ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 30-04-2021 02:19 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ...)
والآن مع أربع آيات موضوعها متحد، فهيا نسمعكم تلاوتها، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] ما معنى هذه الآية؟ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ [النساء:7] بعد موتهما، الأب والأم أم لا؟ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7] كالأخ والأخت ومن إلى ذلك، مِمَّا قَلَّ مِنْهُ [النساء:7] سواء مليون أَوْ كَثُرَ [النساء:7] مما قل ريال، أو كثر عشرة نَصِيبًا [النساء:7] قسطاً مَفْرُوضًا [النساء:7].هذه الآية المجملة قررت قسمة التركات، أما تفصيلها جاء في: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء:11] بعد ثلاث آيات، ولها سبب في نزولها. ‏
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ معنى الآيات:لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال ] قبل نزول هذه الآية أهل الجاهلية لا يورثون طفلاً ولا امرأة، لم؟ قالوا: المرأة لا تقاتل، والولد كذلك. لم نعطيهم المال؟ هذا المال لمن يحمل السيف ويدافع عن الحي والبلاد!قال:[ لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرساً، ولا تحمل كلاً، ولا تنكي عدواً ].قانون هذا؟ سمعتم الحجج أم لا؟ قالوا: والطفل كالمرأة لا تركب فرساً المرأة، بمعنى: لا تقاتل عن البلاد، ولا تحمل كلاً، إذا شخص كل وعجز لضعفه وفقره المرأة ما تفعل شيئاً معه، والطفل كذلك، ولا تنكي العدو، المرأة تجرح العدو أو تزعجه؟قال: [ يكسب ولا تكسب، وحدث -حصل- أن امرأة يقال لها: أم كحة ] تعرفون كحة أم لا؟ هذه تسمى: أم كحة ؛ لأنها تكح، [ مات زوجها، وترك لها بنتين، فمنعهما أخو الهالك ] أي: عم البنتين [ من الإرث ] قال: المال مال أخي، أنا أولى به، أما المرأة والبنتان لا حظ لهما! لا تنكي عدواً ولا تركب فرساً ولا تحمل كلاً.قال: [ فشكت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكشو إليه [ فنزلت هذه الآية الكريمة ] لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] لها أثر أم لا؟ إليكم كيف جاءت تشكو.قال: [ لما شكت أم كحة أخا زوجها وجاء معها قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( انطلقا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن ) فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وإبطالاً لقولهم وتصرفهم الجاهلي؛ إذ المفروض أن الصغير والمرأة أولى بالإرث لحاجتهما وضعفهما ] أليس كذلك؟ فكيف يكون الرجل أولى، المرأة والطفل أولى بالتركة للضعف والعجز، لكن قانون الجاهلية قالوا: المرأة والطفل ما يدافعان عن البلاد ولا يحمل كذا ولا كذا، أبطل الله هذه القاعدة الجاهلية وحل محلها الهدي الإلهي. لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا [النساء:7] حظاً مَفْرُوضًا [النساء:7] فرضه الله. وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8].الجمهور: على أن الآية منسوخة، لكن ابن عباس قال: لا. بل هذه الآية محكمة، وقد عشناها وطبقناها ونحن لا نعرف، والله طبقت في قرى المؤمنين، لما نجذ قناطير التمر يوم الجذاذ، ويقسم التمر على الورثة، صاحب السدس سدس، صاحب النصف، صاحب الثلث، الخماس هذا يأخذ الخمس، الفلاح الذي يسقي ويؤبر له الخمس، لما نكون نقسم يأتي الفقراء من الأقارب بزنابيل وأكياس، مع أنهم لا يرثون لكن يجلسون وينتظرون، ولما نقسم نعطيهم كذلك، صاع صاع كذا كذا، سبحان الله! بركة هذه الآية، ولا نفهمها!فـابن عباس قال: محكمة، فعندما تأخذون في قسمة المال ويحضر بعض الفقراء من بعض الأقارب الذين لا يرثون وهم محتاجون أعطوهم شيئاً فشيئاً، وامسحوا دموعهم، آمنا بالله. قال تعالى: وَإِذَا حَضَرَ [النساء:8] ما معنى حضر؟ جاء وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء:8] علم أنهم يقسمون الليلة التركة الفلانية. وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] أصحاب القرابة ما هم وارثون، كعمة أو خالة وهم فقراء ما يرثون. وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ [النساء:8] حتى اليتيم دائماً يتتبع من يقسم يحضر معه. فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8] أعطوهم شيئاً من ذاك الذي تقسمون. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] إذا شححتم وما أعطيتم أو أعطيتم قليلاً قولوا لهم قولاً معروفاً: هذا الذي حصل وبارك الله لك فيه، وسامحنا، أما العنف والشدة والغضب: قوموا، لم جئتم يا طماعون؟! فلا، الله أكبر! أين هذه الأمة؟ ماتت يوم ما جهلت هذه البيانات وما عرفتها، فالقرآن يقرءونه على الموتى، ولا يجتمعون لآية كهذه قط!وهذا أحد الإخوان يقول: نحن في بلادنا نقسم أولاً على الفقراء ثم نقسم التركة، فأقول له: تعال أقبل رأسك إذاً. الحمد لله! ولا بد من بقايا خير، يقول تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] لا منكراً بالتعيير والشتم والتقبيح.
تفسير قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً...)
ثم قال تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9] هذا حكم آخر، ما تفهمونه لو تفكرون فيه إلى غد! أتحداكم؛ لأنكم ما سمعتم به من قبل. وَلْيَخْشَ [النساء:9] يجب أن يخاف، يخشى بمعنى: يخاف أم لا؟ وَلْيَخْشَ [النساء:9] من؟ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [النساء:9] المريض على فراش الموت، ويجيء الماديون مثلي يأخذون ينصحون له: أوص لفلان بكذا، أوص لفلان بكذا، الورثة كذا، يقول: لفلان علينا دين، له كذا، فيوصونه بما يجعله يأخذ ذاك المال ويوزعه على غير الورثة. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً [النساء:9] أنت يا من توصي بالباطل! ما تخاف غداً تموت وتترك أيضاً ذرية بعدك؟ انظر حالك قبل أن تنظر إلى حال هذا المريض الذي يجلس فينا وهو يعاني آلام الموت ما يوصيه ولا ينصح له بأن يحرم الورثة من المال، بأن ينسب إلى فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا. فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9] لأنهم أيضاً سوف يمرضون ويوضعون على سرير الموت، ويجيء من ينصح لهم أيضاً ويفسد عليهم مال أولادهم.تربية عجيبة هذه! ‏
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية
وإليكم الآية كما هي في الشرح قال تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9]. قال: [ فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمنين الذين يحضرون مريضاً على فراش الموت بألا يسمح له أن يحيف في الوصية، بأن يوصي لوارث، أو يوصي بأكثر من الثلث، أو يذكر ديناً ليس عليه، وإنما يريد حرمان الورثة، فقال تعالى آمراً عباده المؤمنين: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ [النساء:9] أي: من بعد موتهم ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [النساء:9] أي: فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته كما يخشونها على أولادهم.إذاً: فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم، وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولاً سديداً أي: صائباً لا حيف فيه ولا جور معه ].
تفسير قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً...)
تبقى الآية الأخيرة، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].حتماً. نعم، أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب.. من السبع الموبقات، يقول صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: ما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ). أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب ويكفي فيه هذه الآية، اسمع هذا الخبر: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] بدون حق .. بدون مقابل عمل أو غيره، إنما هم في الواقع يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].وقرأ أبو حيوة : ( وسَيُصَّلَّون سعيراً ) بالتضعيف.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
الآن سأعيد عليكم تلاوة الآيات: قال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] وقد أبطلت حكم الجاهلية أم لا؟ ورثت، وسيأتي بيان الورثة في الآية التي بعد هذه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] بالتفصيل العجيب، كلاً أعطاه الله ما يستحق، هذه مجملة منسوخة.ثاني آية: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] قال الجمهور: هذه منسوخة بآية المواريث الآتية، وقال ابن عباس وعمل بها المؤمنون. قال: ما هي منسوخة، لما تأخذون في قسمة المال إذا حضر المسكين أو حضر قريب لا حظ له إذاً: أعطوهم شيئاً، أو على الأقل قولوا لهم قولاً معروفاً لا تطردوهم، والحمد لله.الآية الثالثة: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً [النساء:9] كما تخاف على أولادك خف على أولاد أخيك الذي توصيه وهو مريض بأن يجور في وصيته .. الذي تخافه على نفسك خفه على الغير، الذي تكرهه لك اكرهه على غيرك أيضاً، هذا هو الأدب. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ [النساء:9] فلا يجوروا فيما يوصون به المريض، ويشرحون له ويقولون وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9]. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: تقرير مبدأ التوارث في الإسلام ]. ما هي الآية التي قررت مبدأ التوارث؟ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ [النساء:7]. [ ثانياً: استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم أو مسكين، وإن تعذر إعطاؤهم ] ماذا يقولون لهم؟ قولاً طيباً [ وفي الحديث: ( الكلمة الطيبة صدقة ) ].[ ثالثاً: وجوب النصح والإرشاد للمحتضر ] وهو من حضره الموت [ حتى لا يجور في وصيته عند موته ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ [النساء:9].[ رابعاً: على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره؛ فإن الله تعالى يكفيه فيهم ].فيا من له أطفال صغار يخاف أن يموت ويتركهم أحسن إلى يتامى وأطفال الآخرين، الله عز وجل يكفيك في أطفالك. [ خامساً: حرمة أكل أموال اليتامى ظلماً، والوعيد الشديد فيه ] وهذا وعيد شديد: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].يا أهل القرآن! لم الشيخ ما يجود القرآن؟ إذا جودنا ما ظهر المعنى، فنقرأه كحديثنا؛ لأنه نزل لتعليمنا، وليس هناك حاجة إلى مد وغنة، ولكن نأتي بالكلمة فصيحة. قرأ أبو حيوة : ( سَيُصَّلَّون ) بضم الياء وتشديد اللام من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد أخرى: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة:31] أي: مرة بعد مرة، وعليه قول الشاعر:وقد تصليت حر حربهمكما تصلى المقرور من قرتينمن يعرف المقرور وقرتين نعطيه ألف ريال؟ ما نعرف، اسمع بيت الشعر. يقول: وقد تصليت. هذا من قراءة: ( صلوه ) (تصليت حر حربهم) قبيلة مضادة. (كما تصلى المقرور من قرتين). المقرور: من به القر وهو البرد. وقرتين: مرتين. الأصل القر ضد الحر. القر: البرد، لكن للتجانس والمناسبة قالوا: الحر والقر، ففتحوا القاف لأجل كلمة الحر، الحر والقر.إذاً: هو قال: وقد تصليت حر حربهمكما تصلى المقرور من قرتينوالمقرور: البردان.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.




ابوالوليد المسلم 30-04-2021 02:20 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (56)
الحلقة (279)

تفسير سورة النساء (60)

شرع الله صلاة القصر، وهي رخصة أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله فأصبحت سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، ومشروعية هذه الصلاة بكيفياتها المختلفة إنما تدل على أهمية صلاة الجماعة، فهي إن أقيمت حال الخوف والقتال، فمن باب الأولى أن تقام حال الأمن والطمأنينة، فتؤدى في أوقاتها المحددة التي قدرها الله لعباده، وبالكيفية التي بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء ومع هذه الآيات الأربع والتي قد درسناها في ليلتين سالفتين، وما زلنا نحتاج إلى فهمها؛ لأنها تحتوي على أحكام فقهية، فهيا نتلوها وتأملوا وتدبروا فيها، ثم إن شاء الله ندرسها كما هي في الكتاب ليتقرر كل معنى إن شاء الله في نفوسنا، ونصبح عالمين بهذه القضية الفقهية الهامة، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا * وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:101-104]. ‏
مشروعية قصر الصلاة الرباعية في حال السفر سواء في الأمن أو الخوف
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101]، في هذه الآية الأولى الأذن بقصر الرباعية للمسافر ما دام في سفره، وإن قلت: القصر سنة مؤكدة والآية تحمل فقط رفع الحرج، قلنا: إن عمر قد تساءل وقال: يا رسول الله! كيف والله يقول: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا عمر! صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته ). إذاً: إذا قال القائل: الآية فقط فيها رفع الحرج، فأنا لا أقصر وإنما أتم صلاتي، فتقول له: قد استشكل هذا عمر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب البيان فقال: ( يا عمر! هذه صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته )، فهل هناك من يقول: أنا لا أقبل صدقة الله! أعوذ بالله، والله سيحترق.مرة أخرى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، فقال عمر: ذاك يوم كنا خائفين، أما اليوم فنحن آمنون، إذاً لا نقصر، ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )، فهل عرفتم ما هي الصلاة التي تقصر؟ صلاة الظهر والعصر والعشاء ذات الأربع ركعات فقط.
مشروعية صلاة الخوف والتأكيد على صلاة الجماعة
ثم قال تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:102].هذه الآية تضمنت صفة واحدة من صفات صلاة الخوف، فإذا كنا خائفين من العدو ونحن في ساحة الحرب، فهل نصلي فرادى؟ هل نؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها؟ الجواب: لا، إذ الصلاة لا تؤخر أبداً، بل هي ميعاد بيننا وبين الله، ثم أيحضر الله ونغيب نحن؟! أما نستحي منه عز وجل؟! إنه ميعاد بيننا وبين سيدنا ومالك أمرنا، وهو الذي حدده وعينه، ونحن نقول: لا بأس، ما نحضر! أعوذ بالله.إذاً: علمنا الله تعالى فقال: انقسموا إلى قسمين، فالإمام القائد الأعظم يصف وراءه نصف الكتيبة فيصلون معه، والآخرون بأسلحتهم يرقبون العدو حتى لا يتدفق علينا، ويصلي الإمام بنا ركعة ويبقى واقفاً ونحن نتم ركعة لأنفسنا ونسلم؛ لأنها قصر، ثم يأتي الآخرون ونحن نقف في مكانهم بأسلحتنا ضد العدو، فيصلون ركعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول يتم صلاة الركعتين فيجلس وهم يتمون ركعة، فإذا أتموها سلم بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه صورة من عدد من الصور، وتختلف من كيفية إلى أخرى لاختلاف الظروف والأحوال.قال تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ [النساء:102]، من هو الذي قال: لا تصلى صلاة الخوف إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أبو يوسف من علماء الأحناف، ورد عليه كل الناس، إذ ليس شرطاً أن يكون الرسول في كل معركة أبداً، بل ولا في كل زمان، فكل من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيادة المؤمنين فهو مثل رسول الله في هذا الباب، وهو فقط أخذ واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم. وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، فيصلي والرشاش على كتفه، والبندقية في يده. وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا [النساء:102]، أي: الآخرون مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى [النساء:102]، هذه بالذات، لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء:102] أيها القائد، وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] لم؟ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:102] بجدع أنوفكم، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى [النساء:102]، وهذه رخصة من الله تعالى، فإذا كان المطر ينزل أو بالرجل مرض، فلا بأس أن يضع سلاح أمامه، قال تعالى: أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ [النساء:102]، ثم قال تعالى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:102]، أي: وخذوا حذركم من أعدائكم إلى يوم القيامة. ثم قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، أي: فإذا سلمت من الفريضة فاعلم أنك مطالب بذكر الله على اختلاف أنواعه، وإن كنت في الطائرة، وإن كنت سائراً، وإن كنت جالساً، فاذكر الله عز وجل وخاصة في الحرب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]؛ لأن قوانا مستمدة من ربنا عز وجل، لذا لا بد أن يكون ذكره في قلوبنا وعلى ألسنتنا، فهو الذي يقوي طاقاتنا ويزيد في قوتنا، فإذا انقطعنا عن الله هبطنا وتمزقنا، فلا تترك ذكر الله يا عبد الله ويا أمة الله إلا إذا كنت على كرسي المرحاض فقط، إذ إن الذي يدخل بيت الخلاء لا يذكر الله تعالى، إذ إن هذا معفو عنه، أما خارج هذا المكان فدائماً اذكر الله، سواء عند الأكل أو عند الشرب أو عند القعود أو عند القيام أو عند الركوب أو عند المنام أو عند الاستيقاظ، والناس يتفاوتون في هذا الميدان، لكن إرشاد الله عز وجل في قوله: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ [النساء:103]، أي: فرغتم منها، فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:103]، وذاك في حال الحرب، فصلوا مع الرسول أو مع الإمام ركعة، ثم أتموا الركعة لأنفسكم، وهم مع ذكر الله على كل حال. إذاً: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:103]، على الوجه المطلوب، فأولاً في بيوت ربنا عز وجل، وثانياً في جماعة المسلمين، وثالثاً بأدائها بكل أركانها وشروطها وآدابها كما صلاها جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما صلاها رسول الله بالمؤمنين فقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وهذا معنى إقام الصلاة إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، أي: مؤقتة ذات وقت محدد، ومواعيد ضربها الملك جل جلاله لعباده، فحرام عليك يا عبد الله أن يحضر الله وتغيب، فالمصلي يناجي ربه والله ينصب وجهه لعبده، فكيف إذاً تهرب وتبعد وتترك الوقت يخرج ثم تأتي وتصلي؟! وقد ورد في الأثر: ( من ترك صلاة واحدة فهو بها كافر )، وورد أيضاً: ( لأن يفقد المرء أهله وماله وولده خير من أن تفوته صلاة العصر في وقتها ).
حرمة الضعف والهون أمام أعداء الله تعالى
وأخيراً قال تعالى: وَلا تَهِنُوا [النساء:104]، أيها الأبطال فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ [النساء:104] الكافرين؛ لجهادهم وإدخالهم في رحمة الله، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ [النساء:104]، أي: من الجراحات والتعب الذي يصيبكم، فهم يألمون مثلكم كما تألمون، ولكن وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ [النساء:104]، أي: من الأجر والمثوبة والنصر والتأييد ما لا يرجون، وبالتالي فأنتم أحق بالثبات والصبر. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:104]، أي: بالأحوال والظواهر والبواطن وبما يقنن ويشرع، وحكيماً [النساء:104]، أي: في كل ما يقنن ويشرع.إذاً: فما علينا إلا أن نقبل تشريعه ونذعن له ونطبقه كما أمر.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

