رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (كتاب صلاة العيدين) (286) - كتاب صلاة العيدين - (باب الخطبة في العيدين بعد الصلاة) إلى (باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان) دلت السنة على كون خطبة العيد بعد الصلاة، والناس مخيرون بين الجلوس لسماع الخطبة والانصراف، كما أنه يستحب التزين للعيد وللخطبة، ويكون الخطيب قائماً وبارزاً للناس، مع جواز أن يخطب متكئاً على شخص آخر، وأن يخطب من على الناقة، وله أن يعظ النساء بما يخصهن. الخطبة في العيدين بعد الصلاة شرح حديث ابن عباس: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخطبة في العيدين بعد الصلاة.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت أيوب يخبر عن عطاء سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب)]. يقول النسائي رحمه الله تعالى: الخطبة في العيدين بعد الصلاة. المقصود من الترجمة بيان أن موضع الخطبة في العيدين إنما هو بعد الصلاة وليس قبل الصلاة، وقد أورد النسائي فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب)، فإنه واضح الدلالة على الترجمة وأن الصلاة تقدم والخطبة تؤخر. وقوله: (أشهد)، فيه تأكيد الخبر الذي أخبر به والحديث الذي رواه، ولا يحتاج الأمر إلى ذكر (أشهد) بل مجرد إخبار الصحابي كاف في ذلك، ولكن ذكر الشهادة فيه زيادة توضيح وزيادة تحقيق. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (أشهد أني شهدت العيد مع رسول الله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة...) قوله: [أخبرنا محمد بن منصور]. محمد بن منصور وهو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي. [عن سفيان]. وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، حجة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب]. أيوب وهو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء]. وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما]. وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابي ابن صحابي، أبوه العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبد الله هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهم من صغار الصحابة، والذين يسمون باسم عبد الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، لكن لقب العبادلة الأربعة أطلق على هؤلاء الأربعة، وإلا فــعبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وأبو بكر اسمه عبد الله بن عثمان. وابن عباس هو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء سبعة معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث البراء بن عازب: (خطبنا رسول الله يوم النحر بعد الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة)].ثم أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبنا يوم العيد بعد الصلاة)، وهو واضح الدلالة على الترجمة أن الخطبة في العيد تكون بعد الصلاة، فهو مثل حديث ابن عباس، كل منهما يدل على أن الخطبة في العيد تكون بعد الصلاة، ومن ذلك أيضاً ما جاء عن أبي سعيد في قصة إنكاره على مروان بن الحكم لما أراد أن يخطب يوم العيد قبل الصلاة فأنكر ذلك عليه، وجلس أبو سعيد وصلى معه ولم يترك حضور الصلاة مع أن فيه مخالفة للسنة من جهة أنه قدم الخطبة على الصلاة. وحديث أبي سعيد مثل حديث أبي هريرة والبراء كلها تدل على أن الخطبة يوم العيد تكون بعد الصلاة وليست قبل الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب: (خطبنا رسول الله يوم النحر بعد الصلاة) قوله: [أخبرنا قتيبة]. وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان هي قرية من قرى بلخ، وبلخ إحدى المدن الكبيرة في خراسان، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الأحوص]. وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي الأحوص وكانت وفاته سنة مائة وتسع وسبعين أي في السنة التي مات فيها الإمام مالك، وقتيبة ممن عمر وكانت وفاته سنة مائتين وأربعين وولادته سنة مائة وخمسين وهي السنة التي مات فيها أبو حنيفة والتي ولد فيها الشافعي، وقد روى عن أبي الأحوص الذي توفي في السنة التي مات فيها مالك وهي سنة مائة وتسعة وسبعين، أي أن عُمْر قتيبة عند وفاة أبي الأحوص تسع وعشرون سنة. [عن منصور]. وهو منصور بن المعتمر الكوفي هو ثقة من أقران الأعمش، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الشعبي]. الشعبي هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن البراء بن عازب]. البراء بن عازب صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين شرح حديث: (أن النبي صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف...) وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين.حدثنا محمد بن يحيى بن أيوب حدثنا الفضل بن موسى حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين، المقصود من ذلك أن حضور الخطبة والجلوس للاستماع لها ليس بواجب وإنما مستحب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام خيّر بين الجلوس والانصراف، وكونه خير بين الجلوس والانصراف يدل على أن الحضور ليس بلازم. وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العيد خطب الناس وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم)، أي من أحب أن ينصرف ولا يجلس لسماع الخطبة فله ذلك ومن أحب أن يبقى فله أن يبقى. ولا شك أن البقاء خير من الانصراف، ولكن لما وجد التخيير فيه دل على أنه غير واجب، وهذا من جنس التخيير باليوم الثالث من أيام التشريق، يعني هو مخير، من أراد أن يتعجل تعجل ومن أراد أن يتأخر تأخر لكن التأخر أفضل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تأخر، فدل هذا على أن الجلوس أو البقاء في اليوم الثالث عشر أنه مخير فيه كما جاء في القرآن لكن التأخر أفضل من التعجل؛ لأنه زيادة عمل وزيادة قربة إلى الله عز وجل، وفيها زيادة الأجر، والنبي عليه الصلاة والسلام تأخر وما تعجل، فكذلك من أراد أن ينصرف في الخطبة يوم العيد فله أن ينصرف وليس عليه بأس، ولكن من بقي فلا شك أنه أفضل وهو أولى. هذا الحديث يدل على أن مما تشتمل عليه الخطبة يوم العيد بيان شيء من أحكام العيد وما يتعلق بيوم العيد؛ لأن هذا من البيان وقت الحاجة، فلابد في خطبة الأضحى أن تشتمل على بيان الأضاحي وما يتعلق بذلك، وفي خطبة عيد الفطر أن تشتمل على بيان ما يتعلق بزكاة الفطر من رمضان، وكذلك لابد أن تشتمل كل منهما على الوصايا والتذكير، ثم أيضاً لابد من بيان الأحكام المتعلقة بالعيد وبالخطبة كما أنه عليه الصلاة والسلام بين أن حضور الخطبة ليس بواجب ولكنه مستحب. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى العيد وقال: من أحب أن ينصرف فلينصرف...) قوله: [محمد بن يحيى بن أيوب]. وهو محمد بن يحيى بن أيوب المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي. [حدثنا الفضل بن موسى]. الفضل بن موسى هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن جريج]. ابن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء]. وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن السائب المكي]. وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. الزينة للخطبة للعيدين شرح حديث أبي رمثة: (رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الزينة للخطبة للعيدين.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا عبيد الله بن إياد عن أبيه عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي الزينة للخطبة في العيد، ومن المعلوم أن الخطبة في العيد لا تتميز بشيء عن صلاة العيد، وإنما التجمل للعيد للخروج إلى الصلاة وللخطبة، وقد مر في حديث عمر رضي الله عنه الذي فيه أنه عرض عليه أن يشتري له حلة من ديباج ليتجمل فيها للعيد وللوفد، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له)؛ لأنها من حرير، لكنه أفاد التجمل للعيد وأما الخطبة فليس لها شيء يخصها؛ لأن من ذهب للعيد وصلى فلباسه في ذهابه واحد للخطبة ولغير الخطبة ولا يخص الخطبة، ولكن الحديث أخبر بأنه رآه وهو يخطب وعليه بردان أخضران. الحاصل أنه أخبر عن كونه رآه؛ لأنه واقف يخطب ورأى لباسه عليه الصلاة والسلام فأخبر عن الشيء الذي رآه وشاهده وعاينه في حال الخطبة، لكن الحكم في الحقيقة لا يخص الخطبة، والزينة لا تكون للخطبة، وإنما الزينة للعيد، والعيد فيه الخطبة وفيه الصلاة، والحديث سبق أن مر في التجمل للعيد. وقد أورد النسائي حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم العيد وعليه بردان أخضران)، الحديث واضح الدلالة على التجمل، وكما قلت: لا يخص الخطبة بل التجمل لصلاة العيد، والذهاب للعيد فيه صلاة وفيه خطبة واجتماع بالناس. تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة: (رأيت النبي يخطب وعليه بردان أخضران) قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. وهو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكل من أصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة فهو شيخ لهم جميعاً، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، قيل: إن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين ومحمد بن بشار توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ويماثله في سنة الوفاة شيخان آخران لأصحاب الكتب الستة، وهما محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأيضاً هذان توفيا في السنة التي مات فيها محمد بن بشار، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فهؤلاء الثلاثة محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، اتفق أنهم توفوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، واتفقوا في أنهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكل واحد من أصحاب الكتب الستة روى عن هؤلاء الثلاثة: محمد بن المثنى، محمد بن بشار، يعقوب بن إبراهيم الدورقي. [حدثنا عبد الرحمن]. عبد الرحمن وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، إمام، عارف بالرجال والعلل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، قال عنه وعن يحيى بن سعيد القطان: إنهما إذا جرحا شخصاً أو اتفقا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. يعني: أنهما يصيبان وأن كلامهما فيه معتمد. [حدثنا عبيد الله بن إياد]. وهو عبيد الله بن إياد بن لقيط السدوسي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [عن أبيه]. الأب إياد بن لقيط السدوسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وهو مثل ابنه أي الذين خرجوا لـعبيد الله بن إياد، هم الذين خرجوا لأبيه إياد، البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، أي: ما خرج لهما البخاري في الصحيح، ولا ابن ماجه، والباقون خرجوا للاثنين للابن والأب. [عن أبي رمثة]. وأبو رمثة وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، أخرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
الخطبة على البعير شرح حديث أبي كاهل الأحمسي: (رأيت النبي يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخطبة على البعير.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أبي زائدة أخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي كاهل الأحمسي قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الخطبة على البعير، وفي هذا دليل على أن الخطبة تكون على مكان مرتفع سواءً كانت على بعير أو كانت على منبر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه خطب على المنبر، وجاء أنه خطب على بعير، وهذا فيه جواز الخطبة على البعير. وأورد النسائي فيه حديث أبي كاهل الأحمسي رضي الله تعالى عنه، قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقة، وحبشي آخذ بخطام الناقة)، والحبشي قيل: إنه بلال صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحديث ليس فيه تنصيص على العيد وذكر العيد، لكن فيه تنصيص أو دليل على أن الخطبة تكون على مكان مرتفع، وأنه يجوز أن تكون على دابة كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث أبي كاهل الأحمسي: (رأيت النبي يخطب على ناقة وحبشي آخذ بخطام الناقة) قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم]. يعقوب بن إبراهيم وهو الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي مر ذكره قريباً مع محمد بن بشار، وأنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، وأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [حدثنا ابن أبي زائدة]. ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أخبرني إسماعيل بن أبي خالد]. وهو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أخيه]. وأخوه مبهم، وهذا يسمى المبهم أي: الذي لم يسم، وإسماعيل بن أبي خالد له أربعة إخوة هم أشعث، وسعيد، والنعمان، وخالد لكن الذي ذكر أنه روى عنه حديث الخطبة في العيد هو سعيد بن أبي خالد، وهو صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه. [عن أبي كاهل]. وأبو كاهل الأحمسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقيل: إن اسمه قيس بن عائذ، اخرج حديثه النسائي، وابن ماجه. قيام الإمام في الخطبة شرح حديث: (كان رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الإمام في الخطبة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سماك قال: (سألت جابراً رضي الله تعالى عنه: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الخطبة قائماً، وأورد فيه حديث جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، ثم يقعد قعدة، ثم يقوم. أي: فيخطب الخطبة الثانية، والحديث مطلق ليس فيه التنصيص على العيد، ولكنه فيه الخطبة عن قيام، وهذا هو المعروف عنه عليه الصلاة والسلام، أو الغالب عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، وقد جاء في بعض الأحوال أنه قعد على المنبر، أو جلس على المنبر، في الكسوف، وفي الاستسقاء، أي: ذكر القعود، والجلوس. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة ثم يقوم) قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. وهو ابن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي. [حدثنا خالد]. هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة]. هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن سماك]. عن سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن جابر بن عبد الله الأنصاري]. صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان شرح حديث جابر في قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، فلما قضى الصلاة قام متوكئاً على بلال، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ الناس وذكرهم، وحثهم على طاعته، ثم مال، ومضى إلى النساء ومعه بلال، فأمرهن بتقوى الله، ووعظهن، وذكرهن، وحمد الله وأثنى عليه، ثم حثهن على طاعته، ثم قال: تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم، فقالت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين: بم يا رسول الله؟ قال: تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير، فجعلن ينزعن قلائدهن، وأقراطهن، وخواتيمهن يقذفنه في ثوب بلال يتصدقن به)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان، وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب، وهو متكئ على بلال، فهذا فيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، من خطبة الإمام وهو متكئ على غيره، وقد أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه الذي قال فيه: شهدت العيد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فصلى قبل الخطبة، أي: بدأ بالصلاة، وهذا فيه دليل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، من أن الصلاة تكون قبل الخطبة، وكان مما اشتملت عليه خطبته أنه ذكر الناس ووعظهم، وهذا فيه دليل على أن الخطبة في العيدين تشتمل على تذكير وعلى عظات يذكر بها الناس، ويخوفهم بها، ففيه الترغيب وفيه الترهيب وفيه بيان طرق الخير والحث عليها وبيان شيء من أنواع الشر والتحذير منها، هذا مما يشمله الوعظ والتذكير. وقوله (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة)، يعني أنه ما كان لها أذان ولا إقامة. قوله: (فلما قضى الصلاة قام متوكئاً على بلال فحمد الله وأثنى عليه). (قام متوكئاً على بلال)، يعني خطب الناس وهو متوكئ على بلال، وهذا هو محل الشاهد من حديث الترجمة وهو متوكئ على إنسان. وقوله: (ثم مال إلى النساء)، يعني: ذهب إليهن ووعظهن وذكرهن، وذلك لأن أماكنهن بعيدة وقد لا يسمعن الخطبة، وفي هذا دليل على جواز مثل هذا العمل إذا كان هناك أمر يقتضيه بكونه لا يحصل السماع، وأما في هذا الوقت مع وجود مكبرات الصوت فإن القريب والبعيد يسمع بحمد الله فلا يحتاج إلى مثل هذا العمل، الذي هو الذهاب لتذكير النساء أو وعظهن، وإنما يمكن أن يكون لهن نصيب في الخطبة أو يذكرن في الخطبة، لكن تخصيصهن أو الذهاب إليهن ليس هناك حاجة إليه مع وجود مكبرات الصوت. ومن العلماء من قال: إن هذا خاص به وأنه ليس لأحد أن يذهب إليهن. ومنهم من قال: إن غيره يكون كذلك، وهذا هو الأصل؛ لأنه لا يقال بالتخصيص أو أن أفعاله خاصة به إلا بدليل وإلا فإن أفعاله الأصل فيها التشريع حتى يأتي دليل يدل على الخصوصية به عليه الصلاة والسلام وأنه لا يشاركه في هذا الحكم أحد، لكن الأمر كما أشرت وهو عند الحاجة أما عند وجود المكبرات فليس هناك حاجة تدعو إليه. قوله: (وحثهن على الصدقة، وقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)، وهذا يدل على أن الصدقة تكون سبباً في السلامة من عذاب النار، ولهذا لما قال: (إنهن أكثر حطب جهنم)، أرشدهن إلى شيء يكون سبباً في سلامتهن من جهنم وهو الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، يعني الصدقة فيها السلامة ولو كانت قليلة، ما دام أن الإنسان لا يجد غيرها: أو لا يجد إلا شيئاً قليلاً فيتصدق مما أعطاه الله ومما يقدر عليه، https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[البقرة:286]، https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifلِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[الطلاق:7]. ولما قال: (تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم قامت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين)، وسفلة قيل: إنها التي ليست من علية النساء، وجاء في بعض الأحاديث سطة النساء، يعني أنها في وسط النساء أو من أوساط النساء. وقوله: (سفعاء الخدين)، فيه بيان أن خديها كانا بارزان، وهذا مما يستدل به من يقول: أن المرأة لا تغطي وجهها بل لها أن تكشفه، وقد أجاب عنه بعض أهل العلم القائلين بأن المرأة تغطي وجهها: أن هذا يمكن أن يكون قبل مشروعية الحجاب، أو أنه كان ذلك بعده ولكن عندما قال عليه الصلاة والسلام: إنهن أكثر حطب جهنم حصل فزع فأرادت أن تسأل فسألت ووجهها مكشوف، فهذه القضية حالة معينة أجيب عنها، إما باحتمال أنه قبل أن يشرع الحجاب، أو أنه حصل الانكشاف بسبب ما حصل من الفزع عندما قال: (إن أكثركن حطب جهنم). قوله: (سفعاء الخدين)، أي: السفع هو السواد، والذي هو فيه شيء يغاير اللون، فقالت: (بم يا رسول الله؟) يعني: ما هو السبب؟ ما الذي جعل النساء يكن أكثر حطب جهنم؟ فقال: (تكثرن الشكاة وتكفرن العشير) العشير هو الزوج، والكفران: أنه إذا أحسن إليها وأكثر إحسانه إليها ثم غضبت عليه أو كان في نفسها عليه في يوم من الأيام نسيت كل ما تقدم من الإحسان وقالت: ما رأيت منك خيراً قط كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات، فهذا من كفران العشير. وقد مر قوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل أيكفرن بالله؟ (قال: يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً -يعني يسوءها- قالت: ما رأيت منك خيراً قط). قوله: (فجعلن ينزعن قلائدهن وأقراطهن). ثم هؤلاء الصحابيات رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن بادرن إلى الصدقة ولم ينتظرن الذهاب للبيوت، بل جعلن يلقين من خواتيمهن وأقراطهن وقلائدهن، وهذا فيه دليل أيضاً على أنه يجوز أن تخرج المرأة في العيد وعليها الزينة -التي هي الذهب- ولكنها تكون مغطاة لا يطلع عليها أحد ولا يراها الناس؛ لأنهن جعلن يلقين من قلائدهن التي على رقابهن وأقراطهن التي في آذانهن وخواتمهن التي في أصابعهن، فهذا فيه مبادرتهن إلى الخير وحرصهن عليه. وفيه أيضاً دليل على أن المرأة تتصرف في مالها بغير إذن زوجها؛ لأن النساء جعلن يتصدقن ما أخرن هذا حتى يذهبن، ويستأذن الأزواج، فدل هذا على أن المرأة تتصرف في مالها بدون إذن زوجها، لكن إذا تصرفت بإذنه ومشورته لا شك أن هذا أطيب في العشرة، وقد يكون في ذلك مصلحة لها فيما إذا استشارت زوجها، وأشار عليها بشيء ينفع، لكن الحديث واضح الدلالة على أنها تتصرف في مالها بغير إذن زوجها، جعلن يلقين من أقراطهن وخواتمهن -والخواتيم وهي محلقة؛ لأنها على الإصبع وعلى قدر الإصبع- فجعلت الواحدة تنزع خواتمها من إصبعها، وتلقيه في الثوب الذي وضع لوضع الصدقة فيه. تراجم رجال إسناد حديث جابر في قيام الإمام في الخطبة متوكئاً على إنسان قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. عمرو بن علي هو الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان]. وهو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن عطاء عن جابر]. وقد مر ذكرهما. الأسئلة حكم الذهب المحلق للنساء السؤال: ما حكم الذهب المحلق للنساء؟ الجواب: كما هو معلوم الذهب المحلق وردت نصوص في النهي عنه وقابلها نصوص دالة على استعمال المحلق، وقابلها أيضاً نصوص عامة تشمل المحلق وغير المحلق، فتكون أحاديث النهي عنه في مقابل الأحاديث الأخرى الدالة على استعمال المحلق مرجوحة، يعني: عند الجمع بينها وعند المعارضة فيما بينها، ومن الأحاديث الدالة على جواز استعمال الذهب المحلق حديث المسكتين التي على المرأة التي قال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ التفضيل للصحابة يكون بالجملة السؤال: هل تفضيل الصحابة في الجملة أم بالأعيان؟ الجواب: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم المعروف عن أهل السنة، أو بل هو كالإجماع من أهل السنة على أن تفضيل الصحابة تفضيل الجميع على غيرهم، أي: أن أي فرد من أفراد الصحابة يعتبر أفضل من أي فرد ممن جاء بعدهم، هذا معنى التفضيل، تفضيل الجميع، أي: أن واحد منهم أفضل ممن جاء بعدهم وهذا هو القول المشهور عند أهل السنة، وقد جاء عن ابن عبد البر أو ذكر عن ابن عبد البر الأندلسي حافظ المغرب في زمانه المتوفى سنة أربعمائة وثلاث وستين أنه كان يقول: إن التفضيل في الجملة وليس بالجملة، يعني: ليس للجميع وإنما هو في الجملة، معناه: جملة الصحابة أفضل ممن بعدهم، ومعنى هذا: أنه قد يأتي من غير الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة -أي التفضيل ليس للجميع وإنما هو للمجموع- لكن المشهور عن مذهب أهل السنة والمعروف عن أهل السنة والذي لا نعلم من قال بخلافه إلا ابن عبد البر، هو أن التفضيل للجميع، ولهذا لا يحتاجون إلى أن يبحثوا عن توثيق شخص ما دام عرف أنه صحابي، يكفيه أن يقال: إنه صحابي؛ لأن الصحبة لا يعدلها شيء ولا يماثلها شيء. العمل بدلالة ظاهر اللفظ السؤال: ماذا تعني هذه العبارة: إذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أن نبقيه على ظاهره، واعتقدوا ما يدل عليه؟ الجواب: كما هو معلوم الأصل في الخطاب أنه على حسب ما تقتضيه اللغة؛ لأنهم خوطبوا بلسان عربي مبين، ولهذا فإن الرجوع إلى لغة العرب، والمعاني التي تحتملها لغة العرب، هذا هو المطلوب وهذا هو الأصل، هذا هو معنى هذه العبارة، يعني أن الأصل هو أنه يرجع إلى اللغة، لكن كما هو معلوم إذا فسر، أو إذا جاء شيء يضاف إلى الله مثل الصفات فإنه على ما يليق به، لا ينقدح في الذهن شيء لا يليق بالله عز وجل كالتشبيه؛ لأن ما يضاف إلى الله عز وجل يخصه وما يضاف إلى المخلوقين يخصهم ولا يشبه شيء من صفات الله شيئاً من صفات المخلوقين، بل صفاته تليق به وصفات المخلوقين تليق بهم. بين الدعاء والقضاء السؤال: قرأت في كتاب أن الدعاء له مع القضاء ثلاث حالات؛ الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من القضاء فيصرفه الله به. والثانية: أن يكون مساوياً له فيعتلجان إلى يوم القيامة. والثالثة: أن يكون الدعاء أضعف فيخفف وطأته على الإنسان فما صحة هذا الكلام؟ الجواب: والله ما أعلم هذا كلام لا يصلح إلا عن طريق الوحي. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (كتاب صلاة العيدين) (287) - كتاب صلاة العيدين - (باب استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة) إلى (باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة) من الأحكام المتعلقة بصلاة العيد أن يخطب الإمام في الناس بعد الصلاة، ويكون حال الخطبة قائماً، مستقبلاً الناس بوجهه، ويشرع له في ذلك أن يعظهم ويذكرهم في أمور الدنيا والآخرة، ويحثهم على النفقة والتصدق، ويشرع للمصلين أثناء ذلك الجلوس للإنصات للخطبة؛ إلا أن ذلك ليس على سبيل الوجوب كما في الجمعة. استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة شرح حديث أبي سعيد الخدري في استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة.أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن داود عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى فيصلي بالناس، فإذا جلس في الثانية وسلم قام فاستقبل الناس بوجهه والناس جلوس، فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثاً ذكرها للناس وإلا أمر الناس بالصدقة، قال: تصدقوا، ثلاث مرات، فكان من أكثر من يتصدق النساء)]. يقول النسائي رحمه الله: استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة -أي خطبة العيد- المقصود من هذه الترجمة: أن الإمام يخطب الناس في العيدين، وهو قد استقبلهم بوجهه، أي: استدبر القبلة واستقبلهم، وأورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في عيد أضحى أو فطر، خرج فصلى بالناس، فإذا فرغ من الصلاة قام واستقبل الناس بوجهه، ثم خطبهم، وإذا كان يريد أن يبعث بعثاً، فإنه يذكره لهم، وإلا فإنه يأمرهم بالصدقة، وكان من أكثر من يتصدق النساء. هذا الحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة استقبال الناس بوجهه في الخطبة، ودال على شيء مما تشتمل عليه الخطبة في العيد إذ أنه عليه الصلاة والسلام إذا كان يريد أن يبعث بعثاً فإنه يخبرهم أو يخبر الناس بهذا الذي هو عازم عليه وذلك في الخطبة، وكذلك كان يحثهم على الصدقة، ودل الحديث على أن من أكثر من يتصدق النساء، والسبب في ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الأحاديث لما خطب الرجال ذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن، وقال: (تصدقن يا معشر النساء فإنكن أكثر حطب جهنم، فقيل له: يا رسول الله لم؟ قال: لأنهن يكثرن الشكاية ويكفرن العشير فجعلن يلقين بأقراطهن وخواتيمهن وقلائدهن)، فحث النبي عليه الصلاة والسلام النساء على الصدقة وبيانه أن الصدقة من أسباب الخلاص من النار ومن أسباب الفكاك من النار هو السبب في كثرة صدقة النساء. وقد جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، أي ولو كان بشيء يسير فيجود الإنسان بما يجد، https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifلِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الطلاق:7] يتصدق الإنسان على قدر طاقته، ولهذا قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، أي ولو كانت الصدقة قليلة، فمن لم يجد ولا شيئاً قليلاً يتصدق به فبكلمة طيبة -يعني أنه يجيب ويعتذر بعذر حسن- وقد جاء في بعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والكلمة الطيبة صدقة). تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في استقبال الإمام المناسب بوجهه في الخطبة قوله: [أخبرنا قتيبة]. قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وبغلان هي قرية من قرى بلخ، وبلخ هي إحدى المدن الكبيرة في خراسان. [حدثنا عبد العزيز]. عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن داود]. هو داود بن قيس المدني، وهو ثقة، فاضل، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن عياض بن عبد الله]. هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد]. هو سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته ونسبته، بكنيته: أبي سعيد، وبنسبته: الخدري وهي: نسبة إلى بني خدرة، وهم بطن من الأنصار، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، صحابي، جليل، مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة هم أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق ومنهم أبو سعيد الخدري الذي معنا في الإسناد. الإنصات للخطبة شرح حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإنصات للخطبة.أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب؛ فقد لغوت)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي الإنصات للخطبة، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)]، وليس فيه التنصيص على العيدين لكنه لما جاء مطلقاً أورده النسائي للاستدلال به، ومن المعلوم أن خطبة العيد ليس الجلوس لها لازماً كما سبق أن مر بنا التخيير في الجلوس للخطبة وعدم الجلوس، ولكن الجلوس كما عرفنا هو الأولى وهو الأفضل؛ لأنه إذا خير بين شيئين وأحدهما أكمل وأفضل من الثاني فإنه ينبغي أن يختار الأكمل، لكن من لم يختر ما هو الأولى والأفضل فإنه لا إثم عليه. والحديث دال على الإنصات في الخطبة وهذا استدلال من حيث العموم لأن الجلوس للخطبة ليس بلازم، لكن يمكن أن يقال: إن من جلس فإن عليه أن يستمع وأن لا يتشاغل عنها بشيء، وأما من قام وذهب: فإن له حق الذهاب وليس بملزم أن يبقى لكنه إذا بقى فإنه ينصت، والحديث جاء في بعض الروايات منصوصاً فيها على الجمعة (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت). تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة]. محمد بن سلمة هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [والحارث بن مسكين]. والحارث بن مسكين، وهو ثقة، فقيه، مصري، أخرج له أبو داود، والنسائي. [قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له]. يعني أن أخذه عن الحارث بن مسكين إنما هو عن طريق القراءة عليه وهو يسمع، فليس هو القارئ وإنما هو سامع وقت القراءة. ثم قال: (واللفظ له) أي للشيخ الثاني وهو الحارث بن مسكين، وليس للشيخ الأول الذي هو: محمد بن سلمة، وهما مصريان أي شيخا النسائي مصريان محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، لكن اللفظ هو للشيخ الثاني منهما، وهذه طريقة النسائي أنه عندما يكون الحديث عن شيخين وفيهما الحارث بن مسكين فإن اللفظ يكون للحارث بن مسكين. [عن ابن القاسم]. هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي. [عن مالك]. مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو إمام متقن، قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين. معناه: أنه متمكن في الإتقان، وأنه قمة في الإتقان والحفظ، رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب؛ لأن كلاباً هو أبو قصي وأبو زهرة، فيلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب، فيقال: ابن شهاب، وهو ثقة، فقيه، وإمام مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن ابن المسيب]. ابن المسيب هو سعيد بن المسيب الإمام المشهور، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إن السابع هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الصحابي الجليل المشهور، المكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً يرويه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروفون بكثرة الحديث سبعة ذكرتهم قريباً، وأولهم وأكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه. كيف الخطبة؟ شرح حديث جابر في كيفية الخطبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الخطبة؟أخبرنا عتبة بن عبد الله أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش يقول: صبحكم مساكم، ثم قال: من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي أو علي، وأنا أولى بالمؤمنين)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي كيف الخطبة؟ أي: كيفية الخطبة وصفة الخطبة، والذي ذكره النسائي هو المقدمة التي يأتي بها عليه الصلاة والسلام في الخطبة، ثم بعد ذلك يذكر الناس بما يريد أن يذكرهم به، ويعظهم ويبلغهم ما يريد أن يبلغهم إياه، لكن كان من هديه عليه الصلاة والسلام في الخطبة أنه يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي عليه، وهاتان الجملتان فيهما: أن الهداية والإضلال بيد الله عز وجل، وأن من هداه الله عز وجل فهو المهتدي، ومن يضلله فهو الذي لا يكون له ولي مرشد، كما قال عز وجل: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifوَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الكهف:17]، فالأمر بيده، وقد قدر الله عز وجل مقادير الخلائق، وكتب من هو شقي، ومن هو سعيد، فمن اهتدى، فالله تعالى هو الذي هداه، ومن ضل، فالله تعالى هو الذي أضله، وليس له هاد يهديه إذا كان الله قد كتب غوايته وضلالته وشقاوته. ثم يقول: إن أصدق الحديث كلام الله، أي: كلام الله عز وجل الذي تكلم به هو وحيه الذي أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام -الهدي- أي الطريقة، والمنهج، والمسلك الذي يسار عليه وهو مسلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهدي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين)، يعني: طريقته، ومنهجه الذي كان عليه عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي فيه السلامة، وفيه العصمة، وفيه النجاة، وفيه الفوز بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنه سار إلى الله عز وجل على بصيرة، وسار على هدى، وعلى صراط مستقيم؛ لأنه أخذ بخير الهدي الذي هو هدي محمد عليه الصلاة والسلام. ثم قال: (وشر الأمور محدثاتها)، لما بين أن خير الهدي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، بين أن شر الأمور محدثاتها، يعني ما كان محدثاً في دين الله وليس له أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذا هو المحدث وهذا هو البدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: [(فإن شر الأمور محدثاتها)]، ثم قال: [(وكل محدثة بدعة)]، يعني كل محدثة في دين الله عز وجل فهي بدعة. ليس في الدين بدعة حسنة قوله: (وكل بدعة ضلالة)، وهذا يدلنا على أن كل البدع ضلالة، وليس في الإسلام بدعة حسنة كما يقول البعض، فهذا العموم الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (كل بدعة ضلالة)، يدلنا على أن البدعة في الدين أيّ بدعة فإنها ضلالة، ولا يقال: إن هناك بدعة حسنة كما قاله بعض أهل العلم الذين قالوا: إن البدعة تجري عليها الأحكام الخمسة الواجب، والمندوب، والمباح، والحرام، والمكروه وما إلى ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل بدعة ضلالة) يعني: كل شيء لم يكن على هدي رسول الله فإنه ضلالة، وقد أوضح ذلك بقوله: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وهو متفق عليه من حديث عائشة وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا انفرد به مسلم من حديث عائشة، ورواية مسلم أعم من الرواية المتفق عليها؛ لأن من عمل عملاً أعم من أن يكون هو المحدث له أو تابعاً لغيره أو مقلداً لغيره في أمر محدث.فقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن كل بدعة ضلالة). يدلنا على أن البدع كلها ضلالة وليس في الإسلام بدعة حسنة، وما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام الذي رواه مسلم في صحيحه: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها)، ليس معنى ذلك أنه يحدث في دين الله أمراً ليس له أساس من الدين فيكون مأجوراً عليه ومن يتابعه أيضاً يلحقه أجره، بل المقصود من ذلك ما جاء في نفس الحديث وهو سبب الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أناس يظهر عليهم الفقر والحاجة الشديدة وجوههم شاحبة وثيابهم بالية والنبي عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله عز وجل: بالمؤمنين رءوف رحيم، فدخل بيوته وخرج وجعل يدخل ويخرج ويسأل: هل في بيوته شيء من أجل أن يعطيهم إياه؟ فلم يجد شيئاً في بيوته عليه الصلاة والسلام، فحث على الصدقة، فقام واحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأتى بصرة من الدراهم فوضعها، ثم تتابع الناس وراءه، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها)، معناه: أن هذا الشخص الذي أتى بهذه الصرة، وسبق إلى التصدق بها، والناس تابعوه، هذا هو الذي سن في الإسلام سنة، ومن المعلوم: أن الصدقة مأمور بها، والإنسان إذا أكثر من الصدقة، فإنه فيه زيادة الأجر والثواب، وإظهارها إذا كان سيترتب عليها اقتداء، وحصول فوائد للمحتاجين، فإن ذلك أفضل من إخفائها، وإخفاؤها إذا كان ما يترتب عليه شيء من الفوائد أولى من إظهارها، وعليه يحمل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). فالجمع بين الحديثين: الحديث الذي فيه مدح من أظهر الصدقة والثناء عليه وأنه سن في الإسلام سنة حسنة؛ لأنه اقتدي به، وكان إظهاره الصدقة في مجال يناسب أن غيره يقتدي به؛ لأجل ذلك قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، أي أن هذا الرجل سبق إلى خير وتصدق بشيء كثير فتوبع على ذلك فله أجره وأجر من اقتدى به، وأما إذا لم يكن هناك أمر يقتضي إظهار الصدقة، كأن لا يتابع ولا يكون فيه تشجيع للغير على المتابعة، ولا على الإكثار من الصدقة فإن إخفاءها يكون أفضل، وبهذا يجمع بين الحديثين: الحديث الذي في مسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، والحديث الذي في الصحيحين وهو حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفيهم (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). إذاً قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة)، هو على عمومه ولا يقال: إن هناك بدعة حسنة؛ لأن الشيء الذي لم يكن له أساس من الدين ولم يأت به هدي سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام فهو مردود على صاحبه ولو كان قصد صاحبه حسناً، وقد مر بنا قريباً، وسيأتي أيضاً حديث خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العيد في قوله: (من ذبح قبل الصلاة فإن شاته شاة لحم) -يقصد الأضاحي- فإن أحد الصحابة وهو أبو بردة بن نيار كان قد ذبح أضحيته قبل الصلاة، وأراد من ذلك أن يسبق إلى تقديم اللحم للناس وهم محتاجون إليه في ذلك اليوم، والنبي عليه الصلاة والسلام بين في خطبته: (أن من ذبح قبل الصلاة أن شاته شاة لحم)، فلم تعتبر ذبيحة أبي بردة أضحية؛ لأنها لم تقع على الوجه الذي شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أن تكون بعد الصلاة. قال بعض العلماء في شرح هذا الحديث، وقد نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة أنه لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً؛ لأن هذا الصحابي الجليل قصده حسن، ومع ذلك صارت شاته شاة لحم، وكذلك أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى المسجد وفيه أناس متحلقون، وفي كل حلقة رجل ومعهم حصى، يقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، فإذا فرغوا قال: هللوا مائة فيهللون مائة، ويعدون بالحصى، ثم يقول: كبروا مائة فيكبرون مائة ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم وقال: يا هؤلاء، إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة -واحدة من اثنتين- قالوا: سبحان الله. يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير -يعني قصدنا طيب- قال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه، فالخير وإصابة الخير إذا كان على وفق السنة أما إذا كان على خلاف السنة، فإنه يكون بدعة، وصاحبه لا يحصل من ورائه خيراً. فقوله رضي الله عنه: (وكم من مريد للخير لم يصبه) يفيد ويدل على أن الإنسان إذا أراد أن يفعل خيراً فليكن على وفق السنة بأن يكون على وفق ما جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الملك:2]، قال: العمل الأحسن: ما كان خالصاً صواباً؛ فالخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرطا قبول العمل الإخلاص والمتابعة شرطان في قبول أي عمل، وهما الأساس، وهما القاعدتان اللتان انبنى عليهما دين الإسلام، وهما أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً -أي مبتدعاً- فإنه يكون مردوداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فلا بد أن يكون العمل خالصاً وأن يكون صواباً، وإن كان العمل صواباً على السنة ولكن ما أريد به وجه الله وما أخلص لله، فإنه يكون أيضاً مردوداً على صاحبه، فلا بد من الإخلاص، ولا بد من المتابعة، ولهذا قال في شرح الطحاوية: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل، توحيد المرسل سبحانه وتعالى بالإخلاص وإفراد العبادة له، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وأن يسير على نهجه، ويسير على طريقته التي هي خير الهدي كما في الحديث الذي معنا: [(وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)].ثم قال: (وكل ضلالة في النار)، يعني: أنها تؤدي بصاحبها إلى النار، وهذا يدلنا على خطر البدع وأنها تؤدي بأصحابها إلى عذاب النار والعياذ بالله. قوله: (ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويشير بأصبعيه، والمراد بإشارته صلى الله عليه وسلم، الإشارة إلى قربها، وأن المدة التي بين بعثته، وبين قيام الساعة أنها قريبة، وأنها قليلة، وأن بعثته عليه الصلاة والسلام دليل على قرب الساعة؛ لأنه هو آخر الأنبياء، ولا نبي بعده، فالساعة تقوم في أمته التي هي آخر الأمم، وتقوم على شرار أمته كما جاء في الحديث: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)، فإن الساعة تقوم على أناس لا خير فيهم لا يقال فيهم: الله، أي لا يذكرون الله، إذ تخرج ريح تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا أناس لا خير فيهم وعليهم تقوم الساعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي تعقبه الساعة؛ لأنه هو آخر الأنبياء، وهو خاتم النبيين، وخاتم المرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين. والأنبياء السابقون بشروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك أن الساعة لا تأتي إلا بعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن لما جاء هو وبعثه الله ما بقي إلا هذه الأمة التي هي أمته عليه الصلاة والسلام، وعلى آخرها تقوم الساعة، ولهذا قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، ويشير بأصبعيه، أي: إشارة إلى التقارب الذي يكون بين بعثته وبين قيام الساعة. وهذا فيه التنبيه إلى أن كل إنسان عليه أن يستعد لها وأن يتهيأ لها، ومن المعلوم أن كل إنسان تقوم قيامته إذا مات، فما دام على قيد الحياة فهو في الدنيا، وإذا مات قامت قيامته وانتقل إلى الدار الآخرة، أو انتقل إلى أول الدار الآخرة؛ لأن القبر ليس دار عمل وإنما هو دار جزاء، فالجزاء في القبر، ويكون بعد القبر، ويدخل الإنسان في الجزاء من حينما يموت؛ لأنه في حياته الدنيا في دار العمل، وإذا مات دخل في دار الجزاء؛ فإنه يعذب في قبره، أو ينعم في قبره على ما حصل له في الدنيا من عمل صالح، أو عمل سيئ، https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifفَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[الزلزلة:7-8]. ومن لم يدرك الساعة وتقوم عليه الساعة في نهاية الدنيا فإن ساعته هي بموته، وبحصول موته؛ لأنه ينتهي من الدنيا بموته فيدخل في الدار الآخرة، فيجازى على عمله، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [(بعثت أنا والساعة)]، أي قيامها التي تقوم على الناس وبها تنتهي الدنيا، وإلا فإن كل من مات قامت قيامته، وانتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أثر ذكره البخاري في صحيحه عنه، قال رضي الله عنه: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل). وغداً يبدأ بالموت يعني اليوم ينتهي بالموت. وإذا مات الإنسان قامت قيامته، وبعد ذلك دخل إما في النعيم وإما في العذاب والعياذ بالله، فيصل إليه نعيم الجنة، وهو في قبره، ويصل إليه عذاب النار، وهو في قبره كما جاء في حديث البراء بن عازب الطويل الذي فيه: (أنه إذا كان من المؤمنين يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، وإذا كان بخلاف ذلك يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها) معنى ذلك أنه يعذب في النار، وهو في قبره وينعم في الجنة وهو في قبره. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وارتفع صوته، واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول: صبحكم ومساكم)، معنى ذلك أنه يذكر بالساعة ويذكر بالموت وما بعد الموت، وإذا تذكر الإنسان الموت فإنه يستعد له بالأعمال الصالحة، ولهذا في الحديث المتفق عليه حديث أنس رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل وسأله وقال: (يا رسول الله متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) -فلفت نظره إلى أمر مهم، وهو الاستعداد للموت والاستعداد لما بعد الموت فوفق ذلك الرجل- فقال: (أعددت لها حب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب). قال أنس رضي الله تعالى عنه: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث)، يقول: والله ما فرحنا بشيء بعد نعمة الإسلام؛ لأن أعظم النعم هي: نعمة الإسلام، لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة، فكان فرحهم بهذا الحديث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب، ثم قال أنس رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم)، هذا كلام أنس بن مالك رضي الله عنه يبين مدى فرحه وفرح الصحابة بهذا الحديث، فما دام المرء مع من أحب، فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وهذا يدلنا على عظم شأن هذين الرجلين ومنزلتهما في نفوس الصحابة؛ لأن أنساً رضي الله عنه الذي خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام ولازمه عشر سنين في المدينة قال هذه المقالة: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وأحب عمر رضي الله عنهما، فـأنس قال هذا الكلام وهو من الصحابة في حق هذين الرجلين يدلنا على مكانتهما في نفوس الصحابة، فكيف بمن يكون في قلبه غل على الصحابة وحقد على الصحابة، وقلبه يتأجج غيظاً وحقداً على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا شك أن هذا علامة الخذلان والحرمان، والله عز وجل يعلمنا في كتابه العزيز الدعاء الذي في أول سورة آل عمران: https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifرَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[آل عمران:8]. وقوله: (صبحكم الجيش ومساكم)؛ لأنه يحصل الاستعداد لذلك الجيش في كونه يصبح أو يمسي، ومعناه: أن يكون المجاهد في سبيل الله على استعداد، ومعنى هذا التمثيل أن كونه يذكر الساعة ويذكر ما بعد الموت فالأمر يحتاج إلى استعداد، وإلى تهيؤ للدار الآخرة، كما أن الذي ينذر الجيش، ويقول: صبحكم ومساكم، فالعدو وصل إليكم، استعدوا له، فالموت مثله، والاستعداد للموت يكون بالأعمال الصالحة، والاستعداد للجيش العتاد والعدة لملاقاته وللانتصار عليه والقضاء عليه. ثم قال: (من ترك مالاً، فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي أو عليّ، وأنا أولى بالمؤمنين). (من ترك مالاً فلأهله)، يعني ورثته يرثونه، فمن ترك مالاً، فهو لأهله يرثونه، [(ومن ترك ديناً أو ضياعاً فلي أو عليّ، أنا أولى بالمؤمنين)]، أي أن من ترك ديناً فإنه صلى الله عليه وسلم يتولى قضاءه، أو ترك ضياعاً، -أولاداً فقراء يحتاجون إلى رعاية ويحتاجون إلى نفقة وليس هناك من ينفق عليهم- فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه يقوم بذلك، وكان في أول الأمر، إذا كان شخص عليه دين، فإنه يمتنع من الصلاة عليه، يريد من ذلك أن يحذر الناس من أن يلجموا أنفسهم بديون، وليبين لهم خطر الدين، وعظم شأنه، وأن شأنه ليس بالهين، وأنه من أشد الأمور التي على الإنسان أن يحرص على التخلص منها؛ لأن الإنسان ليس أمامه بعد ذلك إلا الحسنات والسيئات كما جاء في حديث المفلس: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم عنده، ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة..)، هذا مفلس الذي ليس عنده درهم ولا متاع، لكنه مفلس في الدنيا، ولكن المفلس الحق هو مفلس الآخرة، (الذي يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، ثم يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)، فكان عليه الصلاة والسلام يمتنع من الصلاة على من عليه دين أولاً، ويريد الناس أن يحذروا التورط في الديون، وأن الإنسان لا يقدم على الدين إلا لضرورة قصوى، وقد هم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك الصلاة على من عليه دين، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما جيء بالرجل قال: (هل عليه دين؟ قالوا: عليه ديناران. قال: صلوا على صاحبكم)، معناه أنه لا يريد أن يصلي عليه، قال أبو قتادة: (علي الديناران يا رسول الله -أي أتحملهما-، فتقدم وصلى عليه)، ولكن بعد أن فتح الله عليه الفتوح وجاءت الأموال وجاءت الغنائم كان يقول هذا الكلام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فإلي وعليّ، أنا أولى بالمؤمنين)، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما بين الله عز وجل ذلك في كتابه العزيز، صلوات الله وسلامه وبركاته على من هو بالمؤمنين رءوف رحيم. تراجم رجال إسناد حديث جابر في كيفية الخطبة قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله]. وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده. [أخبرنا ابن المبارك]. ابن المبارك، وهو: عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان]. وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن جعفر بن محمد]. وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو إمام من أئمة أهل السنة يعول أهل السنة على حديثه، وعلى فقهه، وعلى ما يثبت عنه، مما يتفق مع سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقدرونه قدره، ويعرفون منزلته كما يعرفون لأهل البيت منزلتهم، فإنهم يتولون أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويحبونهم، والمؤمن التقي من أهل البيت يحبونه لإيمانه ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام. ومن كان من أهل البيت ليس على الهدى وليس على طريق الاستقامة فلا ينفعه قربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي ينفع هو العمل الصالح، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، يعني من بطأ به عمله يعني عن دخول الجنة، لم يسرع به نسبه إليها؛ لأن العبرة على الأعمال، وعلى التقوى كما قال الله عز وجل: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الحجرات:13]، لكن من حصل له الإيمان والتقى وكان من أهل البيت، فإن عنده شرف الإيمان وشرف النسب، فيحب لإيمانه ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن كان بخلاف ذلك فإنه يبغض على ما عنده من المعصية، وإذا كان كافراً فكذلك يبغض لكفره كـأبي لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو كافر وقد نزل فيه سورة تتلى، فقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام مع موته على الكفر لا ينفعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، ويقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب أبو لهب نسبه نسب شريف، ولكن الشرك هو الذي وضعه، وأما سلمان فهو من فارس، ولكن رفعه الله بالإسلام، وأعزه الله بالإسلام، وأما هذا الذي هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم خذله الله بالشرك، والكفر بالله عز وجل. فـجعفر بن محمد إمام من أئمة أهل السنة، وهو صدوق، فقيه، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه]. محمد بن علي، وهو: الملقب الباقر، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأهل السنة الجماعة يقولون في هذين الإمامين المقالة الحسنة؛ لأنهما من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما من أبناء الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ينتهي نسبهما إلى فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيعرفون قدرهم، ويعرفون لأهل البيت فضلهم، وينزلونهم المنازل التي يستحقونها، وهذا هو طريق الاعتدال، وطريق الاستقامة، وهي أن يعطى الإنسان حقه، فلا ينزل به عن حقه، ولا يرفعه عن ما يستحقه. بيان غلو الرافضة في أهل البيت والفرق بينهم وبين أهل السنة في ذلك وهذان الإمامان هما من أئمة أهل السنة، وهما إمامان من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، والرافضة تجاوزوا فيهم الحدود ووصفوهم بصفات لا يجوز أن يوصف بها بشر، ولا يجوز أن تضاف إليهم ولا إلى غيرهم من البشر، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكافي من عبارات في أبواب متفرقة، تشتمل على الغلو المتناهي في الأئمة الاثني عشر، ومن جملة ما يقول صاحب الكافي في أبواب كتابه: باب إن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ومنهم جعفر بن محمد وأبوه محمد، وهما من الاثني عشر.ويقولون أيضاً أو يقول صاحب الكتاب: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم، فهو باطل، يعني الذي خرج من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة، وسائر الصحابة أنه باطل، والحق لا يكون إلا عن طريق الأئمة الاثني عشر؛ هذا من الغلو، بل هذا رفض للشريعة؛ لأن الشريعة كتاب وسنة، وهي التي جاء بها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين تلقوها عن النبي عليه الصلاة والسلام. وجاء في كتابه: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، وباب أن الأئمة عندهم الكتب المنزلة على المرسلين، وأنهم يعرفونها بلغاتها. يعني: الكتب المنزلة على المرسلين هي موجودة عند الأئمة الاثني عشر وهذا غلو وتناهي. وهذا من كلام المتقدمين، أما المتأخرون المعاصرون، فإن زعيمهم الخميني الذي هلك قبل سنوات، يقول: في كتابه (الحكومة الإسلامية)، وهو كتاب يوزع في كثير من بلاد العالم بواسطة الرافضة، يشتمل على قول الخميني: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، والأئمة هم الاثنا عشر، وهذان الإمامان اللذان معنا هما من الأئمة الاثني عشر، وهذا كلام الرافضة فيهم، أما أهل السنة فيقولون فيهم القول الجميل. والقول المعتدل، فلا يغالون فيهم ولا يجفونهم، وأما أولئك فيتجاوزون الحدود، ويصفونهم بصفات لا يجوز أن يوصفوا بها، ولا يليق أن يوصف بها مخلوق. [عن جابر]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، أبوه عبد الله بن حرام استشهد يوم أحد، فهو صحابي ابن صحابي، وجابر هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم قريباً. وهذا الإسناد الذي هو جعفر عن أبيه عن جابر، هو الإسناد الذي جاء في صحيح مسلم، حديث جابر، وهو حديث طويل من أطول الأحاديث في صحيح مسلم مشتمل على صفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو من أطول ما روي في صفة حجه عليه الصلاة والسلام. حث الإمام على الصدقة في الخطبة شرح حديث أبي سعيد في حث الإمام على الصدقة وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا داود بن قيس حدثني عياض عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد، فيصلي ركعتين، ثم يخطب فيأمر بالصدقة، فيكون أكثر من يتصدق النساء، فإن كانت له حاجة، أو أراد أن يبعث بعثاً، تكلم وإلا رجع)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حث الإمام على الصدقة في الخطبة، أي: في خطبة العيد، أورد فيه حديث أبي سعيد الذي تقدم أولاً، والذي أورده هناك للاستدلال به على استقبال الإمام الناس في الخطبة؛ هنا أورده من طريق أخرى للاستدلال به على الحث على الصدقة في الخطبة، والحديث قد مر. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في حث الإمام على الصدقة قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. عمرو بن علي هو الفلاس، المحدث الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، ناقد، من المتكلمين في الرجال جرحاً وتعديلاً. [عن داود بن قيس]. الذي مر ذكره قريباً. [عن عياض]. هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقد مر ذكره قريباً أيضاً. [عن أبي سعيد]. أبو سعيد كذلك مر ذكره قريباً. شرح حديث ابن عباس في خطبته للعيد وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا يزيد وهو ابن هارون أنبأنا حميد عن الحسن: (أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما خطب بالبصرة، فقال: أدوا زكاة صومكم، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، نصف صاع من بر، أو صاعاً من تمر، أو شعير)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكان خطب بالبصرة فقال: (أدوا زكاة صومكم، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض)، يعني: كأن فيهم من يجهل هذا الذي أوصى به، أو هذا الذي أرشد إليه ابن عباس، فقال: (من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا علموا إخوانكم، فإنهم لا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم، فرض زكاة الفطر على الذكر والأنثى، والحر والعبد، والصغير والكبير، نصف صاع من بر، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير). النسائي أورد الحديث في الحث على الصدقة لكن الحديث هو في الزكاة الواجبة وهي زكاة الفطر، أما الحث على الصدقة إنما يكون في المستحبة والمندوبة، كحث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة فجعلن يتصدقن من أقراطهن، وخواتيمهن، وقلائدهن، فالصدقة غير الواجبة يحث الناس عليها ويرغبون فيها، ولكن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد، كل مسلم تجب عليه زكاة الفطر، فالذي يحث عليه في الخطبة إنما هو الصدقة التي هي النافلة والتي فيها الإحسان إلى الناس، ومن المعلوم: أن الخطبة في العيدين تبين بها أحكام العيد، وفي عيد الأضحى تبين فيه أحكام الأضاحي وكذلك ما يتعلق بالعيد، وفي عيد الفطر تبين زكاة الفطر وأحكام زكاة الفطر، فالذي ذكره هنا الحث على الصدقة في الخطبة، الذي يناسبه الحديث الأول وأما هذا الحديث فإنه يتعلق بالواجبة، لكن كما هو معلوم أن الخطبة أيضاً تشتمل على بيان أو الأمر بأداء الواجب وبفعل الواجب الذي هو زكاة الفطر. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في خطبته للعيد قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. علي بن حجر وهو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. [حدثنا يزيد هو ابن هارون]. يزيد بن هارون، وهو ثقة، متقن، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكلمة (وهو ابن هارون)، الذي قالها من دون علي بن حجر. [أنبأنا حميد]. حميد وهو ابن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. وهو ابن عبد المطلب وابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. الأسئلة إطلاق لفظ صدقة على الزكاة الواجبة السؤال: هل يطلق على الزكاة الواجبة أنها صدقة؟ الجواب: الصدقة تطلق على الفرض والنفل، كما ورد في الحديث: (إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، هذه واجبة يطلق عليها صدقة، لكن الزكاة في الغالب تطلق على الفريضة، ولهذا يأتي في الكتب كتاب الزكاة، وتقرن مع الصلاة كما في قوله تعالى: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifوَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[البينة:5]، أي المفروضة، ولا شك أن الواجبة، والمستحبة التي هي الزكاة، فيها تزكية المال، وفيها تزكية النفس، لكن الغالب أن الزكاة تطلق على الفريضة والصدقة تطلق على الفريضة والنافلة. المقصود بزكاة الصوم زكاة الفطر السؤال: ما معنى قول ابن عباس: أدوا زكاة صومكم؟ الجواب: قوله: أدوا زكاة صيامكم بين لهم أنها زكاة الفطر، وهو يدل على أن خطبة العيد لابد أن تشتمل على أحكام يوم العيد مثل زكاة الفطر، وأنها واجبة على الجميع وأن الذي لا يأتي بها يأثم. تارك الصلاة لا تقضى عنه الصلاة ولا الصيام إذا مات السؤال: شيخنا الله يحفظكم، هؤلاء مجموعة من الإخوة لهم أخ كان يحفظ القرآن، ويصلي، ويحافظ على الصلاة في المسجد، ثم سافر إلى فرنسا، وبعد هذا ترك الصلاة، والصيام، ولم يصم رمضان، ويسألون الآن في هذا الأخ، لما توفي ترك مالاً، ونحن إخوانه من أم، ونريد أن نقضي عنه بالإطعام، وكذلك الصلاة، هل يمكن أن نصلي عنه؟ الجواب: إذا كان تاركاً للصلاة لم يصل أبداً ومات على ذلك، فإنه كما هو معلوم والعياذ بالله ترك الصلاة كفر على القول الراجح من أهل العلم، أي إذا كان تركها تهاوناً وتكاسلاً، فالصلاة لا تقضى عن أحد، فلا يصلي أحد عن أحد، وكذلك الصيام لا يقضى عنه ما دام أنه لا يصلي فلا يصام عنه. لا يجوز إعداد الطعام للمفطر عمداً في رمضان السؤال: هناك أخت أعدت لأخيها طعاماً في رمضان وهي لا تعلم أنها تأثم بذلك فماذا عليها؟ الجواب: لا شك أنها أخطأت، ولا شك أنه تعاون على الإثم والعدوان، وعليها أن تستغفر الله عز وجل وتتوب مما حصل منها. قول ابن عباس: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير) لا يعني أن يأتي بالتكبير بعد الصلاة مباشرة السؤال: حديث عبد الله بن عباس الذي في صحيح مسلم قال: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) فهل التكبير بعد الفريضة مباشرة.الجواب: لا. ليس بعد الفريضة مباشرة إنما يقول بعدها: أستغفر الله، أستغفر الله، هذا الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما التكبير فهو موجود لكن بعد سبحان الله، والحمد لله، ثلاثاً وثلاثين فيكبر ثلاثاً وثلاثين. كفارة اليمين تعطى للفقراء السؤال: هل كفارة اليمين، تحل لأهل البيت؟ الجواب: كفارة اليمين لا تحل لأهل البيت إنما تعطى للفقراء والمساكين. وجه حل الصدقة لأهل البيت السؤال: هل فطرة رمضان تحل لأهل البيت؟ الجواب: أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن ذكر بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، أن عدم حل الصدقة لأهل البيت حيث يكون هناك لهم حق يعطون إياه من الخمس لكن حيث لا يكون كذلك، أي من كان منهم فقيراً قال: فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة؛ لأن منعهم من ذلك الحق الذي كانوا يعطون منه وهو الخمس خمس الغنيمة، يجعلهم مفتقرين إلى الزكاة، فقال بعض أهل العلم: بجواز إعطائهم إياه. وأما كفارة اليمين إذا كانوا فقراء ومساكين تصلح لهم، يعني مثلما يعطون من الزكاة يعطون من الكفارة إذا كانوا فقراء ومساكين. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (كتاب صلاة العيدين) (288) - كتاب صلاة العيدين - (تابع باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة) إلى (باب ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح) لصلاة العيد أحكام وآداب، ومن ذلك أن يخطب الإمام قائماً مقتصداً، ويجلس بين الخطبتين ساكتاً، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن احتاج إلى أن يذهب إلى النساء فعل، ووعظهن، وأمرهن بالصدقة، ويستحب ذبح الأضاحي في المصلى قريباً منه، لورود ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام. تابع حث الإمام على الصدقة في الخطبة شرح حديث البراء بن عازب في ذبح أبي بردة بن نيار قبل الصلاة وأمر النبي له في ذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، ثم قال: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم. فقال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت فأكلت، وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم، قال: فإن عندي جذعة خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك)].فالترجمة هي: حث الإمام في الخطبة على الصدقة، وقد مر فيه حديثان، حديث واضح في الدلالة على الترجمة، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة. والحديث الثاني يتعلق بزكاة الفطر، وليس بواضح في الحث على الصدقة، وهو من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في زكاة الفطر أنها واجبة. وأما هذا الحديث: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، فهو بهذا اللفظ، وهذا السياق، ليس فيه شيء يتعلق بالحث على الصدقة، وإنما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب الناس يوم الأضحى وقال: [(من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة، فتلك شاة لحم)]، هذا الحديث فيه بيان النبي عليه الصلاة والسلام لشيء من أحكام عيد الأضحى؛ لأن الخطبة في عيد الأضحى، فكان مبيناً لأحكام الأضحية، وبداية وقتها، وأنه يكون بعد الصلاة، وأنه لا يجوز قبل الصلاة، وأن من ذبح قبل الصلاة، فشاته شاة لحم، وكان من بين أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أبو بردة بن نيار رضي الله تعالى عنه، وكان قد ذبح أضحيته قبل الصلاة، وحرص على أن يقدم اللحم لأهله ولجيرانه، فأكل، وأطعم قبل الصلاة، فلما سمع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمله غير مطابق لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، عند ذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: إنه ذبح أضحيته قبل الصلاة، وإنه أكل وأطعم أهله وجيرانه، وكان قصده بذلك حسناً، وهو: الإحسان إلى أهله، وإلى جيرانه حيث ذبح قبل الصلاة، لكن ذبيحته ما كانت في الوقت المشروع، وهو بعد صلاة العيد، فعندما علم أن الشاة شاة لحم أخبر بالذي جعله يذبح قبل الصلاة، وبين قصده الحسن الذي دفعه إلى ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: [(شاتك شاة لحم)]، يعني: مثلما قال في الجملة العامة الأولى: [(من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة، فشاته شاة لحم)]، فعندما علم أن أضحيته لم تعتبر؛ لأنها أتي بها قبل الوقت قال للنبي عليه الصلاة والسلام: (إن عندي عناقاً هي تعدل شاتين)، يعني: أنها سمينة وهي: جذعة من المعز، (فهل تجزي عني)، يعني: تقضي عني تلك الذبيحة التي ذبحتها قبل الصلاة، وتنوب عنها؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: [(نعم، تجزي عنك ولن تجزي عن أحد بعدك)]، تجزي، يعني: تقضي عنك، ولن تجزي عن أحد بعدك، وهذا حكم خاص بهذا الرجل. ومن المعلوم: أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، وحكمه لواحد حكم للجميع، وهذا هو الأصل، وهذه هي القاعدة، ولهذا لما قبل الرجل الأجنبية، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، نزل عليه قول الله عز وجل: https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[هود:114]، قال: (ألي هذا وحدي يا رسول الله، قال: بل لأمتي كلهم)، فخطاب النبي عليه الصلاة والسلام لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء دليل خاص يدل على أن الحكم يخص ذلك الرجل، فعند ذلك يقتصر الحكم عليه، وهذا من هذا القبيل؛ لأنه جاء نص يدل على أن إجزاء العناق، وحصول الأضحية بالعناق، وهي: الجذعة التي لم تكمل سنة من المعز، أن ذلك خاص بـأبي بردة بن نيار، قضاءً لأضحيته التي ذبحها قبل الصلاة، وذلك الحكم لا يكون لغيره، وعرفنا ذلك من قوله: [(ولن تجزي عن أحد بعدك)]، يعني: أن العناق، والجذعة من المعز لا تجزي عن أحد بعدك. ومن المعلوم: أن الجذع من الضأن يضحى به، ولكن الذي لا يضحى به، ولا تجزئ التضحية به، هو الجذع من المعز، وهو الذي لم يكمل سنة. الحاصل أن قوله عليه الصلاة والسلام: [(ولن تجزي عن أحد بعدك)]، يدلنا على أن هذا حكم خاص بهذا الرجل، وأنه لا يتعداه إلى غيره. تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في ذبح أبي بردة بن نيار قبل الصلاة وأمر النبي له في ذلك قوله: [أخبرنا قتيبة]. وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو الأحوص]. وهو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته. [عن منصور]. وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، من أقران الأعمش، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الشعبي]. وهو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن البراء]. هو البراء بن عازب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. القصد في الخطبة شرح حديث جابر بن سمرة: (كنت أصلي مع النبي فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [القصد في الخطبة.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القصد في الخطبة، يعني: الاعتدال والتوسط، وعدم تقصيرها جداً، أو تطويلها جداً، وإنما تكون قصداً، أي: معتدلة متوسطة، ليس فيها مضرة بطولها، ولا يترتب عليها مضرة، لما يحصل فيها من الطول لو طولت، ولا يكون فيها قصور أو إقلال لها لو قللت، وإنما تكون قصداً، وهذا هو المقصود بهذه الترجمة. وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً. قال: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً). تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة: (كنت أصلي مع النبي فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً) قوله: [أخبرنا قتيبة]. قتيبة، مر ذكره. [حدثنا أبو الأحوص]. وقد مر ذكره أيضاً في الإسناد الذي قبل هذا. [عن سماك]. وهو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن جابر]. هو جابر بن سمرة بن جنادة، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه شرح حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها، ثم قام فخطب خطبة أخرى، فمن أخبرك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قاعداً فلا تصدقه)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجلوس بين الخطبتين والسكوت فيه. وأورد فيها حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، وهو حديث مطلق، ولكنه أورده في كتاب العيدين، لدلالته من حيث الإطلاق على ما ترجم له المصنف، وأخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجلس بين الخطبتين جلوساً لا يتكلم فيه، ثم يأتي بالخطبة الثانية. قال: (ثم قام فخطب خطبة أخرى، فمن أخبرك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب قاعداً فلا تصدقه)، أي: أنه كان يخطب عليه الصلاة والسلام قائماً، ويقول أيضاً -أي: جابر بن سمرة -: (فمن أخبرك أنه يخطب قاعداً فلا تصدقه)؛ لأنه خبر غير مطابق للواقع، بل الواقع من فعله عليه الصلاة والسلام، والحاصل من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً. تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله يخطب قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم فيها ...) قوله: [أخبرنا قتيبة]. قتيبة، وقد مر ذكره. [حدثنا أبو عوانة]. وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو متقدم؛ لأنه من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وقد اشتهر بكنيته أبي عوانة، وممن اشتهر بهذه الكنية أيضاً شخص متأخر، وهو أبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم، والذي يقال لكتابه: الصحيح، ويقال له: المستخرج، ويقال له: المسند، ثلاثة أسماء كلها تطلق على كتاب أبي عوانة: المستخرج على صحيح مسلم. [عن سماك عن جابر]. وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها شرح حديث جابر بن سمرة في القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات، ويذكر الله، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الخطبة الثانية، أي: اشتمالها على شيء من القرآن، وقد أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، ويقرأ آيات من القرآن، ويذكر الله عز وجل، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً)، والمقصود من الحديث هو: أنه يقرأ آيات من القرآن في الخطبة الثانية، أي: يذكر بما اشتمل عليه كتاب الله عز وجل من العبر والعظات، ويقرأ شيئاً من القرآن في الخطبة، وقد سبق أن مر أنه كان يقرأ قاف في خطبته، أي: في الجمعة، وأن إحدى الصحابيات قالت: (ما حفظت قاف إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة). تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. وهو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [حدثنا عبد الرحمن]. وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، إمام، عارف بالرجال والعلل، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان]. وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سماك عن جابر]. وقد مر ذكرهما. نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة شرح حديث بريدة بن الحصيب في نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبو تميلة عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب، إذ أقبل الحسن، والحسين عليهما السلام، وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل وحملهما، فقال: صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، يعني: ينزل لأمر من الأمور يقتضي ذلك. الحديث سبق أن أورده النسائي في كتاب الجمعة، وقد أورده هنا في كتاب العيدين، مبيناً أن الخطبة في العيد مثل الخطبة في الجمعة، وأنه إذا حصل أمر يقتضي النزول قبل أن يكمل الخطبة، ثم يرجع لإكمالها، فإنه لا بأس بذلك، وقد أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب، فأقبل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما رآهما نزل وذهب إليهما وحملهما، ثم صعد بهما على المنبر، وأكمل خطبته عليه الصلاة والسلام، ولكنه عندما صعد، بين سبب نزوله وقال: صدق الله، إنما أموالكم، وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى نزلت، أي: فنزل وحملهما، وهذا من كمال تواضعه عليه الصلاة والسلام ورأفته، وشفقته، ورحمته بالصغار وبالكبار، وهو كما وصفه الله عز وجل بقوله: https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifبِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[التوبة:128]، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. والحديث سبق أن مر، وعرفنا أن فيه دلالة على أن الإنسان عندما يوجد شيء يصدق عليه