رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث استعمال الضحاك بن سفيان على الأعراب وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أحمد بن صالح : حدثنا عبد الرزاق بهذا الحديث عن معمر عن الزهري عن سعيد وقال فيه: (وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الأعراب) ]. يعني : الضحاك، وهذه إشارة إلى وجه الكتابة، وأنه كتب له على اعتبار أنه استعمله على الأعراب، فكتب له بهذا الكتاب لما كان مستعملاً، وهذا بيان سبب كتابته له، أو المناسبة التي جعلته يكتب له؛ لأنه كان مسئولاً عن الأعراب. قوله: [ قال أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد ]. الزهري و سعيد مر ذكرهما. الأسئلة معنى النصر والنصيحة والرفادة السؤال: ما معنى النصر والنصيحة والرفادة؟ الجواب: النصر يكون حيث يكون الصاحب مظلوماً أو ظالماً، فإن كان ظالماً يمنعه من الظلم، كما جاء في الحديث: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قال: أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم) يعني: أنه ينصره إن كان مظلوماً ويكون عوناً له، ويسعى في تخليصه من مظلمته، وإن كان ظالماً يسعى في تخليصه من الظلم، ويجعله يترك الظلم ويبتعد عن الظلم. والنصيحة أن ينصح له بأي وجه من وجوه النصيحة، فينصح له إذا استشاره، ومن النصيحة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كل ذلك داخل تحت اسم النصيحة، والنصيحة معنى عام. والرفادة: العطية والإحسان. حكم التعلم على يد المرأة السؤال: هل في حديث أم سعد بنت الربيع دليل على جواز القراءة على المرأة والتعلم منها؟ الجواب: نعم. هذا الحديث يدل على الأخذ عن المرأة، وكذلك يجوز تعليم المرأة، لكن من وراء حجاب. كيفية تقسيم التركة قبل ولادة الحمل السؤال: كيف تقسم التركة قبل ولادة الحمل؟ الجواب: إذا طلب بعض الورثة أن تقسم التركة، فإنه يقدر ميراث الحمل ويعطون القدر الذي لا يحتاج إلى أن يؤخذ منهم شيء منه فيما بعد، بمعنى: أنه يفترض أنه ذكر، ثم يوقف نصيبه، فإذا كان ذكراً كما افترض أخذ نصيبه، وإذا كان أنثى فإنها تأخذ نصيبها والباقي يرجع للورثة، وهذا موجود في علم الفرائض في باب ميراث الحمل. حال حديث ميراث المرأة من دية زوجها السؤال: الحديث الأخير هل هو مرسل؛ لأنه عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يقول: الدية على العاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها؟ الجواب: لا. ليس مرسلاً؛ لأنه يحكي الذي حصل، وأن الضحاك بن سفيان كتب له بذلك. حكم الكلام في الخطبة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (من لغا فلا جمعة له)، متى يبدأ تحريم الكلام؟ ومتى ينتهي؟ الجواب: يحرم الكلام إذا بدأ الخطيب يتحدث إلى أن ينتهي. حكم بيع ما فيه فتنة للمسلمين السؤال: أنا تاجر وجاءتني عدد من العبايات المطرزة والسادة، وبعضها يلبس على الرأس، وبعضها يلبس على الكتفين، وأنا أبيع بالجملة، ومحتم علي أن أشتري كل هذا العدد، فهل يجوز أن أشتري هذه البضاعة بما فيها من مطرز ومن أشياء تلبس على الكتفين؟ الجواب: ما فيه فتنة وكون النساء تلبسه وفيه مضرة ليس للإنسان أن يتعامل به، والشيء الذي على الكتفين فيه تشبه بالرجال، فلا تلبس المرأة اللبس على الكتفين، وإنما يكون لبسها للعباءة على رأسها وليس على كتفيها. وبالنسبة للإلكترونيات مثل المسجلات وآلات الحلاقة للشعر وغير ذلك يشتريها جملة، وكونه يشتري هذه الأشياء المباح شراؤها فلا بأس، ولا مانع من أن يشتريها بالجملة أو بالإفراد. أما آلات الحلاقة فإذا كانت تستعمل في أمر سائغ ما فيه بأس، والحلاق يمكن أن يفعل ما هو مباح ويمكن أن يفعل ما هو محرم، فإذا حلق اللحى فإن فعله محرم، وإذا حلق الرءوس فإن فعله مباح. حكم صلاة راتبة الظهر الأربع بتسليمة واحدة السؤال: السنة الراتبة قبل الظهر هل أصليها بتسليمتين أو بتسليمة واحدة؟ الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يأتي بها بتسليمتين. حكم الكلام بين الخطبتين السؤال: هل يجوز الكلام في السكتة بين الخطبتين؟ الجواب: يجوز إذا كان هناك حاجة للكلام. حكم صلاة سنة العصر الأربع بتسليمة واحدة السؤال: حديث : (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)، هل تكون بتسليمة أو تسليمتين؟ الجواب: الأصل هو التسليمتين، لحديث: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى). حكم التطوع بعد صلاة الوتر السؤال: هل يشرع التطوع بعد صلاة الوتر؟ الجواب: لا يشرع أن يوتر الإنسان ثم يتطوع أو يقصد أن يوتر ثم يتطوع، فالوتر يكون آخر صلاة الليل، وإذا أوتر الإنسان ثم بعد ذلك استيقظ وأراد أن يصلي، فليصل ولا يوتر مرة ثانية. حكم الصلاة على النبي في الخطبة السؤال: هل يجوز لنا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة إذا ذكر ونأمن على الدعاء؟ الجواب: نعم تؤمن وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره؛ لأن التأمين والصلاة هو متابعة للخطيب، وكون الإنسان متابعاً للخطبة هذا هو المطلوب، وإنما الحديث ما يكون خارجاً عن الخطبة، ويكون مع غيره، وفيه انشغال عن الخطبة، وأما كون الإنسان يؤمن فمعناه أنه مع الإمام، يعني: الإمام يدعو وهو يؤمن، الإمام يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عليه. دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام السؤال: هل يشرع بعد تكبيرة الإحرام القول: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)؟ الجواب: ورد في بعض الروايات أن هذا من أدعية الاستفتاح. حكم الصلاة على النبي السؤال: هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة واجبة أم مستحبة؟ وما الدليل؟ الجواب: إذا كان المقصود به في القراءة، وكون الإنسان عندما يقرأ الإمام ويأتي ذكر النبي يصلي عليه، فلا يفعل ذلك، وأما الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير ففيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بركنيتها، ومنهم من قال باستحبابها، والحنابلة يقولون: هي ركن، ويستدلون على ذلك بالحديث الذي ورد: (عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك إذا كنا في صلاتنا؟)؛ لأنه ذكر مع التشهد. شرح مسألتي العمرية في الفرائض السؤال: نرجو من فضيلتكم شرح المسألة العمرية؟ الجواب: العمرية مسألتان في الفرائض وضابطهما: وجود أحد الزوجين مع الأبوين فقط، مسألة فيها: زوج وأم وأب، ومسألة فيها: زوجة وأم وأب، فالأبوان موجودان في الاثنتين، وفي كل واحدة إما زوج وإما زوجة، فالأم ترث ثلث ما يبقى بعد أخذ الزوج أو الزوجة نصيبه، أما الزوج فله النصف؛ لأنه لا يوجد فرع وارث، وما يبقى بعد ذلك كأنه أصل المال، فتأخذ الأم ثلث ما يبقى والأب يأخذ الباقي، أما ثلث ما يبقى فهو في الحقيقة سدس، أي سهم واحد من ستة أسهم. ففي العمرية نورث الأبوين بعد الزوج، وكأن المسألة: هلك هالك عن أب وأم، فإن الأم تأخذ الثلث والأب يأخذ الباقي. ففي مسألة العمريتين بعد أن يأخذ الزوج والزوجة نصيبهما تأخذ الأم الثلث بعد ذلك، وهو في الحقيقة سدس أو ربع، ففي مسألة الزوج تكون من ستة: الزوج له النصف، والأم لها ثلث الباقي، وهو في الحقيقة السدس والباقي للأب، وفي مسألة الزوجة تكون من أربعة: الزوجة لها الربع؛ لأنه لا يوجد فرع وارث يحجبها إلى الثمن، فيبقى ثلاثة، الأم لها ثلث الباقي وهو في الحقيقة ربع، والأب له الباقي. الدليل على أن غير المميز يقطع الصف السؤال: ما الدليل على أن اصطفاف الصغار في الصف يقطع الصلاة؟ الجواب: إذا كانوا مميزين فاصطفافهم لا يقطع الصف، وأما إذا كانوا غير مميزين فإن وجود أحدهم في الصف كعدم وجوده؛ لأنه غير مصل، بل يلعب ويتحرك ويلتفت ويقوم ويجلس، فوجوده مثل عدمه، وأما إذا كان يميز ويصلي مع الناس فإن الصف يكون فيه مصل. وجوب حفظ اللسان عن أهل العلم السؤال: انتشر في الآونة الأخيرة قدح بعض طلبة العلم في بعض مشايخ أهل السنة الذين ينافحون عن الحق بألسنتهم وأقلامهم كالشيخ ربيع المدخلي وغيره، بزعم أن هؤلاء المشايخ لم يسلم أحد منهم، وأن الأمة بحاجة إلى أن تأتلف وتتفق وتترك الردود فيما بينها، فما نصيحة فضيلتكم لهؤلاء الشباب؟ الجواب: الواجب هو التناصح والتعاون على البر والتقوى، وأن يحفظ الإنسان لسانه عما يعود عليه بالمضرة، والرد مطلوب إذا كان هناك أمر يقتضي الرد، وأي مانع يمنع من الرد؟! فهل من الحكمة أن المنكر أو الباطل إذا وجد يترك ولا يرد عليه، والذي يرد عليه ينكر عليه؟! هذا لا يسوغ ولا يجوز، بل الرد من النصيحة، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالحاصل: أن الإنسان عليه أن يحفظ لسانه من الكلام الذي يعود عليه بالمضرة، والعالم إذا حصل منه رد في محله فإن هذا من النصيحة، ومما يعود على الناس بالفائدة. حكم مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر السؤال: قال الشوكاني رحمه الله في نهاية بحث مس المصحف: أما المحدث حدثاً أصغر فذهب ابن عباس و الشعبي و الضحاك و زيد بن علي و المؤيد بالله والهادوية وقاضي القضاة وداود إلى أنه يجوز له مس المصحف، فهل قول ابن عباس و الشعبي صحيح؛ لأن الشوكاني لم يذكر السند إليهما؟ الجواب: لا أدري، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، وهذا هو الذي يعول عليه في ذلك. ولكن تجد هذه الآثار في مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة، ونحوهما. حكم نقل المصحف لمن هو محدث السؤال: هل يدخل في النهي عن مس المصحف إلا بطهارة نقل المحدث للمصحف من مكان إلى مكان؟ الجواب: كون الإنسان يمسكه بالغلاف وينقله من مكان إلى مكان لا بأس به، وإنما المحذور كونه يفتح المصحف ويلمسه، هذا هو المحظور، وأما كونه يحمله بغلافه فلا بأس به. ويجوز للمحدث مسك طرف الورقة، ولمس جزء من ورقة المصحف مما ليس فيه قرآن، فالمحذور هو أن يلمس القرآن. حكم الاستدلال بحديث (إذا كنتم ثلاثة في سفر فلتؤمروا أحدكم) على البيعة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة في سفر فلتؤمروا أحدكم) هل فيه دليل على البيعة، حيث تستدل به الجماعات والأحزاب على ذلك؟ الجواب: وأين ذكر البيعة في هذا الحديث؟! فهل الرسول قال: إن الاثنين يبايعون الثالث؟! لا تشرع بيعة في السفر أبداً، لكن يقال: أنت الأمير، أنت مرجعنا، أما كونهم يبايعونه على كذا وكذا فلا، وإنما يجعلون أحدهم مرجعاً لهم، بحيث إذا أراد أن يذهب يستأذن الأمير، وإذا أرادوا أن ينزلوا يرجعون إلى رأي الأمير، وإذا أرادوا أن يرتحلوا يرجعون إلى رأي الأمير؛ حتى لا تكون الأمور فوضى، وكل واحد يصير إلى رأي، ويختلفون، بل يكون لهم أمير يرجعون إليه، أما البيعة فإنما هي للخليفة والإمام. الجماعات الإسلامية السؤال: هل تكون الجماعات التي تدعو إلى التوحيد والسنة داخلة في قوله: (لا حلف في الإسلام)، إذا علم أنها على منهج صحيح من عقيدة واتباع، ولا تعقد ولاءها وبراءها لأحد إلا للكتاب والسنة؟ وهل تدخل في قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، وقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]؟ الجواب: الأصل أن المسلمين يكونون جماعة واحدة على منهج الكتاب والسنة، وعلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهذا هو الأصل، لكن وجد التفرق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنه من يعش فسيرى اختلافاً كثيراً)، وقال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي؟ قال: الجماعة)، وفي لفظ: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي)، فالذين هم على هذا المنهج لا يقال: إنهم على حلف، وإنما هم ملتزمون بما جاء في الكتاب والسنة عملاً ودعوة، وإذا وجدت جماعات خرجت عن هذا المسلك وعن هذا المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فتلك جماعات مختلفة، وهي ممن يتحالف ويتآزر ويتعاون على الشيء الذي التزموه، وذلك الذي التزموه ليس على منهج صحيح، وإذا كانوا على منهج صحيح فليكونوا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة، وهو الالتزام بالكتاب والسنة. فالحاصل: أن من يلتزم بالكتاب والسنة لا يقال: إنه من أهل الأحلاف، وإنهم يدخلون في حديث: (لا حلف في الإسلام)، بل الحق هو ما كان عليه صدر هذه الأمة، وهو أن يتبع الدليل ويسار على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، أما الذين يأتون بمناهج وبعقائد مخالفة ويتناصرون عليها، ويتعاونون عليها؛ فهؤلاء هم المتعاونون على الإثم والعدوان. أهمية الجرح والتعديل السؤال: هل الجرح والتعديل خاص بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هناك بعض الناس يغتاب بعض العلماء، ويقول: هذا من الجرح والتعديل؟ الجواب: الغيبة ليست من الجرح والتعديل، الغيبة كون الإنسان يتحدث عن آخر من غير مصلحة، فهذا من الغيبة المحرمة، والجرح والتعديل ليس خاصاً بالحديث، بل عند القضاة هناك جرح وتعديل وتزكية للشهود الذين يدلي بهم المدعي، والمدعى عليه يجوز له أن يقدح فيهم ويذكر عيوبهم، ويقول مثلاً: مثل هذا لا يصح للشهادة، ولا تحكم علي بشهادته؛ لأنه كذا وكذا. فالجرح ليس مقصوراً على الحديث، ولكن لا شك أن الحديث وقبوله ينبني على الجرح والتعديل، وكذلك أحكام القضاة تنبني على الجرح والتعديل، وكذلك الأمور الأخرى مثل المشورة يحتاج فيها إلى الجرح والتعديل، كما لو كان الإنسان يريد أن يصاهر إنساناً فيسأل عنه، فالمسئول يذكره بما فيه؛ لأن هذا من النصيحة، والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءته فاطمة التي طلقها زوجها وبت طلاقها وقالت: إن معاوية و أبا جهم خطباني قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، فالجرح والتعديل ليس خاصاً في الرواية بل يكون في الحكم والقضاء وفي غير ذلك. حكم التوسل إلى الله بأحد خلقه السؤال: هل مقولة: (الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه فإن الخلاف فيه فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة) صحيحة؟ الجواب: لا، ليس ذلك بصحيح، وهذا توسل غير مشروع، والتوسل إنما يكون فيما هو سائغ وفيما هو مشروع. صلة القريب التارك للصلاة بنصحه السؤال: عندي ذوو رحم تاركون للصلاة، فهل يجب علي صلتهم؟ الجواب: أعظم صلة تكون بينك وبينهم أن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتدعوهم إلى الصلاة، فأنت تأتي إليهم من أجل نصحهم، أو تتصل بهم من أجل نصحهم، لا من أجل أن تبرهم وتحسن إليهم وهم تاركون للصلاة، بل برك لهم بإخراجهم من الظلمات إلى النور، والعمل على هدايتهم، وإصلاح حالهم، وكونهم يكونون من أهل الصلاة، ويحرصون على المحافظة على عمود الإسلام التي هي الصلاة. حكم التسمي بـ عبد الوحيد السؤال: رجل سمى ابنه عبد الوحيد ظناً أن الوحيد صفة من صفات الله أو من أسمائه، والآن لا يقدر على تغييره بسبب الإجراءات الحكومية، والولد الآن كبير، فهل هذه التسمية صحيحة؟ الجواب: التعبيد كما هو معلوم يكون لأسماء الله، ولا نعرف أن في أسماء الله: الوحيد، ولكنه من باب الإخبار أن الله تعالى وحيد في أفعاله وصفاته ليس له مشارك، والمعنى مفهوم، ويكون من باب الإخبار، وإذا بقي بهذا المعنى فلا بأس. حال حديث (تعلموا العربية وعلموها الناس) السؤال: ما صحة الحديث: (تعلموا العربية وعلموها الناس)؟ الجواب: لا أعلم حديثاً في هذا. حكم صيام يوم الحادي عشر من محرم السؤال: الذي لم يصم يوم التاسع من محرم فصام العاشر والحادي عشر، هل فعله صحيح استناداً لحديث: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)، إن صح؟ الجواب: الأولى للإنسان أن يأتي بالتاسع مع العاشر، وإذا لم يأت بالتاسع فإنه يأتي بالحادي عشر مع العاشر؛ لأنه تحصل به المخالفة. معنى مقولة ابن مهدي (سفيان أعلم بالحديث...) السؤال: ما معنى قول عبد الرحمن بن مهدي : سفيان الثوري أعلم بالحديث، و الأوزاعي أعلم بالسنة، و مالك أعلم بهما، أي بالحديث والسنة؟ الجواب: المقصود بالسنة هنا ما يتعلق بالعقيدة، واصطلاح السلف أن ما يتعلق بالعقيدة يقال له سنة، ولهذا توجد مؤلفات باسم السنة، مثل: كتاب السنة لابن أبي عاصم ، وكتاب السنة للطبراني ، وكتاب السنة لمحمد بن نصر المروزي ، فإنها كلها تتعلق بالعقيدة، و أبو داود عقد كتاباً في كتاب السنن اسمه: كتاب السنة، وهو يتعلق بالعقيدة. ولعل المقصود من ذلك: السنة بالمعنى العام؛ لأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما أثر عنه من قول أو فعل أو تقرير خلقي أو خلقي؛ لأنه مرادف للحديث. إذاً: السنة تطلق إطلاقاً عاماً يشمل الحديث، وتطلق إطلاقاً خاصاً وهو ما يتعلق بالعقيدة، وعلى هذا قد يكون المقصود من قول عبد الرحمن بن مهدي فلان أعلم بالحديث، وفلان أعلم بالسنة، وفلان أعلم بهما جميعاً، يعني: ما يتعلق بالعقيدة وغير العقيدة، أي فلان فيما يتعلق بالعقيدة أكثر علماً، وهذا فيما يتعلق بغيرها أكثر علماً، وهذا جمع بينهما. هذا هو معناه. حكم الأكل من مال حرام السؤال: شاب في مقتبل عمره يدرس في السنة الثالثة الثانوية، والذي يصرف عليه هي أمه لكنها تكتسب المال من وجه حرام، وذلك أنها تتعامل مع الجن وتخبر بمغيبات، فهل يجوز له أن يأخذ من مالها وهو محتاج إلى ذلك، أم يأكل من كسب يده خاصة وهو قادر على العمل؛ لكن يترتب على ذلك ترك الدراسة؟ الجواب: الواجب عليه أنه يسعى لتخليص أمه من البلاء الذي وقعت فيه، هذا هو أهم شيء، لا أن يسأل عن المال، وهل يأكل أو لا يأكل؟ وإنما ينبغي أن يهتم بمسألة البلاء الذي وقعت فيه أمه بأن يخلصها من البلاء الذي هي فيه، فعليه أن يسعى في تخليصها، ولا يصلح أن يأكل من هذا المال الحرام، وإنما يمتنع من ذلك، ويبحث عن عمل يجمع بينه وبين الدراسة بحيث يحصل له شيء يستفيد منه، وأما كونه يعول على هذا الأمر المحرم وعلى هذا السحت ويترك أمه على ما هي عليه من الباطل؛ فهذا لا يسوغ ولا يجوز." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [345] الحلقة (377) شرح سنن أبي داود [345] لابد للناس من أمير يجتمعون عليه، ولابد للأمير من وزراء وأعوان يعينونه على هذه الإمارة، وقد وردت أحاديث كثيرة تتعلق بالإمارة وأعمالها وآدابها وأحكامها، والعمل بما فيه صلاح الحاكم والمحكومين. ما يلزم الإمام من حق الرعية شرح حديث (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الخراج والإمارة والفيء. باب ما يلزم الإمام من حق الرعية. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الخراج والإمارة والفيء، هذه الترجمة لثلاثة أشياء: الأول والأخير يتعلقان بالمال، والثاني يتعلق بالإمارة والولاية. والخراج يطلق ويراد به المال الذي يأتي مما يصالح عليه الكفار من جزية وغيرها، كما أن الخراج يطلق أيضاً على ما يتفق السيد مع عبده على أن يأتي به من مقدار معين. والفيء: هو ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال، فهو ما أوجف الله عز وجل عليهم من غير قتال، والذي يكون بالقتال غنيمة، والذي يكون بدون قتال فيء، وقد تدخل الجزية تحت ما يحصل عليه المسلمون من الكفار من غير قتال. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما يلزم الإمام من حق الرعية، يعني: ما يلزم الوالي والأمير لرعيته، أي: ما يكون عليه من الحقوق لهم، والمقصود من ذلك كونه يعمل ما فيه مصالحهم، وما فيه جلب الخير لهم، ودفع الضر عنهم، وإقامة أمور دينهم ودنياهم؛ لأن الإمارة والخلافة والولاية هي ولاية عامة يقصد بها إقامة الدين ورعاية مصالح الأمة، فيجب أن يكون قائماً بأمور دينهم ودنياهم، ويعمل على ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، وعلى ما فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم، وهذا هو مجمل حق الرعية على الراعي أو الأمة على الإمام أو المأمورين على الأمير. والولاية متفاوتة بعضها أوسع من بعض، فالولاية العامة تكون للخليفة الذي يكون مسئولاً عن الرعية، ويعين الأمراء ويعين الولاة على المدن والقرى والأقاليم، ويكون مسئولاً عن الجميع، فكل إمارة وكل ولاية فذلك الوالي مسئول عما استرعاه الله عز وجل، فالإمام يكون مسئولاً عن كامل الرعية، وعن الأمراء الذين يوليهم عن الرعية، وكل أمير مسئول في حدود ولايته عن الجماعة الذين استرعي عليهم، وصار أميراً عليهم، فالإمارة تشمل الإمارة العامة التي تكون للخليفة، ويكون هو المسئول الأول في البلاد، وتشمل الأمراء الذين يعينهم الإمام على النواحي أو المدن أو القرى، فإن كل واحد منهم يقال له: أمير، وكل منهم مسئول في حدود ولايته وإمارته، وبعضها يكون أوسع من بعض، وبعضها أكبر من بعض، فالإمام الأعظم هو المسئول الأول عن الجميع، وكل أمير مسئول عن الناحية التي ولي عليها سواءً كانت إقليماً أو مدينة أو قرية. أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع ومسئول عن رعيته) وهذا لفظ عام فصله بقوله: (فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسئول عنهم)، والأمير يشمل الأمير العام الذي هو الخليفة والمسئول الأول في البلاد، ويشمل الأمراء الذين يعينهم ويوليهم على النواحي والأقاليم والمدن والقرى، فكل واحد من هؤلاء الأمراء مسئول عن رعيته، فالأمير على قرية مسئول على القرية وأهل القرية، والأمير على المدينة كذلك، والأمير على إقليم وناحية كذلك، والذي يكون مسئولاً عن الجميع هو الإمام الأعظم والخليفة. وقوله: (فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عنهم) يشمل من كان خليفة أو كان أميراً على جماعة من الناس في إقليم أو مدينة أو قرية، كل هؤلاء يندرجون تحت لفظ الأمير، وهم مسئولون عن ولايتهم، ومعنى ذلك أنهم مسئولون يوم القيامة عما استرعاهم الله عز وجل عليه، ويلزم كلاً منهم النصح لمن كان والياً عليهم، فيعمل على تحصيل كل خير لهم، ودفع كل شر عنهم، ويعمل على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وكل ذلك من واجبات الإمام ومن واجبات الأمير، فهذا هو واجبه، وهو مسئول عن أداء هذا الواجب يوم القيامة، فهو راع ومسئول عن رعيته. قوله: (والرجل راع في أهل بيته) هذه ولاية خاصة، فالرجل مسئول عن أهل بيته، وهم رعيته، وهو مسئول عما استرعاه الله من أولاده ونسائه ومن يكون تحت ولايته في بيته، فيجب عليه أن يعمل ما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم، بأن ينفق عليهم، ويحسن إليهم، ويعاملهم المعاملة الطيبة، ويعمل على استقامة أمورهم، وعلى قيامهم بأمور دينهم، وكل ذلك مسئول عنه صاحب البيت، وهذه ولاية خاصة، ولهذا له أن يؤدب بيده أبناءه وبناته، وهو من أهل اليد وأهل السلطة والولاية في ذلك، فهو راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة، هل أدى ما يجب عليه نحو من ولاه الله عليهم وهم أهل بيته من الإنفاق عليهم، والإحسان إليهم، والقيام بشئون دينهم ودنياهم، وما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم؟ فإن أحسن فإنه يحسن لنفسه، وإن أساء فإنه يسيء عليها، ويعاقب على إساءته؛ لإخلاله بما أوجبه الله عليه من رعاية أهل بيته والقيام بشئونهم، وما يصلح أمور دينهم وديناهم. قوله: (والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم) يعني: مسئولة عن قيامها بما هو واجب عليها في البيت من تدبير أمور البيت على الوجه المشروع، ومن رعاية الأولاد وتربيتهم وتنشئتهم، والإحسان إليهم، فهي مسئولة عن ذلك، ومسئولة عن رعيتها يوم القيامة. قوله: (والعبد راع في مال سيده ومسئول عن ذلك يوم القيامة) يعني في الشيء الذي جعل تحت ولايته، ووكل إليه سيده القيام به، فهو مسئول عنه، فإن قام به على الوجه المشروع فإنه يسلم يوم القيامة، وإن خان وغير وبدل فإنه يؤاخذ على ذلك يوم القيامة. قوله: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ختم الحديث بما بدأ به؛ لأنه بدأ بهذا التعميم، ثم فصل ثم ختم بالتعميم، وهذا كله لتأكيد أمر الولاية، وأن كل إنسان مسئول عما ولاه الله عليه، وما جعل إليه، وليس هذا مقصوراً على هذه الأصناف الأربعة، بل يعم كل من يكون مسئولاً عن شيء، ومن يكون والياً على شيء، سواءً كان أميراً أو موظفاً أو ما إلى ذلك، فإنه مسئول عما وكل إليه ومن يكون تحت ولايته من الموظفين. وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفيه الإجمال والتفصيل، أجمل في الأول وفي الآخر، والإجمال في الآخر من باب التأكيد، وفصل في الوسط بأن ذكر أمثلة من الولاة، وهم: الأمير، وصاحب البيت، والمرأة في بيت زوجها، والعبد في مال سيده. تراجم رجال إسناد حديث (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. ما جاء في طلب الإمارة شرح حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في طلب الإمارة. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا هشيم أخبرنا يونس و منصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة، فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) ]. أورد أبو داود باب ما جاء في طلب الإمارة أي: كراهية ذلك، ولا ينبغي أن الإنسان يحرص على الإمارة ويسعى في تحصيلها، ويسعى أن يكون مسئولاً وأميراً أو والياً على أحد من الناس وإن لم يكن أميراً؛ لأن هذا كله مما فيه تبعة كبيرة، ومسئولية عظيمة، والإنسان إذا حرص على شيء ورغب فيه، وسعى جاهداً للحصول عليه، قد لا يوفق في ذلك، ويوكل إلى نفسه، وإذا لم يكن حريصاً على الإمارة أو الولاية، وليس راغباً فيها، وأسندت إليه؛ فذلك مظنة أن يحصل له العون عليها؛ لأنه ما سعى فيها حتى يوكل إليها، وإنما بلي بها وأسندت إليه دون طلب منه. أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: [ (يا عبد الرحمن بن سمرة ! لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسألة وكلت فيها إلى نفسك) ] يعني: لا تطلبها وتسعى إلى أن تكون أميراً (فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها) معناه: أن الإنسان لا يحصل له تسديد وتوفيق في هذه المهمة التي وكلت إليه برغبة منه وبطلب منه، (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)؛ لأنه ما شغل نفسه بها، ولا فكر فيها، ولا اجتهد فيها، ولكنه اختير لأن يقوم بهذه المهمة، فيكون ذلك من أسباب عونه وتوفيقه من الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)، فالذي يطلب الولاية يكون عنده رغبة في العلو وفي التسلط والتولي والولاية؛ حتى يكون الناس تبعاً له، والذي ما حصل منه السعي من ذلك، ويتخوف ويخشى من المسئولية والتبعة؛ فإنه إذا أسندت إليه يكون ذلك من أسباب عونه وتسديده، وكونه يخاف يجعله يجتهد في الإصلاح وفي القيام بالواجب حتى لا يحصل له ضرر يوم القيامة؛ لكونه يجازى على ما يحصل منه من إخلال ومن تقصير. وأيضاً جاء في الحديث: (من تواضع لله رفعه الله). هذا التوجيه من النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فيه بيان أن طلب الإمارة يأتي بالمضرة، وقد لا يوفق الإنسان في مهمته، والإنسان الذي أعطي الإمارة من غير مسألة يعان على ذلك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعطي الإمارة من يطلبها لئلا يوكل إليها، ويعطيها من لا يطلبها كما سيأتي في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه. تراجم رجال إسناد حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) قوله: [ قال: حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يونس و منصور ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن سمرة ]. عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (إن أخونكم عندنا من طلبه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن بشر بن قرة الكلبي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: (انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتشهد أحدهما ثم قال: جئنا لتستعين بنا على عملك، وقال الآخر مثل قول صاحبه، فقال: إن أخونكم عندنا من طلبه، فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لم أعلم لما جاءا له، فلم يستعن بهما على شيء حتى مات) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء ومعه اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبا الولاية؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أخونكم عندنا من طلبه) يعني: من طلب الولاية، وهذا اللفظ جاء في هذه الرواية، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفي غيرهما بغير هذا اللفظ، وليس فيه ذكر الخيانة، ولكنه لم يولهما، وقد ولى أبا موسى الأشعري الذي ما طلب الولاية. وفي الصحيحين أن أبا موسى جاء ومعه اثنان من الأشعريين وهو بينهما، واحد عن يمينه وواحد عن شماله حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب كل واحد منهما الإمارة، فأبو موسى أراد أن يدافع عن نفسه وخشي أن يظن أن مراده مرادهم، فقال: إنني ما علمت بالشيء الذي أراداه، يعني ما علم بالشيء الذي كان في أنفسهما، وهو ما طلباه من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه)، وولى أبا موسى الأشعري ولم يولهما. فالحديث ثابت في مجيء أبي موسى ومعه اثنان، وأنهما طلبا الولاية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يولهما وولاه، وأما قوله: (إن أخونكم عندنا من طلبه) فهذا جاء في هذه الرواية من هذا الطريق، وفيه مخالفة لرواية الثقات الذين رووه بدون ذلك، فهي من قبيل رواية الضعيف المخالف للثقات، فيكون هذا اللفظ من قبيل المنكر؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة يسمى منكراً، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يسمى شاذاً، وهذا من قبيل مخالفة الضعيف للثقة؛ لأن إسماعيل بن أبي خالد يروي عن أخيه، وأخوه مبهم غير معلوم، وله عدة إخوة يروي عنهم. تراجم رجال إسناد حديث (إن أخونكم عندنا من طلبه) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا خالد ]. خالد بن عبد الله الطحان الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أخيه ]. أخوه غير معروف. [ عن بشر بن قرة ]. بشر بن قرة الكلبي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي . [ عن أبي بردة ]. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى الأشعري ]. أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم طلب الرئاسة الدينية السؤال: الإمارة المراد بها هنا الدنيوية، لكن الرئاسة الشرعية الدينية ما حكم طلبها؟ الجواب: القضاء رئاسة شرعية، وهي مثلها، فلا يطلب الإنسان القضاء. أما طلب الإنسان أن يكون إماماً من أجل أن يحافظ على الصلاة أو من أجل أن يعتني بالقرآن أو من أجل أن ينفع الناس بالتدريس فهذا لا بأس به. وجه طلب يوسف لجعله على خزائن الأرض السؤال: ما هو الجمع بين طلب يوسف عليه الصلاة والسلام: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55] وبين النهي عن طلب الإمارة؟ الجواب: يجوز طلب الإمارة إذا تعين ذلك على الإنسان، وعلم من نفسه أنه قادر على القيام بذلك، ويوسف هو رسول الله عليه الصلاة والسلام وليس كغيره، وإذا تعين على الإنسان أن يقوم بهذا الأمر، وأنه إذا أسند إلى أحد غيره قد يسيء فيه؛ فطلبه يكون له وجه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
حكم طلب الترشيح في الانتخابات البرلمانية السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الإسلاميين من ترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية؟ الجواب: لا شك أنه من طلب الإمارة، (ولكل امرئ ما نوى)، لكن في الغالب يكون رغبة في العلو، ورغبة في السلطة والولاية. الضرير يولى شرح حديث (استخلف ابن أم مكتوم على المدينة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الضرير يولى. حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف ابن أم مكتوم رضي الله عنه على المدينة مرتين) ]. أورد أبو داود باب الضرير يولى، يعني: ولاية خاصة، كأن يكون أميراً على قرية أو مسئولاً في غيبة الأمير، هذا هو المقصود من تولية الضرير، وذلك سائغ، وبعض أهل العلم قال: إن المقصود به إمامة الصلاة بالناس، ولكن الذي يظهر هو ما ذكره ابن عبد البر أنه ولاه عدة مرات لغير الصلاة، وليس مرتين فقط، وهذا يدل على أن هذا سائغ وجائز ولا بأس به. قوله: (استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة مرتين) يعني: في حال غيبته، ولا وجه لمن قال: لا يجوز للأعمى أن يقضي، بل له ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (استخلف ابن أم مكتوم على المدينة) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ]. محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي بكسر الراء المهملة المشددة، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمران القطان ]. عمران بن داور القطان وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. اتخاذ الوزير شرح حديث (إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في اتخاذ الوزير. حدثنا موسى بن عامر المري قال: حدثنا الوليد حدثنا زهير بن محمد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه) ]. أورد أبو داود باباً في اتخاذ الوزير، يعني: أن الأمير لابد له من يعينه ويؤازره ويشد أزره، ويتحمل معه المسئولية، ويكون له عوناً على القيام بالواجب، فلابد للأمير من وزير، ولابد له ممن يساعده ويعينه ويشد أزره في مهمته التي تولاها. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق) يعني: صادقاً في قوله وعمله. (إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه) يعني يذكره الشيء الذي ينساه مما هو واجب عليه، ومما هو مطلوب منه، وإن كان ذاكراً يكون عوناً له على القيام بهذه المسئولية، والقيام بتنفيذ هذه المهمة التي هو ذاكر لها، ولكنه بحاجة إلى من يعينه عليها. قوله: (وإذا أراد الله بالوزير غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه) يعني يجعله يبقى على عماه وعلى غفلته وعلى إهماله وتضييعه، وإن ذكر لم يعنه، وقد يخذله، ويكون سبباً في الحيلولة بينه وبين أن ينفذ الشيء الواجب عليه، بأن يفت في عضده، ويسوفه، ويأتي بالأمور التي تجعله لا ينفذ ذلك الشيء الواجب عليه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق) قوله: [ حدثنا موسى بن عامر المري ]. موسى بن عامر المري صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير بن محمد ]. زهير بن محمد التميمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. العرافة شرح حديث (أفلحت يا قديم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العرافة. حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: أفلحت يا قديم ! إن مت ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً) ]. أورد أبو داود (باب في العرافة) والعرافة: مأخوذة من التعريف، يعني: كون الإنسان يصير مسئولاً عن جماعة يعرف بهم، ويكون واسطة بين الأمير وبينهم، ويعرفون بواسطته، قيل له: عريف؛ لكونه يرجع إليه في معرفة الأشخاص الذين يوكل إليه ما يتعلق بشئونهم، وإذا كانت هناك أمور يبلغها إياهم، وإذا كانت هناك أمور مطلوبة منهم يكون هو المسئول. وقد جاء في السنة ما يدل على العرافة، ففي الصحيحين أو في أحدهما في قصة حنين وسبي هوازن، أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم والسبي جاء وفد هوازن إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبين، وطلبوا منه أن يرد عليهم السبي والمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فجمع الناس وقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وقد طلبوا أن يرد عليهم سبيهم، فمن أعطيناه من السبي وأراد أن يطيب فليفعل، ومن أراد أن يحتفظ بحقه فإنا نعوضه من أول شيء يفيء الله علينا) يعني: أن السبي الذي قسم أراد أن يسترجعه، ومن سامح وتنازل عن حقه سقط حقه، ومن احتفظ بحقه ولم يرد أن يتنازل عن حقه من السبي فإنه يعوضه النبي صلى الله عليه وسلم من أول شيء يحصل، (فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: طيبنا طيبنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما نعرف من طيب ممن لم يطيب، فاذهبوا حتى يأتي إلينا عرفاؤكم، فجاء إليه العرفاء بعد ذلك وقالوا: إنهم طيبوا) يعني: أن كل شخص مسئول عن جماعة جاء وقال: إن جماعته الذي هو مسئول عنهم موافقون على التنازل، فهذا فيه دليل على مشروعية اتخاذ العرفاء الذين يكونون مسئولين عن بعض الجيش أو بعض الناس، وهم مثل الذين يسمون في هذا الزمان: شيوخ القبائل، فكل شيخ قبيلة يكون مسئولاً أمام الوالي عن جماعته والتعريف بهم، ومعرفة من هو من القبيلة ممن ليس من القبيلة. أورد المصنف حديثاً عن المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: أفلحت يا قديم ! إن مت ولم تكن أميراً، ولا كاتباً، ولا عريفاً) ] قديم يعني تصغير مقدام بحذف الزوائد، والحديث لم يثبت، ففيه رجل ضعيف، ولو صح لكان في حق من يكون ظالماً، فيعين غيره على الظلم عندما يكون كاتباً أو عريفاً، أو أميراً. تراجم رجال إسناد حديث (أفلحت يا قديم..) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن حرب ]. محمد بن حرب الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة سليمان بن سليم ]. أبو سلمة سليمان بن سليم وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن جابر ]. يحيى بن جابر وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن صالح بن يحيى بن المقدام ]. صالح بن يحيى بن المقدام وهو لين، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جده المقدام بن معد يكرب ]. المقدام بن معد يكرب صحابي رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. آفة هذا الحديث صالح بن يحيى ، لم يوثقه إلا ابن حبان ، ومع ذلك قال: ثقة يخطئ، يعني: مع كونه ذكره في الثقات قال: إنه يخطئ، وأيضاً ذكره في طبقة أتباع التابعين، وعلى هذا يكون فيه انقطاع. شرح حديث (إن العرافة حق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده: (أنهم كانوا على منهل من المناهل فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبدا له أن يرتجعها منهم، فأرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: ائت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقل له: إن أبي يقرئك السلام، وإنه جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبدا له أن يرتجعها منهم، أفهو أحق بها أم هم؟ فإن قال لك: نعم أو لا، فقل له: إن أبي شيخ كبير وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده، فأتاه فقال: إن أبي يقرئك السلام، فقال: وعليك وعلى أبيك السلام، فقال: إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا فأسلموا وحسن إسلامهم، ثم بدا له أن يرتجعها منهم، أفهو أحق بها أم هم؟ فقال: إن بدا له أن يسلمها لهم فليسلمها، وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم، فإن هم أسلموا فلهم إسلامهم، وإن لم يسلموا قوتلوا على الإسلام، فقال: إن أبي شيخ كبير وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده، فقال: إن العرافة حق ولابد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل غير معروف، لا هو ولا ابنه ولا ابن ابنه، وهو يتعلق بالعرافة كما ترجم له المصنف، وفي آخره قال: (إن العرافة حق) يعني: أن الحاجة إليها قائمة وموجودة، ولابد للناس منها. قوله: (وإن العرفاء في النار) معنى ذلك لو صح: إذا ما قاموا بالواجب عليهم أو انحرفوا في مهمتهم، فإن ذلك من أسباب دخولهم النار، لكن الحديث غير ثابت، وأما اتخاذ العرفاء، وأن الناس لابد لهم من عرفاء فهذا ثابت كما تقدم. قوله: [ عن رجل عن أبيه عن جده: أنهم كانوا على منهل من المناهل ] يعني: على ماء يستقون منه ويشربون. قوله: [ فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا ] يعني دفعها لهم ليسلموا فأسلموا، ثم بعد ذلك بعث ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: إنني قد دفعت لهم هذا المقدار من الإبل على أن يسلموا، وإنني أردت أن أسترجعها، فهل أنا أحق بها أم هم؟ ثم إن أجابك فأخبره أن والدي شيخ كبير، وهو العريف على الماء، وأنه يسألك أن تجعل لي العرافة من بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العرافة حق، ولابد للناس من العرفاء، والعرفاء في النار)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وهو غير ثابت، ولو ثبت فإن المقصود من ذلك الذي يخون في ولايته، وفي مسئوليته، ويأتي بشيء على خلاف الحقيقة وعلى خلاف الواقع، فإن ذلك من أسباب دخوله النار. وما جاء في هذا الحديث من أنه قال: (إن أردت أن تسلمها لهم فأمضها، وإن أردت أن تسترجعها فأنت أحق بها) فيه دليل على أن الشيء الذي يعطى للإنسان على أمر واجب لا يستحقه؛ لأن هذا الشيء مطلوب منه ومتعين عليه، فهو لا يحتاج إلى أن يعطى شيء مقابله، مثل كون الإنسان يعطى مالاً على أن يصلي، فالصلاة واجبة ولا تحتاج إلى أجرة، وكذلك الدخول في الإسلام لازم ومتعين، وإذا دخلوا في الإسلام سلموا من النار، والمصلحة لهم والفائدة تعود عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل الأمر إليه، إن أراد أن يسترجع استرجع، وإن أراد أن يترك ترك. تراجم رجال إسناد حديث (إن العرافة حق) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا غالب القطان ]. غالب القطان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن أبيه عن جده ]. هذا الرجل مبهم، وأبوه كذلك، وجده كذلك. لابد من العريف الشيخ الألباني رحمه الله صحح حديثاً بلفظ: (لابد من العريف، والعريف في النار) في صحيح الجامع، فلابد من عريف، وكونه في النار يحمل على ما إذا خان، ولم يؤد الواجب الذي أوجب الله عليه، وأما إذا قام بالواجب الذي أوجبه الله عليه، فذلك من أسباب سعادته وفلاحه ونجاته، وليس من أسباب دخوله النار. جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم ليسلموا في هذا الحديث اتفاق حصل على إعطائهم الإبل على أن يسلموا، وهذا له أن يرجع ما أعطاهم، وأما إذا أعطاهم ترغيباً لهم في الإسلام، وما قال: بشرط أن يسلموا؛ فلا بأس، وإعطاء المؤلفة قلوبهم ليس من هذا القبيل؛ لأنه يعطيهم من أجل أن يتألفهم ويستميلهم، وأما هذا فأعطاهم وكأنه ثمن للإسلام ومقابل الإسلام. اتخاذ الكاتب شرح أثر (السجل كاتب كان للنبي عليه الصلاة والسلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في اتخاذ الكاتب. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (السجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي باب اتخاذ الكاتب، فالأمير والوالي لابد له من كاتب يتولى الكتابة له للجهات التي يريد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون له الوحي وغير الوحي مثل الرسائل التي كان يبعث بها إلى الملوك والرؤساء. أورد أبو داود أثراً عن ابن عباس قال: (السجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم) أي: أن هذا اسم كاتب للنبي عليه الصلاة والسلام، والحديث غير صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له كاتب اسمه السجل، وليس في الصحابة صحابي يقال له: السجل، فالحديث غير ثابت، ولكن اتخاذ الكاتب لابد منه، ويحتاج إليه الوالي. تراجم رجال إسناد أثر (السجل كاتب كان للنبي عليه الصلاة والسلام) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا نوح بن قيس ]. نوح بن قيس وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن كعب ]. يزيد بن كعب وهو مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عمرو بن مالك ]. عمرو بن مالك وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [ عن أبي الجوزاء ]. أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة حال حديث (أفلحت يا قديم) السؤال: حديث المقدام بن معد يكرب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: (أفلحت يا قديم !)، ذكرتم أن التضعيف بسبب صالح بن يحيى بن المقدام ، والشيخ الألباني رحمه الله ذكر علة أخرى وهي: الانقطاع؟ الجواب: قد أشرت إلى هذا، وذكرت أن ابن حبان قال: إنه في طبقة أتباع التابعين، وعلى هذا فيكون فيه انقطاع. تدليس الوليد بن مسلم السؤال: حديث: (إذا أراد الله بالأمير خيراً) فيه الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، وقد صرح بالتحديث عن شيخه ثم عنعن، قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الرحمن بن القاسم ، فلماذا صحح الحديث؟ الجواب: الأصل عدم التدليس حتى يعرف، وليس كل إسناد فيه الوليد وفيه عنعنة من فوق شيخه يقدح فيه، فإن كثيراً من رواياته ثابتة ومحتج بها وفيها العنعنة فيما فوق شيخه. قضاء الدين من بيت المال السؤال: نقل الشيخ عبد الله البسام حفظه الله عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه أنه قال: إذا مات أحد المسلمين وعليه دين فعلى ولي الأمر قضاؤه من بيت المال كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، الرجاء منكم التكرم بتوضيح هذا الكلام، وهل هو على إطلاقه سواءً كان له إرث أو ليس له إرث؟ الجواب: الذي يبدو أنه ليس على إطلاقه، والمراد به الإنسان الذي ما عنده سداد، وأما من خلف مالاً فإن الدين مقدم على الوصية والميراث قال الله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [346] الحلقة (378) شرح سنن أبي داود [346] جاءت الشريعة بما فيه صلاح الدين والدنيا، ومن ذلك السياسة الشرعية لإصلاح الرعية، وجلب كل مصلحة لهم، ودرء كل مفسدة عنهم، وقد جاءت أحاديث كثيرة اعتمد عليها العلماء في بيان معالم السياسة الشرعية من الاستخلاف والبيعة وأرزاق العمال والسعاية على الصدقة ونحو ذلك. السعاية على الصدقة شرح حديث: (العامل على الصدقة بالحق كالغازي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السعاية على الصدقة. حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في السعاية على الصدقة، الساعي على الصدقة هو العامل على الصدقة، فيكون من العاملين عليها الذين يذهبون إلى أصحاب المواشي أو إلى أصحاب الزروع فيأخذون الصدقة منهم، هذا يسمى سعاية على الصدقة، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر مصارف الزكاة وأن منهم: الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العمال على الصدقة لأخذها وجبايتها، فهي من الأعمال التي جاء بها الإسلام، والعمال يذهبون إلى أصحاب المواشي على مياههم ويأخذون الصدقة منهم، ولا يكونون في جانب ويطلبون من أصحاب الأموال أن يسوقوا أغنامهم ومواشيهم إليهم، بل يذهبون لأخذها منهم على مياههم. وفي هذا العمل أجر مع الاحتساب والنية الطيبة، فإنه يعمل على إبراء ذمم أصحاب الأموال الذين تؤخذ منهم الزكاة ثم توصل إلى الفقراء الذين هم محتاجون إليها، ولا شك أن هذا عمل فيه مصلحة وفائدة، وفيه أجر عظيم لمن فعل ذلك محتسباً. أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (العامل على الصدقة بحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)؛ لأن العامل على الصدقة يخرج في مهمة، ويأتي الناس على مياههم، ويأخذ الزكوات منهم، وكذلك يذهب إلى أصحاب الزروع لخرصها ثم بعد ذلك لجبايتها، فهو كالغازي في سبيل الله حتى يرجع، ومعناه: أن له أجراً وثواباً، وكل منهما خرج من بيته ليؤدي هذه المهمة العظيمة، الغازي ليجاهد في سبيل الله، وهذا ليأخذ الأموال من الذين تجب، عليهم وهم أصحاب الأموال، ثم يعمل على إيصالها إلى من يستحقها، فالحديث يدل على فضل هذا العمل. وقوله: (العامل على الصدقة بالحق) يعني: يكون عمله وفقاً للشرع، وليس فيه هضم لحقوق الفقراء بأن يتسامح مع أصحاب الأموال، ولا أن يظلم أصحاب الأموال بأن يأخذ شيئاً فوق ما يجب عليهم، بل يأخذ الحق الواجب على أصحاب الأموال؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم) يعني: لا تأخذ كرائم الأموال النفيسة العزيزة، فلا يأخذ خيار المال وإنما يأخذ من الوسط، ثم أخبر عليه الصلاة والسلام أن أخذ كرائم الأموال ظلم، وأن من أخذت منه قد يدعو عليه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقال: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). إذاً: قوله: (بالحق) يعني: أن يقوم بالواجب فلا يظلم الفقراء ولا يظلم الأغنياء، لا يظلم الأغنياء بأن يأخذ منهم أكثر مما هو واجب وفوق ما هو واجب، ولا يظلم الفقراء بأن يبخسهم حقهم فيأخذ لهم دون الواجب، وإنما يأخذ ما هو واجب فيبرئ ذمة الغني، ويوصل إلى الفقير حقه دون نقص. تراجم رجال إسناد حديث: (العامل على الصدقة بالحق كالغازي) قوله: [ حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي ]. محمد بن إبراهيم الأسباطي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ]. عبد الرحيم بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم بن عمر بن قتادة ]. عاصم بن عمر بن قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمود بن لبيد ]. محمود بن لبيد صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يدخل الجنة صاحب مكس) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة صاحب مكس)، وصاحب المكس فسر بأنه الذي يأخذ من سلع الناس ومن الأشياء التي يبيعونها، والمكس هو النقص؛ سمي بذلك لأنه ينقصهم ويأخذ منهم شيئاً لا يجب عليهم، فيكون ذلك مكساً أي: نقصاً في حقهم، وهذا ظلم لهم. وقيل: إن المقصود من ذلك: أنه يأخذ منهم زيادة على الزكاة، فيأخذ شيئاً غير واجب يختص به الساعي، وهذا ظلم، ولعل هذا هو وجه إيراد أبي داود لهذا الحديث في باب السعاية؛ لأن السعاية حق، وأخذ الأجرة على ذلك سائغ، وقد جاء في القرآن ما يدل عليه، وكذلك جاء في السنة ما يدل عليه، والمكس أن يأخذ العامل شيئاً غير الواجب لنفسه أو للدولة، وهذا ظلم وغير سائغ وغير جائز. ولعل إيراد الحديث في هذا الباب من أجل أن السعاية قد تكون بحق وقد تكون بباطل، فإذا كانت بحق فإن ذلك أخذ لما هو واجب، والذي عليه الواجب يكون أدى ما عليه، والساعي قام بما يجب عليه، فلم يظلم الأغنياء بأن يأخذ أكثر مما يجب عليهم، ولم يظلم الفقراء بأن يأخذ من الأغنياء شيئاً أقل مما هو واجب عليهم، ولا يأخذ شيئاً أكثر من ذلك، لا لنفسه ولا للدولة؛ لأنه يكون بذلك ظالماً لمن أخذ منهم. هذا الحديث ضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل محمد بن إسحاق ، فإنه مدلس وقد عنعن. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الباهلي ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن شماسة ]. عبد الرحمن بن شماسة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. تفسير ابن إسحاق لصاحب المكس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله القطان عن ابن مغراء عن ابن إسحاق قال: الذي يعشر الناس يعني: صاحب المكس ]. أورد المصنف هذا الأثر عن ابن إسحاق وفيه تفسيره للمكس، قال: الذي يعشر الناس أي: يأخذ العشر من أموالهم ظلماً بدون حق، هذا تفسير ابن إسحاق لصاحب المكس في قوله في الحديث المتقدم: (لا يدخل الجنة صاحب مكس). وهذا الأثر يقال له: مقطوع في علم المصطلح؛ لأن الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، وإذا كان ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، وإذا كان ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمقطوع من صفات المتون بخلاف المنقطع فإنه من صفات الأسانيد، يقال: إسناده منقطع إذا كان في رجال الإسناد سقوط راوٍ أو أكثر، وأما المقطوع فهو الإسناد الذي انتهى إلى من دون الصحابي. تراجم رجال إسناد تفسير ابن إسحاق لصاحب المكس قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله القطان ]. محمد بن عبد الله القطان مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن ابن مغراء ]. هو عبد الرحمن بن مغراء وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. الأسئلة وجه جعل باب السعاية في هذا الكتاب السؤال: أليس حق باب السعاية على الصدقة أن يكون في كتاب الزكاة؟ الجواب: في كتاب الزكاة ذكر المصنف السعاة، ولكن ذكر هذا هنا من أجل الولاية والإمارة؛ لأن الساعي يعتبر أميراً ووالياً، وقد ذكر السعاة في كتاب الزكاة من جهة ذهاب العمال وإرسال العمال لأخذ الزكاة، وأنهم يذهبون إليهم على مياههم، ولا يكونون في جانب ويسوقون الناس إليهم، أو يطلبون الناس أن يأتوا إليهم، بل هم يذهبون إلى الناس، فهذا الباب له علاقة بكتاب الزكاة، وله علاقة بكتاب الإمارة من جهة أن هذه ولاية من جملة الولايات. حكم أخذ المكس من الكفار السؤال: الخطابي يقول: فأما العشر الذي يصالح عليه أهل العهد في تجاراتهم إذا اختلفوا إلى بلاد المسلمين فليس بمكس؟ الجواب: نعم؛ لأن الحديث فيمن يأخذ العشر من أموال المسلمين، وأما أهل الكتاب والكفار إذا مروا بديار المسلمين وأخذ منهم شيء على ذلك؛ فلا بأس به، وليس خاصاً بأخذ العشر، ولكنه غالباً يؤخذ العشر، ولهذا قال ابن إسحاق : الذي يعشر الناس أي: يأخذ العشر منهم. حكم الضرائب والجمارك السؤال: ما حكم الضرائب والجمارك؟ الجواب: الضرائب هي نفس المكس، ولا يجوز للتاجر أن يكذب على أصحاب الضرائب، ولكنه إذا استعمل التورية فلا شك أن هذا سائغ، وأيضاً الجمارك مكس لا تجوز. الخليفة يستخلف شرح حديث: (لم يستخلف رسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخليفة يستخلف. حدثنا محمد بن داود بن سفيان و سلمة قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال عمر : إني لا أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر رضي الله عنه قد استخلف، قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً، وأنه غير مستخلف ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الخليفة يستخلف، يعني: يختار خليفة يلي الأمر من بعده، وهذه طريقة صحيحة، فأبو بكر رضي الله عنه استخلف عمر ، وفي ذلك مصلحة، وهي قطع الأطماع والتطلع إلى تحصيل الولاية، حتى لا يكون هناك تنافس على الحصول عليها، وهي من الطرق الشرعية التي فعلها أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة راشد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). فأبو بكر استخلف عمر ، واختاره للخلافة من بعده، واعتبر ذلك من أعظم حسنات أبي بكر ؛ لأنه اختار للناس رجلاً عظيماً حصل على يديه الخير الكثير، حيث فتحت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وقضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان: دولة الفرس ودولة الروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر ملكي الفرس والروم في سبيل الله، وذلك على يد الفاروق رضي الله عنه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن كنوزهما ستنفق في سبيل الله، وقد تم ذلك في عهد الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما طعن الطعنة التي نال بها الشهادة قيل له: ألا تستخلف يا أمير المؤمنين؟! يعني: تختار خليفة من بعدك، فقال: إن لم أستخلف فلم يستخلف رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر ؛ لأنه اختاره للخلافة، قال ابن عمر : فعلمنا أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يعدل عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخلف بنص على أن الخليفة بعدي فلان، ولكن جاءت عنه نصوص واضحة جلية تدل على أن أبا بكر هو الأولى والأحق بالخلافة من بعده، ومن هذه النصوص أنه اختاره للصلاة بالناس في مرض موته، وروجع في ذلك وفي كل مرة يراجع فيها يقول: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، ولهذا قال عمر رضي الله عنه يوم السقيفة: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ وأوضح دليل يدل على أن أبا بكر هو الأحق بالأمر من بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام الحديث الذي في الصحيح: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة : (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب كتاباً؛ فإني أخشى أن يتمنى متمن أو يقول قائل)، ثم إنه ترك الكتابة عليه الصلاة والسلام وقال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) يعني: لا حاجة للكتابة، فالذي أريده سيحصل، وسيتفق المسلمون على اختيار أبي بكر ، وقد أبى الله إلا أبا بكر وأبى المسلمون إلا أبا بكر . إذاً: اختيار أبي بكر تم باتفاق الصحابة، وتحقق بذلك ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من قوله: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر). و عمر رضي الله عنه وأرضاه بعدما قال ما قال توسط فلم يترك الأمر نهائياً دون أن يكون له فيه رأي، ولم يعين شخصاً بعينه يكون خليفة من بعده كما فعل أبو بكر ، فجعل الأمر في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عنهم راض، وهم من العشرة المبشرين بالجنة، وهم: عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف ، وقد بقي من العشرة المبشرين بالجنة في ذلك الوقت: سعيد بن زيد بن نفيل ابن عم عمر ، ولكنه ما جعله معهم، وجعل الأمر في ستة سواه، وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد كانت له قصة مع أهل الكوفة، حيث كان أميراً على الكوفة لعمر ، وحصل بينه وبين بعض سفهاء أهل الكوفة شيء حتى صاروا يتكلمون فيه ويقدحون فيه ويذمونه مع أنه من أهل الجنة، فهو رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة ومع ذلك ما سلم من أذى السفهاء! فعمر رضي الله عنه عزله لئلا يحصل من هؤلاء السفهاء شيء لا تحمد عاقبته في حقه، كأن يعتدي عليه أحد؛ لأنه بلغ بهم البغض ما بلغ، فرأى أن من المصلحة أن يعزله، ولكنه لما اختاره من الستة خشي أن يقول قائل: كيف يعزله عن الكوفة ويرشحه للخلافة؟ فقال رضي الله عنه: إن أصابت الإمارة سعد فذاك -يعني فهو أهل لها- وإن لم تصبه فليستعن به من أمر، فإنني لم أعزله من عجز ولا خيانة، والعجز والخيانة تسوغان العزل؛ لأن العاجز تنفلت الأمور من بين يديه وتصير الأمور فوضى، والإنسان الذي عنده قوة وخيانة يضع الأمور في غير مواضعها، فنوه بشأنه، وبين أن سبب عزله كان لخوف أن يلحق به ضرر، ولم يكن لأمر يرجع إلى سعد ، فهو قوي أمين، وليس بعاجز ولا خائن، وهو أهل للإمارة، ولذلك اختاره من بين هؤلاء الستة، ثم إنهم اجتمعوا وانتهى الأمر إلى أن اختير عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، فصار ثالث الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين. والحاصل أن الخليفة له أن يستخلف، وهذه طريقة شرعية، والطرق الشرعية في الوصول إلى الولاية ثلاث: هذه واحدة منها. والثانية: اتفاق أهل الحل والعقد، ومثالها: بيعة أبي بكر ، فإنها تمت باتفاق أهل الحل والعقد من كبار المهاجرين والأنصار. والطريقة الثالثة: التغلب والقهر يعني: كون الإنسان يصل إلى السلطة بالقوة والغلبة، كما حصل من انتقال السلطة من الأمويين إلى العباسيين، فإن تولي أبي العباس السفاح إنما كان بالقهر والغلبة، وانتزاع الملك من بني أمية، ومع ذلك اعتبر ذلك ولاية شرعية، والناس سمعوا له وأطاعوا. فهذه هي الطرق الثلاث الشرعية التي يكون بها الوصول إلى السلطة. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يستخلف رسول الله) قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ و سلمة ]. سلمة بن شبيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن عمر ]. عمر رضي الله تعالى عنه، وهو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام في حقه: (ما سلكت فجاً -يا عمر - إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك). |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
ما جاء في البيعة شرح حديث: (كنا نبايع النبي على السمع والطاعة ويلقننا فيما استطعت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في البيعة. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة ويلقننا: فيما استطعت) ]. أورد أبو داود باباً في البيعة، أي: البيعة للوالي والسلطان، وأنه يبايع على السمع والطاعة، ومعلوم أن السمع والطاعة في المعروف لغير الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يحصل منه إلا ما هو معروف؛ لأنه معصوم عليه الصلاة والسلام، وأما غيره فليس بمعصوم؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فإنه أعاد الفعل أطيعوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يعده مع ولاة الأمور، ما قال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ))، فأعاد الفعل مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يعده مع ولاة الأمور؛ لأن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم هو أمر من الله، وهو مبلغ عن الله، وهو معصوم، لا يأمر إلا بما هو حق، أما ولاة الأمور فليسوا بمعصومين، فقد يأمرون بمنكر، وينهون عن معروف، ولهذا كانت الطاعة في حقهم في حدود طاعة الله ورسوله، وطاعتهم ليست مطلقة كطاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي مقيدة فيما هو طاعة لله ولرسوله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله). كان الصحابة يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وكان يلقنهم أن يقولوا: (فيما استطعت) يعني: أبايعك على السمع والطاعة، فيقول: (فيما استطعت) يعني: قل: فيما استطعت، وهذا من كمال نصحه وشفقته على أمته عليه الصلاة والسلام. وفيه أن الإنسان لا يبايع مبايعة مطلقة، فقد يحصل شيء يعجز عنه، ولكنه إذا قيد ذلك بقوله: فيما استطعت فيكون بذلك أتى بالشيء الذي يسلم به، وتكون بيعته في حدود طاقته، وفي حدود ما يستطيع؛ ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، وقد قال الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنهم كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقنهم: فيما استطعت) يعني يقول لكل واحد منهم: قل: فيما استطعت، فعندما يقول: أبايعك على السمع والطاعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يلقنه كلمة: (فيما استطعت)، حتى يضيفها إلى قوله: أبايعك على السمع والطاعة، وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فيبايع على السمع والطاعة بالمعروف، يعني: فيما هو طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نبايع النبي على السمع والطاعة ويلقننا فيما استطعت) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث: (ما مس رسول الله يد امرأة قط) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة : (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن بيعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء، قالت: ما مس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها، فإذا أخذ عليها فأعطته قال: اذهبي فقد بايعتك) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، فبيعته صلى الله عليه وسلم للرجال أن يضعوا أيديهم بيده عندما يبايعونه، وأما النساء فلا يضع يده في أيديهن، وإنما يبايعهن بالكلام، ولهذا قالت عائشة : (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة) يعني: امرأة أجنبية، وإنما كان إذا أخذ العهد أو البيعة يقول: (اذهبي فقد بايعتك)، فكان صلى الله عليه وسلم يبايع النساء كلاماً لا مساً، ولهذا قالت عائشة : (ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة) يعني: عند البيعة، وإنما كان يبايعهن بالكلام، وهن يتكلمن مبايعات، ويكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم للواحدة منهن: (قد يايعتك). ولا يجوز للرجال أن يصافحوا النساء الأجنبيات، ولا يمسوهن لا بحائل ولا من غير حائل، حتى لو كان هناك حائل من قفاز أو من وراء العباءة أو من وراء قماش؛ لأن هذه مصافحة ولو كانت من وراء حائل؛ لأن الذي يريد الشر يمكن مع المصافحة أن يغمزها ليشعر بالسوء، فالبعد عن ذلك هو الواجب وهو المتعين، فليس للرجل أن تمس يده يد امرأة أجنبية أو يمس جسم امرأة أجنبية، اللهم إلا إذا كان هناك ضرورة علاج أو ما إلى ذلك، فهذا شيء آخر. والمصلحة في اتباع الشرع والتقيد بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا اعتاد الناس عادات سيئة فعليهم أن يتركوا ما اعتادوه من السوء، وأن يصيروا إلى الطهر والخير الذي في اتباع السنة. قوله: [ (ما مس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها) ]. هذا الاستثناء منقطع يعني لكن أن يأخذ عليها البيعة فتقول: أبايعك على كذا وكذا فيقول: (قد بايعتك). قوله: [ فإذا أخذ عليها فأعطته قال: (اذهبي فقد بايعتك) ]. أي: إذا أخذ عليها العهد فأعطته البيعة وقالت: أبايعك على كذا وكذا، كما قال الله: يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ [الممتحنة:12]، فيقول: (قد بايعتك). تراجم رجال إسناد حديث: (ما مس رسول الله يد امرأة قط) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عروة ]. ابن شهاب مر ذكره، و عروة هو ابن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (لم يبايع رسول الله صغيراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام رضي الله عنه، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذهبت به أمه زينب بنت حميد رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (يا رسول الله! بايعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هو صغير، فمسح رأسه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه، وهو صحابي صغير، جاءت به أمه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت: (بايعه يا رسول الله! فقال: إنه صغير) يعني: ليس من أهل البيعة، والبيعة إنما تؤخذ على البالغين المكلفين الذين يلتزمون بالشيء ويلزمهم الوفاء، وأما الصغير فمرفوع عنه القلم، ومسح على رأسه لطفاً وتلطفاً وإحساناً وشفقة منه عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يبايع رسول الله صغيراً) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد ]. أبو عقيل زهرة بن معبد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن جده عبد الله بن هشام ]. عبد الله بن هشام وهو صحابي صغير، أخرج له البخاري و أبو داود . أرزاق العمال شرح حديث: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أرزاق العمال. حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب حدثنا أبو عاصم عن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) ]. أورد أبو داود باباً في أرزاق العمال، وهم الولاة، فالوالي الذي يولى على ناحية أو على سعاية أو غير ذلك يقال له: عامل، والعمال يعطون في مقابل عمالتهم وعملهم، وما يأخذونه من غير ذلك فهو غلول يعني: خيانة، بل يأخذون ما يفرض لهم وما يقدر لهم، وما يأخذونه سوى ذلك فإنه غلول. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً) يعني: مقابل عمله، (فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) يعني: خيانة يأتي به يوم القيامة كما قال الله: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، يحمله على ظهره إن كان بعيراً له رغاء، وإن كان بقرة لها خوار، وإن كان شاة تيعر. تراجم رجال إسناد حديث: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً...) قوله: [ حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب ]. زيد بن أخزم أبو طالب ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الوارث بن سعيد ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين المعلم ]. حسين المعلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة بن الحصيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عمر: (عملت على عهد رسول الله فعملني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا ليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت أمر لي بعمالة فقلت: إنما عملت لله، قال: خذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملني) ]. أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه: أن ابن الساعدي ولاه عمر على الصدقة، فلما أعطاه عمالة يعني: مقابل عمله قال: إنما عملت لوجه الله يعني: لا أريد شيئاً، فقال: (خذ، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) يعني: أعطاني عمالة، وهذا يدل على أن الإنسان إذا فعل أمراً وهو يرجو الثواب في ذلك، وأعطي أجراً، فهو خير، ويكون هذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة، والله تعالى ذكر في القرآن أن العاملين لهم نصيب في أسهم الصدقة فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، ثمانية أصناف، ومنهم: العاملون عليها. قوله: [ استعملني عمر على الصدقة ] يعني: جعلني عاملاً على جبايتها وأخذها. قوله: [ فلما فرغت أمر لي بعمالة ]. يعني: لما انتهى من العمل أمر له بعمالة يعني: بسهم مقابل هذه السعاية والعمل الذي عمله وقام به. وقوله: [ فقلت: إنما عملت لله ]. يعني: أرجو ثواب الله. قوله: [ (فقال: خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) ]. يعني: أعطاني عمالة. تراجم رجال إسناد حديث عمر: (عملت على عهد رسول الله فعملني) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ليث ]. ليث بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن عبد الله ]. بكير بن عبد الله بن الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الساعدي ]. ابن الساعدي هو عبد الله بن عمرو ، وهو صحابي، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره. قال في عون المعبود: إن هذا الحديث من الأسانيد التي اجتمع فيها أربعة من الصحابة، والمقصود الإسناد الذي عند البخاري ؛ لأن هذا الحديث عند البخاري في إسناده أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض وهم: السائب بن يزيد و حويطب بن عبد العزى و ابن الساعدي و عمر ، وأما هنا فلا يوجد إلا صحابيان وهما: ابن الساعدي و عمر . شرح حديث: (من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا المعافى حدثنا الأوزاعي عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير عن المستورد بن شداد رضي الله عنهما أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، قال: قال أبو بكر : أخبرت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) ]. أورد أبو داود حديث المستورد بن شداد رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً) قيل: إن المقصود بهذا أنه في مقابل عمله، وأنه يتزوج في مقابل عمله، وكذلك يتخذ مسكناً في مقابل عمله، ويتخذ خادماً في مقابل عمله، وقيل: المقصود من كونه يتخذ مسكناً أنه إذا ذهب إلى مهمة يهيئ له المسكن، يسكن ويرتفق به، وكذلك يهيئ له خادم، فإنه يمكن من ذلك، ولكن ما يتعلق بالزوجة لا يستقيم إلا على المعنى الأول الذي هو كونه مقابل عمالته، ومن رزقه يحصل الزوجة ويحصل المسكن ويحصل الخادم. قوله: [ (قال أبو بكر : أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) ]. قيل: لعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال هذا. تراجم رجال إسناد حديث: (من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة) قوله: [ حدثنا موسى بن مروان الرقي ]. موسى بن مروان الرقي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا المعافى ]. المعافى بن عمران وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث بن يزيد ]. الحارث بن يزيد وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن المستورد بن شداد ]. المستورد بن شداد رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. الأسئلة معنى قوله: (من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) السؤال: أليس المقصود: (من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) أن له أن يأخذ من مال الزكاة ما يحصل به زوجة أو خادماً أو مسكناً، وليس له غير ذلك، وهذا أمر مستثنى من الغلول؟ الجواب: هذا لا يتعلق بالزكاة، وإنما هذا في الولاية، وكونه يأخذ من مال الدولة إنما يكون في حدود هذه الأشياء، أي: يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من بيت المال. العم من الرضاع السؤال: بنت رضعت من زوجتي، فهل لإخواني أن يظهروا عليها؟ الجواب: الرضيع إذا رضع من امرأة فإنه يكون ابناً لها، وأخاً لجميع أولادها ولو كانوا من عدة أزواج، وأيضاً يكون ابناً لصاحب اللبن، وأخاً لجميع أولاده ولو كانوا من عدة زوجات، وإخوة صاحب اللبن يعتبرون أعمامه من الرضاع، فهذه البنت إخوة صاحب اللبن يعتبرون أعماماً لها من الرضاعة، وهم من محارمها. حكم قول: ما لي في السماء إلا الله السؤال: هل يجوز أن يقال: مالي في السماء إلا الله، وما لي في الأرض إلا أنت؟ الجواب: لا يصلح هذا الكلام، فلا يعتمد على الله وعلى غيره، وإنما الاعتماد كله على الله عز وجل، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وليس حالاً في المخلوقات، وإنما مباين لها، على العرش استوى، ولكن مثل هذه العبارة ليست سليمة. حكم المسابقات السؤال: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) ما الذي يجوز من المسابقات التي تعد لها الجوائز، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا سبق)؟ الجواب: هذه الثلاثة الأمور فيما يتعلق بالخيل، وفيما يتعلق بالإبل، وفيما يتعلق بالرمي، وكل هذه من وسائل الجهاد، وأما غيرها من المسابقات فهي من قبيل الجعل، من فعل كذا فله كذا، فالذي تميز على غيره فإنه يستحق ذلك، وهو من قبيل الجعالة، وليس من قبيل المسابقة التي جاء حصرها على هذه الأمور الثلاثة؛ لأنها من وسائل الحرب. حكم ملامسة يد الممرضة السؤال: إنني ممرض في المستشفى، وكثيراً ما تلامسني يد الممرضة عند العمل بغير قصد، فما الحكم؟ الجواب: الواجب عليك الابتعاد عن ذلك، وأن تكون في جهة والممرضة في جهة، والممرضة تكون للنساء وأنت للرجال. معنى قوله: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة صاحب مكس)، هل هو على ظاهره؟ الجواب: (لا يدخل الجنة) ورد في أحاديث صحيحة كثيرة مثل: (لا يدخل الجنة قتات) أي: نمام، وليس المقصود من ذلك أنه يكون كافراً مخلداً في النار، وأنه لا سبيل له إلى الجنة، وإنما يحمل على الوعيد وشدة التخويف، ويحمل أيضاً على أنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، وإنما إذا شاء الله يعذبه في النار وأهل الجنة في الجنة منعمون، ولكنه بعد دخوله النار لا يخلد فيها كما يخلد الكفار، بل لابد أن يخرج منها ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها، ولا سبيل لهم إلى دخول الجنة. حكم طاعة الأمير في السفر السؤال: إمارة السفر هل يلزم الطاعة فيها؟ والذي يخالف الأمير هل يعد آثماً شرعاً؟ الجواب: نعم، فإمارة السفر المقصود منها اتباع الأمير، وإذا عصي الأمير فلا شك أنه حرام، فمن عصاه يكون آثماً، وإلا فهما فائدة الإمارة إذا كان لا يسمع ولا ويطاع؟! فيبقون بدون إمارة، وكل يركب رأسه، وكل واحد ينفذ ما يريد، ولا يرجع إلى الأمير! لكن هذه الإمارة ليس فيها بيعة، ولا يقال للأمير في السفر: أبايعك على السمع والطاعة، وعلى كتاب الله وسنة رسوله، وإنما المقصود من ذلك أن يكون لهم مرجعاً يرجعون إليه. حكم إعطاء بعض المال لعمال الضرائب السؤال: هل للرجل أن يدفع بعض المال لعمال الضرائب لكي يتخلص من الضرائب؟ الجواب: هذا كله شر؛ لأن هذا المال يكون رشوة لهم. حكم العمل في الضرائب السؤال: من يعمل في الضرائب من قبل ولي الأمر هل يدخل في هذا الوعيد: (لا يدخل الجنة)؟ الجواب: لا شك، ويجب على الإنسان ألا يدخل في أمر محرم، ويبحث له عن عمل سائغ، والأمر المحرم لا يقدم عليه ولو كان من جهة ولي الأمر. لزوم بيعة من استخلفه الإمام السؤال: إذا استخلف الإمام أحداً بعده هل تلزم بيعته بمجرد الاستخلاف؟ الجواب: نعم تلزم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [347] الحلقة (379) شرح سنن أبي داود [347] من المقاصد الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها: الأموال، فقد شرعت أحكاماً كثيرة في سبيل حفظ أموال الناس، وعدم التعدي عليها بالباطل، لا سيما الأموال العامة، فحرمت الشريعة هدايا العمال، وبينت كيفية قسمة الفيء. هدايا العمال شرح حديث: (ما بال العامل نبعثه..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في هدايا العمال. حدثنا ابن السرح و ابن أبي خلف لفظه قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعمل رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية -قال ابن السرح : ابن الأتبية - على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا؟ لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة، إن كان بعيراً فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في هدايا العمال) والعمال هم الموظفون الذين لهم أعمال يحتاج الناس إليهم في أعمالهم، فالهدايا التي تهدى إليهم حرام لا تجوز، وهي من الغلول، ولا يجوز لهم أخذها، ولا يجوز دفعها إليهم؛ وذلك لما يترتب على دفعها لهم من كون المدفوع إليه يحابي الدافع، فقد يعطيه شيئاً لا يستحقه، أو يقدمه على غيره، أو يتساهل في حق من لا يعطيه هدية ويساعد ويقدم من يدفع له هدية، وقد جاء حديث بلفظ: (هدايا العمال غلول) أي: هي من الخيانة وعدم الأمانة. أورد أبو داود حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما جاء وأتى بالصدقات التي جباها وأخذها من أصحابها قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي. والذي يظهر أنه رأى أن ذلك لا بأس به؛ لأنه شيء أهدي إليه، فظن أنه سائغ، ولهذا ذكره وقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، وليس بخيانة؛ لأنه لو أخذه خيانة لأخفاه، ولكنه أظهره وميزه وقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فميز بين الشيء الذي أخذه من الناس زكاة واجبة عليهم، والشيء الذي أهدي إليه. فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا؟) يعني: هذه الهدية ما حصلت من أجل شخصه، وإنما من أجل عمله ووظيفته، ومن أجل أن يحصل المهدي شيئاً من المهدى إليه بأن يعطيه شيئاً لا يستحقه أو يخفف عنه أو يأخذ منه شيئاً أقل من الشيء الواجب عليه أو ما إلى ذلك من الأمور التي قد يريدها بعض الناس من الهدية. والرسول صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه إذا حصل شيء يخطب الناس ويبين الحكم حتى يعرفه الجميع، ولا يكون خاصاً بالشخص الذي حصلت له القصة، وإنما يستفيد هو وغيره، وكان لا يسميه ولا يعينه، وإنما يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، مثلما جاء في قصة بريرة لما اشترط أهلها أن الولاء لهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟)، فهذا هديه وهذه طريقته صلى الله عليه وسلم؛ ليحصل بذلك إفادة الجميع، ومعرفة الجميع بالأحكام الشرعية، فيكون في ذلك تنبيه لصاحب القصة، وأن فعله لا يسوغ، وكذلك غيره يعلم الحكم الشرعي، وأنه لا يسوغ. ثم قال: (ألا جلس في بيت أمه أو أبيه لينظر هل يهدى إليه أم لا؟)، فإن هذه الهدية جاءته من أجل عمله ومن أجل وظيفته، ومن أجل سعايته، وقد يكون من أجل محاباة، ومن أجل تحصيل مآرب من وراء هذه الهدية. ثم قال: (لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة) يعني: لا يأخذ شيئاً من هذا إلا جاء يوم القيامة يحمله، ويكون ذلك فضيحة له على رءوس الأشهاد، فيحمل هذا الذي أخذه وغله وخان فيه، (إن كان بعيراً فله رغاء، وإن كان بقرة لها خوار، وإن كان شاة تيعر)، وهذه أصوات هذه الحيوانات؛ تنبيهاً على أنه يأتي بها يوم القيامة كما كانت في الدنيا، وأن ذلك يكون فضيحة له على رءوس الأشهاد. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فقال: (اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) يعني: بلغهم هذه الأحكام الشرعية التي يلزمهم أن يأخذوا ويلتزموا بها، وأن يبتعدوا عن هذا الذي يعود عليهم بالمضرة. وقوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية) ]. فيه اتخاذ العمال للسعاية وجباية الزكوات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العمال، وقد بعث عمر على الصدقة كما في الحديث المتفق عليه الذي فيه: (منع ابن جميل و خالد بن الوليد و العباس). قوله: [ (وقال ابن السرح : ابن الأتبية ) ]. ذكر أبو داود الحديث عن شيخين ابن السرح و ابن أبي خلف ، وقال عند الثاني: وهذا لفظه، أي: لفظ ابن أبي خلف ، ولما كان لفظ ابن أبي السرح يخالف لفظ ابن أبي خلف أشار إلى ذلك. قوله: [ (على الصدقة ) ]. هي: جباية الزكاة. قوله: [ (فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا؟ لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة، إن كان بعيراً فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه) ]. هذا ضرب أمثلة لما تكون فيه الخيانة، ولما يكون فيه الشيء الذي يؤخذ من غير استحقاق، وإلا فإن الأمر أعم من ذلك، ولعل البعث إنما كان على زكوات المواشي؛ لأنه ذكر هذه الأنواع الثلاثة التي هي المواشي: الإبل، والبقر، والغنم، وهذه هي التي تزكى، وكذلك غيرها مثلها، والإنسان إذا كان مسئولاً عن شيء أو عاملاً على شيء أو مؤتمناً على شيء وخان فيه وأخذ شيئاً لا يستحقه فإنه يأتي به يوم القيامة على هذا الوجه الذي بينه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويكون ذلك فضيحة له على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ومن الرشوة ما يعطى باسم البخشيش، فهي نفس الرشوة. قوله: (ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت؟)، وهم يسمعون، وهذا من كمال نصحه ومن كمال بيانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: (عفرة إبطيه) يعني بياضهما. تراجم رجال إسناد حديث (ما بال العامل نبعثه..) قوله: [ جدثنا ابن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و ابن أبي خلف ]. محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حميد ]. أبو حميد الساعدي هو المنذر ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. عدم ذكر اسم المخالف عند الرد على خطئه إلا في بعض الحالات الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يذكر أسماء المخالفين، وإنما كان يشير إلى الوصف فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فيكون في ذلك فائدة للشخص الذي حصلت له القصة ولغيره ممن لم يفعل شيئاً من ذلك، فيكون الحكم قد أظهر وعرفه الناس في الخطبة على المنبر. وأما الردود على الأقوال الفاسدة فلا بأس من ذكر المبتدع حتى يحذر منه؛ لأن هذا فيه ابتداع في الدين، وفيه مخالفة لما جاءت به السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كالذي يؤلف كتاباً فيه أمور منكرة، فيؤلف كتاب في الرد عليه؛ لأن الباطل ظهر فالحق لابد أن يظهر، وأما الأمور الخفية والفردية التي تحصل من شخص، فذكر الشخص لا حاجة إليه، وقد تكون المصلحة في عدم ذكره، والمهم هو التنبيه على الخطأ، فإذا نبه على الخطأ دون أن يسمى فإنه يستفيد وغيره يستفيد. وهذا الحديث يدل على أن الأحكام الشرعية تبين للعامة، وأنها تبين على المنبر، وتبين في الخطب، وتبين على الملأ، وصعود المنبر ليس خاصاً بخطبة الجمعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصعد على المنبر في أحوال وفي مناسبات غير خطبة الجمعة. غلول الصدقة شرح حديث أبي مسعود (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعياً..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في غلول الصدقة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعياً ثم قال: انطلق أبا مسعود ! ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته، قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذاً لا أكرهك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: (باب في غلول الصدقة) والحديث الأول فيه هدايا العمال وهي غير الصدقة، وإنما تعطى لمن ولي على الصدقة، وهنا ذكر غلول الصدقة يعني: كونه يأخذ شيئاً من الصدقة يختص به ويخون؛ لأن الحديث الأول فيمن أهدي له بسبب عمالته، وهذه الترجمة تتعلق بالأخذ من الصدقة أي: أن الإنسان يؤتمن على شيء فيخون، ويأخذ شيئاً منه. والغلول هو الخيانة، وكل من خان في شيء يعتبر غالاً فيه، حيث أخذ شيئاً لا يستحقه، سواء كان أمانة عنده أو تحت ولايته ثم يأخذه لنفسه، وغلول الصدقة يعني الأخذ من الصدقة شيئاً يختص به، ويخفيه ويخون فيه. أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة وقال: (انطلق أبا مسعود ! لا ألفينك تأتي يوم القيامة وعلى رقبتك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته). أي: انطلق يا أبا مسعود ! في هذه المهمة لجباية الصدقة. قوله: (ولا ألفينك تأتي يوم القيامة) أي: لا أجدنك تأتي يوم القيامة وعلى ظهرك بعير قد غللته من إبل الصدقة. قوله: (غللته) يعني: أخذته واختصصت به، واختلسته من الصدقة لتتموله، وهذا يدل على أن الإنسان يأتي بما غل يوم القيامة، ويكون ذلك فضيحة له على رءوس الأشهاد والعياذ بالله. قوله: [ (قال: إذاً لا أنطلق) ] يعني أنه لا يقدم على هذا العمل؛ لأنه يخشى أن تحصل منه مخالفة، ويترتب عليها هذا الإثم العظيم. وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنهم وأرضاهم من الخشية من الوقوع في الأمور المحرمات، وأن الواحد قد يترك الشيء لما يخشى أن يترتب عليه، وإن كان غير متحقق وغير متيقن من وقوعه في الإثم لكن كانوا يبتعدون عن ذلك خوفاً أن يترتب على ذلك هذا الأمر الخطير، وما يتبعه من الإثم العظيم، وهو كونه يأتي بهذا الذي غله يوم القيامة يحمله على رقبته فيكون ذلك فضيحة له. قوله: [ (قال: إذاً لا أكرهك) ]. يعني: لا ألزمك أن تقوم بهذه المهمة، فالأمر إليك، إن شئت أن تذهب ذهبت، وإن شئت أن تترك فأنا لا أكرهك ولا ألزمك. تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعياً..) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. مطرف بن طريف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الجهم ]. أبو الجهم سليمان بن الجهم وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي مسعود الأنصاري ]. أبو مسعود الأنصاري هو عقبة بن عمرو الأنصاري وهو صحابي رضي الله تعالى عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مسعود ، وأحياناً قد يتصحف أبو مسعود إلى ابن مسعود ، وهو عبد الله بن مسعود الصحابي المشهور بنسبته ابن مسعود ، وهذا مشهور بكنيته أبي مسعود ، وقد حصل التصحيف بين هذا وهذا في بلوغ المرام في حديث أبي مسعود : (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، فإنه جاء عن ابن مسعود وهو أبو مسعود وليس ابن مسعود . ما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم شرح حديث (من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم. حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا يحيى بن حمزة حدثني ابن أبي مريم أن القاسم بن مخيمرة أخبره أن أبا مريم الأزدي رضي الله عنه أخبره قال: دخلت على معاوية رضي الله عنه فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان! وهي كلمة تقولها العرب، فقلت: حديثاً سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره). قال: فجعل رجلاً على حوائج الناس ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: (باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم) أي: أن عليه أن يقوم بما يعود عليهم بالخير، وتحصيل ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، وكذلك لا يحتجب عنهم، وإذا لم يتمكن من البروز لهم فعليه أن يقيم من يقوم مقامه في رعاية مصالحهم، وقضاء حوائجهم، وتدبير أمورهم. أورد أبو داود حديث أبي مريم الأزدي رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال: ما أنعمنا بك! وهذا يحتمل أن يكون تعجباً يعني: ما أعظم النعمة التي حصلت لنا بمجيئك! فيكون بها إظهار السرور بهذه الزيارة وبهذا القدوم إليه. ويحتمل أن يكون المعنى: أي نعمة حصلت لنا بمجيئك؟ يعني: أنها نعمة عظيمة، فقال أبو مريم : حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أنه جاء من أجل أن يذكره ويعظه، ويسمعه حديثاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق بالوالي، وأنه لا يحتجب عن الناس، وإنما يظهر للناس ويقضي حوائجهم، ويقوم بما يلزم لأمورهم، وإذا كان لا يتمكن لكثرة أشغاله ولعدم تمكنه من أن يكون مع الناس دائماً وأبداً فإنه ينيب من يثق به ممن يقوم بالنيابة عنه في قضاء مصالح الناس ورعاية مصالحهم. قوله: [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم) ]. الخلة والفقر والحاجة متقاربة في المعنى، ومعنى ذلك أنه لا يكون على اتصال بهم من أجل القيام بقضاء حوائجهم، وسد خلتهم، وما إلى ذلك مما هم بحاجة إليه، فإن الله تعالى يجازيه بأن يكون كذلك دون خلته وحاجته وفقره، فالجزاء من جنس العمل، فكما أنه يعامل الناس هذه المعاملة فالله تعالى يعاقبه بهذه العقوبة. فمعاوية رضي الله عنه وأرضاه تنبه وجعل من يقوم بذلك، فجعل رجلاً على حوائج الناس، يعني: يتولى هذه المهمة نيابة عنه. وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التناصح، ومن الحرص على إفادة الغير، وعلى مناصحة ولي الأمر. ويدل أيضاً على مبادرة معاوية رضي الله عنه إلى تنفيذ هذا الشيء الذي ذكره به هذا الصحابي الذي نصحه وذكره بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل من يقوم مقامه في قضاء حوائج الناس. تراجم رجال إسناد حديث (من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن حمزة ]. يحيى بن حمزة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن أبي مريم ]. يزيد بن أبي مريم الدمشقي وهو لا بأس به، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، ولا بأس به عند ابن حجر بمعنى صدوق. [ عن القاسم بن مخيمرة ]. القاسم بن مخيمرة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي مريم الأزدي ]. أبو مريم الأزدي قيل: هو عمرو بن مرة الجهني ، صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي . شرح حديث (ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أوتيكم من شيء ولا أمنعكموه، إنما أنا خازن) يعني: إنما أنفذ ما أمرت به. وهذا مثل الحديث الذي جاء عن معاوية : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وفي آخره قال: (وإنما أنا قاسم والله المعطي)، فهذا من جنسه قال: (أنا خازن) يعني: أحفظ الشيء وأضعه حيث أمرت أن أضعه، ولهذا قال: (ما أوتيكم من شيء ولا أمنعكموه) يعني: ليس هذا إلي وإنما أنا خازن، والله تعالى هو الذي يعطي فأنا أنفذ وأعطي ما أمرني الله عز وجل، وهذا مطابق للجزء الأول من الترجمة وهو قوله: ما يلزم الراعي من أمر الرعية؟ يعني: كونه يعطيهم ويحسن إليهم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه) قوله: [ حدثنا سلمة بن شبيب ]. سلمة بن شبيب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام بن منبه ]. همام بن منبه وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. صحيفة همام بن منبه هذا الحديث من صحيفة همام بن منبه التي جاءت بإسناد واحد، وفي أولها: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول هذه الصحيفة: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة)، ثم يأتي بأحاديث بين كل حديث وحديث عبارة: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً. وقد أوردها الإمام أحمد في مسنده، وقد طبعت هذه الصحيفة -صحيفة همام - مستقلة، و البخاري رحمه الله أخذ منها أحاديث، و مسلم أخذ منها أحاديث، واتفق البخاري و مسلم على إخراج أحاديث منها، مع أنها بإسناد واحد، وهذا يبين لنا أن البخاري و مسلماً ما التزما أن يستوعبا كل الصحيح؛ لأنهما لو استوعباه لأتوا بالصحيفة كلها من أولها إلى آخرها، وهي ثابتة عندهم، ولهذا انتقى منها مسلم أحاديث، و البخاري انتقى منها أحاديث، واتفقا في أحاديث، وانفرد كل منهما بأحاديث، ولو كانا التزما إخراج كل شيء صحيح لأتيا بهذه الصحيفة كلها من أولها إلى آخرها، وهذا مما يوضح أن البخاري و مسلماً رحمة الله عليهما إنما أتيا بجملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة، لا أنهما قصدا استيعاب الأحاديث الصحيحة، فهما لم يلتزما بذلك، ولم يفعلا ذلك. و البخاري و أبو داود عندما يرويان من الصحيفة يأتيان بالإسناد إلى آخره ثم يأتيان بالقطعة التي يريدانها بعد نهاية الإسناد، مع أن الحديث الذي يوردانه ليس في أوله: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه العبارة في أول الصحيفة فقط. أما مسلم رحمة الله عليه فله عناية بالمحافظة على الألفاظ، وله طريقة خاصة، حيث يسوق الإسناد فإذا جاء عند قوله: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله، يقول مسلم : فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا؛ حتى يبين بأن المتن ليس تابعاً للإسناد، وإنما توجد أحاديث بين هذا المتن وهذا الإسناد، وهذا اللفظ يدل بأن هناك أشياء متروكة؛ لأن قوله: فذكر أحاديث إشارة إلى تلك الأحاديث التي جاءت بعد الإسناد، ثم يأتي بالقطعة التي يريد ذكرها، وهي محل الشاهد. شرح أثر عمر (ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً الفيء فقال: ما أنّا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا بأحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم) يعني: إنما هو لي ولكم. (وما أحد منا أحق به من أحد) يعني: ليس أحد يختص به دون أحد، لا أنا ولا غيري، وإنما هو للجميع، ولكن التفاوت بين الناس على حسب ما جاء في كتاب الله من التفضيل والتمييز، وكذلك القسم على حسب الأحوال. (فالرجل وقدمه) يعني: كونه له سبق في الإسلام فيقدم على غيره، ويعطى أكثر من غيره. (والرجل وبلاؤه) يعني: كونه يبلي بلاءً حسناً في الإسلام. (والرجل وعياله) يعني: كونه عنده عيال كثيرون يحتاج إلى أن ينفق عليهم؛ فيزاد في عطائه من أجلهم. (والرجل وحاجته) يعني: يعطى على قدر حاجته، ومعنى هذا أنهم يتفاوتون في العطاء، ولا يكونون كلهم على حد سواء، فالشخص الذي بمفرده غير الشخص الذي عنده عشرة أولاد، فإن هذا يحتاج إلى أكثر مما يحتاج إليه هذا، وهذا يتعلق بالقسم الأول من الترجمة، وهو ما يلزم الإمام في حق الرعية، وهو أن يعطيهم ويعدل بينهم، وله تعلق بالباب الذي بعده وهو قسمة الفيء. قوله: [ ذكر عمر بن الخطاب يوماً الفيء ]. الفيء هو ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير قتال وجهاد؛ لأنه إذا كان بجهاد يسمى غنيمة ويخمس، وأما الفيء فإنه لا يخمس، وإنما كله يكون في مصالح المسلمين. قوله: [ إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. يعني: أنهم على منازلهم في التفضيل كما قال الله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [التوبة:100]، وقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر:8]، ثم بعد ذلك قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر:9]، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، والفيء يقسم على حسب أحوال الناس من حيث العيال، ومن حيث البلاء الحسن في الإسلام، ومن حيث القدم والسبق. تراجم رجال إسناد أثر عمر: (ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الباهلي ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو بن عطاء ]. محمد بن عمرو بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن أوس بن الحدثان ]. مالك بن أوس بن الحدثان له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر ]. عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قسم الفيء شرح حديث (بدأ بالمحررين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قسم الفيء. حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء قال: حدثنا أبي قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم : (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دخل على معاوية رضي الله عنه فقال: حاجتك يا أبا عبد الرحمن ؟! فقال: عطاء المحررين، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين) ]. أورد أبو داود (باب قسم الفيء)، أي: قسمته وتوزيعه بين الناس، وقد مر في الأثر الذي قبل هذا عن عمر أنه يكون على حسب القدم والبلاء الحسن، وعلى كثرة العيال، وعلى الحاجة، وما إلى ذلك، وهنا ذكر قسمة الفيء، وهو يقسم في مصالح الناس عموماً، ولا يختص به أحد دون أحد. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه دخل على معاوية فقال: حاجتك يا أبا عبد الرحمن ؟! يعني ما هي حاجتك؟ أو ما الذي تريده؟ فقال: (عطاء المحررين، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين). والمحررون قيل: هم المعتقون الذين حصلت لهم الحرية بعد الرق؛ وذلك لأنهم لما كانوا أرقاء لا يعطون شيئاً؛ لأن نفقة المملوك واجبة على سيده، فيرزق سيده ويكون هو من جملة من يعول، والعطاء لسيده لا له؛ لأنه ملك لسيده، وما يملكه ملك لسيده، ولكنه إذا حرر وأعتق وكان غير مدون في الديوان -بسبب أن الديوان فيه الأحرار المنفقون على غيرهم- فإذا حصل لهم العتق فإنهم يعطون؛ لأنهم صاروا مسئولين عن أنفسهم، وقبل العتق كان غيرهم مسئولاً عنهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يعطي هؤلاء المحررين الذين كان يعولهم غيرهم ثم بعد ذلك صاروا عائلين لأنفسهم. وعمر رضي الله عنه وأرضاه هو أول من دون الدواوين، وكتب أسماء الناس في سجلات وفي دواوين، بحيث يرجع إليها في العطاء وإثبات من أخذ ومن لم يأخذ. وقيل: إن المقصود بالمحررين الذين يسعون في الحرية مثل المكاتبين الذين كوتبوا على أن يأتوا بمال ثم يكونوا أحراراً. والحديث يشمل هذا وهذا؛ لأن الإعطاء من الفيء يكون لمن حصلت له الحرية وصار عائلاً لنفسه، ومن كان مكاتباً يطالب بمال من أجل أن يصل إلى الحرية، فإنه يعطى من الفيء ما يمكنه من تحرير نفسه. تراجم رجال إسناد حديث (بدأ بالمحررين) قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة)، قالت عائشة : كان أبي رضي الله عنه يقسم للحر والعبد ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بظبية) المقصود بها وعاء فيه خرز. (وقسمه على الحرة والأمة) لأن هذا مما يستعمله النساء، وإلا فإن الفيء لا يختص بالنساء، بل هو للرجال والنساء، ولكنه لما كان شيئاً من شأن النساء، ومما يختص بالنساء، قسمه بين النساء، بين الحرة والأمة؛ لأن الخرز مما يتجمل ويتزين به النساء. قالت: (وكان أبي يقسم للحر والعبد) تعني: أنه كان يسوي بين الأحرار والعبيد، وأنه يعطي هؤلاء ويعطي هؤلاء، ويحتمل أنه كان يعطي العبيد من أجل تخليصهم من الرق. تراجم رجال إسناد حديث (أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن عباس ]. هو القاسم بن عباس بن محمد بن معتب بن أبي لهب الهاشمي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن نيار ]. عبد الله بن نيار وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عروة عن عائشة ]. مر ذكرهما. شرح حديث (أعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك ح وحدثنا ابن المصفى حدثنا أبو المغيرة جميعاً عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظاً، زاد ابن المصفى : فدعينا، وكنت أدعى قبل عمار رضي الله عنه، فدعيت فأعطاني حظين، وكان لي أهل، ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطى له حظاً واحداً) ]. أورد أبو داود حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه الفيء قسمه في يومه، يعني: لا يؤخره، وكان عند إعطائه يميز بين الناس، فالآهل يعطيه حظين، والعزب الذي ليس عنده أهل يعطيه حظاً واحداً. وهذا الحديث فيه أن القسمة ليست بالتساوي بين الأفراد، وهو مثل ما جاء عن عمر : الرجل وبلاؤه، الرجل وقدمه، الرجل وعياله، الرجل وحاجته. تراجم رجال إسناد حديث (أعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظاً) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا ابن المصفى ]. محمد بن المصفى وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو المغيرة ]. هو عبد القدوس بن حجاج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً عن صفوان بن عمرو ]. صفوان بن عمرو وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك ]. عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم السترة للمصلي السؤال: ما حكم اتخاذ المصلي للسترة؟ الجواب: العلماء اختلفوا في حكم السترة، منهم من قال: بوجوبها، وجمهور العلماء على أنها مستحبة وليست بواجبة، ولكن ينبغي أن يصلي الإنسان إلى سترة حتى ولو كانت مستحبة. الإنكار في مسائل الخلاف السؤال: القاعدة التي تكرر على الألسنة: (لا إنكار في مسائل الخلاف) هل هي صحيحة؟ الجواب: هذه القاعدة ليست صحيحة؛ لأن بعض المسائل الخلاف فيها موجود، لكن بعض الأقوال تكون مبنية على رأي، وبعضها يكون مبنياً على دليل، ولا شك أن الدليل إذا وجد فيجب على من بلغه العمل به، وقد يكون ذلك الذي لم يقل به أنه ما بلغه الحديث، أو بلغه من وجه لم يصح، فإذا ثبت أنه صحيح فلا يجوز لأحد مخالفته كما قال الإمام الشافعي : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان، فإذا كان أحد القولين ليس عليه دليل، وإنما هو مبني على قياس أو على اجتهاد، مع أن القول الثاني مبني على نص؛ فإن الأخذ بالنص متعين، وعلى من يكون عنده علم بذلك أن ينبه غيره ممن ليس عنده علم ذلك، فالتنبيه على ما ثبت في الحديث هو المطلوب وهو الذي ينبغي. والمسائل الخلافية حصلت الأقوال فيها بسبب الاجتهاد، فإذا وجد النص فلا اجتهاد مع النص كما يقولون، لكن حيث لا نص يكون الاجتهاد، ولكن إذا وجد نص يجب الانصياع إليه والصيرورة إليه. والمسائل التي لا نص فيها الأمر فيها واسع؛ لأنه ليس قول أحد أولى من غيره، اللهم إلا أن يكون أحد القولين قال به صحابي أو قال به جمهور الصحابة أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يرجح بها حيث لا نص. حكم المماطلة السؤال: ما حكم من اقترض مالاً للزواج ثم لم يرد هذا القرض بعدما منّ الله عليه باليسر؟ الجواب: هذا مماطل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم)، وقال: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) (يحل عرضه) يعني: بأن يقول: ظلمني وأخر علي حقي، (وعقوبته) يعني: كونه يحبس حتى يدفع أو يلتزم بالدفع. وجوب المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة السؤال: هل يشترط في الغسل من الجنابة المضمضمة والاستنشاق؟ الجواب: نعم، فلا بد من المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وكذلك في الوضوء، ومن ترك ذلك وقد صلى الفرائض وكان يجهل هذا، فليحسن في المستقبل، ولا يلزمه أن يعيد ما مضى. حكم قبول الهدية من الطلاب السؤال: أنا معلم في المرحلة الابتدائية، ويهدي إلي بعض الطلاب هدايا فأمتنع من قبولها، فهل امتناعي هذا صحيح؟ الجواب: امتناعك صحيح؛ لأن المعلم موظف، وفي الحديث: (هدايا العمال غلول). حكم الإهداء للمدرس السؤال: بعضهم يقول: أنا أهدي للمدرس بعدما ينتهي من تدريسي، وذلك إذا انتقلت إلى مرحلة أخرى، فما الحكم؟ الجواب: لا يصلح؛ لأن مثل هذا قد يكون له أخ أو قريب عند هذا الأستاذ فيحابيه. حكم إقامة شركات الأدوية ولائم للأطباء السؤال: هناك مجموعة من الأطباء يقيمون اجتماعاً دورياً معه حفل عشاء، والعشاء تقيمه شركات الأدوية من أجل الإعلان عن أدويتها، مع العلم أنه لا يوجد إلزام للأطباء بكتابة دواء يخص شركة معينة، ولا أحد يعلم ماذا يكتب الطبيب، فما حكم الأكل من هذا العشاء؟ الجواب: هذا داخل في هدايا العمال. حال حديث (هدايا العمال غلول) السؤال: يقول الأخ: (هدايا العمال غلول) رواه أحمد و أبو يعلى ، قال الحافظ في الفتح: هو من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، و إسماعيل في غير الشاميين مخلط، فهل هذا الحديث له إسناد صحيح؟ الجواب: صححه الألباني وذكر له شواهد. حكم أخذ الموظف لمال الانتداب مع عدم سفره للانتداب السؤال: رجل يعمل في الدفاع المدني، وله رئيس أراد أن يكافئه على جده ونشاطه في العمل، فسجل له انتداباً إلى الرياض لمدة معينة، فهل يجوز له أن يأخذ هذا المال العائد كبدل انتداب مع أنه لم يذهب؟ الجواب: لا يجوز، وليس للإنسان أن يأخذ شيئاً جعل في مقابل عمل وهو لم يعمل، بل الواجب أن يأخذ إذا عمل، وأما بدون عمل فلا يجوز له ذلك، وكونه حصل منه جد وقيام بالواجب فإن ذلك ينفعه في الدنيا والآخرة، وذلك من أسباب سعادته ونجاحه في الدنيا والآخرة. حكم إعطاء الموظف هدية لتيسير المعاملة السؤال: ما حكم إعطاء الموظف هدية إذا كان لن يعمل إلا بالهدية، وإلا عرقل المعاملة؟ الجواب: هذا يجب أن يفصل من العمل ويجلس في بيته، أو يبحث له عن عمل آخر، ولا يكون على طريق الناس وعلى مصالح الناس، كيف لا يعمل إلا بالهدية أو بالرشوة! فهذا جالس ليأخذ أموال الناس بالباطل، وكأن وظيفته أخذ أموال الناس بالباطل! وهذا من أسباب الابتلاء بالرشوة، فإذا رشاه شخص طمع في ذلك من جميع الناس، وهذا خائن لا يجوز أن يبقى في العمل. حكم الحناء للرجال السؤال: هل يجوز للرجل أن يستعمل الحناء للحاجة؟ الجواب: إذا كان للعلاج فلا بأس، وأما أن يتجمل بالحناء في يديه فلا، فإن الحناء للنساء وليس للرجال." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [348] الحلقة (380) شرح سنن أبي داود [348] النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياتهم وبعد مماتهم، وقد جاء بما فيه صلاح الناس في دينهم ودنياهم، ومن ذلك أنه كان يقضي دين من مات ولم يترك وفاءً، وكان يكفل اليتامى، وكان يقسم الأرزاق بين المسلمين مما أفاء الله عليه ومن الغنائم. أرزاق الذرية شرح حديث: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أرزاق الذرية. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في أرزاق الذرية، أي: الأولاد الصغار الذين هم غير مكتسبين، ويحتاجون إلى من ينفق عليهم، والمقصود من ذلك رزقهم من بيت المال إذا مات والدهم، ولم يخلف لهم مالاً، فإنهم يرزقون من بيت المال، وهذا هو المقصود من هذه الترجمة في هذا الباب الذي هو: كتاب الإمارة والخراج والفيء. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلأهله) يعني: لورثته، ولا يكون لبيت المال. وقوله: (ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) يعني: من ترك ديناً وليس له مال، فإنه يكون قضاؤه من بيت المال، وكذلك من ترك ضياعاً، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، والمقصود بالضياع: الأولاد الذين لو تركوا لضاعوا، وهم بحاجة إلى رعاية فقال: (إلي وعلي) يعني: أنه يقوم بدفع ذلك الدين من بيت المال، ويقوم بالإنفاق على الذرية من بيت المال. تراجم رجال إسناد حديث: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر ]. جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. محمد بن علي بن الحسين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (من ترك مالاً فلورثته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً فإلينا) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (من ترك مالاً فلورثته) أي: يرثه ورثته، ولا يكون إلى بيت المال، (ومن ترك كلاً فإلينا) الكل يراد به: الدين والذرية، وقد سبق أن مر حديث في كتاب المواريث بهذا المعنى، فمن ترك ديناً وضيعة -وهم الأولاد الذين هم بحاجة إلى رعاية، ولو تركوا لضاعوا- فقضاء دينه ورزق ذريته من بيت المال. تراجم رجال إسناد حديث: (من ترك مالاً فلورثته) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأشجعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. شرح حديث: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيما رجل مات وترك ديناً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله إلا أنه ما ذكر فيه الضيعة والضياع وإنما فيه: (ومن ترك ديناً فإلي) يعني: هو الذي يسدد دينه، وهذا الحديث مختصر، وليس فيه ذكر محل الشاهد في أرزاق الذرية، والرواية السابقة التي هي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فيها التنصيص على الذرية. تراجم رجال إسناد حديث: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. خطورة الدين في أول الأمر كان النبي عليه الصلاة والسلام يمتنع عن الصلاة على الميت المدين، ولعل هذا بسبب عدم وجود شيء يسدد منه أو أنه كان يفعل ذلك من أجل التحذير من الدين، ومن أجل أن ينفر الناس من الدين، حتى لا يتساهلوا في أمر الدين؛ لأن الإنسان إذا عرف خطورته وعظم شأنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين؛ يكون ذلك سبباً في نفرة الناس من التهاون بالدين، وقد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يغفر للشهيد كل شيء ثم قال: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، وهذا يدلنا على خطورة الدين. هذا، ويوجد فرق بين إلي وعلي في الحديث، فإلي يعني: أمرهم إلي والقيام بشئونهم إلي، وعلي يعني: أتحمل ما يلزمهم من المئونة. متى يفرض للرجل في المقاتلة؟ شرح حديث: (أجاز ابن عمر في الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يفرض للرجل في المقاتلة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: متى يفرض للرجل في المقاتلة؟ يعني: متى يكون فرضه فرض المقاتلين، ويعطى مثلما يعطى المقاتلون؟ والمقصود أن ذلك يكون إذا بلغ، فإنه يكون حكمه حكم البالغين، فإذا كان مكلفاً بالغاً فإنه يكون حكمه حكم المقاتلة، ويفرض له كما يفرض لهم؛ لأنه صار من أهل الجهاد ومن أهل القوة والقتال، وإذا كان لم يبلغ فإنه لا يكون حكمه حكم المقاتلين. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه يوم الخندق وعمره خمس عشرة سنة فأجازه) يعني: اعتبره من جملة المجاهدين الذين يمكنون من القتال، ويكون لهم نصيب من الغنيمة على حسب أحوالهم، بالنسبة للفارس وبالنسبة للراجل. وفي هذا الحديث حذف بعض السنة؛ لأن غزوة أحد كانت سنة (3)، وغزوة الخندق كانت سنة (5) من الهجرة. وفي هذا الحديث دليل على أن البلوغ يكون بخمس عشرة سنة، وقد يكون قبل ذلك إذا وجد الاحتلام من الذكر أو الأنثى، أو وجد الحيض من الأنثى، وكذلك أيضاً إذا نبت الشعر الخشن حول القبل كما جاء في قصة بني قريظة وقتل من كان أنبت دون من لم يكن أنبت، ولكن إذا لم يحصل شيء من هذا قبل بلوغ خمس عشرة سنة، فإنه يكون بالغاً بمرور هذه المدة من الزمن. تراجم رجال إسناد حديث: (أجاز ابن عمر في الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى ]. أحمد بن حنبل مر ذكره، و يحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني نافع ]. نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. كراهية الافتراض في آخر الزمان شرح حديث: (خذوا العطاء ما كان عطاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان. حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا سليم بن مطير شيخ من أهل وادي القرى قال: (حدثني أبي مطير : أنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالسويداء إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواءً وحضضاً، فقال: أخبرني من سمع رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم، فقال: يا أيها الناس! خذوا العطاء ما كان عطاءً، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه) ]. أورد أبو داود (باب كراهية الافتراض في آخر الزمان) يعني: أخذ ما يفرض من العطاء، ولما ذكر فيما مضى الأخذ من العطاء وأنه يكون لمن جاء في الأحاديث، ذكر هذه الترجمة في الترك وعدم الأخذ من العطاء، فقال: كراهية الافتراض في آخر الزمان، والمقصود من ذلك إذا كان أخذ العطاء يترتب عليه مضرة على الإنسان في دينه، ويكون رشوة على أمر يتعلق بالدين بحيث يتنازل أو يقدم على شيء محرم لا يسوغ من أجل العطاء، فإذا كان ذلك فعلى الإنسان أن يمتنع من أخذه، هذا هو المقصود من الترجمة. قوله: [ أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم فقال: (يا أيها الناس! خذوا العطاء ما كان عطاءً) ]. هذا من جملة ما كان يعظ النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر به في حجة الوداع. وقوله: (ما كان عطاءً) يعني: ما دام أنه على وجه لا محذور فيه، يعني: كما كان يؤخذ فيما مضى. قوله: [ (فإذا تجاحفت قريش على الملك وكان عن دين أحدكم فدعوه) ]. يعني: إذا حصل الاختلاف والتنازع على الملك وتحصيله، (وكان -أي: العطاء- على دين أحدكم فدعوه) يعني: إذا كان العطاء في مقابل الدين أو في مقابل التهاون في أي شيء من أمر الدين، أو كون الإنسان يتنازل عن شيء واجب عليه من أجل هذا المال الذي أعطي إياه؛ فعند ذلك يترك، ولا يجوز الإقدام عليه وأخذه. وهذا الحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه ثلاث علل: فيه رجل لين الحديث، ورجل مجهول الحال، ورجل مبهم لا يعرف. قوله: [ حدثنا سليم بن مطير شيخ من أهل وادي القرى ]. يعني: شيخ من أهل وادي القرى، ووادي القرى بين المدينة والشام من جهة الشمال. قوله: [ حدثني أبي مطير أنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالسويداء: إذ أنا برجل قد جاء ]. أبوه هو مطير ، فمطير بدل من أبي، وقوله: بالسويداء هو موضع. قوله: [ إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواءً وحضضاً ]. الحضض هو: نوع من الدواء، وهذا الرجل هو المبهم الذي حدث عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (خذوا العطاء ما كان عطاء) قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي الحواري ]. أحمد بن أبي الحواري ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سليم بن مطير ]. سليم بن مطير لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي مطير ]. مطير بن سليم وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن رجل أنه سمع ]. هذا رجل غير معروف. [ أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. هذا صحابي غير معروف، وقد جاء في بعض الروايات أنه يقال له: ذو الزوائد ، ولا يعرف اسمه. متابعة محمد بن يسار لأحمد بن أبي الحواري [ قال أبو داود : ورواه ابن المبارك عن محمد بن يسار عن سليم بن مطير ]. ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن يسار صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و النسائي ، وأبو داود لم يخرج له، وهنا ذكره في إسناد معلق وليس في حديث متصل. وسليم بن مطير مر ذكره. شرح حديث: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا سليم بن مطير من أهل وادي القرى عن أبيه أنه حدثه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأمر الناس ونهاهم ثم قال: (اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، ثم قال: إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها، وعاد العطاء -أو كان- رشاً فدعوه)، فقيل: من هذا؟ قالوا: هذا ذو الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه ]. هذا الطريق فيه تسمية الصحابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو ذو الزوائد ، ولا يعرف اسمه، وإنما يعرف بهذا اللقب، وحديثه أخرجه أبو داود . قوله: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها وعاد العطاء أو كان رشاً فدعوه) هذا مثل الذي قبله: (خذ العطاء ما كان عطاءً فإذا كان على دين أحدكم فدعوه) يعني: إذا كان العطاء من أجل التنازل عن شيء من أمر الدين بأن يوافق الإنسان على أمر لا يسوغ، فعليه أن يترك هذا العطاء؛ لأنه يكون رشاً: جمع رشوة، وذلك إذا صار في مقابل كون الإنسان يأتي بشيء يخل بدينه بأن يوافق على أمر باطل أو يحسن أمراً باطلاً أو ما إلى ذلك مما فيه نقص في دين الإنسان. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها..) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سليم بن مطير عن أبيه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. سليم بن مطير عن أبيه مر ذكرهما. وقال هنا: سمعت رجلاً، وفي الرواية السابقة قال: سمعت رجلاً يحدث عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم. تدوين العطاء شرح حديث: (إعقاب بعض الغزية بعضاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تدوين العطاء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - حدثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أن جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم، وكان عمر رضي الله عنه يعقب الجيوش في كل عام، فشغل عنهم عمر ، فلما مر الأجل قفل أهل ذلك الثغر، فاشتد عليهم وتواعدهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا عمر ! إنك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إعقاب بعض الغزية بعضاً ]. أورد أبو داود (باب في تدوين العطاء) يعني: أن أهل الأعطيات الذين يعطون من الفيء يكتبون ويسجلون في ديوان حتى يعرف كل واحد منهم واستحقاقه، ووصوله إليه أو عدم وصوله إليه، وهذا إنما يتأتى بالكتابة والتدوين، وعمر رضي الله عنه هو أول من دون الدواوين، وذلك أنه في زمانه رضي الله عنه كثرت الفتوحات وكثر الغزو، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وكثر المجاهدون، فصار الأمر يحتاج إلى التدوين حتى يعرف الجيوش، ومن يرسل، ومن يؤخر، ومن يقدم. أورد أبو داود حديث جماعة من الأنصار أنهم كانوا في زمان عمر على ثغر من الثغور، وكان يعقب الجيوش بمعنى أنهم يجلسون مدة ثم يرسل أناساً مثلهم يقومون مقامهم ويعود الأولون، فكان من عمر رضي الله عنه أن غفل أن يرسل أناساً مكانهم، وانتهى الأجل ولم يرسل إليهم أحداً، فجاءوا وتركوا المكان فغضب عليهم عمر وتوعدهم وهم من الصحابة، فقالوا: إنك غفلت عنا وتركت الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعقاب الجيوش، والمدة التي خصصت لنا قد أكملناها، ولم يأت الذين يخلفوننا ويقومون مقامنا؛ فرجعنا. ووجه إيراد الحديث في الترجمة أن هذا إنما يعرف عن طريق الديوان، يعني: كونه يذهب أناس ويأتي أناس، فهذا معناه أنهم مسجلون ومدونون، فهؤلاء لهم هذه النوبة ويجلسون كذا شهر، ثم يأتي مكانهم غيرهم ويبقون لمدة كذا شهر، فهذا هو وجه إيراد الحديث في الترجمة من جهة تدوين العطاء. وقوله: وتواعدهم أي: هددهم ووبخهم. والثغر هو المكان الذي يكون على حدود بلاد المسلمين، ويكون فيه أناس يرابطون ويسدون ذلك الثغر حتى لا يتسلل الأعداء إلى بلاد المسلمين، فيكونون مرابطين في تلك الثغور يدافعون ويحمون بلاد المسلمين من أن يتسلل إليها أعداؤهم. تراجم رجال إسناد حديث: (إعقاب بعض الغزية بعضاً) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، ويقال: له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح أثر كيفية قسمة عمر للفيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد بن عائذ حدثنا الوليد حدثنا عيسى بن يونس حدثني فيما حدثه ابن لعدي بن عدي الكندي أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه)، فرض الأعطية للمسلمين، وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية، لم يضرب فيها بخمس ولا مغنم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز يحكي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقال: من سأل عن مواضع الفيء يعني: المصاريف التي يصرف فيها. فإنه كما حكم به عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: من سأل عن مواضع الفيء فجوابه أنه ما حكم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (فرآه المؤمنون عدلاً) يعني: هذا الذي حصل من عمر هو عدل من عمر ، وهو موافق لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه) فهذا الذي حصل من عمر رضي الله عنه فيه سداد وتوفيق وإلهام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أحد من أمتي فإنه عمر). ومعلوم أن عمر رضي الله عنه وأرضاه حصل منه أمور عديدة يقال لها: موافقات عمر ، وهي أنه يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فينزل القرآن مطابقاً لما أشار به، ومن ذلك: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وكذلك حجب نسائه صلى الله عليه وسلم، وكذلك عدم أخذ الفدية من أسارى بدر، وهي أمور متعددة حصل فيها موافقته للصواب، بحيث يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فينزل الوحي مطابقاً لما أشار به عمر. وكذلك أيضاً بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه يرى الرأي ويجتهد الاجتهاد الذي يكون مطابقاً للحق، ومطابقاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك أنه لما ذهب إلى الشام في زمن خلافته، وكان الطاعون قد وقع في الشام، ففي أثناء الطريق لقيه أبو عبيدة وأمراء الأجناد، فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين! إن الطاعون وقع في الشام فلا تدخل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعون فتعرضهم للفناء والموت، وبعضهم قال: ادخل ولا تفر من قدر الله، فكان من عمر رضي الله عنه أن طلب المهاجرين فجاءوا واستشارهم وانقسموا قسمين: بعضهم يقول: ادخل، وبعضهم يقول: لا تدخل، وارجع، ثم طلب الأنصار واستشارهم وانقسموا قسمين، بعضهم يقول: ارجع، وبعضهم يقول: لا ترجع، ثم اجتهد ورأى أن يرجع وقال: إني مصبح على ظهر يعني: إذا أصبحت فسأركب بعيري وأرجع إلى المدينة، وكان أبو عبيدة رضي الله عنه من الذين يرون الدخول وعدم الرجوع فقال له: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نفر من قدر الله إلى قدر الله. وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه معهم ولكنه كان غائباً في حاجة، ولما رجع وعلم بالذي حصل قال: عندي علم فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا وقع وأنتم لستم فيه فلا تدخلوا عليه)، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فسر؛ لأن اجتهاده وقع مطابقاً لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله عليه هو متفق مع ما جاء في الحديث الصحيح: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أحد من أمتي فإنه عمر)، وهذه النصوص التي ذكرتها هي شواهد على تسديده وإلهامه، وأن الحق يجري على لسانه وقلبه، ولكن هذا لا يعني أن كل مسألة يكون فيها خلاف فإن الحق يكون مع عمر ، فقد يكون خلاف بينه وبين غيره ويكون الحق مع غيره، وذلك مثل مسألة الجد والإخوة، فأبو بكر رضي الله عنه يرى أن الجد يحجب الإخوة، و عمر يرى أنه يشارك الإخوة، وقول أبي بكر رضي الله عنه هو الأوضح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، ومعلوم أن الجد في جهة الأصول، والإخوة في جهة الحواشي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، فإذا أخذ أصحاب الفروض فروضهم فمعنى ذلك أن الجد هو الأولى، وأن الإخوة لا يشاركونه، وهذا هو الذي يدل عليه هذا الدليل، ولكن كما هو معلوم فإن كثيراً من المسائل يكون الحق فيها مع عمر ، ولكن لا يعني ذلك أن كل مسألة خلافية يكون الحق فيها مع عمر دون القول الآخر الذي يقابله. وهذا الذي فعله عمر من وضع الأعطيات على الوضع الذي رآه هو عدل مطابق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الحق يجري على لسان عمر) فهذا الذي فعله قد سدد فيه وألهم ووفق. قوله: [ فرض الأعطية للمسلمين، وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية ]. فرض الأعطية للمسلمين وكان ذلك بتدوين دواوين، ليعرف من أعطي ومن لم يعط، وكل الناس عند التوزيع يرجعون إلى هذه السجلات التي فيها أصحاب هذه الأعطيات. وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية، أي: أنهم يبقون في ذمة المسلمين، ويؤدون الجزية التي أوجبها الله تعالى عليهم. قوله: [ لم يضرب فيها بخمس ولا مغنم ] أي: الجزية لم يضرب فيها بخمس ولا مغنم، وإنما هي كلها في مصالح المسلمين، لا تخمس، ولا تكون غنيمة، وإنما هي مال أفاءه الله عز وجل على المسلمين، فيكون في مصالحهم عموماً. تراجم رجال إسناد أثر كيفية قسمة عمر للفيء قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن عائذ ]. محمد بن عائذ وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن لعدي بن عدي الكندي ]. ابن لعدي بن عدي الكندي مبهم غير معروف، أخرج له أبو داود . [ عن عمر بن عبد العزيز ]. عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ورحمه، وهو الخليفة المعروف المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر ]. عمر تقدم ذكره. وهذا السند فيه انقطاع؛ لأن عمر بن عبد العزيز ما أدرك عمر ، فالحديث ضعيف، فيه علة الانقطاع، وفيه علة الإبهام في الابن الذي ذكر في الإسناد. شرح حديث: (إن الله وضع الحق على لسان عمر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر يقول به) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به) يعني: يقول بالحق، وهو مثل قوله: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون)، وهذا يدل على أن الذي فعله حق، والناس حمدوا ذلك فيه، وأقروه عليه، واعتبروا ذلك من محاسنه، ومن أعماله المجيدة، حيث دون الدواوين، وفرض للناس العطاء، ويعطي الرجل وقدمه، والرجل وعياله، والرجل وبلاؤه. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله وضع الحق على لسان عمر) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول الشامي وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن غضيف بن الحارث ]. غضيف بن الحارث مختلف في صحبته، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة مناسبة أثر إعقاب عمر للجيوش لباب تدوين العطاء السؤال: لم أفهم مناسبة الحديث الأول للباب: كان عمر يعقب الجيوش في كل عام، والباب هو في تدوين العطاء؟! الجواب: أنا ذكرت أن محل الشاهد هو كون عمر رضي الله عنه يناوب بين الجيوش في المرابطة، وهذا لا يكون إلا عن طريق التدوين، ومعلوم أن هؤلاء المرابطون لهم أعطيات. عدم إتمام الصفوف الأولى في صلاة الجنازة السؤال: هل يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في مكان الدرس مع أن الصفوف الأمامية فارغة؟ الجواب: إذا كان الذهاب إلى الصفوف الأولى سيؤدي إلى فوات الصلاة فلا بأس، ولكن إذا أمكن إتمام الصفوف الأولى، وكان المكان قريباً، ولا يفوت التقدم أكثر الصلاة فإنه يتقدم إليها، والصفوف ينبغي أن تتصل في الجنازة وغير الجنازة. حكم الأناشيد الإسلامية السؤال: هل يجوز الاستماع إلى الأناشيد التي تحث على الجهاد في فلسطين، علماً بأن هذه الأناشيد من غير دف بل هي أبيات شعرية بصوت الرجال؟ الجواب: الأناشيد التي يكون فيها اهتمام وعناية بالأصوات، وعشق للأصوات -لاسيما إذا كانت عن طريق مجموعة- فإن الاشتغال بذلك لا فائدة من ورائه، والاشتغال بما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي فيها ذكر الجهاد وذكر ما يجب أن يكون عليه المسلمون تغني وتكفي عن الاشتغال بمثل هذه الأناشيد الجديدة التي حدثت في هذا الزمان، والتي فتن بها كثير من الناس في هذا الزمان. حكم الجهاد في فلسطين السؤال: هل يجوز أن نذهب لنجاهد في فلسطين؟ الجواب: كما هو معلوم أن الجهاد الآن في فلسطين إنما هو دفاع عن النفس، والذي يحصل في فلسطين من النكاية بالمسلمين وإزهاق نفوس المسلمين والإضرار بالمسلمين أعظم مما يكون بالنسبة لليهود، (ولكل امرئ ما نوى). الدعاء يرد القدر السؤال: هل الدعاء يغير المكتوب؟ الجواب: الله تعالى هو الذي يعلم ما كتبه في اللوح المحفوظ، والقدر سر الله عز وجل ولا يعلمه الناس، وما يعرف الإنسان ماذا قدر له وماذا كتب له، ولكنه مأمور بأن يعمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، لكن جاء في الحديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، وليس معنى ذلك أن المكتوب يغير ويبدل، وإنما المقصود أن الله عز وجل قدر السبب والمسبب، فقدر شيئاً يحصل بوجود شيء، فقدر أن من أسباب دفع الضرر والسلامة من الضرر الدعاء، وأن من أسباب طول العمر البر، وليس معنى ذلك أن الإنسان يكتب عمره ثم لما بر غُيِّر عمره وزيد في عمره، وقبل ذلك كان مكتوباً أقل من ذلك، فالعمر المقدر واحد، لكن الله تعالى شاء أن يكون عمره طويلاً، وأن يكون من أسبابه البر، وليس معنى ذلك أن عمره كان أربعين سنة، ولكنه لما بر غُيِّر وصار ستين أو سبعين، فالمكتوب لا يغير، والعمر مقدر ومحدد، وسبق به القضاء والقدر، ولكن الله تعالى شاء أن يكون هذا عمره طويلاً لذلك السبب الذي هو البر. الإلحاح في الدعاء السؤال: هل الدعاء بإلحاح من أسباب الاستجابة؟ الجواب: لا شك أن من أسباب قبول الدعاء كون الإنسان يلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة، ولا يقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي، وإنما يكثر من الدعاء، ويستمر في الدعاء، ولا يترك الدعاء من أجل أنه ما حصل له ما يريد. المسجد الذي أسس على التقوى السؤال: ما المسجد الذي أسس على التقوى قباء أو المسجد النبوي؟ الجواب: كل منهما أسس على التقوى، أما مسجد قباء فقد جاء ذلك في القرآن، وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء ذلك في السنة، فكل منهما متصف بهذا الوصف، وكل منهما أسس على التقوى من أول يوم، ونظير هذا قول الله عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، فإن هذه الآية جاءت في سياق الكلام مع أمهات المؤمنين، فهن داخلات فيها بنص القرآن، وقد جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما نزلت الآية جمع علياً و فاطمة و الحسن و الحسين وجعل عليهم كساء وقال: هؤلاء أهلي)، فهؤلاء من أهله وممن يدخل في هذه الآية كما جاء في السنة، وأمهات المؤمنين جاء في القرآن كونهن من أهل بيته الذين يريد الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً، وهذا مثل قصة مسجد قباء ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ذكر قباء جاء في القرآن، وذكر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاء في السنة، وأمهات المؤمنين جاء دخولهن في أهل البيت في القرآن، وجاء في السنة أنهم علي و فاطمة و الحسن و الحسين ، ولا يعني ذلك أنهم كل أهل بيته، وإنما هم من أخص أهل بيته، ومن أولى أهل بيته بالدخول في الآية، لا أن أهل بيته هم وحدهم فقط، فإن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون، وهم كل من كان مسلماً من أولاد عبد المطلب ، فأعمامه المسلمون وبنو أعمامه وبنات أعمامه كل هؤلاء من أهل بيته صلى الله عليه وسلم. وجوب الصدق في الوظيفة السؤال: أنا موظف حكومي أحاول أن أصدق دائماً في كتابة وقت حضور الدوام والانصراف، وهذا سبب لي حرج مع الزملاء والمدير في العمل، ونقلت إلى مكان يبعد ثلاثين كيلو متر عن العمل الأول، فهل أساير المدير والزملاء في كتابة الوقت حتى لا أتضرر، لا سيما وأني إذا بقيت في المكان الذي أنا بعيد فيه أحرم من درس الحديث؟ الجواب: الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)، وكون الإنسان يصدق ويلتزم بالصدق فإن ذلك من أسباب ظفره بما يريد من خير الدنيا والآخرة. حكم الإنصات وقت خطبة الجمعة لمن كان يمشي إلى المسجد السؤال: إذا بدأ الخطيب بخطبة الجمعة وكان الرجل يمشي في الطريق إلى المسجد، فهل يجب عليه الإنصات؟ الجواب: لا يجب عليه الإنصات؛ لأنه غير موجود في المسجد وإنما هو في الطريق، ويمكنه في الطريق أن يتحدث مع غيره، لكن إذا دخل في الساحات فقد دخل في المسجد فليس له أن يتكلم. على الولاة قضاء ديون الموتى السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه دين فعلي)، هل هذا الحكم باقٍ إلى الآن على ولاة الأمر؟ الجواب: نعم الحكم باق، وذلك في الدين الذي استدانه الإنسان في مباح أو لأمر يقتضيه، أما إذا كان الإنسان متلاعباً أو عنده إقدام على أشياء من غير ضرورة، فهذا قد يكون من الحكمة ألا يتحمل عليه شيء؛ لأن الإنسان إذا عرف أنه سيسدد عنه قد لا يبالي بالدين، ولكن إذا كان استدان لحاجة عياله أو ما إلى ذلك، فإنه يسدد عنه. حكم من أعطي هدية على العمل الدعوي السؤال: من أعطي هدية مقابل ما يقوم به من عمل دعوي، هل تعتبر من هدايا العمال؟ الجواب: إذا كان صاحب وظيفة فهو من العمال، وإذا كان غير موظف فهو ليس من العمال، ولكن كونه يدعو الناس، ولا يأخذ شيئاً منهم إذا أعطوه، فلا شك أن هذا هو الذي ينبغي، وإن أخذ شيئاً فلا بأس، فهو لا يعتبر موظفاً وليس بيده شيء يمكن أن يحابي وأن يقدم ويؤخر. أيهما أفضل الصلاة في مسجد قريب من المسجد النبوي من أول ركعة أم الصلاة في المسجد النبوي مع فوات بعض الركعات السؤال: أيهما أفضل: من أدرك الصلاة من أولها في مسجد حيه أو من يأتي إلى المسجد النبوي ولو فاتته بعض الركعات؟ الجواب: الأفضل أن يأتي مبكراً للمسجد النبوي ولا يفوته شيء، هذا هو الأفضل، وإذا ما أمكن هذا فإنه يصلي في مسجد حيه حتى يدرك الصلاة من أولها. حكم التعداد السكاني السؤال: ما حكم التعداد السكاني؟ وهل يستدل على جوازه بكتابة عمر للدواوين؟ الجواب: كتابة الدواوين هو لحصر أصحاب الأعطيات، وليس من باب تعداد السكان، لكن لا بأس بالتعداد السكاني من أجل مصلحة أو من أجل فائدة، وقد جاء في حديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة: (أحصوا علي كل نفس مؤمنة). أثر: (ما من مسلم إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام) السؤال: (ما من مسلم إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، فإياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك) هل هذا حديث؟ الجواب: هذا أثر عن بعض السلف، وأظنه عن الزهري أو غيره، وهو موجود في كتاب السنة لمحمد بن نصر المروزي . الإثابة على الهدية السؤال: من كان يعمل عملاً دعوياً وأعطي هدية، هل الأفضل أن يأخذ الهدية ويكافئ عليها أو يردها، وقد يترتب على الرد ما يترتب؟ الجواب: كونه يأخذها ويكافئ عليها أحسن، ولكن هذا إذا كان غير موظف يستطيع أن يقدم ويؤخر، وإنما إذا كان محتسباً أو موظفاً لا يقدم ولا يؤخر. حكم رفع اليدين عند قيام المؤتم لقضاء ما فاته من الصلاة السؤال: من فاتته ركعة من الصلاة وقام لإتمامها، هل يرفع يديه بعد القيام من التشهد؟ الجواب: لا يرفع يديه، ويقوم بتكبير بلا رفع لليدين. ذكر دعاء دخول المسجد من أبواب الساحات السؤال: هل يذكر الإنسان دعاء الدخول إلى المسجد النبوي إذا دخل من الأبواب التي في الساحات؟ الجواب: نعم؛ لأن الساحات الآن من المسجد. قول عمر يا سارية الجبل السؤال: ما حقيقة قول عمر رضي الله عنه على المنبر: يا سارية ! الجبل؟ الجواب: هذا يعتبر من الكرامات لعمر رضي الله عنه إذا كان قد ثبت، وأن الله تعالى كشف له ذلك حال لقاء المجاهدين العدو، فأمرهم أن ينحازوا إلى الجبل، وكان ذلك في صالحهم، لكن لا أدري ما صحته." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [349] الحلقة (381) شرح سنن أبي داود [349] الأنفال لله ورسوله يحكمان فيها بما شاء الله ورسوله، وقد أحل الله لرسوله من الغنائم أن يصطفي لنفسه منها شيئاً، وقد نقل العلماء ما اصطفاه رسول الله عليه الصلاة والسلام لنفسه من الأموال، وقد بين أن ما يتركه صدقة، وأنه لا يورث كما يورث غيره. صفايا رسول الله من الأموال شرح حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأموال. حدثنا الحسن بن علي و محمد بن يحيى بن فارس المعنى قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه قال: أرسل إلي عمر رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، فقال حين دخلت عليه: يا مال ! إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وإني قد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم قلت: لو أمرت غيري بذلك فقال: خذه، فجاءه يرفأ ، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في العباس و علي رضي الله عنهما؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا، قال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا -يعني علياً - فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين! اقض بينهما وأرحهما. قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك، فقال عمر رحمه الله: اتئدا، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي و عباس رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ فقالا: نعم. قال: فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وكان الله أفاء على رسوله بني النضير، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال. ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس و علي رضي الله عنهما فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة)، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، فوليها أبو بكر ، فلما توفي أبو بكر قلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها، فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي. قال أبو داود : إنما سألاه أن يكون يصيره بينهما نصفين، لا أنهما جهلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، يريد أبو داود رحمه الله من هذه الترجمة ما اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاه دون أن يقسم من الأموال، وذلك في الأموال الثابتة التي يستغل ريعها مع بقاء أصلها، وهي الأراضي. وكل ما أورده أبو داود هنا يتعلق بشيء ثابت، وقوله: من الأموال، يريد به هذا المعنى، وهناك اصطفاء في غير الأموال بغير هذا المعنى، وهو الاصطفاء في السبي، كما حصل لصفية رضي الله تعالى عنها حيث اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ولكن الترجمة هنا يراد بها ما يتعلق بالأموال، والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقاه دون أن يقسم ودون أن يباع، وإنما يستفاد من ثمنه مع بقاء أصله، بحيث يستفاد من غلته ومن ثمرته، وليس معنى ذلك أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه بمثابة المال الذي يملكه، فإن المقصود من ذلك أنه أبقاه لينفق على نفسه منه وعلى أهل بيته، وما يبقى يكون في مصالح المسلمين، والمقصود بكونه من الصفايا أنه بقي واستفيد منه بصفة مستمرة، ولم يقسم ويوزع بين الناس، ولم يبع ويتصرف في قيمته، وإنما بقيت أصوله ويستفاد من غلته وثمرته على مر السنين. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض بني النضير، وهي مما أفاؤه الله على رسوله من غير قتال كما قال الله عز وجل: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6]، وهذه الأموال أبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله قوت سنة، وذلك القوت كان ينتهي في وقت قريب؛ لكثرة بذله صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، فلا يبقى في بيته شيء مما كان يدخره لمدة السنة؛ لأنه كان ينتهي قبل ذلك؛ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجود والكرم والبذل والإحسان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وما بقي بعد ذلك ينفقه في مصالح المسلمين. أورد أبو داود هذا الحديث الطويل الذي فيه أن مالك بن أوس بن الحدثان دعاه عمر رضي الله عنه ليأتي إليه وذلك بعدما ارتفع النهار، فجاء إليه وقال: إنه دفت دافة من قومك، وإني قد أمرت لهم بشيء فأعطهم إياه ووزعه عليهم، والمقصود بالدافة: الذين جاءوا يدفون مسرعين يريدون الإحسان والعطاء لما حصل لهم من فقر وحاجة، فطلب مالك بن أوس أن يعفيه من ذلك، حتى لا يتحمل الأمانة، فقال: خذه، وليس فيه أنه أعفاه، وإنما أمره بأخذه، والذي يظهر أنه هو الذي تولى ذلك؛ لأنه ما جاء شيء يفيد بأن عمر اختار غيره وأسنده إلى غيره. ويرفأ هو الذي كان على الباب يخبر بمن يستأذن فقال: هل لك -يا أمير المؤمنين- في عثمان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة و الزبير و سعد ، وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فدخلوا عليه، ثم بعد ذلك جاء يخبره عن علي و العباس رضي الله عنهما وأنهما يستأذنان، فدخلا عليه، وكانت بينهما خصومة، فقال العباس : يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا يعني: علياً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذين جاءوا من قبل قالوا: اقض بينهما وأرحهما يا أمير المؤمنين! قال مالك : فيخيل لي أنهما قدموهم ليكونوا عوناً لهم على أن يحقق عمر رضي الله عنه الذي يريده علي و العباس ؛ لأنهم قالوا: اقض بينهما وأرحهما. فقال عمر : ائتدا يعني: تمهلا وانتظرا، فقبل أن يذكر الجواب فيما طلبا أراد أن يمهد لذلك، وأن يبين ما حصل فيما مضى فيما بينه وبينهما. الأنبياء لا يورثون قوله: [ ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ]. أي: أقبل عمر رضي الله عنه على هؤلاء الرهط الأربعة الذين هم: عثمان و عبد الرحمن و سعد و الزبير رضي الله تعالى عنهم، فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. وهذا الحديث يدل على أن الأنبياء لا يورثون، فلا يورث عنهم المال؛ لأنهم ما جاءوا لجمع المال وتوريثه لأقربائهم، وإنما جاءوا بالحق والهدى لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهذا هو ميراثهم، وهو ميراث مبذول لكل من أراده، ولكل من وفقه الله لأن يحصل العلم النافع المستمد من الكتاب والسنة، ولهذا جاء في الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فهم ما جاءوا لجمع المال وتحصيله ثم كونهم يخلفونه وراءهم ليرثه أقرباؤهم، فالله تعالى لم يجعل الأنبياء كغيرهم من الناس الذين يورث عنهم المال، فما يخلفونه يكون صدقة ولا يكون ميراثاً لأقربائهم، قال بعض أهل العلم في تعليل ذلك: أصحاب الأموال بعض الأقرباء يتمنى أن يموتوا ليرثوهم، وهذا إذا حصل بالنسبة للأنبياء يكون خطيراً في حق من يتمنى ذلك، فصارت شريعة الله عز وجل في حق رسله أنه لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم النافع الذي به الهداية للصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور. ثم التفت إلى علي و العباس رضي الله تعالى عنهما وقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ فقالا: نعم. يعني: أنهما يعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث، ما تركناه صدقة). ثم قال: [ فإن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر:6] ]. قوله تعالى: (( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ )) يعني: من يهود بني النضير، فإن الأموال التي تركوها أخذها المسلمون بلا قتال، وإنما هي فيء، والفيء لا يخمس، وإنما يكون على نظر الإمام يصرفه في مصالح المسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفق على نفسه وأهله من هذا المال ويدخر من ذلك قوت سنة، ثم الباقي يكون أسوة المال الذي يكون في بيت المال، أي: يصرف في مصالح المسلمين، فهو لم يدخره له ولم يملكه، وإنما هو محبوس دون أن يوزع ودون أن يباع، وإنما ينفق على نفسه منه صلى الله عليه وسلم وعلى أهله لمدة سنة، وما وراء ذلك فإنه ينفقه في سبيل الله أسوة سائر الأموال التي تكون في بيت المال. ثم إن عمر رضي الله عنه بعد أن ذكر ما يتعلق بكون الأنبياء لا يورثون وبعد أن أقر الرهط الذين حضروا عنده، وكذلك علي و العباس رضي الله تعالى عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة)، بعد ذلك ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أبقى هذا المال ولم يقسمه أنه ما اختص به دون الناس، وإنما كان يأخذ منه نفقته ونفقة أهله سنة، والباقي أسوة المال يصرفه في مصالح المسلمين ويقسمه في مصارف بيت المال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ثم سأل الرهط الأربعة هل يعلمون ذلك؟ فأقروا بذلك، وسأل علياً و العباس رضي الله عنهما هل يعلمان ذلك؟ فأقرا بذلك، ثم قال عمر رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته قام بهذا المال على هذا الوجه، وهو الإنفاق منه على أهله، والباقي أسوة المال، وإن أبا بكر رضي الله عنه لما قام مقامه قال: أنا ولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأتصرف في هذا المال الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يتصرف فيه، وإن علياً رضي الله عنه جاء يطلب ميراث زوجته فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء العباس يطلب ميراثه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبا بكر قرأ عليهم الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو قوله: (إنا لا نورث ما تركناه صدقة). ثم إن عمر رضي الله عنه لما توفي أبو بكر قام بالأمر من بعده، وقام بصرف المال الذي كان يصرفه أبو بكر وفقاً لما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يصرفه مدة من خلافته على هذا النحو، ثم إن علياً و العباس رضي الله تعالى عنهما جاءا إليه وهما متفقان وأمرهما جميع، وطلبا منه أن يدفع هذه الأموال لهما ليقوما بصرفها وفقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها، فأخذ عليهم العهد أن يقوما بذلك على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه دفعه إليهما، فصارا يقومان بذلك، ثم إنه حصل منهما ما جاء في هذا الحديث بحضور هؤلاء الرهط، أن يقسم بينهما النظارة على هذه الأموال، وأن يجعل كل واحد منهما على قسم من هذه الأموال، و عمر رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تبقى على ما كانت عليه، وهما لما طلبا أن يتوليا ذلك ولاهما جميعاً، وصارت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق على قسمة هذه الأموال بينهما بحيث يتولى هذا على شيء وهذا على شيء، وإنما تبقى كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولاها واحد أو أكثر على طريقة واحدة وعلى منهج واحد بحيث يكون التوزيع للجميع من واحد سواء الخليفة أو من طلبا أن يقوما بهذا الأمر، وجعلت النظارة لهما مجتمعين، ولم يوافق عمر رضي الله عنه على أن يقسم هذا المال بينهما؛ لأنه لو قسم المال بينهما لظن على مر السنين والدهور أن المال الذي بيد العباس ميراثه، والذي بيد علي ميراث زوجته، ولكنه لما بقي مال واحد يتصرف فيه الناظر تصرفاً واحداً زال ذلك الاحتمال الذي يخشى من قسمة المال بينهما. ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث لورثه زوجاته أمهات المؤمنين، ولكان لهن الثمن، وسيأتي حديث فيه أنهن أردن أن يرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر ليعطيهن الثمن من هذه الأموال. وفي هذا الحديث جاء علي يطلب ميراث زوجته فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وجاء العباس يطلب ميراثه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث فإن الزوجات يكون لهن الثمن، وللبنت النصف، والباقي للعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر)، و العباس كان أقرب قريب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته؛ لأنه عمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عم الرجل صنو أبيه) أي: مثل أبيه. قوله: [ فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يليها، فأخذتماها مني على ذلك، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك ]. المقصود بقوله: بغير ذلك أي: قسمتها بينهم على أن يتولى هذا النظارة على النصف، وهذا على النصف، وهذا هو المقصود بالذي يختصمون فيه، لا أنهما يريدان الميراث؛ لأنهما يعرفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا لا نورث)، وقد سبق أنهما أقرا بذلك، وبينا أنهما يعلمان ذلك، وإنما الشيء الجديد الذي جاءا من أجله هو قسمة النظارة بينهما، بحيث يكون هذا له الإشراف على النصف، وهذا له الإشراف على النصف، وقد أوضح هذا أبو داود رحمه الله بعد الحديث، وبين أن المقصود من مجيئهما إنما هو قسمة النظارة بينهما، لا أن المقصود من ذلك طلب الميراث. قوله: [ والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي ]. يعني: بغير الذي كنت دفعته إليكما على أن تقوما بصرفها طبقاً لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفها دون قسمة حتى تقوم الساعة، والمقصود ساعته يعني حتى يموت؛ لأن من مات فقد قامت قيامته وقامت ساعته، وليس المقصود من ذلك قيام الساعة آخر الدنيا؛ لأن قوله: لا أقضي بينكما حتى تقوم الساعة يعني: ما دمت حياً، والساعة أحياناً يراد بها قيام الساعة التي تكون في نهاية الزمان، والتي يموت فيها من كان حياً في نهاية الدنيا، وعند ذلك يتساوى الذين ماتوا من قديم الزمان والذين ماتوا في آخر الزمان، وأحياناً يراد بقيام الساعة الموت. تراجم رجال إسناد حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا بشر بن عمر الزهراني ]. بشر بن عمر الزهراني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني مالك بن أنس ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن أوس بن الحدثان ]. مالك بن أوس بن الحدثان له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكر ]. أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمم وخير الأمم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وحديث أبي بكر عند أصحاب الكتب الستة. تابع شرح حديث: (لا نورث ما تركنا صدقة) قول مالك بن أوس : [ أرسل إلي عمر حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رُماله ]. رِماله أو رُمالِه يعني: على سرير ليس عليه فراش، وإنما كان جسده مفضياً إلى رماله وهي الحبال التي تكون بين الخشب، ويجلس عليها الذي يجلس على السرير، والمعنى أنه لم يكن عليه فراش. قوله: [ فقال حين دخلت عليه: يا مال ]. هذا ترخيم، يعني: يا مالك ، حذفت الكاف، واللام تكسر أو تضم يا مالُ أو يا مالِ. قوله: [ فجاءه يرفأ ]. يرفأ هذا هو الحاجب الذي يكون على الباب، ويخبر عمر بمن يستأذن، واتخاذ الوالي البواب أو الحاجب ليعرف من يأتي يستأذن؛ حتى يأذن أو لا يأذن أمر سائغ؛ لأنه قد يكون مشغولاً، وقد يكون هناك ما هو أهم من ذلك. والفيء منه شيء يقسم، وشيء يبقى، والذي يبقي يستفاد من غلته هو المقصود بكونه من الصفايا. وهذا الحديث يتعلق بأموال بني النضير التي قال الله عز وجل فيها: (( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ )) أي: من اليهود (( فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ )) يعني: هذا لا يطلب قسمته كما تقسم الغنائم؛ لأن الغنائم تقسم على الغانمين، فيكون لهم أربعة أخماس، والخمس الباقي يصرف في الأصناف التي ذكرها الله في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، أما الفيء فهو إلى الإمام له أن يقسمه، وله أن يبقيه، وله أن يتصرف فيه بما يراه في مصالح الناس، ويكون للإمام نصيب في الفيء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من الفيء ما يكفيه وأهله لمدة سنة، وهذا النصيب باق لذرية النبي صلى الله عليه وسلم. طريق آخر لحديث: (لا نورث ما تركنا صدقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بهذه القصة قال: وهما -يعني علياً و العباس رضي الله عنهما- يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أموال بني النضير. قال أبو داود : أراد ألا يوقع عليه اسم قسم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو كما تقدم إلا أن فيه إشارة إلى أن هذه الأموال من يهود بني النضير. تراجم رجال إسناد الطريق الآخر لحديث: ( لا نورث ما تركنا صدقة) قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، ومحمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي وأما المحاربي فهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن ثور ]. محمد بن ثور ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن مالك بن أوس ]. مر ذكرهما. شرح حديث: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة و أحمد بن عبدة المعنى أن سفيان بن عيينة أخبرهم عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته). قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة، فما بقي جعل في الكراع وعدة في سبيل الله عز وجل، قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال عمر : [ (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب) ]. الإيجاف: هو الإسراع. قال: [ (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصاً ينفق على أهل بيته) ]. يعني: اصطفاها بأن تبقى ينفق على أهل بيته منها، وما بقي جعله في الكراع والعدة في سبيل الله، والكراع هو الخيل، والعدة أي: للجهاد في سبيل الله. [ قال ابن عبدة : ينفق على أهله قوت سنة ]. يعني: أحد الشيخين -وهو أحمد بن عبدة -قال: ينفق على أهله قوت سنة، وقال الشيخ الأول: ينفق على أهل بيته. [ قال ابن عبدة : في الكراع والسلاح ]. يعني: أنه ساقه على لفظ ابن أبي شيبة ، ثم ذكر الفروق بين لفظ رواية: ابن أبي شيبة وبين ابن عبدة . تراجم رجال إسناد حديث: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ وأحمد بن عبدة ]. أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سفيان بن عيينة ]. سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن مالك بن أوس عن عمر ]. مر ذكرهم. شرح حديث: (هذه لرسول الله خاصة قرى عرينة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن الزهري قال: قال عمر رضي الله عنه: (( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ )) قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، قرى عرينة فدك وكذا وكذا، مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:7-10]، فاستوعبت هذه الآية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق، قال أيوب : أو قال: حظ، إلا بعض من تملكون من أرقائكم ]. أورد أبو داود حديث عمر من طريق أخرى، وفيه أنه قال: [ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قرى عرينة فدك وكذا وكذا ]. هذه أماكن أخرى غير ما تقدم من ذكر بني النضير، وكل هذه من الأموال التي بقيت يستفاد من غلتها، وينفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله منها، والباقي يوضع في سبيل الله عز وجل. ثم ذكر مصارف الفيء وأنه يكون في الأمور الخمسة التي ذكر الله في آية سورة الحشر، ثم ذكر بعد ذلك المهاجرين والأنصار ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، وهذه الآية الأخيرة استوعبت جميع الناس؛ لأنها تتعلق بكل من جاء بعد المهاجرين والأنصار ممن يستغفر لهم، ويسأل الله عز وجل ألا يجعل في قلبه غلاً لهم، وأنه لا يستثنى من ذلك إلا الأرقاء الذين هم مملوكون تابعون لأسيادهم، فهم ينفق عليهم أسيادهم، ولو أعطوا لصار ذلك الذي يعطونه ملكاً لأسيادهم. |
الساعة الآن : 05:47 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour