ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 09-05-2021 03:23 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
هيا بنا ندرس هذه الآيات الأربع بعناية. ‏
معنى الآيات
قال المؤلف: [ قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ [النساء:138] ] فالذي يبشرهم هو رسول الله، إذ الذي يخاطب الله هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي العبارة نوع من التهكم بهم، إذ إن أصل البشرى هو الخبر السار أو المحزن، فالخبر الذي إذا سمعه صاحبه تغير وجهه، فإن كان ساراً تغير وجهه بالبشر والطلاقة والابتسامة، وإن كان الخبر محزناً اكتأب وأسودّ وجهه، فالتغيير حاصل، فلهذا البشرى تكون بالطيب وتكون بغيره. بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ [النساء:138]، والمنافقون هم من يبطنون الكفر ويخفونه في صدرهم ولا يحاولون أن يطلع عليه مؤمن، وقد يطلع عليه المنافقون من إخوانهم وذلك في مجالسهم الخاصة، فيظهرون الإيمان والإسلام، ويصلون ويجاهدون وهم ما آمنوا بقلوبهم، وسبب إظهارهم للإسلام أن الدولة إسلامية قائمة والرسول حاكم وخلفاؤه موجودون فلا يستطيع أن يظهر الكفر، فإما أن يسلم وإما أن يقتل أو يبعد، إذ لا يسمح لكافر أن يعيش بيننا إلا إذا كان من أهل الكتاب وأهل الذمة، وهم معروفون، أما مشرك كافر فإما أن يؤمن وخاصة في ديار هذه الجزيرة قبة الإسلام، وإما أن يقتل، قال تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5].إذاً: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ [النساء:138]، الذين يبطنون ويخفون الكفر، فلا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بلقاء الله ولا بجنة ولا بنار، وإنما يظهرون الإسلام بسلوكهم وقولهم ومنطقهم.قال: [ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:138]، يأمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لأن المخبَر به يسوء وجوههم وهو العذاب الأليم، وقد يكون في الدنيا بالذل والمهانة والقتل، وأما في الآخرة فهو أسوأ العذاب وأشده، وهو لازم لهم لخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم ].معاشر المستمعين! هل فهمتم هذا التعليل؟ العذاب لازم للكافرين والمنافقين والفاجرين والظالمين لخبث نفوسهم، فهل النفس تخبث؟! إي والله، وهل النفس تطيب وتطهر؟ إي والله، وهل نستطيع أن نعرف النفس الخبيثة من الطيبة؟ نعم، فإذا طابت النفس فإن كل سلوك هذا العبد طيبة وطاهرة، فنظرته طيبة وطاهرة، وكلمته طيبة طاهرة، ومشيته طيبة طاهرة، بل كل تصرفاته طيبة وطاهرة؛ لأنه ناتج عن روح سليمة طاهرة نقية، وإن كانت الروح خبيثة يغشاها الكذب والخيانة والغش والباطل والشر فإن هذا السلوك نابع من مصدر باطني ألا وهو خبث النفس. ثم في الآخرة العذاب كالتنعيم يتمان على ضوء خبث النفس أو طهارتها، فلا شرف لأب ولا لأم ولا لقبيلة ولا لنسب أبداً، بل كل البشر أمرهم واحد، أي: عبيد الله، ليس منهم من هو ابن لله ولا أب له ولا قريب له، بل إنهم عبيده، أبيضهم كأسودهم، فمن زكى نفسه وطيبها وطهرها، ومات وهي طاهرة نقية، فهذا لا ينزل إلا في دار السلام، ومن خبثها ولوثها وعفنها بأوضار الشرك والكفر فإن مصيره إلى الدركات السفلى في عالم الشقاء.وعندنا نص الحكم الإلهي، وأهل الدرس عالمون به، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، من يعقب على حكم الله؟! هل هناك هيئة قضائية تعقب؟! نفى الله هذا فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].معاشر المؤمنين والمؤمنات! لمَ ما نحفظ هذه الكلمة: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فنعرف مصير البشرية كلها من هاتين الآيتين؟ كن ابن من شئت أو أبا من شئت فالعبرة ليست بالجنس ولا بالملة، وإنما بالروح الزكية الطاهرة النقية أو الخبيثة العفنة المنتنة.فهل عرفت البشرية هذا؟ ما عرفت، من بلغها؟ من عرفها؟ وبعد أن عرفنا حكم الله فينا فهيا بنا نزكي أنفسنا، إذ أيخبر الله عز وجل ونشك في حكمه؟ فإن قيل: يا شيخ! ما هي المواد المزكية للنفس؟ أين توجد؟ في أية صيدلية؟ كيف نستعملها؟ وهذه الأسئلة فريضة على كل إنسان أن يعرفها، وكم الذين يعرفونها؟ ولا واحد في المليون.معشر الأبناء والإخوان! هل بلغكم أن حكماً لله قد صدر على الناس؟ قد حلف الله عليه بتسعة أو عشرة أيمان، وذلك من قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، حتى قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9].إذاً: والله إنا لموقنون إيقاناً كاملاً أن من زكى نفسه دخل الجنة دار السلام ونجا من العذاب والنار دار البوار، وأن من خبث نفسه ولوثها ومات وهي عفنة منتنة فلن يدخل الجنة ولن ينزل بساحتها، وهناك آية توضح هذا المعنى القريب وهي قوله تعالى من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40]، أي: لا تفتح لأرواحهم عندما يعرج بها ملك الموت وأعوانه، وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، والجمل: حيوان معروف عند العرب وهو البعير، وعين الإبرة معروفة عند العجائز، وهي التي يُدخل فيها الخيط، والذي ما عنده بصر قوي ما يستطيع أن يدخل الخيط في عين الإبرة، فهل يستطيع البعير أن يدخل في عن الإبرة؟! مستحيل جداً، وكذلك مستحيل أن يدخل خبيث النفس دار السلام، وهذا قضاء الله وحكمه.فهيا نعود يا معشر المؤمنين والمؤمنات! إلى الله تعالى، وهيا نعمل على تزكية أنفسنا، فإن قيل: يا شيخ! بما نزكيها؟ أجيبكم فأقول: زكوها بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، وأبعدوها عما يخبثها كالشرك والمعاصي، وأعني بالإيمان الصحيح الذي ليس مجرد دعوى الإيمان كاليهود، وإنما الإيمان الذي إن عرضته على القرآن فأنت مؤمن، وأعني بالعمل الصالح الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من الغسل للجنابة إلى الرباط في سبيل الله، وكل تلك العبادات هي مواد تزكية للنفس البشرية، وأما المخبثات المدسيات للنفس من الكفر والشرك والمعاصي فهي وبال على المسلم في الدنيا والآخرة.فعلى كل مؤمن يريد أن تزكو نفسه أن يتعرف على إيمانه هل هو إيمان صحيح أم لا؟ وأن يعمل الصالحات التي بينها رسول الله، وهي في كتاب الله تعالى من الوضوء إلى الطواف والاعتكاف، من كلمة الأمر بالمعروف إلى كلمة النهي عن المنكر، فتلك العبادات إذا أوديت أداء صحيحاً بلا تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقصان، فإنها تفعل في النفس البشرية الزكاة والطهر كما يفعل الماء والصابون في الثياب والأبدان، فتُحيلها إلى كتلة من النور، وهذه هي الحقيقة، فمن يعرف المسلمين بهذه الحقيقة؟ لو أنهم عزموا على أن يسودوا ويقودوا، أو عزموا على أن يسموا ويرتفعوا لعادوا إلى بيوت ربهم -المساجد- بنسائهم وأطفالهم من المغرب إلى العشاء فقط، وذلك في كل ليلة وطول الحياة، فيتعلمون الكتاب والحكمة، فإذا تعلم أهل القرية الكتاب والحكمة والله ما خرجوا عن دائرة رضا الله وطلب مرضاته، وإنما استقاموا على منهج الحق فعبدوا الله بما شرع، فسمت نفوسهم وأصبحوا أولياء الله، حتى لو كادهم أهل الأرض ما زلزلوا أقدامهم.
العلاقة الحميمة بين المنافقين والكافرين
قال: [ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:138]، يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لأن المخبر به يسوء وجوههم وهو العذاب الأليم، وقد يكون في الدنيا بالذل والمهانة والقتل، وأما في الآخرة فهو أسوء العذاب وأشده، وهو لازم لهم لخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم.ثم وصفهم تعالى بأخس صفاتهم وشرها، فقال: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:139] ] أي: يتركون المؤمنين فلا يوالونهم ولا يحبونهم ولا ينصروهم ولا يطلبون النصرة منهم، وإنما يوالون الكافرين، وهذا لن يصدر إلا من المنافقين الذين آمنوا بالظاهر وأخفوا الكفر في الباطن.قال: [ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:139]، فيعطون محبتهم ونصرتهم وولاءهم للكافرين، ويمنعون ذلك المؤمنين، وذلك لأن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم يُنرها عمل الإسلام، ثم وبخهم تعالى ناعياً عليهم جهلهم فقال: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء:139] أي: يطلبون العزة، أي: المنعة والغلبة من الكافرين، أجهلوا أم عموا فلم يعرفوا أن الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139]؟ ]، فيا من يطلب العزة -أدلك على الباب الذي تقرعه- اطلبها من باب الله عز وجل، فإن قال: ما نستطيع؛ لأن باب الله يجب أن نكون طاهراً نقياً، فلا غش ولا خداع ولا شرك ولا كفر، إذاً: تطلبها من الكافرين! والله لن تجدها، ولن تعز أبداً، فلا إله إلا الله.قال: [ لأن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم ينرها عمل الإسلام، ثم وبخهم تعالى ناعياً عليهم جهلهم فقال: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء:139]، أيطلبون العزة، أي: المنعة والغلبة من الكافرين، أجهلوا أم عموا فلم يعرفوا أن الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139]؟ فمن أعزه الله عز، ومن أذله ذل، والعزة تطلب بالإيمان وصالح الأعمال لا بالكفر والشرك والفساد، هذا ما دلت عليه الآية الأولى والثانية ].
النهي عن مجالسة الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها
قال: [ أما الآية الثالثة فإن الله تعالى يؤدب المؤمنين ] الله يؤدبنا لأننا أولياؤه وعبيده المؤمنون به، فأنت ما تؤدب ابنك أو أخاك؟قال: [ فإن الله تعالى يؤدب المؤمنين ] ونحن إن شاء الله منهم، [ فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة الأنعام ]، وسورة مكية بلا جدال، وقد زفتها سبعون ألف ملك عندما أنزلت، كما أن هذه السورة العظيمة نزلت مجملة، والمفروض على أهل كل بيت أن يدرسونها ويعرفون ما جاء فيها. قال: [ فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة الأنعام حيث نهاهم عن مجالسة أهل الباطل إذا خاضوا في الطعن في آيات الله ودينه، فقال تعالى ] يخاطب رسوله وأمته معه: [ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] ]، وهذا صالح لنا، فأيما مؤمن عرف الطريق إلى الله وجلس مجلساً أخذ أهل المجلس يضحكون ويسخرون ينتقدون الحاكم أو الإمام أو العالم الفلاني، فيجب أن يغلق أذنيه ويخرج، ولا يحل له البقاء، وإن جلس ورضي بكلامهم فهو منهم، وإن استطاع أن يقول: هذا منكر لزمه ذلك، لكن في مكة من يقول: هذا منكر؟ أبو جهل يضحك ويسخر وتقول له: إن هذا منكر! سيجرك على الحصباء، لكن إن قدر لك وجلست مع المنافقين وأخذوا يسخرون من القرآن ويستهزئون به، فلا يحل لك أن تبقى في هذا المكان. وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا [الأنعام:68]، كيف يخوضون فيها؟ بالطعن والنقد، كأن يقولوا: لو كان كذا لكان كذا، فأعرض عنهم ولا تجلس إليهم حتى ينتهي ذاك الخوض ويتكلموا في شيء آخر أو في حديث غيره، وإن فرضنا أنه أنساك الشيطان هذا الأمر ثم تذكرته فعلى الفور اخرج.كان الحاج مسعود من أهل الحلقة رحمة الله عليه إذا دخل المواليد وهو لا يدري، لما يأخذون بالمدائح والقصائد يأخذ نعله ويخرج، لمَ يا مسعود؟ فيقول: أمرنا بألا نخوض في هذا الباطل.والآن تعرفون إخوانكم من عمال وموظفين يجلسون في احتفال ما ويخوضون في الطعن والنقد، فهل يجوز أن نبقى ونسكت؟ إما أن نغير المنكر وإما أن نخرج أو نكون قد شاركناهم في الباطل.قال: [ هذا الأدب أخذ الله تعالى به رسوله والمؤمنين وهم في مكة قبل الهجرة؛ لأن سورة الأنعام مكية، ولما هاجروا إلى المدينة وبدأ النفاق وأصبح للمنافقين مجالس خاصة ينتقدون فيها المؤمنين ويخوضون فيها في آيات الله تعالى استهزاء وسخرية، ذكر الله تعالى المؤمنين بما أنزل عليهم في مكة ]؛ لأن المدينة في العام الأول والثاني والثالث كان المنافقون فيها أكثر من المؤمنين، لكن أخذوا يقلون ويقلون، بل ما مات الرسول وفي المدينة منافق واحد، وإنما مات من مات، ومن لم يمت فقد أسلم وآمن ودخل في الإسلام.قال: [ قال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، أي: إذا رضيتم بالجلوس معهم وهم يخوضون في آيات الله، مِثْلُهُمْ [النساء:140]، أي: في الإثم والجريمة والجزاء يوم القيامة، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]، فهل ترضون أن تكونوا معهم في جهنم؟ وإن قلتم: لا ما نرضى، إذاً فلا تجالسوهم.
غش المنافقين للمؤمنين وحرصهم على المصالح المادية الدنيوية
ثم ذكر تعالى لهم وصفاً آخر للمنافقين يحمل على التنفير منهم والكراهية والبغض لهم، فقال تعالى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ [النساء:141]، أي: ينتظرون بكم الدوائر ويتحينون الفرص، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ [النساء:141]، أي: نصر وغنيمة، قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء:141]، فأشركونا معكم، وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ [النساء:141]، في النصر قالوا لهم: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ [النساء:141]؟ أي: نستولي عليكم، وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، أي: يقاتلوكم فأعطونا مما غنمتم، وهكذا المنافقون يمسكون العصا من الوسط، فأي جانب غلب كانوا معه، ألا لعنة الله على المنافقين، وما على المؤمنين إلا الصبر؛ لأن مشكلة المنافقين عويصة الحل، فالله يحكم بينهم يوم القيامة.أما الكافرون الظاهرون فلن يجعل الله لهم على المؤمنين سبيلاً، لا لاستئصالهم وإبادتهم، ولا لإذلالهم والتسلط عليهم ما داموا مؤمنين صادقين في إيمانهم، وهذا ما ختم الله تعالى به الآية الكريمة إذ قال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]. ]، ووالله لو وجد في العالم الإسلامي بلد أسلم قلبه ووجهه لله، وأقام دين الله، والله لو كاده من على أقطارها ما زلزلوهم ولا استطاعوا أن يضلوهم أو أن يدخلوا ديارهم، وإن قلت كيف؟ أقول لك: خلال خمسة وعشرين سنة والعالم الإسلامي أصبح من وراء نهر السند إلى الأندلس، كيف تم هذا؟! ليس ذلك بطائراتهم وجيوشهم وما يملكون، وإنما فقط استقاموا على ولاية الله وكانوا أولياء الله فكان الله معهم.
هداية الآيات
قال المؤلف: [ هداية هذه الآيات: أولاً: حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ] فلا يحل لك أن تصاحب كافراً، ولا أن تحبه ويحبك، وتهديه ويهديك، وتترك المؤمنين فتبغضهم ولا تهاديهم ولا تعمل معهم، كما لا يحل لك أبداً أن يطلب نصرتك كافر على إخوانك المؤمنين فتمد يدك وتنصره على إخوانك المؤمنين، ومن فعل هذا والله ما هو بمؤمن، فهذا الرسول خرج معه رجل يقاتل معه، فقال له: أنا فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ارجع إنا لا نستنصر بكافر ).ويبقى سياسياً وشرعياً وذلك إذا تصالح وتعاهد المسلمون مع دولة كافرة؛ لأنهم رأوا ضعفهم وعجزهم وعدم قدرتهم على غزوها أو فتحها، واتفقوا على شروط معينة فهذا جائز، لكن الحب في القلب لا، أتحب عدو الله؟!ثم إذا اتفقنا مع هذه الدولة الكافرة كبريطانيا، وقاتلت بريطانيا دولة مسلمة، فإنه لا يجوز لنا أن نقاتل معهم ضد إخواننا المسلمين، إذ إن هذا يتنافى مع القرآن الكريم، لكن لو قاتلوا دولة كافرة فلا بأس أن نقاتل معهم إذا كان بيننا وبينهم اتفاقية على ذلك. قال: [ حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ]، فتترك المؤمنين ولا تواليهم ولا تنصرهم ولا تحبهم، وتنصر وتحب الكافرين!قال: [ ثانياً: الباعث للناس على اتخاذ الكافرين أولياء هو الرغبة في العزة ورفع المذلة وهذا باطل، فالعزة لله ولا تطلب منه تعالى إلا بالإيمان وصالح الأعمال ] واتباع منهج الحق.قال: [ ثالثاً: حرمة مجالسة أهل الباطل إذا كانوا يخوضون في آيات الله نقداً واستهزاء وسخرية.رابعاً: الرضا بالكفر كفر، والرضا بالإثم إثم ]، كيف الرضا بالإثم إثم؟ جماعة يلعبون القمار وأنت معهم، فهذا رضاً منك وأنت آثم مثلهم، أو جماعة يشربون الحشيش وأنت معهم، فهذا أيضاً راضاً منك وأنت آثم مثلهم، أو جماعة يسبون في الصالحين وفلان وفلان وتسكت فأنت راضي بذلك وأنت آثم، وهكذا الرضا بالكفر بالإجماع كفر، والرضا بالإثم صاحبه آثم.قال: [ خامساً: تكفل الله تعالى بعزة المؤمنين الصادقين ومنعتهم، فلا يسلّط عليهم أعداءه فيستأصلونهم أو يذلونهم ويتحكمون فيهم ] واسمعوا إلى رسول الله وهو يقول في هذه القضية -هذا الحديث الفيصل-: ( إني سألت ربي )، أي: طلبت من الله مولاي، ( ألا يهلكها -أي: أمته- بسنة عامة )، يعني: بقحط وجدب أو وباء، ( وألا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم )، أما من أنفسهم فقد أكل بعضهم بعضاً، ( فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً )، وهو معنى قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، فهذا الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه تعالى ألا يسلط على أمته عدواً من غير أنفسهم، فيقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، وحينئذٍ استوجبوا نقمة الله تعالى.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 09-05-2021 03:25 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (71)
الحلقة (294)

