ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:25 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث: (أن رسول الله مروا عليه بجنازة فقام ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا زكريا عن الشعبي قال أبو سعيد: ح، وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة فقام، وقال عمرو: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام)].أورد النسائي حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام مرت به جنازة فقام، وهذا لفظ أحد الرواة، فهنا عندنا لفظان: الأول قوله: [(مروا عليه بجنازة فقام)] والثاني قوله: [(مرت به جنازة فقام)]، فالمعنى هنا واحد، والنتيجة واحدة، وإنما الفرق بينهما هو في التعبير، هذا قال: [(مروا عليه بجنازة فقام)]، وهذا قال: [(مرت به جنازة فقام)]، فاللفظ الأول هو لشيخه الثاني في الإسناد الثاني الذي بعد التحويل، وهو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني واللفظ الثاني لشيخه الأول، ولهذا قال: وقال عمرو -أي: شيخه الأول- وهو عمرو بن علي الفلاس، أي: أن اللفظ الذي ساقه لفظ الشيخ الثاني، ثم قال عمرو -أي: شيخه الأول-: أن النبي صلى الله عليه وسلم [(مرت به جنازة فقام)].
والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من حيث إن فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم للجنازة إذا مرت به صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله مروا عليه بجنازة فقام ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، روى عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زكريا].
هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي مشهور بهذه النسبة الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعامر الشعبي هذا هو الذي جاءت عنه الكلمة المشهورة التي بين فيها حقيقة الرافضة، وأنهم من أسوأ خلق الله، وذلك أنه قال كما ذكره عنه بعض أهل العلم أن الرافضة فاقوا اليهود والنصارى بخصلة، وذلك أن اليهود إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ يقولون: أصحاب موسى، والنصارى إذا قيل لهم: من خير أهل ملتكم يقولون: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم قالوا: أصحاب محمد، فمعنى هذا أن اليهود والنصارى كانوا من هذه الحيثية أحسن منهم؛ لأن أولئك اعتبروا أن أصحاب موسى، وأصحاب عيسى الذين كانوا معه، والذين شاهدوه، وعاينوه بأنهم خير أمتهم، وأما الرافضة فإنهم يقولون عن الصحابة: إنهم شر هذه الأمة، وهذا الذي قاله عامر الشعبي قد قاله رافضي في قصيدة طويلة صرح فيها بهذا الكلام يقول فيها:
أهم خير أمة أخرجت للناس؟ استفهام إنكار.
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها.
ويقول فيما يقول من الوقاحة المتناهية في بيت من الشعر لا أحفظه الآن: إن سورة براءة لم تذكر بالبسملة لأن أبا بكر ذكر فيها، ثم بماذا ذكر أبو بكر رضي الله عنه فيها؟ ذكر بالثناء والتعظيم، والتنصيص على أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى نص في كتابه على أنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )[التوبة:40] (إذ يقول لصاحبه)، الله تعالى قال هذا عن أبي بكر، ومعنى ذلك: إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه، أي: صاحبه أبو بكر، فسماه صاحب رسول الله، وأطلق عليه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو سعيد].
هو أبو سعيد الخدري، وقد مر ذكره، ثم أتى بحاء التحويل وذكر الإسناد من أوله، يعني: معناه أنه ذكر الإسناد كاملاً في الطريق الأولى ثم ذكر إسناداً جديداً، وساغه إلى نهايته، لكنه ساغه بلفظ الشيخ الثاني، وهو: إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، ثم عقب أن ذكر المتن بالإسناد الثاني قال: قال عمرو أي: الشيخ الأول، وذكر لفظه الذي جاء من طريقه وهو [أن الرسول مرت به جنازة فقام].
[أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق].
هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا أبو زيد سعيد بن ربيع].
هو أبو زيد سعيد بن ربيع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي السفر].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (أنهم كانوا جلوساً مع النبي فطلعت جنازة فقام ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أيوب بن محمد الوزان حدثنا مروان حدثنا عثمان بن حكيم أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت (أنهم كانوا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام من معه، فلم يزالوا قياماً حتى نفذت)].أورد النسائي حديث يزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو زيد بن ثابت الذي يقول فيه أنهم كانوا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فمرت جنازة، فقاموا، ولم يزالوا حتى نفذت، أي: حتى تجاوزت. والحديث دال على فعله عليه الصلاة والسلام، وهي القيام للجنازة حتى جاوزته صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أنهم كانوا جلوسا مع النبي فطلعت جنازة فقام ...)

قوله:
[أخبرنا أيوب بن محمد الوزان].
ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا مروان].
هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس تدليس أسماء الشيوخ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والمراد بتدليس أسماء الشيوخ أنه يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، هذا هو تدليس الشيوخ، لأن التدليس تدليسان، تدليس إسناد الذي يكون فيه بقال أو عن، والذي إذا عبر عنه (بقال) أو (عن) فيحتمل الاتصال ولا يحتمل الانقطاع، وأما تدليس الشيوخ فما فيه انقطاع واتصال، وما فيه احتمال انقطاع، وإنما فيه أنه يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، يعني: بأن يكون مشهوراً مثلاً بنسبته فلا يأتي بالنسبة، أو يكون مشهوراً باسمه فلا يذكر اسمه، ولكن يذكر كنيته وهو غير مشهور بكنيته، هذا يسمى تدليس الشيوخ، والمضرة التي تحصل فيه هي التعمية، ووعورة الوصول إلى المقصود، عندما يريد الإنسان يبحث قد يبحث عنه ويقول: لم أجد له ترجمة، والسبب في هذا أنه ما ذكر بما اشتهر به، وإنما ذكر بغير ما اشتهر به، هذا هو تدليس الشيوخ، وهناك تدليس آخر وهو تدليس التسوية وهو: حذف رجال ضعفاء في الإسناد ويجعل الإسناد متصل للثقات، فهذا أسوأ أنواع التدليس.
[عن عثمان بن حكيم].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت].
ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين الذين يتكرر ذكرهم كثيراً، أخرج حديثه اصحاب الكتب الستة.
وخارجة بن زيد لم يأت ذكره كثيراً في الروايات، وإنما الذي يأتي ذكره كثيراً هو عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وبعضهم لا يأتي ذكره كثيراً، ومنهم خارجة بن زيد فإنه نادر مروره علينا في سنن النسائي.
[عن عمه يزيد بن ثابت].
يزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، والنسائي، وابن ماجه.


الأسئلة

حكم دفن الطفل مع غيره في قبر واحد

السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، أنا أرى أحياناً في البقيع أنهم يدفنون في بعض الأحيان الطفل الصغير مع غيره من الموتى فما حكم ذلك؟


الجواب: هذا ما له وجه أبداً، الموتى لا يدفنون جميعاً إلا إذا كان هناك حاجة ضرورية، بأن كثر الموتى واحتاج الناس إلى أن يدفنونهم جميعاً في قبرٍ واحد فهذا لا بأس به، ويقدم من كان أقرأ للقرآن، وذلك كما جاء في الحديث، أما من غير حاجة إلى ذلك فكلٌ يدفن في قبر، ولا يجمعون جميعاً، أما دفن طفل صغير مع كبير فهذا بعض الناس الجهال يقول: إن هذا يؤنسه، وإنه كذا، وهذا كلام باطل، فإنه لا يؤنس الإنسان إلا العمل الصالح، فالعمل إذا كان صالحاً حصل الإيناس في القبر، أما إذا كان العمل بخلاف ذلك والعياذ بالله فما ينفع، ولو يدفن بجوار أصلح الناس، وبجوار من هو خير الناس، فهو يعذب ولا يدري عن نعيم هذا، وهذا ينعم ولا يدري عن عذاب ذاك.

الراجح في القيام للجنازة

السؤال: حفظكم الله يا شيخ! ما هو الراجح في مسألة القيام للجنازة؟

الجواب: الله تعالى أعلم، هذه مسألة خلافية، وأنا ما يظهر لي فيها شيء.

شهود زيد بن ثابت بدراً بين النفي والإثبات

السؤال: حفظكم الله يا شيخ! هل زيد بن ثابت رضي الله عنه شهد بدراً أو لا؟

الجواب: لا أدري.

علاقة الإسماعيلية بالرافضة

السؤال: حفظكم الله يا شيخ! هل الرافضة والإسماعيلية سواء أو بينهما فرق؟

الجواب: الإسماعيلية هم الباطنية الذين يقولون عنهم: الباطنية وكلهم رافضة، إلا أن هؤلاء مشهورون باسم الباطنية الذين هم الإسماعيلية.

مثال على إسنادين يلتقيان عند راوٍ واحد

السؤال: في أي مكان يلتقي الإسنادان التاليان: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل عن هشام عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد؟


الجواب: الإسناد الذي عند هشام هو ملتقى الإسنادين، ثم بعد ذلك يسقط الإسناد في كل من الإسنادين، يعني: هما طريقان يلتقيان عند هشام ثم يتحدان طريقاً واحداً بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

أسباب التدليس

السؤال: ما سبب التدليس؟

الجواب: التدليس من أسبابه التعمية، أو مثلاً استقرار الشيخ كونه لا يريد أن يذكره، وإنما يذكر من هو أكبر منه، وله عدة أسباب.

مدى وجود حديث في البخاري شاهد لحديث في الترمذي منه صدوق

السؤال: إذا كان حديث عند الترمذي وفي إسناده صدوق أو ضعيف، ونفس هذا الحديث الذي عند الترمذي مذكور بطريق آخر عند البخاري فهل يعتبر حديث البخاري شاهد لحديث الترمذي؟

الجواب: نعم، إذا اختلف الصحابي فيكون شاهداً، ويكون الحديث طبعاً ثابتاً، وكلمة صدوق ما تحتاج إلى شواهد، ومن يقال فيه: صدوق فحديثه حسن لذاته، وإنما الذي يحتاج إلى شاهد أو يحتاج إلى متابعة هو الذي يقال عنه: مقبول، وأما من يقال فيه: صدوق فحديثه حسن، يعني: لو لم يأت له متابع أو شاهد، فإنه يعتبر من قبيل الحسن لذاته الذي لا يحتاج إلى اعتضاد، وهو دون الصحيح، ولكنه مقبول ومحتج به، كما يحتج بالصحيح.

حكم صلاة القاص للحيته الجار لثوبه

السؤال: حفظكم الله يا شيخ! رجل يقص لحيته ويجر ثوبه فما حكم صلاته؟

الجواب: هو صلاته يثاب عليها، وقص لحيته وجر ثيابه يعاقب عليه، فيكون جمع بين عمل صالح، وآخر سيء، أي: أتى بعمل صالح وهو الصلاة، وإذا صلى فهو على خير، ويرجى له الخير، ولكن يخشى عليه العقوبة من معصيته في قص لحيته، وجر ثيابه.

مقتضى النهي عن الدفن في الأوقات المنهي عنها

السؤال: حفظكم الله يا شيخ! الدفن في أوقات النهي المعروفة هل هو للتحريم؟

الجواب: نعم هو للتحريم، لكنه كما هو معلوم الأوقات الثلاثة القصيرة التي لا يضيع بسببها شيء، وإنما الأوقات الطويلة التي هي من بعد العصر إلى المغرب فهذا ليس فيه إشكال وليس فيه بأس، وكذلك ومن بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ولكن الأوقات الثلاثة التي هي عند قيام الشمس، وعند غروبها، وعند طلوعها، فهذه الأوقات اليسيرة جداً ينتظر فيها الناس، وانتظارهم لا يؤثر عليهم شيئاً.

طريقة معرفة اقتضاء النهي للتحريم أو الكراهة

السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يعرف أن النهي للتحريم أو للكراهة؟

الجواب: يقولون: إن الأصل في النواهي التحريم، ولا تصير إلى الكراهة إلا إذا وجد ما يدل على صرفها إلى الكراهة، كما أن الأصل في الأوامر الوجوب، ولا يصار إلى الندب إلا إذا وجد ما يصرفه إليه.


ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:26 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(336)

- باب القيام لجنازة أهل الشرك - باب الرخصة في ترك القيام

اختلف أهل العلم في القيام للجنازة فقال بعضهم بالاستحباب وقال آخرون بالنسخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وفعله ثم ترك، والآخر ينسخ الأول.
القيام لجنازة أهل الشرك

شرح حديث: (مر على رسول الله بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي. فقال: أليست نفساً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [القيام لجنازة أهل الشرك.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما بالقادسية فمر عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فقالا: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي فقال أليست نفساً؟)].
يقول النسائي رحمه الله: القيام لجنازة أهل الشرك، الترجمة السابقة هي مطلقة، وهي القيام للجنازة، وهنا هذه الترجمة مقيدة وهي: جنازة أهل الشرك، والمقصود من الترجمة أن القيام الذي كان قد شرع، هو أنه للموت، وعلى هذا فيستوي جنازة المسلم وجنازة الكافر؛ وأن القيام ليس للجنازة نفسها، وإنما القيام هو للموت، ولتعظيم شأن الموت وللفزع منه والتنبه له، وعدم الغفلة عنه، فهذا هو المقصود من القيام، ولهذا جاء القيام في جنازة غير المسلمين.
أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة كانا في القادسية ومر عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أليست نفساً، يعني: أن الجنازة إنما هي نفس حصل لها الموت، والمقصود هو القيام من أجل الموت وليس من أجل الجنازة حتى ينظر هل هي مسلمة أو كافرة، وقولهم: هي من أهل الأرض يعني: من أهل البلاد التي فتحت، والتي صار أهلها أهل ذمة، والمقصود أنها ليست جنازة من جنائز الأجناد الذين جاءوا يجاهدون، وإنما هي من أهل الأرض التي أهلها كفار، الذين فتحت بلادهم عنوة ودخل واستولى عليهم المسلمون، فهذا هو المقصود من قوله: من أهل الأرض يعني: أهل البلد الذين هم كفار.
ثم أورد أنه لما قام، وقيل لهما ما قيل، استشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واستدل به على (أنه مر بجنازة فقام فقيل له: إنه يهودي فقال: أليست نفساً)، يعني: حصل لها الموت والتعظيم إنما هو لشأن الموت، وليس للجنازة لا المسلمة ولا الكافرة، فالقيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وللفزع منه، وللتنبه له، هذا هو المقصود من القيام التي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (مر على رسول الله بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي. فقال: أليست نفساً)

قوله:
[أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[كان سهل بن حنيف].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وقيس بن سعد بن عبادة].
هو ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج، فأبوه سيد الخزرج، وقيس هذا ابنه، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالطول فقد كان طويلاً جداً، وقيل: إن واحداً من النصارى قال: إنه أطول منه، وأراد أن يطاوله فلم يطاوله، ولكنه قال: أعطوه سراويلي فبلغت إلى حلق ذلك النصراني.

شرح حديث: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، عن هشام ، (ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدثنا خالد، حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية، فقال: إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) اللفظ لـخالد].أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وهو واضح في المقصود، وفيه بيان أن القيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وليست للميت، والنبي عليه الصلاة والسلام مر عليه بجنازة فقام، فقيل له: إنها يهودية [(فقال: إن للموت فزعاً فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)]، وهذا يدل على التعميم، وأن القيام يكون للجميع، للجنازة المسلمة والكافرة، وليس القيام من أجل الميت وإنما هو من أجل الموت وتعظيم شأنه، ولهذا قال: [(إن للموت فزعاً)]، وهذا يشمل حصوله للمسلم والكافر، ثم عقب ذلك بقوله: [(فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)] يعني: الجنازة مطلقاً، يعني: سواء كانت مسلمة، أو كافرة، والتعظيم إنما هو لشأن الموت وليس للجنازة.

تراجم رجال إسناد حديث: (مرت بنا جنازة فقام رسول الله وقمنا معه فقلت: يا رسول الله! إنما هي جنازة يهودية ...)

قوله:
[أخبرنا علي بن حجر].
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
قال: (ح) وهي علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، وإسماعيل بن مسعود قد مر ذكره قريباً.
[حدثنا خالد].
هو ابن الحارث، وقد مر ذكره أيضاً قريباً.
[حدثنا هشام].
قد مر ذكره.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن مقسم].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
ثم قال: [واللفظ لـخالد] أي: للشيخ الثاني؛ لأن النسائي أورده من طريقين الطريق الأولى علي بن حجر عن إسماعيل عن هشام، والطريق الثانية عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن هشام، فقوله: واللفظ لـخالد أي: لشيخ شيخه في الطريق الثانية، وليس لشيخ شيخه في الطريق الأولى.


الرخصة في ترك القيام

شرح حديث: (إنما قام رسول الله لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في ترك القيام. أخبرنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر قال: كنا عند علي فمرت به جنازة فقاموا لها فقال علي رضي الله تعالى عنه: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى رضي الله تعالى عنه، فقال: (إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)].
أورد النسائي رحمه الله: الرخصة في ترك القيام في الجنازة، والمقصود من ذلك، أن الأمر الذي كان أولاً فيه الأمر بالقيام للجنازة، وردت أحاديث تدل على الترخيص في ترك القيام، وقد اختلف العلماء في ذلك أي: في القيام للجنازة وعدم القيام فيها، فذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ، أي: واستدل على ذلك بهذه الأحاديث التي ستأتي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، ثم لم يعد بعد ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه قام للجنازة وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس، يعني: وأمرهم بترك القيام، فقال جمهور العلماء: إن هذا منسوخ، ومن العلماء من قال إن الأمر في القيام للجنازة يبقى على الاستحباب، وما جاء من الترك يدل على عدم وجوبه، وأنه بقي على الاستحباب، وأن الإنسان إن فعله فهو خير، وإن لم يفعله، فإنه لا شيء عليه، لكن ما جاء في بعض الروايات من كونه قام وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس قد يكون فيه وضوح من جهة النسخ؛ لأن هذا كان أولاً، ثم هذا كان آخراً، يعني: أنه أمر بالقيام أولاً، ثم أمر بالجلوس ثانياً، وبهذا قال جمهور أهل العلم على أن القيام للجنازة منسوخ، والناسخ هو هذه الأحاديث التي أوردها النسائي وغيرها من الأحاديث التي جاءت عند غير النسائي والتي هي أوضح مما جاء عند النسائي كما عند الإمام أحمد وغيره، أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، ومعناه: أنه لم يقم، وأمر بترك القيام، وتعبير النسائي هنا بالرخصة يشعر بأن الأمر كأنه ما قاله بعض أهل العلم من أن الأمر بقي على الاستحباب وأنه حصل رخصة في عدم القيام، فيبقى الأمر على الاستحباب؛ لأن ذكر الترخيص يدل على أن الأمر كان عزيمة أولاً، وصار رخصة.
وأورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه مر بجنازة فقاموا لها، فقال: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى، يعني: أن أبا موسى الأشعري روى لهم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالقيام للجنازة، يعني: أمر أبي موسى الذي جاء عنه مسنداً ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم بينوا مستندهم في القيام، وأن أبا موسى أمرهم بأمر استند فيه إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه: (إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ثم لم يعد). يعني: ترك القيام، وما فعله بعد ذلك، فيكون ذلك ناسخاً، ومن المعلوم أنه جاءت أوامر للقيام للجنازة، وليس مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بل اجتمع فيها فعله وأمره، والترك أيضاً جاء فعله وأمره، يعني: أنه جلس، وأمرهم بالجلوس، فأولئك استندوا إلى ما بلغهم عن أبي موسى رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه بين أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع جنازة يهودية، ثم إنه لم يعد بعد ذلك إلى القيام للجنازة.
وهذا يدل على ترك القيام، وأصرح منه ما جاء أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، وذلك متأخر الذي هو الترك، والأمر بالترك.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما قام رسول الله لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)

قوله:
[أخبرنا محمد بن منصور].
هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح].
هو عبد الله بن يسار المكي وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالتفسير والرواية عن ابن عباس فروى عنه التفسير.
[عن أبي معمر].
هو عبد الله بن سخبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبو الحسنين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وفضائله جمة ومناقبه كثيرة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة أحاديث كثيرة تدل على فضله، ونبله، وعلو قدره رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه الغنية والكفاية دون حاجة إلى ما وضعه الوضاعون وكذبه الكذابون بحقه، ومما أضافوه إليه مما لم يثبت في حقه رضي الله عنه، ولكنه ثبت في حقه الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان وترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينكره)، فدل على تقديم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ويأتي بعدهم علي رضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين.

يتبع



ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:26 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح أثر: (أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، أن جنازة مرت بـالحسن بن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنه فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟ قال ابن عباس: نعم، ثم جلس].أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما (أنه مر فيهما جنازة فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن رضي الله عنه: أليس قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟ قال: نعم، ثم جلس) يعني: أنه جلس بعد ذلك ولم يقم، وليس معنى ذلك: أنه قام وجلس، وإنما المقصود بالجلوس أنه ترك ذلك، وهذا مثل ما جاء عن علي في الحديث الأول أنه قام لجنازة يهودية، ثم لم يعد؛ لأن الحسن رضي الله عنه أورد على ابن عباس في عدم قيامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، وبيّن ابن عباس رضي الله عنه أنه جلس ولم يقم بعد ذلك، وهذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في هذه الترجمة وهي: الرخصة في ترك القيام؛ لأن المقصود من قوله جلس أي: ترك القيام فلم يقم للجنازة بعد ذلك.
وهذا الحديث فيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التعويل على الأدلة؛ لأن الحسن قام، وابن عباس لم يقم، وكل معه حجة ومعه دليل، فـالحسن لما قام، ولم يقم ابن عباس قال له: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: لماذا لم تقم، وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية؟ فقال ابن عباس: إنه جلس بعد ذلك، معناه: أن ابن عباس جلس؛ لأنه مستند إلى الترك الذي حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحسن مستند إلى الفعل الذي حصل منه، ولعله لم يكن بلغه الترك، ولهذا أنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس بين له السبب في عدم القيام، وأن الفعل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم تركه بعد ذلك فلم يقم صلى الله عليه وسلم وإنما جلس، فلم يحصل بعد ذلك منه القيام.

تراجم رجال إسناد أثر: (أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...)

قوله:
[أخبرنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن زيد وهنا جاء غير منسوب مهمل، وهو يحتمل، والذي اشتهر بهذا وهم في زمن واحد، وفي وقت واحد، هما: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة وهما ثقتان، ولكن أحدهما اشتهر عنه رواة، انفردوا بالرواية عنه، وحماد ممن انفرد بالرواية عنه قتيبة، فإذا جاء قتيبة يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد؛ لأن قتيبة إنما روايته عن حماد بن زيد، وليس عن حماد بن سلمة، فهو ما روى عن حماد بن سلمة، ومثل ذلك أيضاً السفيانين إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد: ابن عيينة وليس المراد به: الثوري.
وقد عقد المزي في كتابه تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة؛ لأن ترجمة حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، الأولى ترجمة حماد بن زيد ثم حماد بن سلمة؛ لأن هذا بالزاي وهذا بالسين، والسين مجاورة للزاي -، فصلاً وذكر فيه الاشتباه فيهما عند الإطلاق، وعند عدم النسبة، ثم ذكر من الذي يروي عن حماد بن زيد، ومن الذي يروي عن حماد بن سلمة، وأنه إذا جاء فلان، وفلان، وفلان يرويان عن حماد فالمراد به: ابن زيد، وإذا جاء فلان وفلان يروون عن حماد غير منسوب فالمراد به: ابن سلمة.
ومنهم أي: من الذين يروون عن حماد بن زيد ولا يروون عن حماد بن سلمة قتيبة هذا الذي معنا في الإسناد، وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[مرت بـالحسن بن علي].
هو الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحد العبادلة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح أثر: (مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنه، فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لـابن عباس: أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس: قام لها، ثم قعد].أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله، فالحسن قام، وأنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس أقر بأنه قام، ولكنه قعد بعد ذلك، فمعنى: [قعد] أنه ترك القيام، ولم يقم، فهو مثل الذي قبله تماماً.

تراجم رجال إسناد أثر: (مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس..) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد كانت وفاتهم سنة (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة (256ه) وهؤلاء الثلاثة وهم من شيوخ البخاري بل من شيوخ أصحاب الكتب الستة كلهم ماتوا في هذه السنة التي هي سنة (252هـ).
[حدثنا هشيم].
هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي.
والمراد بالتدليس رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه، يروي ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، فهذا هو التدليس، يعني: تلميذ يروي عن شيخه الذي عرف بالرواية عنه ما لم يسمعه منه، وذلك بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، أما إذا أتى بـ(سمعت)، أو (حدثني)، أو (أخبرني) فهذا ما فيه تدليس؛ لأنه صرح فيه بالسماع، (أما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يسمع منه، فإن هذا هو الإرسال الخفي، يعني: المعاصرة موجودة، ولكنه ما سمع منه، والإرسال هو كون الإنسان يروي عمن لم يسمع منه، أو عمن لم يلقه، أما إذا كان بينه وبينه مسافة فهذا صار إرسالاً جلياً كأن يروي عن شخص ما أدركه، يعني: يروي عن شخص مات قبل أن يولد وهذا يقال له إرسال، وهو إرسال بالمعنى العام، وليس بالمعنى المشهور عند المحدثين، فالمرسل عندهم هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله؛ لأن هذا الذي اشتهر، ويطلق الإرسال على ما هو أعم من ذلك، وهو كون الإنسان يروي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره فذلك يكون إرسالاً جلياً، فكونه يروي عمن لم يدرك عصره كالتابعي الذي يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يقال له: مرسل، لكن إذا كان الشخص قد أدرك عصره، ولكنه لم يلقه، ولم يسمع منه، فهذا يقال له: إرسال خفي؛ لأن المعاصرة فيها إشعار احتمال اللقيا والسماع، فـهشيم بن بشير الواسطي هذا كثير التدليس والإرسال الخفي، فهذا هو الفرق بين التدليس والإرسال الخفي، أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
[أخبرنا منصور].
هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين].
هو محمد بن سيرين.
[عن الحسن وابن عباس].
وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح أثر الحسن وابن عباس: (مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر ...) من طريق ثالث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية، عن سليمان التيمي عن أبي مجلز، عن ابن عباس والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر، فقال الذي قام: أما والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام، قال له الذي جلس: لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس].أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس والحسن من طريق أخرى مثل تلك الطرق إلا أنه أبهم فيها القائم والجالس، والطريقان السابقان جاء فيها تبيين القائم وهو الحسن، والجالس وهو ابن عباس، والمتن هو نفس المتن أحدهما احتج بقيام الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني احتج بأنه ترك القيام، وأنه جلس بعد ذلك ولم يقم.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن وابن عباس: (مرت بهما جنازة فقام أحدهما وقعد الآخر ...) من طريق ثالث

قوله:
[أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية].
يعقوب بن إبراهيم قد مر ذكره، وابن علية قد مر ذكره، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم.
[عن سليمان التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مجلز].
هو لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مجلز.
[عن ابن عباس والحسن].
ابن عباس والحسن قد مر ذكرهما.