شيء مما جاء في القرآن، فإنه يقول: صدق الله؛ لأن قوله: https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gif إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[التغابن:15]، هذا منها؛ لأن كونه رأى هذين الابنين يمشيان ويعثران، فمحبته، وشفقته، ورحمته، جعلته ينزل ويحملهما، فهذا يدلنا على أنه عندما يأتي شيء يراد أن يستدل عليه وعلى وقوعه بالقرآن، لكونه وقع مطابقاً لما جاء في القرآن، فإنه يقول: صدق الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رآهما ثم لم يصبر، لأن الأولاد فتنة، فنزل وحملهما، فقال عليه الصلاة والسلام: (صدق الله، https://audio.islamweb.net/audio/sqoos.gifإِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ https://audio.islamweb.net/audio/eqoos.gif[التغابن:15])، وهذا هو السبب الذي جعله ينزل، وهذا مثال من أمثلة ما اشتمل عليه القرآن من فتنة الأولاد، وحبهم، والشفقة عليهم، والإحسان إليهم. إطلاق لفظ عليه السلام على غير الرسول صلى الله عليه وسلم وكلمة: (عليه السلام)، أو (عليهما السلام) ليست لأحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي توجد في بعض الكتب أنه يقال عند بعض أهل البيت كـفاطمة رضي الله تعالى عنها، وعلي رضي الله عنه، والحسن، والحسين رضي الله تعالى عنهما، يقال: عليه السلام أو عليهما السلام أو عليهم السلام، وهذا الذي يأتي ذكره بعد أسمائهم ليس واضحاً أن هذا من لفظ الحديث أو أن الذي قاله من ذكر الحسن، والحسين؛ لأن الغالب أن هذا من نساخ الكتب، وقد ذكر هذا ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأحزاب:56]، فإنه ذكر عند تفسير هذه الآية: أنه يأتي ذكر الصلاة، أو ذكر عليه السلام عند ذكر علي، أو ذكر أحد من أهل البيت، وقال: إن هذا من عمل نساخ الكتب، فهذا هو من عملهم، وليس ذلك من فعل الصحابة، أو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما إذا كان اللفظ جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من عمل النساخ، ومن المعلوم: أن الصلاة على غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى غير الأنبياء، اختلف في جوازها، فمن العلماء من قال بجوازها إذا لم يكثر، ولم يتخذ شعاراً لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض، ولا يكون شيئاً مألوفاً مثلما يؤلف مع النبي عليه الصلاة والسلام فيقال عن غيره: صلى الله عليه وسلم، كما يقال عنه: صلى الله عليه وسلم، فالأصل أنه جائز، لكن كونه يخص بها أناساً معينين، أو يخص بها أحداً بعينه دون غيره، فإن هذا ليس له أساس، وإنما يسوى بين الصحابة، والذي درج عليه السلف الترضي عن الصحابة جميعاً، والترحم على من بعدهم، والصلاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصلاة على غير الأنبياء جائزة، لكن بتلك القيود التي أشرت إليها، والتي ذكرها بعض أهل العلم. تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم]. وهو الدورقي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، مثل محمد بن بشار الذي مر ذكره قريباً، ومثل: محمد بن المثنى الزمن، الذي هو قرين لـمحمد بن بشار، وهو مثل هؤلاء الثلاثة: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، كل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهم جميعاً توفوا في سنة واحدة، وهي: سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [حدثنا أبو تميلة]. وهو يحيى بن واضح المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مذكور بكنيته. [عن الحسين بن واقد]. وهو الحسين بن واقد المروزي، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن ابن بريدة عن أبيه]. وهو عبد الله بن بريدة، وبريدة له ابنان: سليمان، وعبد الله، لكن الحديث سبق أن مر، وقد سماه في إسناد النسائي: عبد الله؛ لأنه في الإسناد السابق قال: عن عبد الله بن بريدة، وهنا لم يعينه ولم يسمه، وعلى هذا فليس هو: سليمان، بل هو عبد الله، وعبد الله هو مروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه بريدة بن الحصيب]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن بريدة وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة شرح حديث ابن عباس في موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثنا عبد الرحمن بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال له رجل: (شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني: من صغره، أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال)]. الترجمة هي: موعظة الإمام النساء بعد الخطبة، وحثهن على الصدقة، أي: تخصيص النساء بالموعظة، وذلك لبعدهن، فالنبي عليه الصلاة والسلام بهذه المناسبة ذهب إليهن، لاسيما وأنه في تلك المناسبة أمر بإخراج النساء العواتق، وذوات الخدور، وحتى الحيض يخرجن للعيد، ويعتزلن المصلى، فأراد أن يخصهن بموعظة لاجتماعهن، ولبعدهن عن سماع الخطبة. وقد مر الحديث وعرفنا أن من العلماء من قال: إن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال: إنه ليس من خصائصه، بل لغيره من الأئمة أن يذهبوا إلى النساء، ويعظوهن، ويذكروهن، لكن كما هو معلوم: سماع الخطب في هذا الوقت بواسطة مكبرات الصوت لا يحتاج معه إلى إفراد، أو للذهاب إلى النساء، وتخصيصهن بالموعظة، بل يمكن أن تشتمل الخطبة على عظة النساء، والرجال يسمعون، والنساء يسمعن، وكل يسمع مع وجود هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها على الناس في هذا الزمان، ووجود هذه الوسائل التي يحصل بها إبلاغ الصوت، وإيصال الصوت إلى أماكن بعيدة. فأورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه شهد الخطبة، وكان قريباً من رسول الله عليه الصلاة والسلام لقرابته منه، ولكونه صغيراً، ويمكن للصغير أن يذهب، ويقرب من غيره، بخلاف الكبير؛ لأن الصغار رغبتهم في القرب فيما إذا كان هناك أمر يقتضيه، وأمور تجمع الصغار إلى ذلك، ومن المعلوم: أن الصغار مواقفهم متأخرة، وصفوفهم متأخرة، لكن لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكونه من أهل بيته، ولكونه صغيراً، قرب من النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف ما جرى، وحتى ذهب أيضاً معه لما ذهب إلى النساء، فأخبر بما شاهده وعاينه، وكان من ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ذهب إلى النساء، ووعظهن، وحثهن على الصدقة، فجعلت النساء تهوي بأيديهن إلى حلوقهن لتأخذ القلائد فتضعها، وإذا كانت الحلق فإن المقصود من ذلك المحلق، يعني: يدخل في ذلك الخواتم، ويدخل في ذلك الأسورة، وما إلى ذلك من الأشياء المحلقة، والمقصود: أنهن بادرن إلى نزع ما عليهن من الذهب، أو نزع شيء مما عليهن من الحلي، ذهباً أو فضة، وجعلن يلقين في ثوب بلال يتصدقن، مبادرة منهن إلى ما دعاهن إليه الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد قال لهن: [(إنكن أكثر حطب جهنم)]، وسبب ذلك: إكثارهن الشكاية وكفرهن العشير، فبادرن بالصدقة، وهذا فيه دليل على أن الصدقة سبب في السلامة من عذاب النار، ويدل لذلك الحديث المتفق على صحته، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، والحديث سبق أن مر، وهو مشتمل على عدة أمور ذكرناها فيما مضى، وأورده هنا من أجل الاستدلال به على تخصيص الإمام النساء بموعظة، وأن من ما تشتمل عليه موعظته: حثهن على الصدقة التي هي سبب في السلامة من النار. وقوله: [(أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت)]، ما أعلم أنه يراد به العلم الذي يستعمل في الجهاد في سبيل الله، أي: الراية، وإنما كأن مقصوده شيء يدل على علامة مكان العيد أو مصلى العيد، وهو عند دار كثير بن الصلت. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان]. هو الثوري، وقد مر ذكره. [حدثنا عبد الرحمن بن عابس]. هو عبد الرحمن بن عابس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، هذا هو الذي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [سمعت ابن عباس]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين. الصلاة قبل العيدين وبعدها شرح حديث: (أن النبي خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة قبل العيدين وبعدها.أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا ابن إدريس أخبرنا شعبة عن عدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصلاة قبل الخطبة وبعدها في العيدين، والمقصود من هذا: أنه لا يشرع للإنسان أن يصلي قبل صلاة العيد، ولا بعد صلاة العيد؛ لأنه ليس لها سنة، لا قبلها ولا بعدها. وقد أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى العيدين، ولم يصل للعيد قبلها ولا بعدها، يعني لم يتنفل قبلها ولا بعدها، أي: في موضعها؛ لأن هذا هو الذي شوهد وعوين، أنه لم يحصل منه صلاة، لا قبل صلاة العيد، ولا بعدها، فهذا يدلنا على أنه لا يشرع لصلاة العيد نافلة، لا أن تكون قبلها ولا أن تكون بعدها. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها) قوله: [أخبرنا عبد الله بن سعيد بن الأشج]. هو أبو سعيد الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن إدريس]. وهو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا شعبة]. وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عدي]. هو عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير]. سعيد بن جبير، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. وقد مر ذكره. ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح شرح حديث أنس: (خطبنا رسول الله يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا حاتم بن وردان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما)]. أورد النسائي: ذبح الإمام يوم العيد وعدد ما يذبح، والمقصود من ذلك أن الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام هو وجود التضحية منه، وعدد ما ذبحه صلى الله عليه وسلم، فأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال: (خطبنا يوم أضحى، وانكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما)، محل الشاهد: أن النبي عليه الصلاة والسلام ذبح كبشين، يعني: فوجد منه الذبح، وعدد الذي ذبح، وأنهما كبشان أملحان، والأملح قيل: هو الذي فيه بياض ولكن السواد أكثر من البياض، وقيل: إنه الأبيض الناصع البياض. والحديث دال على مشروعية الأضحية، وأن النبي عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أملحين، وقد جاء أن واحداً له، والثاني لمن لم يضح من أمته عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث أنس: (خطبنا رسول الله يوم أضحى وانكفأ إلى كبشين أملحين) قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا حاتم بن وردان]. حاتم بن وردان بصري ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. [عن أيوب]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين]. هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أنس بن مالك رضي الله عنه]. صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. شرح حديث: (أن رسول الله كان يذبح أو ينحر بالمصلى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث عن كثير بن فرقد، عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح أو ينحر بالمصلى)].أورد النسائي تحت هذه الترجمة، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وهو دال على الشق الأول من الترجمة وهو: ذبح الإمام، وأما عدد ما يذبح فليس فيها تنصيص عليه، وإنما التنصيص على العدد في الحديث السابق حديث أنس، وأما هنا ففيه حصول الذبح، وفيه أيضاً مكان الذبح، وأنه ذبح في المصلى، أي: قريباً منه، وليس في نفس المصلى؛ لأن مكان المصلى لا يلوث بالدماء والفرث، والنبي عليه الصلاة والسلام قال في حق النساء: (ولتعتزل الحيض المصلى)، أي: لئلا يلوثنه، فقوله: (في المصلى)، أي: في مكان قريب منه، وليس معناه أنه في المكان الذي يصلى فيه. وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر المشتمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح في المصلى أو نحر، والنحر يكون للإبل، والذبح يكون لغير الإبل، ويجوز نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر؛ لأن النحر يكون في الإبل في اللبة التي تحت الرقبة عند ملتقى الرقبة باليدين، ذاك هو مكان النحر، وأما الذبح فهو فصل الرأس من الرقبة، فيجوز في حق الإبل أن تذبح، بأن يفصل رأسها من رقبتها، وكذلك يجوز في الغنم والبقر أن تنحر، لكن الأصل أن النحر للإبل، والذبح للبقر والغنم، ويجوز العكس، ولهذا قال: (نحر أو ذبح)، وهو شك من الراوي، هل قال نحر أو ذبح. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يذبح أو ينحر بالمصلى) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم]. محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو مصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [عن شعيب]. شعيب، وهو: ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي. [عن الليث]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن كثير بن فرقد]. كثير بن فرقد ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي. [عن نافع]. ونافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأسئلة حكم تقسيم لحم الأضحية السؤال: فضيلة الشيخ، هل تقسيم لحم الأضحية واجب؟ الجواب: ليس بواجب، ولكن الأضاحي والهدي السنة فيها أن الإنسان لا يستأثر بها كلها، ولو أطعمها كلها فإن ذلك جائز، لو تصدق بها كلها فإن ذلك جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهديه وهو في المدينة فيذبح ويوزع، ولا يأكل منه شيئاً؛ لأنه كان يبعث به، والسنة أن يأكل، ويهدي، ويتصدق، فيكون جمعاً بين أن يأكل بنفسه، وأن يهدي، وأن يتصدق. صلاة تحية المسجد إذا كانت صلاة العيد فيه السؤال: إذا كانت صلاة العيد في المسجد فهل يصلي تحية المسجد؟ الجواب: إذا كانت صلاة العيد في المسجد، فإن المسجد تصلى فيه تحية المسجد؛ وليست هذه للعيد؛ لأن الإنسان إذا دخل المسجد يصلي، ولا يجلس حتى يصلي ركعتين، فهذه ما يقال: إنها سنة للعيد، فالعيد ليس له سنة، وإنما هذه تحية المسجد التي إذا دخل الإنسان صلاها. القصاص على من قتل شخصاً أراد قتله السؤال: أراد رجل قتل آخر، ولكن الآخر تقدم عليه وقتله، فهل عليه قصاص أم لا؟ الجواب: إذا ثبت أنه أراد قتله، وأنه دافع عن نفسه، ولا يندفع إلا بالقتل؛ لأنه إذا كان يندفع بغير القتل فلا يجوز له أن يقتل، ومثل هذا لا بد فيه من تحقق، وتوفر هذه الأمور، التي هي كونه لا يندفع إلا بالقتل؛ لأنه إذا كان لا يندفع إلا بالقتل وقتله فليس عليه قصاص، ولكن ثبوت هذا يحتاج إلى بينة وبرهان. العيد له خطبتان كالجمعة السؤال: هل تجوز خطبة واحدة يوم العيد؟ الجواب: العيد له خطبتان كالجمعة، ولا نعلم دليلاً يدل على أن العيد له خطبتان بالنص، ولكن النسائي أورد الأحاديث التي تتعلق بالجمعة في العيد، والأحاديث التي فيها إطلاق؛ للاستدلال أو الإشارة إلى أن الجمعة مثل العيد في عدد الخطب، ولا أعلم أن هناك خلافاً في أن العيد لها خطبتان. الحث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: نطلب بيان أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نلاحظ أنه رغم تكرار اسمه عليه الصلاة والسلام قليل من يصلي عليه، وهل تجوز الصلاة عليه سراً في النفس؟ الجواب: نعم تجوز الصلاة سراً، لكن كون الإنسان يظهر منه شيء بحيث يذكر الغير، وينبه الغير من غير أن يرفع الصوت، وإنما بحيث يسمعه من حوله بدون تشويش، وبدون ترتب المضرة، يعني: من حيث رفع الصوت رفعاً شديداً يكون فيه لفت نظر، وإزعاج؛ لا شك أن هذا هو الذي ينبغي، وإن صلى سراً حصل المقصود، يعني: بينه وبين نفسه بأن يتلفظ، وليس المعنى أنه يصلي في قلبه، وإنما يحرك شفتيه، ويحرك لسانه، وإن لم يسمعه أحد، لكن لو أسمع من هو حوله حتى يذكره وحتى ينبهه فإن هذا لا شك أنه أحسن وأولى. ومن المعلوم أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ورد فيها أحاديث تدل على فضلها، وعلى عظيم أجرها، الله عز وجل أمر بها في كتابه العزيز، وأخبر في آية كريمة جمعت بين خبر وأمر، خبر في أولها وأمر في آخرها، أخبر الله عن نفسه، وعن ملائكته، بأنهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأحزاب:56]، هذا خبر، ثم أمر في آخرها: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأحزاب:56]، فالله تعالى أمر المؤمنين وناداهم بوصف الإيمان، بعد أن أخبرهم أنه يصلي عليه، وأن ملائكته تصلي عليه صلى الله عليه وسلم. ثم السنة جاء فيها أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، منها قوله في صحيح مسلم: (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً)، وكذلك جاءت أحاديث خارج الصحيحين، فيها ما هو ثابت، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة). ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ)، ولهذا كان العلماء المحدثون يوصون بالصلاة والسلام عليه عند ذكره، وعند كتابة الحديث، فإنه يكتب صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، ولا يهملها، ولا يختصرها، بأن يرمز لها ببعض الحروف، كص، أو صلعم، وإنما يأتي بها كاملة: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كلما صلى الإنسان عليه صلاة واحدة، فإن الله تعالى يصلي عليه بها عشراً، فهو عمل يسير قليل، ومع ذلك فيه ثواب جزيل وعظيم. ثم أيضاً هذا من حق النبي عليه الصلاة والسلام علينا، وقد منَّ الله علينا بنعمة الإسلام التي ساقها لنا على يديه، فمن حقه علينا أن نصلي ونسلم عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. تعليم المرأة للرجال السؤال: إذا لم يكن في القرية عالم إلا امرأة صالحة فقيهة، فهل لها أن تعلم الرجال أمور دينهم؟ الجواب: إذا اضطر إلى ذلك فتعلمهم، ولكن من وراء حجاب، مثلما النساء تتعلم من وراء حجاب، كذلك الرجال يتعلمون منها من وراء حجاب إذا اضطروا إليها. تعليم البنات كيفية الصلاة أو الوضوء بدون استتار السؤال: هل يجوز تعليم البنات بدون استتار إذا احتاج الأمر إلى ذلك لتطبيق كيفية الصلاة أو الوضوء؟ الجواب: الكيفية كما هو معلوم ما تكون مع الستار، تكون بالمشاهدة والمعاينة، ومن المعلوم: أن التعليم بالفعل يكون من الرجال للرجال، ومن النساء للنساء، لكن إذا كان التعليم بواسطة هذه الوسائل التي ترى صورته، ولا يرى هو، فهذا إذا احتيج إلى ذلك، واضطر إلى ذلك، يمكن أن يأتي بالصلاة، وتشاهد عن طريق الصورة لا عن طريق المشاهدة، والمعاينة. رواية سعيد بن جبير عن الصحابة السؤال: رواية سعيد بن جبير عن الصحابة متصلة أم منقطعة؟ الجواب: رواياته عن ابن عباس متصلة، لكن هل كل رواياته عن الصحابة متصلة؟ أنا لا أدري، لكن الحديث الذي معنا عن ابن عباس -وهو صحابي- روايته عنه متصلة. القصر والجمع في سفر النزهة السؤال: هل يجوز للمسافر للنزهة أن يقصر ويجمع الصلاة؟ الجواب: نعم، المسافر ولو كان للنزهة، ولو كان للسياحة، له أن يقصر، إذا سافر السفر الذي تقصر معه الصلاة، وكذلك له أن يجمع. المسح على الخف المخرق السؤال: الخف إذا كان به خروق هل يجوز المسح عليه؟ الجواب: إذا كانت الخروق يسيرة يجوز أن يمسح عليها، وأما إذا كانت كثيرة، بحيث يكون وجوده مثل عدمه لكثرة خروقه، وأن أكثر الرجل يكون باد، فهذا يصير مثل النعل، يعني: وجوده مثل عدمه. هل ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يصلون الرواتب في المسجد؟ السؤال: هل ثبت أن الصحابة كانوا يصلون الرواتب في المسجد النبوي؟ الجواب: لا أدري عن الصحابة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في بيته، وقد قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، وقد مر بنا في حديث الجمعة: أنه إذا صلى في المسجد يصلي أربعاً، وإذا صلى في بيته يصلي ركعتين، لكن فعل الصحابة، وكونهم يصلون الرواتب في المسجد لا أدري. حكم استعمال الذهب المحلق للنساء السؤال: كثر الحديث في مسألة الذهب المحلق، فما هو القول الفصل في ذلك؟ الجواب: الذهب المحلق كغيره من غير المحلق، هو للنساء سائغ وجائز، والدليل عليه الأحاديث العامة، والأحاديث الخاصة، والعامة: هي التي فيها إحلاله للنساء مطلقاً، كما (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذهباً وحريراً وقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، هذان حرام أي: الذهب، وكذلك بالنسبة للمحلق، المرأة التي جاءت وعليها مسكتان من ذهب قال: (أتؤدين زكاة هذا؟)، فكانت لابسة، وأما ما ورد من ما يتعلق بالنهي عن المحلق، فإن تلك الأحاديث في مقابلة تلك الأحاديث التي هي أرجح منها، وأقوى منها، تكون عندها بمثابة الشاذ في مقابل ما هو أصح منه، وما هو أولى منه. الصلاة والتسليم على غير نبينا من الأنبياء السؤال: هل يقال في الأنبياء: صلى الله عليهم وسلم مثل نبينا عليه الصلاة والسلام أو يقال: عليهم السلام؟ الجواب: نعم. يقال: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، مثلما يقال لنبينا: عليه الصلاة والسلام. دفع المهر لمن راجع في العدة السؤال: شخص طلق امرأته ولم يأخذ منها شيئاً، ولكن قال لها: إن تزوجتِ رجلاً تعطيني حقي الذي دفعته إليكِ، ثم راجعها في العدة، فهل يحتاج إلى مهر وشهود أم لا؟ الجواب: إن كان راجعها في العدة فهي زوجته، ولا تحتاج إلى مهر؛ لأنها رجعية، والعقد لا يزال إلى أن تنتهي من العدة، ولا تطلق منه ولا تبين منه إلا إذا خرجت من العدة، فما دام أن الطلاق رجعي فإن إرجاعه إياها لا يحتاج إلى مهر، لكن لو أنها خرجت من العدة، فإنه لا بد أن يخطبها، ويكون واحداً من الخطاب، فإذا رغبت به فلابد أن يكون هناك مهر، وإذا أراد أن يتزوجها يدفع لها مهراً، لكن ما دام أنه أرجعها في العدة، فإنها زوجته، والعدة تحتاج إلى إشهاد، حتى يعلم الناس أن ذلك الطلاق نسخ بالرجعة. دخول الحائض مصلى العيد قبل الصلاة السؤال: هل للحائض أن تدخل مصلى العيد قبل الصلاة؟ الجواب: ما تدخل مصلى العيد، ولكنها تكون متأخرة عن مصلى العيد، أي بمكان قريب منه، ليس في المصلى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتعتزل الحيض المصلى). الحلف ووضع اليد على المصحف السؤال: الحلف على المصحف جائز أم لا؟ بأن يضع يده على المصحف ويقول: والله العظيم وكتابه الكريم أقول الحق، ولا شيء غير الحق؟ الجواب: لا أدري، قضية كونه يضع يديه في المصحف، أنا ما أعرف شيئاً يدل على هذا. خطبة الكسوف والاستسقاء خطبة واحدة السؤال: كم خطبة للاستسقاء؟ وهل للكسوف خطبة؟الجواب: مر بنا أن الكسوف له خطبة واحدة، وأن الاستسقاء له خطبة واحدة أيضاً. رواية عبد الرحمن بن مهدي عن السفيانين السؤال: لماذا لا يكون عبد الرحمن بن مهدي في الإسناد يروي عن سفيان بن عيينة بدل سفيان الثوري ؟ الجواب: عبد الرحمن بن مهدي في طبقة سفيان بن عيينة، يعني: هو متأخر، مثل سفيان بن عيينة، وهل روى عن سفيان بن عيينة ؟ لا أدري؛ لأنه يمكن أن يروي القرين عن قرينه. الرأي في الجماعات الإسلامية المعاصرة السؤال: ما رأيكم في الجماعات الإسلامية المعاصرة؟ الجواب: هذا سؤال طويل عريض، أستطيع أن أقول إجمالاً: ما كان على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهذا هو المنهاج القويم، والصراط المستقيم، وما كان بخلاف ذلك فهو مباين لهذه الطريق، ولكنه متفاوت قرباً وبعداً، فكل من كان أقرب إلى هذه الفرقة التي هي: على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي أسهل وأخف، وكل من كان أبعد يكون أسوأ. الإمارة في الحضر السؤال: ما حكم الإمارة في الحضر؟. الجواب: كما هو معلوم: الإمارة إنما يحتاج إليها في السفر، وأما في الحضر فأمير البلد هو الذي يكون أميراً للناس، وأما إذا حصل التفرق فالثلاثة يجعلون واحداً منهم أميراً، بحيث يرجعون إليه في النزول، وهذه الإمارة كما هو معلوم المقصود منها أن يرجع إليه، بدلاً من أن يكون كل له رأي ويختلفون، يرجعون إلى رأي الأمير في نزولهم، وسفرهم، وغير ذلك، وأما في الحضر فأمير البلد هو أمير الناس. وليس لأحد أن يؤمر أحداً عليه وإنما أمير البلد هو أمير الناس، وإذا كان الإنسان في بلد كفار والمسلمون مجتمعون فيه فيمكن أن يجعلوا لهم أميراً يرجعون إليه ويستفيدون منه، لكن لا تجري له أحكام الإمارة والولاية، يعني: كونه يقيم الحدود، ويفعل الأشياء التي لا يفعلها إلا السلطان، لكن يمكن أنه يرجع إليه في الأمور التي يحتاج الناس إليه فيها. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (كتاب صلاة العيدين) (289) - كتاب صلاة العيدين - (باب اجتماع العيدين وشهودهما) إلى (باب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد) لقد جاءت السنة ببيان الحكم الشرعي فيما لو اجتمع العيد والجمعة، فمن تيسير الله تعالى على عباده أن من حضر العيد رُخص له في التخلف عن شهود الجمعة ويصليها في بيته ظهراً، وذلك لأن مصلحة الاجتماع قد حصلت بالاجتماع للعيد، ويرخص للجواري في الغناء والضرب بالدفوف يوم العيد. اجتماع العيدين وشهودهما شرح حديث النعمان بن بشير في اجتماع العيد مع الجمعة وشهودهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع العيدين وشهودهما.أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: قلت عن أبيه، قال: نعم عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة، والعيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم قرأ بهما)]. يقول النسائي رحمه الله: اجتماع العيدين وشهودهما، يريد بالعيدين: العيد السنوي الذي هو: الأضحى، أو الفطر، وعيد الأسبوع الذي هو: الجمعة، هذا هو المراد بالعيدين اللذين يجتمعان؛ لأن الجمعة هي يوم عيد الأسبوع، وقد شرع للناس فيها تلك الصلاة الخاصة، التي هي ركعتان ويسبقها خطبتان، وشرع للناس في السنة عيدان هما: عيد الأضحى وعيد الفطر، فإذا صار يوم عيد الأضحى، أو عيد الفطر، يوم جمعة، يكون قد اجتمع عيدان. وقد أورد النسائي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الجمعة، بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وكذلك في العيد، وإذا اجتمعا فإنه يقرأ فيهما جميعاً)، يعني: يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، ويقرأ فيهما بهاتين السورتين، يعني: سورة سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. فالحديث يدل على أنه عندما يجتمع العيدان، عيد السنة وعيد الأسبوع، بأن يكون يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة، فيكون قد اجتمع عيدان، وحينئذ يقرأ في كل من صلاتي العيد وصلاة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وأيضاً يدل على شهودهما، وهو أن الإنسان عندما يجتمع يوم عيد ويوم جمعة يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، يحضر صلاة العيد في المصلى، وإذا جاء وقت الجمعة يحضرها، فهذا هو المقصود بقوله: شهودهما. وهذا هو الذي يقتضيه الحديث، وهذا هو الذي يدل عليه الحديث، فهو يدل على أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة، فإن من صلى العيد ينبغي له أن يحضر الجمعة، لكن وردت بعض الأحاديث الدالة على أن من حضر العيد فإنه يرخص له أن يتخلف عن الجمعة، لكن يصليها ظهراً، فالتجميع يحصل؛ ولكن لا يلزم كل أحد أن يحضر كسائر الأيام؛ لأن الجمعة يلزم حضورها؛ لكن إذا اجتمع عيد السنة مع عيد الأسبوع فإن من حضر العيد يرخص له أن يتخلف عن حضور الجمعة، لكن حضورها مع حضور العيد هو الأولى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما بأن يصلي العيد ثم يصلي الجمعة، ولكنه جاء عنه أن من أراد أن يحضر يحضر، وأن من أراد أن يتخلف فله ذلك، لكن لا بد أن يصلي ظهراً؛ لأن اليوم والليلة فيها خمسة فروض، لا يسقط فرض منها في أي حال من الأحوال. تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير في اجتماع العيدين وشهودهما قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وهو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي. [عن جرير]. هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر]. وهو إبراهيم بن محمد بن المنتشر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إبراهيم بن محمد بن المنتشر أبوه محمد بن المنتشر. والذي قال عن أبيه هو محمد بن قدامة، أي: أن إبراهيم يروي عن أبيه، والذي سأل هو محمد بن قدامة شيخ النسائي، والمسئول هو شيخه جرير، لما حدثه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قال له محمد بن قدامة: عن أبيه؟ قال: نعم، ومحمد بن المنتشر، وابنه إبراهيم بن محمد بن المنتشر، كل منهما ثقة، وكل منهما خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن حبيب بن سالم]. وهو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وهو لا بأس به، وهو بمعنى: صدوق، وهي تعادل صدوق، فحديثه يعتبر حسناً، إذا جاء منفرداً وليس له ما يعضده فإنه يكون من قبيل الحسن، وهو الذي خف ضبطه عن أن يكون ثقة، وكان دونه، ولكن حديثه معتمد ومقبول. لكن في اصطلاح يحيى بن معين إذا قال: (لا بأس به)، فهي تعادل عنده ثقة، وهذا اصطلاح خاص بـيحيى بن معين؛ لأن كلمة (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، تعادل ثقة عند غيره، فإذا جاء أو وجد في ترجمة بعض الأشخاص الثقات الأثبات كلمة (لا بأس به)، فلا يستغرب ذلك؛ لأن كلمة (لا بأس به) في اصطلاح يحيى بن معين بمعنى: ثقة، لكن في اصطلاح غيره هي بمعنى: صدوق، أي: ممن خف ضبطه، ونقص عن درجة الثقة، لكن حديثه معتبر، وحديثه مقبول، وهو يعتبر من قبيل الحسن، وإذا وجد ما يعضده ينتقل أو يرتقي من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره. وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن النعمان بن بشير]. وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد تحمل الحديث عن رسول الله، وروى أحاديث بلفظ (سمعت)، عبر فيها بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن تحمل في صغره، وأداه في حال كبره، وهذا معتمد، ومعتبر عند المحدثين أن الراوي الصغير يتحمل في حال الصغر، ويؤدي في حال الكبر، وكذلك الكافر إذا أسلم يتحمل في حال كفره، ثم إنه بعدما يسلم، يتحدث عن أشياء حصلت، أو سمعها في حال كفره، فالعبرة بوقت الأداء، لا بوقت التحمل، فإذا كان مسلماً وكبيراً في حال التأدية، فإن حال التحمل لا تؤثر، إذا كان تحمل وهو كافر، أو تحمل وهو صغير؛ لأن الأحاديث التي تحملها النعمان بن بشير رضي الله عنه، تحملها وهو صغير؛ لأن عمره حين وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كان ثمان سنوات، وقد روى أحاديث منها ما قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث المشهور المتفق على صحته: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وهو حديث عظيم، قال فيه النعمان بن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بعض الأحاديث التي يرويها صغار الصحابة هي مراسيل، ولكن مراسيل الصحابة حجة، ومعتمدة؛ لأنهم غالباً لا يروون إلا عن الصحابة، وإذا رووا عن غير الصحابة بينوا ذلك، فلا محذور في رواياتهم إذا رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صغار، وليست مشتملة على: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تكون من قبيل المرسل الذي أخذ عن الصحابة، لكن إذا قال (سمعت)، فإنه ليس هناك واسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. والنعمان بن بشير رضي الله عنه وعن أبيه صحابي ابن صحابي، وهو صاحب القصة المشهورة، وهي: أن أمه طلبت من أبيه أي: بشير أن يعطيه شيئاً، وأن يخصه به، وأن ينحله نحلة يتميز بها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال: (أكل ولدك أعطيته مثل هذا؟ قال: لا)، يقوله لوالد النعمان بن بشير، فقال: (لا تشهدني على جور، أشهد على هذا غيري، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فإن هذا الخطاب لـبشير والد النعمان، والذي أعطي المنحة بطلب من والدته، فهو صحابي ابن صحابي، وحديثه في الكتب الستة. الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد شرح حديث زيد بن أرقم في صلاة النبي العيد أول النهار وترخيصه في الجمعة عند اجتماعهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة قال: (سمعت معاوية رضي الله تعالى عنه سأل زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنهما: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؟ قال: نعم، صلى العيد من أول النهار ثم رخص في الجمعة)]. أورد النسائي بعدما أورد اجتماع العيدين، أي: الجمعة وعيد الأضحى، أو الفطر وشهودهما، وأنه يصلى العيد ويصلى الجمعة، ويجمع بين صلاة العيد، وصلاة الجمعة في نفس اليوم، ولا تسقط صلاة الجمعة بل تصلى، ولكن لا يلزم كل أحد بحضورها، بل من شهد العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة في ذلك اليوم؛ لأنه حصل الاجتماع العام. الدليل على وجوب صلاة العيد وهذا مما استدل به بعض أهل العلم على وجوب صلاة العيد، وأنها فرض عين؛ لأنه لما رخص لمن شهد العيد أن يتخلف عن الجمعة، مع أن الجمعة فرض، ويلزم كل إنسان أن يحضرها، لما رخص لمن شهد العيد، أن يتخلف عنها، فهم منه أنها فرض عين، أو استدل به بعض العلماء على أنها فرض عين؛ لأنه لو لم تكن فرض عين، ما كان يغني حضور العيد عن حضور الجمعة، لكن لما كان حضور العيد يغني عن حضور الجمعة في ذلك اليوم، استدل به بعض أهل العلم على وجوب صلاة العيد وجوباً عينياً وليس كفائياً، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من قال: إنها فرض عين، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، لكن الذين قالوا: بأنها فرض عين استدلوا بهذا الحديث الذي فيه أن من حضر العيد يرخص له أن يتخلف عن الجمعة، فلولا أن العيد فرض عين ما كان لمن حضرها أن يتخلف عن الجمعة، إذ لو لم تكن كذلك، لما أغنى حضورها عن حضور الجمعة، لكن لما كان حضورها يغني عن الجمعة، دل على أنها فرض عين.ومما يستدلون به على ذلك: الحديث الذي مر بنا، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج العواتق، وذوات الخدور، وكذلك الحيض، يخرجن إلى المصلى، ويعتزلن المصلى، يحضرن الخير، ودعوة المسلمين، فهذا الحديث يدل على التخلف عن صلاة الجمعة لمن حضر العيد. وفي هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه سأل زيد بن أرقم: (أشهدت عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم، فصلى العيد في أول النهار ثم رخص في الجمعة)، يعني: رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة، لكن لا يعني أن الجمعة تترك، بل يجمع الإمام، وقد جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما صلى العيد: (إنا مجمعون، فمن أراد أن يحضر فليحضر، وإلا فإنه لا شيء عليه) فأخبرهم بأنه يجمع، وأنه سيصلي الجمعة، وبين أن من أراد أن يتخلف، فإن له حق التخلف؛ لأنه قد حضر العيد، فقال: رخص في الجمعة، يعني: في التخلف عنها، وليس معنى تركها عدم إيجابها أو عدم فعلها، بل تفعل، وتصلى لكن من تأخر عنها لا يعاتب، ومن فقد في الجمعة لا ينكر عليه، ولا يقال له: لماذا لم تحضر، وقد حضر العيد؛ لأن الرخصة جاءت بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: الحديث دال على أن من حضر العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة، وأما الجمعة فإنها تقام، والذي يرخص فيه ليس تركها وإلغاؤها نهائياً وعدم وجوبها، وأن الناس يصلون ظهراً مكانها، ولكن من حضر العيد من أفراد الناس فله أن يتخلف عن الجمعة، وليس بملزم بحضور الجمعة في ذلك اليوم، ولا ينكر على من تخلف عنها. وأما كون الجمعة لا تصلى أصلاً، أو أنها لا تصلى الظهر أصلاً، فهذا ليس بصحيح، بل الجمعة تصلى في الجملة، ويجوز التخلف عنها، وأما الظهر فإنها لا تسقط، وإنما يصليها الإنسان إن لم يحضر الجمعة، وكذلك المساجد التي لا يجمع فيها، لهم أن يصلوا فيها ظهراً، ولكن لا تترك صلاة الظهر، وبعض العلماء نقل عنه سقوط صلاة الظهر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضة، لا يسقط منها فرض واحد في أي يوم من الأيام، دائماً وأبداً، والذي جاء فيه الترخيص ليس ترك الظهر، وإنما هو ترك الجمعة لمن حضر العيد. تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم في صلاة النبي العيد أول النهار وترخيصه في الجمعة عند اجتماعهما قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. وهو الفلاس البصري، وهو ثقة، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي]. وهو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو أيضاً ثقة، عارف بالرجال، والعلل، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسرائيل]. وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عثمان بن المغيرة]. وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة. [عن إياس]. وهو إياس بن أبي رملة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، لكن الحديث ثابت؛ لأنه جاء عن جماعة من الصحابة، وجاء من طرق متعددة، فالترخيص في الجمعة لمن حضر العيد لم يكن المستند عليه هذه الطريق، وهذا الإسناد، وإنما جاء من طرق أخرى، ومن أحاديث جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، ومنهم: زيد بن أرقم: هذا الذي معنا في الإسناد، وكذلك غيرهم. [سأل زيد بن أرقم]. معاوية رضي الله عنه، جاء ذكره في الإسناد لأنه هو الذي سأل، لكن إياس بن أبي رملة هو الذي يروي عن زيد بن أرقم، وكان سبب التحديث بذلك: سؤال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فهو سأل زيد بن أرقم رضي الله عنه، فأجابه بأنه حضر العيد، وأنه شهد عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: الجمعة والأضحى، وأنه رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة. وزيد بن أرقم صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عباس في الاكتفاء بصلاة العيد عند اجتماعها مع الجمعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني وهب بن كيسان قال: (اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصل بالناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لـابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: أصاب السنة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك أن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه في عهده اجتمع عيدان: عيد السنة، وعيد الأسبوع، فخرج للناس وصلى بهم العيد لما تعالى النهار، يعني: لما ارتفع النهار، وأطال الخطبة، ثم نزل، ولم يصل بالناس يومئذ الجمعة، وهذا فعل ابن الزبير، لكن كونه مرفوعاً؛ لأنه جاء عن ابن عباس عندما سئل أنه قال: أصاب السنة. وليس معنى هذا أن الناس تركوا الصلاة، وأنه لم يصل لهم، بل الصلاة لا تسقط، الظهر لا تسقط، والجمعة كذلك لا تسقط عن البعض، وإنما يرخص لمن تأخر، وقد قال ابن عباس: أصاب السنة، وابن عباس رضي الله عنه، هو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما اجتمع عيدان قال: (إنا مجمعون، فمن حضر العيد وأراد أن يحضر الجمعة فليفعل، وإلا فإنه لا حرج عليه)، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص في التخلف عن الجمعة يوم العيد لمن حضر العيد، وابن عباس نفسه هو الذي روى الحديث عن رسول الله، وأنه قال: إنا مجمعون، فمن شاء أن يجمع معنا فليفعل، ومن شاء أن يتأخر فله أن يتأخر، وإلا فإنا مجمعون، أي: من أراد أن يحضر معنا يحضر، ومن أراد أن يتخلف فإنه لا شيء عليه. فالذي جاء عن ابن عباس هو: الترخيص في التخلف عن الجمعة لمن حضر العيد، وليس معنى ذلك أنها تترك الصلاة، أي: الجمعة، ولا أنها تترك صلاة الظهر أيضاً، فمن حضر الجمعة فقد أدى ما عليه، ومن لم يحضر الجمعة، فيتعين عليه أن يصلي الظهر؛ لأن الظهر لا تسقط بأي حال من الأحوال؛ لأن الصلاة فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، وفي الحديث: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، ولم يأت نص واضح صريح بأن الظهر تسقط، وأن الجمعة تسقط، وإنما جاء أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد، لكن الفرض الذي يكون لمن يصلي وحده، أو لمن لا يجمعون، هو صلاة الظهر، وصلاة الظهر لا بد منها لمن لم يصل الجمعة، ومن فاتته الجمعة فإنه يصلي ظهراً، ولا يسقط الظهر بأي حال من الأحوال. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الاكتفاء بصلاة العيد عند اجتماعها مع الجمعة قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، وهو: الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة, رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [عن يحيى]. هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الحميد بن جعفر]. وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن وهب بن كيسان]. وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما ابن الزبير رضي الله تعالى عنه فمجيئه في الإسناد لأنه هو الذي صلى بالناس، وخطب الناس، وسئل ابن عباس عن فعله فقال: أصاب السنة. إذاً: الفعل فعل ابن الزبير ولكن إضافته إلى الرسول ورفعه إليه، هو من قول ابن عباس. إذاً: الذي روى عن ابن عباس، هو وهب بن كيسان، والحديث متصل من وهب بن كيسان إلى ابن عباس وابن الزبير، هو السبب الذي جعل ابن عباس يحدث بهذا الحديث؛ لأنه لما سئل قال: أصاب السنة، والسنة إذا جاء إطلاقها من الصحابي، وكذلك من غيره فإنه يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصاب السنة أي: سنة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ضرب الدف يوم العيد شرح حديث عائشة في ضرب الدف يوم العيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ضرب الدف يوم العيد.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن جعفر عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهن فإن لكل قوم عيداً)]. أورد النسائي: [ضرب الدف يوم العيد]، والمقصود من هذه الترجمة: أن العيد يرخص فيه باللعب، أو يمكن الصغار من اللعب الذي لا محذور فيه، وكذلك أيضاً بضرب الدف، وكذلك بالغناء، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه دليل على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن من النساء الصغيرات، ومن الجواري الصغيرات؛ لأن هذا الفعل إنما هو فعل جاريتين صغيرتين، هما دون البلوغ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهما أبو بكر، وانتهرهما، قال عليه الصلاة والسلام: [(دعهما فإن اليوم يوم عيد)]، ومعناه: أنه يرخص لمثلهن بأن يأتين بمثل هذا الذي أتين به، وهو الضرب بالدف، وكذلك الغناء، كما جاء عن الجاريتين نفسهما، أنهما كانتا تغنيان، وسيأتي. فالحديث دال على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن ليس لكل أحد، وإنما هو للجواري الصغيرات. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ضرب الدف يوم العيد قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا محمد بن جعفر]. وهو غندر، الملقب بـالبصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن معمر]. وهو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، إمام، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عروة]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة]. وهي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللعب بين يدي الإمام يوم العيد شرح حديث عائشة في اللعب بين يدي الإمام يوم العيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [اللعب بين يدي الإمام يوم العيد.أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (جاء السودان يلعبون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فدعاني، فكنت أطلع إليهم من فوق عاتقه، فما زلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي انصرفت)]. [اللعب بين يدي الإمام يوم العيد] أورد فيه النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، أن السودان، وهم الحبشة كانوا يلعبون بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بالحراب والدرق، وهي من وسائل الحرب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم، وجاءت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وجعلت تنظر، وأقرها رسول الله، أو رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنظر، فجعلت تنظر من فوق عاتقه صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على نظر المرأة إلى الرجال. قال العلماء: إن نظر عائشة رضي الله عنها إلى الرجال وهم يلعبون، يحتمل: أن يكون لأنها صغيرة، وأنها كانت دون البلوغ، ويحتمل أن ذلك كان قبل أن ينزل القرآن بغض الأبصار من قبل الرجال عن النساء، ومن قبل النساء عن الرجال، https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النور:30]، https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifوَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النور:31]، ويحتمل أن يكون ذلك بعد، ولكن إنما هو النظر إلى أشخاصهم من بعد، وليس النظر إلى وجوههم، وإلى مقاطعهم، وإنما إلى قصدهم وتحركاتهم. فالعلماء أجابوا عن نظر عائشة بهذه الأجوبة: إما أن يكون ذلك لكونها دون البلوغ، فلا يسوغ للمرأة أن تنظر إلى الرجال، أو أن ذلك كان قبل نزول المنع، والأمر بغض الأبصار من قبل الرجال، وكذلك من قبل النساء، أو لأنه بعد ذلك، ولكن النظر لم يكن إليهم، وإنما إلى أشخاصهم، كما ينظر إلى الأشخاص من بعد، فإن ذلك ليس كالنظر إلى وجوههم، أو ما يحصل من التلذذ من نظر المرأة إلى الرجل، وما إلى ذلك، بهذه الأجوبة أجاب العلماء عما حصل من عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ثم أيضاً: الحديث يدل على حصول اللعب، فقد جاء في بعض الروايات، كما سيأتي أنه كان في المسجد، والمساجد كما هو معلوم تصان عن اللعب ولا تمتهن، لكن قال العلماء: إن هذا شيء نادر، وإنه لا يحصل دائماً، وإنما على ندرة، وأيضاً يكون في أمور تتعلق بالحرب، وليس من قبيل اللهو الذي لا خير فيه، وإنما هو تدرب، وإتيان بشيء هو مطلوب في الحرب، وفيه استعداد للحرب، فليس من قبيل اللعب المجرد، الذي لا قربة فيه، ولا يترتب عليه فائدة شرعية، بل هذا من قبيل الاستعداد للحرب، بهذا أجاب العلماء عن حصول لعبهم في المسجد، وكان ذلك بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام. ولهذا أنكر بعض الصحابة كما سيأتي فعلهم هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي أنكر ذلك كما سيأتي: دعهم، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم، لكنه نادر، وليس بكثير الاستعمال في المسجد، وليس أيضاً من اللعب الذي هو لهو لا فائدة من ورائه، أو لا قربة من ورائه، بل هو من قبيل الاستعداد للحرب، ومن قبيل الوسائل التي هي من وسائل الحرب. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اللعب بين يدي الإمام يوم العيد قوله: [أخبرنا محمد بن آدم]. هو محمد بن آدم بن سليمان الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي. [عن عبدة]. هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام]. هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه عروة عن عائشة]. وقد مر ذكرهما. اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك شرح حديث عائشة: (رأيت رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك.أخبرنا علي بن خشرم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [اللعب في المسجد يوم العيد، ونظر النساء إلى ذلك]، وأورد فيها حديث عائشة رضي الله عنها، وهو المتقدم إلا أن فيه بيان أنها صغيرة، وأنها قالت: اقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو، أي: أنه يتسامح في حقها ما لا يتسامح في حق الكبيرات، يعني: أنه تراعى حالها لصغرها، فتمكن من مشاهدة مثل هذا اللعب، وهذا يبين أنها كانت صغيرة، وقد مر أن بعض العلماء أجاب أنها صغيرة دون البلوغ، كما مرت الإجابات الأخرى التي هي: كونها أيضاً قبل نزول آية المنع، والأمر بغض الأبصار، وكذلك أيضاً الجواب الثالث وهو: نظر النساء إلى قصدهم وحركاتهم، لا إلى وجوههم، يعني: أنه نظر من بعد، هذه هي الأوجه الثلاثة التي ذكرناها من قبل، لكن الحديث يشير ويبين من كلام عائشة، نفسها أنها كانت صغيرة السن، وأن الصغيرة تكون حريصة على اللهو وعلى اللعب، فيتسامح في حق الصغار ما لا يتسامح في حق غيرهم، ولهذا الجاريتان اللتان كانتا تغنيان وتضربان بالدف رخص لهما، ولم يمنعهما رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال لـأبي بكر: دعهما، معناه أن الصغيرة يرخص لها في بعض الأحوال، ما لا يرخص في غيرها من الأحوال. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (رأيت رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ...) قوله: [أخبرنا علي بن خشرم]. وهو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي. وعلي بن خشرم هذا معمر من المعمرين، وقد ذكر في ترجمته أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً، أي: ثمانية وثمانون عاماً وهو يصوم رمضان، فهو من المعمرين. [حدثنا الوليد]. وهو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس، والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأوزاعي]. وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، فقيه الشام، ومحدثها، إمام، مشهور بالفقه، والحديث، وهو مثل الليث بن سعد في مصر، وسفيان الثوري في الكوفة، يعني أنهم محدثون، فقهاء، مشهورون في تلك البلدان. وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي مشهور بنسبته الأوزاعي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه أبو عمرو وأبوه عمرو، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بلقبه أحياناً، فإن من لا يعرفه إلا بنسبه، يظن أنه لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، أن (أبو) مصفحة عن (ابن)، لكن كلها صواب، إن قيل: عبد الرحمن بن عمرو فهو عبد الرحمن بن عمرو، وإن قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، فهو عبد الرحمن أبو عمرو لأن كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري عن عروة عن عائشة]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث أبي هريرة في ترخيص النبي للحبشة باللعب في المسجد بعد زجر عمر لهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن موسى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (دخل عمر رضي الله تعالى عنه والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر، فإنما هم بنو أرفدة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن عمر رضي الله عنه دخل والحبشة يلعبون في المسجد، يعني: في يوم العيد، فزجرهم عمر، وهذا يدل على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه نادر؛ لأن عمر رضي الله عنه كذلك زجرهم، وكذلك الذي مر بالنسبة للجاريتين اللتين كانتا تغنيان، وتضربان بالدف، فأبو بكر زجرهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما)، فدل هذا على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه ينكر، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم أقر عليه، دل على جوازه، ولكن في بعض الأحيان، وفي مناسبات نادرة، وليس دائماً وأبداً، ولهذا أنكر عمر رضي الله عنه وأرضاه صنيعهم هذا، والرسول قال له: (دعهم فإنما هم بنو أرفدة)، وبني أرفدة، قيل: إنه جد للحبشة، وقيل: إنه لقب على الحبشة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في ترخيص النبي للحبشة باللعب في المسجد بعد زجر عمر لهم قوله: [أخبرنا إسحاق بن موسى]. وهو ثقة، متقن، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ولا أبو داود. [حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري]. وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. [عن سعيد بن المسيب]. وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة. [عن أبي هريرة]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحاب الرسول حديثاً. الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد شرح حديث عائشة في الترخيص للجواري في الغناء وضرب الدف يوم العيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد.أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة أنه حدثه: أن عائشة رضي الله تعالى عنها حدثته: (أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بالدف وتغنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، وقال مرة أخرى: متسج ثوبه، فكشف عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، إنها أيام عيد، وهن أيام منى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [الرخصة في الاستماع إلى الغناء، وضرب الدف يوم العيد]، وأورد فيه حديث عائشة، وهو الذي تقدم ذكره في ضرب الدف، أورده هنا من أجل الغناء، وأنه رخص فيه في يوم العيد، ولكن للجواري الصغيرات وليس للكبيرات، ولهذا أبو بكر رضي الله عنه أنكر على تلك الجواري؛ لأن هذا غير مألوف، وغير معروف، وهو من الأمور المنكرة، ويعلمون أن الغناء لا يجوز، ولما رأى هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه نائم، وأن هذا من غير علمه، أنكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مسجى في ثوبه، أو متسج ثوبه، أي: متغط، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال: (دعهما، إنها أيام عيد)، ودل هذا على جواز مثل هذا يوم العيد، ولكن في حق الجواري الصغيرات، يرخص لهن بضرب الدف، ويرخص لهن بالغناء الذي لا محذور ولا ريبة فيه، وليس فيه ما لا يصلح، وقالوا: إنه غناء مثل الحداء، أي: إنشاد الشعر على طريقة تشبه حداء الإبل. قوله: (وهن أيام منى)، يعني: كان عيد أضحى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأيام منى أي: الذي هو يوم العيد، والأيام التي بعده التي هي أيام التشريق. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الترخيص للجواري في الغناء وضرب الدف يوم العيد قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله]. هو أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي. [حدثني أبي]. وهو حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [حدثني إبراهيم بن طهمان]. وهو ثقة يغرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مالك بن أنس]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، الذي قال عنه الحافظ: رأس المتقنين وكبير المتثبتين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري عن عروة عن عائشة]. وقد مر ذكر هؤلاء. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (كتاب قيام الليل وتطوع النهار) (290) - كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك بيّن شرعنا الحكيم أن صلاة الإنسان في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة فإنها تؤدى في المسجد، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترك البيوت بلا صلاة كالمقابر. الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك شرح حديث: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك.أخبرنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية بن أسماء عن الوليد بن أبي هشام عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]. يقول النسائي رحمه الله: كتاب قيام الليل، وتطوع النهار، مراد النسائي رحمه الله بهذه الترجمة هو: بيان الأحكام التي دلت عليها الأحاديث المتعلقة بالنوافل، التي هي غير المكتوبة؛ لأن الفرائض التي فرضها الله عز وجل هذه صلوات مكتوبة، ولما ذكر الصلاة المكتوبة، وذكر كذلك جملة من الكتب المتعلقة بالصلوات التي تأتي في أوقات معينة، كالاستسقاء، والعيدين، والكسوف، أتى بالتطوع الذي هو قيام الليل والنوافل في النهار، وأتى بقيام الليل، لأن هذا هو اللفظ الذي يأتي كثيراً مع الأحاديث المتعلقة بصلاة الليل، فيقال فيه: قيام الليل، والمراد بالترجمة مطلقاً هو النوافل، وهي غير الفرائض، سواءً كانت في الليل أو في النهار، إلا أن الغالب على صلاة الليل يقال لها: قيام الليل، فمن أجل ذلك جمع بين ذكر الليل، وذكر النهار بذكر القيام مع الليل، وذكر التطوع مع النهار، وإن كان كله يقال له: تطوع، حتى قيام الليل، هو من قبيل التطوع؛ لأنه غير الفريضة، وهو مما سوى الفرائض. وقد أورد النسائي باب الحث على الصلاة في البيوت، والفضل في ذلك، أي: ترغيب، وبيان الفضل الذي يترتب على هذا العمل، وبيان فضل ذلك العمل الذي هو الصلاة في البيوت، وقد أورد النسائي، حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]، صلوا في بيوتكم، أي: النوافل التي هي سوى الفرائض، وأما الفرائض فإنها تصلى في المساجد، والمسلم يخرج من بيته إلى المساجد ليؤدي هذه الصلوات المفروضة، التي فرضها الله عز وجل على عباده، في اليوم والليلة خمس مرات، فقد بنيت المساجد لأداء الصلوات الخمس، ولإقامة ذكر الله عز وجل، وأما التطوع فإنه في البيوت أفضل. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]، والمقصود من قوله: [(صلوا في بيوتكم)]، أي: النوافل وليست الفرائض؛ لأن الفرائض، قد هم النبي عليه الصلاة والسلام بتحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في المساجد، وهذا يدل على وجوب صلاة الجماعة، وأنه يجب على المسلم، أن يخرج من بيته ليصلي الجماعة، وإنما الصلاة المطلوبة في البيوت هي النوافل، ولما قال عليه الصلاة والسلام: [(صلوا في بيوتكم، قال: ولا تتخذوها قبوراً)]، فالمراد بقوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، بعد قوله: [(صلوا في بيوتكم)]، هو بيان أن البيوت لا تشبه بالمقابر، وتكون شبيهة بالمقابر إذا خلت من الصلاة، لأن المقابر لا يصلى فيها، فلا تتخذ البيوت مثل المقابر لا يصلى فيها، وهذا يدل على أن المقابر لا يصلى فيها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر بالصلاة في البيوت، نهى أن تتخذ قبوراً، بأن تكون شبيهة بالمقابر التي ليست محلاً للصلاة، التي لا يجوز للإنسان أن يصلي فيها، أي: النوافل أو الفرائض، لا تتخذ المقابر مواضع للصلاة، وأما صلاة الجنازة على القبور، أو على القبر بعد الدفن لمن لم يصل عليه، فإن هذا جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا ينافي ذلك، النهي عن اتخاذ البيوت مقابر، يعني: وأنها لا تشبه بالمقابر بحيث لا يصلى فيها، وكذلك ما جاء من النهي عن الصلاة إلى القبور، والجلوس عليها، لا ينافي ذلك؛ لأن هذه صلاة خاصة تتعلق بالميت، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى على القبر بعد دفنه، فدل هذا على أن صلاة الجنازة، تختلف عن الصلوات الأخرى التي هي: فرائض أو نوافل، [(صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)]. ثم أيضاً قيل: إن المراد بقوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، أي: لا يكون لكم فيها شأن إلا النوم، وأن تكونوا تتخذوا هذه المساكن للنوم فقط، وليس لها نصيب من العبادة، فيكون شأن البيوت تشبه المقابر، من حيث أنها تتخذ أمكنة للنوم فقط، والنوم أخو الموت، والنوم هو الموتة الصغرى، والله عز وجل يقول: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifاللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الزمر:42]، يعني: يتوفاها في منامها، https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifفَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الزمر:42]، والنوم أخو الموت، ولهذا قد جاء أن أهل الجنة لا ينامون، وهم لا يذوقون فيها الموت، أي: الموت مطلقاً، سواءً الموت الذي هو الموت الأكبر، أو الموت الأصغر الذي هو مؤقت، والذي هو: خروج الروح لفترة مؤقتة، ففسر النهي عن اتخاذ البيوت مقابر، أي: لا تتخذ أماكن للنوم فقط، كما تتخذ المقابر للموتى، فتكون البيوت أماكن للموت الأصغر، والمقابر أماكن للموت الأكبر، وإنما يكون للبيوت نصيب من الصلاة. وقيل أيضاً: إن قوله: [(لا تتخذوها قبوراً)]، أي: لا تدفنوا الموتى في البيوت، لا تتخذوها أماكن للدفن، بل الموتى يدفنون في غير البيوت؛ لأن الدفن في البيوت هو بناء على القبور، والبناء على القبور لا يجوز، وإنما الدفن يكون في المقابر ولا يكون في البيوت؛ لأن البيوت ليست أماكن للدفن. وما جاء من كون النبي عليه الصلاة والسلام دفن في بيته، هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وجاء أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فهو دفن حيث مات عليه الصلاة والسلام، ودفنه في بيته من خصائصه، ودفن أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما معه في المكان الذي دفن فيه، ولهذا عمر رضي الله عنه، لما طعن، ومكث أياماً، كان مما عمله، أو مما أراده في تلك الفترة، أنه أرسل إلى أم المؤمنين عائشة يطلب منها أو يستأذن منها، أن يدفن مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، ولما جاء الذي ذهب لاستئذانها، وأخبره بذلك فرح، ولورعه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، خشي أن تكون عائشة رضي الله عنها أجابت استحياء منه ما دام موجوداً، وأنه يمكن أن يتغير رأيها إذا مات؛ لأنها أخبرت بأنها قد هيأت لنفسها مكاناً تدفن فيه مع زوجها صلى الله عليه وسلم، وأبيها رضي الله تعالى عنه، وقالت: إنها تؤثره به، فخشي أن يكون هذا الإذن حياءً منه لما كان حياً، وأنه إذا مات يمكن أن يتغير رأيها، فأوصى بأنه إذا مات وحمل، يذهب به إليها، وتستأذن، فإن أذنت دفن، وإلا دفن مع المسلمين، أي معناه: أنه يدفن في المقابر التي يدفن فيها الموتى ولا يدفن في البيت وما قال: ادفنوني في بيتي، وإنما قال: ادفنوني مع المسلمين في مقابرهم. وعلى هذا فإن قوله: [(ولا تتخذوها قبوراً)]، يصلح فيه المعنى الذي جاء ذكره هنا، من حيث أنها لا تتخذ مشبهة بالمقابر، فلا يصلى فيها، وأيضاً لا تكون مشبهة بالمقابر، بحيث ما تتخذ إلا للنوم، وهو الموتة الصغرى، وأيضاً لا تتخذ أماكن للدفن؛ لأن الدفن لا يكون في البيوت، وإنما يكون في المقابر، وما جاء من دفنه عليه الصلاة والسلام في بيته، فإن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم]. هو العباس بن عبد العظيم العنبري البصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء]. هو عبد الله بن محمد بن أسماء بين عبيد الضبعي البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. [حدثنا جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي]. يروي عن عمه جويرية بن أسماء؛ لأن عبد الله بن محمد بن أسماء، أبوه: محمد، وهو أخو جويرية، وأسماء والد جويرية ووالد محمد، فـعبد الله بن محمد، يروي عن عمه جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، أي: فيه زيادة: ابن ماجه للذين خرجوا لابن أخيه عبد الله بن محمد، وجويرية بن أسماء، اسمه واسم أبيه، مما اتفق أن يكون من أسماء النساء، لأن جويرية من أسماء النساء، وأسماء من أسماء النساء، فهو وأبوه اتفقا أن تكون أسماؤهم من جنس أسماء النساء. [عن الوليد بن أبي هشام]. صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن نافع]. هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما]. وهو أحد العبادلة الأربعة، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء أربعة يقال لهم: العبادلة الأربعة؛ لأنهم في سن متقارب، وهم من صغار الصحابة، وقد عاشوا، وأدركهم من لم يدرك الكبار من الصحابة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، لكن لقب العبادلة الأربعة، على هؤلاء الأربعة الصغار من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وممن يسمى عبد الله من أصحاب رسول الله غير هؤلاء: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله أبي بكر، كثيرون يسمون باسم عبد الله، لكن الذين أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة من الصحابة، هم هؤلاء الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد قيل: إن عبد الله بن مسعود هو أحد العبادلة الأربعة، لكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأنهم متقاربون في السن، وعاشوا في وقت واحد، وهم من صغار الصحابة، وأما ابن مسعود، فهو من المهاجرين الأولين، وهو أيضاً من المتقدمين، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، أي: في خلافة عثمان، وأما هؤلاء فقد عاشوا بعده في حدود ثلاثين سنة، أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، ولم يدرك كبار الصحابة، فلهذا يقال لهم: العبادلة الأربعة. وأيضاً عبد الله بن عمر، هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء سبعة، هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يرو أحد من الصحابة مثلما روى هؤلاء السبعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (... أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب سمعت موسى بن عقبة سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي، حتى اجتمع إليه الناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه نائم، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم؛ حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)].أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، اتخذ حجرة من حصير، يعني: تكون كالستار، يحتجزها أي: اقتطعها من المسجد، بحيث يصلي فيها، ولعل اتخاذه ذلك لضيق المكان في داخل منزله عليه الصلاة والسلام، ولما علم الصحابة رضي الله عنهم بصلاته، جاءوا، وصلوا معه، عليه الصلاة والسلام، ثم صلوا معه مرة أخرى، ثم لما رآهم تتابعوا، وأعلم بعضهم بعضاً، وكثروا لم يخرج في ليلة، وقد انتظروا خروجه عليه الصلاة والسلام، وظنوا أنه نائم، فجعل بعضهم يتنحنح، أي: ينبه الرسول صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم، فيصلي بهم كما صلى بهم في تلك الليالي السابقة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما كان نائماً، ولكنه لم يخرج خشية أن يفترض عليهم قيام الليل، وكان هذا في رمضان، وهذا هو الأصل في صلاة التراويح. لقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليال في آخر الشهر، ولما رآهم تتابعوا، وكثروا، خشي أن يفرض عليهم، فترك ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من شفقته على أمته، وحرصه على دفع المشقة عنها، وأن تكلف بما فيه مشقة عليها، فخشي أن يفرض ذلك، أي: صلاة الليل أو قيام رمضان، فأخبرهم بأنه يعلم بمكانهم، وأنهم حضروا، ولكن منعه من ذلك خشية افتراضه عليهم، أي: قيام رمضان، وهذا من شفقته على أمته عليه الصلاة والسلام، وحرصه على دفع العنت والمشقة عنها. ثم قد يقال: كيف يقول النبي: [(إني خشيت أن يفرض)]، وهو عليه الصلاة والسلام، لما عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس، وكانت خمسين أولاً، ثم خففت إلى خمس، وصارت خمساً في العمل وخمسين في الأجر، وقال: ما يبدل القول لدي، يعني: أنها تقف عند هذا الحد، فكيف يزاد شيئاً يفرض، وقد خففت الخمسين إلى خمس؟ والجواب عن هذا: أنه لا يختلف؛ لأن الخمس في اليوم والليلة، يعني فرضها في اليوم والليلة هذا هو الذي لا يحصل فيه زيادة؛ لأن الله تعالى خفف، لكن كونه يحصل في السنة يعني: في رمضان يفرض عليهم صلاة التراويح، وهذا لا ينافيه، كونه خفف عنهم في اليوم والليلة؛ لأن التخفيف كان عن اليوم والليلة، أما كونه يحصل لهم في شهر من السنة أن يفرض عليهم شيء، فهذا هو الذي خشيه الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم إن أبا بكر رضي الله عنه، مدة خلافته الوجيزة سنتان وأشهر، لم يجمع الناس على صلاة التراويح، وكان مشغولاً بقتال المرتدين، وإرجاعهم إلى حظيرة الإسلام، وإلى ما كانوا عليه في زمنه عليه الصلاة والسلام، ولما جاء عمر رضي الله عنه، أعاد للناس الصلاة التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه تركها خشية أن تفرض؛ لأن الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم قد زال؛ ولأنه لا فرض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما توفي رسول الله استقرت الشريعة، فالفرائض فرائض، والنوافل نوافل، فما هناك شيء يخشى بعد وفاته، وإنما الخشية في حياته، فما زال الوحي ينزل، وبعد وفاته زال ذلك الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعاده عمر رضي الله عنه، وجمع الناس على صلاة التراويح؛ لأنه زال الشيء الذي من أجله ترك الصلاة بهم صلى الله عليه وسلم في آخر شهر رمضان. قوله: [(فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، يعني: إلا المكتوبة فإنها في المسجد أفضل، بل هي واجبة في المسجد، وهذا فيه الحث على الصلوات في البيوت، وبيان أن الصلاة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد. صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد النبوي لمن صلى فيه ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)]، وهو في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت الصلاة في البيوت أفضل من الصلاة في مسجده، ومع أن الصلاة في مسجده بألف صلاة، فهذا يدلنا على أن الصلاة لمن صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأجرها أعظم من الصلاة في مسجده، ومن صلى في مسجده فله أجر النافلة بألف نافلة، والفريضة بألف فريضة، لكن النافلة في البيت، لمن صلى في المسجد، أفضل من صلاة النافلة في مسجده صلى الله عليه وسلم، أما من لا يصلي الفرائض في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإنما يصليها في مساجد أخرى، فلا يقال: إن صلاته في بيته، أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما أدى الفريضة في مسجده عليه الصلاة والسلام، حتى يريد أن يصلي في مسجده النوافل، وإنما تكون أفضل من صلاته في مسجده الذي صلى فيه الفريضة، لا يقال: إن من صلى في بيته في المدينة أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: النوافل، ولكن من صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمكن من أن يصلي النوافل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه تركها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)]، فإن الصلاة في بيته أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال هذا في مسجده، ومعه أناس أرادوا أن يصلوا في مسجده نافلة، خشي أن تفترض عليهم.ومن العلماء من قال: إن صلاة الليل مطلقاً في البيوت أفضل، حتى صلاة التراويح، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ترك ذلك خشية أن يفترض قال: [(صلوا في بيوتكم فإن الصلاة في البيوت أفضل)]، لكن لما أعاد عمر رضي الله عنه تلك الشعيرة؛ لأنه زال الزمن أو انتهى الزمن الذي يخشى منه فرضها، أو يخشى فيه فرضها، فإن الاجتماع لصلاة التراويح، وحضور صلاة التراويح في المساجد أفضل؛ لأنها صارت شعيرة من شعائر الإسلام، وهي إظهارها جماعة في المساجد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بهم، وترك تلك الصلاة خشية أن تفترض، ثم أرشدهم إلى أن يصلوا في البيوت؛ لأنه يخشى أن تفترض عليهم هذه الصلاة، لكن لما جمع عمر الناس على صلاة التراويح، فإن جماعة من أهل العلم قالوا: إن صلاة التراويح في المساجد أفضل من صلاتها في البيوت؛ لأن هذه شعيرة من شعائر الإسلام، أي: كونه يصلى، ويجتمع لهذه الشعيرة، ولهذه الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: (... أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان]. هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا عفان بن مسلم]. هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، ثبت، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا وهيب]. هو وهيب بن خالد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت موسى بن عقبة المدني]. ثقة، فقيه، إمام في المغازي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [سمعت أبا النضر]. هو سالم بن أبي أمية المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بسر بن سعيد]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن زيد بن ثابت]. وزيد بن ثابت، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكاتب الوحي، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (... عليكم بهذه الصلاة في البيوت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، فلما صلى قام ناس يتنفلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بهذه الصلاة في البيوت)].أورد النسائي حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، ولما صلى، رآهم يتنفلون بعد الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: [(عليكم بهذه الصلاة في البيوت)]، وهذا يدل على تفضيل النوافل في البيوت على غيرها، وهو داخل تحت عموم قوله: (فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)؛ لأن هذه من جملة النوافل، والحديث عام: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل كل ما عدا الفرائض؛ لأن قوله: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل تلك وغيرها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبههم على أن صلاتهم النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، وإلا فإن قوله: (فإن صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، يشمل جميع النوافل وتدخل فيها هذه النافلة. تراجم رجال إسناد حديث: (... عليكم بهذه الصلاة في البيوت) قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. هو الملقب بندار، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير]. صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا محمد بن موسى الفطري]. صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة]. ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه]. هو إسحاق بن كعب بن عجرة، وقد قال عنه الحافظ: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي. [عن أبيه كعب بن عجرة]. هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصحابي مشهور، وهو صاحب القصة المتعلقة بفدية حلق الرأس، في حق من كان محرماً إذا احتاج إلى حلق رأسه، وأنه يكون عليه فدية، فـكعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه هذا، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والإسناد فيه إسحاق بن سعد، وهو مجهول الحال، لكن كما علمنا أنه وجدت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، فهو يعتبر ثابتاً. |
الساعة الآن : 09:33 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour