ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194124)

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:35 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (161)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(85) الى الأية(93)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) أي: يتنزهون عن فعل الفاحشة. ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) .

(فَأَنْجَيْنَاه� � وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) أي: الباقين المعذبين، أمره اللّه أن يسري بأهله ليلا فإن العذاب مصبح قومه فسرى بهم، إلا امرأته أصابها ما أصابهم.

(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ) أي: حجارة حارة شديدة، من سجيل، وجعل اللّه عاليها سافلها، ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) الهلاك والخزي الدائم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (85 - 93) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg إلى آخر القصة .

أي: ( و ) أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين ( أَخَاهُمْ ) في النسب ( شُعَيْبًا ) يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، بالإكثار من عمل المعاصي، ولهذا قال: ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فإن ترك المعاصي امتثالا لأمر اللّه وتقربا إليه خير، وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار، وعذاب النار.
(وَلا تَقْعُدُوا ) للناس ( بِكُلِّ صِرَاطٍ ) أي: طريق من الطرق التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها و http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg تُوعِدُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg من سلكها ( وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) من أراد الاهتداء به http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: تبغون سبيل اللّه تكون معوجة، وتميلونها اتباعا لأهوائكم، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة، وتشنعون على من سلكها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاذْكُرُوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg نعمة اللّه عليكم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل، والصحة، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم باجتماعكم، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وهم الجمهور منهم. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فينصر المحق، ويوقع العقوبة على المبطل.

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:36 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (162)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(94) الى الأية(95)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ) وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم، فلما أتاهم الحق ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه واستكبروا عنه، فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين: ( لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) استعملوا قوتهم السبعية، في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا، وإنما راعوا واتبعوا أهواءهم وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد، فقالوا: إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا.
فـ ( شعيب ) عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في إيمانهم، والآن لم يسلم من شرهم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم - بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم.
فـ ( قَالَ ) لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم: ( أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) أي: أنتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يدعى إليها من له نوع رغبة فيها، أما من يعلن بالنهي عنها، والتشنيع على من اتبعها فكيف < 1-297 > يدعى إليها؟
(قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ) أي: اشهدوا علينا أننا إن عدنا إليها بعد ما نجانا اللّه منها وأنقذنا من شرها، أننا كاذبون مفترون على اللّه الكذب، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء ممن جعل للّه شريكا، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة، ولا شريكا في الملك.
(وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا ) أي: يمتنع على مثلنا أن نعود فيها، فإن هذا من المحال، فآيسهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوه متعددة، من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه فإنهم كاذبون.
ومنها: اعترافهم بمنة اللّه عليهم إذ أنقذهم اللّه منها.
ومنها: أن عودهم فيها - بعد ما هداهم اللّه - من المحالات، بالنظر إلى حالتهم الراهنة، وما في قلوبهم من تعظيم اللّه تعالى والاعتراف له بالعبودية، وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، وأن آلهة المشركين أبطل الباطل، وأمحل المحال.
وحيث إن اللّه منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل، والهدى والضلال.
وأما من حيث النظر إلى مشيئة اللّه وإرادته النافذة في خلقه، التي لا خروج لأحد عنها، ولو تواترت الأسباب وتوافقت القوى، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئا أو يتركونه، ولهذا استثنى ( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ( أي: فلا يمكننا ولا غيرنا، الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته، وقد http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) أي: اعتمدنا أنه سيثبتنا على الصراط المستقيم، وأن يعصمنا من جميع طرق الجحيم، فإن من توكل على اللّه، كفاه، ويسر له أمر دينه ودنياه.
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) أي: انصر المظلوم، وصاحب الحق، على الظالم المعاند للحق ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) وفتحه تعالى لعباده نوعان: فتح العلم، بتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ومن هو من المستقيمين على الصراط، ممن هو منحرف عنه.
والنوع الثاني: فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين، فسألوا اللّه أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل، وأن يريهم من آياته وعبره ما يكون فاصلا بين الفريقين.
(وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ) محذرين عن اتباع شعيب، ( لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) أي: الزلزلة الشديدة ( فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) أي: صرعى ميتين هامدين.
قال تعالى ناعيا حالهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، حين فاجأهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: ( لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) .
فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَقَالَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: أوصلتها إليكم، وبينتها حتى بلغت منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه، وخالطت أفئدتكم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَنَصَحْتُ لَكُمْ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فلم تقبلوا نصحي، ولا انقدتم لإرشادي، بل فسقتم وطغيتم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة، وأي: شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم؟.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ ) يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له: إلا ابتلاهم الله ( بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ) أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا ( لَعَلَّهُمْ ) إذا أصابتهم، أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق.
( ثُمَّ ) إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم.
( بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ) فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء ( حَتَّى عَفَوْا ) أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء. ( وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ) أي: هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة < 1-298 > يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح، ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير حتى إذا اغتبطوا، وفرحوا بما أوتوا، وكانت الدنيا، أسر ما كانت إليهم، أخذناهم بالعذاب ( بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم اللّه، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه.



ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:36 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (163)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارا، وبالسراء استدراجا ومكرا، ذكر أن أهل القرى، لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى اللّه تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم اللّه، لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة. ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .
( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ) أي: المكذبة، بقرينة السياق ( أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ) أي: عذابنا الشديد ( بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ) أي: في غفلتهم، وغرتهم وراحتهم.
( أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) أي: أي شيء يؤمنهم من ذلك، وهم قد فعلوا أسبابه، وارتكبوا من الجرائم العظيمة، ما يوجب بعضه الهلاك؟!
( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ) حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم، إن كيده متين، ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) فإن من أمن من عذاب اللّه، فهو http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.
بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد - ولو بلغت به الحال ما بلغت - فليس على يقين من السلامة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى منبها للأمم الغابرين بعد هلاك الأمم الغابرين ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) أي: أو لم يتبين ويتضح للأمم الذين ورثوا الأرض، بعد إهلاك من قبلهم بذنوبهم، ثم عملوا كأعمال أولئك المهلكين؟.
أو لم يهتدوا أن اللّه، لو شاء لأصابهم بذنوبهم، فإن هذه سنته في الأولين والآخرين.
وقوله: ( وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) أي: إذا نبههم اللّه فلم ينتبهوا، وذكرهم فلم يتذكروا، وهداهم بالآيات والعبر فلم يهتدوا، فإن اللّه تعالى يعاقبهم ويطبع على قلوبهم، فيعلوها الران والدنس، حتى يختم عليها، فلا يدخلها حق، ولا يصل إليها خير، ولا يسمعون ما ينفعهم، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم.
( تِلْكَ الْقُرَى ) الذين تقدم ذكرهم ( نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ) ما يحصل به عبرة للمعتبرين، وازدجار للظالمين، وموعظة للمتقين.
( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي: ولقد جاءت هؤلاء المكذبين رسلهم تدعوهم إلى ما فيه سعادتهم، وأيدهم اللّه بالمعجزات الظاهرة، والبينات المبينات للحق بيانا كاملا ولكنهم لم يفدهم هذا، ولا أغنى عنهم شيئا، ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) أي: بسبب تكذيبهم وردهم الحق أول مرة، ما كان الله ليهديهم < 1-299 > للإيمان، جزاء لهم على ردهم الحق، كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ) عقوبة منه. وما ظلمهم اللّه ولكنهم ظلموا أنفسهم.
( وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ) أي: وما وجدنا لأكثر الأمم الذين أرسل اللّه إليهم الرسل من عهد، أي: من ثبات والتزام لوصية اللّه التي أوصى بها جميع العالمين، ولا انقادوا لأوامره التي ساقها إليهم على ألسنة رسله.
( وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) أي: خارجين عن طاعة اللّه، متبعين لأهوائهم بغير هدى من اللّه، فاللّه تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمرهم باتباع عهده وهداه، فلم يمتثل لأمره إلا القليل من الناس، الذين سبقت لهم من اللّه سابقة السعادة.
وأما أكثر الخلق فأعرضوا عن الهدى، واستكبروا عما جاءت به الرسل، فأحل اللّه بهم من عقوباته المتنوعة ما أحل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ (103 - 171) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg إلى آخر قصته http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg .

أي: ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى الكليم، الإمام العظيم، والرسول الكريم، إلى قوم عتاة جبابرة، وهم فرعون وملؤه، من أشرافهم وكبرائهم، فأراهم من آيات اللّه العظيمة ما لم يشاهد له نظير http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَظَلَمُوا بِهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg بأن لم ينقادوا لحقها الذي من لم ينقد له فهو ظالم، بل استكبروا عنها. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg كيف أهلكهم اللّه، وأتبعهم الذم واللعنة في الدنيا ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود، وهذا مجمل فصله بقوله:

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَقَالَ مُوسَى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg حين جاء إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: إني رسول من مرسل عظيم، وهو رب العالمين، الشامل للعالم العلوي والسفلي، مربي جميع خلقه بأنواع التدابير الإلهية، التي من جملتها أنه لا يتركهم سدى، بل يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، وهو الذي لا يقدر أحد أن يتجرأ عليه، ويدعي أنه أرسله ولم يرسله.

فإذا كان هذا شأنه، وأنا قد اختارني واصطفاني لرسالته، فحقيق علي أن لا أكذب عليه، ولا أقول عليه إلا الحق. فإني لو قلت غير ذلك لعاجلني بالعقوبة، وأخذني أخذ عزيز مقتدر.
فهذا موجب لأن ينقادوا له ويتبعوه، خصوصا وقد جاءهم ببينة من اللّه واضحة على صحة ما جاء به من الحق، فوجب عليهم أن يعملوا بمقصود رسالته، ولها مقصودان عظيمان. إيمانهم به، واتباعهم له، وإرسال بني إسرائيل الشعب الذي فضله اللّه على العالمين، أولاد الأنبياء، وسلسلة يعقوب عليه السلام، الذي موسى عليه الصلاة والسلام واحد منهم.

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (164)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية


فقال له فرعون: ( إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .
(فَأَلْقَى ) موسى ( عَصَاهُ ) في الأرض ( فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ) أي: حية ظاهرة تسعى، وهم يشاهدونها.
(وَنَزَعَ يَدَهُ ) من جيبه ( فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ) من غير سوء، فهاتان آيتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه، وأنه رسول رب العالمين، ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
فلهذا ( قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ) حين بهرهم ما رأوا من الآيات، ولم يؤمنوا، وطلبوا لها التأويلات الفاسدة: ( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) أي: ماهر في سحره.
ثم خوفوا ضعفاء الأحلام وسفهاء العقول، بأنه ( يُرِيدُ ) موسى بفعله هذا ) أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ) أي: يريد أن يجليكم عن أوطانكم ( فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) أي: إنهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى، وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم، فإن ما جاء به إن لم يقابل بما يبطله ويدحضه، وإلا دخل في عقول أكثر الناس.
فحينئذ انعقد رأيهم إلى أن قالوا لفرعون: ( أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ) أي: احبسهما وأمهلهما، وابعث في المدائن أناسا يحشرون أهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم، أي: يجيئون بالسحرة المهرة، ليقابلوا ما جاء به موسى، فقالوا: يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى.
(قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ) .
وقال هنا: ( وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ ) طالبين منه الجزاء إن غلبوا فـ ( قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ) ؟
فـ ( قَالَ ) فرعون: ( نَعَمْ ) لكم أجر ( وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) فوعدهم الأجر والتقريب، وعلو المنزلة عنده، ليجتهدوا ويبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى.
فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم ( قَالُوا ) على وجه التألي وعدم < 1-300 > المبالاة بما جاء به موسى: ( يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ) ما معك ( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ) .
فـ ( قَالَ ) موسى: ( أَلْقُوا ) لأجل أن يرى الناس ما معهم وما مع موسى.
(فَلَمَّا أَلْقَوْا ) حبالهم وعصيهم، إذا هي من سحرهم كأنها حيات تسعى، فـ ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوه ُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) لم يوجد له نظير من السحر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فَأَلْقَاهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَإِذَا هِيَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg حية تسعى، فـ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg تَلْقَفُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg جميع http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg مَا يَأْفِكُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يكذبون به ويموهون.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَوَقَعَ الْحَقُّ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: تبين وظهر، واستعلن في ذلك المجمع، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَغُلِبُوا هُنَالِكَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: في ذلك المقام http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: حقيرين قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله.

وأعظم من تبين له الحق العظيم أهل الصنف والسحر، الذين يعرفون من أنواع السحر وجزئياته، ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات اللّه لا يدان لأحد بها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (165)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) أي: وصدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات.
فـ ( قَالَ ) لَهُمْ ( فِرْعَوْنُ ) متهددا على الإيمان: ( آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) كان الخبيث حاكما مستبدا على الأبدان والأقوال، قد تقرر عنده وعندهم أن قوله هو المطاع، وأمره نافذ فيهم، ولا خروج لأحد عن قوله وحكمه، وبهذه الحالة تنحط الأمم وتضعف عقولها ونفوذها، وتعجز عن المدافعة عن حقوقها، ولهذا قال اللّه عنه: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) وقال هنا: ( آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) أي: فهذا سوء أدب منكم وتجرؤ عَليَّ. ثم موه على قومه وقال: ( إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ) أي: إن موسى كبيركم الذي علمكم السحر، فتواطأتم أنتم وهو على أن تنغلبوا له، فيظهر فتتبعوه، ثم يتبعكم الناس أو جمهورهم فتخرجوا منها أهلها.
وهذا كذب يعلم هو ومن سبر الأحوال، أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع بأحد منهم، وأنهم جمعوا على نظر فرعون ورسله، وأن ما جاء به موسى آية إلهية، وأن السحرة قد بذلوا مجهودهم في مغالبة موسى، حتى عجزوا، وتبين لهم الحق، فاتبعوه.
ثم توعدهم فرعون بقوله: ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ما أحل بكم من العقوبة.
(لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) زعم الخبيث أنهم مفسدون في الأرض، وسيصنع بهم ما يصنع بالمفسدين، من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أي: اليد اليمنى والرجل اليسرى.
(ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُ مْ ) في جذوع النخل، لتختزوا بزعمه ( أَجْمَعِينَ ) أي: لا أفعل هذا الفعل بأحد دون أحد، بل كلكم سيذوق هذا العذاب.
فقال السحرة، الذين آمنوا لفرعون حين تهددهم: ( إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ) أي: فلا نبالي بعقوبتك، فاللّه خير وأبقى، فاقض ما أنت قاض.
(وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا ) أي: وما تعيب منا على إنكارك علينا وتوعدك لنا؟ فليس لنا ذنب ( إِلا أَنْ آمَنَّا ) بـ[آيَاتِ] ربنا [لما جاءتنا] فإن كان هذا ذنبا يعاب عليه، ويستحق صاحبه العقوبة، فهو ذنبنا.
ثم دعوا اللّه أن يثبتهم ويصبرهم فقالوا: ( رَبَّنَا أَفْرِغْ ) أي: أفض ( عَلَيْنَا صَبْرًا ) أي: عظيما، كما يدل عليه التنكير، لأن هذه محنة عظيمة، تؤدي إلى ذهاب النفس، فيحتاج فيها من الصبر إلى شيء كثير، ليثبت الفؤاد، ويطمئن المؤمن على إيمانه، ويزول عنه الانزعاج الكثير.
(وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) أي: منقادين لأمرك، متبعين لرسولك، والظاهر أنه أوقع بهم ما توعدهم عليه، وأن اللّه تعالى ثبتهم على الإيمان.
هذا وفرعون وملؤه وعامتهم المتبعون للملأ قد استكبروا عن آيات اللّه، وجحدوا بها ظلما وعلوا، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى، وزاعمين أن ما جاء باطل وفساد: ) أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ) بالدعوة إلى اللّه، وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، التي هي الصلاح في الأرض، وما هم عليه هو الفساد، ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون.
(وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) أي: يدعك أنت وآلهتك، وينهى عنك، ويصد الناس عن اتباعك.
فـ ( قَالَ ) فرعون مجيبا لهم، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها، ويأمن http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg فرعون وقومه - بزعمه - من ضررهم: ( سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ) أي: نستبقيهن فلا نقتلهن، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم، وكنا مستخدمين لباقيهم، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال ( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ) لا خروج لهم عن حكمنا، ولا قدرة، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة.
فـ ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ) موصيا لهم في هذه الحالة، - التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة - بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: ( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ ) أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا باللّه ، أنه سيتم أمركم ( وَاصْبِرُوا ) أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج.
(إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ ) ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها ( يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) < 1-301 > أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، ( وَالْعَاقِبَةُ ) الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَالُوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون، وأذيته: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فإنهم يسوموننا سوء العذاب، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg كذلك فـ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَالَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg لهم موسى مرجيا [لهم] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg الفرج والخلاص من شرهم: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَك ُمْ فِي الأَرْضِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يمكنكم فيها، ويجعل لكم التدبير فيها http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg هل تشكرون أم تكفرون؟. وهذا وعد أنجزه اللّه لما جاء الوقت الذي أراده اللّه.

قال اللّه تعالى في بيان ما عامل به آل فرعون في هذه المدة الأخيرة، أنها على عادته وسنته في الأمم، أن يأخذهم بالبأساء والضراء، لعلهم يضرعون. الآيات: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: بالدهور والجدب، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يتعظون أن ما حل بهم وأصابهم معاتبة من اللّه لهم، لعلهم يرجعون عن كفرهم، فلم ينجع فيهم ولا أفاد، بل استمروا على الظلم والفساد.

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:38 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (166)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية


(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ ) أي: الخصب وإدرار الرزق ( قَالُوا لَنَا هَذِهِ ) أي: نحن مستحقون لها، فلم يشكروا اللّه عليها ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) أي: قحط وجدب ( يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ) أي: يقولوا: إنما جاءنا بسبب مجيء موسى، واتباع بني إسرائيل له.
قال اللّه تعالى: ( أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ) أي: بقضائه وقدرته، ليس كما قالوا، بل إن ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك، بل ( أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي: فلذلك قالوا ما قالوا.
(وَقَالُوا ) مبينين لموسى أنهم لا يزالون، ولا يزولون عن باطلهم: ( مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ) أي: قد تقرر عندنا أنك ساحر، فمهما جئت بآية، جزمنا أنها سحر، فلا نؤمن لك ولا نصدق، وهذا غاية ما يكون من العناد، أن يبلغ بالكافرين إلى أن تستوي عندهم الحالات، سواء نزلت عليهم الآيات أم لم تنزل.
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ) أي: الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم، وأضر بهم ضررا كثيرا ( وَالْجَرَادَ ) فأكل ثمارهم وزروعهم، ونباتهم ( وَالْقُمَّلَ ) قيل: إنه الدباء، أي: صغار الجراد، والظاهر أنه القمل المعروف ( وَالضَّفَادِعَ ) فملأت أوعيتهم، وأقلقتهم، وآذتهم أذية شديدة ( وَالدَّمَ ) إما أن يكون الرعاف، أو كما قال كثير من المفسرين، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما، فكانوا لا يشربون إلا دما، ولا يطبخون إلا بدم.
(آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ ) أي: أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين، وعلى أن ما جاء به موسى، حق وصدق ( فَاسْتَكْبَرُوا ( لما رأوا الآيات ( وَكَانُوا ) في سابق أمرهم ( قَوْمًا مُجْرِمِينَ ) فلذلك عاقبهم اللّه تعالى، بأن أبقاهم على الغي والضلال.
(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ) أي: العذاب، يحتمل أن المراد به: الطاعون، كما قاله كثير من المفسرين، ويحتمل أن يراد به ما تقدم من الآيات: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فإنها رجز وعذاب، وأنهم كلما أصابهم واحد منها ( قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ) أي: تشفعوا بموسى بما عهد اللّه عنده من الوحي والشرع، ( لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) وهم في ذلك كذبة، لا قصد لهم إلا زوال ما حل بهم من العذاب، وظنوا إذا رفع لا يصيبهم غيره.
(فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ ) أي: إلى مدة قدر اللّه بقاءهم إليها، وليس كشفا مؤبدا، وإنما هو مؤقت، ( إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ) العهد الذي عاهدوا عليه موسى، ووعدوه بالإيمان به، وإرسال بني إسرائيل، فلا آمنوا به ولا أرسلوا معه بني إسرائيل، بل استمروا على كفرهم يعمهون، وعلى تعذيب بني إسرائيل دائبين.
(فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) أي: حين جاء الوقت المؤقت لهلاكهم، أمر اللّه موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلا وأخبره أن فرعون سيتبعهم هو وجنوده http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg يجمعون الناس ليتبعوا بني إسرائيل، وقالوا لهم: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُ مْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَ ا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .
وقال هنا: ( فَأَغْرَقْنَاهُ مْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) أي: بسبب تكذيبهم بآيات اللّه وإعراضهم عما دلت عليه من الحق.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg في الأرض، أي: بني إسرائيل الذين كانوا خدمة لآل < 1-302 > فرعون، يسومونهم سوء العذاب أورثهم اللّه http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg والمراد بالأرض هاهنا، أرض مصر، التي كانوا فيها مستضعفين، أذلين، أي: ملكهم اللّه جميعا، ومكنهم فيها الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg حين قال لهم موسى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg من الأبنية الهائلة، والمساكن المزخرفة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg ، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:38 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (167)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية


(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) بعد ما أنجاهم اللّه من عدوهم فرعون وقومه، وأهلكهم اللّه، وبنو إسرائيل ينظرون.

(فَأَتَوْا ) أي: مروا ( عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ) أي: يقيمون عندها ويتبركون بها، ويعبدونها.
فـ ( قَالُوا ) من جهلهم وسفههم لنبيهم موسى بعدما أراهم الله من الآيات ما أراهم ( يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) أي: اشرع لنا أن نتخذ أصناما آلهة كما اتخذها هؤلاء.
فـ ( قَالَ ) لهم موسى: ( إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) وأي جهل أعظم من جهل من جهل ربه وخالقه وأراد أن يسوي به غيره، ممن لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؟
ولهذا قال لهم موسى ( إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) لأن دعاءهم إياها باطل، وهي باطلة بنفسها، فالعمل باطل وغايته باطلة.
(قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا ) أي: أأطلب لكم إلها غير اللّه المألوه، الكامل في ذاته، وصفاته وأفعاله. ( وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) فيقتضي أن تقابلوا فضله، وتفضيله بالشكر، وذلك بإفراده وحده بالعبادة، والكفر بما يدعي من دونه.
ثم ذكرهم بما امتن اللّه به عليهم فقال: ( وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) أي: من فرعون وآله ( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) أي: يوجهون إليكم من العذاب أسوأه، وهو أنهم كانوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ ) النجاة من عذابهم ( بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) أي: نعمة جليلة، ومنحة جزيلة، أو: وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلاء من ربكم عليكم عظيم، فلما ذكرهم موسى ووعظهم انتهوا عن ذلك.
ولما أتم اللّه نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد اللّه، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها.
ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته: ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) أي: كن خليفتي فيهم، واعمل فيهم بما كنت أعمل، ( وَأَصْلِحْ ) أي: اتبع طريق الصلاح ( وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) وهم الذين يعملون بالمعاصي.
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا ) الذي وقتناه له لإنزال الكتاب ( وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) بما كلمه من وحيه وأمره ونهيه، تشوق إلى رؤية اللّه، ونزعت نفسه لذلك، حبا لربه ومودة لرؤيته.
فـ ( قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ ) اللَّهِ ( لَنْ تَرَانِي ) أي: لن تقدر الآن على رؤيتي، فإن اللّه تبارك وتعالى أنشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها، ولا يثبتون لرؤية اللّه، وليس في هذا دليل على أنهم لا يرونه في الجنة، فإنه قد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وأنه ينشئهم نشأة كاملة، يقدرون معها على رؤية اللّه تعالى، ولهذا رتب اللّه الرؤية في هذه الآية على ثبوت الجبل، فقال - مقنعا لموسى في عدم إجابته للرؤية - ( وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ) إذا تجلى اللّه له ( فَسَوْفَ تَرَانِي ) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg الأصم الغليظ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg جَعَلَهُ دَكًّا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: انهال مثل الرمل، انزعاجا من رؤية اللّه وعدم ثبوته لها http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَخَرَّ مُوسَى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg حين رأى ما رأى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg صَعِقًا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فتبين له حينئذ أنه إذا لم يثبت الجبل لرؤية اللّه، فموسى أولى أن لا يثبت لذلك، واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال، الذي لم يوافق موضعا و[لذلك] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَالَ سُبْحَانَكَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: تنزيها لك، وتعظيما عما لا يليق بجلالك http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg تُبْتُ إِلَيْكَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg من جميع الذنوب، وسوء الأدب معك http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: جدد عليه الصلاة والسلام إيمانه، بما كمل اللّه له مما كان يجهله قبل ذلك، فلما منعه اللّه من رؤيته - بعدما ما كان متشوقا إليها - أعطاه خيرا كثيرا فقال:

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:38 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (168)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ) أي: اخترتك واجتبيتك وفضلتك < 1-303 > وخصصتك بفضائل عظيمة، ومناقب جليلة، ( بِرِسَالاتِي ) التي لا أجعلها، ولا أخص بها إلا أفضل الخلق.

(وَبِكَلامِي ) إياك من غير واسطة، وهذه فضيلة اختص بها موسى الكليم، وعرف بها من بين إخوانه من المرسلين، ( فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ ) من النعم، وخذ ما آتيتك من الأمر والنهي بانشراح صدر، وتلقه بالقبول والانقياد، ( وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لله على ما خصك وفضلك.
(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) يحتاج إليه العباد ( مَوْعِظَةً ) ترغب النفوس في أفعال الخير، وترهبهم من أفعال الشر، ( وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ ) من الأحكام الشرعية، والعقائد والأخلاق والآداب ( فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) أي: بجد واجتهاد على إقامتها، ( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) وهي الأوامر الواجبة والمستحبة، فإنها أحسنها، وفي هذا دليل على أن أوامر اللّه - في كل شريعة - كاملة عادلة حسنة.
(سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) بعد ما أهلكهم اللّه، وأبقى ديارهم عبرة بعدهم، يعتبر بها المؤمنون الموفقون المتواضعون.
وأما غيرهم، فقال عنهم: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ ) أي: عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية، والفهم لآيات الكتاب ( الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي: يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح.
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا ) لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم للّه ورسوله، ( وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ) أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته ( لا يَتَّخِذُوهُ ) أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه ( وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ ) أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء ( يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ) والسبب في انحرافهم هذا الانحراف http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فردهم لآيات اللّه، وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg العظيمة الدالة على صحة ما أرسلنا به رسلنا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg لأنها على غير أساس، وقد فقد شرطها وهو الإيمان بآيات اللّه، والتصديق بجزائه http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg هَلْ يُجْزَوْنَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg في بطلان أعمالهم وحصول ضد مقصودهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فإن أعمال من لا يؤمن باليوم الآخر، لا يرجو فيها ثوابا، وليس لها غاية تنتهي إليه، فلذلك اضمحلت وبطلت.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَهُ خُوَارٌ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وصوت، فعبدوه واتخذوه إلها.
وقال http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg موسى، وذهب يطلبه، وهذا من سفههم، وقلة بصيرتهم، كيف اشتبه عليهم رب الأرض والسماوات، بعجل من أنقص المخلوقات؟"
ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية، ما يوجب أن يكون إلها ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ ) أي: وعدم الكلام نقص عظيم، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد، الذي لا يتكلم ( وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا ) أي: لا يدلهم طريقا دينيا، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية، لأن من المتقرر في العقول والفطر، أن اتخاذ إله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من أبطل الباطل، وأسمج السفه، ولهذا قال: ( اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ) حيث وضعوا العبادة في غير موضعها، وأشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا، وفيها دليل على أن من أنكر كلام اللّه، فقد أنكر خصائص إلهية اللّه تعالى، لأن اللّه ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية.

(وَلَمَّا ) رجع موسى إلى قومه، فوجدهم على هذه الحال، وأخبرهم بضلالهم ندموا و ( سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) أي: من الهم والندم على فعلهم، ( وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا ) فتنصلوا، إلى اللّه وتضرعوا و ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ) فيدلنا عليه، ويرزقنا عبادته، ويوفقنا لصالح الأعمال، ( وَيَغْفِرْ لَنَا ) ما صدر منا من عبادة العجل ( لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الذين خسروا الدنيا والآخرة.

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:39 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (169)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ) أي: ممتلئا غضبا وغيظا عليهم، لتمام غيرته عليه الصلاة السلام، وكمال نصحه وشفقته، ) قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ( أي: بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي.

(أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ) حيث وعدكم بإنزال الكتاب. فبادرتم - برأيكم الفاسد - إلى هذه الخصلة القبيحة ( وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ ) أي: رماها من الغضب ( وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ ) هارون ولحيته ( يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ) وقال له: ( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) لك بقولي: ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) فـ ( قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) < 1-304 > و ( قَالَ ) هنا ( ابْنَ أُمَّ ) هذا ترقيق لأخيه، بذكر الأم وحدها، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه: ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي ) أي: احتقروني حين قلت لهم: ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) ( وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) أي: فلا تظن بي تقصيرا ( فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ ) بنهرك لي، ومسك إياي بسوء، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة، أو يطلعوا لي على زلة ( وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فتعاملني معاملتهم.

فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه بأخيه قبل أن يعلم براءته، مما ظنه فيه من التقصير.
و ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي ) هارون ( وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ) أي: في وسطها، واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب، فإنها حصن حصين، من جميع الشرور، وثم كل خير وسرور.
(وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) أي: أرحم بنا من كل راحم، أرحم بنا من آبائنا، وأمهاتنا وأولادنا وأنفسنا.
قال اللّه تعالى مبينا حال أهل العجل الذين عبدوه: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ ) أي: إلها ( سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) كما أغضبوا ربهم واستهانوا بأمره.
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) فكل مفتر على اللّه، كاذب على شرعه، متقول عليه ما لم يقل، فإن له نصيبا من الغضب من اللّه، والذل في الحياة الدنيا، وقد نالهم غضب اللّه، حيث أمرهم أن يقتلوا أنفسهم، وأنه لا يرضى اللّه عنهم إلا بذلك، فقتل بعضهم بعضا، وانجلت المعركة عن كثير من القتلى ثم تاب اللّه عليهم بعد ذلك.
ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه هم وغيرهم، فقال: ( وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ) من شرك وكبائر، وصغائر ( ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا ) بأن ندموا على ما مضى، وأقلعوا عنها، وعزموا على أن لا يعودوا ( وَآمَنُوا ) باللّه وبما أوجب اللّه من الإيمان به، ولا يتم الإيمان إلا بأعمال القلوب، وأعمال الجوارح المترتبة على الإيمان ( إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) أي: بعد هذه الحالة، حالة التوبة من السيئات والرجوع إلى الطاعات، ( لَغَفُورٌ ) يغفر السيئات ويمحوها، ولو كانت قراب الأرض ( رَحِيمٌ ) بقبول التوبة، والتوفيق لأفعال الخير وقبولها.
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ) أي: سكن غضبه، وتراجعت نفسه، وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده، فـ ( أَخَذَ الأَلْوَاحَ ) التي ألقاها، وهي ألواح عظيمة المقدار، جليلة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَفِي نُسْخَتِهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: مشتملة ومتضمنة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg هُدًى وَرَحْمَةٌ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: فيها الهدى من الضلالة، وبيان الحق من الباطل، وأعمال الخير وأعمال الشر، والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب، ورحمة وسعادة لمن عمل بها، وعلم أحكامها ومعانيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى اللّه ورحمته، وإنما يقبل ذلك وينقاد له، ويتلقاه بالقبول الذين [هم] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يخافون منه ويخشونه، وأما من لم يخف اللّه ولا المقام بين يديه، فإنه لا يزداد بها إلا عتوا ونفورا وتقوم عليه حجة اللّه فيها.
( و ) لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم ( اخْتَارَ مُوسَى ) منهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg سَبْعِينَ رَجُلا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg من خيارهم، ليعتذروا لقومهم عند ربهم، ووعدهم اللّه ميقاتا يحضرون فيه، فلما حضروه، قالوا: يا موسى، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فتجرأوا على اللّه جراءة كبيرة، وأساءوا الأدب معه، فـ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فصعقوا وهلكوا.
فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام، يتضرع إلى اللّه ويتبتل ويقول http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أن يحضروا ويكونون في حالة يعتذرون فيها لقومهم، فصاروا هم الظالمين http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: ضعفاء العقول، سفهاء الأحلام، فتضرع إلى اللّه واعتذر بأن المتجرئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة، تردعهم عما قالوا وفعلوا، وبأنهم حصل لهم فتنة يخطر بها الإنسان، ويخاف من ذهاب دينه فقال: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: أنت خير من غفر، وأولى من رحم، وأكرم من أعطى وتفضل، فكأن موسى عليه الصلاة والسلام، قال: المقصود يا رب بالقصد الأول لنا كلنا، هو التزام طاعتك والإيمان بك، وأن من حضره عقله ورشده، وتم على ما وهبته من التوفيق، فإنه لم يزل مستقيما، وأما من ضعف عقله، وسفه رأيه، وصرفته الفتنة، فهو الذي فعل ما فعل، لذينك السببين، ومع هذا فأنت أرحم الراحمين، وخير الغافرين، فاغفر لنا وارحمنا.

فأجاب اللّه سؤاله، وأحياهم من بعد موتهم، وغفر لهم < 1-305 > ذنوبهم.

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 02:39 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (170)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية


وقال موسى في تمام دعائه ( وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ) من علم نافع، ورزق واسع، وعمل صالح.

(وَفِي الآخِرَةِ ) :حسنة وهي ما أعد اللّه لأوليائه الصالحين من الثواب.
(إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) أي: رجعنا مقرين بتقصيرنا، منيبين في جميع أمورنا.
(قَالَ ) اللّه تعالى ( عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ) ممن كان شقيا، متعرضا لأسبابه، ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) من العالم العلوي والسفلي، البر والفاجر، المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة اللّه، وغمره فضله وإحسانه، ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة، ليست لكل أحد، ولهذا قال عنها: ( فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) المعاصي، صغارها وكبارها.
(وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) الواجبة مستحقيها ( وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) ومن تمام الإيمان بآيات اللّه معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أصول الدين وفروعه.

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ) احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب.
(الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ) باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه . وأنه ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه.
(وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وهو: كل ما عرف قبحه في العقول والفطر.
فيأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك.
فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه ( يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ) من المطاعم والمشارب، والمناكح.
(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال.
(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) أي: ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ) أي: عظموه وبجلوه ( وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ) وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات، ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح.
وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي، ويعزره، وينصره، ولم يتبع النور الذي أنزل معه، فأولئك هم الخاسرون.
ولما دعا أهل التوراة من بني إسرائيل، إلى اتباعه، وكان ربما توهم متوهم، أن الحكم مقصور عليهم، أتى بما يدل على العموم فقال:
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) أي: عربيكم، وعجميكم، أهل الكتاب منكم، وغيرهم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg يتصرف فيهما بأحكامه الكونية والتدابير السلطانية، وبأحكامه الشرعية الدينية التي من جملتها: أن أرسل إليكم رسولا عظيما يدعوكم إلى اللّه وإلى دار كرامته، ويحذركم من كل ما يباعدكم منه، ومن دار كرامته.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لا إِلَهَ إِلا هُوَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: لا معبود بحق، إلا اللّه وحده لا شريك له، ولا تعرف عبادته إلا من طريق رسله، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يُحْيِي وَيُمِيتُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: من جملة تدابيره: الإحياء والإماتة، التي لا يشاركه فيها أحد، الذي جعل الموت جسرا ومعبرا يعبر منه إلى دار البقاء، التي من آمن بها صدق الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قطعا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg إيمانا في القلب، متضمنا لأعمال القلوب والجوارح. http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: آمنوا بهذا الرسول المستقيم في عقائده وأعماله، http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg في مصالحكم الدينية والدنيوية، فإنكم إذا لم تتبعوه ضللتم ضلالا بعيدا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ (159) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: جماعة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم، بقضاياهم، كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسلام، وأن اللّه تعالى < 1-306 > جعل منهم هداة يهدون بأمره.
وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.




ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:06 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (171)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

(وَقَطَّعْنَاهُم ُ (160) ) أي: قسمناهم ( اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ) أي: اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة، كل بني رجل من أولاد يعقوب قبيلة.

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ ) أي: طلبوا منه أن يدعو اللّه تعالى، أن يسقيهم ماء يشربون منه وتشرب منه مواشيهم، وذلك لأنهم - واللّه أعلم - في محل قليل الماء.
فأوحى اللّه لموسى إجابة لطلبتهم ( أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ) يحتمل أنه حجر معين، ويحتمل أنه اسم جنس، يشمل أي حجر كان، فضربه ( فَانْبَجَسَتْ ) أي: انفجرت من ذلك الحجر ( اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) جارية سارحة.
(قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ) أي: قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة، وجعل لكل منهم عينا، فعلموها، واطمأنوا، واستراحوا من التعب والمزاحمة، والمخاصمة، وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم.
(وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ ) فكان يسترهم من حر الشمس ( وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ ) وهو الحلوى، ( وَالسَّلْوَى ) وهو لحم طير من أنواع الطيور وألذها، فجمع اللّه لهم بين الظلال، والشراب، والطعام الطيب، من الحلوى واللحوم، على وجه الراحة والطمأنينة.

وقيل لهم: ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ) حين لم يشكروا اللّه، ولم يقوموا بما أوجب اللّه عليهم.
(وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) حيث فوتوها كل خير، وعرضوها للشر والنقمة، وهذا كان مدة لبثهم في التيه.
(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ (161) ) أي: ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا، وهي (إيلياء) ( وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) أي: قرية كانت كثيرة الأشجار، غزيرة الثمار، رغيدة العيش، فلذلك أمرهم اللّه أن يأكلوا منها حيث شاءوا.

(وَقُولُوا ) حين تدخلون الباب: ( حِطَّةٌ ) أي: احطط عنا خطايانا، واعف عنا.
(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) أي: خاضعين لربكم مستكينين لعزته، شاكرين لنعمته، فأمرهم بالخضوع، وسؤال المغفرة، ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال: ( نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) من خير الدنيا والآخرة، فلم يمتثلوا هذا الأمر الإلهي، بل ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) أي: عصوا اللّه واستهانوا بأمره ( قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) فقالوا بدل طلب المغفرة، وقولهم: ( حِطَّةٌ ) (حبة في شعيرة)، وإذا بدلوا القول - مع يسره وسهولته - فتبديلهم للفعل من باب أولى، ولهذا دخلوا وهم يزحفون على أستاههم.
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ) حين خالفوا أمر اللّه وعصوه ( رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ ) أي: عذابا شديدا، إما الطاعون وإما غيره من العقوبات السماوية.
وما ظلمهم اللّه بعقابه وإنما كان ذلك http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: يخرجون من طاعة الله إلى معصيته، من غير ضرورة ألجأتهم ولا داع دعاهم سوى الخبث والشر الذي كان كامنا في نفوسهم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاسْأَلْهُمْ (163) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: اسأل بني إسرائيل http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب اللّه إياهم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وكان اللّه تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم اللّه وامتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: كثيرة طافية على وجه البحر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: إذا ذهب يوم السبت http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لا تَأْتِيهِمْ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg اللّه، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم اللّه، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق:

(164) معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك.

وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم.




ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:07 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (172)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(96) الى الأية(171)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) كأنهم يقولون: لا فائدة في < 1-307 > وعظ من اقتحم محارم اللّه، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم اللّه، إما بهلاك أو عذاب شديد.

فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) أي: لنعذر فيهم.
(وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم.
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل اللّه أن يهديه، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر، والنهي.
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي: تركوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم.
(أَنْجَيْنَا ) من العذاب ( الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ) وهكذا سنة اللّه في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
(وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) وهم الذين اعتدوا في السبت ( بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) أي: شديد ( بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )
وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين: ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ) فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم كانوا من الناجين، لأن اللّه خص الهلاك بالظالمين، وهو لم يذكر أنهم ظالمون.
فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، فاكتفوا بإنكار أولئك، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم: ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) فأبدوا من غضبهم عليهم، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن اللّه سيعاقبهم أشد العقوبة.

(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ (166) ) أي: قسوا فلم يلينوا، ولا اتعظوا، ( قُلْنَا لَهُمْ ) قولا قدريا: ( كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) فانقلبوا بإذن اللّه قردة، وأبعدهم اللّه من رحمته، ثم ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم فقال:

( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ (167) أي: أعلم إعلاما صريحا: ( لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) أي: يهينهم، ويذلهم.

(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ) لمن عصاه، حتى إنه يعجل له العقوبة في الدنيا. ( وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) لمن تاب إليه وأناب، يغفر له الذنوب، ويستر عليه العيوب، ويرحمه بأن يتقبل منه الطاعات، ويثيبه عليها بأنواع المثوبات، وقد فعل اللّه بهم ما أوعدهم به، فلا يزالون في ذل وإهانة، تحت حكم غيرهم، لا تقوم لهم راية، ولا ينصر لهم عَلَمٌ.

(وَقَطَّعْنَاهُم ْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا (168 - 170) ) أي: فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد ما كانوا مجتمعين، ( مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ ) القائمون بحقوق اللّه، وحقوق عباده، ( وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ ) أي: دون الصلاح، إما مقتصدون، وإما ظالمون لأنفسهم، ( وَبَلَوْنَاهُمْ ) على عادتنا وسنتنا، ( بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ) أي: بالعسر واليسر.

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عما هم عليه مقيمون من الردى، يراجعون ما خلقوا له من الهدى، فلم يزالوا بين صالح وطالح ومقتصد، حتى خلف من بعدهم خلف. زاد شرهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَرِثُوا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg بعدهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الْكِتَابَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وصار المرجع فيه إليهم، وصاروا يتصرفون فيه بأهوائهم، وتبذل لهم الأموال، ليفتوا ويحكموا، بغير الحق، وفشت فيهم الرشوة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg مقرين بأنه ذنب وأنهم ظلمة: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg سَيُغْفَرُ لَنَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وهذا قول خال من الحقيقة، فإنه ليس استغفارا وطلبا للمغفرة على الحقيقة.
فلو كان ذلك لندموا على ما فعلوا، وعزموا على أن لا يعودوا، ولكنهم - إذا أتاهم عرض آخر، ورشوة أخرى - يأخذوه.
فاشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، قال اللّه [تعالى] في الإنكار عليهم، وبيان جراءتهم: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فما بالهم يقولون عليه غير الحق اتباعا لأهوائهم، وميلا مع مطامعهم.
( و ) الحال أنهم قد ( دَرَسُوا مَا فِيهِ ) فليس عليهم فيه إشكال، بل قد أَتَوْا أمرهم متعمدين، وكانوا في أمرهم مستبصرين، وهذا أعظم للذنب، وأشد للوم، وأشنع للعقوبة، وهذا من نقص عقولهم، وسفاهة رأيهم، بإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، ولهذا قال: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg ما حرم اللّه عليهم، من المآكل التي تصاب، وتؤكل رشوة على الحكم بغير ما أنزل اللّه، وغير ذلك من أنواع المحرمات.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَفَلا تَعْقِلُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: أفلا يكون لكم عقول توازن بين ما ينبغي إيثاره، وما ينبغي الإيثار عليه، وما هو أولى بالسعي إليه، والتقديم له على غيره. فخاصية العقل النظر للعواقب.
وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع، يفوت نعيما عظيما باقيا فأنى له العقل والرأي؟
وإنما العقلاء حقيقة من وصفهم اللّه بقوله http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg < 1-308 > أي: يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي علمها أشرف العلوم.
ويعلمون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة.
ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهرا وباطنا، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات.
ولما كان عملهم كله إصلاحا، قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم.
وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن اللّه بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد، وبالمنافع لا بالمضار، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين، فكل من كان أصلح، كان أقرب إلى اتباعهم.

ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:07 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (173)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(172) الى الأية(178)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية
ثم قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ (171) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg حين امتنعوا من قبول ما في التوراة.

فألزمهم اللّه العمل ونتق فوق رءوسهم الجبل، فصار فوقهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وقيل لهم: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: بجد واجتهاد.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg دراسة ومباحثة، واتصافا بالعمل به http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg إذا فعلتم ذلك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن.
( و ) حين أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم ( أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار، بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم.
قالوا: بلى قد أقررنا بذلك، فإن اللّه تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم.
فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة، ولهذا ( قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) أي: إنما امتحناكم حتى أقررتم بما تقرر عندكم، من أن اللّه تعالى ربكم، خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقروا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة اللّه ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون.
فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة للّه عليكم.
أو تحتجون أيضا بحجة أخرى، فتقولون: ( إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ) فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم.
( أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) فقد أودع اللّه في فطركم، ما يدلكم على أن ما مع آبائكم باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه.
نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين، ومذاهبهم الفاسدة ما يظنه هو الحق، وما ذاك إلا لإعراضه، عن حجج اللّه وبيناته، وآياته الأفقية والنفسية، فإعراضه عن ذلك، وإقباله على ما قاله المبطلون، ربما صيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق، هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات.
وقد قيل: إن هذا يوم أخذ اللّه الميثاق على ذرية آدم، حين استخرجهم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم، فشهدوا بذلك، فاحتج عليهم بما أقروا به في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة، ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة، ولا تقتضيه حكمة اللّه تعالى، والواقع شاهد بذلك.
فإن هذا العهد والميثاق، الذي ذكروا، أنه حين أخرج اللّه ذرية آدم من ظهره، حين كانوا في عالم كالذر، لا يذكره أحد، ولا يخطر ببال آدمي، فكيف يحتج اللّه عليهم بأمر ليس عندهم به خبر، ولا له عين ولا أثر؟" ولهذا لما كان هذا أمرا واضحا جليا، قال تعالى:
( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي: نبينها ونوضحها، ( وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) إلى ما أودع اللّه في فطرهم، وإلى ما عاهدوا اللّه عليه، فيرتدعون عن القبائح.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ) < 1-309 > أي: علمناه كتاب اللّه، فصار العالم الكبير والحبر النحرير.
( فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ) أي: انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس.
فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا.
( فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) بعد أن كان من الراشدين المرشدين.
وهذا لأن اللّه تعالى خذله ووكله إلى نفسه، فلهذا قال تعالى: ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه.
( وَلَكِنَّهُ ) فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. ( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) وترك طاعة مولاه، ( فَمَثَلُهُ ) في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها، ( كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا، حرصا قاطعا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا.
( ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) بعد أن ساقها اللّه إليهم، فلم ينقادوا لها، بل كذبوا بها وردوها، لهوانهم على اللّه، واتباعهم لأهوائهم، بغير هدى من اللّه.
( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) في ضرب الأمثال، وفي العبر والآيات، فإذا تفكروا علموا، وإذا علموا عملوا.
( سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ) أي: ساء وقبح، مثل من كذب بآيات اللّه، وظلم نفسه بأنواع المعاصي، فإن مثلهم مثل السوء، وهذا الذي آتاه اللّه آياته، يحتمل أن المراد به شخص معين، قد كان منه ما ذكره اللّه، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها.
وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان.
ثم قال تعالى مبينا أنه المنفرد بالهداية والإضلال: ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ ) بأن يوفقه للخيرات، ويعصمه من المكروهات، ويعلمه ما لم يكن يعلم ( فَهُوَ الْمُهْتَدِي ) حقا لأنه آثر هدايته تعالى، ( وَمَنْ يُضْلِلْ ) فيخذله ولا يوفقه للخير ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين.

ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:08 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (174)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(179) الى الأية(187)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

يقول تعالى مبينا كثرة الغاوين الضالين، المتبعين إبليس اللعين: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ) أي: أنشأنا وبثثنا ( لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ ) صارت البهائم أحسن حالة منهم.
( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ) أي: لا يصل إليها فقه ولا علم، إلا مجرد قيام الحجة.
( وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا ) ما ينفعهم، بل فقدوا منفعتها وفائدتها.
( وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا ) سماعا يصل معناه إلى قلوبهم.
( أُولَئِكَ ) الذين بهذه الأوصاف القبيحة ( كَالأنْعَامِ ) أي: البهائم، التي فقدت العقول، وهؤلاء آثروا ما يفنى على ما يبقى، فسلبوا خاصية العقل.
( بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) من البهائم، فإن الأنعام مستعملة فيما خلقت له، ولها أذهان، تدرك بها، مضرتها من منفعتها، فلذلك كانت أحسن حالا منهم.
( أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الذين غفلوا عن أنفع الأشياء، غفلوا عن الإيمان باللّه وطاعته وذكره.
خلقت لهم الأفئدة والأسماع والأبصار، لتكون عونا لهم على القيام بأوامر اللّه وحقوقه، فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود.
فهؤلاء حقيقون بأن يكونوا ممن ذرأ اللّه لجهنم وخلقهم لها، فخلقهم للنار، وبأعمال أهلها يعملون.
وأما من استعمل هذه الجوارح في عبادة اللّه، وانصبغ قلبه بالإيمان باللّه ومحبته، ولم يغفل عن اللّه، فهؤلاء، أهل الجنة، وبأعمال أهل الجنة يعملون.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى، فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علما محضا لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص أو صفة < 1-310 > منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنى، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها.
وذلك نحو ( العليم ) الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
و ( كالرحيم ) الدال على أن له رحمة عظيمة، واسعة لكل شيء.
و ( كالقدير ) الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك.
ومن تمام كونها "حسنى" أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: ( فَادْعُوهُ بِهَا ) وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا اللّهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك.
وقوله: ( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه، وحقيقة الإلحاد الميل بها عما جعلت له، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنى ما أراده اللّه ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها، فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها، ويحذر الملحدون فيها، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم ( أن للّه تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة )

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ومن جملة من خلقنا أمة فاضلة كاملة في نفسها، مكملة لغيرها، يهدون أنفسهم وغيرهم بالحق، فيعلمون الحق ويعملون به، ويعلِّمونه، ويدعون إليه وإلى العمل به.
( وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) بين الناس في أحكامهم إذا حكموا في الأموال والدماء والحقوق والمقالات، وغير ذلك، وهؤلاء هم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين أنعم اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهم الصديقون الذين مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة، وهم في أنفسهم مراتب متفاوتة كل بحسب حاله وعلو منزلته، فسبحان من يختص برحمته من يشاء، واللّه ذو الفضل العظيم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: والذين كذبوا بآيات اللّه الدالة على صحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من الهدى فردوها ولم يقبلوها. ( سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) بأن يدر لهم الأرزاق.
( وَأُمْلِي لَهُمْ ) أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا، وشرا إلى شرهم، وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: ( إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) أي: قوي بليغ.
( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ ) محمد صلى الله عليه وسلم ( مِنْ جِنَّةٍ ) أي: أَوَ لَمْ يُعْمِلُوا أفكارهم، وينظروا: هل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء، هل هو مجنون؟ فلينظروا في أخلاقه وهديه، ودله وصفاته، وينظروا في ما دعا إليه، فلا يجدون فيه من الصفات إلا أكملها، ولا من الأخلاق إلا أتمها، ولا من العقل والرأي إلا ما فاق به العالمين، ولا يدعو إلا لكل خير، ولا ينهى إلا عن كل شر.
أفبهذا يا أولي الألباب من جنة؟ أم هو الإمام العظيم والناصح المبين، والماجد الكريم، والرءوف الرحيم؟
ولهذا قال: ( إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أي: يدعو الخلق إلى ما ينجيهم من العذاب، ويحصل لهم الثواب.
( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فإنهم إذا نظروا إليها، وجدوها أدلة دالة على توحيد ربها، وعلى ما له من صفات الكمال.
( و ) كذلك لينظروا إلى جميع ( مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) فإن جميع أجزاء العالم، يدل أعظم دلالة على اللّه وقدرته وحكمته وسعة رحمته، وإحسانه، ونفوذ مشيئته، وغير ذلك من صفاته العظيمة، الدالة على تفرده بالخلق والتدبير، الموجبة لأن يكون هو المعبود المحمود، المسبح الموحد المحبوب.
وقوله: ( وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ) أي: لينظروا في خصوص حالهم، وينظروا لأنفسهم قبل أن يقترب أجلهم، ويفجأهم الموت وهم في غفلة معرضون، فلا يتمكنون حينئذ، من استدراك الفارط.
( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل، فبأي حديث يؤمنون به؟" أبكتب الكذب والضلال؟ أم بحديث كل مفتر دجال؟ ولكن الضال لا حيلة فيه، ولا سبيل إلى هدايته.
ولهذا قال تعالى ( مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) أي: متحيرين http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg يترددون، لا يخرجون منه ولا يهتدون إلى حق.

< 1-311 >
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ( يَسْأَلُونَكَ ) أي: المكذبون لك، المتعنتون ( عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) أي: متى وقتها الذي تجيء به، ومتى تحل بالخلق؟
( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ) أي: إنه تعالى مختص بعلمها، ( لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ) أي: لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو.
( ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي: خفي علمها على أهل السماوات والأرض، واشتد أمرها أيضا عليهم، فهم من الساعة مشفقون.
( لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً ) أي: فجأة من حيث لا تشعرون، لم يستعدوا لها، ولم يتهيأوا لقيامها.
( يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ) أي: هم حريصون على سؤالك عن الساعة، كأنك مستحف عن السؤال عنها، ولم يعلموا أنك - لكمال علمك بربك، وما ينفع السؤال عنه - غير مبال بالسؤال عنها، ولا حريص على ذلك، فلم لا يقتدون بك، ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه، فإنه لا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب.
وهي من الأمور التي أخفاها الله عن الخلق، لكمال حكمته وسعة علمه.
( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم، ويدعون ما يجب عليهم من العلم، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه، ولا هم مطالبون بعلمه.

ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:09 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (175)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(188) الى الأية(195)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا ) فإني فقير مدبر، لا يأتيني خير إلا من اللّه، ولا يدفع عني الشر إلا هو، وليس لي من العلم إلا ما علمني اللّه تعالى.
( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه.
ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب.
( إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ ) أنذر العقوبات الدينية والدنيوية والأخروية، وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك، وأحذر منها.
( وَبَشِيرٌ ) بالثواب العاجل والآجل، ببيان الأعمال الموصلة إليه والترغيب فيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة، وإنما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون، وهذه الآيات الكريمات، مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضر.
فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه اللّه، ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه اللّه عنه، ولا له من العلم إلا ما علمه اللّه تعالى، وإنما ينفع من قبل ما أرسل به من البشارة والنذارة، وعمل بذلك، فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم، الذي فاق نفع الآباء والأمهات، والأخلاء والإخوان بما حث العباد على كل خير، وحذرهم عن كل شر، وبينه لهم غاية البيان والإيضاح.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُ مْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) أيها الرجال والنساء، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم. ( مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) وهو آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم.
( وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) أي: خلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر، فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة.
( فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ) أي: تجللها مجامعا لها قدَّر الباري أن يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل، [وحينئذ] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا، وذلك في ابتداء الحمل، لا تحس به الأنثى، ولا يثقلها.
( فَلَمَّا ) استمرت به و ( أَثْقَلَتْ ) به حين كبر في بطنها، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد، وعلى خروجه حيا، صحيحا، سالما لا آفة فيه [كذلك] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg فدعوا ( اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا ) ولدا ( صَالِحًا ) أي: صالح < 1-312 > الخلقة تامها، لا نقص فيه ( لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .
( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ) على وفق ما طلبا، وتمت عليهما النعمة فيه ( جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ) أي: جعلا للّه شركاء في ذلك الولد الذي انفرد اللّه بإيجاده والنعمة به، وأقرَّ به أعين والديه، فَعَبَّدَاه لغير اللّه. إما أن يسمياه بعبد غير اللّه كـ "عبد الحارث" و "عبد العزيز" http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg و "عبد الكعبة" ونحو ذلك، أو يشركا باللّه في العبادة، بعدما منَّ اللّه عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد.
وهذا انتقال من النوع إلى الجنس، فإن أول الكلام في آدم وحواء، ثم انتقل إلى الكلام في الجنس، ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيرا، فلذلك قررهم اللّه على بطلان الشرك، وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم، سواء كان الشرك في الأقوال، أم في الأفعال، فإن الخالق لهم من نفس واحدة، الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجا، ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم إلى بعض، ويألفه ويلتذ به، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة والأولاد والنسل.
ثم أوجد الذرية في بطون الأمهات، وقتا موقوتا، تتشوف إليه نفوسهم، ويدعون اللّه أن يخرجه سويا صحيحا، فأتم اللّه عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم.
أفلا يستحق أن يعبدوه، ولا يشركوا به في عبادته أحدا، ويخلصوا له الدين.
ولكن الأمر جاء على العكس، فأشركوا باللّه من لا ( يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) .
( وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ ) أي: لعابديها ( نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .
فإذا كانت لا تخلق شيئا، ولا مثقال ذرة، بل هي مخلوقة، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عن من يعبدها، بل ولا عن أنفسها، فكيف تتخذ مع اللّه آلهة؟ إن هذا إلا أظلم الظلم، وأسفه السفه.
وإن تدعوا، أيها المشركون هذه الأصنام، التي عبدتم من دون اللّه ( إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُ مْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ) .
فصار الإنسان أحسن حالة منها، لأنها لا تسمع، ولا تبصر، ولا تهدِي ولا تُهدى، وكل هذا إذا تصوره اللبيب العاقل تصورا مجردا، جزم ببطلان إلهيتها، وسفاهة من عبدها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان، يقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) أي: لا فرق بينكم وبينهم، فكلكم عبيد للّه مملوكون، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا ( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ ) فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى، مفترون على اللّه أعظم الفرية، وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء،فليس لها أرجل تمشي بها، ولا أيد تبطش بها، ولا أعين تبصر بها، ولا آذان تسمع بها، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان.

فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها، وهي عباد أمثالكم، بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء، فلأي شيء عبدتموها.
( قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ) أي: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم على إيقاع السوء والمكروه بي، من غير إمهال ولا إنظار http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg فإنكم غير بالغين لشيء من المكروه بي.

ابوالوليد المسلم 23-10-2019 12:09 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (176)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاعرافhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(196) الى الأية(206)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأعراف
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ ) الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار.

( الَّذِي نزلَ الْكِتَابَ ) الذي فيه الهدى والشفاء والنور، وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية.
( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) الذين صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم، كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فالمؤمنون الصالحون - لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر - تولاهم اللّه ولطف بهم وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم، في دينهم ودنياهم، ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه، كما قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) .
< 1-313 >
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام التي يعبدونها من دون اللّه لشيء من العبادة، لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر أنفسهم، ولا في نصر عابديها، وليس لها قوة العقل والاستجابة.
فلو دعوتها إلى الهدى لم تهتد، وهي صور لا حياة فيها، فتراهم ينظرون إليك، وهم لا يبصرون حقيقة، لأنهم صوروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم، وجعلوا لها أبصارا وأعضاء، فإذا رأيتها قلت: هذه حية، فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات لا حراك بها، ولا حياة، فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع اللّه؟ ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بأنواع العبادات؟
فإذا عرف هذا، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها، لو اجتمعوا، وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر الأرض والسماوات، متولي أحوال عباده الصالحين، لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر، لكمال عجزهم وعجزها، وكمال قوة اللّه واقتداره، وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه.
وقيل: إن معنى قوله ( وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم.
( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.
وأما ما ينبغي أن يعامل به العبد شياطين الإنس والجن، فقال تعالى:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: أي وقت، وفي أي حال ( يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ ) أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه ( سَمِيعٌ ) لما تقول. ( عَلِيمٌ ) بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg إلى آخر السورة.
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي لا يزال هؤلاء المكذبون لك في تعنت وعناد، < 1-314 > ولو جاءتهم الآيات الدالة على الهدى والرشاد، فإذا جئتهم بشيء من الآيات الدالة على صدقك لم ينقادوا.
( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ ) من آيات الاقتراح التي يعينونها ( قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا ) أي: هلا اخترت الآية، فصارت الآية الفلانية، أو المعجزة الفلانية كأنك أنت المنزل للآيات، المدبر لجميع المخلوقات، ولم يعلموا أنه ليس لك من الأمر شيء، أو أن المعنى: لولا اخترعتها من نفسك.
( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ) فأنا عبد متبع مدبَّر، واللّه تعالى هو الذي ينزل الآيات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده، وطلبتْه حكمته البالغة، فإن أردتم آية لا تضمحل على تعاقب الأوقات، وحجة لا تبطل في جميع الآنات، فـ ( هَذَا ) القرآن العظيم، والذكر الحكيم ( بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ) يستبصر به في جميع المطالب الإلهية والمقاصد الإنسانية، وهو الدليل والمدلول فمن تفكر فيه وتدبره، علم أنه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبه قامت الحجة على كل من بلغه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، وإلا فمن آمن، فهو ( هُدًى ) له من الضلال ( وَرَحْمَةٌ ) له من الشقاء، فالمؤمن مهتد بالقرآن، متبع له، سعيد في دنياه وأخراه.
وأما من لم يؤمن به، فإنه ضال شقي، في الدنيا والآخرة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.
وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير.
ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون: إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءته الفاتحة، وغيرها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

الذكر للّه تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله، فأمر اللّه عبده ورسوله محمدا أصلا وغيره تبعا، بذكر ربه في نفسه، أي: مخلصا خاليا.
( تَضَرُّعًا ) أي: متضرعا بلسانك، مكررا لأنواع الذكر، ( وَخِيفَةً ) في قلبك بأن تكون خائفا من اللّه، وَجِلَ القلب منه، خوفا أن يكون عملك غير مقبول، وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه، والنصح به.
( وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) أي: كن متوسطا، لا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا. ( بِالْغُدُوِّ ) أول النهار ( وَالآصَالِ ) آخره، وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما.
( وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) الذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم، فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته، وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به، وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها، وهي الإكثار من ذكر اللّه آناء الليل والنهار، خصوصا طَرَفَيِ النهار، مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا، وتواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر، وإحضار له بقلبه وعدم غفلة، فإن اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته، ملازمين لخدمته وهم الملائكة، فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة، ولا ليتعزز بها من ذلة، وإنما يريد نفع أنفسكم، وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم، فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ )
( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ) من الملائكة المقربين، وحملة العرش والكروبيين.
( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم ( وَيُسَبِّحُونَه ُ ) الليل والنهار لا يفترون.
( وَلَهُ ) وحده لا شريك له ( يَسْجُدُونَ ) فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام، وليداوموا [على] عبادة الملك العلام.
تم تفسير سورة الأعراف
وللّه الحمد والشكر والثناء. وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم.



ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:06 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (177)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(8)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

تفسير سورة الأنفال
وهي مدنية


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نزلت في قصة ( بدر ) أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين، .فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنزل اللّه ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال ) كيف تقسم وعلى من تقسم؟
( قُلْ ) لهم: الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما، وتسلموا الأمر لهما،. وذلك داخل في قوله ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ) بامتثال أوامره واجتناب نواهيه..
( وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل..فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل - بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع.
ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.والأم� � الجامع لذلك كله قوله: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله، فذلك لنقص إيمانه،ولما كان الإيمان قسمين: إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء، والفوز التام، وإيمانا دون ذلك ذكر الإيمان الكامل فقال: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ) الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان.
( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي: خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب.
( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه،أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم،أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان.
( وَعَلَى رَبِّهِمْ ) وحده لا شريك له ( يَتَوَكَّلُونَ ) أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك.
والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) من فرائض ونوافل، بأعمالها الظاهرة والباطنة، كحضور القلب فيها، الذي هو روح الصلاة ولبها. ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) النفقات الواجبة، كالزكوات، والكفارات، والنفقة على الزوجات والأقارب، وما ملكت أيمانهم،.والمست� �بة كالصدقة في جميع طرق الخير.
( أُولَئِكَ ) الذين اتصفوا بتلك الصفات ( هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده. وقدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها،.وفيها دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها.
وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه،.وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه.ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: ( لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أي: عالية بحسب علو أعمالهم. ( وَمَغْفِرَةٌ ) لذنوبهم ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ودل هذا على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان - وإن دخل الجنة - فلن ينال ما نالوا من كرامة اللّه التامة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام < 1-316 > بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به، كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في ( بدر ) بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه.
وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال.
فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه،. فبهذه الحال ليس للجدال محل [فيها] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان.
هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،.وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها.
وكان أصل خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام، قافلة كبيرة،.فلما سمعوا برجوعها من الشام، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس،.فخرج معه ثلاثمائة، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا، يعتقبون عليها، ويحملون عليها متاعهم،.فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عيرهم، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال، يبلغ عددهم قريبا من الألف.
فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير،.فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة،.ولكن اللّه تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا.
أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم،. ( وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) فينصر أهله ( وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم.
( لِيُحِقَّ الْحَقَّ ) بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه،. ( وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ) بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) فلا يبالي اللّه بهم.

ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:06 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (178)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(9) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: اذكروا نعمة اللّه عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم ( فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) وأغاثكم بعدة أمور:.
منها: أن اللّه أمدكم ( بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) أي: يردف بعضهم بعضا.
( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ) أي: إنزال الملائكة ( إِلا بُشْرَى ) أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، ( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) وإلا فالنصر بيد اللّه، ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ.. ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) لا يغالبه مغالب، بل هو القهار، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا. ( حَكِيمٌ ) حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.
ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم نعاسا ( يُغَشِّيكُمُ ) [أي] فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون ( أَمَنَةً ) لكم وعلامة على النصر والطمأنينة.
ومن ذلك: أنه أنزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه.
( وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن، ( وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ ) فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.
ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة ( أَنِّي مَعَكُمْ ) بالعون والنصر والتأييد، ( فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.
( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.
( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ ) أي: على الرقاب ( وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) أي: مفصل.
وهذا خطاب، إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر،أو للمؤمنين يشجعهم اللّه، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين، وأنهم لا يرحمونهم،وذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة.
( وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ومن عقابه < 1-317 > تسليط أوليائه على أعدائه وتقتيلهم.
( ذَلِكُمْ ) العذاب المذكور ( فَذُوقُوهُ ) أيها المشاققون للّه ورسوله عذابا معجلا. ( وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ) .
وفي هذه القصة من آيات اللّه العظيمة ما يدل على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رسول اللّه حقا.
منها: أن اللّه وعدهم وعدا، فأنجزهموه.
ومنها: ما قال اللّه تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg الآية.
ومنها: إجابة دعوة اللّه للمؤمنين لما استغاثوه بما ذكره من الأسباب،وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين، وتقييض الأسباب التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.
ومنها: أن من لطف اللّه بعبده أن يسهل عليه طاعته، وييسرها بأسباب داخلية وخارجية.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان،ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا ) أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، ( فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ ) بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين اللّه، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهابا للكافرين.
( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ ) أي: رجع ( بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ ) أي: مقره ( جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد.
ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز،فإن كانت الفئة في العسكر، فالأمر في هذا واضح،وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز،ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون أن الانهزام أحمد عاقبة، وأبقى عليهم.
أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم، فيبعد - في هذه الحال -أن تكون من الأحوال المرخص فيها، لأنه - على هذا - لا يتصور الفرار المنهي عنه،وهذه الآية مطلقة، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد.


ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:07 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (179)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(17) الى الأية(25)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى - لما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون - ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) بحولكم وقوتكم ( وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ) حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره.
( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو اللّه، ويناشده في نصرته،ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها اللّه إلى وجوههم،فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها،فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم، وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا.
يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك - حين رميت التراب - أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا. ( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا ) أي: إن اللّه تعالى قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال،ولكن اللّه أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا.
( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها،فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.
(18) ( ذَلِكُمْ ) النصر من اللّه لكم ( وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ) أي: مضعف كل مكر وكيد يكيدون به الإسلام وأهله، وجاعل مكرهم محيقا بهم.
(19) ( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ) أيها المشركون، أي: تطلبوا من اللّه أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين.
( فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ) حين أوقع اللّه بكم من عقابه، ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين ( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) عن الاستفتاح ( فَهُوَ خَيْرٌ ) لأنه ربما أمهلتم، ولم يعجل لكم النقمة. ( وإن تعودوا ) إلى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين ( نَعُدْ ) في نصرهم عليكم.
( وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ) أي: أعوانكم وأنصاركم، الذين تحاربون وتقاتلون، معتمدين عليهم، شَيئا وأن الله مع الْمؤمنين.
ومن كان اللّه معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده، وهذه المعية < 1-318 > التي أخبر اللّه أنه يؤيد بها المؤمنين، تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان.
فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات، فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر اللّه به من كل وجه، لما انهزم لهم راية [انهزاما مستقرا] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg ولا أديل عليهم عدوهم أبدا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين، أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون به معيته، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما.
( وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ ) أي: عن هذا الأمر الذي هو طاعة اللّه، وطاعة رسوله. ( وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) ما يتلى عليكم من كتاب اللّه، وأوامره، ووصاياه، ونصائحه،فتوليكم في هذه الحال من أقبح الأحوال.

( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) أي: لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية التي لا حقيقة لها، فإنها حالة لا يرضاها اللّه ولا رسوله،فليس الإيمان بالتمني والتحلي، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) من لم تفد فيهم الآيات والنذر،وهم ( الصُّمُّ ) عن استماع الحق ( الْبُكْمُ ) عن النطق به. ( الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) ما ينفعهم، ويؤثرونه على ما يضرهم،فهؤلاء شر عند اللّه من جميع http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg الدواب، لأن اللّه أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، ليستعملوها في طاعة اللّه، فاستعملوها في معاصيه وعدموا - بذلك - الخير الكثير،فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية.
فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية،والسمع الذي نفاه اللّه عنهم، سمع المعنى المؤثر في القلب،وأما سمع الحجة، فقد قامت حجة اللّه تعالى عليهم بما سمعوه من آياته،وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته.
( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ) على الفرض والتقدير ( لَتَوَلَّوْا ) عن الطاعة ( وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه،وهذا دليل على أن اللّه تعالى لا يمنع الإيمان والخير، إلا لمن لا خير فيه، الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده. .وله الحمد تعالى والحكمة في هذا.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة للّه وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.
وقوله: ( إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام.
ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
( وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.
( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن تعرض لمساخطه، وجانب رضاه.

ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (180)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(26) الى الأية(33)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى ممتنا على عباده في نصرهم بعد الذلة، وتكثيرهم بعد القلة، وإغنائهم بعد العيلة.
( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ ) أي: مقهورون تحت حكم غيركم ( تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) أي: يأخذونكم.
( فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) فجعل لكم بلدا تأوون إليه، وانتصر من أعدائكم على أيديكم، وغنمتم من أموالهم ما كنتم به أغنياء.

( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) اللّه على منته العظيمة وإحسانه التام، بأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا فمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة.
ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده، فربما حمله محبة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته، أخبر اللّه تعالى أن الأموال والأولاد فتنة يبتلي اللّه بهما عباده، وأنها عارية ستؤدى لمن أعطاها، وترد لمن استودعها ( وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
فإن كان لكم عقل ورَأْيٌ، فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة، فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة، وعلامة الفلاح، وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة شيئا كثيرا،فذكر هنا أن من اتقى اللّه حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها:
الأول: الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
الثاني والثالث: تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب،وكل واحد منهما داخل في الآخر عند الإطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر.