شرح أثر: (أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس... إنما مر بجنازة يهودي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي، حدثنا حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس حتى جاوزت الجنازة فقال الحسن: إنما مر بجنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام].أورد حديث الحسن الذي فيه ترك القيام، وعلل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة اليهودي؛ لأنه كان جالساً فأراد ألا تعلو رأسه، وهذا التعليل مخالف لما ورد في الروايات السابقة، التي فيها أنه قام من أجل الموت، وكما سيأتي أن القيام من أجل الملائكة، وليس من أجل الجنازة، لكن هذا التعليل قيل: أنه فهم فهمه الحسن من قيام رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بين في أحاديث أخرى أن القيام إنما هو للموت، ولهذا قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من بيان السبب فهذا هو الصحيح، وأما ما جاء عن الحسن رضي الله تعالى عنه، فقيل: أنه فهم فهمه، والمعتمد والمعول عليه، هو ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه قام من أجل الموت، لأنه قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فقام وأمر الناس بالقيام، يعني: فلا يكون المقصود هو كونها مرت عليه فتكون أعلى من رأسه، كما فهمه الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد أثر: (أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة فقام الناس... إنما مر بجنازة يهودي ...)

قوله:
[أخبرنا إبراهيم بن هارون البلخي].
صدوق، أخرج حديثه الترمذي في الشمائل، والنسائي.
[حدثنا حاتم].
هو حاتم بن إسماعيل، وهو صدوق يهم، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن محمد].
هو جعفر بن محمد بن علي بن حسين، وهو الملقب بـالصادق، قد قال عنه الحافظ في التقريب: هو صدوق، فقيه، إمام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ومثله أبوه محمد الملقب بـالباقر.
[عن أبيه]
هو محمد بن علي بن حسين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذان إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بهم.
فأهل السنة والجماعة هم الذين يتكلمون باعتدال، وينزلون الناس منازلهم، وأما أولئك فيتجاوزون الحدود، ويوصلونهم إلى منازل لا يستحقونها، بل يصفونهم بصفات لا تليق بهم، ومن تلك الصفات التي يصفونهم بها أنهم يقولون كما في كتاب الكافي للكليني أنهم يعلمون ما كان، وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم أي: الأئمة الاثنا عشر الذين منهم: جعفر الصادق، ومحمد الباقر، وكذلك قولهم في الكافي، مع أن قول صاحب الكافي -والأحاديث التي أوردها في الكافي هي مكذوبة بلا شك-: إن الأئمة يعلمون جميع الكتب المنزلة على المرسلين، وإنها عندهم، وإنهم يعلمونها بلغاتها، وكذلك قولهم في بعض الأحاديث المكذوبة: إنه ليس شيئاً من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وإن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، معناه: فكل شيء خرج عن طريق الصحابة يعني: عن أبي بكر، وعمر، وعثمان والصحابة، فإنه من الباطل وليس من الحق، والحق هو ما خرج من عند الأئمة.
وكذلك أيضاً يقول في الكافي: إن واحداً من الأئمة يقول لبعض الشيعة: الناس ثلاثة: عالم، ومتعلم، وغثاء، فنحن العالمون -يعني: الأئمة- وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء، يعني: الذين ليسوا من أئمة الاثني عشر، ولا من شيعة الأئمة الاثني عشر هؤلاء غثاء، فهذا حديث من أحاديث الكافي وهذا كلام المتقدمين، أما كلام المتأخرين المعاصرين، فيقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: (وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، وقوله: (إن من ضروريات مذهبنا) أي: مذهب الرافضة، (أن لأئمتنا) أي: الاثني عشر ومنهم: جعفر، ومحمد الذي هو معنا في هذا الإسناد (مقام لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، هذا كلام المتأخرين المعاصرين، وذاك كلام المتقدمين، وكلها غلو وإطراء وتجاوز للحدود، وخروج عن الصراط المستقيم، أما أهل السنة والجماعة فهم يحبون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ويتولونهم، ومن كان منهم من أهل الإيمان والتقى يحبونه لإيمانه ولتقواه، ويحبونه لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، يقول: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)، والأثر في صحيح البخاري، ويقول: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) والأثر في صحيح البخاري.
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فإنه يقول للعباس: (والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحب إسلامك)، فهو يحب، ويفرح بإسلام العباس أعظم من فرحه بإسلام الخطاب، وذلك لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لإسلام العباس، فهذا كلام أئمة أهل السنة، والمقدمين عند أهل السنة والجماعة أبي بكر، وعمر هذا هو الذي قالوه في أهل البيت، وأهل السنة والجماعة على طريقتهم يتولونهم، ويحبون من كان منهم مؤمناً، ويحبونه أيضاً لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعفر بن محمد، ومحمد بن علي، والحسن هؤلاء ثلاثة من أئمة أهل السنة، وهم من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويقولون فيهم ما قالوا، وبئس ما قالوا.

شرح حديث: (قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت، وأخبرني أبو الزبير أيضاً أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت].أورد النسائي رحمه الله حديث جابر من طريقين وهي من طريق واحد، ولكنها بلفظين، أي: أبو الزبير يروي عن جابر وسمع جابراً، ورواه النسائي عنه من طريقين عن أبي الزبير أنه قال: [قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت].
يعني: حتى تجاوزت، ومضت، ونفذت، فهو مثل الذي قبله، فعندنا لفظان الأول قوله: [قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت]، ثم اللفظ الآخر قوله: [.. جنازة يهودي].
وهذا اللفظ لا يتفق مع هذه الترجمة؛ لأنه يتعلق بالقيام للجنازة، والترجمة إنما هي للرخصة في ترك القيام للجنازة، فليس فيه دلالة على الترجمة؛ لأن فيه إثبات القيام للجنازة حتى توارت، فهو يناسب للترجمة السابقة التي هي القيام للجنازة.

تراجم رجال إسناد حديث: (قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت)

قوله:
[أخبرنا محمد بن رافع].
هو القشيري النيسابوري يتفق مع الإمام مسلم، في نسبه ووطنه.

ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:27 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(337)

- (باب النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير) إلى (باب الأمر باتباع الجنائز)

المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده سواء الأحياء منهم أو الأموات، أما الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا إلا إذا وجدت مصلحة، وقد حث الإسلام على التواصل الاجتماعي بين المسلمين، ومن ذلك اتباع جنازة الميت.
النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير

شرح حديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير.أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، حدثني أحمد بن إسحاق، حدثنا وهيب، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)].
يقول النسائي رحمه الله: النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير. والهلكى هم الموتى، ومراد النسائي من هذه الترجمة بيان أن السنة جاءت في النهي عن ذلك، وقد أورد الحديث الدال على ذلك، وهو أنه ذكر هالك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فقال: [(لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)]، وجاء في رواية أخرى في حديث سيأتي: (فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) وذلك أن الحي يمكن أن يتأثر ويمكن أن يتغير؛ لأنه لا يزال على قيد الحياة، وأما الذي مات فإنه قد انتهى إلى ما انتهى إليه، وقدم على ما قدم من خير أو شر، فيذكر بخير، ويدعى له، لكن إذا كان هناك مصلحة في بيان حاله حتى لا يغتر به، وحتى يحذر أن يقلد، وأن يسار على نهجه، فإن السنة قد جاءت فيما يدل على جواز ذلك، وقد مر في بعض الأحاديث القريبة (أن النبي عليه الصلاة والسلام مروا عليه بجنازة، فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ومر عليه بجنازة أخرى، فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت) وما نهاهم عن ذلك الذكر الذي قال عنه: (وجبت) وقد أجاب بعض العلماء عما قد يظهر بين الحديثين من التعارض: بأن الذي أقر ذكره بالسوء هو الكافر، أو المنافق، أو الذي يخشى أن يغتر به، وأن يتابع على ما هو عليه من بدعة وفسوق إذا لم تبين حاله، فإنه في هذه الحالة لا بأس أن يذكر بما فيه؛ حتى لا يغتر به أحد، وأما إذا كان ليس كذلك، ولا يخشى أن يغتر به أحد، فإنه يدعى له، ويترحم عليه، ولا يذكر إلا بخير، وهذا هو الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [(لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)] يعني: فليس كل الهلكى يكونون كذلك، وإنما بعض الهلكى، وأما بعضهم، كالمنافقين، والذين عندهم بدع، ويخشى أن يغتر بهم فإذا بينت حالهم وذكروا بما فيهم حتى تعرف حالهم، وحتى لا يغتر بهم أحد، فإن هذا لا بأس به، وهو الذي تقتضيه النصيحة، ويقتضيه النصح للناس حتى لا يغتروا بمن عنده من سوء وبدع، وأمور منكرة، فلو ذكر بخيرٍ وسكت عما فيه من السوء، فإنه قد يغتر بذلك.
الحاصل: أن التوفيق بين هذا الحديث الذي معنا والأحاديث التي مرت في كون النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين ذكروه بسوء وقال: وجبت، وهنا قال: [(لا تذكروا موتاكم إلا بخير)] هذا يحمل على بعض الموتى، وذاك يحمل على بعض الموتى.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)

قوله:
[أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثني أحمد بن إسحاق].
هو أحمد بن إسحاق الفطري البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا منصور بن عبد الرحمن].
هو منصور بن عبد الرحمن الحجبي المكي يعني: من بني عبد الدار من بني شيبة الذين هم سدنة الكعبة ويقال لهم: الحجبة، ويقال: نسب إليهم الحجبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أمه].
هي صفية بنت شيبة، وقيل: إن لها رؤية، واختلف في سماعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معروفة، ومشهورة بالرواية عن عائشة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي من أوعية السنة وحفظتها، وقد حفظت الشيء الكثير من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لا سيما ما يتعلق بالأمور البيتية، والأمور التي تجري بين الرجل وأهله، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عرفوا بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، ستة رجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، والمرأة السابعة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي ذات الفضائل والمناقب الجمة الكثيرة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، ومع ما أكرمها الله عز وجل به من إنزال براءتها في آيات تتلى من سورة النور، فكانت متواضعة، وكانت لا ترى لنفسها شأناً، ولهذا قالت: كنت أتمنى وأرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ثم قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى. وهذا من تواضعها، وهذا شأن أولياء الله عز وجل، جمعوا بين الكمال والتواضع لله عز وجل، فهم مع كمالهم يعترفون، ويشعرون بالتقصير، ويتواضعون لله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله، ولهذا يقول الله عز وجل فيهم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60] فهذا من تواضعها رضي الله عنها وأرضاها كونها تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى.
وابن القيم رحمه الله في كتابه (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام) وهو كتاب نفيس يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ما ورد فيها من الأحاديث وبيان فقهها، وهو كتاب واسع ومفيد، وهو خير ما ألف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من حيث ما ورد في ذلك من الأحاديث، ومن حيث ما اشتملت عليه من الحكم والأحكام والأسرار، وكان مما اشتملت عليه: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الآل، وبمناسبة ذكر الآل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد. وقد ترجم ابن القيم لكل واحدة من أمهات المؤمنين ترجمة مختصرة، وكان مما ذكره من ترجمة عائشة بيان تواضعها، وقولها عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله عز وجل فيّ آيات تتلى. ثم قال: أين هذا ممن يصوم لله يوماً من الدهر، أو يصلي ركعتين في الليل، ثم يقول: أنا كذا، وأنا كذا، وأنا كذا، ويذكر أعماله ويفتخر بها، وهذه أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، يحصل لها ما يحصل من الفضائل، ويكرمها الله عز وجل بما أكرمها به من الإكرام، ومع ذلك تقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى.


النهي عن سب الأموات

شرح حديث: (لا تسبوا الأموات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن سب الأموات. أخبرنا حميد بن مسعدة، عن بشر وهو ابن المفضل، عن شعبة، عن سليمان الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: النهي عن سب الأموات. وهي قريبة من الترجمة التي قبلها، فالترجمة التي قبلها: النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير. أتى بهذه الترجمة لتطابق متن الحديث؛ لأن الحديث: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير) وهنا أتى بالنهي عن سب الأموات لتطابق الحديث، وإلا فإن مؤداهما واحد، إلا أن الأولى أنهم لا يذكرون إلا بخير، وقد عرفنا أن هذا في حق من لم يكن أهلاً ليذكر حتى لا يغتر به، وحتى لا يقلد، ويتابع على ما هو معروف به من الأمور المنكرة، والأمور المحرمة، وأما إذا ذكر الموتى والهلكى بالسوء فليس من الحق، ومن المجاوزة للحد من ذكرهم بما هو ليس حاصلاً منهم، فإن هذا يكون زيادة في حسنات الأموات، ونقصاً في حسنات الأحياء الذين سبوهم، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار).
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وهذا في حق الكلام في الأحياء والأموات، والإنسان إما أن يتكلم بخير، وإلا فإن الذي عليه هو السكوت والصمت وحفظ لسانه؛ لأن إطلاق اللسان في الأحياء والأموات بما ليس فيهم، أو ذكرهم بزيادة عما فيهم لا شك أن هذا فيه ضرر على القائل، وفيه مضرة على قائله وهو من الجناية من الإنسان على قائله، ولما قيل لـعائشة رضي الله تعالى عنها: أن أناساً كانوا يذكرون بعض الصحابة ويتكلمون فيهم فقالت: أمروا أن يستغفروا لهم، فسبوهم. معناه: أنهم لم يمتثلوا ما أمروا به من الاستغفار لمن تقدم، بل سبوهم وتكلموا فيهم بما لا ينبغي، مرادها في ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )[الحشر:10]، فلما تكلم الناس في عهد الفتنة في عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، بلغ عائشة ما تكلم به فقالت: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبوهم)، بدلاً من أن يستغفروا لهم وأن يذكروهم بخير، ذكروهم بسوء، وذكروهم بما لا ينبغي أن يذكروا به، وبما لا يليق بحقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولا شك أن من تكلم بما لا ينبغي أن جنايته على نفسه، وأن ضرره على نفسه، وقد ورد في حديث ذكره شارح الطحاوية ونسبه إلى مسلم، وهو وهم؛ لأنه ليس في صحيح مسلم، وإنما هو فيه زيادة رزين على الأصول الستة، وهو أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قيل لها: (إن أناساً يقعون في أبي بكر، وعمر، قالت: أو تعجبون من ذلك؟ انقطع عنهم العمل، فأحب الله ألا ينقطع عنهم الأجر)، بمعنى أن الذي يتكلم فيهم يؤخذ من حسناته فيعطى لمن تكلم فيه، والحديث في جامع الأصول من الزيادات التي زادها رزين، فهو ليس في الكتب الستة، وليس مما أخرجه أصحاب الكتب الستة، وإنما هو بالزيادات التي زادها رزين.
وكتاب جامع الأصول يأتي بالمتون، ويشير إلى أصحاب الكتب الستة الذين خرجوا الأحاديث، وذلك بالرموز عند أول كل حديث، وإذا كان الحديث ليس في الكتب الستة، ولكنه من زيادة رزين أغفله ابن الأثير، فيذكره بدون رموز، وهذا الحديث الذي هو من زيادة رزين عن عائشة هو من هذا القبيل الذي ذكره بدون رموز، يعني: ما رواه لا البخاري، ولا مسلم، ولا غيره من أصحاب الكتب، وإنما هو من الزيادات التي زادها رزين العبدري في كتابه الذي جمع فيه الأصول، واختصره ابن الأثير في كتابه جامع الأصول، ولكنه ذكر زيادة رزين وأغفلها من الرموز، فيكون معناه: أنه من زيادة رزين، ولعل الذي وهم أراد ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم، وهو في آخر صحيح مسلم؛ وفي التفسير عند نهاية الكتاب، أنه لما ذكر عثمان في الفتنة قالت: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبوهم)، لعل هذا هو الذي وهم بأنه في صحيح مسلم.
ومعنى الحديث واضح في أن ذكر الموتى بغير حق يعود على صاحبه بالمضرة، وأنه يكون زيادة في حسنات المذكور أو المسبوب، ونقصاً من حسنات الساب، وحديث المفلس كما ذكرت الذي في الصحيحين واضح الدلالة على هذا المعنى.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تسبوا الأموات...)

قوله:
[أخبرنا حميد بن مسعدة].
هو حميد بن مسعدة البصري وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بشر هو: ابن المفضل].
ثقة، ثبت، عابد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو: ابن المفضل) زادها النسائي، أو من دون النسائي، ولم يزدها حميد بن مسعدة؛ لأن تلميذه حميد إذا أراد أن ينسب شيخه يذكره كما يريد، ولا يحتاج إلى أن يقول: (هو)، وإنما الذي يحتاج أن يقول (هو) هو من دون التلميذ.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي لقبه الأعمش هنا ذكر باسمه ولقبه، اسمه سليمان، ولقبه الأعمش، ويأتي ذكره بالاسم دون اللقب، ويأتي ذكره باللقب دون الاسم، فيقال أحياناً: سليمان، وأحياناً يقال: الأعمش، وقد يجمع بينهما كما هنا سليمان الأعمش، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة بالاسم ومرة باللقب، فالذي لا يعرف أن هذا اسم، وهذا لقب، يظن أن هذا شخص، وهذا شخص مع أنهما شخص واحد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي المفسر، المحدث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها.

يتبع


ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:27 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث: (يتبع الميت ثلاثة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان أهله وماله، ويبقى واحد عمله)].أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى واحد وهو عمله)، وهذا الحديث أورده النسائي في هذه الترجمة وهي: النهي عن سب الأموات، وهو ليس بواضح الدخول تحت هذه الترجمة، هو والحديث الذي بعده، وهو أوثق بالترجمة الآتية، وهي: اتباع الجنازة؛ لأن هنا فيه ذكر الاتباع، وأن أهله يتبعونه، وماله يتبعه، وعمله كذلك، فيرجع الأهل والمال، ويبقى العمل، فهو أوثق بالاتباع وهي الترجمة التي تلي هذه الترجمة، وأما النهي عن سب الأموات فالحديث الذي مر: (لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) هذا هو المطابق للترجمة، وهذا الحديث والذي يليه ليس واضح الدلالة على الترجمة، بل هو أوثق بالترجمة اللاحقة التي هي اتباع الجنازة؛ لأن هذين الحديثين يتعلقان باتباع الجنائز.
قوله صلى الله عليه وسلم: [(يتبع الميت ثلاثة: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان: أهله، وماله. ويبقى عمله)] فإن المقصود بالأهل هم أهله وذووه، ومن المعلوم أن تخصيص الأهل، ذكروا لأنهم هم أولى الناس به، وهم الذين يحرصون على ذلك أكثر مما يحرص غيرهم ممن ليس من أهله، فأهل الإنسان هم الذين يعنون بشأنه، وهم الذين يذهبون معه، وهذا هو وجه التخصيص أي: بكونهم يتبعونه، ويتبعه غيرهم، لكن ذكرهم، لأنهم هم أخص الناس به، وهم أولى الناس به، ولو تأخر الناس عنه فإنهم لا يتأخرون، بل يقومون لما بينهم وبينهم من القرابة، ولما بينهم وبينهم من الرحم، يعني: يحصل منهم هذه المهمة.
وماله يقصد به رقيقه، إذا كان له رقيق معناه أنهم يذهبون معه، فيرجع الأهل والمال، ويبقى العمل الذي إن كان خيراً انتفع به، وإن كان شراً تضرر به كما جاء ذلك موضحاً في أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا هو معنى الحديث: [(يتبع الميت أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد)]، وقوله: (يتبعه) هذا إنما هو في الغالب، وإلا فإنه قد لا يتبعه، يعني: بعض الناس لا يحصل له ذلك، ولا يتأتى له ذلك بأن يكون يذهب معه أهله وماله، فقد يموت في مكان ليس له فيه أهل، ولا مال، ثم يتبعه من يتبعه من ليس له به قرابة، ولكن هذا إنما هو في الأغلب، أن الإنسان يموت ويكون حوله أهله وماله إذا كان له مال الذي هو رقيق، فيتبعونه، وإلا فقد لا يتبعه لا أهله ولا ماله.

تراجم رجال إسناد حديث: (يتبع الميت ثلاثة...)

قوله:
[أخبرنا قتيبة].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء سفيان غير منسوب ويروي عنه قتيبة فيحمل على ابن عيينة، وليس على الثوري؛ لأن سفيان بن عيينة هو الذي أدرك قتيبة مدة طويلة من حياته، تقارب أربعين سنة؛ لأن قتيبة بن سعيد عمره تسعون سنة، ولد سنة (150هـ) في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وولد فيها الشافعي، ومات سنة (240هـ)، فهو ولد مع الشافعي في سنة واحدة، والشافعي توفي سنة (204هـ) وقتيبة عاش بعده ستاً وثلاثين سنة، فـسفيان بن عيينة تأخرت وفاته إلى قريب من المائتين، يعني: فوق التسعين ومائة، وأما الثوري فإنه مات سنة (161هـ) يعني: عمر قتيبة يوم مات الثوري عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة، فهو صغير ما أدرك من حياته إلا فترة وجيزة، فإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، وسفيان غير منسوب، فهو يحمل على ابن عيينة، وقد مر أيضاً أنه إذا جاء قتيبة يروي عن حماد، فهو يحمل على ابن زيد وليس على ابن سلمة.
[عن عبد الله بن أبي بكر].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أنس بن مالك].
رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأسانيد العالية عند النسائي، قتيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أنس فهو رباعي وهو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده أعلى من الرباعيات، ليس عنده ثلاثيات، وأصحاب الكتب الستة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ثلاثة منهم لهم ثلاثيات، وثلاثة منهم ليس لهم إلا الرباعيات، والذين لهم ثلاثيات البخاري له اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف، هؤلاء الثلاثة لهم أسانيد ثلاثية.
أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات وليس عندهم ثلاثيات، والنسائي أنزل ما عنده العشاريات، العشاري يعني: أطول إسناد، عنده فيه عشرة أشخاص، والحديث قد مر بنا في فضل: (قل هو الله أحد)، وفيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، فأعلى إسناد عنده الرباعيات، وأنزل إسناد عنده العشاري.

شرح حديث: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: ... ويشهده إذا مات ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة، حدثنا محمد بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد)].أورد النسائي رحمه الله هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه [للمسلم على المسلم ست خصال] هذه الخصال منها: اتباع الجنازة، وكما قلت: هذا الحديث والذي قبله ألصق بالترجمة الآتية وهي: اتباع الجنازة، وليس واضح الدخول تحت ترجمة: النهي عن سب الأموات، بل هو واضح الدخول في الترجمة اللاحقة وهي: اتباع الجنازة.
قوله: [للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض].
يعني: في حال مرضه يعوده ويؤنسه، ويدعو له ويهون عليه ما هو فيه من المصيبة، وما هو فيه من المرض، ويذكره بما يعود عليه بالخير؛ لأن هذا هو شأن الجليس الصالح، والإنسان الذي يزور المريض فيؤنسه، ويدعو له، ويذكره بما ينبغي أن يذكر به، فهذا من حق المسلم على المسلم.
قوله: [ويشهده إذا مات].
يعني: يشهد جنازته، بأن يصلي عليه ويشهد دفنه، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذا الموطن، وفي هذا المكان، والمراد بذلك: اتباع الجنازة، وهذا هو المطابق للترجمة الآتية.
قوله: [ويجيبه إذا دعاه].
إذا دعاه إلى وليمة، أو دعاه إلى طعام فيجيبه ويؤنسه، وهذا فيما إذا رأى المصلحة في ذلك، ولم يترتب على الاستجابة مفسدة، بحيث يفوت الإنسان كثيراً من المصالح؛ لأن الإنسان لو استجاب لكل دعوة، فإنه يفوت مصالح كثيرة، ولكن حيث يرى المصلحة في ذلك فإنه يجيبه إلى دعوته إذا دعاه لطعام.
قوله: [ويسلم عليه إذا لقيه].
وهذا من حق المسلم على المسلم، وابتداء السلام سنة ورده واجب.
قوله: [ويشمته إذا عطس].
إذا عطس وحمد الله، فإنه يشمته فيقول: يرحمكم الله، أما إذا لم يحمد الله، فإنه لا يشمت، ثم يجيب المشمت بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [وينصح له إذا غاب أو شهد].
يعني: يبذل النصيحة له حاضراً وغائباً، فلا يكون ناصحاً له حال حضوره وإذا غاب يتغير الحال، وإنما يكون له ناصحاً في حال حضوره وفي حال غيابه، في حال شهوده وفي حال عدم شهوده وفي جميع الأحوال.

تراجم رجال إسناد حديث: (للمؤمن على المؤمن ست خصال: ... ويشهده إذا مات ...)

قوله:
[أخبرنا قتيبة].
قد مر ذكره.
[حدثنا محمد بن موسى].
هو محمد بن موسى الفطري، صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
هو المقبري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


الأمر باتباع الجنائز

شرح حديث: (أمرنا رسول الله بسبع ... واتباع الجنائز ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر باتباع الجنائز. أخبرنا سليمان بن منصور البلخي، حدثنا أبو الأحوص، (ح) أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي الأحوص، عن أشعث، عن معاوية بن سويد قال هناد: قال البراء بن عازب، وقال سليمان: عن البراء بن عازب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، واتباع الجنائز، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن آنية الفضة، وعن المياثر، والقسية، والإستبرق، والحرير، والديباج)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الأمر باتباع الجنائز، وأورد تحت هذه الترجمة حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع)، وكان من بين هذه السبع المأمور بها اتباع الجنائز، وهذا هو محل الشاهد.
قوله: [(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض وتشميت العاطس)].
وهذان مرا في الحديث السابق.
قوله: [وإبرار القسم] في بعض الروايات: (المقسم)، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا أقسم عليه إنسان وكانت المصلحة في إبرار قسمه أن يبر بقسمه إذا حلف عليه أن يفعل كذا ولا يخالف، فإذا حلف عليه أن يجلس في هذا المكان يجلس، أو حلف عليه أنه يأكل هذا الطعام يأكل، يعني: يبر بقسمه، يعني: لا يجعله يحلف في قسمه بأن يخالفه، ولكن هذا كما هو معلوم ليس دائماً وأبداً، بل إذا كانت ترجحت المصلحة، ولم يكن هناك مضرة؛ لأنه أحياناً قد يحلف على الإنسان، ويترتب على كونه يبر بقسمه مضرة، ومن المعلوم أنه إذا حصل الحنث فإنه يكفر كفارة يمين، إذا لم تبر يمينه فإنه يكفرها كفارة، وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد لا هذا ولا هذا فيصوم ثلاثة أيام، كما جاء بيان الكفارة في سورة المائدة، ولكن كونه يبر بقسمه حيث تكون المصلحة في ذلك، فإن هذا مما يجلب الألفة والمودة بين المسلمين.
قوله: [ونصرة المظلوم] الذي يُظلم ويعتدى عليه، يعان على ظالمه، ويمنع الظالم من ظلمه على حسب قدرة الإنسان في تلك النصرة.
قوله: [وإفشاء السلام] يعني: يسلم عليه إذا لقيه.
[وإجابة الداعي].
قوله: [واتباع الجنائز] وهذا هو محل الشاهد.
قوله: [ونهانا عن خواتيم الذهب] وهذا بالنسبة للرجال، وكذلك أواني الفضة، وهذا للرجال والنساء؛ لأن الأواني لا يجوز استعمالها لا للرجال ولا للنساء.
قوله: [وعن المياثر والقسية].
والمياثر هي: غطاء محشو يجعل على الرحل يركب عليه الراكب، وفيه حرير، أو معمول من الحرير، والقسية وهي نسبة إلى بلد والمراد به أيضاً نوع من أنواع الحرير، وقيل: إنه اللباس الذي خلط بحرير.
قوله: [والاستبرق والديباج] هما نوعان نفيسان من الحرير، الحرير عام، وتلك أسماء خاصة لأنواع من الحرير تتميز بصفاتها عن عموم الحرير، فالديباج والاستبرق نوعان نفيسان من أنواع الحرير، فالحرير عام، والاستبرق والديباج أشياء خاصة وهي من أنواع الحرير، والمقصود من ذلك: المنع من استعمال هذه الأمور جميعها للرجال، وبالنسبة للنساء لا يمنعن من اتخاذ الخواتيم، واستعمال الذهب في الحلي والتزين، وأما بالنسبة لآنية الفضة فهذه يمنع منها الرجال والنساء، وأما ما يتعلق بالحرير فإنه يمنع من لبسه الرجال دون النساء.
وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذهباً بيمينه وحريراً بشماله فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).

تراجم رجال إسناد حديث: (أمرنا رسول الله بسبع ... واتباع الجنائز ...)

قوله:
[أخبرنا سليمان بن منصور البلخي].
ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
وفي التقريب قال: ثقة لا بأس به، ولا أدري هل هي خطأ الجمع بينهما أو أن إحداهما..
وعلى كل لا أدري، لكنه قال في التقريب كما في النسخة المصرية: ثقة لا بأس به.
[حدثنا أبو الأحوص].
هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ثم قال: (ح) وأخبرنا هناد بن السري].
(ح) وهذه هي علامة التحول من إسناد إلى إسناد.
[أخبرنا هناد بن السري].
هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي الأحوص].
الذي مر في الإسناد السابق.
[عن أشعث].
هو ابن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن سويد].
هو معاوية بن سويد بن مقرن المزني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ثم إن النسائي ذكر أن شيخيه كل منهما له عبارة في إضافة الحديث إلى الصحابي، فأحدهما وهو هناد قال: [قال البراء بن عازب].
وتعبيره عندما ذكر البراء قال: قال البراء بن عازب، يعني: أن معاوية بن سويد بن مقرن في تعبيره في إسناده الحديث إلى البراء قال: قال البراء، وهذا في رواية هناد الذي هو شيخه الثاني في الإسنادين.
[وقال سليمان عن البراء]
سليمان الذي هو سليمان بن منصور البلخي قال: عن البراء، يعني: ذاك عبر بـ(قال) وهذا عبر بـ(عن)، هذا هو المقصود بهاتين الجملتين اللتين ذكرهما قبل المتن؛ لأنه ساق الإسناد، ثم قبل أن يذكر المتن ذكر العبارة التي جاءت من طريق هناد، وأنها (قال البراء) والعبارة التي جاءت من طريق سليمان بن منصور البلخي، وأنها (عن البراء).
والبراء بن عازب صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:28 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(338)

(فضل من يتبع جنازة) إلى (باب مكان الماشي من الجنازة)

من رحمة الله بهذه الأمة أن شرع لهم أعمالاً إذا فعلوها تحصل لهم بموجب فعلها الأجور العظيمة، التي تزن في فضلها وجزائها الجبال الشامخة، ومنها صلاة الجنازة والدفن، كما يجوز الركوب أثناء حمل الجنازة، سواء كان خلف أو أمام أو عن يمين أو عن شمال الجنازة.
فضل من تبع جنازة

شرح حديث: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من تبع جنازة.أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن برد أخي يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع سمعت البراء بن عازب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد)].
يقول النسائي رحمه الله: فضل من اتبع الجنازة، المراد من هذا بيان: أن اتباع الجنازة مستحب، وأن فيه فضلاً وأجراً عظيماً عند الله عز وجل، والنسائي لما ذكر الأمر باتباع الجنائز عقبه بباب: فضل اتباع الجنائز، وأنه مأمور به.
وأورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من تبع جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، والقيراط مثل أحد)] والقيراط: مثل جبل أحد، هذا الحديث يدلنا على فضل اتباع الجنائز، وأن فيه أجراً عظيماً، وأن من اتبعها، وصلى عليها، فإن له ذلك الأجر الذي هو: القيراطان، فالمراد بالقيراطين يعني: مجموع الأمرين، وليس معنى ذلك أن الدفن له قيراطان، والصلاة لها قيراط، بل المقصود أنه إذا مشى إلى الصلاة وحصلت منه الصلاة فله قيراط، فإن استمر مع ذلك إلى أن دفنت فيكون له قيراطان، قيراط على كونه تبعها حتى تدفن، وقيراط على كونه تبعها حتى يصلي عليها.
وبين في الحديث أن القيراط مثل جبل أحد، وأن مقدار الأجر والثواب هو بهذا المقدار، وبهذا المقياس الذي هو مثل جبل أحد، وشبه ذلك بالجبل الذي هو بمرئى الناس في المدينة يشاهدونه، ويعاينونه، وأن الأجر عظيم، والثواب جزيل عند الله، وأن من حصل منه الصلاة على الجنازة فله قيراط، وهو أجر مثل جبل أحد، وإذا تبعها حتى تدفن فله قيراط آخر، فيكون له قيراطان، كل قيراط منهما مثل جبل أحد، وهذا يدلنا على عظم فضل الصلاة على الجنازة، وعلى فضل اتباعها، ولما بلغ الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه: [أن من اتبع الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان]، قال: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة).
كما جاء ذلك في صحيح البخاري، يعني: فاتنا هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل في عدم اتباع الجنائز في بعض الأحيان.
وكان من عادة البخاري رحمه الله: أن الحديث إذا جاء فيه كلمة غريبة، فإنه لا يفسر الكلمة الغريبة نفسها، وإنما يأتي إلى لفظة تماثلها في القرآن، فيأتي بالكلمة من القرآن، فيفسرها فيكون بذلك فسر القرآن والحديث معاً في آن واحد، هذه طريقة البخاري رحمه الله، وهو عندما جاءت هذه الكلمة وهي (فرطنا) من كلام ابن عمر، أتى بكلمة من قوله تعالى: (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ )[الزمر:56] أي: ضيعت من أمر الله، يعني: التفريط، وأنها تضييع وتفويت، معناه: (فرطنا في قراريط كثيرة) أي: فوتنا على أنفسنا وضيعنا على أنفسنا قراريط كثيرة، فبدل أن يفسر الكلمة وهي: (فرطنا في قراريط كثيرة)، وهي كلمة ابن عمر في الحديث أتى بالكلمة من القرآن التي هي بهذا اللفظ وهي: (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ )[الزمر:56].

تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط ...)

قوله:
[أخبرنا قتيبة].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبثر].
هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن برد أخي يزيد بن أبي زياد].
ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[عن المسيب بن رافع].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت البراء بن عازب].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا أشعث عن الحسن عن عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ منها فله قيراط)].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ فله قيراط)] وهذا يشبه الذي قبله؛ إلا أن ذاك فيه تفصيل، وهو: أنه إذا تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط، وإن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيراط للصلاة وما قبلها، وقيراط للدفن وما قبله بعد الصلاة، وهنا قال: [(من تبع الجنازة حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ فله قيراط)] فهو مثل الذي قبله إن صلى عليها فله قيراط، وإن تبعها ولم يكن معها حتى تدفن بل رجع، أو لم يذهب أو ذهب ورجع قبل أن تدفن فإنه له ذلك القيراط الذي حصله على الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان ...)

قوله:
[أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أشعث].
وأشعث هذا يحتمل أن يكون: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني أو يكون: أشعث بن عبد الملك الحمراني؛ لأن هذين الاثنين كل منهما خرّج له خالد بن الحارث.
والحسن البصري روى عنه جماعة ممن يسمون بـأشعث خمسة أشخاص، لكن الذي روى عنهم خالد بن الحارث ممن يسمون بـأشعث اثنان: وهما: الحداني، والحمراني، فيحتمل هذا ويحتمل هذا؛ لأنني ما وجدت التنصيص على تسميته؛ لأنه في النسائي وحده، وفي تحفة الأشراف ما نسبه، وفي تهذيب الكمال ذكر أن خالداً يروي عن اثنين ممن يقال لهم: أشعث وهما: الحمراني، والحداني، وأن الحسن البصري يروي عنه خمسة ممن يقال لهم: أشعث، وعلى هذا، فيحتمل أن يكون أحد الاثنين: الحمراني، والحداني، والحداني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن، والحمراني ثقة، أخرج له أيضاً مثل الذين أخرجوا للحداني، البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
وعلى كل سواء يكون الحداني أو الحمراني أحدهما صدوق، والثاني ثقة، فلا يؤثر عدم التمييز، وإنما الذي يؤثر إذا كان أحدهما: ضعيفاً والثاني: ثقة، فإنه قد يكون الضعيف فيكون الحديث لا يصح، أو الإسناد لا يصح، لكن حيث يكون كل منهما محتج به، وكل منهما مقبول حديثه، وإن كانوا متفاوتين بدرجة؛ لأن كون أحدهما: صدوق يعني: حديثه حسن، والثاني: ثقة حديثه صحيح، فكل منهما من قبيل المقبول، فسواء يكون هذا أو هذا فإنه لا محذور، ولا لبس، ولا إشكال.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري المحدث، الفقيه، المشهور، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن المغفل].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


مكان الراكب من الجنازة

شرح حديث: (الراكب خلف الجنازة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [مكان الراكب من الجنازة. أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا عبد الواحد بن واصل حدثنا سعيد بن عبيد الله وأخوه المغيرة جميعاً عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه)].
أورد النسائي: مكان الراكب من الجنازة، يعني: عندما يتبع الإنسان الجنازة وهو راكب، فأين مكانه، وأين موقعه، هل يكون أمام الجنازة، أو يمينها، أو يسارها، أو وراءها؟
أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء)] يعني: يكون أمامها، ووراءها، ويمينها، وشمالها، [(والطفل يصلى عليه)]، يعني: أن الصغير يصلى عليه كما يصلى على الكبير، فالحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة مكان الراكب من الجنازة، وأنه يكون وراءها، يعني: لا يكون أمامها، ولا يمينها، ولا شمالها، وإنما يكون وراءها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الماشي: فإنه حيث شاء، إن شاء أن يكون أمامها، وإن شاء أن يكون عن يمينها، أو عن شمالها، أو من خلفها، كل ذلك سائغ، وجاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(والطفل يصلى عليه)] أي: كما يصلى على الكبير، وفي هذا دلالة على مشروعية الصلاة على الصغار، وعلى مكان موضع الراكب من الجنازة إذا تبعها، ومكان موضع الماشي من الجنازة إذا تبعها، والترجمة هي: بمكان الراكب، والحديث دال على أنه يكون وراءها.

تراجم رجال إسناد حديث: (الراكب خلف الجنازة ...)

قوله:
[أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
وقد مر ذكره.
[أخبرنا زياد بن أيوب].
ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا عبد الواحد بن واصل].
ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، مثل الذين خرجوا لـزياد بن أيوب.
[حدثنا سعيد بن عبيد الله].
هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي وهو صدوق، ربما وهم، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[وأخوه المغيرة].
هو المغيرة بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده،
[عن زياد بن جبير].
زياد بن جبير وهو عمه؛ لأن زياد أخو: عبيد الله؛ لأن سعيد، والمغيرة أبوهم: عبيد الله، وجدهم: جبير وعمهم زياد، وهما يرويان عن عمهم زياد بن جبير بن حية الثقفي، وهو ثقة كان يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو جبير بن حية الثقفي وهو ثقة، جليل، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
والحديث من رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد، أو عن الآباء عن الأعمام عن الأجداد؛ لأن الاثنين يرويان عن عمهما، وعمهما يروي عن أبيه، فهو رواية الأبناء عن الآباء، ومن رواية الأقارب عن الأقارب، يعني: أبناء الأخ عن عمهم.
[عن المغيرة بن شعبة].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


مكان الماشي من الجنازة

شرح حديث: (.. والماشي حيث شاء منها ...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [مكان الماشي من الجنازة.أخبرنا أحمد بن بكار الحراني حدثنا بشر بن السري عن سعيد الثقفي عن عمه زياد بن جبير بن حية عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مكان الماشي من الجنازة، أورد فيه حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى؛ لأن حديث المغيرة اشتمل على ثلاث جمل: مكان الماشي، ومكان الراكب، والصلاة على الطفل، وكل منهما سيعقد له ترجمة، ويورد الحديث تحت هذه التراجم، هذا الحديث المشتمل على الجمل الثلاث تحت تراجم ثلاث، الترجمة السابقة وهي: مكان الراكب من الجنازة، وهذه الترجمة التي معنا وهي: مكان الماشي من الجنازة، وسيأتي ذكر الحديث في ترجمة أخرى وهي: الصلاة على الأطفال أو على الصبيان.
والحديث متنه كمتن الذي قبله، وإنما جاء برواية أخرى للاستدلال به على مكان الماشي من الجنازة، وأنه يكون حيث شاء إن شاء أمامها، وإن شاء وراءها، وإن شاء عن يمينها، وإن شاء عن شمالها.

تراجم رجال إسناد حديث: (.. والماشي حيث شاء منها ...) من طريق أخرى

قوله:
[أخبرنا أحمد بن بكار الحراني].
صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر بن السري].
ثقة، متقن، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد الثقفي].
هو سعيد بن عبيد الله، وقد مر ذكره.
[عن عمه زياد بن جبير عن أبيه جبير بن حية عن المغيرة بن شعبة].
وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

يتبع


ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:29 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث ابن عمر: (أنه رأى رسول الله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر وقتيبة عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة).
وهذا فيه: بيان أحد المواضع التي تكون للماشي؛ لأن الحديث الذي مر يفيد أنه حيث شاء، وهذا فيه بيان: أن النبي عليه الصلاة والسلام، وأبا بكر، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، وهذا يدل على أن المشي أمامها، كما أن المشي عن يمينها، وشمالها، وورائها كل ذلك سائغ، إلا أن الحديث الأول دل على أن مكانه حيث شاء، وهذا بين أن ابن عمر رضي الله عنهما، رآهم يمشون أمام الجنازة، فدل ذلك على أن المشي أمامها سائغ كما جاء به هذا الحديث، وكما جاء به الحديث العام يقول: (والماشي حيث شاء منها) يعني: حيث شاء من الجنازة، إن شاء أمامها، وإن شاء عن يمينها، وإن شاء عن شمالها، وإن شاء من ورائها.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أنه رأى رسول الله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)

قوله:
[أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
[وعلي بن حجر وقتيبة].
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[وقتيبة].
هو قتيبة بن سعيد وقد مر ذكره.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة، سفيان بن عيينة، وقد عرفنا فيما مضى أنه إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به: ابن عيينة، وإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري فالمراد به: ابن عيينة، وهنا اجتمع الأمران، اجتمع قتبية يروي عن سفيان، وسفيان يروي عن الزهري، فهو ابن عيينة، ولو جاء قتيبة عن سفيان فقط وهو يروي عن الزهري يحمل على ابن عيينة، ولو جاء ابن عيينة يروي عن الزهري، وليس فيه قتيبة فالمراد به: ابن عيينة، وهنا اجتمع به أمران من حيث التلاميذ، ومن حيث الشيوخ، فـسفيان هذا المهمل الغير المنسوب المراد به: سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بجد النبي صلى الله عليه وسلم كلاب؛ لأن قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب أخوان، ولهذا يقال له: الزهري نسبة إلى جده الذي هو زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جده، فهو مشهور بهاتين النسبتين، وهي: نسبة بابن، ونسبة بالياء ابن شهاب وبـالزهري، وهو ثقة، فقيه، إمام، جليل، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن المدينة اشتهر بها في عصر التابعين سبعة، ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، وواحد فيه خلاف على أقوال ثلاثة، والستة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل سالم بن عبد الله بن عمر الذي معنا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهؤلاء التسعة يعني: الثلاثة مختلف فيهم، والستة متفق عليهم كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا همام حدثنا سفيان ومنصور وزياد وبكر هو ابن وائل، كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث إن سالماً أخبره أن أباه رضي الله تعالى عنه أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وعثمان يمشون بين يدي الجنازة. بكر وحده لم يذكر عثمان، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب مرسل].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة عثمان، وهي من بعض الرواة الذين ذكرهم؛ لأنه ذكر جملة من الرواة رووا الحديث، ولكن واحداً منهم زاد عثمان، والباقون لم يذكروا عثمان، وإنما ذكروا أبا بكر، وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في الطريق السابقة التي ليس فيها عثمان، وهنا هذه الطريق الأخرى فيها ذكر عثمان، ولكن ذكر عثمان إنما هو من بعض الرواة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة) من طريق أخرى

قوله:
[أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].
هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[حدثنا أبي].
هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا هو الذي سبق أن مر بنا ذكره قريباً الذي يروي عن داود بن أبي الفرات، ويروي عنه إسحاق بن إبراهيم والذي روى عنه البخاري، وهو من كبار شيوخه؛ لأنه مات سنة (213هـ) وعمّر مائة سنة فأدرك المتقدمين، وروى عنه البخاري، هذا عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ثقة، أخرج أصحاب الكتب الستة.
المقرئ المكي من أهل مكة، نسب إلى أهل مكة.
[حدثنا همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
[ومنصور]
هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وزياد]
هو زياد بن سعد بن عبد الرحمن، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وبكر هو: ابن وائل].
بكر، هو ابن وائل الكوفي، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وكلمة: (هو ابن وائل) هذه التي زادها من دون همام بن يحيى؛ لأن التلميذ الراوي لا يحتاج إلى أن يقول: (هو) بل ينسبه إلى ما يريد، ويطيل في نسبه، أو يقصر كما يريد، ما يحتاج إلى كلمة (هو)، لكن الذي يحتاج إلى كلمة (هو) من دونه، فالذي دون همام هو عبد الله بن يزيد المقرئ، أو ابنه محمد، أو النسائي، أو من دون النسائي هو الذي أتى بكلمة (هو) بعد بكر.
فـسفيان، ومنصور، وزياد، وبكر هؤلاء الأربعة كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث أن سالماً أخبره أن أباه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، (كانوا يمشون بين يدي الجنازة)، إلا أن ذكر عثمان إنما جاء في الرواية الأخيرة، من الأربعة الذي هو: بكر بن وائل هو الذي أتى بهذه الزيادة، ثم إن الحديث جاء عن طريق مالك عن الزهري وعن غيره، عن الزهري مرسلاً، يعني: يقول (كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر يمشون بين يدي الجنازة).
ولهذا قال النسائي بعده: وهذا خطأ، والصواب مرسل، يعني: أن الزهري أرسله، لكن الحديث ثابت؛ لأن هؤلاء رووه بهذه الزيادة ورووه بهذا الإسناد وهم ثقات، فتعتبر الزيادة من ثقة، فتكون مقبولة، ولا يقال: إن المرسل يقضي على المسند، بل المسند ثابت، والرسول صلى الله عليه وسلم يمشي بين يدي الجنازة، وأبو بكر، وعمر كذلك، وهذا الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر في هذا الحديث داخل تحت الحديث الذي مر الذي يقول فيه: (والماشي حيث شاء)؛ لأن (بين يديها) داخل تحت هذا العموم؛ لأن كلمة (حيث شاء) يدخل تحته أمامها الذي دل عليه الحديث، ويدخل تحته يمينها، وشمالها، ووراءها، فالحديث ثابت، ومقتضاه وما دل عليه، يعني: أيضاً دل الحديث الذي قبل ذلك.
وعبارة النسائي: بكر وحده لم يذكر عثمان.
معناه: الثلاثة هم الذين ذكروا عثمان، وبكر وحده لم يذكر عثمان، ثلاثة ذكروا عثمان، وهم: سفيان، ومنصور، وزياد بن سعد هؤلاء قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، أما بكر فإنه قال: الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، ولم يذكر عثمان، فالواقع هو العكس، يعني: ثلاثة ذكروه وواحد لم يذكره الذي هو رابع الأربعة الأخير منهم، وهو: بكر بن وائل.


الأسئلة

تلازم الأجر الوارد في الجنازة بمجموع الصلاة والدفن

السؤال: هل هذا القيراط المذكور في الحديث يحصل لمجرد الصلاة، أم لا بد في حصول القيراط الواحد الاتباع مع الصلاة لقوله: (من تبع حتى يصلي)؟


الجواب: هو الحديث بهذا اللفظ: (من تبعها حتى يصلي عليها، ثم من تبعها حتى تدفن)، فالأول: يكون له قيراط والثاني: يكون له قيراطان، يعني: بمجموع الأول مع الثاني، ولا شك أن من صلى عليها وإن لم يتبعها بأن أدركها بالمسجد ولم يكن يعلم بها، ومشى معها أنه يحصل أجراً عظيماً، ولا أدري هل جاء في بعض الروايات ذكر الصلاة بدون الاتباع أو لا، لا أدري.

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج)

السؤال: ما صحة حديث: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل) وما معناه؟


الجواب: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل) وقوله: (من خاف أدلج) الدلجة هي: السير في الليل، ومن أدلج بلغ المنزل يعني: بلغ الغاية، وكما يقولون: (عند الصباح يحمد القوم السرى) فالذي يخاف يعني: يسير، ومعنى ذلك: أن من خاف الله عز وجل فإنه يسير إلى الله عز وجل بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فإنه يبلغ الغاية، هذا هو معنى الحديث، والحديث أظن، أن ابن رجب شرحه في كتيب سماه: حديث الدلجة، الانشراح في شرح حديث الدلجة، أظنه هذا الحديث الذي شرحه ابن رجب في كتيب، أو في جزء لطيف.

حكم من يخالط أصحاب الموالد من ذوي الأموال لأجل الصدقة

السؤال: جار صاحب عيال، وليس له عمل سوى القيام بحراسة بدار وقف ونظافتها ونحو ذلك، وهو يصلي غالباً في جماعة المسجد، إلا أنه يخالط بعض أصحاب الموالد من ذوي الأموال، وقد يحضر موالدهم رجاء أن يتحصل منهم على معونة أو مساعدة، وتكلمنا معه في ذلك، ويستجيب معنا، إلا أنّا لا نراه ينفك عن مواصلتهم، ولكن لا أعلم إن كان يذهب معهم لموالدهم أو لا، وقد كانت هناك بعض الصدقات، فأردت أن يرفد له منها شيء، فعارضني أحد الإخوان على ذلك لحال الرجل، وأنكر لما يظنه فيه، فهل في ذلك بأس، بأن يبذل لهذا الرجل من هذه الصدقات مع مناصحته؟


الجواب: أقول: لا بأس؛ لأن مثل هذا يكون قريباً، واستمالته والعمل على جلبه، وعلى إبعاده عن أهل البدع شيء مطلوب، فيحرص على مناصحته، ويحرص أيضاً على إعطائه الشيء الذي يغنيه عن أولئك، ما دام أنه يختلط بهم من أجل أن يحصل منهم شيئاً؛ لأنه صاحب حاجة، فيسعى إلى إغنائه عنهم، وإلى نصحه، وتوجيهه، وإرشاده إلى أن يبتعد عن البدع وأهل البدع، وأن في ذلك محاذير، وأضرار عليه عاجلة وآجلة.

حكم من ذهب إلى المدينة بعد أداء العمرة ثم رجوعه للحج

السؤال: رجل من أهل المدينة ينوي الحج لهذا العام متمتعاً، ويريد أن يأتي بالعمرة الآن، ثم يرجع إلى المدينة، ثم في اليوم الثامن يذهب إلى مكة بدون إحرام، ثم يحرم هناك، فهل عليه شيء؟

الجواب: لا، ليس له ذلك، فالإنسان لكونه يذهب الآن، ويتمتع، ويرجع إذا رجع إلى المدينة ينقطع تمتعه، إذا رجع إلى بلده انقطع تمتعه، فإذا أراد أن يتمتع يأتي بعمرة أخرى عندما يذهب إلى مكة قبيل الحج، لكن ليس له أن يذهب، ويحرم من مكة؛ لأنه يكون تجاوز الميقات، وهو يريد حجاً وعمرة، فيجب عليه أن يحرم من الميقات، فإن أحرم مفرداً فيحرم من الميقات، وإن أحرم بعمرة أخرى غير العمرة التي ذهبت التي لا تصلح أن تكون للتمتع، فإنه يحرم أيضاً من الميقات، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم، سواء كان متمتعاً أو مفرداً، لابد من الإحرام من الميقات.

حكم الصلاة على المولود الميت الذي لم يستهل

السؤال: الطفل إذا مات ولم يستهل فهل يصلى عليه، وما هو الدليل؟

الجواب: نعم يصلى عليه، وعموم حديث المغيرة بن شعبة يدل على ذلك.

موقف الإمام من جنازة الطفل ذكراً كان أو أنثى

السؤال: هل يستوي في الصلاة على الطفل الذكر والأنثى بالنسبة إلى موضع الصلاة عليه؟


الجواب: الذي يبدو أن الطفل كما هو معلوم: لا يحتاج أن يعرف هو ذكر أو أنثى، ولهذا الأمر فيه واحد لا فرق فيه بين الذكر والأنثى، وإنما الفرق في الموقف بين الرجل والمرأة، فإن الرجل يقف الإمام عند رأسه، والمرأة يقف عند وسطها، وهذا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء.

معنى لفظة النسائي في الحديث (هذا خطأ، والصواب مرسل)

السؤال: نرجو تبيين معنى الكلمة الأخيرة في الحديث وهي قوله: (قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب: مرسل) ومن المقصود بـأبي عبد الرحمن؟

الجواب: إذا جاء في الأحاديث وجاء في آخرها قال أبو عبد الرحمن، فالمقصود به النسائي، والمقصود من هذه الكلمة، أنه يرى أن الحديث جاء مرسلاً، وجاء مسنداً، والذي ذكره هنا المسند، ولم يذكر المرسل، ولكنه أشار إلى المرسل إشارة، والمرسل هو كونه جاء عن مالك وعن يونس بن عبيد وعن جماعة عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكلام كلام الزهري ما يضيفه إلى سالم، ولا إلى عبد الله بن عمر، ولا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فحذف هؤلاء كلهم ثم قال: (كان رسول الله)، ومعلوم: أن الزهري هو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، فإذا أضاف الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أبي بكر، وعمر، فهذا إرسال؛ لأنه مثلاً فيه واسطة، وما ذكر الواسطة، لكن جاء من طرق صحيحة ذكرت هذه الواسطة، فـالنسائي قال: الصحيح المرسل، وهو كما ذكرت جاء مسنداً، يعني: من الحديثين هذا والذي قبله، وهذا الإسناد، والذي قبله كله فيه الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر، فتكون الطريقة المسندة صحيحة وثابتة، وذلك ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قلت: هو متفق عليه، ما جاء في الأحاديث المتقدمة التي فيها موضع الراكب، وموضع الماشي من الجنازة، وفي كل منها أن الماشي حيث شاء منها، فيدخل تحته أمامها، ويمينها، وشمالها، ووراءها، وهذا وضحه النسائي في السنن الكبرى؛ لأنه ذكر أن مالكاً ويونس رووه عن الزهري مرسلاً، والزهري هو الذي قال: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر)، والجماعة رووه مسنداً، والنسائي يرى أن المرسل أصح، لكن كما قلت: المسندة صحيحة، والحديث ثابت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام من جهة الإسناد، ومن جهة دخوله تحت الأحاديث السابقة التي فيها ذكر أن الماشي حيث شاء من الجنازة.

ترجمة النسائي مكان الراكب من الجنازة ودلالة ذلك على الوجوب

السؤال: هل المقصود بترجمة الباب مكان الراكب من الجنازة أن ذلك على الوجوب؟

الجواب: لا، ليس على الوجوب، لكن على الاستحباب كما هو معلوم، وكما هو معلوم بالنسبة للجنازة كونه يلزم الماشي يعني: الأمر كله واسع؛ لأنه ما فيه إلا أمامها، أو يمينها، أو شمالها، أو وراءها، وكله سائغ، لكن بالنسبة للراكب هو الذي وراءها، لكن ما أدري، هل فيه شيء يفيد الوجوب؟ لكن هذا فيه بيان أن موضعه يكون وراءها، ولعل السبب في ذلك.
والله تعالى أعلم أنه لو كان أمامها، وكان الراكب أسرع من الماشي ..


ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:30 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(339)


- (باب الأمر بالصلاة على الميت) إلى (باب أولاد المشركين)

كرم الله الإنسان حياً وميتاً، فهناك واجبات له بعد موته على الأحياء، منها: الصلاة عليه سواء كان صغيراً أم كبيراً، حاضراً أم غائباً، وأطفال المسلمين لا يجزم لهم بالجنة، أما أولاد المشركين فالله أعلم بما كانوا عاملين، فنرد أمرهم إلى الله تعالى.
الأمر بالصلاة على الميت

شرح حديث: (إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالصلاة على الميت.أخبرنا علي بن حجر وعمرو بن زرارة النيسابوري قالا: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخاكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه)].
يقول النسائي رحمه الله: الأمر بالصلاة على الميت، أورد النسائي هذه الترجمة وأورد تحتها هذا الحديث؛ لأنه مشتمل على الأمر في قوله: (قوموا فصلوا عليه) ويريد في ذلك النجاشي، حيث أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام عنه في اليوم الذي مات فيه، وأمرهم بأن يقوموا ويصلوا عليه، فإيراد الحديث هنا وإيراد الترجمة من أجل اشتماله على الأمر، والترجمة هي: الأمر بالصلاة على الجنازة، فأورد تحتها حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن أخاكم قد مات -ويريد به النجاشي- فقوموا فصلوا عليه)]، والمراد بذلك: الصلاة على الغائب، والمقصود من هذا: أن الحديث دال على الصلاة الجنازة، وهو أمر بالصلاة على الغائب، وهو: النجاشي، وقد اختلف العلماء في الصلاة على الغائب، فمنهم من قال -وهم جمهور العلماء-: إنه يصلى على الغائب؛ لأنه ثبت بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال: لا يصلى على الغائب، وأن الصلاة على الغائب من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذا أمر يختص به، وقالوا أيضاً: إن الجنازة أحضرت بين يديه فصلى عليها، وممن قال بذلك المالكية، وقد أنكر عليهم ابن العربي المالكي، كما نقله عنه ابن حجر في فتح الباري، وتكلم في ذلك كلاماً حسناً، فقال: قالوا -أي: المالكية- ليس لأحد أن يصلي على الغائب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي قلنا: ما عمل به الرسول صلى الله عليه وسلم عملته أمته، قالوا: إن الجنازة قد أحضرت وصلى عليها، قلنا: إن ربنا لقادر، وإن النبي عليه الصلاة والسلام لذلك أهل، لكن لا تقولوا من تلقاء أنفسكم شيئاً، المعول هو على ما جاءت به الأحاديث، ولم يأت حديث يدل على ما ذكرتم، وتكلم كلاماً حسناً في هذا، فالمعول عليه هو كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، والأصل عدم الخصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام إلا أن يأتي شيء يدل على الخصوصية فعند ذلك يصار إليها، أما إذ لم يأت شيء يدل على الاختصاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأصل أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له في ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فالحاصل: أن جمهور العلماء على مشروعية الصلاة على الغائب، وبعضهم قال باختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بها وهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل عدم الاختصاص، ولا يصار إلى التخصيص إلا إذا وجد ما يدل على ذلك، وليس في هذه المسألة شيء يدل على أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)

قوله:
[أخبرنا علي بن حجر].
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه.
[وعمرو بن زرارة النيسابوري].
ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة.
[عن أبي المهلب].
قيل: اسمه عمرو الجرمي أبو المهلب وهو عم أبي قلابة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمران بن حصين].
هو عمران بن حصين أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


الصلاة على الصبيان

شرح حديث: (أتي رسول الله بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الصبيان. أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا سفيان حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة! خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلاً وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقهم في أصلاب آبائهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة على الصبيان، إذا ماتوا كما يصلى على الكبار، وقد جاء في الدعاء: (اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا) وأورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، (أن النبي عليه الصلاة والسلام أوتي بصبي من الأنصار فصلى عليه)، وهذا هو محل الشاهد (فصلى عليه)؛ لأن هذا هو المتعلق بالترجمة، فقالت عائشة: [(طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)] يعني: وأن كل شيء سبقت به المقادير، وأنه لا يجزم لأحد بجنة ولا نار، إلا ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصلاة على الصبيان ثبتت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنه هذا الحديث والحديث الذي بعده الذي فيه ذكر الأطفال، فالصلاة ثابتة على الصغار، كما أنها ثابتة على الكبار، كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: أن كل مسلم يصلى عليه كبيراً أو صغيراً، وما جاء في آخره من قول عائشة رضي الله عنها: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة) وهذا جزم منها لما تعلمه من أنه غير مكلف.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أو غير ذلك؟)] يعني: لا يجزم لأحد بشيء إلا ما جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين أن كل شيء سبقت به المقادير، وقد اختلف العلماء في أولاد المسلمين إذا ماتوا، وأين مصيرهم؟ فمنهم بل جمهورهم: على أنهم في الجنة، وقد مر بنا بعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي فيه أن الشخص الذي قدم طفلاً وفقده، وحزن عليه حزناً شديداً، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن يكون أمامك لا تأتي لباب من أبواب الجنة إلا وهو أمامك يريد أن يفتحه لك؟!).
فجمهور العلماء قالوا: أنهم في الجنة، وبعض العلماء قال: لا ينبغي أن يجزم وإنما يتوقف؛ لأن هذا الحديث الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يدل على التوقف، وعلى أنه لا يجزم بشيء من ذلك؛ لأن هذه أمور غيبية ولا يجزم لأحد بجنة أو نار، فجمهور العلماء على القول بأنه في الجنة، وبعضهم قالوا بالتوقف؛ لما يقتضيه هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أتي رسول الله بصبي من صبيان الأنصار فصلى عليه ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له النسائي وحده، وهو شيخه ومن أهل بلده، لكن جاء في تحفة الأشراف أن الذي روى عنه النسائي هذا الحديث هو محمد بن منصور عن سفيان، وجاء هذا كذلك في السنن الكبرى، والأسانيد التي في السنن الكبرى والصغرى متحدة، وتحفة الأشراف تنقل عن الصغرى، فيكون الذي في السنن الكبرى والصغرى: محمد بن منصور عن سفيان.
وعلى أي حال سواء كان الإسناد عن محمد بن منصور أو عمرو بن منصور فكلاهما ثقة، محمد بن منصور الجواز المكي ثقة، أخرج له النسائي وحده، وعمرو بن منصور ثقة، أخرج له النسائي وحده، وقد يكون الأقرب أنه محمد بن منصور لأنه المتفق عليه في السنن الكبرى وفي تحفة الأشراف، لكن مهما يكن فكل منهما ثقة، وكل منهما شيخ للنسائي.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مكي كما أن محمد بن منصور مكي.
[حدثنا طلحة بن يحيى].
هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه، جده أحد العشرة المبشرين في الجنة، وطلحة بن يحيى بن طلحة هو على اسم جده، وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمته عائشة بنت طلحة].
يروي عن عمته عائشة بنت طلحة؛ لأن عائشة بنت طلحة أخت يحيى، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[عن خالتها عائشة أم المؤمنين].
هي ابنة أبي بكر رضي الله عنها، وعائشة بنت طلحة أمها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، فهي تروي عن خالتها عائشة بنت أبي بكر الصديق، فهي خالتها خالة عائشة بنت طلحة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هي الصديقة بنت الصديقة، التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما الأمور البيتية التي تقع بين الرجل وأهل بيته، فإن هذا مما حفظته للناس، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، الستة: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، والمرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضها.


الصلاة على الأطفال

شرح حديث: (الراكب خلف الجنازة ... والطفل يصلى عليه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الأطفال. أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا سعيد بن عبيد الله سمعت زياد بن جبير يحدث عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلي عليه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة على الأطفال، وأورد هذه الترجمة في لفظ الأطفال؛ لأن فيه (والطفل يصلى عليه)، والترجمة السابقة الصلاة على الصبيان؛ لأن في الحديث أتي بصبي فصلى عليه؛ لأنه جاء لفظ الصبي في الحديث الأول، وجاء لفظ الطفل في الحديث الثاني، وكل منهما غير مكلفين، كل منهما صغار لم يبلغوا التكليف، ويقال لمن لم يبلغ التكليف يقال له: طفل، وكذلك صبي، والله تعالى يقول: (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ )[النور:59]، فهو ما دام أنه لم يبلغ الحلم هو طفل، وقد أطلق عليه أنه طفل حتى يبلغ الحلم، (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا )[النور:59].
فالحاصل أن الترجمتين وإن كان مؤداهما واحد، إلا أن التفريق بينهما من أجل اللفظ الذي جاء في كل من الحديثين الذي جاء بلفظ الصبي أتت الترجمة بلفظ الصبيان، والذي أتى بلفظ الطفل جاءت الترجمة بلفظ الصلاة على الأطفال.
والحديث سبق أن مر في ترجمتين سابقتين، ترجمة في مكان الراكب من الجنازة إذا تبعها، وترجمة في مكان الماشي من الجنازة، وهي: الترجمة الصلاة على الأطفال؛ لأن الحديث اشتمل على هذه المعاني الثلاثة كون الراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي يمشي حيث يشاء، والطفل يصلى عليه.
وأورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من الطرق التي ورد بها، وقد سبق أن أورده من طريقين ورد بهما.

يتبع


ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:30 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (الراكب خلف الجنازة ... والطفل يصلى عليه)

قوله:
[أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن عبيد الله].
هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له مسلم ولا أبو داود.
[سمعت زياد بن جبير].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[يحدث عن أبيه].
هو جبير بن حية، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
[عن المغيرة].
هو المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


أولاد المشركين

شرح حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أولاد المشركين. أخبرنا إسحاق حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].
أورد النسائي في هذه الترجمة وهي: أولاد المشركين، يعني: ما حكمهم في الدار الآخرة؟ هل هم من أهل الجنة أو من أهل النار أو ماذا؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، لما ذكر أولاد المسلمين وأنه يصلى عليهم أتى بهذه الترجمة المطلقة لأولاد المشركين.
وقد اختلف العلماء في حال أولاد المشركين في الآخرة، فمنهم من قال: إنهم تبع لآبائهم وأنهم من أهل النار، ومنهم من قال: إنهم في الجنة لأنهم غير مكلفين، والعذاب في النار لا يكون إلا بعد بلوغ الحجة والرسالة، ومنهم من قال: إنهم ممتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان تكون النتيجة إما سعداء، وإما أشقياء، وقد ورد في ذلك ما يدل عليه، وهو الذي يدل عليه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: [(الله أعلم بما كانوا عاملين)] يعني: إذا امتحنوا، فالله تعالى أعلم بما يعملون، وعلى ضوء هذا العمل الذي يعملونه عند الامتحان تكون النتيجة إما من أهل الجنة وإما من أهل النار، والآخرة، وإن كانت ليست دار تكليف فإن الامتحان في عرصات القيامة، وقبل دخول الجنة أو النار يمكن، وقد جاء ما يدل عليه، وهو الذي يدل عليه أو يتبين من قوله: [(الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين)] يعني: إذا كلفوا فإن الله تعالى هو الذي يعلم ماذا ينتهي إليه كل واحد منهم.
وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وقال: إن أصح ما يقال أن يقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يقال: إنهم في الجنة ولا يقال: إنهم في النار، وإنما يقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، وأنهم إذا حصل الامتحان فإنهم ينتهون إلى ما يحصل منهم من عمل، فإن كانوا استجابوا وحصل التوفيق لهم في الجواب الحسن والاستجابة، فإنهم يكونون في الجنة، وإلا فإنهم يكونون من أهل النار، وعلى هذا فلا يقطع لهم بشيء لا بجنة ولا بنار، وإنما يقال فيهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الرابع صفحة (303) من مجموع الفتاوى هذا البحث المتعلق ببيان أحوال أولاد المشركين، والأقوال التي قيلت فيهم، وأن أصح شيء فيها هو: عدم القطع والبت في أحد.

تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)

قوله:
[أخبرنا إسحاق].
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف أنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو ثقة، فقيه.
[حدثنا سفيان].
سفيان هو: ابن عيينة وقد مر ذكره.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء سفيان مهملاً يروي عن الزهري فالمراد به: ابن عيينة، هكذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال في موضع آخر: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري فإنه يحمل على ابن عيينة.
[عن عطاء بن يزيد الليثي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، ومن المعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لازمه بمكة والمدينة، لكن الذي نقل عن أبي هريرة أكثر مما نقل عن غيره، ومن أسباب ذلك عدة أمور:
منها: أن أبا هريرة كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ عنه وعن الصحابة، ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة إذا أخذوا عن بعضهم ولم يذكروا الواسطة فهي حجة، فهو يأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويأخذ عن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام هي من أسباب كثرة حديثه.
ومنها: الدعاء الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ، حفظ السنة، وكان هذا من الأسباب.
ومن أسباب ذلك كونه عمّر، وعاش دهراً طويلاً، وكان ساكناً في المدينة، والمدينة يفد إليها الناس، ويمرون بها، ويقصدونها، ومن المعلوم أن من يكون فيها من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتي الناس إلى المدينة يحرصون على أن يلقوه وأن يأخذوا عنه، فلهذه الأسباب كثر حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

حديث: (أن النبي سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا الأسود بن عامر حدثنا حماد عن قيس هو: ابن سعد عن طاوس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله: [(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)] فهو مثل الذي قبله تماماً.
قوله:
[أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].
هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا الأسود بن عامر].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن قيس وهو: ابن سعد].
قيس وهو: ابن سعد، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وكلمة: (قيس هو: ابن سعد) الذي قالها هو من دون حماد بن سلمة.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

شرح حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين ..) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: خلقهم الله حين خلقهم، وهو يعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: خلقهم الله يوم خلقهم وهو يعلم بما كانوا عاملين)] يعني: أن كل ذلك مقدر، وأن الله تعالى علم ما سيكون منهم، وهو مثل حديث أبي هريرة بقوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين).

تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن أولاد المشركين ..) من طريق ثالثة

قوله:
[أخبرنا محمد بن المثنى].
هو العنزي البصري الملقب بـالزمن، وكنيته: أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك محمد بن بشار الملقب بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء ثلاثة كل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252) بعد وفاة البخاري بأربع سنوات.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وقد قال فيه الذهبي في كتابه، في ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل لما ذكر يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي قال: أنهما إذا وثقا شخصاً فإنه يعول على توثيقهما وقال: وإذا اتفقا على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان في قولهما الهدف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو أبو بشر جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عن ابن عباس، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين مر ذكرهم آنفاً.

حديث: (سئل النبي عن ذراري المشركين..) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا مجاهد بن موسى عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذراري المشركين أي: الذرية، فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) وهو نفس الحديث الذي جاء عن أبي هريرة في الطريق السابقة: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].
ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن هشيم].
هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس، والإرسال الخفي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
والتدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع، وأما المرسل الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه شيئاً، فلتوهم المعاصرة يظن أن فيه اتصالاً؛ لكنه مع ذلك هو مرسل، فالفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاءه إياه، وأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي؛ لأن في المرسل إذا كان بينه وبينه مسافة، وأنه أي: الراوي أو التلميذ أو الذي روى ولد بعد وفاة المروي عنه وكان بينه وبينه زمن طويل فهذا إرسال جلي، لكن إذا كان معاصراً له وما عرف أنه لقيه ثم روى عنه فإنه يكون مرسلاً خفياً، فـهشيم بن بشير الواسطي كثير التدليس والإرسال الخفي.
[عن أبي بشر عن سعيد عن ابن عباس].
أبو بشر وسعيد بن جبير وابن عباس قد مر ذكرهم.

ابوالوليد المسلم 24-05-2022 01:31 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(340)

- (باب الصلاة على الشهداء) إلى (باب الصلاة على المرجوم)

للشهيد منزلة عند الله ولذلك خصه بأمور كثيرة منها: أنه لا يغسل ولا يكفن، أما الصلاة عليه فيجوز فعلها وتركها، وتركها إكراماً له ليس من باب الزجر والردع كما هو الحال في الزاني المحصن المرجوم، الذي يكون في ترك الصلاة عليه أحياناً زجر للناس حتى لا يقعوا فيما وقع فيه.
الصلاة على الشهداء

شرح حديث: (... ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على الشهداء.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد أن ابن أبي عمار أخبره عن شداد بن الهاد رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً، فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا، قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا، قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً، أنا شهيد على ذلك)].
يقول النسائي رحمه الله: الصلاة على الشهداء.
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الصلاة على الجنازة، وعلى أن الميت يصلى عليه، وصلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام عدد من الناس بالصلاة عليه تأدى ذلك الفرض الواجب، وليست فرض عين ولا مستحبة فقط، بل لابد من وجودها، ويحصل القيام بهذا الواجب بحصول الصلاة عليه من بعض الناس، وكلما كثر عدد المصلين عليه فهو خير للإنسان؛ لأنهم يدعون له ويستغفرون له، وهناك أناس من الموتى لا تجب عليهم الصلاة، بل يجوز أو يشرع الإتيان بها ويجوز تركها، ومن هؤلاء الشهداء، فقد عقد النسائي ترجمتين إحداهما: في الصلاة عليهم، والثانية: في ترك الصلاة عليهم، وهذا فيه: إشارة إلى أن الصلاة عليهم إذا أتي بها وحصلت فذلك خير، وإن لم تفعل فإن ذلك ليس بلازم، وليس بواجب، وهذا هو مقصود النسائي من إيراد الترجمتين، الترجمة الأولى الصلاة على الشهداء.
فقد أورد النسائي حديث شداد بن الهاد رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وآمن به واتبعه وقال: أهاجر معك، فهاجر وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه به، ولما حصل سبياً جعل له نصيباً من ذلك، وأعطاه بعض أصحابه ليعطوه إياه، وكان يرعى ظهرهم، يعني: يرعى الإبل والدواب لهم، فلما جاء أعطوه ما خصه به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ما هذا يا رسول الله؟! قال: قسم قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك! يعني: أنا ما اتبعتك لأحصل شيئاً ولتعطيني شيئاً من الدنيا، وإنما بايعتك لأجاهد معك ولأرمى إلى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم، يعني: أرمى بسهم في سبيل الله، فأموت بسبب ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن تصدق الله يصدقك)] أي: إن تكن صادقاً فيما قلت وفيما أردت، فالله تعالى يحقق لك ما تريد، وينجز لك ما أردت، فما لبثوا إلا أن فزعوا إلى قتال عدو، فكان من جملتهم فأصابه سهم في المكان الذي أشار إليه من حلقه فمات، فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام محمولاً وقال: أهو هو؟ يعني: أهو ذاك الشخص الذي جرى بيني وبينه الكلام، ثم أصيب في هذا المكان الذي أشار إليه من حلقه، قالوا: نعم، قال: [(صدق الله فصدقه)].
وهذا إشارة إلى قوله أولاً: [(إن تصدق الله يصدقك)] فصدق الله فصدقه، ثم صلى عليه وهذا هو محل الشاهد، صلى عليه أي: على هذا الذي استشهد وعلى هذا الذي قتل في سبيل الله، وهذا هو محل الشاهد.
وفيه: الدلالة على مشروعية الصلاة على الشهداء، ولكنها ليست بلازمة، وليست متحتمة كتحتمها على غير الشهداء؛ لأنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على ترك الصلاة عليهم، فدل على أنها مشروعة، وأنها ليست بلازمة، وليست بمتحتمة.
قوله: [(ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم)].
أي: ثم كفنه صلى الله عليه وسلم في جبته عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الشهداء يكفنون في ثيابهم، فهذا كُفن بالإضافة إلى ثيابه، وكونه كفن بجبة النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه فضل، وفيه التبرك بما لبسه النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً، أنا شهيد على ذلك) ].
وهذا يدلنا على فضل هذا الرجل، هذا الأعرابي الذي هاجر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحرص على الشهادة في سبيل الله، وحقق الله تعالى له ما أراد، وأثبت ذلك له رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إنه قتل شهيداً في سبيل الله، وأن النبي عليه الصلاة والسلام شهيد على ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم، هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً ...)

قوله:
[أخبرنا سويد بن نصر].
هو المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[أنبأنا عبد الله].
هو ابن المبارك، وسويد بن نصر إذا جاء يروي عن عبد الله غير منسوب فالمراد به: ابن المبارك، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة ثبت جواد مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر جملة من صفاته في التقريب: (جمعت فيه خصال الخير)، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وهو ثقة فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عكرمة بن خالد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[أن ابن أبي عمار أخبره].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شداد بن الهاد].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه النسائي وحده.

شرح حديث: (أن رسول الله خرج يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى شهداء أحد فصلى عليهم في تلك المعركة صلاته على الأموات، ثم انصرف إلى المنبر وقال: [(أنا فرطكم، وأنا شهيد عليكم)] والفرط هو: الذي يتقدم قومه ليهيئ لهم المكان، وليرتاد لهم المكان، وقد جاء في بعض الحديث أنه فرطهم على الحوض، يعني: أنه يتقدمهم.
قال [(وأنا شهيد عليكم)] المقصود بذلك أنه شهيد لهم، والمقصود من الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على أهل أحد، وجاء في بعض الروايات أنه صلى بعد ثمان سنين، وكان ذلك قبيل موته صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات أنه كالمودع للأحياء والأموات، وجاء في بعض الروايات أن الصحابي الذي روى الحديث قال: إن هذه آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لما كان على المنبر، ففي بعض الروايات أنه قال كالمودع للأحياء والأموات، يعني: أنه صلى عليهم، ودعا لهم، واستغفر لهم، وكان ذلك توديعاً للأموات كما أنه ودع الأحياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثمان سنين من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ليس لأحد أن يصلي بعد مضي مثل هذه المدة، وإنما الميت يصلى عليه بعد دفنه بمدة وجيزة، من لم يصل عليه يصلي عليه بعد دفنه بمدة وجيزة، لكن بعد هذه المدة الطويلة التي هي ثمان سنوات، فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
ثم إن ما جاء في الحديث أنه كالمودع للأحياء والأموات، وأنه يستغفر لهم، وأنه يدعو لهم هذا فيه: دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يطلب منه شيء في قبره، لا دعاء ولا استغفار، وأنه لا يحصل منه شيء من ذلك بعد وفاته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإنما دعاؤه، واستغفاره حال حياته عليه الصلاة والسلام، ولا يكون ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء أنه قال كالمودع، ولو كان يستغفر ويدعو بعد وفاته ما كان هناك حاجة إلى التوديع بالدعاء والاستغفار، وإنما يدعو لهم بعد ما يموت ويستغفر لهم بعد ما يموت، لو كان الأمر كذلك، وقد جاء أيضاً ما يدل على هذا الذي يستفاد من هذا الحديث، وهو: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المرضى: باب قول المريض: وا رأساه، فإنها لما قالت: (ورأساه، قال: لو كان ذاك وأنا حي دعوت لك واستغفرت لك) معناه: أنها لو ماتت، وسبقته في الوفاة فإنه يدعو لها، ويستغفر لها، فهذا الذي يدل عليه الحديث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يستغفر في حياته؛ لأنه لو كان الاستغفار في الحياة وبعد الممات ما لم يكن هناك حاجة إلى أن يقول: لو مت قبلي دعوت لك، واستغفرت لك، يعني: سواء أن تسبقه أو يسبقها فيستغفر لها بعد موته لو كان الأمر كذلك، لكنه قال: (لو كان ذاك وأنا حي، دعوت لك واستغفرت لك).
فإذاً: هذا الذي جاء في الحديث من كونه صلى الله عليه وسلم صلى على الأموات إنما هو كما جاء في بعض الروايات كالمودع لهم، وكان ذلك بعد ثمان سنوات، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، أما في قصة الرجل الذي تقدم، وأن الرسول صلى عليه، فهذا يدل على أن الشهيد يشرع أن يصلى عليه، لكنه لا يجب، ولا يتحتم كما يتحتم على غيره ممن لم يأت فيه نص يدل على ترك الصلاة عليه، فالذي جاء في النص يدل على الفعل، والترك يدل على أن الفعل ليس بلازم وإنما هو مستحب، وأنه إن ترك فإنه لا بأس بذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله خرج يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ....)

قوله:
[أخبرنا قتيبة].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو ابن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد].
هو ابن أبي حبيب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخير].
هو: مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


ترك الصلاة عليهم


شرح حديث: (كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ... ولم يصل عليهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الصلاة عليهم. أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، قال: أنا شهيد على هؤلاء، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك الصلاة عليهم، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة قتلى أحد، وأنه كان يجمع بينهم في ثوب واحد، المقصود من ذلك معلوم أنهم يدفنون في ثيابهم، ولكن المقصود من كونه يجمع بينهم في ثوب واحد فيما إذا كان الإنسان قد تمزقت ثيابه وتقطعت، ولم يبق ما يكفن به وما يستره، فإنه يكفن بشيء خارج عن ثيابه التي عليه، وإذا وجد أكفان تكفي لكل واحد يكفن كل واحد على حده بما يكفيه، وإذا لم يوجد فإن الثوب الواحد الذي يكفي للشخص الواحد. فإنه يقطع ويقسم على أشخاص بما يستر به العورة، ثم يوضع على البقية شيء من النبات الذي يغطى به، ويوارى سائر الجسد، وقد قيل في المقصود في ثوب واحد أنه ليس معنى ذلك أنهم يلفون في ثوب واحد ويكون كفناً لهم جميعاً، وإنما المعنى أن الثوب الواحد يكون لعدد ويكون للاثنين بحيث يقطع قطعتين، فبدل ما يكفي لواحد يكون يكفي لاثنين، لكن لا يكفي الكفاية التامة، وإنما يستر به عورته وما يليها ورأسه، وما يبقى بعد ذلك فإنه يوضع عليه شيء من النبات الذي يوارى به الجسد.
ثم إنه يسأل ويدفنهم في قبر واحد، وفي لحد واحد، فكان يسأل عن من يكون أكثرهم حفظاً للقرآن وجمعاً للقرآن، فإذا أشير إليه، قدمه في اللحد، أي: قدم من يكون أكثر قراءة للقرآن، ومن يكون أكثر حفظاً للقرآن فيقدمه على غيره، ثم إنه أمر بدفنهم في ثيابهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، لم يغسلوا لأنه مطلوب في الشهيد أن يكون في دمائه، وأن تكون هذه علامة له يوم القيامة وشهادة له بذلك العمل الذي عمله، فلهذا يدفن في دمائه وفي ثيابه، ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ترك الصلاة عليهم على أن الصلاة على الشهداء ليست بمتحتمة، ولكنها سائغة ومشروعة، كما دل عليه الحديث الأول الذي هو حديث الأعرابي الذي قتل في سبيل الله عز وجل، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له.

يتبع



الساعة الآن : 10:15 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 191.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 190.89 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.26%)]