رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
غسل الميت بالماء والسدر شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت بالماء والسدر. أخبرنا قتيبة عن مالك عن أيوب عن محمد بن سيرين أن أم عطية الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، وقال: اشعرنها إياه)]. ذكر النسائي هذه الترجمة: باب غسل الميت بالماء والسدر. وأورد فيه حديث أم عطية الأنصارية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما توفيت ابنته وهي زينب قال للاتي يغسلنها: (اغسلنها بماء، وسدر ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر إن رأيتن ذلك)، يعني بذلك: أن الأمر في غسل الميت المراد به التنظيف مع مراعاة الإيتار، فإذا حصلت النظافة بثلاث أو بخمس فإنه يكتفى بذلك، وإن احتاج إلى زيادة لذلك فإنه يزاد إذا رأين الحاجة إلى ذلك ولكن مع مراعاة الإيتار، وهو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً. قوله: [(بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني)]. أي: أعلمنني وأخبرنني بفراغكن، يعني: عندما يصار إلى التكفين، فلما فرغن أخبرنه بذلك فأعطاهن حقوه، وهو إزاره الذي كان يلي جسده عليه الصلاة والسلام فأشعرنها إياه، أي: جعلنه مما يلي جسدها، أي: يجعلنه شعاراً له، والشعار هو: الذي يلي الجسد، والدثار هو: الذي لا يلي الجسد، ولهذا جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في بيان الأنصار، وشدة قربهم منه، والتصاقهم به ما جاء في غزوة حنين لما قسم الغنائم، وأعطى المؤلفة قلوبهم ممن أسلم عام الفتح على مائة من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً فوجدوا في أنفسهم، إذ أعطى هؤلاء الذين أسلموا أخيراً قبل أشهر المئات من الإبل للشخص الواحد، وهؤلاء لم يعطهم شيئاً وجدوا في أنفسهم، فأمرهم بأن يجتمعوا في مكان وجاء إليهم، وتكلم فيهم بالكلام الذي أرضاهم، واعتبروه خيراً لهم من مئات من الإبل، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار)، يعني: هم بمنزلة الشعار الذي يلاصق الجسد، ويلي الجسد، والناس دثار يعني: الثوب الذي وراءه. (فأشعرنها إياه)، يعني: اجعلنه شعاراً لها، يعني: بحيث يلي جسدها. والمقصود من ذلك: التبرك بإزاره الذي لامس جسده صلى الله عليه وسلم. والتبرك بثوب الإنسان، أو بفضل الإنسان، أو ما إلى ذلك، هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يستعمل مع غيره، أو يتخذ ذلك من غيره، وإنما ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يتبرك بأحد من الناس بفضل وضوئه، أو اتخاذ شيء من ثيابه ولبسها من أجل حصول البركة، وما إلى ذلك، لا، هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتبركون بما يقدرون عليه مما يتساقط من جسده عليه الصلاة والسلام، وكانوا يأخذون شعره إذا حلق ويتقاسمونه، وكانوا يأخذون فضل وضوئه إذا توضأ، وإذا شرب من كان على يمينه لا يتركه لغيره ولو كان كبيراً، لا يريد أن يؤثر بنصيبه منه صلى الله عليه وسلم أحداً. وكذلك أيضاً كانوا يأخذون بصاقه، وعرقه، ويمسحون به أيديهم وأجسادهم، ويتبركون به صلى الله عليه وسلم بجسده وبما يصدر من جسده، ولكن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، يعني: التي يمكن الحصول عليها من جسده كانوا يتبركون بذلك منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع خير الناس بعده وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم، وعلم أن هذا من خصائصه؛ لأنه لو كان ذلك سائغاً لفعلوه مع خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام. أما ما يقوله بعض أهل العلم أن هذا دليل على التبرك بآثار الصالحين هذا ليس بصحيح؛ لأن هذا إنما يتعلق بشخص الرسول عليه الصلاة والسلام، وغيره لا يقاس عليه ولا يلحق به، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما ألحقوا به أحداً، بل ما فعلوا هذا مع خير أصحابه من بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ثم علي الذين هم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون. وقد ذكر الشاطبي في كتاب الاعتصام إجماع الصحابة واتفاقهم على عدم حصول ذلك مع غيره، فبين أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ما فعلوه مع أحدٍ سواه، وإذا كان هذا ما حصل من الصحابة مع خيارهم، ومقدميهم، وأفضلهم الخلفاء الراشدون، الهادون المهديون الذي قال فيهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما قال، ومن ذلك قوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ) فكيف يفعل ذلك مع أحد من آحاد الناس، ومن أفراد الناس ممن يدعى فيه الصلاح، أو يدعي الصلاح، وقد يكون كاذباً وقد يكون صادقاً، وسواء كان صادقاً، أو كاذباً لا يفعل ذلك مع أحدٍ سوى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا إنما اختص به، وظفر به من أكرمه الله بصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم الذين تبركوا بما قدروا عليه مما ظهر من جسده من شعر، وعرق، وبصاق، وفضل وضوء، وما إلى ذلك مما ثبتت به الأحاديث عنهم رضي الله عنهم وأرضاهم، في تبركهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا لا يصلح أن يؤتى بقصد التبرك إلى أماكن قريبة من قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الجدران التي حول قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يتبركون بالجدران، وما كانوا يتبركون حول قبره، وإنما كانوا يتبركون بما يصدر من جسده وبما يظفرون به من جسده لما كان بينهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فعلم بهذا أن هذا الأمر من خصائصه، وما قاله بعض أهل العلم أن فيه دليلاً على التبرك بآثار الصالحين أن هذا ليس بصحيح، بل هذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوه مع خيرهم الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. والحديث دال على غسل الميت، وأنه يغسل بالإيتار، وأنه يكون ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إذا اقتضت المصلحة في ذلك، وأن الأمر يحتاج إلى زيادة للتنظيف، وأنه إذا لم تحصل النظافة بالثلاث فيصار إلى الخمس، فإذا لم تحصل بالخمس فيصار إلى السبع، وإذا لم تحصل بالسبع يصار إلى التسع، وهكذا عندما يخرج منه شيء، ويعاد تنظيفه وما إلى ذلك، فإنه يزاد حيث ترى المصلحة في ذلك، لكن مع مراعاة الإيتار، وأن يكون في ذلك ماء، وسدر، وكافور كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويطيب بحيث يكون معه طيب؛ لأن الكافور فيه طيب، وفيه فائدة لجسد الميت، فإذا وضع معه طيب يطيب، فهذا مما يشرع ومما يستحب. قوله: [(إن رأيتن ذلك)] يعني: الزيادة عن الخمس، [(ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر إن رأيتن)] ذلك أي: الزيادة. تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ...) قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن مالك]. هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسة الذهبية التي قال عنها البخاري: إنها أصح الأسانيد وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر. [عن أيوب]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره. [عن محمد بن سيرين]. وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أم عطية الأنصارية]. هي نسيبة بنت كعب الأنصارية مشهورة بكنيتها أم عطية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم نعي الميت في الجرائد ووسائل الإعلام والمنابر السؤال: يا شيخ الله يحفظكم، فيما يتعلق بالنعي، هل يجوز نعي الميت في الجرائد ووسائل الإعلام كالتلفزيون؟ الجواب: ليس فيه بأس أبداً، يعني: ذكر وفاته، والإخبار عن وفاته في الجرائد ليس فيه بأس. مداخلة: يا شيخ، لو ذكر ذلك على المنبر يوم الجمعة؟ الشيخ: والله ذكره على المنبر ما يصح، أي: ما يصح أن يعلن على المنبر. دعوى مناداة الإنسان باسمه واسم أمه يوم القيامة السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، هل الميت يوم الحشر ينادى باسمه أو باسم أمه لأني سمعت من يقول بهذا؟ الجواب: لا ينادى الناس بأسماء أمهاتهم، وإنما ينادون بأسمائهم وأسماء آبائهم، منسوبين إلى آبائهم لا إلى أمهاتهم. حكم من نوى التمتع فاعتمر ثم رجع إلى المدينة وهو مقيم فيها السؤال: حفظك الله يا شيخ، رجل مقيم بالمدينة أحرم بعمرة في شوال، ثم رجع المدينة، وهو ينوي الحج مفرداً ويحرم من المدينة فهل عليه شيء؟ الجواب: ليس عليه شيء، ما دام أنه من أهل المدينة، وأحرم من المدينة للعمرة ورجع إليها، فإنه عاد إلى مكان إقامته فانقطع التمتع بكونه رجع إلى بلده، فإذا أراد أن يتمتع يحرم بعمرة أخرى، وإن أفرد فله ذلك، ولكن الأفضل له أن يتمتع وأن يحرم بعمرة أخرى ويكون متمتعاً. حكم والد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة السؤال: يا شيخ حفظكم الله، أليس جد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة؟ الجواب: جد الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما قال الرسول في أبيه للرجل الذي جاءه سائلاً: (إن أبي وأباك في النار)، ومن المعلوم أن الدين كان موجوداً في ذلك الزمن، وكان فيه أناس على دين إبراهيم، وعلى ملة الأنبياء السابقين، وكان فيهم من خرج عما كان عليه الأنبياء بعبادة الأوثان، وفيهم من لا يعبد الأوثان، وكان على دين الأنبياء، وعلى دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في جده عبد المطلب وأبيه عبد الله، قال: (إن أبي وأباك في النار) حكم على أبيه أنه في النار، وأبو طالب كذلك، وكذلك القرناء أو الجلساء الذين كانوا عند أبي طالب عند وفاته لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة وقال له: (قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له: أترغب عن دين عبد المطلب؟!) فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. أول ما خلق الله تعالى السؤال: فضيلة الشيخ، هل حديث: (وكان عرشه على الماء) يدل على أن العرش أول المخلوقات؟ الجواب: قوله: (وكان عرشه على الماء)، بعض العلماء ومنهم: ابن القيم يقول: إن العرش مخلوق قبل القلم، واختلف أيهما أقدم وأسبق القلم أو العرش؟ فمن العلماء من قال: إن القلم أسبق، ومنهم من قال: إن العرش أسبق، ويستدلون على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال في الحديث: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن، وكان عرشه على الماء)، وكانت كتابة المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، معناه: عندما كتبت المقادير كان العرش على الماء، فبعض أهل العلماء ومنهم: ابن القيم يقولون: إن العرش أسبق من القلم، وبعضهم يقول: إن القلم هو الأسبق، والمراد من ذلك العالم المشاهد، ولا يعني ذلك: أن ما قبل ذلك من المخلوقات أنه ليس هناك شيء قبلها، وإنما المقصود العالم المشاهد الذي هو السماوات، وما فوقها من عرش. حكم التطعيم من الأمراض التي لم تحدث السؤال: ما حكم التطعيم من الأمراض التي لم تحدث وإنما من باب الوقاية منها؟ الجواب: التطعيم عن الأمراض باتخاذ أشياء وقائية تعطي الجسد مناعة وتحول دون تمكن أو نفوذ الأمراض إليه، فالأسباب والمسببات كلها بقضاء الله وقدره، كل شيء بقضاء الله وقدره، والله تعالى قدر الأسباب، وقدر المسببات، فما شاءه الله كان، وما لم يشأ لم يكن، واتخاذ عمل شيء من أجل الوقاية من المرض، ومن أجل عدم حصوله ليس هناك ما يمنعه منه، ولا ينافي التوكل؛ لأن هذا من جملة الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ومما يدل على جواز مثل هذا، الحديث الذي ورد في قضية أكل التمرات (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر ولا سم) الحديث، فقوله: (لم يضره في ذلك اليوم) معناه: أن من تصبح بها تكون له وقاية في مستقبل يومه، فهذا يدل على جواز مثل هذه التلقيحات، التي تعطي الجسد مناعة من أن تحصل له الأمراض التي يخشى منها. هذا الحديث الذي ذكرته يدل على ذلك؛ لأن هذا الذي يأكل سبع تمرات يحصل له مناعة من هذه الأمراض في يومه المستقبل. مدى قيام المنظفات الموجودة الآن مقام السدر والكافور في تغسيل الميت السؤال: فضيلة الشيخ، هل هذه المنظفات الموجودة اليوم تنوب عن السدر؟ الجواب: نعم يمكن، لأنه المقصود بالتنظيف، وكان ذلك السدر هو الموجود في ذلك الوقت، ويحصل به التنظيف فتنوب المنظفات عنه. بيان الدعاء الوارد لصلاة الجنازة للأطفال السؤال: أرجو تبيين الدعاء المشروع على الطفل في صلاة الجنازة؟ الجواب: الدعاء للطفل معروف في الحديث العام الذي ورد في هذا، وهو يشمل الطفل وغير الطفل: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) فهذا يدعى به في الصلاة على الطفل، ويكون دعاء يتعلق به، ويتعلق بغيره. الواجب على من قتل جراداً في الحرم المدني السؤال: فضيلة الشيخ، هل على من قتل جراداً في صحن الحرم المدني شيء، وما هو الممنوع فعله في المدينة؟ الجواب: الأصل عدم جواز قتل الصيد في الحرمين مكة والمدينة، لكن بالنسبة لمكة جاء ما يدل على الفدية، وحصول الكفارة، في مقابل الصيد، وأما بالنسبة للمدينة فما نعلم شيئاً يدل على حصول الفدية فيها، ومن العلماء من قاس، ومنهم من قال: إنه تؤخذ الوسيلة التي يصيد بها، فالمدينة ليست مثل مكة، ومكة ورد فيها نصوص تدل على حصول الفدية، وعلى لزوم الفدية، وأما بالنسبة للمدينة ما ورد فيها شيء يخصها، ولهذا اختلف العلماء فيها. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الجنائز (331) - (باب غسل الميت بالحميم) إلى (باب الإشعار) كرم الله تعالى ابن آدم حياً وميتاً، فإذا مات يجب غسله، ويكون بماء وسط بين الحار الشديد والبارد، وإن كانت امرأة فإنه ينقض شعرها ويغسل ثم يجعل ثلاث ضفائر، ويبدأ بالوضوء لميامن الميت ويوضع في آخر غسلة شيئاً من كافور، ويكون الغسل وتراً ولو زاد على السبع إن احتيج إلى ذلك. غسل الميت بالحميم شرح حديث: (... لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت بالحميم.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن عن أم قيس رضي الله تعالى عنها قالت: (توفي ابني فجزعت عليه، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، فانطلق عكاشة بن محصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، فتبسم ثم قال: ما قالت طال عمرها؟ فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت)]. يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: غسل الميت بالحميم. الحميم: يطلق على الماء الحار، وعلى الماء البارد، فهو من الأضداد كما في القاموس؛ لأن من الكلمات في اللغة العربية ما يأتي للضدين المتقابلين، كما هنا الحميم يأتي للماء الحار، وللماء البارد، وهما ضدان، ومثل: القرؤ، يطلق على الطهر، وعلى الحيض، فهما ضدان، ومثل: عسعس، يطلق على أقبل وأدبر، وهما ضدان، ففي اللغة العربية كلمات كثيرة تطلق على الضدين، وهي تأتي لهذا ولهذا، وقد أورد النسائي حديثاً عن أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن الصحابي المشهور الذي جاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وفيه قال: (سبقك بها عكاشة)، فهذه أخته، توفي لها ولد، فقالت للذي يغسله: لا تغسله بالماء البارد فتقتله، فذهب عكاشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره فتبسم وقال: (ما قالت طال عمرها؟ فما رأينا امرأة عمرت ما عمرت). وهنا ذكر الماء البارد، قالت لمغسل ابنها: لا تغسله بالماء البارد فتقتله، فالترجمة بالحميم، وقد عرفنا أن وجه ذلك لكون كلمة الحميم تأتي للحار وللبارد، ولكن الذي ورد استعمال كلمة الحميم فيه هو للماء الحار، وقد جاء في القرآن ذكرها بالماء الحار كثيراً، وفي الشيء الحار، https://majles.alukah.net/imgcache/2021/11/5.jpgوَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2021/11/6.jpg[محمد:15] أي: مزقها من شدة حرارته، ولكنه كما ذكرت أهل اللغة يقولون: أنه من الأضداد، وقد ذكر ذلك صاحب القاموس، وعلى هذا يتفق إطلاق الحميم وجه مناسبة ذكر الحديث مع الترجمة، أن الحميم يطلق على الماء البارد، وعلى الماء الحار، وهنا ذكر الماء البارد. ثم قولها: لا تغسله بالماء البارد فتقتله معلوم أنه قد مات، وروحه قد خرجت وهو يغسل، ومن المعلوم أن الإنسان الميت يغسل بالماء الذي يحصل به تنظيفه، لكن لا يكون حاراً حرارة شديدة ولا بارداً برودة شديدة؛ لأنه إذا كان كذلك لا يتيسر تغسيله على الوجه الأكمل لما يجده من يفعل ذلك من شدة الحرارة أو البرودة، وأما بالنسبة للميت فإنه بالنسبة للماء الحار يمكن أنه إذا كان شديداً، وأنه يغلي فقد يقطع جلده، ويمزق جلده، وبالنسبة للماء البارد ما يحصل منه مثل ما يحصل للماء الحار، ومن المعلوم أنه في هذا الوقت، وفي هذا الزمان عندما يموت الشخص وحتى لا ينتن؛ ومن أجل أن يتعرف عليه، يجعل في ثلاجة، فيبرد ويجمد، ويصير قطعة من الثلج، يعني: بارداً، فعند الغسل يراعى الماء الذي لا يكون حاراً، ولا يكون بارداً؛ لأن ذلك يؤثر، يعني: لا يحصل استعماله كما ينبغي ويؤثر على الغاسل الذي يغسله؛ لأنه لا يستطيع أن يغسله بالماء الحار، كما أنه لا يستطيع أن يغسله بالماء البارد البرودة الشديدة. قوله: (فتبسم)، يعني: تبسم من قولها تعجباً وقال: (ما قالت؟) يعني: ما هذا الذي قالت، ثم قال: (طال عمرها) وهو دعاء لها بطول العمر، ثم قال: (إنهم ما رأوا امرأة عمرت ما عمرت)، أي: أنه استجيب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لها وأنها عمرت، والحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً ذكر الحافظ ابن حجر أنه مقبول، وهو الذي يعتبر حديثه عند المتابعة حيث يتابع، وهو هنا ليس له متابع فالإسناد ضعيف، ولكن كما قلت: من حيث الغسل يغسل بالماء الذي ليست حرارته شديدة، ولا برودته شديدة بحيث يتمكن الغاسل من غسله بدون مشقة، وبدون تباعد بيديه عنه من أجل الحرارة، أو من أجل شدة البرودة، وأما الدعاء بطول العمر فهو سائغ، ولا مانع منه، ولا ينافي القدر؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره، ومن المعلوم أن الدعاء مشروع في أمور كثيرة، وذلك الذي يدعى به مقدر؛ لأن كل شيء بقضاء وقدر، فالدعاء بطول العمر لا بأس به ولا مانع منه، ولا ينافي القدر، بل الله عز وجل قدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر أن هذا يكون عمره قصيراً، وقدر أن هذا له هذا الأجل، وهذا له هذا الأجل، ولا يعني ذلك: أن الدعاء بطول العمر أنه يغير العمر، بل الله عز وجل قدر العمر، وقدر أنه يدعى إذا كان الله عز وجل جعل ذلك هو السبب في طوله، يعني: في الدعاء، وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن صلة الرحم تزيد في العمر، ولكن ليس معنى ذلك: أن الذي قدره الله وقضاه من العمر يغير ويبدل ويزاد، فالأعمار لا تزاد ولا تنقص، فهي كما قال الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/11/5.jpgفَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ https://majles.alukah.net/imgcache/2021/11/6.jpg[الأعراف:34] ليس فيه تقدم، ولا تأخر عن الأجل المحتوم، ولكن الدعاء بطول العمر لا ينافي القضاء والقدر، فالله عز وجل قدر الأعمار، وقدر الآجال، وجعل لكل شيء سبباً، وقد يكون من الأسباب صلة الرحم كما جاء في الحديث، والله تعالى قدر أن هذا يطول عمره وقدر أن من أسباب ذلك أنه يصل رحمه، وليس معنى ذلك أنه قدر له أجل ثم غير الأجل؛ لأنه وصل رحمه، وإنما قدر أنه يصل رحمه، وقدر بأنه يطول عمره فكل منهما مقدر، وما جاء في حديث أم حبيبة رضي الله عنها، لما دعت الدعاء: (اللهم متعني بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـأبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد سألت الله لآجال مضروبة، ولو سألت الله أن يدخلك الجنة، ويعيذك من النار لكان أولى) وهذا لا يدل على المنع، بل هذا يدل على الإرشاد إلى ما هو الأولى، وأن الدعاء بسؤال الجنة والسلامة من النار هذا هو الذي ينبغي، ولكنه لا مانع من الدعاء بطول العمر، والحديث لا يدل على المنع لقوله: (لقد سألت الله لآجال مضروبة) ودخول الجنة أيضاً مقدر، فالله تعالى قدر أن هذا يدخل الجنة، وقدر أن هذا يدخل النار، وقدر أسباباً تؤدي إلى تلك الأمور المقدرة التي قدرها الله عز وجل، والحديث الذي معنا ضعيف، لا يدل على ما جاء فيه الأمر فيما يتعلق الدعاء بطول العمر، ولا بالنسبة للغسل بالماء الحميم الذي هو البارد أو المنع منه، وإنما الأصل أنه يغسل بالماء سواء كان بارداً أو حاراً، ولكن لا يكون الحرارة الشديدة التي تضر الغاسل، وتضر الميت، ولا الماء البارد الذي يؤثر على الغاسل، ويجعله لا يتمكن من أداء مهمته كما ينبغي. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله ...) قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد]. هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه محدث أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن أبي حبيب]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن]. هو مولى أم قيس الأنصارية، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي. [عن أم قيس]. هي أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن الأسدي وهي: صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. نقض رأس الميت شرح حديث: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي ثلاثة قرون ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [نقض رأس الميت.أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أيوب: سمعت حفصة تقول: حدثتنا أم عطية رضي الله تعالى عنها: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون، قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون قالت: نعم)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ذكر نقض رأس الميت يعني عند تغسيله، يعني: إذا كان قد ظفر، فإنه ينقض ويغسل، ثم يجعل هذه الثلاثة الضفائر التي جاءت في الحديث، والعمدة في هذا أو في تغسيل الميت هو حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والحديث أورده النسائي من طرق متعددة وبأبواب مختلفة للاستدلال به على أمور متعددة تتعلق بغسل الميت، وأخبرت أم عطية بأنهن لما غسلن ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام بأمره، فكان مما فعلنه أن جعلن رأسها ثلاثة قرون يعني: ظفائر فسألها، وقوله: [(نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون، قالت: نعم)]، معناه: أن هذه القرون التي جعلت كانت نتيجة لنقضه ولغسله، ثم جعل هذه القرون، فمعناه أن الميت إذا كان له ظفائز مشدودة في حال حياته ثم مات، فإنه عند تغسيله تنقض هذه الضفائر وتغسل ويغسل رأسه جميعاً، ثم يجعل ثلاث ضفائر أو ثلاثة قرون كما جاء في الحديث، فهو دال على ما ترجم له؛ لأنه لما ذكرت القرون، وأنهن جعلنه ثلاثة قرون سئلت: هل حصل النقض ثم جعله ثلاثة قرون، قالت: نعم، فدل على نقض رأس الميت إذا كان مشدوداً عندما يراد تغسيله، ثم يجعل ثلاثة قرون، كما جاء ذلك في حديث أم عطية. تراجم رجال إسناد حديث: (أنهن جعلن رأس ابنة النبي ثلاثة قرون ...) قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد]. هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي. [حدثنا حجاج]. هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن جريج]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أيوب]. هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [سمعت حفصة]. هي حفصة بنت سيرين تابعية أنصارية، وهي ثقة أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي أخت محمد بن سيرين. [حدثتنا أم عطية]. هي نسيبة بنت كعب الأنصارية، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي مشهورة بكنيتها أم عطية. ميامن الميت ومواضع الوضوء منه شرح حديث: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ميامن الميت ومواضع الوضوء منه. أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل عن خالد عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)]. ثم ذكر ميامن الميت ومواضع الوضوء منه، يعني: أنه يبدأ بها، ومعناه: أنه يبدأ بأعضاء الوضوء فيوضأ ثم عندما يغسل سائر جسده يبدأ بميامنه بحيث تغسل ميامنه قبل مياسره، وقد أورد النسائي حديث أم عطية، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أمرهن بغسل ابنته قال: (ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها). تراجم رجال إسناد حديث: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور]. هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل]. هو الإمام، المحدث، الفقيه، المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو: أبو عبد الله، وقد روى عن الشافعي وكنيته أبو عبد الله، والشافعي روى عن مالك وكنيته عبد الله فهؤلاء الثلاثة الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد كل منهم كنيته أبو عبد الله، والمتأخر منهم تلميذ للمتقدم فإن الإمام أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن الإمام مالك، قد جاء في بعض الأحاديث هذه السلسلة التي هي الإمام أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن مالك، وهذا في حديث: (إن نسمة المؤمن كطائر يعلق في الجنة) في مسند الإمام أحمد رواه الإمام أحمد عن الشافعي والشافعي رواه عن مالك، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169] في سورة آل عمران، وقال: إن هذا إسناد عزيز، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة المتبوعة من مذاهب أهل السنة. والإمام أحمد رحمه الله، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن إسماعيل]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن خالد]. هو خالد بن مهران المشهور بـالحذاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال له الحذاء قيل: لأنه كان يجالس الحذائين، وليس حذاءً، فهو لا يبيع الأحذية، ولا يصنعها، وإنما كان يجالس الحذائين، وقيل: إنه كان يقول: احذوا على كذا، يعني: أعمل نعلاً على هذا القياس، وعلى هذا الشكل، فقيل له الحذاء؛ لهذا، وهي من النسب التي يقال عنها إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن هو أنه يبيع الأحذية، أو يصنعها إذا قيل: الحذاء، لكن كونه يجلس عند الحذائين فهذا لا يسبق إلى الذهن، ومثله يزيد بن صهيب الفقير يعني: الفقير الذي يسبق إلى الذهن أنه من الفقر، ولكنه قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، فهذا من هذا القبيل الذي هو الحذاء، وحديثه أي: الحذاء خالد بن مهران أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن حفصة عن أم عطية]. وقد مر ذكرهما. غسل الميت وتراً شرح حديث: (... اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت وتراً.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام حدثتنا حفصة عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً إن رأيتن ذلك، واجعلن في الآخرة شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه، ومشطناها ثلاثة قرون، وألقيناها من خلفها)]. أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: غسل الميت وتراً، أي: أنه عندما يغسل تكون الغسلات وتراً، يعني: ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، فإذا كفت الثلاث أي: حصل بها المقصود، وإلا فيزاد إلى الخمس، أو السبع، فالغسلات تكون وتراً، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث سبق أن مر، وفيه: الغسل بالماء والسدر والكافور يعني: فغسله في آخره يكون فيه كافور، وفيه أيضاً: ذكر الإشعار، وإعطاؤهن الإزار الذي كان يلي جسده صلى الله عليه وسلم، ليوضع مما يلي جسدها، وقد عرفنا أن هذا من التبرك بما مسه جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا كان يفعله الصحابة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو سائغ في حقه، وفيما يسقط من جسده، أو ما اتصل بجسده من العرق، ومن الثياب وما إلى ذلك، وعرفنا أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يجوز أن يتبرك بأحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، اتفقوا على عدم فعل ذلك مع أحد سواه، فلم يفعلوا ذلك مع أبي بكر وهو خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما كانوا يتبركون بـأبي بكر بشعره، ولا بمخاطه، ولا بعرقه، ولا بالشيء الذي مسه جسد أبي بكر، فعلم أن هذا التبرك الذي فعله الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما هو من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم خير الناس، وأحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، فما فعلوا ذلك مع خير الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام. وما ذكره بعض أهل العلم عندما يأتي إلى مثل هذا الحديث: أن فيه دليلاً على التبرك بآثار الصالحين فهذا ليس صحيحاً؛ لأن هذا التبرك خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فالصحابة ما فعلوه مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وهم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون رضي الله عنهم وأرضاهم. وفيه أيضاً: جعل الشعر للمرأة ثلاثة قرون، وأنها تجعل على خلفها أو تكون وراءها، يعني: هذه الثلاث القرون لا تترك يميناً وشمالاً، وإنما كلها يذهب بها إلى وراء. تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها بماء وسدر واغسلنها وتراً...) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام]. هو هشام بن حسان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثتنا حفصة عن أم عطية]. وقد مر ذكرهما. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
