعلان في قتال المشركين والكافرين، ومعنى (يَلُونَكُمْ) أي: يحاددونكم.إذاً: فدائرة القتال تكون ضيقة أولاً، ثم نقاتل من حولنا فتتسع وتتسع حتى تنتظم الكرة الأرضية، فالجهاد واجب كفائي، ولا ينتهي حتى لا يبقى في الأرض من يعبد غير الله. خطوات ومراحل قتال الكفار وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال:39]، أي: شرك، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، ولفظ (قاتِل) غير (اقتل)؛ فلهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم كيف نقاتل المشركين الذين يلوننا، مهما اتسعت ديارنا، وهو أن نعسكر بجيوشنا على مقربة من بلادهم، ثم نبعث رسولنا أو سفيرنا إليهم، فهم مخيرون بين اثنين، فإن رفضوهما تعين القتال:الأول: أن يدخلوا في رحمة الله، في الإسلام، نقول لهم: جئناكم بدين ربكم، من أجل إكمالكم وإسعادكم، والقضاء على الشر والفساد والخبث بينكم، فإن قبلوا دعوة الله وادخلوا في رحمته فكلنا إخوان في الله عز وجل، وإن رفضوا، وأصروا على معتقداتهم ودينهم قلنا: إذاً: اسمحوا لنا أن ندخل دياركم، ونتولى أمر قيادتكم وأنتم آمنون في بلادكم على دينكم؛ لأن دخولنا ومشاهدة إخوانكم لنا يحملهم على أن يدخلوا في الإسلام، كانوا خائفين من الإسلام والمسلمين، إذا دخل المسلمون ديارهم، وشاهدوا أنوار الصدق والطهر والعدل والرحمة والكمال انجذبوا ودخلوا في رحمة الله، ونحن نتولى حمايتكم والدفاع عنكم، مقابل إعلان أنكم قابلون لحمايتنا، ويدفعون الجزية، يدفعها الذكور منهم دون الإناث، والقادرون دون العجزة، كذا درهماً في السنة يسمى بالجزية، فإن قبلوا هذه دخل المسلمون وتولوا القضاء، ونشر الدعوة والتعليم والإصلاح؛ وفي سنة أو أقل إذا البلاد كلها أنوار. فإن رفضوا فلم يبق إذاً إلا القتال، فإن رفضوا الأولى والثانية تعين قتالهم، لا قتلهم، فندخل في حرب مع جيوشهم، وسوف ينكسرون، وتدخل خيل الله لتنشر الهدى والطهر والصفاء، وهذا الذي تم في البلاد الإسلامية، طهرت الجزيرة، يليها الشام، يليها اليمن، يليها العراق، وأخذ الإسلام ينتشر.هذه لا بد من معرفتها:أولاً: ما أذن للمؤمنين بالقتال؛ لضعفهم وعدم قدرتهم، كانوا يؤمرون بكف أيديهم، ولم يسمح لهم بقتال، فما اغتال مؤمن كافراً في مكة ثلاث عشرة سنة أبداً، ولم يسمح لهم بالقتال ولا في المدينة، حتى نزلت آية: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39] لأنهم يقاتلونهم بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]. ثم تتابعت الآيات، فأذن لهم بقتال من يقاتلهم والكف عمن يكف عنهم، وبعد فترة من الزمن انتشر الإسلام وانتصرت دولته، فأمروا أولاً بتطهير الجزيرة، حتى لا يبقى فيها دينان أبداً، لا يجتمع دينان في الجزيرة، وبعد طهر الجزيرة نزل قوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ [التوبة:123]كلما اتسعت الحدود قاتلنا من يلينا حتى لا يبقى على الأرض من لا يعبد الله، هذا هو المفروض الواجب، فإن عجز المسلمون فعجزهم مؤقت، ويوم يزول ويقوون ويقدرون يقاتلون ويدخلون الناس في رحمة الله. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
المقصد الشرعي من الجهاد فالآن قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] هذا قيد، وسبيل الله هي أن يعبد وحده وتعلو كلمته، هذا سبيل الله، وقاتلوا في سبيل الله لا في سبيل قبلية ولا مال ولا سمعة ولا انتصارات، وإنما الدافع الأول والأخير هو أن نقاتل من أجل أن يعبد الله وحده، لا هدف سوى هذا، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] والذين لا يقاتلونكم لا تقاتلوهم، وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] بقتالهم؛ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]. تفسير قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ...) قال تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191] الذين قاتلوكم وحاربوكم اقتلوهم حيث تمكنتم منهم، وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ [البقرة:191] من دياركم، أما أخرجوهم من مكة؟ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191] يعني: ذنب الشرك ومصيبته أعظم من القتل، وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191] والمراد به مكة والحرم، لا المسجد فقط، وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]، أي: في حرم مكة حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة:191]، ولهذا لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم ورجاله فاتحين سنة ثمان أعلن أن مكة حرمها الله منذ أن خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ولم تحل إلا ساعة أحلها الله له ثم عادت حرمتها إلى الأبد. وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ [البقرة:191] إذاً فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ [البقرة:191]، أي: قتالكم لهم وإخراجكم لهم كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [البقرة:191]، هم قاتلوكم وأخرجوكم. تفسير قوله تعالى: (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) قال تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] فدخلوا في الإسلام وعبدوا الله وحده فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [البقرة:192] لهم رَحِيمٌ [البقرة:192] بهم، لا يحاسبهم ولا يجزيهم على شرهم وكفرهم وقتالهم لكم قبل إسلامهم، وعد الله الصادق، فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن الشرك والظلم وقتال المؤمنين فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192] سيغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم. تفسير قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ...) وقوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] هذا في الجزيرة، فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193] إذا كفوا عن قتالكم فكفوا عنهم؛ فإنه لا عدوان إلا على من ظلم.وأطلق العدوان هنا من باب المشاكلة فقط، وإلا فقتالنا لمن قاتلنا لا يسمى عدواناً ولا ظلماً، مثل قوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، ما هي بسيئة لكن من باب المشاكلة في اللفظ. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات إليكم شرح هذه الآيات: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: سبيل الله: الطريق الموصل إلى رضوانه وهو الإسلام، والمراد إعلاء كلمة الله ].هذا سبيل الله: الإسلام؛ لأنه يصل بالسالك إلى الجنة، والإسلام معناه: أن من أسلم قلبه لله عبد الله وحده، إذاً: فسبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضوانه تعالى وهو الإسلام، فلن يظفر إنسان برضا الله ما لم يسلم له قلبه ووجهه. الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]: المشركون الذين يبدءونكم بالقتال. وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190]: لا تجاوزوا الحد فتقتلوا النساء والأطفال أو من اعتزل القتال من الرجال ].نقاتل ولكن في عدل لا في ظلم واعتداء، فلهذا لا يحل قتل النساء ولا الأطفال ولا من اعتزل القتال ولم يرض به، فالنساء إن قاتلن ودخلن المعارك يقتلن، كذلك أهل الصوامع والرهبان والعُبّاد من اليهود والنصارى إن بقوا في صوامعهم وعبادتهم فلا يحل قتالهم، فإن دخلوا المعارك وحملوا السلاح فإنهم يقتلون، والأطفال أمرهم واضح أنهم لا يقتلون.[ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191]: تمكنتم من قتالهم. وَالْفِتْنَةُ [البقرة:191]: الشرك. الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]: المراد به مكة والحرم من حولها. وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]: بأن لم يبق من يعبد غير الله تعالى. فَلا عُدْوَانَ [البقرة:193]: أي: لا اعتداء بالقتل والمحاربة إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193]، أما من أسلم فلا يقاتل ] ولا يقتل. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات: هذه الآيات الثلاث: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] ] إلى قوله: جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [البقرة:191] هذه الآيات الثلاث [ من أوائل ما نزل من الآيات في شأن قتال المشركين، وهي متضمنة الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم، والكف عمن يكف عنهم.وقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] أي: في سبيل إعلاء كلمة الله ليعبد وحده الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، واقتلوهم حيث تمكنتم منه، وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم أيها المهاجرون من دياركم ] لأن المهاجرين في المدينة هم الذين يعودون إلى قتال أهل مكة.[ ولا تتحرجوا من القتل، فإن فتنتهم للمؤمنين لحملهم على الكفر بالاضطهاد والتعذيب أشد من القتل نفسه. وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة:191] فلا تكونوا البادئين؛ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البقرة:191]، كذلك القتل والإخراج الواقع منكم لهم يكون جزاء كل كافر يعتدي ويظلم، فإن انتهوا عن الشرك والكفر وأسلموا فإن الله يغفر لهم ويرحمهم؛ لأن الله تعالى غفور رحيم.أما الآية الرابعة ] في هذه الآيات [ وهي قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة:193] فهي مقررة لحكم سابقاتها؛ إذ فيها الأمر بقتال المشركين الذين قاتلوهم قتالاً يستمر حتى لا يبقى في مكة من يضطهد في دينه ويفتن فيه، ويكون الدين كله لله فلا يُعبد غير الله عز وجل في مكة.وقوله: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:193] من الشرك بأن اسلموا ووحدوا فكفوا عنهم ولا تقاتلوهم؛ إذ لا عدوان إلا على الظالمين، وهم بعد إسلامهم ما أصبحوا ظالمين. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: وجوب قتال من يقاتل المسلمين، والكف عمن يكف عن قتالهم، وهذا قبل نسخ هذه الآية ].أما الآية الختامية من آخر سورة التوبة وآخر ما نزل فهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، كيف يلوننا؟ مثلاً: لنفرض أن البلاد التي حول الجزيرة ما زالوا كافرين، فهل نزحف لنقاتل تركيا قبل الشام؟ هل نقاتل إيران قبل بغداد؟ الجواب: لا، هل نقاتل شمال إفريقيا قبل المصريين؟ الجواب: لا.نقاتل الذين يلوننا، فإذا أسلموا دخلوا في رحمة الله ويصبح جيرانهم من الجهة الثانية هم جيراننا، ونأخذ في القتال حتى تتسع دائرة الإسلام وتنتظم الأرض كلها، كبركة ماء أو مستنقع واسع، فخذ حجراً وارمه في وسطه، فستنفتح دائرة ثم لا تزال تتسع حتى تصل إلى كل حافاته. فما نتجاوز بلداً مجاوراً ونذهب نقاتل من وراءه، لا يصح هذا، فالذي يلينا أولى بالرحمة والإحسان ممن كان بعيداً، والناس يعرفون أن الصدقة أولى بها الأقربون؛ لأن هذه الدعوة ما هي دعوة استعمار واستغلال، هذه دعوة نشر الهدى والرحمة بين البشر، والله رب الجميع هو الذي أذن في هذا وأمر به.وهكذا فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما وصلوا إلى الأندلس إلا بعدما فتحوا شمال إفريقيا، ما وصلوا إلى جبال الألب في فرنسا حتى فتحوا أسبانيا.. وهكذا، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]. التشابه في التدرج بين تشريع الجهاد وتحريم الخمر وشأن الجهاد كشأن تحريم الخمر، فالخمر ما حرمت في يوم واحد، أو في آية واحدة، بل في فترات، وأول ما نزل فيها: أننا إذا شربناها لا نصلي: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، فمن كان سكران لا يحل له أن يدخل في الصلاة، حتى يزول سكره ويتوضأ ويصلي. وهنا حدثت التساؤلات: لماذا -إذاً- نشرب الخمر؟ فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، فأجاب الله تعالى: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، واستمرت الحالة على هذا فترة من الزمن، فكان عمر يرفع صوته: يا رب! بين لنا في الخمر بياناً شافياً، يا ألله! بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت آخر آية بشأن الخمر في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] فقال عمر : انتهينا يا ربنا. فأهريقت في أزقة المدينة حتى جرت في الأرض. فكذلك القتال، كانوا يتمنون ويطلبون الإذن من الرسول فقال لهم: اصبروا، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما قويت شوكتهم وأصبحوا أهلاً نزلت: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39] نزلت هذه الآية أن: قاتلوا من يقاتلكم، ثم في الآية قبل الختامية أعطوا المشركين عهداً لأربعة أشهر: إما أن تسلموا أو تخرجوا من الجزيرة؛ لأن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قربت، ولم يصلح أن يموت الرسول وفي الجزيرة من يعبد غير الله، لتكون قبة الإسلام وبيضته، وبعدها نزلت آية: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [التوبة:123] فتحمل مسئوليتها أبو بكر الصديق، فبعث بجيش أسامة إلى الأردن والشام، وعمر بعث بجيشه إلى العراق وفارس.. وهكذا، وعثمان بعث بجيشه إلى شمال إفريقيا، وأخذ الإسلام ينتشر وأصبحت حدودنا تلي نهر السند، ثم توقفنا بكيد أعدائنا ومكرهم، لكن في يوم ما لو عاد لنا سلطاننا وقدرتنا وقتالنا فسنطبق أمر الله عز وجل، نبدأ من جديد بأسبانيا لأنها في حدود المغرب، نبدأ بروسيا لأنها في حدود يوغسلافيا.. وهكذا. معية الله تعالى بالنصر للمتقين الآخذين بالأسباب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123] بالسلاح والعتاد والقوة، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] ومعنى هذا: اتقوا الله في كل أوامره ونواهيه، فالتفريط في السلاح والعتاد أيضاً معصية، صاحبه ما ينتصر، الخلاف والفرقة هي آيات الهزيمة، الإعلان عن معاصي الله والمجاهرة بها أهلها لا ينتصرون؛ فالله تعالى ما قال: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله معكم، ما قال هذا، فلو قال هذا فحينئذ سيكونون مخدوعين، سيقولون: الله معنا! إذاً: غنوا واشربوا الخمر وغداً قاتلوا، فالله معكم! ولكن قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] الذين يتقون غضب الله بترك معاصيه ومعاصي رسوله، أما أن نقاتل ونحن مرتكبو الجرائم والموبقات فلن ينصرنا، ومن أيسر ما يكون هنا أننا إذا اختلفنا انهزمنا، فالخلاف حرام بيننا، وإذا ما أعددنا العدة والسلاح فلن ننتصر، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ونحن نقول: لا، ما هناك حاجة، فالله معنا!