ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 08:59 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الممتحنة
الحلقة (829)

سورة الممتحنة
مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 329الى صــــ 333)

ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم (10) وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (11)
شرح الكلمات:
إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات: أي المؤمنات بألسنتهم مهاجرات من الكفار.
فامتحنوهن: أي اختبروهن بالحلف أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لأزواجهن، ولا عشقا لرجال من المسلمين.
فإن علمتموهن مؤمنات: أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن.
فلا ترجعوهن إلى الكفار: أي لا تردوهن إلى الكفار بمكة.
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن: لا المؤمنات يحللن لأزواجهن الكافرين، ولا الكافرون يحلون لأزوجهم المؤمنات.
وآتوهم ما أنفقوا: أي وأعطوا الكفار أزواج المؤمنات المهاجرات المهور التي أعطوها لأزواجهم.
ولا جناح عليكم أن تنكحوهن: أي مهورهن، وإن لم يتم طلاق من أزواجهن لانفساخ العقد بالإسلام. وبعد
إذا آتيتموهن أجورهن انقضاء العدة في المدخول بها وباقي شروط النكاح.
ولا تمسكوا بعصم الكوافر: أي زوجاتكم، لقطع إسلامكم للعصمة الزوجية. وكذا من ارتدت ولحقت بدار الكفر. إلا أن ترجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها فلا يفسخ نكاحها وتبقى العصمة إن كان مدخولا بها.
واسألوا ما أنفقتم: أي اطلبوا ما أنفقتم عليهن من مهور في حال الارتداد.
وليسألوا ما أنفقوا: أي على المهاجرات من مهور في حال إسلامهن.
وإن فاتكم شيء من أزواجكم: أي بأن فرت امرأة أحدكم إلى الكفار ولحقت بهم ولم يعطوكم مهرها فعاقبتم أي إلى الكفار الكفار فغنمتم منهم غنائم.
فآتوا الذين ذهبت أزواجهن مثل: أي فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن من مهور.
ما أنفقوا
واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون: أي وخافوا الله الذي أنتم به مؤمنون فأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه.
معنى الآيتين:
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآيتين (10) و (11) نزلتا بعد صلح الحديبية إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاء الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلما، ومن جاء المشركين من المدينة لم يردوه إليه ولم ينص عن النساء، وأثناء ذلك جاء أم كلثوم بنت عقبة1 بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها أخواها عمار2 والوليد ليرداهما إلى قريش فنزلت هذه الآية الكريمة فلم يردها عليهما صلى الله عليه وسلم قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا3} أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولا والإسلام دينا إذ جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام فامتحنوهن4- الله أعلم بإيمانهن- فإن علمتموهن أي غلبة على ظنكم أنهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار وصورة الامتحان أن يقال لها احلفي بالله أي قولي بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لزوجي، ولا عشقا لرجل مسلم.
وقوله تعالى: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} لأن الإسلام فصم تلك العصمة التي كانت بين الزوج وزوجته، إذ حرم الله نكاح المشركات، وإنكاح المشركين، ولذا لم يأذن الله تعالى في ردهن إلى أزواجهن الكافرين.
وقوله تعالى {وآتوهم ما أنفقوا} إذا جاء زوجها المشرك يطالب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر والذي يعطيه هو جماعة المسلمين وإمامهم.
وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن} أي تتزوجهن إذا آتيتموهن أجورهن أي مهورهن مع باقي شروط النكاح من ولي وشاهدين وانقضاء العدة في المدخول بها.
وقوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت عصمة الزوجية وأصبحت لا تحل لزوجها الذي أسلم، وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت, ولا يحل الإمساك بها وفائدة ذلك لو كان تحت الرجل نسوة له أن يزيد رابعة لأن التي ارتدت أو التي كانت مشركة وأسلم وهي في عصمته لا تمنعه من أن يتزوج رابعة لأن الإسلام قطع العصمة لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصم جمع عصمة.
وقوله تعالى: {واسألوا ما أنفقتم} اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم وليسألوا هم ما أنفقوا وأعطوهم أيضا مهور نسائهن اللائي أسلمن وهاجرن إليكم وقوله تعالى: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم} بخلقه وحاجاتهم {حكيم} في قضائه وتدبيره فليسلم له الحكم وليرض به فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع.
وقوله تعالى {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا5 الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} أي وإن ذهب بعض نسائكم إلى الكفار مرتدات, وطالبتم بالمهور فلم يعطوكم, ثم غزوتم وغنمتم فأعطوا من الغنيمة قبل قسمتها الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفر ولم يحصل على تعويض أعطوه مثل ما أنفق.
وقوله: {واتقوا6 الله الذي أنتم به مؤمنون} أي خافوا عقابه فأطيعوه في أمره ونهيه ولا تعصوه.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- وجوب امتحان المهاجرة فإن علم إسلامها لا يحل إرجاعها إلى زوجها الكافر لأنها لا تحل له, وإعطاؤه ما أنفق عليها من مهر. ويجوز بعد ذلك نكاحها بمهر وولي وشاهدين إن كانت مدخولا بها فبعد انقضاء عدتها وإلا فلا حرج في الزواج بها فورا.
2- حرمة نكاح المشركة.
3- لا يجوز الإبقاء على عصمة الزوجة7 المشركة, وللزوج المسلم الذي بقيت زوجته على الكفر, أو ارتدت بعد إسلامها أن يطالب بما أنفق عليها من مهر وللزوج الكافر الذي أسلمت زوجته وهاجرت أن يسأل كذلك ما أنفق عليها.
4- ومن ذهبت زوجته ولم يرد عليه شيء مما أنفق عليها, ثم غزا المسلمون تلك البلاد وغنموا فإن ذهبت زوجته ولم يعوض عنا يعطى ما أنفقه من الغنيمة قبل قسمتها. وإن لم تكن غنيمة فجماعة المسلمين وإمامهم يساعدونه ببعض ما أنفق من باب التكافل والتعاون.
5- وجوب تقوى الله تعالى بتطبيق شرعه وإنفاذ أحكامه والرضا بها.
__________

1 وكذلك جاءت سبيعة الأسلمية مهاجرة هاربة من زوجها صيفي، وجاءت أميمة بنت بشر هاربة من زوجها ثابت بن الشمراخ، فجاء أزواجهن مطالبين بهن فقال زوج سبيعة للنبي صلى الله عليه وسلم إن طينة الكتاب الذي بيننا وبينك لم تجف بعد فنزلت هذه الآية.
2 ذكر القرطبي أن أخوي أم كلثوم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم مع أختهما مهاجرين وأن النبي صلى الله عليه وسلم ردهما على المشركين ولم يرد أختهما أم كلثوم وكانت تحت عمرو بن العاص وهو مشرك يومئذ، وذكر ابن كثير: أن أخوي أم كلثوم وفدا يطالبان بأختهما لا مهاجرين وهذا الظاهر.
3 لما كانت المعاهدة لم تنص على النساء بلفظ صريح وهو لفظ أحد وهو صالح للرجال والنساء نزلت هذه الآية مخرجة لنساء من عموم لفظ (أحد) فالآية مبينة أو ناسخة والكل صالح.
4 اختلف في صيغة الامتحان فقال ابن عباس: كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقا لرجل منا بل حبا بالله ورسوله فإن حلفت على ذلك، أعطي النبي صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها.
5 (عاقبتم) أي: غزوتم فغنمتم فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين. حكى الثعلبي: عن ابن عباس أن ستا من النسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين وسماهن واحدة واحدة وأكرمهن: أم الحكم بنت أبي سفيان وفي هذه نزلت الآية.
6 الجملة تذييلية المراد منها تحريض المؤمنين على الوفاء بما أمروا به ونهوا عنه واتبع اسم الجلالة بجملة (الذي أنتم به مؤمنون) إشارة إلى أن الإيمان يبعث على التقوى التي هي: امتثال واجتناب.
7 اختلف في الرجل يسلم وتحته كافرة أو كافرة تسلم وهي تحت زوج كافر. والذي عليه الشافعي وأحمد أن العصمة تبقى مدة العدة فإذا انقضت العدة ولم يسلم الكافر منهما يفرق بينهما ولا يحلان لبعضهما, وقال مالك: يفرق بينهما من يوم إسلام أحدهما.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 08:59 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفوررحيم (12)
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور (13)

شرح الكلمات:
إذا جاءك المؤمنات يبايعنك: أي يوم الفتح والرسول صلى الله عليه وسلم على الصفا وعمر أسفل منه.
فبايعهن: أي على أن لا يشركن بالله شيئا إلى ولا يعصينك في معروف.
أن لا يشركن بالله: أي أي شيء من الشرك أو الشركاء.
ولا يقتلن أولادهن: أي كما كان أهل الجاهلية يقتلون البنات وأدا لهن.
ولا يأتين ببهتان يفترينه: أي بكذب يكذبنه فيأتين بولد ملقوط وينسبنه إلى الزوج وهو ليس بولده.
ولا يعصينك في معروف: أي ما عرفه الشرع صالحا حسنا فأمر به وانتدب إليه. أو ما عرفه الشرع منكرا محرما.
فبايعهن: أي اقبل بيعتهن.
واستغفر لهن الله: أي أطلب الله تعالى لهن المغفرة لما سلف من ذنوبهن وما قد يأتي.
قوما غضب الله عليهم: أي اليهود.
قد يئسوا من الآخرة: أي من ثوابها مع إيقانهم بها, وذلك لعنادهم النبي مع علمهم بصدقه.
كما يئس الكفار من أصحاب: أي كيأس من سبقهم من اليهود الذين كفروا بعيسى وماتوا على ذلك فهم أيضا
القبور قد يئسوا من ثواب الآخرة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها النبي} إلى قوله {إن الله غفور رحيم} هذه آية بيعة النساء، فقد بايع عليها رسول 1الله صلى الله عليه وسلم نساء قريش يوم الفتح وهو جالس على الصفاء وعمر دونه أسفل منه، وهو يبايع، وطلب إليه أن يمد يده فقال إني لا أصافح النساء فبايعهن على أن لا يشركن2 بالله شيئا أي من الشرك أو الشركاء ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن كما كان نساء الجاهلية يئدن بناتهن ولا يأتين ببهتان أي كذب يفترينه أي يكذبنه بين أيديهن وأرجلهن أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن، ولا يعصينك في 3معروف بصورة عامة وفي النياحة بصورة خاصة إذ كان النساء في الجاهلية ينحن على الأموات ويشققن الثياب ويخدشن الوجوه قال تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فبايعهن على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن، ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف، فبايعهن واستغفر لهن الله فيما مضى من ذنوبهن وما قد يأتي إن الله غفور رحيم.
وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من صدقتم الله ورسوله لا تتولوا قوما غضب الله عليهم وهم اليهود لا تتولوهم بالنصرة والمحبة وقد يئسوا من الآخرة أي من ثواب الله فيها بدخول الجنة وذلك لعنادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرهم به مع علمهم أنه رسول الله ومن كفر به وكذبه أو عانده وحاربه لا يدخل الجنة فلذا هم آيسون من دخول الجنة. وقوله تعالى {كما يئس الكفار من4
أصحاب القبور} أي كما يئس إخوانهم الذين ماتوا قبلهم من دخول الجنة إذ كفروا بعيسى عليه السلام وحاربوه ووالدته واتهموا عيسى بالسحر ووالدته بالعهر، والعياذ بالله فيئس هؤلاء من دخول الجنة كما يئس من مات منهم ممن هم أصحاب قبور.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- مشروعية أخذ البيعة لإمام المسلمين ووجوب الوفاء بها.
2- حرمة الشرك وما ذكر معه من السرقة والزنا وقتل الأولاد والكذب والبهتان وإلحاق الولد بغير أبيه.
3- حرمة النياحة وما ذكر معها من شق الثياب وخمش الوجوه والتحدث مع الرجال الأجانب.
4- بعد الحرة كل البعد من الزنا إذ قالت هند وهي تبايع أو تزني الحرة؟ قال لا تزني الحرة.
5- حرمة مصافحة النساء لقوله صلى الله عليه وسلم في البيعة "إني لا أصافح النساء".
6- حرمة موالاة اليهود بالنصرة والمحبة.
__________

1 في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك..} الخ الآية وكان صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك بقولهن قال لهن صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) .
2 روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (على أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند بنت عتبة وهي متنقبة والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ولما قال: ولا يسرقن قالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قوتا فقال أبو سفيان هو لك حلال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها لأنها كانت متنكرة لما نالت من حمزة رضي الله عنه وقال: أنت هند؟ فقالت: عفا الله عما سلف. ثم قال: ولا يزنين فقالت هند: أو تزني الحرة؟
3 قال قتادة: لا ينحن ولا تخلوا امرأة منهن إلا بذي محرم وفي صحيح مسلم عن أم عطية: لما نزلت هذه الآية قالت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلابد أن أسعدهم فقال صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان فأذن لها أ، تفي بوعدها.
(كما يئس الكفار) صالح لأن يكون معنى الكلام كما يئس الكفار من عودة أصحاب القبور إليهم. وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الحياة الأولى، وما في التفسير اختيار ابن جرير رحمه الله تعالى.

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:00 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الممتحنة
الحلقة (830)

سورة الصف
مدنية وآياتها أربع عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 334الى صــــ 340)

سورة الصف
مدنية وآياتها أربع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (1) ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص (4) وإذ قال موسى لقومه ياقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين (5) وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6)

شرح الكلمات:
سبح لله ما في السموات وما: أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في الأرض من
في الأرض كائنات.
وهو العزيز الحكيم: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
لم تقولون ما لا تفعلون: أي لأي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والاستفهام هنا لتوبيخ والتأنيب.
كبر مقتا عند الله: أي عظم مقتا والمقت: أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض.
أن تقولوا مالا تفعلون: أي قولكم ما لا تفعلون يبغضه الله أشد البغض.
صفا كأنهم بنيان مرصوص: أي صافين: ومرصوص ملزق بعضه ببعض لا فرجة فيه.
لم تؤذونني: أي إذ قالوا أنه آدر كذبا فوبخهم على كذبهم وأذيتهم له.
وقد تعلمون أني رسول الله إليكم: أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم.
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم: أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ الله قلوبهم أي أمالها عن الهدى.
والله لا يهدي القوم الفاسقين: أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلا للهداية.
يا بني إسرائيل: أي أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل، ولم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لم يكن منهم لأنه ولد بلا أب، وأمه صديقة.
مصدقا لما بين يدي: أي قبلي من التوراة.
يأتي من بعده اسمه أحمد: هو محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحمد أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحي، والعاقب والحاشر.
فلما جاءهم بالبينات: أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات.
قالوا: هذا سحر مبين: أي قالوا في المعجزات إنها سحر.
معنى الآيات:
قوله تعالى {سبح لله 1ما في السماوات وما في الأرض} يخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في السموات وما في الأرض بلسان القال والحال، وأنه العزيز لحكيم العزيز الغالب على أمره لا يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه. بعدما أثنى تعالى على نفسه بهذا الخطب المؤمنين بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لم 2تقولون ما لا تفعلون3} لفظ النداء عام والمراد به جماعة من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا فعاتبهم الله تعالى في هذه الآية ولتبقى تشريعا عاما إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف الوعد وهكذا يربي الله عباده على الصدق والوفاء. وقوله تعالى {كبر4 مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض.
وقوله تعالى {إن الله يحب5 الذين يقاتلون في سبيله صفا} أي صافين متلاصقين لا فرجة بينهم كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض لا خلل فيه ولا فرجة كأنه ملحم بالرصاص.
وقوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه6} أي اذكر إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل يا قوم لم تؤذوني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم حقا وصدقا، وقد آذوه بشتى أنواع الأذى بألستهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدر ولذا هو لا يغتسل معنا، ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية.
وقوله تعالى: {فلما زاغوا} أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروهم الباطل على الحق والشر على الخير والكفر على الإيمان عاقبهم الله فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى عليهم، وذلك لأنه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به، ثم دعى إليه فلم يستجب ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختارا له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو الظلم أو الإجرام طبعا له وخلقا ثابتا لا يتبدل ولا يتغير. وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى والله لا يهدي القوم الفاسقين، والله لا يهدي القوم الظالمين، والله لا يهدي القوم المجرمين, والله لا يهدي القوم الكافرين لأنه تعالى أضلهم حسب سنته في الإضلال فلا يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي عبدا أضله الله على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل {إن الله لا يهدي من يضل} .
وقوله تعالى: {وإذ قال عيسى ابن مريم7 يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم} أي اذكر يا رسولنا للاتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود: يا بني إسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب بإسرائيل بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة الله وحده ما في التوراة كتاب الله عز وجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو الله عز وجل فكما آمنتم بموسى وهرون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة, ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه8 احمد, فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا دعوة9 أبي إبراهيم وبشارة عيسى", إذ إبراهيم لما كان يبني البيت مع إسماعيل كانا يتقاولان ما أخبر تعالى به في قوله: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك..} الآية.
وقوله تعالى {فلما جاءهم} أي محمد10 صلى الله عليه وسلم بالبينات أي بالحجج الدالة على صدق رسالته ووجوب إتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به وقالوا في القرآن هذا سحر مبين كما قالها فرعون مع موسى. وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه السلام.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وأنه سبح لله ما في السموات وما في الأرض وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحا وأخلاقا ويسعدوا به في الحياتين.
2- حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعد. ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشد البغض وكيف يفلح من مقته الله.
3- فضيلة الجهاد والوحدة والاتفاق وحرمة الخلاف والقتال والصفوف ممزقة حسيا أو معنويا.
4- التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدي إلى الطبع وحرمان الهداية.
5- بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلام وازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
6- بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم.
__________

1 في جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: {سبح لله 1ما في السماوات وما في الأرض ... } الخ السورة. ورواه الحاكم وأحمد وغيره.
2 اللام حرف جر والميم حرف استفهام وهو هنا إنكاري نوبيخي.
3 النداء بوصف الإيمان فيه التعريض بأن الإيمان من شأن صاحبه أن لا يخلف إذا وعد وأن يفي إذا نذر لأنه روح وصاحبه حي قادر على الفعل والترك بخلاف الكفر وأهله.
(مقتا) : منصوب على التمييز وهو تمييز نسبة والتقدير: كبر ممقوتا قولكم ما لا تفعلون.
5 هذا جواب لقولهم: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه فبين لهم أحب الأعمال إليه وهو أحب العاملين عنده فله الحمد وله المنة.
6 لعل وجه المناسبة بين قصة موسى هنا وعتاب المؤمنين على فرار من فر يوم أحد هو: أن قوم موسى أيضا جبنوا عن قتال عدوهم وقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
7 وجه مناسبة قصة عيسى لما قبلها أن بني إسرائيل كما فسقوا عن أمر الله وعصوا رسوله موسى فسقوا كذلك عن أمر الله وعصوا عيسى وكفروا فكان هذا تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما لقيه ويلقاه من اليهود.
8 هل الاسم هو عين المسمى؟ خلاف كبير والصحيح: أن الاسم هو اللفظ الدال على ذات به تتميز عن سائر الذوات.
9 رواه ابن اسحق بسند جيد ورواه أحمد بألفاظ مختلفة.
10 جائز أن يكون الضمير في جاءهم عائد إلى عيسى عليه السلام وعلى محمد صلى الله عليه وسلم إذ كلاهما قيل فيه سحر أو ساحر قرأ الجمهور (سحرا) في الآيات وقرأ بعضهم: ساحر أي: محمد أو عيسى عليهما السلام.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:00 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الأسلام والله لا يهدي القوم الظالمين (7) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (8) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (9)
شرح الكلمات:
ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب: أي لا أحد أعظم ظلما ممن يكذب على الله فينسب إليه الولد والشريك، والقول والحكم وهو تعالى بريء من ذلك.
وهو يدعى إلى الإسلام: أي والحال أن هذا الذي يفتري الكذب على الله يدعى إلى الإسلام الذي هو الاستسلام والانقياد لحكم الله وشرعه.
والله لا يهدي القوم الظالمين: أي من ظلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعا له فلا يصبح قابلا للهداية فيحرمها حسب سنة الله تعالى في ذلك.
ليطفئوا نور الله بأفواههم: أي يريد المشركون بكذبهم على الله وتشويه الدعوة الإسلامية، ومحاربتهم لأهلها يريدون إطفاء نور الله القرآن وما يحويه من نور وهداية بأفواههم وهذا محال فإن إطفاء نور الشمس أو القمر أيسر من إطفاء نور لا يريد الله إطفاءه.
هو الذي أرسل رسوله بالهدى: أي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى أي بالهداية البشرية.
ودين الحق: أي الإسلام إذ هو الدين الحق الثابت بالوحي الصادق.
ليظهره على الدين كله: أي لينصره على سائر الأديان حتى لا يبقى إلا الإسلام دينا.
ولو كره المشركون: أي ولو كره نصره وظهوره على الأديان المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
يقول تعالى {ومن أظلم1 ممن افترى على الله الكذب} والحال أنه يدعى للإسلام الدين لحق إنه لا أظلم من هذا الإنسان أبدا، إن ظلمه لا يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى (7) {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب} . أي اختلق الكذب على الله عز وجل وقال له كذا وكذا أو قال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع. كما هي حال مشركي قريش نسبوا إليه الولد والشريك وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء الله ما عبدناهم إلى غير ذلك من الكذب والاختلاق على الله عز وجل. وقوله وهو يدعى إلى الإسلام إذ لو كان أيام الجاهلية حيث لا رسول ولا قرآن لهان الأمر أما أن يكذب على الله والنور غامر والوحي ينزل والرسول يدعو ويبين فالأمر أعظم والظلم أظلم.
وقوله تعالى في الآية الثانية (8) {يريدون2 ليطفئوا نور الله بأفواههم3} أي يريد أولئك الكاذبون على الله القائلون في الرسول: ساحر وفي القرآن إنه سحر مبين إطفاء نور الله الذي هو القرآن وما حواه من عقائد الحق وشرائع الهدى وبأي شيء يريدون إطفاءه إنه بأفواههم وهل نور الله يطفأ بالأفواه كنور شمعة أو مصباح. إن نور الله متى أراد الله إتمامه إطفاء نور القمر أو الشمس أيسر من إطفائه فليعرفوا هذا وليكفوا عن محاولاتهم الفاشلة فإن الله يريد أن يتم4 نوره ولو كره المشركون إنه تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق دين الله الحق الذي هو الإسلام ليظهره على الدين كله وذلك حين نزول عيسى إذ يبطل يومها كل دين ولم يبق إلا الإسلام ولو كره ذلك المشركون فإن الله مظهره لا محالة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- عظم جرم الكذب على الله وأنه من أفظع أنواع الظلم.
2- حرمان الظلمة المتوغلين في الظلم من الهداية.
3- إيئاس المحاولين إبطال الإسلام وإنهاء وجوده بأنهم لا يقدرون إذ الله تعالى أراد إظهاره فهو ظاهر منصور لا محالة.
4- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
__________

1 الاستفهام وإن كان للنفي فهو متضمن الإنكار الشديد على كل من المشركين وأهل الكتابين إذ الجميع افتروا على الله الكذب، فالمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: عيسى ابن الله.
2 استئناف بياني ناشيء عن الإخبار عنهم بأنهم افتروا على الله الكذب في الوقت الذي هم يدعون إلى الإسلام فلما فضحهم القرآن راموا اطفاء نور الله الذي هو كتابه ورسوله ودينه بأفواههم بالكذب والدعاوى الباطلة بل والحروب الشرسة القاسية.
3 اللام في (ليطفئوا) زائدة لتأكيد الكلام وتقويته إذ الأصل يريدون إطفاء نور الله.
(والله متم نوره) قرأ نافع بتنوين الميم من متمم ونصب نوره على المفعولية، وقرأ حفص بدون تنوين على أن متم مضاف إلى نور ونور مضاف إلى الضمير.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:01 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصف
الحلقة (831)

سورة الصف
مدنية وآياتها أربع عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 341الى صــــ 346)


يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (10) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (11) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (12) وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين (13) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين (14)

شرح الكلمات:
هل أدلكم على تجارة: أي أرشدكم إلى تجارة رابحة.
تنجيكم من عذاب أليم: أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم يتوقع لكم.
تؤمنون بالله ورسوله: أي تصدقون بالله ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولا لله تعالى.
وتجاهدون في سبيل الله: أي وتبذلون أموالكم وأرواحكم جهادا في سبيل الله تعالى.
ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون: أي الدخول في هذه الصفقة التجارية الرابحة خير لكم من تركها حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه لا بقاء لشيء في هذه الدار.
يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم: أي هذا هو الربح الصافي مقابل ذلك الثمن الذاهب الزائل الذي هو المال
جنات تجري من تحتها الأنهار والنفس مع أن الكل لله تعالى واهبكم أنفسكم وأموالكم.
ومساكن طيبة في جنات عدن
ذلك الفوز العظيم: أي لنجاة من عذاب النار الأليم ثم دخول الجنة والظفر بما فيها من النعيم المقيم هو حقا الفوز العظيم.
وأخرى تحبونها نصر من الله: أي وعلاوة أخرى تحبونها قطعا إنها نصر من الله لكم ولدينكم وفتح قريب
وفتح قريب للأمصار والمدن، وما يتبع ذلك من رفعة وسعادة وهناء.
وبشر المؤمنين: أي وبشر يا رسولنا المؤمنين الصادقين بذاك الفوز وهذه العلاوة.
كونوا أنصار الله: أي لتنصروا دينه ونبيه وأولياءه.
كما قال عيسى بن مريم: أي فكونوا أنتم أيها المؤمنون مثل الحواريين، والحواريون أصحاب عيسى وهم
للحواريين من أنصاري إلى الله أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا.
قال الحواريون نحن أنصار الله
فآمنت طائفة من بني إسرائيل: أي بعيسى عليه السلام، وقالوا إنه عبد الله رفع إلى السماء.
وكفرت طائفة: أي من بني إسرائيل فقالوا إنه ابن الله رفعه إليه.
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم: فاقتتلت الطائفتان: فنصرنا وقوينا الذين آمنوا.
فأصبحوا ظاهرين: أي غالبين عالين.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها الذين1 آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} أي يا من صدقتم الله ورسوله هل لنا أن ندلكم على تجارة عظيمة الربح ثمرتها النجاة من عذاب أليم في الدنيا والآخرة. وقوله {تؤمنون2 بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} هذا هو رأس المال الذي تقدمونه.
إيمان بالله ورسوله حق الإيمان، جهاد في سبيل الله بالنفس والمال وأنبه إلى أن هذه الصفقة التجارية خير لكم من عدمها إن كنتم تعلمون ربحها وفائدتها. 3 {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} إنها النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي أولا، ثم مغفرة ذنوبكم وإدخالكم جنات تجري من تحتها الأنهار، أي من تحت قصورها وأشجارها، ومساكن طيبة في جنات عدن أي إقامة دائمة. ثانيا ثم زاد الحق في ترغيبهم فقال {ذلك الفوز العظيم} إنه النجاة من النار، ودخول الجنة، فلا فوز أعظم منه قط هذا ولكم علاوة على ذلك الربح العظيم وهي ما أخبر تعالى عنها بقوله: 4 {وأخرى تحبونها} أي وفائدة أخرى تحبونها: نصر من الله أي لكم على أعدائكم ولدينكم على سائر الأديان وفتح قريب لمكة ولباقي المدن والقرى في الجزيرة وما وراءها. وقوله تعالى {وبشر المؤمنين} أي وبشر5 يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا وبوعدنا ووعيدنا بحصول ما ذكرناه كاملا، وقد تم لهم كاملا ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} هذا نداء ثان في هذا السياق الكريم ناداهم بعنوان الإيمان أيضا إذ الإيمان هو الطاقة المحركة الدافعة فقال {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار6 الله} أي التزموا بنصرة ربكم وإلهكم الحق في دينه ونبيه وأوليائه المؤمنين. قولوا كما قال الحواريون7 لما دعاهم عيسى نبيهم لنصرته قائلا من أنصاري إلى الله أي من ينصرني في حال كوني متوجها إلى الله انصر دينه وأولياءه، فأجابوه قائلين نحن أنصار الله. فكونوا أنتم أيها المسلمون مثلهم، وقد كانوا رضي الله عنهم كما طلب منهم.
وقوله تعالى {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا} أي فاقتتلوا فأيدنا أي قوينا ونصرنا الذين آمنوا وهم الذين قالوا عيسى عبد الله ورسوله رفعه ربه تعالى إلى السماء، على عدوهم وهم الطائفة الكافرة التي قالت عيسى ابن الله رفعه إليه تعالى الله أن يكون له ولد.
وقوله تعالى {فأصبحوا ظاهرين} أي غالبين عالين إلى أن احتال اليهود على إفساد الدين الذي جاء به عيسى وهو الإسلام أي عبادة الله وحده بما شرع أن يعبد به فحينئذ لم يبق من المؤيدين إلا أنصار قليلون هنا وهناك وعلا الكفر والتثليث واستمر الوضع كذلك إلى أن بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فانضم إلى الإسلام من انضم من النصارى فأصبحوا بالإسلام ظاهرين على عدوهم من المشركين المؤلهين لعيسى والحيارى في تقويمه مرة يقولون هو الله، ومرة يقولون: هو ابن الله، ومرة يقولون: ثالث ثلاثة هو الله. وضللهم وتركهم في هذه المتاهات الانتفاعيون من الرؤساء والجاهلون المقلدون من المرءوسين كما فعل نظراؤهم في الإسلام فحولوه إلى طوائف وشيع إلا أن الإسلام تعهد الله بحفظه إلى يوم القيامة فمن أراده وجده صافيا كما نزل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يرده وأراد الضلالة وجدها في كل عصر ومصر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- فضل الجهاد بالمال والنفس وأنه أعظم تجارة رابحة.
2- تحقيق بشرى المؤمنين التي أمر الله رسوله أن يبشرهم بها فكان هذا برهانا على صحة الإسلام وسلامة دعوته.
3- بيان استجابة المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلب منهم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه والمؤمنين معه. وهي نصرة الله تعالى المطلوبة.
__________

1 هذا جواب ما سألوه عنه وطلبوا معرفته وهو: أحب الأعمال إلى الله تعالى، والاستفهام مستعمل في العرض كما يقال: هل لك في كذا؟ أو هل لك إلى كذا؟ على سبيل العرض والترغيب والتشويق إلى ما يذكر به.
2 جملة: (تؤمنون) بيانية لأهل العرض السابق يثير سالا وهو: ما الذي ريد أن يدلنا عليه؟ فالجواب: الإيمان والجهاد. (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله ... } الخ.
3 (يغفر لكم بالجزم لأن الفعل واقع موقع جواب الطلب إذ: تؤمنون وتجاهدون لفظهما لفظ الخبر وعناهما الإنشاء أي: آمنوا وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم، وجزم (ويدخلكم) أيضا على العطف على يغفر.
4 (وأخرى) الجملة معطوفة على (يغفر لكم) وما بعدها وجيء بالجملة اسمية للدلالة على الثبوت والتحقق، فأخرى: مبتدأ خبره محذوف أي: وأخرى لكم أي ثابتة لكم وتحبون: صفة لأخرى.
5 لقد شوق الله أصحاب رسوله إلى تحقيق الإيمان بالجهاد فأيقنوا وعزموا على الجهاد فأصبح أسمى أمانيهم فأنجز الله لهم ما وعدهم فأمر رسوله أن يبشرهم بما وعدهم تعجيلا للمسرة.
6 الأنصار: جمع نصير وهو الناصر: القوي النصرة، وقرأ نافع (كونوا أنصارا لله) بتنوين (أنصارا) وقرأ حفص بدون تنوين مضاف إلى اسم الجلالة.
7 الحواريون: جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي معربة عن الحبشية (حواريا) وهو الصاحب الصفي وأطلق هذا الاسم على أصحاب عيسى الإثني عشر رجلا، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال: "لكل نبي حواري وحواري الزبير) .

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:01 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الجمعة1
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم (1) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2) وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم (3) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4)

شرح الكلمات:
يسبح لله ما في السموات: أي ينزه الله تعالى عما لا يليق به ما في السموات وما في الأرض من سائر
وما في الأرض الكائنات بلسان القال والحال، ولم يقل (من) بدل (ما) تغليبا لغير العاقل لكثرته على العاقل.
في الأميين: أي العرب لندرة من كان يقرأ منهم ويكتب.
رسولا منهم: أي محمدا صلى الله عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي.
ويزكيهم: أي يطهرهم أرواحا وأخلاقا.
ويعلمهم الكتاب والحكمة: أي هدى الكتاب وأسرار هدايته.
وإن كانوا من قبل لفي ضلال: أي وإن كانوا من قبل بعثة الرسول في ضلال الشرك والجاهلية.
مبين
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم: أي وآخرين مؤمنين صالحين لما يلحقوا أي لم يحضروا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم الكتاب والحكمة, وسيلحقون بهم وهم
كل من لم يحضر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب والعجم.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء: أي كون الصحابة حازوا فضل السبق هذا فضل يؤتيه من يشاء فلا اعتراض ولكن الرضا وسؤال الله من فضله فإنه ذو فضل عظيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض} يخبر تعالى عن نفسه أنه يسبحه بمعنى ينزهه عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله من سائر مظاهر العجز والنقص ويقدسه كذلك وذلك بلسان القال والحال وهذا كقوله من سورة الإسراء وإن من شيء إلا يسبح بحمده, ولكن لا تفقهون تسبيحهم. ومع هذا شرع لنا ذكره وتسبيحه وتعبدنا به, وجعله عونا لنا على تحمل المشاق واجتياز الصعاب فكم أرشد رسوله له في مثل قوله: سبح اسم ربك, وسبحه بكرة وأصيلا, وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب, ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا. وواعد على لسانه رسوله بالجزاء العظيم على التسبيح في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" ورغب فيه مثل قوله: "كلمتان ثقيلتان في الميزان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
وقوله {الملك القدوس} أي المالك الحاكم المتصرف في سائر خلقه لا حكم إلا له. ومرد الأمور كلها إليه المنزه عن كل ما لا يليق بجماله وكماله من سائر النقائص والحوادث.
وقوله تعالى {وهو العزيز الحكيم} أي كل خلقه ينزهه ويقدسه وهو العزيز الغالب على أمره الذي لا يحال بينه وبين مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لأوليائه وفي ملكه وملكوته. وقوله تعالى {هو الذي2 بعث في الأميين رسولا منهم3} أي بعث في الأمة العربية الأمية رسولا منهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي معروف النسب الي جده الأعلى عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل.
وقوله: {يتلو عليهم آياته} أي آيات الله التي تضمنها كتابه القرآن الكريم وذلك لهدايتهم وإصلاحهم, وقوله ويزكيهم أي ويطهرهم أرواحا وأخلاقا وأجساما من كل ما يدنس الجسم ويدنس النفس ويفسد الخلق. وقوله ويعلمهم الكتاب والحكمة. أي يعلمهم الكتاب الكريم يعلمهم معانيه وما حواه من شرائع وأحكام، ويعلمهم4 الحكمة في كل أمورهم والإصابة والسداد في كل شؤونهم، يفقههم في أسرار الشرع وحكمه في أحكامه. وقوله {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} أي والحال والشأن أنهم كانوا من قبل بعثته فيهم لفي ضلال مبين ضلال في العقائد ضلال في الآداب والأخلاق ضلال في الحكم والقضاء في السياسة، وإدارة الأمور العامة والخاصة.
وقوله تعالى: وآخرين 5منهم لما يلحقوا بهم أي وآخرين من العرب والعجم جاءوا من بعدهم وهم التابعون وتابعوا التابعين6 إلى يوم القيامة آمنوا وتعلموا الكتاب والحكمة التي ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم لما يلحقوا بهم في الفضل لأنهم فازوا بالسبق إلى الإيمان وبصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد.
2- تقرير النبوة المحمدية.
3- بيان فضل الصحابة على غيرهم.
4- شرف الإيمان والمتابعة للرسول وأصحابه رضي الله عنهم
__________

1 سورة الجمعة أي: السورة التي يذكر فيها لفظ الجمعة وهل المراد بالجمعة يوم الجمعة أو صلاة الجمعة الظاهر أن المراد بلفظ الجمعة: صلاة الجمعة، وجائز أن يكون المراد يوم الجمعة وقد نزلت الجمعة جملة واحدة سنة ست من الهجرة.
2 قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأميون العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وكونه صلى الله عليه وسلم أميا ومن أمة أمية هو دليل معجزته وصدق نبوته.
3 (رسولا منهم) قال ابن اسحق: ما من حي من أحياء العرب إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه إلا حي تغلب فإن الله تعالى طهر نبيه صلى الله عليه وسلم منهم لنصرانيتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادة.
4 قال مالك بن أنس: الحكمة الفقه في الدين.
5 روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا قال: وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء" نعم فقد دخلت فارس في الإسلام بعد الفتح العمري وآمن رجال فوفوا وكانوا من أفاضل الرجال وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الحزب الوطني الذي تكون في الظلام للانتقام من الإسلام فعل العجب في إفساد أمة الإسلام ومن ذلك ضرب الأمة بالمذهب الرافضي الذي فرق المسلمين ودمرهم أيما تدمير.
6 من العرب وغيرهم من سائر العجم كبعض الفرس والروم والبربر والسودان والترك والمغول والأكراد والصين والهنود وغيرهم وفي هذا معجزة قرآنية إذ صدق قوله {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) وقد لحقوا فآمنوا وتعلموا وزكوا.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:02 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الجمعة
الحلقة (832)

سورة الجمعة
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 344الى صــــ 351)

مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين (5) قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (6) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (7) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (8)
شرح الكلمات:
حملوا التوراة: أي كلفوا بالعمل بها عقائد وعبادات وقضاء وآدابا وأخلاقا.
ثم لم يحملوها: أي لم يعملوا بما فيها، ومن ذلك نعته صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان فجحدوا نعته وحرفوه ولم يؤمنوا به وحاربوه.
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله: أي المصدقة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا المثل الذي ضربه الله لليهود هو كمثل الحمار يحمل أسفارا أي كتبا من العلم وهو لا يدري ما فيها.
قل يا أيها الذين هادوا: أي اليهود المتدينون باليهودية.
إن زعمتم أنكم أولياء لله من: أي وأنكم أبناء الله وأحباؤه وأن الجنة خاصة بكم.
دون الناس
فتمنوا الموت إن كنتم صادقين: أي إن كنتم صادقين في أنكم أولياء الله فتمنوا الموت مؤثرين الآخرة على الدنيا ومبدأ الآخرة الموت فتمنوه إذا.
بما قدمت أيديهم: أي بسبب ما قدموه من الكفر والتكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنون.
والله عليم بالظالمين: أي المشركين ولازم علمه بهم أنه يجزيهم بظلمهم العذاب الأليم.
تفرون منه: أي لأنكم لا تتمنونه أبدا وذلك عين الفرار منه.
فإنه ملاقيكم: أي حيثما اتجهتم فإنه ملاقيكم وجها لوجه.
ثم تردون إلى عالم الغيب: أي إلى الله تعالى يوم القيامة.
والشهادة
معنى الآيات:
قوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة} أي كلفوا بالعمل بها من اليهود والنصارى ثم لم يحملوها أي ثم لم يعملوا بما فيها من أحكام وشرائع ومن ذلك جحدهم لنعوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به واتباعه عند ظهوره. وقوله تعالى: {كمثل الحمار يحمل أسفارا1} أي كمثل حمار يحمل على ظهره أسفارا من كتب العلم النافع وهو لا يعقل ما يحمل ولا يدري ماذا على ظهره من الخير، وذلك لأنه لا يقرأ ولا يفهم2. وقوله تعالى {بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله} أي المصدقة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا المثل الذي ضربه تعالى لأهل الكتاب من يهود ونصارى. وقوله والله لا يهدي القوم الظالمين، ولهذا ما هداهم إلى الإسلام. لتوغلهم في الظلم والكفر والشر والفساد لم يكونوا أهلا لهداية الله تعالى.
وقوله تعالى: {قل يا أيها الذين هادوا} أي قل يا رسولنا يا أيها الذين هادوا أي يا من هم يدعون أنهم على الملة اليهودية، إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس حيث ادعيتم أنكم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة لكم دون غيركم إلى غير ذلك من دعاويكم فتمنوا الموت إن3 كنتم صادقين في دعاويكم إذ الموت طريق الدار الآخرة فتمنوه لتموتوا فتستريحوا من كروب الدنيا وأتعابها.
وقوله تعالى: {ولا يتمنونه أبدا} أخبر تعالى وهو العليم أنهم لا يتمنونه في يوم من الأيام أبدا، وبين تعالى علة ذلك بقوله: بما قدمت أيديهم من الذنوب والآثام الموجبة للعذاب. وقوله {والله عليم بالظالمين} أي من أمثال هؤلاء اليهود وسيجزيهم بظلمهم عذاب الجحيم. وقوله تعالى {قل إن الموت الذي تفرون منه4} أي قل لهم يا رسولنا إن الموت الذي تفرون منه ولا تتمنونه فرارا وخوفا منه فإنه5 ملاقيكم لا محالة حيثما كنتم سوف يواجهكم وجها لوجه ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة وهو الله تعالى الذي يعلم ما غاب في السماء والأرض، ويعلم ما يسر عباده، وما يعلنون وما يظهرون وما يخفون فينبئكم بما كنتم تعملون ويجزيكم الجزاء العادل إنه عليم حكيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- ذم من يحفظ كتاب الله ولم يعمل بما فيه.
2- التنديد بالظلم والظالمين.
3- بيان كذب اليهود وتدجيلهم في أنهم أولياء الله وأن الجنة خالصة لهم.
4- بيان أن ذوي الجرائم أكثر الناس خوفا من الموت وفرارا منه.
__________

1 قال بعض أهل العلم: أبطل الله ادعاء اليهود في ثلاث آيات من هذه السورة افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم بقوله: (فتمنوا الموت) وبأنهم أهل كتاب فشبههم بالحمار يحمل أسفارا، وبالسبت فشرع الله للمسلمين الجمعة فلم يبق لهم ما يفتخرون به على المسلمين.
2 أنشد بعضهم عائبا بعض من يحمل رواية الحديث وهو لا يفهم المراد منها:
إن الرواة على جهل بما حملوا
مثل الجمال عليها يحمل الودع
لا الودع ينفعه حمل الجمال له
ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
الودع والواحدة ودعة مناقيف صغار تخرج من قاع البحر.
3 الأمر في قوله تعالى: (فتمنوا الموت) للتعجيز فلذا لم يفعلوا ولو فعلوا لما بقيت فيهم عين تطرف؛ لأنهم كاذبون.
4 جملة (الذي تفرون منه) صفة للموت، وفيه إشارة إلى خطإهم في الهلع والخوف من الموت ولا تعارض بين هذه الآية وهي تدعو إلى تمني الموت، وبين النهي عنه في الحديث الصحيح: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به" لأن طلب التمني من اليهود كان لتحديهم، والنهي عن تمني الموت كان بسبب الجزع من الضر حيث يجب الصبر لما في المرض من تكفير الذنوب، وفي الحديث: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" وهذا الحديث يفسر ما تقدم فإن العبد الصالح إذا كان في سياقات الموت يحب الموت للقاء الله تعالى، والعبد غير الصالح يكره لقاء الله كراهية اليهود لما يعلم من ذنوبه وعظيم آثامه فهو يخاف الموت لذلك.
5 من أحسن ما قيل في الوعظ بالموت قول طرفة:
وكفى بالموت فاعلم واعظا
لمن الموت عليه قد قدر
فذكر الموت وحاذر تركه
إن في الموت لذي اللب عبر
كل شيء سوف يلقى حتفه
في مقام أو على ظهر سفر
والمنايا حوله ترصده
ليس ينجيه من الموت حذر
وقال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
ولو رام أسباب السماء بسلم

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:02 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
********************************
يا يها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (11)

شرح الكلمات:
إذا نودي للصلاة: أي إذا أذن المؤذن لها عند جلوس الإمام على المنبر.
من يوم الجمعة: أي في يوم الجمعة وذلك بعد الزوال.
فاسعوا إلى ذكر الله: أي امضوا إلى الصلاة.
وذروا البيع: أي اتركوه، وإذا لم يكن بيع لم يكن شراء.
وابتغوا من فضل الله: أي اطلبوا الرزق من الله تعالى بالسعي والعمل.
تفلحون: أي تنجون من النار وتدخلون الجنة.
انفضوا إليها: أي إلى التجارة.
وتركوك قائما: أي على المنبر تخطب يوم الجمعة.
ما عند الله خير من اللهو ومن: أي ما عند الله من الثواب في الدار الآخرة خير من اللهو ومن التجارة.
التجارة
والله خير الرازقين: أي فاطلبوا الرزق منه بطاعة وإتباع هداه.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من صدقتم الله ورسوله {إذا نودي للصلاة من يوم 1الجمعة2} أي إذا أذن المؤذن بعد زوال يوم الجمعة وجلس الإمام على المنبر {فاسعوا3 إلى ذكر4 الله} أي امضوا إلى ذكر الله الذي هو الصلاة والخطبة إذ بهما يذكر الله تعالى. وقوله {وذروا البيع5} إذ هو الغالب من أعمال الناس، وإلا فسائر الأعمال يجب إيقافها والمضي إلى الصلاة.
وقوله {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي ترك الأعمال من بيع وشراء وغيرها والمضي إلى أداء صلاة الجمعة وسماع الخطبة خير ثوابا وعاقبة.
وقوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة} أي أديت وفرغ منها فانتشروا في الأرض أي لكم بعد انقضاء الصلاة أن تتفرقوا حيث شئتم في أعمال الدين والدنيا. تبتغون فضل الله، {واذكروا الله كثيرا} أي أثناء تفرقكم وانتشاركم في أعمالكم اذكروا الله ولا تنسوه واذكروه ذكرا كثيرا لعلكم تفلحون أي رجاء فلاحكم وفوزكم في دنياكم وآخرتكم.
وقوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} هذه الآية نزلت في شأن قافلة زيت كان صاحبها دحية بن خليفة الكلبي الأنصاري رضي الله عنه قدمت من الشام، وكان عادة أهل المدينة إذا جاءت قافلة تجارية تحمل الميرة يستقبلونها بشيء من اللهو كضرب الطبول والمزامير. وصادف قدوم القافلة يوم الجمعة والناس في المسجد، فلما انقضت الصلاة وطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب، وكانت الخطبة بعد الصلاة لا قبلها كما هي بعد ذلك فخرج الناس يتسللون حتى لم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فنزلت هذه الآية تعيب عليهم خروجهم وتركهم نبيهم يخطب. فقال تعالى في صورة عتاب شديد {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} أي خرجوا إليها {وتركوك} يا رسولنا قائما على المنبر تخطب. وقوله تعالى: {قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة} أي أعلمهم يا نبينا أن ما عند الله من ثواب الآخرة خير من اللهو والتجارة التي خرجتم إليها، {والله خير الرازقين} فاطلبوا الرزق منه بطاعته وطاعة رسوله ولا يتكرر منكم مثل هذا الصنيع الشين. وإلا فقد تتعرضون لعذاب عاجل غير آجل.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب صلاة الجمعة ووجوب6 المضي إليها عند النداء الثاني الذي يكون والإمام على المنبر.
2- حرمة البيع والشراء وسائر العقود إذا شرع المؤذن يؤذن الأذان الثاني.
3- الترغيب في ذكر الله تعالى والإكثار منه والمرء يبيع ويشتري ويعمل ويصنع ولسانه ذاكر.
4- ينبغي أن لا يقل المصلون الذين تصح صلاة الجمعة بهم عن اثني عشر رجلا أخذا من حادثة انفضاض الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إلى القافلة حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا.
__________

1 المراد من النداء: الأذان الذي يكون الإمام على المنبر إذ كان الأذان واحدا حتى زاد عثمان رضي الله عنه ثانيا حين كثر الناس بالمدينة.
2 لفظ الجمعة: بضم كل من الجيم والميم، وبتسكين الميم، والجمع: جمع كغرفة وغرف وجمعات كغرفات وكان يومها يسمى العروبة بفتح العين وقيل أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي وقيل: الأنصار، وأول جمعة صليت في الإسلام هي الجمعة التي جمع فيها أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير أهل المدينة وصلوها زكانوا اثني عشر رجلا: وأول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة هي جمعته في بني سالم بن عوف وهو في طريقه من قباء إلى المدينة، وأول جمعة بعدها كانت بجواثي: قرية من قرى البحرين.
3 ليس المراد بالسعي الجري واشتداد العدو وإنما هو المشي والمضي لحديث صحيح: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن أئتوها وعليكم السكينة" ومن إطلاق السعي والمراد المضي والعمل لا غير قول الشاعر:
أسعي على جل بني مالك
كل امرئ في شأنه ساعي
وفي القرآن: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} .
4 ذكر الله: الصلاة والخطبة قبلها.
5 لا خلاف في حرمة البيع والشراء عند الأذان الثاني.
6 ورد في فضل الجمعة والغسل لها قوله صلى الله عليه وسلم "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه" وقوله: "الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما لم تغش الكبائر" (مسلم) وقوله: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" (في الصحيح) .



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:03 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المنافقون
الحلقة (833)

سورة المنافقون
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 352الى صــــ 358)

سورة المنافقون
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1)
اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون (4)

شرح الكلمات:
إذا جاءك المنافقون: أي حضر مجلسك المنافقون كعبد الله بن أبي وأصحابه.
قالوا نشهد إنك لرسول الله: أي قالوا بألسنتهم ذلك وقلوبهم على خلافه.
والله يشهد إن المنافقين لكاذبون: أي والله يعلم أن المنافقين لكاذبون أي بما أضمروه من أنك غير رسول الله.
اتخذوا أيمانهم جنة: أي سترة ستروا بها أموالهم وحقنوا بها دماءهم.
فصدوا عن سبيل الله: أي فصدوا بها عن سبيل الله أي الجهاد فيهم.
إنهم ساء ما كانوا يعملون: أي قبح ما كانوا يعملونه من النفاق.
ذلك: أي سوء عملهم.
بأنهم آمنوا ثم كفروا: أي آمنوا بألسنتهم، ثم كفروا بقلوبهم أي استمروا على ذلك.
فطبع على قلوبهم: أي ختم عليها بالكفر.
فهم لا يفقهون: أي الإيمان أي لا يعرفون معناه ولا صحته.
تعجبك أجسامهم: أي لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صحيحا وصبيحا ذلق اللسان.
وإن يقولوا تسمع لقولهم: أي لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم.
كأنهم خشب مسندة: أي كأنهم من عظم أجسامهم وترك التفهم وعدم الفهم خشب مسندة أي أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام.
يحسبون كل صيحة عليهم: أي يظنون كل صوت عال يسمعونه كنداء في عسكر أو إنشاد ضالة عليهم وذلك لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم.
هم العدو فاحذرهم: أي العدو التام العداوة فاحذرهم أن يفشوا سرك أو يريدوك بسوء.
قاتلهم الله أنى يؤفكون: أي لعنهم الله كيف يصرفون عن الإيمان وهم يشاهدون أنواره وبراهينه.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إذا جاءك المنافقون} لنزول هذه السورة سبب هو أن زيد1 بن أرقم رضي الله عنه قال كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي سلول يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسولا إلى ابن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلت في بيتي فأنزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله الأعز منها الأذل فأرسل إلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال إن الله قد صدقك.
قوله إذا جاءك المنافقون أي إذا حضر مجلسك المنافقون عبد الله بن أبي ورفاقه قالوا نشهد إنك لرسول الله وذلك بألسنتهم دون قلوبهم. قال تعالى: {والله يعلم2 إنك لرسوله} سواء شهد بذلك المنافقون أو لم يشهدوا. والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في شهادتهم لعدم مطابقة قولهم لاعتقادهم. اتخذوا أيمانهم جنة أي جعلوا من أيمانهم الكاذبة جنة كجنة المقاتل يسترون
بها كما يستتر المحارب بجنته فوق رأسه، فهم بأيمانهم الكاذبة أنهم مؤمنون وقوا بها أنفسهم وأزواجهم وذرياتهم من القتل والسبي، وبذلك صدوا عن3 سبيل الله أنفسهم وصدوا غيرهم ممن يقتدون بهم وصدوا المؤمنين عن جهادهم بما أظهروه من إيمان صورى كاذب. قال تعالى: {إنهم4 ساء ما كانوا يعملون} يذم تعالى حالهم ويقبح سلوكهم ذلك وهو اتخاذ أيمانهم جنة وصدهم عن سبيل الله وقوله تعالى الآية رقم 5 {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع3 على قلوبهم} أي سوء عملهم وقبح سلوكهم ناتج عن كونهم أمنوا ثم شكوا أو ارتابوا فنافقوا وترتب على ذلك أيضا الطبع على قلوبهم فهم لذلك لا يفقهون معنى الإيمان ولا صحته من بطلانه وهذا شأن من توغل في الكفر أن يختم على قلبه فلا يجد الإيمان طريقا إلى قلب قد أقفل عليه بطابع الكفر وخاتم النفاق والشك والشرك.
وقوله تعالى في الآية (4) {وإذا رأيتهم6 تعجبك أجسامهم} أي وإذا رأيت يا رسولنا هؤلاء المنافقين ونظرت إليهم تعجبك أجسامهم لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صبيحا وإن يقولوا تسمع لقولهم وذلك لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم. وقوله تعالى: {كأنهم خشب مسندة} وهو تشبيه رائع: إنهم لطول أجسامهم وجمالها وعدم فهمهم وقلة الخير فيهم كأنهم خشب مسندة على جدار لا تشفع ولا تنفع كما يقال.
وقوله تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} وذلك لخوفهم والرعب المتمكن من نفوسهم نتيجة ما يضمرون من كفر وعداء وبغض للإسلام وأهله فهم إذا سمعوا صيحة في معسكر أو صوت منشد ضاله يتوقعون أنهم معنيون بذلك شأن الخائن وأكثر ما يخافون أن ينزل القرآن بفضيحتهم وهتك أستارهم. قال تعالى هم7 العدو فاحذرهم يا رسولنا إن قلوبهم مع أعدائك فهم يتربصون بك الدوائر.
قال تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} فسجل عليهم لعنة لا تفارقهم إلى يوم القيامة كيف يصرفون عن الحق وأنواره تغمرهم القرآن ينزل والرسول يعلم ويزكى وآثار ذلك في المؤمنين
ظاهرة في آرائهم وأخلاقهم. ولم يشاهدوا شيئا من ذلك والعياذ بالله من عمى القلوب وانطماس البصائر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-بيان أن الكذب ما خالف الاعتقاد وإن طابق الواقع.
2- التحذير من الاستمرار على المعصية فإنه يوجب الطبع على القلب ويحرم صاحبه الهداية.
3- التحذير من الاغترار بالمظاهر كحسن الهندام وفصاحة اللسان.
4- الكشف عن نفسية الخائن والظالم والمجرم وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة خشية أن يكون ذلك بيانا لحالهم وكشفا لجرائمهم.
__________

1 رواه البخاري في صحيحه والترمذي وغيرهما كانت هذه الحادثة في غزوة بني المصطلق سنة خمس من الهجرة.
2 جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين وفائدة هذا الاعتراض دفع ما قد يتوهمه من يسمع جملة: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) أنه تكذيب لجملة (إنك لرسول الله) .
3 الفاء للتفريع فجملة (فصدوا عن سبيل الله) متفرعة عن جملة (اتخذوا أيمانهم جنة) .
4 الجملة تذييلية من أجل تفظيع حالهم، والتنديد بسوء سلوكهم.
5 الإشارة إلى قوله: (إنهم ساء ما كانوا يعملون) .
6 هذه الجملة معطوفة على سابقتها وهي (فهم لا يفقهون) وهي واقعة موقع الاحتراس والتتميم لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم وأشكالهم كما في قول حسان رضي الله عنه.:
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ
جسم البغال وأحلام العصافير
7 الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ قوله تعالى: (يحسبون كل صيحة عليهم) يثير تساؤلات فأجيب السائل المتطلع بقوله تعالى: (هم العدو فاحذروهم) ونفسيتهم المريضة هي التي جعلتهم يحسبون كل صيحة عليهم كما قال المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:03 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون (5) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين (6) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون (7) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (8)
شرح الكلمات:
وإذا قيل لهم تعالوا: أي معتذرين.
لووا رؤوسهم: أي رفضوا الاعتذار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورأيتهم يصدون: أي يعرضون عما دعوا إليه وهم مستكبرون.
سواء عليهم استغفرت لهم: أي يا رسولنا.
أم لم تستغفر لهم:
لن يغفر الله لهم: أي إيأس من مغفرة الله لهم.
إن الله لا يهدي القوم الفاسقين: أي لأن من سنة الله أنه لا يهدي القوم الفاسقين المتوغلين في الفسق عن طاعة الرب تعالى وهم كذلك.
يقولون: أي لأهل المدينة.
لا تنفقوا على من عند رسول الله: أي من المهاجرين.
حتى ينفضوا: أي يتفرقوا عنه.
لئن رجعنا إلى المدينة: أي من غزوة كانوا فيها هي غزوة بني المصطلق.
ليخرجن الأعز منها الأذل: يعنون بالأعز أنفسهم، وبالأذل المؤمنين.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين: أي الغلبة والعلو والظهور.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن المنافقين فقوله تعالى في الآية (5) {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله} وذلك عندما قال ابن أبي ما قال من كلمات خبيثة منها قوله في المهاجرين: سمن كلبك يأكلك. وقوله لصاحبه: لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله مهددا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز يعني نفسه ورفاقه المنافقين الأذل يعني الأنصار والمهاجرين. فلما قال هذا كله وأكثره في غزوة بني1 المصطلق وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فحلف بالله ما قال شيئا من ذلك أبدا وذهب فنزلت هذه السورة الكريمة تكذبه. ولما نزلت هذه السورة بفضيحته جاءه من قال له: يا أبا الحباب (كنية ابن أبي) إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه أي عطفه إلى جهة غير جهة من يخاطبه وقال: أمرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات الثلاث وإذا قيل لهم تعالوا أي معتذرين يستغفر لكم رسول الله. لووا رؤوسهم أي رفضوا العرض ورأيتهم يصدون عنك وهم مستكبرون والمراد بهم ابن أبي عليه لعائن الله قال تعالى لرسوله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم فأيأس رسوله من المغفرة لهم، وعلل تعالى ذلك بقوله: إن الله لا يهدي القوم الفاسقين 2 وابن أبي من أكثر الفاسقين فسقا! إذ جمع بين الكذب والحلف الكاذب والنفاق والشقاق والعداء والكبر والكفر الباطني وذكر تعالى قولات هذا المنافق واحدة بعد واحدة فقال هم الذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله أي قال لإخوانه لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرعه رب العزة وأدبه ببيان فساد ذوقه ورأيه فقال تعالى: {ولله خزائن السماوات3 والأرض} فجميع الأرزاق بيده وهو الذي يرزق من يشاء والمنافق نفسه رزقه على الله فكيف يدعي أنه إذا لم ينفق على من عند رسول الله يجوعون فيتفرقون يطلبون الرزق بعيدا عن محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن المنافقين لعماهم وظلمة نفوسهم ومرض قلوبهم لا يفقهون هذا ولا يفهمونه، ولذا قال رئيسهم كلمته الخبيثة. تلك كانت القولة الأولى. والثانية هي قوله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
قالها في غزوة بني المصطلق وهي غزوة سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار وهو أبو جويريه زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى أمهات المؤمنين. فلما سمع بذلك خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فوقع القتال فهزم الله بني المصطلق وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم وأفاءها على المؤمنين، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه جويرية بوصفها بنت سيد القوم إكراما لها ثم عتقها وتزوجها فرأى المؤمنون أن ما بأيديهم من السبي لا ينبغي لهم وقد أصبحوا أصهار نبيهم فعتقوا كل ما بأيديهم فقالت عائشة رضي الله عنها ما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية بنت الحارث فقد أعتق بتزويج رسول الله لها مائة أهل بيت من بني المصطلق.
في هذه الغزاة قال ابن أبي قولته الخبيثة وذلك أن رجلين4 أنصاريا ومهاجرا تلاحيا على الماء5 6فكسع المهاجر الأنصاري برجله فصاح ابن أبي قائلا عليكم صاحبكم، ثم قال: والله ما مثلنا ومحمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وغاب عن ذهن هذا المنافق أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين أي الغلبة والظهور والعلو لا للمنافقين والمشركين الكافرين ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولا غيره لعمى بصائرهم ولما
بلغ الغزاة المدينة وقف عبد الله بن عبد الله بن أبي في عرض الطريق واستل سيفه فلما جاء أبوه يمر قال له والله لا تمر حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل، فلم يبرح حتى قالها: وكان ولد مؤمنا صادقا من خيرة الأنصار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- لا ينفع الاستغفار للكافر ولا الصلاة عليه بحال.
2- ذم الإعراض والاستكبار عن التوبة والاستغفار. فمن قيل له استغفر الله فليستغفر ولا يتكبر بل عليه أن يقول: استغفر الله أو اللهم اغفر لي.
3- مصادر الرزق كلها بيد الله تعالى فليطلب الرزق بطاعة الله ورسوله لا بمعصيتهما.
4- العزة الحقة لله ولرسوله وللمؤمنين، فلذا يجب على المؤمن أن لا يذل ولا يهون لكافر.
__________

1 سبب نزول هذه السورة والآيات منها أن النبي صلى الله عليه وسلم (غزا بني المصطلق على ماء يقال له (المريسيع) من ناحية قديد إلى الساحل فازدحم أجير لعمر يقال له: جهجاه مع حليف لابن أبي يقال له: سنان على ماء بالمشلل فصرخ جهجاه بالمهاجرين وصرخ سنان بالأنصار فجاء ابن أبي وقال كلماته الخبيثة التي هي في التفسير. ونزلت السورة.
2 وهم كل من يسبق في علم الله أنه لا يتوب لما أحاط به من الذنوب.
3 (الخزائن) جمع خزانة وهي البيت الذي يخزن فيه الطعام. وروى الترمذي أن عمر رضي الله عنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليه ورحمة به: ما كلفك الله يا رسول الله مالا تقدر عليه، عندما قال لرجل سأله عطاء ابتع علي فإذا جاء شيء قضيته فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه البشر وقال: بهذا أمرت) .
4 تقدم ذكر اسميهما وهما: جهجاه، وسنان.
5 تقدم أن هذا الماء كان بالمشلل.
6 كسعه: ضربه في دبره.

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:04 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المنافقون
الحلقة (834)

سورة المنافقون
مدنية وآياتها إحدى عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 359الى صــــ 362)

يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون (9) وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين (10) ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون (11)

شرح الكلمات:
لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم: أي لا تشغلكم.
عن ذكر الله: كالصلاة والحج وقراءة القرآن وذكر الله بالقلب واللسان.
ومن يفعل ذلك فأولئك هم: أي ومن ألهته أمواله وأولاده عن أداء الفرائض فترك الصلاة أو الحج وغيرهما
الخاسرون من الفرائض فقد خسر ثواب الآخرة.
وأنفقوا مما رزقناكم: أي النفقة الواجبة كالزكاة وفي الجهاد والمستحبة.
لولا أخرتني: أي هلا أخرتني يطلب التأخير ولا يقبل منه.
فأصدق وأكن من الصالحين: أي حتى أزكي وأحج وأكثر من النوافل والأعمال الصالحة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا} 1 نادى تعالى المؤمنين لينصح لهم أن لا تكون حالهم كحال المنافقين الذين تقدم في السياق تأديبهم فقال لهم يا من آمنتم بالله ورسوله: لا تلهكم أموالكم2 ولا أولادكم أي لا تشغلكم عن3 ذكر الله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والإكثار من طاعته والتقرب إليه بأنواع القرب. ثم خوفهم نصحا لهم بقوله: {ومن يفعل ذلك} أي بأن ألهته أمواله وأولاده عن عبادة الله فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها ووجودهم في دار العذاب لا أهل لهم فيها ولا ولد. وبالغ عز وجل في إرشادهم فقال: {وأنفقوا من ما رزقناكم} مبادرين الأجل فإنكم لا تدرون متى تموتون. من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول4 متمنيا طالبا حاثا في طلبه: رب أي يا رب لولا أخرتني إلى أجل قريب أي إلى وقت قريب من هذا فأصدق5 بمالي، وأكن من الصالحين فأحج وأتقرب إليك يا رب بما تحب من أنواع القربات والطاعات ولكن لا ينفعه التمني ولا الطلب والدعاء، لأن حكم الله الأزلي أنه تعالى لن يؤخر 6نفسا أي نفس إذا جاء أجلها أي إذا حضر وقت وفاتها وقوله تعالى: {والله خبير بما تعملون} يحض المؤمنين على إصلاح أعمالهم والتزود لآخرتهم بإعلامهم بأنه مطلع على أعمالهم خبير بها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- حرمة التشاغل بالمال والولد مع تضييع بعض الفرائض والواجبات.
2- حرمة تأخير الحج مع القدرة على أدائه تسويفا وتماطلا مع الإيمان بفرضيته.
3- وجوب الزكاة والترغيب في الصدقات الخاصة كصدقة الجهاد والعامة على الفقراء والمساكين.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
__________

1 قد تكون المناسبة بين هذه الآية وما سبقها هي قول المنافقين: (لا تنفقوا على من عند رسول الله) فحذر تعالى المؤمنين من التأثر بالنظرية المادية التي يحملها ابن أبي وصرخ بها، ودعاهم إلى الإنفاق في سبيل الله قبل فوات الأوان بالموت أو الفقر وقلة ما ينفقون.
(لا) هي النافية اشربت معنى النهي فجزمت المضارع وفي الآية دليل على أن ما لا يشغل عن ذكر الله من مال وولد لا إثم فيه.
3 ذكر الله هنا مستعمل في الحقيقة والكناية فيشمل الذكر باللسان وهو فعل سائر الطاعات، والذكر بالقلب: وهو التذكر الموجب للطاعة.
4 قال القرطبي: في الآية دليل على وجوب تعجيل أداء الزكاة ولا يجوز تأخيرها أصلا وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها. وهو كما قال رحمه الله تعالى.
5 المضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب، وجزم (أكن) لأنه في جواب الطلب مباشرة فلم تسبقه الفاء حتى يتعين نصبه بأن المضمرة.
(نفسا) نكرة في سياق النفي وهو (ولن يؤخر) تعم كل نفس، والمراد من النفس الروح وقيل فيها: نفس أخذا من النفس وهو الهواء الذي يخرج من الأنف والفم من كل حيوان ذي رئة وسميت روحا أخذا من الروح بفتح الراء لأن الروح به، والروح: الراحة.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:04 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة التغابن
مكية إلا آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير (2) خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير (3) يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور (4)

شرح الكلمات:
يسبح لله: أي ينزه الله ويقدسه عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.
ما في السموات وما في الأرض: أي من سائر المخلوقات بلسان الحال والقال.
له الملك وله الحمد: أي له دون غيره الملك الدائم الحق وله الحمد العام.
وهو على كل شيء قدير: أي هو ذو قدرة كاملة على فعل ما أراد ويريد.
فمنكم كافر ومنكم مؤمن: أي فبعضكم مؤمن موقن بربه ولقائه وبعضكم كافر جاحد دهري، والواقع
شاهد.
وصوركم فأحسن صوركم: أي صوركم في الأرحام فأحسن صوركم.
وإليه المصير: أي المرجع يوم القيامة.
والله عليم بذات الصدور: أي بما في الصدور من الضمائر والسرائر.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يسبح لله ما في1 السماوات وما في الأرض} يخبر تعالى معلما عباده بربوبيته الموجبة لعبادته وطاعته وطاعة رسوله بأنه يسبحه جميع خلائقه في الملكوت الأعلى والأسفل وقوله {له2 الملك وله الحمد} أي أنه له الملك وهو الملك الحق وأنه له الحمد وهو الثناء الجميل {وهو على كل شيء قدير} أي وأنه على فعل كل شيء قدير لا يعجزه شيء {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} أي وأنه خالق الكل فمن عباده المؤمن به ومنهم لكافر كما هو الواقع. وأنه بما يعمل عباده من خير أو شر من حسنات أو سيئات خبير أي مطلع وسيجزى الكل بأعمالهم حسنها وسيئها، وأنه خلق السموات والأرض3 بالحق لا للهو ولا اللعب وللعبث بل بالحق وهو أن يذكر ويشكر من عباده وأنه صور العباد في الأرحام فأحسن صورهم وجملها، فهي أجمل المخلوقات الأرضية على الإطلاق، وأنه إليه لا إلى غيره المرجع يوم القيامة فيحاسب ويجزي وهو الحكم العدل العزيز الحكيم. وأنه تعالى يعلم ما في السموات والأرض من سائر المخلوقات والحوادث والأحداث، وأنه يعلم ما يسر عباده من أعمال وأقوال ونيات، وما يعلنون من ذلك. وأنه عليم بذات الصدور أي ما فيها من أسرار وخواطر ونيات وإرادات.
أخبر عباده بهذا4 ليؤمنوا به ويعبدوه دون غيره فيكملون ويسعدون بعبادته فله الحمد وله المنة وهو الرحمن الرحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تعليم الله تعالى عباده وتعريفهم بجلاله وكماله ليؤمنوا به ويعبدوه ليكملوا ويسعدوا في الحياتين بالإيمان به وبطاعته وطاعة رسوله.
2- تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ المؤمن مؤمن، والكافر كافر مكتوب ذلك في كتاب المقادير، ثم يظهره تعالى في عالم الشهادة قائما على سننه في خلقه.
3- وجوب مراقبة الله تعالى والحياء منه لأنه عليم بذات الصدور.
__________

1 اللام في قوله: (له) مزيدة لتقوية الكلام إذ فعل سبح يتعدى بنفسه يقال: سبحه: إذا نزهه وقال: (ما في السموات) ولم يقل: من تغليبا لغير العاقل لكثرته.
(له الملك) : تقديم الخبر على المبتدأ هنا للدلالة على الاختصاص فهو تعالى مختص بكل من الملك والحمد.
3 الباء في (بالحق) للملابسة أي خلقا ملتبسا بالحق بعيدا عن اللهو، واللعب الباطل.
4 في الآيات تقرير البعث وإمكانه بحجج عقلية لا ترها العقول الراجحة والفطر السليمة.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:05 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (835)

سورة التغابن
مكية إلا آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية

ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم (5) ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد (6)

شرح الكلمات:
ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل: أي ألم يأتكم يا كفار قريش خبر الذين كفروا من قبلكم.
فذاقوا وبال أمرهم: أي عقوبة كفرهم في الدنيا.
ولهم عذاب أليم: أي في الآخرة.
ذلك: أي العذاب في الدنيا والآخرة.
بأنه كانت تأتيهم رسلهم: أي بسبب أنها كانت تأتيهم رسلهم.
بالبينات: أي بالحجج القواطع الدالة على صحة رسالاتهم.
فقالوا: أبشر يهدوننا: أي ردوا عليهم ساخرين مكذبين: أبشر يهدوننا؟
فكفروا وتولوا: أي فكفروا برسلهم وتولوا عنهم أي أعرضوا.
واستغنى الله: أي عن إيمانهم.
والله غني حميد: أي غني عن خلقه محمود بأفعاله وآلائه على خلقه.
معنى الآيتين:
بعد أن بين تعالى للناس مظاهر ربوبيته المقتضية لعلمه وقدرته وحكمته وعدله ورحمته في الآيات السابقة والموجبة لألوهيته قرر في هاتين الآيتين نبوة ورسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال لكفار
مكة {ألم يأتكم1 نبأ} أي خبر {الذين كفروا من قبل} 2كقوم عاد وثمود وأصحاب مدين، {فذاقوا وبال أمرهم3} أي عقوبة كفرهم التي كانت عقوبة ثقيلة شديدة فأهلكوا في الدنيا بعذاب إبادي استئصالي، وفي الآخرة لهم عذاب أليم4 وبين لهم سبب ذلك الهلاك والعذاب فقال: {ذلك بأنه كانت5 تأتيهم رسلهم بالبينات} أي بالحجج والبراهين على أنهم رسل إليهم، وأنه لا إله إلا الله فلا تصح العبادة لغير الله، فيقابلونها بالسخرية والإعراض والاستنكار وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {فقالوا أبشر6 يهدوننا} أي كيف يكون بشر مثلكم يهدوننا، وبذلك كفروا وتولوا عن الإيمان والإسلام. واستغنى الله عن إيمانهم فأهلكهم لما كفروا به وبرسله. ولم يأسف أو يأس عليهم لعدم حاجته إليهم والله غني عنهم وعن سائر خلقه حميد أي محمود بأفعاله الشاهدة بكماله وجلاله وجماله.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- توبيخ من يستحق التوبيخ وتأنيب من يستحق التأنيب.
2- التكذيب للرسل والكفر بتوحيد الله موجب للعقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة.
3- تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثباتها لأن شأنه شأن الرسل من قبله.
__________

1 الاستفهام تقريري.
2 حذف المضاف إليه مع (قبل) ونوي معناه دون لفظه فلذا بنيت قيل على الضم والتقدير: نبأ الذين كفروا من قبلكم.
3 الوبال: السوء، وما يكره، والأمر: الشأن والحال.
4 أي: في الآخرة لأن العطف يقتضي المغايرة.
5 الإشارة عائد إلى المذكور قبلها وهو الوبال والعذاب الأليم.
6 الاستفهام في (أبشر) استفهام إنكاري إبطالي.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:05 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير (7) فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير (8) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (9) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير (10)
شرح الكلمات:
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا: أي قالوا كاذبين إنهم لن يبعثوا أحياء من قبورهم.
قل بلى وربي لتبعثن: قل لهم يا رسولنا بلى لتبعثن ثم تنبئون بما عملتم.
وذلك على الله يسير: وبعثكم وحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم شيء يسير على الله.
والنور الذي أنزلنا: أي وآمنوا بالقرآن الذي أنزلناه.
ليوم الجمع: أي يوم القيامة إذ هو يوم الجمع.
ذلك يوم التغابن: أي يغبن المؤمنين الكافرين يأخذ منازل الكفار في الجنة وأخذ الكفار منازل المؤمنين في النار.
ذلك الفوز العظيم: أي تكفيره تعالى عنهم سيئاتهم وإدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار هو الفوز العظيم.
بئس المصير: أي قبح المصير الذي صاروا إليه وهو كونهم أهلا للجحيم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش إنه بعد أن ذكرهم بمصير الكافرين من قبلهم وفي ذلك دعوة واضحة لهم إلى الإيمان بتوحيد الله وتصديق رسوله. دعاهم هنا إلى الإيمان بأعظم أصل من أصول الهداية البشرية وهو الإيمان بالبعث والجزاء وهم ينكرون ويجاحدون ويعاندون قيه فقال في أسلوب غير المواجهة بالخطاب زعم1 الذين كفروا والزعم ادعاء باطل وقول إلى الكذب أقرب منه إلى الصدق. أن لن يبعثوا أي أنهم إذا ماتوا لن يبعثوا أحياء يوم القيامة.
قل لهم يا رسولنا: {بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم} ولازم ذلك الجزاء العادل على كل أعمالكم وهي أعمال فاسدة غير صالحة مقتضية للعذاب والخزي في جهنم {وذلك على2 الله يسير} أي وأعلمهم أن بعثهم وتنبئنهم بأعمالهم وإثابتهم عليها أمر سهل هين لا صعوبة فيه وبعد هذه
اللفتة اللطيفة دعاهم دعوة كريمة إلى طريق سعادتهم ونجاتهم فقال عز وجل: {فآمنوا بالله3 ورسوله} أي صدقوا بتوحيد الله وبنبوة رسوله وبالنور الذي أنزلنا وهو القرآن الكريم، واعملوا الصالحات وتباعدوا عن السيئات {والله بما تعملون خبير} أي وسيجزيكم بأعمالكم. وذلك {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وهو يوم القيامة ويجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها ذلك يوم التغابن4 الحقيقي حيث يرث أهل الجنة منازل أهل النار في الجنة ويرث أهل النار منازل أهل الجنة في النار، وهذا قائم على أساس أن الله تعالى أوجد لكل إنسان منزلا في الجنة وآخر في النار، فمن آمن وعمل صالحا دخل الجنة وحاز منزله ومنزل إنسان آخر هو في النار فحصل بذلك الغبن بينه وبين من هو في النار قد ورث منزله فيها وبعد هذا الدعاء الخاص الموجه إلى كفار قريش قال تعالى واعدا عامة الناس عربهم وعجمهم من وجد منهم ومن لم يوجد بعد: ومن يؤمن بالله5 ويعمل صالحا يكفر6 عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم لأنه نجاة من النار ودخول الجنة هذا وعده الصادق لمن آمن وعمل صالحا. وقال: {والذين 7كفروا} أي بالله ورسوله ولقائه وكذبوا بآيتنا أي القرآن وما فيه من شرائع وأحكام والتكذيب مانع من العمل الصالح قطعا إذا {أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير} النار والخلود فيها هذا وعيده تعالى المقابل لوعده السابق اللهم اجعلنا من أهل وعدك ولا تجعلنا من أهل وعيدك يا واسع الفضل يا رحمن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير البعث والجزاء.
2- تقرير التوحيد والنبوة.
3- بيان كون القرآن نورا فلا هداية في هذه الحياة إلا به فمن طلبها في غيره ما اهتدى.
4- الترغيب في الإيمان والعمل الصالح وبيان أنهما مفتاح دار السلام.
5- التحذير من الكفر والتكذيب بالقرآن وشرائعه وأحكامه فإن ذلك يقود إلى النار.
__________

1 هنا كلام مستأنف استئنافا ابتدائيا المخاطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه كفر المشركين بالبعث ويرد عليهم بتقرير ما نفوه وزعموا أنه غير واقع, والزعم: القول الموسوم بمخالفة الواقع, ويطلق على الخبر المشكوك في وقوعه.
2 (وذلك على الله يسير) : تذييل, واسم الإشارة عائد إلى البعث المفهوم من قوله: (لتبعثن) .
3 (فآمنوا) : الفاء هي الفصيحة إذ أفصحت عن شرط مقدر، والتقدير: فإذا علمتم هذه الحجج وتذكرتم ما حل بأسلافكم من العقاب فآمنوا بالله ورسوله لتنجوا مما حل بالكافرين من أمثالكم.
4 الإتيان باسم الإشارة بدل الضمير كان لقصد الاهتمام بهذا اليوم بتمييزه مع ما يفيده اسم الإشارة من البعد والعلو نحو: (ذلك الكتاب) والتغابن: تفاعل صادر بين اثنين هذا مغبون وذاك غابن، والغبن: أن يعطى البائع ثمنا دون ثمن بضاعته.
5 هذه الآية متضمنة تفصيلا لما أجمل في الجمل قبلها وتحمل عفوا عاما لمن آمن من الكافرين ووحد من المشركين بأن الله تعالى سيعفو عنهم ويغفر لهم ويدخلهم الجنة.
6 قرأ نافع: (نكفر) و (ندخل) بنون العظمة على الالتفات من الغيبة إلى المتكلم. وقرأ حفص (يكفر) و (يدخل) بياء الغيبة على مقتضى الظاهر.
7 أي: والذين استمروا على الكفر والتكذيب ولم يتوبوا بالإيمان وترك الشرك والمعاصي فجزاؤهم الملائم لخبث نفوسهم من جراء الشرك والمعاصي هو ما ذكر تعالى من الخلود في النار.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:06 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (836)

سورة التغابن
مكية إلا آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية
المجلد الخامس (صـــــــ 366الى صــــ 371)

ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم (11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين (12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون (13)

شرح الكلمات:
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله: أي ما أصابت أحدا من الناس مصيبة إلا بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه.
ومن يؤمن بالله يهد قلبه: أي ومن يصدق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى يهد قلبه للتسليم والرضاء بقضائه فيسترجع ويبصر.
فإن توليتم: أي عن طاعة الله ورسوله فلا ضرر ولا بأس على رسولنا في توليكم إذ عليه إبلاغكم لا هدايتكم.
معنى الآيات:
قوله تعالى {ما أصاب1 من مصيبة إلا بإذن الله} 2 في هذه الآية رد على الكافرين الذين يقولون لو كان المسلمون على حق، وما هم عليه حقا لصانهم الله من المصائب في الدنيا، ولما سلط عليهم كذا وكذا ... فأخبر تعالى أنه ما من أحد من الناس تصيبه مصيبة في نفس أو ولد أو مال إلا وهي بقضاء الله وتقديره ذلك عليه، ومن يؤمن بالله ربا وإلها عليما حكيما وأن ما أصابه لم
يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه3 يهد قلبه فيصبر ويسترجع فيؤجر وتخف عنده المصيبة بخلاف الكافر بالله وقضائه وقدره.
وقوله تعالى {والله بكل شيء عليم} فلا يخفى عليه شيء فلا يحدث حدث في الكون إلا بعلمه وإذنه وهذه حال تقتضي الرضا بالقضاء والقدر والتسليم لله تعالى فيما يقضي به على عبده وفي ذلك خير كثير لا يعرفه إلا أصحاب الرضا بالقضاء والتسليم للعليم الحكيم.
وقوله تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يأمر تعالى عباده عامة بطاعة الله وطاعة رسوله لأن كمال الإنسان وسعادته مرتبطة بهذه الطاعة التي هي عبارة عن تطبيق نظام دقيق ينتج صفاء روح وزكاة نفس يتأهل بها العبد إلى النزول بالملكوت الأعلى (الجنة دار الأبرار) .
وقوله {فإن توليتم} أي أعرضتم عن هذه الدعوة فرفضتم طاعة الله ورسوله فلا ضرر على رسولنا ولا ضير إذ عليه البلاغ المبين وقد بلغ مبينا غاية التبيين، وأما هدايتكم فلم يكلف بها إذ لا يقدر عليها ولا يكلف الله نفسا إلا طاقتها.
وقوله تعالى: {الله لا إله إلا هو} أي أن الذي أمركم بطاعته وطاعة رسوله هو الله الذي لا إله إلا هو أي المعبود الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له لأنه الخالق لكم الرازق المدبر لحياتكم، {وعلى الله فليتوكل4 المؤمنون} فإنه يكفي المؤمن الذي يتوكل عليه يكفيه كلما يهمه من أمر دنياه وآخرته. ولا كافي إلا هو سبحانه وتعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
2- وجوب الصبر عند نزول المصيبة والرضا والتسليم لله تعالى في قضائه وحكمه، ومن تكن هذه حاله يهد الله قلبه5 ويرزقه الصبر وعظيم الأجر ويلطف به في مصيبته وإن هو استرجع قائلا إنا لله وإنا إليه راجعون أخلفه الله عما فقده وآجره.
3- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
4- تقرير التوحيد.
5- وجوب التوكل على الله تعالى وهو فعل المأمور وترك المنهي وتفويض الأمر لله بعد ذلك. ولن يكون إلا خيرا بإذن الله تعالى.
__________

1 قال القرطبي: قيل سبب نزول هذه الآية أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حق لصانهم الله من المصائب في الدنيا ورد تعالى عليهم بأن المصائب التي تصيب العبد هي بإذن الله ولها أسبابها مرتبطة معها وهي سنن لله تعالى لا تتخلف.
2 أنثت المصيبة لأنها بمعنى الحادثة والإذن: أصله إجازة الفعل لمن يفعله والمراد هنا أن ما يصيب العبد من خير وشر هو بتدبير الله تعالى في ربطه الأسباب بالمسببات فعاد الأمر إلى أذنه تعالى بوقوع ما أراده من خير أو غيره.
3 (يهد قلبه) عندما تصيبه المصيبة فيسترجع أي: يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ويصبر، فالإيمان هو السبب في حصول هداية القلب فإذا هدى القلب حصل الاسترجاع وحصل الصبر وخف وقع المصيبة.
4 الجملة معطوفة على قوله: {وأطيعوا الله} فهي في معنى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وتوكلوا على الله وحده لأن الطاعة تتطلب عملا وجهدا وهما يتطلبان اعتمادا على الله إذ هو المعين للعبد على الطاعة دون غيره فليكن التوكل عليه وحده.
5 (يهد قلبه) فيسترجع ويبصر، والإيمان الصحيح هو الذي ينتج هداية القلب فإذا اهتدى القلب إلى معرفة حكم الله وقضائه صبر وظفر.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:06 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (14) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم (17) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم (18)
شرح الكلمات:
إن من أزواجكم وأولادكم عدوا: أي من بعض أزواجكم وبعض أولادكم عدوا أي يشغلونكم عن طاعة الله أو
لكم ينازعونكم في أمر الدين أو الدنيا.
فاحذروهم: أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلاة الجماعة أو التصدق على ذوي الحاجة.
وإن تعفوا: أي عمن ثبطكم عن الخير من زوجة وولد.
وتصفحوا وتغفروا: أي وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن الهجرة أو الجهاد أو الإنفاق في سبيل الله.
فإن الله غفور رحيم: أي يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة: أي بلاء واختبار لكم فاحذروا أن يصرفوكم عن طاعة الله أو يوقعوكم في معصيته.
والله عنده أجر عظيم: أي فآثروا ما عنده تعالى على ما عندكم من مال وولد.
فاتقوا الله ما استطعتم: أي افعلوا ما تقدرون عليه من أوامره, واجتنبوا نواهيه كلها.
ومن يوق شح نفسه: أي ومن يقه الله شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال.
يضاعفه لكم: أي الدرهم بسبعمائة.
والله شكور حليم: أي يجازي على الطاعة ولا يعاجل بالعقوبة.
معنى الآيات:
هذه الآيات الكريمة {يا أيها الذين آمنوا} إلى قوله {العزيز الحكيم} نزلت في1 أناس كان لهم أزواج وأولاد عاقوهم عن الهجرة والجهاد فترة من الوقت فلما تغلبوا عليهم وهاجروا ووجدوا الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلموا وتفقهوا في الدين فتأسفوا عن تخلفهم فهموا بأزواجهم وأولادهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة أن يعاقبوهم بنوع من العقاب من تجويع أو ضرب أو تثريب وعتاب فأنزل الله تعالى هذه الآيات يا أيها الذين آمنوا أي يا أيها المؤمنون إن من2 أزواجكم3 وأولادكم أي من بعضهم لا كلهم إذ منهم من يساعد على طاعة الله ويكون عونا عليها عدوا لكم يصرفكم عن طاعة الله والتزود للدار الآخرة, وقد ينازعونكم في دينكم ودنياكم إذا فاحذروهم أي كونوا منهم على حذر أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير من هجرة وجهاد وغيرهما وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا أي عمن شغلوكم عن طاعة الله فعاقوكم عن الهجرة والجهاد فلم تضربوهم ولم تجوعوهم ولم تثربوا عليهم ولم تعاتبوهم بل تطلبون العذر لما قاموا به نحوكم يكافئكم الله تعالى بمثله فيعفو عنكم ويصفح ويغفر لكم كما عفوتم وصفحتم وغفرتم لأزواجكم وأولادكم الذين أخروا هجرتكم وعطلوكم عن الجهاد في سبيل الله.
وقوله تعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة4 والله عنده أجر عظيم} أي إنما أموالكم وأولادكم أي كل أموالكم وأولادكم فتنة واختبار من الله لكم هل تحسنون التصرف فيهم فلا تعصوا الله لأجلهم لا بترك واجب ولا بفعل ممنوع, أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة الله أو التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام والله عنده أجر عظيم فآثروا ما عند الله على ما عندكم من مال وولد, إن ما عند الله باق, وما عندكم فان, فآثروا الباقي على الفاني.
وقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم5} هذا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في المال والولد, وأن بعضا سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله, ولا يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة الله تعالى التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة.
وقوله تعالى واسمعوا6 ما يدعوكم الله ورسوله إليه {وأطيعوا وأنفقوا} في طاعة الله من أموالكم7 خيرا لأنفسكم من عدم الإنفاق فإنه شر لكم وليس بخير.
وقوله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} أعلمهم أن عدم الإنفاق ناتج عن شح النفس, وشح النفس لا يقي منه إلا الله, فعليكم باللجوء إلى الله تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم فادعوه وتوسلوا إليه بالإنفاق قليلا قليلا حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار وقوله {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم8 ويغفر لكم} هذا الترغيب عظيم من الله تعالى للمؤمنين للنفقة في سبيله إذ سماها قرضا والقرض مردود وواعد بمضاعفتها وزيادة أخرى أن يغفر لهم بذلك ذنوبهم, واشتراط الحسن للقرض اشتراط معقول وهو أن يكون المال الذي أقرض الله حلالا لا حراما, وأن تكون النفس طيبة به لا كارهة له, وهذا من باب النصح للمؤمنين ليحصلوا على الأجر مضاعفا. وقوله تعالى {والله شكور حليم} ترغيب أيضا لهم في الإنفاق لأن الشكور معناه يعطي القليل فيكافيء بالكثير, والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة. ومثله يقرض القرض الحسن.
وقوله {عالم الغيب والشهادة} ترغيب أيضا في الإنفاق إذا أعلمهم أنه لا يغيب عنه من أمورهم شيء يعلم الخفي منها والعلنى، وما غاب عنهم فلم يروه وما ظهر لهم فشهدوه فذو العلم بهذه المثابة معاملته مضمونة لا يخاف ضياعها ولا نسيانها. وقوله {العزيز الحكيم} أي العزيز الانتقام من أعدائه الحكيم في إجراء أحكامه وتدبير شؤون عباده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان أن من بعض الزوجات والأولاد عدوا فعلى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم.
2- الترغيب في العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم.
3- التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى لا يهلك المرء بولده وماله.
4- وجوب تقوى الله بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية.
5- الترغيب في الإنفاق في سبيل الله تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير.
__________

1 قال القرطبي: قال ابن عباس: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي بالمدينة النبوية شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده, وعن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها جملة إلا هؤلاء الآيات (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم..) الخ.
2 الآية عامة في الرجال والنساء فكما يكون للرجل من امرأته وولده عدو يكون كذلك للمرأة من زوجها وولدها عدو, ووجب الحذر على المؤمنين, ويكون الحذر بوجهين: إما لضرر في البدن وإما لضرر في الدين, وضرر البدن يتعلق بالدنيا وضرر الدين يتعلق بالآخرة فحذر الله تعالى العبد من ذلك وأنذره به.
3 (من) للتبعيض إذ ما كل من له زوجة وولد كانوا له عدوا.
4 (فتنة) أي: بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى, روي عن ابن مسعود أنه كان يقول: لا تقولوا: اللهم اعصمني من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
5 هل هذه الآية مخصصة لآية آل عمران: (فاتقوا الله حق تقاته) هذا هو الطاهر إذ من غير الممكن أن يتقى الله حق تقاته أي: تقواه الحقة فلو أن العبد ذاب ذوبانا من خشية الله تعالى ما اتقى الله حق تقاته.
6 قال القرطبي: اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه, والآية أصل في السمع والطاعة في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ولأولى الأمر.
7 يصح في نصبه ثلاثة أوجه الأول أن يكون الخير بمعنى المال ويكون خيرا مفعولا به, والثاني: أن يكون (خيرا) نعتا لمصدر محذوف أي أنفقوا إنفاقا خيرا, والثالث أن يكون منصوبا بفعل مضمر دل عليه أنفقوا أي ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم.
8 المضاعفة: هي إعطاء الضعف, والشكور: فعول بمعنى فاعل أي: مبالغة في الشكر.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:07 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (837)

سورة الطلاق
مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 372الى صــــ 376)

سورة الطلاق
مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (1)

شرح الكلمات:
يا أيها النبي: أراد الله بالنداء النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده.
إذا طلقتم النساء: أي إذا أردتم طلاقهن.
فطلقوهن لعدتهن: أي لقبل عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه.
وأحصوا العدة: أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها.
واتقوا الله ربكم: أي أطيعوه في أمره ونهيه.
لا تخرجوهن من بيوتهن: أي لا تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها.
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة: أي إلا أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق, أو يرتكبن فاحشة من زنا بينة ظاهرة لا شك فيها.
وتلك حدود الله: أي المذكورات من الطلاق في أول الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها.
لا تدري لعل الله يحدث بعد: أي يجعل في قلب الزوج الرغبة في مراجعتها فيراجعها إذا لم تكن الثالثة من
ذلك أمرا الطلقات.
معنى الآية:
قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} 3 يخاطب الله تبارك وتعالى رجال أمة الإسلام في شخصية نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: إذا طلقتم2 أي إذا أردتم طلاقهن لأمر اقتضى ذلك فطلقوهن لعدتهن أي لأول عدتهن وذلك في طهر لم تجامع فيه لتعد ذلك الطهر أول عدتها. وقوله تعالى:
{وأحصوا العدة} أي احفظوها فاعرفوا بدايتها ونهايتها لما يترتب على ذلك من أحكام من صحة المراجعة وعدمها، ومن النفقة، والإسكان وعدمهما. وقوله: {واتقوا الله ربكم} فامتثلوا أوامره وقفوا عند حدوده فلا تتعدوها، لا تخرجوهن أي المطلقات من بيوتهن اللاتي طلقن فيهن، ولا يخرجن أي ويجب أن لا يخرجن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة كزنا ظاهر أو تكون سيئة بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت أذى لا يتحملونه فعندئذ يباح إخراجها.
وقوله تعالى: {وتلك حدود الله} أي المذكورات من الطلاق لأول الطهر، وإحصاء العدة، وعدم إخراجهن من بيوتهن، وقوله {ومن يتعد حدود الله} فيتجاوزها ولم يقف عندها فقد ظلم نفسه وتعرض لعقوبة الله تعالى عاجلا أو آجلا.
وقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} أي بأن يجعل الله تعالى في قلب الرجل رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها، وفي ذلك خير كثير.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان السنة في الطلاق وهي أن يطلقها في طهر لم يمسها 1في بجماع.
2- أن يكون الطلاق واحدة لا اثنتين ولا ثلاثا.
3- وجوب إحصاء العدة ليعرف الزوج متى تنقضي عدة مطلقته لما يترتب على ذلك من أحكام الرجعة والنفقة والإسكان.
4- حرمة إخراج المطلقة من بيتها الذي طلقت فيه إلى أن تنقضي عدتها إلا أن ترتكب فاحشة ظاهرة كزنا أو بذاءة أو سوء خلق وقبيح معاملة فعندئذ يجوز إخراجها.
__________

1 في سنن ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها بأمر الله تعالى وقيل له: راجعها فإنها قوامة صوامة رضي الله عنها وأرضاها، وضعف الحديث، وعلى كل حال فالآية تشريع عام لأمة الإسلام بغض الطرف عن سبب النزول.
2 وردت أحاديث كثيرة ضعيفة السند ومجموعها يدل على كراهية الطلاق وأنه عمل غير صالح إن كان بدون ضرورة وهي رفع الضرر عن أحد الكتزوجين. الجمهور أن من طلق واستثنى فله ما استثناه فلو قال: أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه.
3 وأن يكون لا اثنتين ولا ثلاثا، وطلاق البدعة خلافه وهو: أن يطلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه أو بلفظ اثنين أو ثلاث ومن أهل العلم من لا يعد الطلاق البدعي طلاقا، ومنهم من يمضيه واحتج المانعون والمجيزون بحديث ابن عمر في الصحيح: (إذ طلق ابن عمر زوجته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل) فمن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حسبها له طلقة قال الطلاق في الحيض يمضي وهو بدعة، ومن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعدها بل قال له: "إذا طهرت ليطلق أو ليمسك" قال: الطلاق في الحيض بدعة ولا يمضي.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:07 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا (3)
شرح الكلمات:
فإذا بلغن أجلهن: أي قاربن انقضاء عدتهن.
فأمسكوهن بمعروف: أي بأن تراجعوهن بمعروف من غير ضرر.
أو فارقوهن بمعروف: أي أتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة.
وأشهدوا ذوي عدل منكم: أي اشهدوا على الطلاق وعلى المراجعة رجلين عدلين منكم أي من المسلمين فلا يشهد كافر.
وأقيموا الشهادة لله: أي لا للمشهود عليه أوله بل لله تعالى وحده.
ذلكم يوعظ به من كان يؤمن: أي ذلكم المذكور من أول السورة من أحكام يؤمر به وينفذه من كان يؤمن بالله
بالله واليوم الآخر واليوم الآخر.
ومن يتق الله: أي في أمره ونهيه فلا يعصه فيهما.
يجعل له مخرجا: أي من كرب الدنيا والآخرة.
ويرزقه من حيث لا يحتسب: أي من حيث لا يرجوا ولا يؤمل.
فهو حسبه: أي كافيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
قد جعل الله لكل شيء قدرا: أي من الطلاق والعدة وغير ذلك حدا وأجلا وقدرا ينتهي إليه.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في بيان العدد وأحكام الطلاق والرجعة. قال تعالى: {فإذا بلغن} 1 أي المطلقات أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف أي راجعوهن على أساس حسن العشرة والمصاحبة الكريمة لا للإضرار بهن كأن يراجعها ثم يطلقها يطول عليها العدة فهذا لا يجوز لحرمة الإضرار بالناس وفي الحديث: لا ضرر2 ولا ضرار.
وقوله {أو فارقوهن بمعروف} وذلك بأن يعطيها ما بقي لها من مهرها ويمتعها3 بحسب حاله غنى وفقرا. وقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} أي أشهدوا على النكاح والطلاق والرجعة أما الإشهاد على النكاح فركن ولا يصح النكاح بدونه، وأما في الطلاق والرجعة فهو مندوب، وقد يصح الطلاق والرجعة بدونه، ويشترط في الشهود أن يكونوا عدولا، وأن يكونوا مسلمين لا كافرين.4 وقوله {وأقيموا الشهادة لله} أي أدوها على وجهها ولا تراعوا فيها إلا وجه الله عز وجل. وقوله: {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر} أي ذلكم المأمور به من أول السورة كالطلاق في طهر لم يجامعها فيه وكإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها والإمساك بالمعروف والفراق بالمعروف والإشهاد في النكاح والطلاق والرجعة والإقساط في الشهادة كل ذلك يوعظ به أي يؤمر به وينفذه المؤمن بالله واليوم الآخر إذ هو الذي يخاف عقوبة الله وعذابه فلا يقدم على معصيته.
وقوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فبم تأمرني؟ قال آمرك وإياها أن تكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فقالت المرأة نعم ما أمرك به فجعلا يكثران منها فغفل العدو عن ابنهما فاستاق غنمهم وجاء بها إلى أبويه فنزلت هذه الآية، وهي عامة في كل من يتق الله تعالى فإنه يجعل له من كل ضيق مخرجا ومن كل كرب فرجا، ويرزقه من حيث لا يرجو ولا يؤمل، ولا يخطر له على بال، ومن يتوكل على الله تعالى في أمره فلا يفرط في أمر الله، ولا يضيع حقوقه فإن الله تعالى يكفيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه. وقوله تعالى {إن الله بالغ أمره} 5 أي منفذ أمره في عباده لا يعجزونه أبدا، وقد6 جعل لكل شيء قدرا أي مقدارا وزمانا ومكانا فلا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ولا يقع في ملك الله إلا ما يريد الله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- لا تصح الرجعة إلا في العدة فإن انقضت العدة فلا رجعة وللمطلقة أن تتزوج من شاءت هو أو غيره من ساعة انقضاء عدتها.
2- لا تحل المراجعة للإضرار، ولكن للفضل والإحسان وطيب العشرة.
3- مشروعية الإشهاد على الطلاق والرجعة معا.
4- يشترط في الشهود العدالة، فإذا خفت العدالة في الناس استكثر من الشهود.
5- وعد الله الصادق بالفرج القريب لكل من يتقه سبحانه وتعالى، والرزق من حيث لا يرجو.
6- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
7- كفاية الله لمن توكل عليه.7
__________

1 هذا لقوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) أي: قاربن من انقضاء الأجل.
2 رواه مسلم في صحيحه.
3 المتعة واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها صداق ولغيرها من المطلقات سنة مستحبة.
4 قرأ نافع (إن الله بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لاسم الفاعل المنون، وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمر: مجرور بالإضافة إليه.
5 قرأ نافع (إن الله بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لاسم الفاعل المنون، وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمره: مجرور بالإضافة إليه.
6 أي: لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه. قال القرطبي: وما في التفسير أوضح وأشمل.
7 روى القرطبي عن الربيع بن خيثم قوله: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه ومن وثق به نجاه ومن دعاه أجاب له وتصديق ذلك في كتاب الله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم) (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:08 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (838)

سورة الطلاق
مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

المجلد الخامس (صـــــــ 377الى صــــ 380)

واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (4) ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا (5)

شرح الكلمات:
واللائي يئسن من المحيض: والنسوة اللائي يئسن من المحيض.
إن ارتبتم: أي شككتم في عدتهن.
واللائي لم يحضن: أي لكبر سن أو صغر سن.
وأولات الأحمال: أي ذوات الأحمال: النساء الحوامل.
أجلهن: أي في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن.
ذلك أمر الله: أي ذلك المذكور في العدة وتفاصيلها.
أنزله إليكم: أي لتأتمروا به وتعملوا بمقتضاه.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلاق والرجعة والعدة فقال تعالى: {1واللائي يئسن2 من المحيض} أي لكبر سنهن كمن تجاوزت الخمسين من عمرها إذا طلقت بعد الدخول بها. إن ارتبتم3 أيها المؤمنون في مدة عدتهن، فعدتهن ثلاثة أشهر. واللائي لم يحضن أي لصغرهن كذلك، عدتهن ثلاثة أشهر وقوله {وأولات الأحمال} أي الحوامل إن طلقن أو مات عنهن أزواجهن أجلهن في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن أي وضع حملهن فمتى ولدت ما في بطنها من جنين فقد انقضت عدتها ولو وضعته قبل استكمال التسعة أشهر، إن لم تتعمد إسقاطه بالإجهاض المعروف اليوم عند الكوافر والكافرين.
وقوله تعالى: {ومن يتق الله} أي منكم أيها المؤمنون في هذه الأحكام المتعلقة بالطلاق والرجعة والعدة فلا يخالف أمره في ذلك يكافئه الله تعالى من فضله فيجعل له من أمره يسرا فيسهل عليه أمره ويرزقه ما تقر به عينه ويصلح به شأنه.
وقوله تعالى: {ذلك أمر الله أنزله إليكم} أي ذلك المذكور من الأحكام في هذه السورة من الطلاق والرجعة والعدة وتفاصيلها حكم الله أنزله إليكم لتأمروا وتعملوا به فاعملوا به ولا تهملوه طاعة لله وخوفا من عذابه ومن يتق الله في أوامره ونواهيه فيؤدى الواجبات ويتجنب المحرمات يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا أي يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- بيان العدة وهي كالتالي:
1- متوفى عنها زوجها وهي غير حامل عدتها: أربعة أشهر وعشر ليال.
2- متوفى عنها زوجها وهي حامل: عدتها وضع حملها.4
3- مطلقة لا تحيض لكبر سنها أو لصغر سنها وقد دخل بها: عدتها ثلاثة أشهر.
4- مطلقة تحيض عدتها ثلاثة قروء أي حيض تبتدئ بالحيضة التي بعد الطهر الذي طلقت فيه. أو ثلاثة أطهار5 كذلك الكل واسع ولفظ القرء مشترك دال على الحيض وعلى الطهر.
5- بيان أن أحكام الطلاق والرجعة والعدد مما أوحى الله به وأنزله في كتابه فوجب العمل به ولا يحل تبديله أو تغييره باجتهاد أبدا.
6- فضل التقوى وأنها باب كل يسر وخير في الحياة الدنيا والآخرة.
__________

1 روي أن عددا من الصحابة وهم: أبي بن كعب وخلاد بن النعمان ومعاذ بن جبل كل واحد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عدة الصغيرة والكبيرة ممن لا يحضن وعدة الحامل كذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية: (واللائي يئسن) . والآية مخصصة لعموم آية البقرة (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فقد نزلت سورة الطلاق بعد سورة البقرة.
2 اليأس: عدم الأمل والميؤوس منه في الآية هو: الحيض وسواء كان قد وجد وانعدم أم لم يوجد بعد.
3 أطلق الفقهاء على التي تحيض وانقطع حيضها وهي لم تبلغ سن اليأس أطلقوا عليها: (المرتابة) وألزموها بأن تتربص تسعة أشهر وهي مدة الحمل فإن لم تحض ولم يظهر لها حمل اعتدت بثلاثة أشهر فتتم لها سنة ثم لها أن تتزوج لانقضاء عدتها.
4 اختلف في الحامل تسقط هل تنقضي عدتها بالإسقاط أو لا فالإجماع إن كان ما سقط منها ولد تام الخلقة فإن عدتها انتهت بذلك، واختلف فيما إذا كان السقط مجرد علقة أو مضغة والراجع أنها تحل لأن العبرة بخلو الرحم يقينا وقد خلا بالإسقاط.
5 الاعتداد بالأطهار أولى لما فيه من التخفيف على المعتدة ولظاهر الآية (فطلقوهن لعدتهن) أي: لأول عدتهن وهو الطهر الذي طلقها فيه ولم يمسها.
**********************************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:08 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (6) لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا (7)
شرح الكلمات:
من وجدكم: أي من وسعكم بحيث يسكن الرجل مطلقته في بعض سكنه.
ولا تضاروهن: أي لا تطلبوا ضررهن بأي حال من الأحوال سواء في السكن أو النفقة.
لتضيقوا عليهن: أي لأجل أن تضيقوا عليهن السكن فيتركنه لكم ويخرجن منه.
وإن كن أولات أحمال: أي حوامل يحملن الأجنة في بطونهن.
فإن أرضعن لكم: أي أولادكم.
فآتوهن أجورهن: فأعطوهن أجورهن على الإرضاع هذا في المطلقات.
وأتمروا بينكم بمعروف: وتشاورا أو ليأمر كل منكم صاحبه بأمر ينتهى باتفاق على أجرة معقولة لا إفراط فيها ولا تفريط.
وإن تعاسرتم: فإن امتنعت الأم من الإرضاع أو امتنع الأب من الأجرة.
لينفق ذو سعة من سعته: أي لينفق على المطلقات المرضعات ذو الغنى من غناه.
ومن قدر عليه رزقه: ومن ضيق عليه عيشه فلينفق بحسب حاله.
معنى الآيتين:
بعد بيان الطلاق بقسميه الرجعى والبائن وبيان العدد على اختلافها بين تعالى في هاتين الآيتين أحكام النفقات والإرضاع فقال تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم1 من وجدكم} أي من وسعكم ولا تضاروهن2 بأي مضارة لا في السكن ولا في الإنفاق ولا في غيره من أجل أن تضيقوا عليهن فيتركن لكم السكن ويخرجن. وهؤلاء المطلقات طلاقا رجعيا وهن حوامل أو غير حوامل.
وقوله تعالى {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} أي وإن كانت المطلقة طلاق البتة أي طلقها ثلاث مرات فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن إلى أن يلدن فإن وضعت حملها فهما بالخيار إن شاءت أرضعت له ولده بأجرة يتفقان عليها وإن شاء هو أرضع ولده مرضعا غير أمه وهو معنى قوله تعالى فإن أرضعن3 لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وذلك يتم بتبادل الرأي إلى الاتفاق على أجرة معينة, وإن تعاسرا بأن طلب كل واحد عسر الثاني أي تشاحا في الأجرة فلم يتفقا فلترضع له أي للزوج امرأة أخرى من نساء القرية.
وقوله تعالى: {لينفق ذو4 سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} أمر تعالى المؤمن إذا طلق أن ينفق على مطلقته التي ترضع له ولده أو التي هي في عدتها في بيته بحسب يساره أو إعساره أو غناه وافتقاره، إذ ى يكلف الله نفسا إلا ما أعطاها من قدرة أو غنى وطول والقاضي هو الذي يقدر النفقة عند المشاحنة وتكون بحسب دخل الرجل وما يملك من مال.
وقوله تعالى: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} هذا وعد صدق أتمه لأصحاب رسوله حيث كانوا في عسر ففتح عليهم ملك كسرى والروم فأبدل عسرهم يسرا. وأما غيرهم فمشروط بالتقوى كما تقدم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- وجوب السكن والنفقة للمطلقة طلاقا رجعيا.
2- وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الحامل حتى تضع حملها.
3- وجوب السكنى والنفقة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل.
4- المطلقة البائن والمبتوتة لم يقض لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفقة ولا سكنى لحديث فاطمة5 بنت قيس أخت الضحاك، ومن الفضل الذي ينبغي أن لا ينسى إن كانت محتاجة إلى سكن أو نفقة أن يسكنها مطلقها وينفق عليها مدة عدتها. وأجره عظيم لأنه أحسن والله يحب المحسنين.
5- النفقة الواجبة تكون بحسب حال المطلق غنى وفقرا والقاضي يقدرها أن تشاحا.
6- المطلقة طلاقا بائنا إن أرضعت ولدها لها أجرة إرضاعها حسب اتفاق الطرفين الأم والأب.
7- بيان القاعدة العامة وهي أن لا تكلف نفس إلا وسعها.
__________

1 قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل للآية (أسكنوهن) والصحيح أن المنزل إذا كان يتسع لهما معا هي في حجرة وهي في أخرى فلا داعي لإخلائه لها وإن كان لا يتسع إلا لواحد فنعم يجب أن يتركه لها, وقوله تعالى: (من حيث سكنتم) يقرر أن السكنى تكون في بيت الزوج المطلق.
2 المضارة: الإضرار, والمراد بالتضييق المحرم: إحراجهن أو أذاهن بأي أذى. فقوله تعالى (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) شامل للمضايقة في السكنى والنفقة وفي العدة بأن يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها ثم يطلقها.
3 هل على المرأة أن ترضع ولدها؟ إن كانت عصمة الزوجية قائمة فالصحيح أنها ترضع ولدها وجوبا وإن انفصلت عروة الزوجية قلا يجب على الوالدة إرضاع إلا إذا لم يقبل غيرها وخيف عليه الموت فيتعين عليها إرضاعه بأجرة إن شاءت. وأبو حنيفة لا يرى وجوب الإرضاع على الأم مطلقا ويرى بعض العكس. والوسط ما قدمناه وهو الحق.
4 في الآية دليل على وجوب نفقة الولد على والده وأما الأم فلا إلا لضرورة كأن يموت الوالد أو يعجز، وكانت الأم قادرة فلتنفق وجوبا على طفلها.
5 وصف المالكية حديث فاطمة بالغرابة، وأن عمر رضي الله عنه لم يقل به، وقال: لا نترك كتاب الله لقول امرأة يعني أن الآية عامة في كل مطلقة لا فرق بين البائن وغيرها، فالسكنى والنفقة للجميع وهو أرحم وأعظم أجرا والله أعلم.





ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (839)

سورة التحريم
مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

المجلد الخامس (صـــــــ 381الى صــــ 386)

وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا (8) فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا (9) أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا (10) رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا (11) الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12)

شرح الكلمات:
وكأين من قرية: أي وكثير من قرية أي مدينة.
عتت عن أمر ربها: أي عصت يعني أهلها عصوا ربهم ورسله.
عذابا نكرا: أي فظيعا.
ذكرا رسولا: أي القرآن وأرسل إليكم رسولا هو محمد صلى الله عليه وسلم.
من الظلمات إلى النور: أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد.
قد أحسن الله له رزقا: أي رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها أبدا.
ومن الأرض مثلهن: أي سبع أرضين أرضا فوق أرض كالسموات سماء فوق سماء.
يتنزل الأمر بينهن: أي الوحي بين السموات والأرض.
لتعلموا أن الله على كل شيء: أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا..
قدير
معنى الآيات:
لما قرر تعالى أحكام الطلاق والرجعة والعدة والنفقات وقال ذلك أمر الله أنزله إليكم، وأوجب
العمل به حذر في هذه الآية من إهمال تلك الأحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال: {وكأين من1 قرية} أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر الله ورسله فلم يمتثلوها وعن الحقوق فلم يؤدوها حاسبها2 الله تعالى في الدنيا حسابا شديدا وعذبها عذابا نكرا أي3 فظيعا. فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسرا أي خسارا وهلاكا وأعد الله لهم عذابا شديدا هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم. وقوله تعالى {فاتقوا الله} أي خافوا عقابه فلا تهملوا أحكامه ولا تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولي الألباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكرا هو القرآن {رسولا} 4 هو محمد صلى الله عليه وسلم {يتلو عليكم آيات الله مبينات5} واضحات في نفسها لا خفاء فيها ولا غموض، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر والشرك إلى النور نور الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
وقوله تعالى {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله6 جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن7 الله له رزقا} هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحا أن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن له فيها رزقا وهو نعيم الجنة الذي لا ينفد ولا ينقطع أبدا.
وقوله {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن8} أي سبع أرضين واحدة فوق الأخرى كالسموات سماء فوق سماء هذا هو الله المعبود بحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه.
وقوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} أي9
أعلمكم بخلقه العظيم من السموات والأرضين وبتنزل الأمر بينهن في كل وقت وحين لتعلموا أنه تعالى على كل شيء قدير لترغبوا فيما عنده وأنه أحاط بكل علما لترهبوه وتراقبوه، وبذلك تتهيؤن لإنعامه ورضاه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- التحذير من ترك الأحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها.
2- بيان منة الله على هذه الأمة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها.
3- بيان أن الكفر ظلمة وأن الإيمان نور.
4- بيان عظمة الله تعالى وسعة علمه.
__________

(وكأين) : اسم لعدد كثير مبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن وهو بمعنى: كم الخبرية، والمراد بالقرية: أهلها والقرية: المدينة الكبيرة.
(حاسبناها) بمعنى: جازينها مجازاة دقيقة دقة الحساب.
3 قرأ نافع (نكرا) بضم النون والكاف، وقرأ حفص (نكرا) بضم النون وإسكان الكاف. والعذاب النكر: ما ينكره المرء من فظاعة كيفيته إنكارا شديدا.
4 جائز أن يكون (رسولا) بدل اشتمال من (ذكر) لتوقف الذكر على الرسول، وجائز أن يكون (رسولا) معمولا لفعل محذوف تقديره وأرسل إليكم رسولا، وهذا واضح.
5 قرأ نافع (مبينات) بفتح الياء، وقرأ حفص (مبينات) بكسرها والمعنى واحد.
6 قرأ نافع ندخله بالنون وقرأ حفص يدخله بالياء.
7 أحسن الله له رزقا قوله أحسن أبلغ من أعد لأن الإحسان لا يكون إلا بعد الإعداد.
8 كون الأرضين سبعا يشهد له قوله تعالى ومن الأرض مثلهن أي مثل السموات السبع ويشهد له السنة الصحيحة فقد روى عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين". ومثله أبي هريرة وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حق إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة".
9 المراد بالأمر هنا أمر الله تعالى وهو ما يدبر به شؤون مخلوقاته في الأرض والسماء. من موت وحياة وغيرهما وأمر ونهي وعطاء ومنع وغيرهما، والله أعلم بمراده من كلامه وهو العليم الحكيم.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة التحريم1
مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم (2) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير (3) إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير (4) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا (5)

شرح الكلمات:
لم تحرم ما أحل الله لك: أي لم تحرم جاريتك مارية التي أحلها لك.
تبتغي مرضات أزواجك: أي بتحريمها.
قد فرض لكم تحلة أيمانكم: أي شرع لكم تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة.
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه: هي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
حديثا: هو تحريم مارية وقوله لها لا تفشيه.
فلما نبأت به: أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظنا منها أنه لا حرج في ذلك باجتهاد.
وأظهره الله عليه: أي اطلعه عليه أي على المنبأ به.
عرف بعضه: أي لحفصة.
وأعرض عن بعض: أي تكرما منه صلى الله عليه وسلم.
إن تتوبا إلى الله: أي حفصة وعائشة رضي الله عنهما تقبل توبتكما.
فقد صغت قلوبكما: أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك.
وإن تظاهرا عليه: أي تتعاونا أي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه.
فإن الله هو مولاه: أي ناصره.
وصالح المؤمنين: أي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
والملائكة بعد ذلك ظهير: أي ظهراء وأعوان له.
قانتات: أي عابدات.
سائحات: أي صائمات أو مهاجرات.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل2 الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور
رحيم} في هذا عتاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية3 وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خلا بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراما ترضية لصاحبة الحجرة والفراش. فأنزل الله تعالى هذه الآيات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم. {تبتغي مرضات أزواجك} أي تطلب رضاهن {والله غفور رحيم} بك فلا لوم عليك بعد هذا ولا عتاب فجاريتك لا تحرم عليك وكفر عن يمينك. إذ قال لها هي علي 4حرام ووالله لا أطؤها.
وقوله تعالى {قد فرض الله لكم5 تحلة أيمانكم} أي ما تحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما جاء في سورة المائدة من قوله تعالى {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وقوله تعالى والله مولاكم أي متولي أمركم وناصركم. وهو العليم بأحوال عباده الحكيم في قضائه وتدبيره لخلقه.
وقوله تعالى {وإذ أسر النبي} أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنها إذ قال لها لقد حرمت فلانة ووالله لا أطأها وطلب منها أن لا تفشي هذا السر. فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها.
فأطلع الله رسوله على ذلك. فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه لحفصة وأعرض عن بعض تكرما منه صلى الله عليه وسلم. قالت أي حفصة من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير. وقوله: إن تتوبا إلى الله أي حفصة وعائشة فقد صغت قلوبكما أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما كذلك. وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما. وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} أي تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم فيما يكرهه، فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي الله عنكما لن يضره شيئا فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أبو بكر وعمر، والملائكة بعد ذلك ظهير له أي ظهراء وأعوان له عن كل من يؤذيه أو يريده بسوء.
وقوله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} ، وفي هذا تخويف شديد لأمهات المؤمنين وتأديب رباني كبير لهن إذ وعد رسوله أنه لو طلقهن لأبدله خيرا منهن {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات} أي6 صائمات أو مهاجرات، {ثيبات وأبكارا} أي بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلقهن والله تعالى لم يبدله فهن زوجاته في الدنيا زوجاته في الآخرة هذا وأنبه إلى أن خلافا كبيرا بين أهل التفسير في الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وعاتبه ربه عليه. وأحله الله له هل هو شراب كان يحبه، أو هو جاريته مارية ومن7 الجائز أن يكون غير ما ذكر؛ لأن الله تعالى لم يذكر نوع ما حرم رسوله على نفسه، وإنما قال لم تحرم ما أحل الله لك. والجمهور على أن المحرم مارية، وفي البخاري أنه العسل والله أعلم فلذا استغفر الله تعالى أن أكون قد قلت عليه أو على رسوله ما لا يرضيهما أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله إن ربي غفور رحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير نبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته الكاملة.
2- أخذ الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى من هذه الآية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك وهو لم ينو طلاقها أن عليه كفارة يمين لا غير، وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولا للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى.
3- كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه.
4- فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
__________

1 وتسمى سورة النبي أيضا.
2 روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير: أكلت مغافير: فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزل {لم تحرم ما أحل الله لك} إلى {إن تتوبا} ، المغافير جمع مغفور بقلة من البقول.
3 ترضية لبعض أزواجه أي طلبا لرضاها وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
4 اختلف أهل العلم فيمن حرم شيئا فإن كان غير الزوجة فالجمهور على أنه لا يحرم ولا كفارة عليه، وبعض يقول عليه كفارة يمين: أما الزوجة فقد بلغت الأقوال فيها ثمانية عشر قولا أعدلها أن من حرم زوجته بلفظ أنت حرام أو بالحرام إن نوى طلاقها فعليه طلقة، وإن لم ينو طلاقها فإن عليه كفارة يمين كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها، وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
5 تحلة اليمين كفارتها أي من حلف على شيء وأراد أن يعود إليه فليكفر عن يمينه وليأت ما حلف عليه.
6 قيل سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه فكذلك الصائم لا زاد معه.
7 نعم من الجائز أن يكون غير ما ذكر ولكن بتتبع لروايات وأقوال العلماء سلفا وخلفا ثبت أن الأمر يدور بين أن ما حرمه صلى الله عليه وسلم على نفسه ترضية هو جاريته مارية، أو العسل لا غيرهما.





ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (840)

سورة التحريم
مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

المجلد الخامس (صـــــــ 387الى صــــ 393)

ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون (7) ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (8)
شرح الكلمات:
قوا أنفسكم وأهليكم: أي اجعلوا لها وقاية بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
نارا وقودها الناس والحجارة: أي توقد بالكفار والأصنام التي تعبد من دون الله، لا بالحطب ونحوه.
لا تعتذروا اليوم: أي لأنه لا ينفعكم اعتذار، يقال لهم هذا عند دخولهم النار.
توبة نصوحا: أي توبة صادقة بأن لا يعاد إلى الذنب ولا يراد العود إليه.
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا: أي بإدخالهم النار.
يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: أي أمامهم ومن كل جهاتهم على قدر أعمالهم.
ربنا أتمم لنا نورنا: أي إلى الجنة، لأن المنافقين ينطفيء نورهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم1 وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} هذا نداء الله إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم2 من زوجة وولد، نارا عظيمة، وقودها
أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم بطاعة الله ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار.
وقوله تعالى {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} أي على النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلاظ القلوب1 والطباع شداد البطش إذا بطشوا ولا يعصون الله أي لا يخالفون أمره، وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يأمرون. وقوله تعالى {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم4} هذا يقال لأهل النار ينادون ليقال لهم: لا تعتذروا اليوم حيث لا ينفع الاعتذار. وإنما تجزون ما كنتم تعملون الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة.
وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} هذا هو النداء الثاني الذي ينادي فيه الله تعالى عباده المؤمنين يأمرهم فيه بالتوبة العاجلة النصوح التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود البن إلى5 الضرع، ويعدهم ويبشرهم يعدهم بتكفير سيئاتهم، ويبشرهم بالجنة دار النعيم المقيم فيقول {عسى6 ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم} أي بعد ذلك {جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} أي بإدخالهم الجنة. وقوله تعالى {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} أي وهم مجتازون الصراط يسألون ربهم أن يبقي7 لهم نورهم لا يقطعه عنهم حتى يجتازوا الصراط وينجوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنم كما يسألونه أن يغفر لهم ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط.
وقولهم: إنك على كل شيء قدير هذا توسل منهم لقبول دعائهم حيث توسلوا بصفة القوة والقدرة لله تعالى فقالوا إنك على كل شيء قدير فأتمم لنا نورنا واغفر لنا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب العناية بالزوجة والأولاد وتربيتهم وأمرهم بطاعة الله ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك.
2- وجوب التوبة الفورية على كل من أذنب من المؤمنين والمؤمنات وهي الإقلاع من الذنب فورا أي تركه والتخلي عنه، ثم العزم على أن لا يعود إليه في صدق، ثم ملازمة الندم والاستغفار كلما ذكر ذنبه استغفر ربه وندم على فعله وإن كان الذنب متعلقا بحق آدمي كأخذ ماله أو ضرب جسمه أو انتهاك عرضه وجب التحلل منه حتى يعفو ويسامح.
__________

1 قال علي رضي الله عنه ومجاهد وقتادة: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن العربي هذا هو الصحيح لما يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل كقول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها ماء باردا
2إن الوقاية لا تتم إلا بالإيمان وصالح الأعمال بعد اجتناب الشرك والمعاصي، وهذا يتطلب العلم بذلك وتوطين النفس على العمل بما يعلم من ذلك فعلا لما يفعل وتركا لما يترك فليأخذ العبد نفسه وأهله بهذا نصحا له ولهم حتى يقي نفسه ويقي أهله.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وروى مرفوعا ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب.
4 لأن عذرهم لا ينفعهم. والقصد من هذا النهي هو تحقيق اليأس منهم.
5 قال القرطبي اختلف في تحديد التوبة النصوح على ثلاث وعشرين قولا وقدم ما في التفسير على تلك الأقوال.
6 عسى من الله تعالى واجبة، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
7 قال ابن عباس ومجاهد: هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين.

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (9) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (10) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (11) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين (12)
شرح الكلمات:
جاهد الكفار: أي بالسيف.
والمنافقين: أي باللسان.
واغلظ عليهم: أي أشدد عليهم في الخطاب ولا تعاملهم باللين.
فخانتاهما: أي في الدين إذ كانتا كافرتين.
فلم يغنيا عنهما: أي نوح ولوط عن امرأتيهما.
من الله شيئا: أي من عذاب الله شيئا وإن قل.
امرأة فرعون: أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى.

أحصنت فرجها: أي حفظته فلم يصل إليه الرجال لا بنكاح ولا زنا.
فنفخنا فيه من روحنا: أي نفخنا في كم درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس.
وصدقت بكلمات ربها: أي بولدها عيسى أنه كلمة الله وعبده ورسوله.
معنى الآيات:
في الآية الأولى (9) يأمر تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بعدما ناداه بعنوان النبوة تشريفا وتكريما يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف، وشن الغارات1 عليهم حتى يسلموا، والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد. وقوله تعالى: {واغلظ عليهم} أي أشدد وطأتك على الفريقين على المنافقين باللسان، وعلى الكافرين بالسنان. ومأواهم2 جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم، أو من علم الله موتهم على ذلك.
وقوله تعالى في الآية الثانية (10) ضرب الله مثلا في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده. وهو امرأة نوح3 وامرأة لوط إذ كانت كل واحدة منهما تحت نبي رسول فخانتاهما في4 دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشي سر من يؤمن بزوجها وتخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار، وفي النهار بواسطة الدخان. فلما كانتا كافرتين لم تغن عنهما قرابتهما بالزوجية شيئا. ويوم القيامة يقال لهما: ادخلا النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط. هذا مثل آخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها، وهو -المثل- امرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك، ونجني من القوم الظالمين أي من عذابهم فشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على الإيمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقا إلى الله وإلى بيتها في الجنة وقد
رأته فوصلت الصخرة إليها بعد أن فاضت روحها فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها5 فرعون وعصابته الظلمة الكافرون.
وقوله تعالى ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها. عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل مكونا من امرأتين مؤمنتين، كالمثل الأول كان مكونا من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد لا تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر بذلك مريم لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها الله لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة الله تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي كان بكلمة الله كن فكان في ساعة وصول هواء النفخة وولدته للفور كرامة الله للتي أحصنت فرجها خوفا من الله وتقربا إليه، وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة. وكما لم ينفع إيمان وصلاح نوح ولوط امرأتيهما الكافرتين الخائنتين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بغت امرأة نبي قط، وهو كما قال فوالله ما زنت امرأة نبي قط لولاية الله تعالى لأنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياءه أو يذلهم فالمراد من الخيانة المذكورة في قوله تعالى فخانتاهما الخيانة في الدين وإفشاء الأسرار.
وقوله تعالى: وصدقت بكلمات ربها أي بشرائعه وبكتبه6 التي أنزلها على رسله، وكانت من القانتين7 أي المطيعين لله تعالى الضارعين له المخبتين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان، وعلى حكام المسلمين القيام بذلك لأنهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته.
2- تقرير مبدأ: لا تزر وازرة وزر أخرى. فالكافر لا ينتفع بالمؤمن يوم القيامة.
3- والمؤمن لا يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم لم يضره كفر آزر، ونوح لم يضره كفر طنعان ابنه، كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان وصلاح الأب والإبن.
هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم.
__________

1 من المعلوم أن الكفار يدعون إلى الإسلام أولا مبينا لهم ما فيه من الهدي والخير وما يجلبه لأهله من الكمال والإسعاد، فإن أبوا فليقاتلوا.
2 ومأواهم جهنم هذا عائد على الفريقين الكافرين والمنافقين معا.
3 قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة واسم امرأة لوط والعة وروي مرفوعا بضعف أن اسم امرأة نوح واغلة وامرأة لوط والهة والله أعلم.
4 الإجماع أن خيانة المرأتين كانت في الدين ولم تكن في العرض وإنما هي في الكفر والنفاق.
5 قال يحيى بن سلام: ما ضربه الله مثلا للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما من مخالفتهما حين تظاهرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ضرب به تعالى مثلا لامرأة فرعون ومريم بنت عمران ضربه ترغيبا لعائشة وحفصة في التمسك بالطاعة والثبات عليها والصحيح أنه حث لكل المؤمنين على الصبر في الشدة مهما كانت.
6 قرأ نافع وكتابه وجائز أن يكون الإنجيل وهو كتاب ابنها عيسى عليه السلام وجائز أن يكون المراد به ما كتبه الله وقدره وقرأ حفص وكتبه بالجمع أي آمنت بسائر كتب الله تعالى المنزلة وعليه فالكتاب في قراءة نافع اسم جنس صادق على جميع كتب الله تعالى المنزلة.
7 لم قال من القانتات؟ لأنه أراد من القوم القانتين وهم المكثرون من العبادة وفي هذا ثناء عليها وعلى قومها الصالحين وأنها نبتت طيبة في نبات طيب كقول القائل: وهل ينبت الخطي إلا وشيجه.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:11 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (841)

سورة التحريم
مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

المجلد الخامس (صـــــــ 394الى صــــ 398)

الجزء التاسع والعشرون
سورة الملك1
مكية وآياتها ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (1) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور (2) الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير (4) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (5)

شرح الكلمات:
تبارك الذي بيده الملك: أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكا وتصرفا وتدبيرا.
وهو على كل شيء قدير: أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير.
الذي خلق الموت والحياة: أي أوجد الموت والحياة فكل حي هو بالحياة التي خلق الله وكل ميت هو بالموت الذي خلق الله.
ليبلوكم أيكم أحسن عملا: أي أحياكم ليختبركم أيكم يكون أحسن عملا ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم.
وهو العزيز الغفور: أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين.
طباقا: أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ولا تماس بينها.
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت: أي من تباين وعدم تناسب.
هل ترى من فطور: أي من شقوق أو تصدع.
كرتين: أي مرتين مرة بعد مرة.
خاسئا وهو حسير: أي ذليلا مبعدا كالا تعبا منقطعا عن الرؤية إذ لا يرى خللا.
بمصابيح: أي بنجوم مضيئة كالمصابيح.
رجوما للشياطين: أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى.
وأعتدنا لهم عذاب السعير: أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة الاتقاد.
معنى الآيات:
قوله {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} مجد الرب تعالى نفسه وعظمها وأثنى عليها بما هو أهله من الملك والسلطان والقدرة والعلم والحكمة فقال عز وجل2 تبارك أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك الحقيقي يحكم ويتصرف ويدبر بعلمه وحكمته لا شريك له في هذا الملك والتدبير والسلطان. {وهو على كل شيء قدير} فما أراد3 ممكنا إلا كان, ولا أراد انعدام ممكن إلا انعدم. الذي خلق الموت4 والحياة لحكمة عالية لا بطلا ولا عبثا كما يتصور الكافرون والملاحدة الدهريون بل {ليبلوكم أيكم5 أحسن عملا} أي خلق الحياة بكل ما فيها، ليذكر ويشكر من عبادة فمن ذكر وشكر وأحسن ذلك، أعد له جنات ينقله إليها بعد نهاية الحياة والعمل فيها، ومن لم يذكر ولم يشكر أو ذكر وشكر ولم يحسن ذلك بأن لم يخلص فيه لله، ولم يؤده كما شرع الله أعد له نارا ينقله إليها بعد نهاية الحياة الدنيا حياة العمل، إذ هذه الحياة للعمل, وحياة الآخرة للجزاء على العمل. وقوله تعالى {وهو العزيز الغفور} ثناء آخر أثنى به تعالى على نفسه فأعلم أنه العزيز الغالب الذي لا يحال بينه وبين ما يريد الغفور العظيم المغفرة إذ يغفر الذنوب للتائب ولو كانت مثل الجبال وزبد البحر. وقوله {الذي خلق سبع سماوات طباقا} هذا ثناء آخر بعظيم القدرة وسعة
العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر مثلا. وقوله {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} أي من اختلاف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك لا تجد إلا الاتساق والانتظام لا تصدع ولا انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك لا ترى ذلك ثم ارجع البصر كرتين6 فإنك لا تجد تفاوتا ولا تباينا أبدا ولو نظرت الدهر كله كل ما في الأمر أن بصرك أيها الناظر إلى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليلا مبعدا7 مما أراد، وهو حسير أي كليل تعب وقوله تعالى {ولقد زينا السماء الدنيا} أي هذه الدانية من الأرض القريبة منها بمصابيح8 هي النجوم والكواكب. وجعلناها أي النجوم رجوما9 للشياطين ترجم بها الملائكة شياطين الجن الذين يريدون استراق السمع من كلام الملائكة حتى لا يفتنوا الناس في الأرض عن دين الله عز وجل. وقوله تعالى {وأعتدنا لهم عذاب السعير10} أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة كسائر الكافرين من الإنس والجن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل.
2- بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.
3- بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه الله: أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: زينة لسماء الدنيا، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها.11
__________

1 وتسمى الواقية والمنجية وورد في فضلها أحاديث أصحها حديث السنن وهو قوله صلى الله عليه وسلم أن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له: تبارك الذي بيده الملك.
2 القرطبي: تبارك قال الحسن تقدس, وقيل دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه.
3 التعبير بالممكن وغير الممكن فيه جواب لمن قال من المبطلين إن كان الله على كل شيء قديرا فهل يقدر أن يخلق إلها مثله: والجواب أن خلق إله مثل الله غير ممكن فلذا لا يخلقه سبحانه وتعالى.
4 قدم ذكر الموت على الحياة لأن الموت أكبر واعظ للإنسان. قال العلماء الموت ليس عدما محضا ولا فناء صرفا، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما وتبديل حال وانتقال من دار إلى دار. والحياة عكس ذلك.
5 ليبلوكم أي ليعاملكم معاملة المختبر لكم فيرى أحسنكم عملا من أسوأه وقد رتب الجزاء على ذلك، وأحسن العمل أخلصه وأصوبه أي أخلصه لله تعالى وأصوبه أي أداؤه كما شرعه بلا زيادة ولا نقصان.
6 كرتين منصوب على المصدر لأن الكرة الرجعة فكرتين بمعنى رجعتين أي مرة بعد أخرى والعامل فارجع.
7 يقال خسئت الكلب أي أبعدته وطردته.
8 سميت الكواكب مصابيح لإضائتها.
9 الرجوم جمع رجم وهو اسم لما يرجم به أي ما يرمى به الرامي من حجر وغيره من باب تسمية المفعول بالمصدر مثل الخلق للمخلوق والرد للمردود، والمراد من النجوم التي يرمى بها هي الشهب التي تنفصل عن النجوم والكواكب، وجائز أن تكون كواكب صغيرة ترمى بها الشياطين شأنها شأن الشهب لحديث: الكوكب الذي انقض البارحة.
10 لا يقولن قائل: الشياطين خلقوا من نار فكيف يعذبون بها؟ والجواب: السعير أقوى من مادة النار التي خلقوا منها كما أن الشياطين تحولوا عن أصل المادة التي خلقوا منها. تحول الإنسان من طين إلى لحم وعظم وعصب ودم.
11 تمام قوله: فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به، وتعدى وظلم.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:11 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير (6) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور (7) تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (8) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير (9) وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10) فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير (11)
شرح الكلمات:
كفروا بربهم: أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه.
إذا ألقوا فيها: أي في جهنم ألقتهم الملائكة فيها وذلك يوم القيامة.
سمعوا لها شهيقا: أي سمعوا لجهنم صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار.
وهي تفور تكاد تميز من الغيظ: أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضبا على الكفار.
سألهم خزنتها: سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب.
ألم يأتكم نذير: أي رسول ينذركم عذاب الله يوم القيامة؟.
وقلنا ما نزل الله من شيء: أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل الله مما تقول لنا من شيء.
إن أنتم إلا في ضلال كبير: أي ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال كبير أي خطأ عقلي وتصور نفسي باطل.
لو كنا نسمع أو نعقل: أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لآمنا وعبدنا الله وما كنا اليوم في أصحاب السعير.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملائكة في السماء عذاب السعير عطف عليه قوله {وللذين كفروا بربهم1} أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ولا
آمنوا به من الإنس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي جهنم يصيرون إليها وينتهون إلى عذابها شرابها الحميم وطعامها الضريع والزقوم, وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا2} إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا لها شهيقا أي صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار إذا شهق أو نهق. {وهي تفور} تغلي3 {تكاد تميز} 4 أي تقرب أن تتقطع من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت لغضبه, وكل مؤمن بالله عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى لما يرضى به ربه. وقوله تعالى
{كلما ألقي فيها فوج} أي جماعة {سألهم خزنتها} أي الملائكة الموكلون بالنار وعذابها وهم الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكا سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لأنهم يعلمون ما يسألونهم عنه {ألم يأتكم5 نذير} أي رسول في الدنيا يدعوكم إلى الإيمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين {بلى} قد جاءنا نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهم ردا على دعوتهم {ما نزل الله من شيء} أي مما تقولون وتدعوننا إليه {إن أنتم إلا في ضلال كبير6} أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال عقلي وخطأ تصوري كبير. ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال تعالى {فاعترفوا بذنبهم فسحقا} أي بعدا بعدا من رحمة الله {لأصحاب السعير} أي سعير جهنم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب.
2- بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب, وتكذب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.
3- بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدين تأخر عقلي ونظر رجعي.
4- تقرير أن الكافر لا يسمع ولا يعقل أي سماعا ينفعه وعقلا يحجزه عن المهالك باعتراف أهل النار إذ قالوا {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} .
__________

1 هذا تتميم للكلام السابق أي كما كان للشياطين عذاب السعير فللذين كفروا عذاب جهنم وبئس المصير.
2 قال عطاء الشهيق في الصدور والزفير في الحلق.
3 قال حسان:
تركتم قدركم لا شيء فيها
وقدر القوم حامية تفور
أي تغلي.
4 أصل تميز أي تتميز أي تنقطع وينفصل بعضها عن بعض قيل هذا التغيظ هو من شدة الغيظ على أعداء الله, وقيل هو من الغليان.
5 الاستفهام للتوبيخ والتقريع.
6 إن أنتم إن نافية بدليل الاستثناء بعدها.





ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:12 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (842)

سورة التحريم
مدنية وآياتها اثنتا عشر آية

المجلد الخامس (صـــــــ 399الى صــــ 401)

إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير (12) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور (13) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15)

شرح الكلمات:
يخشون ربهم بالغيب: أي يخافونه وهم غائبون عن أعين الناس فلا يعصونه.
لهم مغفرة وأجر كبير: أي لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة.
ألا يعلم من خلق: أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف مخلوقه.
وهو اللطيف الخبير: أي بعباده الخبير بهم وبأعمالهم.
ذلولا: أي سهلة للمشي والسير عليها.
فامشوا في مناكبها: أي في جوانبها ونواحيها.
وإليه النشور: أي إليه وحده مهمة نشركم أي إحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في الإيمان والطاعة للنجاة من السعير فقال {إن الذين يخشون ربهم1 بالغيب} أي يخافونه وهم لا يرونه, وكذا وهم في غيبة عن الناس فيطيعونه ولا يعصونه هؤلاء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة. ولما قال بعض المشركين في مكة لا تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى ردا عليهم وتعليما {وأسروا قولكم أو اجهروا به} فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث
النفس وخواطرها {إنه2 عليم بذات الصدور} أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس {ألا يعلم من3 خلق} أي كيف لا يعلم من خلقهم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم. وقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} أي4 سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقا وغربا وكلوا من رزقه الذي خلق لكم، وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم وإخراجكم من قبوركم ليحاسبكم ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها، وعلى كفر من كفر منكم وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- فضيلة الإيمان بالغيب ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
2- مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
__________

1 بعد ذكر جزاء أهل الكفر والشرك الشر والفساد ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والتوحيد والخير والصلاح فكان الأسلوب أسلوب الترهيب والترغيب الذي عرف به القرآن الكريم كتاب الهداية الإلهية.
2 إنه عليم بذات الصدور الجملة تعليل للتسوية بين السر والجهر من أقوال المشركين نحو قوله أصبروا أو لا تصبروا أي استوى عنده السر والجهر كما استوى عند أهل النار الصبر والجزع.
3 ألا يعلم السر من خلق السر أي أنا خلقت السر في القلب أفلا أكون عالما بما في قلوب العباد. إذ لابد وأن يكون الخالق عالما بما خلق والاستفهام إنكاري وجملة وهو اللطيف الخبير في محل نصب حال.
4 ذلولا فعول بمعنى مفعول أي مذللة مسخرة منقادة لما تريدون منها من مشي عليها وزرع وغرس وبناء وإنشاء وتعمير.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:12 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور (16) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير (17) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير (18) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير (19)
شرح الكلمات:
أن يخسف بكم الأرض: أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.
فإذا هي تمور: أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم.
أن يرسل عليكم حاصبا: أي ريحا عاصفا نرميكم بالحصباء فتهلكون.
كيف نذير: أي كان عاقبة إنذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.
فكيف كان نكير: أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكارا حقا واقعا موقعه.
صآفات: أي باسطات أجنحتها.
ويقبضن: أي ويمسكن أجنحتهن.
ما يمسكهن إلا الرحمن: أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها.
معنى الآيات:
يقول تعالى واعظا عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم1 من في السماء الذي هو العلو المطلق وهو الله عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغوروا في بطنها والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله {أم أمنتم من2 في السماء} وهو الله عز وجل أن يرسل عليكم حاصبا أي ريحا تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم {فستعلمون كيف نذير} أي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي أنه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى {ولقد كذب الذين من قبلهم} كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك والكفر فأهلكناهم {فكيف كان نكير} أي إنكاري لهم كان حقا وواقع المقتضى وقوله تعالى {أولم 3يروا إلى الطير فوقهم صافات} أي باسطات أجنحتهن ويقبضنا ما يمسكهن في حالة البسط أو القبض إلا الرحمن الذي أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت كل شيء وهي متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية الله ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ولا يمسكها أحد من الناس فمن يمسكها إذا؟ إنه الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها خلقه ويدبر بها ملكوته إن أمر المشركين في كفرهم بالله لعجب وقوله {إنه بكل شيء
بصير} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في الأحشاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تحذير المعرضين عن الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصبا من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم لله عز وجل.
2- في الهالكين الأولين عبر وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به.
3- من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضها ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائما يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إذا قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.
__________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه يريد أن يصيبكم به إن أصررتم على تكذيبه وتكذيب رسوله. هكذا عقيدة السلف في إثبات صفة العلو لله تعالى، وأما الخلف فيقولون: أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملائكة هروبا إلى التأويل حتى لا يصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه من العلو الذاتي فما أضل القوم والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم أمنهم من الخسوف بهم وهم قائمون على معاصي توجب لهم ذلك.
2 أم: هي المنقطعة التي تؤول ببل والاستفهام وهو إنكاري تعجبي ينكر عليهم أمنهم من عذاب الله بإرسال حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط فتهلكهم كما أهلكتهم إذ هم متعرضون لذلك بتكذيبهم وشركهم وكفرهم وحذفت الياء من نذيري ونكيري وهي ضمير المتكلم حذفت تخفيفا.
3 الهمزة داخلة على محذوف أي أغفلوا ولم يروا إلى الطير فوقهم حال كونها صافات أجنحتها وتقبضها أحيانا ولم تسقط فتتجلى لهم قدرة الله ورحمته ليؤمنوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:13 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (843)

سورة الملك
مكية وآياتها ثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 402الى صــــ 404)

أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور (20) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور (21) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم (22) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (23) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (25) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (26) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون (27)

شرح الكلمات:
جند لكم: أي أعوان لكم.
من دون الرحمن: أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.
إن الكافرون: أي ما الكافرون.
إلا في غرور: غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.
إن أمسك رزقه: أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.
بل لجوا في عتو ونفور: أي إنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق.
أفمن يمشي مكبا على وجهه: أي واقعا على وجهه.
أمن يمشي سويا: أي مستقيما.
والأفئدة: أي القلوب.
قليلا ما تشركون: أي شكركم قليل.
ذرأكم في الأرض: أي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون لا إلى سواه.
متى هذا الوعد: أي الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة.
قل إنما العلم عند الله: أي علم مجيئه عند الله لا غير.
فلما رأوه زلفة: أي لما رأوا العذاب قريبا منهم في عرصات القيامة.
سيئت وجوه الذين كفروا: أي تغيرت مسودة.
هذا الذي كنتم به توعدون: أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون به تحديا منكم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش فقال تعالى مخاطبا لهم {أمن هذا الذي1 هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن؟} أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بالله تعالى ينصركم من دون الرحمن إن أراد الرحمن بكم سوءا فيدفعه عنكم. وقوله تعالى {إن الكافرون2 إلا في غرور} أي ما الكافرون إلا في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم
أنه لا حساب ولا عقاب، وأن آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى {أمن3 هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور} أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك الله ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير الله. وقوله تعالى {بل لجوا في عتو ونفور} أي أنهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والتباعد عن الحق. وقوله تعالى {أفمن يمشي 4مكبا على وجهه أهدى أمن5 يمشي سويا على صراط مستقيم؟} هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد تبيانا لحالهما وتحقيقا لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكبا أي واقعا على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سويا أي مستقيما على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعا الذي يمشي سويا على صراط مستقيم إذا النتيجة أن الموحد6 مهتد والمشرك ضال. وقوله تعالى {قل هو الذي أنشأكم} أي خلقكم {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} أي القلوب أي وأنتم لا تكرون ذلك فمالكم إذا لا تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله إنكم ما تشكرون إلا قليلا وهو اعترافكم بأن الله هو المنعم لا غير. وقوله تعالى {قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} أي قل لهم يا رسولنا الله هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم لا أصنامكم التي لا تخلق ذبابا وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذا فكيف لا تؤمنون به وبرسوله ولا تشكرونه ولا تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
وقوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أي ويقول الكافرون لرسول الله والمؤمنين: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى لرسوله إجابة لهم على سؤالهم: قل {إنما العلم 7عند الله} أي علم مجيء يوم القيامة عند الله، وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين لا غير. وقوله تعالى {فلما رأوه} أي عذاب يوم القيامة {زلفة} أي8 قريبا منهم {سيئت وجوه الذين كفروا} أي أساءها الله فتغيرت بالاسوداد والكآبة والحزن. وقيل لهم أو قالت لهم الملائكة هذا العذاب الذي كنتم به تطالبون متحدين رسولنا والمؤمنين وتقولون: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق.
2- تقرير حقيقة ثابتة وهي انحراف الكافر وضلاله واستقامة المؤمن وهدايته.
3- وجوب الشكر لله تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك بالإيمان والطاعة.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
__________

1 أمن هي (أم) المنقطعة المقدرة ببل ومن الاستفهامية أدغمت في ميم أم فصارت أمن والاستفهام للتبكيت والتأنيب والإضراب الانتقالي إذ تنقل من توبيخهم على عدم التأمل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن آثار قدرة الله ورحمته إلى التبكيت بضعفهم وقلة الناصر لهم سوى الرحمن الذي يكفرون به.
2 الجملة معترضة مقررة لما قبلها والالتفات فيها من الخطاب إلى الغيبة لاقتضاء حالهم الإعراض عنهم والإظهار في موضع الإضمار إذ قال إن الكافرون, ولم يقل إن هم إلا في غرور لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به.
3 أمن هذا الذي: القول فيها كالقول في سابقها سواء.
4 مكبا اسم فاعل من اكب اللازم أما المعتدي فهو كبه يكبه وجواب الاستفهام الأول هو جملة أهدى وحذف جواب الاستفهام الثاني لدلالة الأول عليه.
5 أهدى أي أكثر هداية واستقامة والسوي هو الشديد الاستواء وهو الاعتدال ولاستقامة.
6 جائز أن يراد بالمكب على وجهه أبو جهل، والسوي على صراط مستقيم أبو بكر رضي الله عنه والمثل عام في كل مشرك وموحد أو كافر ومؤمن.
7 كقوله تعالى: قل إنما علمها عند ربي الآية من سورة الأعراف.
8 زلفة: اسم مصدر من أزلف إزلافا إذا أقرب، والزلفى القربة والمنزلة. والفاء في فلما رأوه زلفة هي الفصيحة إذ أعربت من جملتين وترتيب الشرطية عليها كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به فرأوه، فلما رأوه زلفة سيئت أي اسودت وجوه الذين كفروا لما فيها من الخوف والحزن.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:13 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم (28) قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين (29) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين (30)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني.
ومن معي: أي من المؤمنين.
أو رحمنا: أي لم يهلكنا.
فمن يجير الكافرين: أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.
قل هو الرحمن: أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.
إن أصبح ماؤكم غورا: أي غائرا لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.
بماء معين: أي تراه العيون لجريانه على الأرض.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلاء المشركين الذين
تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب1 المنون قل لهم {أرأيتم} أي أخبروني {إن أهلكني الله ومن معي2} من المؤمنين، {أو رحمنا} فلم يهلكنا بعذاب {فمن يجير3 الكافرين من عذاب أليم؟} والجواب: لا أحد إذا فماذا تنتفعون بهلاكنا. وقوله تعالى {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده وترك عبادة غيرة آمنا به وعليه توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في ضلال ممن هو على صراط مستقيم. وقوله {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرا {فمن يأتيكم بماء معين} أي قل لهؤلاء المشركين يا رسولنا تذكيرا لهم أخبروني إن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه "بئر زمزم" وغيرها4 غائرا لا تناله الدلاء ولا تراه العيون. فمن يأتيكم بماء معين غير الله تعالى؟ والجواب لا أحد5 إذا فلم لا تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه بالعبادات التي شرع لعباده أن يعبدوه بها؟.6
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.
2-وجوب التوكل على الله عز وجل بعد الإيمان.
3-مشروعية الحجاج لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
__________

1 جاء هذا في سورة الطور. إذ قال تعالى عنهم أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون.
2فتح كلا من ياءي أهلكني ومن معي. نافع وحفص سواء.
3 الاستفهام للنفي.
4 وهي بئر ميمون كانوا يشربون منها كبئر زمزم.
5 معين أصلها معيون كمبيع أصلها مبيوع فنقلت ضمة الياء إلى العين قبلها فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الواو. ثم كسرت العين لتصبح الياء
6 روى استحباب قول القارئ: الله رب العالمين إذا قرأ فمن يأتيكم بماء معين وروي أن جاهلا ملحدا لما سمعها قال: تأتي بها الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه وعمي. والعياذ بالله تعالى من الجهل والكفر والجرأة على الله.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (844)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 405الى صــــ 409)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2) وإن لك لأجرا غير ممنون (3) وإنك لعلى خلق عظيم (4)فستبصر ويبصرون (5) بأيكم المفتون (6) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (7)

شرح الكلمات:
ن: هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون.
والقلم وما يسطرون: أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون.
ما أنت بنعمة ربك: أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
بمجنون: أي بذي جنون كما يزعم المشركون.
غير ممنون: أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
بأيكم المفتون: أي بأيكم الجنون.
معنى الآيات:
قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف1المقطعة نحو ق، ص، وحم الله أعلم بمراده به وقوله تعالى {والقلم وما يسطرون} أي2 والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم3 عليه قوله {ما أنت بنعمة4 ربك بمجنون} تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمدا مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للأيمان، وقوله تعالى {وإن لك لأجرا غير ممنون} هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صلى الله عليه وسلم أجرا غير مقطوع أبدا بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها
وقوله {وإنك لعلى خلق عظيم} 5 هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدبا وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله تعالى {فستبصر6 ويبصرون بأيكم المفتون} أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم7 المفتون أي المجنون أنت -وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى {إن8 ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} في هذا الخبر تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ليصبر على دعوة الله وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون الله أعلم من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-تقرير مسألة أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
2-بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
3-تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
4-بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.
__________

1 روى عن بعض السلف أن: نون هي الدواة، وكونه أحد الحروف المقطعة أولى لنظائره من ص، وق ويس، وطس. وفي إدغام النون في واو القلم قراءتان سبعيتان الفك والإدغام.
2 جائز أن يكون ما موصولة. أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم.
3 جواب القسم وهو ثلاثة أشياء الأول نفي الجنون عنه صلى الله عليه وسلم والثاني ثبوت الأجر له صلى الله عليه وسلم والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن.
4 الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم الله عليك من الوحي مجنونا والباء في مجنون زائدة لتقوية النفي وتأكيده.
5 ورد في فضل الخلق أحاديث. " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء". (صحيح) .
6 قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد.
7 بأيكم المفتون، أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه، وله مواقع كثيرة في الكلام فقد يشرب معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام، ومعنى التنويه بكامل. فقوله بأيكم المفتون معناه أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم.
8 الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صلى الله عليه وسلم وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما في التفسير.

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فلا تطع المكذبين (8) ودوا لو تدهن فيدهنون (9) ولا تطع كل حلاف مهين (10) هماز مشاء بنميم (11) مناع للخير معتد أثيم (12) عتل بعد ذلك زنيم (13) أن كان ذا مال وبنين (14) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (15) سنسمه على الخرطوم (16)
شرح الكلمات:
ودوا لو تدهن: أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن لا تذكر آلهتهم بسوء.
فيدهنون: فيلينون لك ولا يغلظون لك في القول.
كل حلاف مهين: أي كثير الحلف بالباطل حقير.
هماز مشاء بنميم: أي عياب مغتاب.
معتد أثيم: أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والآثام.
عتل بعد ذلك زنيم: أي غليظ جاف. زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة.
قال أساطير الأولين: أي ما روته الأولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني.
سنسمه على الخرطوم: أي سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
معنى الآيات:
قوله تعالى {فلا تطع المكذبين} 1 أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فلا تطع
هؤلاء الضالين المكذبين بالله ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله {ودوا لو تدهن2 فيدهنون} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السب والشتم. وقوله تعالى {ولا تطع كل حلاف مهين} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن طاعة أفراد شريرين لا خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال: {ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل {مهين3} أي حقير. {هماز} عياب {مشاء بنميم} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه الإفساد {مناع للخير} أي يبخل بالمال أشد البخل {معتد أثيم} أي ظالم للناس معتد على أموالهم وأنفسهم {أثيم} كثير الإثم لغشيانه المحرمات وقوله {عتل بعد ذلك4 زنيم} أي غليظ الطبع جاف لا أدب معه. {زنيم} أي دعي في قريش وليس منهم. وقوله تعالى {أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} أي لأجل أن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب بآيات الله فإذا تليت عليه وسمعها قال أساطير الأولين ردا لها ووصفوها بأنها أسطورة أي أكذوبة مسطرة ومكتوبة من أساطير الأولين من الأمم الماضية. قال تعالى {سنسمه على الخرطوم} أي نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو وسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الاعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر.
2-التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} .
3- التنديد بالمكذبين بآيات الله تعالى أو تفصيلا. والعياذ بالله تعالى.
__________

1 التاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله. وعليه فلا تطع المكذبين الخ نهى صلى الله عليه وسلم عن طاعة المشركين في أي شيء يريدونه منه مما هو رضاء بالشرك وسكوت عنه ممالأة لهم وسكوتا عن باطلهم مقابل ترك أذاهم له.
2 ودوا لو تدهن هذا بيان لما نهى عنه من طاعتهم، وفعل تدهن مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة وهو مأخوذ من دهن الشيء بالدهان ليلينه ويرق، والمداهنة محرمة والمداراة جائزة والفرق بينهما أن المداهن يتنازل من شيء من دينه ليحفظ شيئا من دنياه، والمداري عكسه يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من دينه.
3 المهين: الوضيع لإكثاره من القبيح، وتفسيره بالحقير صالح وكذا الفاجر العاجز.
4 العتل: الجافي الشديد، ومنه أخذ العتال الذي يجر الناس ويدفعهم بعنف ليدخلهم في السجن ونحوه. ومنه قوله تعالى {خذوه فاعتلوه.}



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (845)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 410الى صــــ 416)

إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (22) فانطلقوا وهم يتخافتون (23) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قادرين (25) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26) بل نحن محرومون (27) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون (28) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين (29) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (30) قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين (31) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون (32) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (33)

شرح الكلمات:
إنا بلوناهم: أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم الله عليهم بل كفروا بها بتكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق.
ليصرمنها 1: أي ليجدنها أي يقطعون ثمارها صباحا.
فطاف عليهم طائف من: أي نار فأحرقتها.
ربك وهم نائمون
فأصبحت كالصريم: أي كالليل الأسود الشديد الظلمة والسواد.
على حرثكم: أي غلة جنتكم وقيل فيها حرث لأنهم عملوا فيها.
وهم يتخافتون: أي يتشاورون بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى لا يسمع بهم.
وغدوا على حرد قادرين: أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم المساكين.
إنا لضالون: أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ولا هي هذه.
بل نحن محرومون: أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا على حرمان المساكين منها.
قال أوسطهم: خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا.
لولا تسبحون: أي تسبحون الله وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين.
يتلاومون: أي يلوم بعضهم بعضا تندما وتحسرا.
إنا إلى ربنا راغبون: أي طامعون.
كذلك العذاب: أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى {إنا بلوناهم} يعني كفار قريش أي امتحناهم واختبرناهم بالآلاء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم بالبلاء والنقم أي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة فتابوا ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلاهم فتابوا إليه ورجعوا إلى طاعته فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة2 إذ أقسموا} -حلفوا- {ليصرمنها مصبحين3} أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى لا يعطوهم شيئا. ولا يستثنون أي لم يستثنوا في حلفهم لم يقولوا إلا أن يشاء الله. {فطاف عليها طائف من ربك} يا رسولنا وهو نار أحرقتها {فأصبحت كالصريم} أي الليل المظلم الأسود الشديد السواد. {فتنادوا مصبحين} أي نادى بعضهم بعضا وهم إخوة كثير في أول الصباح قائلين {اغدوا على حرثكم} إن كنتم فعلا جادين في الصرام هذا الصباح. {فانطلقوا} مسرعين {وهم يتخافتون} يتشاورون في صوت خافت حتى لا
يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا4 على {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} كما كانوا يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه الله عليه قال تعالى {وغدوا على حرد قادرين} أي وانطلقوا صباحا على حرد أي5 قصد تام قادرين على أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ولا يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين. قال تعالى {فلما رأوها} محترقة سوداء مظلمة {قالوا} ما هذه جنتنا {إنا لضالون6} عنها بأن أخطئنا الطريق إليها، ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليلا اضربوا عن قولهم الأول وقالوا {بل نحن محرومون} أي منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا لله وأداء لحقه. وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا بما أخبر تعالى عنه في قوله {قال أوسطهم ألم7 أقل لكم لولا تسبحون} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا فقلت لكم هلا يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الاستثناء لأن التسبيح تنزيه لله عن الشرك وسائر النقائص ومنها العجز والاستثناء تنزيه لله عن ذلك لأن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه قدرة كقدرة الله الذي إذا قال أفعل فعل ولا يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات الله تعالى فلذا كان الاستثناء تسبيحا لله وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله.
فلما ذكرهم أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} فنابوا بهذا الاعتراف قال تعالى {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان المساكين وعلى عدم الاستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قالوا يا ويلنا} أي يا هلاكنا احضر {إنا كنا طاغين} أي متجاوزين حدود الله التي حد لنا غفلة منا وجهلا بأنفسنا وبما يعاقب به أمثالنا. وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى الله بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من رحمته فقالوا {عسى8 ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا9 راغبون} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم بسلبها فتابوا
فهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سيقت هذه القصة تذكيرا وتعليما فهلا يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى {كذلك10 العذاب} أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمر الله وعصاه {ولعذاب الآخرة أكبر} من عذاب الدنيا {لو كانوا يعلمون} فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الآخرة فإنه أبدي لا يحول ولا يزول.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء الصابرون على طاعة الله ورسوله عند الضراء.
2- مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر.
3- صلاح الآباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلاح أبيهم الذي كان يتصدق على المساكين من غلة بستانه وعلامة انتفاعهم توبتهم.
4- مشروعية الاستثناء في اليمين وأنه تسبيح لله تعالى, وأن تركه يوقع في الإثم ولذا إذا حنث الحالف لم يستثن تلوثت نفسه بآثم كبير لا يمحى إلا بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه الأنواع صام ثلاثة أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه.
__________

1 الصرم: الجد والقطع، والجز أيضا بالزاي كلها بمعنى القطع والكسر.
2 قيل أن هذه الجنة "البستان" كانت على فراسخ من صنعاء اليمن وكانت بعد رفع عيسى عليه السلام، كانت لرجل مؤمن يؤدي حق الله تعالى فلما مات صارت لأولاده فعزموا على منع الناس ما كان والدهم يعطيه لمن يحضر الجداد من فقراء ومسامين فعاقبهم الله فاحترقت وفي الآيات بيان بذلك.
3 في الآية أدب سام وهو أن من كان له من الزرع أو التمر ما يجد، ينبغي أن لا يجده ليلا حتى لا يحرم الفقراء من الآكل منه وأن عليه أن بمنح من يحضر الجداد والقطع شيئا يسيرا من زرعه أو ثمره، وآية سورة النساء ظاهرة في هذا وهي قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) إلى قوله (فارزقوهم منه) الآية.
4 في الآية دليل على أن العزم الأكيد يؤاخذ عليه العبد لأن أصحاب الجنة عزموا على أن يحرموا الفقراء فعاقبهم الله على عزمهم.
5 الحرد: يطلق على المنع وعلى القصد القوي وعلى السرعة والغضب أيضا وجملة وغدوا إلخ حالية.
6 لا داعي إلى تفسير لضالون بالضلال الذي هو خروج عن طاعة الله تعالى بل المراد من الضلال هو عدم اهتدائهم إلى جنتهم بأن ضلوا طريقها.
7 الاستفهام تقريري، ولولا للتحضيض.
8 قيل أنهم تعاقدوا وقالوا إن بدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما يصنع أبونا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله ما هو خير منها، سئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل لقد كلفتني تعبا‍‍‍!
9 قرأ نافع أن يبدلنا بتشديد الدال، وقرأ حفص بالتخفيف من أبدل يبدل الرباعي.
10 قيل إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله تعالى لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أي كفعلنا نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم (34) أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (38) أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذلك زعيم (40) أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين (41) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون (43)
شرح الكلمات:
إن للمتقين1: أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحدوه فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي.
عند ربهم جنات النعيم: أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل.
أفنجعل المسلمين كالمجرمين: أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين في العطاء والفضل والجواب لا، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
أم لكم كتاب فيه تدرسون: أي تقرأون فعلمتم بواسطته ما تدعون.
إن لكم فيه لما تخيرون: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
أم لكم أيمان علينا بالغة: أي ألكم عهود منا موثقة بالأيمان لا نخرج منها ولا نتحلل إلى يوم القيامة.
إن لكم لما تحكمون: أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم كما تشاءون.
سلهم بذلك أيهم زعيم: أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون.
أم لهم شركاء: أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه وحكموا به لأنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة.
يوم يكشف عن ساق: أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
وقد كانوا يدعون إلى السجود: أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهم سالمون من أية علة ولا يصلون
وهم سالمون حتى لا يسجدوا تكبرا وتعظيما.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إن 2للمتقين3} الآيات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} أي جنات كلها نعيم لاشيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى {أفنجعل4 المسلمين} الذين أسلموا لله وجوههم وأطاعوه بكل جوارحهم {كالمجرمين} الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة، فنسوي بينهما وثانيها قوله:
ما لكم؟ أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف تحكمون أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله {أم لكم كتاب فيه تدرسون} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به لأنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون إن لكم فيه لما تخيرون أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا. لا وخامسها قوله {أم لكم5 أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان لا نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سلهم أيهم6 بذلك زعيم} أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله {أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك. بهذه الاستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في
في تصحيح دعواهم الباطلة عقلا وشرعا. وقوله تعالى {7يوم يكشف عن ساق} 8 أي اذكر لهم يا رسولنا مبينا واقع الأمر يوم القيامة، ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم يعظهم الهول ويشتد الكرب، ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن ومؤمنة ساجدا ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فلا يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقا واحدا أي عظما واحدا فلا يقدر على السجود وذلك علامة شقائه المترتب على نفاقه في الدنيا. ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيمانا واحتسابا ممن كان يسجد نفاقا ورياء فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح عظما واحدا خاشعة أبصارهم لا تطرف من شدة الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون معافون في أبدانهم ولا يسجدون تكبرا وكفرا بالله ربهم وبشرعه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير أن المجرمين لا يساوون المؤمنين يوم القيامة إذ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فمن زعم أنه يعطى ما يعطاه المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في قوله.
2-بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى إلى السجود لله فلا يسجد أي إلى الصلاة فلا يصلي تكبرا وكفرا.
__________

1 المتقون هم الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وعبدوه وحده فأطاعوه وأطاعوا رسوله فلم يشركوا ولم يفسقوا.
2 إن للمتقين استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟ فأجيب: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم: واللام لام الاستحقاق، وإضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من شوك ونحوه.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: قالت كفار مكة إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون فنزلت: أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟
4 الهمزة للاستفهام الإنكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع والتوبيخ00 وكذا سائر الاستفهامات في هذه الآيات.
5 أم لكم للإضراب الانتقالي من دليل إلى آخر والاستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب والتقريع.
6 الاستفهام هنا مستعمل للتهكم.
7 جائز أن يكون يوم يكشف متعلق بقوله فليأتوا بشركائهم ويكون من باب حسن التخلص من الرد على المشركين إلى ذكر أهوال بوم القيامة.
8 لولا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: إذ يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يكشف ربنا عن ساقه فبسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا". لقلنا في الآية أنها كناية عن أهوال يوم القيامة ولكن مع صحة الحديث فالآية دالة على أهوال يوم القيامة ومثبتة صفة ذات الرب تبارك وتعالى عن صفات المحدثين.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:16 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (846)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 416الى صــــ 421)

فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (44) وأملي لهم إن كيدي متين (45) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51) وما هو إلا ذكر للعالمين (52)

شرح الكلمات:
ذرني ومن يكذب: أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
بهذا الحديث: أي بالقرآن الكريم.
سنستدرجهم: أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
وأملي لهم: أي وأمهلهم.
إن كيدي متين: أي شديد قوي لا يطاق.
فهم من مغرم مثقلون: أي فهم مما يعطونكه مكلفون حملا ثقيلا.
أم عندهم الغيب: أي اللوح المحفوظ.
فهم يكتبون: أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
ولاتكن كصاحب الحوت: أي يونس في الضجر والعجلة.
وهو مكظوم: أي مملوء غما.
بالعراء: أي الأرض الفضاء.
وهو مذموم: لكن لما تاب نبذ وهو غير مذموم.
فاجتباه ربه: أي اصطفاه.
ليزلقونك بأبصارهم: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
وما هو إلا ذكر: أي محمد صلى الله عليه وسلم.
للعالمين: أي الأنس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون.
معنى الآيات:
بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله {فذرني1} أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم، والمراد من الحديث القرآن الكريم2 {سنستدرجهم} أي نستنزلهم درجة درجة {من حيث لا يعلمون} حتى ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى {وأملي لهم إن كيدي3 متين} أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق، وقوله تعالى {أم4 تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك.
أم عندهم5 الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون6 منه ما هم يقولون به ويقرونه والجواب لا إذا فأصبر يا رسولنا لحكم 7 ربك فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس بن متى أي في الضجر وعدم الصبر. إذ نادى وهو8 مكظوم أي مملوء غما فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب الله عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربه أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
وقوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أي وإن يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم {لما سمعوا الذكر} أي القرآن نقرأه عليهم. ويقولون إنه لمجنون حسدا لك، وصرفا للناس عنك، وما هو9 أي محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر للعالمين أي يذكر به الله تعالى الإنس والجن فليس هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- رد الأمور إلى الله إذا استعصى حلها فالله كفيل بذلك.
2-لا يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة.
3- وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذى يصيب الداعي.
4- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالمجنون والسحر والكذب.
__________

1 الفاء للتفريع والترتيب فما بعدها متفرع عما قبلها مترتب عليه.
2 وجائز أن يكون المراد من الحديث الإخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الأخبار عن الله وعن الأمم والجنة والنار.
3 وأملي مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من الملا مقصورا وهو الحين والوقت ومنه الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمن.
4 أم بمعنى بل للإضراب الانتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر.
5 إضراب آخر كالأول وفي الكلام حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى {أعنده علم الغيب فهو يرى} من سورة النجم.
6 الفاء للتفريع.
7 المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والاضطلاع بأعباء الرسالة.
8 المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل.
9 جائز أن يكون الضمير وما هو عائد إلى القرآن وما القرآن إلا ذكر للعالمين الإنس والجن أي ليس هو بكلام مجنون، وجائز أن يكون الضمير عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قالوا فيه إنه مجنون ويكون الذكر بمعنى التذكير بالله والجزاء إذ هذا من فعله صلى الله عليه وسلم.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:16 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة (1) ما الحاقة (2) وما أدراك ما الحاقة (3) كذبت ثمود وعاد بالقارعة (4) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية (5) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية (7) فهل ترى لهم من باقية (8) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة (9) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية (10) إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية (11) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية (12)

شرح الكلمات:
الحاقة1: أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة.
بالقارعة: أم بالقيامة لأنها تقرع القلوب بالخوف والهول.
فأهلكوا بالطاغية: أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضا.
بريح صرصر عاتية: أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب.
حسوما: أي متتابعات الهبوب فلا فاصل كتتابع الكي القاطع للداء.
كأنهم أعجاز نخل خاوية: أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء.
والمؤتفكات بالخاطئة: أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلات ذات الخطأ.
أخذة رابية: أي زائدة في الشدة على غيرها.
لما طغا الماء: أي علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها.
حملناكم في الجارية: أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين.
وتعيها أذن واعية: أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمع.
معنى الآيات:
قوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} 2 أي أي شيء هي3؟ وما أدراك4 ما الحاقة أي أي شيء أعلمك بها، والمراد بها القيامة لأنها حاقة المجيء لا محالة. وقوله تعالى {كذبت ثمود وعاد5 بالقارعة} أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة. فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث والجزاء. فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم
فأخذتهم صيحة طاغية6، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت على خزانها في الهبوب. سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام 7حسوما أي متتابعات بلا انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع. وقوله تعالى فترى أيها الرسول القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أي فترى القوم في تلك الليالي والأيام صرعى ساقطين على الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء فهل ترى لهم من باقية أي من نسلهم لا شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون، وقوله تعالى {وجاء فرعون ومن قبله} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات8 بالخاطئة أي بالأفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي وبينها بقوله تعالى بقوله {فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} أي زائدة في الشدة على غيرها وقوله تعالى {إنا لما طغا الماء} أي ماء الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح حملناكم في الجارية أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلام وقوله لنجعلها لكم9 تذكرة أي لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة لا تنسى ما هو حق وخير من المعاني.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان أن كلا من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم الله به.
3-بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي والأخروي.
4-التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة.
__________

1 هي أسم للسورة روى أحمد أن عمر رضي الله عنه قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر (أي في خاطري) فقرأ {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} قلت: في خاطري كاهن, فقرأ {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة فوقع في قلبي كل موقع. وسماها بعضهم (السلسلة) وبعضهم (الداعية) .
2 الحاقة أسم فاعل من حق الشيء فهو حاق إذا ثبت وقوعه، والظاهر أنها لموصوف محذوف أي الساعة الحاقة أو الواقعة الحاقة، وما في التفسير واضح وأولى.
3 ما اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم والمعنى الحاقة أمر عظيم لا يدرك كنهه والحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وجملة وما أدراك ما الحاقة معترضة بين جملة الحاقة وكذبت ثمود.
4 روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة. كل ما ورد في القرآن بلفظ وما أدراك بصيغة الماضي فقد أدراه أي أعلمه به، وكل ما ورد بصيغة المضارع وما يدريك فقد طوي عنه ولم يعلمه به فالأول (وما أدراك ماهية نار حامية) (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) والثاني (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) ....
5 كذبت ثمود كلام مستأنف بين فيه من كذبوا بالحاقة وهي الفارقة وسميت بالقارعة من قولهم (قوارع الدهر) أي أهواله وشدائده فهي تقرع القلوب.
6 هي أشبه بصيحة النفخ في الصور وثمود هم قوم صالح ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز وتعرف اليوم بمدائن صالح على أميال من مدينة العلا اليوم. وأما عاد فمنازلهم كانت بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت باليمن وأهلكوا بريح صرصر.
7 قيل بدأ من صباح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال وكانت في آخر الشتاء.
8 أي المتقلبات من ائتفك الشيء إذ قلب قراهم الخمسة منع وصعر وعمر ودوما وسدوم وهي القرية العظمى قلبها الملك فجعل عاليها سافلها.
9 وجائز أن يكون الضمير في ليجعلها عائد إلى العملية عملية إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين تذكرة وموعظة.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (847)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 421الى صــــ 424)

فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة (13) وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14) فيومئذ وقعت الواقعة (15) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية (16) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (17) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18)
شرح الكلمات:
نفخة واحدة: أي النفخة الأولى.
حملت الأرض والجبال: أي رفعت من أماكنها.
فدكتا دكة واحدة: أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيلا.
وقعت الواقعة: أي قامت القيامة.
فهي يومئذ واهية: أي مسترخية ضعيفة القوة.
على أرجائها: أي على أطرافها وحافاتها.
ثمانية: أي من الملائكة وهم حملة العرش الأربعة وزيد عليهم أربعة.
لا تخفى منكم خافية: أي لا تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الدافع إلى فعل الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى {فإذا نفخ في الصور1} أي نفخ اسرافيل في الصور الذي هو البوق أو القرن النفخة الأولى وهو المراد بقوله {نفخة واحدة} ، وقوله تعالى {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا، {فيومئذ وقعت الواقعة} أي قامت القيامة {وانشقت السماء} أي انفطرت وتمزقت {فهي يومئذ واهية} ضعيفة مسترخية. {والملك2على أرجائها} أي على أطرافها وحافاتها، {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} أي ثمانية3 من الملائكة أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية قال تعالى {يومئذ تعرضون4 لا تخفى منكم خافية} أي سريرة مما كنتم تسرون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2-بيان كيفية الانقلاب الكوني لنهاية الحياة الأولى وبداية الحياة الثانية.
3-تقرير العرض على الله عز وجل للحساب ثم الجزاء.
__________

1 الفاء تفريعية لتفريع ما بعدها من تفصيل أحوال الدار الآخرة على ما تقدم من ذكر الحاقة أي القيامة والمكذبين بها وما نالهم من عذاب في الدنيا.
2 الملك اسم جنس المراد به أعداد هائلة من الملائكة.
3 قيل هم ثمانية صفوف، وقيل ثمانية أعشار أي نحو ثمانين من عدد الملائكة. وما في التفسير هو الراجح الصحيح.
4 أصل العرض إمرار الشيء على من يريد التأمل فيه كعرض السلعة على المشتري وكاستعراض الجيوش اليوم والمراد بالعرض الحساب والجزاء.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية (24)
شرح الكلمات:
هاؤم: أي خذوا
إني ظننت: أي علمت.
راضية: أي يرضى بها صاحبها.
قطوفها دانية: أي ما يقتطف ويجنى من الثمار.
بما أسلفتم: أي بما قدمتم.
في الأيام الخالية: أي الماضية.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى 1 {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول 2هاؤم اقرأوا كتابيه3} أي إنه بعد مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل
القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأوه إنه مشرق كله ما فيه سواد السيئات، ويعلل لسلامة كتابه4 من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملاق حسابيه لا محالة فلذا لم أقارف السيئات وإن قدر على شيء فقارفته جهلا فأني تبت منه فورا فانمحى أثره من نفسي فلم يكتب علي قال تعالى مخبرا عن آثار نجاحه في سلامة كتابه من السيئات فهو في عيشة راضية. أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنة عالية قطوفها5 أي جناحها وما يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكئ على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من طعام الجنة وشرابها هنيئا ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول {بما أسلفتم} أي قدمتم لأنفسكم {في الأيام الخالية} أي أيام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر ناهين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء أي الإيمان باليوم الآخر.
2- آثار الإيمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات. وقد علل لذلك بقوله إني ظننت أني ملاق حسابي فلذا لم أعص ربي.
3-إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الآخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة خيرا أو شرا.
__________

1 الفاء لتفصيل ما أجمل فيما تقدمها من الكلام، وفي الكلام إيجاز بالحذف تقديره فيؤتى كل آخذ كتاب أعماله فأما من أوتي كتابه.... الخ والباء للمصاحبة في يمينه وفي إعطاء الكتاب باليمين كرامة وتبشير لصاحبه كقول الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
2 هاؤم هذا اللفظ وركب من ها ممدود أو مقصور مبني على الفتح ومعناه تعالوا أو خذوا كما في الرباء ها وهاء أي خذ. يقال ها يا رجل اقرأ وللإثنين هاؤما يا رجلان وهاؤم يا رجال. وللمرأة هاء بكسر الهمزة وهاؤما للاثنتين وهاؤمن لجمع الإناث والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف.
3 قيل نزلت هذه الآية فأما من أوتي كتابه بيمينه الخ.... في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي والآية التالية لها وأما من أوتي كتابه بشماله نزلت في أخيه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والمعنى عام في كل سعيد وشقي.
4 كتابيه الهاء فيه وفي الأتي بعده هي هاء السكت عند الوقف إلا أنها أبقيت في الوصل والوقف مراعاة للسجع ولعلها تحكي صوت صاحبها يوم القيامة زيادة في التقرير والتوكيد حتى لهجة أحدهم محفوظة لم تتغير.
5 القطوف جمع قطف بكسر القاف وسكون الكاف.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:18 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (848)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 425الى صــــ 428)

وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) ياليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم هاهنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37)
شرح الكلمات:
يا ليتني لم أوت كتابية: أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات.
كانت القاضية: أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى لا أبعث.
هلك عني سلطانية: أي قوتي وحجتي.
خذوه: أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر.
فغلوه: أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل.
ثم الجحيم صلوه: أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية.
حميم: أي من قريب ينفعه أو صديق.
إلا من غسلين: أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لأكلهم شجر الغسلين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر الذي أوتي كتابه1بيمينه وما له من كرامة عند ربه وفي هذه الآيات ذكر الذي أوتي كتابه بشماله وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى {وأما من أوتي كتابه} 2 أي في عرصات القيامة فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات {يا ليتني لم أوت كتابيه} يتمنى لو أنه لم يعط كتابه ولم يدر3 ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى لا يبعث، ثم يواصل تحسره وتحزنه قائلا {ما أغنى عني ماليه} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه وحسابيه وفي ماليه وسلطانيه يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله {هلك عني سلطانيه} أي ذهبت عني حججي4 فلم أجد ما أحتج به لنفسي قال تعالى للزبانية
{خذوه5 فغلوه} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثم الجحيم صلوه6} أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي، {ثم في سلسلة} طويلة {ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إلا انه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد قرابة مائة وخمسين ميلا فإن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لابد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم {فاسلكوه} أي ادخلوه فيهل فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى علة هذا الحكم عليه فقال {إنه كان} أي في الدنيا {لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين7} فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بالله ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال {فليس له اليوم هاهنا} أي في جهنم {حميم8} أي صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {ولا طعام إلا من غسلين9} أي وليس له طعام يأكله إلا من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإنهم عندما يأكلون شجر الغسلين يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ما في بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين الذي لا يأكله إلا الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها.
2-المال الذي باع المفلسون فيه الأمة والملة لا يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا.
3-التنديد بالكفر بالله وأهله.
4-عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها.
__________

1 تقدم أنه أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته هي أم المؤمنين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة وإن الشقي هو الأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة.
2 أي بشماله ووراء ظهره وهو كتاب سيئاته من الشرك والمعاصي كبيرها وصغيرها.
3 هذا من عظم ما يشاهد من شدة الحساب وشناعته هذا داخل في حيز متمناتيه، كما هو إشارة إلى أنه كان في الدنيا لا يؤمن بالحساب ولم يدر ما يجري فيه ولذا اصابته الحيرة هنا وألم به الكرب.
4 عن أبن عباس رضي الله عنهما.
5 خذوه مقول قول ذكر في التفسير وغلوه أمر من غله يغله إذا وضع الغل وهو القيد الذي يجعل في عنق الجاني.
6 صلى النار يصلاها إذا أصابه حرها أو استدفأ بها، ويعدى بالتضعييف فيقال صلاه النار وبالهمز أيضا أصلاه يصليه نارا.
7 الطعام بمعنى الإطعام وضع موضعه كوضع العطاء موضع الإعطاء كما في قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عنى
وبعد عطائك المائه الرتاعا
الرتاع الإبل ترتع
8 الحميم هنا الغريب الذي يرق له ويدفع عنه المكروه، وهو مأخوذ من الماء الجار كأنه الصديق الذي يرق ويحترق قلبه له.
9 الغسلين فعلين مأخوذ من الغسل كأنه ينغسل في أبدانهم وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وخروجهم قال الضحاك: الغسلين شجر وهو شر الطعام وأبشعه وهو من أطعمة أهل النار مثل الضريع والزقوم وبناء على ما ذكر أن الغسلين مجموع شجر اسمه الغسلين وما تجمع من صديد أهل النار من دم وعرق ونحوه فصدق عليه لفظ الغسلين وهذا من إعجاز القرآن البلاغي.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:18 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) تنزيل من رب العالمين (43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحد عنه حاجزين (47) وإنه لتذكرة للمتقين (48) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (49) وإنه لحسرة على الكافرين (50) وإنه لحق اليقين (51) فسبح باسم ربك العظيم (52)
شرح الكلمات:
بما تبصرون وما لا تبصرون: أي بكل مخلوق في الأرض وفي السماء.
انه لقول رسول كريم: أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وما هو بقول كاهن: أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء.
لأخذنا منه باليمين: أي بالقوة أو لأخذنا بيمينه لنقتله.
ثم لقطعنا منه الوتين: أي نياط القلب الذي إذا انقطع مات الإنسان.
حاجزين: أي مانعين وهو خبر ما النافية العاملة عمل ليس وجمع لأن احد يدل على الجمع نحو لا نفرق بين أحد من رسله وبين لا تقع إلا بين اثنين فأكثر.
وإنه لحسرة على الكافرين: أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به.
وإنه لحق اليقين: أي الثابت يقينا أو اليقين الحق.
فسبح باسم ربك العظيم1: أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل سبحان ربي العظيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى فلا أقسم2 بما تبصرون وما لا تبصرون أي فلا3 الأمر كما ترون وتقولون أيها المكذبون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون من المخلوقات في الأرض وفي السماوات إنه أي القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم أي إنه تبليغه وقوله إليكم وما هو بقول شاعر. كما تقولون كذبا قليلا ما تؤمنون4 أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة فلو كان واسعا لاتسع للإيمان بالقرآن إنه كلام الله ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له نظما ومعنى. وما هو بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلام الكهان لملازمته للصدق والحق والهدى ولبعد قائله عن الإثم والكذب بخلاف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الإثم كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من رب العالمين أيها المكذبون الضالون. وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولو تقول5 علينا بعض الأقاويل ونسبها إلينا لأخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات الإنسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى {فما منكم6 من أحد عنه حاجزين} وقوله تعالى {وإنه} أي القرآن {لتذكرة7} أي موعظة عظيمة للمتقين8 الذين يخافون عقاب الله ويخشون نقمه وعذابه وإنا لنعلم أن 9منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة10 على الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلام والمكذبين به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار
البوار. وإنه لحق اليقين11 أي اليقين الحق. بعد هذا التقرير في إثبات الوحي والنبوة أمر تعالى رسوله الذي كذب برسالته المكذبون أمره أن يستعين على الصبر بذكر الله تعالى فقال له {فسبح باسم ربك العظيم} أي قل سبحان ربي العظيم منزها اسمه عن تحريفه وتسمية المحدثات به معظما ربك غاية التعظيم إذ هو العلي العظيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-لله تعالى أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الرب تعالى.
2-تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
3-وصف الرسول بالكرم وبكرامته على الرب تعالى.
4-عجز الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكذب على الله تعالى وعدم قدرته على ذلك لو أراده ولكن الذي لا يكذب على الناس لا يكذب على الله كما قال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ردا على أبي سفيان لما قال له لم نجرب عليه كذبا قط..
5-مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع أو أكثر.
__________

1 الباء للمصاحبة والزيادة لتقوية الكلام والتقدير سبح اسم ربك والتقدير نزه اسم ربك في أن يسمى به غيره إذ سمى المشركون العزى بدل العزيز واللات بدل الله وجائز أن يكون اسم مقحما والتقدير فسبح ربك أي نزهه عن الشريك والشبيه وعن كل نقص وهو العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
2 الفاء للتفريع لإثبات أن القرآن منزل من عند الله تعالى ونفي ما ادعاه المشركون.
3 هذا بناء على أن لا رد لكلام سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلام أولى من كونها نافية، إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول لا أقسم لأن الأمر لا يحتاج إلى قسم كالمتحرج من الإقسام.
4 جائز أن يكون لفظ قليلا في الموضعين مرادا به انتفاء ذلك كلية لأنه وقع بقلة، وقليلا صفة لموصوف محذوف أي إيمانا قليلا، وتذكرا قليلا، وما مزيدة لتوكيد الكلام كما في قول الشاعر:
قليلا به ما يحمدنك وارث
إذا نال مما كنت تجمع مغنما
5 التقول نسبة قول إلى من لم يقله، والأقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول.
6 من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الآية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه لا يلبث طويلا حتى يأخذه الله تعالى.
7 التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه.
8 خص المتقون لأنهم هم المنتفعون به لاستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في الطاعة.
9 في الكلام إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون.
10 جائز أن يكون الضمير عائدا على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن يكون عائدا على القرآن لأنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من الإيمان وصالح الأعمال.
11 أي القرآن الكريم بلا خلاف.



الساعة الآن : 07:27 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 575.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 573.94 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.31%)]