يتبع

ابوالوليد المسلم 30-04-2021 02:21 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هيا بنا أسمعكم شرح الآيات من الكتاب لتزدادوا معرفة.
معنى الآيات
قال المؤلف: [ معنى الآيات: بمناسبة الهجرة والسفر ] وقد عرفنا حكم الهجرة، والهجرة لا تنقطع إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وبالتالي كل مؤمن يجد نفسه في بلد لا يمكن أن يعبد الله حرم عليه أن يبقى فيه، بل يجب عليه أن يغادر، أو وجد نفسه في قرية ليس فيها من يعرف الحلال والحرام فيجب عليه أن يهاجر، أو يعيش يأكل الحرام وهو لا يدري. وسيد المهاجرين وأفضلهم هو من هجر ما نهى الله عنه ورسوله، وهذا يحتاج إلى أن يكون الإنسان عالماً عارفاً بما ما نهى الله عنه ورسوله، لا أن يكون أمياً عامياً جاهلاً لا يعرف شيئاً. قال: [ بمناسبة الهجرة ] في الآيات السابقة [ والسفر من لوازمها ذكر تعالى رخصة قصر الصلاة في السفر وذلك بتقصير الرباعية ] أي: الصلاة ذات الأربع ركعات [ إلى ركعتين، فقال تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101]، أي: سرتم فيها مسافرين، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [النساء:101]، أي: حرج وإثم في أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، وبينت السنة أن المسافر يقصر ولو أمن ولم يخف، فهذا القيد غالبي فقط ] إذ الغالب أن المسافر يخاف. قال: [ وبينت السنة أن المسافر يقصر ولو أمن ] أي: من الخوف [ فهذا القيد غالبي فقط، وقال تعالى: إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101] ] وهذه الجملة قال: [ تذييل أريد به تقرير عداوة الكفار للمؤمنين، فلذا شرع لهم هذه الرخصة ] إلى يوم القيامة.قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآيتان بعدها فقد بينت صلاة الخوف وصورتها، وصورتها ] هي: [ أن ينقسم الجيش قسمين: قسم يقف تجاه العدو، وقسم يصلي مع القائد ركعة ] أي: قائد المعركة، سواء كان رسول الله أو غيره [ ويقف الإمام مكانه فيتمون لأنفسهم ركعة ويسلمون ويقفون تجاه العدو، ويأتي القسم الذي كان واقفاً تجاه العدو فيصلي بهم الإمام القائد ركعة ويسلم ويتمون لأنفسهم ركعة ويسلمون، وفي كلا الحالين هم آخذون أسلحتهم لا يضعونها على الأرض خشية أن يميل عليهم العدو وهم عزل فيكبدهم خسائر فادحة، هذا معنى قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102]، يريد الطائفة الواقفة تجاه العدو لتحميهم منه، وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]. وقوله تعالى: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102]، سبق هذا الكلام لبيان علة الصلاة طائفة بعد أخرى، والأمر بالأخذ بالحذر، وحمل الأسلحة في الصلاة، ومن هنا رخص تعالى لهم إن كانوا مرضى وبهم جراحات، أو كان هناك مطر فيشق عليهم حمل السلاح أن يضعوا أسلحتهم، فقال عز وجل: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:102]. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:102] ] هذا [ تذييل ] الكلام [ لكلام محذوف دل عليه السياق قد يكون تقديره: فإن كان الكفار فجرة لا يؤمن جانبهم، ولذا أعد الله لهم عذاباً مهيناً، وإنما وضع الظاهر مكان الضمير إشارة إلى علة الشر والفساد التي هي الكفر. وقوله تعالى في الآية الأخيرة: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، فإنه تعالى يأمر المؤمنين بذكره في كل الأحيان، أي: الأوقات، لاسيما في وقت لقاء العدو؛ لما في ذلك من القوة الروحية التي تقهر القوة المادية وتهزمها، فلا يكتفي المجاهدون بذكر الله في الصلاة فقط، بل إذا قضوا الصلاة لا يتركون ذكر الله في كل حال. وقوله تعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:103]، يريد إذا ذهب الخوف وحل الأمن واطمأنت النفوس أقيموا الصلاة بحدودها وشرائطها وأركانها تامة كاملة لا تخفيف فيها كما كانت في حال الخوف، إذ قد تصلي ركعة واحدة وقد تصلي إيماء فقط وإشارة في حال الخوف، وذلك إذا التحم المجاهدون بأعدائهم ] وقد بينا هذا فقلنا: يصلي وهو راكب.قال: [ وقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، تعليل للأمر بإقامة الصلاة، فأخبر أن الصلاة مفروضة على المؤمنين، وأنها موقوتة بأوقات لا تؤدى إلا فيها. وقوله تعالى في الآية الأخيرة: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ [النساء:104]، أي: لا تضعفوا في طلب العدو لإنزال الهزيمة به، ولا تتعللوا في عدم طلبهم بأنكم تألمون لجراحاتكم، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ [النساء:104] النصر والمثوبة العظيمة، مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]، فأنتم إذاً أحق بالصبر والجلد، والمطالبة بقتالهم حتى النصر عليهم بإذن الله. وقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:104]، فيه تشجيع للمؤمنين على مواصلة الجهاد؛ لأن علمهم بأن الله عليم بأحوالهم والظروف الملابسة لهم، وحكيم في شرعه بالأمر والنهي لهم يطمئنهم على حسن العاقبة لهم بالنصر على أعدائهم ] وقد فعل، فقد انتصر رسول الله وأصحابه، ففي خلال خمسة وعشرين سنة فقط أو ربع قرن إلا والإسلام من أقصى الشرق إلى أقص الغرب. نقول: من أراد أن ينشئ مصنعاً فقط فحتى يستقيم ويصبح ينتج يحتاج إلى خمس وعشرين سنة، وما مرت خمس وعشرون سنة إلا والإسلام قد انتشر من وراء نهر الهند إلى الأندلس، ولولا نصر الله فكيف يتم هذا؟!
هداية الآيات
والآن امتحنوا أنفسكم بهذه الهدايات القرآنية فتأملوا! قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: مشروعية صلاة القصر ] ما حكم صلاة القصر؟ قال: [ وهي رخصة أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله فأصبحت ] ماذا؟ [ سنة مؤكدة لا ينبغي تركها ] فلو قيل لك: من أين أتيت بهذا؟ من الآية الأولى. قال: [ ثانياً: مشروعية صلاة الخوف ] أي: الصلاة في وقت الخوف، قال: [ وبيان كيفيتها ] كيف نصلي؟ في حدود الطاقة، فإذا كنا ما التحمنا مع العدو بعد، وإنما ننتظره أو ينتظرنا، فنقسم الجيش إلى قسمين، وإذا التحمنا صل وأنت تقاتل بلسانك وقلبك وبالإشارة، وإن كنت هارباً أيضاً إلى القبلة أو إلى غير القبلة فصل على حالك. فإن قيل: يا شيخ! إنهم آمنون غافلون في الطعام والشراب واللباس ولا يصلون؟ ما لهم؟! عمي لا بصيرة ولا نور في قلوبهم، لم خلقت؟ خلقت لتجامع النساء وتأكل الطعام؟ تعالى الله أن يخلق لهذا العبث، وإنما خلقك لتذكره بقلبك ولسانك وتشكره بجوارحك، أما الطعام والشراب والنكاح فقط لتواصل ذكر الله عز وجل ولا تقطعه. قال: [ ثالثاً: تأكيد صلاة الجماعة ] ما معنى صلاة الجماعة؟ كل صلاة من الصلوات الخمس يجب أن تقام في بيوت الله في القرية أو في المدينة أو في الطريق أو في أي مكان، ولذلك فقد كانوا يأتون بالصحابي والله يهادى بين اثنين حتى يضعوه في الصف، إذ إن أكبر مظهر من مظاهر العبادة لله عز وجل أن ترى المؤمنين في بيت الله صفوفاً كالملائكة بالسماء، فإذا تركت صلاة الجماعة فقد انتهى الإسلام. قال: [ ثالثاً: تأكيد صلاة الجماعة؛ بحيث لا تترك حتى في ساحة الخوف وساعة القتال. رابعاً: استحباب ذكر الله تعالى بعد الصلاة وعلى كل حال من قيام وقعود واضطجاع ] فهل أخذتم بهذا أو لا؟ حالنا دائماً أن نذكر الله تعالى إلا في حال واحدة وهي عند التغوط ويبول فقط، قال أبو هريرة: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة. قال: [ خامساً: تقرير فريضة الصلاة ووجوب أدائها في أوقاتها المؤقتة لها ] فقد قال الله تعالى: كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، فما المعنى الكتاب؟ أي: مكتوبة رسمياً بصك وليس مجرد كلام. قال: [ سادساً: حرمة الوهن والضعف إزاء حرب العدو والاستعانة على قتاله بذكر الله تعالى ورجائه ].
حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
لماذا ما احتفلنا بليلة الإسراء والمعراج؟ ألسنا بمسلمين؟ بلى، ألسنا من أهل السلف الصالح؟ والجواب: أيها الأحباب! وبلغوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سن في هذه الليلة سنة قط، لا صيام ولا قيام ولا صدقة ولا ذكر ولا قول ولا إعلان أبداً، والله العظيم! وولي الأمر من بعده: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي والله ما عرفوا شيئاً عن هذه الليلة، لا صيام ولا صلاة ولا زكاة ولا طعام ولا لهو ولا أي شيء أبداً.ومضى القرن الأول والثاني والثالث ولا وجود لها، والآن نحييها! كيف نحييها؟ ماذا نصنع؟ هل نغني فيها؟ هل ننشد القصائد؟ هل نقرأ القرآن؟ ماذا نستفيد؟ اعلموا والعلم ينفع، وأهل الحلقة من نساء ورجال على علم، والأسف مع الذين لا يحضرون، أن هذه العبادات التي شرعها الله قد وقتها وقننها بدقة أكبر من مركبات الكيمياويات من أجل تزكية النفس، أي: تطهير الروح البشرية لتصبح كأرواح الملائكة، إذ لا تستطيع أن تطهر نفسك وتزكيها وتطيبها بالماء والصابون والعطورات؛ لأنك لا تمسكها ولا تعرفها، فالذي يزكيها ويطيبها ويطهرها لتتأهل للملكوت الأعلى بعد الموت هو الله عز وجل، إذ إن هذه العبادات التي شرعها الله جل جلاله وبين كيفياتها وكيفية أدائها، وبين أوقاتها رسوله صلى الله عليه وسلم، علتها أنها تزكية النفس وتطهيرها ليتأهل الآدمي إلى أن يخترق السبع الطباق وينزل عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:14-15]. كما أن هذه العبادات ليست من حق أي أحد سوى الله ورسوله، فله سبحانه أن يشرع كلمة فقط ويقول: من قال كذا يحصل له كذا، أو حركة فقط فيقول: من مشى بين كذا وكذا حصل له كذا، وأيما إنسان يبتدع بدعة ويدعو إليها ويعمل بها فهو كالذي يأكل الرمل والحصى والتراب، فهل يشبع؟ لا والله، ومثله كالذي يتمضمض بالخرء والبول والدماء، فهل ينظف ويطيب؟! مستحيل. إذاً: فهذه العبادات التي شرعها الله في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته هي التي تزكي النفس بشرط: أن تؤديها كما بينها في أوقاتها وأمكنتها، مثال ذلك: لو أراد المسلمون أن يقفوا بأحد بدل أن يقفوا بعرفة، فهل يصح حجهم؟ مستحيل، أو أرادوا أن يطوفوا بالحجرات النبوية بدل أن يطوفوا بالكعبة، هل يصح هذا الطواف؟ يزكي النفس؟ مستحيل. وعليه فلابد من عبادة شرعها الله تعالى وبينها رسوله وعمل بها أصحابه وأولادهم وأحفادهم وحملها أئمة الإسلام إلينا، أما بدعة ابتدعناها من عند أنفسنا فلا، ولنرفض العمل بها، فهيا بنا، ماذا نعمل في الليلة الرجبية؟ ماذا نصنع؟ فقط نقول: الحمد لله ما عندنا في هذه الليلة شيء، ونحن نعبد الله كما كنا نعبده بالأمس، فقيام الليل هو القيام والصيام هو الصيام.
حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا الذي نقوله في حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج نقوله في المولد النبوي، ثم يا ليتكم تركتم الموالد إلى المولد النبوي، بل أتيتم لنا بمولد السيدة فلانة، ومولد سيدي فلان، ومولد فلان، ومولد فلان، فلا إله إلا الله! اسمعوا! عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولادهم وأحفادهم ثلاثمائة سنة ما عرف مؤمن شيئاً اسمه: مولد، والله العظيم. وإنما في القرن الرابع بعد سنة ثلاثمائة وخمسة وعشرين ابتدعت بدعة المولد وجاءت من طريق النصارى، والنصارى اليوم يحتفلون بأعياد كثيرة، ونحن للأسف نقلدهم ونعطي إجازات لطلابنا أيضاً، وأظن أن هذا واقع في العالم الإسلامي باستثناء هذه البقعة، فهناك عيد الميلاد! بينما نحن ما عندنا إلا عيدان، عيد الفطر وعيد الأضحى، ومن زاد عيداً فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهله ونسب إليه الكتمان والجحود وترك أمته بلا أعياد. فمن يقف هذا الموقف والعياذ بالله؟! عيدان فقط، عيد الفطر وذلك بعد صيام شهر بكامله، وهو ذاك اليوم الذي تقام فيه الصلاة والخطبة، وتوزع الصدقات، ويحصل التلاقي والمحبة والإعلان عن الفوز والنجاة، وعيد الحج، وذلك يوم الحج الأكبر، يوم عاشر ذي الحجة، إذ الوقفة في يوم تسعة ويوم عشرة عيد، فيفرح المسلمون بنعمة الله عليهم، ويصلون صلاة خاصة محددة الركعات والتكبيرات والمكان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حددها وصلاها. كما أنه ليس هناك شعبانية، أي شعبان هذا؟! رجل اسمه شعبان! والآية التي يحتج بها الضائعون: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:1-3]. فقالوا: هذه ليلة النصف من شعبان، والله ما هي ليلة النصف من شعبان، وإنما هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر في رمضان، فكيف يصرفون أمة الإسلام عن الحق؟! لأنهم يستغلون هذه المواقف، والحمد لله فقد أفقنا وعرفنا الطريق ولن نضل بعد اليوم أبداً. إذاً: هذه البدع وهذه الخرافات كلها من باب صرف الأمة عما يزكي نفوسها ويطهر أرواحها ويعدها للكمال في الدار الآخرة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 30-04-2021 02:22 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (57)
الحلقة (280)

تفسير سورة النساء (61)


كان طعمة بن أبيرق سارقاً، وذات يوم سرق طعاماً وسلاحاً من بيت أحدهم، فلما عرفت السرقة اتهم أبيرق هذا جاراً له من يهود، وشهد إخوانه على صدق ما يقول، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الله أنزل فيهم آية تتلى تفضح أبيرقاً وتبرئ اليهودي، فما كان من أبيرق إلا أن ارتد وفر إلى مكة، وأثناء وجوده فيها دخل بيتاً من بيوتها ليسرق، فوقع عليه الجدار فمات كافراً.
تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة )، ومن أراد أن ينظر إلى هذه السكينة فليقف ولينظر إلى الحلقة، هل فيها هيجان وصياح وكلام واضطراب؟ لا والله، وإنما سيجد السكينة والطمأنينة، ( وغشيتهم الرحمة )، والرحمة واضحة، فهل هناك سب أو شتم؟ سرقة وتلصص؟ خيانة؟ آلام وأمراض حصلت؟ لا أبداً، وإنما الرحمة غشيتنا، ( وحفتهم الملائكة )، أي: أحاطت بهم إكباراً لهم، ولو كنا نقوى على رؤيتهم والله لرأيناهم، ولكن أبصارنا ضعيفة ليست قادرة على أن ترى الملائكة، ( وذكرهم الله فيمن عنده )، وهذه أجل وأعظم، فمن نحن وما نحن حتى يذكرنا الله في الملكوت الأعلى؟ الحمد لله، ومع هذا فالمسلمون محرومون من هذا إلا من رحم الله، والمفروض والمطلوب والواجب أن أهل كل قرية من قرانا عرباً وعجماً إذا للمغرب تركوا العمل وأقبلوا على ربهم يتوسلون إليه، ويتقربون ويتزلفون، ويجتمعون كاجتماعنا هذا، فيدرسون ويتعلمون ليلة آية من كتاب الله تعالى، وليلة سنة من سنن رسول الله، ومع هذا وهم يعملون، فينمون نماءً عجباً، وما تمضي سنة إلا وهم كالملائكة في القرية، فلا كذب ولا غش ولا خداع ولا زور ولا فجور ولا زنا ولا باطل، بل كل هذه المظاهر والله تمحى، ويحل محلها الوفاء والصدق والحب والتعاون الذي لا يمكن أن يتحقق إلا على نور الكتاب والحكمة، فمن منعهم؟ من حرمهم؟ قروناً عديدة وهم يعيشون بعيدين عن القرآن وسنة الرسول حتى هبطنا ولصقنا بالأرض بعدما كنا في الملكوت الأعلى، وا أسفاه! وا حسرتاه! ولا ينفع بكاء ولا تحسر. وها نحن مع هذه الآيات الكريمات من سورة النساء، فهيا نتلوها وتدبروا وتأملوا وتفكروا، إذ هذا كلام ربكم إليكم من أجل هدايتكم وإسعادكم، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:105-109]. إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [النساء:105]، فالمتكلم هو الله تعالى، والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بالكتاب الذي أنزله هو القرآن العظيم، ومعنى قوله تعالى: (بالحق)، أي: مصاحباً وملازماً له، فلا باطل فيه ولا يدعو إليه ولا يتحقق به. لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، من منا لم يفهم معنى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:105]؟ في خصوماتهم، في دنياهم، في نزاعاتهم، في كل أحوالهم، في أعراضهم وأموالهم، فالرسول يحكم بينهم بقانون فرنسا؟ بشطحات اليهود؟ بقيصرة اليونان؟ لا والله، وإنما بما أنزل الله إليه. قال: بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، أي: بما علمه فيما أنزله إليه، فهل عرفتم كيف وجه الله هذا الخطاب لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ ونحن أيضاً مثله، وبالتالي فكل حاكم يجب أن ينزل هذا المنزل، فما أنزل الله عليه كتاباً، أنزله على رسوله، وعلمه إياه وعرفه به، وذلك من أجل أن يحكم بين الناس بما أراه الله وعلمه. وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]، أي: ولا تكن للخائنين خصماً تخاصم عليهم وهم خونة وسرق. ولهذه الآيات سبب نزول نذكره أولاً لتفهموا معناها، فقد كان يوجد ثلاثة أنصار: بشر وبشير ومبشر وطعمة بن أبيرق، وطعمة بن أبيرق هذا كان منافقاً يظهر الإيمان ويبطن الكفر؛ لأنه في تلك الأيام كان النفاق موجوداً في المدينة، وما دخلت المدينة كلها في رحمة الله تعالى، وكان لهذا المنافق جار له مشربة فيها طعام وسلاح، فحفر واستخرج الطعام والسلاح، سرقة، فلما صاح المسروق المؤمن ونظر إلى الأحوال والجيران وشعر ابن أبيرق أنه سيتهم، جاء بالدرع أو بذلك السلاح ووضعه في غرفة يهودي من جيرانه، وضجت المدينة، ووقف بنو أبيرق يدافعون عن صاحبهم، وأنهم براء وليسوا ممن يفعل هذا. وأخيراً قالوا: لقد اكتشفنا السرقة، إنها موجودة عند اليهودي، فاليهودي المسكين قال: ما سرقت، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى مجموعة كاملة قد وقفوا مع هذا المنافق، ورأى أن السلاح أو الدرع موجودة عند اليهودي، وقف يدافع ويخاصم ليبرئ ابن أبيرق فيما ظهر له، فأنزل الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، والآن يا رسولنا ليس عندك علم، وإنما فقط وقفت إلى جنب هذه الجماعة التي تقول وتحسن الكلام والدعاوى، فظننت أنهم على حق، وهم في الحقيقة خونة وسرقة. وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]، أي: تدافع وتخاصم عنهم.
تفسير قوله تعالى: (واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً)
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:106]، وهذا الكلام موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم! إذاً فكيف يوجه الخطاب إلى قضاتنا وحكامنا؟! مع أن الرسول ما أذنب، ولكن من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن باب: إياك أعني واسمعي يا جارة، فإذا كان رسول الله يوجه بهذا الخطاب فمن دونه ماذا يقال له؟
تفسير قوله تعالى: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم...)
وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:107]. وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:107]، أي: بني أبيرق، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:107]، وهم خونة آثمون.
تفسير قوله تعالى: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله...)
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108]. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:108]، وهم بنو أبيرق أصحاب المؤامرة، وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108].
تفسير قوله تعالى: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا...)
هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]. هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النساء:109]؛ لأن مجموعة من المؤمنين وقفت إلى جنب بني أبيرق، وكذلك الرسول وقف إلى جنبهم لكثرة الذين يبرئون هؤلاء المنافقين، والمؤمنون في الحقيقة لا علم لهم، ولكن نظراً إلى ما يظهرون من الصلاح والاستقامة، ثم قال تعالى: فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109] اللهم لا أحد. إذاً: لتبقى هذه الآيات خالدة، ولتبقى نور الله في الأرض، فالقاضي والوكيل والحاكم ومن يُحكَّم يجب أن يكونوا على منهج الحق، فلا يغترون بألفاظ ولا بجماعة ولا غير ذلك، وإنما يطلبون الحق كما هو فيقضون ويحكمون به، وهذا درس عجيب لأمة الإسلام.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
نعيد تفسير الآيات فتأملوا، يقول تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، لا بالهوى أو بالتعصب أو بالميل الغريزي، وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]، أي: لا تكن واقفاً إلى جنب الخائن تخاصم وتجادل عنه. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:106]، أي: من زلت قدمه وارتكب خطأً فباب الله مفتوح، فليندم على فعله، وليستغفر ربه، وليعزم وليصمم على ألا يعود لهذه الخطيئة، وما هي إلا أيام حتى تمحى محواً كاملاً ولا يبقى لها أثر، وهذه سنة الله عز وجل، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ). وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:107]، فاسمع هذا يا محامي! إذ المحاماة في العالم الإسلامي شائعة، وقد يسألني فقال: أنا أعمل محامياً في الدولة الفلانية، وهذه الدولة لا تحكم بالإسلام ولا بالشريعة، فما حكم ذاك؟ فنقول: اجتهد، فإن عرفت أن الذي تترافع عنه في قضية ما مظلوماً فقف إلى جنبه ولو تأخذ مبالغ مالية لرفع الظلم عن هذا العبد وتحقيق الحق له، وإن علمت أنه لا حق له فلا تترافع في قضيته ولا تقبلها ولا تأخذ فيها ديناراً ولا درهماً؛ لأنك إن فعلت ذلك فأنت تدافع عن الباطل وهذا لا يصح أبداً، إذ يقول الله تعالى: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:107]، بل وقل له: يا فلان! أنت ظالم، وهذا الموقف لا يقفه إلا أهل الإيمان. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ [النساء:108]، وذلك لما يتآمرون في الليل أو في البيت فيقولون كذا ونفعل كذا وندبر كذا، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ [النساء:108] إيه والله، أتدرون كيف؟ العوالم كلها في قبضة الله عز وجل، واقرءوا قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، فأين نحن إذاً مع الله؟ هو فوق عرشه بائن من خلقه، والخليقة كلها في قبضته وبين يديه، لا يخفى عليه من أمر الناس شيئاً! قال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى [المجادلة:7]، أي: أقل وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]، سواء في المريخ أو في الزهرة أو في الشمس أو في الأرض، فأينما كانوا فالله يعلمهم وهو معهم. تأملوا! يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:108] لما كانوا يتآمرون هو معهم، وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108]. هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ [النساء:109]، وهذا للتقريع والتأديب والتوبيخ، فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [النساء:109]؟! من هو؟ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]، أي: يدافع عنهم ويأخذ حقهم إن كان ذا حق؟ والجواب: لا أحد. ومن هنا مسح من قلوبنا الدفاع عن الباطل حتى ولو كان صاحب الباطل أباك أو ابنك أو أخاك أو أمك أو امرأتك، فلا تقف تدافع عن الباطل أبداً، فهذا يهودي أنزل الله في شأنه القرآن، إذ إنه كان مظلوماً، فقد ألقوا الدرع في بيته وقالوا: أخذه اليهودي، فنجاه الله عز وجل وإلا كانت ستقطع يده. وأما خبر هذا الخبيث طعمة فقد ارتد وأعلن عن كفره وهرب لما انفضح، وأتى مكة وجاء يسرق في الليل، فبينما هو يحفر في الجدار في الليل حتى يدخل إلى الغرفة التي فيها الطعام، فلما أدخل رأسه سقط الجدار عليه فقبض عليه كالعصفور، رأسه من داخل ورجلاه من خارج عليه لعنة الله، وهذا جزاء من يخون الله ورسوله والمؤمنين.

يتبع

ابوالوليد المسلم 30-04-2021 02:22 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
والآن أسمعكم الشرح من الكتاب فتأملوا.
معنى الآيات
قال: [ معنى الآيات: روي أن هذه الآيات نزلت في طعمة بن أبيرق وإخوته ] وهم بشير ومبشر وبشر، قال: [ وكان قد سرق درعاً من دار جار له يقال له: قتادة ]، والدرع عبارة عن لباس يلبسه المحارب في الحرب، فإذا أصيب برصاصة أو برمية أو بسهم فإنه لا يؤثر فيه؛ لأنه لباس من حديد، وقد كان داود عليه السلام يصنع الدروع في الدنيا، قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء:80]. وهنا لطيفة أذكر بها الناسين وأعلم غير العالمين وهي: أن في القرآن سورة تسمى بسورة لقمان، ولقمان هذا كان حبشياً نوبياً آتاه الله الحكمة وعلمه إياها، فمر ذات يوم بداود -وكان معاصراً له- وهو ينسج الدرع من الحديد، فهم أن يسأله: ما هذا يا داود؟ فأدركته الحكمة فسكت، كما هي القاعدة عندنا: إذا كان العلم به لا ينفع، والجهل به لا يضر، فاترك ذلك ولا تسأل. فسكت لقمان وواصل داود عليه السلام نسج الدرع، ولما فرغ أخذ يقيسه على جسمه، ثم قال: نعم لبوس الحرب أنتِ، فعرف لقمان وقال: الصمت حكمة وقليل فاعله، إذ لو سأل لأهان نفسه فيقال: جاهل لا يعرف، ثم لمَ يسأل وليس هذا شأنه؟ لكن أدركته الحكمة فسكت، وما زال ينتظر حتى عرف رحمه الله تعالى. قال: [ وكان قد سرق درعاً من دار جار له يقال له: قتادة، وودعها عند يهودي يقال له: يزيد بن السمين ] أو السمين، قال: [ ولما اتهم طعمة وخاف هو وإخوته المعرة رموا بها اليهودي وقالوا: هو السارق ] كما سمعتم. قال: [ وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلفوا على براءة أخيهم طعمة، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، إذ لا يعقل أن ثلاثة أو أربعة من الرجال يحلفون فلا يصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه في مستوى الأخلاق لن يصل إليه أحد، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فلا يعقل أن أربعة من رجال البلاد وصلحائها في الظاهر يحلفون فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم تكذبون؟! إذ ليس عنده علم في ذلك، قال: [ فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هو السارق، وهم بقطع يد اليهودي لشهادة بني أبيرق عليه ]، أي: هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يد السارق؛ لقيام الحجة عليه من أربعة أنفار. قال: [ وإذا بالآيات تنزل ببراءة اليهودي وإدانة طعمة ] المنافق، قال: [ ولما افتضح طعمة وكان منافقاً أعلن عن ردته وهرب إلى مكة المكرمة، ونقب جدار منزل ]، أي: حفر فيه، [ ليسرق، فسقط عليه الجدار فمات تحته كافراً ] والعياذ بالله، أرأيتم عواقب الظلم والكفر؟ إنها والله مذمومة. قال: [ وهذا تفسير الآيات قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ [النساء:105]، أي: القرآن، أيها الرسول لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، أي: بما أعلمك وعرفك به، لا بمجرد رأي رآه غيرك من الخائنين ]. قال: [ وعاتبه ربه تعالى بقوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]، أي: مجادلاً عنهم، فوصم تعالى بني أبيرق بالخيانة؛ لأنهم خانوا أنفسهم بدفعهم التهمة عليهم بأيمانهم الكاذبة إذ حلفوا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:106]، من أجل ما هممت به من عقوبة اليهودي، إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:106]، فيغفر لك ما هممت به ويرحمك. وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:107]، حيث اتهموا اليهودي كذباً وزوراً، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:107]، كـطعمة بن أبيرق. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ [النساء:108]، حياءً منهم، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [النساء:108]، ولا يستحيون منه وهو تعالى معهم في الوقت الذي كانوا يدبرون كيف يخرجون من التهمة بإلصاقها باليهودي البريء؟ وعزموا أن يحلفوا على براءة أخيهم واتهام اليهودي، هذا القول مما لا يرضاه الله تعالى. وقوله عز وجل: وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108]، فما قام به طعمة من سرقة الدرع ووضعها لدى اليهودي، ثم اتهامهم اليهودي وحلفهم على براءة أخيهم، كل ذلك جرى تحت علم الله تعالى والله به محيط، فسبحانه من إله عليم عظيم. وقوله تعالى: هَاأَنْتُمْ [النساء:109]، أي: يا هؤلاء، جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]، هذا الخطاب موجه إلى الذين وقفوا إلى جنب بني أبيرق يدفعون عنهم التهمة، فعاتبهم الله تعالى بقوله: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ [النساء:109] اليوم في هذه الحياة الدنيا لتدفعوا عنهم التهمة تهمة السرقة، فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]؟! ] لا أحد. قال: [ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]، بتولي الدفاع عنهم في يوم لا تملك فيه نفس لنفس شيئاً والأمر كله لله؛ فتضمنت الآية تقريعاً شديداً حتى لا يقف أحد بعد موقفاً مخزياً كهذا ]، وهذا وإن كان في بني أبيرق واليهودي في الصدر الأول، إلا أنه ما دام على الأرض من يقول: لا إله إلا الله، فهي موجودة في القرآن تُقرأ وتُطبق وتُحكَّم إلى يوم القيامة، ولو سألت إخوانك لوجدتهم وقفوا مئات المواقف من هذا النوع.
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات ]، واسمعوا إعادة هذه الآيات وكيف نستخرج منها ما تهدي وتهدف وتدعو إليه، وذلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:105-107]، والذي لا يحبه الله لا يسعد، ولا ينزل منازل الأبرار، إذ إن مصير أعداء الله معروف، فهم في أسفل سافلين، في دار الشقاء والبوار والعياذ بالله. قال: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ [النساء:108-109]، أي: يا هؤلاء، جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109].
عدم جواز الحكم بغير ما أنزل الله
قال: [ من هداية الآيات: أولاً: لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]. وأذكر أيام استقلالنا استقلت موريتانيا، واستقلت كذا، واستقلت كذا، فوضعتُ لهم دستوراً إسلامياً من بداية الحكم إلى المقبرة، وهو مطبوع في وريقات، ووالله لو طبق في أرض لسادوا وعزوا وكملوا. وقلنا: نضيفه إلى كتاب منهاج المسلم ويطبع معه، ومنهاج المسلم كتاب شامل جامع، إذ جمع فيه العقيدة السلفية والآداب الإسلامية والأخلاق الربانية والعبادات والأحكام والمعاملات، أي: خلاصة الشريعة، فلا فرق بين مذهب ومذهب، وإنما المذاهب الأربعة هي الصحيح والحق، وهذا الدستور يضاف إليها؛ لأنه عمل سياسي في تكوين الحكومة وأعمالها، وقد بعثتُ نسخاً منه لبعض المسئولين، فبعضهم رد عليَّ وبعضهم لم يرد عليَّ شيئاً، وها هم يحكمون بغير ما أنزل الله، فما المانع أن يطبق هذا الدستور الإسلامي؟ القانون البريطاني سهل تطبيقه، وتطبيق القرآن ليس بسهل! على كل حال فعل العدو هذا بنا، فالقرآن يقرأ على الموتى، ولو تقول لهم: طبقوا القرآن فإنهم يضحكون، وبالتالي فهم يكتفون به ليقرأ على الموتى فقط للبركة. وهذه الآية بالذات تحرم تحكيم المسلمين لغير شريعة الله، أي: الكتاب والسنة، فلا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله، وليس هذا خاص بالحاكم أو بالقاضي، بل إذا حكمك اثنان أو اختلفت جماعة وحكموك فيجب عليك أن تحكم بما أنزل الله وبين رسوله، وإن لم تعلم الحكم فقل: الله أعلم، ولا تحابي ولا تجامل ولا تميل إلى قريب ولا إلى بعيد، واذكر قوله تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [النساء:109]؟!
عدم جواز الوقوف إلى جنب الظلمة الخونة نصرة لهم
قال: [ ثانياً: لا يجوز الوقوف إلى جنب الخونة الظالمين نصرة لهم ]، إذ إن هذا حرام ومعصية، فالمسلمون كالجسم الواحد، فأي طينة أو تراب أو وطن يجعلهم متفرقين؟ حدثنا قاض بصدق فقال: جاء حوالي خمسين رجلاً يشهدون مع أخيهم بالباطل! لا لوم عليهم؛ لأنهم ما عرفوا الله معرفة توجد حبه في قلوبهم، ولا الخوف منه في نفوسهم، ولا عرفوا الطريق إليه، فكيف تلوموهم؟! من أين لهم أن يعرفوا؟ لماذا ما يعرفون؟ منعهم الثالوث من أن يطلبوا العلم، حولوا القرآن إلى المقابر، إذاً من أين يطلبون العلم؟! إذاً: لا يجوز الوقوف إلى جنب الخونة الظالمين نصرة لهم، أي: من أجل أن تنصرهم، ولو كان أباك أو ابنك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135]، ما بقي بعد النفس شيء، لا أب ولا أم. وأخذنا هذه الهداية من قول الله تعالى: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:107]، وقوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]، أي: مخاصم تخاصم عليهم.
وجوب الاستغفار من الذنب صغيراً كان أو كبيراً
قال: [ ثالثاً: وجوب الاستغفار من الذنب كبيراً كان أو صغيراً ] وعرفنا هذا من قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:106]، فإذا كان الرسول هم فقط ولم يفعل شيئاً، وذلك لما لاح له من شهادة الناس بأن اليهودي هو السارق، ومع هذا أُمر بالاستغفار، فمن باب ألف مرة نحن أولى، فمن زلت قدمه فليقل: أستغفر الله وأتوب إليه، ويعدل عن جريمته، أي عن خطأه وذنبه، وطول الحياة وهو هكذا. وهذا الذنب الذي ذكر للرسول ليس ذنباً كبيراً، لكن لمقامه عليه الصلاة والسلام، وحسنات الأبرار سيئات المقربين كما يقولون، وأضرب لكم مثلاً لو أن صعلوكاً مثلي فعل جريمة في الشارع أو في الباب فستلومونه: يا صعلوك ما تستحي من كذا، لكن لو كان عالماً وفعلها فكيف تنكرون عليه؟! أو لو أن جاهلاً سرق أو فجر فستلومونه قطعاً، لكن لو كان العالم فعل ذلك، فإنكم ستستعظمون ذلك بالفطرة، وذلك لعلمه، وحسنات الأبرار تعتبر سيئات المقربين من الله؛ لأن منزلة المقربين أعلى، فحسنات الأبرار ما تعتبر شيئاً للمقربين، وإنما تعتبر كالسيئة. والذنب مأخوذ من ذنب الحمار، إذ إن للحمار ذنباً وكذلك للكلب، فإذا أردت أن تمسك بهذا الحيوان فمن أين تأخذه؟ من ذنبه، فأنت تجري وراءه وهو هارب أمامك فتمسكه من ذنبه. وكذلك فكل خطيئة يؤاخذ بها العبد يسمى ذنباً ومنها يؤخذ، وكل خطيئة يرتكبها العبد يؤخذ به كما يؤخذ الحيوان من ذنبه، ومن هنا أخذ لفظ: الذنب.
وجوب بغض الخوان الأثيم أياً كان
قال: [ رابعاً: وجوب بغض الخوان الأثيم أياً كان ]، أي: يجب أن نبغض الخوان الأثيم أياً كان ولو في مكة، أما عاب تعالى ولام فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء:107]؟ فكيف أنت تحبه؟! أعوذ بالله! قد كفرت بالله، أيحب ربك شيئاً وأنت تكرهه، ويكره شيئاً وأنت تحبه؟ بقيت علاقة بينك وبين الله؟ لا، فقد انتهت. فإذا علمت أن الله يحب كلمة كذا فيجب أن تحبها، وإذا علمت أن الله يكره كلمة كذا فيجب أن تكرهها، وإلا انقطعت صلتك بسيدك ومولاك، وما أصبحت عبداً حقيقياً له، هو يحب وأنت تكره، أو هو يكره وأنت تحب؟! تعاكسه! إذاً: كل خوان أثيم يجب بغضه وعدم حبه، حتى ولو كان ابناً لك أو أباً أو أخاً أو أماً أو زوجة، إلا إذا انغسل ونظف وتاب وطهر.
استحباب الوعظ والتذكير بأحوال يوم القيامة
قال: [ خامساً استحباب الوعظ والتذكير بأحوال يوم القيامة ] وما يجري لأصحابها فيها، والقرآن الكريم يفيض بهذا، وأخذنا هذا من قوله تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:109]. معاشر المستمعين! أذكركم ونفسي أن علينا أن نحكم شرع الله في أنفسنا وفي غيرنا، وأن نحب الصالحين ونبغض المفسدين، وأن نستغفر الله كلما أذنبنا ذنباً صغيراً أو كبيراً، وأن نعلم أنفسنا أننا تحت النظارة وأننا مراقبون، ووالله ما تستطيع أن تخفي شيئاً عن ربك ولو كنت في قعر بئر. ومن هنا يجب أن نستحي منه تعالى، وإليكم صورة: لما نتوضأ نترك صنبور الماء يسيل بكثرة، فلو استحينا من الله فإننا سنغلقه، فعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعيش مع الله حق العيش، فلا يفارقه أبداً حيثما كان الله معه، وبذلك يقوى على مواصلة سيره إلى دار السلام، أما أن تغفل أو تنسى أو تعرض عن الله فإنك تقع في كل هاوية وتسقط في كل حفرة من حفر هذه الحياة، والله أسأل أن يعصمنا وإياكم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ابوالوليد المسلم 03-05-2021 02:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (58)
الحلقة (281)

تفسير سورة النساء (62)


فضائل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة، ومما تفضل الله به عليه أنه وقاه من الجور في الحكم في قضية بني أبيرق واليهودي الذي اتهموه بالسرقة، فبعد أن كاد النبي يحكم على اليهودي بعد شهادة الشهود عليه أنزل الله عز وجل قرآناً يتلى، برأ فيه اليهودي وفضح طعمة بن أبيرق المنافق إذ كان هو الذي سرق ورمى بهذه التهمة اليهودي البريء، وبعد فضحه انقلب على عقبيه فاراً إلى مكة كافراً.
تفسير قوله تعالى: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وما زلنا مع سورة النساء الميمونة المباركة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلو هذه الآيات ونتدبر معانيها وما تحمله من هدى، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:110-113]. تأملوا هذا، الله يخاطب رسوله فيقول: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وهذه عامة لكل مؤمن ومؤمنة. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء:111]، لا على غيره، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111]، لا يخفى عليه من كسب إثماً وجحده وغطاه، (حكيماً) يجزي بحسب ذلك العمل. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، وتأملوا هذه الآية. ثم قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، ماذا تفهم يا عبد الله ويا أمة الله من هذا الخبر؟ المخبر هو الله العليم الحكيم، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، والسوء كل ما يسيء إلى نفسك فيخبثها ويدرنها ويعفنها، وذلك كل إثم من الآثام، والإثم إما تركك واجباً وأنت قادر على فعله، أو ارتكابك محرماً من المحرمات. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: ما يسيء إلى نفسه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: يعمل سوءاً مع غيره، كأن يكذب أو يضرب أو يظلم غيره، أو يظلم نفسه بارتكاب محرم، إما بترك واجب أوجبه الله، أو بغشيان محرم حرمه الله تعالى، عقيدة كان أو قولاً أو فعلاً، وتذكرون قصة بني أبيرق وعلى رأسهم طعمة، والآيات تدور عليهم. فانظر كيف تجلت رحمة الله تعالى فقال لهم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: منكم يا بني أبيرق ومن شارك في الإثم ووقف إلى جنبكم، فبابنا مفتوح فاستغفروا الله تجدوا الله غفوراً رحيماً. هذه الجماعة التي ارتكبت أكبر جريمة وهي السرقة، ثم اتهمت اليهودي بالسرقة، واستطاعوا أن يجذبوا رسول الله إليهم، وكاد أن يوافقهم على دعواهم ويقطع يد اليهودي، لكن الله سلم فأنزل هذه الآيات، وفضح أولئك المنافقين، ومع هذا فتح لهم باب الرحمة.و (مَن) في الآية تفيد العموم، سواء ارتكب هذا السوء أبيضاً أو أسوداً، ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: مع أي مؤمن أو مؤمنة، كأن يأخذ ماله أو يسبه أو يشتمه أو يكذب عليه أو يفتري عليه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110] أي: بارتكاب محرم أو ترك واجب، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:110]، أي: يتوب توبة نصوحاً، ويكثر من الاستغفار، ولا يفارقه الندم، ويطلب العفو ممن جنى عليه أو اعتدى عليه، وهذه التوبة عبر عنها بالاستغفار، فلا بد من التوبة والرجوع إلى الصواب، والرجوع إلى الحق، فإن كان بينه وبين أخيه يطلب سماحاً منه ومعذرة وعفواً، ويعطيه ما أخذه منه، يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، أي: من شأنه هذا فإنه يجد الله غفوراً رحيماً، وبالتالي لا تخف أن تقول: أغلق باب التوبة في وجهي، إذ ما من مؤمن ولا مؤمنة يعمل سوءاً وهو الإثم الضار الفاسد، أو يظلم نفسه بالذات، بأن يرتكب ما حرم الله، ثم يستغفر الله نادماً راجعاً إلى الصواب عائداً إلى الحق، ويواصل الاستغفار والتوبة، فإنه يجد الله غفوراً له رحيماً به، يغفر زلته ويرحمه، وعليه ففتح الله لهم باب التوبة إلا من رفض منهم.
تفسير قوله تعالى: (ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه...)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111].يقول تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا [النساء:111] من الآثام، والإثم كل ضار فاسد، أو كل ما يضر فهو إثم، أو كل ما هو فاسد فهو إثم غير صالح. فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء:111]، لا على غيره، فلو يقوم أحد منا الآن ويقول الباطل فإننا لا نتأذى به، وإنما يعود عليه هو وحده، وذلك لأن العمل يتولد أو ينتج عنه ظلمة النفس وخبث الروح وتدسيتها، فما تتدسى روحي ولا روحك بذنب ذلك الرجل، اللهم إلا في حال رضانا بالباطل وسكوتنا عنه، وحينئذ نكون قد ارتكبنا ذنباً آخر وهو أننا ما أمرنا بمعروف ولا نهينا عن منكر. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111]، عليماً لا يخفى عليه ذنب يرتكبه إنسان على وجه الأرض، فلا تفهم أنه لا يطلع الله عليك، أو لا يدري ساعة ما قلت أو فعلت، فالله مازال عليماً بالخلق كلهم، وعلمه تعالى تغلغل في كل ذرات الكون العلوي والسفلي، فلا يخفى عليه من أمرنا شيئاً، وحكيماً يضع الشيء في موضعه، فالذي أذنب هو الذي يؤاخذه، والذي لم يذنب لا يصيبه بالمصيبة ولا يحل به العذاب، بخلاف لو كان غير حكيم، فـعدنان يسرق وهو راض فتقطع يده، لكنه عليم عادل، فاطمئن إلى أنك لا تظلم أبداً، لا في حسنة تقوم بها ولا في سيئة ترتكبها. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:111]، أي: بخلقه، حَكِيمًا [النساء:111]، في قضائه وتصرفاته وشرعه، فلتطمئن النفوس تماماً.
تفسير قوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً)
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112].قال تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا [النساء:112]، ما الفرق بين الخطيئة والإثم؟ الخطيئة أن يفعل الإنسان شيئاً ضد أخيه كما فعل ابن أبيرق، والإثم مطلقاً، أي: ترك واجب أو فعل محرم، ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، والبريء مأخوذ من البراءة، وهو الذي ما فعل، ما قال قولاً شنيعاً أبداً ولا سرق ولا كذب، بينما الآخر يرتكب الخطيئة أو الإثم ويقول: فلان هو الذي فعل ذلك، يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، كما رمى بنو أبيرق اليهودي، فقد وضعوا الدرع في بيته وقالوا: هو الذي سرق. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، ما له؟ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، احتمل لأنه ما يطيق أن يحمل هذا، فهو احتمله بأمر فظيع، والبهتان هو الكذب الذي يبهت صاحبه فيتركه حيراناً، فالكذب كذب، ولكن إذا بهت مؤمناً ولم يسبق له هذا القول ولا هذا العمل، ثم واجهته وقلت له: أنت قلت كذا أو فعلت كذا، فإنه يحتار ويندهش، فهذا هو البهتان، أي: الكذب الذي ما له عامل أبداً يقتضيه أو سبب ممكن يوجد بسببه، فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، والجزاء عند الله إن تاب نجا؛ لأن باب التوبة مفتوح، لكن كرر الحادثة، وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا [النساء:112]، فهم سرقوا، لكن لما خافوا أن يفتضحوا رموا اليهودي، فارتكبوا بذلك خطيئة وإثماً، فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112].وهنا قد انتهى الكلام عن بني أبيرق ومن وقف إلى جنبهم من أهل الغفلة، وقد فتح الله لهم الباب وتاب على من تاب منهم، والآن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113].
امتنان الله على رسوله بأن حفظه وعصمه من الخطأ في الحكم
يقول تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ [النساء:113] يا رسولنا، لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ [النساء:113]، فقد جاءوا بمن ينطق ويحلف: السارق هو اليهودي، وهذا ما علمنا به، ولا يمكن أن يتم هذا بيننا، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عصمه الله وحفظه قبل أن يصدر الحكم على اليهودي، فنزلت الآيات القرآنية ببراءة اليهودي، وهذا فضل الله ورحمته على رسوله صلى الله عليه وسلم. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ [النساء:113]، ما معنى: يُضِلُّوكَ [النساء:113]؟ أي: يوقعونك في الضلال وفي الخطأ، وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ [النساء:113]، أما أنت يا رسولنا فيحميك ربك ويصونك مولاك، وقد فعل ذلك، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ [النساء:113]، فطمأنه وأمنه، وكيف لا وهو وليه، وهو من أرسله إلى الناس كافة، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ [النساء:113] أبداً، بل أقل الضرر لا يمكن أن يصل إليك يا رسولنا.

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-05-2021 02:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
امتنان الله على رسوله بأن أنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم
وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113]، ولم يقل: وأنزلنا، وإنما قال: وَأَنزَلَ اللَّهُ [النساء:113] جل جلاله وعظم سلطانه، عَلَيْكَ [النساء:113] يا رسولنا، الْكِتَابَ [النساء:113]، أي: القرآن الكريم، فهل هناك من يدعي أنه أنزل عليه؟وهذه أعظم آية في كتاب الله تقرر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد تحدى الله عز وجل العرب وهم أولوا البلاغة والفصاحة والبيان على أن يأتوا بسورة كسور القرآن الكريم، فقال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24]، إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، وهنا لطيفة قرآنية وهي قوله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، إذ لا يقول هذا إلا الله؛ لأن الله عز وجل قادر على أن يختم على قلوبهم وألسنتهم، ولا يقدر أحد أن يحاكي أو يماثل الله في ذلك.ثانياً: أن هذه الأنوار القرآنية من أين لغير الرسول أن يأتي بمثلها؟ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23]، أي: في شك، مِمَّا نَزَّلْنَا [البقرة:23] على عبدنا من هذا القرآن، إذاً: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23] من مثل محمد في أميته، فقد قضى أربعين سنة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ثم يأتي بهذه العلوم والمعارف التي يحار لها العقل، ويأتي بالقصص وتاريخ البشرية، ولن يستطيع أحد أن يرد كلمة أبداً أو يقول: هذا ما وقع.ثم يقول: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي [البقرة:24]، أي: أسلموا وادخلوا في رحمة الله، لكن قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، و(لن) الزمخشرية تنفي المستقبل، وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، واليوم مضت ألف وأربعمائة سنة ما جاءوا بسورة من مثله، بل نقول: اليابان الصناعية اليوم قد تفوقت، فهل تستطيع أن تنتج آلة من آلات الحديد، كسيارة أو غيرها وتقول: نتحدى البشرية لمدة سبعين سنة أن ينتجوا مثل هذه؟ لا يمكن، كذلك أمريكا أو روسيا أو أي دولة صناعية تقول: نتحدى البشرية أن يوجدوا مثل هذا الاختراع لفترة خمسين أو سبعين سنة، لا يمكن ذلك أبداً، وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، هل فعلوا؟ لا والله، كم سنة الآن؟ ألف وأربعمائة وخمسة عشر سنة ولم يفعلوا ذلك، آمنا بالله وحده. وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113]، والحكمة هي معرفة أسرار هذا الكتاب، والحكمة ذلك النور الذي يغشى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الحكمة ويظهرها ويوصي بها ويشرعها للعباد، ولهذا فالحكمة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113]، هل كان الرسول يعلم شيئاً؟ اقرءوا قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:6-7]، ما كان عليه الصلاة والسلام يعلم شيئاً، وإنما مجرد شاب من شبان قريش من بني هاشم حتى بلغ أربعين سنة، ففاجأه الحق في غار حراء في رمضان، وبدأ الوحي ينزل عليه واستمر ثلاثاً وعشرين سنة حتى اكتمل هذا القانون السماوي، وحتى اكتمل هذا القرآن الكريم.
فضل الله العظيم على رسوله صلى الله عليه وسلم
قال: وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، إي والله، فقد كان فضل الله على رسوله عظيم، فيا من هم مخدوعون بالدنيا! إن الرسول الذي يقول له ربه: وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] ما شبع من خبز شعير مرتين في يوم واحد، فلا تفهموا أن المال والغنى هو رضا الله عز وجل، أو مظاهر إكرام الله للعبد، والله ما هو إلا ابتلاء وامتحان، إما أن تنجح وإما أن تتمزق وتخسر أبداً، فلا التفات إلى أوساخ هذه الدنيا أبداً، فهذه أم المؤمنين تقول: كانت إحدانا -أي: نساء النبي- تتحيض في الثوب الواحد الحيضتين.إذاً: ما فضل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم؟ حسبه أن يرفعه الله إليه، وأن يجلسه بين يديه، وأن يكلمه شفوياً كفاحاً ومواجهة بلا واسطة، فأي رائد برز في الكون غير محمد صلى الله عليه وسلم ليخترق السبع الطباق مسيرة خمسة آلاف وخمسمائة سنة، وانتهى إلى سدرة المنتهى وإلى ما فوقها، حتى إن جبريل يقف فيقال له: ( تقدم يا جبريل فيقول: ما منا إلا له مقام معلوم )؟!وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حرس من المؤمنين، إذ إنهم كانوا خائفين عليه من اليهود والمنافقين والمشركين في العام الأول والثاني من قدومه المدينة، فلما نزل قول الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، قال لأولئك الحرس: ( أيه الناس! انصرفوا عني فقد عصمني الله )، فلو اجتمعت الدنيا كلها على أن يقتلوا رسول الله ما قدروا على قتله، مع أنهم كانوا يتربصون به ليقتلوه، فالمنافقون واليهود متعاونون على قتله لكن الله فضحهم. وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، فأي فضل أعظم من أن تصبح رسول الله، فتتكلم مع الله ويلقي بالمعارف والعلوم إلى قلبك وينزل عليك كتابه، ثم ماذا؟ اسمعوا! أول من يدخل الجنة دار السلام محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، فهم أول أمة دخولاً الجنة مع أنهم آخر أمة في الوجود.
المقام المحمود الذي يعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما أعطى الله رسوله أعظم عطاء، فقد أعطاه الشفاعة العظمى، أتعرفون الشفاعة العظمى؟ إليكم صورتها: لما تقف البشرية كلها على صعيد واحد، على أرض بيضاء كخبز النقي، لا جبل ولا تل ولا انخفاض ولا ارتفاع، وذلك في يوم طوله خمسون ألف سنة، فإذا كان من عهد عيسى إلى اليوم ألفين سنة ما كملت بعد، فأين ثمانية وأربعون ألف سنة أخرى؟ واقرءوا: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:4-5].وهم واقفون ينتظرون القضاء فيهم وعليهم، ومن مظاهر هذا: وإذا بنفخة من إسرافيل فيصعق كل أحد إلا من شاء الله، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( فأكون أول من يفيق )، أي: أول من يفيق من تلك الصعقة، ( وإذا بأخي موسى آخذ بإحدى قوائم العرش، لا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور فلم يصعق؟ )، وصعقة الطور لما كان في جبل الطور، وذلك لما كلمه ربه كفاحاً بلا واسطة، فلما غمره ذلك الحب وذلك الكمال، هشت نفسه وطلب من ربه أن يريه وجهه، واقرءوا قوله تعالى: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143]، الذي أمامك، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143]، فتجلى الرحمن، أي: ظهر للجبل فاندك الجبل، وما إن رأى موسى الجبل العظيم بصخوره قد تحلل صعق وأُغمي عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لعل موسى جزاه الله بتلك الصعقة ) ، أي: ما أعطاه الله صعقة ثانية. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ [الزمر:67-69]، جاء الرب، وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر:69].وبينما هم واقفون وقد طال الزمان والمدة، والحر شديد والهول عظيم، والله من الناس من يلجمه العرق، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى سرته بحسب ذنوبهم وصالح أعمالهم، فيأتون آدم عليه السلام، وقد أخبر بهذا الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وصحيح الأحاديث، وليس معنى هذا أن كل البشرية بالمليارات تأتي آدم، وإنما طوائف منهم تأتي آدم عليه السلام، فيقولون له: يا آدم! لقد خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا عند ربنا ليقضي بيننا، فقد طالت مدة الوقوف، فيعتذر آدم ويقول: كيف أكلم ربي وقد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وقد عصيته، فيذكر آدم معصيته، ونحن كم عندنا معصية؟! ألف معصية؟!وأبشركم -ولا تقولوا: الشيخ بهلول- بأني منذ ثلاث ليال رأيت آدم في المنام كأحسن ما يكون، وأنا معه جالس وأتكلم معه، والله سنراه إن شاء الله، ولعلنا نكون ممن يأتون إليه إن شاء الله.فيعتذر آدم لزلة قدمه مرة واحدة عندما نهاه الله وامرأته عن أكل الشجرة، فزين لهما الشيطان وغرر بهما فأكلا منها، فقال: كيف أواجه ربي وأنا قد عصيته؟ فكم زلة قد ارتكبناها؟!ثم قال لهم: أنصح لكم أن تذهبوا إلى نوح أبو البشرية الثاني بعد آدم، كيف لقب بأبي البشرية الثاني؟ لأنه في عام الطوفان ما نجا إلا سفينة نوح وفيها نيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، وكل البشرية جاءت من أولاده، فصار مثل آدم أو قريب منه.فأتوا نوحاً عليه السلام فقالوا له: يا نوح! أنت، وأنت، وأنت، اشفع لنا عند الله ليقضي بيننا، فيعتذر ويقول: أما قال آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله؟ ولكن أنصح لكم أن تذهبوا إلى إبراهيم خليل الرحمن، ويذكر زلته وخطيئته، فيا ترى ماذا فعل؟ هل قتل نفساً؟ هل زنى بامرأة مؤمن؟ هل شرب الخمر والكوكايين؟ ماذا فعل نوح؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يتلقى الضرب حتى يغمى عليه، ما هي خطيئته التي استحى أن يكلم الله؟ هو أنه قال بعد مرور القرون الكثيرة والقوم في زيادة كفر وعناد: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، من لهم؟ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:27]، وما من حقه أن يقول هذا، فاعتبرها خطيئة واستحى من الله أن يكلمه. ثم قال لهم: أنصح لكم أن تأتوا إبراهيم خليل الرحمن، وأول من هاجر في سبيل الله، وابتلي بما لم يبتلى به غيره، ومن مظاهر ابتلائه: أن الله أمره أن يذبح ولده له، فأنت تحبني يا إبراهيم، إذاً اذبح لي إسماعيل، واقرءوا قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة:124]، أي: أوامر، فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، وقد نال الإمامة بالامتحان، ومن الامتحان أنه وقف في وجه المشركين وعلى رأسهم والده كذا من السنين، حتى حكموا عليه بالإعدام وبالإحراق بالنار، ووالله لقد ألقوه بالمنجنيق في ذلك الأتون الملتهب، ولكن الله استدركه وهو في الطريق إلى النار؛ لأن النار أججوها أربعين يوماً، حتى النساء ينذرن النذور لآلهتهن من أجل إبراهيم، فتأتي إحداهن بحزمة الحطب، فلما أرادوا أن يلقوه جعلوه في مثل المنجنيق أو المعلاق ورموه، وفي الطريق عرض له جبريل فقال له: يا إبراهيم! هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى ربي فنعم، فقال تعالى: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فوقع فيها فاحترق القيد الذي برجليه ويديه، وخرج وودعهم وقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:99]، فترك أرض بابل والعراق واتجه غرباً حتى وصل إلى مصر، فكان أول مهاجر في الأرض.فأتى إليه القوم فقالوا له: يا إبراهيم! أرأيت ما بنا من كرب وغم، اشفع لنا عند الله حتى يقضي بيننا، فقال كما قال من قبله: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، فكيف أكلمه؟ وذكر ذنبه عليه السلام، هل قتل؟ هل زنى؟ هل أكل الربا؟ هل عق والديه؟ هل شرب الخمر؟ هل قذف المؤمنين والمؤمنات؟ لا أبداً، كل ما فيه أنه ذكر ثلاث كذبات، وكذبات إبراهيم أحسن من صدقنا نحن؛ لأنه كذب لله لا لنفسه، فالكذبة الأولى: لما أراد أن يبيت القوم ويدمر أصنامهم مروا به فقالوا له: هيا يا إبراهيم! اليوم عيد فلنخرج إلى الفضاء، فلنأكل اللحوم والخضر وغيرها، فنظر إلى السماء فقال: إني سقيم، قال تعالى مصوراً ذلك: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:88-89]، أي: مريض، وهذه هي الكذبة الأولى، فهو عليه السلام نظر في النجوم لأنهم كانوا يعبدون الكواكب، فظنوا أنه نظر إلى آلهتهم، فقال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، فتركوه، ولما خلت البلاد من أهلها جاء بفأس أو معول فحطم الآلهة في بهوها، إذ للآلهة بهو عظم، فقد كانوا يضعون الحلويات والأكل الناعم بين يديها، فحطمها وجعل الفأس في أحد الآلهة الكبار وربطه به وعاد، ولما دخلوا في المساء يجرون إلى الآلهة ليأخذوا الحلويات من عندها؛ لأنهم كانوا يضعونها من الليل لتباركها كما يفعل جماعتنا اليوم، فوجدوا الآلهة متناثرة، فقالوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:59]، فقال واحد منهم: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:60]، أي: سمعنا فتى يسمى إبراهيم يذكر هذه الآلهة بغير رضا، فهو ساخط عليها، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ [الأنبياء:61]، فجيء بإبراهيم، فقيل له: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:62-63]، فأشار إلى يده، فظنوا أنه أشار إلى الصنم، وهذه هي الكذبة الثانية، لكنها أحلى من صدقنا اليوم، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ [الأنبياء:63-64]، أي: ماداموا يحطمون ولا يعترفون من حطم، ولا ينطقون، فكيف تعبدونهم؟ أي مسخ أصاب هذه العقول؟ وأما الكذبة الثالثة: أنه مشى سائحاً في الأرض مع زوجته سارة، فدخل الديار المصرية من جهة سينا، وكانت سارة جميلة وحسناء، فلما رآها القوادون بلغة أهل المغرب، أتعرفون القوادون؟ عندنا في المملكة نسميهم الجرارون، أي: الذين يجرون ويسحبون، فقالوا لسلطان مصر: إن امرأة حسناء لا نظير لها، لا تصلح إلا لك، فهل فهمتم معنى القواد؟ القواد هو الذي يقود إلى الباطل، والجرار أبشع منه.فقال ملك مصر: ائتوني بها، فعرف إبراهيم، فقال: يا سارة إنه لا يوجد على الأرض من مؤمن إلا أنا وأنتِ، فإذا سألك عني فلا تقولي: زوجي فيغضب ويقتلني، وإنما قولي: أخي، وهو كذلك في الإيمان والإسلام، وهذا ذكاء منه عليه الصلاة والسلام، ولو قالت: زوجي لقتلوه؛ لأنه كيف يتزوج بها الملك وزوجها موجود؟ ثم جيء بها إليه، وحسنوا لباسها وزينتها وأنزلوها إلى السلطان أو الملك أو ذاك الطاغية، فكان كلما أراد أن يمسها بيده يصاب بالشلل الفوري والله العظيم ثلاث مرات، يتكلم معها ويضاحكها ويداعبها، يريد أن يمسها أو أن يمد يده إليها، قبل أن يمسها يصاب بالشلل على الفور، وفي الرابعة قال: أخرجوا عني هذا الشيطان، ومع هذا أحسن إليها وأمتعها بالمال وباللباس وببغلة كما فعل المقوقس مع رسولنا الكريم، فقد أعطاه بغلة تسمى: الدلدل، وأعطاه مارية القبطية، فهذه هي الكذبة الثالثة، وهي في الحقيقة ليست بكذبة، إذ إنه أخوها في الإسلام والإيمان.ثم قال لهم عليه السلام: أنصح لكم أن تذهبوا إلى موسى بن عمران نبي بني إسرائيل ورسولهم، فأتوا موسى فقالوا: يا موسى! ترى ما حل بالبشرية، توسلنا بك إلى الله فادع الله أن يقضي بيننا، فموسى يذكر ذنباً عظيماً فقال: كيف أكلم ربي وأنا الذي قد قتلت نفساً؟! هل قتل عمداً؟ لا والله، وإنما خطأ، وذلك لما تضارب القبطي مع إسرائيلي، وصاح الإسرائيلي يبكي، فوكز موسى القبطي فجاءت في القلب فمات، وهذا كان بقضاء الله وقدره، ثم قال: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16] وغفر الله له، ومع هذا ما استطاع أن يكلم الله مع هذا الذنب الوحيد. ثم قال لهم: ولكن عليكم بعيسى، فأتوا عيسى بن مريم فلم يذكر ذنباً قط، فقد قضى ثلاثاً وثلاثين سنة في الفترة الأولى، وسيقضي مثلها في الفترة الثانية عما قريب وستسمعون، ومع هذا قال لهم: عليكم بمحمد، وهذه هي الشفاعة العظمى، فما إن وصل الوفد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا لها، أنا لها )، فقد كان عنده صك قديم في الدنيا بها، أما قال تعالى في سورة بني إسرائيل: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، فهذا هو المقام المحمود الذي حمده عليه أهل الموقف بكافتهم، ثم قال عليه السلام: ( فآتي العرش فأخر ساجداً تحت العرش، فيلهمني ربي محامد -ألفاظ حمد وثناء- ما كنت أعلمها، فلا أزال أحمد الله وأثني عليه بها حتى يقول لي: يا محمد! ارفع رأسك، واسل تعطى، واشفع تشفع )، فصلوا عليه وسلموا تسلماً.فهذا هو المقام المحمود، وهذه هي الشفاعة العظمى، فهل ذكر رسول الله ذنباً؟ لا أبداً، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]. اللهم صل عليه وسلم تسليماً، اللهم اجمعنا معه في دار الكرامة يا رب العالمين.

ابوالوليد المسلم 03-05-2021 02:30 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (59)
الحلقة (282)

تفسير سورة النساء (63)


نهى الله عز وجل عباده عن التناجي، وبين لهم أن التناجي خصلة ذميمة إلا في حالات معينة، فقد استثنى من مواطن الذم أن يكون التناجي للأمر بالصدقة على الفقير والمسكين، أو يكون للأمر بالمعروف والخير، أو يكون لغرض الإصلاح بين المتخاصمين، سواء كانوا قبيلتين أو طائفتين أو رجلين، فهذا كله من باب التعاون على البر والتقوى والتناجي بالمعروف لنفع العباد.
تفسير قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ....)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة النساء المكية المدنية الميمونة المباركة، ذات الأحكام والقوانين الإلهية، ومعنا الليلة هاتان الآيتان، فهيا بنا نردد تلاوتهما، فأنا أجهر وأنتم في أنفسكم، ثم نأخذ في شرحها وبيان هداية الله تعالى منها، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115].تأملوا -يفتح الله عليكم- في معاني هاتين الآيتين مرة أخرى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115].‏
بيان معنى النجوى
معاشر المستمعتين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من صاحب هذين الخبرين؟ الله جل جلاله، إذ هذا كلام ربي تبارك وتعالى الذي أنزله على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على مقربة منا، وتلك حجراته، وهذا مسجده، فاسمع الخبر الأول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114]، ما هي النجوى؟ النجوى: مصدر أو اسم مصدر، ومعناها: المسارة بالكلام، وهي مأخوذة من النجوى التي هي المكان المرتفع، كالذي يأخذ رجلاً من بيننا ويخلو به ويساره، أي: رفعه إليه، فلا خير يوجد قط في أية مناجاة إلا ما استثنى الله عز وجل، وهذا من باب هداية الخلق وإصلاح البشرية، فربهم جل يريد كمالهم وسعادتهم؛ لأنه سيدهم ومولاهم، وخالقهم ورازقهم، وخالق الكون كله من أجلهم، فكيف إذاً لا يريد إكمالهم وإسعادهم؟! لو ما أراد ذلك ما أنزل كتاباً ولا أوحى بوحي ولا بعث رسولاً، بل ولتركهم كعالم الشياطين. لا خَيْرَ [النساء:114] نفي كامل، أي: لا يحل لمؤمن أن يخلو بآخر ويناجيه سراً؛ لقول الرسول المفسر المبين: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، كأن نكون جالسين في مجلس تحت ظل شجرة أو جدار أو منزل، فيأخذ أحدهم الثاني ويخلو به ويناجيه، أي: يساره بالكلام بينه وبينه، فهذه الوضعية حرام؛ لأن المؤمن يتأذى، وقد يقول في نفسه: ماذا يقولان؟ لعلهما يتآمران علي، لعلهما يريدان بي الشر، لعلهم يحجزاني عن الخير ويبعداني عنه، لماذا وأنا أخوهم؟! فهذه التساؤلات في حد ذاتها أذية للمؤمن يتأذى بها، ولذلك فلا يحل أن يتناجى اثنان دون الثالث، ولا أربعة دون الثالث، ولا خمسة دون الرابع، وهذه صورة عامة حفاظاً على مودة المؤمنين وعلى حبهم لبعضهم البعض، وبالتالي كل قول أو عمل، بل أو حركة تحدث في نفس مؤمن أذى فهي ممنوعة في مجتمعنا الإسلامي.وفي سورة المجادلة يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المجادلة:9]، أي: بالخير وما يساعدكم على تقوى الله عز وجل.وليذكر أهل الحلقة من نساء ورجال أن السياق مازال مع طعمة بن أبيرق وإخوته الذين تناجوا وتآمروا بالليل واتهموا اليهودي بسرقة الدرع، وهو من السرقة بريء، ولكن القرآن كتاب هداية للبشرية كلها ما دامت على سطح الأرض، فلم تُرفع أبداً أحكامه ولا آدابه ولا شرائعه ولا حكمه حتى يرفعه الله عز وجل، والعبرة دائماً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالسبب في نزول الآيات هو طعمة بن أبيرق الذي هلك في مكة، وذلك أنه سرق درعاً من بيت رجل من المسلمين، فلما سمع كلام الجيران خاف فرماه في بيت يهودي، وتآمر مع إخوانه وقالوا: اليهودي هو الذي سرق، وكاد الرسول أن يقطع يد اليهودي، إلا أن الله أنقذه وبين له الفتنة وأصولها، وقد درسنا هذا فيما سبق، والسياق ما زال مع الحادثة التي تمت في المدينة.
الأمر بالصدقة مما استثناه الله من النجوى
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114]، اللهم إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ [النساء:114]، فمثلاً أنتم جالسون في منزل أو في مكان ما، وفلان فقير محتاج بين أيديكم، فليس من إكرامه أن تقول: يا إخواني! أخوكم جائع أو عاري أطعموه واكسوه؛ لأن المؤمن الحق يتأذى بهذا أشد الأذى، فيتأذى أن يُعلن عن فقره أو حاجته، فإن قيل: يا شيخ! هم الآن يشحتون ويتسولون ويطلبون؟ والجواب: هبطنا وهبطوا معنا فلا عجب، وإلا كان من يمد يده؟ من يسأل غير الله عز وجل؟إذاً: من باب إكرام الله لأوليائه، أن من أراد أن يجمع لأخيه ما يفطر به فلا يحل له أن يعلن عن ذلك، بل يناجي هذا وهذا: نجمع لفلان كذا وكذا، وهذه صدقة يجوز فيها المناجاة؛ لأن الله لا يرضى أن يؤذى وليه وعبده الذي ابتلاه بالجوع أو بالعري امتحاناً له ليرفعه أو يزيد من كماله، لذلك لابد أن نحترم هذا المؤمن لما جاع أو عري، فإذا أردنا أن نجمع له فنخفي هذا الكلام ونسره فيما بيننا ونقدم له، فهل فهمتم هذه؟ وهل ممكن أن نعمل بها أو أنها صعبة؟
الأمر بالمعروف مما استثناه الله من النجوى
ثم قال تعالى: أَوْ مَعْرُوفٍ [النساء:114]، ما المعروف؟ العرف: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [الأعراف:199]، العرف والمعروف: كل ما عرفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله من أنواع البر والخير، وبعبارة أوضح: كل ما أذن الله لنا في قوله أو فعله، كل ما أمر الله بفعله أو قوله، كل ما أمر الله منتدباً مستحباً لعباده أن يأتوه، والمعروف العام ضد المنكر، ومادام قد أذن الله بقوله أو عمله أو أوجبه أو انتدب إليه، فأي معروف أعظم من هذا؟!إذاً: المناجاة محرمة، إلا أن تكون في أمرٍ بصدقة وجمعها لمؤمن أو مؤمنة حتى لا يُفضح بين الناس ويؤذى، أو أراد أن يأمر بمعروف، واقتضى الإسرار والمناجاة من أجله فلا بأس.
الأمر بالإصلاح مما استثناه الله من النجوى
ثم قال: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، أراد أن يصلح بين جماعتين، أو بين قريتين، أو بين شخصين، حتى بين الرجل وامرأته، ففي هذه الحالة يناجي من هو أهل للمساعدة على إزالة هذه الجفوة أو على إبعاد هذه الأذية من بينهما، فلهما أن يتناجيا ويتكلما سرياً من أجل أن يصلحوا بين فلان وفلان لوجه الله، وهذا الإصلاح نذكر فيه حديثاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ( ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين )، أي: إذا كان ما بين فلان وفلان قد تمزق وفسد، فاعملوا على إصلاح ما بينهما، وهذا بيان رسمي ألقاه الرسول علناً فقال: (ألا). معشر المستمعين! هل نعمل في هذا الميدان؟ أظن لا، اتركهم يأكل بعضهم بعضاً؛ لأننا هبطنا من علياء السماء، فقد كنا سادة وقادة وهداة، فاحتال علينا أعداء الله فهبطنا، فهانحن في الأرض، وكأن هذا القرآن ما سمعنا به أبداً، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وكلمة: بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] أيضاً تشمل حتى الكفار، فلو تنازع كافران يهوديان أو نصرانيان فإننا نصلح بينهما ولا حرج وبسرية ومناجاة؛ لأن لفظ: (الناس) عام، فنحن هداة الخلق نحمل إليهم أنوار السماء ليعيشوا عليها كرماء أصفياء أطهار.قالت العلماء: هذه الثلاث جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهي : صدقة، معروف، إصلاح بين الناس، وهذه دعوة لنا معشر المؤمنين أن نتصدق ونفعل المعروف وندعو إليه ونبشر به ونقيم إلى جنب أصحابه.وهذه الثلاثة يدلك على خيريتها قوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [النساء:114]، أي: ومن يفعل ذلك المذكور من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، بشرط: ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، لا لقومية ولا لعصبية ولا لقرابة، وإنما يفعل ذلك طلباً أن يرضى الله عنه، فإن قام بها إلى غير الله ما قبلها الله منه. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [النساء:114]، أي: حال كونه طالباً لمرضاة الله، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، وابتغى الشيء، أي: طلبه بكل حواسه ومشاعره، فيتجرد عن القرابة، وعن الوطن، وعن القبيلة، وعن الفائدة المادية، فلا يريد إلا الله عز وجل، وهنا لا معنى لفلاسفة الدنيا الذين يقولون: لإصلاح المجتمع، بل يفعل ذلك من أجل أن يرضى الله تعالى عنه، فإذا فاز برضا الله فاز بخيري الدنيا والآخرة، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ألا وهو دار السلام.

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-05-2021 02:30 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الطريق إلى معرفة الله عز وجل
معشر المستمعين والمستمعات! لمَ يعمل الناس ولا يريدون بهذا وجه الله وابتغاء مرضاته؟ والجواب: لأن أكثرهم ما عرفوا الله والله العظيم، ومن لم يعرف الله كيف يعمل له؟ كيف يغمض عينيه عن كل هذه المصالح الدنيوية ولا يرى إلا الله عز وجل، فيفعل ذلك من أجله؟ العلة أنهم ما عرفوا الله تعالى، فمن منكم يقول: وكيف نعرف أن فلاناً عرف الله أو لم يعرفه؟ إن معرفة الله عز وجل المعرفة الحقيقية اليقينية تعني: المعرفة بآياته الكونية والتنزيلية، وهذه المعرفة متى ما وجدت أوجدت شيئين في العبد: الأول: الخوف من الله، والثاني: حب الله جل جلاله وعظم سلطانه، فمن لم يعرف الله معرفة حقيقة كما يعرف أمه وأباه، بل أشد، لا يوجد في نفسه من هذا شيء، لا الخوف من الله ولا الحب في الله، ويدلك لذلك أن ترى العبد يخاف الله، فلو قلت له وهو على معصية: أما تخاف الله؟ اضطرب وبكى وصرخ: أستغفر الله وأتوب إليه، فهذا يخاف الله عز وجل، كما قد ترغبه في شيء يحبه الله، ورغب عباده فيه، فما إن يعلمه حتى يكون قد دخل في قلبه من السرور والفرح والبهجة ما لا يقدر قدره إلا الله، وأصبح يعمل بذلك عملاً يؤثره على حياته كلها. فإن قيل: يا شيخ! ما الطريقة إلى العلم والمعرفة؟ سمعنا رسول الله يقول: ( إنما العلم بالتعلم )، أي: إنما يحصل العلم لصاحبه بالتعليم شيئاً فشيئاً يوماً فيوماً حتى يعلم، فلمَ ما نتعلم؟ نتعلم القرآن وحفظناه ثم نقرؤه على الموتى! ماذا نتعلم؟ وكيف نتعلم؟ نتعلم أن نعلم الله عز وجل بجلاله وكماله وصفاته، ونعلم محابه، وما أكثر ما يحب الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات أيضاً، ونعلم ما يكره الله تعالى من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات أيضاً، وهذه المعرفة لا تتأتى بالانتساب إلى الإسلام، ولا بكونه مؤمناً، والله لا تتأتى ولا تتهيأ لعبد إلا إذا طلب، ومن طلب في جد وأخذ يحصل على هذا العلم يوماً بعد يوم حتى يعلم بدون هيهات هيهات.إذاً: من يفعل هذه الثلاث التي هي أصول هداية الخلق ابتغاء مرضاة الله، وطلباً لرضا الله؛ لينزله بجواره، لا من أجل قرابة ولا من أجل وطن ولا من أجل أي علة أخرى، وإنما فقط من أجل ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، فالله يعده ومن أصدق من الله وعداً وعهداً وحديثاً. فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، فإذا كان العظيم-الله-يستعظم الأجر فكم يكون هذا الأجر؟! كم تقدرونه؟! إن كوكبكم الأرضي هذا يعطى المؤمن في الجنة أكثر من دنيانا هذه بسبع أو ثمانِ أو عشر مرات، هذا الأجر العظيم هو الجنة دار السلام.والآن بعدما عرفنا زادنا الله معرفة أننا لا نتناجى بالسوء والشر والأذى أبداً، وخذوا قاعدة قعدناها لأبنائنا لو كانوا يعملون، فأقول لهم: اسمعوا! إن الكلام الذي لا أستطيع أن أقوله في المسجد النبوي بين الناس لا أقوله في المنزل؛ لأن الكلام الذي تتحاشى أن تقوله بين الناس معناه أنه غير مرضٍ لله تعالى، فتخفيه أنت وتقوله في بيتك، فهل يصح هذا؟ إن المؤمن ظاهره كباطنه، فلا يفكر إلا فيما هو معروف وخير، ولا ينطق إلا بما هو معروف وخير، ولا يتحرك حركة فيعمل إلا فيما هو خير ومعروف، فالمناجاة الخاصة في البيوت والمنازل-وقد شاعت بيننا-تكون ضد الحكومات، ضد الأحزاب والجماعات، ضد المناوئين والمناوئات، فهل المجتمع الإسلامي يكون هكذا؟! ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذه ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله )، ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، فكيف تسار فلاناً وفلاناً سراً على أن تفعلوا كذا وكذا، أو تجحدوا الخير عنهم وتغطوه وتخفوه بينكم ولا يطلع عليه إخوانكم؟! إن هذه المسالك ليست ربانية ولا إسلامية أبداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9].معاشر المستمعتين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من طلب وجد، فمن أراد أن يعلم علم، ومن أراد أن يعمل عمل ووفقه الله، فقط نقبل على ربنا في صدق، ونسأله هدايتنا وتوفيقنا لما يحبه ويرضاه.
تفسير قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى...)
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
حرمة مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين
قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115]، أي: ومن يشاقق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أين يوجد ضريحه؟ هنا، سبحان الله! لو كنا في الهند أو في أمريكا ونقول: أين ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نحن الآن في دياره والحمد لله، هذا الرسول المكرم المبجل المعظم، و(أل) هنا للتعظيم والتبجيل؛ لأن الرسول معروف، لا هو موسى ولا عيسى، (ومن يشاقِّ)، وفك الإدغام: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115] محمداً صلى الله عليه وسلم، كيف يشاقه؟ يتركه في شق وهو في شق، فلا يلتقيان ولا يتصافحان ولا يتعانقان، يقال: شاقه، أي: جعله في شق وهو في شق آخر، فلا تلاقي ولا مودة ولا حب ولا تعاون معه، فالرسول يدعو إلى كذا وهو يدعو إلى كذا، الرسول يأمر بكذا وكذا، وهو يأمر بعكس ذلك، فهذه هي المشاقة، وبالتالي فالذي يأمر بغير ما يأمر به رسول الله، والذي يدعو إلى غير ما يدعو إليه رسول الله، والذي يحب غير ما يحب رسول الله، والذي يكره غير الذي يكره رسول الله، فوالله لقد شاق الرسول مشاقة كاملة. وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115]، لابد من هذا الشرط، أي: من بعد ما عرف ما جاء به رسول الله وما يدعو إليه من الهدى والخير للبشرية، ولاحت أنواره وظهرت كراماته وأثره في البلد وفي البلاد والمجتمع، أما من كان جاهلاً ما عرف وما شاهد، فهذا له أمره، إذ نحن الآن مع من عرف ما يأمر به الرسول وما ينهى عنه وما يدعو إليه، ثم عاكسه من بعد ما تبين ولاح له وضوح النهار، وما يدعو إليه من الخير والحق والمعروف والهدى وإكمال البشرية وإسعادها، فقد شاق الرسول صلى الله عليه وسلم مشاقة كاملة، وهذا يدخل فيه مجموعات من اليهود ممن عرفوا أن محمداً رسول الله، كما قال عبد الله بن سلام: والله لا أشك في رسالة محمد ونبوته، وقد أشك في ولدي، فقد يكون ليس مني، أي: ممكن أن أمه قد خانتني، أما هو فصلى الله عليه وسلم فلا أشك فيه، وصدق الله إذ يقول: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، قال: نعرفه أكثر مما نعرف أبنائي؛ لما لاح من أنواع الهداية التي يقوم بها ويدعو إليها. مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115]، وهذا أولاً، وثانياً: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، أي: ويتبع غير طريق المؤمنين، هيا نبكي، ما هذه الفرقة؟ قال أهل العلم من كبار الصحابة والتابعين: إن هذه الآية دليل قطعي على الإجماع الإسلامي، فإذا أجمع علماء الأمة المحمدية في أي عصر من عصورها على شيء فإنه يحرم الخروج عنهما، ولا يحل لمؤمن أن يخرج عن ذلك الإجماع ويعيش منفرداً برأيه، وهكذا أهل القرية من قرانا الإسلامية العربية والعجمية، فيجب على أهل القرية أن يجتمعوا على إمامهم وواعظهم ومعلمهم ومربيهم ولا يختلفون أبداً، ومن خالف وانفرد وقع في هذه الورطة، واتبع غير سبيل المسلمين، وهذا إغلاق لكل نافذة أو فوة فضلاً عن باب يدعو إلى الفرقة بين المسلمين؛ لأن المسلمين يحملون راية الهدى، يحملون راية لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى البشرية كلها، فهل يقدرون على رفعها وهم متنازعون متحاربون مختلفون؟ والله ما يستطيعون، وانظر إليهم لما تمذهبوا مذاهب وطرائق سقطت الراية منهم واستعمرهم الغرب فأذلوهم، وعملوا على تمزيقنا وتشتيتنا وتفريقنا، وإن قلت: كيف؟! كم من مذاهب موجودة في المسلمين حتى مذاهب الحق الأربعة؟ والله ما ينبغي أن تكون، ولكن تباعد الديار، فكيف يعرفون؟ قالوا: لا بأس، وهذه المسائل التي جاءت عن إمام من أهل العلم، كـأبي حنيفة أو أحمد أو مالك نعمل بها بشرط واحد: إذا صح عند أحمد أو مالك أو الشافعي أو أبا حنيفة الحديث فلا يحل لمؤمن أن يقول: أنا حنفي، أو أنا مالكي، أو أنا حنبلي، أو أنا شافعي، إذ هذه مذاهب الحق الأربعة الواردة لمصادر الكتاب والسنة، فإذا بقينا في إقليم وأخذنا المذهب الفلاني نعمل به على أنه حق، لكن إذا جاءت السنة المبينة نقول: اسمحوا لنا نحن أحناف ما نعمل بهذا! والله ما يجوز هذا، أما المذاهب التي أعلنت خروجها عن جماعة المسلمين فلا تسأل عنها ولا نذكرها، إذ هي هالكة. سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، أي: أن الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل هو العمل بالقرآن العظيم والسنة النبوية المبينة المفصلة الشارحة لما جاء في كتاب الله عز وجل، فهذا هو سبيل المؤمنين، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، أي: وما أعطاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.وتلك الطوائف المتنوعة قد هبطت وتمزقت، وكان الواجب أن يراجعوا أمرهم ويعودوا إلى جماعة المسلمين، فلمَ يرضون بالاستقلاليات؟! هل يقولون: نحن كذا ونحن كذا؟!والمهم أن هذا وعيد إلهي: ومن يشاقق الرسول، ومعنى يشاقه: أي: ما يقبل قوله، فتأتيه السنة فيرفضها لا لشيء إلا لهوى أو شهوة أو مادة أو للحفاظ على مركز أو للإبقاء على منافع دنيوية. وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115]، ولاحت أنواره وعرف أن هذا هو الحق، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، أي: ما يمشي مع المؤمنين في طريقهم الموصل إلى رضا ربهم، وهو العمل بالكتاب والسنة، عقيدة وقولاً وفعلاً.
جزاء من شاق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين
قال تعالى: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]، أي: نتركه لما طلب، إلا إذا تاب وأناب فالله عز وجل يقبله، أما ما دام مصراً على الهوى وهذه الشهوة وهذا الباطل فيتركه لذلك، فنوله الآن في الدنيا ما تولاه، وهذه سنة الله عز وجل، وهذا نظام الأسباب، فإذا رغبت عن الله ورسوله، ورغبت عن جماعة المسلمين واخترت غيرهم، يتركك الله لهم، إلا عرفت الطريق ورجعت، وندمت وبكيت، فالله يقبلك مادمت حياً قبل الآخرة. نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]، أي: نتركه لما طلب، فلا ننزل عليه ملكاً يبين له أو يأخذه، بل نتركه لما طلبه من الخروج عن جماعة المسلمين، ولكن في الآخرة بعد الموت: وَنُصْلِهِ [النساء:115]، أي: نحرقه بجهنم، وساءت جهنم مصيراً يصير إليه الآدمي، فماذا تعرفون عن جهنم؟ يُسقى أهلها الحميم، ويصب على رءوسهم الحميم، فيصهر ما في بطونهم والجلود، وتعظَّم أجسامهم وتكبر حتى يكون عرض الإنسان مائة وخمسة وثلاثين كيلو متراً، وذلك كما بين أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( ما بين كتفي الكافر في النار كما بين مكة وقديد )، وضرسه ونابه والله كجبل أحد، وذلك ليخلد في عالم الشقاء بلا نهاية، وهذا والله أمر لا يطاق أبداً. وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، لو كانت الأعمار ما تنتهي نقول: متى هذا؟ لكننا نشاهد أنفسنا نقبض يومياً ونؤخذ من بين أهلنا وذوينا، فهل هناك من أثبت حياته وقال: لن أموت حتى لا نعذب؟ لا أحد، بل مادام أنه خلق ثم يميت ثم يحيي، ولا يميت بعد ذلك، فقال تعالى: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا [طه:74]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أولاً: عرفنا هذه الآداب الإسلامية، فلا يتناجى اثنان دون آخر حتى لا يؤذونه، وثانياً: إذا كنا نتناجى لواحدة من هذه الثلاثة: إما صدقة، وإما إصلاح بين اثنين، أو معروف ليفعله إخواننا، فقد أذن الله لنا في هذا، ثم بعد ذلك نعمل إن شاء الله على أن نكون من أهل هذه الصفات الثلاث، ممن يتصدقون أو يدعون إلى ذلك، ممن يأمرون بالمعروف ولا يفارقونه، ممن يصلحون بين إخوانهم حيثما وقع الشقاق أو الخلاف بين اثنين أو بين جماعة، فنعمل على إصلاحهم، وقد سمعتم جزاء الله عز وجل على ذلك فقال: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ألا وهو الجنة بعد رضا الله عز وجل، وعرفنا أيضاً أن المناجاة بالكلام المهلك الممزق المسيل للدماء، المفرق بين المسلمين، المفرق بين الرجل وزوجته، بين الأخ وأخيه، باطل وأهله في النار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9]، وليكن باطننا كظاهرنا، فالكلمة التي هي حق وخير ومعروف وأنها تنفع المسلمين، فلنقلها في السوق أو في المسجد أو في البيت، والكلمة التي نعلم أنها تحمل الأذى والضرر فلا نقولها حتى ولو كنا في أنفسنا لا نتكلم بها، ومن طلب وجد، ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، عرفت أنك لا تستطيع أن تقول الخير إذاً لا تتكلم، ولنذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، أي: إذا لم تستح من الله ولم تخفه فافعل كل شيء، فلابد من مراقبة الله عز وجل، فنعيش مع الله عند الأكل وعند الشرب، بل في كل أحوالنا نراقبه ونطلب رضاه، وبذلك نظفر إن شاء الله.أخيراً: إياكم والتحزب والتجمع، ففي أي بلد قل: أنا مسلم، ولا تقل: أنا حنفي ولا وطني، فمن سألك: من أنت يرحمك الله؟ فقل: أنا مسلم، مرني بأمر الله وانهني بنهي الله، مرني بأمر رسول الله وانهني بنهي رسول الله فأنا معك، أما حزب أو جماعة أو منظمة أو تكتل أو دولة أو إقليم، فإن هذا ممحوٌ عندنا معشر المؤمنين والمؤمنات، وذلك حتى لا نخرج عن جماعة المسلمين.وصلى الله على نبينا محمد.

ابوالوليد المسلم 03-05-2021 04:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (60)
الحلقة (283)

تفسير سورة النساء (64)


الشرك بالله هو الظلم العظيم، والله عز وجل لا يغفر لمن أشرك به، فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، فلا يقبل أن يشرك معه شيء في ألوهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، أما ما عدا ذلك من المعاصي والآثام التي تقع من العبد فإن الله عز وجل إن شاء آخذه بها وإن شاء تجاوز عنه ما دام أنه سالم من الشرك.
تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن الليلة مع آية فقط من كتاب الله عز وجل، مع مراجعتنا للآيتين اللتين درسناهما في الليلة الماضية، وآيتنا الليلة التي نتدارسها ونقرؤها ونتلوها ويحفظها الكثير منا، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].أبنائي العوام! إخواني العوام! هيا بنا نحفظ هذه الآية ونرجع بها إلى بيوتنا محفوظة، إذ هي أولاً: كلام الله، وثانياً: نصلي بها النافلة والفريضة طول حياتنا، وثالثاً: أنه بحفظنا إياها نكتنز كنزاً نورانياً في صدورنا حتى تلقى ربنا، وإذا فهمنا معناها وحفظناها فقد خطونا أكبر خطوة إلى ظلال العلم الوارف.فما المانع أن نحفظها؟ هيا نكررها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، قال علي بن أبي طالب صهر النبي وابن عمه رضي الله عنه كما جاء عند الترمذي في جامعه: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية. وسوف يتضح لكم سبب هذا الحب، وتعرفون مقام علي في العلم، إذ إنه بحر زاخر. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116]، أي: ما دون الشرك، لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، أتعرفون الضلال البعيد؟ لو أن رجلاً أراد أن يذهب إلى مكة، ومكة كما هو معلوم توجد جنوباً، فأخطأ ومشى شمالاً، ومشى أربعين يوماً في الشمال، فهل يستطيع أن يرجع إلى مكة؟ ما يستطيع، فقد نفد الزاد، وتعب وعيي، لكن لو مشى فقط كيلو أو اثنين أو ثلاثة، أو يوماً واحداً، فيمكن أن يرجع؛ لأن الضلال قريب، لكن إذا كان الضلال بعيداً، ووصل إلى أوروبا، فكيف يرجع؟ هلك، وهذا تفسير الضلال البعيد في كلام الله، فقد انتهى عمره وانتهت حياته.ومعنى هذا يا عبد الله! يا أمة الله! لا تتوغل في الشر والفساد والظلم والخبث والكفر، فإن التوغل في ذلك كالضلال البعيد، بخلاف من زنى أو سرق أو كذب أو ضرب أمه أو عق والده، ثم رجع فيمكنه أن يرجع، لكن إذا توغل في ذلك الظلم العام بعد العام، وما ترك جريمة إلا ارتكبها، فمثل هذا لن يعود، بل يطبع على قلبه، وتتغير طبيعته، ويفسد قلبه، ولا يصبح أبداً يؤمل أن يعود إلى الحق والخير، ولهذا فالقاعدة عند أهل الإسلام: أن التوبة تجب على الفور، ولا يجوز تأخيرها عاماً أو شهراً أو أياماً، فإذا وقعت يا عبد الله في معصية الله فأعلن عن توبتك وقل: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، يمحى ذلك الأثر ولا يمكن أن تعاوده، وإن عاودته مثلاً فأنت متهيئ للتوبة دائماً، فلا يجيء ختم ولا طبع على قلبك، أما إذا استمريت في هذه الجريمة يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، فلا يمكن أن ترجع. هل تريدون أن تعرفوا كيف تكون التوبة؟ كان هناك سوق المدينة لبيع التمر، فجاءت مؤمنة -زوجها في الجهاد-لتشتري شيئاً من التمر لها ولأولادها، فمرت بالبائع واشترت منه فرأى كفها، إذ لم يكن عندها قفاز، فأعمى الشيطان ذلك العبد فقبل كفها، فقالت له: أما تتقي الله؟ فما الذي حصل؟ والله العظيم خرج من مكانه ذاك وهو يصرخ، وينتف في شعره، ويرمي بالتراب على وجهه حتى وصل إلى أحد، ثم عاد من أحد كأنه فاقد عقله، ودخل على الرسول في صلاة المغرب، وأراد أن يتكلم مع أبي بكر فرفضه، ومع عمر كذلك، وانتظر حتى صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب بالمؤمنين وأخبره، فعرف الرسول توبته التي لا تعادلها توبة، فقال: ( هل صليت معنا المغرب؟ فقال: نعم، فقرأ عليه: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] )، أما أن يواصل العبد الجريمة بعد الأخرى فأنى له أن يتوب؟!واسمع إلى أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع نكتةً سوداء على قلبه، فإن تاب ونزع انمحت وذهب أثرها، فإن لم يتب وزاد ذنباً آخر إلى جنب الأولى وثالثة ورابعة يختم على قلبه، وذلكم الران الذي قال تعالى فيه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] )، وهؤلاء ما يستجيبون لنداء الحق ولا يقبلونه.معاشر المستمعين! حفظتم هذه الآية أو تعدونها رخيصة؟ والله لحفظها خير من خمسين ألف ريالاً، وليسمح لي ربي إذا ما أعطيتها حقها، والله لأن يحفظها مؤمن أو مؤمنة، ويصلي بها النوافل والفرائض ويذكرها دائماً وهي نور في قلبه؛ فتبعده عن ساحات الشرك والعياذ بالله، لكان ذلك خيراً له من الدنيا وما فيها.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء

النهي عن النجوى وبيان مواطن جوازها
يقول تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، والمناجاة هي الكلام السري في المخابئ أو في البيوت أو تحت أي شيء، فإذا لم تكن من هذه الثلاثة فهو باطل وصاحبه هالك والعياذ بالله، فلا بد أن تكون ظواهرنا كبواطننا، وقد قلت لكم يوم أمس: والله إن الكلام الذي لا أستطيع أن أقوله في المسجد لا أقوله في البيت، إذ كل ما فيه أذى فهو حرام، وكل ما فيه رضا الله فهو حلال، وقله وتبجح به، وما كان به سخط ربنا ويحمل أذية للمؤمنين والمؤمنات، فلا يحل أبداً أن تقوله لا في السر ولا في العلن. وفي حديث الأنبياء كلهم: ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، ونحن نستحي من الله أن نقول كلمة تغضبه، نستحي من الله أن نجحد كلمة جحودها يغضبه، وبالتالي فما كان حقاً وخيراً فقله في السر والعلن، وما كان شراً فلا تقله لا في السر ولا في العلن، وهذا نظام حياتنا معاشر المؤمنين. لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، والجزاء: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ألا وهو الجنة دار السلام، فأي أجر أعظم من الجنة؟! وهذا قد علمناه وعزمنا على أن نعمل به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وقال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10]، فيا إخواننا! تخلوا عن التحزب والتجمع والطائفية والكلام السري والتآمر على بعضكم وإخوانك، إذ هذا ليس من شأننا، فنحن أولياء الله عز وجل.
النهي عن مشاقة النبي صلى الله عليه وسلم
وبعد ذلك ماذا؟ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، وهذا الخبر صاحبه الله تعالى، وهو يحمل حكماً إلهياً لا ينقض، ومن هنا فإن أهل القرية وأهل المدينة وأهل الإقليم، ومن سكنوا في جبل أو في أي مكان من الأرض، إخوان متحابون متعاونون، لا يحل لك أن تقول كلمة تؤذي أحداً منهم، ومن هنا فلا حزبية ولا طائفية ولا وطنية أبداً، وإنما مسلمون أولياء الله تعالى، وهذا ممكن، فقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين سنة ولم يكن عنده تحزب عنده أبداً، وإنما مسلمون فقط، وولي الخلافة من بعده أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وفي أربعين سنة لم يكن هناك في المسلمين حزب كذا أو جماعة كذا.نعم خرج الخوارج على علي فقتلهم وقاتلهم، وهذه الآية بالذات أحبها علي؛ لأنها تغلق الباب في وجوه الخوارج الذين يكفرون المؤمنين بذنب من الذنوب، وما زالوا يتواجدون، فعندهم إذا ارتكب المؤمن كبيرة كزنا أو رباً أو عقوق الوالدين أو سرقة ومات بدون توبة فإنه يخلد في جهنم، فيكذبون على الله ورسوله وعلى شرع الله، مع أن هذه الآية الكريمة تقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، ولا خلاف في هذا، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك [النساء:116]، أي: دون الشرك، فكل المؤمنين والمؤمنات من مات منهم على كبيرة من كبائر الذنوب دون الكفر أو الشرك، فإنه تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار، أما أن نحكم بالخلود في النار لكل من أذنب، فهذا المذهب مذهب الخوارج وعلي قد قاتلهم وقتل منهم آلاف. وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115]، فهل فهمتم معنى مشاقة الرسول أو لا؟ الرسول يقول: ( إذا أكلت فقل: بسم الله )، وأنت تقول: لا نقول: بسم الله، الرسول يقول: ( إذا أكلت فكل بيمينك )، وأنت تقول: لا، فتأكل بشمالك، الرسول أوصى رجاله بأن يعفوا لحاهم، وأنت تقول: ما هذا؟! ولا تعفي لحيتك، أو لا تبقي مظاهر الرجولة فيك فقط، الرسول يأمر الناس بأن يصلوا في بيوت الله، وأنت تقول: لا، ثم تصلي وحدك، فهذه هي المشاقة للنبي صلى الله عليه وسلم.والشاهد عندنا في مشاقة الرسول كمعاداة الرسول، يقال: عادى فلان فلاناً، بمعنى: وقف في عدوة وذاك في عدوة أخرى، وعدوة الوادي، أي: جانبي الوادي، فهذه الجهة تسمى: عدوة، والأخرى: عدوة، وكذلك المشاقة، فهو في شق وأنت في شق، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء:115]، بمعنى: يقف بعيداً عنه، فلا يواليه لا في فريضة ولا نافلة ولا في شيء، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا [النساء:115]، عرف الحلال والحرام، الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والكفر، الصدق والكذب، ثم يفضل المشاقة والبعد عن الرسول، فيواصل جرائمه وأطماعه وهواه، فيموت والعياذ بالله على ذلك.

يتبع


الساعة الآن : 04:26 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 206.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 206.30 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]