تفسير سورة النساء (74)


من صفات المنافقين الكذب والغدر والمخادعة، حتى إنهم لفرط جهلهم يحسبون أنهم عندما يظهرون الإيمان وينفقون في سبيل الله فإنهم بذلك يثبتون لله ولعباده المؤمنين صلاحهم وحسن حالهم، بينما هم في الحقيقة يخادعون أنفسهم ويغررون بها، فالله عز وجل محيط بهم، عالم بكذبهم ونفاقهم، ويظهر ذلك من قيامهم لصلاتهم، وحالهم عند ذكر ربهم، فهم حائرون ضائعون ليسوا إلى أهل الإيمان ولا إلى أهل الطغيان، ومصيرهم في الآخرة الدرك الأسفل من النيران.
تفسير قوله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الإثنين من يوم الأحد ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا هذا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:142+144].
ذكر بعض صفات المنافقين
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من المخبر بهذا الخبر العظيم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]؟ أليس الله؟ بلى والله، فهذا كتابه وهذا رسوله أوحى إليه هذا الكتاب، ومن جملة آي هذا الكتاب هذه الآيات من سورة النساء، فاسمع إلى هذا الخبر العظيم، يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، ولعل بين المستمعين والمستمعات من لم يعرف حقيقة النفاق والمنافقين.فأولاً: المنافق هو الذي يبطن الكفر ويخفيه ويستره في صدره، ويظهر الإسلام بلسانه وعمله، وهو لا يؤمن بالله ولا بلقائه ولا بمحمد ورسالته ولا بتوحيد الله، ولكن اضطر إلى أن يظهر الإسلام خوفاً على نفسه وماله، وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم ضوابط لأصحابه حتى يعرفوا المنافق من المؤمن صادق الإيمان، وهذه الضوابط منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث )، أي: علامة المنافق من المؤمن الصادق المميزة له والمفرقة له ثلاث آيات: الأولى: ( إذا حدث كذب )، أي: إذا حدث أخاً من إخوانه أو إنساناً من الناس قريباً أو بعيداً فإنه يكذب، ويتلذذ بالكذب وخاصة إذا حدث مؤمناً صادقاً، ثانياً: ( وإذا وعد أخلف )، أي: إذا قال نلتقي ساعة كذا في مكان كذا فإنه يتأخر ولا يحضر، بل ويتلذذ بحضورك أنت هناك في الحر أو البرد؛ لأنه يرغب في أذيتك، فيعدك ثم يخلف وعده من أجل أن يؤذيك؛ لأنك ضده وعدوه، ثالثاً: ( وإذا أؤتمن خان )، أي: إذا ائتمنه إنسان على شيء ولو على كلمة فضلاً عن امرأة أو عن دينار أو درهم، فإنه يتلذذ بخيانتها؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا يخاف الله، ولا يؤمن بالجزاء في الدار الآخرة، ويكره المؤمنين والمؤمنات.فيا رجال الإسلام خذوا هذا الضابط في نفوسكم فتستطيعون أن تعرفوا المنافقين من المؤمنين في مجتمعكم، لا بالسحر ولا بالضرب وبالعصا حتى يعترف، وإنما خذوا هذه الثلاث العلامات. مرة أخرى: ( آية المنافق )، أي: الدالة عليه، ( ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان )، ولنبرئ إلى الله جميعاً أن تكون فينا صفة من هذه الصفات.فأولاً: قد يحدث أحدنا ويكذب خطأً أو فهماً غير صحيح، لكن لا يتعمد الكذب، إذ لا يمكن أن يتعمد الكذب ويقصده ويقوله مؤمن بالله ولقائه.ثانياً: ( إذا وعد أخلف )، أي: إذا واعد أحدنا فيجب أن يفي، فإن عجز فلا حرج عليه، كأن واعدك اللقاء في مكان كذا فنسي، أو أنه نام وما استيقظ، أو حالت دون ذلك حوائل، أو يعدك بأن يعطيك كذا أو يأخذ منك كذا ثم ينسى أو يعجز، فهذا كله معفوٌ عنه؛ لعجزه ونسيانه، أما أن يعد ولا يفي وهو قادر على الوفاء، بل ويريد أن يؤذي هذا المؤمن فهذا هو المنافق، ولذا فلا ينبغي أن يوجد بين المؤمنين والمؤمنات من هذه صفاته.ثالثاً: ( إذا أؤتمن خان )، أي: إذا وِضع تحت يديك مال أو حيوان أو زرع أو امرأة أو أولاد يتامى، فيجب أن تحافظ على أمانتك، بل والله ترضى أن يضيع مالك ولا يضيع المال الذي هو أمانة عندك، وترضى أن تؤذى أنت في بدنك أو ولدك ولا ترضى أن يؤذى من أؤتمن عليه عندك وأنت المسئول عنه.فهل أنتم عازمون على صدق الحديث والوفاء بالوعد وحفظ الأمانة؟ نعم والله، فمن يوم أن قلنا: لا إله إلا الله ونحن هكذا، إذا وعدنا نفي، وإذا أؤتمنا لا نخن، وإذا حدثنا صدقنا، لكن إن وجدتم بين إخوانكم من على هذا المنهج السيئ فسببه أن إيمانه فيه شيء، إذ ما عرف الله ولا أحبه ولا خافه، ولا عرف ما عنده لأوليائه ولا ما لديه لأعدائه، وبالتالي كيف يخافه؟! عدنا من حيث بدأنا، إنه الجهل وظلمته.ويقول صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كان فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق )، الثلاث الأولى والرابعة هي: ( وإذا خاصم فجر )، أي: إذا خاصم فإنه يخرج عن اللياقة والأدب والصدق والحق، وما يستقيم في مخاصمته، فيكذب ويزيد وينقص ويقول الباطل، ومعنى(فجر): أي: خرج عن الطريق وما استقام في خصامه، إذاً: يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من النفاق ومن أهله؛ لأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
بيان كيفية مخادعة المنافقين لله تعالى
وهذا كتاب الله عز وجل بين أيدينا، فهيا نسمع عن الله ما قال في المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ [النساء:142]، كيف يخادعون الله؟ يظهرون الإيمان والإسلام ويقولون: لا إله إلا الله، وإذا دعوا إلى المال أنفقوا، وإلى الجهاد خرجوا، فهذا خداع لله، ويظنون أن الله لا يعلم عنهم شيئاً، وهو تعالى: خَادِعُهُمْ [النساء:142]، ولذا لم يفضحهم، إذ لو شاء لأنزل: يا أيها الذين آمنوا إن عبد الله بن أبي وفلان وفلان -بأسمائهم- منافقون، فيفضحهم ويقتلون، ولكن يسترهم، وبالتالي فيظنون أن الله لا يعرف عنهم أو لا يقدر على فضحهم أو على تسليط الرسول عليهم، وهذا معنى خداع الله لهم.
من صفات المنافقين: القيام للصلاة بكسل
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ [النساء:142]، أي: المفروضة، فإنهم يقومون كُسَالَى [النساء:142]؛ لأنهم لا يريدون أن يصلوا، إذ إنهم يقولون: لا فائدة من الصلاة! ولا لوم فهم ما آمنوا بلقاء الله وما عند الله، وهذه هي محنة وعلة الكفر وظلمة النفس.
من صفات المنافقين: مراءات الناس بأعمالهم
يُرَاءُونَ [النساء:142]، إذ لو أنهم يعرفون أن جارهم لا يطلع عليهم فإنهم لا يصلون، لكن من أجل أن يروا الناس أنهم يصلون، ولهذا فإن أثقل صلاة عليهم هي صلاة العشاء والصبح، فيكربون ويحزنون، فالعشاء وقت راحة واستجمام من الحرث أو الزراعة أو غيرها من الأعمال، وبالتالي فيشق عليهم أن يخرجوا متوضئين في الظلام، لكن لو أن هناك كهرباء فإنهم سيعرفون.إذاً: ما هو الحل؟ يخرج من يخرج منهم في أشد الألم، فيصليها وهي ثقيلة عليه كالجيل، والصبح كذلك، فيأتي المسجد في الظلام والناس نيام، لكن يخافون أن يتعهدهم المؤمنون: أين فلان؟ لمَ لم يحضر الليلة؟ هل صلى معنا؟ فهم يصلون لا لله وإنما للدفع عن أنفسهم المعرة والمذمة. يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء:142]، ما المراد بالناس؟ المؤمنون المسلمون حقاً، فالمنافقون يراءون بصلاتهم وبأعمالهم كلها؛ حتى يستروا على أنفسهم نفاقهم وكفرهم.ومن هنا معاشر المستمعين والمستمعات! الرياء شرك، والرياء يعني: مراءاتك الناس عبادة الله لتدفع عنك المعرة والمذمة، أو لتكتسب حمداً وثناء، أو لتدفع عنك البلاء والعذاب، فهذه العبادة باطلة وصاحبها في النار، ولذلك فاعبد الله بأي نوع من العبادات ولا تلتفت إلى أحد، بل لا هم لك إلا الله، سواء كان رباطاً أو جهاداً أو إنفاقاً أو صياماً أو صلاة، لا تلتفت إلى مخلوق أبداً، والرسول يقول: ( إياكم والشرك الأصغر )، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: ( الرياء )، يحسن أحدنا صلاته ويزينها من أجل أن يقال: فلان صلاته حسنة. فاحذروا الرياء أيها المؤمنون! والآية واضحة في ذلك: يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء:142]؛ لأنهم ما عرفوا الله ولا عرفوا ما عنده ولا أحبوه ولا خافوه، وبالتالي فماذا يصنعون بهذه الصلاة؟ يروها الناس ليحمدوهم، أو حتى لا يذموهم أو يكفروهم، ولذا فلنعمل على تطهير قلوبنا من هذه الشركيات.
من صفات المنافقين: قلة ذكر الله تعالى
وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، فمثلاً في الصلاة ما يقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وإن ذكر فمرة واحدة في الركوع والسجود، أما خارج الصلاة فلا يذكرون الله أبداً، إذ كيف يذكرونه وهم لا يحبونه ولا يخافونه بل وما عرفوه؟! ما يريدون أن يعلموا أبداً، أما المؤمنون فلا يراءون في عبادتهم غير الله تعالى، ويذكرون الله كثيراً.روى مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان صلاة المنافقين أنه قال: ( تلك صلاة المنافقين، ثلاث مرات )، وبينها فقال: ( يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان )، أي: ما يصلي العصر وإنما يأكل يضحك يلعب مع أولاده حتى إذا كادت الشمس أن تغرب أو تقع على قرني الشيطان، أي: أن الشيطان يصور نفسه كأنه كبش أو ثور ويحمل الشمس على رأسه، وقد زين الشيطان للناس عبادة الشمس من دون الله تعالى، وبعيني هاتين قد رأينا عابداً للشمس في الهند وهو واقف يعبد الشمس حتى غربت، ثم أخذ يسعى كما نسعى بين الصفا والمروة!والشاهد عندنا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في رواية مالك: ( يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا )، أي: نقر أربعاً كما ينقر الديك الحبَّ.وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود )، أي: لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها المصلي صلبه وهو راكع أو ساجد، أما أن يقول: الله أكبر، الله أكبر فهي باطلة، وهذه قد تورط بها بلايين المسلمين والجهال، وخاصة قبل هذه الدعوة الإصلاحية الجديدة، فقد كانت الصلاة تؤدى بسرعة عجيبة، وليس فيها طمأنينة ولا خشوع؛ لأنهم ما عرفوا الله تعالى، والآن وبعد أن جدت هذه الصورة فلا بأس بها، وسببها هي المعرفة، فعند جماعة التبليغ الصلاة ذات الخشوع، فعلموا الناس كيف يخشعون في الصلاة.إذاً: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، في الصلاة أقل ما تسبح في الركوع تقول: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، وإن رفعت قلت: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وهذا أدناه، وإن جلست بين السجدتين قلت: ربي اغفر لي وارحمني وعافني واهديني وارزقني، أما الله أكبر الله أكبر فتدخل في سلك المنافقين والعياذ بالله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-05-2021 03:25 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ...)
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:143]. مُذَبْذَبِينَ [النساء:143]، أي: مرة مع المسلمين ومرة مع الكافرين، فإذا رأوا المسلمين قد انتصروا كانوا معهم، وإذا رأوا الكافرين قد انتصروا كانوا معهم، فهم يمسكون العصا من الوسط، إن كان في الإسلام خير قالوا: نحن مع المسلمين، وإن كان هناك في الإسلام عذاب أو عقاب أو حرمان قالوا: نحن مع الكافرين، وعلة ذلك هو الكفر، إذ إنهم ما عرفوا الله ولا آمنوا به، ولهذا فهم في حيرتهم.والرسول صلى الله عليه وسلم قد ضرب لهم مثلاً يصف به حال المنافقين في تذبذبهم وحيرتهم، فقد جاء في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة -أي: المترددة بين قطيعين من الغنم- تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى )، ونحن ما نعرف ذلك، والذي يعرفه هم أصحاب الغنم، فالشاة العائرة ما تستقر، وإنما مرة هنا ومرة هناك، مرة مع هذا القطيع، ومرة مع ذاك القطيع، وكذلك المنافق فيوم مع المؤمنين، أو عام مع المؤمنين وعام مع الكافرين، فإذا رأوا الخير في الإسلام وأهله انضموا إلى المؤمنين، وإذا رأوا القحط والجدب والفقر انضموا إلى الكافرين، فنبرأ إلى الله من النفاق.والنفاق أشد من الكفر، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، فأولاً: لأنهم كفار، ثم زيادة على كفرهم نفاقهم وكذبهم وتضليلهم وأذيتهم للمسلمين.مرة أخرى اسمعوا الآيتين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ [النساء:142]، ما لهم يا رب؟ أخبرنا عنهم؟! قال: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، أي: نشطين؟ لا والله، وإنما قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]؛ لأنهم غير مؤمنين بالله ولقائه وما عند الله وما لديه، فكيف يقومون نشطين وهم لا يحبون الله ولا يعرفونه؟ إن أكثر بل عامة المسلمين الجهلة من العرب والعجم الذين ما يحسنون صلاتهم ولا يذكرون الله، علة ذلك والله جهلهم، وهذه هي الحقيقة، فما داموا أنهم آمنوا إذاً فإنهم يصلون حتى يقال: صلوا وكفى. يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ [النساء:142-143]، بين من؟ بين المؤمنين والكافرين، وذلك حسب المصلحة، كالشاة العائرة، فمرة مع هذا القطيع ومرة مع ذاك القطيع، فتبحث عن الطعام، فأنى وجدته استقرت.وأخيراً: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:143]، أي: إلى هدايته، فمن أضله الله والله ما وجدت له أبداً من يهديه ولا يهتدي، ولهذا يجب أن نخاف من الله أن يضلنا، فمن هم الذين تعرضوا لإضلال الله تعالى لهم؟ الذين تعمدوا الكفر والنفاق، فهؤلاء إذا مضت سنة الله فيهم فلن تهديهم أنت ولن تستطيع؛ لأنهم مكروا بالله ورسوله والمؤمنين، وهذا تحذير من أن يتعرض العبد لإضلال الله له، فإن من أضله الله لا يهتدي، جاء في قراءة سبعية: ( إن الله لا يُهدى من يضل )، وقال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37].وقد بينا لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عوامل الإضلال وهي: أن العبد إذا عرف معصية الله وتعمد فعلها ثم نهي فأبى أن ينتهي، كأن ذُكِّر فأبى أن يذكر، ووعظ فأبى أن يتعظ، وإنما واصل الجريمة بعد الجريمة، وذلك عاماً بعد عام، فإنه يصل إلى وقت يصبح إذا قلت له: اتق الله يسخر منك، فهذا لن يهديه الله؛ لأنه قد انتهى أمره، والرسول قد ضرب لذلك مثلاً فقال: ( إذا أذنب العبد ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو تاب واستغفر صقلت )، أي: مسحت وزال أثرها، فإن هو لم يتب ولم يستغفر ولم يندم ولم يقلع، وإنما زاد ذنباً آخر نكتت في قلبه نكتة أخرى، وهكذا حتى يغطى القلب كله، وذالكم هو الران الذي قال الله تعالى فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]، فلهذا التوبة تجب على الفور، فإياك أن تقول كما يقول الغافلون: غداً سأتوب، أو إذا جاء أبي سأتوب، أو إذا تزوجت سأتوب، أو حتى أفعل كذا، بل إذا زلت القدم ووقعت في معصية الله فعلى الفور استغفر الله وتب إليه وذرف الدموع، فينمحي ذلك الأثر كله، أما أن ترضى بالتأجيل فيخشى أن ساعة تأتي لا تقبل فيها توبتك.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ...)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:144]. شكا إلي أحد المستمعين وهو من أهل العلم فقال: إن بعض المستمعين تحيروا بالأمس وقالوا ما لا ينبغي أن يقال؛ لسوء فهمهم عفا الله عنا وعنهم، أما الشيخ فقد بين في صدق، وبينا غير ما مرة: أن الولاء والبراء يتغنى بهما إخواننا وما فقهوا ولا فهموا معنى الولاء والبراء، لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، فما معنى يوآدونهم؟ أي: يحبونهم، إذ المودة تعني الحب.وقلنا: لا يعقل أبداً أن يوجد قلب فيه الإيمان بالله وما عند الله، ويحب كافراً مشركاً مجوسياً يهودياً نصرانياً بقلبه كما يحب أمه وأباه، وذلك لنفي الله تعالى حيث قال: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [المجادلة:22]، حق الإيمان، أما الجهلة فيتخبطون، يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]، ولو كان أقرب قريب، والآية واضحة في ذلك. فمن صفات المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقد فسرنا الولاء بأنه الحب والنصرة، فالمؤمن يحب كل مؤمن ومؤمنة، والمؤمنة تحب كل مؤمنة ومؤمن، فما معنى الحب؟ الحب ضد الكره والبغض، فالذين يكرهون المؤمنين ويبغضونهم ما هم بالمؤمنين كما أخبر الله تعالى. وأما النصرة فإذا استغاثك أخوك المؤمن والكافر يضربه أو يعذبه أو يسلبه ماله فيجب أن تنصره، فإن أنت أحببت الكافر وأعطيته قلبك ووقفت إلى جنبه تنصره على المؤمنين، فوالله ما أنت بالمؤمن، وهذه هي الحقيقة.ويبقى ما بيناه واضطرب على السامعين فنقول: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد معاهدة بينه وبين المشركين لمدة عشر سنوات؟ ثم أليس المشركون أولئك هم كفار بمعنى الكلمة؟ إي والله، إذ ليسوا أهل كتاب، وإنما عبدة أصنام، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الشروط ونفذها، حتى ذاك الذي جاء هارباً إلى الرسول فرده عليهم، فهذه المعاهدة بين المسلمين والكافرين إذا كانت لصالح الإسلام والمسلمين فإنها تجوز، ولا يقول قائل: هذه مودة للكافرين!أيضاً صالح الرسول صلى الله عليه وسلم أهل فدك وأهل وادي القرى، وبالتالي فأيما دولة إسلامية تقيم دين الله واضطرت للظروف والأحوال قوة وضعفاً على أن تعقد مصالحة أو معاهدة بينها وبين دولة كافرة لتدفع خطرها عنها، فإن ذلك جائز قد أذن الله تعالى لها في ذلك؛ حماية للمؤمنين ودينهم وأحوالهم، ويجب أن نفي أيضاً بتلك المعاهدة، فلا نخون أبداً، وإذا فرضنا أن نعلن الحرب عليهم فنعلمهم بذلك. إذاً: فاليهود أو النصارى أو غيرهم من الأعداء إذا اضطر أهل إقليم إلى معاهدتهم دفعاً لشرهم وإبعاداً لخطرهم، فليس هناك مسلم يقول: لا يجوز ذلك! وقد عرف الإسلام ذلك، لكن ما فهموا، وأنا على هذا الكرسي من أربعين سنة أو ثلاث وأربعين سنة وأنا أقول: آه، لو عرف المسلمون وبخاصة العرب لتصالحوا مع اليهود صلحاً مؤقتاً حتى لا يتركوا إخوانهم شاردين هاربين في كل مكان يشحتون لهم، فإذا اضطررتم إلى قسمة تلك الأرض فاقسموا وارضوا بالقسمة؛ لأنكم مقهورون أذلاء في العالم، وبذلك تحفظون شرف إخوانكم وحالهم، والذي يسمع هذا الكلمة يكفر الشيخ! بل ويقول: أي علم هذا؟ أي فقه هذا؟ والله لو تم قبول ذلك القسم وربيَ المسلمون الفلسطينيون تربية ربانية إسلامية، وكانت دولة القرآن هناك لاستولوا على أوروبا لا على إسرائيل فقط.والشاهد عندنا: لما كانت حرب الخليج وهي مؤامرة مظلمة المراد منها أو الهدف منها والله العظيم إطفاء نور الله العظيم، وإنهاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد نسج خيوطها ووضع أسلاكها جماعات الماسونيه والتنصير المسيحية، وأرادوا أن يطفئوا هذه الأنوار، ويمزقوا راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ولولا أن الله عز وجل دفعهم لتحقق مرادهم والعياذ بالله، فقد مكثوا أربعة أيام وهم واقفون بمدافعهم وطائراتهم من الجنوب ومن الشرق والغرب والشمال، ولكن الله أبى، ثم جاءت قوات الكفر، لمَ؟ قلنا لهم: هتلر النازي لما علا وارتفع واحتل فرنسا في نصف شهر، وبسط يده على شرق أوروبا في أيام، تألب عليه الكفر كله من روسيا شرقاً إلى أمريكا غرباً، ثم إن هتلر ألماني، وألمانيا مخ أوروبا، فيحترمون الألماني كما يحترمون الصالحين، فما بالوا به ودخلوا دياره ومزقوها وقسموها وأنالوهم البلاء والشقاء، والجهاد العربي يتعنتر ويرفع صوته: الآن نملأ الأرض بالجثث، الآن نحرقهم، فزحفوا لأجل تأديبه، وقالوا: السعودية هي التي أتت بالكفار، وقلنا لهم: والله الذي لا إله غيره ليجوز للمؤمن أن يستعين بالكافر إن احتاج إلى ذلك، لا أنه يستعين به ليقتل المسلمين، بل ليدفع به الكافرين، ووقع المسلمون وخاصة طلبة العلم في ورطة عمياء بلا بصيرة ولا معرفة.فلهذا خلاصة القول: إذا اضطرت دولة إسلامية سواء السعودية أو سوريا أو المغرب أو أي دولة فلها أن تعقد معاهدة مع دولة أخرى لتدفع خطرها وشرها عنها، على شرط أن تكون المعاهدة على أساس معين، لا على أساس أن نعبد معهم الصليب، أو يعبدون معنا، وإنما فقط لدفع الخطر إذا لاحت لنا مقدماته، وهذه المعاهدات جائزة، بل واجبة إذا خفنا أن هذه الديار ستهلك وتؤكل، بل يجب أن نستعين بالكافرين في ذلك.ويبقى لا بد من معرفة الولاء والبراء، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فيمَ؟ في الحب والنصرة، أما أن نحب الكافرين بقلوبنا كما نحب أنفسنا وإخواننا فهذا يتنافى مع الإيمان، بل لا يوجد مؤمن حقيقي ويدخل حب كافرة أو عاهرة في نفسه، فقد يظاهر له الحب وما يقول: إني أبغضك، إذ ليس شرطاً، ولكن القلب موكول إلى الله عز وجل.وهنا لطيفة أخرى في سورة الأنفال وهي: أنه إذا كان بيننا وبين الكفار معاهدة، وإخواننا المسلمون حاربوا أولئك الكافرين، فلا يجوز لنا أن نقف إلى جنب إخواننا المسلمين، وذلك بحكم المعاهدة التي بيننا وبينهم، قال تعالى موضحاً ذلك: إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [الأنفال:72]، فالإسلام إذا وثق موثقاً أو وثيقة ما يهزأ ويسخر بها، بل ولا يحلها. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:144]، فتتركون المؤمنين ولا توالونهم ولا تصاحبوهم ولا تستعينوا بهم، وإنما تتخذون الكافرين أولياء لكم فتفتحون قلوبكم لهم، فهذا لن يثبت معه إيمان حقيقي. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:144]، فتتركون المؤمنين ولا توالونهم وإنما توالون الكافرين، وهذا العمل ليس بسليم ولا بصحيح، ثم الآن ماذا نقول؟ أين المسلمون؟ ممزقون مشتتون مطاردون.ثم قال تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [النساء:144]، أي: أتريدون أن تسلطوا الله عليكم بسلطان وحجة قوية وهي أن يسلط الكافرين عليكم، وما سلط الله الكافرين على المسلمين قروناً عديدة إلا لأنهم كما قال تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [النساء:144]، أي: واضحاً بيناً بأن يسلط عليكم الكافرين، وقد فعل، فقد استعمرت بلاد العالم الإسلامي من اندونيسيا إلى موريتانيا، وما نجا منها شبر إلا هذه البقعة؛ لأن فيها بيت الله ورسول الله.هذا والله تعالى أسأل أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا منا ينفعنا، وأن يلهمنا أن نسأل أهل الذكر إن كنا لا نعلم؛ حتى لا نتورط في الضلال. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم 09-05-2021 03:26 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (72)
الحلقة (295)

تفسير سورة النساء (75)


إن موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين لهو علامة بارزة من علامات النفاق، وقد بين الله عز وجل ما أعده في الآخرة للمنافقين، حيث جعل منزلهم في الدرك الأسفل من النار، فمن تاب منهم وأناب واعتصم بحبل الله وأخلص دينه له ووالى عباده المؤمنين فإن الله يتوب عليه ويؤتيه من لدنه أجراً عظيماً؛ لأن الله عز وجل القاهر فوق عباده لا حاجة له بعذابهم إن آمنوا وشكروا، فهو سبحانه الشاكر العليم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله القرآن العظيم؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الرجاء، إنك ولينا وولي المؤمنين.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، والآية الأولى قد درسناها بإجمال في الليلة السالفة، وتلاوة الآيات الأربع بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:144-147].هيا نكرر تلاوة الآيات ونتدبر؛ لأننا مأمورون بأن نفهم مراد الله من كلامه، بل لا بد وأن نحاول أن نفهم ما يريده الله منا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:144-147].
مناداة الله تعالى لعباده بعنوان الإيمان
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:144]، هذا نداء الله لنا معشر المؤمنين والمؤمنات! فالحمد لله، رب السموات والأرض، ورب العرش العظيم، ومن بيده كل شيء، ينادينا؟! الله أكبر، كيف فزنا بهذا الكمال حتى أصبحنا أهلاً لأن ينادينا الله؟! أما تذوقون المعنى الحقيقي لذلك؟ نضرب لكم مثلاً: لو أن الرئيس ناداك: أي فلان! فهل تفرح أم لا؟ أحسبك تنتفش ونغتر بذلك، فكيف بملك الملوك؟ برب السموات والأرض، ورب كل شيء؟! أما نفرح ونفتخر؟ فلبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير بيديك، والشر ليس إليك.والذي شرفنا الله به حتى نادانا هو الإيمان بالله والتصديق الجازم بوجوده تعالى رباً وإلهاً، فلا رب غيره ولا إله سواه، كذلك والإيمان بأن محمداً رسول الله ونبي الله وخاتم الأنبياء، والإيمان بلقاء الله في الدار الآخرة، والإيمان بالملائكة والكتب وبكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، ومن هنا جاء الشرف، ومن هنا جاء شرفنا وأصبحنا أهلاً لأن ينادينا رب العالمين؛ لأن الإيمان كما عرفتم صاحبه حي يسمع ويبصر ويعقل وينطق ويأخذ ويعطي.وأما الكافر فاقد الإيمان فهو في عداد الموتى، فهل تكلم ميتاً؟! قف على قبر وناد: يا عمر! يا عمر! افعل كذا، هل يسمع دعاءك؟ لا والله، ومن هنا تقرر عندنا يقيناً أن الإيمان بمثابة الروح، فمن آمن فهو حي، وأصبح أهلاً لأن يكلف بالأمر والنهي، ومن كفر فهو ميت، فهل تكلف ميتاً بأن يقوم فيتوضأ، أو أن تأمره بالصوم؟! لا والله، والدليل الشرعي العلمي المنطقي: أن أهل الذمة من أهل الكتاب تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله في دولة القرآن، لا يكلفون بصيام رمضان ولا بالصلاة، فإن قيل: كيف وهم مواطنون؟ قلنا: وإن كانوا مواطنين، فلا يكلفون بالصيام ولا بالصلاة، فإذا مر صاحب الهيئة، أي: الآمر بالمعروف وقال للذمي: صل! يقول له: أنا مسيحي، أنا يهودي، فهم أموات غير أحياء وما يشعرون، فهل عرفتم هذه الحقيقة أم لا؟كما أن هذا أيضاً يتوقف على كون الإيمان الذي حواه القلب هو الإيمان الصحيح الذي أراده الله تعالى من عباده وطالبهم به، لا مجرد إيمان مهزوز مدخول فيه الباطل، إذ صاحبه مريض يقوى على أن يقول مرة ويعجز مرة فلا يستطيع أن يقول، ويقدر على أن يفعل يوماً ويوماً آخر ما يستطيع، ولهذا يجب على المؤمنين أن يصححوا إيمانهم بالله تعالى.
الغرض من مناداة الله للمؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:144]، من يجيب نداء الله؟ المؤمنون فقط، ولماذا ناداهم؟ قد تعلمنا وبينا للمؤمنين والمؤمنات: أن الله تعالى منزه عن اللهو واللعب، وأنه إذا نادى عباده فلا بد وأن ينادي لغرض سامٍ وشريف، وقد وجدنا بالتتبع أن نداءات الرحمن لأوليائه تسعون نداء، وتتبعناها فما وجدنا نداءً إلا ليأمرنا تعالى بما يعزنا ويسعدنا ويكملنا في الدارين، أو ينادينا لينهانا عما يشقينا ويذلنا ويخزينا في الدنيا والآخرة، أو نادانا ليبشرنا فتنشرح صدورنا وتطمئن نفوسنا ونثبت في مسيرتنا إلى دار السلام، أو ينادينا لينذرنا وليحذرنا من مواقف إذا لم نتنبه لها نسقط والعياذ بالله، أو يحذرنا من مواقف صاحبها لا ينجو إن وقع فيها، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى معرفته. وقد جمعت هذه النداءات كلها ودرسناها هنا في بيت الله في ظرف ثلاثة أشهر أو يزيد، ووزع منها الآلاف، والآن وقف توزيعها؛ لأننا ما عملنا بما فيها، إذ لو انتفع بها المؤمنون لانتشرت في العالم الإسلامي بكامله؛ لأنها نداءات الله تعالى، أيناديك سيدك ولا تسمع؟! أيناديك سيدك ويطلب منك وتقول: لا؟ أأنت أقوى منه؟ أيناديك وينهاك وتقول: بل نفعل؟ مستحيل هذا لمن عرف سيده.كما قلنا: يجب أن يكون هذا الكتاب في بيت كل مسلم، بله يوجد في كل فنادق العالم، إذ اليهودي كالمسيحي كلاهما يعرف أن له رباً وإلهاً ينبغي أن يسمع منه، ويرى ما يطلب إليه وما يريده منه، والفنادق كلها كل سرير عنده كتاب مترجم بلغته العامة والخاصة، فهل فعل المسلمون هذا؟ والجواب: لا، لم؟ لأننا ميتون، وصدق الشاعر إذ يقول: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:144]، ينهانا ربنا فيقول: لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:144]، والكافرون جمع كافر، والكافر هو الجاحد لوجود الله رباً وإلهاً، ولرسالة محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين، وللقاء الله والبعث الآخر، ولدار النعيم أو دار الشقاء.الكافر هو الذي لا يعترف بوجود الله رباً وإلهاً، ولا بالقرآن كتاب الله الحاوي لشرعه وما يريده من عباده، والكافر برسوله وما جاء به، والكافر بالبعث الآخر والدار الآخرة، والكافر بملائكة الله، فهذا الكافر ميت لا يُنادى، وهذا الكافر الذي يحذر الله عباده المؤمنين من أن يتخذوه ولياً لهم من دون المؤمنين.وعلى سبيل المثال القريب: يوجد في قريتكم بعض المسيحيين أو اليهود أو الكفار، فهل يجوز لك أن تتخذ كافراً ولياً تحبه وتهاديه وتجلس معه وتكره المؤمنين وتبتعد عنهم؟! وهل هذا الفعل دل على إيمان أو على كفر؟ والله على كفر؛ لأن الكافر ميت، فهل تنتفع بالميت؟! الميت لا ينفعك، وأيضاً الكافر يبغضه ربك ويكرهه، وأنت تحب من يكره سيدك؟! أيعقل هذا؟ مولاك وسيدك يكره فلان وأنت تحبه؟ قد أعلنت الحرب على الله وخرجت عن طاعته، وشيء آخر: أن هذا الكافر وسخ، فماذا تستفيد منه؟ هو لا يذكر الله تعالى، ولا يصلي على نبيه، ولا يعرف حلالاً ولا حراماً، ولا أدباً ولا أخلاقاً، فكيف إذاً تواليه؟! قد تنصبغ بصبغته وتصبح مثله والعياذ بالله، ولكن الموالاة الكبرى هي أن يتخذ المؤمنون كفاراً يوالونهم ويحبونهم ويقاتلون معهم إخوانهم المؤمنين، وهذا قد حدث في ظروف أيام الأندلس، فقد انقسم المسلمون وتفرقوا وأخذوا يستعينون بالكافرين على إخوانهم المؤمنين! ومن ثم هبط العالم الإسلامي.
الوعيد الشديد لمن اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين
قال تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:144]، فيا من يوالون الكافرين فيحبونهم وينصرونهم ويطلعونهم على أسرارهم، ويجلسونهم في ديارهم وبين إخوانهم، والمؤمنون بعيدون لا يحبونهم ولا يساعدونهم ولا ينصرونهم ولا يقفون إلى جنبهم، فهؤلاء يهددهم الرب تعالى بقوله: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [النساء:144]، أي: سلطاناً واضحاً وحجة قوية؛ ليسلطهم عليكم أو ينزل بكم بلاءه وعذابه، فلا إله إلا الله إن هذا الاستفهام عجيب! أَتُرِيدُونَ [النساء:144]، يا من يوالون الكافرين ويعادون المؤمنين، يا من يحبون الكافرين ويكرهون المؤمنين، يا من يقفون إلى صفوف الكافرين ويخلون صفوف المؤمنين، يهددهم الرب تعالى فيقول: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [النساء:144]، أي: حجة قاطعة بتعذيبكم وتدميركم وتسليط الكافرين عليكم، وقد فعل، أما حكمنا الشرق والغرب وأذلونا؟ من سلط بريطانيا على ممالك الهند فداستها برجليها؟ من سلط فرنسا على شمال إفريقيا فأذلوهم؟ حتى هولندا العجوز، ثلاثة عشر مليوناً من الكافرين يسودون مائة مليون من إندونيسيا. أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:144]، بأن يسلط عليكم الكافرين فيذلونكم، وما أنتم بالسامعين، بل ما زلتم مستمرين على موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين، فهذا القرآن كلام الله لا زلتم تقرءونه على الموتى! فهل ينفع ذلك؟! اجلس على القبر واقرأ له شيئاً من القرآن هل يستمع أو ينتفع؟! ومرة أخرى أقول: الموالاة هي أنك تحب الكافر وتنصره على أخيك المؤمن، فتحبه بقلبك والله يكرهه، وأولياء الله يكرهونه وأنت تحبه لمنفعة مادية أو وسخ دنيوي، ثم تنصره على إخوانك المؤمنين! فإذا أنت استجبت لله وتركت وقلت: آمنا بالله، انتهينا، نجوت وفزت، وإن أصررت فالله عز وجل سيسلط ذلك الكافر وأهله عليك.

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-05-2021 03:27 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ...)
قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]. إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، وفي قراءة سبعية أيضاً: (في الدَرَك الأسفل) بالفتح.والمنافق هو من يبطن الكفر ويخفيه من التكذيب لله ولرسوله، وإنكار كتابه ولقائه، ويظهر الإيمان والإسلام، فيصلي ويتصدق ليحفظ دمه وماله بيننا، ما صدَّق بأن محمداً رسول الله، ما آمن بأن الله لا إله إلا هو ولا رب سواه، ولكن للضرورة مادام أنه يعيش بين المؤمنين وتحت رايتهم فلابد وأن يصلي وأن يصوم وأن يجاهد معهم، فهذا هو المنافق.وقد وضع لنا النبي صلى الله عليه وسلم ضوابط وعلامات لنعرف المنافق من المؤمن، فأولاً: إذا جربت المرء ووجدته كلما حدثك كذب عليك، مرة أولى وثانية وثالثة، بل طول العام، كلما أخبرك بشيء يكذب عليك؛ لأنه يريد عناءك وتعبك ومشقتك، فهذا منافق، وثانياً: كلما تعده ويعدك، كأن تلتقي به في مكان كذا، فيخلفك ولا يأتي؛ لأنه يريد أن يؤذيك، أو تعده أن تلتقي به في الساعة الواحدة ليلاً فلا يأتي، إذ هو نائم مع زوجته ويضحك ويقول: دع ذلك الكلب يقف في البرد! ويتلذذ بذلك، وكل ذلك لأجل النكاية بك وتعذيبك لأنه يكرهك، فهذا والله منافق أيضاً، إذ المؤمن لا يقوى على هذا، وثالثاً: إذا ائتمنته على شيء فقد يخونك، كأن تسافر وتأمنه على دكان، فترجع من سفرك فيقول لك: قد خسرنا، ما استفدنا شيئاً، وهو في الحقيقة تلذذ بالمال وأخذه، أو أمنته على بستان فخانك فيه، أو أمنته على زوجتك عند سفرك، وعند عودتك أخبرتك زوجتك أنه اعتدى عليها وأراد أن يؤذيها؛ لأنه يتلذذ بذلك، فهو يريد أن يؤذي المؤمنين، وهذا والله لمنافق، فهل فهمتم هذه التعاليم وهذه الضوابط التي جاء بها أُستاذ الحكمة ومعلمها: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129].وهكذا آية المنافق الدالة عليه، والكاشفة عنه، والمعرفة به، ثلاث: ( إذا حدث كذب )، لماذا يكذب؟ لأنه يتلذذ بالكذب عليك؛ لأنك مؤمن وهو يكرهك ويبغضك، وهو يوالي الكافرين ويتصل بهم من أجل تدميرك وتخريبك، وهذه هي طبيعته، سواء كان عربياً أو عجمياً، ( وإذا واعد أخلف )، ما هي مرة في العام أو مرة في الشهر، وإنما هذا دأبه ومهمته، ( وإذا اؤتمن )، حتى على سر من الأسرار، أو كلمة تقول له: لا يسمعها أحد، فيفشيها ويتلذذ بها.وأما الذين يقولون: إن النفاق عملي وعقائدي فلا قيمة لهذا، إذ الرسول ما قسم هذا التقسيم، وإنما فقط نقول: إذا كان المؤمن مضطراً إلى أن يكذب مرة في العام، أو في عشر سنوات، فجائز ذلك، إذ ليس هو بمعصوم، ثم يستغفر ويندم، أيضاً جائز أن يعدك ويعجز أن يوفي، وهذا قد يحدث مرة في العام أو في العمر كله، ثم يتوب إلى الله ويستغفر، كذلك إذا ائتمنته فمن الجائز أن تغره الدنيا ويأخذ الفلوس التي وضعتها عنده، ويقول لك: ما عندي لك شيء، فهذا قد يحدث مرة أو مرتين في حياته، أما أنه يتعمد هذا طول حياته والله ما هو بمؤمن، وإنما هو منافق والعياذ بالله، فهل فهمتم هذه الحقيقة أم لا؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، والنار هي عالم الشقاوة والخسران، وهل في هذا العالم دركات واحدة تحت وحدة؟ إي نعم، فكما أن الجنة درجات فوقية، وما بين الدرجة والدرجة كما بين الشمس والقمر، وبين الأرض والسماء، فكذلك النار دركات سفلية، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.قال القرطبي في تفسيره: الدرَك -بالإسكان والفتح- بالفتح قراءة نافع، وبالإسكان قراءة حفص، والنار سبع دركات، دركة تحت دركة، كدرجة تحت درجة في العلو، يقال فيما تعالى وارتفع: درجة -تحليل لغوي- وفيما هبط ونزل: دركة، والدركات هي كالتالي: جنهم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.فأولاً: جهنم، والثانية: لظى، قال تعالى في سورة المعارج: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:15-16]، ثم الحطمة، قال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة:5]، وهذه تحطم، ثم السعير، قال تعالى: لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك:5]، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:9].وورد أن ثلاثة في الدرك الأسفل وهم: الأول: المنافقون، والثاني: الذين طالبوا عيسى بأن ينزل الله تعالى عليهم مائدة من السماء، تكون عيداً لهم، ثم بعد ذلك كفروا بعيسى، وحاربوا دين الله، فهؤلاء يعذبهم الله عذاباً لا يعذب أحداً مثله، قال تعالى: قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:115] ، والثالث: آل فرعون؛ لقول الله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، أي: أقساه، وتعرفون أن فرعون ذبح وصلب الكثير من الناس، بل قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وهذه ما قالها حتى زعيم موسكو الشيوعية، وقال مرة: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، ولهذا من وافقه وسار في ركابه فهم معه في أشد العذاب. إذاً: عرفنا أن لجهنم سبع دركات، والجنة ما عرفنا، إلا أننا قد عرفنا أن لها ثمانية أبواب، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، فمستحيل أبداً أن تجد من ينصرهم عند الله تعالى.
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله...)
قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146].ثم قال تعالى وهو الرحمن الرحيم: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النساء:146]، نافقوا عاماً أو عامين أو عشرة، ثم رجعوا إلى الحق، فآمنوا بالله ولقائه ورسوله وكتابه، وأصلحوا ما أفسدوه، واعتصموا بالله، ونفضوا أيديهم من الكفار، وبعدوا عنهم، وأخلصوا دينهم لله، ولم يلتفتوا فيه إلى غير الله، فهؤلاء ماذا؟ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146]، الذين ما نافقوا، ولكن إذا أدوا هذه المطلوبات فهم مع المؤمنين، تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ [النساء:146]، جميعاً، وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146].والمؤمنون ماذا لهم حتى يكونوا معهم؟ قال تعالى: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146]، كم ملياراً؟ كم من دولاراً؟ إنه أجر عظيم، ألا الجنة دار السلام، لا الأجر بالإبل ولا بالدينار وبالدرهم، وإنما وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146]، والعظيم إذا استعظم الشيء كيف يكون؟ اللهم اجعلنا منهم.
تفسير قوله تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ...)
قال تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147]. مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147]، هل الله في حاجة إلى عبادتكم وصلاتكم؟! هل الله في حاجة إلى ذكركم وشكركم؟! لا والله.إذاً: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ [النساء:147]، هل الله محتاج إلى أن يعذبكم؟ هل إذا ما عذبكم يسقط عرشه؟! سبحان الله! مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147]، أي: شكرتم الله بذكره وطاعته، وآمنتم به وبلقائه. مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147]، وإليكم مثال الشكر من الله: بغي زانية في بني إسرائيل مرت بكلب عطشان يأكل الثرى من شدة العطش، فأخذت موقها الذي في رجلها، ودلته في بئر واستخرجت به الماء وسقت الكلب الظمآن، فشكر الله لها وغفر لها، ولذا فما من مؤمن ولا مؤمنة يعمل شيئاً لله ومن أجل الله، إلا شكر الله له ذلك، وأعطاه ورفعه أو كفر سيئاته وغفر ذنوبه؛ لأنه غني كريم، وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147].واسمعوا إلى الآيات مرة أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:144-147]، لا شيء، وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147]، فإذا شكرت اطمئن إلى أن الله قد علم شكرك وسيجزيك به أعظم الجزاء.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
الآن نقرأ الآيات من الشرح لتزدادوا معرفة.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ ما زال السياق في إرشاد الله تعالى المؤمنين إلى ما يعزهم ويكملهم ويسعدهم، ففي هذه الآية الأولى: يناديهم تعالى بعنوان الإيمان، وهو الروح الذي به الحياة، وينهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:144]، ومعنى اتخاذهم أولياء: موادتهم ومناصرتهم والثقة فيهم والركون إليهم والتعاون معهم، ولما كان الأمر ذا خطورة كاملة عليهم هددهم تعالى بقوله: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:144]، فيتخلى عنكم، ويسلط عليكم أعداءه الكافرين فيستأصلوكم، أو يقهروكم ويستذلوكم ويتحكموا فيكم ] وقد فعل.قال: [ ثم حذرهم من النفاق أن يتسرب إلى قلوبهم فأسمعهم حكمه العادل في المنافقين الذين هم رءوس الفتنة بينهم فقال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، فأسفل طبقة في جهنم هي مأوى المنافقين يوم القيامة، ولن يوجد لهم وليٌ ولا نصير أبداً.ثم رحمة بعباده تبارك وتعالى يفتح باب التوبة للمنافقين على مصراعيه، ويقوله لهم: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النساء:146] أي: إلى ربهم فآمنوا به وبرسوله حق الإيمان، وَأَصْلَحُوا [النساء:146]، أعمالهم، وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ [النساء:146]، ونفضوا أيديهم من أيدي الكافرين، وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [النساء:146]، فلم يبقوا يراءون أحداً بأعمالهم، فأولئك الذين ارتفعوا إلى هذا المستوى من الكمال هم مع المؤمنين جزاؤهم واحد، وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146]، وهو كرامة الدنيا وسعادة الآخرة.وأخيراً في الآية: بعد ذلك يقرر تعالى غناه المطلق عن خلقه وتنزهه عن الرغبة في حب الانتقام، فإن عبده مهما جنى وأساء وكفر وظلم، إذا تاب وأصلح فآمن وشكر، لا يعذبه أدنى عذاب، إذ لا حاجة به إلى تعذيب عباده، فقال عز وجل وهو يخاطب عباده: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147]، لا يضيع المعروف عنده، لقد شكر لبغي سقيها كلباً عطشان، فغفر لها وأدخلها الجنة ].هكذا يدرس القرآن أو يقرأ على الموتى؟ أسألكم بالله: لو أن أهل كل قرية في العالم الإسلامي، وأهل كل حي يجتمعون على كتاب ربهم، وذلك كل ليلة طول العام، هل يبقى فيهم جاهل أو جاهلة؟ لا والله، وإذا انتفى الجهل هل يبقى فاسق أو فاسقة، ظالم أو ظالمة، بخيل أو بخيلة؟ والله ما يبقى، إذ إن هذه سنة الله تعالى، وإذا طهروا وكملوا يسودهم الغرب أو الشرق؟! والله ما كان ولن يكون، لكن العدو عرف أن هذا القرآن هو الحياة فقال: أعطوه للأموات، فمن إندونيسيا إلى موريتانيا إذا سمعت من يقرأ القرآن في البيت فاعلم أن هناك ميتاً، فكيف يقرءون على الموتى؟! مجانين؟ وهل الميت يقوم فيتوضأ ويصلي؟ أو هل الميت يمد يده إلى جيبه ليساعدك؟ إذاً كيف تقرأ القرآن على الميت؟ آه، إنه مكر العدو بهم، ثم هل رأيتم جماعة يجلسون فيدرسون آية من آيات الله تعالى؟ ما رأينا.
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات ] وانظر ماذا يُستخرج من هذه الهدايات من أنوار؟ قال [ أولاً: حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ]، وقد دلت عليه الآية دلالة قطعية، فلا يحل لمؤمن أن يتخذ الكافرين أولياء ويترك المؤمنين.قال: [ ثانياً: إذا عصى المؤمنون ربهم فاتخذوا الكافرين أولياء سلط الله عليهم أعداءهم فساموهم الخسف ] وأذاقوهم مر العذاب، وقد حصل ذلك.قال: [ ثالثاً: التوبة تجب ما قبلها -أي: تقطعه- حتى إن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له -سواء- ومهما كان الذنب ]، حتى ولو كان كفراً ونفاقاً.قال: [ رابعاً: لا يعذب الله تعالى المؤمن الشاكر لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالإيمان والشكر أمان للإنسان ]، والكفر وعدم الشكر سبب في البلاء والشقاء للإنسان.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم 12-05-2021 03:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (74)
الحلقة (296)

تفسير سورة النساء (77)


يخبر الله عز وجل عباده المؤمنين أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، وبما أن عباده المؤمنين هم أولياؤه فيجب عليهم أن يحبوا ما يحب سبحانه، وأن يكرهوا ما يكره؛ لأن من شروط الولاية الموافقة وعدم المخالفة، فالجهر بالسوء إنما ينم عن فساد أخلاق وضعة نفس، إلا أن الله استثنى من ذلك من كان مظلوماً، إذ له أن يجهر بمظلمته بين يدي الحاكم ليرفع عنه الظلم.
فضل طلب العلم الشرعي وأثره على المجتمع المسلم
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، والسكينة مشاهدة، فأصغ بسمعك واسمع مع إخوانك الساعة والساعة والنصف، فلا ضجيج ولا كلام ولا شغب ولا نصب، وإنما كلنا ساكنون، لكن لو كنا في مقهى أو في مجلس من مجالسنا كيف تكون الأصوات والضجيج؟ لا سكينة، وكذلك الرحمة قد غشيتنا، وذلك حتى ينتهي المجلس فلا يظهر لك مظهراً من مظاهر العذاب، فلا كذب ولا سرقة ولا خيانة ولا شقاء ولا سب ولا شتم، أيضاً الملائكة لو كنا نقدر على رؤيتهم لرأيناهم والله يحفون بالحلقة، وذكْر الله تعالى لنا بين ملائكته أفضل العطايا وأسمى الكمالات، وكل هذا نحصل عليه ونظفر به ونفوز به من أجل أننا نجلس في بيته تعالى، فنتلو آية أو آيات من كتابه، ونتدارسها لنعرف مراد الله منها، فإن كان يأمرنا بشيء فعلناه، وإن كان ينهانا عن شيء تركناه، وإن كان يعلمنا تعلمنا وشكرناه هذا على العلم.وهذه هي الحلقة المفقودة في سلسلة حياة المسلمين، إذ لو دقت الساعة السادسة مساءً فتوضئوا ولبسوا أحسن ثيابهم، ثم حملوا أطفالهم ونساءهم وأتوا مسجد ربهم في القرية أو في الحي، في السهول أو في الجبال، فيجلسون بعد صلاة المغرب كجلوسنا هذا، ويجلس لهم مربٍ بالكتاب والسنة، ويدرسون ليلة آية من كتاب الله، وليلة سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون ويعملون، ويوماً بعد يوم، وهكذا طول العام وطول العمر، والله ما يبقى جاهلٌ ولا جاهلة، وإذا انتفى الجهل انتفى الباطل وانتفى الشر وانتفى الظلم وانتفى الخبث وانتفى الشقاء وانتفى البلاء، بل انتفى كل خسران في هذه الحياة.لعل الشيخ واهم! جربوا يا عباد الله! كيف كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحفادهم خلال ثلاثمائة سنة؟ هل كانت لهم مدارس وكليات وجامعات؟ لا، وإنما كانوا يجلسون في بيوت الله فيتلقون الكتاب والحكمة، ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -ماذا يفعلون؟- يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم )، فهل رأيتم عالماً بحق زان أو فاجر أو ظالم أو سارق أو كاذب أو سفاك للدماء؟ لن يكون هذا، وما شذ وندر فلا حكم له، وإنما الفسق والفجور والخيانة والكذب كلها ثمار الجهل، فالذي ما عرف الله ولا عرف ما عنده وما لديه كيف يستقيم؟ هي يستقيم بالعصا والحديد والنار؟ ما يستقيم، إن البوليس والشرط قد ملئوا الدنيا، ومع ذلك تجد السرقات والتلصص والإجرام، فهل نفعت العصا؟ لا والله.واسمعوا إلى دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يبنيان الكعبة البيت العتيق: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، فقوله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ [البقرة:129]، أي: في أولاد إسماعيل، رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129]، يعرف لغتهم ويعرفون لغته، لكن ماذا يفعل فيهم؟ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، وقد فعل الله ذلك وامتنّ علينا بذلك فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]، فهل يمكننا أن نكمل ونسمو ونطهر ونصفو بدون أن نتعلم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مستحيل! وقوله: وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ [الجمعة:2]، أي: يزكي أنفسهم ويطهرها بما يرشدهم إليه وينبههم عليه ويدعوهم إلى فعله أو إلى تركه.فما المانع يا معاشر المؤمنين أن نعمل ذلك؟! ما المانع إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، فصاحب الدكان أغلقه، وصاحب المصنع أوقف الآلات وأغلقه، وصاحب المتجر كذلك، فيتوضئون ويتنظفون ويذهبون إلى بيت الرب تبارك وتعالى، سواء كان مبنياً من حجارة أو من خشب أو من طين، فيجلس النساء وراء الستارة، والأطفال دونهن، والفحول من أمثالكم أمامهن، وآية في الليلة تقرأ وتحفظ وتشرح وتُبين، وسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أخرى، ويعزم كل مؤمن ومؤمنة على أن يطيع الله فيما أمر أو فيما نهى.فإن قيل: يا شيخ! هذه ما تطاق، وهذا لسان الحال يقول هذا، فأقول: لماذا لا نقتدي بأهل الكفر في ذلك؟ أهل الكفر إذا دقت الساعة السادسة مساء وقف العمل، وذهبوا إلى المراقص والملاهي؛ لأنهم بهائهم وحيوانات لا عقل ولا ضمير ولا فهم، فهم قد فقدوا الصلة بالملكوت الأعلى، ونحن لمَ ما نأتي بيوت الله مع غروب الشمس لنصلي العشاءين، وما سألناه شيئاً إلا أعطانا، ولا استعذناه من شيء إلا أعاذنا؛ لأننا حققنا ولايته لنا؟! وهنا ما عرفنا ما هو الجواب؟ فليبقى الجهل مخيماً على قلوبنا، نساءً ورجالاً، فلا نرى الله ولا نرى آياته ولا نرى شيئاً من صفاته.وأذكر لطيفة هنا وهي: لما نمشي في حر الشمس فإننا نحجبها عنا بكف واحدة، مع أن الشمس أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، لكن مع ذلك بكف واحدة فقط أستطيع أن أحجبها فلا أراها ولا تضرني، إذاً فزلة واحدة فقط تحجب العبد عن رؤية الله تعالى، مع أن آيات الله تعالى ترى في كل ذرة، فكيف لا تعرفه؟ كل الكائنات شاهدة بأنها مخلوقة والله خالقها، وبأنها مدبرة والله مدبرها، ولذا فأينما تكونوا أنتم ترون الله عز وجل، أي: في آياته ومخلوقاته، وكلمة كفر أو شرك تحجب الإنسان فلا يعرف الله ولا يذكره ولا يفكر فيه.إذاً: فبلغوا إخوانكم في القرى والمدن بأن نجتمع في بيوت ربنا فنصلي المغرب ونبقى حتى العشاء، فنتعلم الكتاب والحكمة، ونحن على ذلك الحال تصلي علينا الملائكة فيقولون: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم.
تفسير قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ...)

شرط الولاية موافقة الله تعالى وعدم مخالفته
والآن مع هذه الآيات القرآنية الكريمة من سورة النساء المدنية، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:148-149]. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، أرجو أن تحفظوا هذه الجملة وتعيشوا على نورها، إذ ما هي بصعبة أبداً، فتقولها في بيتك وبين أولادك وفي كل مكان، فإذا تكلم الولد أو البنت بكلمة سوء فقل لهم: يا أبنائي: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148]، فكيف تجهرون به؟! لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148]، يا أولياء الله! إن ربكم لا يحب الجهر بالسوء من القول فلا تحبوا الجهر بالسوء من القول، يا أولياء الله! مولاك وسيدك وإلهك وربك الرحيم بك أكثر من نفسك لا يحب الجهر بالسوء وأنت تحبه؟! أعوذ بالله، انقطعت صلتك بالله، إذاً ما هي ولاية الله تعالى؟ موافقته في محابه ومكارهه، أتريد أن تكون ولي الله؟ أحبب ما يحب واكره ما يكره، وإن أحببت ما يكره وكرهت ما يحب فأنت والله عدوه، إذ إن ولاية الله تعني الموافقة، فإذا وافقته فأنت وليه وهو وليك، وإن عاكسته وخالفته فأنت عدوه وهو عدوك. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ [النساء:148]، وهذه الجملة أبلغ وأعظم من قول القائل: لا تجهروا بالسوء، أو يا أيها الذين آمنوا حرمت عليكم الجهر بالسوء، فإذا كان ربي لا يحب هذا فكيف نفعله؟! إن ولاية الله تعني أن تحب ما يحب وتكره ما يكره، وعداوة الله أن تحب ما يكره وتكره ما يحب.
معنى السوء
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ [النساء:148]، والجهر معروف، وهو رفع الصوت بحيث يسمع كلامك غيرك، وأما السوء فهو ما يسوء من قيل فيه كذا وكذا، أو فعل به كذا وكذا، وهو ضد الحسن، وبالتالي فالسب والشتم والتعيير والاستهزاء والسخرية والتكبر على المؤمنين والكذب والغش والخداع والباطل، كل هذا سوء، فيسوءك في نفسك فيصيبها بالظلمة النتن والعفن، وهو سيئات.
مشروعية الجهر بالسوء من القول إلا لمن ظلم
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، فإذا ظلمت ووقفت أمام الحاكم فلك أن تقول:: سبني فقال في كذا وكذا، أو شتمني فقال فِيّ كذا وكذا، أو قد تقول مثلاً: زنى بامرأتي، إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، فالمظلوم يذكر الظلم الذي وقع عليه أمام القضاء، بل ويجهر به، إذ كيف يعرف الحاكم والقاضي مظلمته؟! إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، فإن له أن يجهر بالسوء الذي قيل فيه أو عومل به.
سبب نزول قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ...)
قد ورد أن هذه الآية نزلت في صاحب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه نزل ضيفاً على أناس فأبوا أن يضيفوه، وبات جائعاً، فشكاهم وقال: بنو فلان نزلت عندهم ضيفاً فلم يضيفوني، فعتبوا عليه، وقالوا له: كيف تذكر هذا السوء وتسيء إلى إخوانك وتقول: ما ضيفوني؟! فنزلت هذه الآية علاجاً لمشكلته، فقال تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، وضيافة الضيف ليلة واحدة واجبة، ولذلك ما من مؤمن يأتيه أخوه ويقول: ضيفني هذه الليلة، إلا ووجب عليه وجوباً أن يضيفه، لاسيما في ذلك الزمن الذي ليس فيه مطاعم ولا فنادق، وإنما العائلة في القرية أو المدينة تطبخ لنفسها وتطعم وتُطعم، فإذا جاءك أخوك فقال: ضيفني هذه الليلة، فأنا قد جئت من بلد كذا، فيجب أن تضيفه تلك الليلة، ولو أن تجوع ويشبع هو، ودليل ذلك كما ذكرنا أن هذا المؤمن نزل ضيفاً على جماعة فما أضافوه، فشكاهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعتبوا عليه لمَ تقول هذا وتجهر بهذا السوء؟ فنزل قول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، أي: له أنه يجهر به كما علمتم، فيقول في المحكمة أو في أي مكان: قال في كذا وكذا، أو سبني بكذا وكذا، أو شتمني بكذا وكذا.

يتبع


ابوالوليد المسلم 12-05-2021 03:48 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سعة علم الله وإحاطته الشاملة بكل شيء
وَكَانَ اللَّهُ [النساء:148]، وما زال، سَمِيعًا [النساء:148]، لأقوالكم، عَلِيمًا [النساء:148]، بأفعالكم، وإن أسررتم القول وإن أخفيتم العمل فالعوالم كلها بين يديه، لا يخفى عليه من أمر الخليقة شيء، وإن قلتم كيف هذا؟ قلنا: أما قال تعالى عن نفسه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]؟ فهل يخفى شيء على من هذا شأنه والعالم كلها كالنملة بين يديه ظاهره كباطنه؟ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا [النساء:148] فاحذروا أن يسمع ربكم السوء تنطقون به، أو تأتون وتفعلون المنكر، فإنه سميع لكل الأقوال، عليم بكل الأعمال، فربوا هذه في نفوسكم. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148]، معاشر المستمعين والمستمعات! احذروا أن يسمع الله منكم كلمة سوء تقولها لامرأتك أو لولدك أو لجارك أو لخادمك أو لأي واحد، أو ما تستطيعون؟ والله لتستطيعون، فأنا ما أذكر في حياتي التي تجاوزت سبعين سنة، وخاصة عند مناهزتي البلوغ أن ذكرت كلمة سوء أبداً، ومن قال: قد سمعتها منك يا شيخ فليأت إليَّ، فلا سببت ولا شتمت ولا عيرت ولا قبحت أحداً قط، وأنا أقول هذا لتفهموا أن هذا ليس بمستحيل، وإنما عود نفسك فقط، فخذها بذكر الله عز وجل ومراقبته، ولو كان تعالى يعلم أننا ما نستطيع ألا نجهر بالسوء ما يعلمنا أنه لا يحبه حتى نحن لا نحبه. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ [النساء:148]، فمن أحب الجهر بالسوء فقد عادى الله تعالى، إذ الولاية تعني الموافقة، فإن وافقتني في محابي ومكارهي فأنت وليي، وإن عاكستني وخالفتني، كأن أحب هذا وأنت تكره هذا، فكيف نتوالى؟ ومن أين يأتي الولاء؟ ولذا لابد يا أبناء الإسلام! أن تحبوا كل ما يحب الله حتى النظرة، ولذلك أيما شيء يبلغنا أن الله يحبه فيجب أن نحبه، وأيما شيء يبلغنا أن ربنا يكرهه فيجب أن نكرهه بقلوبنا، وبذلك تثبت ولايتنا لربنا، ونصبح مع ذلك البيان: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، يتقون ماذا؟ الحيات والعقارب؟ اللصوص والمجرمين؟ يتقون ما يغضب ربهم، فلا يعتقدون ولا يقولون، ولا يفعلون شيئاً علموا أن الله كرهه وحرمه على أوليائه، بل وطول حياتهم وهم يتقون. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148]، فالمظلوم يذكر مظلمته، كأن يقول أمام الحاكم أو القاضي: قال لي: يا خنزير، أو قال لي: يا ديوث، وذلك لما يقول الحاكم: ماذا قال لك؟ فيقول: سبني، فيقول القاضي: ماذا قال لك؟ فهل يقول: لا أقول؟! إذاً: ما سبك، وبالتالي فلابد وأن تقول: قال لي كذا وكذا، وهنا قد جهرت بالسوء، لكن قد أذن لي ربي فيه. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148]، فاحذروه وخافوه وراقبوه، ولا تفهموا أنكم وحدكم، إن شئتم سببتم وإن شئتم شكرتم، فإن الله يسمع أقوالكم ويرى أعمالكم ووجودكم.
تفسير قوله تعالى: (إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء...)
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:149]. ‏
علم الله الشامل لكل ما يفعله العبد أو يخفيه
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا [النساء:149]، أي: تعلنوه وتظهروه، أَوْ تُخْفُوهُ [النساء:149]، أي: تستروه، فالله عز وجل يعلمه ويثيبكم على ذلك ويجزكم، إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا [النساء:149]، ما الخير يا عباد الله؟ الخير ضد الشر، والخير ما يحسن والشر ما يسيء، والخير ما يُكسب الحسن، والشر ما يُكسب الأذى.إذاً: هذه نعمة الله للمؤمنين، فيخبرنا ويقول: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا [النساء:149]، أي: تعلنوه وتظهروه، سواء كان صلاة أو صياماً أو صدقة أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، وأظهرت ذلك أو فعلتموه سراً، فإن الله تعالى يعلمه.
استحباب العفو عن المؤمن إذا بدا منه سوء
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ [النساء:149]، ما معنى: نعفو عن السوء؟ أساء إليَّ جاري، أو أخي فلان، فإننا نعفو عنه، فلا نرد السيئة بالسيئة، ولا الشتمة بأختها، ولا الضربة بضربة، وإنما نعفو ونصفح، ونتلقى الجزاء من الله عز وجل.وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم -من لا يحبه ما هو بالمؤمن، وهو كافر، ويكذب إن ادعى أنه مؤمن- يقول في الصحيح: ( ما نقص مال من صدقة )، فتتصدق من مالك الذي في جيبك أو في خزينتك أو في بستانك أو في بيتك، اعلم أن تلك الصدقة ما ينقص منها المال أبداً، وهذا وعد الله على لسان رسوله، وأبين لكم فأقول: إذا كان عندك ألف ريال فتصدقت بخمسين، فأنت تراها أنها قد نقصت، وهي في الحقيقة والله ما نقصت؛ لأن هذا الباقي ينفعك الله به أكثر من تلك الخمسين الريال لو بقيت، والله عز وجل يبارك لك ذلك الباقي فيصبح أفضل من ألفين بدل الألف، ( ولا زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً )، أي: ما من عبد يعفو عن مؤمن لوجه الله تعالى إلا أعزه الله، فإذا سبك فلان أو شتمك أو عيرك، فأنت تقول: سامحته، اتركوه ولا تردوا عليه، فإن هذا التنازل هو العفو، والله يرفعك به ويزيدك في عزتك وكمالك. لكن لو أنك رددت عليه فسببته فماذا استفدت؟ لا شيء، وإنما قابلن سوءاً بسوء، لكن لو أنك عفوت عنه، فإنه سيصبح يحترمك ويهابك ويعزك، ويزيدك الله بذاك العفو عزاً؛ لأنك قادر على أن تضربه أو تأخذ منه، لكن تركته لله فالله عز وجل يعزك ولا يذلك ولا يهينك، فهكذا ينبغي أن يكون المجتمع القرآني المحمدي.قال: ( ومن تواضع لله رفعه الله )، أي: من تواضع لأجل الله لا كبر ولا رياء، وإنما لين وانقياد وابتسامة وكلمة طيبة، وإن كان من أشرافنا، وإن كان من أغنيائنا، وإن كان من حاكمينا، فذاك التواضع والله لا يزيده الله به إلا رفعة، ولا تفهم أنك إذا تواضعت تذل وتهون، لا أبداً، بل تعلو وترتفع. إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:149]، عفواً يعاملك بالعفو فيعفو عنك إذا زلت قدمك وسقطت في هاوية، بل ولا يؤاخذك مقابل عفوك لفلان، ولذا إن عفوت لوجه الله تعالى عمن ظلمك كالزوجة أو الابن أو الأخ القريب أو البعيد أو جاهل أو كافر أو مؤمن، فالله عز وجل يعفو عنك بأكثر، أي: قد تتعرض لعذاب الله فيعفو عنك، أو تزل قدمك بمعصية فيذكر الله عفوك عن عبده فلاناً فيغفر لك. إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا [النساء:149]، والعفو هو الذي يقدر على العفو، هل يوجد واحد بيننا ما عفا الله عنه؟ لو كان الله يؤاخذنا بكل سيئة والله ما بقينا إلى اليوم، ونحن أولياؤه فيقول لنا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، أي: وما أصابكم من مصيبة يا عباد الله! يا أولياء الله! بسبب ما كسبت أيديكم، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، إذ لو ما كان يعفو عن كل ذنب والله نعيش إلى هذه اللحظة، بل لانتهينا من زمان، فالحمد لله أنه عفو قدير، وما هو بعاجز على أن يعفو عن عباده.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
نعيد تفسير هاتين الآيتين: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148]، سميعاً لأقوال الخليقة وكلامها، وعليماً بظواهرها وبواطنها وأحوالها، فلهذا يجب أن نراقبه، فإذا أردنا أن نقول الكلمة ننظر: هل هي مما يحبه الله أو مما يكره؟ فإن قلت: هذا مما نهى الله عنه ويكرهه، والله لا نقولها، وإن قلت: هذه يحبها الله، إذاً قلها وارفع صوتك بها، أو أردت أن تمشي خطوات إلى مكان كذا، أو أردت أن تعمل عملاً معيناً، فانظر هل هذا العمل مما يحبه الله؟ فإن كان مما يحبه الله فافعله، وإن كان مما يكره الله فاتركه، وهذه هي المراقبة لله تعالى، وأهلها هم الفائزون. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ [النساء:148]، ما السوء يا عباد الله؟ السوء كل كلمة تسوء إلى من تقولها فيه، أو كل عمل تعمله يتأذى به إنسان، فهذا هو السوء والله لا يحبه، فهيا نحن أيضاً لا نحبه، أو نريد أن نخالف ربنا؟ وهل إذا خالفناه نبقى أولياء له؟ أعداء.معشر المؤمنين والمؤمنات! ولاية الله تتحقق بالموافقة، أي: أن توافقه فيما يحبه فتحبه بحبه، وفيما يكرهه فتكرهه بكرهه، فتلك هي الولاية، وإن كانت الآية الكريمة تقول: أولياء الله هم المؤمنون المتقون، وغير المؤمن يحب ما يحب الله ويكره؟ ما عرف الله، لذا لابد من الإيمان أولاً، ثم يتقون ماذا؟ يتقون ما يكرهه الله فيتجنبوه.إذاً: فالولاية هي الموافقة لله تعالى، فوافق ربك فيما يحب وفيما يكره فأنت وليه، وإن أردت أن تعاكسه أو تخالفه فأنت عدوه والعياذ بالله. إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ [النساء:149]، ما الذي يحصل؟ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:149]، يثيبكم ويعطيكم ويجزيكم على إحسانكم بما هو أفضل، ويعفو إن عفوتم أكثر مما عفوتم أنتم عن عبيده وأوليائه. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148]، هل يجهر الإنسان بالفعل؟ ما أظن أن إنساناً يفعل الفاحشة في الشارع، وكما قد قلت لكم: إن هذا المؤمن نزل ضيفاً على جماعة فلم يضيفوه، فشكاهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له الناس: لمَ تشكوهم إلى رسول الله؟ وعتبوا عليه، فأنزل الله تعالى بأنه لا عتبا عليه أبداً، إذ له الحق في ذلك؛ لأنه مظلوم، وهو قد ذكر ما ظلموه به، ولذا أغلب ما يقال أو يجهر به هو القول، وأما الفعل فأكثره لا يجهر به.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف: [ يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء، ولازم هذا أن عباده المؤمنين يجب أن يكرهوا ما يكره ربهم، ويحبوا ما يحب ربهم، وهذا شرط الولاية وهي الموافقة وعدم المخالفة ]، أي: أن شرط الولاية هي أن تحب ما يحب الله وتكره ما يكره الله، فوافق ربك فأنت وليه، وإن خالفته فأنت عدوه.قال: [ ولما حرم تعالى على عباده الجهر بالسوء بأبلغ عبارة وأجمل أسلوب، استثنى المظلوم فإن له أن يجهر بمظلمته لدى الحاكم ليرفع عنه الظلم، فقال تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ [النساء:148]، وما زال سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء:148] ].قال: [ ألا ] ألو، وإخواننا الزوار لما يسمعوا: ألو، يقولون: لماذا نقول: ألو؟ والجواب: لأننا ألفنا (ألو) وأصبح الطفل الصغير يحبو فيأخذ التلفون ويقول: ألو، ألو، وكذلك المرأة، فأصبحت كلمة شائعة عندنا، وقد سأل بعضهم: (ألو) ما هي؟ فقالوا: ألو هكذا خلقت، أي: لم نعرف ما هي؟ هل هي بريطانية؟ هل هي فرنسية؟ هل هي أمريكية؟ هل هي صينية؟ لا هذا ولا ذاك، وإنما وجدت هكذا مع التلفون، ونظيرها (أي) في لغة العرب، فهي مرة مبنية، ومرة معربة، ومرة كذا، وقد سئل سيبويه: ما حال أي؟ فقال: أيٌ هكذا خلقت، ما عندي فيها شيء، وكذلك (ألو) هكذا وجدت، ونحن قد سبقناهم بألف وأربعمائة سنة، إذ إن كل جملة خبرية في كتاب الله أو في لسان رسول الله أو العارفين بلغة القرآن، تبدأ بكلمة (ألا) فمعناها: انتبه، هل أنت تسمع ما أقول لك؟ أما (ألو) فما فهمنا معناها. قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، قل يا رب! من هم أولياؤك؟ فيجيبك الله عز وجل بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64]، أتدرون ما البشرى؟ قد فسرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له )، ولا فرق بين أن تراها أنت أو يراها فلان ويخبرك بها. وهناك بشرى أخرى أيضاً عند سكرات الموت، واسمعوا إلى قول الله تعالى من سورة فصلت ومن سورة الأحقاف: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30]، لا رب لنا سواه، ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، ما اعوجوا، وإنما استقاموا في مشيتهم إلى دار السلام، فلا ميل إلى اليمين بترك واجب، ولا إلى الشمال بفعل حرام، وإنما استقامة سليمة حتى جاء الموت، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، أخبرنا عنهم يا رب، قال: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، مواكب، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30]، وتقول لهم: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، وهذا والله قبل أن يلفظ أنفاسه ويفارق حياته، وهذا هو صاحب الروح الطاهرة الزكية النقية، الذي آمن واستقام، أما آمن واعوج وانحرف، فيوماً يترك واجباً، ويوماً يفعل حراماً، فما هو بأهل لهذه الكرامة، أي: ملائكة تحتفل بموته، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] بها في القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله.قال: [ ألا فليُتق عز وجل فلا يعصى بفعل السوء ولا بقوله، ثم انتدب عباده المؤمنين إلى فعل الخير في السر أو العلن، وإلى العفو عن صاحب السوء، فقال: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:149]، فسيكسب فاعل الخير خيراً أبداه أو أخفاه -على حد سواء- وسيعفو عن صاحب العفو حينما تزل قدمه فيجني بيده أو بلسانه ما يستوجب به المؤاخذة، فيشكر الله تعالى له عفوه السابق فيعفو عنه ]، أي: أنت عفوت عن زيد أو عمرو، أبشر بأن الله سيعفو عنك في يوم من الأيام.قال: [ فيشكر الله تعالى عفوه السابق فيعفو عنه: فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء:149] ].ثم إن هذه الآيات فيها ثلاث هدايات، فإن قيل: يا شيخ! وهل الآية فيها هداية؟ والله لا تخلو آية من هداية إلا من عمي، والآية معناها العلامة، أي: العلامة على شيء، والقرآن فيه ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، وكل آية تدل دلالة قطعية على وجود الله ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يعرف أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فليأخذ آية من كتاب الله، وليسأل نفسه: من أنزل هذه الآية؟ من قالها؟ كلام من هي؟ لن تجد جواباً إلا إذا قال قائل: الله عز وجل.وإن قلت: هذه الآية على من نزلت؟ على أبي جهل؟! على عقبة بن معيط؟! على فرعون؟! على من؟ ليس هناك جواب إلا: على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: فوالله لهو رسول الله أرسله للناس جميعاً.وصلى الله على نبينا محمد.

ابوالوليد المسلم 12-05-2021 03:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (75)
الحلقة (297)

تفسير سورة النساء (78)


بين الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حال يهود وأنهم قوم بهت جاحدون، فلا يؤمنون لنبي من أنبياء الله بسبب تعنتهم وكثرة أسئلتهم ومطالبهم، وهم حين سألوا رسول الله أن ينزل عليهم كتاباً كاملاً فيه ذكر أسمائهم، ذكر الله له أن هذا سجية من سجاياهم، فهم قد سألوا موسى أكثر من ذلك، حيث سألوه أن يريهم ربهم جهرة، فعاقبهم الله على ذلك، ثم اتخذوا العجل وأشركوا بالله، ثم عاقبهم الله على ذلك، وهم مع ذلك يظهرون تمردهم في كل مرة بسبب خسة طباعهم ودناءة نفوسهم.
تفسير قوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:153-154].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا كلام الله عز وجل موجه إلى مصطفاه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ليعزيه بذلك ويسليه حتى لا يعجب من كفر اليهود به وبما جاء به، ولا يعجب من حربهم له وخداعهم وغشهم له، ومؤامراتهم على قتله، فإنهم أهل للخبث والشر والفساد، وهذه هي حالهم من عهد آبائهم وأجدادهم إلا من رحم الله تعالى.فتأملوا الآيات ونحن نتلوها مرة أخرى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:153-154].
سؤال أهل الكتاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء
معاشر المستمعين والمستمعات! قول ربنا جل ذكره: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ [النساء:153]، من المخاطب بهذه الآيات؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما المراد بأهل الكتاب؟ هذا اللفظ يشمل النصارى واليهود، لكنه هنا خاص باليهود، إذ هم أهل كتاب، كما نحن والحمد لله أهل أعظم كتاب على وجه الأرض، والمراد بكتابهم هو التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى حاوية للشرائع والقوانين والآداب، وما يتوقف عليه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ [النساء:153]، أي: يطلبون منك يا رسولنا، أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ [النساء:153]، وبالفعل فقد قالوا: لن نؤمن لك نبياً ورسولاً حتى يُنزل الله عليك كتاباً من السماء كاملاً جامعاً، وحينئذ تكون هذه آية نبوتك ورسالتك، وتكون أسماؤنا في ذلك الكتاب وما نطلبه، فعلقوا إيمانهم على مستحيل، ولو أنهم قالوا: لن نؤمن فقط فممكن، أما هذا الطلب فإنه أمر عجب، وكأنهم أوحوا إلى العرب المشركين بمثل هذا، إذ قال تعالى عن المشركين العرب: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا [الإسراء:90-92]، فقد كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يوحون إلى المشركين ويعلمونهم.كما أن المشركين قالوا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32]، أي: لماذا ينزل آيات وسوراً؟ وهذه كلها من إيحاءات اليهود، أما العرب فقد اضطربوا أن يسألونهم بوصفهم أهل كتاب وعلم، فيقولون لهم: قولوا له كذا وكذا؛ لأن همَّ اليهود ألا ينتشر الإسلام، وليبقى الجهل حتى تظهر دولة بني إسرائيل.
سؤال أهل الكتاب لنبي الله موسى أن يريهم الله جهرة
ثم قال تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:153]، أي: أكبر من إنزال الكتاب، فقد سألوه وطلبوا منه أن يريهم الله جهرة بلا حجاب ولا واسطة، فيشاهدونه بأعينهم! هذه الأعين التي ما شاهدت الملائكة إلى جنبهم، فكيف تستطيع أن تشاهد الله عز وجل وتنظر إليه؟! وهذا لو كان كسؤال موسى لربه فلا بأس به، إذ موسى عليه السلام لما كلمه ربه وسمع كلامه في جبل الطور قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143]، اشتاقت نفسه لرؤية الله وهو يسمع كلامه وهو بين يديه، فقال: رَبِّ [الأعراف:143]، أي: يا رب، أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143]، فأجابه الله تعالى بقوله: إنك لن تراني [الأعراف:143]، أي: لا تقدر على رؤيتي ولا تستطيعها، ولكن لتطمئن نفسك وتهدأ، انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143]، أي: جبل من جبال الطور، فتجلى الرب عز وجل للجبل فاندك وأصبح غباراً، وما إن رأى موسى الجبل وقد تحلل حتى صعق مغمىً عليه، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، ثم قال الله تعالى له: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:144].لكن سؤال اليهود ليس كسؤال موسى، وإنما أرادوا به التعجيز والتحدي، أي: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، أما بدون ما نرى الله بأعيننا فلا نصدقك بأنك رسول ولا نؤمن بك.
أخذ الصاعقة لبني إسرائيل عند سؤالهم لموسى أن يريهم الله جهرة
ثم قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ [النساء:153]، والصواعق معروفة، وتسمعونها وتشاهدونها مع البرق والأمطار، فهم اشترطوا للإيمان أن يروا الله تعالى، فأدبهم الله عز وجل بهذه الصاعقة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، ثم رد الله تعالى إليهم حياتهم، وقد فعل الله بهم هذا بظلمهم، إذ (الباء) للسبب، أي: بسبب ظلمهم، فما هو ظلمهم؟ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فأي ظلم أعظم من تقول: يا شيخ! إن كنت مؤمناً فاسأل الله أن ينزل المطر علينا الآن؟ فهم يسألون ويطلبون فقط من باب التحدي والعناد والمكابرة، وذلك حتى لا يذعنوا للإسلام ويدخلوا فيه، فهذا هو الظلم بعينه، ولذلك أخذهم الله به، ولو شاء لأماتهم وأراح الحياة منهم.
اتخاذ بني إسرائيل للعجل في غياب موسى عنهم
قال تعالى: ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [النساء:153]، فهم قد خرجوا مع موسى عليه السلام إلى جبل الطور ليأتيهم بالدستور الذي يحكمهم به، وهذا قد تم لهم يوم أن خرجوا من الديار المصرية، وأغرق الله فرعون وجنده، ونجاهم مع موسى وأخيه هارون، واجتازوا البحر، ومن عجائبهم: أنهم في طريقهم وهم قرابة ستمائة ألف مروا بقرية من القرى، فوجدوا أهلها يعبدون عجلاً، أي: عاكفين عليه، فقالوا: يا موسى! اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:138-139]، فانظر إلى العجب! لما استقلوا من سلطان فرعون، وموسى وهارون يقودانهم، في الطريق مروا بهذه القرية فوجدوها مشركين عاكفين على صنم، فقالوا: اجعل لنا يا موسى إلهاً كما لهم آلهة! فأي عقول هذه؟! أكثر من أربعين سنة وموسى يحاور فرعون وهم يسمعون الحجج والبراهين، وأعظم حجة وأعظم برهان أنه شق بهم البحر فنجوا وأغرق الله فرعون وملأه وكانوا أكثر من مائة ألف مقاتل، ثم بعد هذا يقولون: اجعلنا لنا إلهاً كما لهم آلهة! قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]، وهو كذلك، إذ الجهل آفة عظيمة. ثم مشوا ونزلوا منزلاً فقال لهم موسى: أنا عندي موعد مع ربي بجبل الطور، وذلك لآتيكم بالدستور والقانون الذي أحكمكم به؛ لأنهم قد استقلوا، فقد كان فرعون يحكم وينفذ أحكامه، فلما استقلوا فلا بد من دستور، وهذه اللطيفة رددناها في هذا المسجد مئات المرات، وقد قلنا: أيام ما كان المسلمون يستقلون يوماً بعد يوم، وكل سنة أو سنتين يستقل الإقليم الفلاني من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما هناك شعب أو إقليم استقل ثم طالب بدستور السماء وقانون الله لعباده، وإنما يأتون بدساتير وقوانين المشركين الكافرين، بينما موسى الكليم عليه السلام ما إن استقل بنو إسرائيل حتى قال: اجلسوا هنا، وأنت معهم يا هارون، وذلك حتى آتيكم بالدستور الذي أحكمكم به.
ما يلزم عباد الله المؤمنين عند تمكينهم في الأرض
وأزيد أمراً أو فضيحة: لما أخذنا نستقل من إندونيسيا إلى موريتانيا، كان عبد العزيز قد أسس هذه الدولة وأقامها على دستور الله عز وجل لعباده، وهذا الدستور هو في آية من كتاب الله فقط، لا ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، قال الله عز وجل في سورة الحج المدنية المكية: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، بمعنى: استقلوا وحكموا، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، فـعبد العزيز رحمة الله عليه ما إن حكم حتى أقام الصلاة كما أمر الله، أي: أقامها كما أمر الله إقامة حقيقية، فلم يبق مواطن لا يصلي، بل ولم يبق مواطن يمر بالمسجد والناس يصلون، أو دكاناً أو مقهى أو مصنعاً مفتوحاً والناس في الصلاة، وعندنا على هذا شواهد وهو أن كبار السن كانوا يقولون: كان أهل القرية يقرءون أسماء الذين صلوا في صلاة الصبح، فإن غاب أحدهم قالوا: ائتوه إلى بيته، فإن كان مريضاً عودوه، وإن كان غائباً احموا دياره، وإن كان الشيطان قد تمرد به أو عبث به فائتوا به.ومن لطائف الحديث ولا بأس أن نذكرها: أن الهيئة إذا أذن المؤذن تنتشر في الأسواق وفي الشوارع وفي الأزقة، فإذا ضبطت مدبراً عن المسجد معرضاً عنه فبالعصا ترده إلى المسجد، وقد يكون على غير وضوء، فشاع في بين أهل الحكايات وأهل البلاد: صلاة سعودية لا وضوء ولا نية! يعني: أن هذا الذي دفعته الهيئة للصلاة ليس متوضئاً ولا يريد أن يصلي، لكن يجب عليه أن يصلي.وعلى كلٍ أقام عبد العزيز ورجاله الصلاة، فكانت تقام كأنهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالغني كالفقير، والعالم كالجاهل، والبعيد كالقريب، ولم لا وهو عبد العزيز يحدثكم من عرفه، فقد كان يقوم الليل ويبكي ويتملق بين يدي الله طول حياته، فكيف لا يأمر بإقامة الصلاة؟!واسمع إلى علة وفائدة إقام الصلاة، إذ قال عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، أي: يأمر الله رسوله وأمته معه بإقامة الصلاة، لم يا الله؟ ما فائدة هذا يا رب؟ الجواب: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، والله العظيم! إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى [العنكبوت:45]، أي: صاحبها ومقيمها، عَنِ الْفَحْشَاءِ [العنكبوت:45]، وهو كل ما قبح واشتد قبحه من الاعتقاد الباطل والقول السيئ والعمل الفاسد، وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، والمنكر وهو كل ما يخالف رضا الله عز وجل.وقد كررنا هذا القول آلاف المرات وقلنا لهم، وأنا آسف أننا نتكلم وليس بيننا من يبلغ أبداً، فقلنا لهم: هيا نمشي إلى المحافظ في أي بلد إسلامي، وندخل عليه ونقول: يا سيادة المحافظ! أعطنا قائمة بأسماء المخالفين للقانون أو لنظام اليوم أو هذا الأسبوع، فهذا سرق وهذا ضرب فلاناً وهذا فعل كذا وكذا، وهم الآن في السجن، وقد أقسمت غير ما مرة، والذي نفسي بيده! لن يوجد بين أولئك المساجين المجرمين المخالفين نسبة أكثر من (5%) من مقيمي الصلاة، ومن عداهم فتاركون للصلاة، بل في أي بلد إسلامي ادخل إلى الحكومة واسألها: أعطونا قائمة بأسماء المخالفين للقانون، سواء بالخيانة أو بالخبث أو بالظلم أو بالشر، فلا نجد أكثر من (5%) من مقيمي الصلاة، وخمسة وتسعون إما تاركو الصلاة وإما مصلون، والله يقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، وبالتالي كيف يتحقق الأمن؟ كيف يتحقق الاطمئنان؟ لما تكون النفوس طاهرة زكية. وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، فكوَّن عبد العزيز رحمة الله عليه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمرضى والمصابون بصداع الكفر يتألمون ويتقززون ويكرهون الهيئة كراهية عجيبة، وقد سمعنا هذا بآذاننا.مرة أخرى: يقول الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، وسادوا وحكموا، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، وكالصلاة الزكاة، فلم يأمر بها إقليماً أمراً حقيقياً عند استقلاله، ولم تجبى الزكاة سواء كانت من الأموال الناطقة أو الصامتة، وإنما أعرضوا إعراضاً كاملاً عن الله وقانونه في عباده، بينما أقام عبد العزيز دولته وجلب الزكاة من الشعير والتمر والشاة والغنم والذهب والفضة، وكل ذلك استجابة لأمر الله وطاعة له.والشاهد عندنا: أننا أخذنا نستقل بلداً تلو البلد، وهم يسمعون ويشاهدون الأمن والطهر الذي تحقق في هذه الديار بعدما كانت جاهلية جهلاء، فقد كان الحاج يؤخذ ويسلب نقوده وهو في طريقه إلى مكة، والشجر والحجر يعبد بالباطل كسائر بلاد العرب والمسلمين في تلك الظلمة، فتحقق توحيد وطهر وأمن لم تكتحل به عين الدنيا إلا أيام القرون الثلاثة، وقد عرف هذا المسلمون، لكن للأسف لما يستقل القطر يأتون بدستور من فرنسا أو إيطاليا أو أسبانيا أو بريطانيا! لم؟! إن الذي سيسألون عنه يوم القيامة وهو المفروض المحتوم شرعاً: أنه كان ينبغي أنه ما استقل إقليم إلا ويجيء رجاله من أهل الحل والعقد والمعرفة إلى عبد العزيز ويقولون: ابعث لنا قضاة ووالياً نائباً عنك في ديارنا الإسلامية التي استقلت اليوم وتحررت من دولة الكفر وسلطان الكافرين، فماذا تقولون؟ والله لهذا الواجب، ولو فعل المسلمون هذا لكانت اليوم الخلافة الإسلامية، لكنه الجهل ومرض النفوس وعدم البصيرة، إذ تستطيعون أن تستقلوا وأنتم حفنة من الناس بين العالم؟ انضموا إلى دولة الإسلام، وهذا الكلام الذي تسمعون والله الذي لا إله غيره! لواجبنا، وما كان يصح أبداً لإقليم أن يستقل ودولة القرآن قائمة وينفصل عنها، ومن ثَمَّ أعرضنا فأعرض الرحمن عنا، فما انتفعنا باستقلالاتنا ولا فزنا بسيادتنا، بل هبطنا إلى الحضيض، ولا نلوم إلا أنفسنا، قال تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف:76]، فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا [النساء:160]، فعلنا وفعلنا.نعود فنقول: ما إن استقل بنو إسرائيل من دولة الاستعمار الفرعونية حتى ذهب موسى يأتي بالدستور والقانون حتى يحكمهم بشرع الله عز وجل، فلما ذهب ما الذي حصل؟ قال تعالى: ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ [النساء:153]، إذ إن موسى عليه السلام عهد إلى أخيه هارون عليه السلام بأن يرعى بني إسرائيل ويبقى معهم حتى يرجع موسى بدستوره، وما زال موسى عند ربه في جبل الطور بسيناء حتى أوحي إليه: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:83-84]، أي: لمَ استعجلت وأتيتنا يا موسى وتركت قومك في صحراء؟ قال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا [طه:84-86]، أي: تألم وتحسر، إذ كيف ترك أخاه مع بني إسرائيل فإذا بهم في ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو أربعين يوماً وإذا بهم يعبدون العجل؟ ولا عجب! وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142]، فوجدهم يعبدون العجل، كيف ذلك؟ قالوا: إن بني إسرائيل يوم أن خرجوا من مصر كان جبريل على فرس يتقدمهم ليدلهم على المخرج الذي يخرجون منه، فكان السامري يشاهد فرس جبريل كلما وضع حافره على الأرض ورفعها نبت النبات الأخضر تحتها، فأخذ من ذلك التراب في صرة واحتفظ به على أن يكون له أثر، ولما استقر بنو إسرائيل بعد نجاتهم وذهاب موسى قال السامري لنساء بني إسرائيل: من كان لديها حلياً استعارته من القبطيات فلا يحل لها أن تأخذه بدون حق، والآن لا يمكن أن يرد هذا الحلي إلى نساء الأقباط، فاجمعوه عندنا نحرقه ونتخلص منه، وكانت فتيا إبليسية في نطاق العلم والمعرفة، فجمع الحلي ثم صهره وصنع منه عجلاً من ذهب وفضة، ثم قال لهم: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88]، وكلاً يعرف الأمة الجاهلية، فالآن قد وجدت أمثال هذه بين العرب والمسلمين، فقد عبدوا القبور والقباب، فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88]، فعبدوه، فصاح فيهم هارون وبكى، وما استطاع أن يفعل شيئاً خوفاً من تفرقة الأمة وتقاتلها وتعاديها لبعضها البعض، فسكت عليه السلام، لكن الجهل وظلمته غمتهم. والشاهد عندنا في قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [النساء:153]، فأي بينة أعظم من أن ينفلق البحر أمامهم؟ ومما يلغز به فيقال: ما هي الأرض التي لم تر الشمس منذ أن كانت إلا مرة واحدة؟ إنها هذه الأرض التي انفلق عنها البحر إلى فلقتين كالجبل من هنا وهنا، وهي جافة ويابسة والشمس طالعة فيها، ثم مع هذا يعبدون غير الله ويطلبون موسى أن يجعل لهم إلهاً!

يتبع

ابوالوليد المسلم 12-05-2021 03:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
عفو الله عن بني إسرائيل عبادتهم العجل
ثم قال تعالى: فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ [النساء:153]، ولكن بالتوبة، فقد تابوا توبة قاسية، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة البقرة: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ [البقرة:54]، وهذا بأمر الله عز وجل، فقد اصطفوا صفين وتقاتلوا، فيقتل الأب ابنه والابن أباه، ودارت المعركة فسقط من بينهم أربعون ألفاً، فهذه هي التوبة الشديدة، فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54]، فكانت هذه عقوبة عبادة العجل، عبادة غير الله تعالى، ومنذ أربعين أو خمسين سنة وقبل هذه الحركة الإصلاحية في العالم كان المسلمون في ديارهم أسوأ من بني إسرائيل، ووالله بعيني أرى النساء عاكفات على القبور، جاثمات على الركب في كل بلاد العالم الإسلامي، وقلَّ من يدعو الله وحده، بل لا بد من يا الله! يا رسول الله! يا رب! يا سيدي فلان! فكانت جاهلية عمياء من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؛ لأننا بشر وتستطيع الشياطين أن تضلنا إذا حرمنا النور الإلهي، وأبعدنا عن كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا والله لمن كيد اليهود ومكرهم بالمسلمين، فقد حولوا المسلمين إلى جاهليات، وما زالوا يعملون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:153]، وذلك لما قتل من قتل منهم، وتاب من تاب منهم، كان موسى قد أعطاه الله قوة وسلطان، فكان يؤدبهم ويرغمهم على عبادة الله وتوحيده وعبادته.
تفسير قوله تعالى: (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم...)
قال تعالى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:154].
رفع الله للطور فوق رءوس بني إسرائيل لما امتنعوا عن التعهد بالعمل بما في التوراة
وقوله تعالى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [النساء:154]، لما زلت أقدامهم ووقع الذي وقع قال لهم موسى: أعطوني أربعين رجلاً منكم من خياركم أذهب بهم إلى الله ليتوب عليكم، فأخذ منهم عدداً من خيار رجالهم، وانتهوا إلى جبل الطور، وسمعوا الله يخاطب موسى ويكلمه، فقالوا: إذاً أرنا الله جهرة، أرنا وجهه حتى نراه، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق أنهم يطبقون ما في التوراة أو الوصايا العشر، والعهد هو الحلف على أنهم لا يفرطون في شريعة الله لا بقليل ولا بكثير في هذا الذي قد حواه هذا الدستور، فكانت منهم زلة، ومن عجائبها: أنهم لما رفضوا أخذ العهد والميثاق، رفع الله الطور فوق رءوسهم، ثم قال لهم: تقبلون أو ينزل الجبل على رءوسكم؟ قال تعالى مصوراً ذلك المشهد العظيم: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف:171]، ولما خروا ساجدين كانوا ينظرون بعين وأخرى على الأرض، وإلى الآن فهذا سجودهم في بيعهم ومساجدهم، ومع هذا وافقوا وأعطوا عهدهم وميثاقهم، وما هي إلا أيام ونقضوه! ولا عجب فهم ينقضونه إلى اليوم.
أمر الله لبني إسرائيل بأن يدخلوا الأرض المقدسة ساجدين وحالهم مع هذا الأمر
وقوله تعالى: وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [النساء:154]، وهذا قد تم على عهد يوشع بن نون عليه السلام، ونعود قليلاً فنقول: كانت مدة بقاء بني إسرائيل في صحراء سيناء أربعين سنة، وسبب هذا التيه ذنوبهم ظلمهم وإعراضهم، وذلك لما خرج بهم موسى-والدستور معه-إلى أرض القدس أرض الأنبياء والمرسلين، وهو معهم في طريقهم إلى أرض القدس، وكان يملكها العملاقة الجبابرة، فاختار موسى عليه السلام من بني إسرائيل اثني عشر رجلاً من خيرتهم، وبعث بهم عيوناً وجواسيس إلى دولة العمالقة ليقوموا قوتها، ويطلعوا موسى وقومه على ما لديهم من قوة واستعداد للحرب، ومع الأسف ذهب أولئك الاثني عشر رجلاً وانهزموا، إذ إنهم رجعوا -كأنهم فاقدوا العقول-فمنهم من يقول: هذا العملاق، أو هذا الجبار أخذني ووضعني في جيبه، ووضعني بين أولاده يضحكون عليَّ ويلعبون بي، كيف نقاتل هؤلاء؟! وآخر يقول: هؤلاء القوم لا نستطيع أن نصل إليهم، والمهم أنهم هزموا بني إسرائيل هزيمة مرة.لكن قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]، أي: أن الرجلان الحكيمان قالوا لهم: ما هي إلا أن تفاجئوهم وتدخلوا عليهم باب المدينة، فماذا قال بنو إسرائيل؟ قالوا: إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون! فكيف يخرج العدو من دياره بدون حرب وقتال ثم بعدها تدخل أنت؟! ثم قالوا لنبيهم موسى عليه السلام: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24]، أي: ما نستطيع أن نقاتل هؤلاء العمالقة، ولا أن ندخل تلك البلاد، فاذهب أنت وربك فقاتلوهم! فهل هذه الكلمة يقولها من عرف الله تعالى؟! ثم قال موسى عليه السلام لما رأى ذلك منهم: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25]، فقد فسقوا وخرجوا عن طاعة الله ورسوله، فرد الله عليه فقال: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26]، وفعلاً في خلال أربعين سنة وهم يحملون أمتعتهم ويمشون في صحراء سيناء، فإذا جاءت القيلولة نزلوا، ثم يواصلون المشي مرة أخرى في الصحراء، فإذا جاء الظلام نزلوا، وهم هكذا في متاهات صحراء سيناء أربعين سنة حتى توفي موسى وهارون عليهما السلام . فماذا نقول عن هؤلاء اليهود؟! هاهم الآن يديرون كفة الناس، ومن قبل قالوا لنبيهم موسى عليه السلام: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:24-26]، وتوفي موسى وهارون عليهما السلام في خلال هذه الفترة، وقد بلغ بهم الحد أن قالوا: إن موسى هو الذي قتل هارون!والشاهد عندنا أنه بعد أن توفي موسى وهارون عليهما السلام قادهم يوشع بن نون، وهو فتى موسى وخادمه أو تلميذه الذي كان يلازمه، وقد عهد إليه بحكم بني إسرائيل، فقادهم يوشع بن نون بعد نهاية الأربعين السنة التي كتبها الله عليهم بأن يتيهوا في تلك الصحراء، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في مساء الجمعة ولم يبق على غروب الشمس إلا ساعات، إذ لو غابت الشمس لا يحل لهم أن يقاتلوا، إذ السبت مكتوب عليهم، فلا يصح منهم قتال أبداً، فرفع يوشع رأسه إلى الشمس وقال: يا شمس! أنت مخلوقة وأنا مخلوق، أنت مربوب وأنا مربوب، أسألك بالذي خلقك أن تقف في مكانك، فوقفت الشمس وقفة كاملة، فخاض المعركة ودخل تلك البلاد قبل غروب الشمس واحتلها. إذاً: أمرهم هنا بأمر الله تعالى أن يدخلوا باب المدينة متطامنين لا في عنجهية وعنترية، بل لابد من تطامن ولين وسجود، وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [النساء:154]، يقال: سجدت الشجرة، إذا مال غصنها، وسجد البعير رأسه، إذا عكفه، فالسجود ليس شرطاً أن يكون على الجبهة والأنف، وإنما هو لين الجانب وطمأنينة الرأس، ولذلك أمرهم الله أن يدخلوا متواضعين شكراً لله وامتناناً له سبحانه وتعالى، وبما أعطاهم ووهبهم، وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة:58]، أي: احطط عنا خطايانا يا ربنا التي ارتكبناها، وأصابنا ما أصابنا بسببها، لكن لخبثهم ومكرهم دخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون: حنطة أو حبة شعير في كذا.وهنا من لطائف هذه الآيات: كيف دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة؟ بعد أن حورب ثمان سنوات، وأخرج من دياره، وأخرج إخوانه معه، ثم فتح الله تعالى عليه مكة ودخلها في السنة الثامنة من الهجرة، دخل وهو على القصواء ولحيته تضرب في قربوس السرج أو في سرج راحلته، وذلك تواضعاً لله عز وجل، وامتثالاً لأمر الله في بني إسرائيل: ادخلوها سجداً، فهل عرفتم كيف دخل؟ تطامناً وتواضعاً لا مثيل له أبداً.واسألوني عن إخواننا العرب المسلمين لما يستقلون ماذا يفعلون؟ أمور فاضحة ما نستطيع أن نذكرها؛ لأنهم ما عرفوا الله ولا سلكوا هذا السبيل، وما بلغهم كيف دخل الرسول مكة، ووجد أهل مكة وجبابرتها وعتاتها وقد أذعنوا وانقادوا وطأطئوا رءوسهم وجلسوا حول الكعبة ينتظرون حكم الله تعالى فيهم، فناداهم: ( يا معشر قريش! ماذا ترون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، ولم يأمر بقتل أحد إلا بأربعة أنفار لباطلهم وشرهم وظلمهم وفسادهم، ونحن الآن أيما ثورة وانقلاب تحدث في بلد إسلامي يذبحون بعضهم بعضاً كالحيوانات.
نهي الله لبني إسرائيل عن الصيد في يوم السبت وتحايلهم على الشريعة
وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ [النساء:154]، وأصل (لا تعدوا): لا تعتدوا، وقرأ نافع: (لا تَعَدَّوا) بالتضعيف، أي: بإدغام التاء في الدال، فهما قراءتان سبعيتان، وهنا تعالى ذكر السبت، فأي سبت هذا؟ إليكم قصته: تعرفون أن أفضل الأيام هو يوم الجمعة، فهو اليوم الذي خلق الله فيه آدم عليه السلام، وهو اليوم الذي أهبطه إلى الأرض، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وله فضائل أخرى تعرفونها، وهذا اليوم قد عرض على اليهود، وذلك على لسان يوشع بن نون فرفضوا، وقالوا: نستريح يوم السبت، فصرفهم الله قبل كل شيء بأقداره، وصرفتهم الشياطين عن يوم الجمعة، فكتب الله عليهم يوم السبت أنه يوم عبادة ويوم ترك للعمل، وبالتالي فيجب أن يتركوا العمل إذا دخلت ليلة السبت، ويقبلون على الله عز وجل، فلعبت بهم الشياطين وزينت لهم صيد الحوت والسمك في يوم السبت، قال تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ [الأعراف:163]، أي: يعتدون، فِي السَّبْتِ [الأعراف:163]، فكيف يصنعون بفتاواهم؟ قالوا: نلقي بالشباك في الليل فتمتلئ بالسمك ونأخذها يوم الأحد وهي مملوءة، وهذه هي الفتاوى التي ضلت بها أمم، إذ يفتي بها مغرضون ومبطلون وضلال من علمائهم ورجالهم. وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:154]، فما كان منهم إلا أن احتالوا على الشريعة وصادوا السمك، وحصلت لهم محنة كبيرة نذكرها في قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163]، وكانت هذه فتنة من الله تعالى، إذ إنه في يوم السبت الحيتان يلعبن أمامهم، ويظهرن بصورة عجب، وذلك للإغراء بهم، ويوم أن ينتهي السبت ما يظهر من السمك شيء، كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163]، فيكفينا هذه الآية، أي: نختبرهم ونبلوهم بسب فسقهم، إذ لولا فسقهم ما كان الله ليبتليهم بهذا الابتلاء، فالسمك يوم السبت يشرع لهم ويظهر ويتعالى على البحر حتى يغريهم به، فحملهم ذلك على أن صادوه، وغير السبت لا يظهر شيء منه، قال تعالى: كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163]، فالأمة كالفرد، فإذا فسق أو فسقت فإنه يبتلى بالذنوب ويأثم، حتى إنه قد يقع في الكفر والعياذ بالله تعالى. معاشر المستمعين! من أنزل هذا الكلام؟ إنه الله رب العالمين، فهذا كتاب الله القرآن الكريم، فهل يصح أن نقرأه على الموتى ونترك الأحياء محرومين مبعدين منه؟ يكفينا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـابن مسعود: ( يا ابن أم عبد! اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيقول: وعليك أنزل وعليك أقرأ؟ فيقول: إني أحب أن أسمعه من غيري )، وحسبنا ما سبق أن علمناه: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم )، لكن للأسف هجرنا القرآن، والذي حملنا على هجرانه هم أعداؤنا، وقد انحنينا أمامهم وسلمنا الأمر لهم، فهم الذين أبعدوا هذه الأمة عن القرآن لتموت فيملكوها ويسودوها، فهل من توبة يا عباد الله؟ أهل البيت يجتمعون في بيتهم فيقرأ قارئ عليهم آية ويتدبرونها، والعمال في ساعة الراحة يسمعون آية ويتدبرونها، وكذلك بيوت الله يجب أن نملأها بوجودنا طالبين رضوان الله وعفوه ومغفرته، وذلك من المغرب إلى العشاء، فنقرأ كتاب الله ونتدبره، إذ كيف تجول هذه الظلمة؟! وكيف يبعد هذا الشر والفساد؟! وكيف نخرج من ورطة الذل والمسكنة؟! قد أذلنا الشرق والغرب وأصبحنا نمد أيدينا متسولين، لم وباب الله مفتوح؟! والله الذي لا إله غيره! ما أقبلت عليه أمة في صدق إلا رفعها الله وأعزها، والمثل واضح، كيف كان العالم الإسلامي في القرون الثلاثة؟ كانوا أعز الناس، فقد سادوا وقادوا البشرية، هذا والله تعالى أسأل أن يتوب علينا، وأن يغفر ذنوبنا إنه غفور رحيم.

ابوالوليد المسلم 12-05-2021 03:52 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (76)
الحلقة (298)

تفسير سورة النساء (79)

لعن الله تعالى بني إسرائيل لجحودهم وعتوهم عن أمره سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله بعض أفعالهم التي جعلتهم يستحقون اللعن، فذكر منها سبحانه نقضهم للعهود والمواثيق وخاصة عهدهم بالعمل بما في التوراة، وكفرهم بآيات الله المنزلة على عيسى ومن بعده ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وقتلهم أنبياء الله، وقولهم قلوبنا غلف، وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً، وادعائهم قتل عيسى عليه السلام.
تفسير قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم والأيام الثلاثة بعده ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الخمس، فهيا نتغنى بها أولاً ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها؛ لنكون بالفعل قد تدارسنا كتاب الله، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:155-159].تأملوا يفتح الله عليكم، فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ [النساء:155]، هذه أربع جرائم، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:155-159].نوجز في شرح هذه الآيات ثم نأخذ في بيانها من الكتاب، فأولاً: هذه الآيات نزلت من أجل تسلية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وحمله على الصبر والثبات، وذلك مما يعانيه من اليهود وما يطرحونه من فظائع الكلام، لأنه كان في المدينة ثلاث قبائل من قبائل اليهود الكبرى، وهم بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير، وكان فيهم العلماء، ووراءهم من جهة الشام خيبر وفدك إلى غير ذلك، فكانوا يؤلمون النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل الله تعالى عليه هذه الآيات تفضحهم وتكشف سوءتهم وتريهم الحق لو أرادوا قبوله، وفي نفس الوقت هي تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. ‏
من أسباب لعن اليهود نقض العهود والمواثيق
فَبِمَا نَقْضِهِمْ [النساء:155]، أي: بسبب نقضهم ميثاقهم، فما آمنوا بعيسى ولا التزموا بشريعة التوراة، فقد قتلوا زكريا وقتلوا ولده يحيى، والميثاق المأخوذ عليهم أيام موسى قد نقضوه وحلوه وما التزموا به، وهذه جريمة باقية على جباههم. فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [النساء:155]، وقد ذمهم الله تعالى على نقض الميثاق، والميثاق هو العهد المؤكد باليمين، وميثاقنا نحن المسلمين هو أن كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد عقد مع ربه عقداً وميثاقاً، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فمن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد وجب عليه ألا ينقض هذا العهد، ونقضه يكون بعبادة غير الله، أو بترك عبادة لله تعالى، أو اتباع غير رسول الله، والميثاق الذي بيننا وبين الله إن وفينا به أكرمنا بنعيم دار السلام، وإن نقضناه كما نقضه بنو عمنا من اليهود فالمصير معروف، ولذلك من قال: أشهد أن لا إله إلا الله فيجب عليه أن يعبد الله الذي شهد له بالعبادة، ثم كيف يشهد أنه المعبود الحق ولا يعبده؟! أيضاً ألا يعبد معه غيره؛ لأنه قال: لا يعبد إلا الله، فكيف يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادات؟! ولذا ومن شهد أن محمداً رسول الله فيجب أن يمشي وراءه لا أمامه أو عن يمينه أو عن شماله، وإنما يتبعه، فيأكل كما يأكل، ويشرب كما يشرب، فضلاً عن أن يجاهد كما يجاهد، ويصوم ويصلي كما صام وصلى عليه الصلاة والسلام، وإلا فقد خان عهده ونقضه.
من أسباب لعن اليهود كفرهم بآيات الله المنزلة على محمد وعيسى عليهما السلام
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [النساء:155]، أولاً، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ [النساء:155]، ثانياً، فقد كفروا بالقرآن الكريم، وكفروا بآيات الله في الإنجيل، وكفروا بآيات الله في التوراة التي تحمل الهداية والوصايا الربانية.
من أسباب لعن اليهود قتلهم الأنبياء
وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ [النساء:155]، كم نبياً قتلوا؟ يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقتلون سبعين نبياً في يوم واحد، وفي المساء أسواقهم عامرة يبيعون ويشترون، وكأن شيئاً لم يحدث، وذلك لقساوة قلوبهم. وعلى سبيل المثال فقد قتلوا زكريا وولده يحيى بنص القرآن، كما أنهم حاولوا قتل عيسى وصلبه، وحاولوا قتل النبي الخاتم محمد ثلاث مرات حتى سقوه السم والعياذ بالله. وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [النساء:155]، وهل يقتل نبي بحق؟ إن هذا من باب المبالغة، وفرضاً لو كان قتله حقاً فلا بأس، ولكن هم قتلوا الأنبياء بغير الحق.
من أسباب لعن اليهود قولهم قلوبنا غلف حتى لا يقبلوا دعوة الإسلام
وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ [النساء:155]، وغلف جمع: أغلف، والأغلف هو المملوء والمغطى بالعلم، فلا يحتاج إلى معرفة، ولك أن تقول: غلف بمعنى: قلوبنا مملوءة، أي: ما عندنا ما نأخذ من علمك يا محمد، أو لسنا في حاجة إلى ما تقوله لنا، أو ما نحن بحاجة إلى هذا العلم يا محمد، فقلوبنا ملأى بالعلم والمعرفة قبلك، وقد كانوا يقولون له هكذا حتى لا يؤمنوا به ولا يتابعوه.
طبع الله على قلوب اليهود بسبب جرائمهم الشنيعة
فرد الله تعالى عليهم بقوله: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا [النساء:155]، أي: على تلك القلوب، فتراكمت عليها الذنوب والآثام والجرائم فأصبحت أكواماً على تلك القلوب، فغطتها وحجبتها من أن تقبل الهداية. بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [النساء:155]، و(الباء) هنا سببية، أي: بسبب كفرهم، وكفرهم أنواع. فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:155]، أي: ما دام أن الطبع قد وقع على القلب فقلَّ من يؤمن، ولذا فقد كانت دعوة الرسول بين اليهود كذا من السنين، ومع ذلك لم يؤمن أكثر من عشرة أنفار من علماء اليهود، وهذا إخبار الله تعالى: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:155] .
تفسير قوله تعالى: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم ...)
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157].ومع ربنا في بيان هذه الجرائم اليهودية، قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ [النساء:157]، أي: وبقولهم، إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ [النساء:157]، وهذه صيغة التبجح والتعنتر، وهل يتبجح العاقل بالكفر؟! وهل لمؤمن أن يقتل مؤمناً ويقول: قتلته؟! إن هذا قلبه ميت، لكن هؤلاء يتبجحون بأنهم قتلوه، وهل فعلاً قتلوه؟ قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، وذلك لما حاصروا برجالهم بيته ومنزله، وما فتح لهم الباب فاقتحموه، فرفعه الله عز وجل من السقف وألقى الشبه على رئيس شرطتهم يهوذا، فلما شاهدوه ظنوا أنه عيسى، فاجتمعوا عليه وسحبوه وأخرجوه من البيت، ثم أعدوا له المشنقة وصلبوه على خشبة وقتلوه وهو على تلك الخشبة. ولذا لو يجتمعون كلهم ويقولون: إن الذي صلب هو عيسى، والله يقول: ليس بعيسى، فمن تصدقون؟ الله، إذ إننا لا نحتاج إلى كلامهم الباطل، مع أنهم قد كتبوا في هذا الكثير من الكتب، بل وجادلوا النصارى على أنهم قد قتلوا عيسى علبه السلام، ونحن يكفينا فقط كلام ربنا: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ [النساء:157]، والصلب هو الوضع على عود أو على خشبة ثم القتل. وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [النساء:157]، بعدما صلبوه صار الشك بينهم، فمنهم من يقول: عيسى، ومن يقول: ليس بعيسى، وما وجدوا من يحل مشكلتهم، حتى الذين قالوا: قتلناه هم في شك أيضاً، إذ إنهم يدعون أنه بعد ثلاثة أيام من دفنه نبشوا عن قبره فما وجدوا إلا الكفن، أين ذهب عيسى؟! الله أعلم، وكلها أباطيل وترهات وأكاذيب، ونحن والحمد لله قد بين الله لنا الطريق حتى لا نرتاب ولا تشك أبداً.
تفسير قوله تعالى: (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:158]، أي: رفعه الله إلى الملكوت الأعلى كما رفع محمداً صلى الله عليه وسلم، فقد خرج عليه الصلاة والسلام من بيت أم هانئ بجوار المسجد وأجريت له عملية غسل القلب وتطهيره بماء زمزم ليصبح أهلاً لأن ينزل بالملكوت الأعلى، ثم أسري به إلى بيت المقدس، وعرج به إلى الملكوت الأعلى، وتم ما علمتم من حوار بينه وبين ربه في فرضية خمسين صلاة، ثم عاد عليه الصلاة والسلام، قالت أم هانئ رضي الله عنها: وفراشه ما زال دافئاً ما برد. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، أي: إلى الملكوت الأعلى في جواره، وسينزله في آخر الزمان، ونزوله علم وعلامة من علامات قيامة الناس، إذ قال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61]، فإذا نزل عيسى على المنارة البيضاء بمسجد دمشق فقد انتهى أمر الإيمان والإسلام أو الإيمان والكفر، إذ المؤمن مؤمن والكافر كافر. وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا [النساء:158]، أي: غالباً لا يغالب أبداً، ولا يحال بينه وبين أمر يريده، حَكِيمًا [النساء:158]، أي: حكيماً في كل أعماله وحكمه وقضائه.
تفسير قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب ليؤمنن به قبل موته...)
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159]. وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:159]، و(إن) هنا نافية بمعنى: (ما)، أي: ما من أهل الكتاب أحد، إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، أي: قبل موت الكتابي لا قبل موت عيسى، وذلك أن النصراني كان يقول في عيسى: هو ابن الله، وهذا كفر والعياذ بالله، وكان يقول: هو ثالث ثلاثة مع الله، وهذا أيضاً كفر بالله تعالى، ولما يجيء ملك الموت وأعوانه لقبض روحه، تغرغر النفس وتنتهي الحياة فيعرف أن عيسى عبد الله ورسوله، وأن تلك الترهات والأباطيل والخرافات كلها باطلة.وكذلك اليهودي ما إن يحتضر ويأتي ملك الموت لقبض روحه، ويكون بانقطاع عن الدنيا، حتى يعلم أن عيسى عبد الله ورسوله، وليس بساحر ولا دجال ولا أمه زانية عاهرة، إذ إن اليهود يقولون: إن مريم البتول قد زنت بيوسف النجار وكان عبداً صالحاً، كذبوا ورب الكعبة، ولعنة الله على الكاذبين، ونحن والحمد لله بعدنا عن اليهود وبعدوا عنا، وإلا فهذه العجائب في كل يوم يوجدونها ويثيرونها. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ [النساء:159]، أي: على اليهود والنصارى، شَهِيدًا [النساء:159]، أي: على كفر الكافرين وإيمان المؤمنين.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
هيا نتلو الآيات مرة أخرى ونأخذ في شرحها من الكتاب لنزداد علماً وبصيرة، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:155-159]، أي: يشهد على إيمان المؤمنين وكفر الكافرين.

يتبع


الساعة الآن : 01:56 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 217.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 217.06 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.23%)]