الرابع: الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه. ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ( و ) اذكر أيها الرسول، ما منَّ اللّه به http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg عليك. ( إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه.
وإما أن يقتلوه فيستريحوا - بزعمهم - من شره.
وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم.
فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه،فاتفق رأيهم على رأي: رآه شريرهم أبو جهل لعنه اللّه،وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل.فيرضى بنو هاشم [ثَمَّ] بديته، فلا يقدرون على مقاومة سائر http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg قريش، فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه.
فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج، وأعمى اللّه أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آت وقال: خيبكم اللّه، قد خرج محمد وذَرَّ على رءوسكم التراب.
فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع اللّه رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة،فهاجر إليها، وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار،ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها،فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج < 1-320 > مستخفيا منهم، خائفا على نفسه.
فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب.
وقوله: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ) الدالة على صدق ما جاء به الرسول.
( قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) وهذا من عنادهم وظلمهم،وإلا فقد تحداهم اللّه أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم.
فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع،وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا ) الذي يدعو إليه محمد ( هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم، والجهل بما ينبغي من الخطاب.
فلو أنهم إذ أقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات ما أوجب لهم أن يكونوا على بصيرة ويقين منه، قالوا لمن ناظرهم وادعى أن الحق معه: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له، لكان أولى لهم وأستر لظلمهم.
فمنذ قالوا: ( اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية، علم بمجرد قولهم أنهم السفهاء الأغبياء، الجهلة الظالمون،فلو عاجلهم اللّه بالعقاب لما أبقى منهم باقية، ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب بسبب وجود الرسول بين أظهرهم، فقال: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) فوجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أمنة لهم من العذاب.
وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رءوس الأشهاد، يدرون بقبحها، فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون اللّه [تعالى فلهذا] قال تعالى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )

فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم، بعد ما انعقدت أسبابه ثم قال:


ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (181)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(34) الى الأية(40)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ) أي: أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه، وقد فعلوا ما يوجب ذلك، وهو صد الناس عن المسجد الحرام، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين هم أولى به منهم، ولهذا قال: ( وَمَا كَانُوا ) أي: المشركون ( أَوْلِيَاءَهُ ) يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه، أي: أولياء اللّه.ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام، أي: وما كانوا أولى به من غيرهم. ( إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ ) وهم الذين آمنوا باللّه ورسوله، وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين. ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) فلذلك ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يعني أن اللّه تعالى إنما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه، وتخلص له فيه العبادة،فالمؤمن ون هم الذين قاموا بهذا الأمر،وأما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه، فما كان صلاتهم فيه التي هي أكبر أنواع العبادات ( إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) أي: صفيرا وتصفيقا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها،فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟".
فبأي: شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، إلى آخر ما وصفهم اللّه به من الصفات الحميدة، والأفعال السديدة.
لا جرم أورثهم اللّه بيته الحرام، ومكنهم منه،وقال لهم بعد ما مكن لهم فيه http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وقال هنا ( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ )

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَ هَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى مبينا لعداوة المشركين وكيدهم ومكرهم، ومبارزتهم للّه ولرسوله، وسعيهم في إطفاء نوره وإخماد كلمته، وأن وبال مكرهم سيعود عليهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) < 1-321 > أي: ليبطلوا الحق وينصروا الباطل، ويبطل توحيد الرحمن، ويقوم دين عبادة الأوثان.
( فَسَيُنْفِقُونَ هَا ) أي: فسيصدرون هذه النفقة، وتخف عليهم لتمسكهم بالباطل، وشدة بغضهم للحق، ولكنها ستكون عليهم حسرة، أي: ندامة وخزيا وذلا ويغلبون فتذهب أموالهم وما أملوا، ويعذبون في الآخرة أشد العذاب. ولهذا قال: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) أي: يجمعون إليها، ليذوقوا عذابها، وذلك لأنها دار الخبث والخبثاء، واللّه تعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب، ويجعل كل واحدة على حدة، وفي دار تخصه،فيجعل الخبيث بعضه على بعض، من الأعمال والأموال والأشخاص. ( فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد، من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى، وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى، فقال: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا ) عن كفرهم وذلك بالإسلام للّه وحده لا شريك له.
( يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) منهم من الجرائم ( وَإِنْ يَعُودُوا ) إلى كفرهم وعنادهم ( فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ ) بإهلاك الأمم المكذبة، فلينتظروا ما حل بالمعاندين، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون،فهذا خطابه للمكذبين ، وأما خطابه للمؤمنين عندما أمرهم بمعاملة الكافرين، فقال: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) أي: شرك وصد عن سبيل اللّه، ويذعنوا لأحكام الإسلام، ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين، أن يدفع شرهم عن الدين، وأن يذب عن دين اللّه الذي خلق الخلق له، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان.
( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عن ما هم عليه من الظلم ( فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) لا تخفى عليه منهم خافية.
( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى ) الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم، وييسر http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg لهم منافعهم الدينية والدنيوية. ( وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الذي ينصرهم، فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار.
ومن كان اللّه مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان اللّه عليه فلا عِزَّ له ولا قائمة له.

ابوالوليد المسلم 26-10-2019 05:09 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (182)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(41) الى الأية(45)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) أي: أخذتم من مال الكفار قهرا بحق، قليلا كان أو كثيرا. ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) أي: وباقيه لكم أيها الغانمون، لأنه أضاف الغنيمة إليهم، وأخرج منها خمسها.فدل على أن الباقي لهم، يقسم على ما قسمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: للراجل سهم، وللفارس سهمان لفرسه، وسهم له.
وأما هذا الخمس، فيقسم خمسة أسهم، سهم للّه ولرسوله، يصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين لمصلحة، لأن اللّه جعله له ولرسوله، واللّه ورسوله غنيان عنه، فعلم أنه لعباد اللّه.فإذا لم يعين اللّه له مصرفا، دل على أن مصرفه للمصالح العامة.
والخمس الثاني: لذي القربى، وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب.وأضافه اللّه إلى القرابة دليلا على أن العلة فيه مجرد القرابة، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
والخمس الثالث لليتامى، وهم الذين فقدت آباؤهم وهم صغار، جعل اللّه لهم خمس الخمس رحمة بهم، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم، وقد فقد من يقوم بمصالحهم.
والخمس الرابع للمساكين، أي: المحتاجين الفقراء من صغار وكبار، ذكور وإناث.
والخمس الخامس لابن السبيل، وهو http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg الغريب المنقطع به في غير بلده، [وبعض المفسرين يقول إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء بل ذلك < 1-322 > تبع للمصلحة وهذا هو الأولى] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg وجعل اللّه أداء الخمس على وجهه شرطا للإيمان فقال: ( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ) وهو يوم ( بدر ) الذي فرق اللّه به بين الحق والباطل. وأظهر الحق وأبطل الباطل.
( يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) جمع المسلمين، وجمع الكافرين،أي: إن كان إيمانكم باللّه، وبالحق الذي أنزله اللّه على رسوله يوم الفرقان، الذي حصل فيه من الآيات والبراهين، ما دل على أن ما جاء به هو الحق. ( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يغالبه أحد إلا غلبه.
( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ) أي: بعدوة الوادي القريبة من المدينة، وهم بعدوته أي: جانبه البعيدة من المدينة، فقد جمعكم واد واحد.
( وَالرَّكْبُ ) الذي خرجتم لطلبه، وأراد اللّه غيره ( أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) مما يلي ساحل البحر.
( وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ ) أنتم وإياهم على هذا الوصف وبهذه الحال ( لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ) أي: لا بد من تقدم أو تأخر أو اختيار منزل، أو غير ذلك، مما يعرض لكم أو لهم، يصدفكم عن ميعادكم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg.
( وَلَكِنْ ) اللّه جمعكم على هذه الحال ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا ) أي: مقدرا في الأزل، لا بد من وقوعه.
( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ) أي: ليكون حجة وبينة للمعاند، فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه، فلا يبقى له عذر عند اللّه.
( وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) أي: يزداد المؤمن بصيرة ويقينا، بما أرى اللّه الطائفتين من أدلة الحق وبراهينه، ما هو تذكرة لأولي الألباب.
( وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سميع لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، عليم بالظواهر والضمائر والسرائر، والغيب والشهادة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُ مْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

وكان اللّه قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا عددا قليلا فبشر بذلك أصحابه، فاطمأنت قلوبهم وتثبتت أفئدتهم.
ولو أراكهم الله إياهم كَثِيرًا فأخبرت بذلك أصحابك ( لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُ مْ فِي الأمْرِ ) فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل.
( وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ) فلطف http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg بكم ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي: بما فيها من ثبات وجزع، وصدق وكذب،فعلم اللّه من قلوبكم ما صار سببا للطفه وإحسانه بكم وصدق رؤيا رسوله ، فأرى اللّه المؤمنين عدوهم قليلا في أعينهم، ويقللكم - يا معشر المؤمنين - في أعينهم،فكل من الطائفتين ترى الأخرى قليلة، لتقدم كل منهما على الأخرى.
( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا ) من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين وقتل قادتهم ورؤساء الضلال منهم، ولم يبق منهم أحد له اسم يذكر، فيتيسر بعد ذلك انقيادهم إذا دعوا إلى الإسلام، فصار أيضا لطفا بالباقين، الذين مَنَّ اللّه عليهم بالإسلام.

( وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) أي: جميع أمور الخلائق ترجع إلى اللّه، فيميز الخبيث من الطيب، ويحكم في الخلائق بحكمه العادل، الذي لا جور فيه ولا ظلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ) أي: طائفة من الكفار تقاتلكم.
( فَاثْبُتُوا ) لقتالها، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتها العز والنصر.
واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر اللّه ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أي: تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم،فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر.

ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:41 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (183)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(46) الى الأية(52)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) في استعمال ما أمرا به، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال.
< 1-323 >
( وَلا تَنَازَعُوا ) تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، ( فَتَفْشَلُوا ) أي: تجبنوا ( وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله.
( وَاصْبِرُوا ) نفوسكم على طاعة اللّه ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالعون والنصر والتأييد، واخشعوا لربكم واخضعوا له.
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) أي: هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم لقصد الأشر والبطر في الأرض، وليراهم الناس ويفخروا لديهم.
والمقصود الأعظم أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل اللّه من أراد سلوكه، ( وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) فلذلك أخبركم بمقاصدهم، وحذركم أن تشبهوا بهم، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.
فليكن قصدكم في خروجكم وجه اللّه تعالى وإعلاء دين اللّه، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط اللّه وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل اللّه القويم الموصل لجنات النعيم.
( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) حسَّنها في قلوبهم وخدعهم. ( وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ) فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه.
( وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ) من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم.
فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين.
( فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ) المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و ( نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي: ولى مدبرا. ( وَقَالَ ) لمن خدعهم وغرهم: ( إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ) أي: أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم.
( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ) أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا ( وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
ومن المحتمل أن يكون الشيطان، قد سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم،فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg
( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) أي: شك وشبهة، من ضعفاء الإيمان، للمؤمنين حين أقدموا - مع قِلَّتهم - على قتال المشركين مع كثرتهم.
( غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ) أي: أوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا يدان لهم بها، ولا استطاعة لهم بها،يقولونه احتقارا لهم واستخفافا لعقولهم، وهم - واللّه - الأخِفَّاءُ عقولا الضعفاء أحلاما.
فإن الإيمان يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها الجيوش العظام،فإن المؤمن المتوكل على اللّه، الذي يعلم أنه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لأحد إلا باللّه تعالى،وأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة لم ينفعوه،ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه اللّه عليه، وعلم أنه على الحق، وأن اللّه تعالى حكيم رحيم في كل ما قدره وقضاه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من قوة وكثرة، وكان واثقا بربه، مطمئن القلب لا فزعا ولا جبانا، .ولهذا قال ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) لا يغالب قوته قوة. ( حَكِيمٌ ) فيما قضاه وأجراه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ولو ترى الذين كفروا بآيات اللّه حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم القلق وعظم كربهم، و ( الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، ونفوسهم متمنعة مستعصية على الخروج، لعلمها ما أمامها من العذاب الأليم.
ولهذا قال: ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق ) أي: العذاب الشديد المحرق، ذلك العذاب حصل لكم، غير ظلم ولا جور من ربكم، وإنما هو بما قدمت أيديكم من المعاصي التي أثرت لكم ما أثرت، وهذه سنة اللّه في الأولين والآخرين، فإن دأب هؤلاء المكذبين أي: سنتهم وما أجرى اللّه عليهم من الهلاك بذنوبهم.

( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) من الأمم المكذبة. ( كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ) بالعقاب ( بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لا يعجزه أحد يريد أخذه < 1-324 > http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:42 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (184)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(53) الى الأية(61)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

( ذَلِكَ ) العذاب الذي أوقعه اللّه بالأمم المكذبين http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم،فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرا. ( حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة اللّه ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم.
وللّه الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg عباده، حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم، وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.
( وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به،ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر، وتخفيه السرائر، فيجري على عباده من الأقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته.
( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) أي: فرعون وقومه ( وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) حين جاءتهم ( فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ ) كل بحسب جرمه.
( وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ ) من المهلكين المعذبين ( كَانُوا ظَالِمِينَ ) لأنفسهم، ساعين في هلاكها، لم يظلمهم اللّه، ولا أخذهم بغير جرم اقترفوه،فليحذر المخاطبون أن يشابهوهم في الظلم، فيحل اللّه بهم من عقابه ما أحل بأولئك الفاسقين.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه، هم شر الدواب عند الله فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، لأن الخير معدوم منهم، والشر متوقع فيهم ، فإذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين، لئلا يسري داؤهم لغيرهم، ولهذا قال: ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ) أي: تجدنهم في حال المحاربة، بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق.
( فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) أي: نكل بهم غيرهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون [به] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg عبرة لمن بعدهم ( لَعَلَّهُمْ ) أي من خلفهم ( يَذْكُرُونَ ) صنيعهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم،وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي، أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجرا لمن عملها أن لا يعاودها.
ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب أن الكافر - ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر - أنه إذا أُعْطِيَ عهدا لا يجوز خيانته وعقوبته.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

أي: وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة،بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة.

( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ) عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. ( عَلَى سَوَاءٍ ) أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيء مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك.
( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) بل يبغضهم أشد البغض،فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة.
ودلت الآية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg منهم لم يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم، لأنه لم يخف منهم، بل علم ذلك، ولعدم الفائدة ولقوله: ( عَلَى سَوَاءٍ ) وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم.
ودل مفهومها أيضا أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

أي: لا يحسب الكافرون بربهم المكذبون بآياته، أنهم سبقوا اللّه وفاتوه، فإنهم لا يعجزونه، واللّه لهم بالمرصاد.
وله تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم، وتزودهم من طاعته ومراضيه، ما يصلون به المنازل العالية، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها، فلهذا قال لعباده المؤمنين:

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

أي ( وَأَعِدُّوا ) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم. ( مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة < 1-325 > ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي: والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن القوة الرَّمْيُ ) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال،ولهذا قال تعالى: ( وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته.
فإذا كان شيء موجود http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها،حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب
وقوله: ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ( وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ ) ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به ( اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم،ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار.
ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك: ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قليلا كان أو كثيرا ( يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) أجره يوم القيامة مضاعفا أضعافا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل اللّه، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

( وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُوا ) أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا ( لِلسَّلْمِ ) أي: الصلح وترك القتال.
( فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة.
منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم.
ومنها: أن في ذلك إجماما لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج لذلك.
ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له،.فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين،.ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين، وانتهاز الفرصة فيهم،.فأخبرهم اللّه أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره، فقال:



ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:42 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (185)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(62) الى الأية(69)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ) أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق [لك] من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك.
فلـ ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ ) أي: أعانك بمعونة سماوية، وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك.
( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة غير قوة اللّه،فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة ( مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى.
( وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg
ثم قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ) أي: كافيك ( وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي: وكافي أتباعك من المؤمنين،.وهذا وعد من اللّه لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية والنصرة على الأعداء.
فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) أي: حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم، من الترغيب في الجهاد ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل < 1-326 > الشجاعة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة، وذكر مضار الجبن، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة، وأن الشجاعة بالمؤمنين أولى من غيرهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg
( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ) أيها المؤمنون ( عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار،.وذلك بأن الكفار ( قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) أي: لا علم عندهم بما أعد اللّه للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها،.وأنتم تفقهون المقصود من القتال، أنه لإعلاء كلمة اللّه وإظهار دينه، والذب عن كتاب اللّه، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه،.وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والإقدام على القتال.
ثم إن هذا الحكم خففه اللّه على العباد فقال: ( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) فلذلك اقتضت رحمته وحكمته التخفيف،. ( فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بعونه وتأييده.
وهذه الآيات صورتها صورة الإخبار عن المؤمنين، بأنهم إذا بلغوا هذا المقدار المعين يغلبون ذلك المقدار المعين في مقابلته من الكفار، وأن اللّه يمتن عليهم بما جعل فيهم من الشجاعة الإيمانية.
ولكن معناها وحقيقتها الأمر وأن اللّه أمر المؤمنين - في أول الأمر - أن الواحد لا يجوز له أن يفر من العشرة، والعشرة من المائة، والمائة من الألف.
ثم إن اللّه خفف ذلك، فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار، فإن زادوا على مثليهم جاز لهم الفرار، ولكن يرد على هذا أمران:
أحدهما: أنها بصورة الخبر، والأصل في الخبر أن يكون على بابه، وأن المقصود بذلك الامتنان والإخبار بالواقع.
والثاني: تقييد ذلك العدد أن يكونوا صابرين بأن يكونوا متدربين على الصبر.
ومفهوم هذا أنهم إذا لم يكونوا صابرين، فإنه يجوز لهم الفرار، ولو أقل من مثليهم [إذا غلب على ظنهم الضرر] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg كما تقتضيه الحكمة الإلهية.
ويجاب عن الأول بأن قوله: ( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ) إلى آخرها، دليل على أن هذا أمر http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg لازم وأمر محتم، ثم إن اللّه خففه إلى ذلك العدد،. فهذا ظاهر في أنه أمر، وإن كان في صيغة الخبر.
وقد يقال: إن في إتيانه بلفظ الخبر، نكتة بديعة لا توجد فيه إذا كان بلفظ الأمر،.وهي تقوية قلوب المؤمنين، والبشارة بأنهم سيغلبون الكافرين.
ويجاب عن الثاني: أن المقصود بتقييد ذلك بالصابرين، أنه حث على الصبر، وأنه ينبغي منكم أن تفعلوا الأسباب الموجبة لذلك[فإذا فعلوها صارت الأسباب الإيمانية والأسباب المادية مبشرة بحصول ما أخبر اللّه به من النصر لهذا العدد القليل] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذه معاتبة من اللّه لرسوله وللمؤمنين يوم ( بدر ) إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء،. وكان رأي: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال، قتلهم واستئصالهم.
فقال تعالى: ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ ) أي: ما ينبغي ولا يليق به إذا قاتل الكفار الذين يريدون أن يطفئوا نور اللّه ويسعوا لإخماد دينه، وأن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد اللّه، أن يتسرع إلى أسرهم وإبقائهم لأجل الفداء الذي يحصل منهم، وهو عرض قليل بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم وإبطال شرهم،.فما دام لهم شر وصولة، فالأوفق أن لا يؤسروا.
فإذا أثخنوا، وبطل شرهم، واضمحل أمرهم، فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم وإبقائهم.
يقول تعالى: ( تُرِيدُونَ ) بأخذكم الفداء وإبقائهم ( عَرَضَ الدُّنْيَا ) أي: لا لمصلحة تعود إلى دينكم.
( وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ ) بإعزاز دينه، ونصر أوليائه، وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك.
( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أي: كامل العزة، ولو شاء أن ينتصر من الكفار من دون قتال لفعل، لكنه حكيم، يبتلي بعضكم ببعض.
( لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ) به القضاء والقدر، أنه قد أحل لكم الغنائم، وأن اللّه رفع عنكم - أيها الأمة - العذاب ( لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وفي الحديث: ( لو نزل < 1-327 > عذاب يوم بدر، ما نجا منه إلا عمر )

( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا ) وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم ولم يحلها لأمة قبلها.
( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) في جميع أموركم ولازموها، شكرا لنعم اللّه عليكم. ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب، ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي.
( رَحِيمٌ ) بكم، حيث أباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا.

ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:43 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (186)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الانفالhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(70) الى الأية(75)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأنفال
وهي مكية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

وهذه نزلت في أسارى يوم بدر، وكان في جملتهم العباس عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،فلما طلب منه الفداء، ادَّعى أنه مسلم قبل ذلك، فلم يسقطوا عنه الفداء،فأنزل اللّه تعالى جبرا لخاطره ومن كان على مثل حاله.
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ) أي: من المال، بأن ييسر لكم من فضله، خيرا وأكثر http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg مما أخذ منكم.
( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) ذنوبكم، ويدخلكم الجنة وقد أنجز اللّه وعده للعباس وغيره، فحصل له - بعد ذلك - من المال شيء كثير،حتى إنه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله، فأخذ منه ما كاد أن يعجز عن حمله.
( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ ) في السعي لحربك ومنابذتك، ( فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) فليحذروا خيانتك، فإنه تعالى قادر عليهم وهم تحت قبضته، ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) أي: عليم بكل شيء، حكيم يضع الأشياء مواضعها، ومن علمه وحكمته أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة الجميلة، وأن تكفل http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg بكفايتكم شأن الأسرى وشرهم إن أرادوا خيانة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُم ْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذا عقد موالاة ومحبة، عقدها اللّه بين المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا في سبيل اللّه، وتركوا أوطانهم للّه لأجل الجهاد في سبيل اللّه،وبين الأنصار الذين آووا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم،فهؤلاء بعضهم أولياء بعض، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض.
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ) فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة إلى الرجال،فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء، لكنهم ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُم ْ فِي الدِّينِ ) أي: لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم ( فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) والقتال معهم،وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم نصرهم.
وقوله تعالى: ( إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ) أي: عهد بترك القتال، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم، فلا تعينوهم عليهم، لأجل ما بينكم وبينهم من الميثاق.

( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) يعلم ما أنتم عليه من الأحوال، فيشرع لكم من الأحكام ما يليق بكم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما عقد الولاية بين المؤمنين، أخبر أن الكفار حيث جمعهم الكفر فبعضهم أولياء لبعض http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg فلا يواليهم إلا كافر مثلهم.
وقوله: ( إِلا تَفْعَلُوهُ ) أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، بأن واليتموهم كلهم أو عاديتموهم كلهم، أو واليتم الكافرين وعاديتم المؤمنين.
( تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار، كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض.
< 1-328 >
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار.
وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم، فقال: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ ) أي: المؤمنون من المهاجرين والأنصار ( هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين.
( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) من اللّه تمحى بها سيئاتهم، وتضمحل بها زلاتهم، ( و ) لهم ( رِزْقٌ كَرِيمٌ ) أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم.
وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم، وتطمئن به قلوبهم ، وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل اللّه. ( فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ) لهم ما لكم وعليهم ما عليكم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg.
فهذه الموالاة الإيمانية - وقد كانت في أول الإسلام - لها وقع كبير وشأن عظيم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل اللّه ( وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض،فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم هذه الآية الكريمة،وقوله: ( فِي كِتَابِ اللَّهِ ) أي: في حكمه وشرعه.

( إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها.
تم تفسير سورة الأنفال وللّه الحمد.


ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:43 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (187)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(6)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية


تفسير سورة براءة
ويقال: سورة التوبة،
وهي مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

أي: هذه براءة من اللّه ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاهدين، أن لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، وبعد الأربعة الأشهر فلا عهد لهم، ولا ميثاق.
وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر فأقل، أما من كان له عهد مقدر بزيادة على أربعة أشهر، فإنه يتعين أن يتمم له عهده إذا لم يخف منه خيانة، ولم يبدأ بنقض العهد.
ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم وإن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا اللّه ولن يفوتوه، وأنه من استمر منهم على شركه فإن الله لا بد أن يخزيه، فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عاند وأصر ولم يبال بوعيد اللّه له.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpgوَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

هذا ما وعد اللّه به المؤمنين، من نصر دينه وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة، من بيت اللّه الحرام، وأجلوهم، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز.
نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار.
فأمر النبي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن اللّه بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة.
وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: ( فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)
أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أي: مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر، والجلاء، وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين. ( إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) واستمروا على عهدهم، ولم يجر منهم ما يوجب النقض، فلا نقصوكم شيئا، ولا عاونوا عليكم أحدا، فهؤلاء أتموا لهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg عهدهم إلى مدتهم، قَلَّتْ، أو كثرت، لأن الإسلام لا يأمر بالخيانة وإنما يأمر بالوفاء.

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) الذين أدوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

يقول تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ) أي: التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين، وهي أشهر التسيير الأربعة، وتمام المدة لمن له مدة أكثر منها، فقد برئت منهم الذمة.
( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) في أي مكان وزمان، ( وَخُذُوهُمْ) أسرى ( وَاحْصُرُوهُمْ) أي: ضيقوا عليهم، فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد اللّه وأرضه، التي جعلها [الله] معبدا لعباده.
فهؤلاء ليسوا أهلا لسكناها، ولا يستحقون منها شبرا، لأن الأرض أرض اللّه، وهم أعداؤه المنابذون له ولرسله، المحاربة الذين يريدون أن يخلوا الأرض من دينه، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
( وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادهم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر حتى يتوبوا من شركهم.
ولهذا قال: ( فَإِنْ تَابُوا) من شركهم ( وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) أي: أدوها بحقوقها ( وَآتُوا الزَّكَاةَ) لمستحقيها ( فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي: اتركوهم، وليكونوا مثلكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم.
( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر الشرك فما دونه، للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبولها منهم.
وفي هذه الآية، دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديهما، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

لما كان ما تقدم من قوله http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ ) أي: طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، وينظر حالة الإسلام.
( فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ) ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي: المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه.

وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.
وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها.

ابوالوليد المسلم 29-10-2019 01:44 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (188)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(7) الى الأية(13)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg.

هذا بيان للحكمة الموجبة لأن يتبرأ اللّه ورسوله من المشركين، فقال: ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) هل قاموا بواجب الإيمان، أم تركوا رسول اللّه والمؤمنين من أذيتهم؟ أما حاربوا الحق ونصروا الباطل؟
أما سعوا في الأرض فسادا؟ فيحق لهم أن يتبرأ اللّه منهم، وأن لا يكون لهم عهد عنده ولا عند رسوله.
( إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ) من المشركين ( عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فإن لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان الفاضل حرمة، أوجب أن يراعوا فيها.

( فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ولهذا قال:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpgكَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg.

أي: ( كَيْفَ) يكون للمشركين عند اللّه عهد وميثاق ( و) الحال أنهم ( وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و ( لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً) أي: لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا.
ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم ( يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، ( وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) لا ديانة لهم ولا مروءة.
( اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا) أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا. على الإيمان باللّه ورسوله، والانقياد لآيات اللّه.
( فَصَدُّوا) بأنفسهم، وصدوا غيرهم ( عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً) أي لأجل عداوتهم للإيمان ( إِلا وَلا ذِمَّةً) أي لأجل عداوتهم للإيمان وأهله
فالوصف الذي جعلهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوا من عاداه لكم عدوا ومن نصره لكم وليا واجعلوا الحكم يدور معه وجودا وعدما لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg تميلون بهما حيثما مال الهوى وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء ولهذا ( فَإِنْ تَابُوا) عن شركهم ورجعوا إلى الإيمان ( وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين لتكونوا عباد اللّه المخلصين وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة لما بين من أحكامه العظيمة ما بين ووضح منها ما وضح أحكاما وحِكَمًا وحُكْمًا وحكمة قال ( وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ) أي نوضحها ونميزها ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإليهم سياق الكلام وبهم تعرف الآيات والأحكام وبهم عرف دين الإسلام وشرائع الدين
اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما يعلمون برحمتك وجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/255.jpg وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/256.jpg .

يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، ( وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) أي: عابوه، وسخروا منه.
ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، ( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر.
( إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ) أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم.
( لَعَلَّهُمْ) في قتالكم إياهم ( يَنْتَهُونَ) عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه، ثم حث على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ) الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه؟ وهم هموا أن يجلوه ويخرجوه من وطنه وسعوا في ذلك ما أمكنهم، ( وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) حيث نقضوا العهد وأعانوا عليكم، وذلك حيث عاونت http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg قريش -وهم معاهدون- بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة.

( أَتَخْشَوْنَهُم ْ) في ترك قتالهم ( فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإنه http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/257.jpg أمركم بقتالهم، وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد.
فإن كنتم مؤمنين فامتثلوا لأمر اللّه، ولا تخشوهم فتتركوا أمر اللّه، ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال:

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:46 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (189)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(14) الى الأية(20)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ) بالقتل ( وَيُخْزِهِمْ ) إذا نصركم اللّه عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، ( وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ) هذا وعد من اللّه وبشارة قد أنجزها.
( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين للّه ولرسوله ساعين في إطفاء نور اللّه وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم وهذا يدل على محبة اللّه لعباده المؤمنين واعتنائه بأحوالهم حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم
ثم قال ( وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) من هؤلاء المحاربين بأن يوفقهم للدخول في الإسلام ويزينه في قلوبهم ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان
( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما أمرهم بالجهاد: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ) من دون ابتلاء وامتحان، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب.
( وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ) أي: علما يظهر مما في القوة إلى الخارج، ليترتب عليه الثواب والعقاب، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله: لإعلاء كلمته ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) أي: وليا من الكافرين، بل يتخذون اللّه ورسوله والمؤمنين أولياء.
فشرع اللّه الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين اللّه، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين.
( وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) أي: يعلم ما يصير منكم ويصدر، فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه، ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشرها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg.

يقول تعالى: ( مَا كَانَ ) أي: ما ينبغي ولا يليق ( لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ) بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر بشهادة حالهم وفطرهم، وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل.
فإذا كانوا ( شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) وعدم الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد اللّه، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟!!.
ولهذا قال: ( أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) أي: بطلت وضلت ( وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) .
ثم ذكر من هم عمار مساجد اللّه فقال: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ ) الواجبة والمستحبة، بالقيام بالظاهر منها والباطن.
( وَآتَى الزَّكَاةَ ) لأهلها ( وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ ) أي قصر خشيته على ربه، فكف عما حرم اللّه، ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة.
فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها.
( فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) و "عسى" من اللّه واجبة. وأما من لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية للّه، فهذا ليس من عمار مساجد اللّه، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان باللّه والجهاد في سبيله، أخبر اللّه تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ) أي: سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد ( وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ < 1-332 > الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ )
فالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.
وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.
وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال: ( لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر.
ثم صرح بالفضل فقال: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ ) بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة ( وَأَنْفُسِهِمْ ) بالخروج بالنفس ( أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:47 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (190)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(21) الى الأية(26)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ) جودا منه، وكرما وبرا بهم، واعتناء ومحبة لهم، ( بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) أزال بها عنهم الشرور، وأوصل إليهم [بها] كل خير. ( وَرِضْوَانٍ) منه تعالى عليهم، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدا.
( وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا اللّه تعالى، الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم.
( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) لا ينتقلون عنها، ولا يبغون عنها حِوَلا ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا تستغرب كثرته على فضل اللّه، ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) اعملوا بمقتضى الإيمان، بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به.
و ( لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ ) الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم ( أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا) أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة ( الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ)
( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنهم تجرؤوا على معاصي اللّه، واتخذوا أعداء اللّه أولياء، وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة اللّه، ومحبتهم على محبة اللّه ورسوله.
ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة اللّه ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ) ومثلهم الأمهات ( وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ) في النسب والعشرة http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg ( وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) أي: قراباتكم عموما ( وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا) أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ.
( وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا) أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك.
( وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء ( أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ) فأنتم فسقة ظلمة.
( فَتَرَبَّصُوا) أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب ( حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) الذي لا مرد له.
( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) أي: الخارجين عن طاعة اللّه، المقدمين على محبة اللّه شيئا من المذكورات.
وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من اللّه ورسوله، وجهاد في سبيله.
وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه اللّه ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه اللّه، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يمتن تعالى على عباده المؤمنين، بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء، ومواضع الحروب والهيجاء، حتى في يوم"حنين"الذي اشتدت عليهم فيه الأزمة، ورأوا من التخاذل والفرار، ما ضاقت عليهم به الأرض على رحبها وسعتها.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة.
فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، ولم يبق مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يركض بغلته نحو المشركين ويقول:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"
ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم: يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة البقرة.
فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم اللّه المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم.
وذلك قوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف.
( إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) أي: لم تفدكم شيئا، قليلا ولا كثيرا ( وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ) بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم ( بِمَا رَحُبَتْ) أي: على رحبها وسعتها، ( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) أي: منهزمين.
( ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) والسكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد.
( وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) وهم الملائكة، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر.
( وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالهزيمة والقتل، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم.
( وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) يعذبهم اللّه في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:47 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (191)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(27) الى الأية(31)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ < 1-333 > عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

( ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) فتاب اللّه على كثير ممن كانت الوقعة عليهم، وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين، فرد عليهم نساءهم، وأولادهم.
( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: ذو مغفرة واسعة، ورحمة عامة، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة، والصفح عن جرائمهم، وقبول توباتهم، فلا ييأسنَّ أحد من مغفرته ورحمته، ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ) باللّه الذين عبدوا معه غيره ( نَجَسٌ) أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟.
وأعمالهم ما بين محاربة للّه، وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم.
( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وهو سنة تسع من الهجرة، حين حج بالناس أبو بكر الصديق، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليا، أن يؤذن يوم الحج الأكبر بـ ( براءة) فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن، بدليل أن اللّه تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها، ولم يأمر بغسل ما أصاب http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg منها.
والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات، وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية، بالشرك، فكما أن التوحيد والإيمان، طهارة، فالشرك نجاسة.
وقوله: ( وَإِنْ خِفْتُمْ) أيها المسلمون ( عَيْلَةً) أي: فقرا وحاجة، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية، ( فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فليس الرزق مقصورا على باب واحد، ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل اللّه واسع، وجوده عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم، فإن اللّه أكرم الأكرمين.
وقد أنجز اللّه وعده، فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك.
وقوله: ( إِنْ شَاءَ) تعليق للإغناء بالمشيئة، لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة اللّه، فلهذا علقه اللّه بالمشيئة.
فإن اللّه يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب.
( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: علمه < 1-334 > واسع، يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق، ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.
وتدل الآية الكريمة، وهي قوله ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) أن المشركين بعد ما كانوا، هم الملوك والرؤساء بالبيت، ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول اللّه والمؤمنين، مع إقامتهم في البيت، ومكة المكرمة، ثم نزلت هذه الآية.
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يجلوا من الحجاز، فلا يبقى فيها دينان، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام، فيدخل في قوله ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من ( الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) إيمانا صحيحا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات، ( وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) أي: لا يدينون بالدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين، فإنه دين غير الحق، لأنه إما بين دين مبدل، وهو الذي لم يشرعه اللّه أصلا وإما دين منسوخ قد شرعه اللّه، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز.
فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس، بسبب أنهم أهل كتاب.
وغيَّى ذلك القتال ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) أي: المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم، بين أظهر المسلمين، يؤخذ منهم كل عام، كلٌّ على حسب حاله، من غني وفقير ومتوسط، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره، من أمراء المؤمنين.
وقوله: ( عَنْ يَدٍ) أي: حتى يبذلوها http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg في حال ذلهم، وعدم اقتدارهم، ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم، ( وَهُمْ صَاغِرُونَ)
فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم، ويوجب ذلهم وصغارهم، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم.
وإلا بأن لم يفوا، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا.
واستدل بهذه الآية الجمهور الذين يقولون: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، لأن اللّه لم يذكر أخذ الجزية إلا منهم.
وأما غيرهم فلم يذكر إلا قتالهم حتى يسلموا، وألحق بأهل الكتاب في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين، المجوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر، ثم أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس.
وقيل: إن الجزية تؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، لأن هذه الآية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين، والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم، فيكون هذا القيد إخبارا بالواقع، لا مفهوما له.
ويدل على هذا أن المجوس أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب، ولأنه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يدعون من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، أو أداء الجزية، أو السيف، من غير فرق بين كِتَابِيٍّ وغيره.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب، ذكر من أقوالهم الخبيثة، ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم، والاجتهاد وبذل الوسع فيه فقال: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على اللّه، وتنقصوا عظمته وجلاله.
وقد قيل: إن سبب ادعائهم في ( عزير) أنه ابن اللّه، أنه لما سلط الله الملوك http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg على بني إسرائيل، ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة، وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها أو < 1-335 > لأكثرها، فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة.
( وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ) عيسى ابن مريم ( ابْنُ اللَّهِ) قال اللّه تعالى ( ذَلِكَ) القول الذي قالوه ( قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ) لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا.
ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قول يقوله، فإنه لا دين ولا عقل، يحجزه، عما يريد من الكلام.
ولهذا قال: ( يُضَاهِئُونَ) أي: يشابهون في قولهم هذا ( قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي: قول المشركين الذين يقولون:"الملائكة بنات اللّه"تشابهت قلوبهم، فتشابهت أقوالهم في البطلان.
( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين.
وهذا -وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة، أن تتفق على قول- يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه، فإن لذلك سببا وهو أنهم: ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ) وهم علماؤهم ( وَرُهْبَانَهُمْ ) أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة.
( أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.
وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون اللّه، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.
( وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) اتخذوه إلها من دون اللّه، والحال أنهم خالفوا في ذلك أمر اللّه لهم على ألسنة رسله فما ( أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ) فيخلصون له العبادة والطاعة، ويخصونه بالمحبة والدعاء، فنبذوا أمر اللّه وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.

( سُبْحَانَهُ) وتعالى ( عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي: تنزه وتقدس، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم، فإنهم ينتقصونه في ذلك، ويصفونه بما لا يليق بجلاله، واللّه تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه، مما ينافي كماله المقدس.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:48 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (192)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(32) الى الأية(36)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه، ولا برهان لما أصَّلوه، وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه أخبر أنهم ( يُرِيدُونَ ) بهذا ( أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ )
ونور اللّه: دينه الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، وسماه اللّه نورا، لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة، فإنه علم بالحق، وعمل بالحق، وما عداه فإنه بضده، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بمجرد أقوالهم، التي ليس عليها دليل أصلا.
( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) لأنه النور الباهر، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه، والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده، وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء، ولهذا قال: ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئا.
ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ) الذي هو العلم النافع ( وَدِينِ الْحَقِّ ) الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمدا صلى الله عليه وسلم مشتملا على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين للّه وحده، ومحبة اللّه وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة.
فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) أي: ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك، وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه، وما ضمنه لا بد أن يقوم به.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

هذا تحذير من اللّه تعالى لعباده المؤمنين عن كثير من الأحبار والرهبان، أي: العلماء والعباد الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، أي: بغير حق، ويصدون عن سبيل اللّه، فإنهم إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس، أو بذل الناس لهم من أموالهم فإنه لأجل علمهم وعبادتهم، ولأجل هداهم وهدايتهم، وهؤلاء يأخذونها < 1-336 > ويصدون الناس عن سبيل اللّه، فيكون أخذهم لها على هذا الوجه سحتا وظلما، فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم إلا ليدلوهم إلى الطريق المستقيم.
ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق، أن يعطوهم ليفتوهم أو يحكموا لهم بغير ما أنزل اللّه، فهؤلاء الأحبار والرهبان، ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق، وصدهم الناس عن سبيل اللّه.
( وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) أي: يمسكونها ( وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أي: طرق الخير الموصلة إلى اللّه، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت.
( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ثم فسره بقوله: ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا ) أي: على أموالهم، ( فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) فيحمى كل دينار أو درهم على حدته.
( فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخا ولوما: ( هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ ) فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز.
وذكر اللّه في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:
إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة اللّه، وإخراجها للصد عن سبيل اللّه.
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و"النهي عن الشيء، أمر بضده"
وقوله: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ ) أي: في قضائه وقدره. ( اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ) وهي هذه الشهور المعروفة ( فِي كِتَابِ اللَّهِ ) أي في حكمه القدري، ( يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ) وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر [شهرا].
( مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها.
( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرام http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها.
ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى: ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً ) أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين.
ولا تخصوا أحدا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئا.
ويحتمل أن ( كَافَّةً ) حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين.

وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg الآية. ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:48 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (193)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(37) الى الأية(40)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

النسيء: هو ما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم، وكان من جملة بدعهم الباطلة، أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال في بعض أوقات الأشهر الحرم، رأوا -بآرائهم الفاسدة- أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم، التي حرم اللّه القتال فيها، وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم، أو يقدموه، ويجعلوا مكانه من أشهر الحل ما أرادوا، فإذا جعلوه مكانه أحلوا < 1-337 > القتال فيه، وجعلوا الشهر الحلال حراما، فهذا -كما أخبر اللّه عنهم- أنه زيادة في كفرهم وضلالهم، لما فيه من المحاذير.
منها: أنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، وجعلوه بمنزلة شرع اللّه ودينه، واللّه ورسوله بريئان منه.
ومنها: أنهم قلبوا الدين، فجعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا.
ومنها: أنهم مَوَّهوا على اللّه بزعمهم وعلى عباده، ولبسوا عليهم دينهم، واستعملوا الخداع والحيلة في دين اللّه.
ومنها: أن العوائد المخالفة للشرع مع الاستمرار عليها، يزول قبحها عن النفوس، وربما ظن أنها عوائد حسنة، فحصل من الغلط والضلال ما حصل، ولهذا قال: ( يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) أي: ليوافقوها في العدد، فيحلوا ما حرم اللّه.
( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) أي: زينت لهم الشياطين الأعمال السيئة، فرأوها حسنة، بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم.

( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) أي: الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم، فلو جاءتهم كل آية، لم يؤمنوا.

قال تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38 ) إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

اعلم أن كثيرا من هذه السورة الكريمة، نزلت في غزوة تبوك، إذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى غزو الروم، وكان الوقت حارا، والزاد قليلا والمعيشة عسرة، فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما أوجب أن يعاتبهم اللّه تعالى عليه ويستنهضهم، فقال تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ألا تعملون بمقتضى الإيمان، وداعي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg اليقين من المبادرة لأمر اللّه، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه والنصرة لدينكم، فـ ( مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ ) أي: تكاسلتم، وملتم إلى الأرض والدعة والسكون فيها.
( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ) أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا وسعى لها ولم يبال بالآخرة، فكأنه ما آمن بها.
( فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) التي مالت بكم، وقدمتموها على الآخرة ( إِلا قَلِيلٌ ) أفليس قد جعل اللّه لكم عقولا تَزِنُون بها الأمور، وأيها أحق بالإيثار؟.
أفليست الدنيا -من أولها إلى آخرها- لا نسبة لها في الآخرة. فما مقدار عمر الإنسان القصير جدا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار.
فبأي رَأْيٍ رأيتم إيثارها على الدار الآخرة الجامعة لكل نعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، فواللّه ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولي الألباب، ثم توعدهم على عدم النفير فقال:
( إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيها من المضار الشديدة، فإن المتخلف، قد عصى اللّه تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين اللّه، ولا ذب عن كتاب اللّه وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل ربما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء اللّه، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده اللّه بالوعيد الشديد، فقال: ( إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) ثم لا يكونوا أمثالكم ( وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ) فإنه تعالى متكفل بنصر دينه وإعلاء كلمته، فسواء امتثلتم لأمر اللّه، أو ألقيتموه، وراءكم ظهريا.
( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لا يعجزه شيء أراده، ولا يغالبه أحد.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا، فقد نصره في أقل ما يكون وأذلة ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك، وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج.
( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه. ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) أي: لما هربا من مكة، لجآ إلى غار ثور http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg في أسفل مكة، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال.
( إِذْ يَقُولُ ) النبي صلى الله عليه وسلم ( لِصَاحِبِهِ ) أبي بكر لما حزن واشتد قلقه، < 1-338 > ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) بعونه ونصره وتأييده.
( فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) أي: الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال ( لا تحزن إن اللّه معنا ) ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم اللّه حرسا له، ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ) أي: الساقطة المخذولة، فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين، في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذه، حنقين عليه، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه.
ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع، فإن النصر على قسمين: نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا، وقصدوا، ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم.
والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر، فنصر اللّه إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه، ولعل هذا النصر أنفع النصرين، ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع.
وقوله ( وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) أي كلماته القدرية وكلماته الدينية، هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر.
( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ) لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب، ( حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية.
وفي هذه الآية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة، والصحبة الجميلة، وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، كافرا، لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها.

وفيها فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش بها الأفئدة، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته.
وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأولى -إذا نزل بالعبد- أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:48 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (194)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(41) الى الأية(47)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41 ) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لعباده المؤمنين -مهيجا لهم على النفير في سبيله فقال: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) أي: في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والحر والبرد، وفي جميع الأحوال.
( وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أي: ابذلوا جهدكم في ذلك، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس، وفي هذا دليل على أنه -كما يجب الجهاد في النفس- يجب الجهاد في المال، حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك.
ثم قال: ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي: الجهاد في النفس والمال، خير لكم من التقاعد عن ذلك، لأن فيه رضا اللّه تعالى، والفوز بالدرجات العاليات عنده، والنصر لدين اللّه، والدخول في جملة جنده وحزبه.
لو كان خروجهم لطلب العرض القريب، أي: منفعة دنيوية سهلة التناول ( وَ ) كان السفر ( وَسَفَرًا قَاصِدًا ) أي: قريبا سهلا. ( لاتَّبَعُوكَ ) لعدم المشقة الكثيرة، ( وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) أي: طالت عليهم المسافة، وصعب عليهم السفر، فلذلك تثاقلوا عنك، وليس هذا من أمارات العبودية، بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد للّه على كل حال.
( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) أي: سيحلفون أن تخلفهم عن الخروج أن لهم أعذرا وأنهم لا يستطيعون ذلك.
( يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ) بالقعود والكذب والإخبار بغير الواقع، ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )
وهذا العتاب إنما هو للمنافقين، الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في "غزوة تبوك"وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا، فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم، من غير أن يمتحنهم، فيتبين له الصادق من الكاذب، ولهذا عاتبه اللّه على هذه المسارعة إلى عذرهم فقال:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43 ) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44 ) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ ) أي: سامحك وغفر لك ما أجريت.
( لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) في التخلف ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) بأن تمتحنهم، ليتبين لك الصادق من الكاذب، فتعذر من يستحق العذر ممن لا يستحق ذلك.
ثم أخبر أن المؤمنين باللّه واليوم الآخر، لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم، لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان، يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، < 1-339 > فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر.
( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه، ومن علمه بالمتقين، أنه أخبر، أن من علاماتهم، أنهم لا يستأذنون في ترك الجهاد.
( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي: ليس لهم إيمان تام، ولا يقين صادق، فلذلك قلَّتْ رغبتهم في الخير، وجبنوا عن القتال، واحتاجوا أن يستأذنوا في ترك القتال. ( فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) أي: لا يزالون في الشك والحيرة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46 ) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى مبينا أن المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية، وأن أعذارهم التي اعتذروها باطلة، فإن العذر هو المانع الذي يمنع إذا بذل العبد وسعه، وسعى في أسباب الخروج، ثم منعه مانع شرعي، فهذا الذي يعذر.
( و ) أما هؤلاء المنافقون فـ ( لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ) أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج.
( وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ) معكم في الخروج للغزو ( فَثَبَّطَهُمْ ) قدرا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم ( وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) من النساء والمعذورين.
ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا ) أي: نقصا.
( وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ ) أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، ( يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم.
( وَفِيكُمْ ) أناس ضعفاء العقول ( سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فللّه أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم.

( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:49 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (195)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(48) الى الأية(54)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشر فقال: ( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ ) أي: حين هاجرتم إلى المدينة، بذلوا الجهد، ( وَقَلَّبُوا لَكَ الأمُورَ ) أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، ( حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) فبطل كيدهم واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذر اللّه عباده المؤمنين منهم، وأن لا يبالي المؤمنين، بتخلفهم عنهم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ومن هؤلاء المنافقين من يستأذن في التخلف، ويعتذر بعذر آخر عجيب، فيقول: ( ائْذَنْ لِي ) في التخلف ( وَلا تَفْتِنِّي ) في الخروج، فإني إذا خرجت، فرأيت نساء بين الأصفر لا أصبر عنهن، كما قال ذلك "الجد بن قيس"
ومقصوده -قبحه اللّه- الرياء والنفاق بأن مقصودي مقصود حسن، فإن في خروجي فتنة وتعرضا للشر، وفي عدم خروجي عافية وكفا عن الشر.
قال اللّه تعالى مبينا كذب هذا القول: ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، [فإن] في التخلف مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة، وهي معصية اللّه ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير، ولهذا توعدهم اللّه بقوله: ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ليس لهم عنها مفر ولا مناص، ولا فكاك، ولا خلاص.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50 ) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى مبينا أن المنافقين هم الأعداء حقا، المبغضون للدين صرفا: ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ ) كنصر وإدالة على العدو ( تَسُؤْهُمْ ) أي: تحزنهم وتغمهم.
( وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ ) كإدالة العدو عليك ( يَقُولُوا ) متبجحين بسلامتهم من الحضور معك.
( قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ ) أي: قد حذرنا وعملنا بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة.
( وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ) فيفرحون بمصيبتك، وبعدم مشاركتهم إياك فيها. قال تعالى رادا عليهم في ذلك ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) أي: قدره وأجراه في اللوح المحفوظ.
( هُوَ مَوْلانَا ) أي: متولي أمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره وليس في أيدينا من الأمر شيء.
( وَعَلَى اللَّهِ ) وحده ( فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) أي: يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم، ويثقوا به في تحصيل مطلوبهم، فلا خاب من توكل عليه، وأما من توكل على غيره، فإنه مخذول غير مدرك لما أمل.
< 1-340 >

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربصون بنا إلا أمرا فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين، إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي. وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخلق، وأرفع المنازل عند اللّه.
وأما تربصنا بكم -يا معشر المنافقين- فنحن نتربص بكم، أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده، لا سبب لنا فيه، أو بأيدينا، بأن يسلطنا عليكم فنقتلكم. ( فَتَرَبَّصُوا ) بنا الخير ( إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) بكم الشر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53 ) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ (54 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المنافقين، وذاكرا السبب في ذلك ( قُلْ ) لهم ( أَنْفِقُوا طَوْعًا ) من أنفسكم ( أَوْ كَرْهًا ) على ذلك، بغير اختياركم. ( لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ) شيء من أعمالكم ( إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ) خارجين عن طاعة اللّه، ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم، فقال: ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ) والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها قاموا كسالى، قال: ( وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ) أي: متثاقلون، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم.

( وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ ) من غير انشراح صدر وثبات نفس، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده، ولا يتشبه بالمنافقين.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:49 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (196)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(55) الى الأية(60)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55 ) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56 ) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، فإنه لا غبطة فيها، وأول بركاتها عليهم أن قدموها على مراضى ربهم، وعصوا اللّه لأجلها ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) والمراد بالعذاب هنا، ما ينالهم من المشقة في تحصيلها، والسعي الشديد في ذلك، وهم القلب فيها، وتعب البدن.
فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم، لم يكن لها نسبة إليها، فهي -لما ألهتهم عن اللّه وذكره- صارت وبالا عليهم حتى في الدنيا.
ومن وبالها العظيم الخطر، أن قلوبهم تتعلق بها، وإرادتهم لا تتعداها، فتكون منتهى مطلوبهم وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا ( وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )
فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم والحسرة الملازمة.
( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ ) قصدهم في حلفهم هذا أنهم ( قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) أي: يخافون الدوائر، وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبينوا أحوالهم. فيخافون إن أظهروا حالهم منكم، ويخافون أن تتبرأوا منهم، فيتخطفهم الأعداء من كل جانب.
وأما حال قوي القلب ثابت الجنان، فإنه يحمله ذلك على بيان حاله، حسنة كانت أو سيئة، ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن، وحلوا بحلية الكذب.
ثم ذكر شدة جبنهم فقال: ( لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً ) يلجأون إليه عندما تنزل بهم الشدائد، ( أَوْ مَغَارَاتٍ ) يدخلونها فيستقرون فيها ( أَوْ مُدَّخَلا ) أي: محلا يدخلونه فيتحصنون فيه ( لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) أي: يسرعون ويهرعون، فليس لهم ملكة، يقتدرون بها على الثبات.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58 ) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات، وينتقد عليك فيها، وليس انتقادهم فيها وعيبهم لقصد صحيح، ولا لرأي رجيح، وإنما مقصودهم أن يعطوا منها. ( فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) وهذه حالة لا تنبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه، تابعا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعا لمرضاة ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"
وقال هنا: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) أي: أعطاهم من قليل وكثير. ( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ) < 1-341 > أي: كافينا اللّه، فنرضى بما قسمه لنا، وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا: ( سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) أي: متضرعون في جلب منافعنا، ودفع مضارنا، لسلموا من النفاق ولهدوا إلى الإيمان والأحوال العالية، ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة فقال:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ) أي: الزكوات الواجبة، بدليل أن الصدقة المستحبة لكل أحد، لا يخص بها أحد دون أحد.
أي: إنما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون من عداهم، لأنه حصرها فيهم، وهم ثمانية أصناف.
الأول والثاني: الفقراء والمساكين، وهم في هذا الموضع، صنفان متفاوتان، فالفقير أشد حاجة من المسكين، لأن اللّه بدأ بهم، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم، ففسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئا، أو يجد بعض كفايته دون نصفها.
والمسكين: الذي يجد نصفها فأكثر، ولا يجد تمام كفايته، لأنه لو وجدها لكان غنيا، فيعطون من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم.
والثالث: العاملون على الزكاة، وهم كل من له عمل وشغل فيها، من حافظ لها، أو جاب لها من أهلها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك، فيعطون لأجل عمالتهم، وهي أجرة لأعمالهم فيها.
والرابع: المؤلفة قلوبهم، المؤلف قلبه: هو السيد المطاع في قومه، ممن يرجى إسلامه، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة.
الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم، فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم، فيعانون على ذلك من الزكاة، وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار داخل في هذا، بل أولى، ويدخل في هذا أنه يجوز أن يعتق منها الرقاب استقلالا لدخوله في قوله: ( وفي الرقاب )
السادس: الغارمون، وهم قسمان:
أحدهما: الغارمون لإصلاح ذات البين، وهو أن يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة، فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم بمال يبذله لأحدهم أو لهم كلهم، فجعل له نصيب من الزكاة، ليكون أنشط له وأقوى لعزمه، فيعطى ولو كان غنيا.
والثاني: من غرم لنفسه ثم أعسر، فإنه يعطى ما يُوَفِّى به دينه.
والسابع: الغازي في سبيل اللّه، وهم: الغزاة المتطوعة، الذين لا ديوان لهم، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم، من ثمن سلاح، أو دابة، أو نفقة له ولعياله، ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه.
وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطي من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل اللّه.
وقالوا أيضا: يجوز أن يعطى منها الفقير لحج فرضه، [وفيه نظر] http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg .
والثامن: ابن السبيل، وهو الغريب المنقطع به في غير بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، فهؤلاء الأصناف الثمانية الذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم.
( فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) فرضها وقدرها، تابعة لعلمه وحكمه ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) واعلم أن هذه الأصناف الثمانية، ترجع إلى أمرين:
أحدهما: من يعطى لحاجته ونفعه، كالفقير، والمسكين، ونحوهما.
والثاني: من يعطى للحاجة إليه وانتفاع الإسلام به، فأوجب اللّه هذه الحصة في أموال الأغنياء، لسد الحاجات الخاصة والعامة للإسلام والمسلمين، فلو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم على الوجه الشرعي، لم يبق فقير من المسلمين، ولحصل من الأموال ما يسد الثغور، ويجاهد به الكفار وتحصل به جميع المصالح الدينية.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ومن هؤلاء المنافقين ( الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ) بالأقوال الردية، والعيب له ولدينه، ( وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) أي: لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي، ويقولون: إذا بلغه عنا بعض ذلك، جئنا نعتذر إليه، فيقبل منا، لأنه أذن، أي: يقبل كل ما يقال له، لا يميز بين صادق وكاذب، < 1-342 > وقصدهم -قبحهم اللّه- فيما بينهم، أنهم غير مكترثين بذلك، ولا مهتمين به، لأنه إذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم، وإن بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل.
فأساءوا كل الإساءة من أوجه كثيرة، أعظمها أذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم، وإخراجهم من الشقاء والهلاك إلى الهدى والسعادة.
ومنها: عدم اهتمامهم أيضا بذلك، وهو قدر زائد على مجرد الأذية.
ومنها: قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم إدراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب، وهو أكمل الخلق عقلا وأتمهم إدراكا، وأثقبهم رأيا وبصيرة، ولهذا قال تعالى: ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) أي: يقبل من قال له خيرا وصدقا.

وأما إعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكذب، فلسعة خلقه، وعدم اهتمامه بشأنهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg ، وامتثاله لأمر اللّه في قوله: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .
وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه، فقال عنه: ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الصادقين المصدقين، ويعلم الصادق من الكاذب، وإن كان كثيرا ما يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم، ( وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) فإنهم به يهتدون، وبأخلاقه يقتدون.
وأما غير المؤمنين فإنهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها، فخسروا دنياهم وآخرتهم، ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ ) بالقول أو الفعل ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الدنيا والآخرة، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:49 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (197)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(62) الى الأية(68)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62 ) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg

( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ) فيتبرأوا مما صدر منهم من الأذية وغيرها، فغايتهم أن ترضوا عليهم. ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم حيث قدموا رضا غير اللّه ورسوله.
وهذا محادة للّه ومشاقة له، وقد توعد من حاده بقوله: ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) أي http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg : يكون في حد وشق مبعد عن اللّه ورسوله بأن تهاون بأوامر اللّه، وتجرأ على محارمه.
( فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) الذي لا خزي أشنع ولا أفظع منه، حيث فاتهم النعيم المقيم، وحصلوا على عذاب الجحيم عياذا باللّه من أحوالهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64 ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65 ) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

كانت هذه السورة الكريمة تسمى "الفاضحة" لأنها بينت أسرار المنافقين، وهتكت أستارهم، فما زال اللّه يقول: ومنهم ومنهم، ويذكر أوصافهم، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين: إحداهما: أن اللّه سِتِّيرٌ يحب الستر على عباده.
والثانية: أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين، الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب، حتى خافوا غاية الخوف.
قال اللّه تعالى: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg
وقال هنا ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ) أي تخبرهم وتفضحهم وتبين أسرارهم حتى تكون علانية لعباده ويكونوا عبرة للمعتبرين
( قُلِ اسْتَهْزِئُوا ) أي استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية ( إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ) وقد وفَّى تعالى بوعده فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت أستارهم
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم يقول طائفة منهم في غزوة تبوك"ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- أرغب بطونا وأكذب ألسنا http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg وأجبن عند اللقاء"ونحو ذلك
ولما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاءوا يعتذرون إليه ويقولون ( إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) أي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب
قال اللّه تعالى -مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك- ( قُلْ ) لهم ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه وتعظيم < 1-343 > دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة
ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
وقوله ( إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ) لتوبتهم واستغفارهم وندمهم ( نُعَذِّبْ طَائِفَةً ) منكم ( بِأَنَّهُمْ ) بسبب أنهم ( كَانُوا مُجْرِمِينَ ) مقيمين على كفرهم ونفاقهم
وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه أشد العقوبة
وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر باللّه العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67 ) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) لأنهم اشتركوا في النفاق، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم.
ثم ذكر وصف المنافقين العام، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير، فقال: ( يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ) وهو الكفر والفسوق والعصيان.
( وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ) وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة. ( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) عن الصدقة وطرق الإحسان، فوصفهم البخل.
( نَسُوا اللَّهَ ) فلا يذكرونه إلا قليلا ( فَنَسِيَهُمْ ) من رحمته، فلا يوفقهم لخير، ولا يدخلهم الجنة، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار، خالدين فيها مخلدين.
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) حصر الفسق فيهم، لأن فسقهم أعظم من فسق غيرهم، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم، وأن المؤمنين قد ابتلوا بهم، إذ كانوا بين أظهرهم، والاحتراز منهم شديد.

( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) جمع المنافقين والكفار في النار، واللعنة والخلود في ذلك، لاجتماعهم في الدنيا على الكفر، والمعاداة للّه ورسوله، والكفر بآياته.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:50 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (198)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(69) الى الأية(72)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَ اتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى محذرا المنافقين أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم المكذبة. ( قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَ اتِ ) أي: قرى قوم لوط.
فكلهم ( أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي: بالحق الواضح الجلي، المبين لحقائق الأشياء، فكذبوا بها، فجرى عليهم ما قص اللّه علينا، فأنتم أعمالكم شبيهة بأعمالهم، استمتعتم بخلاقكم، أي: بنصيبكم من الدنيا فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة معرضين عن المراد منه، واستعنتم به على معاصي اللّه، ولم تتعد همتكم وإرادتكم ما خولتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا، أي: وخضتم بالباطل والزور وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحق، فهذه أعمالهم وعلومهم، استمتاع بالخلاق وخوض بالباطل، فاستحقوا من العقوبة والإهلاك ما استحق من قبلهم ممن فعلوا كفعلهم، وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا، فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة اللّه، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل.
قوله ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) إذ أوقع بهم من عقوبته ما أوقع. ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) حيث تجرأوا على معاصيه، وعصوا رسلهم، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.

< 1-344 >

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

لما ذكر أن المنافقين بعضهم أولياء بعض http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg ذكر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين، فقال: ( وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ ) أي: ذكورهم وإناثهم ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.
( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) وهو: اسم جامع، لكل ما عرف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، ( وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وهو: كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.
( وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) أي: لا يزالون ملازمين لطاعة اللّه ورسوله على الدوام.
( أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ) أي: يدخلهم في رحمته، ويشملهم بإحسانه.
( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أي: قوي قاهر، ومع قوته فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به الذي يحمد على ما خلقه وأمر به.
ثم ذكر ما أعد اللّه لهم من الثواب فقال: ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) جامعة لكل نعيم وفرح، خالية من كل أذى وترح، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين الأنيقة، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا اللّه تعالى.
( خَالِدِينَ فِيهَا ) لا يبغون عنها حِوَلا ( وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) قد زخرفت وحسنت وأعدت لعباد اللّه المتقين، قد طاب مرآها، وطاب منزلها ومقيلها، وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون، حتى إن اللّه تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها.
فهذه المساكن الأنيقة، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها القلوب، وتشتاق لها الأرواح، لأنها في جنات عدن، أي: إقامة لا يظعنون عنها، ولا يتحولون منها.
( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ) يحله على أهل الجنة ( أَكْبَرُ ) مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب الأرض والسماوات، أكبر من نعيم الجنات.

( ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور، فنسأل اللّه أن يجعلنا معهم بجوده.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:50 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (199)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(73) الى الأية(80)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73 ) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ ) أي: بالغ في جهادهم والغلظة عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم.
وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان والسيف والبيان.
ومن كان مذعنا للإسلام بذمة أو عهد، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر، فهذا ما لهم في الدنيا.
( وَ ) أما في الآخرة، فـ ( مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) أي: مقرهم الذي لا يخرجون منها ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).
( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) أي: إذا قالوا قولا كقول من قال منهم http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg والكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد، في الاستهزاء بالدين، وبالرسول.
فإذا بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء من ذلك، جاءوا إليه يحلفون باللّه ما قالوا.
قال تعالى مكذبا لهم: ( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) فإسلامهم السابق -وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر -فكلامهم الأخير ينقض إسلامهم، ويدخلهم بالكفر.
( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) وذلك حين هموا بالفتك برسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقص اللّه عليه نبأهم، فأمر من يصدهم عن قصدهم.
( وَ ) الحال أنهم ( مَا نَقَمُوا ) وعابوا من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ( إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) بعد أن كانوا فقراء معوزين، وهذا من أعجب الأشياء، أن يستهينوا بمن كان سببا لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومغنيا لهم بعد الفقر، وهل حقه عليهم إلا أن يعظموه، ويؤمنوا به ويجلوه؟ فاجتمع الداعي الديني وداعي المروءة الإنسانية.
< 1-345 >
ثم عرض عليهم التوبة فقال: ( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ) لأن التوبة، أصل لسعادة الدنيا والآخرة.
( وَإِنْ يَتَوَلَّوْا ) عن التوبة والإنابة ( يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) في الدنيا بما ينالهم من الهم والغم والحزن على نصرة اللّه لدينه، وإعزار نبيه، وعدم حصولهم على مطلوبهم، وفي الآخرة، في عذاب السعير.
( وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ ) يتولى أمورهم، ويحصل لهم المطلوب ( وَلا نَصِيرٍ ) يدفع عنهم المكروه، وإذا انقطعوا من ولاية اللّه تعالى، فَثَمَّ أصناف الشر والخسران، والشقاء والحرمان.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75 ) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76 ) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77 ) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: ومن هؤلاء المنافقين من أعطى اللّه عهده وميثاقه ( لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ ) من الدنيا فبسطها لنا ووسعها ( لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) فنصل الرحم، ونقري الضيف، ونعين على نوائب الحق، ونفعل الأفعال الحسنة الصالحة.
( فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) لم يفوا بما قالوا، بل ( بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا ) عن الطاعة والانقياد ( وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) أي: غير ملتفتين إلى الخير.
فلما لم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه، عاقبهم ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ) مستمرا ( إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع، أن يعاهد ربه، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق كما عاقب هؤلاء.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف"
فهذا المنافق الذي وعد اللّه وعاهده، لئن أعطاه اللّه من فضله، ليصدقن وليكونن من الصالحين، حدث فكذب، وعاهد فغدر، ووعد فأخلف.
ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع، بقوله: ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ ) وسيجازيهم على ما عملوا من الأعمال التي يعلمها اللّه تعالى، وهذه الآيات نزلت في رجل من المنافقين يقال له "ثعلبة" جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله أن يدعو اللّه له، أن يعطيه الله من فضله، وأنه إن أعطاه، ليتصدقن، ويصل الرحم، ويعين على النوائب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان له غنم، فلم تزل تتنامى، حتى خرج بها عن المدينة، فكان لا يحضر إلا بعض الصلوات الخمس، ثم أبعد، فكان لا يحضر إلا صلاة الجمعة، ثم كثرت فأبعد بها، فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة.
ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر بحاله، فبعث من يأخذ الصدقات من أهلها، فمروا على ثعلبة، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، فلما لم يعطهم جاءوا فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة"ثلاثا.
فلما نزلت هذه الآية فيه، وفي أمثاله، ذهب بها بعض أهله فبلغه إياها، فجاء بزكاته، فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بها لأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها، ثم جاء بها بعد أبي بكر لعمر فلم يقبلها، فيقال: إنه هلك في زمن عثمان http://majles.alukah.net/imgcache/2019/01/11.jpg .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79 ) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .
وهذا أيضا من مخازي المنافقين، فكانوا -قبحهم اللّه- لا يدعون شيئا من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالا إلا قالوا وطعنوا بغيا وعدوانا، فلما حثَّ اللّه ورسوله على الصدقة، بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم كل على حسب حاله، منهم المكثر، ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة، وقالوا < 1-346 > للمقل الفقير: إن اللّه غني عن صدقة هذا، فأنزل اللّه تعالى: ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ) أي: يعيبون ويطعنون ( الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) فيقولون: مراءون، قصدهم الفخر والرياء.
( و ) يلمزون ( الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ ) فيخرجون ما استطاعوا ويقولون: اللّه غني عن صدقاتهم ( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ) .
فقابلهم الله على صنيعهم بأن ( سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فإنهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير.
منها: تتبعهم لأحوال المؤمنين، وحرصهم على أن يجدوا مقالا يقولونه فيهم، واللّه يقول: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .
ومنها: طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم، كفر باللّه تعالى وبغض للدين.
ومنها: أن اللمز محرم، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا، وأما اللمز في أمر الطاعة، فأقبح وأقبح.
ومنها: أن من أطاع اللّه وتطوع بخصلة من خصال الخير، فإن الذي ينبغي[هو] إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم عليه.
ومنها: أن حكمهم على من أنفق مالا كثيرا بأنه مراء، غلط فاحش، وحكم على الغيب، ورجم بالظن، وأي شر أكبر من هذا؟!!
ومنها: أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة:"اللّه غني عن صدقة هذا"كلام مقصوده باطل، فإن اللّه غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير، بل وغني عن أهل السماوات والأرض، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه، فاللّه -وإن كان غنيا عنهم- فهم فقراء إليه http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهر بين، ولهذا كان جزاؤهم أن سخر اللّه منهم، ولهم عذاب أليم.

ابوالوليد المسلم 05-11-2019 01:51 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (200)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة التوبةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(80) الى الأية(87)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة براءة
وهي مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً (80 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

على وجه المبالغة، وإلا فلا مفهوم لها.
(فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) كما قال في الآية الأخرى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( ثم ذكر السبب المانع لمغفرة اللّه لهم فقال: http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg والكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرا.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg أي: الذين صار الفسق لهم وصفا، بحيث لا يختارون عليه سواه ولا يبغون به بدلا يأتيهم الحق الواضح فيردونه، فيعاقبهم اللّه تعالى بأن لا يوفقهم له بعد ذلك.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81 ) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82 ) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك َ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك، الدال على عدم الإيمان، واختيار الكفر على الإيمان.
( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ) وهذا قدر زائد على مجرد التخلف، فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به.
( وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل اللّه وإحسانه وبره وامتنانه.
( وَقَالُوا ) أي: المنافقون ( لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ) أي: قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة.
وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/260.jpg والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية.
ولهذا قال: ( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) لما آثروا ما يفنى على ما يبقى، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية، إلى المشقة الشديدة الدائمة.
قال الله تعالى: ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ) أي: فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية، ويفرحوا بلذاتها، ويلهوا بلعبها، فسيبكون كثيرا في عذاب أليم ( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) من الكفر والنفاق، وعدم الانقياد لأوامر ربهم.
( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ) وهم الذين تخلفوا من غير عذر، ولم يحزنوا على تخلفهم ( فَاسْتَأْذَنُوك َ لِلْخُرُوجِ ) لغير هذه الغزوة، إذا رأوا السهولة. ( فَقُلْ ) لهم عقوبة ( لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) فسيغني اللّه عنكم.
( إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ) وهذا كما قال تعالى http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة، لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه.
وفيه أيضا تعزير لهم، فإنه إذا تقرر عند المسلمين أن هؤلاء من الممنوعين من الخروج إلى الجهاد لمعصيتهم، كان < 1-347 > ذلك توبيخا لهم، وعارا عليهم ونكالا أن يفعل أحد كفعلهم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا ) من المنافقين (وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) بعد الدفن لتدعو له، فإن صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم، وهم لا تنفع فيهم الشفاعة.

(إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) ومن كان كافرا ومات على ذلك، فما تنفعه شفاعة الشافعين، وفي ذلك عبرة لغيرهم، وزجر ونكال لهم، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق، فإنه لا يصلى عليه.
وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل ذلك في المؤمنين، فإن تقييد النهي بالمنافقين يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

أي: لا تغتر بما أعطاهم اللّه في الدنيا من الأموال والأولاد، فليس ذلك لكرامتهم عليه، وإنما ذلك إهانة منه لهم. (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا ) فيتعبون في تحصيلها، ويخافون من زوالها، ولا يتهنئون بها.

بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها، وتلهيهم عن اللّه والدار الآخرة، حتى ينتقلوا من الدنيا (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) قد سلبهم حبها عن كل شيء، فماتوا وقلوبهم بها متعلقة، وأفئدتهم عليها متحرقة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/258.jpg وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86 ) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87 ) http://majles.alukah.net/imgcache/2018/11/259.jpg .

يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات، وأنها لا تؤثر فيهم السور والآيات: (وَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ ) يؤمرون فيها بالإيمان باللّه والجهاد في سبيل اللّه.
(اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ) يعني: أولي الغنى والأموال، الذين لا عذر لهم، وقد أمدهم اللّه بأموال وبنين، أفلا يشكرون اللّه ويحمدونه، ويقومون بما أوجبه عليهم، وسهل عليهم أمره، ولكن أبوا إلا التكاسل والاستئذان في القعود
(وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ).


الساعة الآن : 01:58 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 690.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 688.64 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]