غسل الميت أكثر من خمس شرح حديث: (..اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت أكثر من خمس.أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه، وقال أشعرنها إياه)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الغسل أكثر من خمس، وأورد فيها حديث أم عطية من طريق أخرى وهو مثل الذي تقدم إلا أنه أورده هنا من أجل الاستدلال به على الزيادة على الخمس، وذلك أنه قال: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) يعني: إذا كان الأمر يحتاج إلى زيادة فيغسلنها أكثر، ولكن يكون مع ذلك وتراً يعني: يكون سبعاً أو تسعاً وهكذا. تراجم رجال إسناد حديث: (..اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثانية قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي. [عن يزيد]. هو يزيد بن زريع البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أيوب]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره. [عن محمد بن سيرين]. هو أخو حفصة بنت سيرين وهو محدث، مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أم عطية]. وقد مر ذكرها. غسل الميت أكثر من سبعة شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل الميت أكثر من سبعة.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إياه)]. ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: غسل الميت أكثر من سبع، وأورد فيها حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله لما ذكر الخمس قال: أو أكثر من ذلك؛ لأن أكثر من ذلك يدخل فيه السبع، وهي أكثر الوتر بعد الخمس، ولكنه يكون وتراً، فقوله: [(أو أكثر من ذلك)] مطلق يعني: معناه أنه لا يكون الأمر مقصوراً على السبع، بل إذا احتيج إلى الزيادة على سبع لكون غسل الميت يحتاج إلى هذه الزيادة فإنه يزاد، ولكنه يكون تسعاً، أي: يكون وتراً. تراجم رجال إسناد حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك...) من طريق ثالثة قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن حماد]. هو ابن زيد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء قتيبة يروي عن حماد فهو ابن زيد. [حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية]. أيوب عن محمد أي: ابن سيرين عن أم عطية وقد مر ذكرهم. شرح حديث: (... اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك ...) من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية نحوه غير أنه قال: (ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)].ثم ذكر النسائي حديث أم عطية، وفيه: التنصيص على السبع وأكثر منها، فالأول فيه الإطلاق، وأن ما زاد على الخمس يدخل فيه السبع وما كثر منها، ولكن هنا فيه السبع وزيادة على السبع، قال في آخره، (ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك)، فهذا هو الذي يطابق الترجمة تماماً من حيث الزيادة على السبع؛ لأن فيه ذكر السبع وقوله: أو أكثر من ذلك، يعني: ما وراء السبع، ورجال الإسناد هم رجال الإسناد أي: قتيبة، وحماد بن زيد، وأيوب، وحفصة، وأم عطية. شرح حديث: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك...) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر عن سلمة بن علقمة عن محمد عن بعض إخوته عن أم عطية رضي الله تعالى عنها، قالت: (توفيت ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا بغسلها فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن، قالت: قلت وتراً، قال: نعم، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه، فأعطانا حقوه، وقال: أشعرنها إياه)].ذكر النسائي حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله من جهة ذكر السبع وما زاد عليها. قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. مر ذكره. [حدثنا بشر]. هو بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سلمة بن علقمة]. ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [عن محمد عن بعض إخوته]. هو ابن سيرين عن بعض إخوته هنا مبهم في بعض الروايات: (بعض إخواته) وعلى هذا كما هو معلوم جاء الحديث من طريق أخته حفصة بنت سيرين، وعلى هذا فيكون يروي هو بواسطة وبغير واسطة، ولا يؤثر ذلك؛ لأن الحديث جاء من طرق كثيرة، فالحديث ثابت. [عن أم عطية]. وقد مر ذكرها. الكافور في غسل الميت شرح حديث: (... واجعلن في الآخرة كافوراً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكافور في غسل الميت. أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه قال أو قالت حفصة: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، قال: وقالت أم عطية: مشطناها ثلاثة قرون)]. ذكر النسائي هذه الترجمة، وهي: الكافور في غسل الميت، يعني: جعله معه، وقد أورد النسائي فيها حديث أم عطية من طريق أخرى، وقد مر ذكره أي: الكافور ووضعه، ولكنه أورده هنا من أجل إفراده بترجمة مستقلة، والاستدلال عليه بطريقة من طرق حديث أم عطية، ويجعل في الغسلة الأخيرة، قيل: من أجل رائحته، وقيل: من أجل أن فيه فائدة من أجل سلامة البدن، أي: في الغسلة الأخيرة. تراجم رجال إسناد حديث: (... واجعلن في الآخرة كافوراً ...) قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة]. هو عمرو بن زرارة النيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي. [حدثنا إسماعيل]. هو ابن علية، وقد مر ذكره. [عن أيوب عن محمد عن أم عطية]. وهؤلاء قد مر ذكرهم. شرح حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن محمد أخبرتني حفصة عن أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)].ثم أورد إسناداً آخر. [أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية] وهذا [أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان]. ذكر النسائي هذا الحديث من طريق أخرى وفيه: [(وجلعنا رأسها ثلاثة قرون)]. وهو في ترجمة الكافور، فكأنه مثل الذي قبله، ولكن فيه زيادة هذا الشيء؛ لأن ذكر الكافور معناه أنه في الإسناد السابق، وهذا الإسناد هو مثل الإسناد السابق إلا أن فيه زيادة كون محمد يروي عن أخته حفصة بنت سيرين، في الإسناد السابق محمد عن أم عطية، وفي الثاني محمد عن حفصة بنت سيرين، وفيه: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون، وأما ذكر الكافور فهو ليس في هذه اللفظة، ولكن في الحديث، ولكن فيه ذكر هذه الزيادة. تراجم رجال إسناد حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد]. وقد مر ذكره. [أخبرنا محمد بن منصور]. هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا سفيان]. هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أيوب عن محمد عن حفصة عن أم عطية]. وقد مر ذكرهم. حديث: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد عن أيوب وقالت حفصة: عن أم عطية: (وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)].وهذا الحديث هو مثل الذي قبله، والكلام فيه مثل الذي قبله، ولكن ذكر الكافور إنما جاء في الحديث، وليس بهذه الجملة. قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد]. مر ذكره. [حدثنا حماد]. هو ابن زيد، وقد مر ذكره. [عن أيوب عن حفصة عن أم عطية]. وهؤلاء قد مر ذكرهم. الإشعار شرح حديث: (... فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإشعار. أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أيوب بن أبي تميمة أنه سمع محمد بن سيرين يقول: كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت تبادر ابناً لها فلم تدركه، حدثتنا قالت: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه، وقال: أشعرنها إياه، ولم يزد على ذلك، قال: لا أدري أي بناته، قال: قلت: ما قوله أشعرنها إياه أتؤزر به؟ قال: لا أراه إلا أن يقول: الففنها فيه)]. ذكر النسائي الإشعار في هذه الترجمة، والمقصود به: هو الذي يلي الجسد، وفي حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها ذكر الإشعار بشيء مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يجعل ويلي جسدها، ومن المعلوم أن هذا اختص به الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يشارك فيه، ولا يجوز أن يشعر أحد من ثياب أحد من الناس؛ لأن ذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه، فإن ذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن يشعر أحد، بمعنى: أنه يوضع عندما يغسل، ويكفن فيجعل مما يلي جسده ثوب أحد من الناس، فيقال: إنه صالح أو يدعى فيه الصلاح أو إلى ذلك، فإن هذا لا يسوغ، ولا يجوز؛ لما أسلفته آنفاً من أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، اتفقوا على عدم فعل ذلك مع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: [كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت تبادر ابناً لها، فلم تدركه]. يقول محمد بن سيرين: (كانت أم عطية امرأة من الأنصار قدمت) يعني: لعلها قدمت البصرة، (تبادر ابناً لها)، معناه: أنه كان مريضاً، وتريد أن تلقاه قبل أن يموت فلم تدركه، فمات قبل أن تصل إليه، يعني: جاءت تبادره وهو مريض لتراه وهو في مرضه فمات قبل أن تصل، ولهذا قال: فلم تدركه، فحدثتهم بهذا الحديث. يعني: يجعل إزاراً لها، أو أنها تلف فيه، قال: لا أراه إلا أن تلف فيه، يعني: لا يلزم أن تكون إزاراً، المهم أن يلي جسدها شيء مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإشعار؛ فالثوب الذي يلي الجسد يقال له: الشعار، والذي وراءه يقال له: الدثار، وقد ذكرت الحديث الذي فيه ذكر الشعار والدثار، وذلك في حق الأنصار، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الأنصار شعار، والناس دثار) يعني: أنهم لقربهم مني فهم بمنزلة الثوب الذي يلي جسدي، والناس وراءهم كالدثار. شرح حديث: (... فآذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه) من طريق ثانة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف النسائي حدثنا يزيد حدثنا ابن عون عن محمد عن أم عطية قالت: (توفي إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، واغسلنها بالسدر والماء، واجعلن في آخر ذلك كافوراً أو شيئاً من كافوراً، فإذا فرغتن فآذنني، قالت: فآذناه فألقى إلينا حقوه، فقال: أشعرنها إياه)].أورد النسائي حديث أم عطية من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله فيه ذكر الإشعار، ولكن الأمر -كما ذكرت- من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يفعل مع أحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم، ما فعلوه مع أحد من بعده، وهم خير الناس وأسبق إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير. تراجم رجال إسناد حديث: (... فآذناه فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه) من طريق ثانة قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف النسائي]. ثقة، أخرج حديثه النسائي. [حدثنا يزيد]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن عون]. هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن محمد عن أم عطية]. وقد مر ذكرهما. الأسئلة ما يلزم من نسي تكبيرة من تكبيرات صلاة عيد الفطر السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، رجل صلى بقومه صلاة عيد الفطر، ونسي التكبير في الركعة الثانية، ولم يذكرها إلا بعد شروعه بالفاتحة، فمتى يكبر؟ بعد الفاتحة أو بعد نهاية القراءة؟ الجواب: لا يكبر، لأنها سنة فات محلها. علاقة الاضطراب بكثرة اختلاف الألفاظ في حديث أم عطية السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، لاحظنا في طرق حديث أم عطية أنها في بعض الطرق تقول: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، وفي بعض الطرق تقول: فأرسل إلينا أن اغسلنها، فهل في الحديث اضطراب؟ الجواب: ليس فيه اضطراب؛ لأنه أرسل إليهن بأن يغسلنها، ثم أيضاً دخل عليهن وهن يغسلنها فليس فيه اضطراب، أولاً: أمرهن بأن يغسلن وكان ذلك بالواسطة وأرسل إليهن يأمرهن بالغسل، ثم دخل عليهن. مدى إجزاء غسل الجمعة والعيدين عن الوضوء السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل يلزم الإنسان الوضوء قبل غسل يوم الجمعة ويوم العيدين كما هو الحال قبل غسل الجنابة أم لا يلزم؟ الجواب: غسل الجمعة لا يغني عن الوضوء، بل لا بد من الوضوء إلا إذا توضأ الوضوء الذي على طريقة الاغتسال من الجنابة، أما كونه مجرد الغسل، وكونه يصب على نفسه الماء يغتسل للجمعة، ويريد به الوضوء لا يرتفع حدثه بذلك. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الجنائز (332) - (باب الأمر بتحسين الكفن) إلى (باب كفن النبي) أمر الشرع بتحسين الكفن، وأن يكون ساتراً لجميع الجسد، ويستحب أن يكون أبيض وتراً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية. الأمر بتحسين الكفن شرح حديث: (... إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بتحسين الكفن.أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان ويوسف بن سعيد -واللفظ له- أخبرنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر رجلاً من أصحابه مات فقبر ليلاً، وكفن في كفن غير طائل فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبر إنسان ليلاً إلا إن يضطر إلى ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه)]. يقول النسائي رحمه الله: الأمر بتحسين الكفن، أي: أن يكون الكفن حسناً، وحسن الكفن يكون في أمور أربعة: أن يكون أبيض، نظيفاً، كثيفاً؛ يعني: ليس شفافاً ولا خفيفاً، وأن يكون سابغاً؛ يعني: كافياً لوضع الميت فيه، فيكون تحسينه بذلك، ولا يكون تحسينه بالمغالاة والبحث عن أغلى القماش ليكون فيه، وإنما يكون بهذه الأوصاف التي أشرت إليها. وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ [ أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنه كفن في كفن غير طائل ]، يعني: أسرع في دفنه، ودفن في الليل، وكان مما حصل أن الكفن غير طائل، يعني: غير جيد، والنبي صلى الله عليه وسلم، [زجر عن الدفن في الليل إلا أن يضطر إلى ذلك]، وأرشد إلى أن الإنسان إذا ولي أخاه فليحسن كفنه يعني: يجعل كفنه حسناً متصفاً بهذه الصفات التي أشرت إليها؛ لأن هذا من تحسين الكفن، والمقصود من إيراد الحديث في الترجمة ما جاء في آخره: أنه أمره بتحسين الكفن، وقال: [فليحسن كفنه]، وأيضاً أشير إلى أنه كفن بكفن غير طائل، وهذا لا ينبغي إلا أن يضطر إلى ذلك. وأما ما جاء فيه من ذكر الدفن في الليل، فإن الدفن في النهار أولى من الدفن في الليل، وإذا احتيج إلى الدفن في الليل واضطر إلى ذلك فإنه لا بأس به، ولكن كونه يدفن في النهار ويصلى عليه ويحضره جمع كثير أولى من كونه إذا مات في الليل ذهب به، وصلى عليه عدد قليل ودفن. وقد جاء الدفن في الليل عن بعض الصحابة فإنهم دفنوا ليلاً، وعلى هذا فيكون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الزجر من الدفن في الليل إذا كان هناك مضرة تحصل لكونه لا يوجد، أو لا يحصل العدد الذي يكفي، وكذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام فكونه لا يصلي عليه أو لا يحضر جنازته فيصلي عليه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (أن التي كانت تخدم المسجد وتنظفه، ثم ماتت ليلاً ودفنت، والرسول عليه الصلاة والسلام عاتبهم على ذلك، وقالوا: إنا كرهنا أن نوقظك، فذهب وصلى عليها على القبر بعد دفنها)، فهذا من الأمور التي تترتب على الدفن في الليل أنه تفوت هذه المصالح، ثم أيضاً لا يحصل الاتباع الذي يكون في الليل مثل ما يكون في النهار، يعني: من المشيعين والتابعين له؛ لأنه قد لا يتيسر ذلك في الليل لا سيما إذا كان في وسط الليل، أو بعد وقت طويل من الليل. تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه) [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي]. هو عبد الرحمن بن خالد الرقي القطان، وهو صدوق، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق ولم يقل عنه: ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي. [ويوسف بن سعيد]. هو المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده. [أخبرنا حجاج]. هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن جريج]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أخبرني أبو الزبير]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [سمع جابراً]. هو ابن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، فهو صحابي ابن صحابي وجابر رضي الله عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام سبعة منهم جابر بن عبد الله؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. أي الكفن خير شرح حديث: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أي الكفن خير.أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا يحيى بن سعيد سمعت سعيد بن أبي عروبة يحدث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن سمرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم)]. هنا ذكر النسائي هذه الترجمة؛ وهي: أي الكفن خير، أي: أيها أولى بأن يكفن فيه، وأورد حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، الذي قال فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم] فهذا إرشاد من النبي عليه الصلاة والسلام إلى اتخاذ الأبيض وأن يكون التكفين فيه، وقال: [إنها أطهر وأطيب]، والطهارة والطيب التي فيها؛ لأن البياض يتبين فيه أي وسخ، وأي شيء، فيبادر إلى تطهيره وتنظيفه، بخلاف الألوان الأخرى فإنها لا يظهر عليها الوسخ أو القذر أو ما إلى ذلك، مثلما يظهر على البياض؛ ولهذا قال: [فإنه أطيب وأطهر]، وأرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى لبسها وأرشد إلى تكفين الموتى بها؛ أي: بالثياب البيض. تراجم رجال إسناد حديث: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من النقاد الذين يتكلمون في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه كما قلت: أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة الذي مر ذكرهم كثيراً معنا: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء كلهم خرج عنهم أصحاب الكتب الستة وسمعوا منهم، ورووا عنهم وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة. [أنبأنا يحيى بن سعيد]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [سمعت سعيد بن أبي عروبة]. ثقة، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي قلابة]. هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري مشهور بكنيته أبي قلابة، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن عمه أبي المهلب الجرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن سمرة بن جندب]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كفن النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث: (كفن النبي في ثلاثة أثواب سحولية بيض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [كفن النبي صلى الله عليه وسلم. أخبرنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض)]. هنا ذكر النسائي كفن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: كيف كفن، وما هو الكفن الذي كفن به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها؛ (أن النبي عليه الصلاة والسلام كفن بثلاثة أثواب سحولية بيض)؛ وهي سحولية نسبة إلى قرية في اليمن تنسب إليها تلك الثياب، فهو كفن في ثلاثة أثواب عليه الصلاة والسلام، وهي أيضاً بيض، وأيضاً من هذا النوع الذي تنسب إلى تلك القرية أو المدينة التي في اليمن؛ وهي السحولية، هكذا كفن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ينبغي أن يكون عليه التكفين، وإن كان يجزي أقل من ذلك، ولكن هذا هو الأفضل وهذا هو الأولى، وإلا فإنه يجزي ما دون ذلك ويكفي، ولكن الأفضل أن يكون بهذا المقدار، وبهذا العدد، وبهذا الوصف الذي هو أن تكون بيضاً، وعلى هذا فالبياض أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام، وكفنه فيه أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. تراجم رجال إسناد حديث: (كفن النبي في ثلاثة أثواب سحولية بيض) قوله: [أخبرنا إسحاق]. هو ابن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه وهو ثقة، ثبت، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. [أخبرنا عبد الرزاق]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرزاق وصف بأنه متشيع، ولكن التشيع الذي فيه لا يؤثر؛ لأن بعض رواة الحديث وصفوا بالتشيع، ولكن تشيعهم هو من قبيل تفضيل علي على عثمان في الفضل، وليس في الخلافة، فالخلفاء الراشدون مرتبون على ما حصل ووقع أن الأحق هو: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، والمشهور عند أهل السنة أنهم أيضاً مرتبون في الفضل كترتيبهم في الخلافة فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فهم مرتبون في الفضل على حسب ترتيبهم في الخلافة، وعلى حسب ما وقع من خلافتهم فكل واحد منهم أفضل من الذي يليه، وهذا هو المشهور عند أهل السنة، قد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ولا ينكر ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام)، فدل على أن عثمان رضي الله عنه أفضل من علي، وقد جاء عن بعض العلماء أن علياً أفضل من عثمان، وعلى هذا وصف هؤلاء بالتشيع، ومثل هذا التشيع لا يؤثر؛ لأن مسألة التفضيل ليست مما يبدع بها، فقد قال بها جماعة من أهل السنة، ومن المعلوم أنه على هذا القول يجوز تولية المفضول مع وجود الفاضل على أن علياً أفضل على هذا القول، وعثمان ولي من قبل، لكن المشهور كما ذكرت عن أهل السنة والذي اتفق عليه الصحابة أنهم قدموا عثمان رضي الله عنه بالخلافة فهو أفضل عندهم، وأيضاً ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه من ذكر التخيير والتفضيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم ينكر ذلك عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن من فضل علياً على عثمان من أهل السنة مثل عبد الرزاق، وابن جرير، والأعمش، وعبد الرحمن بن أبي حاتم فهؤلاء من المحدثين الثقات الحفاظ، ووصفهم بالتشيع لا يؤثر ما دام أن هذا هو السبب، وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن أبي حاتم في ميزان الاعتدال، وطريقة الذهبي في الميزان أنه يورد أشخاصاً تكلم فيهم بما لا يقدح، فيذكرهم ليدافع عنهم، وليبين أن ما قيل فيهم لا يضرهم، فيذكر الثقات بكل ما فيهم بغير قادح، وذلك من أجل الدفاع عنهم، ومنهم عبد الرحمن بن أبي حاتم، فإنه لما ذكره قال: أورده أبو الفضل السليماني في كتابه الضعفاء فبئس ما صنع، وقال: إن الذي عيب عليه هو ما نسب إليه من القول بتفضيل علي على عثمان، قال: وهذه مسألة لا تؤثر، وقد قال بها جماعة من أهل السنة وذكر جملة منهم الأعمش، ومنهم عبد الرزاق، ومنهم ابن جرير، وجماعة قالوا بتفضيل علي على عثمان، ومثل هذه لا يبدع فيها، وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتاب العقيدة الواسطية قال: التي يبدع فيها مسألة الخلافة، وأن من قال: إن علياً أولى بالخلافة من عثمان فهذا معناه أنه اعترض على المهاجرين والأنصار، وتكلم فيما حصل من المهاجرين والأنصار من تقديم عثمان على علي، وأما مسألة الأفضلية والفضل فقال: مثل هذه لا يبدع فيها؛ يعني: من قال بتفضيل علي على عثمان. فإذاً: فمثل هذا التشيع الذي نسب إلى عبد الرزاق وإلى أمثاله من العلماء من أجل تقديم علي على عثمان في الفضل لا يضرهم ذلك، ولا يؤثر ذلك عليهم، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معمر]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وقد أكثر عبد الرزاق من الرواية عنه، بل إن صحيفة همام بن منبه التي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً جاءت من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فهو مكثر من الرواية عن معمر. [عن الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ثقة إمام حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عروة]. هو عروة بن الزبير بن العوام تابعي مشهور من فقهاء التابعين في المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين عرفوا بهذا اللقب وهو الفقهاء السبعة، فعندما تأتي مسألة خلافية فيتفق رأيهم فيها فيقال: قال بها الفقهاء السبعة، فالفقهاء السبعة ستة منهم متفق على عدهم في السبعة، وواحد مختلف فيه على ثلاثة أقوال، والسبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة هذا الذي معنا، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير هذا حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة]. هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما فيما يتعلق في الأمور البيتية التي تتعلق بالبيوت، والتي تقع بين الرجل وأهله، والتي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهله، فإنها حفظت الكثير ووعت الكثير وحفظت للناس هذه السنن والأحاديث رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، والذين عرفوا بكثرة الحديث عنه سبعة أشخاص ستة رجال وامرأة واحدة، ومر ذكرهم مراراً وتكراراً، ومنهم أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض ...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أثواب سحولية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة)، يعني: ليس في هذه الثلاثة، وهذا هو الذي قال به جمهور العلماء من أن الثلاثة كلها ليس فيها قميص ولا عمامة، ومن العلماء من قال: إن القميص والعمامة تكون زائدة على الثلاثة، أي: ليست من جملة الثلاثة ولكنها زائدة عنها، والأظهر هو ما قاله الجمهور من أنه كفن بثلاثة، وما قيل كفن بخمسة أثواب، وإنما قيل كفن بثلاثة أثواب، فليس في الثلاثة الأثواب قميص ولا عمامة، هذا هو الذي كفن به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل الذي قبله، وهو بيان أن النبي عليه الصلاة والسلام كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية، وفيه زيادة: [أنه ليس فيها قميص ولا عمامة]. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض ...) من طريق ثانية قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مالك]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور أبو عبد الله أحد أفراد السلسلة الذهبية التي هي أصح الأسانيد عند البخاري؛ وهي مالك عن نافع عن ابن عمر، فهو أحد أفرادها رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن هشام بن عروة]. هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو عروة بن الزبير، وقد مر ذكره. [عن عائشة]. قد مر ذكرها. شرح حديث: (كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ...) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض، يمانية، كرسف، ليس فيها قميص، ولا عمامة، فذكر لـعائشة قولهم: في ثوبين وبرد من حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه، ولم يكفنوه فيه)].هنا ذكر النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، من طريق أخرى؛ [وهو أنه صلى الله عليه وسلم، كفن بثلاثة أثواب يمانية من كرسف بيض، ليس فيها قميص، ولا عمامة]، فهو مثل الذي قبله و(يمانية) يعني: هي السحولية؛ لأن السحولية نسبة إلى قرية في اليمن، وهنا يمانية نسبة إلى المقاطعة وإلى الجهة، وتلك نسبة أخص، وهذه نسبة أعم، والذي مر من كونها سحولية نسبة أخص، (ومن كرسف) يعني: هذه الثياب مصنوعة ومنسوجة من قطن. قوله: (ليس فيها قميص، ولا عمامة) مثل الذي قبله، فقيل لها: (أليس كفن في ثوبين وبرد حبرة؟) فقالت: (قد أوتي به ولكنهم لم يكفنوه به)، يعني: إنما كفنوه بثلاثة أثواب بيض، سحولية، ليس فيها هذا الذي أشير إليه، وإنما أوتي به ولكنهم لم يكفنوه به، بل كفنوه بالثلاثة الأثواب البيض السحولية اليمانية. تراجم رجال إسناد حديث: (كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ...) من طريق ثالثة أما الإسناد فهو نفس الإسناد الذي قبله إلا أن فيه حفصاً الذي يروي عنه قتيبة في هذا الإسناد، وهو حفص بن غياث النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومن عداه مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. الأسئلة ذكر أقوال العلماء في المفاضلة بين عائشة وخديجة السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل عائشة أو خديجة؟ الجواب: عائشة وخديجة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما اتفق على تفضيلهما على غيرهما، لكن أيهما أفضل؟ العلماء اختلفوا في ذلك؛ فمنهم من فضل خديجة، ومنهم من فضل عائشة، ومنهم من قال: إن أفضلية عائشة من جهة، وأفضلية خديجة من جهة؛ خديجة من جهة كونها نصرته وأيدته وأعانته في وقت شدته، وعائشة رضي الله عنها من جهة أنها حفظت سنته، وحفظت للناس هديه عليه الصلاة والسلام في أمور كثيرة، لا سيما فيما يتعلق في أمور البيت، وأذكر أنه جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية يعني: لا أدري فيهما أو في غيرهما مما يحصل فيه الاشتباه في التفضيل، فقال: أفضلهما أتقاهما لله، يعني: استويا في التقوى استويا في الدرجة. ما أدري هل قال هذا في المفاضلة بين خديجة، وعائشة أو بين الغني الشاكر والفقير الصابر. المقصود بالصورة في حديث: (ثم يأتيهم في صورته ...) السؤال: حفظكم الله يا شيخ! جاء في الحديث: (فيأتيهم في صورة غير صورته فيقول: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون.. كذا إلى أن قال: ثم يأتيهم في صورته)، فما هو مقصود الحديث؟ الجواب: الحديث في الصحيحين وهو واضح من لفظه: (أنه يأتيهم في صورة غير صورته فيقولون: ليس ربنا، ثم يأتيهم في صورته التي يعرفونها فيقولون: أنت ربنا)، هذا هو لفظه، فلفظه واضح في بيان معناه، والصورة هي الصفة. كيفية الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس عراة) وحديث: (ويبعث الميت بثيابه) السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يجمع بين الحديثين: (يحشر الناس يوم القيامة عراة) وقوله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الميت في ثيابه)؟ الجواب: البعث للميت في ثيابه أنا لا أدري أنه صحيح أو لا، فكما هو معلوم في الغالب أن الثياب أنها تبلى في القبور، (والناس يحشرون حفاة عراة غرلاً) كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: يا عائشة! الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) فقضية حشر الناس في الثياب أنا لا أعرف عنه شيئاً. الأصل في المال الذي يشترى به الكفن السؤال: هل من الواجب أن يكون كفن العبد من ثمنه، ثم إذا دفع ثمن الكفن غير الميت هل يرد ماله له أو لا؟ الجواب: الأصل أن كفن الإنسان هو من جملة المال من مال الإنسان، بل هو المقدم في ماله؛ لأن الأمور المتعلقة في التركة: هي التجهيز الذي مثل: الكفن، والحقوق المتعلقة بأعيان المال، ثم الديون العامة، ثم الوصايا، ثم الميراث، فالكفن هو المقدم على غيره من الحقوق، وإذا كان أحد كفن بأكفان من غيره وليست من ماله فيجوز وليس في ذلك بأس. معنى حديث: (ما قطع من البهيمة فهو ميت) السؤال: فضيلة الشيخ! حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت) رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، ما المقصود بالحديث؟ الجواب: يعني: ما أبين منه فإنه يعتبر ميتة، فإذا جاء الإنسان وقطع رجل البهيمة وهي حية فتعتبر هذه القطعة التي قطعها ميتة لا يجوز أكلها، هذا معنى (أبين) يعني: قطع، (ما أبين من حي فهو ميت)، يعني: إذا قطعت رجلها، أو قطع ثديها، أو قطع جزء من أجزائها وهي حية، طبعاً وهذا تعذيب للحيوان، ولكن هذا الذي حصل أو الذي قطع هو حرام؛ لأنه يعتبر ميتة، فلا يجوز أكله. صفة غسل الميت السؤال: حفظكم الله يا شيخ! ما هي صفة غسل الميت باختصار؟ الجواب: مر بنا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أنه يغسل، وأن يكون ذلك ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك حيث تقتضي الحاجة لذلك من حيث التنظيف، وكذلك مر بنا أنه يبدأ بأعضاء الوضوء والميامن، وأنه يجعل مع الماء شيء يتم به التنظيف من سدر أو صابون، ويكون ذلك وتراً، وحديث أم عطية رضي الله تعالى عنها وأرضاها الذي مر بنا من طرق متعددة هو الذي فيه التفصيل بكيفية تغسيل الميت. حكم الاستنجاء للميت السؤال: يا شيخ! هل يستحب الاستنجاء للميت؟ الجواب: ذكر الميت وفرجه من جملة ما يغسل، وإذا كان فيه أشياء وآثار قذرة لا بد من إزالتها، ولكن أولاً: تزال النجاسة ويزال الموجود على جسده، ثم يوضأ، ثم تغسل الميامن، ثم المياسر. بيان حالة اجتماع غسل الميت والجنابة السؤال: إذا كان الميت على جنابة فهل يغسل غسل الجنابة؟ الجواب: كما هو معلوم نفس التغسيل، التغسيل الذي يحصل له هو نفس تغسيل الميت؛ لأنه إذا حصل تغسيله فمعناه: أنه حصل التطهير، وزال ذلك الشيء الذي عليه، كما هو معلوم في قصة حنظلة عندما غسلته الملائكة وكان جنباً، فالتغسيل هو نفس تغسيل الميت. حكم ضغط البطن حال غسل الميت السؤال: يا شيخ! الله يحفظك، ذكر بعض الفقهاء أنه يضغط على بطنه، ويخرج ما فيه فهل يصح هذا؟ الجواب: والله له وجه من جهة أنه قد يكون مثلاً إذا حصل أنه ما عمل هذا فإنه قد يخرج منه شيء بعدما يكفن، فيصير فيه توسيخ، لكن إذا كان خفيفاً بحيث إذا كان فيه شيء يخرج فهذا لا شك أن فيه مصلحة، وفيه فائدة حتى لا يخرج شيء بعد ذلك. ما يلزم من نسي سجود السهو السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، من صلى الظهر ثم سلم من ركعتين، ثم تذكر فأتى بالباقي، ولكنه نسي السجود للسهو، ثم شرع في سنة الظهر؟ الجواب: والله ما عليه شيء أبداً ما دام أنه شرع في سنة الظهر وهو لم يسجد فليس عليه شيء؛ لأنه ما ترك أمراً واجباً، وإنما الذي حصل أنه زاد في الصلاة؛ يعني: هذا السلام الذي في الوسط. حكم الأخذ بفتاوى ابن راهويه السؤال: هل يمكن الأخذ بفتاوى ابن راهويه والعمل بها؟ الجواب: الإمام إسحاق بن راهويه هو كغيره من أهل العلم ما نقول أنه يؤخذ بفتاوى فلان ويعمل بها، وإنما يرجع إلى كلام أهل العلم، وينظر في أدلتهم، ومن كان عنده قدرة فإنه يتوصل إلى ما يتوصل إليه، ومن ليس عنده قدرة فإنه يسأل من عنده علم، وليس القضية أنه يروح يفتش في كلامه ثم يأخذ قوله، ثم يعمل به؛ لأنه قال به، وإنما القضية هي قضية البحث عن الحق بدليله، وابن راهويه إمام مجتهد، ومحدث فقيه، ومعروف في الفقه والحديث، ويستفاد من علمه، لكن ليس معناه أن الإنسان يبحث عن أقوال شخص معين ثم يأخذ بها. توجيه معنى: (الصفة لها كيفية والكيف مجهول) السؤال: كيف نقول: إن الصفة لها كيفية ثم نقول: إن الكيف مجهول أو نقول: بلا كيف كما جاء عن السلف؟ الجواب: لا، هو الكيف فيه كيفية، الله تعالى يعلمها، لكن الكيفية المنفية هي الكيفية بالنسبة لنا، وأما الكيفية التي عليها الله تعالى هو الذي يعلمها سبحانه وتعالى، وهو (بلا كيف) يعني: لا نكيف، لا نقول: كذا وكذا، أو صفتها كذا وكذا أبداً، ولكن الكيف هو في نفس الأمر والواقع حاصل على الصفة التي الله تعالى يعلمها، لكن كوننا نقول: هي كذا وكذا وكذا فهذا الذي لا يجوز، فإذا قلنا: (بلا كيف) يعني: لا نكيف، لكن ليس معنى ذلك أنه ليس لها كيفية؛ لأنه لو قلنا: المعنى ليس له كيفية فمعناه: ما صار لها حقيقة. بيان ما ورد عن السلف من القول: أن الصفات حقيقية السؤال: هل ورد عن السلف أنهم زادوا لفظ (الحقيقة) بعد إثبات الصفات كما نقول مثلاً: لله عينان حقيقتان؛ لأن أهل البدع يعترضون على هذه الزيادة؟ الجواب: هي جاءت كلمة (حقيقة) لما جاء أهل البدع بكلمة (مجاز)، أقول: لما أتى أهل البدع بكلمة (مجاز) أتى أهل السنة بكلمة (حقيقة)، مثل ما قالوا: القرآن غير مخلوق لما قال المبتدعة: القرآن مخلوق، فما احتاجوا إلى هذا إلا لما جاء القول الباطل، احتاجوا إلى أن يردوه، فكلمة (القرآن غير مخلوق) قالوها لما وجد من يقول: (القرآن مخلوق)، وكلمة (حقيقة) لما جاء أناس يقولون: (مجاز) ليس بحقيقة فقالوا: حقيقة. معنى البرد الحبرة السؤال: فضيلة الشيخ! ما المقصود بالبرد الحبرة؟ الجواب: نوع معين من اللباس. المقصود من العمامة والقميص في تكفين الميت السؤال: ما المقصود بالقميص؟ وما معنى ذكر العمامة هنا؟ الجواب: القميص -كما هو معلوم- ما يلبس على سائر الجسد، والعمامة ما يكون على الرأس، فالمقصود من ذكره هنا أن الثلاثة الأثواب أثواب بيض ليست مخيطة، ليس فيها لا قميص ولا عمامة، يعني معناه: إذا كان فيها قميص وعمامة يكون واحد قميصاً وعمامة، والثالث: ليس هذا ولا هذا، ومراد الحديث أنها ثلاثة أثواب كلها بيض، وكلها سحولية، وأنها خالية من أن يكون فيها قميص، أو عمامة. حكم تكفين الميت بغير الأبيض السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم تكفين الميت بغير الأبيض؟ الجواب: يجوز أن يكفن بغير الأبيض، ولكن الأفضل هو الأبيض. حكم زكاة الأرض المباعة بعد أن لم تكن عقاراً السؤال: فضيلة الشيخ! اشتريت قطعة لبنائها منزلاً، ثم تغيرت النية لبيعها وشراء منزل، فهل عليّ زكاة عند بيعها؟ الجواب: لا، ما دام أنه ما عرضها للبيع ولكنه أعدها لأن يبني عليها، ثم بدا له أن يبيعها وأن يشتري مكانها منزلاً أو شيئاً آخر فليس عليه إلا إذا كان عرضها للبيع ومضى سنة وهي معروضة للبيع فعند ذلك يزكيها عند مضي كل سنة، أما مجرد كونه طرأ من أنه لا يريد بيعها، ثم أراد بيعها ولم يمض على هذه الإرادة سنة، فإنه لا زكاة فيها. حكم استعمال الصابون المعطر حال الإحرام السؤال: فضيلة الشيخ! هل استخدام الصابون المطيب بحالة الإحرام جائز أو لا؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يستعمل الصابون المطيب وهو محرم؛ لأن الطيب لا يستعمله الإنسان لا في غسيل، ولا في شرب، ولا في اغتسال، وما إلى ذلك، فيتجنب الإنسان الطيب، أو استعمال الطيب حال إحرامه. حكم لبس الحفاظة لصغار السن في الإحرام السؤال: فضيلة الشيخ! أحرمت لابني بالعمرة وهو صغير السن فألبسته حفاظة خوفاً من تبوله؛ فهل علي شيء؟ الجواب: هذه الحفائظ التي تجمع أطرافها وبدون أن تكون مثل السراويل، ومثل التبان هذه لا تؤثر، بأن تجمع أطرافها وتربط هذه ما يقال أنه لبس مخيطاً أو لبس اللباس المعتاد. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الجنائز (333) - (باب القميص في الكفن) إلى (باب المسك) لقد ثبت في السنة المطهرة أن القميص يجوز أن يكون كفناً أو من جملته، وأنه يجوز التكفين بأقل من ثوبين إن دعت الحاجة إلى ذلك، وأن المحرم يكفن بثوبيه ولا يطيب ولا يخمر رأسه لأنه يبعث يوم القيامة محرماً. القميص في الكفن شرح حديث: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [القميص في الكفن.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، ثم قال: إذا فرغتم فآذنوني أصلي عليه، فجذبه عمر وقال: قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فقال: أنا بين خيرتين: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/1.jpgاسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/2.jpg[التوبة:80] فصلى عليه، فأنزل الله تعالى: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/1.jpgوَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/2.jpg[التوبة:84] فترك الصلاة عليهم)]. يقول النسائي رحمه الله: القميص في الكفن. يعني: كون القميص يكون كفناً أو يكون من جملة ما يكفن به، أورد هذه الترجمة لبيان أن مثل ذلك سائغ، وإن كان الأولى والأفضل هو: ما كفن به رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، لكن إذا جعل القميص، فإنه يسوغ لما جاء في هذا الحديث، ويمكن أن يقال: إن الذي جاء في الحديث إنما أريد به التبرك بقميصه صلى الله عليه وسلم، وأن هذا يكون شيئاً مخصوصاً يراد لخصوصه، ولا يراد به شيء غير ذلك، وعلى كل فإذا جعل قميصاً أو كفناً في قميص لا سيما إذا دعت الحاجة لذلك، فإنه لا بأس بذلك. وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، في قصة موت عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، جاء ابنه عبد الله، وهو من خيار الناس، ومن خيار الصحابة، وطلب منه قميصه ليكفنه به وأن يصلي عليه، فأعطاه قميصه وقال: آذنوني إذا فرغتم، ثم إنه تقدم للصلاة عليه، فمسكه عمر وقال له: كيف تصل عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين، فقال: إنني بين خيرتين: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/1.jpgاسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/2.jpg[التوبة:80] فصلى عليه، ثم إنه نزل بعد ذلك: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/1.jpgوَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/2.jpg[التوبة:84] وعلى هذا الرسول عليه الصلاة والسلام في قصة هذا المنافق صلى عليه، بل وذهب في جنازته كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا، وأعطى قميصه ليكفن به، فالنهي عن الصلاة على المنافقين كانت بعد ذلك، ثم إنه ترك الصلاة عليهم بعد ما نزلت عليه الآية. لكن يبقى إشكال وهو: على أي شيء استند عمر في قوله: قد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين، وقوله: https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/1.jpgوَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً https://majles.alukah.net/imgcache/2021/12/2.jpg[التوبة:84] إنما نزلت بعد ذلك، لم تنزل قبل هذا؟ أجاب عن ذلك بعض العلماء بأن المقصود منه: أنه فهم من النهي عن الاستغفار أي: الصلاة؛ لأن الصلاة هي استغفار، أو أن كلامه معه على سبيل السؤال والاستفسار، يعني: أليس قد نهاك الله عن المنافقين، فيريد أن يعرف الجواب من النبي عليه الصلاة والسلام، وكان الجواب منه أنه ما بين أمرين، عليه الصلاة والسلام. ثم إن الحكم بالنسبة للصلاة على المنافقين قد استقر ونزل القرآن بذلك، فلم يصل على أحد منهم عليه الصلاة والسلام، وعاملهم معاملة الكفار بأنه لا يصلى عليهم. تراجم رجال إسناد حديث: (لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ...) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو عمرو بن علي الفلاس، وهو المحدث الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في ذلك محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء أربعة هم من المحدثين الذين روى عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة. [حدثنا يحيى]. هو ابن سعيد القطان، المحدث الناقد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبيد الله]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب الذي يقال له: العمري المصغر، هذا ثقة، من أثبت الناس في الرواية عن نافع، ويقال له: المصغر تمييزاً له عن أخيه عبد الله، لأن ذاك ضعيف وهذا ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثني نافع]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله]. هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء أربعة أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة وإن كان في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام من يسمى عبد الله كثير، إلا أن هذا اللقب اشتهر به هؤلاء الأربعة، وهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب، وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، وعبد الله بن عمر أيضاً هو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. شرح حديث: (أتى النبي قبر عبد الله بن أبي... وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي، وقد وضع في حفرته فوقف عليه، فأمر به فأخرج له فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، ونفث عليه من ريقه والله تعالى أعلم].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، الذي فيه تكفينه في القميص، أو إلباسه القميص، ولكن الحديث فيه أن هذا بعد ما وضع في اللحد فأخرج، وضعه على ركبتيه وألبسه قميصه، وهذا يخالف ما تقدم من أن ابنه عبد الله طلب منه قميصه فأعطاه إياه، وهذا يفيد أنه بعد ما وضع في اللحد أخرج وألبس القميص، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ففي هذا إشكال من حيث أنه يخالف ما تقدم من أن ذاك طلب القميص فأعطاه إياه، وهنا فيه أنه لما وضع في اللحد، فأخرج من اللحد، ووضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وألبسه القميص، وقد أجاب العلماء عن هذا، أو وفق العلماء بين ما جاء في الحديثين، بأن ما جاء في الأول إنما هو وعد والتزام، وأنه سيعطيه إياه، وأنه في حكم المعطى إياه، وما حصل عند القبر هو تنفيذ لذلك الوعد، وعلى هذا يوفق بين ما جاء في الحديثين من ظهور التعارض، وأن الأول هو كونه أنعم، وتفضل، وأعطاه، ووعده، والثاني فيه التنفيذ، وأن ذلك حصل منه مباشرة حيث ألبسه إياه صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنهما قميصان الأول قميص، والثاني قميص، معناه: أن الأول محمول على أنه أعطاه قميص، والثاني على أنه ألبسه قميصاً آخر، بهذا وفق العلماء بين ما جاء في هذين النصين المتعارضين فيما يتعلق بذلك القميص. تراجم رجال إسناد حديث: (أتى النبي قبر عبد الله بن أبي... وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه) قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار]. أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي. قال عنه: لا بأس به، وهي بمعنى صدوق عند الحافظ ابن حجر، وكلمة لا بأس به أو ليس به بأس، بمعنى واحد، ويكون صاحبها ممن يعتبر حديثه حسناً لذاته، أي: دون أن يحتاج إلى اعتضاد. [عن سفيان]. هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو]. هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن جابر]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي مر ذكره آنفاً عند ذكر عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث جابر: (فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: وكان العباس بالمدينة، فطلبت الأنصار ثوباً يكسونه فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وفيه: بيان سبب إعطائه القميص أي: لـعبد الله بن أبي، وذلك أنه قد أخذ قميصه للعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لما جاء أسيراً في غزوة بدر وأسر، وبحثوا عن قميص يكسونه إياه، فلم يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي ابن سلول فأعطوه إياه، فيكون هذا القميص الذي كساه النبي صلى الله عليه وسلم، هو مكافأة له على ذلك القميص الذي لبسه عمه العباس. تراجم رجال إسناد حديث جابر: (فلم يجدوا قميصاً يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي ...) قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري]. صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن سفيان عن عمرو عن جابر]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث: (فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن الأعمش (ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يحيى بن سعيد القطان سمعت الأعمش سمعت شقيقاً حدثنا خباب رضي الله تعالى عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، منهم: مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخراً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، واللفظ لـإسماعيل].أورد النسائي حديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه، الذي يبين فيه أنهم هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يبتغون وجه الله، وأنه وجب أجرهم على الله، وأن منهم من تعجل، أو من حصل له شيء من الفوائد العاجلة في الدنيا، التي هي الغنائم التي حصلت بسبب الجهاد، وهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله للإنسان في الدنيا قبل الآخرة، ومنهم من لم يحصل شيئاً من ذلك، وكان نصيبه مدخراً له في الآخرة، ومن الذين ماتوا قبل أن يحصلوا شيئاً من الدنيا مصعب بن عمير، عندما استشهد يوم أحد، فوجدوا نمرة، إن غطوا بها رأسه خرجت رجلاه، وإن غطوا بها رجليه خرج رأسه، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يغطى رأسه، وأن يجعل على رجليه إذخراً، فقدم الرأس وما يليه، لكن من المعلوم أنه لو لم يوجد إلا ما يستر العورة، فإن العورة تستر، ويجعل على سائر الجسم شيئاً من الإذخر أو غيره من النبات، وهذا الحديث فيه أنه يخرج الرجلان أما العورة مستورة، ولكن الأمر دائر بين خروج الرأس وبين الرجلين؛ لأنها إن وضعت من جهة الرأس خرجت الرجلان، وإن وضعت من جهة الرجلين خرج الرأس، فأمرهم بأن يقدموا الرأس وما يليه، وأن الرجلين يوضع عليهما شيئاً من الإذخر، وهذا يدل على القلة والفاقة، وعدم وجود شيء عند الناس. وذكر النمرة في باب القميص هذا هو محل إيراد الحديث في الترجمة، ولعلها من قبيل القميص الذي إن وضع من جهة الرأس وغطي الرأس به خرجت الرجلان، وإن وضع من جهة الرجلين وغطيت الرجلين خرج الرأس، ووجه إيراده في الترجمة من جهة أنها نمرة، ولعل المقصود منه: أنها كانت على هيئة القميص، أو أنها قميص. وقوله: [(هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبتغي وجه الله تعالى فوجب أجرنا على الله)]. أي: هاجروا مع النبي عليه الصلاة والسلام يبتغون وجه الله عز وجل، ولهذا تركوا أموالهم وديارهم كل ذلك ابتغاء وجه الله عز وجل، ونصرة النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى وصف المهاجرين بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ )[الحشر:8] ووصفهم بأنهم فقراء؛ لأنهم خرجوا بدون مال فصاروا فقراء، فقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )[الحشر:8] يعني: خرجوا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والجهاد معه عليه الصلاة والسلام. فقال: (فوجب أجرنا على الله)، يعني: ثبت الأجر على هذا العمل الذي يريدون به وجه الله عز وجل، لكن هناك من تعجل شيئاً من أجره، وتحصل الفوائد على هذه الأجرة وهي: حصول شيء من الدنيا عن طريق الغنائم، ومنهم من استشهد قبل أن يحصل شيئاً من هذه الدنيا، وذكر منهم: مصعب بن عمير الذي ما وجدوا شيئاً يغطي جسده كله عندما توفي واستشهد، فجعلوا إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه وإذا غطوا رجليه خرج رأسه، فأمرهم بأن يقدموا رأسه وما يليه، ويجعلوا على رجليه إذخراً. قوله: [(ومنا من أينعت له الدنيا فهو يهدبها)]، يعني: نضجت مثل الثمار إذا استوت وانتفع أهلها بها، فهو يهدبها أي: يقطفها، ويجنيها ويستفيد منها، ومعنى ذلك: أن هؤلاء حصلوا شيئاً من الدنيا، وهذا من أجور أعمالهم الصالحة، ولكن من مات ولم يحصل شيئاً، فإنه يحصل الأجر كاملاً عند الله عز وجل؛ لأن أجره إنما حصل في الآخرة، ولم يحصل شيئاً من الأجور الدنيوية التي هي الغنائم، التي يستفيد منها الإنسان ويحصلها. تراجم رجال إسناد حديث: (فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة ...) قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد]. هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة مأمون سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي. [عن يحيى]. هو ابن سعيد القطان، وقد مر ذكره. [عن الأعمش]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود]. أتى بحاء التحويل وهي: التحول من إسناد إلى إسناد آخر، وإسماعيل بن مسعود، بصري ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا يحيى بن سعيد القطان]. وهنا نسبه في الطريق الثانية. ففي الطريق الأولى ذكر يحيى مهملاً غير منسوب، وفي الطريق الثانية وهي: طريق إسماعيل بن مسعود منسوب، قال: يحيى بن سعيد القطان وقد مر ذكره. [سمعت الأعمش]. وهو الذي مر ذكره في نفس الإسناد. [سمعت شقيق]. هو ابن سلمة أبو وائل الكوفي وهو ثقة مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ومشهور باسمه شقيق، وكنيته أبو وائل، وكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو وائل ولا يذكر شقيق، فيأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته. ومعرفة كنى المحدثين هي نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه في بعض الروايات وذكر بكنيته في بعض الروايات فلا يظن أن أبا وائل غير شقيق، لكن من يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق لا يلتبس عليه الأمر، سواء وجد شقيقاً أو وجد أبا وائل، ومثل ذلك أيضاً لقب الأعمش ولكن من يعرف أن سليمان بن مهران يلقب الأعمش، فإن جاء ذكر سليمان أو جاء ذكر الأعمش لا يلتبس عليه الأمر ويعرف أنه شخص واحد، وشقيق من المخضرمين وهو من الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم. [عن خباب]. هو: خباب بن الأرت صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من الذين عذبوا في سبيل الله عز وجل وأوذوا في سبيل الله، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
كيف يكفن المحرم إذا مات شرح حديث: (وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يكفن المحرم إذا مات.أخبرنا عتبة بن عبد الله حدثنا يونس بن نافع عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، واغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة محرماً)]. ثم ذكر هذه الترجمة وهي: كيف يكفن المحرم إذا مات، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك في قصة الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكفن في ثوبيه وأن لا يمس طيباً، وألا يخمر رأسه أي: يغطى رأسه، ويكفن في ثيابه، ويكون رأسه مكشوفاً، ولا يمس طيبا، يعني: يعامل في حالة موته ما يعامل في حالة حياته وهو محرم؛ لأن المحرم لا يغطي رأسه، ولا يمس الطيب، فكذلك إذا مات وهو محرم، فإنه يغسل، ولكنه لا يمس بالطيب، ولا يطيب، ولا يغطى رأسه، بل يكفن، ويغطى سائر جسده بثوبيه الإزار، والرداء، ويكون رأسه مكشوفاً، وهذا معنى قوله: [(لا تخمروا رأسه)] أي: لا تغطوه؛ لأن التخمير هو: التغطية، والخمار يكون للنساء، لأنه يغطيهن، ويسترهن، والتخمير هو: الستر فيكون المعنى: لا تغطوا رأسه بل اجعلوه مكشوفاً كحالته، وهو حي، وقوله: [(اغسلوا المحرم في ثوبيه)]، لعل المقصود من ذلك أنه عندما يراد تغسيله، يغطى جسده، فيغسل من تحت الثياب، فإنه بذلك يكون في ثوبيه، ويكفن في ثوبيه أي: الإزار والرداء. وقوله: [(إنه يبعث يوم القيامة محرماً)] يعني: أنه يبعث على ما مات عليه، مات محرماً، فيبعث محرماً. تراجم رجال إسناد حديث: (وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ...) قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله]. هو عتبة بن عبد الله المروزي، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده. [حدثنا يونس بن نافع]. صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي. [عن عمرو بن دينار]. هو عمرو بن دينار المكي وقد مر ذكره. [عن سعيد بن جبير]. هو المحدث الفقيه ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل عبد الله بن عمر في كونه من العبادلة الأربعة، وكونه من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. المسك شرح حديث: (أطيب الطيب المسك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسك.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود وشبابة قالا: حدثنا شعبة عن خليد بن جعفر سمع أبا نضرة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطيب الطيب المسك)]. ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: المسك، يعني: التطيب بالمسك أو استعمال المسك، والطيب الذي هو: المسك أورده بعد الترجمة السابقة، لعله لما ذكر الترجمة السابقة وهي: أن المحرم لا يطيب، وأن الذي ليس بمحرم يفهم منه أنه يتطيب ويمس الطيب، وإنما الذي يمنع من الطيب هو المحرم، ذكر بعد ذلك أطيب الطيب، وأحسن الطيب، وخير الطيب الذي هو المسك، ولعل هذا هو وجه إيراد الحديث هنا بعد الترجمة السابقة، الترجمة السابقة فيها الدلالة بمنطوقه على أن المحرم لا يطيب، وبمفهومه على أن غير المحرم يطيب، وما دام أن المحرم يطيب فبأي شيء يطيب، وما هو أحسن الطيب؟ أتى بالترجمة التي هي: المسك، وأن (أطيب الطيب المسك) أو من خير الطيب المسك، فأورد تحت ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أطيب الطيب المسك)]، وجاء في الرواية الثانية: [(من خير طيبكم المسك)] يعني: فيكون من أطيب الطيب، ومن خير الطيب الذي يتطيب به. تراجم رجال إسناد حديث: (أطيب الطيب المسك) قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان]. هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود. [حدثنا أبو داود وشبابة]. أبو داود، هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وشبابة بن سوار ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن خليد بن جعفر]. صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي. [سمع أبا نضرة]. هو المنذر بن مالك البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبي سعيد]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي مشهور، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكرهم. حديث: (من خير طيبكم المسك) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا أمية بن خالد عن المستمر بن الريان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خير طيبكم المسك)]. قوله: [أخبرنا علي بن الحسين الدرهمي]. صدوق أخرج له أبو داود، والنسائي. [عن أمية بن خالد]. صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [عن المستمر بن الريان]. ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [عن أبي نضرة عن أبي سعيد]. وقد مر ذكرهما. الأسئلة مدى اعتبار كل ما له رائحة من الطيب السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، حديث ابن عباس فيه: (اغسلوا المحرم في ثوبيه) السدر له رائحة طيبة، فهل يدل على أنه ليس كل ما له رائحة يعتبر من الطيب؟ الجواب: لا، السدر ليس من الطيب، وليس كل ذي رائحة يعتبر طيباً. ضابط جعل ذوات الرائحة كالصابون طيباً السؤال: ما هو ضابط الطيب؛ لأنه قد يعترض بعضهم على الصابون المطيب ويقول: أيضاً له رائحة؟ الجواب: الصابون المطيب لا شك أنه من الطيب، والإنسان لا يجوز له أن يستعمل الطيب لا في غسل، ولا في شرب، ولا في دهان، أو ما إلى ذلك، بل يتجنبه الإنسان من جميع الوجوه. حكم التكفين بأقل من ثلاثة أثواب السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، قوله: (وكفنوه في ثوبيه) يدل على جواز التكفين بأقل من ثلاثة أثواب؟ الجواب: نعم، يدل على ذلك، لكن الأكمل، والأفضل أن يكون في ثلاثة، وأما بالنسبة للمحرم فهو يكفن في ثيابه، وهما ثوبان: الإزار والرداء. وإذا كان الأمر يحتاج إلى الزيادة عليهما يمكن ذلك؛ لأنه كما هو معلوم أن الإنسان في حال إحرامه إذا احتاج إلى أن يضيف شيئاً من أجل الدفء بأن يكون مثلاً زيادة إزار، أو زيادة رداء فليس فيه بأس بحيث يضيف ذلك عند الحاجة كخوف البرد، ولا مانع بأن يضيف إلى ذلك شيئاً غير الإزار، بأن يتزر بإزارين، ويرتدي برداءين إذا احتاج إلى ذلك. دخول الوجه في الرأس في قوله: (لا تخمروا رأسه) السؤال: هل قوله: (لا تخمروا رأسه) يدخل فيه الوجه؟ الجواب: نعم يدخل فيه الوجه لا شك. والمحرم لا يغطي وجهه، لكن كما هو معلوم في حال الوفاة يترك رأسه كله، والمعنى أنه لا يغطى وجهه ورأسه يكون مكشوفاً، وإنما لا يغطى رأسه بما فيه الوجه، وأما بالنسبة لحال الإحرام كونه يغطي وجهه بشيء أو كذا ليس فيه مانع، وإنما المانع أنه ما يغطي رأسه. دخول الكافور ضمن الطيب السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تمسوه بطيب) هل يدخل فيه الكافور؟ الجواب: كما هو معلوم كل ما يقال له طيب، وكل ما يعتبر طيباً فيدخل في ذلك، ولهذا هنا هو ما ذكر الكافور وإنما ذكر الماء والسدر. معنى النفث في حديث جابر: (ونفث عليه من ريقه ...) السؤال: قول الراوي في حديث جابر: (ونفث عليه من ريقه) ما معنى ذلك؟الجواب: كونه نفث عليه يعني: مثل الرقية، هذا هو معناه. نقصان الأجر في الآخرة بتعجيل النفع في الدنيا السؤال: يا شيخ! هل يكون تعجيل بعض النفع في الدنيا بسبب العمل الصالح ينقص من الأجر في الآخرة؟ الجواب: لا شك أن من لم يحصل شيئاً من الدنيا فإنه يحصل الأجر كاملاً، وأما من حصل شيئاً من الدنيا فلا شك أنه أقل منه، وقد ورد حديث في الجهاد بهذا المعنى. رفع اليدين عند التكبيرات في صلاة الجنازة السؤال: يا شيخ! حفظكم الله، ما هو الصحيح الموافق للدليل في مسألة رفع اليدين في التكبيرات في صلاة الجنازة، فهل ترفع اليدين مع كل تكبيرة أو لا، أرجو بيان ذلك مع الدليل؟ الجواب: الذي يظهر أنها ترفع الأيدي، وقد جاء عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً من طريق عمر بن شبة صاحب تاريخ المدينة، وهي زيادة من ثقة فتقبل ويعول عليها، فترفع الأيدي بالتكبير في الجنازة في جميع التكبيرات. مدى قدح الإرسال والتدليس في الثقة السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل الإرسال والتدليس في الراوي الثقة قدح فيه، وكيف نتعامل مع السند؟ الجواب: ليس قدحاً في الراوي مطلقاً، وإنما فيه قدح في الرواية التي فيها الإرسال والتدليس؛ لأن الرواية التي فيها التدليس إذا كان في غير الصحيحين فيحتاج إلى أن يعرف التصريح بالسماع في موضع آخر، ففيه قدح في الرواية التي فيها التدليس، لأنه يحتاج إلى أن يبحث هل صرح فيها بالسماع في موضع آخر، وأما سائر رواياته لا تؤثر عليها الرواية التي حصل فيها التدليس، بل المطلوب أن يعرف بأن فيه اتصالاً وليس فيه انقطاع، فإذا وجد فإنه لا يؤثر على روايته أي: المدلس، وكذلك المرسل. الفرق بين روي ورينا ومعناهما السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى لفظ: روينا التي يقولها بعض أهل الحديث، وأين نجدها في مصادر كتب الحديث؟ وما الفرق بينها وبين روي؟ الجواب: والله ما أدري أين توجد، لكن يأتي استعمالها روينا. كلمة (روي) معروف بأنها من قبيل الصيغة التي فيها تمريض وما يكون جاء من طريق صحيحة لا يصلح أن يعبر عنه بروي؛ لأنه قد يفهم منه بأن فيه شيئاً من الضعف، وأن فيه تمريضاً، فهذه الكلمة روي وذكر، ويقال، ويذكر، هذه صيغ تمريض، يعني: الحديث الصحيح لا ينبغي أن يذكر بهذه الصيغ ويعبر عنه بها. حكم إخراج الميت من قبره عند الحاجة السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، هل حديث إخراج عبد الله بن أبي ابن سلول من القبر فيه دليل على جواز إخراج الميت من قبره لضرورة ما؟ الجواب: نعم، فيه دليل على ذلك، لكن هل هذا معناه بعد الدفن؟ ما أدري هل ورد شيء يدل عليه، لكن الذي يفهم أنهم عندما وضعوه في اللحد أخرجوه وكان تابعاً لجنازته، يعني: فألبسه قميصه، لكن المقبور إذا احتيج إلى إخراجه لأمر يقتضي ذلك فليس فيه بأس، مثل أن يخشى عليه من الجرف كما حصل لـعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله، فإنه دفن لما استشهد في أحد، في مكان قريب من الوادي فخشي ابنه أن يجترفه السيل، وأن يصل إلى القبر، ويجترف الجسد، فنبشه بعد ستة أشهر ودفنه في مكان آخر، وجاء فيه أنه وجده كما كان يوم دفنه ولم يتغير. إثبات صفة الملل لله استدلالاً بحديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا) السؤال: فضيلة الشيخ! في حديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا) هل فيه دليل على إثبات صفة الملل لله عز وجل؟ الجواب: أبداً، لا يدل على إثبات صفة الملل، وإنما المراد به: أنه حتى لو مللتم ولو حصل منكم الملل، فإن الله لا يمل، فليس فيه إثبات صفة الملل لله عز وجل. ما يفعله من فاتته بعض تكبيرات صلاة الجنازة السؤال: فضيلة الشيخ! حفظكم الله، كيف يقضي من فاتته بعض تكبيرات الجنازة؟ الجواب: يقضيها بأن يكبر، ويدعو دعاء قصيراً بينها ويسلم؛ لأن الجنازة ترفع لا تبقى أمامه وهو يصلي، وإنما يكبر التكبيرات التي بقيت عليه ويدعو بينها: الله أكبر، اللهم اغفر له، الله أكبر، اللهم اغفر له، والجنازة تذهب في الحال. مقدار زكاة خمس وثلاثين من الإبل السؤال: فضيلة الشيخ! كم زكاة خمس وثلاثين من الإبل؟ الجواب: خمس وثلاثون من الإبل فيها بنت مخاض؛ لأنه من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فيها بنت مخاض، فإذا زادت واحدة يصير فيها بنت لبون. حكم الزكاة في الراحلة السؤال: هل الراحلة فيها زكاة؟ الجواب: ما المقصود بالراحلة؟ إذا كان المقصود بذلك التي يرحلها، ويقتنيها ويستخدمها فهذه ليس فيها زكاة، وإن كان المقصود من ذلك شيئاً آخر فلا أدري؛ لأنه ليس على المسلم في فرسه، وعبده صدقة، فالشيء الذي يستخدمه، ويستفيد منه في الاستعمال هذا ليس فيه صدقة، وليس فيه زكاة. فمثلاً السيارة، ليس فيها زكاة، ما دام أنه يؤجرها، أو ينقل عليها بضائع فليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيها إذا أعدها للبيع، أو كانت سائمة ترعى، إذا كانت معدة للبيع فهذه التي فيها زكاة، وأما إذا كانت للاستعمال أو للتأجير فليس فيها زكاة. مدى جواز قول القائل: إن أحد العلماء المتوفين لعل الغرض يتم ببركته، وبقصده الصالح؟ السؤال: فضيلة الشيخ! هل هناك محذور في قول القائل: إن أحد العلماء المتوفين لعل الغرض يتم ببركته، وبقصده الصالح، ويذكر بأن هذه العبارة قالها ابن السبكي في والده في كتابه المنهاج؟ الجواب: والله أقول: ما ينبغي التعبير بمثل هذه العبارة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الجنائز (334) - باب الإذن بالجنازة - باب السرعة بالجنازة بيّن الشرع الحكيم جواز الإذن بالجنازة أي الإعلان بها، وحث على الإسراع بالجنازة، وأن هذا ما كان عليه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. الإذن بالجنازة شرح حديث: (إذا ماتت فآذنوني ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإذن بالجنازة.أخبرنا قتيبة في حديثه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه (أنه أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فأخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات)]. يقول النسائي رحمه الله: باب الإذن في الجنازة، المقصود من هذه الترجمة: الإخبار بالجنازة حتى يصلى عليها، وقد أورد النسائي رحمه الله، حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه في قصة المسكينة التي مرضت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعودها وكان يعود المساكين، وهي من جملتهم، فأمرهم أن يخبروه عنها إذا ماتت وذلك ليصلي عليها صلى الله عليه وسلم، وكانت قد ماتت في الليل، وذهبوا بها ودفنوها، ولم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كرهوا أن يوقظوه، وأن يخبروه بذلك، فلما أصبح أخبر عنها، وقال: ألم آمركم أن تخبروني وتؤذنوني، فقالوا: إنا كرهنا أن نوقظك، فذهب وصف على قبرها معه جماعة من أصحابه وصلى عليها. المقصود من الحديث هو قوله: (آذنوني)، يعني: أخبروني، وهذا يدل على جواز الإخبار عن الميت إذا مات حتى يصلى عليه، وحتى يعلم الناس أو بعض الناس ممن يهمهم ذلك بوفاته. فلو أخبر بعض أئمة المساجد عن جنازة معينة، بأنه سيصلى عليها في الوقت الفلاني في المسجد النبوي أو في غير ذلك، فإن هذا لا بأس به، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يخبر عن وفاتها إذا ماتت حتى يصلي عليها، فدل هذا على أن مثل ذلك سائغ، وفي ذلك فائدة كبيرة، ومصلحة عظيمة حتى يصلي عليه كثير من الناس، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث. والحديث فيه: بيان ما كان عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من الرأفة والرحمة بالمساكين، والتواضع لهم، وأنه كان يعود المساكين في مرضهم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بوفاتها مع أمره إياهم بذلك؛ لأنهم كرهوا أن يطرقوا عليه، ويوقظوه من نومه ليخرج معهم إلى البقيع لدفن هذه الجنازة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما لم يصل عليها قبل دفنها، فإنه ذهب وصلى معه جماعة من أصحابه على قبرها، وهذا يدلنا على أنه يجوز لمن فاتته الصلاة على الجنازة أن يصلي عليها على القبر بعد دفنها بمدة وجيزة، أما إذا طال الأمد وبعد العهد في الوفاة، فإنه لا يصلى عليها، ولكن يدعو الإنسان لصاحبها بدون صلاة، أما إذا كان الدفن حديثاً والعهد قريباً، فإنه يصلى عليها لفعل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، هذا وهو كونه ذهب وصلى عليها، ولا يقال: إنه لم يصلَّ عليها فلذلك صلى عليها رسول الله، بل هذه صلاة أخرى، وصلاة ممن لم يصل، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا يدفنونها بدون أن يصلوا عليها، فقد علموا الصلاة على الجنازة. قوله: [(أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فأخرج بجنازتها ليلاً وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. وفيه: دليل على جواز الدفن بالليل، ولكن الدفن بالنهار أولى ليكون فيه كثرة المصلين، بخلاف الليل، فإنه إذا مات الميت في الليل، ثم صلي عليه، والناس نائمون وذهب به ودفن، لا يحصل أن يصلي عليه مثل من يصلي عليه ما لو كان ذلك في النهار. وقوله: [(فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات)]. وفيه: أيضاً دليل على أن عدد التكبيرات في الجنازة أربعة، وهذا هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي فعله الخلفاء الراشدون من بعده، وإلا فإنه جاء زيادات على الأربع في أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي هو غالب والذي عمل به الخلفاء أربع تكبيرات. ثم أيضاً في قوله: (كرهوا أن يوقظوه) أي: أن يشقوا عليه بالذهاب في ليلة ظلماء. وفيه: ما يدل على بطلان ما يقوله بعض الذين يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام، والذين يقولون: إنه لا ظل له، وأنه إذا كان يمشي في الشمس، فإنه لا يكون له ظل، لأن نوره يقابل نور الشمس فلا يكون له ظل، فإن هذا من الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان الأمر كذلك لما كان بحاجة إلى أن يكره أن يذهب في الظلام، وإذا مشى عليه الصلاة والسلام في الطريق يكون مضيء إضاءة حسية، والأمر ليس كذلك، بل نوره، وإشراقه، نور العلم، والإيمان، والحق، والهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه يكون يمشي في الظلام، ولا يقال: أنه لا يكون هناك ظلام ما دام أنه موجود؛ لأنه يضيء كما تضيء المصابيح، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنه كان يصلي في حجرتها، وكان البيوت ليس فيها مصابيح، فإذا سجد غمزها حتى تؤخر رجلها، فإذا قام يصلي، مدت رجلها، ولو كان الأمر كما يقول هؤلاء الغلاة لما احتيج إلى أن يقول: والبيوت ليس فيها مصابيح، لأنه يكون مضيئاً، يعني: لكل ما حوله، ولا يكون هناك ظلام مع وجوده صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا ماتت فآذنوني ...) قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن مالك]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، والجماعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وقصي وزهرة أخوان وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى زهرة فيقال: الزهري ومنسوب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو إمام، فقيه، ومحدث جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، كما قال السيوطي في الألفية: أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر والمراد بهذه الأولية بالنسبة للجمع الذي يكون بتكليف من السلطان وولي الأمر، وإلا فإن الجمع والكتابة التي تكون بجهود فردية، وبأعمال خاصة هذا موجود من قبل ذلك، وفي الصحابة من كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في التابعين، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه هو ممن كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه. فإذاً: الجمع الذي قام به عمر أو الأولية التي حصلت من عمر هي بالنسبة لعمل السلطان والتكليف من ولي الأمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف]. وأبو أمامة رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته واسمه: أسعد، قيل: إنه سمي باسم جده أسعد بن زرارة جده لأمه هو أسعد بن سهل بن حنيف، وهو معدود في الصحابة وله رؤية ولم يسمع من النبي عليه الصلاة والسلام، فحديثه من قبيل المرسل، ولكن أمثاله الغالب إنما كانوا يأخذون عن الصحابة الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. السرعة بالجنازة شرح حديث: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [السرعة بالجنازة.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن مهران أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ويلي أين تذهبون بي)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السرعة بالجنازة، أي: الإسراع بدفنها إذا ماتت، فتجهز، وإذا حملها الناس يسرعون بها، لكن الإسراع الذي لا يحصل به مضرة بحيث يصير فيه سقوطها، أو إضرار بعضهم ببعض، يعني: لا يكون المشي بطيئاً، وإنما يكون سريعاً السرعة التي لا يحصل بها مضرة لا على الناس، ولا على الجنازة بحيث تسقط. وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ولي أين تذهبون بي؟) قوله: الرجل هنا ليس له مفهوم، بل النساء كذلك، وليس هذا خاصاً بالرجال، ولكن ذكر الرجل؛ لأن الغالب على الخطاب وعلى التكاليف أنه يخاطب بها الرجال، وأنه يذكر بها الرجال، وإلا فإن الأصل أن النساء مثل الرجال، إلا إذا جاء شيء يدل على اختصاص الرجال عن النساء، فعند ذلك يصار إلى ما دل على الاختصاص، أما حيث لا دليل على الاختصاص، فإنه يستوي الرجال والنساء كما هنا، فإذا وضع الرجل ليس له مفهوم، وكذلك مثله إذا وضعت المرأة على السرير أي: على النعش، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وقد جاء في نصوص كثيرة يعني: تأتي الأحكام مضافة إلى الرجال، وليس المقصود بذلك خصوص الرجال، ومثل ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فقوله: (إلا رجل) ليس له مفهوم، بل مثله المرأة التي كانت تصوم مثل الإثنين والخميس وصادف أن الإثنين والخميس يوم (30) من شعبان أو (29) من شعبان فإن الرجال والنساء في ذلك سواء، وكذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل، قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) فكذلك المرأة إذا كانت مدينة، وأفلست ووجد المبيع عند المرأة، فإن الحكم كذلك، فذكر الرجال في بعض النصوص، ليس له مفهوم، وذلك أن الغالب على الخطاب إنما هو للرجال، فهذا من هذا القبيل. فقوله: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني) يعني: قدموه إلى القبر أسرعوا به إلى القبر، وإذا كان بخلاف ذلك والعياذ بالله، قال: يا ولي أين تذهبون بي؟ وهذا يدلنا على أن الصالح والطالح كل منهما يعرف مصيره ويعرف حاله وهو بين أهله قبل أن يصل إلى قبره؛ لأن الرجل الصالح يقول: قدموني قدموني للشيء الذي بشر به، والذي بخلاف ذلك يقول: يا ويلي، وقد جاء في النصوص ما يدل على حصول ذلك من قبل عند خروج الروح، كما في حديث البراء بن عازب الطويل الذي فيه تفصيل ذلك، قال: (وأن الرجل إذا كان في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا، أتته ملائكة بيض الوجوه، ومعهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فيكونون حوله، فيقول الملك: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج تسيل كما يسيل القطر من في السقاء، وكذلك عكسه إذا قيل لها: اخرجي إلى سخط وإلى غضب تتفرق في الجسد فيستخرجونها من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول) وهي: الحديدة التي فيها أشواك إذا أدخلت في الصوف، ثم جرت منه ونزعت، فإنها لا تخرج إلا بتمزق ما يقابل تلك الأشواك التي هي معترضة، فيعلم الإنسان مصيره من أول وهلة من حين ما يخرج من هذه الحياة الدنيا يجد البشارة بالخير أو يجد البشارة والعياذ بالله بالسوء وبالعذاب. وسيأتي في الحديث أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه الإنسان لصعق، يعني: أن الله عز وجل جعل هذا الصوت يسمع، ولكن الله تعالى أخفاه على بني الإنسان، لأن الإنسان لو سمعه لصعق. وأيضاً من الحكمة في إخفاء ذلك التمييز بين من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر]. هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي. [عن عبد الله]. هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعد ما ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن أبي ذئب]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد المقبري]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الرحمن بن مهران]. هو عبد الرحمن بن مهران المدني، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، والنسائي. [عن أبي هريرة]. رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عبد الرحمن بن صخر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث: (فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني ...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها إلى أين تذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي هريرة إلا أن فيه زيادة أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، وهو مثل الذي قبله تماماً إلا أن فيه العدول عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة، وهذا من الرواة أو من الراوي من أجل الابتعاد عن الألفاظ، أو نسبة الألفاظ التي هي غير حسنة إليه، وإلا فإن الأصل أنها تقول: يا ويلي أين تهذبون بي؟ مثلما جاء في حديث أبي هريرة، هذا هو قولها مثلما قالت: قدموني قدموني في الصالحة، والطالحة تقول: يا ويلي أين تذهبون بي؟ لكن الراوي بدل ما يقول: يا ويلي أين تذهبون بي، قال: يا ويلها أين تذهبون بها؟ بدل ما يحكي لفظها الذي فيه ضمير التكلم أتى بضمير الغيبة، يعني: ابتعاداً كون الإنسان يتحدث ولو مجرد التحدث بأن يكون يضيف ذلك إلى نفسه فقال: يا ويلها، وهذا من جنس ما جاء في قصة وفاة أبي طالب وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، كلمة (هو) هو ما قال (هو) قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الراوي بدل ما يقول: أنا قال: هو على ملة عبد المطلب، فعدل عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة مراعاة للابتعاد عن ذكر التلفظ بالشيء وإن كان ليس هو المتكلم به، وإنما هو حكاية لغيره، فقوله: [(يا ويلها أين تذهبون بها)] هي في الأصل أنه قال: يا ويلي أين تذهبون بي، مثلما جاء في حديث أبي هريرة، لكن هذا من الراوي من أجل الابتعاد عن التكلم بضمير المتكلم، وإنما يكون بضمير الخطاب. ثم أيضاً فيه: بيان قدرة الله عز وجل على أن الشيء الذي يحصل يسمعه أحد، ولا يسمعه أحد، فإن هذا الصوت يسمعه كل شيء إلا الإنسان، الحيوانات تسمع، والإنسان لا يسمع لأن الله تعالى حال بينه وبين أن يسمع ذلك، ومثله ما جاء في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فهو عليه الصلاة والسلام، كان يسمع وهم لا يسمعون، والله تعالى أخفى ذلك عليهم لحكم وفوائد، منها: التمييز بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ومنها: ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لولا ألا تدافنوا)؛ لأنه لو ظهر للناس ما يجري في القبور من الصراخ، والصياح، والعذاب، والأمور الهائلة المهولة لمات الناس جزعاً، وضعفوا بحيث لا يستطيع بعضهم أن يدفن بعضاً، بسبب الضعف الذي يحصل لهم، لما يسمعونه من الصراخ، والصياح الذي يكون في القبور (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فهو عليه الصلاة والسلام يسمع، وهم لا يسمعون، والحيوانات تسمع وهم لا يسمعون، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: أن أهل الشام كانوا إذا احتبس الطعام في بطون الخيل يذهبون بها عند القبور، أي: قبور بعض الكفار لتسمع أصوات ما يجري في القبور فيحصل لها الانطلاق، يعني: الذي في بطنها فيحصل لها ذعر، وخوف، فيحصل انطلاق بسبب ذلك وخروج ما في بطنها بسبب ما حصل لها من الأمر الذي يفزعها، وهو: سماع ما يجري في القبور. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني ...) من طريق ثانية قوله: [أخبرنا قتيبة]. وقد مر ذكره. [حدثنا الليث]. هو الليث بن سعد المصري، وهو المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه]. سعيد بن أبي سعيد هو المقبري وقد مر ذكره. [عن أبيه]. هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري]. هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشهور بكنيته أبي سعيد ونسبته الخدري، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. شرح حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ...) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة، فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وهذا مثل الذي قبله لما كانت صالحة، فخير تقدم إليه، يعني: أنها تقدم إلى خير يسرع بها لتصل إلى الخير الذي بشرت به، وإن تك غير ذلك فشر يضعونه عن رقابهم، فهو مثل الذي قبله من حيث الدلالة على الإسراع بالجنازة؛ لأنها إن كانت على خير، فهي مقدمة على خير، وإن كانت مقدمة على شر، فهي تصل إلى شر، ولكن يتخلصون من حمل ذلك الشر على رقابهم. تراجم رجال إسناد حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ...) من طريق ثالثة قوله: [أخبرنا قتيبة]. وقد مر ذكره. [حدثنا سفيان]. هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب ولكنه يروي عن الزهري، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن سفيان بن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وسفيان الثوري ذكر الحافظ ابن حجر في بعض المواضع في فتح الباري أنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة. [عن الزهري]. وقد مر ذكره. [عن سعيد]. هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد السبعة باتفاق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. وقد مر ذكره. شرح حديث: (أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو أمامة بن سهل أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كانت شراً تضعونه عن رقابكم)].ثم أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي تقدم. قوله: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله]. وقد مر ذكرهما قريباً. [عن يونس]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري عن أبي أمامة عن أبي هريرة]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن حدثني أبي، قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير، فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير، ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً رويداً بارك الله فيكم، فكانوا يدبون دبيباً، حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة، فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط، وقال: خلوا، فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملاً، فانبسط القوم].أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي فيه أنه في جنازة عبد الرحمن بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معهم زياد بن أبيه، وكان جماعة من آله يعني: آل عبد الرحمن بن سمرة ومواليهم يتقدمون على الجنازة، وهم يسرعون بها أي: الحاملين بها، ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً بارك الله فيكم، يعني: يطلبون منهم أن يتمهلوا، أي: يسبقونهم، ثم يلتفتون إليهم ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً رويداً، فلحقهم أبو بكرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: خلوا، يعني: اتركوهم لا تقولون لهم يمشون رويداً رويداً، وأخبر أنهم كانوا يكادون يرملون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنازة، أي: أنهم يسرعون، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا في الإسراع بالجنازة، أي: أنهم لما كان آل عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، يشيرون إلى الناس بالتمهل، وأن يمشوا رويداً رويداً قال: خلوا، يعني: اتركوهم يسرعون بها، وأخبر أنهم كانوا يسرعون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنازة، وهذا فيه دليل على الإسراع بالجنازة، وهو محل الشاهد من إيراد الحديث هنا. تراجم رجال إسناد حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [حدثنا خالد]. هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن]. هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه]. هو عبد الرحمن بن جوشن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبي بكرة]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشهور بكنيته أبي بكرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث: (لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا لنكاد نرمل بها ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر عن إسماعيل وهشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملاً. واللفظ حديث هشيم].أورد النسائي حديث أبي بكرة من طريق أخرى، مختصراً مع ذكر آخره وهو المراد والمطابق للترجمة بالإسراع بالجنازة، وأنهم كانوا يرملون بها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل الذي قبله، مختصر ولكن فيه آخر الذي قبله. قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. هو السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. [عن إسماعيل]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [وهشيم]. هو ابن بشير الواسطي، هو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة]. وقد مر ذكرهم. الأسئلة بيان الأولى في صيام الست من شوال وثلاثة أيام البيض السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله، صمت ستة أيام من شوال، فوافقت الأيام البيض، فنويت الأيام البيض وشوال، فهل يجوز هذا؟ الجواب: نعم يجزئ هذا، ولكن الأولى للإنسان أن يصوم الستة، والثلاثة، بحيث يصوم تسعة، ولكن لو نوى ذلك وكان عادته أن يصوم البيض فصام في البيض، ونوى ما كان يعتاده من صيام البيض، وكذلك أنها ست من شوال لا بأس بذلك، ولكن الأولى هو أن يأتي بالتسعة. الجمع بين حديثي (تخرج روح المؤمن كما تخرج القطرة) وأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يوعك وعكاً شديداً) السؤال: فضيلة الشيخ، كيف التوفيق بين حديث البراء الذي يقول فهي الرسول صلى الله عليه وسلم: (تخرج روح المؤمن كما تخرج القطرة من في السقاء) وبين حديث مرض موت الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوعك وعكاً شديداً؟ الجواب: كما هو معلوم هذا في المرض، وكما هو معلوم حصول المرض وشدة المرض هذا فيه زيادة أجر وثواب، وتكفير للسيئات في حق من عليه سيئات، وزيادة رفعة، وعلو درجة، فالأمر كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو حصل شدة في المرض وشدة فيما يشاهده الناس، ويعاينه الناس، لكن بالنسبة لخروجها الذي لا يشاهده الناس، ولا يعاينه الناس هي بهذا الوصف الذي قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، والناس لا يدركون هذا الذي يجري لا من جهة الروح التي تتفرق في الجسد، ويستخرجونها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، ولا بالنسبة للتي تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء تخرج بسهولة، ويسر كما تسيل القطرة من في السقاء. حكم تعدد الجماعات في الصلاة وتعددها بعد الصلاة المفروضة السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم تعدد الجماعة في المسجد الواحد؟ الجواب: إذا كان هذا التعدد مقصوداً، يعني: بأن يصلي جماعة على حدة وجماعة على حدة، أو جماعة لا يصلون وراء أناس مثل ما يحصل في بعض البلاد من وجود التفرق في المذاهب، بحيث يصلي الحنفية على حدة، والشافعية على حدة، والمالكية على حدة، والحنابلة على حدة، وهذا موجود في بعض البلاد، وموجود في الشام، في الجامع الأموي يصلي جماعات متعددة، يعني: على اختلاف المذاهب، فهذا لا يجوز طبعاً، ومثل هذا العمل لا يسوغ، بل يجب أن يصلى في المسجد جماعة واحدة، وكان هذا موجوداً في المسجد الحرام، يعني: قبل مجيء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، ولما جاء قضى على هذه الجماعات، وكان هناك مقامات في أطراف المطاف، هذا مقام الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام المالكي، وهذا مقام الحنبلي، بنايات في الأطراف هي مقامات يقوم بها الأئمة في المذاهب الأربعة، وقد قضى على ذلك الملك عبد العزيز رحمة الله عليه. وكانت المباني موجودة إلى عهد قريب حتى وسع المطاف، ثم أزيلت، ولكن منذ تولى الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، فإنه جمع الناس على إمام واحد، ومنع تعدد الجماعات في المسجد. فإذا كان المقصود أن أحداً لا يصلي وراء أحد وتتعدد جماعات في المسجد على اعتبار أن هؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء هذا الإمام، وهؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء ذلك هذا لا يجوز، بل يجب أن يكونوا جماعة واحدة، وكذلك أيضاً إذا كان هناك جماعة تأخرت عن الجماعة لتصلي جماعة وحدها مع قدرتها على أن تحضر الجماعة الأولى فأيضاً مثل ذلك لا يجوز. أما إذا كانت الجماعة الثانية مسبوقة وكانت حريصة على أن تدرك الصلاة ولكن فاتتها الصلاة، فهذه لها أن تصلي جماعة، أو لهؤلاء أن يصلوا جماعة؛ لأنها قد فاتتهم الصلاة، وهم جاءوا للصلاة، ويريدون أن يدركوا الصلاة، ولكنها فاتتهم فلهم أن يصلوا جماعة، والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء رجل قد فاتته الصلاة وقد صلى الناس قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فهذا يدلنا على أن الجماعة الثانية إذا وجدت للذي دخل ولو عن طريق الصدقة، فإنها من باب أولى إذا لم يكن هناك حاجة إلى الصدقة، يعني: إذا جاء شخص واحد نبحث عن واحد يصلي معه، وإذا جاءنا اثنين نقول: كل واحد يصلي في بيته، ليس الأمر كذلك، بل لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاد الجماعة الثانية ولو عن طريق الصدقة، فيدل على جواز وجودها حيث لا حاجة إلى الصدقة من باب أولى، فلا مانع من إقامة الجماعة لمن فاتته الجماعة، أما إذا كان بالصفات التي ذكرت يعني جماعة ما يريدون أن يصلوا وراء جماعة أو جماعة لا يريدون أن يصلوا وراء الإمام، فهذا لا يجوز. حكم النكت (المزح) التي فيها كذب السؤال: هل يجوز النكت (المزح) التي علم فيها كذب للضحك؟ الجواب: المزح سائغ، لكن لا يصلح التوسع فيه، والانهماك فيه، وإذا حصل المزح يكون بما هو حق، لا يكون بما هو باطل، ولا يكون بما هو كذب، وإنما يكون مزح فيما هو فيه سلامة، لكن إذا كان المقصود منها بيان كذب الكاذبين وكيف وصل بهم الحد إلى كذا، فلا بأس بذلك، لكن التوسع بالمزاح ليس بلائق، ولهذا كانوا يعيبون على الشخص بكثرة المزح وكثرة المزاح، كما في بعض تراجم الرواة. النور في الجنة للمؤمنين نور حسي السؤال: فضيلة الشيخ، ما ورد من بعض أحوال أهل الجنة أن لهم نوراً كنور الحور العين وغيرهم، وكذلك الغرف لها نور، فهل هذا النور حسي أم معنوي؟ الجواب: يبدو والله أعلم، أنه حسي، يعني: تضيء، وفيها إضاءة وإشراق، أو هما معاً الحسي والمعنوي، هي في غاية الحسن، والجمال، وتكون تشرق هذا الإشراق. مدى صحة الجزم بتعذيب العاصي في القبر السؤال: هل يجزم بتعذيب العاصي في القبر؟ الجواب: لا يجزم؛ لأن من كان عاصياً، فأمره إلى الله عز وجل إن تجاوز الله عنه، فإنه لا يعذب في قبره، وقد ذكر العلماء عشرة أسباب للسلامة من عذاب القبر، ذكرها شارح الطحاوية وذكرها غيره، ومنها: عفو أرحم الراحمين، يعني: تجاوز الله عز وجل، ومنها أسباب أخرى، لكن لزوم أو تعين حصول العذاب في القبر لا يجزم به، بل إذا تجاوز الله عز وجل عن الإنسان، فإنه لا يعذب. حكم صلاة من بقي في فمه بعض فضلات أكل السؤال: فضيلة الشيخ، أحسن الله إليكم، ما حكم من يصلي وفي فمه بعض الفضلات بين أسنانه من تمر، أو لحم، أو خبز؟ الجواب: الإنسان يكون نظيف الفم عندما يصلي، لكن إذا كان صار في فمه شيء، فإنه لا يؤثر، ما دام أنه ما انشغل به عن الصلاة، لكن على الإنسان أن ينظف فمه قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يكون في فمه ما يشغله. ما يلزم من عليه قضاء من رمضان ويريد صيام ست من شوال السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كان رجل عليه قضاء من رمضان، ونوى أن يصوم الأيام الستة، فهل يقضي أولاً أو يصوم الأيام الستة، ويقضي بعدها؟ الجواب: يقضي أولاً؛ لأن القضاء فرض، والست نفل، والفرض مقدم على النفل، وأيضاً الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) والذي عليه قضاء من رمضان لا يقال أنه صام رمضان، بل رمضان باق عليه (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) يعني: أدى الذي عليه فرضاً، ثم أتى بالنفل، فالذي عليه قضاء ما يعتبر صام رمضان، فرمضان لا يزال باقياً عليه، بل عليه أن يصوم الفرض ويتخلص من الدين، ثم يأتي بالنفل. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
|
الساعة الآن : 04:08 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour