ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(51)

- باب الانتفاع بفضل الوضوء

يجوز للشخص أن ينتفع بفضل وضوئه؛ بشربه أو غير ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يتبرك بفضل وضوء أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا من خصائصه.
الانتفاع بفضل الوضوء

شرح حديث علي في الانتفاع بفضل الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بفضل الوضوء.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا أبو عتاب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام فشرب فضل وضوئه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت)].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب: الانتفاع بفضل الوضوء، أي: الانتفاع بما يبقى بعد الوضوء في الإناء، فالإنسان إذا توضأ منه، يمكن لإنسان آخر أن يأتي ويتوضأ منه، ويمكن للإنسان آخر أن يشربه أيضاً؛ لأن النسائي أورد أحاديث منها هذا الحديث الأول: حديث علي رضي الله عنه أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام، وشرب فضل وضوئه، أي: شرب الماء الذي بقي بعد الوضوء، فالانتفاع بفضل الوضوء يدل عليه هذا الحديث، إلا أن النسائي ما أورد من الأحاديث -التي أوردها كلها- ليست كلها على هذا النحو، على اعتبار أنه يراد بها ما يبقى بعد الوضوء؛ لأنه قد يراد بها ما حصل منه الوضوء، مع أنه قد يراد بذلك في بعض الروايات، ولكن هذا الحديث واضح بأن المقصود به ما تبقى بعد الإناء، وكون الإنسان استعمله؛ بأن أدخل يده فيه ويتوضأ، ثم يدخل يده ويغرف ثم يدخل يده ويغرف هذا الاستعمال لا يؤثر عليه، فله أن يشرب هذا الماء الباقي، ولغيره أن يتوضأ فيه، وله أن يتوضأ به مرة أخرى أيضاً إذا بقي، فإذاً: ينتفع بفضل الوضوء، أي: ما يبقى في الإناء.وأما إذا توضأ الإنسان في طست، بحيث يغسل وجهه ويتساقط ماء الوجه في الصحن، ثم يغسل يديه، ويتساقط ماء اليدين في الطست، ثم يغسل رجليه ويتساقط، فهذا الماء لا يتوضأ به مرة أخرى؛ لأنه رفع به حدث، فلا يرفع به الحدث مرة أخرى، ولكن هو طاهر يمكن أن يستفاد منه، في أمور غير الوضوء، أما ما يبقى في الإناء بعد الوضوء فهذا يستفاد منه على كل حال، ولا إشكال فيه، ولا بأس به، فيُتوضأ به، ويستعمل في أي وجوه الاستعمال، في رفع الحدث، وفي غير رفع الحدث.فقد أورد النسائي أولاً: حديث علي، وقد تقدم عن أبي حية أنه قال: (رأيت علياً أتي بإناء فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام وشرب فضل وضوئه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت)، ومحل الشاهد: كونه شرب فضل وضوئه، يعني: انتفع بفضل ما بقى بعد الوضوء بشربه.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الانتفاع بفضل الوضوء

قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].هو أبو داود سليمان بن سيف وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي.[حدثنا أبو عتاب].وهو سهل بن حماد أبو عتاب، وهو صدوق، خرج له مسلم، والأربعة.[حدثنا شعبة].وهو شعبة بن الحجاج وقد تقدم.[عن أبي إسحاق].هو: عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي أبو إسحاق السبيعي، وهو يذكر بكنيته كثيراً، كما هنا أبو إسحاق، وهو ثقة من رجال الجماعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي حية].هو أبو حية بن قيس الهمداني الوادعي الكوفي، وهو مقبول، قال عنه في التقريب: مقبول، وهو من رجال أصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث أبي جحيفة في انتفاع الصحابة بفضل وضوء النبي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، وركزتُ له العنزة فصلى بالناس، والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه)].أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء، فخرج بلال بوضوئه) أي: بفضل ما بقي من وضوئه الذي توضأ منه، فجعل الناس يأخذون منه يتبركون بهذا الماء الذي مسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(فنلت منه)] أي: أخذت من هذا الماء بنصيب.قوله: ( وركزت له العنزة ) العنزة: هي عصا في رأسها حديدة تغرز في الأرض ويصلى إليها، وتجعل سترة: ( فجعل الحمر، والنساء، والكلاب يمرون بين يديه ) لأن هذه الأشياء جاء أنها تقطع الصلاة إذا مرت بين الإنسان وسترته، والمقصود في هذا الحديث بقوله: ( بين يديه ) أي: من وراء العنزة، ومن المعلوم أن المشي من وراء السترة لا يؤثر، ولا يقطع الصلاة فيما إذا مر وراءها كما جاء في بعض الأحاديث: أن المرأة، والحمار، والكلب، تقطع الصلاة.إذاً: فقوله: (جعلت المرأة، والحمر، والكلاب يمرون بين يديه) يعني: من وراء العنزة.فالمقصود من إيراد الحديث هو أوله؛ لأن هذا سيأتي في الصلاة فيما يتعلق بركز العنزة، وما يتعلق بالمرور، ولكن هو جاء به من أجل ما جاء في أوله، وهو أن بلالاً جاء بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يصيبون منه، يعني: يأخذون منه، ويبلون به أجسادهم، فيتبركون بما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم.ومن المعلوم أن التبرك بفضلاته إنما هو خاص به، ولا يجوز مع غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا هذا مع أبي بكر، وعمر، وعثمان وهم خير من مشى على الأرض، فما كانوا يتبركون بفضل وضوئهم، ولا كانوا يفعلون هذا، فصنيع الصحابة وعدم فعلهم ذلك إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يفعل مع غيره، فلا يتبرك بغيره؛ لا بشعره، ولا ببصاقه، ولا بفضل وضوئه، وإنما ذلك من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا يتبركون بشعره، وبفضل وضوئه، وبعرقه، وبصاقه عليه الصلاة والسلام، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أبي جحيفة في انتفاع الصحابة بفضل وضوء النبي

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز، وعند النسائي شيخان يسميان بمحمد بن منصور هما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي.والأقرب والأظهر أن سفيان المروي عنه هنا هو سفيان بن عيينة، لأنه مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، فيكون هو الأولى.ومحمد بن منصور هذا روى له النسائي وحده كما عرفنا ذلك فيما مضى، وأما سفيان بن عيينة فهو ثقة، حافظ، عابد، حجة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك بن مغول].هو مالك بن مغول أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه].هو عون بن وهب بن عبد الله السوائي، وأبوه مشتهر بكنيته، ولهذا يقال: عون بن أبي جحيفة نسبة إلى أبيه بكنيته. وعون هذا ثقة، من رجال الجماعة، وأبوه أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي صحابي، وهو من أصحاب علي، ومن خاصته رضي الله تعالى عنهما، وله خمسة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة.وقد يقول قائل: ورد في الإسناد الأول عن الحكم عن أبيه عن الرسول، وفي الإسناد الثاني عن الحكم بن سفيان قال: (رأيت...)، فأسقط الواسطة، فهل هذا هو الاضطراب؟نقول: هو واحد، وأنا قلت: إن الحكم في هذا الإسناد واحد إلا أن مجاهد اضطرب فيه وأتى به على ثمان صيغ أو تسع صيغ، فمرة يقول: الحكم بن سفيان، ومرة: الحكم عن أبيه، ومرة: الحكم عن رجل من ثقيف، ومرة يقول: سفيان بن الحكم، على تسعة أقوال أو عشرة أو ثمانية..، فيعد اضطراباً، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لصار الحديث ضعيفاً، ولكن لوجود شواهد له عن جماعة من الصحابة في معناه، يدل ذلك على ثبوته.

شرح حديث جابر في صب النبي فضل وضوئه عليه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابراً رضي الله عنهما يقول: (مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي عليَّ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب عليَّ وضوءه)]. قوله: [(مرضت فجاء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي عليَّ، فتوضأ فصب عليَّ وضوءه)] هو هنا مختصر، وجاء في البخاري وفي غيره: أنه أفاق وأنه سأل عن مسألة في الميراث، ولكن النسائي أورده من أجل كونه صب وضوءه عليه، والانتفاع بفضل الوضوء، وهنا يحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم ما خرج من أعضائه صبه عليه، ويحتمل أن يكون ما بقي في الإناء مما استعمله صبه عليه، ولكن قوله: (وضوءه) يشعر بأنه الذي استعمله، ولما رش عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الوضوء أفاق، ولكن ذكرت في الحديث الذي قبله أن هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا البخاري رحمه الله لما أورد الحديث عقد له ترجمة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المريض، ولم يقل: صب الإنسان، أو صب عائد المريض، وضوءه على المريض، وإنما قال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوءه على المريض، معناه: أن الترجمة أتى بها مضافة إلى الرسول، والعمل الذي أضافه إلى الرسول؛ لأن هذا من خصائصه، فليس لأحد إذا زار إنساناً أن يقول: أنا أفعل كما فعل رسول الله فيتوضأ، ويصب عليه فضل وضوئه؛ لأن ذاك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يتبرك بما يتساقط من جسده، أو بما يناله جسده الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والحديث إسناده رباعي، وهو أعلى الأسانيد عند النسائي، وقد أشرت إلى هذا من قبل، وذلك عندما جئنا عند الحديث رقم مائة وثمانية وعشرين، ورجاله ثمانية، وقلت: إن الحديث رقم مائة واثنين وثلاثين أعلى إسناداً عند النسائي ورجاله أربعة أشخاص، فليس بين النسائي فيه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أربعة أشخاص: محمد بن منصور، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صب النبي فضل وضوئه عليه

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان].محمد بن منصور هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وسفيان بن عيينة أيضاً مر في الإسناد قبل هذا.[سمعت ابن المنكدر].وهو محمد بن المنكدر التيمي المدني، وهو ثقة، فاضل، من رجال الجماعة.[عن جابر].وأما جابر بن عبد الله فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(52)

- باب فرض الوضوء - باب الاعتداء في الوضوء


فرض الله علينا الطهارة عند إرادة الصلاة، فلا يقبل الله صلاة العبد إلا بطهارة، لكن الزيادة على ثلاث غسلات للعضو فيه تعد وظلم وإساءة.
فرض الوضوء

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض الوضوء.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)].يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب فرض الوضوء، والمراد بالترجمة كما هو واضح من الحديث الذي أورده تحتها: أن الوضوء فرض لازم، وأمر متحتم، هذا هو المراد بفرض الوضوء، بل إنه شرط لصحة الصلاة، وإذا لم يوجد الشرط، لم يوجد المشروط الذي هو الصلاة، فلا بد لكل صلاة من الوضوء لها حيث وجد الماء، فإذا لم يوجد، ينتقل إلى ما ينوب عنه، وهو التيمم.إذاً: فالوضوء شرط من شروط الصلاة التي تسبق المشروط، والتي لا بد من فعلها قبل فعل المشروط، والتي لا تصح الصلاة بدون ذلك الشرط، ولهذا ترجم بقوله: باب: فرض الوضوء، ويعني: أنه فرض لازم متعين، لا تفيد الصلاة بدون وضوء.ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي المليح عن أبيه أسامة بن عمير رضي الله تعالى عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)]، والمقصود هو الجملة الأولى، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: [(لا يقبل الله صلاة بغير طهور)] والطهور يشمل: الطهارة بالماء، والطهارة بالتراب الذي هو الأصل، وما ينوب عنه الذي هو التيمم، ولهذا جاء التعبير بالطهور، فيكون شاملاً للوضوء، وما يقوم مقام الوضوء إذا عدم الماء وهو التيمم، فلا بد للصلاة من طهارة، ولا بد أن يسبقها وضوء، أو تيمم إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله.ونفي القبول معناه: أن الصلاة التي لا تكون بوضوء، فإن صاحبها لم يؤد ما فرض الله عليه، ولم تبرأ ذمته، ولم تقع الصلاة صحيحة، بل يتعين الوضوء ثم الصلاة، فلو أن إنساناً نسي، وصلى بغير وضوء، فإن صلاته لا تعتبر، ولا تجزئ، ولا يترتب عليها أثرها الذي هو الثواب، بل يجب عليه ويتعين عليه أن يتطهر بالوضوء، أو التيمم إذا لم يوجد الماء، أو لم يقدر على استعماله، ثم يؤدي الصلاة.إذاً: فالنفي هنا -نفي القبول- لنفي الإجزاء، ونفي الصحة، ونفي الأثر المترتب على ذلك وهو الثواب.فالنفي يدخل فيه نفي الصحة، ومعنى ذلك: أنه لا بد من الوضوء والصلاة، لكن في بعض المواضع يأتي نفي القبول، ولكنه لا يلزم معه الإعادة، وإنما يحصل حرمان الثواب، وعدم حصول الثواب المترتب على الصلاة، ومن ذلك: ما جاء في الحديث: (من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، فمعنى (لم تقبل) أنه يحرم ثوابها، ويحرم الأجر المترتب على الصلاة، وهذا عقاب على إتيانه العراف، وذهابه للعراف، بأنه فعل فعلاً حرم ثوابه، لكنه لا يقال: إن صلاته غير مجزئة، وأن عليه أن يعيد الصلوات، لأن صلاته غير مقبولة؛ فإن نفي القبول هنا غير نفي القبول في حديث الباب؛ لأن حديث الباب يدل على عدم الإجزاء وعدم الصحة، وأما ذاك فالصلاة قد حصلت، ولا يؤمر بالإعادة، ولكنه يحرم ثوابها.أما الذي معنا هنا في قوله: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فمعنى ذلك: أنها لا تجزئ ولا تصح، ويتعين على من صلى بغير وضوء أن يتوضأ ويصلي؛ لأن صلاته التي قد حصلت بغير وضوء هي لاغية، ووجودها كعدمها؛ لأنه فُقد شرط من شروطها، الذي لا تعتبر، ولا تنفع، ولا تفيد إلا إذا وجد الشرط قبل وجود المشروط.قوله: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول) الغلول: هو بمعنى الخيانة، وهو يشمل ما يدخل تحته من كل مال حرام، كل مال حرام لا ينتفع صاحبه بالتصدق به؛ لأن الصدقة المقبولة هي: الطيبة التي هي من كسب طيب، وقد جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر بعد ذلك الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟!).فالغلول يدخل فيه الخيانة، ويدخل فيه أكل المال الحرام، وما يدخل فيه دخولاً أولياً: الغلول من الغنيمة؛ لأن فيه خيانة، وكذلك كل خيانة فهي من الغلول، وكل مال حرام فهو أيضاً داخل في هذا المعنى، بمعنى: أن الصدقة منه لا تقبل، وإنما الصدقة المقبولة النافعة لصاحبها هي التي كانت من مال حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور...)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وقد تكرر ذكره كثيراً في سنن النسائي، وهو أحد شيوخ النسائي الذين أكثر عنهم، وهو ثقة، حافظ، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو عوانة].وأبو عوانة هذه كنية اشتهر بها واسمه: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].قتادة هو ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، حافظ، وهو من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبي المليح].وأبو المليح هي كنية، واسمه قيل: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد، وهو: ابن أسامة بن عمير الهذلي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].أما أبوه أسامة بن عمير الهذلي، فهو صحابي تفرد بالرواية عنه ابنه، لم يرو عنه إلا ابنه أبو المليح، وله سبعة أحاديث، كلها من طريق ابنه أبي المليح؛ وهذا يسمونه الوحدان فهو من لم يرو عنه إلا واحد، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.إذاً: فرجال الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة إلا الصحابي؛ فإن حديثه عند أصحاب السنن الأربعة، رجال الإسناد كلهم من رجال الجماعة، قتيبة بن سعيد، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وأبو المليح الذي هو: ابن أسامة بن عمير الهذلي.
الاعتداء في الوضوء

شرح حديث عمرو بن العاص في النهي عن الاعتداء في الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاعتداء في الوضوء.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا يعلى حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم)].أورد النسائي: الاعتداء في الوضوء، الاعتداء: هو تجاوز الحد الذي حد في الوضوء، وهو أن يزيد على ثلاث غسلات للأعضاء فهذا هو المراد بالاعتداء؛ لأنه لا يزاد على الثلاث، يتوضأ مرة ومرتين وثلاثاً، وكذلك يجوز التفاوت بأن يكون البعض مرة، والبعض مرتين، والبعض ثلاثاً، لكن لا يتوضأ أربع مرات أو خمساً، أو أربع غسلات أو أكثر، وإنما يوقف عند حد الثلاث.وقد أورد فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أعرابياً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: [(هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم)].الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين للأعرابي كيفية الوضوء، وأنه يكون ثلاثاً، لكن الثلاث هي الحد التي يكون بها الإسباغ، ولا يزاد على ذلك، والوضوء يكون بدونها ويكون بأقل من الثلاث، فلما توضأ وأراه النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، قال له: [(هكذا الوضوء)]، يعني: الوضوء الكامل الذي فيه الإسباغ، فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم، والترجمة هنا أخذها من قوله: (تعدى)، لأنه جاء في الحديث: تعدى، وقال: الاعتداء في الوضوء، يعني: بالزيادة، وتجاوز الحد الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان يزيد على ثلاث فهذا من الإسراف، وهو من العدوان، ومن الظلم، ومن الإساءة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، حيث قال: [(فقد أساء وتعدى وظلم)].وفي الحديث بيان التعليم بالفعل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عن الوضوء توضأ وأراه كيف يتوضأ، وأنه يكون ثلاثاً ثلاثاً، ثم إنه بين بالقول فقال: [(هكذا الوضوء)] فجمع بين القول والفعل.وقد جاء عند أبي داود: (فمن زاد على هذا أو نقص)، والتعبير بلفظ: (نقص) هذه زيادة ليست عند الباقين الذين رووه، وإنما انفرد بها أبو داود وهي زيادة منكرة أو شاذة، فهي زيادة غير محفوظة وغير ثابتة؛ لأنها تعارض ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الوضوء مرة ومرتين، وقد جاء فيه أحاديث صحيحة كثيرة، أن الرسول توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وفاوت أيضاً بين الغسلات، بحيث يكون بعض الأعضاء واحداً، وبعضها اثنين، وبعضها ثلاثة، لكن النقصان عن هذا العدد الذي هو الثلاث هذه زيادة منكرة أو شاذة، وإنما الثابت هي الزيادة التي جاءت عند غير أبي داود، ومقتضى هذه الزيادة وهي: (أو نقص) أن الإنسان إذا نقص عن ثلاث فمعناه: أنه ظلم، أو أنه أساء، وهو ليس بمسيء ولا ظالم، بل هو محسن، لفعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص في النهي عن الاعتداء في الوضوء

قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].ومحمود بن غيلان ثقة خرج حديثه الجماعة إلا أبا داود.[حدثنا يعلى].يعلى هو ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[يروي عن سفيان].سفيان هو: الثوري الإمام المعروف، الذي مر ذكره مراراً، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن موسى بن أبي عائشة].موسى بن أبي عائشة ثقة، عابد، حديثه عند الجماعة.[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]عمرو هو: ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صدوق، حديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وأصحاب السنن الأربعة.وأبوه الذي يروي عنه هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو أيضاً صدوق، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة، وعند أصحاب السنن الأربعة، وقد قال الحافظ: إنه ثبت سماعه عن جده، معناه: أن عمراً يروي عن أبيه، وأبوه شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون الحديث ثابتاً، والحديث الذي يأتي عن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هو من قبيل الحسن وحديثه حسن، وإذا كان الحديث أو الإسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مستقيماً ثابتاً، فإن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا تقل عن الحسن، وهي ثابتة، وقد عول عليها العلماء واحتجوا بتلك الأحاديث التي تأتي عن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.وهذا الحديث هو أول حديث يأتي في سنن النسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:16 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(53)


- باب الأمر بإسباغ الوضوء - باب الفضل في ذلك

لقد أمر الشارع بإسباغ الوضوء، وبين فضله، ومن فضائله أنه يمحو الله به الخطايا، فآخر قطرة ماء تنزل من العضو تنزل معها خطايا هذا العضو، كما أن في إسباغ الوضوء رفعة لدرجات العبد عند ربه عز وجل.
الأمر بإسباغ الوضوء

شرح حديث ابن عباس في الأمر بإسباغ الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بإسباغ الوضوءأخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا أبو جهضم حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنا جلوساً إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: (والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء: فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الأمر بإسباغ الوضوء.إسباغ الوضوء كما عرفنا فيما مضى يكون بالعدد، وهو أن يكون ثلاثاً، ويكون بالدلك والاستيعاب في الغسلات، هذا هو إسباغ الوضوء، أما المجزئ منه فهو الذي يحصل فيه الاستيعاب للأعضاء، ولو مرة واحدة، وهذا الحد الأدنى لا بد فيه من الاستيعاب. والإسباغ هو أن يكون دلكاً، وأن يصل العدد الأكمل الذي هو ثلاثاً، لكن لا يزيد عليها؛ لأنه كما تقدم في الحديث السابق الذي مر آنفاً، أن ذلك اعتداء، وظلم، وإساءة، يعني: التجاوز، وهو من الإسراف.وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ما خصنا رسول الله) يعني: أهل البيت. (بشيء دون الناس، إلا بثلاثة أشياء؛ فإنه أمرنا بأن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمر على الخيل).ومن المعلوم: أن إسباغ الوضوء ليس خاصاً بآل البيت، وكذلك إنزاء الحمر على الخيل ليس خاصاً بأهل البيت، وإنما الخاص بهم الذي يختصون به عن غيرهم، هو تحريم الصدقة عليهم، ولعل قوله: [(ما خصنا)] أن الخطاب حصل فيها جميعاً، يعني: لا تفعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، أو لا تفعلوا كذا لكن افعلوا كذا.أما إسباغ الوضوء فليس خاصاً بهم، بل الأمر لهم ولغيرهم، وهو حكم عام يشمل الأمة، وإنزاء الحمر على الخيل أيضاً كذلك مشترك بينهم وبين غيرهم، وهو من جنس ما جاء عن علي رضي الله عنه لما سأله أبو جحيفة: (هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا، ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة) وهي صحيفة فيها مسائل متعددة، وأحاديث متعددة، معناه: أنها عندهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا كذلك هذه الأمور في الحديث هي عندهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، رواها ابن عباس عن رسول الله يعني: هذا الحديث، ولكن الخصوصية لأهل البيت هي بتحريم الصدقة عليهم، أما الإسباغ فإن هذا لهم ولغيرهم، وإنزاء الحمر لهم ولغيرهم.وقوله: [(ولا ننزي الحمر على الخيل)].إنزاء الحمر على الخيل، يعني: كونهم يجعلون الحمر تنزو على الخيل؛ لأنها إنزاء جنس على غير جنس؛ لأن الذي يولد عن طريقها أو بهذه العملية يصير جنساً آخر ليس بجيد، فالرسول نهى أن تنزى الحمر على الخيل، وإنما الحمر على الحمر والخيل على الخيل، ولا تنزى الحمر على الخيل، يعني كونها تمكن من أن تعلو عليها وتنزل فيها ماءها، ويترتب على ذلك ولد من جنس ثالث.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الأمر بإسباغ الوضوء

قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].يحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا حماد].حماد هو ابن زيد بن دينار البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[حدثنا أبو جهضم].أبو جهضم هو موسى بن سالم، وهو صدوق، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس].فـعبد الله بن عبيد الله بن عباس يعني: ابن عبد المطلب، عمه عبد الله بن عباس، وهو هنا يروي عن عمه عبد الله بن عباس؛ لأن هذا عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وعبيد الله هو أخو عبد الله، قال: (كنا جلوساً عند عبد الله بن عباس). وعبد الله بن عبيد الله هو ثقة، حديثه عند الجماعة.[عن عبد الله بن عباس].عبد الله بن عباس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، والذي مر ذكره مراراً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في بيتين من الشعر.

شرح حديث: (أسبغوا الوضوء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)]. أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)، وهو يبين أن إسباغ الوضوء أمر عام ليس لأهل البيت خاصة، كما جاء في الحديث الذي قبل هذا.فإذاً: ليس من الثلاث التي تقدمت مما يخص أهل البيت إلا أنه تحرم عليهم الصدقة، أما إسباغ الوضوء، فحديث عبد الله بن عمرو هذا يدل على التعميم، وأن هذا حكم عام لجميع الأمة؛ لأنه قال: (أسبغوا الوضوء) كما في رواية عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أسبغوا الوضوء)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد، ومر ذكره.[حدثنا جرير].جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة من رجال الجماعة.[عن منصور].منصور وهو: ابن المعتمر ،وهو ثقة من رجال الجماعة أيضاً.[عن هلال بن يساف].هلال بن يساف بكسر الياء، وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والأربعة.[عن أبي يحيى].أبو يحيى هو: مصدع الأعرج وهو مقبول، روى عنه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عبد الله بن عمرو].عبد الله بن عمرو هو: ابن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره فيما مضى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وعرفنا أنه ليس بينه وبين أبيه إلا اثنتي عشرة سنة؛ لأن أباه احتلم، وهو في سن مبكرة، وتزوج وهو صغير، وولد له وهو صغير، يعني: ولد عبد الله لـعمرو وعمرو عمره اثنتا عشرة سنة رضي الله تعالى عنهما.
الفضل في ذلك

شرح حديث أبي هريرة في فضل إسباغ الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في ذلك.أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)].لما ذكر النسائي في الباب الذي قبل هذا الأمر بإسباغ الوضوء، وأورد تحته بعض الأحاديث الدالة على ما ترجم له؛ عقبه بهذه الترجمة، وهي قوله: [الفضل في ذلك] يعني: الفضل في إسباغ الوضوء، وما يدل على فضل إسباغ الوضوء، وعلى ما فيه من الفضيلة، وما فيه من الأجر والثواب. هذا هو المقصود بالترجمة. وأورد حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين أن إسباغ الوضوء على المكاره، وما أضيف إليه من كثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة بين أن الله تعالى يمحو به الخطايا ويرفع به الدرجات. وبين بعد ذلك أيضاً في قوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) فدل على الفضل من جهتين: من جهة أنه ذكر أولاً: أن هذا مما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، ثم ختم ذلك بقوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).ثم إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم تمهيداً لما يريد أن يبينه لأصحابه، هذا من كمال نصحه، وكمال بيانه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أحياناً يحصل منه أن يشير قبل ذكر ما يريد أن يذكره بما يلفت النظر إليه، وبما يحفز الهمم إليه، ولما يجعل النفوس تتطلع إليه، ألا أخبركم بكذا وكذا؟ فيذكر شيئاً من الفضائل في عمل من الأعمال، تجعل السامع يشرئب، ويترقب، وينتظر، ويستعد، ويتهيأ لمعرفة هذا الذي يكون بهذا الوصف، وبهذا الشأن، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال أولاً: إسباغ الوضوء، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فيه كذا وكذا، وإنما أتى بشيء فيه استفهام، وهذا من بيانه عليه الصلاة والسلام، ويأتي على صيغ مختلفة، من ذلك ما يأتي في بعض الأحاديث: ثلاث من وجدت فيه فله كذا وكذا، وذلك مثل قوله: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) فهنا ذكر وصف هذا العدد في شيء يجعل النفوس تترقب إليه.ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فهو تمهيد مشتمل على أوصاف، تجعل السامع يتشوف، ويستعد، ويتهيأ لاستيعاب ما يلقى عليه، وما يبين له، وهذا من كمال نصحه، وكمال بيانه عليه الصلاة والسلام.قوله: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟) ففيه تخليص من ذنوب، ورفعة درجات، تخلية وتحلية، فالتخلية هي: تجاوز، ومحو، ومغفرة الذنوب، والتحلية وهي: رفعة درجات.ففيه حط خطايا، ومحو خطايا، ورفعة درجات، والمحو يمكن أن يكون من صحف الملائكة الذين يكتبون السيئات؛ لأنهم يكتبون الحسنات والسيئات، وليست القضية هي مجرد محو، وإنما مع المحو علو، وسمو، ورفعة درجة، وعلو مكانة، ورفعة الدرجات إنما هي في الجنة؛ لأن الجنة درجات، كما أن النار دركات بعضها أسفل من بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، فيرفع الله تعالى له الدرجات في الدنيا والآخرة، بأن يكون له مكانة في النفوس، ومحبة في النفوس، وفي الآخرة رفعة درجات في الجنة، وعلو درجات في الجنة عند الله سبحانه وتعالى.ثم بين ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: (إسباغ الوضوء على المكاره)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وهي: فضل إسباغ الوضوء، وهذا الفضل للإسباغ ولغيره معه الذي هو: كثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، هذه الأمور الثلاثة يرفع الله تعالى بها الدرجات، ويحط بها الخطايا، ووصفت بأنها الرباط ثلاث مرات.وقوله: (إسباغ الوضوء على المكاره) يعني: ما كان فيه مشقة، وكون الإنسان يتوضأ، ويسبغ الوضوء، وفي ذلك مشقة عليه، بأن يكون مثلاً الماء فيه برودة، فتجده يصبر على المشقة، وعلى ما تكرهه النفوس، وما يشق على النفوس؛ لما فيه من رفعة الدرجات عند الله عز وجل.وليس معنى هذا أن الإنسان يلازم الإقدام على ذلك الشيء، الذي هو استعمال الماء البارد، وإن حصل له الضرر من ورائه؛ فإن الإنسان لا يجلب لنفسه الضرر، ولكن المقصود من ذلك: الشيء الذي لا يترتب عليه مضرة على الإنسان من مرض أو هلاك، وإنما فيه مشقة تتحملها النفوس، وتصبر عليها في سبيل الله وابتغاء وجه الله عز وجل، وابتغاء الرفعة، وعلو الدرجة عند الله سبحانه وتعالى. هذا هو المقصود بإسباغ الوضوء على المكاره.ثم أيضاً: يصبر على الوضوء، ويقدمه على غيره من أمور الدنيا، فالوضوء، والصلاة، وما طولب به الإنسان من العبادات، فإنه يقدمها، ولا يجعل الدنيا تنافسها، أو تحول دونها، أو تعوق دونها، أو تشغله عنها، بل أمور الآخرة هي المقدمة، وهي التي فيها الشغل عن الدنيا؛ لأن الدنيا والاشتغال بها كل ذلك متاع في الحياة الفانية، والحياة المنتهية، وأما الطاعات والمحافظة عليها فهي الزاد في الحياة الباقية والحياة الدائمة، كما قال الله عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، فالإنسان يصبر على الطاعات وإن شقت على النفوس؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنار حفت بالشهوات.ومن الأشياء التي فيها مشقة، والنفوس لا تميل إليها، مثل: الذهاب إلى المسجد في شدة الرمضاء، وفي شدة الحر، وفي شدة البرد، وما إلى ذلك من الأشياء التي فيها مشقة على النفوس، ولكنها تستسهل وتخف على النفوس؛ لأن فيها محافظة على طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، يعني: أنها تحتاج إلى ابتغاء وجه الله عز وجل، وصبر على طاعة الله؛ لأن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله، والطاعات يصبر عليها وإن شقت على النفوس، والمعاصي يصبر عنها، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وحفت النار بالشهوات) فيحتاج الإنسان إلى أن يصبر عنها، وإن اشتهتها النفوس، ومالت إليها النفوس، إلا أنها تميل إلى شيء فيه لذة ساعة، ولكن يعقبها شقاوة، ويعقبها حسرة، ويعقبها ندامة، فلا يقدم الإنسان على لذة عاجلة تورث خيبة، وخساراً، وهلاكاً، ودماراً في الدنيا والآخرة، والعياذ بالله.

فضل كثرة الخطا إلى المسجد

قوله: (وكثرة الخطا إلى المساجد)، يعني: بأن يكون الإنسان مكانه بعيداً عن المسجد، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني سلمة سينتقلون إلى قرب المسجد، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (بلغني ذلك عنكم، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم) يعني: الزموا دياركم تكتب آثاركم؛ لأن كثرة الخطا إلى المساجد مع الصبر والاحتساب فيه عظيم الدرجات.وكان بعض الصحابة -قيل: عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، والحديث في صحيح مسلم- بيته بعيداً، وكان لا تفوته صلاة جماعة، فقيل له: (لو أنك اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء، وفي الليلة الظلماء، فقال: إني ما أحب أن يكون بيتي قرب المسجد، إني أحب أن يكتب الله لي خطواتي في ذهابي إلى المسجد، ورجوعي إلى أهلي، أن يكتبها الله لي، ويحط بها عني خطايا، ويكتب لي الدرجات أو الحسنات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد جمع الله لك ذلك كله).فإذاً: كثرة الخطا إلى المساجد، بكون بيته بعيداً، ويصبر، ويحتسب، هذا مما يرفعه الله تعالى به درجات، ويحط عنه خطيئات، ولهذا جاء في الحديث أنه:(ما يخطو خطوة إلا ويحط الله عنه بها خطيئة، ويرفع له بها درجة) كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة

ثم قال: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) هذا يحتمل أن يكون المراد به: كونه يبقى في المسجد بأن يصلي صلاة، ثم يجلس في المسجد ينتظر الصلاة الثانية، ويمكن أيضاً أن يكون المراد به: وإن ذهب من المسجد إلى بيته إلا أن قلبه متعلق بالمسجد، بمعنى: أنه إذا ذهب من المسجد يفكر متى يرجع إليه، وقلبه متعلق بالمسجد، فهو لا يرجع منه إلا وهو يفكر في الذهاب إليه، ويتطلع إلى الرجوع إليه.وهذا هو ما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) يعني: لا يذهب منه إلا وهو مشدود إليه، ومدفوع إليه، يتحرى ويترقب الوقت الذي به يرجع إلى المسجد. إذاً يمكن أن يدخل تحته من يصلي الصلاة، ثم يجلس يقرأ القرآن حتى تأتي الصلاة الأخرى، لا سيما في الأوقات المقاربة، مثل: ما بين العصر والمغرب، والمغرب والعشاء؛ فإن هذه أوقات متقاربة، يمكن أن يكون فيها الجلوس في المسجد، وذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، أو يكون المعنى: أنه يرجع، ولكنه إذا رجع يكون قلبه متعلقاً بالمسجد يفكر متى يرجع إليه.إذاً: هذه الأعمال الثلاثة التي هي: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) مما يحط الله بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات.ثم أيضاً وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا هو الرباط: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، والرباط: هو المرابطة على الشيء والملازمة له، وهو يطلق على الرباط في سبيل الله، وهو سد الثغور، والمداخل التي يدخل منها الكفار، والأعداء إلى بلاد المسلمين، الأعداء الذين يتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين، والإساءة إليهم؛ فإن البقاء في الثغور، والمنافذ، والمداخل التي في طريق الكفار، ويمكن أن يهجم منها العدو؛ هذا من الرباط في سبيل الله؛ لأن فيه ملازمة في الجهاد في سبيل الله؛ لأن كونه يجاهد في سبيل الله، ملازم في المكان الذي يأتي منها الأعداء فهو يحول دونهم، ويصدهم عن أن يدخلوا إلى المسلمين، وأن يفتكوا بهم، ويؤذوهم.فمثله هذا الذي جاء في هذا الحديث، من كون الإنسان يلازم المساجد، ويحرص عليها، ويتعلق قلبه بها، وينتظر الصلاة بعد الصلاة، بمعنى: أنه يجلس في المسجد ينتظر الصلاة التي بعدها، وكذلك إذا خرج هو متعلق قلبه بها، وكذلك أيضاً يذهب إليها، وإن كان مكانه بعيداً ذاهباً آيباً، كل ذلك فيه مشقة عليه، وكل ذلك يكتبه الله عز وجل له، ويحط عنه به الخطايا، ويرفع به الدرجات، وكذلك إسباغه الوضوء على المكاره في الشيء الذي يكون عليه مشقة، وعليه تعب، فإنه يصبر ويحتسب لكن بشرط: أن لا يلحق ذلك به ضرراً: من مرض يحبسه عن الطاعة، أو هلاك، أو موت يترتب على إضراره بنفسه، إذا لم يحصل ذلك، وإنما إن حصل مجرد المشقة، فإن الطريق إلى الجنة شاق، ويحتاج إلى صبر واحتساب، ليس كما يقال: مفروشاً بالورود والرياحين، وإنما فيه العناء والمشقة، فيه التكاليف والتكاليف شاقة، ولكن من يوفقه الله عز وجل يصبر، ويحتسب، وإن شقت التكاليف عليه؛ لأنه يعلم أن العاقبة حميدة، ويعلم أن النتيجة طيبة.إذاً قوله: (فذلكم الرباط) يعني: هذا هو الذي فيه الملازمة والثبوت على هذا العمل الذي يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، وهو يشبه الرباط في سبيل الله.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل إسباغ الوضوء

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، ما أكثر ما يأتي ذكره في الأسانيد، بل هو أول شخص روى عنه النسائي في سننه حديثاً، وأول شيوخه في كتابه السنن وهو: قتيبة بن سعيد، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو من الثقات، الأثبات، وممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة، صاحب المذهب المالكي، أحد المذاهب الأربعة، الذي صار له أصحاب عنوا بجمعه، والتأليف فيه، وتنظيمه، وترتيبه، وبقيت أقواله ومذهبه لعناية أصحابه بفقهه، وإلا فإن غير الأئمة الأربعة في زمانهم وقبل زمانهم من كان مجتهداً، وله كلام في مسائل الفقه، لكنه ما لقي مثل ما لقي هؤلاء الأربعة، من وجود أصحاب لهم، وأتباع لهم يعنون بجمع فقههم.فهذا الرجل الذي هو الإمام مالك رحمة الله عليه محدث، فقيه، وكتابه الموطأ مشتمل على حديث، وعلى فقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل إن أصح الأسانيد عند البخاري السلسلة التي فيها مالك: مالك عن نافع عن ابن عمر.[عن العلاء بن عبد الرحمن].هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، وهو صدوق، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، والحرقة هم من جهينة.[عن أبيه].أبوه هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، وهو ثقة، والذين خرجوا له مثل الذين خرجوا لابنه: البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فقد خرجوا للاثنين على حد سواء: عبد الرحمن بن يعقوب، وابنه العلاء بن عبد الرحمن.[عن أبي هريرة].هو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثرهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:09 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(54)

- باب ثواب من توضأ كما أمر

رتب الشارع أجراً عظيماً على إسباغ الوضوء على المكاره، وجعل ذلك بمنزلة المرابط في سبيل الله، بل جعل الشارع للمتوضئ وضوءاً صحيحاً كما أمره الله أنه يُغفر له ما تقدم من ذنبه.
ثواب من توضأ كما أمر

شرح حديث: (من توضأ كما أمر... غفر له ما قدم من عمل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من توضأ كما أمر.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الرحمن عن عاصم بن سفيان الثقفي أنه قال: (إنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر رضي الله عنهما، فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العام، وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فقال: يا ابن أخي! أدلك على أيسر من ذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما قدم من عمل، أكذلك يا عقبة ؟ قال: نعم)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب ثواب من توضأ كما أمر، يعني: من أتى بالوضوء كما أمره الله عز وجل بأن أدى الواجب الذي عليه.ومن المعلوم أن الأمر منه ما هو إيجاب ومنه ما هو استحباب، وأمر الإيجاب هو: المرة الواحدة التي يكون بها الاستيعاب للأعضاء، هذا هو الأمر الواجب الذي لا يجوز أقل منه، ولا يصح الوضوء مع ما هو أقل من ذلك، مرة واحدة فيها الاستيعاب، فلو حصل نقص في بعض أعضاء الوضوء أو في العضو الواحد فإنه لا يصح الوضوء، وقد مر الحديث الذي فيه: (ويل للأعقاب من النار) أي: الذين توضئوا وأعقابهم تلوح بياضاً ما جاءها الماء، فحصل الوعيد.فإذاً: أقل القدر المجزئ والأمر الواجب الذي لا يجوز شيء دونه هو المرة الواحدة مع الاستيعاب، وهو الذي لا بد منه، فإذا نقص، بمعنى: أن بعض الأعضاء ما حصل لها استيعاب من الماء، أو جزء من بعض الأعضاء، أو أحد الأعضاء، فإن الوضوء لا يصح.وأما الذي هو مستحب فهو الوصول إلى ثلاث غسلات، هذا هو المستحب الذي في إسباغ الوضوء والذي هو التثليث، والدلك، وإطالة التحجيل الذي هو عندما يغسل الإنسان اليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، يعني: يزيد قليلاً، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقصى ما فعله رسول الله هو الإشراع في العضد، أي: بمعنى أنه تجاوز المرفقين لكن لا يبعد كثيراً، فهذا إسباغ الوضوء من حيث الموضع ومن حيث الدلك. وأما من حيث العدد الذي هو التثليث فالإسباغ يكون بالتثليث، ويكون بالدلك، ويكون بمجاوزة المرفقين والكعبين قليلاً بحيث يدخل في الساق وفي العضد، لكنه لا يتوغل ولا يبعد كثيراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقصى ما ثبت عنه أنه أشرع في العضد، معناه أنه دخل فيها لا أنه أكثر الغسل فيها وأنه غسل قسماً كبيراً منها، وإنما أشرع فيها يعني: دخل فيها، فهذا هو الإسباغ.إذاً: الأمر فيه أمر إيجاب لا أقل منه ولا يصح شيء دونه، وهو المرة الواحدة مع الاستيعاب، وأمر الاستحباب الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالإسباغ، ويدخل تحته العدد الذي هو ثلاث؛ فمن توضأ كما أمره الله، وأدى الواجب الذي أوجبه الله عليه واعتنى بذلك، فإن له ثواباً عظيماً عند الله عز وجل. والترجمة هي: ثواب من توضأ كما أمر، يعني: من توضأ كما أمره الله عز وجل، فإن له ثواباً عظيماً عند الله عز وجل.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة أحاديث، أولها: حديث أبي أيوب، وعقبة بن عامر؛ لأن هذا الحديث يعتبر حديثين باعتبار الصحابيين؛ لأنه عن أبي أيوب، ثم إن عقبة قال: أكذلك؟ يعني: أكذلك قال رسول الله؟ قال: نعم، إذاً: هو حديث عن صحابيين، والحديث يعتبر حديثين الآن؛ لأن الحديث عندهم واحد باعتبار الصحابي؛ لأنه قد يكون جاء من صحابي آخر فيكون حديثاً آخر، فعندما يعدون الأحاديث في الصحيحين أو في غيرهما، يعدونها باعتبار الصحابة، فلو كان الحديث جاء عن عدة من الصحابة ما يعتبرونه حديث مكرر، هو حديث مكرر باعتبار الصحابي، فإذا جاء عن صحابي واحد في عدة مواضع قالوا: مكرر، لكن إذا جاء الحديث نفسه عن فلان وعن فلان وهو حديث واحد يعتبر حديثين، فلا يعتبرونه حديثاً واحداً، الحديث عندهم باعتبار الصحابي، فلو كان حديثاً جاء عن صحابي آخر اعتبر حديثين، وعندما يعدون ما يعدون عن الصحابيين حديثاً واحداً، وإنما عن كل صحابي حديثاً، والأحاديث بدون تكرار يعدون فيها، لو جاء الحديث عن عدد من الصحابة لاعتبروه عدة أحاديث؛ لأن الحديث عندهم باعتبار الصحابي لا باعتبار متنه ولو كثرت صحابته، وإنما المكرر عندهم باعتبار الصحابي الواحد كونه يأتي عن صحابي ويتكرر ألفاظه، مثل: حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين جاء في مواضع عديدة، هذا يقال له: حديث مكرر في سنن النسائي، لكن هذا الحديث الذي معنا الآن: حديث أبي أيوب، وحديث عقبة بن عامر يعتبران حديثين وليس حديثاً واحداً.إذاً: عاصم بن سفيان يروي الحديث عن أبي أيوب الأنصاري، وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنهما؛ لأن أبا أيوب هو الذي ساق الحديث، ثم قال أبو أيوب لـعقبة بن عامر: أكذلك؟ قال: نعم. معناه: أن عقبة بن عامر وافق أبا أيوب على أنه سمع الحديث من رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال له أبو أيوب: أكذلك يا عقبة ؟ قال عقبة: نعم.إذاً: الحديث عن عقبة وعن أبي أيوب معاً، وكما قلت لكم: إن الحديث يكون باعتبار الصحابي، مثل حديث جبريل المشهور، هو متفق عليه من حديث أبي هريرة، وانفرد به مسلم من حديث عمر، هو نفسه حديث جبريل المشهور، لكنه عند مسلم من حديث عمر، وعند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة، ومن أفراد مسلم من حديث عمر.إذاً: الحديث باعتبار الصحابي، لا يقال: إن حديث عمر وحديث أبي هريرة مكرر، وإنما حديث عمر إذا جاء في عدة مواضع مكرر، وحديث أبي هريرة إذا جاء في عدة مواضع مكرر، لكن حديث عمر مستقل، وحديث أبي هريرة مستقل.كذلك مثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، فهو موجود في البخاري من حديث ابن عمر، وقد قال ابن حجر في شرح الحديث: وهذا الحديث من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، أربعين ألف حديث لا يوجد فيها حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس)، لكنه موجود من حديث أبي هريرة في مسند الإمام أحمد.فقوله: (خلا منه مسند الإمام أحمد) يعني: خلا منه من حديث ابن عمر، لكن ما خلا منه من حديث أبي هريرة؛ ذلك لأن الحديث باعتبار الصحابي لا باعتبار لفظه وباعتبار متنه، بل هو باعتبار صحابيه.ومتن الحديث يقول عاصم بن سفيان الثقفي: أننا غزونا السلاسل ففاتنا الغزو، فرابطنا، يعني: جلسوا في الثغور مدة عند الحدود التي تكون مع الأعداء، جلسوا في الثغور ليحرسوا بلاد المسلمين من أن ينقض عليهم الكفار، ثم عادوا وجاءوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهما، فقال عاصم يخاطب أبا أيوب: إننا غزونا العام وفاتنا الغزو فرابطنا، وأخبرنا أن من صلى في المساجد الأربعة غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال أبو أيوب: ألا أدلك على ما هو أيسر من ذلك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر؛ غفر له ما تقدم من عمله) يعني من عمل سيئ. هذا هو المقصود من إيراد الحديث، من توضأ كما أمر ففضل الله تعالى أن يغفر له، لكن هذه المغفرة كما عرفنا مراراً هي للسيئات التي هي الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من توبة، فالكبائر تكفرها التوبة، وأما الصغائر فتكفرها الأعمال الصالحة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: الصغيرة تكفر باجتناب الكبائر، وتكفرها الأعمال، فإذا وجدت الأعمال الصالحة ووجد معها توبة من جميع الذنوب لا شك أن هذه التوبة وهذا العمل الصالح كفر ما مضى من كبائر وصغائر، أما أن يعمل الإنسان العمل الصالح وهو مصر على عمل سيئ؛ فهذا العمل الصالح الذي حصل منه لا يكفر ذلك السيئ الذي هو مصر عليه، وإنما يكفر الصغائر التي تكفر باجتناب الكبائر، والتي تمحوها الحسنات إذا جاءت بعدها، والطاعات إذا جاءت بعد السيئات الصغيرة تمحوها، وأما الكبيرة فلا بد فيها من توبة.إذاً: الحديث يدل على عظم ثواب الوضوء عند الله عز وجل، فمن توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما تقدم من عمل.الحديث في أوله: أنا غزونا، يعني: السلاسل، يعني: غزوة من الغزوات، ولكن فاتهم الغزو، ولكنهم لما فاتهم جلسوا مرابطين في الثغور وفي المداخل، ولما لقوا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم سألوهم، ووجهوا السؤال لـأبي أيوب الأنصاري: أنه بلغنا أن من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فـأبو أيوب قال: (ألا أدلك على ما هو أيسر من ذلك؟).هذا اللفظ الذي قال: (أخبرنا). هذا كما هو معلوم لم يبين المخبر، وهو كما هو معلوم لا يقال بالرأي، ولكن الذي قاله تابعي وما عزاه إلى أحد، ولا أدري شيئاً عن ثبوته، لكن أبو أيوب أرشده إلى ما هو أيسر من هذا، فذاك عمل فيه مشقة؛ لأنه يحتاج إلى سفر ويحتاج إلى عناء، لكن هذا الشيء ما يحتاج إلى سفر، كون الإنسان يتوضأ كما أمر، ويصلي كما أمر، ثم يغفر الله له ذنوبه، وهو أسهل من هذا الأمر الذي يحتاج إلى سفر.والمساجد الأربعة هنا مطلقة ولا ندري ما هي، وكما قال أحد الشراح: لعل المقصود بها المساجد الأربعة التي تشد الرحال إليها بإضافة مسجد قباء؛ لأن هذه هي المساجد التي جاءت فيها فضيلة تخصها، والمساجد الثلاثة -وهي: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى- ومسجد قباء، فالثلاثة التي يشد الرحال إليها وقباء، فمن جاء إلى المدينة ومن كان في المدينة؛ فإن ذهابه إلى قباء فيه فضيلة، وفيه أجر عظيم ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمساجد الأربعة لعله يريد بها هذه المساجد التي هي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ومسجد قباء.لكن أبا أيوب رضي الله عنه أرشده إلى عمل لا يحتاج إلى سفر، وليس فيه مشقة يعني من حيث السفر، وإنما من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل، أي: من عمل سيئ.فهذا يدلنا على فضل الوضوء وعلى ثواب الوضوء، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له؛ لأن فيه ثواب من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، وهو قوله: (غفر له ما تقدم له من عمل).ثم قال أبو أيوب: (أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم).إذاً: الحديث جاء عن صحابيين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.وهذا أيضاً يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من الحرص على الجهاد، ومن العمل أو البحث عن عمل فيه أجر وفيه ثواب؛ لأن هؤلاء لما فاتهم الجهاد رابطوا، ثم أيضاً سألوا عن عمل تحط به الخطايا وترفع به الدرجات.

تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ كما أمر... غفر له ما قدم من عمل)

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو قتيبة بن سعيد، وهو الذي تقدم.[حدثنا الليث].هو الليث بن سعد المصري، الإمام المشهور، الثقة الفقيه المحدث، مكثر من الحديث، وإمام مشهور في الفقه، وهو فقيه مصر، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الزبير].هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي، وهو صدوق يدلس، أي: صاحب تدليس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان بن عبد الرحمن].وهو: سفيان بن عبد الرحمن بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي، وسفيان بن عبد الرحمن مقبول، روى له النسائي وابن ماجه .وقوله: [عن عاصم].و عاصم هو جده، وسفيان بن عبد الرحمن يروي عن جده عاصم بن سفيان بن عبد الله، وعاصم هذا صدوق، وخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهذا هو التابعي الذي لقي هؤلاء الصحابة وسأل أبا أيوب، وهو الذي حصل منه الجهاد والرباط، وحصل منه السؤال لـأبي أيوب وكان بحضور معاوية وعقبة، وأجابه أبو أيوب بما أجابه به، ثم قال: أكذلك يا عقبة ؟ فقال: نعم. فدل على أن عاصماً هذا يرويه عن صحابيين؛ يرويه عن أبي أيوب الأنصاري وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنهما.وقوله: [عن أبي أيوب الأنصاري].وهو: أبو أيوب الأنصاري الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه في داره لما قدم المدينة، فأول ما قدمها نزل في دار أبي أيوب هذا، وقد مر ذكره فيما مضى، وتوفي وهو في الغزو في بلاد الروم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في داره كانت مكونة من دورين، أي: دار أبي أيوب كما في صحيح مسلم، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأول وكان هو فوق، ثم بعد ذلك جاء وقال: لا أريد أن أكون تحتك، بل أنت الذي تكون فوق، فألح عليه حتى قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل من فوق، والحديث في صحيح مسلم، يعني: هذا الرجل سبق أن مر، وهو الذي نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في داره عندما قدم المدينة قبل أن يبني المسجد وقبل أن يبني حجرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن.وقوله: [ عقبة بن عامر].هو: عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي جاء عنه في الصحيح أنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما كانت نوبتي روحتها بعشي) يعني: بكر في الانصراف، ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحضر مجلسه وسمع حديثه، وكان يحدث عن الوضوء وعن الذكر بعد الأذان، فقال لما سمع قال. والحديث في صحيح مسلم، أنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: بعضهم بدل ما يكون كل واحد يسرح بإبله يجمعونها وكل واحد يروح فيها يوم، والباقين جالسين يسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما صارت نوبته أتى بها مبكراً بعشي، ثم جاء وأدرك بقية المجلس مع رسول الله، وسمع حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

شرح حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان أخبر أبا بردة في المسجد أنه سمع عثمان رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن).ثم أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي يرويه عنه مولاه حمران بن أبان، والذي يقول فيه عثمان: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتم الوضوء كما أمره الله، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)، يعني: من أتم الوضوء وصلى الصلوات الخمس، فهو كفارة لما بينهن، فالصلاة من شرطها الوضوء، فمن أتى بالشرط وبالمشروط كما أمره الله، فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن.ومن المعلوم أن الصلوات تنبني على وضوء، ولا صلاة بدون وضوء كما تقدم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)، فإذا توضأ الإنسان وأتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن، وهذا شاهد للحديث الذي مضى حديث أبي أيوب، وحديث عقبة بن عامر الجهني، أيضاً هو من الشواهد؛ لأنه في معناه والكل يدل على فضل الوضوء وفضل الصلاة، وثواب الوضوء، وثواب من توضأ كما أمر ومن صلى كما أمر، يعني: أن الصلوات كفارة لما بينهن، كل صلاة تكفِّر ما بينها وبين الصلاة الأخرى، أي: الصغائر، أما الكبائر فالأمر يحتاج فيها إلى توبة كما عرفنا ذلك من قبل.إذاً حديث حمران عن عثمان: (من أتم الوضوء كما أمر فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن) يدل على فضل الوضوء، إذا توضأ كما أمر، وأتم الوضوء كما أمر، فهو دال على ثوابه وعظم أجره مع الصلوات الخمس؛ لأن الوضوء كما هو معلوم هو شرط للصلاة، والصلاة مشروط الوضوء، وكل منهما فيه هذا الثواب العظيم عند الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى، هو: الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وأبو داود في كتاب القدر ولم خرج له في السنن.[عن خالد].خالد، وهو ابن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة بن الحجاج].وهو شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جامع بن شداد].وهو جامع بن شداد المحاربي أبو صخرة الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حمران].وهو حمران بن أبان مولى عثمان، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عثمان].وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحديثه عند الكتب الستة. [أخبر أبا بردة].أبو بردة ليس من رواة الإسناد هنا؛ وإنما جاء ذكره لأن جامع بن شداد لم يحدث بالحديث، ولكن الذي حُدث به هو: أبو بردة؛ لأن حمران بن أبان يحدث أبا بردة، وهذا يسمع الذي هو: جامع بن شداد، فروى ما سمعه، وقد عرفنا فيما مضى أن الإنسان له أن يتحمل، وإن لم يقصد هو بالتحديث، فإذا سمع من يحدث غيره فله أن يتحمل ويحدث بما سمع، وقد ذكرنا عمل النسائي مع الحارث بن مسكين، بل إنه منعه من أن يأخذ عنه، ومع ذلك يجلس من وراء الستار ويسمع، وهو يحدث غيره، ثم هو يروي، فرواية الراوي ما سمع وإن لم يكن هو مقصوداً بالتحديث سائغ ومعروف عند المحدثين، وأن الإنسان إذا سمع غيره وإن لم يكن يحدثه هو وإنما يحدث غيره فإنه له أن يروي عنه. وهنا: جامع بن شداد ما حدثه حمران، ولكنه سمع حمران يحدث أبا بردة.إذاً: فالحديث يرويه جامع عن حمران، وحمران يروي عن عثمان، وأبو بردة ليس من رواة الإسناد هنا؛ لأنه ذكر على أنه يحدَّث. وذكرنا سابقاً أن شريح بن هانئ جاء وسأل عائشة عن المسح على الخفين، فدلته على علي، وراح إلى علي وأخبره بالحديث، فـعائشة ليست من رواة الإسناد؛ لأنها دالة فقط، والحديث أخذه شريح بن هانئ عن علي رضي الله عنه.أما هنا فـأبو بردة ليس من رجال الإسناد، وإنما هو الذي حدثه حمران، وفي وقت تحديث حمران إياه، وهو في المسجد سمعه جامع بن شداد.فإذاً: جامع بن شداد ضبط ما روى، وهو الحديث الذي رواه عن حمران عن عثمان.ومما يدل على ضبطه: أنه ذكر الشخص المحدث، وذكر المكان الذي حصل فيه التحديث وهو المسجد، فهذا مما يدل على ضبط الراوي؛ لأنه كونه يذكر مع التحديث أموراً لها علاقة فهذه تدل على ضبط الراوي، ومثلما جاء في الحديث حديث ابن عمر: (أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب)؛ لأنه تذكر الهيئة التي كان عليها.

شرح حديث: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء ... إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان أن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)].يقول النسائي رحمه الله في هذا الحديث وهو حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها).وهذا الحديث هو من ضمن الأحاديث التي أوردها النسائي رحمه الله تحت باب: ثواب من توضأ كما أمر، وهو حديث عثمان رضي الله عنه وهو آخرها، وأن هذا من الثواب الذي يحصله من أدى الواجب عليه من الوضوء، الذي هو أحد شروطها، أي: الصلاة.وهذا الحديث من جملة الأحاديث التي أوردها، وبعده حديث في نفس الباب، يقول: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينها وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)، وهذا يدل على عظم فضل الوضوء، وعلى عظم ثوابه عند الله عز وجل، وأن الإنسان إذا توضأ، وصلى فإن الله تعالى يغفر له ما بين الصلاتين، ما بينها وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها.فقوله: (حتى يصليها)، يشعر بأنه يغفر الذنوب المستقبلة، على أنها إذا وقعت التي هي الصغائر، فإنها تكفَّر باجتناب الكبائر، وتكفَّر أيضاً بفعل الصلوات وبفعل الطاعات، ومن ذلك الوضوء والصلاة، فإن الله تعالى جعل ذلك سبباً لمغفرة الخطايا التي هي الصغائر.وأما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة، ولهذا فإن الإنسان يصلي وهو محسن في صلاته؛ لأن الصلاة من خير ما يفعل الناس، لكن قد يكون عنده ذنوب أخرى اقترفها كبائر؛ فإن صلاته لا تكفِّر عنه تلك الكبائر، وتكفير الكبائر يحتاج إلى توبة، فإذا حصل منه صلاة، وحصل منه وضوء، وقد تاب من الكبائر، وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وعمل هذا العمل، فإنه يحصل تكفير الجميع، لكن تكفير الكبائر هو بالتوبة، أما تكفير الصغائر فهو بالأعمال الحسنة، والأعمال الطيبة التي يفعلها، ومن ذلك الوضوء والصلاة، فإنه يكفَّر له ما بينها وبين الصلاة الأخرى.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء ... إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)

قوله: [أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكر هذا الرجل كثيراً، بل إن ورود ذكره أكثر من ذكر غيره، وهو أول شيخ روى له النسائي في سننه، وما أكثر ما يأتي ذكر قتيبة بن سعيد في رواية النسائي عنه.[عن مالك ].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة التي كان لأصحابها أتباع وأصحاب عنوا بتدوين ذلك الفقه وجمعه، فحفظت مذاهبهم وأقوالهم في المسائل الفقهية بسبب وجود أتباع لهم يعتنون بفقههم وغيرهم من الفقهاء في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم، فحصل له مثل ما حصل لهؤلاء من وجود من يعنون بجمع فقههم ويخدمونه ويحرصون عليه، فلهذا لم يحصل تدوين ما جاء عنهم من الفقه وما جاء عنهم من الكلام في مسائل الفقه ما حصل، وإنما حصل لهؤلاء الأربعة الذين هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع.وهؤلاء الأربعة الذين أولهم: أبو حنيفة، ثم بعده مالك، ثم بعده الشافعي، ثم بعده الإمام أحمد بن حنبل وهو آخرهم، والشافعي ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة ، وهي مائة وخمسين من الهجرة، وتوفي سنة مائتين وأربع، فعمره أربع وخمسون سنة، وكل من الثلاثة الأخيرين يروي بعضهم عن بعض، وبعضهم شيوخ لبعض، أي: أن مالك شيخ للشافعي ، والشافعي شيخ للإمام أحمد ، وقد جاء في مسند الإمام أحمد حديث يرويه الإمام أحمد عن الشافعي ، والإمام الشافعي يرويه عن الإمام مالك ، فهو مسلسل بثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المعروفة، وهو حديث: (نسمة المؤمن كطائر يعلق في الجنة)، هذا هو الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك ، فهؤلاء الثلاثة يروي بعضهم عن بعض هذا الحديث، ولهذا لما ذكره ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل في سورة آل عمران: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، قال بعد أن ذكره بإسناده، قال: وهذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة يروي بعضهم عن بعض، حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة). فإذاً: الثلاثة الأخيرين كل واحد يروي عن الآخر، وكل منهم يكنى بأبي عبد الله، فـمالك كنيته أبو عبد الله ، والشافعي كنيته أبو عبد الله، والإمام أحمد كنيته أبو عبد الله ، فالثلاثة يروي بعضهم عن بعض، وكل واحد منهم يكنى بأبي عبد الله، وهذا الحديث الذي أشرت إليه هو مما حصل بهذه السلسلة أو بهذه الرواية التي هي كون ثلاثة من أصحاب المذاهب في إسناد هذا الحديث.وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة: البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .[ عن هشام بن عروة ]. هو: هشام بن عروة بن الزبير ، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير بن العوام ، وهذا من التابعين ومن الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، فيقال عن مسألة اتفقوا عليها: وقال بها الفقهاء السبعة، قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، ويقال لهم: الفقهاء السبعة؛ لأنهم في عصر واحد، وكانوا في المدينة، وكانوا أهل فقه، ويُرجع إليهم في الفقه، وهم أيضاً محدثون؛ لأنهم ممن روى عن الصحابة، وهؤلاء السبعة ستة متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالسبعة المتفق على ذكرهم هم: سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في فقهاء المدينة السبعة.وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال؛ فمن العلماء من يجعل السابع: سالم بن عبد الله بن عمر ، ومنهم من يجعل السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، فهؤلاء ثلاثة اختلف في جعلهم السابع.وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه إعلام الموقعين، حيث ذكر فقهاء الأنصار من الصحابة والتابعين، ولما جاء عند ذكر المدينة وذكر فقهائها في زمن الصحابة وفي زمن التابعين ترى أن من فقهائها في زمن التابعين هؤلاء السبعة، ولكنه جعل السابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وذكر بيتين يشتملان على عدهم لا أدري لمن هذين البيتين: هل هما لـابن القيم أو لغيره، يقول فيهما:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةهذا البيت الثاني يشمل السبعة، والسابع فيهم على أحد الأقوال: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .وعروة بن الزبير هذا حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن حمران مولى عثمان ].هو حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عن عثمان وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عثمان ].هو أمير المؤمنين ذي النورين، وصهر الرسول صلى الله عليه وسلم على ابنتيه: رقية ، ثم أم كلثوم ، وصاحب المناقب الكثيرة والخصال الحميدة، وهو ثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وعن الصحابة أجمعين، لا سيما في ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالوضوء؛ فإن النسائي أورده في أبواب متعددة يستدل به على موضوعات مختلفة، وهنا أورد الحديث الذي هو حديث حمران عن عثمان الذي فيه بيان ثواب الوضوء، وأن من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلاة فإن الله تعالى يغفر له ما بين الصلاة والصلاة الأخرى حتى يصليها.إذاً: فرجال هذا الإسناد هم: قتيبة بن سعيد ، ومالك بن أنس ، وهشام بن عروة ، وعروة بن الزبير ، وحمران مولى عثمان ، وعثمان، وهؤلاء الستة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:10 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث عمرو بن عبسة في ثواب من توضأ كما أمر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا الليث هو ابن سعد حدثنا معاوية بن صالح أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة نعيم بن زياد، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول: سمعت عمرو بن عبسة رضي الله عنه يقول: قلت: (يا رسول الله! كيف الوضوء؟ قال: أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك.قال أبو أمامة: فقلت: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال: أما والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم)].ثم أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه الذي يروي فيه الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعلق، أو الدال على ثواب من توضأ، وعِظم ثوابه عند الله عز وجل.وعمرو بن عبسة يرويه عن أبي أمامة الباهلي ، وهما صحابيان، فالحديث من رواية صحابي عن صحابي، وعمرو بن عبسة صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء؟ فقال له: (أما الوضوء فإنك إذا غسلت يديك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك)، يعني: أنه إذا غسلهما عند البدء في الوضوء، فإنه يبدأ بغسل اليدين، وهذا كما هو معلوم وسبق أن مر، وهذا من الأمور المستحبة في الوضوء أنه عندما يبدأ الإنسان بالوضوء يغسل يديه خارج الإناء الذي يتوضأ منه، فإذا غسلهما وأنقاهما أدخل يده اليمنى في الإناء وأخذ -غرف- منها لغسل الأعضاء، فيقول: (إذا غسلت يديك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أناملك وأظفارك)، يعني: أن المقصود من ذلك الخطايا المتعلقة باليدين فإنها تخرج مع الماء.وهذا الحديث الذي معنا يتفق مع ما جاء في الحديث الذي سبق أن مر عن الصنابحي الذي يدل على فضل الوضوء، ولما يحصل من الأجر والثواب وحط الخطايا عند الوضوء، وهنا يقول: (إذا غسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله وأظفاره)، يعني: الخطايا المتعلقة باليدين، والمقصود من ذلك: الخطايا التي هي صغير والتي تغفر بفعل الطاعات، أما الخطايا الكبيرة التي يجتنيها الإنسان ويقترفها بيديه، ويكتسبها بيديه باجتراحه فيهما، وهي أمور كبيرة كأخذ المال الحرام وغير ذلك مما يحصل عن طريق الأيدي من الكبائر، فإن هذا لا يغفر إلا بالتوبة.ثم قال: إنك إذا تمضمضت واستنشقت، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت الرجلين إلى الكعبين، فإنك اغتسلت من عامة خطاياك، أي: غالبها، يعني: أنك نظفت وسلمت منها وطهرت منها كما تحصل النظافة والطهارة لهذه الأعضاء التي قمت بغسلها. قوله: (فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل) يعني: صليت بعدما توضأت، وبعدما حصل لك الطهارة الحسية في غسل هذه الأعضاء، وكنت على طهارة. وقوله: (وضعت وجهك لله) بمعنى أنك صليت لله، سواء كان ذلك فريضة أو نافلة؛ لأن كون الإنسان توضأ وتنفل، أو توضأ وصلى فرضاً فهذا كله فيه وضع الوجه لله عز وجل. قال: (خرجت من خطاياك)، يعني: أنه يخرج نقياً من الذنوب كما ولد، لكن كما أشرت المقصود من ذلك الصغائر، أما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة، والصغائر هي التي تكفَّر بفعل الطاعات.قوله: (كيوم ولدتك أمك)، يعني: أنه يكون نقياً من الذنوب، لكن المقصود من ذلك الصغائر، والكبائر معها إذا تاب مع فعله هذا، أو أن هذا الفعل قارنه توبة وإقلاع من جميع الذنوب.ومن المعلوم أن التوبة هي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط: الأول: أن يقلع الإنسان من الذنب الذي اقترفه، بمعنى: أنه يكف ويمتنع منه. الثاني: أن يندم على فعله الذي مضى؛ لأنه أقلع عنه وكف عنه، لكن الأفعال الماضية قبل الإقلاع يندم عليها ويحزن عليها ويتألم لكونها حصلت منه. الثالث: أن يعزم في المستقبل أن لا يعود إلى ذلك.فهذه هي التوبة النصوح التي إذا حصلت من الإنسان ينتفع بتوبته، وإذا كانت المعصية تتعلق بحقوق آدميين، فإن عليه مع هذه الثلاثة: أن يرد الحقوق إلى أهلها، أو يستبيحهم إذا كانت ليست حقوق تؤدى وتسلَّم لهم، فيتحللهم ويطلب منهم أن يبيحوه، وأن يجعلوه في حل مما حصل منه عليهم من الاعتداء.فهذه هي شروط التوبة التي إذا حصلت من إنسان فإن توبته تنفعه، أما إذا لم تتوفر هذه الشروط، ولم تحصل هذه الشروط، وإنما يقول الإنسان بلسانه مع مخالفة قلبه لذلك، وكونه يحصل منه الامتناع لعدم تمكنه من المعصية، لكنه إذا سنحت له الفرصة انقض على الأمر المحرم وأقدم عليه؛ فهذا إصرار واستمرار.ثم مما ينبغي أن يعلم: أن الصغائر قد تلتحق بالكبائر؛ كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. يعني: أن الصغيرة إذا صحبها إصرار وقلة حياء وقلة مبالاة فإنها تعظم وتضخم حتى تلتحق بالكبائر، وعكس ذلك الكبيرة إذا حصل معها استغفار وندم فإنها تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، إذاً الصغيرة مع الإصرار ليست صغيرة، بل تكون كبيرة، والكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتتلاشى حتى تذهب ولا يبقى لها أثر ولا وجود.فالصغائر التي يحصل الإصرار عليها ولا يبالي بها الإنسان، فهذه قد تلتحق بالكبائر؛ لأنه صحبها قلة الحياء من الله، وقلة المبالاة، والإقدام على المعاصي وتكرارها، والإصرار عليها، وأنه متى وجد الفرصة إلى ذلك فعلها، فهذا إصرار، والإصرار على الصغائر يلحقها بالكبائر. وهذا هو معنى كلام ابن عباس: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.إذاً: فهذه شروط التوبة الأربعة التي لا بد منها في السلامة من: الكبائر، وأما الصغائر فإنه إذا لم يحصل الإصرار عليها، والتصميم والعزم على عدم العودة إليها، فإنها تكفَّر باجتناب الكبائر، وتكفَّر أيضاً بفعل الطاعات كما جاء في الأحاديث التي مر جملة منها.قوله: [قال أبو أمامة : فقلت: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال: أما والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم].هنا أراد أبو أمامة رضي الله عنه أن يستثبت من عمرو بن عبسة ، ليس ذلك اتهاماً، ولكنه أراد أن يستثبت منه، وأن يحصل منه ما يدل أو ما يبين ضبطه وإتقانه لهذا الشيء الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا عمرو بن عبسة ، انظر ماذا تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟) يعني: هذا الكلام الكثير كله يعطى في مجلس واحد؟ انظر ما تقول يا عمرو بن عبسة ، يقول أبو أمامة لـعمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنهما، فعند ذلك قال: إنه قد كبرت سنه، ودنا أجله، وأنه قريب من الموت، وقادم على الله عز وجل، ولم يحصل منه شيء يجعله عرضة لسخط الله ومقته وعذابه وعقابه. وبعد ذلك أتى بالكلمات المؤكدة فقال: (سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: هذا الكلام الذي قلته قد سمعته أذناي ووعاه قلبي، وهذا فيه الضبط الذي يوضح ويبين أنه قد سمعه، وأن الأذنين قد سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن قلبه قد وعاه، وهذا مما يؤكد به الكلام ويدل على ضبط الكلام. وقد قال مثل هذه العبارات أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه لـعمرو بن سعيد الأشدق وهو يجهز الجيوش لقتال ابن الزبير لما كان في مكة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان والياً للأمويين من الشام، جاءه أبو شريح الخزاعي وقال له: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من الغد من يوم الفتح سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي وهو يتكلم به، ثم قال: (إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنه لا يقطع شجرها، ولا يصاد صيدها، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها كما كانت بالأمس)، فبين أن القتال في مكة أنه لا يجوز.فالحاصل أن أبا شريح أتى بمثل هذه العبارات التي فيها التأكد، والتي فيها الضبط، والتي هي دالة على ضبط الراوي وإتقانه: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. فهذا تأكيد الكلام، وضبط الكلام وإتقانه، وأن صاحبه قد أتقن ما أتى به.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة في ثواب من توضأ كما أمر

قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].هو عمرو بن منصور النسائي ، هو نسائي كما أن المؤلف نسائي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند النسائي وحده. [ حدثنا آدم بن أبي إياس ].هو آدم بن أبي إياس أحد الثقات، هو ثقة عابد، وحديثه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.ولم يخرج له مسلم ولا ابن ماجه، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين لم يدركهم النسائي، ولهذا يروي عنه بواسطة؛ لأن آدم بن أبي إياس توفي بعد ولادة النسائي بست سنوات تقريباً، ولهذا يروي عنه بواسطة، فلم يدركه، ولكن البخاري أدركه، فهو من كبار شيوخه، ولهذا يروي عنه كثيراً مباشرة وبدون واسطة، أما النسائي فإنه يروي عنه بالواسطة، فيروي عنه بواسطة شيخه عمرو بن منصور.[حدثنا الليث هو: ابن سعد].كلمة (هو ابن سعد) هذه ما قالها آدم بن أبي إياس الذي هو التلميذ، وإنما قالها من دونه؛ إما عمرو بن منصور، أو النسائي ومن دون النسائي، وإنما قيل: هو؛ لأن هذا القول ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول هو، ينسبه كما يشاء، لو يأتي بنسبه عدة أسطر بيده هذا الشيء؛ لأن هذا الكلام كلامه، لكن إذا التلميذ قال كلمة (الليث) وما زاد عليها شيئاً، فإن من يأتي بعده إذا أراد أن يأتي بما يوضح نسب الليث، يضيف كلمة (هو) أو يقول التلميذ: يعني ابن سعد، فهذه العبارة يأتون بها من أجل أن يعرف بأنها زيدت ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقولها، يعني: ينسب كما يشاء ويأتي بالألفاظ التي تتعلق بالشخص من حيث النسب، وهذا الذي ذكره التلميذ هذا يحتاج إلى إضافة هو، وإنما احتاجوا إليها لأنهم لو لم يأتوا بها لكانوا قولوا الشخص ما لم يقل، الذي هو التلميذ؛ فأتوا بعدة ألفاظ وهو ما أتى إلا بلفظ واحد؛ لأنه لو جاءت (حدثنا الليث بن سعد) سنؤمن بأن هذا كلام التلميذ، الذي هو آدم بن أبي إياس، لكن لما جاءت (هو) عرف أن الكلام الذي بعد (هو) ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ، أراد أن يبين هذا الشخص الذي ذكر اسمه ولم ينسب فأتى بنسبه، لكن بعد كلمة (هو). وأحياناً يأتي كلمة (يعني)، فهذه يقولها من دون التلميذ، والضمير ضمير مستتر يرجع للتلميذ، يعني: ابن فلان، فلو جاءت كلمة (يعني) في هذا المكان لكان الفاعل لـ (يعني) هو آدم بن أبي إياس، لكن القائل لها من دون آدم بن أبي إياس.والليث بن سعد أحد الثقات الأثبات، وهو محدث فقيه، وهو فقيه مصر ومحدثها، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معاوية بن صالح].هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ومعاوية بن صالح يروي عن ثلاثة أشخاص وهم: أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد.[أبو يحيى سليم بن عامر].هو أبو يحيى سليم بن عامر، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[وضمرة بن حبيب].هو ضمرة بن حبيب، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.[وأبو طلحة نعيم بن زياد].هو أبو طلحة نعيم بن زياد ، ثقة يرسل، وحديثه عند أبي داود والنسائي، وهؤلاء الثلاثة شيوخ لـمعاوية بن صالح بن حدير، فروى عنهم هذا الحديث.[قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي].هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وهو أحد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.[سمعت عمرو بن عبسة].عمرو بن عبسة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وله ثمانية وأربعون حديثاً، لـمسلم عنده حديث واحد، وخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وليس للبخاري عنده أحاديث.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:12 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(55)

- باب القول بعد الفراغ من الوضوء - باب حلية الوضوء

بيّن الشرع الحكيم أجر الوضوء، وأن من جاء بالذكر الوارد بعده تفتح له أبواب الجنة الثمانية، وجعل الشارع هذا الوضوء زينة وعلامة لذلك المتوضئ يعرف بها يوم القيامة، فهي كرامة له في الدنيا والآخرة.
القول بعد الفراغ من الوضوء

شرح حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [القول بعد الفراغ من الوضوء.أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: القول بعد الفراغ من الوضوء؛ يعني: الذكر الذي يذكر بعد أن يفرغ المتوضئ من وضوئه ماذا يقول، وقد أورد النسائي فيه حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، فهو من رواية صحابي عن صحابي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) فهذا هو الذكر الذي يذكر عقب الفراغ من الوضوء، يشهد لله عز وجل بالألوهية والوحدانية، ويشهد لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالعبودية والرسالة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.فهاتان الشهادتان هما متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فلا بد من شهادة أن لا إله إلا الله، ولا بد من شهادة أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تكفي واحدة منهما دون الأخرى، وإذا ذكرت إحداهما فإن الأخرى تابعة لها؛ لأن الشهادة لله عز وجل بالوحدانية هي حق الله عز وجل، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله هو بيان الطريق إلى الله عز وجل، والمنهج الذي يوصل به إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا يأتي كثيراً الجمع بين الشهادتين، وأحياناً يذكر أو يكتفى بشهادة أن لا إله إلا الله، لكن الأخرى تابعة لها، وهي لازمة لها، ولا تنفك عنها؛ لأن من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن شهادته لا تنفعه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه، قوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).وهذا فيه بيان أن اليهود والنصارى، وإن زعموا أنهم أتباع الأنبياء، وأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله إلا أنه بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد لكل إنسي وجني بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن ذلك لا ينفعه؛ لأن الله عز وجل أرسل رسوله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، فمن حين بعث إلى قيام الساعة لا ينفع أحداً أن يقول إنه تابع لنبي من الأنبياء، أو يشهد أن لا إله إلا الله دون أن يضيف إليها أشهد أن محمداً رسول الله، فهما شهادتان متلازمتان.وفي هذا الذكر أيضاً وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وهذا من أحب الأوصاف إليه، ومن الصفات التي أرشد إليها عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، فهذا وصف بأنه عبد وهي من أخص أوصافه، ولهذا الله عز وجل ذكر هذا الوصف في المقامات الشريفة، والمقامات العالية، جاء وصفه به عند إنزال القرآن: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وعند الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19].فرسوله عبد لا يُعبد؛ لأنه عابد لله عز وجل.أما وصفه بأنه رسول الله فإن هذا الوصف فيه الشهادة له بالرسالة، وأنه رسول من عند الله، فهو عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع، ويتبع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.فهذان الوصفان من أخص أوصافه، ولهذا يأتي ذكرهما في مواضع عديدة في إرشاد النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقال هذا اللفظ، وفي الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام عندما تذكر الشهادة له بالرسالة، والعبودية مع ذكر الشهادة لله عز وجل بالألوهية والربوبية له سبحانه وتعالى.وحديث: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، جاء في رواية عند الترمذي مع هذا الذكر: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) فهذا الذكر الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين فضله وعظم أجره عند الله عز وجل، مع كون الإنسان يتوضأ، ويحسن الوضوء؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: [(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)] فهذا يدلنا على فضل هذا الذكر، وعلى فضل الوضوء وإحسانه، والإتيان بهذا الذكر عقبه، وأن فيه هذا الأجر الجزيل، والثواب من الله سبحانه وتعالى.وهذا الحديث رواه عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من رواية صحابي عن صحابي، وقد رواه مسلم في صحيحه، فهذا حديث عقبة من طريق عمر، وروى الحديث الذي سيأتي بعد باب، وهو دال على فضل الوضوء، وعلى صلاة ركعتين بعد الوضوء وقد رواه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بدون واسطة.وهذا الحديث والحديث الذي سيأتي وهو حديث عقبة بن عامر الذي يقول فيه: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة) جمعهما مسلم رحمه الله في حديث واحد، وذلك أن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أن كل واحد منهم له عدد من الإبل، وبدلاً من أن يرعى كل واحد إبله، ويغيبون عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يتناوبون الإبل، يجمعون بعضها إلى بعض، ثم كل واحد يرعاها يوم من الأيام، والباقون يجلسون في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام يتلقون الحديث منه، ويتلقون منه السنن.قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما جاءت نوبتي روحتها بعشي) يعني: لما كان اليوم الذي يرعى الإبل هو، روحها بعشي مبكراً، فجاء وأدرك النبي عليه الصلاة والسلام قائماً يحدث الناس فسمعه يقول: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة، فقال: ما أجود هذه، وإذا عمر يسمعه)، فقال: (التي قبلها أجود) يعني: هذه التي حضرها؛ لأن عقبة بن عامر حضر هذا الحديث الذي سمعه، ولكن الذي ما حضره، وقد فاته ذكره به، ودله عليه عمر بن الخطاب فقال: (إني رأيتك جئت آنفاً، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال..) وهذا الذي يعنيها بقوله: إنها أجود، وهي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).فهذا الحديث رواه مسلم من طريق: عقبة بن عامر الجهني، أحد الحديثين رواه عقبة عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد أدركه في آخر المجلس، والثاني الذي هو الأول هنا رواه عقبة عن عمر، وهذا هو الذي فاته في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قوله: [محمد بن علي بن حرب المروزي].محمد بن علي بن حرب المروزي يلقب: الترك، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وأحياناً ينسب إلى جده ويحذف أباه، فيقال: محمد بن حرب، وهو: محمد بن علي بن حرب، وهنا منسوب إلى أبيه.[حدثنا زيد بن الحباب].زيد بن الحباب، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا معاوية بن صالح].وهو معاوية بن صالح بن حدير الذي مر معنا، وهو صدوق له أوهام، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وعند مسلم، وعند أصحاب السنن الأربعة.[عن ربيعة بن يزيد].وهو ربيعة بن يزيد الدمشقي، وهو ثقة، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان]. أبو إدريس الخولاني، واسمه: عائذ الله؛ يعني: ذو عياذ بالله، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بها كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.أما أبو عثمان الذي قرن معه فاختلف فيه، فقيل: هو: سعيد بن هانئ الخولاني المصري قال ذلك بعض العلماء، ومنهم من قال: إنه: حريز بن عثمان الرحبي، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب، وقال: هو: سعيد بن هانئ المصري، وقيل: حريز بن عثمان، وإلا فهو مجهول، فهو إما هذا وإما هذا، والرمز له عند مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، ولا يضر سواء عرف أو لم يعرف؛ لأن الحديث ما بني عليه، والإسناد هو تابع، والتعويل على أبي إدريس الخولاني، سواء جاء أبو عثمان، وسواء عرف أو لم يعرف، فالحديث ثابت؛ لأنه ما دام أن الحديث عن أبي إدريس الخولاني، وأبو إدريس الخولاني ثقة، مشهور، وهو من رجال الجماعة فإنه لا يؤثر، والاثنان سعيد بن هانئ المصري وكذلك حريز بن عثمان هما من رجال الصحيحين، أو أحدهما، فلا يؤثر؛ يعني: سواء كان هذا أو هذا أو كان مجهولاً فهو كما لو قالوا في بعض الأسانيد: حدثنا فلان وغيره، فأحياناً هكذا يقولون، كلمة (غيره) هذه لا تؤثر؛ يعني: جاءت (غيره) أو لم تأت فالتعويل على المعطوف عليه لا على المعطوف. إذاً: فالجهل به إن كان مجهولاً فإنه لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره وليس عليه.[عن عقبة].هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله خمسة وخمسون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بتسعة أحاديث وهو صاحب حديث اللقطة الطويل.[عمر بن الخطاب]. عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين أبي حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بل هو ثاني أفضل العشرة بعد أبي بكر رضي الله تعالى عن الجميع، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية، بل في حديث: (إنما الأعمال بالنيات) الذي مر في باب النية في الوضوء.
حلية الوضوء

شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حلية الوضوء.أخبرنا قتيبة عن خلف وهو: ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: (كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟ فقال لي: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حلية الوضوء، أتى بهذه الترجمة؛ لأنها موجودة في لفظ الحديث، والمقصود بالحلية هي الزينة، والمقصود من ذلك أن علامة الأمة يوم القيامة هي: كونهم يتوضئون، يأتون غراً محجلين، فهي زينة لهم، وعلامة لهم يعرفون بها يوم القيامة، فيكون في الوضوء فوائد دنيوية وأخروية، دنيوية تكون فيه نظافة، وجمال ظاهر في الدنيا، في الآخرة فيه زينة وجمال، وأنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، فهي تعتبر جمالاً لهم، وبهاءً، وحسناً.أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول أبو حازم: (كنت وراء أبي هريرة، وهو يتوضأ، فكان يغسل ذراعيه حتى يصل إلى الإبطين) يعني: يبالغ في غسل اليدين حتى يصل إلى الإبطين.فلما رآه قال: (ما هذا يا أبا هريرة! قال: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو كنت أعلم أنكم ها هنا ما توضأ هذا الوضوء) ثم بين مستند في ذلك وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) فكان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يبالغ، ويزيد حتى يصل إلى المنكبين، ويأخذ من هذا الحديث أنه يبالغ حتى يصل إلى هذا؛ لأن هذه علامة يوم القيامة لهذه الأمة، (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء).هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، لكن أبو هريرة زاد على القدر المشروع رغبة في أن يزيد تحجليه، أو تزيد تلك الحلية، لكن هل هذا الفعل الذي فعله أبو هريرة جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ لا. ما جاء عن رسول الله، وإنما الذي جاء عنه أنه يشرع في العضد، ويتجاوز المرفقين، ولا يقتصر عليهما فقط، بل يدخل في العضد ويشرع فيهما، وهذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه، ولا يزاد على ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.إذاً: فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) هو الوضوء الشرعي الذي ثبت عن رسول الله، وأقصى حد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التجاوز للمرفقين بحيث يدخل في العضد، ويدخل في الساق بالنسبة للرجلين، لكنه لا يتوغل فيهما، ولا يكثر من الغسل منهما، وإنما يشرع فيهما، ويدخل فيهما.فإذاً: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتصر عليه ويفعل، ويكون معنى قوله: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) يعني: الوضوء الشرعي الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو اجتهاد منه، والأولى هو الاقتصار على ما فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو: قتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات، الأثبات، ومن رجال الجماعة.[عن خلف بن خليفة].خلف بن خليفة قيل عنه: هو الأشجعي الكوفي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق اختلط في الآخر، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي مالك].وهو: سعد بن طارق الأشجعي أبو مالك الأشجعي، وهو ثقة حديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حازم].أبو حازم، وهو: سلمان الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين بل هو أكثرهم على الإطلاق.

شرح حديث: (... فأنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه السلام قال لأصحابه: (وددت أني رأيت إخواني، قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد).فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا عندما خرج إلى المقبرة، ودعا لأهل القبور وقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين).وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وددت أني رأيت إخواني، وقول الصحابة: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي) ليس ذلك نفياً لكونهم إخواناً له، وإنما المقصود من ذلك الإخوان الذين لم يحصلوا هذا الوقت، وأنهم جمعوا بين وصف الأخوة ووصف الصحبة، ووصف الصحبة هو الشرف الذي لا يماثله شرف، ولا يدانيه شرف، وأما وصف الأخوة في الإسلام هو حاصل لهم ولغيرهم، وأما الصحبة فهم الذين ظفروا بها، وهم الذين أكرمهم الله تعالى بها، ولم يشاركهم فيها أحد من الناس، فهم اختارهم الله لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام.وقوله: (أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد) يعني: أنتم أصحابي مع الأخوة، أما الإخوان الذين ليس لهم إلا الأخوة فهم الذين لم يأتوا بعد، لما قال: (الذين لم يأتوا بعد)، قالوا: كيف تعرفهم؟ يعني: كيف تعرف هؤلاء الذين لم يأتوا بعد وهم من أمتك؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لهم مثلاً وقال: (أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة في خيل بهم دهم) يعني: إذا كان إنسان له خيل علامتها أنها غر محجلة؛ فيها بياض في جبهتها وعلى رأسها، وفي أيديها، وأرجلها بياض، وهناك خيل بهم ليس فيها بياض أبداً، شكلها شكل واحد، ألا يعرف خيله إذا كانت خيله غر محجلة مع تلك الخيل التي هي بهم دهم؟ ثم بين أنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، يأتون يوم القيامة وهو يعرفهم بالتحجيل، يعرفهم بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين وإن لم يرهم، وإن لم يشاهدهم، وإن كانوا ممن يأتون بعد الرسول وبعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن هذه العلامة هي الفارقة التي يعرفون بها.إذاً: فهذه حلية، وهذا هو الذي ترجم له النسائي: حلية الوضوء؛ وهي: أن الوضوء يأتي علامة وسيما لأمة محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يعرفون بها، ويعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ضرب هذا المثل في بيان معرفته لهم لوضوحهم، وأنهم وإن كان لم يشاهدهم في الدنيا وسيشاهدهم في الآخرة فإنه يعرفهم بهذه العلامة.وفي هذا ضرب الأمثال؛ لأن الأمثال فيها توضيح للمعاني وإبراز لها، وأن في ضرب المثل ما يقرب المعنى ويوضحه ويجعله جلياً، وما أكثر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال في السنة؛ لأن فيها تقرير وتوضيح وبيان، وهذا من كمال بيانه، ومن فصاحته، وبلاغته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)].هذا فيه زيارة القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها ويرشد إلى زيارتها، وقال: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يزور البقيع، ويدعو لأهله ويقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).وقوله: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) هذا ليس مما يشك فيه، ويتردد، بل هذا من الأمور المحققة؛ لأن الموت آت لكل إنسان، آت لكل مخلوق، لا بد وأن يموت، ولكن ذكر إن شاء الله تبركاً باسم الله عز وجل، وكذلك من استعمال لفظ إن شاء الله في الأمور المستقبلة، وإن كانت محققة لا شك فيها ولا بد منها؛ لأن هذا من الأدب مع الله، وأن كل شيء يكون في المستقبل لا يكون إلا بمشيئة الله عز وجل، لكن حصول الموت شاءه الله تعالى، وهو كائن لا محالة، شاء الله تعالى أن يموت الناس، وهو واقع لا محالة.قوله: (وأنا فرطهم على الحوض) فرطهم يعني: الذي يسبقهم، ويكون أمامهم ينتظرهم، فيأتون يشربون من الحوض فيذاد عنه من يذاد، ويشرب منه من يشرب، وعلامة أمته عندما يردون حوضه ليشربوا منه أنهم غر محجلون من آثار الوضوء.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:13 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(56)

- باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين - باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

جعل الشارع ثواباً عظيماً وهو الجنة لمن أحسن الوضوء وصلى ركعتين بعده، كما أنه أخبر بانتقاض وضوء من أمذى ووجهه بأن يغسل موضع خروجه وما حوله.
ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

شرح حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين.أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)].أورد النسائي باب: ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين، وأورد فيها: حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)، فهذا يدلنا على فضل هذا العمل، على فضل الوضوء وإحسانه، وعلى صلاة ركعتين بعده، وهذا يدل على استحباب ركعتين بعد الوضوء، وأن فيهما مع إحسان الوضوء هذا الثواب الجزيل من الله عز وجل، وأن تلك الصلاتين أو تلك الركعتين يكون فيهما مقبل بقلبه ووجه على الله عز وجل، بحيث يكون متجهاً إلى الله، وغير منشغل في أمور الدنيا، وإنما متجه إلى الله سبحانه وتعالى، يراه، ويخشى عقابه، فهذا أجره، وهذا ثوابه؛ أن الله تعالى أوجب له الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وجبت له الجنة)، وهذا يدلنا على فضل هذا العمل، وأن الله عز وجل يجازي على هذا العمل -الذي هو إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بعده- بهذا الثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي].وهو: موسى بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسروق المسروقي، وهو ثقة، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهو ثقة، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا زيد بن الحباب].وزيد بن الحباب يروي عن معاوية بن صالح، ومعاوية بن صالح يروي عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، وربيعة بن يزيد الدمشقي يروي عن أبي إدريس الخولاني، وعن أبي عثمان، ويرويان هنا عن جبير بن نفير، وجبير بن نفير هو: الحضرمي، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة جليل مخضرم، يعني: ممن أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المخضرمون، وقد مر علينا جماعة منهم، مثل: أبي وائل، ومثل: أبي عثمان النهدي، ومثل: سويد بن غفلة، ومثل: معرور بن سويد، كل هؤلاء يقال لهم: مخضرمون أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم.وجبير بن نفير يروي عن عقبة بن عامر الجهني، وهو الذي مر ذكره في الحديث السابق، ويروي عن عمر، وقد ذكرت لكم: أن هذين الحديثين رواهما مسلم بإسناده عن عقبة بن عامر، وأنه لما جاءت نوبته في رعاية الإبل روحها بعشي، وأدرك بقية مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه هذا الحديث، فقال لما سمع هذا الحديث: ما أجود هذا! فقال عمر: التي قبلها أجود، ثم ساق له الحديث الأول الذي ذكره النسائي أولاً.
ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاء، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي، فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].لما فرغ النسائي من الأحاديث المتعلقة بالوضوء، وبيان صفته، وما يتعلق بذلك بدأ بالأبواب المتعلقة بنقض الوضوء؛ الذي ينقض والذي لا ينقض، وهذه الترجمة التي بدأ بها، هي ترجمة فيها شيء من التحريف والتلفيق؛ لأنها في الحقيقة ترجمتان، وليست ترجمة واحدة، ويبدو أنها باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم يأتي عنوان آخر وهو: الوضوء من المذي؛ لأن المذي كله ناقض، فليس فيه شيء ينقض وشيء لا ينقض، فالترجمة يبدو أنها قد حصل فيها شيء من التداخل، أو إدخال شيء بشيء، فصارت على هذا اللفظ، أو على هذا السياق الذي لا يستقيم من حيث المعنى؛ لأنه لو بقيت على ما هي عليه: باب ما ينقض الوضوء، وما لا ينقض من المذي أوهم ذلك أن المذي فيه شيء لا ينقض، والمذي ناقض، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض، وإنما القضية هي أن العنوان عام؛ ما ينقض وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ومعناه: أنه ناقض للوضوء.ويأتي أحياناً ذكر ترجمتين: ترجمة عامة، وترجمة خاصة، ومثل ما مضى في خصال الفطرة، ومثل ما مضى في الوضوء، ثم يأتي جزئيات الوضوء، والأمور المتفرعة التي هي تندرج تحت الوضوء، فهذا كذلك.فكأن الترجمة هنا الذي ينقض والذي لا ينقض؛ لأن من الأشياء ما هو ناقض، ومنها ما هو غير ناقض مما يقال: إن هناك احتمالاً أنه ينقض الوضوء، ويبدو أن فيه عنوانين: العنوان الأول: باب: ما ينقض وما لا ينقض، أو لعله ليس باباً؛ لأن هناك أبواباً متعددة.العنوان الثاني: الوضوء من المذي، يعني: لزوم الوضوء من المذي؛ لأنه ناقض من نواقض الوضوء.إذاً: فهذه بداية لمباحث ولأبواب متعددة تتعلق بنواقض الوضوء؛ لأن هناك أشياء اختلف فيها، هل تنقض أو لا تنقض؟ مثل التقبيل هل هو ناقض أو غير ناقض؟ وهذا مما لا ينقض كما سيأتي.إذاً: فالترجمة (ما ينقض وما لا ينقض)، ثم بدأ بواحد من تلك الجزئيات الخاصة التي تندرج تحت هذا اللفظ العام، وهي: الوضوء من المذي، ثم جاءت عدة أحاديث متعلقة بالوضوء من المذي.فإذاً: العنوان الموجود ليس مستقيماً، بل فيه شيء من التداخل والتلفيق، وهو عنوان عام، وبعده عنوان خاص، ولو جاءت كلمة الوضوء من المذي تحت ما ينقض وما لا ينقض لسهل الأمر واتضح المعنى، ولكن لما جاءت هذه وراء هذه دخلت هذه، في هذه فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، باب: ما ينقض وما لا ينقض الوضوء، فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، وهي ليست فاعلاً، بل هي مبتدأ، بل هي عنوان جديد، وهو الذي جاءت الأحاديث تحته، وهو الوضوء من المذي.المذي هو: ماء رقيق يخرج من الذكر عند المداعبة والملاعبة، وهو ناقض للوضوء، ويجب غسله وهو نجس، ويجب الوضوء من ذلك، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، والمذي خارج من أحد السبيلين، فهو ناقض من نواقض الوضوء، ويجب فيه الوضوء، بل إنه ما يكفي الوضوء فقط، بل لا بد من الاستنجاء، ولا بد من إزالة النجاسة التي حصلت على الذكر وما حول الذكر؛ لأن هذا خروج نجاسة.فأورد النسائي في هذه الترجمة؛ ترجمة الوضوء من المذي، حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في قصة طلبه من بعض الصحابة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي، ولم يجرؤ أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل المصاهرة التي بينهما، فهو لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لم تسمح نفسه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال، وإنما طلب من بعض الصحابة أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام فسأله، فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام: بأن فيه الوضوء، وفي بعض الألفاظ: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، يعني: يغسل النجاسة التي حصلت من ذلك المذي الذي خرج من الذكر ويتوضأ؛ لأن هذا الخارج من الذكر ناقض من نواقض الوضوء، فيجب الوضوء عند إرادة الصلاة، أو ما يراد له الوضوء، كقراءة القرآن والطواف، وما إلى ذلك من الأعمال التي لا تفعل إلا مع الوضوء.أورد النسائي حديث علي من طرق متعددة، الطريق الأولى قال فيها: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي؛ فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].يقول علي: كنت رجلاً مذاءً، يعني: عندما يحصل منه قرب من أهله، ومداعبتهم، وملاعبتهم يخرج منه ذلك الماء الرقيق اللزج، واستحيا أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام، والسبب في ذلك أنه صهره، وكون ابنته تحته، فطلب من رجل كان بجنبه في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن المذي إذا خرج، فسأله وعلي جالس، فقال عليه الصلاة والسلام: (فيه الوضوء)، يعني: يجب الوضوء من ذلك الخارج الذي هو المذي.إذاً: فهذا الحديث يدلنا على نقض الوضوء بالمذي، وأن من أمذى فقد انتقض وضوءه، ويجب عليه أن يتوضأ، يعني: معناه أنه إذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يأتي بأمر يشرع له أو يطلب فيه الوضوء، فإنه لا يقدم على فعله إلا وقد توضأ؛ لأنه ليس على طهارة، فإذا كان متوضئاً وخرج منه ذلك المذي فإنه ينتقض وضوءه، فطلب علي رضي الله عنه من رجل إلى جنبه جالس، يعني: في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وبين السبب في عدم إقدامه على السؤال، واستحيائه من هذا السؤال، وأن ذلك لمكانة ابنته منه، وفي هذا دليل على أن الحديث مع الأصهار فيما يتعلق بالجماع، وفيما يتعلق بالاتصال بالأهل، ولو كان ذلك عن طريق الأمور التي يحتاج إليها كالسؤال، أن ذلك مما لا ينبغي؛ لأن علياً رضي الله عنه وأرضاه استحيا من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يواجهه بهذا السؤال؛ لأن ابنته فاطمة تحت علي رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.فدل هذا على أن من الآداب التي ينبغي أن تكون بين الأصهار ألا يتحدث الصهر أو الزوج مع أبي البنت أو أخيها أو وليها فيما يتعلق بالاتصال بها، أو الاتصال بالأهل.وهذا الرجل الذي أُبهم جاء في بعض الروايات أنه المقداد بن الأسود، وجاء في بعضها أنه عمار بن ياسر، فهنا مبهم، وقد جاء مسمى في بعض الروايات، وأكثرها أنه: المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وأنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام، فأجابه بأن فيه الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو: هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن أبي بكر بن عياش].هو أبو بكر بن عياش وهذا قد سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على عشرة أقوال، قيل: إن اسمه كنيته، وقيل: إن اسمه غير الكنية، وذكروا أشياء أخر، ولكن المشهور أنه مشتهر بكنيته، ومعروف بكنيته.وأبو بكر بن عياش ثقة، وخرج حديثه مسلم في المقدمة، أي: مقدمة الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حصين].أبو حصين هذه كنية، وهو بفتح الحاء على وزن عظيم، وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، وهو ثقة، حديث عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي عبد الرحمن].وهو أبو عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، مقرئ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا غير أبي عبد الرحمن السلمي المتأخر الذي هو معروف بأنه ينسب إلى التصوف، وأنه صوفي، وله كلام كثير في الصوفية، ليس هذا، فهذا متقدم، وهو يروي عن علي، وعثمان، وعن الصحابة، وهو من المتقدمين، وأما ذاك فهو متأخر.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت للمقداد: إذا بنى الرجل بأهله فأمذى ولم يجامع، فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإني أستحيي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي، فسأله، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه طلب من المقداد بن الأسود أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي إذا خرج، وبين للمقداد أنه لا يريد أن يسأل هذا السؤال لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يستحي أن يسأله، ولهذا طلب من المقداد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الاستنجاء، واستعمال الماء في غسل الذكر وما اتصل به، ويتوضأ الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة، وبذلك يرجع إلى الطهارة، فيعمل وهو كذلك ما يعمل في حال وضوئه؛ لأنه رجع إلى الطهارة؛ لأن الحدث الذي انتقض به الوضوء زال؛ بأن رفع ذلك الحدث بالوضوء، وعاد الإنسان إلى الطهارة، فيأتي بالأشياء التي يأتي بها وهو متوضئ من صلاة، وقراءة قرآن، وطواف، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بد للآتي بها أن يكون متوضئاً، بل الحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله، إلا أن فيه ذكر غسل المذاكير، وإنما قال: (المذاكير)، مع أن الإنسان ليس عنده إلا عضو واحد؛ لما يتصل به من الأنثيين فقد يتجاوز محل الخروج، فيصل إلى غير محل الخروج، فيحتاج الإنسان إلى أن ينظف كل ما وصل ذلك الماء الرقيق اللزج إليه.فإذاً: أرشد عليه الصلاة والسلام إلى غسل تلك النجاسة، وإلى الاستنجاء، وإلى الوضوء أيضاً للصلاة، وبذلك يحصل ارتفاع الحدث، وعودة الطهارة إلى صاحبها.

تراجم رجال إسناد حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن راهويه الحنظلي، الإمام المشهور، المحدث، الفقيه الذي مر ذكره مراراً، وذكرت فيما مضى: أنه أحد الثقات، الأثبات، وأن حديثه عند الستة إلا ابن ماجه ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه؛ لأنه لم يرو له في سننه شيئاً، وإنما الذين رووا عنه وهو يعتبر شيخاً لهم، هم أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه ، وهو ثقة، إمام، محدث، فقيه.[ أخبرنا جرير].هو جرير بن عبد الحميد الذي قد مر ذكره أيضاً مراراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير، وقد مر أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وعروة بن الزبير].هو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كما ذكرنا مراراً أحد الفقهاء السبعة في المدينة الذين جمعوا بين الحديث والفقه، وهم مشهورون في عصر التابعين.وعروة بن الزبير يروي عن علي رضي الله تعالى عنه.

شرح حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائش بن أنس: أن علياً قال: (كنت رجلاً مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي، فقال: يكفي من ذلك الوضوء)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه في قصة كونه رجلاً مذاء، وأنه طلب من غيره أن يسأل عنه، وقد مر في الطريق الأولى إبهام الرجل المطلوب منه أن يسأل، والطريق التي بعدها فيها: أن المقداد بن الأسود هو الذي طلب منه أن يسأل، وفي هذه الرواية الذي طلب منه أن يسأل هو: عمار بن ياسر رضي الله تعالى عن الجميع، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه حصل منه الطلب من هذا وهذا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل وأجاب، وفي بعض الروايات ما يدل على أن علياً كان حاضراً، ولهذا اعتبر العلماء هذا الحديث من مسند علي، وما اعتبروه من مسند غيره؛ لأنه هو الذي يتحدث عن الذي قد حصل، وفي بعض الألفاظ ما يدل على أنه جالس، يعني: في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن السؤال حصل بحضور علي رضي الله عنه وأرضاه، فأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.فإذاً: فلا تنافي بين ما جاء من أن المطلوب منه أن يسأل هو المقداد، وبين ما جاء أن المطلوب أن يسأله هو عمار، فيحمل بأن يكون طلب من هذا وهذا، وحصل الذكر من هذا وهذا، وأنه كان حاضراً، أي: علي رضي الله عنه حين إفتاء الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، وإجابته على السؤال الذي سئل عنه في هذا.وفي هذا قال: (يكفيه الوضوء)، يعني: لا يحتاج إلى اغتسال؛ إنما الوضوء، ولكن كما هو معلوم أن هذا الوضوء يحتاج إلى استنجاء قبله من أجل إزالة هذا الذي علق من هذا الخارج اللزج الذي حصل من الإنسان.إذاً: فقوله: (يكفيه الوضوء)، يدل على أن الأمر لا يحتاج إلى اغتسال؛ لأنها ليست جنابة، وإنما هو نقض للوضوء، ويكفي فيه أن الإنسان يتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى شيء أكثر من ذلك، بل يتوضأ، وقبل الوضوء يستنجي كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات.

تراجم رجال إسناد حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو من رجال الجماعة، خرج أصحاب الكتب الستة حديثه.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن عيينة المكي، وهو أحد الثقات، الأثبات، الحفاظ، العباد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، وكذلك مر معنا ذكر سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كثيراً، وهنا المروي عنه سفيان بن عيينة.[عن عمرو].وهو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو عطاء بن أبي رباح، وهو أيضاً أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائش بن أنس].وهو عائش بن أنس البكري الكوفي، وهو مقبول، حديثه عند النسائي وحده.[أن علياً].وعلي رضي الله عنه قد مر معنا.

شرح حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله أخبرنا أمية حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن إياس بن خليفة عن رافع بن خديج: (أن علياً رضي الله عنه أمر عماراً أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه أيضاً من طريق أخرى، وفيها ما في التي قبلها من أن المطلوب منه أن يسأل هو عمار، وكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام أن قال: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، وفي هذا دليل كما مر أن فيه الوضوء، وفيه الاستنجاء قبل الوضوء، والمراد بالمذاكير كما عرفنا هو الذكر وما يتصل به، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإلا كما هو معلوم عضو واحد، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإن كان شيئاً واحداً إلا أنه جمع مع ما حوله وأضيف إليه، وأطلق على الجميع مذاكير، يعني: الذكر وما حوله من الأنثيين، وغير ذلك مما قد يكون وصل إليه المذي الخارج من الإنسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو ابن محمد بن خرزاذ، وهو ثقة، حديثه عند النسائي وحده.[أخبرنا أمية].وهو ابن بسطام العيشي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي، وما خرج له بقية أصحاب السنن، وإنما الذي خرج له من أصحاب السنن هو النسائي فقط.[حدثنا يزيد بن زريع].يزيد بن زريع سبق أن مر ذكره، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا روح بن القاسم].هو روح بن القاسم أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وأصحاب الكتب الستة خرجوا حديثه ولم يخرج له الترمذي.[عن ابن أبي نجيح].هو عبد الله بن أبي نجيح، واسم أبي نجيح: يسار، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو ابن أبي رباح، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إياس بن خليفة].وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.[عن رافع بن خديج].وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن علي، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.إذاً: فالإسناد تساعي، وهو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي يروي عن عثمان بن عبد الله، وعثمان يروي عن أمية بن بسطام، وأمية بن بسطام يروي عن يزيد بن زريع، ويزيد بن زريع يروي عن روح بن القاسم، وروح بن القاسم يروي عن عبد الله بن أبي نجيح، وعبد الله بن أبي نجيح يروي عن عطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي رباح يروي عن إياس بن خليفة، وإياس بن خليفة يروي عن رافع بن خديج، ورافع بن خديج يروي عن علي، فهم تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أطول الأسانيد التي مرت بنا حتى الآن، وكما سبق أن ذكرت لكم فيما مضى أن النسائي تصل عنده الأسانيد إلى العشاريات، يعني: عنده أسانيد عشاريات، لكن ما وصلنا إلى شيء منها، وهذا الذي وصلنا إليه هو تساعي، وهو من أطول الأسانيد عنده.

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:52 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(57)

- (تابع باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي) إلى (باب الوضوء من الغائط)
من الأمور التي ينتقض بها الوضوء المذي، فقد أمرنا الشرع بنضح الفرج بالماء عند خروجه، والوضوء عند إرادة الصلاة أو قراءة القرآن أو الطواف، ومن الأمور التي ينتقض بها الوضوء الغائط والبول.
تابع ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي عن مالك وهو ابن أنس عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: إن علياً رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.وقد مر معنا سابقاً ترجمة مطلقة عامة، وتحتها أبواب متعددة، وهي: ما ينقض وما لا ينقض، والباب الذي بدأ به من هذه التراجم هو الوضوء من المذي من حديث علي رضي الله عنه في قصة طلبه من المقداد، ومن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقد مر بنا بعض الطرق المتعلقة بذلك، وكلها من حديث علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الحديث الذي معنا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه؛ لأنه هو الذي يحدث، وهو الذي يحكي ما حصل، بخلاف ما تقدم فإن علياً هو الذي يحكي ما حصل، فهو المحدث بهذا الحديث، وهو الذي أُخذ عنه هذا الحديث.أما هذه الطريقة التي معنا فـالمقداد بن الأسود يقول: إن علياً رضي الله عنه طلب منه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا أمذى ماذا عليه؟ وأما علي رضي الله عنه فلم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته فاطمة منه، ولكونه صهره، وأما المقداد يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)، فالمتن هذا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث عن علي رضي الله عنه؛ لأنها كلها قصة واحدة، وكلها موضوعها واحد، وهو أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً، وأنه لمصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم استحيا أن يواجه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال، فطلب من بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بمحضر من علي، فلهذا كان علي رضي الله عنه يروي الحديث بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المقداد كما هنا يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.وفي هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه)، والمراد بالنضح: هو الغسل، وهو الاستنجاء الذي سبق أن مرت الإشارة إليه، والنضح يأتي هنا بمعنى الغسل الخفيف وبمعنى الرش.ولكن هنا المقصود به الغسل؛ لأن معنى ينضح فرجه يعني: يغسل فرجه الذي هو الاستنجاء، وذلك لإزالة ما قد يكون ظهر وانتشر من الخارج النجس، الذي هو المذي، وهو -كما عرفنا- من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له النسائي هنا حيث قال: باب: الوضوء من المذي، فإنه من جملة نواقض الوضوء، بل إن كل خارج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواءً كان مذياً أو بولاً أو غير ذلك.قوله: (وليتوضأ وضوءه للصلاة)، ليس المقصود من ذلك من حصل منه هذا فيجب عليه على الفور، وإنما المقصود من ذلك أنه انتقض وضوءه، إذا كان متوضئاً، فإذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يقرأ قرآناً، أو أراد أن يطوف، أو يعمل أي عمل من شرطه الطهارة، فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه إذا كان متوضئاً، وحصل منه ذلك المذي الذي خرج نتيجة للملاعبة والمداعبة، فإنه يكون قد انتقض الوضوء، ولابد من إعادته عند إرادة الصلاة، أو القراءة، أو الطواف، أو ما غير ذلك مما يشرع له الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي].هو عتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي، وهو صدوق، وخرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، ويروي غالباً عن مالك.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفين بالفقه، وهو محدث، فقيه، كثير الحديث، والذي نقل عنه من الفقه شيء كثير.وفي الإسناد (هو ابن أنس)؛ لأن هذه الكلمة تتكرر، وذكرت أن المراد منها بيان أن من دون التلميذ أضاف في بيان اسم الراوي ما يميزه، وما يوضحه، وأُتي بكلمة (هو) حتى يعرف أنها ليست من كلام التلميذ؛ لأن التلميذ الذي هو عتبة بن عبد الله قال: عن مالك، ما زاد على كلمة مالك، لكن الذين بعده لما أرادوا أن يوضحوا وهم: النسائي ومن دون النسائي أتوا بنسبه وهو ابن أنس.[عن أبي النضر].وأبو النضر هي كنية، وصاحبها هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، ومن رجال الجماعة.[عن سليمان بن يسار].هو سليمان بن يسار الهلالي المدني، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت: أن الفقهاء السبعة ستة منهم اتفقوا على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه خلاف، وأما الستة المتفق عليهم هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: من العلماء من قال: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ورحم الله سالماً، والقول الثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقول الثالث: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والذي معنا هنا من الذين اتفق على عده منهم، وليس من الذين اختلف فيهم، وهو سليمان بن يسار الهلالي.قوله: [عن المقداد].هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرائي الكندي الزهري، ولديه ثلاث نسب، أما النسبة الأولى فهي نسبة أصل وهي البهرائي نسبة إلى بهراء، وهي قبيلته، والنسبة الثانية الكندي نسبة إلى محالفة؛ لأن أباه حالف كنده، فنسب إلى كنده بسبب الحلف، والنسبة الثالثة: الزهري؛ لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية، فنسب إليه، فيقال له: المقداد بن الأسود، والأسود ليس أباه، وإنما هو أبوه بالتبني، وكان مشهوراً به في الجاهلية، وإلا فأبوه هو: عمرو بن ثعلبة بن مالك؛ ولأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية لما كان التبني موجوداً في الجاهلية، وقد جاء الشرع ونسخه وألغاه وقضى عليه، وصار الناس إنما ينسبون لآبائهم، لكنه اشتهر بهذه النسبة، فلهذا يذكر أحياناً فيقال: المقداد بن الأسود، وأحياناً يقال: المقداد بن عمرو، فهذه نسبة بسبب التبني، والمقداد بن عمرو هي نسبة نسب وأصل.والمقداد بن عمرو، أو المقداد بن الأسود هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله اثنان وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على واحد، وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث.

شرح حديث علي في الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني سليمان قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو كالذي قبله، فالقصة واحدة، والموضوع واحد، وكلها تتحدث أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً؛ يعني: يخرج منه المذي كثيراً بسبب المداعبة والملاعبة لأهله، وأنه استحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب كونه صهره، وابنته فاطمة تحته، فأمر المقداد بن الأسود أن يسأله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب: (بأن فيه الوضوء)، فهو دال على ما دلت عليه الطرق المتقدمة من أن المذي إذا خرج من الإنسان، وكان متوضئاً فإن وضوءه ينتقض، وأنه عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ الوضوء الشرعي المعروف.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم، وعند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وعند أبي داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو شعبة بن الحجاج الإمام المعروف، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وصيغ التوثيق، وهو من المحدثين الذين لهم معرفة، ولهم كلام كثير في الجرح والتعديل، والكلام في الرجال، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سليمان].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، الملقب بـالأعمش، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه الذي هو: الأعمش كثيراً، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في مصطلح الحديث؛ لأن الذي لا يعرف اللقب للمحدث قد يراه باسمه مرة، وبلقبه أخرى، فيظن أن هذا غير هذا، ففائدة معرفته دفع أن يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه.وسليمان بن مهران الكاهلي الأعمش هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعروف بالتدليس، لكن من الرواة من علم بأنهم لا يروون عن المدلسين إلا ما أمن تدليسه، ومن هؤلاء شعبة، فإنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، فإذا جاء شعبة يروي عن مدلس، فلو عنعن المدلس، فإن روايته محمولة على الاتصال؛ لأنه قد عرف أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، والذي أمن فيه تدليسهم.[سمعت منذراً].هنا قد صرح بالسماع، فلو لم يرو عنه شعبة فإن تصريحه بالسماع هذا هو الأصل؛ لكن مثل شعبة لو جاء يروي عنه وهو معنعن، فإنه محمول على السماع؛ لأن هذه من القواعد التي ينبه عليها عند ذكر مدلسين، وذلك أن بعض تلاميذهم لا يروون عنه إلا ما أمن فيه تدليسهم.و منذر هو: ابن يعلى الثوري أبو يعلى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن علي].هو محمد بن علي بن أبي طالب، والمعروف بـابن الحنفية، أحد أولاد علي بن أبي طالب، وأمه الحنفية، ولهذا يقال له: ابن الحنفية، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. إذاً: فالإسناد الذي معنا جميع رجاله ممن خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي محمد بن عبد الأعلى؛ فإنه لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له أيضاً أبو داود في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر، والبقية من رجال الكتب الستة، وهم خالد بن الحارث، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن مهران الأعمش، ومنذر بن يعلى، ومحمد بن علي بن أبي طالب، الذي هو ابن الحنفية، وعلي بن أبي طالب، فالإسناد سبعة، ستة منهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط والبول

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط والبول.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم، قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين، قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].ثم أورد النسائي بعد باب: الوضوء من المذي، باب: الوضوء من الغائط والبول.لأن الترجمة السابقة كما عرفنا ترجمة عامة وهي باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ثم بباب الوضوء من البول والغائط، وهكذا أبواب متعددة تأتي بعد تلك الترجمة العامة التي هي: ما ينقض وما لا ينقض.وأورد فيه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه الذي قد مر ذكره في باب: المسح على الخفين، وأورده هنا من بعض الطرق من أجل الدلالة على أن البول والغائط يحصل نقض الوضوء بهما، وذلك أن صفوان رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزعه)، أي: الخفاف، قال: (إلا من الجنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم)، يعني أننا نمسح عليهما؛ بسبب حصول البول والغائط وبسبب النوم، أما الجنابة فإنه لابد من خلعهما عند الاغتسال من الجنابة، ولا مسح في الاغتسال من الجنابة على الخفين، وإنما عليه أن ينزعهما ويغسل جميع جسده بما في ذلك الرجلان.أما إذا كان الحدث أصغراً، وكان نقض الوضوء بسبب النوم، أو بسبب الغائط، أو البول، فهذا يتوضأ، ولكنه إذا وصل إلى الرجلين فإنه يمسح على الخفين، ولا يحتاج إلى خلعهما من أجل أن يغسلهما إذا كان قد أدخلهما طاهرتين كما ثبت في ذلك الأحاديث، وكما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.إذاً: فحديث صفوان بن عسال دال على ما ترجم له المصنف من أن البول والغائط يتوضأ منهما، ومحل الشاهد من جهة أنه ذكر أن المسح يكون إذا حصل النوم، معناه: يتوضأ ويمسح، أي: يحصل وضوء ويحصل المسح على الخفين إذا حصل النوم أو البول أو الغائط، أما إذا حصلت الجنابة والإنسان عليه الخفان، فإن عليه أن يخلعهما، ولا يجوز له أن يغتسل وعليه الخفان، بل يجب خلعهما، والاغتسال لكامل الجسد، أما ما دون ذلك والذي هو البول، أو الغائط، أو النوم، فإن الإنسان يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، وكلما أحدث يتوضأ ويمسح على الخفين، ولا يلزمه خلعهما لذلك.وزر بن حبيش يقول: أتيت إلى صفوان بن عسال وجلست عند بابه، فخرج علي فقال: ما شأنك؟ فقلت: أطلب العلم، فعند ذلك قال صفوان: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، ثم سأله عما يريد من العلم؟ فسأله عن الخفين، فأجابه بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الذي حصل من زر بن حبيش ما كان عليه سلف الأمة من الحرص على طلب العلم، ومن الإتيان إلى من عنده علم؛ من أجل أخذ العلم عنه، ومن أجل الاستفادة من علمه.ثم أيضاً ما كان عليه السلف وما كان عليه الصحابة من الترغيب في طلب العلم والحث عليه؛ لأن صفوان رضي الله عنه لما قال له زر بن حبيش: (إني جئت أطلب العلم). أي: ما سكت، وقال له: اسأل عما تريد، بل أتى بشيء يدل على فضل العلم، وعلى الترغيب في طلب العلم، والحث على طلب العلم، فقال قبل أن يسأله هذه المقالة التي فيها الترغيب في طلب العلم، وهذا اللفظ الذي قاله هو من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا ما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه له حكم الرفع؛ لأن الصحابي إذا أتى بشيء لا مجال للاجتهاد فيه وأضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن له حكم الرفع، ويسمونه المرفوع حكماً؛ لأن هناك مرفوعاً صراحة، ومرفوعاً حكماً، والمرفوع صراحة هو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا مرفوع صراحة، أي: تصريحاً، والمرفوع حكماً هو: أن يأتي أو يذكر شيئاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأي فيه، كالأمور الغيبية مثل هذا: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، هذا له حكم الرفع، لكنه جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ضمن حديث طويل، وذكر صفوان رضي الله عنه له هنا يدل على رفعه حكماً؛ لأنه من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، والمرفوع عند العلماء قسمان: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى، الذي مر في الإسناد السابق.[أخبرنا خالد]. هو خالد بن الحارث هو أيضاً نفس الذي مر.[حدثنا شعبة]. هو نفسه الذي مر أيضاً في الإسناد السابق.[عن عاصم].هو عاصم بن أبي النجود، وأبو النجود اسمه بهدلة، وعاصم بن أبي النجود هو صدوق له أوهام، وهو إمام في القراءة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكن حديثه في الصحيحين مقرون؛ يعني: أنه مقرون بغيره، فـالبخاري، ومسلم عندما يذكرانه في الإسناد يذكرانه مقروناً مع غيره.[أنه سمع زر بن حبيش].هو زر بن حبيش بن حباشة، وهو ثقة، ثبت، وهو مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [أتيت صفوان بن عسال].هو صفوان بن عسال المرادي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، أي: عند ثلاثة من أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الغائط.أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عاصم عن زر قال: قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].هنا أورد النسائي رحمه الله ترجمة أخرى؛ وهي باب: الوضوء من الغائط. وهي بعض الترجمة السابقة؛ أي: جزء منها، وأورد النسائي تحتها حديث صفوان بن عسال وهو نفس الحديث لكن بطريق أخرى، ويتعلق ببيان حالة المسح على الخفين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا في سفر ألا ينزعوا خفافهم إلا من الجنابة، فيمسحون عليها من بول أو غائط أو نوم لمدة ثلاثة أيام، وهذا الأمر كما عرفنا هو أمر ترخيص ليس أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، بمعنى: أنه يستحب للناس أن يلبسوا الخفاف، فهو ترخيص، أي: إذا لبسوها يمسحون، وإذا ما لبسوها يغسلون أرجلهم، لكن السنة لا تترك تنزهاً عنها وتنطعاً، ويقال: إنني لا ألبس الخفين وإن كان ذلك مشروعاً؛ يعني: تنطعاً، هذا هو الذي لا يكون، أما كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم أمر إرشاد وترخيص، ولا يجب عليه أن يلبس، ولا يستحب له أن يلبس من أجل أن يمسح، إلا إذا كان هناك بيان للسنة، أو تترتب عليه بيان السنة، فهذا يكون له وجه.أما أن يكون فعل ذلك مستحباً، وأنه يستحب للإنسان أنه يكون لابساً حتى يمسح فلا يستحب، وإنما هو مرخص له، بل إن المسح فرع عن الأصل؛ الذي هو الغسل، فالغسل هو الأصل وهذا فرع مرخص فيه للحاجة عندما يكون هناك حاجة إليه.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود].هو عمرو بن علي الفلاس الإمام العارف بالجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات، الأثبات، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير.وإسماعيل بن مسعود هو البصري، وهو ثقة، ومن شيوخ النسائي، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا يزيد بن زريع].هو يزيد بن زريع، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وبذلك يتحد الإسناد مع الإسناد السابق، وهم شعبة عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه.

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:54 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)


- (باب الوضوء من الريح) إلى (باب ترك الوضوء من مس الذكر)

من قواعد الشريعة الإسلامية أن اليقين لا يزول بالشك، فمن كان على طهارة لا ينقضها مجرد الشك في بقائها ويبقى طاهراً حتى يطرأ على طهارته ناقض من نواقضها، ومن تلك النواقض مس الذكر كما دل عليه حديث بسرة، وكذلك النوم، وأما النعاس فلا يعد ناقضاً، وإنما على الناعس أن يترك الصلاة لئلا يدعو على نفسه.
الوضوء من الريح

شرح حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الريح.أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري ح وأخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني سعيد يعني ابن المسيب وعباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً، أو يسمع صوتاً)].يقول النسائي رحمه الله: باب الوضوء من الريح. المراد بهذه الترجمة هو أن ما يخرج من السبيلين يكون ناقضاً للصلاة؛ سواء كان ريحاً أو صوتاً أو غير ذلك، وعليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة، فهذا يدل على قاعدة من قواعد الشريعة وهي: إذا كان الإنسان في خارج الصلاة وهو على طهارة، ولكنه شك هل أحدث أو ما أحدث، فإنه يبقى على ما هو عليه، ما دام أن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك فيه فإن بقي على ما هو عليه فلا بأس، وإن جدد الوضوء حتى يذهب ما في نفسه من الشك فإن هذا حسن، وأما في داخل الصلاة، فإنه لا يقطع صلاته ويخرج منها بمجرد ما وقع في نفسه من الشك، بل لا يخرج حتى يحصل التحقق لخروج ريح يشمها، أو سماع صوت لذلك الذي يخرج منه.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهوقتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا حديثه.[عن سفيان].وسفيان هنا غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، ومن المعلوم أن قتيبة إنما روى عن ابن عيينة، ولم يرو عن الثوري.فإذاً: يحمل على أنه ابن عيينة، فيكون عدم نسبته لأن الأمر واضح في حقه، إذ هو الذي روى عنه قتيبة، ثم من جهة أخرى سفيان هنا يروي عن الزهري، والحديث من طريق قتيبة عن سفيان، عن الزهري، وعرفنا فيما مضى: أن سفيان بن عيينة هو المعروف والمشهور بالرواية عن الزهري، وذكرت: أن سفيان بن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، وأن سفيان الثوري مقل عنه، وكان هذا الذي قلته سابقاً مبنياً على أن ابن خلكان في وفيات الأعيان عندما ترجم لـسفيان بن عيينة، ذكر ثلاثة ممن رووا عنه، وهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشخص ثالث، وكذلك أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، ففهمت من كلام ابن خلكان، ومن كلام ابن حجر أن سفيان الثوري روى عن الزهري، ولكن بالرجوع إلى تهذيب الكمال للحافظ المزي في ترجمة الزهري فإنه لم يذكر من بين الذين رووا عنه سفيان الثوري، وإنما ذكر سفيان بن عيينة، مع أنه يستقصي في التلاميذ وفي الشيوخ، ويذكرهم على حسب ترتيب حروف المعجم بالنسبة للتلاميذ، وبالنسبة للشيوخ.ثم أيضاً وجدت في فتح الباري أن الحافظ ابن حجر قال: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذاً: تبين أن ما أشرت إليه من قبل، هو مبني على ما ذكره ابن خلكان، ومبني على ما فهمته من كلام ابن حجر من قوله في بعض المواضع في الفتح: وابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، يعني: قد يفهم منه أن الثوري ليس معروفاً بالرواية عن الزهري، ولكن الرواية موجودة، لكن ما ذكره ابن حجر في فتح الباري من أن الثوري إنما يروي عن الزهري بواسطة، وأنه لا يروي عنه مباشرة، وكذلك ما جاء في تهذيب الكمال من عدم ذكره في الذين رووا عن الزهري سفيان الثوري يشعر ويدل على أن سفيان الثوري لم يرو عن الزهري مباشرةً، ولعل ما ذكره ابن خلكان وهم؛ لأن الحافظ المزي بتتبعه واستقرائه وإحاطته فيما يتعلق بالرجال، وفيما يتعلق بالمتون -وهو مؤلف كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف، وهي الكتب الستة، وهو أيضاً مؤلف تهذيب الكمال، وقد ذكر فيه: أن الذي روى عن الزهري هو ابن عيينة، ولم يذكر الثوري فيمن روى عنه، مما يشعر بأن الثوري لم يرو عن الزهري، وعلى هذا: فإذا جاء ذكر سفيان غير منسوب وهو يروي عن الزهري، فإنه يحمل على ابن عيينة، وهنا يكون الحمل على ابن عيينة من جهتين: من جهة أن قتيبة لم يرو عن الثوري، وإنما روى عن ابن عيينة فقط، ومن جهة أن ابن عيينة هو الذي ذكر أنه روى عن الزهري، ولم يذكر في تهذيب الكمال أن الثوري ممن روى عن الزهري، وإنما الذي ذكره من أن الثوري روى عن الزهري هو ابن خلكان في وفيات الأعيان.ومن المعلوم أن كلام ابن حجر، وكلام المزي في تهذيب الكمال أتقن وأضبط؛ لأن هؤلاء هم أهل الفن، وهم أهل الاختصاص، بخلاف ابن خلكان فإنه ليس مثلهم؛ لأنه مؤرخ وليس معروفاً بالحديث، أو بالعناية برجال الحديث أو الخبرة، فهؤلاء هم المقدمون عليه وعلى غيره ممن يشابهه ويماثله.

تراجم رجال الإسناد الثاني لحديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

وأما ما يتعلق بالإسناد الثاني؛ لأن النسائي عمل تحويلة، يعني: بعدما ذكر الزهري أتى بإسناد آخر فيه تحويل. قال: [ح وأخبرنا محمد بن منصور].ومحمد بن منصور سبق أن عرفنا أن هناك شخصين يقال لكل منهما: محمد بن منصور، وهما من شيوخ النسائي، وهم: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، فهذان الاثنان كل منهما شيخ للنسائي، لكن سبق أن عرفنا: أنه إذا جاء سفيان ويروي عنه محمد بن منصور، فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وهو أقرب، ويزيد هذا وضوحاً أن سفيان في الإسناد الذي قبل هذا هو ابن عيينة، فيكون هنا أيضاً هو ابن عيينة، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، وهو من شيوخ النسائي، ولم يخرج له إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة.وأما سفيان بن عيينة في الإسنادين، فقد مر فيما مضى: أنه من رجال الجماعة، وأنه ثقة حافظ، وحجة عابد، وصفات عديدة ذكرها عنه الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده الزهري الذي هو زهرة بن كلاب، وأيضاً إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو مشتهر بهاتين النسبتين، وهو إمام، حجة، معروف بفضله ونبله، وسعة علمه، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سعيد يعني: ابن المسيب].والزهري إنما عبر بلفظ أخبرني سعيد، وما زاد عليها عندما ذكر شيخه في هذا الإسناد، ولكن الذين جاءوا من بعده أرادوا أن يوضحوا من هو سعيد، فأتوا بنسبه، وأتوا بكلمة تدل على أن الإضافة كانت ممن دون الزهري، وأنها ليست من الزهري، وذلك بقول: (يعني: ابن المسيب) فكلمة (يعني) هذه لها قائل ولها فاعل، قائلها من دون الزهري، وهو الذي أراد أن يوضح، وفاعل (يعني) وهي فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى الزهري؛ لأن الزهري ما قال: ابن المسيب، وإنما قال: سعيد فقط، لكن الذين جاءوا بعده أضافوا ابن المسيب، وما قالوا: سعيد بن المسيب؛ لأنهم لو قالوها لصارت هي عبارة الزهري، لكنهم أتوا بكلمة (يعني) حتى يفهم أن من دون التلميذ زادها، ليبين هذا الشخص الذي لم ينسب، فلا يضيف إليه ما لم يقله.وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وأحد المحدثين، فهو فقيه محدث، وهو ثقة حجة، وهو إمام مشهور ومعروف، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، الذين هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة المتفق عليهم، والسابع الذي اختلف فيه، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر. وسعيد بن المسيب هذا هو أحدهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[و عباد بن تميم].وهوعباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكل من سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم يرويان عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وهنا قال: (عن عمه)، يعني: عم عباد بن تميم، وهو عبد الله بن زيد لأن أم عباد وأم عبد الله بن زيد واحدة، فهما أخوان من أم.[عن عمه]. لأن تميماً وعبد الله بن زيد أخوان من أم، ولهذا يقال: إنه عم عباد، يعني: أخو أبيه لأمه، وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني هو أحد الصحابة، وهو راوي حديث الوضوء الذي سبق أن مر فيما يتعلق بصفة الوضوء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرواة هذا الإسناد كلهم من رجال الجماعة، إلا محمد بن منصور شيخ النسائي، فإنه من رجال النسائي وحده، والباقون كلهم من رجال الجماعة؛ الذين هم قتيبة، وابن عيينة، والزهري، وسعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، وعبد الله بن زيد.
الوضوء من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من النوم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)].هنا أورد النسائي باب: الوضوء من النوم. وأورد فيه حديث أبي هريرة، وهو أول حديث أورده النسائي في سننه، وهو: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)، وقد أعاده هنا من أجل الاستدلال على أن النوم ينقض الوضوء. ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات)، يعني: يغسلها، معناه: أن الإنسان يتوضأ إذا قام من نومه، وإذا توضأ فهو يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، هذا هو وجه الاستدلال على أن النوم ناقض للوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان يتوضأ، ولكن قبل أن يتوضأ لا يغمس يده في الإناء، بل يغسلها خارج الإناء، فإذا غسلها خارج الإناء، أدخلها في الإناء، ويبدأ يتوضأ.ومن الأدلة الدالة على أن النوم ناقض للوضوء: حديث صفوان بن عسال الذي مر في ذكر الوضوء من الغائط والبول، وكذلك من النوم؛ لأن حديث صفوان بن عسال مشتمل على الثلاثة، حيث قال: (إنه كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من غائط، أو بول، أو نوم)، يعني: أنهم يتوضئون، ويمسحون، ولا يحتاجون إلى خلع إذا حصل غائط، أو بول، أو نوم، فإذاً الثلاثة كلها ناقضة للوضوء.إذاً: فالنوم كونه ناقض للوضوء دل عليه هذا الحديث الذي هو معنا، من جهة أن من قام من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، وفي بعض الروايات: (فلا يدخلها في وضوئه)، يعني: في الماء الذي يتوضأ به قبل أن يغسلها خارج الإناء ثلاث مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة].إسماعيل بن مسعود هو: أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.وحميد بن مسعدة هذا صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكر هذا الرجل في شيوخ النسائي مرات عديدة.[قالا: حدثنا يزيد بن زريع].ويزيد بن زريع هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معمر].وهو ابن راشد، وهو الذي روى عنه عبد الرزاق كثيراً، ومن جملة ما رواه عنه صحيفة همام بن منبه الطويلة، المشتملة على مئة وأربعين حديثاً، وخرج البخاري ومسلم أحاديث منها على سبيل الاتفاق بينهم، ومنها على سبيل انفراد واحد منهما عن الآخر، وكلها بإسناد واحد، وهو من طريق عبد الرزاق عن معمر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].والزهري هو الإمام المشهور، الذي جاء ذكره كثيراً، وفي الحديث الذي قبل هذا جاء ذكره.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو مشهور بكنيته: أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على خلاف هل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب؟وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهو أحد الثقات.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد مر ذكره مراراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



يتبع

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:55 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)





النعاس

شرح حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعاس.أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري )]. هنا أورد النسائي باب: النعاس. وبعد ما ذكر النوم، وترجمة الوضوء من النوم، وأن النوم ناقض للوضوء قال: باب النعاس، والمقصود من ذلك أنه لا ينقض الوضوء؛ لأن الحديث الذي أورده يدل على عدم نقضه للوضوء، ولأن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري )، فهذا الحديث الذي أوردته عائشة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن من نعس وهو في الصلاة أن ينصرف، فهذا يدل على أن النعاس غير ناقض للوضوء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علل ذلك بقوله: (لعله يدعو...)، وما قال: أنه قد انتقض وضوءه وأن عليه أن يذهب ويتوضأ، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف وألا يستمر في ذلك؛ لئلا يسب نفسه ويدعو على نفسه، فبدل أن يدعو لنفسه يدعو على نفسه بسبب النوم أو بسبب النعاس، فإذاً: هذا يدل على أنه غير ناقض للوضوء؛ لأنه لو كان ناقضاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا نعس وهو في الصلاة أن يقطع الصلاة ويذهب يتوضأ، فالرسول ما قال هكذا، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف؛ لئلا يسب نفسه، ولئلا يدعو على نفسه، فمعناه أن وضوءه صحيح، وأنه باق على وضوئه، فدل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يجلسون للصلاة وينتظرونها، فيصيبهم النعاس فتخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فإذا حصل للإنسان وهو جالس وخفق رأسه، فإنه لا ينتقض وضوءه.إذاً: عندنا هناك نوم ونعاس، فالنوم الذي فيه استغراق، وفيه تمكن، وقد يكون فيه اضطجاع، وقد يكون فيه رؤيا وحلم، فهذا ناقض للوضوء بلا شك.وأما إذا كان نعاساً خفيفاً حصل له في الصلاة، مثلاً: نعس وهو جالس، أو ساجد، أو واقف، أو كان ينتظر الصلاة، وحصل منه النعاس، فإنه لا ينتقض وضوءه وصلاته صحيحه، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن ينصرف، ولكن هذا الانصراف الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بقطع للصلاة، وإنما بأن يتمها خفيفة ويخرج منها.فإذا كان الإنسان من عادته أنه يصلي الليل، ويقوم من الليل ركعات، ثم أدرك أو أحس في بعض الركعات بأنه أصابه النعاس فإنه يتم الركعتين اللتين وجد النعاس فيهما، ثم ينصرف، وليس معنى ذلك: أنه ينصرف أثناء الصلاة، فإنما المقصود منه الإرشاد إلى أنه لا يستمر في ذلك، ولكنه يتم صلاته خفيفة، ثم بعد ذلك لا يدخل في صلاة أخرى؛ لئلا يدعو على نفسه.إذاً: فتبين لنا أن النعاس لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم، سواءً كان مضطجعاً، أو جالساً متمكناً مستغرقاً، وإذا حصل حلم أو رؤيا في تلك النومة فهذا بلا شك نوم ناقض للوضوء، والذي لا ينقض هو الذي يكون في أثناء الصلاة من النعاس، أو يكون من النعاس في حق من ينتظر وهو جالس، فإنه إذا نعس يخفق رأسه، فيتنبه من تلك الخفقة، فيتنبه ويذهب ما به من نعاس. ولهذا النسائي في الترجمة ما قال فيها مثل التي قبلها: (باب: الوضوء من النعاس)، بل قال: (باب النعاس)، والتي قبلها قال: الوضوء من النوم؛ لأنه ناقض للوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف ...)

قوله: [أخبرنا بشر بن هلال].وهو بشر بن هلال الصواف البصري، وهو ثقة، حديثه عند مسلم والأربعة، لم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا عبد الوارث].هو ابن سعيد بن ذكوان، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أيوب].وهو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات.[عن عائشة].وهي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي كما عرفنا مراراً وتكراراً من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهؤلاء السبعة قد نظمهم السيوطي في ألفتيه في بيتين من الشعر، فقال: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيِّوالمقصود بزوجة النبيِّ هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من مس الذكر.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ)].يقول النسائي رحمه الله: (باب الوضوء من مس الذكر). أي: أن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه قد انتقض وضوءه، هذا مقصود الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذا حديث بسرة بنت صفوان من طريقين، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من مس ذكره، فليتوضأ)، وعلى هذا، فإن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فعليه أن يتوضأ، وحديث بسرة ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى نقض الوضوء بمس الذكر، أي: إذا كان بدون حائل.وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينتقض الوضوء بمس الذكر، ويستدلون على ذلك بحديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه، الذي فيه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك)، أو (إلا مضغة منك)، وهذا يشعر بأنه غير ناقض للوضوء، والحديث أيضاً صحيح، وهو ثابت، لكن العلماء صاروا إلى أحد القولين، منهم من قال: بأنه ناقض إذا حصل المس، ومنهم من قال: إنه غير ناقض إذا حصل المس، ومنهم من فرق بين المس بشهوة والمس بغير شهوة، فإذا كان بشهوة فهو ينتقض به الوضوء، قالوا: وعليه يحمل ما جاء في حديث بسرة، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض به الوضوء، ويحمل على ما جاء به حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه.ومن المعلوم أن القول بالانتقاض مطلقاً هو الأولى.أولاً: لأن الحديث الذي فيه الوضوء من مس الذكر ثابت، وهو مطلق، فيدل على النقض مطلقاً.ثانياً: أن حديث طلق بن علي كان المتقدم، وكان في أول الأمر؛ لأنه جاء في بعض طرقه: (جئت وهم يؤسسون المسجد)، أي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوفد على الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة، وكان ذلك في أول الأمر، قال: فسأله رجل لعله من البادية عن الوضوء من مس الذكر، فقال: (هل هو إلا بضعة منك).ثالثاً: أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وهو انتقاض الوضوء، وحديث طلق مطابق للأصل، وهذا يدل على أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، والأصل البراءة والسلامة، وقد جاء ما يدل على النقض، وهو حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها. فالقول الأولى والأرجح والأحوط هو: أن مس الذكر بدون حائل ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الأظهر، وهو الأحوط في الدين، وهو الذي قاله جماعة كثيرون من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله]. وهو: أبو موسى الحمال البغدادي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا معن]. وهو ابن عيسى، صاحب الإمام مالك، وهو من أثبت الناس في مالك، ومن أحفظ الناس لحديث مالك، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك]. ومالك هو إمام دار الهجرة، العلم، المشهور، الإمام، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن الإسناد الذي يكون فيه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أصح الأسانيد عند البخاري.والنسائ� � روى الحديث عن مالك من طريقين، الطريق الأولى: عن هارون بن عبد الله الحمال، عن معن بن عيسى، عن مالك، والطريق الثانية: عن الحارث بن مسكين قال: (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، عن مالك.[الحارث بن مسكين].الإمام النسائي هنا يقول: (والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع)، ولا يقول: وأخبرني، وإنما يقول: والحارث بن مسكين، وفي بعض الأسانيد يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وذكرت فيما مضى: أن هذا يحمل على حالين: الحال الأولى: وهي التي كان قد منعه من الأخذ عنه، فكان يسمع بدون علم الحارث، وهي الحالة التي لا يقول فيها: أخبرني، وإنما يعطف ويقول: والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحالة الثانية: وهي التي قد أذن له فيعبر فيقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.والحارث بن مسكين ثقةٌ، حديثه عند أبي داود، والنسائي.[عن ابن القاسم].وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، والذي روى عنه الفقه، والحديث، وهو ثقةٌ، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وأبو داود في المراسيل، وقد سبق أن عرفنا ذلك فيما مضى، وهو من رجال البخاري، ورجال النسائي، ومن رجال الإمام أبي داود في كتابه المراسيل، ولم يخرج له في كتاب السنن شيئاً.[قالا: حدثنا مالك].وهو الإمام مالك، وقد استعمل النسائي التحويل، وذكرت فيما مضى أن التحويل هو: التحول من إسنادٍ إلى إسناد، ويؤتى بحرف (ح) بين الإسنادين المحول عنه والمحول إليه؛ حتى يتبين بأن فيه تحولاً من إسناد إلى إسناد، وعلامة ذلك حرف (ح) التي يأتون بها بين الإسنادين كما فعل النسائي، وقد ذكرت فيما مضى: أن النسائي مثل البخاري لا يستعمل التحويل كثيراً؛ لأنه على طريقة البخاري يورد الأحاديث من طرقٍ متعددة في أبواب مختلفة، فلا يحتاج إلى التحويل، بخلاف الإمام مسلم الذي يكثر من التحويل؛ لأنه يروي الأحاديث في مكانٍ واحد، فيحتاج إلى أن يستعمل التحويل.وقول النسائي: (قالا: حدثنا مالك)، المقصود بقوله: (قالا) هما: معن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم فهما اللذان قالا: حدثنا مالك.[عن عبد الله بن أبي بكر].وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، ولم يسبق أن مر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].وعروة بن الزبير هو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة.[دخلت على مروان بن الحكم].مروان بن الحكم كان قد دخل عليه في زمن إمارته على المدينة لما كان أميراً على المدينة، فجرى البحث عنده في نواقض الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، يعني: أن مس الذكر من نواقض الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، يعني: ما علمت شيئاً يدل على هذا، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، فعند ذلك أسند مروان بن الحكم الحديث، وبين الدليل الذي استند إليه في أن مس الذكر من نواقض الوضوء، جاء ذلك في إسناده الحديث إلى بسرة بنت صفوان الصحابية رضي الله عنها، وجاء في بعض طرق الحديث الذي بعد هذا أن عروة لما رآه وجادله أرسل حرسياً له إلى بسرة، فجاء وأخبره بأن الأمر هو كما حدثت به مروان بن الحكم، وجاء في بعض الطرق: أن عروة ذهب إلى بسرة وأخذ منها، وسمع منها مباشرةً، فيكون الحديث من رواية عروة عن بسرة، ومن رواية عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان. ومروان بن الحكم هو أمير المدينة في زمن معاوية، وتولى الخلافة بعد ذلك مدة سنة أو قريباً من السنة، وهو جد الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي جاء من بعده أولاده الأربعة: الوليد، وهشام، وسليمان، ويزيد، ومروان تولى الخلافة مدةً وجيزة، وتولاها بعده ابنه عبد الملك، ثم أولاد عبد الملك الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، والحديث صحيح ثابت، وهو متصل، وقد رواه عروة عن بسرة نفسها، ورواه عنها بواسطة، فالحديث صحيح.

شرح حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب عن الزهري أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: (ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان)].وهنا أورد النسائي حديث بسرة بنت صفوان من طريق أخرى عن عروة بن الزبير رحمة الله عليه، وهو بمعنى ما تقدم إلا أن فيه ذكر المجادلة والمماراة، وأنه قال: لا يتوضأ، يعني بناء على الأصل، وهو أنه لا يقال بالنقض إلا بدليل؛ لأن الأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يدل على النقض، فأخبره عن بسرة بنت صفوان، أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملةً مما ينقض الوضوء، قال: (ويتوضأ من مس الذكر)، فدل هذا على النقل عن الأصل الذي هو عدم النقض إلى النقض من مس الذكر.

تراجم رجال إسناد حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا أحمد بن محمد]. وهو: أحمد بن محمد بن المغيرة، وهو صدوقٌ، خرج حديثه النسائي وحده، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير النسائي. [حدثنا عثمان بن سعيد]. وهو ابن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن شعيب]. وهوشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: هذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وهم: أحمد بن محمد بن المغيرة شيخ النسائي، فهو حمصي، وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، فهو أيضاً حمصي، وشعيب بن أبي حمزة وهو حمصي، ففيه ثلاثة حمصيون، الأول لم يرو له إلا النسائي، والثاني روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، والثالث روى له أصحاب الكتب الستة، وهو شعيب بن أبي حمزة.[عن الزهري]. وهو ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهو إمام جليل، ومحدث كبير، ومن الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني عبد الله بن أبي بكر]. وهو عبد الله بن أبي بكر بن حزم الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومروان بن الحكم حديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وذكرت: أن عروة روى هذا الحديث عن بسرة مباشرةً كما رواه عنها بواسطة.[أخبرتني بسرة بنت صفوان].وبسرة بنت صفوان صحابية، ليس لها أحاديث في الصحيحين، وإنما أحاديثها عند أصحاب السنن الأربعة، وبلغت أحد عشر حديثاً.
ترك الوضوء من ذلك

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك. أخبرنا هناد عن ملازم حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك)].هنا أورد النسائي بعد الترجمة السابقة -وهي باب: الوضوء من مس الذكر- باب: ترك الوضوء من ذلك، يعني: أنه لا يتوضأ من مس الذكر، وأورد فيه حديث طلق بن علي: أنه قدم وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، قال: فبايعناه، وصلينا معه، ولما فرغ من الصلاة جاءه رجل كأنه بدوي، وسأله عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك، أو إلا مضغة)، وهذا يفيد بأنه لا يتوضأ من مس الذكر، وقد ذكرت الخلاف في هذه المسألة، وأن الأولى هو القول الأول، وقد ذكر أحد الشراح أن صنيع النسائي يشعر بأنه يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه ذكره متأخراً، وقدم حديث بسرة الذي فيه الوضوء، قال: فكأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه ذكر النقض أولاً وعقبه بعدم النقض، ولا أدري عن طريقة النسائي في التقديم والتأخير، وهل هو يعتبر أن ما يؤخر يكون هو الأرجح، وأن التعويل على ما يؤخره، أو أن له طريقةً أخرى؟ لا أدري عن طريقة النسائي في هذا، لكن أحد الشراح قال: كأن النسائي يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه أخره، وهذا يتوقف على معرفة اصطلاحه، وهذا لا يعرف إلا عن طريق الاستقراء، ولم يتبين شيء من طريقة النسائي في ذلك، ولكن من حيث الاحتياط في الدين، والنقل عن الأصل فإن حديث بسرة فيه الاحتياط، وفيه النقل عن الأصل، ومن أخذ به فقد احتاط لدينه، فالأخذ بحديث بسرة هو الأولى، كما أشرت إليه، وكما قال به كثير من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قوله: [أخبرنا هناد]. هو هناد بن السري، وهو ثقةٌ، حديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن ملازم].وهو ابن عمرو السحيمي الحنفي اليمامي، وسحيم من بني حنيفة، فينسب ويقال له: السحيمي الحنفي اليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.لقد رأيت الذين وثقوه عدداً؛ وفي الخلاصة نقل جملة من الذين وثقوه، ومنهم: النسائي، وأبو زرعة وغيرهما، وكلام ابن حجر أنا ما اطلعت عليه، والطبعة المصرية ما رأيت فيها ترجمة ملازم، فلا أدري هل هو ساقط، أو أنه وضع في مكان لم أهتد إليه؟ لكنني رأيت الذين وثقوه وهم عدد مما يفيد بأنه ثقة، وإذا كان الحافظ قال عنه: صدوق، فهذا هو الذي انتهى إليه رأيه، كما هي عادته وطريقته.[حدثنا عبد الله بن بدر]. وعبد الله بن بدر أيضاً هو سحيمي حنفي يمامي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.[عن قيس بن طلق]. وقيس بن طلق صدوق، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه].وهو طلق بن علي السحيمي اليمامي، وهو صحابي، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، وبايعه وصلى معه كما جاء في هذا الحديث، وله أربعة عشر حديثاً، خرج له أصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فإن رجال الإسناد كلهم إلا هناد هم حنفيون من بني حنيفة، وخرج لهم أصحاب السنن الأربعة، فهؤلاء الأربعة الذين هم: ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق، هؤلاء أربعة سحيميون من بني حنيفة ومن اليمامة، وممن خرج لهم أصحاب السنن الأربعة، وما خرج لهم البخاري، ومسلم شيئاً، فهؤلاء أربعة ليس لهم في الصحيحين رواية، وإنما روايتهم أربعتهم في كتب السنن الأربعة، وهم سحيميون، حنفيون، ويماميون من اليمامة.والحديث صحيح ثابت؛ الذي هو حديث طلق، إنما الكلام في هل الأخذ به، أو الأخذ بحديث بسرة؟ وقد ذكرت لكم: أن الأخذ بحديث بسرة هو الأولى.


الساعة الآن : 07:54 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 222.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 221.68 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]