فلو كانت الآية: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله معكم؛ لغنى المؤمنون، ولما أصبح أحدهم يبالي بالمعصية، فالنصر حتم لأن الله معنا، لكنه قال تعالى: (مع المتقين)، إن اتقيتم أوامرنا فنحن معكم، وإن عصيتم تركناكم لأنفسكم. وجوب قتال الكفار بمراحله وخطواته فالهداية الأولى: [ وجوب قتال من يقاتل المسلمين، والكف عمن يكف عن قتالهم، وهذا قبل نسخ هذه الآية]، أما قلنا: إن الخطة هي: أن الذين يلوننا في الشمال في الجنوب في الشرق في الغرب نعسكر حقيقة أمامهم، ثم نراسلهم، وهم مخيرون بين الدخول في الإسلام ليكملوا ويطهروا ويسعدوا، ولا شيء ولا درهم يؤخذ منهم، بل نحمل إليهم المال إن كانوا فقراء، فإن رفضوا فليأذنوا لنا أن ندخل ديارهم لتعليم الناس وهدايتهم، وأن نطبق بينهم شرع الله لإصلاحهم وإكمالهم، ويعطونا ما يسمى بالجزية، يعني: نقد لا قيمة له، وإنما هو إعلان عن أنهم دخلوا في ولاية المسلمين وحمايتهم، فإن رفضوا فلم يبق حينئذ إلا أن نقاتلهم حتى يخضعوا، ومن نقاتل؟ نقاتل الجيوش والحكومة، فهل يبقى الشعب المسكين محروماً من هداية الله؟ فإذا هزمنا الجيوش دخلنا ونشرنا الرحمة والخير والهدى بينهم. حرمة الاعتداء في القتال [ ثانياً: حرمة الاعتداء في القتال ]، ويكون الاعتداء في القتال مثلاً بالإحراق بالنار، يكون الاعتداء بقتل الأطفال، كيف بطفل يقتل، أو يضرب، أو يؤذى؟! يكون الاعتداء بقتل النساء، النساء حسب سنة الله تعالى لا يبرزن للقتال، وإن حدثت حادثة نادرة فلا قيمة لها، النساء لا يقاتلن أبداً.والآن بعض حكوماتنا المتقدمة جيشت النساء! وهذه أضحوكة، رأيت في المجلة مجاهدات، والشاهد عندنا أن هذا خبط وضلال وتفاهة في العقول، نعرض عن الإسلام ولا نطبق قواعده ولا شرائعه، ونجيش النساء ونجعل الحارسات والمجاهدات، هل انعدم الرجال؟قال: [ حرمة الاعتداء في القتال بقتل الأطفال والشيوخ والنساء إلا أن يقاتلن ] فشيء آخر، فمن أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]. حرمة القتال في الحرم وبيان حكم قتل اللائذ به [ ثالثاً: حرمة القتال عند المسجد الحرام، أي: في مكة والحرم، إلا أن يبدأ العدو بالقتال فيه ].لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم باثني عشر ألفاً هل دخلوا ليقتلوا المشركين؟ كلا أبداً، من قاتلهم قتلوه، ومن أسلم وانقاد لم يقتل، ومع هذا أعلن الرسول عن حرمتها من يوم أن خلق الله السماوات والأرض، وأنها حرام إلى يوم القيامة، ولم تحل إلا ساعة من نهار، أحلها الله لرسوله، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة، لكن لو أن أشخاصاً هربوا إلى مكة وهم مجرمون فما الحكم؟ الجواب: الأولى أننا نلقي القبض عليهم ونخرجهم خارج الحرم، ونعدمهم إذا كانوا قد قتلوا، ولا نقتلهم في الحرم، هم قتلوا إخواننا خارج مكة في جدة في الطائف وهربوا إلى الحرم، فهل نقتلهم في الحرم؟ الذي عليه الجمهور أن يخرجوا إلى خارج الحرم ويقام عليهم حد القتل خارج الحرم، امتثالاً لقول الله تعالى: وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:191]، لكن لو هاجموا ودخلوا برجالهم إلى مكة فماذا نصنع؟ نقاتلهم، ما دام أنهم قد قاتلونا فيه فلا بد أن نقاتلهم. محو الإسلام والتوبة ما قبلهما من الذنوب [ رابعاً: الإسلام يجب ما قبله ]، ما معنى: يجب؟ يقطع، الجب: القطع، ما قبل إسلام المرء يترك كله ولو قتل ألف مقتول وأخذ مليار دولار وفعل ما فعل، إذا أسلم جاء في عهد جديد والأول كله معفو عنه، لا يطالب به ولا يؤاخذ به أبداً، الإسلام يجب ما قبله، والتوبة أيضاً تجب ما قبلها، كان يشرب خمراً، كان يتعاطى ربا، كان عاقاً لوالديه، كان خائناً لجيرانه، ثم تاب توبة نصوحاً، فما يبقى مطالباً بشيء، اللهم إلا الحقوق الخاصة بالأفراد، فالمال يرده إلى أصحابه. فالتوبة أيضاً تجب ما قبلها، وهي التوبة النصوح التي صاحبها لا يعود إلى الذنب ولو صلب وقتل وأحرق، والإسلام يجب -أي: يقطع- ما قبله، ما الدليل على هذا؟ هو قوله تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن الشرك والكفر وقتالكم وأذيتكم وإخراجكم من دياركم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192]، فإن انتهوا وتابوا فالله عز وجل يغفر لهم ويرحمهم، لماذا؟ لأنه تعالى غفور رحيم.فالإسلام يجب ما قبله، أخذنا ذلك من قوله تعالى: فَإِنِ انتَهَوْا [البقرة:192] عن قتالكم وحربكم وعن الشرك والكفر والفسق والفجور؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:192] فسيغفر لهم ويرحمهم؛ لأنه هذا وصفه: الغفور الرحيم. حكم الجهاد وبيان حالات تعينه [ خامساً: وجوب الجهاد ] أي: قتال الكفار من أجل أن يعبد الله وحده، هذا القتال واجب، [ وهو فرض كفاية ]، وفرض الكفاية يقابل فرض العين، فرض العين هو ما تعين على كل واحد من أهل الجهاد ذكر ليس بأعرج ولا مريض ولا أعمى، وليس بشيخ هرم، هذا هو الذي يتعين عليه القتال، أما النساء والأطفال والمرضى والعميان والعرجان فلا، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به بعض المؤمنين وأدوا الواجب وانتصروا أو دفعوا عن المسلمين الخطر فالآخرون لا يأثمون أبداً، نعم يحرمون الأجر وما في ذلك شك، ما داموا جالسين ولا يقاتلون فكيف يثابون؟ كل ما في الأمر أنهم لا يأثمون، ومن أراد الثواب فليخرج، إلا إذا قال إمام المسلمين: لا تخرجوا، فحينئذ أطاعوا إمام المسلمين فأطاعوا الله، فهم مأجورون لأن قلوبهم مع الجهاد، كالذين رجعوا لضعفهم وعجزهم وقلوبهم تتحرق. إذاً: [ وجوب الجهاد، وهو فرض كفاية ] إذا قام به جيوش المسلمين أو مقاتلوهم سقط الواجب عن الباقين، فإن عجز الجيش ولم يقدر على الفتح أو الدفع فحينئذ تعين على المؤمنين أن يكملوا ذلك النقص ويسقط الواجب حينئذ، ولهذا يقول أهل الفقه: يتعين الجهاد ويكون فرض عين في ثلاثة مواطن:الأول: أن يداهم العدو مدينة من مدننا في حدوده، ميناء من موانئنا، فأهل المدينة أو المنطقة يجب عليهم أن يقاتلوا هذا العدو نساء ورجالاً حتى يردوه من حيث أتى، ويواصلوا قتالهم حتى يصلهم المدد، وفي الزمان الأول كان المدد يحتاج إلى عشرة أيام، لأنهم يسيرون ببغال وخيول وجمال، والآن في خمس ساعات، فأهل المنطقة التي هاجمها العدو بالليل أو بالنهار يجب أن يقاتلوا ولا يسقط الفرض عن أحدهم إلا عن عاجز، حتى يردوا العدو ويقهروه، أو يصل إليهم إمدادات المسلمين وحينئذ يسقط وما يصبح فرض عين، هذا موطن.الموطن الثاني: أن يعين الإمام المجاهدين، يقول: أبناء الخامسة والعشرين إلى الثلاثين كلهم في التعبئة، أو يقول: أصحاب الواحد والعشرين من أعمارهم إلى الثلاثين الكل يدخلون ويلتحقون بالجهاد، فلا يصح لواحد من هؤلاء أن يتأخر.وموطن آخر وهو ما يعرف بالتعبئة العامة أو النفير، إذا رأى إمام المسلمين أن هذا العدو ما يكفي له عدد فالأمة كلها تدخل المعركة، كما حدث في غزوة تبوك ونزل: إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ [التوبة:39]، فلم يبق مؤمن إلا مريض أو من اعتذر بعذر باطل، وما تخلف إلا ثلاثة نفر بدون عذر، وحصل الذي حصل، وتاب الله تعالى عليهم. حكم جهاد النفس ذاك هو التعبئة العامة، وما عدا هذا فالجهاد فرض كفاية، إلا أن جهاد النفس -وهو أشق- فرض عين، لا يسقط عن مؤمن ولا مؤمنة، جاهد نفسك حتى لا تعبد إلا ربك، أي: لا تعبد هواك ولا دنياك ولا شياطينك، بل اعبد الله وحده، ومعنى هذا أن تحملها على النهوض بالتكاليف والواجبات بلا تردد، وتحملها على الابتعاد عن معاصي الله، وحاربها ليلاً ونهاراً، ما هو بعام أو عشرة أعوام، بل طول عمرك، فلهذا يقال: الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، والجهاد الأصغر ضمنه، وورد في هذا حديث ضعيف لكن معناه صحيح، لما عادوا من غزوة قال لهم: ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ).وقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] هذا يتناول أولاً جهاد النفس، يجاهد نفسه في ذات الله، أتدري لم نجاهد الكفار؟ لأجل أن يعبدوا الله أولاً، من أجل أن يعبدوا الله وحده ويدخلوا في الرحمة.إذاً: وجهادنا لأنفسنا لأجل ماذا؟ من أجل أن نعبد الله أولاً، وأن ندخل في رحمته، ولهذا فجهاد النفس ذكره الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري فقال: جهاد النفس هو أن تحملها وهي كارهة على أن تتعلم ما يُعبد به الله، وتعرف كيف تعبده. فتعلم العلم الضروري، تتعلم كيف تتوضأ، وتغتسل، وتتيمم، وتصلي،و تصوم، وتزكي، وتحسن.. وسائر هذه الضروريات، تحملها على أن تتعلمها وهي كارهة قطعاً، فهي ما تريد التعب ولا السهر، ثم تحملها على أن تعمل بكل ما علمته، ولا تتخلى أبداً عن فريضة عرفتها أو واجب علمته ولم تعمله، وهذا يحتاج إلى إكراه لها وضغط عليها، حتى تعمل بكل ما تعلمته، ثم تحملها على أن تُعلِّم ذلك، فهذا هو الجهاد الأكبر. نحن نغزو الكفار من أجل أن نعلمهم، وهذه المرتبة الثانية، إذ نحن أولاً نعبد الله ونستقيم على منهجه، فإذا كملنا وطبنا وطهرنا ننقل رحمة الله إلى غيرنا، هذا الجهاد هو جهاد النفس. حكم المعاهدات مع الدول الكافرة في حالة ضعف المسلمين أما جهاد الكفار فكما علمتم: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123] بجيوشنا المدربة المسلحة في الحدود، وهي تراسل من حولها وتغزوهم، فإن ضعفنا فلا بأس أن نتخذ معهم معاهدات مؤقتة، فإذا ما استطعنا أن نقاتل فرنسا فإننا نتخذ معها عهداً لأربعين سنة، لثلاث سنوات.. لكذا، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة، لما نزل المدينة عاهد بني قريظة، عاهد بني النضير، عاهد بني قينقاع، ومن أخلف الوعد ومزقه فإنه يستوجب القتال، وما قاتلهم حتى نقضوا، فبنو قينقاع ماذا فعلوا؟ آذوا مؤمنة جاءت إلى حداد تصلح عنده سواراً أو خلخالاً أو كذا، وجلست تنتظر بنقابها، فجاء يهودي وهي جالسة يتهكم بها وأخذ ثوبها من ورائها ووضعه على رأسها لتبدو عورتها، وهم يضحكون، فصاحت فجاء مسلم فقتله، فاجمعوا على المسلم فقتلوه، وحينئذ أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتالهم؛ لأنهم نقضوا العهد بأذية المؤمنة، وشفع لهم ابن أبي وأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة بدون قتال، ولكن خرجوا ولم يبق منهم أحد.وبنو النضير تآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، كان بينه وبينهم معاهدة على أنهم يدفعون الدية باشتراك وتعاون، وكانت الدية كثيرة، فذهب الرسول مع أبي بكر وعمر إلى بني النضير يطالب بموجب الاتفاقية أن يساهموا في هذه الدية التي تحملها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مرحباً، وأنزلوه في ظل جدار وفرشوا له الفراش، ثم أخذوا يفكرون كيف يقتلونه، فهداهم الشيطان إلى أن يطلقوا عليه رحى من السطح، واتفقوا على هذا، وأوحي إليه صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة بالهاتف الإلهي أن: قم، فجمع عليه ثيابه وقام ومشى وراءه أصحابه، ودخل المدينة وأمر بإعداد العدة لجهاد بني النضير، فخرج مع رجاله وعلى رأسهم الراشدون وطوقوا البلاد.ونزل فيهم قرآن: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]هؤلاء بنو النضير، فلما هاجمهم الأصحاب قطعوا نخلهم، كما قال تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5]، وإن كان بعض الصحابة تألم لقطع النخل أو إحراقه؛ لأنهم أصروا وأبوا أن ينزلوا، وبعد ذلك أعلنوا عن هزيمتهم وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحملوا أمتعتهم، فأذن لهم، فحملوا حتى الأبواب والأخشاب، وذهبوا ونزلوا بخيبر.وبنو قريظة آخرهم لما جاءت الأحزاب بالمؤامرات وتضامنوا مع أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن ثم أعلن عن قتالهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (125) الحلقة (132) تفسير سورة البقرة (90) في سياق الأمر من الله عز وجل لنبيه ومن معهم من المؤمنين بقتال المشركين، وجههم سبحانه هنا بأن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم محرماً فليقاتلوه وهم محرمون، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة، ومن اعتدى عليهم فلهم أن يعتدوا عليه بمثل ذلك، ثم أمرهم سبحانه بتقواه والإنفاق في سبيله لمجاهدة أعدائه سبحانه؛ لأن في ذلك نجاتهم، وفي التخلي عنه خسرانهم وهلاكهم. تفسير قوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، بالإضافة إلى ذلكم الأمل الغالي المنشود لكل العقلاء من المؤمنين والمؤمنات، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).فحالكم كحال المجاهدين والحمد لله، هل يمكن أن نظفر بمثل هذا الخير في غير هذا المجلس؟ لا. وها نحن مع قول ربنا عز وجل: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:194-195].هذه الآية الأولى مع ما قبلها في سياق تشجيع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم، وتعليمهم أن من قتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام. المراد بالشهر الحرام إذاً: قوله جل ذكره: الشَّهْرُ الْحَرَامُ [البقرة:194] ما المراد بالشهر الحرام؟ الأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد، أي: متوالية واحداً بعد واحد، وآخرها فرد ليس قبله ولا بعده شهر حرام، فالثلاثة السرد هي: القعدة، والحجة، ومحرم، ثلاثة أشهر سرد واحداً بعد واحد، والفرد هو: رجب، بين شعبان وجمادى الآخرة، ويقال فيه: رجب الأصم؛ لأنك لا تسمع فيه صوت السلاح وقعقعته، هدنة فرضها الله عز وجل على العرب في الجاهلية، إذا شاهدوا هلال رجب لم تسمع صوت السلاح أبداً، ويسود الجزيرة أمن لن تستطيع الأمم المتحدة أن تفرضه لو جلبت كل قواتها، ولكن تدبير الله.ويقال فيه: رجب الأصب؛ لأن الخير يصب فيه صباً، هذا الشهر صيامه مستحب، ولكن لا يكمل كرمضان، لا بد من الفرق بين الواجب والمستحب، فليصم ما شاء أن يصوم، ثم يفطر في أوله أو آخره. المراد بكون الشهر الحرام بالشهر الحرام وكون الحرمات قصاصاً فقوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:194] أي: من قاتلكم في الشهر الحرام فقاتلوه في الشهر الحرام، أما أن يستحل هو القتال بالشهر الحرام ويقاتلكم وأنتم لا تستحلونه وتمدون أعناقكم لهم فسيدكم ما يرضى لكم بهذا. وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ [البقرة:194] الحرمات: جمع حرمة، كظلمات وظلمة، والحرمة: ما يحرم تناوله أو أخذه أو إعطاؤه، الحرمات منها الشهر الحرام، منها البلد الحرام، منها الإحرام، فمن قاتلنا في البلد الحرام نقاتله، من قاتلنا في الشهر الحرم نقاتله في الشهر الحرم، من قاتلنا وهو محرم نقاتله ونحن كذلك محرمون، هذا تدبير الله لأوليائه. معنى قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، هنا تأمل يا عبد الله وتأملي يا أمة الله، لا تفهمن أنك أنت مأمور بأن تعتدي على من اعتدى عليك، هذا لا يصح أبداً؛ لأن الفوضى انتهت وأصبحت الدولة الإسلامية قائمة بإمام المسلمين، والشريعة والقانون لا يحل لأحد أن يعتدي عليه آخر فيعتدي هو عليه، بل يجب أن يحمل أمره إلى الحاكم وهو الذي يقتص، وإلا فمعناه الفوضى على منتهاها، هذا بالنسبة إلى الفرد، أما بالنسبة إلى الأمة فنعم، والله يخاطب رسوله والمؤمنين: يا أمة الإسلام! الحرمات قصاص، من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى.أما الفرد المسلم فلأن يعفو ويصفح أفضل بكثير من أن ينقل أمره إلى الحكومة ويطالب بحقه فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، فإن كان ولا بد فليرفع أمره إلى المسئولين: كقضاة، أمراء، حكام، وهم الذين يقتصون له من عدوه. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] أيتها الأمة الإسلامية، دولة من الدول أغارت واعتدت على شعب أو على قبيلة، أذن الله لنا في ذلك، أما الأفراد المؤمنون فإياكم أن تفهموا أن كل من ضُرب يضرب، وكل من أُخذ ماله يأخذ، فإنه إن كان هذا فلا حكم ولا حكومة ولا نظام إذاً، فأين الإسلام؟ حكم أخذ المرء مثل ماله من مال ظالمه وهنا مسألة دقيقة من استطاع أن يفهمها فلا بأس، فإن لم تسطع فهمها فلا تحكها ولا تعمل بها، وهي أن محمد بن إدريس الشافعي الإمام من أئمة أهل السنة والجماعة، هذا القرشي المطلبي يرى أن المؤمن إذا سلبه أحد إخوانه مالاً، وتأكد أن فلاناً أخذ نعجته أو أخذ ثمرته، أو أخذ ثوبه، وهو متأكد أنه لو رفع أمره إلى الحاكم لا يستطيع الحاكم أن يعطيه حقه؛ ما هناك بينة ولا حجة، يقول الشافعي باجتهاد منه فقط: إذا كان في إمكانك يا عبد الله المسلم أن تأخذ من صاحبك بقدر ما أخذ، لا تزد ولا ربع تمرة، إذا كنت تقدر على أن تأخذ ممن أخذ منك بقدر ما أخذ أو أقل فلك ذلك، وإياك أن تزيد بأدنى شيء، فإن كنت قادراً على هذا الموقف وتستطيع ألا يعلم بك فتتهم بالسرقة ويقام عليك الحد بقطع يدك، فالموقف صعب، قد يتأتى لواحد ولا يتأتى لألف، لكن في بلاد ما فيها حكم عادل، فلان أنا موقن أنه أخذ مني نعجة، وأنا في حاجة، فإن كنت أعلم أنني سآخذ نعجة دون نعجته في السمن والجسم ولا يطلع علي أحد فلا بأس؛ لأني ما ظلمت، استرددت حقي فقط، ولكن من الخير أن تترك هذا، فوض أمرك إلى الله واعف واصفح والله يعوضك.فقوله: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] هذا خطاب لرسول الله والمسلمين، يخاطب الأمة والدولة وليس الأفراد، وهذا أيضاً منسوخ بآية الجهاد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] اعتدوا أو لم يعتدوا، انتهى أمر وجودهم في دار الإسلام. معنى قوله تعالى: (واتقوا الله) وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:194] هذا أمر إلهي لعباده المؤمنين بأن يتقوه، أي: يتقوا غضبه وسخطه وعذابه؛ لأنه إذا غضب، إذا سخط، إذا انتقم فهو شديد العقاب.وأنتم أيها المؤمنون تعرفون قدرة الله، يحول النعمة إلى نقمة، والسعادة إلى شقاء، والصحة إلى مرض، والحياة إلى موت، أمم يقلب عليهم الأرض، إذاً: فاتقوا الله، أي: لا تخرجوا عن طاعته، لا تفسقوا عن طاعته، امتثلوا أمره بفعله وامتثلوا نهيه باجتنابه.أوامر الله ونواهيه لا تتصور فقط في الصلاة والزكاة، هي في كل ما شرع لنا أن نأخذ به ونعمل به، فالجهاد فريضة الله وقد عرفنا حكمه وبيناه، هذا الجهاد لا بد له من عدة، فإن خرجنا نقاتل عدونا بدون عدة وبدون عدد يكافئه ويقاتله فما اتقينا الله، إذاً: فقد يصيبنا بالنكبة ويسلط علينا العدو بالهزيمة؛ لأننا ما اتقيناه، فلو اتقيناه لعملنا بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، فإذا كان عدونا يقاتلنا بالمدافع ونخرج بالعصي ونقول: عصاي أفضل من مدفع بريطانيا أو إسرائيل؛ فهذا موقف غير صحيح. وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:194] أي: خافوا نقمته، خافوا سننه أن تنعكس عليكم، إذاً: فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه، أطيعوا رسوله وأطيعوا قائدكم في المعركة، لا تفترقوا ولا تختلفوا عليه. معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله مع المتقين) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] أمرهم أولاً بأن يتقوه، ثم أعلمهم أنه مع المتقين، ما قال: واتقوا الله واعلموا أن الله معكم، فمن يضمن أنهم اتقوا الله حتى يكون معهم؟ فلهذا قال: واعلموا أن الله مع المتقين له، الذين يعملون بسننه الكونية، ولا يفرطون أبداً فيما سن وقنن من قوانين الحياة، هؤلاء الله معهم بالنصر والتأييد، وما إلى ذلك من أنواع حب الله عز وجل للمؤمنين، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]. أهمية العلم في تحصيل التقوى وهنا لطيفة: لو قيل لنا: من هم المتقون؟ نقول: بنو هاشم، الأنصار؟ المتقون: الذين يفعلون ما أمر الله به ورسوله وينتهون عما نهى الله عنه ورسوله.ثم ما الذي أمر الله به ورسوله، وما الذي نهى الله عنه ورسوله؟ هنا الوقفة الطويلة: فـ(95%) من المسلمين والمسلمات ما يعرفون ما أمر الله به ولا ما نهى عنه، فكيف يتقونه إذاً؟ الذي ما يعرف ما أمر الله به كيف يتقيه فيه ويطيعه؟ لا يعرف ما نهى الله عنه فكيف يتقيه بتركه؟ هنا نبدأ بأول خطوة: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] بم بدأ؟ اعلم أولاً، اعرف الأوامر والنواهي بالتفصيل في المعتقد والقول والعمل والسلوك معرفة يقينية، ثم افعل ما أمر الله به واترك ما نهى الله عنه، وبدون معرفة لن يستطيع أحد أن يكون تقياً، يغش نفسه، من يريد أن يكون من المتقين وهو لا يعرف بم يتقى الله وما سأل كيف يتحقق له ذلك؟ومن هنا وجب طلب العلم قبل أية حركة، قبل أن تتوضأ وتصلي يجب أن تعرف كيف تتوضأ، وكيف تصلي، ومعنى هذا: أن على المسلمين أن يتعلموا. كيفية تحصيل العلم الموصل إلى التقوى وكيف يتعلمون يا شيخ وهم مشغولون، يطلبون العيش من الصبح إلى الليل فكيف يتعلمون؟ أما تجدون لنا حلاً أيها المؤمنون؟ كيف نتعلم ونحن في هموم الحياة ومتطلباتها؟ الجواب معروف مللناه بالتكرار: اعملوا أيها العمال في المزارع، في المصانع، في الدكاكين، حتى العمال في السماء صاعدين هابطين بالمظلات، وإذا دقت الساعة السادسة مساء أوقفوا دولاب العمل، تطهروا، البسوا ثيابكم الطاهرة النظيفة، ألقوا بثياب العمل، واحملوا نساءكم وأطفالكم إلى المسجد الجامع، وليجلس النساء وراء الستارة والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ويجلس لهم عالم رباني يعرف عن الله ورسوله، فليلة آية وليلة حديث، ليلة آية يتعلمون وليلة حديثاً طول الحياة، هذا نظام حياتنا؛ لأننا نتهيأ لنخترق السبع الطباق وننزل بالملكوت الأعلى، فلا يشق علينا أبداً أن ننقطع إلى الله ساعة ساعتين في بيته، ويتم لنا -والله- العلم الكامل، ما يبقى في القرية ولا في الحي رجل ولا امرأة لا يعرف ما أحل الله ولا ما حرم، ولا يعرف ما أوجب الله ولا ما حرم، بالسماع فقط. قد تقول: يا شيخ! لا يمكن أن نتعلم بالسماع هذا؟فأقول: وأصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم هل تعلموا بالقراطيس والأقلام؟ جلهم ما كان يقرأ ولا يكتب، هذا العلم ما يتطلب أبداً قراءة ولا كتابة، بل اعلم واعمل فقط، تعلمت مسألة فطبقها الليلة، فيرسخ العلم في جسمك كاملاً وفي كل حواسك، وإذا قلنا: ما نستطيع هذا، وأردنا أن ننفس عن أنفسنا إذا تركنا العمل وقلنا: نمشي إلى المقاهي ونريح أنفسنا كاليهود والنصارى؛ فإذاً: لا بأس، لكن لا ترفع رأسك إلى السماء ولا تطمع أن تدخل الملكوت الأعلى، كن كالهابطين إلى الدركات السفلى. حكم الله تعالى بفلاح مزكي نفسه وهلاك مدسيها قد تقول: يا شيخ! هذه مبالغة! فأقول: هل بلغكم حكم الله الصادر علينا؟ ما نص هذا الحكم؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] زكاها أي: نفسه، بم يزكيها؟ بالبقلاوة، بالأرز واللحم، بالرقص؟ بم يزكيها؟ بما شرع من هذه العبادات التي تؤدى على الوجه الذي شرعت لتنتج الزكاة والطهارة للنفس، وفي نفس الوقت يتخلى ويبعد عن كل ما من شأنه أن يدسي نفسه كالكذب والنظرة المحرمة وسائر المعاصي إلى الكفر والشرك.وجهاد متواصل حتى الموت، ما هو بالأمر الهين أن تغمض عينيك وأنت في الملكوت الأعلى مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.من أين لنا هذا؟ ولكن ضاعت قرون عديدة لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وهم كالبهائم، والآن هل أفقنا؟ ما زلنا، فثلاثة أرباع المسلمين ما يعرفون الله ولا مراده ولا محبته.فلم لا تبلغون هذا؟ حتى لا نلوم الغائبين: لم أنتم لا تبلغون؟ هذا الشيخ يبكي كل ليلة فأدى الواجب، وأنتم لم كل صاحب حي لا يقول لأهل الحي: تعالوا نصلي المغرب والعشاء في مسجدنا، نأتي ببناتنا ونسائنا ونتعلم كتاب الله وسنة رسول الله، حتى نخرج من ظلمة الجهل حتى نزكي أنفسنا، وأهل القرية كذلك. إن كلامي هذا كان المفروض أن رؤساء البلديات يطبقونه، وشيخ القرية يقول: يا معشر المؤمنين! أنتم ماذا تصنعون بعد نهاية العمل؟ تعالوا إلى بيت الرب فكلنا نتعلم الكتاب والحكمة، لنزكي أنفسنا، لنهذب أخلاقنا، لنتأدب بآداب نبينا، لنكمل، وإذا صلينا العشاء شبعنا، ما نبغي أغاني ولا لهواً ولا باطلاً، حتى الأكل، فوالله! لتفاحة تكفيك ليوم، وتنامون مع الملائكة.فإن قالوا: لا. قلنا: غنوا، زمروا، واعبثوا لتناموا مع الشياطين، هذا واقعنا المر رضينا أم أبينا، حتى نتوب إلى الله توبة الصدق ونعود إليه بحق. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
أركان التقوى وحقيقة المتقين قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] من هم المتقون؟ الذين عرفوا فيم يتقون الله من الفعل والترك، وفعلوا المأمور وتجنبوا المنهي، أولئك هم المتقون، أولئك الله معهم لن يخذلهم ولن يسلط عليهم عدوهم، ولن يكربهم ولن يحزنهم أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، للبيان السابق الذي أعلنه تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، اللهم اجعلنا منهم، فمن هم هؤلاء؟الجواب: المؤمنون المتقون هم أولياء الله، كأن سائلاً يقول: يا رب من هم أولياؤك؟ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ...) وقوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] الإنفاق في سبيل الله إنفاق الطاقات، المال، العقل، البدن.وسبيل الله الإسلام الموصل إلى جوار الله في الملكوت الأعلى، سبيل الله أن يُعبد الله وحده، وتعبد البشرية كلها ربها حتى تصل إلى جواره في الملكوت الأعلى. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] التهلكة والهلكة والهلاك بمعنى واحد. مناسبة نزول الآية الكريمة هنا يروى أن أبا أيوب الأنصاري مضيف نبيكم صلى الله عليه وسلم أول ضيافة في المدينة قال: لما رأينا انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قلنا: هيا بنا يا أهل المدينة نعود إلى حقولنا ومزارعنا ننميها ونصلح من حالها، فقد أوقفنا العمل فيها لسنوات أربع أو خمس والآن الإسلام ظهر وانتصر، هيا نعود إلى أعمالنا الدنيوية، ما إن فاهوا بها ونطقوا في مجتمع خاص حتى فوجئوا بهذه الآية: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] لأن إيقاف الجهاد وإيقاف الاستعداد يجعل العدو ينظر إلينا على أننا ضعفة لا قدرة لنا فيكر علينا ويحطمنا.فلهذا رحم الله الشيخ رشيد رضا في مناره، قال: هذا يسمى بالسلم المسلح، على الأمة أن تعد العدة ما أمكنها، وإن كانت لا تنوي القتال، وليس هناك من يخامره فكر أن يقاتلها، معاهدات وأمن كامل كما هي أحوالنا، في هذا الوقت بالذات يجب أن تكون عدتنا أعظم عدة، أنواع السلاح على اختلافه، وأنواع رجالها، وإن كان ما لنا أمل في أن نقاتل، إذا شاهد العدو تلك القوة لا يفكر في الإغارة علينا ولا في قتالنا، أما إذا ميز وقدر وعرف كميات سلاحنا وما عندنا إذاً يدفعه الشيطان إلى أن يغير علينا، ولهذا قال لنا تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] يعني: في حدود قدرتكم.ومن القدرة أنه إذا قيل: اسمعوا أيها المواطنون: من الآن لا نأكل أكلة الصباح أبداً، نكتفي بالغداء والعشاء، ونفقة الصباح كلها في ميزان الجهاد، فلا تصبح دولة أخرى أقوى منا، يعلن الإمام: اسمعوا: نكتفي بأكلة واحدة في الأربع وعشرين ساعة، وثمن تلك الأكلة في ميزانية الجهاد وإعداد العدة، والله! لكما تسمعون، وإلا فكيف يقول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]؟ أي: ابذلوا ما تستطيعونه، وكوننا نحرم أكلة في اليوم مثلاً لأن نصبح أهل عتاد حربي ما هو بشيء أبداً في سبيل إبقائنا أحياء سعداء أطهاراً أتقياء، حتى لا يسلط علينا خبيث نجس كافر مشرك يذلنا ويهيننا ويفعل بنا العجب، وهل فعل أو لم يفعل؟ استعمرتنا بريطانيا، إيطاليا، أسبانيا، بلجيكا، هولندا.. العالم الإسلامي بكامله وضع تحت أقدام النصارى واليهود، واليهود حثالة البشر أذلونا، أهانونا، فعلوا بنا العجب، فلم؟ والله! إني لعلى علم، لقد أعرضنا عن الله فأعرض عنا ووكلنا إلى أنفسنا.وقد عرفنا قول أبي أيوب الأنصاري لما ظهر الإسلام وانتصر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلنا لبعضنا: نحن الأنصار نعود إلى حدائقنا وأعمالنا وبساتيننا، فلم يرض الله تعالى ذلك لهم، فأنزل قوله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]. معنى قوله تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) وقوله تعالى: وَأَحْسِنُوا [البقرة:195] من هم المخاطبون؟ المؤمنون، أحسنوا لا تسيئوا، الإحسان بمعناه الحقيقي هو ثلث الإسلام، الدين الإسلامي السبيل الموصل إلى الله يتكون من ثلاث خطوات: الإيمان، الإسلام، الإحسان.والخطوة الأخيرة -الإحسان- أعظم من الإيمان والإسلام، لم؟ إذا لم يحسن إسلامه ما انتفع به، فالإحسان معناه العام: الإحسان إلى الفقراء المساكين المحاويج، إلى الأقارب، إلى إخوانك المؤمنين بالابتسامة والسلام عليهم، والنصرة.. وما إلى ذلك، كله إحسان، لكن الإحسان الخاص هو أن تعبد الله عبادة من شأنها أن تنتج لك القوة والكمال والطهارة والنظافة والسعادة في الدنيا والآخرة، بمعنى: أن تطبق شرع الله تطبيقاً تاماً فينتج هذه الكمالات.ولا يتم لك ذلك إلا إذا كنت تعيش مع الله، لا تفارق الله أبداً، أنت مع الله، إذا أردت أن تقول كلمة فاستئذنه هل تقولها أو لا، فإن كانت حلالاً نافعاً أذن لك، وإن كانت حراماً ضالة قال: لا تقل، لا تنظر نظرة إلا بإذنه، لا تأكل لقمة إلا بإذنه، لا تمش خطوة إلا بإذنه، لا تنم ساعة إلا بإذنه، أنت مع الله، فالذين يعيشون مع الله والله معهم هؤلاء لن يضرهم شيء ما داموا مع الله، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فإن ضعفت عن هذه المرتبة السامية ونزلت فاعبده وأنت تعلم أنه يراك، أما أن تعبده ولا أنت تراه ولا تعتقد أنه يراك فوالله لن تحسن العبادة، حتى ولو كان الوضوء فلن تتقنه.لا يمكنك أن تحسن العبادة حتى تنتج الطاقة الحقيقية من النور إلا إذا كنت تراقب الله في ذلك، مع مراقبة الله لا تستطيع أن تعبث أو تزيد أو تنقص أبداً، تؤديها كما هي، فإذا أديتها كما هي فإنها تولد النور الذي هو الحسنة. وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، هل الذي أحبه الله يلقي به في أتون القاذورات والأوساخ؟ والله! ما كان، إذا أحبك الله أمنت يا عبد الله؛ لا لشيء إلا على طهر وصفاء وكمال، ومناعة من كل عدو وكل شيطان، والذين يرغبون في حب الله فمن الليلة يحسنون فقط والله سيحبهم، هل تريدون أن يحبنا الله حقاً؟ لنحسن أعمالنا فقط، صلينا ركعتين، صلينا ركعة، ذكرنا، قرأنا، مشينا، جلسنا.. نحسن أعمالنا، ولا يتم ذلك إلا بمراقبة الله كأننا بين يدي الله نستحي أن نزيد أو ننقص.هذا الإحسان يولد النور فتشرق النفس والقلب، ويشع ذلك النور على السمع والبصر والمنطق واللسان، فنصبح كأننا ملائكة أطهار، والله يحب المطهرين، الله لا يحب الخبث أبداً ولا يحب أهله، يحب الطهر، والطهور شطر الإيمان، فمن أراد أن يكون من أحباء الله فماذا يعمل؟ يحسن عمله، كيف يحسن عمله؟ يؤديه كما هو مطلوب، لا يزيد، ولا ينقص، لا يقدم، لا يؤخر، لا يضيع منه شرطاً من شروطه ولا ركناً من أركانه، هذا العمل يولد له الحسنات فتشرق نفسه وتطيب وتطهر، فيصبح بذلك أهلاً لأن يحبه الله؛ لأنه من المطهرين. قراءة في كتاب أيسر التفاسير شرح الكلمات لنستمع إلى شرح الآية في التفسير:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: الشهر الحرام: الشهر المحرم القتال فيه، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد وواحد فرد، فالثلاثة هي: القعدة، والحجة، ومحرم، والرابع الفرد: رجب.الحرمات: جمع حرمة؛ كالشهر الحرام، والبلد الحرام، والإحرام ] هذه حرمات.[ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]: المتقون: هم المؤمنون الذين يتقون معاصي الله تعالى ومخالفة سننه في الحياة، وكونه تعالى معهم يسددهم ويعينهم وينصرهم.التهلكة: الهلكة، والهلاك مثلها.الإحسان: اتقان الطاعة وتخليصها من شوائب الشرك، وفعل الخير أيضاً ] كله إحسان. معنى الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين: الآية الأولى في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم، وتعلمهم أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام، ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في الحرم، ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم، وهكذا الحرمات قصاص بينهم ومساواة، ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه بمثل اعتدائه عليهم، وأمرهم بتقواه عز وجل وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر ]، فهو معهم ما اتقوه، أي: مدة ما هم متقون، بماذا؟ بالتسديد والعون والنصر.[ وأما الآية الثانية فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لإعداد العدة وتسيير السرايا والمقاتلين، ونهاهم أن يتركوا الإنفاق في سبيل الله الذي هو الجهاد، فإنهم متى تركوا الإنفاق والجهاد كانوا كمن ألقى بيده في الهلاك، وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر عليهم فهلكوا قطعاً، كما أمرهم بالإحسان في أعمالهم كافة ]، حتى في الطبخ، فالذي ما يحسن طبخ قدر هل يؤكل طعامه؟ الشاي إذا لم تحسن طبخه لا يشرب، فكيف بمعراج السماء الصلاة، إذا لم تحسنها ما تنتج الطاقة ولا تولدها أبداً.[ وإحسان الأعمال: إتقانها وتجويدها، وتنقيتها من الخلل والفساد، وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم، فقال تعالى : وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ومن أحبه الله أكرمه ونصره وما أهانه ولا خذله ]؛ لأن الله لا يهين أحباءه ولا يخذلهم، فما ذلك من شأنه عز وجل. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات ]، فهيا نحترم الشهر الحرام، إذا دخل القعدة تركنا التدخين، دخل الحج فتركنا لعب الكيرم، دخل المحرم فتركنا السهرات، هذه أشهر حرم نحترمها، دخل رجب فما بقي فينا من يعصي الله، هذا شهر الله.[ ثانياً: جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء ].هذا في حق الحكومات لا في حق الأفراد، فـ( المرء مقتول بما قتل )، والقصاص لا يسقط إلا في شيئين: فجر فاجر بامرأة فماتت، فلا يقتل بالفجور به، وكيف يمكن ذلك؟ أو لاط لائط فقتل، فهل يقتل بطريق اللواط؟ كلا، أما إذا ضرب بعصا فإنه يضرب بعصا، أو سقى السم فإنه يسقى السم، أو قطع الرأس فإنه يقطع رأسه، المرء مقتول بما قتل، فالقصاص: المساواة.ففي الحديث: ( المرء مقتول بما قتل )، فالجارية التي قتلها اليهودي بحجر على رأسها أما قتله الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر أيضاً؟ هذا الحكم الشرعي، قتل برصاص يقتل برصاص، ذبح بسكين يذبح بسكين عندما يقام الحد عليه، إلا من قتل بزنا أو لواط فإنه لا يقتل بذلك، استثنى أهل العلم هذا الذي لا يمكن فيه المقاصة، فيقتل وكفى، فإن زنا حتى ماتت من زنا بها فإنه يقتل بها، أو لاط حتى مات من فعل به فإنه يقتل به، وفي باقي الأشياء المقاصة، كما لو أخذ منك نعجة فإنه تؤخذ منه نعجة، أخذ ألف ريال فيؤخذ منه ألف ريال، قطع يداً فتقطع يده، والذي يقوم بهذا هو الحاكم، أما أفراد الشعب والأمة فلا، ومن عفا وسمح وصفح فذلك أفضل له، وإن طالب بحقه فالقصاص، وقد سبق ما حكيناه عن الشافعي رحمه الله تعالى. [ ثالثاً: رد الاعتداء والنيل من المعتدي الظالم البادئ بالظلم والاعتداء ].هذا للدولة، يفعله إمام المسلمين إذا اعتدت دولة مجاورة، مع أن هذا منسوخ -كما قدمنا- بآية الجهاد، فالآن اعتدوا أو لم يعتدوا فنحن نعسكر أمامهم وندعوهم إلى الله ليدخلوا في رحمة الله، فهذه الآيات نزلت قبل آيات سورة التوبة.[ رابعاً: معية الله تعالى لأهل الإيمان والتقوى والإحسان ].معية الله: كون الله معهم يؤيدهم وينصرهم ويفتح عليهم ويحبهم، من هم؟ أهل التقوى والإيمان والإحسان، أما المعية العامة فالله عليم بكل خلقه، إذا كانت السموات يطويها بيمينه فأين البعد بيننا وبينه؟ نحن بين يديه حيثما كنا، فقط جاء المدفوعون إلى تحطيم الإسلام والقضاء عليه فجعلوا الحلول مبدأ وقالوا: الله حل في كل شيء، والله منزه أن يحل في هذه الأجسام الغارقة الباطلة الهاوية، هذا الكون يحمله بيديه فكيف يحل فيه؟ وهذا المذهب مذهب شر، وأخزاهم الله وما بقي منهم أحد، فحين نقول: الله معنا بنصره وتأييده فنعم، والله مع الكل أينما كانوا؛ لأنهم بين يديه كالنملة بين يدي إنسان، لا يخفى من أمرنا على الله شيء ولا يبعد عن الله منا شيء.[ فضيلة الإحسان لحب الله تعالى للمحسنين ].الإحسان ذو فضل كبير؛ لأنه يرزقك حب الله، وأي شيء يقربنا من حب الله هو أحب الأشياء إلينا، فالإحسان يقرب من حب الله؛ فالإحسان فضيلة لا تساويها فضيلة، اللهم اجعلنا من المحسنين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (126) الحلقة (133) تفسير سورة البقرة (91) شرع الله عز وجل لعباده المؤمنين حج بيته الحرام، وجعل ذلك ركناً من أركان الإسلام التي يقوم عليها، فمن استطاع حج بيت الله وتوفر له زاده وراحلته وكفاية أهله وجب عليه الحج ولم يعذر بتركه، والحج يصاحبه أحياناً ما يمنع الحاج من إتمام حجه، لذا شرع الله له أن يشترط عند تلبيته بحج أو عمرة، حتى إذا ما أحصر ومنعه مانع من إتمام نسكه جاز له أن يتحلل في مكانه ويعود إلى بلده ولا شيء عليه. تفسير قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، ورجاؤنا في الله أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع قول ربنا تبارك وتعالى من سورة البقرة: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196].معاشر المستمعين والمستمعات! هيا بنا نتدارس هذه الآية.فقول ربنا جل ذكره: وَأَتِمُّوا [البقرة:196] يخاطبنا الله عز وجل والحمد لله، ومن نحن وما نحن حتى يخاطبنا رب السماوات والأرض ورب كل شيء ومليكه؟ فالحمد لله، بم فزنا -يرحمكم الله- بهذا الكمال؟ هل بشرف الآباء.. بالوطن، بم؟ بإيماننا؛ لأن المؤمن حي متهيئ لأن يخاطب ويسمع ويعي ويفعل ويترك، والكافر ميت، فالحمد لله أن أحيانا الله مرتين: أحيانا بأرواحنا وأحيانا بالإيمان، فأصبحنا أهلاً لأن يشرفنا بأمره ونهيه.إذاً: نحن مأمورون بهذا، فبماذا يأمرنا؟ قال تعالى: وَأَتِمُّوا [البقرة:196] أيها المؤمنون الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]. كيفية إتمام النسك لله تعالى والسؤال: كيف نتمهما لله يا شيخ؟ بين لنا ما الطريق؟ الجواب: أولاً: ألا يخطر ببالنا خاطر يلفتنا إليه ويتركنا بعيدين عن ربنا، بل نتمهما لله وحده لا شريك له، ومن هنا فلا رياء ولا سمعة ولا قصد تجارة ولا كسب ولا فائدة، لا هم لك يا عبد الله إلا أن تحج أو تعتمر. وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فلا يحل لك أن تدخل في حج ثم بعدما تأتي ببعض الفرائض تقول: يكفينا، أو: أنا شعرت بتعب فسأعود إلى أهلي، فإتمامهما من كلمة: لبيك اللهم لبيك إلى طواف الوداع، فلا يحل أن تنقص منهما واجباً ولا ركناً، هذا الإتمام، وأن يكون عملك خالصاً لله، لا تقل: أنا ذاهب إلى الحج وسأشتري بضائع من مكة فأربح فيها ما يشاء الله أن أربح، مع العلم أنك إذا ما نويت ثم وجدت بضائع في مكة أو في منى واشتريت للتجارة فلا حرج؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، لا تشرك التجارة في الحج أو العمرة، وإلا فما أطعت الله تعالى في أمره إياك بقوله: (وأتموا)، فقد نقصتهما وما أتممتهما.خلاصة ما نفهم به هذا ونقوله ونعمل به: أولاً: الإخلاص في هذه العبادة كغيرها، لا ليقال: حج فلان ولا اعتمر فلان، ولا لنشاهد البشرية أو نرى مظاهر الناس، لا يخطر هذا ببال، وإن خطر بباله لفظه وطرده، لا يريد إلا زيارة بيت الله والوقوف بعرفات يوم يباهي الله بعباده المؤمنين.ثم هذه النية -كما قدمنا- لا يخلط فيها عمله التعبدي بعمل دنيوي، لأنه تعالى قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فإتمامهما كيف يكون؟أولاً: بالإتيان بكل منهما وافياً كاملاً، لا يسقط ركناً ولا فرضاً ولا واجباً.ثانياً: أن تكون الفريضة لله لا يتمها لغير الله، ومن ذلك: ألا يشرك التجارة فيها فيحمل النقود ويقول: أنا إذا فرغت من الحج أو العمرة سأشتري بضائع وأبيعها، بل ينفي هذا عن نفسه، وإن حصل له ذلك. معنى قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) وقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] الإحصار والحصر معناه: أن عدواً أحصرنا في الطريق وقال: لن تدخلوا مكة، كما فعل المشركون بالمؤمنين في عمرة الحديبية، إذ خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وأربعمائة معتمرين يلبون من ذي الحليفة، وعلمت قريش بخروجهم فأعدت عدتها وجهزت جيشها وقالت: لن يدخلوا، إذاً: فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن نزل بالحديبية، وجرت سفارة بينه وبين قريش، وانتهت بألا يعتمروا هذا العام ولهم أن يعتمروا العام المقبل، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك تسمى بعمرة القضاء أو القضية، وتمت الاتفاقية على صلح بارك الله فيه ونفع الله به المؤمنين نفعاً عظيماً، ومن ذلك إلقاء السلاح وإطفاء نار الحرب عشر سنين. فحين حصروا ما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر أصحابه بأن ينحروا ويذبحوا ما عندهم ويتحللوا. حكم التحلل بحصر المرض إذاً: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] بسبب العدو أو بسبب مرض شديد مانع، وهنا يقف مالك وحده ومعه الشافعي فيقولان: المريض يبقى على إحرامه ولو بقي سنة لا يتحلل حتى يعود إلى مكة ويطوف، وفي هذا من الشدة ما فيه.ثم إنه ليس عندهم دليل، فالأمر قضية اجتهادية، فما دامت اجتهادية فالإحصار كما يكون بالعدو يكون بالمرض، سواء بالسيف أو بالأذى، وهل إذا ما استطاع أن يواصل العمرة أو الحج يبقى سنة وهو في مرضه على إحرامه يلبي؟ رحمة الله أوسع من هذا؛ فلهذا آثرنا هذا، فجعلنا الإحصار بالعدو وبالمرض الشديد، لا أن يبلغه أن امرأته ماتت أو حدث حادث في بيته فيرجع، هذا لا يسمى إحصاراً، الإحصار حقاً من الحصر والضغط، فما يستطيع، لمرض، أو عدو قال: لن تمر هذا العام، فما الحكم؟قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] فالواجب هو فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] إن استطعت، يعني: شاة أو بقرة أو بعيراً، الذي يتيسر لك، فَمَا اسْتَيْسَرَ [البقرة:196] أي: استسهل وخف وسهل، فاذبح وعد إلى بيتك. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] والهدي ما يهدى إلى الحرم لجيران الله عز وجل، فالواجب هو ما استيسر من الهدي. معنى قوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ))[البقرة:196] إذا كان في الإمكان أن نبعث بالغنم.. بالبقر.. بالإبل إلى مكة فتذبح في الحرم، وحين نعلم أنهم وصلوا وانتهوا نحلق رءوسنا ونلبس ثيابنا ونعود، والمسافة ليست بعيدة، وإذا كان لا يتأتى أن نذبح في مكة فإننا نذبح في المكان الذي نحن فيه إذا كنا في قرية من القرى، فإن لم نستطع فإنا نذبح في أي مكان، أو نعود إلى المدينة ونذبح ونوزع على الفقراء والمساكين، (( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ))[البقرة:196]، وبعدما نذبح نحلق شعورنا ونعلن عن تحللنا.(( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ))[البقرة:196] ومحله الحرم، ليس مكة فقط ومنى، الحرم حدوده عشرين كيلو من الغرب وحوالي سبعة عشر من الشرق وكذا من الجنوب وسبعة كيلو من الشام؛ لأن ميقات عائشة هو التنعيم أو جبال التنعيم، هذه قريبة من مكة، والآن دخلت المباني وغطتها، لكن بقيت حراماً إلى يوم القيامة. يتبع |
الساعة الآن : 01:49 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour