رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (30) الحلقة (37) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (126) يوجه الله عز وجل عباده المؤمنين إلى الإنفاق في سبيله من الأموال التي وهبهم إياها، ومن الرزق الذي استخلفهم فيه، وبين عز وجل أنه يضاعف لمن أنفق في سبيله إلى سبعمائة ضعف، وقد بين سبحانه وتعالى أنه ألزمهم بآداب معينة عند الإنفاق، وهي أنهم إن وجدوا ما ينفقونه فلا ينبغي لهم إتباع ذلك بالمن والأذى، وإن لم يجدوا ما ينفقون فليقولوا قولاً معروفاً، بل إن القول المعروف دون إنفاق خير من الإنفاق المصحوب بالأذى والمن. تفسير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.ها نحن مع هذه الآيات الثلاث من سورة البقرة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:261-263]. المراد بالإنفاق في سبيل الله تعالى معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، الأموال معروفة، وإنفاقها: إخراجها وفي سبيل الله: المراد من سبيل الله هنا: الجهاد، الإنفاق على المجاهدين؛ لإعداد العدة، وللخروج للقتال في سبيل الله، وسبيل الله عام، كل ما يصل بالعبد إلى رضا الله هو سبيله، كل عمل تنفق فيه من أجل أن يعبد الله تعالى وحده فهو سبيل الله، الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل بعبادته وحبه والخوف منه حتى تقرع باب دار السلام، فذلكم سبيل الله.هذه الآية وإن قيل: إنها نزلت في عثمان وفي عبد الرحمن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن هذا الكتاب كتاب هداية ربانية للبشرية جمعاء، وإلى أن تنتهي هذه الحياة. مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، هذا القيد نِعمَ القيد، أما في سبيل الهوى والشهوات والدنيا، أو السلطان والتراب والطين؛ فلا، هؤلاء شأنهم آخر، ما أنفقوا لله. معنى قوله تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) هؤلاء المؤمنون صدقتهم ونفقتهم التي أنفقوها مثلها في التضاعف والتكثير والزيادة كمثل حبة من بر أو ذرة أو شعير، والغالب أنها البر، حبة في أرض طيبة، ليست سبخة ولا ملحة، تربة صالحة للبذر والزرع والحصاد. كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، لما خرج ذاك الفسيل تفرع عنه سبع سنابل، السنبلة الواحدة فيها مائة حبة، سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، إذاً: الحسنة بسبعمائة، حبة من القمح أنتجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، إذاً: الحسنة هنا بسبعمائة حسنة. معنى قوله تعالى: (والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) هذا الإنفاق خاص بالجهاد، ومع هذا يقول تعالى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، فقد تنفق في غير الجهاد ومع طيب النفس والرغبة فيما لدى الله، ولسد حاجة المحتاج، وتنفق ونفسك طيبة، وتريد بالإنفاق رضا الله ووجهه ليحبك، وترزق حبه، فقد يضاعفها لك مثل هذه المضاعفة وأكثر، ولهذا يقول: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذا الأمة: يضاعف الله الحسنة إلى ألف ألف، أي: إلى مليون؛ لأنه فتح باب الإفضال والإنعام: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] من عباده، هذه المضاعفة لا تشك في أنها قامت على أساس زكاة النفس وطيب الروح وسلامة القلب، ومن المال الطيب الحلال، وابتغاء مرضات الله، يضاعف الله لك ما يشاء، درهم من نفس طيبة ومن حلال قد يعدل ألف درهم فيها شبهة. وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ [البقرة:261] واسع الفضل والعطاء والجود والكرم، عَلِيمٌ [البقرة:261]: عليم بخلقه وبمن هو أهل للمضاعفة فيضاعف له، فنِعمَ هذا التعقيب: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، ما هو بضيق العطاء، يده سحاء الليل والنهار ينفق ما يشاء. مقاصد الجهاد في سبيل الله تعالى وافتقاره إلى بيعة الإمام معاشر المستمعين! هنا كلمة لا بد أن نذكرها، وإن شئتم نقلتموها أو قبرتموها كما هي عادة أمتنا لما هبطت: فهذا الإنفاق في الجهاد؛ لأن عثمان رضي الله عنه في غزوة العسرة جهز ألف بعير، وجهز ألف غازٍ بسلاحه وطعامه وأثاثه.والآن: أين الجهاد؟الجهاد معشر المستمعين والمستمعات: بذل الجهد والطاقة والسعة البشرية، كل ينفق بحسب طاقته وقدرته، ولكن المراد من كلمة الجهاد المعهود المعروف ذي الفضل العظيم والدرجات العالية: هو ما كان من أجل الله تعالى ليعبد في الأرض، أو ليرفع الظلم عن أوليائه وصالحي عباده، هذا الجهاد يفتقر إلى الإمام، إلى إمام للمسلمين، إذ لم يأذن الله عز وجل أبداً أن يجاهد الناس فرادى أو كتلاً هنا وهناك، لا بد من إمام يرجع إليه، لا فوضى في الإسلام، الإسلام مبني على الأنظمة التي من شأنها تحقيق السعادة والكمال، والطهر والصفاء، والعز في الدنيا ودخول دار السلام الجنة في الآخرة، فمال المسلمين ما بايعوا إماماً لهم في هذه الروضة؟ مع المواصلات المتوافرة، أصبح العالم كأنه بلد واحد، هذه الوسائل التي أصبحنا نطير بها في السماء كالملائكة وأصبحت أصواتنا نتلقاها كأننا في يوم القيامة، فلم لا يجتمع المسلمون ويبايعون إماماً لهم وينظم حياتهم، وينتظمون في سلك لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يعبد إلا الله ولا يتابع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟هناك أسباب كثيرة منعت من هذا، أسباب قوية وصعبة، كيف نستطيع معها أن نجتمع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايع إمامنا وننتقل إلى ديارنا نطبق شرع الله وقوانينه المسعدة، المزكية، المطهرة، المعزة، الرافعة؟والله العظيم! ما من أمة أقبلت في صدق على الله، وطبقت شرعه وقوانينه إلا أورثها الأرض وأعزها ونصرها، وها هو وعد الذين سمعوه في تلك الروضة: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، لما نزلت هذه الآية كان أحدهم ما يستطيع أن يخرج من بيته ليبول من الخوف، وما إن أقبلوا على الله في صدق، ومشوا وراء رسول الله يحبونه أكبر من حبهم لأنفسهم،فإذا أمر أطاعوه، وإذا نهى أطاعوه، في خمس وعشرين سنة فقط حتى امتد ظل راية التوحيد من المدينة العاصمة إلى ما وراء نهر السند شرقاً، وإلى ديار الأندلس غرباً في ربع قرن لا أقل ولا أكثر، هذا مصداق قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، وكلمة: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] أي: طبقوا شرائعه في أنفسهم وأهليهم، وفي كل ظروفهم وأحوالهم؛ لأنها قوانين وضعت وضع السنن التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، إذاً: تطبيق هذا التعاليم الإلهية والله لا يتخلف.وعرف العدو هذا فكاد للإسلام وأهله، فمزقوهم، شتتوهم، فرقوهم، المذهب الواحد أصبح مذاهب، وصراط الله الواحد أصبح طرقاً متعددة، والقرآن النور أبعد عن ساحة العمل، أخرج من كل مكان، ووضع على القبور والموتى، فحصل الذي حصل، فمن بعد القرن الثالث والأمة هابطة. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg مقترح بتشكيل لجنة عالمية لرفد الدعوة الإسلامية في العالم والآن: عدنا إلى ما أردت أن تسمعوه وتبلغوه، أقول: هل الإمام غير موجود؟ إنه موجود، ولكن الكبر والعصبية والجهل والمرض ما يسمح للمسلمين أن يتعاهدوا عند بيت الله في داخله فيقولوا: يا فلان! أنت إمام المسلمين! نقول: تعالوا إلى الروضة، وهذا الكلام كتبه شيوخكم من خمس وثلاثين سنة، ووزعناه على الملوك والرؤساء، والكتابة موجودة في رسائل معروفة.إذاً: كيف يقال: هيا نجاهد الآن؟ نجاهد بدون إمام؟ جهاد باطل، مصيره ومآله الخسران ظاهراً وباطناً، والحمد لله. ما هناك حاجة الآن إلى الجهاد بالسيف أبداً، لم؟ كيف نقول: هيا نخرج بسفننا الحربية، بالغواصات، بالبوارج لنرسو أمام دولة كافرة كفرنسا مثلاً؟ لماذا؟ لم نغزوها؟ فرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، ويذكر فيها الله، ويؤذن فيها باسم الله، وأبوابها مفتوحة، فلم نغزو إذاً؟ لا معنى لذلك أبداً، هل نرسو بسفن حربية في موانئ بريطانيا، لم وفيها يذكر الله ويعبد، وفيها آلاف المساجد، لم إذاً نغزوها، باب الله مفتوح، ما هناك حاجة -والله- للغزو في هذه الظروف أبداً.إني أتكلم *والله- على علم، فأسبانيا فيها المساجد وبيوت الله مفتوحة والناس يعبدون الله فيها، إذاً: كيف نجاهد؟ والذي أريد أن تفهموه وتعوه وتبلغوه أن الفرصة ذهبية، ويخشى أننا نفقدها في يوم ما من الأيام، هذه الفرصة هي: أن يتكون لنا مجلس علمي، ويشارك فيه كل إقليم وكل دولة من دول العالم الإسلامي بعالم رباني، عالم بالله ومحابه ومساخطه، يخشى الله ويخافه ويرغب في حبه وطاعته، هذا المجلس الذي أسهم فيه كل إقليم بعالم، وقد بلغت دولنا نيفاً وأربعين دولة، المجلس يتكون من خمسة وأربعين عالماً، اجتمعوا في الروضة المحمدية، هذا المجلس فيه سرية أيضاً، ولسنا في حاجة إلى التبجح والإعلانات؛ حتى لا نثير الصليبية ضدنا، أو نخيف اليهودية والمجوسية فتكيد وتمكر كما فعلت من قبل، ثم ننتقي اللجان كل لجنة من ثلاثة أنفار، لجنة إلى أمريكا ودولها من كندا إلى البرازيل، ولجنة إلى أوروبا الغربية، وأخرى إلى الشرقية، ولجنة إلى الصين، وأخرى إلى اليابان، وخامسة إلى أفريقيا، هذا اللجنة تذهب تدرس وضع الجاليات الإسلامية، كم يوجد في هذا البلد من مسلم؟ مليون، أو ثلاثة ملايين، أو مائة ألف؟ يزورون الإقليم بكامله، ويتعرفون إلى المسلمين، ويعودون وقد عادت كل لجنة بخارطة رسمت فيها كم مسجداً، في كم مدينة، بل المدينة الفلانية فيها كذا مسجد، والأخرى فيها كذا، وعدد المسلمين كذا، ويعودون بعد ثلاثة أشهر فيقدمون تلك الخرائط فيعرف ذلك المجلس الأعلى الرباني، يعرف كيف يجاهد الجهاد العملي، وحينئذٍ اللجنة تكون لجنة أخرى تطوف بدول العالم الإسلامي، وتطالب كل مسلم ومسلمة أن يسهم بدولار أو ربعه. معاشر المؤمنين والمؤمنات! لا يحل لأحدنا اليوم ألا يسهم في هذا الجهاد، الإقليم الفلاني تعداد أنفاره عشرة ملايين نسمة، إذاً: كل سنة يقدمون لنا عشرة ملايين دولار، الإقليم الفلاني أفراده مليون يقدمون المليون، فيشارك كل مؤمن في هذا الجهاد السري العملي، وإذا بها ميزانية عظيمة، ونحن حددنا دولاراً أو ربع دولار، ولكن إذا لاحت أنوار هذا الجهاد وتجلت فسينفق الناس أموالهم ويخرجون منها، حينئذٍ تكونت الميزانية، فاللجنة تذهب إلى أسبانيا مثلاً وتأتي بالعلماء الربانيين، تنزل في كل مسجد أو ناد أو مركز للدعوة عالماً ربانياً، فتوزع المربين والدعاة الهداة الذين لا ينظرون إلا إلى الله، وتوزع الكتاب الذي يدرس ويلقن ويعلم على غرار كتاب (المسجد وبيت المسلم) أو (منهاج المسلم)؛ حتى لا تبقى فرقة، ننسى كلمة: أنا حنفي، أنا مالكي، أنا حنبلي، أنا إباضي، أنا كذا.. انتهت، عدنا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأبنائهم وأحفادهم؛ لأن العدو لما مزقنا وذبحنا عرف مصدر قوتنا، إنها الكتلة الواحدة، المذهب الواحد، فمزقنا فأصبحنا شراذم هنا وهناك، ومن ثم ركبوا ظهورنا، وساسونا، وفعلوا فينا الأعاجيب، وأصبحنا مسخرين لهم لضعفنا وعجزنا.إذاً: وتبدأ الأنوار تلوح، فالصيني والياباني والأمريكاني والأوربي من المسلمين كشخص واحد، كلمة واحدة هي: المسلم، وينفقون تلك الأموال على تنمية تلك الروح وتزكيتها، والناس إذا عرفوا أنه ينفق عليهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تتغير طباعهم وأخلاقهم، ويأخذون في مظهر الإسلام الحق: الصدق، الوفاء، التنزه، الشجاعة، الكرم، تنتهي مظاهر الخبث والشر والفساد، ليس هناك مسلم ما يصلي، ومسلم يشرب الخمر لا وجود له، ولا مسلم يهون ويذل، والله! لتصبحن تلك الأمم تعتنق الإسلام وتفرح به، وينتشر الإسلام بصورة عجيبة. فالمناسبة قائمة؛ لأن البيان والهداية آثارها في المواطنين، جارك بريطاني أو أمريكي يمتحنك العام والأعوام فتتجلى له في الطهر والصفاء والكمال والعفة والصدق فيحبك، وإذا أحبك سلك مسلكك وطلب النجاة من ورائك، في ربع قرن خمس وعشرين سنة من الجائز أن يظهر الإسلام ظهوراً كاملاً. وعندنا وعد تقدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى لا يبقى بيت وبر ولا مدر إلا دخله الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل )، ومن ثم نكون قد أدينا واجب الجهاد. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
طريق تحقيق الإسلام الحق في ديار المسلمين وقد نستحي إذا رأينا العالم يزدهر، نستحي نحن في بيوتنا أن تظلم وتصاب بالظلام، فنعود إلى الاستقامة على منهج الله، والطريق عندنا أيضاً أسهل من الأول، الطريق إلينا سهل.وقد قررنا هذه الحقيقة وأعدنا القول فيها، وهي أن أهل القرية كأهل الحي، يجتمعون في بيت ربهم من المغرب إلى العشاء، وذلك كل ليلة وطول العام، ولا يتخلف أحد أبداً إلا ذو عذر شرعي يمنعه من الحضور، وندرس كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سنة واحدة كيف تكون حالنا؟ لا خيانة، لا كذب، لا كبر، لا عجب، لا حسد، لا جريمة أبداً، ومن ثم يوضع صندوق من حديد في محراب مسجدنا، ويقال: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد على قوته درهم واحد فليضعه في هذا الصندوق، وبعد ستة أشهر يمتلئ، فننتقي لجنة من صالحي الحي أو القرية ونقول: ماذا ترون لتنمية هذا المال؟ قالوا: الساحة تقتضي مزرعة تنتج البر واللحوم والبيض والدجاج؛ فهيا باسم الله، فلا تمضي سنة إلا وقد نما ذلك المال وارتفعت نسبته، ويوزع ذلك الربح على أهله بقدر إيداعاتهم، صاحب الدرهم يأخذ قدره، وصاحب الألف يأخذ قدره.ثم الزكاة، يقال: معشر المؤمنين والمؤمنات! هذا أوان الزكاة. فتأتي الزكوات، ومن ثم يتوافر المال أولاً، فلم يبق بينا يا أهل القرية من يسأل ويطلب غير الله، لا يبقى بيننا من يبكي من شدة الجوع، أو من شدة ألم العري؛ لأننا نعيش مجتمعين، وجوهنا إلى بعضها، يعرف بعضها بعضاً، نعيش على الحب والولاء والطهر والسلام. هذا هو الطريق لإعادة ديار المسلمين إلى الإسلام، لا بالأحزاب، ولا بالجمعيات ولا بالتكفير ولا بالحروب، والله! ما تنتج هذه ذلك أبداً.إنما يقول الخطيب: يا معشر المستمعين من أهل لا إله إلا الله! من الليلة لا يتخلف مؤمن ولا مؤمنة عن هذا المسجد، فإن قيل: يا إمامنا! المسجد ضيق؟ قال: الليلة وسعوه، لا تطلع الشمس إلا وقد زدتم فيه مسافة أخرى، ولو بالخشب والحطب، لسنا بحاجة إلى الرفاهة، ونفرش من الحصر ويجلس المؤمنون والمؤمنات ويجتمعون في بيوت الله، وقلوبهم كلها مع الله والدار الآخرة، ويأخذ المربي ليلة آية وليلة حديثاً، وهم ينمون وترتفع معنوياتهم وهممهم وآمالهم، فتنتهي مظاهر الضعف فينا، الشح والبخل والشره والطمع والتكالب على الدنيا وزخارفها، والتنافس في المطاعم والمشارب والملابس كل هذا ينتهي؛ لأننا مقبلون على السماء نريد الملكوت الأعلى، فهل يكلف هذا المسلمين شيئاً؟اليهود والنصارى خصومنا أعداؤنا إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفوا دولاب العمل، وحملوا أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص، السينما، اللهو، الباطل، ولا لوم؛ لأنهم ما عرفوا السماء ولا ما فيها، ولا رغبوا في الرقي إليها، عرفوا الأرض، أخلدوا إليها، وهم لا يعرفون إلا شهواتهم، فسيعملون بجهدهم لتحقيق شهواتهم في الطعام والشراب واللباس والسكن والنكاح، فلهذا إذا دقت الساعة السادسة أقبلوا على الباطل، ونحن الذين نزعم أننا نريد الملكوت الأعلى لنرتقي مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام بأرواحنا اليوم وبأبداننا غداً ما نستطيع أن نجلس في بيوت ربنا؛ لنزيل آلام الحزن والكروب والمخاوف والأحزان، لنطهر أنفسنا ونزكيها لتصبح أهلاً للملكوت الأعلى، كما قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]، هذا النداء للنفس الطاهرة الزكية، فهل تطهر النفوس وتزكو على الباطل؟ على الأغاني والرقص؟ على الكذب والباطل؟ كلا. بل على هذه العبادات المقننة تقنين الكيمياويات، لتعمل عملها في تهذيب الإنسان وتزكيته وتطهيره، فنعرض عنها أو نأتيها بصور لا تنتج الزكاة أبداً، ونحن نأمل أن ندخل الجنة! http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg دور الإنفاق في الدعوة العالمية وإصلاح أوضاع العالم الإسلامي معاشر المؤمنين! هنا تتجلى حقيقة الإنفاق في سبيل الله، مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، فهل عرفتم الجهاد الآن؟ خارج الديار الإسلامية بم يكون؟ بالبواخر؟ بالهيدروجين؟ لا، يكون بالدعوة، بنظامها، بربانيتها، بأهلها، لجنة عليا يتفرع عنها لجان يطوفون بالعالم شرقاً وغرباً يضعون خرائط للجاليات الإسلامية بالتفصيل، وميزانية سرية يسهم فيها كل مؤمن ومؤمنة، والله! لو تمت وصدقت لرأيتنا نخرج من أموالنا، لا إنفاق عشرة أو مليون، بل يخرج الرجل من ماله كاملاً؛ لما يتحقق به من الهداية الإلهية للبشر، فهذا هو الجهاد في الخارج. فلم ما يتكون هذا؟ ما المانع؟ من الذي يقوم بهذا؟ العلماء، والأذكياء، والفطناء، والربانيون يقدمونه إلى الحكام والحكام يوافقون ويأمرون. والجهاد في الداخل كما قلت لكم: جهاد النفس فقط، أهل القرية كأهل الحي في المدينة، في خطبة الجمعة يقول الإمام: معشر الأبناء والإخوان! من الليلة لا يفارق أحدنا هذا المسجد ليصلي المغرب والعشاء بامرأته وبناته وأولاده، ونتعلم ليلة آية وأخرى حديثاً من الكتاب والسنة، فتنتهي المذاهب ومقتضيات الفرقة والخلاف والنزاع نهائياً، كما انتهت في العالم الذي رفعناه إلى قمته بدعاتنا وكتبنا فاتحدت الكلمة والعقيدة والمنهج، فتتحد أيضاً بلاد المسلمين من باب أولى، بـ(قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم).ونصبح أحياء بعد الموت، وتتجلى حقائق الإسلام، تدخل القرية فما تستنكر فيها أحداً ولا صورة ولا صفة، تتعامل معنا في متاجرنا، في معاملنا فلن تسمع كلمة سوء، ولن تشاهد منظراً باطلاً، وإن وقع شيء من الشذوذ فلا قيمة له.نعود إلى الآية الكريمة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، هذه للإنفاق في أوروبا وأمريكا والصين واليابان. تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً ...) والآن مع الآية التي هي للإنفاق في داخل القرية والمجتمع والحي، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا بد من هذا القيد وإن كان من حديد، فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، ما معنى (سبيل الله)؟ أي: من أجل أن يعبد الله وحده، من أجل أن يتقرب الناس إليه ليعبدوه، فيكرمهم ويعزهم، ويهيئهم للملكوت الأعلى، فيسكنهم دار السلام، هذا سبيل الله. الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، اسمع القيد: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262]، ينفق ماله أولاً لا يريد إلا وجه الله، لا أن يسمع فلان أو فلانة، ولا أن يقال: فلان يعطي وفلان يتصدق، ما يريد إلا وجه الله، ثم حين ينفق على المسكين، على المحتاج، على اليتيم، على الأعرج، على المريض، على الذي لا يستطيع أن يعيش لعلة قامت به أو ظروف لزمته، بعد ذلك لا يتبع ما أنفقه مناً، وما المراد من المن؟ المن: أن يذكر له العطاء الذي أعطاه، فهذا المؤمن، هذه الرباني، هذا الحي إذا كسوته بثوب، أو وضعت على رأسه عمامة، أو وضعت له في جيبه درهماً أو عشرة، هذا له عزته وله كرامته، هذا ولي الله، وإنما هو تحت الامتحان، هو ممتحن من سيده ليصبر أو يضجر، لا أقل ولا أكثر، وعما قريب ينجح وتزول المحنة، في هذه الحال إذا أعطيته لا تقل: تذكر كذا يوم كذا؟ هذا كأنما تقتله به، وما يرضى الله أن يهان وليه، أعطيته عطاء تريد به وجه الله لا وجهه هو، إذاً: فلا تمن عليه بما أعطيته، لا تذكره أبداً، ولا تقل للناس: أعطينا فلاناً وأعطينا فلانة، هذا المن حرام، الذي يمن هو الله ليُشكر، أما أنت فتمن لماذا؟ كل ما في الأمر أنك أعطيت من عطاء الله فقط وتريد وجه الله، هل تطلب أكثر مما تعطي، إن كنت تريد أن يرضى الله تعالى عنك ويحبك فلا من ولا أذى.والأذى ما هو؟ أن يعطيه ويسبه، يعطيه ويدفعه، يعطيه ويعيره، يقول: أنتم ما تستحون، فهذا الإنفاق باطل باطل باطل، ما يزكي النفس، كالذي يتوضأ ويبول، هل يبقى وضوؤه؟ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262] لا يعقبون عليها بمن ولا أذى لمن أعطوه. جزاء المنفقين بغير منٍّ أو أذى وأخيراً: ما الجزاء؟ قال تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، أجر نفقتهم عند ربهم مدخر، ممكن أن يعجل لهم منها في الدنيا، وكم من منفق يبارك الله في ماله وإنفاقه، هي عنده فيعجل منها ويدخر الباقي لدار السلام، هذه الحور، هذه القصور، هذه الأنهار، هذا العالم أكبر من الأرض عشر المرات تعطاه يا عبد الله في ذلك الملكوت مقابل هذه الصدقات، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، هذا أولاً.وثانياً: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]، لا يخافون عدواً، ولا يخافون فقراً، ولا مرضاً، ولا موتاً، ولا يحزنون لما يفقدون أبداً؛ لأن قلوبهم مطمئنة، نفوسهم زكية، لا خوف عليهم في الدنيا هذه ولا في الحياة الثانية البرزخ بين الحياتين ولا يوم القيامة.ولا تفهم يا بني أنه يتكلم مع اليهود والنصارى والفساق والفجار والمشركين، لا، بل يتكلم مع المؤمنين، إذا كانت العقيدة فاسدة فلا ينفع العمل، فانتبه! الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، والحقيقة أنه ما ينفق عبد في سبيل الله إلا وهو مؤمن على مستوى أعلى في إيمانه بالله ولقائه، لو كان ينفق في سبيل الوطن والبلاد والعصبية فهذا شيء ثان، لكن فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا يلتفت إلى غير الله، والله! إنه لمؤمن، ولن يكون إلا مؤمناً ومرتفعاً في نسبة الإيمان، هؤلاء ينفقون في سبيل الله أموالهم، والله! قد يكون أحدهم في حاجة إلى هذا الطعام ويقدمه لمن هو جائع، في حاجة إلى هذا المال ويقدمه لآخر؛ لأنه يريد وجه الله عز وجل، ولا من ولا أذى، ينفقون ما ينفقون ولا هم لهم إلا أن يرضى الله عنهم ويحبهم فقط، ولهذا ينفقون حتى على فقراء اليهود والنصارى؛ لأنهم يريدون الله لا غيره.قال تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]. تفسير قوله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ...) وأخيراً: الآية الثالثة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، من الذي قرر هذه الحقيقة؟ الله عز وجل. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ [البقرة:263]، جاءك المحتاج فتقول له: يا بني إن كان صغيراً، أو: يا أخي إن كان مساوياً لك، أو: يا أبت إن كان أكبر منك، تقول له: الله عز وجل يرزقك، ما عندنا ما نعطيك، أنا آسف، اسأل الله. هذا هو القول المعروف، قول معروف ما فيه ما يستنكر، ما فيه ما ينكر، ما فيه عيب، ولا شتم، ولا تعيير ولا تقبيح.وإخوانكم اليوم تعرفونهم؛ لأن الأخلاق هبطت، وكيف تهبط والقرآن موجود والسنة موجودة؟ ذلك لأنهم هجروا الكتاب والسنة، ما يجتمعون عليهما طول الحياة، هل بين المسلمين من يجلس مجلساً كهذا أربعين سنة، فكيف يتعلمون؟ كيف تتهذب الأخلاق؟ كيف تزكو النفوس؟ حالنا كالذي يقول: شخص لا يأكل ولا يشرب ويقوى ويسمن! فهل ممكن هذا؟ لا يأكل ولا يشرب ويحيا؟ لا يدرس كتاب الله وسنة رسوله في بيت الرب وهو جالس بين يديه ويصبح ذا أخلاق فاضلة، والله! ما يكون أبداً؛ حتى لو ورثها من أبويه، لكن ما تزكو النفس كما هي في بيت الرب.إذاً: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] لمن زلت قدمه أو أساء في الكلام؛ لأن بعض السائلين أيضاً يسبون: يا بخيل! فاغفل أنت وتجاوز، وقل: عفا الله عنك، هذا العفو وهذه المغفرة خير من صدقة ولو كانت مليون ريال، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] والله! أفضل عند الله من صدقة بالملايين يتبعها ويجري وراءها أذى لمن تصدقت عليه، بإهانته أو سبه أو شتمه أو تعييره واحتقاره.سبحان الله! هذا كلام من؟ كلام ربنا، هل عرفه المؤمنون والمؤمنات؟ ما عرفوه، من قرون والقرآن العظيم لا يقرأ إلا على الموتى، لو تغمض عينيك ويحيا عدد من علماء القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع ويجدونني أتكلم فسيغلقون آذانهم ويهربون، سيقولون: كيف يتكلم بكلام الله هذا الصعلوك؟! من أين له؟ لأنهم وضعوا قاعدة، قالوا: تفسير القرآن العظيم صوابه خطأ، إذا فسرت وأصبت فأنت مخطئ، وخطؤه كفر، وراجعوا حاشية الحطاب على خليل فستجدون هذه الفقرة موجودة.فكيف تتهذب أخلاقنا وما جلسنا بين يدي المربين والمهذبين؟ مستحيل، أما قال إبراهيم وإسماعيل: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، الآن المدارس فيها تعليم الكتاب بعض الشيء، ولكن ما هناك من يزكي النفوس ويطهرها بالتربية والتهذيب والإصلاح، فهل سمعتم هذا الكلام؟ اللهم اشهد علينا.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (31) الحلقة (38) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (127) بعد أن رغب الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في الصدقات ونبه إلى ما يبطل أجرها من المنّ والأذى، نادى عباده هنا مبيناً لهم أن المنان بما أعطى يبطل الله عز وجل صدقته كما يبطل صدقة المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وضرب سبحانه وتعالى لذلك مثلاً بالحجر الأملس الأصم الذي عليه تراب، فأصابه مطر شديد فأزال عنه التراب وتركه أملس ليس عليه شيء، وذلك كمثل الصدقة الباطلة التي لا ينتفع بها صاحبها يوم القيامة. قراءة في تفسير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ...) من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المأمول.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264].سبقت هذه الآية أيضاً في هذا المعنى هذه الآيات الثلاث، ولنستمع إليها ولنستذكر ما قد كنا قد علمناه، قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:261-263]، سبحانه لا إله إلا هو. هداية الآيات قال المؤلف غفر الله ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: فضل النفقة في الجهاد وأنها أفضل النفقات ]، أفضل النفقة -أي: الإنفاق- في الجهاد، وهذه النفقة أفضل النفقات، بدليل أن الحسنة بسبعمائة، بل وقد يضاعف الله بأكثر، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].وهل تذكرون معنى سبيل الله؟ إنه الجهاد. ومتى يكون الجهاد في سبيل الله؟ إذا كان من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض بأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه، فترسو سفننا في ميناء دولة كافرة ونراسلهم، نجري سفارة بيننا وبينهم: جئناكم من أجل هدايتكم وإنقاذكم من عذاب الخلد يوم القيامة، جئناكم من ربنا وربكم، فإن قبلوا الإسلام دخلنا وعلمنا وبينا وأرشدنا وقضينا بالعدل وحكمنا، وما هي إلا أربعون يوماً وإذا بهم ربانيين، فإن قالوا: لا، فديننا قبل دينكم، لا نقبل ديناً غير دين آبائنا وأجدادنا، فإنا نقول لهم: ادخلوا في حمايتنا، ادخلوا في ذمتنا ونسوسكم بالعدل والرحمة والخير، وتطهر بلادكم وتصفو من الظلم والشر والفساد، ونتولى حمايتكم حماية كاملة، إذا اعتدى عليكم معتد فنحن الذين نقاتله وأنتم آمنون، فإن قالوا: في هذا خير؛ دخلنا وعلمنا وربينا وهذبنا، وما هي إلا سنيات وإذا الإقليم كله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حين يشاهدون بأعينهم مظاهر العدل والرحمة والطهر والصفاء والمودة والإخاء، فينجذبون انجذاباً كلياً.ومن قال: كيف؟ فقل له: ما دخل في الإسلام إنسان بالعصا أبداً، ما دخل إنسان في الإسلام إلا باختياره وطيب نفسه، إذ لا إكراه في الدين، ما بلغنا أن أحداً ضربوه حتى يسلم، والله! ما كان. فإن رفضوا فالحرب حتى ننقذ غير العسكريين من الأميين المساكين الذين يعيشون في ظلمة الكفر والفسق والفجور والشر والفساد ومصيرهم الخلود في عذاب النار، ننقذهم استجابة لأمر ربنا، هذا هو الجهاد في سبيل الله. فهل إخواننا الأندونيسيون لما حاربوا هولندا حاربوها من أجل أن يعبد الله وحده؟ من أجل أن يقوم دين الله وشرعه؟ من أجل أن يستقيم المؤمنون على منهج الله؟ الجواب: لا، فما هو في سبيل الله إذاً، لو كان في سبيل الله لأنبت الطهر والصفا والعزة والكمال والأمن والرخاء والسيادة، فهل حصل من هذا شيء؟ لا شيء، وعليه فقس كل بلاد العالم الإسلامي التي استعمرت بسبب الفسق والفجور والشرك والباطل والشر والفساد والإعراض عن ذكر الله، استعمرت من قبل الغرب ثم أخذت تستقل، أروني إقليماً قام أهله بإعلاء كلمة الله لأن يعبد الله وحده، وإياك أن تقول: هناك إقليم، فهاته. لو جوهد في سبيل الله فإنه ما إن تخرج الدولة الكافرة إلا وأنوار الإسلام تلوح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وجباية الزكاة وإقامة الحدود، والأمة متوالية متآخية متحابة، ولكن ما كان القتال في سبيل الله لا في العرب ولا في العجم، وإن شئت حلفت لكم بالله. نعم الأفراد هنا وهناك قالوا لهم: جهاد في سبيل الله بدون فهم ولا وعي، فبذلوا أموالهم ودماءهم، هذا موجود، لكن حامل الراية والمجاهدون لإنقاذ البلاد هل كانوا يعملون لإقامة دين الله؟ خرجت بريطانيا فهل أعلنوا عن كلمة لا إله إلا الله؟ بل قالوا: في سبيل الوطن، والإسلام ما يعترف بالوطن أبداً، بلاد العالم كلها أرض الله يعبد فيها الله عز وجل. واسمحوا لي إذا أسأت إليكم في بيان هذه الحقيقة والواقع شاهد: استقل لنا نيف وأربعون دولة، ما فرضت الصلاة فقط في دولة منها ولا ألزم بها عسكري ولا مدني، ولا تكونت هيئة في قرية فقيل: يا رجال القرية! هؤلاء الثلاثة يأمرونكم بالمعروف وينهونكم عن المنكر! فوا حسرتاه! وا أسفاه! فالأمة الإسلامية تحت النظارة إن لم تتراجع، والفرصة متاحة وهي قادرة على أن ترجع في أربع وعشرين ساعة إلى الله وتتضامن وتعلن عن الخلافة الإسلامية، وإلا فسوف تنزل بها رزايا وبلايا ما عرفتها فيما مضى،فالله بالمرصاد، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].قال: [ ثانياً: فضل الصدقات وعواقبها الحميدة ]، الصدقات التي تنفق لوجه الله.[ ثالثاً: حرمة المن بالصدقة ] ما المن؟ يقال: من يمن: إذا أعطى؛ إذ المن هو العطاء، والله المنان المعطي الخير، فهذا يعطي العطاء ثم يأخذ يلدغ من أعطاه: انظر إلى الذي أعطيناك، كيف أنت؟ هل وجدته طيباً؟ نحن أكرمناك، نحن عملنا معك كذا حتى يذوب عواطفه؟ فهذا حرام في الإسلام، ومعنا دليل وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق ولا منان )، ثلاثة لا يدخلون الجنة وإن صاموا وصلوا وعملوا ما عملوا، لا بد أن يكونوا متأخرين، أو بعد أن يقتحموا النار ويعيشوا فيها أحقاباً ثم يخرجون إذا كانوا من أهل الإيمان الحق.أولهم العاق: الذي قطع صلة الأبوة والأمومة مع أمه وأبيه، ثم مدمن الخمر الذي لا يصحو، دائماً البرميل في البيت يشرب منه والعياذ بالله. [ رابعاً: الرد الجميل على الفقير إذا لم يوجد ما يعطاه، وكذا العفو عن سوء القول منه ومن غيره خير من الصدقة يتبعها أذى ]، كونك تقول للفقير: سامحنا، ما عندنا شيء، الله يرزقنا وإياكم، معذرة، هذه خير من ألف ريال تقول معها: أعطيناك، أنت كذا، أنت كذا. فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] عن زلة أو عن إساءة خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg إرادة الله تعالى الطهر للمؤمنين وبيان طريق تحصيل ذلك سبحان الله! يريد الله تعالى من المؤمنين أن يساووا الملائكة في الطهر والصفاء، ويتحقق هذا إذا نحن أقبلنا على كتاب الله ندرس ونعلم ونعمل ونطبق، ما هي إلا أيام والقرية كلها نور، لا تسمع سباً ولا شتماً ولا تعييراً ولا تقبيحاً ولا يقول فلان: أوذيت ولا ضربت أبداً، كالملائكة. فإن قلت: هذه أوهام، فما الدليل؟ قلت: اذهبوا إلى أية قرية في العرب والعجم واسألوهم: من أتقاهم لله؟ من أصفاهم؟ سيقولون: فلان العالم، أعلمهم أتقاهم وأصفاهم، وأفسقهم وأفجرهم أجهلهم بالله وأضلهم، وهل تحتاجون إلى يمين؟ يقول تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] هل العلماء بالفيزياء؟ أو بالقانون؟ علماء بم؟ علماء بالله ومحابه ومكارهه، عرفوا الله وعرفوا ما يحب وما يكره، وعرفوا ما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، فحملهم ذلك على حبه وخشيته، فلهذا لم يقدروا على الفسق عن أمره والخروج عن طاعته، والذين ما عرفوا الله كيف يحبونه؟ ما عرفوا جماله ولا كماله ولا عظمته ولا قدرته ولا إعطاءه وإفضاله فكيف يحبونه؟ ما هو بمعقول، والذين ما عرفوا ما يحب ولا ما يكره كيف يتقربون إليه بتقديم المحبوب وتأخير المكروه؟إذاً: الذي يريد من المؤمنين أن يكملوا ويطهروا بدون العلم كالذي يريد أن يقول للجمل: يا جمل! احلب لنا اللبن، والجمل ما فيه لبن، فلهذا يجب أن نتعلم. قد يقال: يا شيخ! نحن مشغولون بمتاجرنا، بمزارعنا، بالصناعة، كيف نتعلم؟ فات الوقت. نقول: لا، فقط حين تميل الشمس إلى الغروب في الساعة السادسة ويذهب الكفار إلى المقاهي والملاهي والمراقص احملوا أزواجكم وأولادكم إلى بيوت ربكم وتجمعوا فيها، صلوا المغرب واجلسوا كجلستنا هذه وتلقوا الكتاب والحكمة يوماً فيوماً طول العمر، فهل يبقى جاهل؟ والله! ما يبقى، وإذا انتفى الجهل انتفى الفسق، الفجور، الظلم، الشر، الفساد، الهون، الدون، الذل، هذه كلها تنتفي. ولكن لسان الحال: ما نستطيع يا شيخ، كيف نجتمع في المسجد ونقرأ كل ليلة؟ لأن القضاء والقدر نافذان، فابقوا على ما أنتم عليه من الضعف والهون والدون والفساد والشر.صدرت فتيا من أحد العلماء البررة الصالحين فقالوا: هذه فتيا عالم الملوك والسلاطين، عالم كذا! هبوط في الأخلاق ولا إله إلا الله، يقولون: هذا ذَنَب، هذا من علماء السلطان، وهذه كلمات يحفظونها ويرددونها بلا علم، بلا بصيرة، بلا تقوى، بلا خوف من الله. فلا تلمنا يا شيخ، ما ربينا في حجور الصالحين، إي والله، لا لوم ولا عتاب، ما ربينا في حجور الصالحين، ربينا في الأسواق والشوارع والأندية والباطل والسوء أمام التلفاز والفيديو والرقص، فماذا ترجو منا؟ عفواً ومعذرة، نستغفر الله لنا ولكم.فعدنا من حيث بدأنا، هل عرفتم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقرءون ولا يكتبون، وكانوا فلاحين ومجاهدين، ولكن يجلسون عند فراغهم في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فتخرجوا ولم تكتحل عين الوجود بمثلهم في العالم البشري من أتباع الأنبياء والمرسلين، والتاريخ شاهد، وإن لطخ وشوه تاريخهم عملاء الاستعمار الذي هو الثالث الأسود: اليهود والنصارى والمجوس، لطخوا تاريخ الصحابة وشوهوه حتى إن الجاهل المسكين ليفزع، والله! ما عرفت الدنيا أطهر ولا أصفى ولا أعدل ولا أرحم ولا أعلم من تلك الأمة التي تربت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فقط. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ...) شرف المؤمنين بنداء الله تعالى لهم إذاً: اسمع هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264] لبيك اللهم لبيك، الله أكبر! هل نادانا ربنا؟ إي والله، فالحمد لله؛ ما نحن ومن نحن حتى ينادينا رب العزة والجلال والكمال؟ الرب الذي يحيي ويميت، الذي علق الشمس بالسماء، هذا الرب العظيم خالق كل شيء ينادينا؟ الله أكبر! أي فضل أعظم من هذا؟ فالحمد لله، نادانا بعنوان الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264].وعند السامعين والسامعات سر هذا، نادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء يسمعون النداء، ويبصرون الآيات، ويقدرون على التكليف لكمال حياتهم، أما الكافرون فأموات، وهل تنادي ميتاً؟ هل تكلف ميتاً أن يقول أو يفعل؟ كلا أبداً، فلهذا نادانا تعالى في كتابه، وقد نادانا تسعين مرة، ما نادانا إلا ليأمرنا بما فيه سعادتنا وكمالنا، ولا نادانا إلا لينهانا عما فيه شقاؤنا وخسراننا في الحياتين، وما نادانا إلا ليبشرنا بما يزيد في انطلاقنا في ميادين البر والخير والإحسان، ما ينادينا إلا ليحذرنا من عواقب السوء ونتائج الباطل والشر والفساد لنحذر، وما ينادينا إلا ليعلمنا العلوم والمعارف التي تسمو عليها أنفسنا ونتسابق في الصالحات حتى نصبح أمة الطهر والصفاء، هكذا تتبعنا نداءات الرحمن لعباده المؤمنين فما خرجت عن هذه الميادين الأربعة أو الخمسة. ونداءات الرحمن جمعت في كتاب واحد، تسعون نداءً ضعها عند رأسك قبل أن تنام واسمع ربك يناديك. فماذا يقول ربي هنا؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فمن ثَمَّ لا تمن ولا تؤذ فقيراً حتى لا تبطل صدقاتك، واستمر طول حياتك.نداءات الرحمن تسعون نداءً في العقيدة، في الآداب، في الأخلاق، في العبادات، في السياسة، في الحرب، في السلم، في الاقتصاد، لو أن مؤمناً يعرف ويقرأ ويفهم ويقبل في صدق على تلك النداءات فيحفظها قولاً وعملاً واعتقاداً فوالله! ليصبحن من أعلم أهل الأرض، ولكن:لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تناديقلنا: ترجموها إلى اللغات الحية، يا جماعة المسلمين! وزعوها في الفنادق العالمية، لنقول لكل مخلوق: خالقك وربك سواء كنت إيطالياً أو أسبانياً هو الذي يناديك، ولكن ما استطعنا، ما زالت أمتنا هابطة، فدعنا من البكاء يا هذا. بطلان أثر الصدقة المتبعة بالمن والأذى فالله عز وجل ينادينا فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] من تصدق بريال أو بدينار أو بمليار إذا هو منَّ على من تصدق به عليه أو آذاه بكلمة بطل مفعول صدقته، والله! لا تقبل. وعندنا سر من أسرار الشريعة، وهو أن بطلانها معناه: لا تولد الطاقة النورانية للقلب والنفس البشرية؛ لأن هذه العبادات مولدات للنور القلبي، فإذا فسد مفعولها أو بطلت لا تولد الحسنات، ويبقى القلب في ظلمة والنفس في عفن. قلنا لكم: قم صل المغرب أمام فقيه أربع ركعات، سيقول: صلاتك باطلة لأنك زدت ركعة، فما تولد لك الحسنات، عملك باطل ما تأخذ عليه شيئاً. فإن صلى المغرب ركعتين قال: يا ولدي! صلاتك باطلة، زد ركعة، فإن قال: يكفي وصلاها ركعتين فهي باطلة، ما تولد الحسنات، أو تصدق بألف ريال وقال: خذا يا هذا، نحن دائماً نعطيك ونفعل؛ فبطلت، فما تولد النور المطلوب؛ لأن النفس البشرية تزكو وتطيب وتطهر على هذه العبادات التي شرعت لأجل ذلك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فإذا هذه العبادات داخلها ما يطفئ نورها ولم تولد نوراً فهي باطلة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فما يحدث في نفسك شيء من النور أبداً، بل الظلمة هي هي. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg معنى قوله تعالى: (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) ثم قال تعالى: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] الكاف بمعنى: مثل، كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] ما معنى رئاء الناس؟ راءاهم يرائيهم رئاءً: أراهم عمله، ينفق ماله مراءاة للناس ليعلم الناس أن فلاناً يتصدق أو ينفق أو يبني مساجد أو ينشئ أربطة أو يشتري كذا للفقراء والمساكين، همه أن يعلم أهل البلاد أو أهل الإقليم ليمدحوه ويثنوا عليه، وليقللوا من ذمه أو احتقاره أو اتهامه بالبخل أو بالشح مثلاً، ليقولوا: هذا أنفق ألفاً وألفين وعشرة، والدافع له الباعث له على الإنفاق هو أن يحمده أهل البلاد: فلان سخي، فلان كريم، فلان يفعل كذا، أو خشية أن يذموه وقد أغناه الله وجيبه مملوء بالدراهم والدنانير فيقال: شحيح، بخيل، ما فيه خير، فيدفع هذه المذمة فيوزع ويعطي المال، لا يريد تزكية نفسه وتطهيرها، لا يريد إرضاء ربه ليرضى عنه، هذا أعمى عنه لا يلتفت إليه، كل ما في الأمر أنه يريد أن يبرز في المجتمع ويظهر.ونظير هذا أرباب المال والتجارات والمصانع يتصدقون للتشهير والإعلان عن تجاراتهم وأعمالهم، ما يريدون وجه الله، بل حتى تروج البضاعة ويقبل الناس على هذه السلعة يشترونها، فهذه مراءاة. كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:264]، تستطيع أن تحلف بالله على أن الذي ينفق ماله رئاء الناس لمدحهم والثناء عليه أو لعدم تعييرهم وذمهم له ما آمن بالله واليوم الآخر، لو حقق الإيمان بربه ولقائه والوقوف بين يديه فوالله! ما يرضى أن يعمل حسنة يفوته أجورها، فتستطيع أن تقول: إذا رأيت الرجل طول حياته لا ينفق إلا من أجل أن يراه الناس فاعلم أنه ما آمن حق الإيمان بالله ولا باليوم الآخر. معنى قوله تعالى: (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً ...) كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ [البقرة:264] كماذا؟ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ [البقرة:264] الصفوان: الحجر الأملس الصلب، الحجارة الملساء، ومنه جبل الصفا بمكة، هذا الصفوان عليه تراب ناعم، رمال أو أتربة، الغافل يجيء يزرع ويبذر فيه وإذا بمطر ينزل فيسحبه كاملاً ويبقى صلصالاً مجرداً كصلعة الأصلع ما عليه شيء، فهذا تعبير عجب. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ [البقرة:264] من الحجارة عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ [البقرة:264] وهو المطر إذا اشتد وغزر، الوابل: الغزير الكثير، أصابه وابل أي: من المطر، فتركه صلداً لا شيء عليه، ما بذره وزرعه كله زال، والله! لكما أخبر تعالى، لو أنفق مليون ريال في رمضان وهو لا يريد إلا الشهرة والسمعة ليحمد ويشكر أو لئلا يذم فأجره لا شيء، ما زالت نفسه مظلمة خبيثة كما هي، ما طهرها هذا الإنفاق أبداً؛ لأنه إنفاق باطل أريد به غير وجه الله. وهذا كلام الله أو كلام الناس؟ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] الذي كسبوه وأنفقوه لا يحصلون منه على شيء، ويبعثون يوم القيامة ولا حسنة واحدة، ما أنفقوا لوجه الله، وهناك مثل آخر في سورة إبراهيم: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18] مثل ما ينفقه الكافرون من أموال، في المستشفيات، توزيع الأدوية، توزيع الصدقات، كسوة الفقراء والمساكين، فرجال المسيحية أما يفعلون هذا؟ جمعيات التنصير أما تنفق الأدوية وتأتي بالأطباء والأكسية والأغذية، هل يريدون وجه الله؟ يريدون نشر الباطل، أعمالهم هذه كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء، وهكذا كل ما أنفق لغير الله هو باطل الثواب ولا ينتج لصاحبه طهارة نفسه وزكاة روحه أبداً، ولا يتخلف هذا القانون أبداً. معنى قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الكافرين) قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] لا يهديهم إلى ما يكملهم ويسعدهم، ما يهديهم إلى ما يطهرهم ويزكيهم، لماذا؟ أعرضوا عنه، عموا، أبوا أن ينظروا إلى الله، أبوا أن يؤمنوا به، أن يؤمنوا بشرعه، حاربوه، عاندوه، فهل سيهديهم؟ لا يهديهم، والله لا يهديهم حتى يطلبوا هدايته ويقرعوا بابه ويطرحوا بين يديه، حينئذ لا يخيب من قرع بابه وسأله، أما مستكبر معرض عن الله فوالله! لا يهديه الله أبداً، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران:86]، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المائدة:108]، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] لم؟ لأنهم ما أرادوا، ما طلبوا، لو أراد أن يهديهم بدون سعي لخلقهم كالملائكة مهديين أطهاراً أصفياء، لكن خلقهم للامتحان، إن أجابوا دعوته وأقبلوا عليه قبلهم، وإن أعرضوا أعرض عنهم؛ لأن لهم مصيراً خاصاً، ما خلقت النار إلا لمثلهم، والمقبلون ما خلقت الجنة إلا لمثلهم، والدار دار امتحان، لو شاء الله أن يخلقنا كلنا من أهل النار لفعل، أو من أهل الجنة كالملائكة لفعل، ولكن أراد أن يبتلي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ [الملك:1-2] لم؟ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] فإذا سمعت أن الله لا يهدي القوم الفاسقين والمجرمين والكافرين فمعناه: إذا ما طلبوا الهداية، عرضت عليهم ورفضوها، دعوا إليها فأنكروها، كذبوا بمصدرها؛ هؤلاء والله! لا يهديهم الله حسب سنته إلا إذا جاءوا مذعنين ودخلوا في رحمته واستغفروه وطلبوا هدايته. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية: بعد أن رغب تعالى في الصدقات ونبه إلى ما يبطل أجرها وهو المن والأذى؛ نادى عباده المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:264] ] ناداهم [ ناهياً عن إفساد صدقاتهم وإبطال ثوابها، فقال: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] مشبهاً حال إبطال الصدقات بحال صدقات المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر في بطلانها، فقال: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:264]، وضرب مثلاً لبطلان صدقات من يتبع صدقاته مناً أو أذى أو يرائي بها الناس أو هو كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر فقال: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ [البقرة:264] أي: حجر أملس عليه تراب، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264] أي: نزل عليه مطر شديد فأزال التراب عنه فتركه أملس عارياً ليس عليه شيء، فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصاحبها شيء ينتفع به يوم القيامة، فقال تعالى: لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] أي: مما تصدقوا به، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] أي: إلى ما يسعدهم ويكملهم من أجل كفرانهم به تعالى ]. هداية الآية قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية: من هداية الآية:أولاً: حرمة المن والأذى في الصدقات وفسادها بها ]، الصدقة بالمن حرام، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتصدق بقرش واحد لغير وجه الله، فهي صدقة باطلة، ولا يحل لمؤمن أن يعطي أخاه ما يعطي ثم يمن عليه.[ ثانياً: بطلان صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما ]، باطلة هذه الصدقة، وإذا تاب فليعد صدقة أخرى، فهذه لا تقبل، صدقة المان والمؤذي والمرائي، وقد عرفنا أن ثلاثة لا يدخلون الجنة، وهم: المنان كثير المن، والعاق، قاطع الصلة لوالديه، يسب ويشتم ويعير ويفعل الأعاجيب. وقفة مع شكوى ممن حرمهن آباؤهن من الزواج وقد وردتنا شكوى: مؤمنات معلمات الكتاب والسنة حرمهن والدهن من الزواج، فيا معشر المستمعين! يا معشر المؤمنين! إذا بلغت ابنتك سن الزواج فزوجها، ابحث لها عن زوج ولو أن تعطيه المال ليمهرها من مالك، لا تعقها عن حياتها، ما خلقت إلا لتنجب البنين والبنات ليعبدوا الله، وإذا لم يكن بنون وبنات فمن يعبد الله؟ كيف يعبد؟ وحذرت وقلت لكم: لا تعلموا بناتكم علماً يؤهلهن للوظائف؛ فإنها الذابحة، فإنها الطاحنة الحالقة، البنت لا تتوظف في أكثر من دائرة منزلها، البنت ما هي في حاجة إلى وظيفة لتحصل على ريال أو عشرة، لها من يكفلها، والدها يعرق الليل والنهار من أجلها، فإن تزوجت فزوجها هو الذي ينفق عليها، وإن ولدت فأولادها ينفقون عليها، لا تذبحوا بناتكم، ولكن تصاممتم وأبيتم، ومنكم من يسخر من هذا الشيخ.قلنا: إذا درست البنت وبلغت العاشرة من السنين قلنا: الزمي البيت، اشتغلي مع أمكِ، ربِي أخواتكِ وإخوانكِ، أحسن من أن تأتي بخادمة كافرة تفسد عليك بيتك، واتركها تعبد الله، وإذا بلغت الخامسة عشرة وجاء خاطب يخطب فزوجها. وهذا الوالد حرم بناته من الزواج لأنهن موظفات يأخذن كل شهر مبلغاً مالياً، وأخرى متزوجة تتكبر عن زوجها وتتمرد عليه لأنها تنفق عليه وتجلب المال، فلا إله إلا الله! إلى أين يذهب بنا؟ إلى أين نساق؟ اعلموا يرحمكم الله أنكم في خير ما دامت الوظيفة لا تخرج عن دائرة التعليم، فكيف بالموظفة تعمل مع الرجال؟ هل بقي شرف أو إيمان أو إسلام؟ آهٍ! ماذا فعل بنا الجهل؟ ماذا صنعت بنا أصابع الماسونية وجمعيات التنصير؟ إلى أين يذهب بنا؟ هيا نتوب إلى الله، ولكن لسان الحال: ما نستطيع يا شيخ، نحن مسحورون، سحرونا فما نستطيع، وما دمنا ما نستطيع أن نجتمع في قريتنا ونبكي بين يدي ربنا وننشئ صندوقاً في محرابنا نجمع فيه زكواتنا وصدقاتنا وننميه في القرية لنسد حاجات المؤمنين والمؤمنات، ما دمنا لا نستطيع أن نتعلم الكتاب والحكمة في ساعة من الأربع وعشرين ساعة بين المغرب والعشاء حتى تتجلى مظاهر الإيمان والطهر والصفاء؛ كل هذا نعجز عنه؛ فكيف نسمو؟ كيف نكمل؟ كيف نرتفع؟ كيف نعود لقيادة البشرية؟ آمنا بالله، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، احتس السم وإذا لم تمت فاذبحني، امش إلى المقهى والعب وإذا لم تسب فتعال اضربني، وهكذا سنن لا تتبدل، إما أن نصدق ربنا في إيماننا به، وإما في متاهات حتى نحترق.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (32) الحلقة (39) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (128) بعد أن ضرب الله مثلاً لمن ينفقون أموالهم ثم يبطلون ذلك إما بالمن والأذى وإما بالرياء والسمعة، ذكر هنا سبحانه من ينفق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، والفوز بأجره ومثوبته، وضرب لذلك مثلاً كجنة قائمة على ربوة خصبة التربة فأصابها مطر شديد فآتت ضعف جنيها وثمراتها، وحتى لو لم يصبها وابل وإنما أصابها الهواء البارد المحمل ببخار الماء فإنها تقبله وتنبت زرعها وتؤتي ثمرها في كل الأحوال. تفسير قوله تعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عادتنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع قول ربنا عز وجل في آيتين من سورة البقرة: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:265-266].الحمد لله؛ هكذا يبين الله لنا الطريق، ولا يضل عنه إلا من أعمت الدنيا والشيطان بصره وبصيرته، ما ترك الله عز وجل شيئاً تتوقف عليه سعادة البشرية وكمالها إلا بينه في هذا الكتاب، ولكن تركوا الأخذ به، بل وتركوا حتى قراءته والتدبر فيه.والنداء الذي سبق هاتين الآيتين أذكركم به: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] فلا يحل لمؤمن أن يتصدق بصدقة يريد بها وجه الله عز وجل ثم بمن بها على من تصدق بها عليه، أو يؤذيه بالكلم السيئ والنظرة الشزر مما يهين هذا الفقير أو يضعف من كرامته.ومثل هذا مثل الذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فهل يثاب على شيء؟ الجواب: لا، إذ حقيقته: كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264]، أنفق ما شئت من الملايين والمليارات فلن تحدث في نفسك زكاة ولا طهراً ولا يتقبلها رب العالمين إلا إذا أخلصتها لله وحده، فإن التفت إلى غيره وراءيت بها غير الله رفضها الله ولم يقبلها، ولم تولد لك النور والحسنات في نفسك.إذاً: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264] يا ويل الكافرين بالله ولقائه، ويا ويل الكافرين بنعمه وآلائه؛ إنهم لا يهتدون إلى سبل سعادتهم وطرق نجاتهم. ابتغاء رضا الله وتقوية الإيمان مقصد المؤمنين في الإنفاق وهنا مثل آخر: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:265] همه فيما ينفق أن يرضى الله عنه، وهذا شأن العالمين العارفين، لا هم لأولئك إلا أن يرضى الله عنهم، فينفقون أموالهم طلباً لمرضاة الله، فإن العبد إذا كان يشعر أن سيده غاضب عليه فوالله! لا يسعد ولن يلتذ بطعام ولا شراب ولا غيره، ونحن ما ندري أهو راض عنا أم ساخط، إذاً: فلنطلب رضاه متملقين متزلفين إليه، والله! لا نشعر بالسعادة حتى نعلم أنه عنا راض، فهؤلاء ينفقون أموالهم بحسب ما عندهم، القليل من صاحب القليل والكثير من صاحب الكثير، ينفقون ابتغاء -أي: طلب- مرضاة الله عز وجل، يطلبون رضا الله ويطلبون المثوبة والأجر بتلك الصدقة لتكفر سيئاتهم وترفع درجاتهم. وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] تقوية لإيمانهم، وتقوية لرجائهم في الله وطمعهم فيما عنده أن يقبل صدقاتهم ويثيبهم عليها، ما هم بغافلين ولا تائهين يفعلون ولا يدرون ما يفعلون، ما يضع صدقته في اليد التي تستحقها حتى يكون طالباً رضا الله بها وراغباً أن يظفر بالحسنة التي تكفر ذنبه وتزيل ظلمة نفسه. وهل لهؤلاء مثل كما للأولين مثل؟ فالذين أنفقوا رئاء الناس كالذي جاء إلى أرض صلبة ما فيها شيء ولكن عليها تراب فزرعه فجاء مطر وابل فمسحها كلها وتركها صلداً مجردة، فالذي ينفق ولا يريد وجه الله هكذا، ولو أنفق الملايين لا يستفيد ولا يثاب منها على درهم، وهذا مثال من أنفق ابتغاء مرضاة الله أولاً وتثبيتاً من نفسه، طلباً لرضا الله وحبه والمثوبة والأجر والحسن. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg مثل المنفق الطالب لرضا الله تعالى قال تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ [البقرة:265] أي: بستان، ولم سمي البستان جنة؟ لأن أشجارها تجن وتغطي من يدخل تحتها، كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ [البقرة:265] والربوة والرُّبوة: المكان العالي المرتفع كالجبال. أَصَابَهَا وَابِلٌ [البقرة:265] المطر الغزير، كما تقدم في المثل الأول.إذاً: لم اختير هذا المكان؟ لأن الأرض المرتفعة إذا لم يكن مطر فالمطر القليل يكفيها، بل الهواء البارد الطلق كذلك يساعد على إنمائها وعلى زرعها، بخلاف التي في المنخفضات من الأرض. كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ [البقرة:265] أعطت أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265]، كانت مثلاً تنتج صاعاً فأنتجت صاعين، أو ألف قنطار فأنتجت ألفي قنطار مضاعفة. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] والمطر القليل يقال فيه: طل أو رشاش أو رذاذ، إذا ما هناك مطر غزير فالمطر الخفيف مع ارتفاعها يساعدها ذلك على الإنبات؛ لأنها ليست كالمنخفضة تضرها حرارة الشمس وتؤثر عليها. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] التفت إلينا نحن لأن هذا الخطاب لنا ونحن نظن أنه يتكلم عن آخرين، قال: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:265] أيها المؤمنون بَصِيرٌ [البقرة:265] مطلع عليم، إذاً: فتقربوا إليه وتزلفوا، وأغمضوا أعينكم عما سواه، وإن أعطيتم أو أنفقتم فأعطوا لوجهه وأنفقوا من أجله، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] ويشمل هذا كل عمل، يشمل العمل الصالح والعمل الفاسد. تفسير قوله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ...) ثم واجهنا أيضاً: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ [البقرة:266] والود: الحب مع الرغبة في الحصول على المحبوب وتمنيه. أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ [البقرة:266] بستان مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ [البقرة:266]، وكل أنواع الفواكه من المشمش إلى التفاح إلى البرتقال لا تعادل التمر والعنب، العنب يتحول إلى زبيب يغذي، يصنع منه ألوان الأشربة، والتمر جاء فيه: ( بيت لا تمر فيه جياع أهله )، ما يحتاج إلى طبخ، متى شئت طعمت. مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:266] التي تسقيها لتنتج وتثمر، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [البقرة:266] أي: في تلك الجنة غير العنب والتمر، العنب والتمر هما رئيسان، وتوجد أنواع من الثمار الأخرى من التين والزيتون وما إلى ذلك. وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ [البقرة:266] تخطى السبعين فهو في طريقه إلى القبر. وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ [البقرة:266] ما ولد إلا بعد أن بلغ الستين، له سبعة أو ثمانية أطفال بنين وبنات أعمارهم بين خمس وست وسبع سنين، فأصاب تلك الجنة إعصار فيه نار، شدة الحر الملتهب، إذ جاء في الحديث: ( أبردوا بصلاتكم في الحر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم )، فما تجدون من حر فهو من لهبها ورائحتها. أصاب تلك الجنة إعصار وريح شديدة، والريح هذه فيها نار، إذاً: فاحترقت تلك الجنة، فكيف حال هذا الشيخ؟ سنه كبير ما يستطيع أن يعمل، لا يزرع، لا يتجر، لا يحمل، شاخ مثلي، وتحته أولاد ضعفاء بنون وبنات ما بلغوا سن العمل والتكليف، والبستان الذي كانوا يعيشون منه ويأملون فيه احترق، فكيف يكون حالهم؟ إذاً: من منا يود هذا؟ والله! لا يوجد. من منا يرغب في هذه الحال؟ المفارقة بين إنفاق المرائين وإنفاق المؤمنين تلك حال من ينفق أمواله من أجل تحطيم شرع الله وهدم أسواره، هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يلتفتون إلى من أنعم عليهم وأعطاهم، أمثال هؤلاء نفقاتهم مآلها ومصيرها وخيم، يظنون أنهم أنفقوا المليارات، وما إن يدخلوا القبر حتى تتجلى تلك الحقيقة، ما إن يقفوا في عرصات القيامة ينظرون إلى جزائهم حتى يجدوها هباءً منثوراً لا شيء فيها.وأما المؤمنون فكما قال تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265]، هذه صدقات المؤمنين والمؤمنات التي ما أريد بها إلا وجه الله عز وجل، سواء كانت في الجهاد والرباط أو كانت في سد حاجات الفقراء والمساكين، أو في إنقاذهم من بلية أصابتهم أو نازلة حلت بديارهم. هذه دعوة ربانية، إذا أنفقنا ألا نريد إلا وجه الله، لا نؤذي إخواننا بالكلمة النابية والنظرة الشزر أو بالكلمة المؤذية المؤلمة، أنفق إن أنفقت ولا ترى إلا الله، هكذا يؤدبنا ربنا. وقفات مع إعراض المسلمين عن الانتفاع بالقرآن دور اليهود والنصارى في صرف المسلمين عن القرآن الكريم لم ما انتفع المؤمنون بهذه الآداب؟ لأنهم ما يقرءون القرآن ولا يدرسونه، ولا يعرفون ما فيه، ما الذي صرفهم؟ أولاً: الثالوث الأسود المكون من: المجوس واليهود والنصارى، أعداء الإسلام وخصومه هم الذين صرفوا المؤمنين عن روح حياتهم ونور بصائرهم، والقرآن -والله- روح ولا حياة بدونه، والقرآن -والله- نور ولا هداية بدونه، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52]، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]. أسألكم بالله: هل الذي يمشي في الظلام يهتدي إلى أغراضه ويصل إلى مطلوبه؟ بل يخسر في الطريق ويتحطم، والذي يفقد الروح هل يبقى حياً؟ أروني حيواناً خرجت روحه وبقي حياً، فالقرآن روح ولا حياة ولا طهر ولا سعادة ولا صفاء ولا كمال إلا به، متى أعرض عنه البشر وكفروا به ماتوا، ولو تعرفون حياة الفساق والفجار والمشركين والكفار كيف هي لتأكدتم من صحة أنهم أموات ما هم بأحياء، ما ذاقوا طعم الحياة ولا عرفوها. هذا هو القرآن الذي صرفنا عنه الثالوث، وقد عجزوا عن إسقاط حرف واحد، حاولوا عبر جمعيات التنصير من قديم أن يسقطوا كلمة (قل) المكونة من حرفين اثنين: القاف واللام، فما استطاعوا، وشرقوا وغربوا وتشاءموا وتيامنوا، فأعلنوا عن عجزهم؛ لأن هذا القرآن مكتوب في السطور ومحفوظ في الصدور، لو أخذوا المصاحف كلها وأحرقوها فموجود مثلها في صدور المؤمنين والمؤمنات، فكيف يفعلون؟ هذا اعترافهم؛ لأنهم قالوا: لولا كلمة (قل) لكان في الإمكان أن نضلل الناس ونقول: هذا الكلام من كلام محمد فقط، ليس من كلام الله، عاش في الصحراء ذات الحرارة فالتهبت قرائحه وأنتج هذا الكلام، لكن أيكون من المعقول أن يقول متكلم لنفسه: قل؟ قل يا أيها الناس، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، فما يمكن أن يتكلم بنفسه فيقول: قل، إذاً: هناك أحد يأمره قطعاً، فلما عجزوا عن إبعاده من الصدور فماذا يفعلون؟ احتالوا وحولوه إلى الموتى، وسلوا كبار السن في دياركم، مضت قرون ثلاثة وأربعة لا يقرأ القرآن إلا على الموتى فقط. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
ضياع سنة الاستماع لتلاوة القرآن الكريم ومدارسته وما زلت أقول آسفاً: إلى الآن لا تجد من يجلس تحت ظل جدار أو شجرة ويقول لأخيه: من فضلك أسمعني شيئاً من القرآن! أو يجلس في مجلس ويقول: أيكم يسمعنا شيئاً من كلام الله! إلا ما قل وندر، والرسول صلى الله عليه وسلم وعليه نزل وأنزل يقول لـابن مسعود : ( اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب الصاحب ويقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فيقول: إني أحب أن أسمعه من غيري )، ويقرأ عليه وإذا بالرسول يبكي وعيناه تذرفان الدموع وهو يقول: ( حسبك ). فانتهى أمر سماع تلاوة القرآن من قرون، يقرءونه على الموتى، لا تسمعه في بيت من البيوت إلا إذا كان فيه ميت، من إندونيسيا إلى موريتانيا، أكثر من ثمانمائة سنة، أما الاجتماع عليه ودراسته هكذا فلا، ووضعوا قاعدة فقالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر! فمن يفتح فاه ويقول: قال الله؟ لو تجلس في مجلس يدرسون الفقه أو النحو وتقول: قال الله تعالى فإنهم يغلقون آذانهم، يقولون: اسكت. فهل نجح الثالوث الأسود في إماتة أمة القرآن أم لا؟ والله! لقد نجحوا، أما ما استعمروهم؟ أما حكموهم وسادوهم من إندونيسيا إلى موريتانيا؟ أين ممالك الهند؟ حتى أقل بلد، استعمروهم وحكموهم، وسادوهم، نكلوا بهم وعذبوهم، وكيف يسلطهم الله عليهم؟ لأنهم ماتوا، أماتوهم فلما ماتوا ركبوا ظهورهم، فهل هذا يحتاج إلى برهنة أو تدليل؟ فالقرآن الروح، وانظر إلى أربع آيات أو خمس آيات كلها في تأديبنا حتى يصبح المؤمن حقاً مؤمناً، فإذا أنفق ما زاد عن قوته وقوت أهله ينفقه لوجه ربه، حتى لا يؤذي ذلك المؤمن حتى بكلمة نابية، حتى لا يمن عليه في يوم من الأيام ويقول: أعطيناك وألبسناك أو فعلنا كذا؛ لأن المؤمنين أولياء الله، والله عز وجل والله لا يرضى أن يهان وليه أو يذل وليه بحال من الأحوال، الله ولي الذين آمنوا وما يرضى أن يهانوا أو يدانوا أو يعذبوا أو يضطهدوا وهم أولياؤه، فلم يسمح أبداً لمؤمن أن يؤذي مؤمناً تصدق عليه بصدقة قلت أو كثرت، عظمت أو حقرت، وانظر كيف ضرب الأمثال ليعقلها البشر وتبلغ إلى نفوسهم. دعوة إلى العودة إلى الله تعالى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] مثلهم: صفتهم، ما هي؟ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265] الحسنة بعشر، الحسنة بسبعمائة، الحسنة بألف ألف، فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] والطل كافٍ، والندى كافٍ، والجو البارد كافٍ في أن تواصل ثمارها ونتاجها؛ لأنها زرعت باسم الله، وأعطيت هذه الصدقة باسم الله، فلهذا لو نرجع إلى الله ما شعر بيننا فقير بهون ولا دون، ولا شعر بألم ولا بكى ولا دمع ولا تأسف ولا تحسر، ولذا كان المؤمنون يندر أن يوجد بينهم من يمد يديه ويقول: أعطوني، فمتى نرجع؟ حتى يذهب الاستعمار، كنا نقول هكذا: حتى نستقل، أما استقللنا؟ هل بقي بلد محكوم بسلطان الكفر؟ الجواب: لا، كل العالم الإسلامي يسوده رجاله وأهله وهم الحاكمون فيه، إذاً: ماذا ننتظر؟ هيا نستقم على منهج الله ونسر في طريق كمالنا وسعادتنا، ولكن ما عرفنا كيف نتحرك، تحركنا بتكفير الحكام والضجيج عليهم والسخط على سلوكهم فنكلوا بنا وعذبونا وخسرنا الجانبين، فماذا استفدنا؟ كيف نعمل؟ هل فيكم من يرغب في كيفية العمل أم لا حاجة بنا؟ الجهل علة كل شر وفساد أولاً: اعلموا أن علة كل شر وظلم وخبث وفساد واحدة، ألا وهي: الجهل، علة كل شر يقع في الأرض أو ظلم أو فساد أو خبث والله! لهي الجهل، وقد قررنا وكررنا القول وقلنا: لو نجمع مؤتمراً لعلماء النفس وعلماء السياسة وعلماء الكون وعلماء الحياة من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين ونطرح عليهم هذا السؤال: ما علة هذا الخبث الذي خمت الدنيا به من اللواط والزنا والفجور؟ ما علة هذا الظلم الذي انتشر في العالم؟ ما علة هذا الفساد؟ ونترك لهم الجواب، فهل سيعرفون الجواب؟ والله! لا يعرفون، هذا يقول: الفقر، هذا يقول: الظلم، هذا يقول: الحكام، هذا يقول كذا ويتخبطون، ونحن نعرف، والله! إنا لعلى علم، علة كل شر وخبث وفساد وظلم هي الجهل، ولكن هل الجهل بمسائل التقنية والفيزياء، بالتجارة والفلاحة؟ إنه الجهل بالله تعالى، ما عرفوه فلم يحبوه، ولم يرهبوه، والذي لا يحب الله ولا يرهبه أنى له أن يستقيم في الحياة، والله! ما استقام ولن يستقيم ولن يعيش إلا وهو يتخبط يميناً وشمالاً، ما عرفوا الله فما أحبوه لجهلهم به، ولا خافوه، ثم معرفة محابه، وهذا تابع للأول، أيما إنسان أبيض أو أسود عرف الله والله ليطلبنك بإلحاح أن تعرفه بما يحب ربه من اعتقاد أو قول أو عمل حتى يتملقه ويتقرب إليه بفعل ما يحب، وما من عبد يعرف الله معرفة يقينية إلا طلب منك أن تدله على ما يكره ربه ولا يحبه، إذاً: فإذا أحب الله وخافه وعرف ما يحب ففعله وعرف ما يكره فتركه؛ فوالله! لهذا هو الصراط إلى دار السلام. نظرة في واقع التعليم المدرسي والجامعي إذاً: العلم، فقد بعث الله الرسول فقال: مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165]، وقد تقول: يا شيخ! العلم متوافر عندنا، أيما دولة صغيرة فيها آلاف المدارس، هذه هي الحجة، الدنيا كلها مدارس وجامعات وكليات، فأين آثار هذا العلم الذي تزعم؟ فماذا نقول؟ ما هناك جواب. والجواب عندنا: هل فتحت هذه المدارس والكليات والجامعات من أجل الله تعالى؟ الجواب: لا. وهل بعثوا أبناءهم وبناتهم ليطلبوا العلم من أجل أن يعرفوا الله ويعبدوه؟ الجواب: لا. إذاً: كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:264].من منكم أيها الفحول ويا أيتها المؤمنات أخذ بيد طفله وقال: تعلم لتعرف ربك فتحبه وتخافه وتطيعه؟ وإنما يقول: تعلم لتكون كذا وكذا، تعلم لتنال كذا، لتكون في المستقبل كذا وكذا.وقد بلغني أحد الإخوة أن طلاب العالم الآن في الامتحانات، وكذلك في المملكة، وقال: ادعوا الله لهم اليوم بالنجاح، فقلت: لن ندعو؛ لأن نياتهم ما هي بتلك النيات التي يريدون بها وجه الله، إذ لو أرادوا وجه الله فوالله! ما طلبوا النجاح ولا فكروا فيه أبداً، إذ هم يطلبون المعرفة والعلم ليعبدوا الله عز وجل، فما دام أن الوظيفة مستقبلي يا بابا إذاً: فما لله منه شيء، وهذا واقع مر، هذا في ديارنا ديار القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف بديار الغافلين ومادة الفقه فيها مرة في الأسبوع؟!إذاً: هل نفعت هذه المدارس؟ ما نفعت. فماذا نصنع إذاً؟ كيف نخرج من هذه الظلمة؟ سوف تعلمون، والله! ما إن تصل الروح إلى الحلقوم وتأتي الغرغرة حتى ينكشف الغطاء ويظهر أمامك كل شيء، واقرءوا: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:84-87]. تحدانا الله، فهل استطاعت روسيا أو اليابان أو الصين أن يقفوا في وجه الله فيردها؟ قل لهم ليردوها. المساران العلميان في الحياة الإسلامية إذاً: متى نعود إلى الله؟ هل نغير مناهج التعليم؟ ما نستطيع، ما نقوى عليها، قد يقال: هل تدعوننا إلى أن يعود إلينا الاستعمار ونذل ونهون للغرب والشرق، ماذا هذه الدعوة الجافة الرجعية اليائسة، نحن نريد أن نقفز أكثر مما وصلنا إليه؟! فنقول: لا، دعوا مدارسكم، حولوها إلى مدارس صناعات وفيزياء وزراعة وتجارة، ثم الطريق الذي نريده والمسلك المنجي والذي ينجينا هو أن نسلك فقط مسلك رسول الله وأصحابه وأولادهم وأحفادهم، فمن صلاة الصبح ونحن مشمرون عن سواعدنا، هذا يزرع وهذا يبني وهذا يفعل، فاعمل، ومن نهاك أو لامك على هذا فلا تصغ إليه، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، لتزدهر الصناعات والفلاحة؛ لأن جهودنا قوية، ولأننا ربانيون عملنا لله، لا غش ولا تلاعب ولا ضحك ولا لهو ولا باطل، فإذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة اغتسلنا، توضأنا، تطهرنا، وقف دولاب العمل، من صلاة الصبح والدكاكين تشتغل، فهيا لنستريح، يتوضأ أحدنا ويلبس أحسن ثيابه ويأتي بامرأته وأولاده إن كانت له امرأة وله أولاد، إلى أين؟ إلى بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، إلى المسجد الجامع. فإن قيل: يا شيخ! المسجد لا يتسع؟ قلنا: وسعوه، قد يقال: كيف نوسعه، نحتاج كذا شهراً؟ فأقول: رسول الله بنى مسجد قباء في سبعة أيام أو ثمانية، فإذا أذن المغرب دخلنا في مناجاة الله عز وجل وصلينا، فإذا فرغنا من الصلاة اجتمعنا كاجتماعنا هذا، ويجلس لنا عالم بكلام الله وكلام رسوله يعطينا آية ويقول: تغنوا بها أيها المؤمنون والمؤمنات، فنحفظها، آية من آياته من كتابه تحفظ، ثم تشرح لنا وتفسر، وتبين لنا، وأخيراً يقول: معشر المستمعين والمستمعات! معشر المؤمنين والمؤمنات! ضعوا أيديكم على المطلوب، الآية تطلب منكم أن تعتقدوا أنه لا إله إلا الله فاعتقدوا، الآية تطلب منكم أن تغضوا أبصاركم وتحفظوا فروجكم فغضوا أبصاركم عن نساء المؤمنين واحفظوا فروجكم عنهن، الآية تأمر بالإخلاص في الصدقة وإرادة وجه الله، فمن الآن لا يتصدق واحد منكم وهو لا يريد وجه الله. وغداً حديث نبوي نتغنى به ونحفظه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه ) ويتغنون به ويحفظونه نساءً ورجالاً وأطفالاً، ويقول المعلم: كل المسلمين إخوانكم، وهل الأخ يذبح أخاه؟ هل الأخ يكشف عورة أخيه؟ هل الأخ يسب أخاه؟ الجواب: لا، إذاً: كلكم إخوان، فمن الليلة لا يشكو مؤمن أخاه إلى ربه، لا سرقة، لا كذب، لا غش، لا خداع، لا كبر، لا ظلم، لا اعتداء أبداً. وبعد غدٍ آية، وبعده حديث، وطول العام وهم يتلقون الكتاب والحكمة، أهل القرية بجميعهم، أهل الأحياء كلهم، أسألكم بالله: هل يبقى بيننا جاهل أو جاهلة؟ ماذا أنفقنا على طلب هذا العلم؟ كم ديناراً؟ لا شيء أبداً، بل وفرنا المال وكثر عندنا لأن نفوسنا تهذبت وانقطع الشح وانقطع البخل وانتهى الإسراف والبذخ والتطاول في الدنيا والتكالب على مظاهرها، فهذا كله يموت، فماذا نصنع بالمال؟ لم يبق بيننا فقير يذل أو يهون. أسألكم بالله: هل هذا الطريق يتعب؟ والله الذي لا إله غيره! لن يستقيم أمر أمة من أممنا في شعوبنا وديارنا الاستقامة الحقة الربانية إلا على هذا المنهج، أحببنا أم كرهنا، وقد جربوا الاشتراكية وجربوا الرأسمالية وجربوا وجربوا، وكل التجارب باءت بالفشل، أليس كذلك؟ قولوا لي: ما المانع أن نفعل هذا؟ دعوة إلى العلم المنير لمحاربة الجهل قد يقول بعض الحاضرين: الحكومات مانعة التجمعات للفتنة التي أشعلتم نارها وما عرفتم كيف تهتدون أو تهدون غيركم، فلما واجهتم الحكام بالنقد والطعن والتكفير والقتل غضبوا فمنعوا! فأقول: بدأ هذا من الجهل، وعدم البصيرة، فهيا لنعود إلى العلم لنحيا، والطريق بيناها، فيا قروي! اذهب إلى قريتك واتفق مع إمامك وشيخ القرية وقل لهم: هيا نرجع بأمتنا إلى الكمال والسلام، من الليلة نأتي بنسائنا وأطفالنا ونجتمع على تلاوة كلام ربنا وتدبره، والقرية الفلانية والفلانية، ما هي إلا سنة واحدة حتى تشاهد أنوار الإيمان، تشاهد الطهر والصفاء، تشاهد المال لا يطلب، ما بقيت لنا رغبة فيه، القليل من الطعام يكفينا، والذي يستر عوراتنا من اللباس يكفينا، وهكذا.. والله! لا طريق إلا هذا، بلغوا العلماء والأمراء والحكام والساسة، وبلغوا أوروبا والصين واليابان، والله! لن يسعدوا ولن يطهروا ولن يكملوا ولن يخرجوا من دائرة الظلام إلا بالعودة إلى هذا الكتاب الإلهي، والأيام تمضي وهم في بلاء وشقاء وعفن وشر وفساد، ما ذاقوا طعم الحياة، وإن طلبوا البرهنة فما نستطيع أن نقول إلا إذا بدأت هذه الخطة الربانية، وحينئذ ائت بريطانيا وشاهد هذه القرية فهل ستشاهد منكراً؟ امش معي صباح ومساء فهل ستسمع كلمة نابية؟ أو صوتاً مزعج؟ أو ترى منظراً خبيثاً؟ والله! ما يشاهد، امش معنا إلى دائرة الحكومة وقل لهم: أعطوني الجرائم التي تمت في هذا اليوم، والله! لن تجد جريمة، وإن شذ واحد في العشرة أيام أو في العشرين فلا قيمة للشذوذ، لا سرقة ولا خيانة ولا كذب ولا تكفير ولا سب ولا شتم، وهكذا كان أسلافنا. وإن قلت: كيف؟ فإنا نقول: كيف انتشر الإسلام في نصف الأرض شرقاً وغرباً لولا طهارتهم وكمالهم؟ هل دخل أهل المغرب والأندلس والمشرق في الإسلام بالسيف؟ والله! ما دخل أحد بالسيف، ولا أكره إنسان على أن يؤمن بالله ولقائه، ولكن لما دخلوا البلاد شاهدوا الأنوار التي يحملها الغزاة الفاتحون، صدق في القول، وفاء في العهد، طهر في السلوك، رحمة في القلوب، مشاهد الأنوار جذبتهم ودخلوا في رحمة الله، ما هو العصا والحديد، شاهدوا العدل في القضاء والحكم الرحيم العادل الرباني. فمن يدعو الآن بهذه الدعوة؟ من يقوم بها؟ العلماء كثير منهم يتقزز من هذا، الحكام يقولون: هذه أوهام، الأغنياء ما هم في حاجة إلى هذا، الفقراء هاهم يركعون ويسجدون، فمن يتحرك؟ من يبكي؟ لا أحد، إلا إذا أراد الله شيئاً وهو على كل شيء قدير.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (33) الحلقة (40) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير سورة البقرة (129) يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بإخراج زكاة ما أنعم الله به عليهم مما يخرج من الأرض من النبات والثمار، وحذرهم سبحانه وتعالى من أن يعمدوا إلى الخبيث منه فيخرجوه، مع أنهم لو قدم لهم مثله فإنهم لا يقبلونه، ثم حذرهم تعالى من اتباع الشيطان؛ لأنه إنما يأمرهم بالفحشاء ويخوفهم من الفقر إن هم أنفقوا في سبيل الله، بينما الله عز وجل بفضله وكرمه يعد عباده المنفقين بالمغفرة والفضل العظيم. تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، ولنا رجاء في ربنا أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فهنيئاً لهم ولنا معهم إن شاء ربنا جل جلاله وعز.وها نحن مع ثلاث آيات، وإليكم تلاوتها فتدبروها وتأملوا ما فيها، واعزموا على العمل والتطبيق.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:267-269].ثلاث آيات قرآنية نورانية، الأولى مفتتحة بهذا النداء الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:267] لبيك اللهم لبيك، نادانا مولانا، خالقنا، رازقنا، خالق الكون والحياة من أجلنا، نادانا فمرحباً بندائه، ماذا يريد منا؟نحن مستعدون، يا رب! مر نفعل، انه نترك، بشر نستبشر، أنذر نحذر، علم نتعلم؛ إذ نداءات الرحمن التسعون تدور على هذه، ينادينا ليأمرنا بما يكملنا ويسعدنا، ينادينا لينهانا عما يشقينا ويردينا ويخسرنا، ينادينا ليبشرنا، ينادينا لينذرنا، ينادينا ليعلمنا فنعلم.الحمد لله أن لنا رباً ينادينا، ويعلمنا، ويأمرنا وينهانا، ويبشرنا وينذرنا، وغيرنا من تلك الأمم اللاصقة بالأرض كيف حالهم؟ آيسون قانطون، جهلاء في الظلام، أحياء إلا أنهم أموات، وبئس المصير يصيرون إليه في عالم الشقاء. اختصاص الله تعالى بخلق الخارج من الأرض قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] فهل سنطيع أم لا؟ أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] هذه الكلمة الربانية أوجبت -بلا نزاع- إخراج الزكاة مما تنبت الأرض من البر، الشعير، الذرة، التمر، الزيتون، العنب.. هذه كلها مما تخرج الأرض أم لا؟ فمن الذي أخرج هذه؟ الله. لو تجتمع البشرية كلها على أن تنتج حبة عنب فوالله! لما استطاعت، فمن أخرج هذه الغلال وهذه الثمار وهذه الحبوب؟ الله عز وجل. واحذر أن تقول: سيدي عبد القادر أو عيسى؛ والله! ما أخرجها إلا الله، هو الذي خلق التربة وخلق الماء وصب الماء، وأمره أن يتفاعل مع التربة فتفاعل وخرج القصيل والسنبل، فهل نحن نفعل هذا؟ هل نملك هذا؟ ما يقتضيه قوله: (أخرجنا لكم) من وجوب شكر نعم الله تعالى وقوله تعالى: أَخْرَجْنَا لَكُمْ [البقرة:267] أي من أجلكم أنتم، تحتاجون إلى الغذاء أو تموتون.إذاً: هل ينبغي ألا نقول: الحمد لله؟ والله! ما ينبغي، يخرج هذه الأنواع من الثمار ونأكل ولا نقول: باسم الله، ولا الحمد لله؟ أعوذ بالله من إنسان لا يحمد الله على إنعامه، ولا يشكره على بركاته، ولا يذكر اسمه عند أكله وشربه.وممن ينتسبون إلى الإسلام جهلاً يأكلون ويشربون ولا يعرفون باسم الله ولا الحمد لله، ما لهم؟ ما عرفوا، من علمهم؟ من أرشدهم؟ وها نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع ابن أم سلمة عمر قال: ( يا غلام! سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك ) لا تمد يدك إلى جهات أخرى في القصعة والناس يأكلون معك. فهذه الآداب التي ما يتلقاها أطفالنا وهم صغار، فكيف يعرفونها وهم كبار؟ وهل تعرفون لم نقول: باسم الله؟ هذا من أسرار الشريعة، نقول: باسم الله؛ إذ لو لم يأذن لنا في هذا الطعام فوالله! ما أكلناه، هل تستطيع أن تتناول كأس خمر وتقول: باسم الله؟ أعوذ بالله! أتكذب على الله؟ آلله أذن لك؟والغافل ممكن أن يشعل السيجارة ويقول: باسم الله! آلله أذن لك؟ كيف تقول: باسم الله؟فأنت تأكل هذا الطعام باسمه تعالى الذي خلقه وأوجده وأذن لك في أكله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] لا من الخبائث، وحاشا الله أن يرزقنا من الخبائث. ما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض يقول تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] والكسب يكون باليد والعقل والطاقات، سواء كانت تجارة أو كانت زراعة وفلاحة، مما كسبتم، وهذا يتناول أنواع الأموال، حصل لك بإرث، حصل لك بتجارة أو بعمل، بأي شيء كسبته، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]: البقول، الحبوب، الثمار ، النخل وما إلى ذلك.ولنعلم أن علماء الفقه الإسلامي من أئمة الإسلام جمهورهم على ألا زكاة فيما كان مثل البقول كالبصل والثوم والخردل والطماطم والفلافل والقثاء على اختلافها، والبطيخ، والحبحب.. وما إلى ذلك؛ لأنها ما هي بمقتاتة ولا مدخرة، لا يقتاتها الإنسان ويعيش عليها العام والأعوام، ولا تدخر ويحتفظ بها، فمن هنا عفا الله عز وجل على لسان رسوله عن الزكاة منها، والذي بين لنا هذا الإجمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أمر أهل المدينة أن يزكوا البطيخ أو القثاء أو البصل أو الثوم وهم ينتجونه، لكن أمرهم بزكاة العنب إذا كان زبيباً، وزكاة التمر، أما التين فهذا أيضاً لا يزكى، وقس عليه البرتقال، وهكذا الفواكه والخضار.إلا أن المسلمين الربانيين إذا جنوا ثماراً من بساتينهم أو أراضيهم يعطون منه لجيرانهم وأقاربهم وفقرائهم ومساكينهم، لا على أنها زكاة مقننة مقدرة، ولكن استجابة لأمر الله العام: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] وهذا هو المنهج السليم، فالحبوب، الذرة، البر، الشعير هذه تزكى بالإجماع؛ لأنها غذاء مدخر، أما البصل والثوم فهذه كل ما في الأمر أنه يقال فيها: يا صاحب البستان، يا صاحب المزرعة، يا صاحب الحقل! حين تأخذ كمية إلى بيتك أعط منها لجيرانك أو للفقراء حولك، فتكون استجبت لأمر الله عز وجل على سبيل الإنفاق تقرباً إلى الله وتزلفاً. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وجوب إخراج الزكاة في الأموال الزكوية إذاً: قوله تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] يدخل فيه أنواع الإبل والبقر والغنم، وهذه تسمى بالناطقة، الحيوانات: الغنم ومعها الماعز، والبقر، والإبل هذه زكاتها بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب فيها للولاة كتباً واضحة في الفقه الإسلامي، فخمس من الإبل أخرج عنها شاة من الغنم، وعشر أخرج عنها شاتين، وخمسة عشر بعيراً أخرج عنها ثلاث شياة، وعشرون بعيراً أخرج عنها أربع شياة، وخمسة وعشرون أخرج عنها بنت الناقة المولودة في عامها الأول: بنت مخاض.وهكذا الغنم، فمن ملك أربعين شاة ماعزاً أو ضأناً صغيرة أو كبيرة وحال عليها الحول فيجب أن يخرج منها شاة، وكذلك البقر، فمن ملك ثلاثين بقرة عداً فإنه يخرج منها تبيع أو تبيعة، وهل الدجاج يزكى والبط والطيور؟ لا زكاة فيها، فهذه هي الأموال الناطقة.والصامتة: الذهب، الفضة، العملات على اختلافها، ففيها زكاة، فزكاة الذهب إذا بلغ سبعين جراماً، إذا كان عندك ذهب ووزنته في ميزان الذهب فقالوا: هذه سبعون جراماً وجبت الزكاة، وفي أقل من سبعين جراماً لا زكاة عليك؛ لأن النصاب بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصاب الفضة أربعمائة وستون جراماً، فإذا كان عندك كمية من الفضة سواء في شكل ملاعق، أو في شكل أدوات، وإن كنا نقول: لا يحل للمؤمنين أن يأكلوا بملاعق الذهب والفضة، ولا أن يصنعوا الصحاف من ذهب أو فضة، هذا ليس لنا، هذا لغيرنا، للمحرومين منها يوم القيامة؛ إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )، والله! ما يشاهدون ذهباً ولا فضة ولا أواني في عالم الشقاء والعياذ بالله، أما المؤمنون والمؤمنات فيعوضهم الله، والله! ما هي إلا صحاف الذهب وآنية الفضة. مقدار نصاب الذهب والفضة من أهل العلم من يقول: نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، وهذه اجتهادات فقط، وأما نحن أهل الدرس فقد قمنا بهذا الواجب، وجئنا بحب الشعير الذي كان يقدر ووزناه وعرفنا الجرام كم يكون من حب شعير، ومن ثم وجدنا النصاب سبعين جراماً.أقول: علماؤكم جزاهم الله خيراً يفتون بأن النصاب ثمانون أو خمسة وثمانون، ثم لما ذهبنا وجئنا بالشعير ووزناه، ونظرنا أيضاً إلى أن الفضة نصابها أربعمائة وستون جراماً، ويجوز أن تزكي بالفضة أو بالذهب، ما بينهما فرق، فلو زكينا أربعمائة وستين جراماً فمعناه أن خمسين جرام ذهب تعدل هذا أو أقل، فبالتحري كانت النتيجة أن من ملك سبعين جرام ذهب فأكثر وجبت عليه الزكاة إذا حال عليها الحول كالدراهم والدنانير.وقد يقولون لكم: النصاب خمسة وثمانون، وهذا تقليد فقط، أما عملياً فهو سبعون جراماً، وهذا أرحم بالفقراء والمساكين وأحوط لرب المال، هذه هي الحقيقة. حكم زكاة الحلي والذهب إذا كان حلياً تتحلى به المؤمنات ويتزين به لأزواجهن فلا زكاة فيه، ولكن من زكته كان لها أجرها ومثوبتها، واطمأنت نفسها؛ إذ (75%) من الصحابة والتابعين والأئمة مجمعون على ألا زكاة في الحلي، ويوجد من يقول: فيه زكاة، ولأن يخطئ خمسة وعشرون أقرب أن يخطئ خمسة وسبعون. ثم لو كان هذا المملوك يزكى فلم ما نزكي الأسرة التي ننام عليها والزرابي التي تبلغ الآلاف، والسيارة التي تركبها، وأواني البيت؟ لا زكاة فيها؛ لأنها مستعملة، فالذهب إذا كان مستعملاً فما هو بكنز يباع ويدخر للاستعمال، فهو كالقصعة إذاً وكالإبريق وكالآنية، وأي فرق؟ هذا فقه المسألة، ومع هذا فأيما مؤمنة تريد أن تزكي حليها فإنا نبارك لها في ذلك.وشيء آخر: إذا كان الذهب اشترته للقنية والادخار؛ إذ بعض المؤمنات تقول: الزمان حواج، سأحتاج في يوم من الأيام، فإذا كان عندها دريهمات فإنها تشتري بها قطعة من الذهب، لا على نية أن تلبسها، بل على نية أنه إذا جاء الزمان وأحوجها فستبيعها، فهذه بالإجماع تجب زكاتها، هذا كنز، والله يقول: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:34-35] الآيات، وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ما أخرجت زكاته لا يقال فيه: كنز، أيما دراهم، ذهب، فضة تخرج زكاته كل عام فلا تخف أنك تكوى به يوم القيامة.فتأملوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] أولاً: الإبل، البقر، الغنم، الذهب، الفضة، الدراهم، والخارج من الأرض كذلك: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] ما هو؟ التمر، العنب، الذرة، الشعير، القمح.. وما إلى ذلك، أخرجها الله لنا من الأرض. معنى قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) وقوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] ولا تقصد الرديء الذي لا يعجبك من شعيرك أو برك أو تمرك وتخرج منه، عيب كبير ونقص وسوء خلق هذا، وهذه الآية لا تفهم منها أن المؤمنين الصادقين يفعلون هذا، هذه الآية نزلت إذ كان هناك مكان يقال فيه: الصفة، كان يجلس فيه المهاجرون الذين لا مال لهم ولا ولد ولا نساء، يأتون مضطهدين من مكة ومن غيرها، فيجلسون هناك، إذا جاء الجهاد خرجوا، وإلا جلسوا، فمن أين يأكلون؟ ما عندهم بيوت ولا نساء، وإنما كان من زاد عن طعامه شيء يأتي به إلى الصفة، فجعلوا خشبة في المسجد بين عمودين، وأصبح كل من عنده عرجون تمر يعلقه هناك، هذا يأتي بعرجون، بعرجونين، بثلاثة، فيأتي أهل الصفة عندما يجوع أحدهم ويتألم يأتي بعود ويضرب ذاك القنو فيتساقط منه البلح والرطب، فيأكل ويمشي.فبعض المرضى والمنافقين كان يأتي بعرجون الحشف والدقل ويعلقه، في الظاهر أنه دخل يحمل أقنية من التمر للفقراء، وفي الباطن هو حشف ودقل، ففضحهم الله، فقال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267] لو قسم لكم أنتم إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا [البقرة:267] أعينكم، وهذا عام، أيما صدقة تصدق بها يجب أن تكون نقية طاهرة صالحة نافعة، فطعام لا يؤكل هل تقدمه للفقراء والمساكين تضرهم وأنت ما تأكله؟ هذه ترفع همم المؤمنين وآدابهم إلى القمم، فمن ربانا هذه التربية؟ الله، ما وكلنا إلى زيد أو عمرو، هو الذي ربانا وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] الرديء غير الجيد، ضد الطيب، مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267] لو قدم لكم أو أعطيتموه لقلتم: هذا ما نأكله ولا نلبسه ولا نشربه، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] أغمض عينيك وامش، العامة يعرفون هذا، هذا معنى قوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267]. يتبع |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله غني حميد) معنى قوله تعالى: وَاعْلَمُوا [البقرة:267] أخيراً أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267]. إياك أن يخطر ببالك أن الله محتاج إلى طعامك أو شرابك أو مالك، ولهذا يلح عليك ويطالبك، بل هذا من أجلك أنت وأجل إخوانك، أما هو فغني غنى مطلقاً، والله! لا يفتقر الله إلى شيء؛ إذ كل شيء خلقه هو بيده، وهو حميد أيضاً محمود على خلقه وإيجاده المخلوقات، الملائكة يحمدونه، لو لم يحمده البشر فالملائكة أكثر منهم بمليارات المرات، فهو محمود في الأرض والسماء.فهذه الجلسة التي أنا جالسها يحمد عليها الله أو لا؟ من خلق هذا الشيء؟ من علمه؟ أنتم أيها الجالسون من خلقكم؟ من علمكم؟ من أتى بكم إلى ها هنا؟ الله. هذا هو الحمد. فذكر المحامد؛ لأن المنافقين والمرضى يقولون: لم يطلب منا هذا ويلح علينا في أن نخرج طعامنا وشرابنا؟ ألحاجته إليه؟! فأبطل هذه الوساوس بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267]. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg تفسير قوله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ...) ثم قال تعالى في الآية الثانية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] أعوذ بالله منه، ما الشيطان هذا؟ الشيطان: مشتق من: شطن يشطن، أو من: شاط الشيء إذا احترق، والصواب أنه ليس من الشيطنة بمعنى البعد، لكن من: شاط إذا احترق.الشيطان هذا هو المكنى بأبي مرة، وإبليس وصف له؛ لأن الله أبلسه، كان له اسم أيام كان يصلي ويعبد الله مع الملائكة والجن، ثم أبلسه الله، أي: أيأسه من كل خير، ما أصبح فيه خير قط.فهذا الشيطان أخبر تعالى عنه أنه يعدنا بالفقر، إذا أردت أن تنفق قال: تنفق وغداً ماذا تأكل وتشرب؟! مهمته أن يعدنا بالفقر، فيخوفنا من الإنفاق، فما يستطيع المرء أن ينفق وهو يفهم أنه إذا أخرج ماله اليوم فغداً من يعطيه؟ غداً يصبح يمد يديه! غداً يموت بالجوع أو بالعري! هذه وساوسه يعد بها أولياءه والذين يستجيبون له، من أخبر بهذا؟ خالقه، يقول تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268]، لم يعدنا بالفقر بمعنى: أنه يحذرنا من الفقر، يحذرنا من الإنفاق حتى لا نفتقر؟ لأنه يريد منا أن نهلك، أن نشقى، أن نخسر، أن نجاوره في عالم الشقاء؛ يقول: لم أنت يا آدمي تنجو وأنا وجماعتي نهلك ونخسر؟ المراد بالفحشاء الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] الفحشاء إذا أطلقت فالمراد بها: الخصال القبيحة الشديدة القبح كاللواط، والزنا، وكل خصلة قبيحة شديدة القبح، على سبيل المثال: لو يقوم الآن أحدنا ويكشف عن سروايله وجسمه ويبقى عارياً ويمشي، فهل هذه قبيحة أو لا؟ أشد قبح هذا، لكن لو كشف عن فخذه فتلك قبيحة لكن ما هي بفاحشة.إذاً: كل خصلة قبيحة شديدة القبح هي من الفواحش، والآية تريد من الفاحشة هنا البخل، والعرب يسمون البخل فاحشة، والبخيل: فاحش.إذاً: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالبخل، ولو نستجيب له لما أنفقنا درهماً، بما يلقي في النفس من هذه الخواطر، يهدد بالفقر والحاجة وما إلى ذلك. وسوسة الشيطان للإنسان الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] ليس شرطاً أن يناديك: يا فلان! أنا الشيطان، لا تنفق خشية كذا، بل هو يدخل إلى المحطة ويتصل بك، فالمحطة إذا أنت دمرتها وخربتها ما يبقى له مجال، وما توجد محطة خربت إلا محطة واحدة، وأما محطاتنا فإنه يتصل بنا من بعيد، كيف اتصل بآدم وآدم في الجنة وهو خارج منها؟ الأولون ما عرفوا، قالوا: كيف هذا؟ قالوا: دخل في صورة حية، أو دخل في كذا.. يبحثون عن كيف دخل، والآن نحن عرفنا، فهي محطة في النفس عند القلب يستطيع أن يتصل بك وهو خارج عنها، ولهذا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد رضيعاً أجريت له عملية تحطيم هذه المحطة والقضاء عليها، فجاءه ملكان ومعهما جبريل، وشق صدره، ونزعت تلك اللحمة أو القطعة أو المحل نهائياً، فما يصبح للشيطان مكان لأن يلقي بشيء أبداً.أما نحن فما زالت المحطة فينا صالحة، فإذا كان عندك رادار قوي فما إن يحوم حولك حتى تطرده، وإذا كان ما هناك رادار ولا حراسة فإنه يسكن هناك ويغني. وسيلة النجاة من وسوسة الشيطان ويوجد لذلك رادار يباع عندنا، فالذي يرغب فيه وعنده ثمن فليتفضل، فيصبح آمناً، هذا الرادار لا بد له من ثمن، ما هو الثمن يا شيخ؟ نريد أن نشتري.الثمن: أن تخاف الله فلا تعصيه بترك واجب أوجبه ولا بفعل حرام حرمه من العقائد والأقوال والأفعال، إن كان هكذا حالك فاعلم أنك تملك هذا الرادار، وإليكم الآية القرآنية التي تدل على هذا الرادار، قال تعالى من سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200] إذا شعرت به فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيطير كالبرق، ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين.فهذا الجهاز العظيم تكتسبه بتقوى الله عز وجل، أنت عاقل، أنت قوي، أنت قادر، أنت عالم، لا تخرج عن طاعة الله ورسوله، لا بترك واجب مأمور بفعله أو قوله أو اعتقاده، ولا بفعل المنهي عنه والمحرم عليك اعتقاداً أو قولاً أو عملاً، بهذه تصفو نفسك وتزكو وتطيب، ويصبح عندك رادار أشد حساسية، فإذا حوّم العدو عندك فقط تعرفه وتطرده.والآن هناك رادارات للجيوش، فإذا حومت طائرة العدو عرفوها، فالحمد لله، ولهذا لا يهلك على الله إلا هالك. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] لا يقصرون أبداً عن فعل المعاصي والجرائم والموبقات؛ لأنهم عمي، الشياطين تؤزهم أزاً، وتدفعهم إلى الباطل والمنكر.فهل عرفتم هذا العدو؟ من أخبر بهذا الخبر؟ الله العليم الحكيم، يقول: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268]؛ حتى لا تنفقوا أموالكم في سبيل الله، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] والخصال القبيحة كالبخل وما إلى ذلك. معنى قوله تعالى: (والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) وَاللَّهُ [البقرة:268] عز وجل يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] فماذا تختار يا عاقل؟ أن تصبح عبداً للشيطان يأمرك فتفعل، أو تكون ولياً لله يعدك فتستبشر بما وعدك الله به؟والله يعدكم بمغفرة ذنوبكم وبفضل، وهو الجنة ونعيمها، الرزق الواسع الطيب.. قل ما شئت، فضل من هذا؟ فضل الله، ولا تشك إذا قال، فالله واسع الفضل، عليم بالمستحقين، لا تقل: لعل ما عند الله قد انتهى، فهو واسع عليم، لا تقل: ممكن أنه ما يعرف عني شيئاً، ما يدري أننا في نواكشوط مثلاً، أنت معلوم لله عز وجل في أي مكان؛ لأن العوالم كلها بين يديه، إذاً فاطمئن إلى صدقه ووعد الرب تبارك وتعالى.والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما نقصت صدقة من مال ) فمن يرد على رسول الله؟ كل مال تزكيه ينميه الله ويبارك فيه، وتنتفع به أكثر من الأموال المحرمة، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]. تفسير قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ...) وأخيراً قال تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:269] يعطي الحكمة من يشاء هو، ومن هم الذين يشاء الله أن يؤتيهم الحكمة؟ هل نحن منهم؟الجواب: الذين يطلبونها ويقرعون باب الله سائلين طالبين، هم الذين يؤتيهم الحكمة، أما المعرض واللاهي والمشغول عنها وغير الراغب فيها فما يشاء الله له ذلك، هذه سنته، أتريد الحكمة؟ اطلبها تعط، وأما وأنت مستكبر ومعرض وغير مبال فلن تعطى، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ [البقرة:269] أي يعطها فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]. المراد بالحكمة وما هي الحكمة؟أولاً: القرآن والسنة، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا في اثنتين ) الأولى: ( رجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه الليل والنهار )، فتقول: لو يعطيني ربي مالاً كما أعطاه فسأنفقه، فأنت وإياه في الأجر سواء بالنية الصادقة، ( ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها الليل والنهار )، إذا قلت: يا رب! لو تؤتيني هذه الحكمة لقضيت بها الليل والنهار، وهي هنا القرآن، فأنت وإياه في هذا سواء، وهذا ليس بحسد، هذا غبطة؛ لأن الحسد أن تتمنى أن تزول النعمة من فلان لتحصل لك، وبعضهم يتمناها أن تزول من فلان ولو لم تحصل له، وهذا شر الحسد والعياذ بالله، المهم ألا يرى فلاناً في خير، أما الغبطة فلا تكون إلا في شيئين. والشاهد عندنا في أن القرآن حكمة؛ لأنه ما وضع شيئاً في غير موضعه قط، والله! لا كلمة ولا حرف؛ إذ الحكمة وضع الشيء في موضعه، والحكيم يضع الشيء في موضعه، فحين يصب الحليب أو اللبن لا يصبه في الأرض، يصبه في الكأس.إذاً وضع الشيء في موضعه هو الحكمة، والحكيم من كانت هذه صفته، الكلمة لا يقولها حتى يبحث عن المكان اللائق بها، وحتى يعرف ما تنتجه فيضعها في موضعها، وهذه الحكمة تكتسب، فأولاً القرآن الكريم والسنة النبوية، احفظ ما شاء الله أن تحفظ وافهم ما شاء الله أن تفهم، وطبق واعمل، ولا تزال كذلك حتى تصبح حكيماً في كل تصرفاتك، في البيع، في الشراء، في الرحيل، في الإقامة.. في كل شيء، لا تضع الشيء إلا في موضعه؛ لأنك حكيم.قال تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] ولهذا من أعطي القرآن فحفظه وفهمه وعمل بما فيه وقال: إنه فقير فأدبوه، فأين الفقر مع القرآن؟ أغنى الناس أهل القرآن. معنى قوله تعالى: (وما يذكر إلا أولوا الألباب) ثم قال تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:269] ما الألباب؟ جمع لب، وهو العقل، القلب؛ مصدر الوعي والفهم، فمن يتذكر بهذه المذكرة الإلهية؟ أصحاب القلوب الحية، هذا إخبار الله تعالى، وما يذكر بهذه التذكرة الربانية في هذه الآيات إلا أصحاب العقول الراجحة، والفهوم الصاعدة الطيبة، وهذا مبني على طهارة الروح وزكاة النفس؛ لأن أصحابها متقون لا تتلوث أرواحهم ولا تخبث نفوسهم. ملخص لما جاء في تفسير الآيات أعيد تلاوة الآيات وتأملوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]. واسمعوا التنبيه: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] تقصد الرديء غير الجيد الذي ما يصلح وتعطيه الفقراء والمساكين، واذكروا قصة العراجين التي كانت تعلق في الصفة، يدس معها قنواً فاسد ليقولوا: فلان جاء بقنو من بيته أو من بستانه.إذاً: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] إذا أغمضت عينيك فستأخذ الرديء.ثالثاً: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267] لا يخطر ببالك أن الله محتاج إليك أو إلى مالك، ما أعطاك هو حقه وماله، فإن طلب منك أن تنفق لتزكية نفسك أو إسعادها فليس معناه أنه في حاجة إليه. الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] كل قبيح الشيطان يدعو إليه، فالذي يفتح مخمرة في بلاد المسلمين أليس هو الشيطان؟ الذي يفتح بنكاً ربوياً يلقي الناس في جهنم أما أمره الشيطان؟ الذي يستورد المحرمات من الحشيش أو الدخان ويبيعها بين المسلمين أما أمره الشيطان؟ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] فقولوا: الحمد لله.وأخيراً: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] يا صاحب العلم والمعرفة! لا تقل: أنا فقير، انتبه، استح! أنت تملك ما لا يملك ملايين البشر، تملك الكتاب والحكمة. وَمَا يَذَّكَّرُ [البقرة:269] من يفهم هذا الكلام ويعيه ويعمل به؟ هل المجانين؟ بل أصحاب العقول، أرباب الألباب والنهى، وصدق الله العظيم.إليكم هذا الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، يقول في هذه الآية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] إلى آخرها، يقول: اثنتان من الله واثنتان من الشيطان. وهو كذلك، ويفسر هذا الحديث عند الترمذي ؛ إذ فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن للشيطان لمة بابن آدم ) يلم به: يحوط به كما قدمنا، ( وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ).من وجد في نفسه لمة الملك فليقل: هذه لمة الملك، أنه يشجعه على النفقة، وعلى رجاء الله وعلى طلب الفضل والخير، إن وجدت هذا في نفسك فاحمد الله، فهذا من الملك، وإن وجدت حال النفقة خاطراً يقول: كيف تخرج ما في جيبك؟ من يعطيك كذا؟ فذلك -والله- من الشيطان؛ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268]، إن وجدت في نفسك العزوف عن الشهوات وترك الرغبة فيها ودوافع تبعدك عن هذه المحرمات فاعلم أن هذه من لمة الملك الذي يدخل قلبك. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات لهذه الآية هدايات: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يقوم مقامهما من العمل ] على اختلافها، [ وفي الناطق من الإبل والبقر والغنم؛ إذ الكل داخل في قوله: مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267]، وهذا بشرط الحول وبلوغ النصاب.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
من علامات الفاسقين قال الله: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ قال تعالى بعد ذلك مبيناً علامات الفاسقين الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27]، ولنبدأ بعلماء اليهود وعلماء أهل الكتاب عامة؛ إذ هم قد عرفوا أن هذه الدعوة المحمدية، وأن هذا الدين هو امتداد لأديان الله الأولى، وليس بشيء جديد، وأمر الله بصلة الأديان وعدم قطعها، وهم قطعوها وكفروا بالإسلام. إذاً: قطعوا ما وصل الله: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]. وقد قرأنا آية آل عمران: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187].كما أخذ الميثاق على لسان عيسى وموسى ومن قبلهم، أي: من الأنبياء أنفسهم، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].فالذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه هم الذين ارتدوا بعد الإسلام، فالذي يعيش يوماً أو دهراً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الميثاق الأول، ثم ينقضه ويرتد ويصبح ملحداً أو زنديقاً فهذا نقض العهد.قلت غير ما مرة: كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد عاهد الله، وأعطى العهد والميثاق ألا يعبد إلا الله، فإن ترك العبادة نقض عهده .. إن عبد مع الله غيره نقض عهده .. إن اعترف بعبادة غير الله نقض عهده .. إن لم يتبع رسول الله، ولم يمش وراءه، ولم يطبق شريعته وأحكامه نقض عهده؛ ومن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم لا يمشي وراءه، ولا يأخذ عنه، ولا يقتدي به، فقد كذب نفسه، لم تقول: أشهد أن محمداً رسول الله؟! وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] هذه آثار الفسق، فإذا فسق المرء عن طاعة الله، وانغمس في المعاصي والجرائم فلا تعجب، قد يذبح أمه؛ لأنه فسق وخرج عن الطريق، وعلة هذا الفسق: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]. وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [البقرة:27] أيضاً، وقد علم السامعون والسامعات معنى الفساد في الأرض، يحرفونها؟ يزيلون الجبال؟ يقطعون الأشجار؟كيف يكون الفساد في الأرض؟ إنه -والله- بمعصية الله ورسوله؛ لأن طاعة الله وطاعة الرسول، كما هو القانون الإلهي والسماوي أنه لا سعادة ولا كمال إلا بالانتظام فيه والسير على منهاجه، فمن أهمله وأضاعه، وأعرض عنه، وخرج بعيداً يتخبط، يعمل الموبقات، وهذا أفسد في الأرض أو أصلح؟ والله أفسد. وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، وهذا نقوله؛ ليس من يفتح ماخوراً في بريطانيا، كالذي يفتحه في بلاد إسلامية سواء بسواء، لا والله العظيم، لم؟ لأن هذه البلاد أصلحها الله بالإيمان، وطاعته، وطاعة رسوله، فالذي يحدث فيها فجوراً أو باطلاً أو شراً أفسد فيها بعد إصلاحها، أما الذي يفسد في أمريكا أو بريطانيا فهي أرض فاسدة من أولها، ما أصلحها الله بالإسلام، وكيف -إذاً- بالذي يفسد في أرض صالحة إلى الآن.فلهذا نقول لأبنائنا وإخواننا: اسمعوا يا سكان هذه المدينة، يا سكان هذا العالم الطاهر! من أراد أن يعيش على الفسق والفجور يخرج ويرحل من هذه الديار، وينزل في غيرها. لا يستطيعون؟ إذاً: فليتوبوا إلى الله، وليرجعوا إليه، أما أن يطهر الله أرضاً كهذه ويأتي عبد الله بالفساد والشر فيها، فهذا ذنب عظيم.والآية ناصعة واضحة: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، أما ما كانت جاهلية وثنية؛ فالمعصية فيها خفيفة لا قيمة لها بالنسبة إلى الكفر والشرك والعياذ بالله.إذاً: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [الأعراف:56] يا أهل المدينة! يا أهل مكة! يا أهل الرياض! يا أهل هذه الديار! من لا يستطيع أن يترك المحرمات فليرحل، فإن كان لا يستطيع أن يعيش في بلاد أخرى يتوب إلى الله، ويذعن له ويستسلم، أما أن يفسد في أرض صلحت فهذه جريمة قد لا تغتفر له، وقد يموت على سوء الخاتمة، والعياذ بالله. الخسران الحقيقي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg وأخيراً جاء الختم: أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27] إي نعم، الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] حتى من صلة الأرحام: أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27]، وقد عرفنا أن الخسران ليس فقد الشاء، ولا البعير، ولا المرأة، ولا الولد، ولا الوظيفة، ولا المنصب، ولا.. ولا، وهل معلوم لدى السامعين حقيقة الخسران؟ اسمعوا؛ قال تعالى لرسوله بلغ أعلن: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، وقد سمعتم كيف يؤتى بالرجل أو المرأة فيوضع في صندوق من حديد، ويغلق عليه، ويرمى في أتون الجحيم مليارات السنين لا يأكل، ولا يشرب، ولا يسمع، ولا ينطق ولا.. ولا، ولا يموت، يبقى أحدهم في عالم الشقاء لا أم هناك، ولا أب، ولا أخ، ولا أخت، ولا امرأة، ولا ولد؛ وحده يعيش في عالم، ونسبة ذلك العالم إلى هذا كأن يغمس أحدنا أصبعه في البحر، فالبلل الموجود في أصبعه عندما يجمعها هي جزء من مائة من مليون جرام، ولينسبها إلى البحر، لا إله إلا الله! قولوا: آمنا بالله. تقرير الألوهية ثم جاء بيان تقرير الربوبية الإلهية، تقرير الإلهية لله عز وجل؛ لا يعبد إلا الله، جاء تقرير مبدأ الحياة الثانية والجزاء الأخروي؛ لأن المشركين منهم من ينكرون البعث والدار الآخرة كالملاحدة، ومنهم مشركون ويؤمنون بالبعث والجزاء، فقال تعالى موبخاً، مقرعاً، مؤدباً: و كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ [البقرة:28] أي: بالله ولقائه: وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة:28]، هل هناك من يقول: لا أنا ما كنت ميتاً، أنا كنت حياً منذ آلاف السنين؟ نقول له: هات براهينك وأدلتك، نحن كنا غير موجودين عدماً، فأوجدنا، وأحيانا، وأصبحنا أحياء.قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [البقرة:28]، هل هناك من يقول: لا نموت؟ هانحن ندفن إخواننا كل يوم تباعاً، واحداً بعد واحد، والله لا يبقى منا واحد، نموت أو لا؟ إذاً: من أحيانا .. من أماتنا؟ الله، أيعجز أن يحيينا مرة ثانية؟ لا، والإعادة أسهل بكثير من البداية. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] رغم أنوفكم مريدين أو رافضين لابد من الرجوع لتتم عدالة الله وحكمته في الجزاء على الكسب في الدنيا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]. خلق الله ما في الأرض للبشر قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، مناظر ومظاهر، فانظر يا عبد الله وتأكد، هو لا غيره وحده لا ثاني له، قال: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]؛ من البر إلى الزيتون .. إلى ذوات اللحوم والألبان بل والمعادن، فكل ما في الأرض مخلوق مربوب، الله الخالق. ولمن خلقه؟ للملائكة؟ له هو؟ لكم، ومع هذا لا يستحون من الله ولا يخجلون، ويرفعون أكفهم إلى غيره، ويسجدون لسواه. إنها محنة الجهل وظلمة القلب، والمطلوب منا دائماً أن نقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، طول النهار والليل.ثم قال: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29]، هذه العظمة، هذا الجلال والكمال، هذه القدرة التي لا يعجزها شيء، هذا العلم، وكلمة سبع سماوات تعني: سماء فوق سماء، وغلظ السماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء والأخرى مسيرة خمسمائة عام، ولما أراد الله أن يجتازها رسول الله اجتازها في دقائق معدودات. لا إله إلا الله! وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، هذا الذي يستحق أن يعبد أو لا؟ هذا الذي يستحق أن يطاع .. أن يذعن له .. أن يذل له .. أن يستجاب نداؤه، لا المخلوقات المربوبة، المتهالكة، العاجزة الضعيفة، سبحان الله! فلهذا هذا القرآن روح، والله لا حياة بدونه، وهذا القرآن نور، فلا هداية بدونه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].فما حييت أمة العرب إلا على هذا الروح، ولا اهتدت إلى عزها، وكمالها، وسيادتها، وطمأنينتها إلا على هذا النور، ومع هذا يجحدون هذا ويغطونه! فأين يذهب بعقولهم! وما زلنا نقول: والله العظيم! لن يستقيم أمر أمة ولا جماعة ولا أسرة في الأرض إلا على هذا الروح وهذا النور، وجربوا في الشرق والغرب.وهنا انتهينا إلى الآية التي بدأنا درسها وشرحها في الدرس الماضي. اشتقاق اسم الملائكة ومادة خلقهم قال ربنا تبارك وتعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ... [البقرة:30]، هذه علوم ومعارف ينزل بها هذا القرآن، ويتلوها هذا الرسول، ويتلقاها النساء والرجال؛ فيخرجون من ظلمة الجهل والبعد عن الحق والمعرفة، فيصبحون عالمين ربانيين يعلمون ذرات الكون العلوية والسفلية، بأية واسطة؟ إنها القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم.وقد عرف العدو هذا فصرف المسلمين من قرابة ألف سنة صرفاً كاملاً عن مصدر حياتهم وهدايتهم؛ حتى هبطوا، وذلوا، وأصابهم ما أصابهم، وما أفاقوا إلى الآن! ما زلنا.فانظر واذكر يا رسولنا لهؤلاء البشر للسامعين وغيرهم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. تكلمنا في جزء الكلام عن الملائكة: من الملائكة؟ من أين اشتق هذا الاسم؟ وقلنا: إنه من ملأك كشمأل، ويجمع على شمائل، أي: ملائكة، ومأخوذ من الألوكة وهي الرسالة؛ إذ الملائكة رسل الله.وهؤلاء الملائكة مادةُ خلقهم من النور، ومادةُ خلق الجان من النار، ومادةُ خلق الإنسان من الطين، وهل بقي شيء آخر؟ لا شيء، خلق الله عز وجل الناس بني آدم من الطين، إذ خلق أباهم آدم من الطين، وتناسلوا من ماء مهين، وخلق الجان من شواظ من نار، وتناسلوا وتوالدوا وملئوا الأرض.وخلق الملائكة من النور، ولا يتوالدون إذ جنسهم خاص، لا يأكلون، لا يشربون، لا يتزوجون، لا يلدون، لا يمرضون، مخلوقون -أستغفر الله- كالآلة لا تعرف إلا طاعة الله عز وجل، ولكن يرهبون الله ويخافونه، وترتعد فرائصهم، ويغمى عليهم إذا سمعوا كلام الله عز وجل. الكلام عن حملة العرش هذا العالم ذكرنا أن منهم -وبدأنا بأعلاهم- حملة العرش أربعة، عرش من؟ سرير من؟ عرش ربنا .. سرير مولانا، أيدير هذا الملكوت بلا سرير ملك؟! يعلمنا، لمَ نحن عندنا أيضاً كراسي وأسرة؟ فالله عز وجل يعلمنا هذا ويرشدنا: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].وقد عرفنا قيمة هذا العرش ومقداره، لما ضرب لذلك ابن عباس من مثل، قال: الكرسي أخبر تعالى أنه وسع السماوات والأرض: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، فهذه السماوات وهذه الأرضين كلها لو جعلت رقعة إلى جنب الأخرى، وألصقت بها ووضعنا الكرسي لكان الكرسي أكبر؛ لأن الله محيط بكل شيء: وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20] ونسبة الكرسي إلى العرش كحلقة من صفر ملقاة في صحراء .. في فلاة، فما هي نسبتها إلى الأرض؟!ومع هذا أخبرنا الله ورسوله أن للعرش حملة وهم أربعة، ويوم القيامة يضاعفون بأربعة، فيصبحون ثمانية، إذ قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]. واليوم أربعة، والملائكة يحفون بالعرش طول الدهر: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر:75] فلا يعرف عددهم إلا الله. من خلقهم؟ خلقهم الرب العظيم الذي يقول للشيء: كن فيكون.أتريد أن تعرف قدرة الله؟ هذا الكوكب الناري؛ الشمس التي نستفيد من حرارتها أكبر من الأرض بمليون ونصف المليون مرة، فمن جمع لنا نارها، وأوقدها، وعلقها مناراً في السماء؛ تدب كعقرب الساعة إلى يوم الساعة، من فعل هذا؟ السحرة! من ذاك؟! الله. فلهذا لو يزول الحجاب عن قلوبنا إذا ذكرنا الله يغمى علينا! وعلى الأقل المؤمنون إذا ذكر الله تضطرب نفوسهم، واقرءوا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2].أما الأموات: خاتم الذهب في يده، تقول له: يا عبد الله! حرام عليك. يسخر ويقول: هذا رجعي.يا عبد الله! أنت تحلق، لا تحلق وجهك، خل علامة الرجولة، يسخر!ففرق بين الحي والميت أم لا؟ وفرق بين المؤمن والكافر أم لا؟ فرق بين المهتدي والضال أم لا؟ نعم.إذاً: المؤمن إذا وعظته خاف: يا عبد الله! أما تخاف الله! تجده -والله- يرمي المعصية من يده، ولا يصبر أبداً، فالمؤمن حي، والميت اقرأ القرآن كله عليه لا يشعر!وعرفنا أن الملائكة ملئوا السماوات، فما من موضع قدم في السماء إلا وعليه ملك راكع أو ساجد. الكلام عن الملائكة الحفظة عرفنا أن الملائكة في الأرض معنا: ( يتعاقب فينا ملائكة بالليل وملائكة بالنهار )، وكل واحد منا معه أربعة ملائكة قد اختصوا به، لا يتناولون غيره، مع الحفظة الذين بين يديك ومن ورائك، ولولا الحفظة لالتهمتنا الشياطين؛ لأنهم يقدرون علينا ولا نقدر عليهم، يروننا ولا نراهم، لكن هؤلاء الحفظة حفظنا الله تعالى بهم حتى تتم حياتنا.وهنا ذكرت لكم لطيفة! إذا قال القائل: ما فائدة الحفظة ونحن نموت ونمرض ونهلك؟قلنا: فائدة الحفظة أعطيتها في الرئيس .. الملك له حرس يحرسه خمسون .. مائة، ما الفائدة مادام لابد من الموت ولابد من قضاء الله؟ الجواب: لما يعرف الملك أو الرئيس أنه محروس تطمئن نفسه، ولا يبقى يلتفت، ولا يبقى في حيرة ولا يستطيع أن يقوم ولا يقعد، يكون هادئاً مطمئناً؛ لوجود حرس. وهذا غير مانع أن ينفذ أمر الله فيه، فكذلك نحن لما علمنا أننا محروسون لولا هذا العلم لكان أحدنا لا يستطيع النوم، كيف ينام والجن حوله وفوقه؟ كيف يمشي؟ كيف يستطيع؟ لكن عرف أنه محروس: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]. كم عدد الملائكة إذن في الأرض فقط؟ولا تسأل عن وظائف الملائكة الكرام الكاتبون والحفظة، ثم من مع الأرواح، مع الأمطار، مع السحب، من ملك الموت، من أعوانه؟ قلنا: الكثير، وما ذكرنا إلا قطرة من بحر، عالم كبير، نحن ما نساوي فيه ولا العشر.وعرفنا أنهم كما أخبر تعالى عنهم: لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينامون، و لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، و لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27]، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]، وكلهم نور. خروج الملائكة من البيوت بسبب المعاصي وهنا نبهت إلى أنهم ينزلون بيوت المؤمنين؛ ليحفظوهم وليستجيبوا، وإذا دعا المؤمن قالوا: آمين! فإياكم أن تطردوهم بأيديكم! فيا معشر المستمعين والمستمعات! أغلقوا أبواب بيوتكم عن الشياطين، لا تفتحوها لهم أبداً، وكيف يدخلون يا شيخ ونحن نقرأ القرآن، ونردد آية الكرسي، وأصواتنا مرتفعة بالتهليل والتكبير؟الجواب: لا يدخلون، لكن يدخلون بيتاً فيه التلفاز، والعواهر تغني وترقص، وأصوات الكفار والماجنين تملأ الحجرة، والفحل مع بناته وامرأته يجلسون يتفرجون ويضحكون! فهنا ترحل الملائكة، والله لا تبقى! ويصبح ذلك البيت بؤرة من بؤر الفساد، ولو نعرف عاقبة ذلك لقلنا: قد يموتون على سوء الخاتمة.أتعرفون التأثير أم لا؟ يتكلم الإنسان بكلمة تؤثر في نفسه، والفحول يعرفون إذا سمع صوت امرأة أجنبية يرتفع ويهيج في باطنه، ولهذا حرم الله على المؤمنة أن ترفع صوتها للأجانب: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، والعميان، والضلال، والملاحدة لا يفهمون هذا، لم لا تتكلم؟ يا بشر! تعالوا فتعلموا، نحن نريد أن نحفظ زكاة أنفسنا لنرتقي إلى السماء والملكوت الأعلى، ولو كنا نريد الأرض فقط، والهبوط إلى المستوى الأسفل ما قلنا: هذا حرام ولا حلال، كل، وانكح، وافعل ما تشاء! لكنك تعد نفسك لترقى إلى السماء، وتنزل الدار دار الخلد .. دار الأبرار مع النبيين والصديقين، فكيف بالذي يجمع بناته وأولاده وامرأته وأمه ويشاهدون الكفار يتكلمون ويضحكون، والعاهرة ترقص، فهل يبقى الملائكة؟! يستطيع أهل هذا البيت أن يضمنوا أنهم يموتون على حسن الخاتمة؟! ومن يضمن أن قلوبهم لا تفسد، وأن لا يصابوا بالنفاق -والعياذ بالله- ويصبحوا كالحيوانات؟يا شيخ! لم تشدد هذا التشدد؟ الجواب: أنا سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )، ما هي الصورة؟ ليست عاهرة أو كافرة تتكلم، بل صورة موجود في ستارة على نافذة منسوجة بالخيوط، ما لها ملامح ولا صوت، منعت الملائكة! وعاهرة كافرة في بيتك ترقص، وأنت تضحك مع امرأتك وأولادك، يبقى إيمان .. يبقى نور؟ ما ندري، ولكن الذي نعلم حسب سنة الله أن من استمر هكذا في بيته أن يحصل له ما يموت به على سوء الخاتمة، فاحذروا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg |
الساعة الآن : 09:10 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour