ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (1)
الحلقة (750)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 559الى صــــ 562)

سورة فصلت (1)
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)

شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا حم، ويقرأ هكذا حا ميم.
تنزيل من الرحمن الرحيم: أي من الله إذ هو الرحمن الرحيم.
فصلت آياته: أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون إذ هم الذين ينتفعون.
بشيراً ونذيراً: أي مبشرا أهل الإيمان والعمل الصالح بالفوز, ومنذراً المكذبين الكافرين بالخسران.
فأعرض أكثرهم: أي أعرض عن سماع القرآن أكثر مشركي مكة وكفار قريش.
فهم لا يسمعون: أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون.
في أكنة: أي أغطية جمع كنان: ما فيه يكن الشيء ويستر.
وفي آذاننا وقر: أي ثقل فلم نطق السمع.
ومن بيننا وبينك حجاب: أي مانع وفاصل بيننا فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.
معنى الآيات:
قوله تعالى {حم} هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة الله أعلم بمراده به. وقد ذكرنا ما أثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة في أول سورة غافر، وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ وقوله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس كما يقول المبطلون. وقوله {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } لسان العرب ويفهمون معاني الكلام وأسراره. قوله {بَشِيراً وَنَذِيراً} وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإيمان وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار، نذيراً للمشركين المكذبين من عذاب النار، وقوله تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ (4) فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم لا يسمعونه ولا يريدون سماعه بحال، وقالوا معتذرين بأقبح الأعذار: قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن لا نفهم ما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك، وفي آذاننا وقر أي ثقل فلا تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب (5) ساتر وحائل لنا عنك فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك، واعمل (6) على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن يفهم (1) كلام الله القرآن العظيم.
2- اشتمال القرآن على أسلوب الترغيب والترهيب وهي البشارة والنذارة.
3- بيان شدة عداوة المشركين للتوحيد والداعين إليه في كل زمان ومكان.
__________

1- وتسمى سورة حم السجدة وتسمى سورة المصابيح وسورة الأموات لذكر المصابيح والأموات والسجدة وفصلت فيها.
2- تنزيل مبتدأ وسوغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم كأن قيل تنزيل عظيم ومن الرحمن الرحيم الخبر وكتاب بدل من تنزيل وفصلت صفة لكتاب.
3- في إعراب قرآناً عدة وجوه أظهرها أن النصب على الحال وجائز أن يكون على الاختصاص بالمدح.
4- فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن البشارة فلم يعنوا بها ومن النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم.
5- روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً فقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه.
6- وقيل اعمل على هلاكنا فإنا عاملون على هلاكك وقيل غير هذا وما في التفسير أولى.
7- شاهده قول الأصوليين ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما دام لا يفهم الشرع إلا بلغة القرآن وجب تعلم هذه اللغة.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:23 PM

تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
شرح الكلمات:
قل إنما أنا بشر مثلكم: أي لست ملكا وإنما أنا بشر مثلكم من بني آدم.
يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد: أي يوحي الله إلي بأن إلهكم أي معبودكم أيها الناس إله واحد لا ثاني له ولا أكثر.
فاستقيموا إليه: بإخلاص العبادة له دون سواه.
واستغفروه: أي اطلبوا منه أن يغفر لكم ذنوبكم (1) التي كانت قبل الاستقامة وهي الشرك والمعاصي.
وويل للمشركين: أي عذاب شديد سيحل بهم لإغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة.
لا يؤتون الزكاة: أي زكاة أنفسهم بما يطهرها من أوضار الشرك والمعاصي.
لهم أجر غير ممنون: أي ثواب الآخرة وهو الجنة ونعيمها لا ينقطع بحال هو أجر غير ممنون.
معنى الآيات:
إنه بعد تلك المفاصلة التي قام بها المشركون حفاظاً على الوثنية وجهل الجاهلية أمر تعالى رسوله أن يقول لهم إنما أنا بشر مثلكم في آدميتي لم أدّع يوما غيرها فلم أقل إني ملك، إلا أني أفضلكم بشيء وهو أنه يوحى إليّ من قبل ربي، والموحى به إلي هو أنما إلهكم الحق إله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، وعليه فاخلعوا تلك الأوثان واستقيموا (2) إليه تعالى بإخلاص العبادة والوجوه إليه، واستغفروه من آثار الذنب السابق قبل الاستقامة على الإيمان والتوحيد وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} يخبر تعالى أن الويل وهو مُرُّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد وقيح أهل النار وما يسيل من أبدانهم وفروجهم للمشركين بربهم الذين لا يؤتون (3) زكاة أموالهم، وهم بالآخرة هم كافرون أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء فلذا هم لا يتركون شراً ولا يفعلون خيراً إلا ما قل وندر والنادر لا حكم له.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ (4) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي آمنوا بالله وعده ووعيده وشرعه وعملوا الصالحات بأداء الفرائض والكثير من النوافل بعد تجنبهم الشرك والكبائر من الذنوب والمعاصي هؤلاء لهم أجر غير ممنون (5) مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم، والأجر هو الثواب والمراد به الجنة إذ نعيمها لا ينقطع على من ناله وفاز به بحال من الأحوال.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة والتوحيد.
2- وجوب الاستقامة على شرع الله.
3- وجوب الاستغفار من كل ذنب صغيراً كان أو كبيراً.
4- وجوب الزكاة في الأموال، ووجوب تزكية النفوس بالإيمان وصالح الأعمال.
__________

1- ذنوبكم التي قارفتموها من الشرك والمعاصي قبل التوبة التي هي الاستقامة على طاعة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - استقيموا إليه أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه كما يقال للرجل استقم إلى منزلك أي لا تعرج إلى شيء غير القصد إليه.
3- قال ابن عباس لا يؤتون الزكاة أي لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس لأن السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة وقال بعضهم إن قريشاً كانوا ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك من آمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت هذه الآية.
4- الجملة مستأنفة استئنافاً بيانيا نشأ عن الوعيد المتقدم فكأن سائلاً يقول فإن اتعظ هؤلاء المشركون وتابوا من الشرك وترك المعاصي فما جزاؤهم؟ فالجواب أن الذين آمنوا عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون.
5- المن القطع ومن منّ صدقته فقد قطعها قال الشاعر:
لعمرك ما بأبي بذي غلق
على الصديق ولا خيري بممنون


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:52 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (2)
الحلقة (751)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 563الى صــــ 569)

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
شرح الكلمات:
بالذي خلق الأرض في يومين: أي الأحد والاثنين.
وتجعلوا له أندادا: أي شركاء وهذا داخل في حيز الإنكار الشديد عليهم.
ذلك رب العالمين: أي الله مالك العالمين وهم كل ما سواه عز وجل من سائر الخلائق.
وجعل فيها رواسي: أي جبالاً ثوابت.
وبارك فيها: أي في الأرض بكثرة المياه والزروع والضروع.
وقدر فيها أقواتها: أي أقوات الناس والبهائم.
في أربعة أيام: أي في تمام أربعة أيام وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء.
سواء للسائلين: أي في أربعة أيام هي سواء لمن يسأل فإنها لا زيادة فيها ولا نقصان.
ثم استوى إلى السماء: أي قصد بإرادته الربانية إلى السماء وهي دخان قبل أن تكون سماء.
فقضاهن سبع سماوات في يومين: أي الخميس والجمعة ولذا سميت الجمعة جمعة لاجتماع الخلق فيها.
وأوحى في كل سماء أمرها (1) : أي ما أراد أن يكون فيها من الخلق والأعمال.
وزينا السماء الدنيا بمصابيح: أي بنجوم.
وحفظاً: أي وحفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب الموجودة فيها.
ذلك تقدير العزيز العليم: أي خلق العزيز في ملكه العليم بخلقه.
معنى الآيات:
إنه بعد الإصرار على التكذيب والإنكار من المشركين أمر تعالى رسوله أن يقول لهم (2) {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إن كفرهم عجب منكم هل تعلمون بمن تكفرون إنكم لتكفرون بالذي خلق الأكوان كلها علويها وسفليها في ستة أيام، أين يذهب بعقولكم يا قوم أتستطيعون جحود الله تعالى وجحود آياته وهذه الأكوان كلها آيات شاهدات على وجوده وقدرته وعلمه حكمته وموجبة له الربوبية عليها والألوهية له فيها دون غيره من سائر خلقه وأعجب من ذلك أنكم تجعلون له أنداداً أي شركاء تسوونهم به وهم أصنام لا تسمع ولا تبصر فكيف تُسّوى بالذي خلق الأرض في يومين أي الأحد والاثنين، وهو رب العالمين أجمعين أي رب كل شيء ومليكه ومالكه.
وقوله تعالى في الآية الثانية (9) {وَجَعَلَ فِيهَا} أي في الأرض رواسي أي جبالاً ثوابت ترسو في الأرض حتى لا تميد بأهلها ولا تميل فيخرب كل شيء عليها، {وَبَارَكَ فِيهَا} بكثرة المياه والرزق والضروع والخيرات {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (3) تقديراً يعجز البيان عن وصفه، والقلم عن رقمه والآلات الحاسبة عن عدّه. وذلك كله من الخلق والتقدير {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً (4) } لمن يسأل عنها إنها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء أي مقدرة بأيامنا هذه التي تكونت نتيجة الشمس والقمر والليل والنهار فلا تزيد يوماً ولا تنقص آخر.
وقوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} في الآية الثالثة (10) يخبر تعالى أنه بعد خلق الأرض استوى إلى السماء أي قصد بإرادته التي تعلو فوق كل إرادة {إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} أي بخار وسديم ارتفع من الماء الذي كان عرشه تعالى عليه فقال لها كما قال {وَلِلْأَرْضِ (5) ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي طائعتين أو مكرهتين لا بد من مجيئكما حسب ما أردت وقصدت فأجابتا بما أخبر تعالى عنهما في قوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي لم يكن لنا أن نخالف أمر ربنا، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وهما الخميس والجمعة، {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي ما أراد أن يخلقه فيها ويعمرها به من المخلوقات والطاعات. وقوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وهي النجوم وحفظاً أي وجعلناها أي النجوم حفظاً من الشياطين أن تسترق السمع فإن الملائكة يرجمونهم بالشهب من النجوم فيحترقون أو يخبلون. وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ (6) الْعَلِيمِ} أي ذلك المذكور من الخلق والتقدير تقدير العزيز في ملكه أي الغالب على أمره العليم بتدبير ملكه وأعمال وأحوال خلقه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- الكفر بالله لا ذنب فوقه فما بعد الكفر ذنب، وهو عجيب وأعجب منه اتخاذ أصنام وأحجار وأوثاناً تعبد مع الله الحي القيوم مالك الملك ذي الجلال والإكرام.
2- بيان الأيام التي خلق الله فيها العوالم العلوية والسفلية وهي ستة أيام أي على قدر ستة أيام من أيام الدنيا هذه مبدوءة بالأحد منتهية بالجمعة، وقدرة الله صالحة لخلق السموات والأرض وبكل ما فيهما بكلمة التكوين "كن" ولكن لحكم عالية أرادها الله تعالى منها تعليم عباده الأناة والتدرج في إيجاد الأشياء شيئاً فشيئاً.
3- لا تعارض بين قوله تعالى في هذه الآية {ثم استوى إلى السماء} المشعر بأن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} من سورة النازعات المفهم أن دَحْوَ الأرض كان بعد خلق السماء، إذ فسر تعالى دحو الأرض بإخراج مائها ومرعاها وهو ما ترعاه الحيوانات التي سيخلقها عليها، ثم قوله {خلق الأرض في يومين} على صورة يعلمها هو ولا نعلمها نحن،وتقدير الأقوات في قوله {وقدر فيها أقواتها} لا يستلزم أن يكون فعلا أظهر ما قدره إلى حيز الوجود، وحينئذ لا تعارض بين ما يدل من الآيات على خلق الأرض أولا ثم خلق السموات وهو الذي صرحت به الأحاديث إذ خلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وبعد أن خلق السموات دحا الأرض فأخرج منها ما قدره فيها من أقوات وأرزاق الحيوانات حسب سنته في ذلك.
4- بيان فائدتين عظيمتين (7) للنجوم الأولى أنها زينة السماء بها تضاء وتشرق وتذهب الوحشة منها والثانية أن ترمى الشياطين بالشهب من النجوم ذات التأجج الناري.
__________

1- الوحي: الكلام الخفي، ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قول، ومنه فأوحى إليهم أي أومأ إليهم بما يدل على معنى سبحوا بكرة وعشياً قال الشاعر:
يرمون بالخطب الطوال وتارة
وحي الملاحظ خفية الرقباء
2- الاستفهام للتوبيخ والتعجب من حالهم أي لم تكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً؟ ومعنى الكفر به تعالى بانفراده بالألوهية. فلما أنكروا ألوهيته كان كإنكارهم صفات ذاته فصح أنهم كفروا به.
3- قال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يومي الثلاثاء والأربعاء.
4- أي تتمة أربعة أيام.
5- قال ابن عباس قال الله تعالى للسماء أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك وأجري سحابك ورياحك وقال للأرض شقي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين {قالتا أتينا طائعين} .
6- في الأحاديث الصحيحة أن الله خلق آدم يوم الجمعة وأنه آخر أيام الأسبوع وأنه خيرها وأفضلها وأن اليهود والنصارى قد اختلفوا فيه فهدى الله الذين آمنوا إليه.
7- والثالثة الاهتداء بها في معرفة البلاد والقبلة قال تعالى "والنجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر".

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:52 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
شرح الكلمات:
فإن أعرضوا: أي كفار قريش عن الإيمان والتوحيد بعد ذلك البيان المفصل.
فقل أنذرتكم صاعقة: أي خوفتكم صاعقة تنزل بكم فتهلككم إن أصررتم على هذا الكفر.
من بين أيديهم ومن خلفهم: أي أتتهم رسلهم تعرض عليهم دعوة الحق من أمامهم ومن ورائهم.
لو شاء ربنا لأنزل ملائكة: أي بدلاً عنكم أيها الرسل من البشر.
بغير الحق: أي بغير أن يأذن الله لهم بذلك العلو والاستكبار والتجبّر.
ريحاً صرصراً: أي ذات صوت يسمع له صرصرة مع البرودة الشديدة.
في أيام نحسات: أي مشئومات عليهم لم يفلحوا بعدها.
ولعذاب الآخرة أخزى: أي أشد خزيا من عذاب الدنيا.
فاستحبوا العمى على الهدى: أي استحبوا الكفر على الإيمان إذ الكفر ظلام والإيمان نور.
الذين آمنوا وكانوا يتقون: أي الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في طلب هداية قريش فقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا (1) } بعد ذلك البيان الذي تقدم لهم في الآيات السابقة المبين لقدرة الله وعمله وحكمته والموجب للإيمان بالله ولقائه وتوحيده فقل لهم أنذرتكم أي خوفتكم صاعقة (2) تنزل بكم إن أصررتم على إعراضكم مثل صاعقة عادٍ وثمود أي عذابا مهلكاً كالذي أهلك الله به عاداً وثمود.
وقوله: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ} وهم هود وصالح من بين أيديهم ومن خلفهم كناية أن الرسول بلغهم دعوة الله لهم إلى الإيمان والتوحيد بعناية فائقة فكان يأتيهم من أمامهم ومن خلفهم يدعوهم، قائلاً لهم: لا تعبدوا (3) إلا الله فإنه الإله الحق وما عداه فباطل فكان جوابهم لهم لا نؤمن لكم ولا نقبل منكم ولو شاء (4) الله ما تقولون لنا لأنزل به ملائكة يدعوننا إليه لا أن يرسل مثلكم من البشر وأخيرا قالوا لهم فإننا بما أرسلتم به كافرون فأيأسوا الرسل من إجابتهم. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (12) والثانية (13) وفي الآية الثالثة (14) بين تعالى حال القوم كلاً على حدة فقال فأما عاد أي قوم (5) هود فاستكبروا في الأرض بغير الحق فحملهم الكبر الناجم عن القوة
المادية على رفض دعوة هود عليه السلام وقالوا فيه وفي دعوته الكثير وقد مر في سورة هود ويأتي في سورة الأحقاف مفصلاً ما أجمل هنا، وقوله بغير الحق أي أن استكبارهم لا حق لهم فيه أولا لضعفهم أمام قوة الله عز وجل، وثانيا لم يأذن الله تعالى لهم بالاستكبار فهو بغير حق إذاً. وقوله: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ (6) ُ مِنَّا قُوَّةً} وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان، ولذا تحداهم الله تعالى بالقوة فقال عز وجل أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعموا ولم يروا أن الله الذي خلقهم قطعاً هو أشد منهم قوة. إذ كل قوة لهم مصدرها الله هو خالقهم وواهب القوة لهم، فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يُخلق أحدهم وهو لا يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه وقوله: {وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} هذا تسجيل عليهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات الله التي جاء بها رسول الله هود عليه السلام كما جحدت قريش آيات الله، وقوله تعالى فأرسلنا عليهم أي بمجرد أن تأكد كفرهم بجحودهم بآيات الله أرسل الله تعالى عليهم ريحاً صرصرا (7) أي باردة ذات صوت مزعج دامت سبع ليال وثمانية أيام فل تبق منهم أحداً وهي أيام نحسات (8) عليهم مشئومات قال تعالى لنذيقهم أي أرسلناها عليهم لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا. ولعذاب الآخرة أخزى أي أشد خزيا وإهانة لهم وذلة، وهم لا ينصرون أي لا ناصر لهم من الله عز وجل. هذا بيان حال عاد. وأما ثمود (9) فقد قال تعالى وأما ثمود قوم صالح فاستحبوا الضلال على الهدى والكفر على الإيمان وقتلوا الناقة وهمّوا بقتل صالح فأخذتهم صاعقة العذاب الهون وذلك صباح السبت فأخذتهم صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم، وذلك بما كانوا يكسبون من الشرك والظلم والكفر والعناد. ونجّى الله تعالى صالحاً ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والمعاصي وكانوا أربعة آلاف مؤمن ومؤمنة وهو معنى قوله تعالى في ختام الحديث: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التحذير من الإعراض عن إجابة دعوة الحق، والاستمرار في التمرد والعصيان.
2- تقرير التوحيد وهو أن لا إله إلا الله.
3- دعوة الرسل واحدة وهي الأمر بالكفر بالطاغوت، والإيمان بالله وعبادته وحده بما شرع للناس من عبادات.
4- التنديد بالاستكبار وأنه سبب الكفر والعصيان.
5- لا مصيبة إلا بذنب "بما كانوا يكسبون (10) " أي من الذنوب.
6- الإيمان والتقوى هما سبيل النجاة من العذاب في الدنيا والآخرة وهما ركنا ولاية الله تعالى لقوله ألا إن أولياء (11) الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون.
__________

1- أي استمروا على إعراضهم بعد دعوتك إياهم وإلحاحك فيها.
2- الصاعقة حقيقتها أنها نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيدة السريعة الإهلاك.
3- جملة ألا تعبدوا إلا الله تفسير لجملة وجاءتهم الرسل.
4- هذا قول عاد وثمود لرسوليهم هود وصالح فحكى بهذا اللفظ.
5- لما حكى الله تعالى قولتي عاد وثمود لرسوليهم وهو قولهم لو شاء الله لأنزل ملائكة فصّل في هذه الآيات حال كل من القبيلتين إتماماً للتذكير بحالهما والموعظة بالعذاب الذي أصابهما فقال فأما عاد.. الخ.
6- وهذا اغترار بقوة أجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب.
7- أصلها من صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل نحو كبكبوا أصلها كببوا وتجفجف الثوب أصلها تجفف والصرصر هي الشديدة البرودة قال الحطيئة:
المطعمون إذا هبت بصرصرة
الحاملون إذا استودوا على الناس
ومعنى استودوا إذا سئلوا الدية.
8- قرأ نافع بسكون الحاء ويجوز كسرها وبه قرأ حفص على أنه صفة مشبهة من نحس إذا أصابه النحس إصابة سوء أو ضر والنحسات بسكون الحاء جمع نحس.
9- شروع في تفصيل حال ثمود بعد عاد والهداية التي كانت لهم هداية إرشاد وتكليف بواسطة رسولهم صالح وما آتاهم الله من معجزة الناقة العظيمة.
10- أي لقوله تعالى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون أي بسبب كسبهم السيئات.
11- الآية من سورة يونس عليه السلام.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:53 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (3)
الحلقة (752)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 570الى صــــ 574)

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
شرح الكلمات:
فهم يوزعون: أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم ليساقوا إلى النار مجتمعين.
حتى إذا ما جاءوها: أي حتى إذا جاءوها أي النار.
بما كانوا يعملون: من الذنوب والمعاصي.
وهو خلقكم أول مرة: أي بدأ خلقكم في الدنيا فخلقكم ثم أماتكم ثم أحياكم.
وما كنتم تستترون: أي عند ارتكابكم الفواحش والذنوب أي تستخفون من أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم فتتركوا الفواحش والذنوب.
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم: أي ولكن عند ارتكابكم الفواحش ظننتم أن الله لا يعلم ذلك منكم.
أرداكم: أي أهلككم.
فإن يصبروا فالنار مثوى لهم: أي فإن صبروا على العذاب فالنار مثوى أي مأوى لهم.
وإن يستعتبوا: أي يطلبوا العتبى وهي الرضا فلا يعتبون أي لا يرضى عنهم هذه حالهم أبدا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة قريش إلى أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وفي هذا السياق عرض لمشهد من مشاهد القيامة وهو مشهد حيٌّ رائع يعرض أمامهم.
إذ يقول تعالى: {وَيَوْمَ (1) يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ} أي اذكر لهم يوم يحشر أعداء الله أي الذين كفروا به فلم يؤمنوا ولم يتقوا؛ إلى النار فهم يوزعون يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيساقون مع بعضهم بعضاً. حتى (2) إذا ما جاءوها أي انتهوا إليها، وادعوا أنهم مظلومون وأخذوا يتنصّلون من ذنوبهم، وقالوا إنه لا يقبلون شاهداً من غير أنفسهم فيأمر الله تعالى أسماعهم وأبصارهم وجلودهم فتشهد عليهم بما كانوا يعملون، وهو قوله تعالى: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهنا رجعوا إلى جلودهم يلومون عليهم ويعتبون وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ (3) عَلَيْنَا} فأجابتهم جلودهم بما أخبر تعالى عنهم في هذا السياق {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي النشأة الأولى في الدنيا ثم أماتكم ثم أحياكم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وها أنتم قد رجعتم فالقادر على هذا كله قادر على أن ينطقنا وعلى كل شيء أراد إنطاقه، وقوله {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (4) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أي وما كنتم تستخفون فتتركوا محارم الله بل كنتم تجاهرون بذلك لعدم إيمانكم بالبعث والجزاء {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} وهو ظن سيء {أَرْدَاكُمْ} أي أهلككم {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وهذا هو الخسران المبين وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق (23) فإن يصبروا أي أعداء الله الذين شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم فالنار مثوى أي مأوى لهم لا يخرجون منها أبداً. وإن يستعتبوا أي يطلبوا العتبى أي الرضا فيرضى عنهم فيدخلوا الجنة {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أي فما هو بحاصل لهم أبداً فهم إذاً بشرِّ التقديرين والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض مفصل بحال أهل النار فيها.
2- التحذير من فعل الفواحش وكبائر الذنوب فإن جوارح المرء تشهد عليه.
3- التحذير من سوء الظن بالله تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن الله لا يطلع عليه. أو لا يعلم ما يرتكبه، أو أنه لا يحاسبه أو لا يجزيه.
4- وجوب حسن الظن بالله تعالى وهو أن يرجو أن يغفر الله له إذا تاب من زلة زلها، وأن يرجو رحمته وعفوه إذا كان في حال العجز عن الطاعات ولا سيما عند العجز عن العمل للمرض والضعف كالكبر ونحوه فيغلب جانب الرجاء على جانب الخوف.
__________

1- يحشرون إلى النار أي يجمعون ويساقون إليها.
2- حرف ابتداء في اللفظ أي أن ما بعدها جملة مستأنفة إلا أنها تفيد معنى الغاية "وما" في ما جاءوها مزيدة للتوكيد.
3- شهادة جلودهم وجوارحهم عليهم هي شهادة تكذيب وافتضاح وإلا إدانتهم متحققة بصحائف أعمالهم وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغة جمع العقلاء لأن التحاور معهم أنزلهم منزلة العقلاء.
4- في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الآية وهي أن عبد الله بن مسعود قال كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. قال عبد الله فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى {وما كنتم تستترون} الخ..

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:53 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
شرح الكلمات:
وقيضنا لهم قرناء: أي وبعثنا لكفار مكة المعرضين قرناء من الشياطين.
فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم: أي حسنوا لهم الكفر والشرك، وإنكار البعث والجزاء.
وحق عليهم القول في أمم قد خلت: أي وجب لهم العذاب في أمم مضت قبلهم من الجن والإنس.
والغوا فيه لعلكم تغلبون: أي الغطوا فيه بالباطل إذا سمعتم من يقرأه.
ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون: أي بأقبح جزاء أعمالهم التي كانوا يعملون.
أعداء الله: أي من كفروا به ولم يتقوه.
أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس: أي إبليس من الجن، وقابيل بن آدم.
نجعلهما تحت أقدامنا: أي في أسفل النار ليكونا من الأسفلين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المعرضين من كفار قريش، فقال تعالى: {وَقَيَّضْنَا (1) لَهُمْ} أي بعثنا لهم قرناء من الشياطين، وذلك بعد أن أصروا على الباطل والشر فخبثوا خبثاً سهّل لأخباث الجن الاقتران بهم فزينوا لهم الكفر والمعاصي القبيحة في الدنيا فها هم منغمسون فيها، كما زينوا لهم الكفر بالبعث والجزاء وإنكار الجنة والنار حتى لا يقصروا في الشر ولا يفعلوا الخير أبدا، وهو معنى قوله تعالى: {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} .
قوله تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي بالعذاب {فِي أُمَمٍ (2) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} في حكم الله وقضائه بمقتضى سنة الله في الخسران. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (25) وهي قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}
وقوله تعالى في الآية الثانية (26) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا (3) لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} يخبر تعالى عن أولئك المعرضين عن كفار قريش وأنهم قالوا لبعضهم بعضاً لا تسمعوا لهذا القرآن الذي يقرأه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا تتأثروا به، والغوا فيه أي الغطوا وصيحوا بكلام لهو وصفقوا وصفروا حتى لا يتأثر به من يسمعه من الناس لعلكم تغلبون رجاء أن تغلبوا محمداً على دينه فتبطلوه ويبقى دينكم. وهذا منتهى الكيد والمكر من أولئك المعرضين عن دعوة الإسلام.
وكان رد الله تعالى على هذا المكر في الآية التالية (27) {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً} يخبر تعالى مؤكدا الخبر بأنه سيذيق الذين كفروا عذاباً شديداً وذلك يوم القيامة وليجزينهم أسوأ أي أقبح الذي كانوا يعملون أي يجزيهم بحسب أقبح سيئاتهم التي كانوا يعملون. ثم قال تعالى: ذلك الجزاء المتوعد به الذين كفروا هو جزاء أعداء الله الذين حاربوا رسوله ودعوته وحتى كتابه أيضاً. وذلك الجزاء هو النار لهم (4) فيها دار الخلد أي الإقامة الدائمة فيها جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون فلم يؤمنوا بها ولم يعملوا بما فيها وقوله تعالى في الآية (29) {وقال الذين كفروا} الآية
يخبر تعالى عن الكافرين وهم في النار إذ يقولون ربنا أي يا ربنا أرنا اللذين (5) أضلانا من الجن والإنس أي اللذين كانا سببا في إضلالنا بتزيينهم لنا الباطل وتقبيحهم لنا الحق أرناهم نجعلهما تحت أقدامنا في النار ليكونا من الأسفلين (6) أي في الدرك الأسفل من النار إذ النار دركات واحدة تحت الأخرى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في العبد إذا أعرض عن الحق الذي هو الإسلام فخبث من جراء كسبه الشر والباطل وتوغله في الظلم والفساد يبعث الله تعالى عليه شيطاناً يكون قرينا له فيزين له كل قبيح، ويقبح له كل حسن.
2- بيان ما كان المشركون يكيدون به الإسلام ويحاربونه به حتى باللغو عند قراءة القرآن حتى لا يسمع ولا يهتدى به.
3- تقرير البعث والجزاء.
4- بيان نقمة أهل النار على من كان سبباً في إضلالهم وإغوائهم، ومن سن لهم سنة شر يعملون بها كإبليس، وقابيل بن آدم عليه السلام إذ الأول سن كل شر والثاني سن سنة القتل ظلماً وعدواناً.
__________

1- قيضنا: أتحنا وهيّنا لهم قرناء أي شياطين يلازمونهم قد يكونون من الجن ومن الإنس إذ الشياطين من الجنسين.
2- في أمم حال من الضمير في عليهم أي حق عليهم حالة كونهم في أمم أمثالهم قد سبقوهم والظرفية هنا مجازية بمعنى التبعيض أي هم من جملة أمم قد خلت من قبلهم قال الشاعر:
إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو
كا ففي آخرين قد أفكوا
3- قال ابن عباس كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان أبو جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون لا تسمعوا له والغوا فيه فكانوا يأتون بالمكاء والصفير والصياح وفي الصحيح أنهم أخرجوا أبا بكر من مكة خوفاً أن يفتن أبناءهم ونساءهم بقراءته القرآن لرقة صوته وبكائه.
4- دار الخلد هي النار نزلت النار منزل الظرف فكانت بذلك دار الخلد والخلد البقاء المؤبد في عالم الشقاء.
5- أرنا أي عين لنا الذين أضلانا من الجن والإنس كناية عن إرادة الانتقام منهم بأن يطؤهم بأقدامهم انتقاماً منهم وتعذيباً لهم لأنهم كانوا السبب في شقوتهم قرأ الجمهور أرنا بكسر الراء وقرأ غيرهم بسكون الراء أرنا كما خففوا فخذ إلى فخذ بسكون الخاء.
6- هذا التعليل أرادوا به التوطئة لاستجابة الله تعالى لما علموا من غضب الله تعالى فأرادوا أن يتوسلوا إليه تعالى بذلك.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (4)
الحلقة (753)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 575الى صــــ 579)

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)

شرح الكلمات:
قالوا ربنا الله: قالوا ذلك معلنين عن إيمانهم بأن الله هو ربهم الذي لا رب لهم غيره وألههم الذي لا إله لهم سواه.
ثم استقاموا: أي ثبتوا على ذلك فلم يبدلوا ولم يغيروا ولم يتركوا عبادة الله بفعل الأوامر وترك النواهي.
تتنزل عليهم الملائكة: أي عند الموت وعند الخروج من القبر بحيث تتلقاهم هناك.
أن لا تخافوا ولا تحزنوا: أي بأن لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه فإنه رضوان الله وحمته ولا تحزنوا عما خلفتم رواءكم.
نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة: أي فبحكم ولايتنا لكم في الدنيا والآخرة فلا تخافوا ولا تحزنوا.
ولكم فيها ما تدعون: أي ولكم فيها ما تطلبون من سائر المشتهيات لكم.
نزلا من غفور رحيم: أي رزقاً مهيأً لكم من فضل رب غفور رحيم.
معنى الآيات:
لما بين تعالى حال الكافرين في الدار الآخرة وهي أسوأ حال بين حال المؤمنين في الآخرة وهي أحسن حال وأطيب مآل فقال {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا (1) اللهُ} أي لا ربّ لنا غيره ولا إله لنا سواه، ثم استقاموا (2) فلم يشركوا به في عبادته أحداً فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي وماتوا على ذلك هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة أي تهبط عليهم وذلك عند الموت بأن تقول لهم لا تخافوا على ما أنتم مقدمون عليه من البرزخ والدار الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم وأبشروا (3) بالجنة دار السلام التي كنتم توعدونها في الكتاب وعلى لسان الرسول. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا إذ
كنا نسددكم ونحفظكم من الوقوع في المعاصي، وفي الآخرة نستقبلكم عند الخروج من قبوركم حتى تدخلوا جنة ربكم. ولكم فيها أي في الجنة ما تشتهي أنفسكم من الملاذ ولكم فيها ما تدعون أي تطلبون مما ترغبون فيه وتشتهون. نزلا أي قرىً وضيافة من لدن ربّ غفور لكم رحيم بكم لا إله إلا هو ولا رب سواه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- فضل الإيمان والاستقامة عليه بأداء الفرائض واجتناب النواهي.
2- بشرى أهل الإيمان والاستقامة عند الموت بالجنة وهؤلاء هم أولياء الله المؤمنون المتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وهي هذه وفي الآخرة عند خروجهم من قبورهم.
3- في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولأحدهم كل ما يطلبه ويدعيه وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم وتلقي التحية منه والتسليم.
__________

1- في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك وفي رواية غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم وزاد الترمذي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال فأخذ بلسان نفسه وقال هذا.
2- ذكر القرطبي في تفسير الاستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف، ثم قال وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها "اعتدلوا على طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً وداوموا على ذلك".
3- قال وكيع وابن أبي زيد البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وشاهد هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس ذلك كراهة الموت ولكن المؤمن إذا حُضِر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون لقي الله تعالى فأحب الله لقاءه قال وإن الفاجر والكافر إذا حُضِر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه قال ابن كثير وهذا حديث صحيح وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
شرح الكلمات:
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله: أي لا أحد أحسن قولا منه أي ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته.
وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين: وعمل صالحاً وهي شرط أيضاً وقال إنني من المسلمين شرط ثالث.
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة: أي لا تكون الحسنة كالسيئة ولا السيئة كالحسنة.
ادفع بالتي هي أحسن: أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي هي أحسن كالغضب بالرضى، والقطيعة بالصلة.
كأنه ولي حميم: أي كأنه صديق قريب في محبته لك إذا فعلت ذلك.
وما يلقاها إلا الذين صبروا: أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي أحسن.
إلا ذو حظ عظيم: أي ثواب عظيم وأجر جزيل هذا في الآخرة وأما في الدنيا فالخلق الحسن والكمال.
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ: أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك خير أو فعل شر.
فاستعذ بالله: أي فاستجر بالله قائلاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إنه هو السميع العليم: أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بما يصيبهم وينزل بهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى بشرى أهل الإيمان وصالح الأعمال ذكر هنا بشرى ثانية لهم أيضاً فقال: {وَمَنْ (1) أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هذه ثلاثة شروط الأول دعوته إلى الله تعالى بأن يعبد فيطاع ولا يعص ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر والثاني وعمل صالحاً فأدى الفرائض واجتنب المحارم، والثالث وفاخر بالإسلام معتزا به وقال إنني من المسلمين، فلا أحد أحسن قولاً من هذا الذي ذكرت شروط كماله، ويدخل في هذا أولا الرسل، وثانياً العلماء، وثالثاً المجاهدون ورابعاً المؤذنون وخامساً الدعاة الهداة المهديون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (23) . وقوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} هذا تقرير إلهي يجب أن يعلم وهو أن الحسنة لا تستوي (2) مع السيئة وأن السيئة لا تستوي مع الحسنة فالإيمان لا يساوى بالكفر، والتقوى لا يساوى بالفجور، والعدل لا يساوى بالظلم.
كما أن جنس الحسنات لا يتساوى، وجنس السيئات لا يتساوى بل يتفاضل فصيام رمضان لا يساوى بصيام رجب أو محرم تطوعاً، وسيئة قتل المؤمن لا تستوي مع شتمه أو ضربه وقوله
تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) } أي بعد أن عرفت يا رسولنا عدم تساوي الحسنة مع السيئة إذاً فادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن من غيرها فإذا الذي (4) بينك وبينه عداوة قد انقلب في بره بك واحترامه لك واحتفائه بك كأنه ابن عم لك يحبك ويحترمك ولما كانت هذه الخصلة وهي الدفع بالتي هي أحسن لا تتأتى إلا لذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي وما يعطى هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فكان الصبر خلقاً من أخلاقهم {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الأخلاق والكمال النفسي، في الدنيا، والآخرة والأجر العظيم وهو الجنة في الآخرة.
وقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ (5) بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يرشد الرب تعالى عبده ورسوله وكل فرد من أفراد أمته إن نزغه من الشيطان نزغ بأن وسوس له بفعل شر أو ترك خير، أو خطر له خاطر سوء أن يفزع إلى الله تعالى يستجير به فإن الله تعالى هو السميع العليم فالاستجارة به من الشيطان تحمي العبد وتقيه من وسواس الشيطان وما يلقيه في النفس من خواطر سيئة، ولله الحمد والمنة على هذا الإرشاد الرباني الذي لا يستغني عنه أحد من عباده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف الدعاة العاملين.
2- فضل الإسلام والاعتزاز به والتفاخر الصادق به.
3- تقرير أن الحسنة لا تتساوى مع السيئة. كما أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت.
4- وجوب دفع السيئة من الأخ المسلم بالحسنة من القول والفعل.
5- فضل العبد الذي يكمل في نفسه وخلقه فيصبح يدفع السيئة بالحسنة.
6- وجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إذا وسوس أو ألقى بخاطر سوء إذ لا يقي منه ولا يحفظ إلا الله السميع العليم.
__________

1- يدخل في هذه الآية دخولاً أولياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هو أحق وأجدر وهي نازلة فيه رداً على الذين يلغون في القرآن عند سماعه وهي تتناول كل مؤمن متصف بهذه الصفات المعبر عنها في التفسير بالشروط.
2- لا في قوله ولا السيئة صلة زيدت للتأكيد إذ الأصل ولا تستوي الحسنة والسيئة وشاهدها قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم
والطيبان أبو بكر ولا عمر
3- قال ابن عباس ادفع بحملك جهل من يجعل عليك. وقيل أيضا هو الرجل يسب الرجل فيقول المسبوب إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر لك وقال مجاهد أن يسلم المرء على من يعاديه إذا لقيه فهو معنى (بالتي هي أحسن) .
4- قال ابن عباس في هذه الآية ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله ولي حميم أمره الله تعالى بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وهو كما قال رضي الله عنه.
5- فائدة الاستعاذة بالنسبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تجديد داعيه العصمة المركوزة في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للنعمة وصقل النفس مما يغان على القلب كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة".

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (5)
الحلقة (754)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 579الى صــــ 583)

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
شرح الكلمات:
ومن آياته: أي من جملة آياته الدالة على ألوهية الرب تعالى وحده.
الليل والنهار: أي وجود الليل والنهار والشمس والقمر.
لا تسجدوا للشمس ولا للقمر: أي لا تعبدوا الشمس ولا القمر فإنهما من جملة مخلوقاته الدالة عليه.
إن كنتم إياه تعبدون: أي إن كنتم حقاً تريدون عبادته فاعبدوه وحده فإن العبادة لا تصلح لغيره.
فالذين عند ربك: أي الملائكة.
وهم لا يسأمون: أي لا يملون من عبادته ولا يكلون.
ترى الأرض خاشعة: يابسة جامدة لا نبات فيها ولا حياة.
اهتزت وربت: أي تحركت، وانتفخت وظهر النبات فيها.
إن الذي أحياها لمحيي الموتى: أي إن الذي أحيا الأرض قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي ومن جملة آياته العديدة الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته والموجبة للإيمان به وعبادته وتوحيده، الليل والنهار وتعاقبهما وانتظام ذلك بينهما فليس الليل سابق النهار، وكذا الشمس والقمر خلقهما وسيرهما في فلكيهما بانتظام ودقة فائقة وحساب دقيق وعليه فلا تسجدوا (1) للشمس ولا القمر أيها الناس فإنهما مخلوقان من جملة المخلوقات، ولكن اسجدوا لخالقهما إن كنتم إياه تعبدون (2) كما تزعمون. ثم قال تعالى لرسوله: فإن أبوا أن يستجيبوا لك ويسمعوا منك ما قلت لهم مستكبرين فاعلم أن الذين عند ربك وهم الملائكة يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون من ذلك ولا يملون.
وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي علامات قدرته على إحياء الموتى (3) للبعث والجزاء إنك أيها الإنسان ترى الأرض أيام المحل والجدب هامدة جامدة لا حركة لها فإذا أنزل الله تعالى عليها ماء المطر اهتزت وربت أي تحركت تربتها وانتفخت وعلاها النبات وظهرت فيها الحياة كذلك إذا أراد الله إحياء الموتى أنزل عليهم ماء من السماء وذلك بين النفختين نفخة الفناء ونفخة البعث فينبتون كما ينبت البقل وقوله: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ} تعالى على فعل كل شيء وأراده قدير لا يمتنع عنه ولا يعجزه، وكيف لا، وهو إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بالأدلة القطعية الموجبة لله العبادة دون غيره من خلقه.
2- بيان أن هناك من الناس من يعبدون الشمس ويسجدون لها من العرب والعجم وأن ذلك شرك باطل فالعبادة لا تكون للمخلوقات الخاضعة في حياتها للخالق وإنما تكون لخالقهما ومسخرها لمنافع خلقه.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر دليل من أظهر الأدلة وهو موت الأرض بالجدب ثم حياتهابالغيث، إذ لا فرق بين حياة النبات والأشجار في الأرض بالماء وبين حياة الإنسان بالماء كذلك في الأرض بعد تهيئة الفرصة لذلك بعد نفخة الفناء ومضي أربعين عاماً عليها ينزل من السماء ماء فيحيا الناس وينبتون من عجب الذنب كما ينبت النبات، بالبذرة الكامنة في التربة.
1- تقرير قدرة الله على كل شيء أراده، وهذه الصفة خاصة به تعالى موجبة لعبادته وطاعته. بعد الإيمان به وتأليهه.
__________

1- لا شك أن هناك من كان يسجد للشمس في بلاد العرب ففي اليمن كانوا يعبدون الشمس على عهد ملكة سبأ لقوله تعالى على لسان الهدهد {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله} ووجد في أصنام قريش صنم يقال له شمس ولذا سموا عبد شمس.
2- لا شك أن هنا سجدة من عزائم السجدات إلا أنهم اختلفوا في موضع السجود فمالك يرى أنه يسجد عند قوله {إن كنتم إياه تعبدون} والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم يرى السجود عند {وهم لا يسأمون} والأمر واسع ففي أي الموضعين سجد أجزأ والحمد لله.
3- في الآية تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير عقيدة الألوهية وسيأتي في الآيات بعد تقرير النبوة المحمدية وهذه أعظم أركان العقيدة الإسلامية. التوحيد البعث والجزاء والنبوة وباقي أركان العقيدة تابعة لهذه الأركان العظيمة.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
شرح الكلمات:
يلحدون في آيات الله: أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤولونها على غير تأويلها لإبطال حق أو إحقاق باطل.
لا يخفون علينا: أي إنهم مكشوفون أمامنا وسوف نبطش بهم جزاء إلحادهم.
أم من يأتي آمنا يوم القيامة: أي نعم الذي يأتي آمنا يوم القيامة خير ممن يلقى في النار.
اعملوا ما شئتم: هذا تهديد لهم على إلحادهم وليس إذناً لهم في العمل كما شاءوا.
إن الذين كفروا بالذكر: أي جحدوا بالقرآن أو ألحدوا فيه فكفروا بذلك.
وإنه لكتاب عزيز: أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع لا يقدَر على الزيادة فيه ولا النقص منه.
لا يأتيه الباطل من بين يديه: أي لا يقدر شيطان من الجن والإنس أن يزيد فيه شيئاً وهذا معنى من بين يديه.
ولا من خلفه: أي ولا يقدر شيطان من الجن والإنس أن ينقص منه شيئا
وهذا معنى من خلفه، كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه، ولا بعده كتاب ينسخه، فهو كله حق وصدق ليس فيه ما لا يطابق الواقع.
معنى الآيات:
يتوعد الجبار عز وجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم لا يخفون عليه، وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم.
وقوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إذا كان لا يوجد عاقل يقول الذي يلقى النار خير ممن يأتي آمناً يوم القيامة فالإلقاء في النار سببه الكفر والإلحاد والباطل فليترك هذه من أراد النجاة من النار، والأمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه الإيمان والتوحيد فليؤمن ويوحد الله تعالى في عبادته ولا يلحد في آياته من أراد الأمن يوم القيامة بعلمه أنه خير من الإلقاء في النار. هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم.
وقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ (1) إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ (2) بَصِيرٌ} هذا الكلام يقال للمستهزئين بالأحكام الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذناً وإباحةً لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل والشرك والشر، ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير.
ومثله قوله {إِنَّ الَّذِينَ (3) كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} أي القرآن، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (4) أي منيع بعيد المنال لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير.
ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا كذا ...
وقوله {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي القرآن المنيع كماله وشرفه ومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلائه ونعمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- حرمة الإلحاد في آيات الله بالميل بها عن القصد والخروج بها إلى الباطل.
2- التهديد الشديد لكل من يحرف آيات الله أو يؤولها على غير مراد الله منها.
3- تقرير مناعة القرآن وحفظ الله تعالى له، وأنه لا يدخله النقص (4) ولا الزيادة إلى أن يرفعه الله إليه إذ منه بدأ وإليه يعود.
__________

1- الأمر هنا ليس للإباحة وإنما هو للتهديد كما في التفسير.
2- قوله {إنه بما تعملون بصير} الجملة تعليلية متضمنة الوعيد والتهديد فهي مؤكدة لما تضمنه قوله تعالى {اعملوا ما شئتم} من التهديد.
3- الخبر مقدر تقديره: هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير الخبر حسن.
4- تضمنت الآية ست صفات للقرآن العظيم هي كالتالي: أنه ذكرٌ يذكر الناس بما يغفلون عنه. أنه ذكرٌ للعرب أي شرف لهم كقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} أنه كتاب عزيز والعزيز النفيس والمنيع أيضا إذ عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله أنه لا يتطرق إليه الباطل ولايخالطه بحال أنه مشتمل على الحكمة وهو حكيم وذو حكمة وحاكم أيضا وأنه تنزيل من حميد والحميد المحمود حمداً كثيرا.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:11 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (6)
الحلقة (755)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 584الى صــــ 588)

مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
شرح الكلمات:
ما يقال لك: أي من التكذيب أيها الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إلا ما قد قيل للرسل من قبلك: أي من التكذيب لهم والكذب عليهم.
إن ربك لذو مغفرة: أي ذو مغفرة واسعة تشمل كل تائب إليه صادق في توبته.
وذو عقاب أليم: أي معاقبة شديدة ذات ألم موجع للمصرين على الكفر والباطل.
ولو جعلناه قرآنا أعجمياً: أي القرآن كما اقترحوا إذ قالوا: هلا أنزل القرآن بلغة العجم.
لقالوا: لولا فصلت آياته: أي بينت حتى نفهمها.
أأعجمي وعربي: أي أقرآن أعجمي والمنزل عليه وهو النبي عربي يستنكرون ذلك تعنتاً منهم وعناداً ومجاحدة.
هدى وشفاء: أي هدى من الضلالة، وشفاء من داء الجهل وما يسببه من أمراض.
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر: أي ثقل فهم لا يسمعونه وهو عليهم عمى فلا يفهمونه.
أولئك ينادون من مكان بعيد: والمنادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى له.
ولقد آتينا موسى الكتاب: أي التوراة.
فاختلف فيه: أي بالتصديق والتكذيب في العمل ببعض ما فيه وترك البعض الآخر كما هي الحال في القرآن الكريم.
ولولا كلمة سبقت من ربك: أي ولولا الوعد بجمع الناس ليوم القيامة وحسابهم ومجازاتهم هناك.
لقضي بينهم: أي لحكم بين المختلفين اليوم وأكرم الصادقون وأهين الكاذبون.
وما ربك بظلام للعبيد: أي وليس ربك يا رسولنا بذي ظلم للعبيد.
معنى الآيات:
بعد توالي الآيات الهادية من الضلالة الموجبة للإيمان كفار قريش لا يزيدهم ذلك إلا عناداً وإصراراً على تكذيب الرسول والكفر به وبما جاء به من عند ربه، ولما كان الرسول بشراً يحتاج إلى عون حتى يصبر أنزل تعالى هذه الآيات في تسليته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الثبات والصبر فقال
تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ} (1) يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك. وقوله تعالى: إن ربك لذو مغفرة أي لمن تاب فلذا لا يتعجل بإهلاك المكذبين رجاء أن يتوبوا ويؤمنوا ويوحدوا، وذو عقاب أليم أي موجع شديد لمن مات على كفره.
وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً} أي كما اقترح بعض المشركين، لقالوا: {لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هلاّ بينت آياته لنا حتى نفهمها، ثم قالوا: {أَأَعْجَمِيٌّ (2) وَعَرَبِيٌّ} أي أقرآن أعجمي (3) ونبي عربي مستنكرين ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الإصرار على عدم الإيمان بالقرآن الكريم والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم.
ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم قل هو أي القرآن الكريم هدى وشفاء (4) هدى يهتدى به إلى سبيل السعادة الكمال والنجاح، وشفاء من أمراض الشك والشرك والنفاق والعجب والرياء والحسد والكبر، والذين لا يؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً هو أي القرآن في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك ينادون من مكان بعيد ولذا فهم لا يسمعون ولا يفهمون.
هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم المصدق ومنهم المكذب، ومنهم العامل بما فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه الذي أغواه وقوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ (5) مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فيما اختلفوا فيه لحكم لأهل الصدق بالنجاة وأهل الكذب بالهلاك والخسران وقوله: إنهم لفي شك منه أي من القرآن مريب أي موقع في الريبة وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحاً في حياته بعد الإيمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون سواه، ومن أساء أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام فعلى نفسه عائد سوءه الذي عمله ولا يعود على غيره، وأخرى في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد (6) أي ليس هو تعالى بذي ظلم لعباده. فقوله تعالى من عمل صالحاً فلنفسه عائد ذلك ومن أساء فعليها أي عائد الإساءة إن فيه لتسلية لكل من أراد أن يتسلى ويصبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول أي حمله على الصبر والسلوان ليواصل دعوته إلى نهايتها.
2- بيان مدى ما كان عليه المشركون من التكذيب للرسول والمعاندة والمجاحدة.
3- القرآن دواء وشفاء لأهل الإيمان، وأهل الكفر فهم على العكس من أهل الإيمان.
4- بيان سنة الله في الأمم السابقة في اختلافها على أنبيائها وما جاءتها به من الهدى والنور.
5- قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ} أجري مجرى المثل عند العالمين.
6- نفي الظلم عن الله مطلقاً (7) .
__________

1- الجملة مستأنفة استئنافا بيانياً فهي جواب لسؤال يثيره قوله تعالى {إن الذي يلحدون في آياتنا} الخ.
2- في الآية إشارة واضحة إلى عموم رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- معنى قرآناً كتاباً مقروءاً إذ ورد في الحديث الصحيح تسمية الزبور قرآناً بمعنى يقرأ ويكتب إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن داود يسر له القرآن فكان يقرأ القرآن كله "الزبور" في حين يسرج له فرسه".
4- حقيقة الشفاء زوال المرض وهو هنا مستعار للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء.
5- فيه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تكذيب المشركين وكفرهم بالقرآن بأنه ليس بأوحد في ذلك فقد أوتي الكتاب فاختلف فيه بالتصديق والتكذيب والعمل والترك
6- المراد بنفي الظلم من الله للعبيد أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم، لأنه تعالى لما وضع الشرائع وأرسل الرسل صار وذلك قانوناً فمن تعداه مهملا له معرضا عنه فقد استوجب العذاب وتعذيبه عدل وليس بظلم.
7- فقد روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. وأيضا فالله هو الملك وهل ما يفعله الملك العليم الرحيم العادل في ملكه وعبيده يقال له ظلم؟ والجواب لا.

*************************

يتبع


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:11 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء الخامس والعشرون
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
إليه يرد علم الساعة (1) : أي إلى الله يرد علم الساعة أي متى تقوم إذ لا يعلمها إلا هو.
شرح الكلمات
وما تخرج من ثمرات من أكمامها: أي من أوعيتها واحد الأكمام كِمّ وكم الثوب مخرج اليد.
وما تحمل من أنثى: أي من أي جنس كان إنساناً أو حيواناً.
ولا تضع إلا بعلمه: أي ولا تضع حملهما إلا ملابسا بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
قالوا آذناك: أي أعلمناك الآن.
ما منا من شهيد: أي ليس منا من يشهد بأن لك شريكاً أبداً.
وظنوا ما لهم من محيص: أي أيقنوا أنه مالهم من مهرب من العذاب.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن علم الغيب انحصر فيه فليس لأحد من خلقه علم الغيب وخاصة علم الساعة أي علم قيامها متى تقوم؟ كما أخبر عن واسع علمه وأنه محيط بكل الكائنات فما تخرج من ثمرة من كمها (2) وعائها وتظهر منه إلا يعلمها على كثرة الثمار والأشجار ذات الأكمام، وما تحمل (3) من أنثى بجنين ولا تضعه يوم ولادته أو إسقاطه إلا يعلمه أي يتم ذلك بحسب علمه تعالى وإذنه، وهذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية فلا إله غيره ولا رب سواه، ومع هذا فالجاهلون يتخذون له شركاء أنداداً من أحجار وأوثان يعبدونها معه ظلماً وسفها. {وَيَوْمَ (4) يُنَادِيهِمْ} وذلك يوم القيامة {أَيْنَ شُرَكَائِي} ؟ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، فيتبرءون منهم ويقولون: آذناك
أعلمناك الآن أنه ما منا من شهيد يشهد بأن لك شريكاً إنه لا شريك لك وضل عنهم أي غاب عنهم ما كانوا يدعون من قبل في الدنيا، وظنوا أيقنوا ما لهم من محيص أي مهرب من عذاب الله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- استئثار الله تعالى بعلم الغيب وخاصة علم متى تقوم الساعة.
2- إحاطة علم الله تعالى بكل شيء فما تخرج من ثمرة من أوعيتها ولا تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلم الله تعالى وإذنه.
3- براءة المشركين يوم القيامة من شركهم، وغياب شركائهم عنهم.
__________

1- روي أن المشركين قالوا يا محمد إن كنت نبياً فاخبرنا متى قيام الساعة فنزلت {إليه يرد علم الساعة} والرد الإرجاع.
2- الأكمام جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم والكمة بضم الكاف والتأنيث مثله وهو الجف وكفرى الطلع يقال له كفه.
3- فهذه ثلاثة أمور وجب رد علمها إلى الله تعالى الأول علم ما تخرجه أكمام النخل من الثمر بقدره وجودته وثباته وسقوطه والثاني حمل الأنثى من الناس والحيوان والتي تلقح والتي لا تلقح، والثالث وقت وضع الأجنة فهذه وجب رد علمها إلى الله تعالى إذ لا يعلمها إلا هو كسائر الغيوب.
4- ويوم يناديهم: متعلق بمحذوف تقديره اذكر يوم يناديهم، لما سألوا عن الساعة أعلمهم أن أمر علم وقتها مرده إلى الله وحده فناسب ذكر بعض أحداثها فذكر لهم ذلك.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:12 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (7)
الحلقة (756)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 589الى صــــ 592)

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)

شرح الكلمات:
لا يسأم الإنسان من دعاء الخير: أي لا يمل ولا يكل من سؤال طلب المال والصحة والعافية.
وإن مسه الشر فيئوس قنوط: أي المرض والفقر وغيرهما فيؤوس من رحمة الله قنوط ظاهر عليه اليأس.
من بعد ضراء مسته: أي من بعد شدة أصابته وبلاء نزل به.
ليقولن هذا لي: أي استحققته بعملي ومما لي من مكانة.
وما أظن الساعة قائمة: أي ينكر البعث ويقول: ما أظن الساعة قائمة.
إن لي عنده للحسنى: أي وعلى فرض صحة ما قالت الرسل من البعث إن لي عند الله الجنة.
أعرض ونأى بجانبه: أي أعرض عن الشكر ونأى بجانبه متبختراً مختالاً في مشيته.
فذو دعاء عريض: أي فهو ذو دعاء لربه طويل عريض يا رباه يا رباه.
معنى الآيات:
يخبر تعالى عن الإنسان (1) الكافر الذي لم تزك نفسه ولم تطهر روحه بالإيمان وصالح الأعمال إنه لا يسأم ولا يمل من دعاء الخير (2) أي المال والولد والصحة والعافية فلا يشبع من ذلك بحال. ولئن مسه الشر من ضر وفقر ونحوهما فهو يئوس (3) قنوط يؤوس من الفرج وتبدل الحال من عسر إلى يسر قنوط ظاهر عليه آثار اليأس في منطقه وفي حاله كله هذا ما تضمنته الآية الأولى (49) {لا يَسْأَمُ (4) الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} وأما الآية (50) فإن الله تعالى يخبر أيضا عن الإنسان الكافر إذا أذاقه الله رحمة منه من مال وصحة واجتماع شمل مثلا، وذلك من بعد ضراء مسته من مرض وفقر ونحوهما ليقولن لجهله وسفهه: هذا لي أي استحققته بمالي من جهد ومكانة وعلم وإذا ذكر بالساعة من أجل أن يرفق أو يتصدق يقول ما أظن الساعة قائمة كما تقولون وإن قامت على فرض صحة قولكم إن لي عنده أي عند الله للحسنى أي للحالة الحسنى من غنى وغيره (5) وجنة إن كانت كما تقولون.
وقوله تعالى {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا} أي يوم القيامة عند عرضهم علينا، ولنذيقنهم من عذاب غليظ يخلدون فيه لا يخرجون منه أبداً.
وقوله تعالى في الآية الأخيرة (51) {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ} بنعمة المال والولد والصحة أعرض عن ذكرنا وشكرنا وتخلى عن طاعتنا ونأى (6) بجانبه متباعداً متبختراً مختالاً يكاد يضاهي الطاووس في مشيته. وإذا سلبناه ذلك ومسه الشر من مرض وفقر وجهد وبلاء فهو ذو دعاء عريض لنا يا رب يا رب يا رب. هذا ليس الرجل الأول الذي ييأس ويقنط، ذاك كافر، وهذا مؤمن ضعيف الإيمان جاهل لا أدب عنده ولا خلق. وما أكثر هذا النوع من الرجال في المسلمين اليوم والعياذ
بالله تعالى فالأول عائد إلى ظلمة نفسه بالكفر، وهذا عائد إلى سوء تربيته وسوء خلقه وظلمة جهله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان حال الإنسان قبل الإيمان فإنه يكون أحط المخلوقات قدراً وأضعفها شأناً.
2- تقرير عقيد البعث والجزاء بذكر بعض الأحداث فيها.
3- ذم اليأس والقنوط والكبر والاختيال، والكفر للنعم ونسيان المنعم وعدم شكره.
__________

1- قيل المراد بالإنسان الكافر هنا الوليد بن المغيرة، وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف. والآية تحمل وصفاً للإنسان الكافر أياً كان والمراد من الدعاء الطلب والرغبة الملحة.
2- شاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح " لو أن لابن آدم واديين من ذهب لتمنى الثالث ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".
3- اليأس كالقنوط من رحمة الله كفر بالمؤمن لقوله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} .
4- اشتملت الآية على خلقين عجيبين الأول خلق البطر بالنعمة والغفلة عن الشكر لله تعالى والثاني اليأس والقنوط من رجوع النعمة بعد فقدها.
5- يروى عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم للكافر أمنيتان أما في الدنيا فيقول لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى، وأما في الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين.
6- النأي البعد وهو كناية عن عدم التفكر في المنعم عليه ليشكره فعبر عن هذا بالبعد.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:13 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم إن كان من عند الله: أي أخبروني إن كان القرآن من عند الله كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم كفرتم به: أي ثم كفرتم به بعد العلم أنه من عند الله.
من أضل ممن هو في شقاق بعيد: أي من يكون أضل منكم وأنتم في شقاق بعيد؟ لا أحد.
في الآفاق وفي أنفسهم: أي في أقطار السموات والأرض من المخلوقات وأسرار خلقها وفي أنفسهم من لطائف الصنعة وعجائب وبدائع الحكمة.
حتى يتبين لهم أنه الحق: أي أن القرآن كلام الله ووحيه إلى رسوله حقاً، وأن الإسلام حق.
ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم: أي في شك من البعث الآخر حيث يعرضون على الله تعالى.
ألا إنه بكل شيء محيط: أي علما وقدرة وعزة وسلطاناً.
معنى الآيات:
يأمر تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للمكذبين بالوحي الإلهي الذي يمثله القرآن الكريم حيث قالوا فيه شعر وسحر وأساطير الأولين يأمره أن يقول لهم مستفهماً لهم أرأيتم أي أخبروني إن كان أي القرآن الذي كذبتم به من عند الله وكفرتم به أي كذبتم؟ من يكون أضل منكم وأنتم تعيشون في
شقاق بعيد (1) اللهم لا أحد يكون أضل منكم عن طريق الهدى إذاً فلم لا تثوبون إلى رشدكم وتؤمنون بآيات ربكم فتكملوا عليها وتسعدوا.
ثم قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ (2) آيَاتِنَا} على صدقنا وصدق رسولنا فيما أخبرناهم به ودعوناهم إليه من الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء وذلك في (3) الآفاق أي من أقطار السموات والأرض مما ستكشف عنه الأيام من عجائب تدبير الله ولطائف صنعه. وفي أنفسهم (4) أيضاً أي في ذواتهم حتى يتبين لهم أنه الحق، من ذلك فتح القرى والأمصار وانتصار الإسلام كما أخبر به القرآن، ووقعة بدر وفتح مكة من ذلك وما ظهر لِحَدِّ الآن من كشوفات في الآفاق وفي الأنفس مما أشار إليه القرآن ما هو أعجب من ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فنظام الزوجية الساري في كل جزئيات الكون شاهد قوي على صدق القرآن وأنه الحق من عند الله، وأن الله حق وأن الساعة حق وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ (5) بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟} هذا توبيخ لهؤلاء المكذبين بإعلامهم أن شهادة الله كافية في صدق محمد وما جاء به إن الله هو المخبر بذلك والآمر بالإيمان به فكيف يطالبون بالآيات على صدق القرآن ومن نزل عليه والله المرسل للرسول والمنزل للكتاب وقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} إعلام منه تعالى بما عليه القوم من الشك في البعث والجزاء وهو الذي سبب لهم كثيراً من أنواع الشر والفساد. وقوله: {أَلا إِنَّهُ (6) بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} علماً وقدرة وعزة وسلطاناً فما أخبر به عنهم من علمه وما سيجزيهم به من عذاب إن أصروا على كفرهم من قدرته وعزته. ألا فليتق الله امرؤ مصاب بالشك في البعث وكل الظواهر دالة على حتميته ووقوعه في وقته المحدد له.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التنديد بالكفر بالقرآن والتكذيب بما جاء فيه من الهدى والنور.
2- لا أضل ممن يكذب بالقرآن لأنه يعيش في خلاف وشقاق لا أبعد منه.
3- صدق وعد الله تعالى حيث أرى المشركين وغيرهم آياته في الدالة على وحدانيته وصحة دينه وصدق أخباره ما آمن عليه البشر الذين لا يعدون كثرة.
4- ما من اكتشاف ظهر ويظهر إلا والقرآن أدخله في هذه الآية سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم.
5- الإشارة إلى أن الإسلام سيعلم صحته وسيدين به البشر أجمعون في يوم ما من الأيام.
6- تقرير البعث والجزاء ومظاهر قدرة الله تعالى المقررة له.
__________

1- الشقاق العداء والمراد به العداء لله والرسول والمؤمنين الناجم عن ردهم القرآن وتكذيبهم بالوحي المثبت للنبوة المحمدية.
2- الآيات تشمل آيات القرآن والآيات الخارجة عن القرآن.
3- الآفاق جمع أفق الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها والناحية من قبة السماء.
4- قال القرطبي "وفي أنفسهم" من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هم قطرة ماء ينظر بهما، وفي أذنيه وكيف يفرق بين الأصوات المختلفة إلى غير ذلك.
5- المعنى: تكفيك شهادة ربك بصدقك فلا تلتفت إلى تكذيبهم.
6- وصف الله بالمحيط هو كذلك محيط بعلمه وقدرته وقهره لكل خلقه.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (1)
الحلقة (757)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 592الى صــــ 596)

حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)

شرح الكلمات:
حم عسق (1) : هذه أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا: حم عسق وتقرأ هكذا: حا ميمْ عَيْنْ سِيْنْ قَافْ.
كذلك يوحي (2) إليك وإلى الذين من قبلك: أي مثل ذلك الإيحاء يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الذي يوحى إليك.
له ما في السموات وما في الأرض: أي خلقاً وملكاً وتصرفاً.
وهو العزيز الحكيم: أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه.
يتفطرن من فوقهن: أي يتشققن من عظمة الرحمن وجلاله.
والذين اتخذوا من دونه أولياء: أي آلهة يعبدونها.
الله حفيظ عليهم: أي يحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها.
وما أنت عليهم بوكيل: أي ولست موكلا بحفظ أعمالهم وإنما عليك البلاغ.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {حم عسق} الله أعلم بمراده به وقد تقدم التنبيه إلى أن هذا من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر فهم معناه إلى منزله وهو الله سبحانه وتعالى وقد ذكرنا أن له فائدتين جليلتين تقدمتا في كثير من فواتح السور المبدوءة بمثل هذه الحروف المقطعة فليرجع إليها.
وقوله {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ (3) } أي مثل ذلك الإيحاء بأصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والبعث يوحي إليك بمعنى أوحى إليك وإلى الذين من قبلك من الرسل الله العزيز (4) في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه وقوله {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ (5) وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي خلقاً وملكاً وهو العلي أي ذو العلو المطلق على خلقه العظيم في ذاته وشأنه وحكمه وتدبيره سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقوله تعالى {تَكَادُ (6) السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} أي يتصدعن ويتشققن من فوقهن من عظمة الرب تبارك وتعالى والملائكة يسبحون بحمد (7) ربهم أي يصلون له ويستغفرون لمن في الأرض أي يطلبون المغفرة للمؤمنين فهذا من العام الخاص بما في سورة المؤمن إذ فيها ويستغفرون للذين آمنوا وقوله تعالى {أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إخبار بعظيم صفاته عز وجل وهما المغفرة والرحمة يغفر لمن تاب من عباده ويرحم بالرحمة العامة سائر مخلوقاته في هذه الحياة ويرحم بالرحمة الخاصة عباده الرحماء وسائر عباده المؤمنين في دار السلام وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا (8) مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي شركاء آلهة يعبدونهم هؤلاء الله حفيظ عليهم فيحصي عليهم أعمالهم ويجزيهم بها يوم القيامة، وليس على الرسول من ذلك شيء إن عليه إلا البلاغ وقد بلغ وهو معنى قوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} تحفظ عليهم أعمالهم وتجزيهم بها وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه لأنه كان يشق عليه إعراض المشركين وإصرارهم على الشرك بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وحدة الوحي بين سائر الأنبياء إذ هي تدور على التوحيد والنبوة والبعث والجزاء والترغيب في العمل الصالح، والترهيب من العمل الفاسد.
2- بيان عظمة الله تعالى وجلاله وكماله حتى إن السموات تكاد يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمده تعالى ويستغفرون للمؤمنين (9) .
3- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف عنه بأنه غير موكل بحفظ أعمال المشركين ومجازاتهم عليها إنما هو الله تعالى، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
__________

1- إن قيل لم ما وصلت حم عسق ببعضهما كما وصلت في المص، المر فالجواب أن عسق ثلاثة أحرف فلم توصل بـ حم بخلاف المص المر فإن الموصول حرف واحد وهو الصاد والراء.
2- العدول عن صيغة الماضي إلى المضارع إيذان بأن إيحاء الرسول متجدد لا ينقطع مدة حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- المعنى الإجمالي لهذه الجملة هو كما في قوله {إن أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} فهو تشبيه إيحاء بإيحاء.
4- العزيز الحكيم: وصفان لاسم الجلالة هما مقتضى الوحي الإلهي إذ الوحي يكون من عزيز لا يحال بين إرادته وحكيم يضع الأمور في مواضعها فلا يعاب عليه اختياره للوحي إليك.
5- هذه الجملة مقررة لما تقدم من جلال الله وكماله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده ولقائه وبعثه رسوله.
6- قرأ نافع وحده يكاد بالياء وقرأ باقي القراء حفص وغيره بالتاء وسبب تفطرهن هو الخوف من عظمة الرب قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "فرقا" أي خوفا.
7- أي ينزهه عما لا يجوز وصفه به وعمّا لا يليق بجلاله، وقيل يتعجبون من جرأة المشركين فيسبحون.
8- لما أقام تعالى الحجج والبراهين على توحيده ونبوة رسوله فسبحت له الملائكة واستغفرت للمؤمنين الموحدين وبقي المشركين على اتخاذهم أولياء كأنما قال لرسوله لا يهمك أمرهم فإن الله يحصي أعمالهم ويحفظها لهم ويجزيهم بها.
9- جائز أن يكون المستغفرين للمؤمنين حملة العرش وقد ورد هذا في السنة وأن يكون غيرهم يستغفرون لمن في الأرض عندما يرون كفرهم وباطلهم وجرأتهم على ربهم يطلبون لهم عدم المؤاخذة إذ لو آخذهم بذنوبهم لأهلكهم.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
شرح الكلمات:
وكذلك أوحينا إليك: أي ومثل ذلك الإيحاء إليك وإلى من قبلك أوحينا إليك.
قرآنا عربياً: أي بلسان عربي.
لتنذر أم القرى ومن حولها: أي علة الإيحاء هي إنذارك أهل أم القرى مكة ومن حولها من القرى أي تخوفهم عذاب الله إن بقوا على الشرك.
وتنذر يوم الجمع: أي وتنذر الناس من يوم القيامة إذ هو يوم يجمع الله فيه الخلائق.
لا ريب فيه: أي لا شك في مجيئه وجمع الناس فيه.
فريق في الجنة: أي المؤمنون المتقون.
وفريق في السعير: أي الكافرون.
ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة: أي على دين الإسلام وبذلك يكون الجميع في الجنة.
ولكن يدخل من يشاء في رحمته: أي في الإسلام أولاً ثم في الجنة ثانياً.
والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير: أي المشركون ليس لهم من ولي يتولاهم ولا نصير ينصرهم فهم في النار.
أم اتخذوا من دون الله أولياء: أي بل اتخذوا من دونه تعالى شركاء ألّهُوهم من دون الله.
فالله هو الولي: أي الولي الحق ومن عداه فلا تنفع ولايته ولا تضر.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً (1) } أي ومثل ذلك الإيحاء الذي أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك أوحينا إليك قرآناً عربياً بلسان عربي يفهمه قومك لأنه بلسانهم لتنذر به أي تخوف أم القرى (2) ومن حولها من الناس عاقبة الشرك والكفر والظلم والفساد وتنذر أيضا الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة فإنه يوم هول عظيم وشر مستطير ليتوقوه بالإيمان والتقوى. إنه يوم يكون فيه الناس والجن فريقين لا ثالث لهما: فريق في الجنة (3) بإيمانه وتقواه لله بفعل أوامره وترك نواهيه، وفريق في السعير بشركه وكفره بالله وعدم تقواه فلا امتثل أمراً ولا اجتنب نهياً.
وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ (4) أُمَّةً وَاحِدَةً} أي في الدنيا على دين الإسلام الذي هو دين آدم فنوح وإبراهيم فسائر الأنبياء موسى وعيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إذ هو عبارة عن الإيمان بالله وبما أمر الله بالإيمان به، والانقياد لله ظاهراً وباطناً بفعل محابه تعالى وترك مكارهه ولو كانوا في الدنيا على ملة الإسلام لكانوا في الآخرة فريقاً واحداً وهو فريق الجنة ولكن لم يشأ ذلك لحكم عالية فهو تعالى يدخل من يشاء في رحمته في الدنيا وهي الإسلام وفي الآخرة هي الجنة، والظالمون أي المشركون الذين رفضوا التوحيد والإسلام لله ما لهم من ولي ولا نصير فهم إذا في عذاب السعير. وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا (5) } أي الظالمون من دون الله أولياء من دون الله ليشفعوا
لهم جهلاً منهم بأنه لا يشفع أحد إلا بإذن الله ورضاه فعلوا ذلك وما كان لهم ذلك لأن الولي الحق هو الله فلم لا يتخذونه وليا، وهو الولي الحميد وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير فمن أحق بأن يُتَوَلَّى من يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير أم من لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، والجواب معلوم، ولا يهلك على الله إلا هالك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي الإلهي.
2- شرف مكة بتسميتها أم القرى أي أم المدن والحواضر.
3- مشروعية التعليل للأفعال والأحكام.
4- انقسام الناس يوم القيامة إلى سعيد وشقي لا غير.
5- لم يشأ الله أن يجعل الناس أمة واحدة لحكم عالية علمها إليه سبحانه وتعالى.
6- من طلب ولاية غير الله هلك؟ ومن والى الله دون من سواه كفاه الله ما أهمّه في دنياه وأخراه.
__________

1- القرآن مصدر نحو غفران وأطلق على المقروء مبالغة في الاتصاف بالمقروئية لكثرة ما يقرأه القارئون لحسنه وفوائده وعظيم مثوبته.
2- كنيت مكة بأم القرى لأنها أقدم المدن العربية وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها.
3- جملة فريق الخ ابتدائية لأنها جواب لمن سأل عن حال الناس وهم مجتمعون في عرصات القيامة فأجيب بأنهم فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير.
4- سبق هذا الكلام مستأنفاً استئنافاً ابتدائياً لغرض تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين لما ينالهم من هم وكرب من عدم إيمان من يدعونهم إلى الإيمان ولم يؤمنوا.
5- أم للإضراب الانتقالي والاستفهام إنكاري ينكر على المشركين اتخاذهم أولياء من دون الله لا تنفعهم أي نفع ويتركون الله الولي الحميد فهو أحق بأن يتخذ ولياً في الدنيا والآخرة.

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (2)
الحلقة (758)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 597الى صــــ 600)

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
شرح الكلمات:
وما اختلفتم فيه من شيء: أي من أمور الدين والدنيا مع الكفار أو مع المؤمنين.
فحكمه إلى الله: هو الذي يقضي فيه في الدنيا بما ينزل من وحي على رسوله وفي الآخرة إذ الحكم له دون غيره.
ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه: أي قل لهم يا رسولنا ذلكم الحاكم العدل العظيم الله ربي عليه وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
أنيب توكلت أي فوضت أمري إليه، وإليه لا إلى غيره أرجع في أموري كلها.
فاطر السموات والأرض: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.
جعل لكم من أنفسكم أزواجاً: أي بأن جعلكم ذكراً وأنثى، ومن الأنعام كذلك.
يذرأكم فيه: أي يخلقكم في هذا التدبير وهو من الذكر والأنثى يخرجكم.
ليس كمثله شيء: أي ليس مثل الله شيء إذ هو الخالق لكل شيء فلا يكون مخلوق مثله بحال من الأحوال.
وهو السميع البصير: أي السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم.
معنى الآيات:
يقول تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ (1) فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} من أمور الدين والدنيا أيها الناس فحكمه إلى الله تعالى هو الذي يحكم فيه بالعدل فردوه إليه سبحانه وتعالى فإنه يقضي بينكم بالحق. وهنا أمر رسوله أن يقول للمشركين ذلكم المذكور بصفات الجلال والكمال الحَكم العدل الذي يقضي ولا يقضى عليه الله ربي الذي ليس لي رب سواه عليه توكلت ففوضت أمري إليه واثقاً في كفايته وإليه وحده أنيب أي أرجع في أموري كلها، ثم واصل ذكر صفاته الفعلية فقال {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي خالق السموات السبع والأرض مبدعهما من غير مثال سابق {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (2) أَزْوَاجاً} إذ خلق حواء من ضلع آدم ثم جعلكم تتناسلون من ذكر وأنثى ومن الأنعام أزواجاً أيضاً وهما الذكر والأنثى وقوله {يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} أي (3) يخلقكم فيه أي في هذا النظام نظام الذكر والأنثى كأن الذكورة والأنوثة معمل من المعامل يتم فيه خلق الإنسان والحيوان فسبحان الخلاق العليم.
وقوله: {لَيْسَ (4) كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (5) } هذا تعريف عرف تعالى به نفسه ليعرف بين عباده وهو أنه عز وجل ليس كمثله شيء أي فلا شيء مثله فعرف بالتفرد بالوحدانية فالذي ليس له
مثل ولا مثله شيء هو الله ذو الأسماء الحسنى والصفات العليا وهو السميع لكل الأصوات العليم بكل الكائنات.
وقوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (6) } أي له مفاتيح خزائن السموات والأرض، وله مغاليقها فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً ويضيق ابتلاء، لأنه بكل شيء عليم فلا يطلب الرزق إلا منه، ولا يلجأ فيه إلا إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب ردّ ما اختلف فيه إلى الله تعالى ليحكم (7) فيه وهو الرد إلى الكتاب والسنة.
2- وجوب التوكل عليه والإنابة إليه في كل الأمور.
3- تنزيه الرب تعالى عن مشابهته لخلقه مع وجوب الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
4- وجوب الإيمان بأن الله هو الرزاق بيده مفاتيح خزائن الأرزاق فمن شاء وسع عليه، ومن شاء ضيق، وأنه يوسع لحكمة ويضيق لأخرى.
__________

1- قول القرطبي هذا حكاية قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين ما هو بظاهر، بل هو إرشاد الله لرسوله والمؤمنين أن يقولوا لمن خالفهم من المشركين وأهل الكتاب إن الله قد حكم بصحة الإسلام فهو الدين الذي يجب أن يدين به الإنسان لربه عز وجل لا غيره من الأديان الباطلة.
2- الجملة في موضع نصب على الحال من ضمير فاطر.
3- الذرء: بث الخلق وتكثيره والمضارع يذرؤكم لإفادة الحدوث والتجدد المستمرين.
4- ومعنى ليس كمثله شيء: ليس مثله شيء فالكاف مقحمة لا غير، ولما كانت للتشبيه ومثله كذلك فهي إذاً لتأكيد نفي الشبيه لله تعالى.
5- لما كانت جملة ليس كمثله شيء صفة سلبية أعقب عليها بصفات إيجابية وهي كونه تعالى سميعا بصيرا، وهكذا الحكم في صفات الله تعالى فيثبت له ما أثبته هو لنفسه وأثبته له رسوله من الصفات العلى وينفى عنه من صفات النقص كالمثلية والتشبيه وما نفاه تعالى هو عن نفسه ونفاه عنه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6- المقاليد جمع إقليد أو مقلاد على غير قياس وهو المفتاح، والمقاليد للخزائن وهي ما أودع الله تعالى من أرزاق السموات والأرض لعباده، فلذا هو يبسط الرزق ويقدر حسب علمه وحكمته.
7- شاهده قوله تعالى: {وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} "الآية من سورة النساء"

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
شرح الكلمات:
ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك: أي شرع لكم من الدين الذي وصى به نوحاً والذي أوحينا به إليك.
وما وصينا به إبراهيم وموسى: أي والذي وصينا باقي أولى العزم وهم إبراهيم وموسى وعيسى وهو أن يعبدوا الله وحده بما شرع من العبادات.
أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه: أي بأن أقيموا الدين الذي شرع لكم ولا تضيعوه ولا تختلفوا فيه.
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه: أي عظم على كفار قريش ما تدعوهم إليه وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الله يجتبي إليه من يشاء: أي يختار إلى الإيمان به والعمل بطاعته من يريده لذلك.
ويهدي إليه من ينيب: أي ويوفق لطاعته من ينيب إليه في أموره ويرجع إليه في جميع شأنه، بخلاف المعرضين المستكبرين.
بغياً بينهم: أي حملهم البغي على التفرق في دين الله.
ولولا كلمة سبقت من ربك: أي ولولا ما قضى الله به من تأخير العذاب على هذه الأمة إلى يوم القيامة.
لقضي بينهم: أي لحكم الله بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين.
وإن الذين أورثوا الكتاب من: أي وإن الذين أورثوا الكتاب من بعد الأولين وهم اليهود والنصارى ومشركو العرب.
لفي شك منه مريب: أي لفي شك مما جئتهم به من الدين الحق وهو الإسلام.
معنى الآيات:
يخاطب تعالى رسوله المؤمنين فيقول وقوله الحق: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً (1) } إذ هو أول حامل شريعة من الرسل والذي أوحينا إليك يا محمد {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} من أولي العزم من الرسل {أَنْ أَقِيمُوا (2) الدِّينَ} وهو دين واحد قائم على الإيمان والتوحيد والطاعة لله في أمره ونهيه وإقامة ذلك بعدم التفريط فيه أو في شيء منه، وعدم التفرق فيه، لأن التفرق فيه يسبب تضيعه كلاً أو بعضا.
وقوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى (3) الْمُشْرِكِينَ} من كفار قريش {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي عظم عليهم ولم يطيقوا حمله ما تدعوهم إليه من عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام، إذاً فادعهم واصبر على أذاهم والله يجتبي إليه أي يختار للإيمان به وعبادته من يشاء ممن لا يصرون على الباطل، ولا يستكبرون عن الحق إذ عرفوه، ويهدى إليه أي ويوفق لطاعته مَنْ مِنْ شأنه الإنابة والرجوع إلى ربه في أموره كلها.
وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا (4) } أي وما تفرق العرب واليهود والنصارى في دين الله فآمن بعض وكفر بعض إلا من بعد ما جاءهم العلم الصحيح يحمله القرآن الكريم ونبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. والحامل لهم على ذلك هو البغي والحسد. وقوله ولولا كلمة سبقت من ربك وهو عدم معاجلة هذه الأمة المحمدية بعذاب الإبادة والاستئصال، وترك عذابهم إلى يوم القيامة لولا هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلافهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين. وهو معنى قوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ (5) مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي فرغ منهم بالفصل بينهم بإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ (6) } أي من بعد اليهود والنصارى وهم العرب إذ أنزل الله فيهم كتابه القرآن الكريم لفي شك منه أي من القرآن والنبي والدين الإسلامي مريب أي بالغ الغاية في الريبة والاضطراب النفسي، كما أن اللفظ يشمل اليهود والنصارى إذ هم أيضاً ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلاً في شك من القرآن ونبيه والإسلام وشرائعه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- دين الله واحد وهو الإيمان والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- حرمة الاختلاف في دين الله المسبب تضييع الدين كلا أو بعضاً.
3- مرد التفرق في الدين إلى الحسد والبغي بين الناس، فلو لم يحسد بعضهم بعضاً ولم يبغ بعضهم على بعض لما تفرقوا في دين الله ولأقاموه مجتمعين فيه.
__________

1- المراد مما شرع لنا هو الإيمان به تعالى رباً وإلها وعبادته وحده وترك عبادة ما سواه، أما الأحكام فتختلف بحسب الأمم والأزمان فهذه الآية هي كقوله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} .
2- أن أقيموا الدين في محل رفع خبر. أي هو إقامة الدين وعدم التفرق فيه أي الموصى به هو إقامة الدين، وإقامته جعله قائما تعتقد عقائده وتؤدى عبادته وتقام أحكامه لا يسقط منه شيء.
3- قال قتادة كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وضاق بها إبليس وجنوده فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها.
4- قال ابن عباس يعني قريشاً وهو صحيح إذ كانوا يقولون: لو أن عندنا ذكراً من الأولين لكنا عباد الله المخلصين. وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم إلا أن دخول أهل الكتاب في هذا الخطاب وارد وله شواهد إذ الآية مبينة لسنة من سنن الله تعالى وهي كون الأمة متحدة على الباطل فإذا جاءها الحق قبله أناس ورفضه آخرون فيكون التفرق.
5- أي في تأخير العذاب على مستحقيه إلى الموعد الذي حدده لهم في الدنيا أو في الآخرة لكان عز وجل حكم بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين.
6- أل في الكتاب للجنس ليشمل التوراة والإنجيل.

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (3)
الحلقة (759)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 601الى صــــ 606)

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
شرح الكلمات:
فلذلك فادع: أي فإلى ذلك الدين الذي شرع الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك يا محمد فادع عباد الله.
واستقم كما أمرت: أي استقم على العمل به ولا تزغ عنه واثبت عليه كما أمرك الله.
ولا تتبع أهواءهم: أي ولا تتبع أهواء المشركين وأهل الكتاب فتترك الحنيفية التي بعثت بها فإنها الحق.
وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب: أي ولست كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
وأمرت لأعدل بينكم: أي أمرني ربي أن أحكم بينكم بالعدل الذي هو خلاف الجور.
الله ربنا وربكم: أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم وإلهنا وإلهكم.
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم: وسيجزى كل منا بعمله خيراً كان أو شراً.
لا حجة بيننا وبينكم: أي ما هناك حاجة إلى المحاجة الآن بعد ظهور الحق.
الله يجمع بيننا: أي يوم القيامة.
والذين يحاجون في الله: أي يجادلون في دين الله نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حجتهم داحضة: أي باطلة عند ربهم.
وعليهم غضب: أي من الله ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ (1) } أي فإلى ذلك الدين الحق الذي هو الإسلام الذي شرعه الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين الله الذي لا يقبل ديناً سواه، ولا يكمل الإنسان في أخلاقه ومعارفه وآدابه ولا يسعد في الدارين إلا عليه واستقم (2) عليه (3) كما أمرك ربك، فلا تزغ عنه ولا تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ولا تتبع أهواء المشركين ولا أهواء أهل الكتاب. وقل في صراحة ووضوح آمنت بما أنزل من كتاب فلا أومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى، وقل لهم أمرني ربي أن أعدل (4) بينكم في الحكم إذا تحاكمتم إليّ، كما أني لا أفرق بينكم إذ أعتبركم على الكفر سواء فكل من لم يكن على الإسلام الذي كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذي عليه أنا وأصحابي اليوم فهو كافر من أهل النار.
وقوله تعالى {اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي أمرني أن أقول لكم هذا الله ربنا وربكم إذ لا رب سواه فهو رب كل شيء ومليكه، {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} (5) وسَيُجزى كل منا بعلمه السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها، إلا أن الكافر لا تكون له حسنة ما دام قد كفر بأصل الدين فلم يؤمن بالله ولقائه، ولا بوحيه ولا برسوله وقوله {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي اليوم إذ ظهر الحق ولاح الصبح لذي عينين فلا داعي إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى الله يجمع بيننا يوم القيامة إذ المصير في النهاية إليه لا إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضي لأهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضي لأهل الباطل بالنار والخلود فيها.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ (6) فِي اللهِ} أي في دين الله النبي والمؤمنين يريدون أن يردوهم
إلى باطلهم من بعد ما استجيب للرسول ودخل الناس في دين الله أفواجاً، هؤلاء حجتهم داحضة عند ربهم أي باطلة، وعليهم غضب أي من ربهم ولهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة هذه الآية نزلت في يهود بالمدينة نصبوا أنفسهم خصوماً لأصحاب رسول الله يجادلونهم يريدون تشكيكهم في الإسلام والعودة بهم إلى وثنية الجاهلية وكان هذا قبل هجرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فرد تعالى عليهم وأسكتهم بهذه الآية متوعداً إياهم بالغضب والعذاب الشديد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب الدعوة إلى الإسلام بين أمم العالم إذ لا نجاة للبشرية إلا بالإسلام.
2- حرمة اتباع أهواء أهل الأهواء والسير معهم (7) وموافقتهم في باطلهم.
3- وجوب الاستقامة على الإسلام عقائد وعبادات وأحكام قضائية وآداب وأخلاق.
4- تعين ترك الحجاج والمخاصمة مع أهل الكتاب وكذا أهل الأهواء والبدع لأنا على الحق وهم على الباطل، فكيف نحاجهم إذ الواجب أن يسلموا وكفى.
__________

1- قال القرطبي اللام هنا بمعنى إلى وله نظائر مثل بأن ربك أوحى لها أي إليها وأولى أن تكون اللام للتعليل أي لأجل ما ذكر من الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه فادع.
2- الاستقامة الاعتدال والسين والتاء فيها للمبالغة مثل أجاب استجاب والمراد هنا الاستقامة المعنوية وهي ملازمة الآداب الرفيعة والأخلاق الفاضلة والتمسك بأهداف الشريعة.
3- كما أمرت هذه الكاف كالتي في قوله تعالى واذكروه كما هداكم أعطيت معنى التقليل مثل كما صليت على إبراهيم وما في التفسير أولى من هذا فإن المراد على نحو ما أمرك لا تخالفه.
4- هذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فقد نصر الله رسوله وحكم اليهود وعدل بينهم وذلك في المدينة وخيبر وتيماء والآية نزلت بمكة.
5- هذه صور من صور الإنصاف والعدل.
6- قال مجاهد في قوله تعالى والذين يحاجون في الله الآية قال هؤلاء رجال طمعوا أن تعود الجاهلية بعد ما دخل الناس في الإسلام. وقيل إنهم اليهود والنصارى والكل جائز ويقع وواقع وما في التفسير أوضح وأصح.
7- الأهواء جمع هوى وهو الحب وغلب على حب ما لا نفع فيه إذ هو نابع عن ميل نفساني مناف للخير والعدل ويغلب إطلاق لفظ العشق عليه.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
شرح الكلمات:
الله الذي أنزل الكتاب بالحق: أي أنزل القرآن متلبساً بالحق والصدق لا يفارقه أبداً.
والميزان:: أي وأنزل الميزان وهو العدل ليحق الحق.
وما يدريك لعل الساعة قريب: أي أيّ شيء يجعلك تدري قرب الساعة إلا أن يكون الوحي الإلهي.
يستعجل بها الذين لا يؤمنون: أي يطالب المكذبون بها لأنهم لا يخافون ما فيها لعدم إيمانهم به.
والذين آمنوا مشفقون منها: أي خائفون وذلك لإيمانهم فهم لا يدرون ما يكون لهم فيها من سعادة أو شقاء ولذا هم مشفقون.
ويعلمون أنها الحق: أي أن الساعة حق واجبة الإتيان لا محالة.
إن الذين يمارون في الساعة: أي إن الذين يجادلون في الساعة شاكين في وقوعها.
الله لطيف بعباده: أي برهم وفاجرهم بدليل أنهم يعصونه وهو يرزقهم ولا يعاقبهم.
من كان يريد حرث الآخرة: أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة.
نزد له في حرثه: أي نضاعف له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.
ومن كان يريد حرث الدنيا: أي من كان يريد بعمله متاع لحياة الدنيا من طيباتها.
نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب: أي نعطه منها ما قدر له وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب.
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين: أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين.
ما لم يأذن به الله: أي ما لم يشرعه الله تعالى وهو الشرك.
ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم: أي ولولا كلمة الفصل التي حكم الله بها بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأهلكهم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ (1) } يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنه هو
الذي أنزل الكتاب أي القرآن بالحق والصدق وأنزل الميزان (2) وذلك من أجل إحقاق الحق في الأرض وإبطال الباطل فيها، فلا يعبد إلا الله ولا يحكم إلا شرع الله وفي ذلك كمال الإنسانية وسعادتها، وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ (3) لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} أي أيّ شيء جعلك تدري قرب الساعة إنه الوحي الإلهي لا غير وقوله {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} أي الذين لا يؤمنون بالبعث الآخر والجزاء فيه هم الذين يطالبون بإتيانها في غير وقتها ويستعجلون الرسول بها بقولهم متى الساعة؟ أما المؤمنون بالبعث والجزاء فإنهم مشفقون أي خائفون من وقوعها لأنهم لا يدرون مصيرهم فيها ولا يعلمون ما هم صائرون إليه من سعاة أو شقاء وقوله {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أي والمؤمنون يعلمون أن الساعة حق واجبة الوقوع ليحكم الله فيها بين عباده ويجزي كل واحد بعمله، ويقتص فيها من الظالم للمظلوم فلذا هي واقعة حتماً لا تتخلف أبداً.
وقوله تعالى: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأن الذين يشككون في الساعة ويجادلون في صحة وقوعها في ضلال عن الهدى والصواب والرشد، بعيد لا يرجى لهم معه العودة إلى الصواب والهدى في هذه المسألة من مسائل العقيدة. وقوله تعالى {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} يخبر تعالى بأنه ذو لطف بعباده مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم يكفر به الكافرون ويعصيه العاصون وهو يطعمهم ويسقيهم ويعفو عنهم ولا يهلكهم بذنوبهم فهذا من دلائل لطفه بهم. يرزق من يشاء أي يوسع الرزق على من يشاء ويقدر على من يشاء حسب ما تقتضيه تربيتهم فلا يدل على الغنى على الرضاء ولا الفقر على السخط. وهو تعالى القوي القادر الذي لا يعجزه شيء العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ (4) الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} ، وهذا من مظاهر لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الآخرة وما أعد الله فيها للمؤمنين المتقين نزد له في حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر إلى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان يريد بعمله حرث الدنيا أي متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلاً وجعله مقدوراً له لا بد نائله، وماله في الآخرة من نصيب لأنه لم يعمل لها فلا حظ له ولا نصيب له فيها إلا النار وبئس القرار.
وقوله تعالى في الآية (21) {أَمْ (5) لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} يقول أللمشركين من كفار قريش شركاء من الشياطين شرعوا لهم ديناً وهو الشرك لم يأذن به الله، وهذا إنكار عليهم، وإعلان غضب شديد أجل شركهم الذي زينته لهم الشياطين فصرفتهم عن الدين الحق إلى الدين الباطل، ولذا قال: {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي ولولا أنه تعالى قضى بأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لعذبهم في الدنيا وأهلكهم فيها قبل الآخرة، وذلك لاتخاذهم دينا لم يشرعه الله لهم. وقوله تعالى وإن الظالمين أي المشركين لهم عذاب أليم أي موجع وذلك يوم القيامة وهذا وعيد للمشركين الذين اتخذوا الجاهلية والشرك وعبادة الأوثان ديناً وأعرضوا عن دين الله الذي أوصى به نوحاً وأوحاه إلى محمد خاتم رسله، كما أوصى به إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان بعض الحكمة في إنزال الكتاب أي القرآن والميزان وهو أن يحكم الناس بالقسط.
2- بيان قرب الساعة وأن معرفة قربها كان بالوحي الإلهي مثل اقترب للناس حسابهم.
3- المستعجلون بالساعة هم الكافرون الجاحدون لها.
4- بيان لطف الله بعباده فله الحمد وله المنة والشكر.
5- بيان وجوب إصلاح النيات فإن مدار العمل قبولاً ورفضاً بحسبها.
6- حظر التشريع بجميع أنواعه عن غير الله ورسوله.
__________

1- جائز أن يكون الكتاب اسم جنس يشمل الكتب الإلهية إذ الله تعالى هو منزلها وجائز أن يكون المراد به القرآن. وأل فيه للتفخيم من شأنه كأنه الكتاب الفذ في بابه.
2- هل المراد من الميزان العدل أو هو الآلة التي يوزن بها والظاهر أنه الآلة التي يوزن بها إذ بها يتم العدل ولقوله تعالى {وأنزلنا معهم الكتاب الميزان ليقوم الناس بالقسط} وإنزاله إلهام وضعه والعمل به.
3- ما استفهامية أي من جعلك تدري قرب الساعة. قال ابن عباس ما قال تعالى فيه وما أدراك فقد أدراه، وما قال فيه وما يدريك فإنه لم يدره به.
4- المراد بالحرث العمل والكسب قال الشاعر:
كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته
ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل
بهذه الآية رد على من زعم أن المرء لو دخل ماء للتبرد فيه أن له أن يصلي به لأن الآية نص في إرادة العمل والثواب بحسب الإرادة التي هي النية.
5- أم للإضراب الانتقالي والاستفهام للتفريع والتوبيخ.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:18 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (4)
الحلقة (760)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 607الى صــــ 613)

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
شرح الكلمات:
ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا: أي ترى أيها المرء الظالمين يوم القيامة خائفين من جزاء ما عملوا.
وهو واقع بهم: أي وهو أي جزاء ما كسبوا من الباطل والشرك نازل بهم معذبون به لا محالة.
والذين آمنوا وعملوا الصالحات: آمنوا بالله ولقائه وآياته ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحارم.
في روضات الجنات: أي هم في روضات الجنات، والروضة في الجنة أنزه مكان فيها.
لهم ما يشاءون عند ربهم: أي لهم ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم في جوار ربهم.
قل لا أسألكم عليه أجراً: أي قل يا رسولنا لقومك لا أسألكم على التبليغ أجراً أي ثواباً.
إلا المودة في القربى: أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي فتمنعوني حتى أبلغ رسالتي.
ومن يقترف حسنة: أي ومن يكسب حسنة بقول أو عمل صالح.
نزد له فيها حسنا: أي نضاعفها له أضعافاً.
أم يقولون افترى على الله كذبا: أي أيقول هؤلاء المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فنسب إليه القرآن وهو ليس بكلامه ولا بوحيه.
فإن يشأ الله يختم على قلبك: أي إن يشإ الله تعالى يطبع على قلبك وينسيك القرآن أي أن الله قادر على أن يمنعك من الافتراء عليه كما زعم المشركون.
ويمحوا الله الباطل ويحق الحق: أي إن من شأن الله تعالى أنه يمحوا الباطل.
بكلماته: أي بالآيات القرآنية وقد محا الباطل وأحق الحق بالقرآن.
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده: أي هو تعالى الذي يقبل توبة التائبين من عباده.
ويعفوا عن السيئات: أي لا يؤاخذ بها من تاب منها فهذا هو الإله الحق لا الأصنام التي ليس لها شيء مما هو لله ألبتة.
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي ويجيب تعالى عباده الذين آمنوا به وعملوا الصالحات إلى ما دعوه فيه فيعطيهم سؤلهم.
ويزيدهم من فضله: أي يعطيهم ما سألوا ويعطيهم ما لم يسألوه من الخير.
والكافرون لهم عذاب شديد: أي والكافرون بالله ورسوله ولقاء الله وآياته لهم عذاب شديد.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله {تَرَى الظَّالِمِينَ} (1) يوم القيامة مشفقين أي خائفين مما كسبوا أي من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي، وهو أي العذاب واقع بهم نازل عليهم لا محالة وقوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي في الوقت الذي يكون فيه الظالمون مشفقين مما كسبوا يكون الذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا وعملوا الصالحات من الفرائض والنوافل بعد اجتناب الشرك والكبائر في روضات الجنات وهي أنزهها وأحسنها لهم ما يشاءون من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين كل ذلك في جوار رب كريم وقوله تعالى {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (2) } أي ذاك الذي أخبر تعالى به أنهم فيه من روضات الجنات وغيره هو الفضل الكبير الذي تفضل الله تعالى عليهم به.
وقوله في الآية الثانية (23) {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي ذلك المذكور من روضات الجنات وغيره هو الذي يبشر الله تعالى به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات في كتابه وعلى لسان رسوله.
وقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ (3) عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه من المشركين لا أسألكم على إبلاغي إياكم دعوة ربي إلى الإيمان به وتوحيده لتكملوا وتسعدوا أجراً أي مالاً لكن أسألكم أن تودوا قرابتي منكم فلا تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى أبلغ دعوة ربي.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا بأن نضاعفها له إذ الله غفور للتائبين من عباده شكور للعاملين منهم فلا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ (4) افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي بل يقولون أفترى على الله كذبا أي يقول المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فادعى أن القرآن كلام الله ووحيه وما هو إلا افتراء افتراه على الله. فأبطل الله تعالى هذه الدعوة وقال: {فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أي يطبع على قلبك فتنسى القرآن ولا تقدر على قوله والنطق به، فكيف إذًا يقال إنه يفتري على الله كذباً والله قادرٌ على منعه والإحالة بينه وبين ما يقوله. وقوله: {وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هذا شأنه تعالى يمحوا الباطل ويحق الحق بالقرآن وقد فعل فمحاَ الباطل وأحق الحق فما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الجزيرة من يعبد غير الله تعالى. وقوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فلواسع علمه وعظيم قدرته محا الباطل وأحق الحق بالقرآن ولو كان القرآن مفترى ما محا باطلاً ولا أحق حقاً وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي إن تابوا إليه وأنابوا، ويعفوا عن سيئاتهم فلا يؤاخذهم بها، ويعلم ما يفعلون في السر والعلن ويجزي كلاً بما عمل وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ (5) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه ويزيدهم من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأما الكافرون فلهم عذاب شديد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير حق القرابة ووجوب المودة فيها. واحترام قرابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقديرها.
2- تبرئة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الافتراء على الله عز وجل.
3- مضاعفة الحسنات، وشكر الله للصالحات من أعمال عباده المؤمنين.
4- وجوب التوبة وقبول الله تعالى لها، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة. وللتوبة ثلاثة شروط: الإقلاع الفوري عن المعصية، والاستغفار، والندم على ما فعل من المعصية بترك الواجب أو بفعل المحرم. وإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي زاد شرط رابع وهو التحلل من الآدمي بأداء الحق أو بطلب العفو منه.
5- وعد الله تعالى باستجابة دعاء المؤمنين العاملين للصالحات وهم أولياء الله تعالى الذين إن سألوا أعطاهم وإن استعاذوه أعاذهم وإن استنصروه نصرهم. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم.
__________

1- هذا عرض لما يجري من أحوال في عرصات القيامة وما ينتهي إليه الموقف من إسعاد أهل الإيمان والعمل الصالح وإشقاء أهل الشرك والمعاصي.
2- لا يوصف ولا يهتدي العقول إلى معرفة كنه صفته لأن الله تعالى إذا قال كبير كان مما لا يقادر قدره.
3- هذا الخطاب خاص بقريش قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن ومعنى الآية قل لا أسألكم عليه أي على البلاغ أجراً أي ثواباً وجزاءً إلا أن تودّوني من قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني وتنصروني حتى أبلغ رسالتي وذلك أنه ما من بطن من بطون قريش إلا وفيه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابة رحم وأما توجيه الآية على آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو تمحل واضح إلا أن حب آل البيت وتعظيمهم واجب أكيد ووردت فيه أحاديث كثيرة صالحة للاحتجاج بها.
4- أم للإضراب الانتقالي والاستفهام إنكاري ينكر تعالى على المشركين الذين قالوا إن محمداً يفتري على الله الكذب فيقول أرسلني الله وما أرسله ويقول القرآن من وحي الله، والله ما أوحى إليه فأنكر تعالى هذا على قائليه ووضح لهم أن دعواهم لا تمت إلى الواقع بصلة.
5- فاعل يستجيب هو الله عز وجل والذين مفعول به في محل نصب والسين والتاء للتأكيد إذ استجاب هو بمعنى أجاب.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:19 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
شرح الكلمات:
ولو بسط الله الرزق لعباده: أي لو وسع الرزق لجميع عباده.
لبغوا في الأرض: أي لطغوا في الأرض جميعا.
ولكن ينزل بقدر ما يشاء: أي ينزل من الأرزاق بقدر ما يشاء فيبسط ويضيق.
إنه بعباده خبير بصير: أي إنه بأحوال عباده خبير إذ منهم من يفسده الغنى ومنهم من يصلحه ومنهم من يصلحه الفقر ومنهم من يفسده.
وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا: أي المطر من بعد يأسهم من نزوله.
وينشر رحمته: أي بركات المطر ومنافعه في كل سهل وجبل ونبات وحيوان.
وهو الولي الحميد: أي المتولي لعباده المؤمنين المحسنن إليهم المحمود عندهم.
وما بث فيهما من دابة: أي فرق ونشر من كل ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم.
وهو على جمعهم إذا يشاء قدير: أي للحشر والحساب والجزاء يوم القيامة قدير.
وما أصابكم من مصيبة: أي بلية وشدة من الشدائد كالمرض والفقر.
فبما كسبت أيديكم: أي من الذنوب والآثام.
ويعفو عن كثير: أي منها فلا يؤاخذ به، وما عفا عنه في الدنيا لا يؤاخذ به في الآخرة.
وما أنتم بمعجزين في الأرض: أي ولستم بفائتي الله ولا سابقيه هربا منه إذا أراد مؤاخذتكم بذنبكم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ (1) اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} هذا شروع في عرض مظاهر القدرة والعلم والحكمة الموجبة لربوبية الله تعالى المستلزمة لألوهيته على عبادته فقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللهُ} أي رب العباد الرزق فوسعه عليه لبغوا في الأرض فطغا بعضهم على بعضهم وظلم بعضهم بعضاً ولزم ذلك فساد كبير (2) في الأرض قد تتعطل معه الحياة بكاملها.
ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي ينزل من الأرزاق بمقادير محددة حسب تدبيره لحياة عباده ويدل على هذا قوله إنه بعباده خبير (3) بصير أي إنه بما تتطلبه حياة عباده ذات الآجال المحدودة، والأعمال المقدرة الموزونة، والنتائج المعلومة أزلا. هذا مظهر من مظاهر العلم والقدرة والحكمة ومظهر آخر في قوله، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} ، فإنزال المطر بكميات ومقادير محدودة وفي أماكن محددة، وفي ظروف محددة هذا التصرف ما قام إلا على مبدأ القدرة القاهرة والخبرة التامة، إنه يمنع عن عباده المطر فيمحلوا ويجدبوا حتى ييأسوا ويظهر عجزهم وعجز آلهتهم التي يعبدونها ظلما فاضحاً إذ لا تستحق العبادة بحال من الأحوال ثم ينزل الغيث (4) وينشر الرحمة فتعم الأرزاق والخيرات والبركات، وهو الولي الذي لا تصلح والولاية لغيره الحميد أي المحمود بصنائع بره وعوائد خيره ومظاهر رحمته. هو الولي بحق والمحمود بحق، ومظهر آخر في قوله تعالى ومن آياته الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لربوبيته لسائر خلقه المستلزمة لألوهيته على سائر عباده: {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إيجادهما بما هما عليه من عجائب الصفة، وما بث أي فرق ونشر فيهما من دابة تدب على الأرض، أو ملك يسبح في السماء. فهذا الخلق والإبداع ناطق بربوبيته تعالى صارخ بألوهيته لعباده فلم إذاً يعبد غيره من مخلوقاته وتترك عبادته وفوق هذا المظهر للخلق والرزق التدبير مظهر آخر وهو قدرته تعالى على جمع سائر خلقه في صعيد واحد ومتى؟ وإنه بعد إفنائهم وتصييرهم عظاما ورفاتا، وهو معنى قوله: وهو على جمعهم إذا يشاء قدير (5) .
وقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ (6) أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (7) ، وهذا مظهر آخر للقدرة والعلم يتجلى فيما يصيب الإنسان من مصيبة في نفسه وولده وماله إن كل مصاب ينزل بالإنسان في هذه الحياة ناتج عن مخالفة لله تعالى فيما وضع من القوانين والشرائع والسنن. وأعظم دلالة أن يعطل القانون الماضي ويوقف مفعوله فيكسب العبد الذنب ولا يؤاخذ به عفواً من الله تعالى عليه، وهو معنى قوله تعالى {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فله الحمد وله المنة. ومظهر آخر من مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته هو أن الناس مهما أوتوا من قوة وتدبير وعلم ومعرفة لم ولن يعجزوا الله تعالى {أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} فالسماء فوقهم والأرض تحتهم إن يشأ يخسف الأرض من تحتهم أو يسقط عليهم السماء كسفاً من فوقهم. فإلى أين المهرب والجواب إلى الله فقط بالاستسلام له والانقياد بالطاعة وفي ذلك نجاتهم وعزهم وكرامتهم زيادة على سعادتهم وكمالهم في الحياتين وقوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} أي وليس لكم أيها الناس مع عجزكم من ولي يتولاكم ولا ناصر ينصركم. إذاً ففروا إلى الله بالإيمان والإسلام له تنجوا وتسعدوا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان الحكمة في تقدير الأرزاق وإعطائها بمقادير محددة.
2- من مظاهر ربوبية الله تعالى الموجبة لألوهيته على عباده إنزال الغيث بعد اليأس والقنوط وخلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة.
3- بيان حقيقة علمية ثابتة وهي أن المخالفة للقوانين يترتب عليه ضرر يصيب المخالف.
4- بيان أنه ما من مصيبة تصيب المرء في نفسه أو ولده أو ماله إلا بذنب ارتكبه.
5- بيان أن من الذنوب ما يعفو (8) الله تعالى عنه ولا يؤاخذ به تكرماً وإحسانا.
__________

1- روي أن خباب بن الأرت قال هذه الآية نزلت فينا نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وقينقاع فتمنيناها فنزلت {ولو بسط الله} الآية والآية تضمنت رداً على من يقول ما دام الله يستجيب للذين آمنوا الخ لم لا يسألونه سعة الرزق فيغنيهم ويثريهم بألاموال فكان الجواب ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض.
2- وشاهده من السنة هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم.
3- القدر بفتحتين: المقدار والتعيين والجمع بين صفتي "خبير" و"بصير" لأن وصف خبير دال على العلم بمصالح العباد وأحوالهم قبل تقديرها وتقدير أسبابها أي العلم بما سيكون ووصف بصير دال على العلم المتعلق بأحوالهم التي حصلت.
4- الغيث المطر وسمي غيثاً لأن به غيث الناس المضطرين.
5- تقرير لعقيدة البعث والجزاء أثناء تقرير عقيدة التوحيد والنبوة المحمدية.
6- قرأ نافع بما كسبت وقرأ حفص فبما كسبت بزيادة الفاء.
7- قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفوا الله عنه أكثر. وشاهد آخر من كتاب الله تعالى قوله تعالى {من يعمل سوء يجز به} .
8- ولذا قال علي رضي الله عنه أرجى آية في كتاب الله تعالى هي هذه الآية وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه؟.

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:20 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (5)
الحلقة (761)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 614الى صــــ 618)

وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
شرح الكلمات:
ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام: أي ومن علامات ربوبيته للخلق إيجاد السفن كالجبال في البحار وتسخير البحار للسير فيها لمنافع العباد.
إن يشأ يسكن الريح: أي يوقف هبوب الريح فلا نسيم ولا عواصف.
فيظللن رواكد على ظهره: أي تقف السفن وتظل راكد حابسة على ظهر البحر.
إن في ذلك لآيات: أي في هذه المظاهر من خلق السفن والبحار وتسخير البحار وسير السفن وركودها عند سكون الرياح لدلالات واضحة على وجود الله وقدرته وعمله وحكمته.
لكل صبار شكور: أي إن هذه الآيات لا يراها ولا ينتفع بها إلا من كان صباراً عند الشدائد والمحن شكوراً عند الآلاء والنعم.
أو يوبقهن بما كسبوا: أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيهلك تلك السفن ويغرقها بمن فيها بسبب ذنوب أصحابها، وهو على ذلك قدير.
ويعفو عن كثير: أي إنه تعالى ليعفو عن كثير من الذنوب والخطايا فلا يؤاخذ بها إذ لو آخذ بكل ذنب ما بقي أحد على وجه الأرض لقلة من لا يذنب فيها.
ويعلم الذين يجادلون في آياتنا: أي ويعلم المكذبون بآيات الله من المشركين عندما تعصف العواصف وتضطرب السفن ويخاف الغرق.
ما لهم من محيص: أي ليس لهم من مهرب إلا إلى الله فيجأرون بدعائه وحده ناسين آلهتهم الباطلة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر مظاهر الربوبية المستلزمة لألوهية الله تعالى ووجوب عبادته وحده دون سواه فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ (1) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} أي ومن حججه عليكم يا عباد الله الدالة على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته أيضاً هذه السفن الجوار في البحر كأنها جبال عالية تسير من إقليم إلى إقليم بتسخير الله تعالى البحار وإرسال الرياح وهي تجري بمنافعكم حيث تنقل الركاب والبضائع من إقليم إلى آخر. فهذا مظهر قدرة الله ورحمته، وإن يشأ تعالى إسكان الريح فإنها تسكن فلا تهب ولا تنسم بنسيم ألبتة فتقف السفن وتركد على سطح (2) الماء فلا تتحرك، وإن يشأ أيضاً يرسل عليها عواصف من الريح فتضطرب وتغرق بما فيها ومن فيها وذلك بذنوب أصحابها إن القاعدة الثابتة المقررة أنه ما من مصيبة إلا بذنب. وهذا معنى قوله {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} .
وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي إن في هذه المظاهر من خلق السفن والبحار وتسخير البحار وسير السفن عليها وركودها عند سكون الريح لحجج واضحة قوية على وجود الله وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته ولكن لا يراها ولا ينتفع بها أمثال البهائم، ولكن هي من نصيب كل عبد صبار على طاعة الله وبلائه شكور لآلائه ونعمه عليه.
وقوله {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا (3) } . وقوله {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (4) } أي ولا يؤاخذ بكل ذنب فقد يعفو عن كثير من الذنوب. إذ لو عاقب على كل ذنب وآخذ بكل خطيئة لما بقي على وجه الأرض أحد إذ ما من أحد إلا ويذنب اللهم إلا ما كان من المعصومين من الأنبياء والمرسلين فإنهم لا يذنبون، ولكن قد يذنب أصولهم وفروعهم فيهلكون ومن أين يوجدون!!
وقوله تعالى: {وَيَعْلَمَ (5) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (6) } أي وعندما تكون الريح عاصفة وتضطرب السفن وتشرف على الغرق هنا يعلم المشركون الذين يخاصمون رسول الله ويجادلونه في الوحي الإلهي ويكذبون به يعلمون أنهم في هذه الحال ما لهم من محيص أي من ملجأ ولا مهرب من الله إلا إليه فيجأرون بدعاء الله وحده كما قال تعالى فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مظاهر ربوبية الله وألوهيته على خلقه.
2- فضل الصبر والشكر وفضيلة الصابرين الشاكرين.
3- تقرير قاعدة ما من مصيبة إلا بذنب مع عفو الله عن كثير.
4- عند معاينة العذاب يعرف الإنسان ربه ولا يعرف غيره.
__________

1- الجوار جمع جارية والأعلام جمع علم والعلم الجبل والآيات جمع آية وهي العلامة الدالة على الشيء الهادية إليه المعروفة به. وسميت السفينة جارية لأنها تجري في البحر وسميت الشابة من النساء جارية لأنها يجري فيها ماء الشباب.
قال الخليل كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم واستشهد بقول الخنساء وهي ترثي أخاها صخرا:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
2- يقال راكد الماء ركوداً سكن وكذلك الريح والسفن والشمس إذا قام قائم الظهيرة وكل ثابت في مكان فهو راكد والرواكد جمع راكدة مؤنث راكد.
3- أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيوبق السفن أي يغرقهن بذنوب أهلها إذ الباء سببية.
4- ويعفو عن كثير أي من أهلها فلا يغرقهم معها، كما يتجاوز عن كثير من الذنوب فلا يؤاخذ بها. ويعف مجزوم بحذف آخره لأنه معطوف على إن يشأ يسكن الريح أي وإن يشأ يعف.
5- قرأ نافع ويعلم بالرفع على أنه كلام مستأنف وقرأ حفص ويعلم بالنصب عطفاً على فعل مدخول للام التعليل تضمن (أن) بعده، والتقدير لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون الخ..
6- المحيص مصدر ميمي من حاص يحيص حيصاً إذا أخذ في الفرار والهرب مائلاً في سيره وفي حديث أبي سفيان: فحاصوا حيصة حمر الوحش. والمعنى ما لهم من فرار ومهرب من لقاء الله تعالى.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:20 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
شرح الكلمات:
فما أوتيتم من شيء: أي فما أعطيتم من شيء من متاع الدنيا كالمال والولد والمطعم والمشرب والملبس والمسكن والمنكح والمركب.
فمتاع الحياة الدنيا: أي يتمتع به زمناً ثم يزول ولا يبقى.
وما عند الله خير وأبقى: أي وما عند الله من ثواب الآخرة فهو خير في نوعه وأبقى في مدته.
للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون: أي ما عند الله خير وأبقى لأصحاب الصفات التالية:
الإيمان، والتوكل على الله، واجتناب كبائر الإثم والفواحش، والتجاوز عمن أساء إليهم، والاستجابة لربهم في كل ما دعاهم إليه فعلاً أو تركاً، وإقام الصلاة والمشورة (1) بينهم والإنفاق مما رزقهم الله، والانتصار عند البغي عليهم هذه عشرة صفات أصحابها ما أعده الله تعالى لهم يوم يلقونه خير من متاع الدنيا بكامله.
وجزاء سيئة سيئة مثلها: أي جزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه الله عليه.
فمن عفا وأصلح فأجره على الله: أي فمن عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبينه فأجره على الله ثابت له.
إنه لا يحب الظالمين: أي لا يحب البادئين بالظلم، ومن لم يحبه الله أذن في عقوبته.
ولمن انتصر بعد ظلمه: أي ومن ظلمه ظالم فأخذ منه بحقه.
فأولئك ما عليهم من سبيل: أي لمؤاخذتهم، لأنهم ما بدأوا بالظلم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ (2) مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} هذا شروع في بيان صفات الكمال في المسلم التي يستوجب بها نعيم الآخرة ضمن التعريض بزينة الحياة الدنيا الفانية فقال تعالى {فَمَا أُوتِيتُمْ} أيها الناس من مؤمن وكافر من شيء في هذه الحياة الدنيا من لذيذ الطعام والشراب وجميل اللباس، وفاخر المساكن وأجمل المناكح وأفره المراكب كل ذلك متاع الحياة الدنيا يزول ويفنى. أما ما عند الله أي ما أعده الله لأوليائه في الدار الآخرة فهو خير وأبقى لكن لمن أعده؟
والجواب للذين آمنوا أي بالله وآياته ولقائه ورسوله وبكل ما جاء به والذين على ربهم لا على سواه يتوكلون ثقة في كفايته واعتماداً عليه، والذين يجتنبون أي يتركون كبائر (3) الإثم كالشرك والقتل والظلم وشرب الخمر وأكل الحرام والفواحش كالزنى واللواط. والذين إذا غضبوا يتجاوزون (4) عمن أغضبهم ويغفرون له زلته أو إساءته إليهم والذين استجابوا لربهم (5) عندما ناداهم ودعاهم لكل ما طلبه منهم، والذين أقاموا الصلاة فأدوها على وجهها المطلوب لها من خشوع مراعين شرائطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، والذين أمرهم شورى بينهم أي أمرهم الذي يهمهم في حياتهم أفراداً وجماعات وأمماً وشعوباً يجتمعون عليه ويتشاورون (6) فيه ويأخذون بما يلهمهم ربهم بوجه الصواب فيه. والذين مما رزقهم الله من مال وعلم وجاه وصحة بدن ينفقون شكرا لله على ما رزقهم واستزادة للثواب يوم الحساب. والذين إذا أصابهم البغي أي إذا بغى عليهم البغاة الظلمة من الكافرين ينتصرون لأنفسهم إعذارا لها وإكراما لأنها أنفس الله وليها فالعزة واجبة لها. هذه عشر صفات متى اتصف بها العبد لا يضره شيء لو عاش الدهر كله فقيراً نقياًّ محروماً من لذيذ الطعام والشراب ومن جميل اللباس، والسكن والمركب إذ ما عند الله تعالى له خير أبقى مع العلم أن أهل تلك الصفات سوف لا يحرمون من طيبات الحياة الدنيا بل هم أولى بها من غيرهم إلا أنها ليست شيئاً يذكر إلى جانب ما عند الله يوم يلقونه ويعيشون في جواره.
وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} هذا هو الحكم الشرعي جزاء المسيء العقوبة بما أوجب الله تعالى له في كتابه أو على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله تعال فمن عفا عمن أساء إليه، أصلح ما بينه وبينه فعادت المودة وعاد الإخاء فأجره على الله وهو خير له وأبقى من شفاء صدره بعقوبة أخيه الذي أساء إليه. وقوله تعالى {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} تعليل لعظم الأجر لمن عفا أي كونه تعالى لا يحب الظالمين ضاعف الأجر وأجزل المثوبة للمظلوم إذا عفا وأصلح. وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (7) } أي وللذي ظلم فانتصر لنفسه وردّ الظلم عنها فهؤلاء لا سبيل لكم إلى أذيتهم وعقوبتهم. هذا حكم الله وشرعه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- متاع الحياة الدنيا إذا قوبل بما أعد الله للمؤمنين المتقين لا يعد شيئاً يذكر أبدا.
2- بيان أكمل الشخصيات الإسلامية وهي الشخصية التي تتصف بالصفات العشر التي تضمنتها الآيات الأربع ذات الرقم (36- 37- 38- 39) .
3- مشروعية القصاص وعقوبة الظالم.
4- عدم مؤاخذة من ظلم فأخذ بحقه بلا زيادة عنه ما لم يكن حداً فإن الحدود يقيمها الإمام.
5- فضيلة العفو على الإخوة المسلمين والإصلاح بينهم.
__________

1- ومما يقال في المشورة نظماً قول بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فإن الخوافي قوة للقوادم
الخوافي ريشات إذا ضم الطير جناحيه خفيت، والقوادم عشر ريشات في مقدم الجناح وهي كبار الريش.
2- قال القرطبي في قوله تعالى: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} يريد من الغنى والسعة في الدنيا
3- روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الفواحش الزنا وأن كبير الإثم الشرك وهو كذلك.
4- وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي يتجاوزون ويحملون عمن ظلمهم، قيل نزلت في عمر حين شتم بمكة وقيل في أبي بكر حين لامه الناس على إنفاقه ماله كله وحين شتم فحلم.
5- قال ابن زيد: هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة.
6- قال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب وما تشاور قوم قط إلا هدوا وفي الحديث "ما خاب من استخار ولا ندم من استشار وما عال من اقتصد". والشورى والمشورة بمعنى واحد.
7- لقد مدح الله تعالى المنتصر من الظلم ومدح العفو عن الجرم، فالانتصار يكون من الظالم المعلن الفجور الوقح في الجمهور المؤذي للصغير والكبير فهذا الانتقام منه أفضل، والعفو يكون في الفلتة، وفيمن يعترف بالزلة ويطلب العفو.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:21 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (6)
الحلقة (762)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 618الى صــــ 623)

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
شرح الكلمات:
إنما السبيل: أي بالعقوبة والأذية.
ويبغون في الأرض بغير الحق: أي ويطلبون في الأرض الفساد فيها بالشرك والظلم والإجرام.
ولمن صبر وغفر: أي ولمن صبر فلم ينتصر لنفسه وغفر وتجاوز عمن أساء إليه.
إن ذلك: أي ذلك الصبر والتجاوز عن المسيء.
لمن عزم الأمور: أي لمن معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
ومن يضلل الله: أي حسب سنته في الإضلال.
فما له من ولي من بعده: أي فليس له من أحد يتولى هدايته ويقدر عليها.
هل إلى مرد من سبيل: أي هل إلى مرد إلى الحياة الدنيا من سبيل نسلكها لنعود إلى الدنيا.
وتراهم يعرضون عليها: أي على النار خاشعين خائفين متواضعين.
ينظرون من طرف خفي: أي من عين ضعيفة النظر كما ينظر المقتول إلى السيف لا يملأ عينه منه.
يوم القيامة: أي لخلودهم في النار، وعدم وصولهم إلى الحور العين في دار السلام.
ألا إن الظالمين: أي المشركين.
في عذاب مقيم: أي دائم لا يخرجون منه وهو عذاب الجحيم.
ومن يضلل الله فما له من سبيل: أي طريق الهداية في الدنيا، وإلى الجنة يوم القيامة.
معنى الآيات:
لقد تقدم في قوله تعالى في الآية قبل هذه: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فلما نفى عن المنتصرين السبيل إلى عقوبتهم أثبت هنا أن السبيل إلى العقوبة والمؤاخذة هو على الذين (1) يظلمون الناس بالاعتداء عليهم في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم يبغون في الأرض بغير الحق أي ويطلبون الفساد فيها بالشرك والظلم والمعاصي، وليس في الشرك والظلم والمعاصي من حق يبيحها، وقوله {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي للذين يبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم أي موجع وهو عذاب الدنيا بعقوبتهم الصارمة ويوم القيامة إن لم يتوبوا من الظلم والفساد في الأرض.
وقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (2) } يخبر تعالى مؤكداً الخبر بلام الابتداء أن من صبر فلم ينتصر لنفسه من أخيه المسلم وغفر لأخيه زلته فتجاوز له عنها فإن ذلك المذكور من الصبر والتجاوز من معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ (3) مِنْ بَعْدِهِ} أي ومن يضلله الله تعالى حسب سنته في الإضلال فليس له من أحد من بعد الله يهديه. وقوله تعالى: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ} أي المشركين لما رأوا العذاب أي عذاب النار يقولون: متمنيين الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا حتى ينجوا من عذاب النار ويدخلوا الجنة مع الأبرار: هل إلى مرد من سبيل؟ أي هل إلى مرد إلى الدنيا من طريق؟ قال تعالى {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار خاشعين خاضعين متواضعين من الذل ينظرون من طرف خفي (4) يسترقون النظر لا يملأون أعينهم من النظر إلى النار لشدة خوفهم منها. وهنا يقول الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك لخلودهم في النار وحرمانهم من الوصول إلى الحور العين في الجنة دار الأبرار، ويعلن معلن فيقول: ألا إن الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي في عذاب مقيم لا يبرح ولا يزول وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} يخبر تعالى بأنه لم يكن لأولئك الظالمين من أهل النار من أولياء من دون الله ينصرونهم بتخليصهم من العذاب. وقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} أي فما له طريق إلى هدايته في الدنيا وإلى الجنة يوم القيامة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- لا سبيل إلى معاقبة من انتصر لنفسه بعد ظلمه.
2- وجوب معاقبة الظالم والضرب على يديه.
3- فضيلة الصبر والتجاوز عن المسلم إذا أساء بقول أو عمل.
4- لا أعظم خسرانا ممن يخلد في النار ويحرم الجنة وما فيها من نعيم مقيم.
__________

1- هذه الآية تقابل آية التوبة {ما على المحسنين من سبيل} حيث نفت السبيل على المحسنين وهو لومهم وعتابهم وهذه أثبتته على المسيئين الظالمين.
2- قال العلماء هذا فيمن ظلمه مسلم فإنه مندوب إلى الصبر وعدم المؤاخذة وهو العفو روي أن رجلاً سب آخر في مجلس الحسن البصري فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون، والعزم عقد النية على العمل والثبات عليه.
3- من ولي (من) زائدة للتوكيد إذ الكلام فما له ولي من بعده وكذلك في قوله الآتي {وما كان لهم من أولياء} فمن زائدة للتوكيد.
4- الطرف مصدر طرف يطرف طرفاً إذا حرك جفنه ولذا هو لا يثنى ولا يجمع قال تعالى {لا يرتد إليهم طرفهم} ويطلق الطرف على العين كما في هذه الآية قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:21 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
شرح الكلمات:
استجيبوا لربكم: أي أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والعبادة.
من قبل أن يأتي يوم: أي يوم القيامة.
لا مرد له من الله: أي إذا أتى لا يرد بحال.
ما لكم من ملجأ يومئذ: أي تلجأون إليه وتتحصنون فيه.
وما لكم من نكير: أي وليس لكم ما تنكرون به ذنوبكم لأنها في كتاب الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
فإن أعرضوا: أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة.
إن عليك إلا البلاغ: وقد بلغت فلا مسئولية تخشاها بعد البلاغ.
وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة: أي نعمة كالغنى والصحة والعافية.
وإن تصبهم سيئة: أي بلاء كالمرض والفقر وغير ذلك.
بما قدمت أيديهم: أي من الذنوب الخطايا.
فإن الإنسان كفور: أي للنعمة والمنعم والإنسان هو غير المؤمن التقي.
لله ملك السموات والأرض: أي خلقاً وملكاً وتصرفاً.
يهب لمن يشاء إناثاً: أي يرزق من يشاء من الناس بنات.
ويهب لمن يشاء الذكور: أي ويعطي من يشاء الأولاد الذكور.
أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً: أي يجعلهم ذكوراً وإناثاً.
ويجعل من يشاء عقيماً: أي لا يلد ولا يولد له.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض الهائل لأهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده أن يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذاً لأنفسهم من النار فقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ (1) } بمعنى أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي إذا جاء لا مرد له من الله، إذ لا يقدر على رده إلا الله والله أخبر أنه لا يرده فمن يرده إذاً؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل مجيئه حيث لا يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب ولا يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلا أحصاها عدا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47) وهي قوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (2) } . وقوله تعالى في الآية الثانية (48) {فَإِنْ أَعْرَضُوا} أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والطاعة {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} رقيباً تحصي أعمالهم وتحفظها لهم وتجازيهم بها. {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} أي ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت وبرئت ذمتك فلا يهمك أمرهم ولا تحزن على إعراضهم.. وقوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ (3) مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمة كسعة رزق وصحة بدن وكثرة مال وولد فرح بها فرح البطر والأشر، وهذا الإنسان الكافر أو الجاهل الضعيف الإيمان. وإن تصبهم سيئة أي ضيق عيش ومرض وفقر بما قدمت أيديهم من الذنوب فإن الإنسان كفور سرعان ما ينسى النعمة والمنعم ويقع في اليأس والقنوط هذا الإنسان قبل أن يؤمن ويسلم ويحسن فإذا آمن وأسلم وأحسن تغير طبعه وطهر نبعه وأصبح يشكر عند النعمة ويصبر عند النقمة. وقوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ (4) وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} إن بحكم سلطانه على الأرض والسماء فإنه يتصرف كيف يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم له ذكرانا وإناثاً، ويجعل من يشاء من الناس عقيماً لا يلد ولا يولد له، وهذا ناتج عن علم أحاط بكل شيء، وقدرة أخضعت لها كل شيء وهذا معنى قوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (5) فالواجب أن يسلم العبد لربه فيما وهبه وأعطاه إذ الله يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، من السفه الاعتراض على حكم الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب الاستجابة لله تعالى في كل ما دعا العبد إليه، وذلك قبل أن يطلب الاستجابة ولا يمكن منها.
2- على الدعاة إلى الله تعالى إبلاغ مطلوب الله تعالى من عباده، ولا يضرهم بعد ذلك شيء.
3- بيان طبع الإنسان وحاله قبل أن يهذب بالإيمان واليقين والطاعات.
4- لله مطلق التصرف في الملكوت كله فلا يصح الاعتراض عليه في شيء فهو يهب ويمنع لحكم عالية لا تدركها عقول العباد.
5- وجود عقم في الرجال وعقم في النساء، ولا بأس بالعلاج الجائز المشروع عند الشعور بالعقم أو العقر. أما ما ظهر الآن من بنوك المني، والإنجاب بطريق صبّ ماء فحل في فرج امرأة عاقر وما إلى ذلك فهذه من أعمال الملاحدة الذين لا يدينون لله بالطاعة له والتسلم لقضائه، وإن صاموا وصلوا وادعوا أنهم مؤمنون إذ لا حياء لهم ولا إيمان لمن لا حياء له، وحسبهم قبحا في سلوكهم هذا الكشف عن السوءات بدون إنقاذ حياة ولا طلب رضا الله رب الأرض والسموات.
__________

1- السين والتاء للتوكيد واللام لربكم لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول نحو شكرت له وحمدت له وتسمى هذه اللام لام التبليغ ولام التبيين إذ الأصل أجابه واستجابه.
2- النكير: اسم مصدر أنكر ينكر إنكاراً والنكير اسم المصدر إذ نقصت حروفه والمعنى ما لكم إنكار لما جوزيتم به إذ لا يسعكم إلا الاعتراف.
3- الإذاقة كناية عن الإصابة والمراد بالرحمة أثرها وهي النعمة والتقدير وإنا إذا رحمنا الإنسان فأصبناه بنعمة.
4- الجملة مستأنفة بيانياً إذ لسائل أن يقول لم لا يفطر الله الإنسان على خلق الشكر فكان الجواب لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء.
5- الجملة تعليلية فصفتا العلم والقدرة بهما يكون الولد ولا يكون فليسلم الأمر لله في العقم والولادة.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:22 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشورى - (7)
الحلقة (763)
سورة الشورى
مكية
وآياتها ثلاث وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 624الى صــــ 628)

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
شرح الكلمات:
إلا وحيا أو من وراء حجاب: أي إعلاما خفيا سريعاً في يقظة أو منام، أو يكلمه من وراء حجاب فيسمع الكلام ولا يرى الذات.
أو يرسل رسولاً: أي يرسل ملكاً في صورة إنسان فيكلمه مبلغاً عن الله تعالى.
إنه علي حكيم: أي الله تعالى ذو علو على سائر خلقه حكيم في تدبير خلقه.
وكذلك أوحينا إليك: أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن.
روحاً من أمرنا: أي وحياً ورحمة من أمرنا الذي نوحيه إليك.
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان: أي لم تكن قبل تدري أي شيء هو الكتاب، ولا الإيمان الذي هو قول وعمل واعتقاد.
ولكن جعلناه نوراً نهدي به: أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا إلى صراطنا.
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم: أي الإسلام.
ألا إلى الله تصير الأمور: أي ترجع أمور جميع العباد في يوم القيامة إلى الله تعالى.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً (1) } يخبر تعالى أنه ليس من شأن البشر كائنا من كان أن يكلمه الله تعالى إلا وحيا بأن يعلمه بطريق سريع خفي إلهاماً أو مناماً فيفهم عن الله تعالى ما ألقاه في روعه (2) جازماً أنه كلام الله ألقاه إليه، هذه طريقة وثانية أن يكلمه الله تعالى فيسمعه كلامه بدون أن يرى ذاته كما كلم موسى عليه السلام غيره مرة. وثالثة أن يرسل إليه رسولاً كجبريل عليه السلام فيبلغه كلام ربه تعالى هذا معنى قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ (3) رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ} أي ذو علو على خلقه {حَكِيمٌ} في تدبيره لخلقه.
وقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا محمد روحا وهو القرآن وسمي روحاً لأن القلوب تحيا به كما تحيا الأجسام بالأرواح، وقوله
{مِنْ أَمْرِنَا (4) } أي الذي نوحيه إليك الشامل للأمر والنهي والوعد والوعيد وقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} أي القرآن {وَلا الْأِيمَانُ (5) } الذي هو عقيدة وقول وعمل. وقوله {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا إلى الإيمان بنا وتوحيدنا وطلب مرضاتنا بفعل محابّنا وترك مساخطنا.
وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي وإنك يا رسولنا لتهدي إلى صراط مستقيم الذي هو الدين الإسلامي وقوله {صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي خلقا وملكاً وعبيداً {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} أي وإليه تعالى مصير كل شيء، ومرد كل شيء إذ هو المالك الحق والمدبر لأمر المخلوقات كلها، ولذا وجب تفويض الأمر إليه والرضا بحكمه وقضائه ثقة فيه وفي كفايته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان طرق الوحي وهي ثلاثة الأولى الإلقاء في الروع يقظة أو مناماً والثانية أن يكلم الله النبي بدون أن يرى ذاته عز وجل كما كلم موسى في الطور وكلم محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الملكوت الأعلى والثالث أن يرسل إليه الملك إما في صورته الملائكية أو في صورة رجل من بني آدم فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه من أمره.
2- القرآن الكريم روح تحيا به القلوب الميتة كما تحيا الأجسام بالأرواح.
3- القرآن نور يستضاء به في الحياة فتعرف به طرق السعادة وسبل النجاة.
__________

1- روى غير واحد أن الآية نزلت ردا على قول من قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك وجائز أن يكون اليهود الذين أشاروا بهذا على كفار قريش وجائز أن يكون اليهود هم القائلون له.
2- الروع بضم الراء القلب أو العقل، والفتح الفزع. وفي الحديث "إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" والحديث صحيح. وأرج بعضهم خذوا ما حل ودعوا ما حرم.
3- اختلف الفقهاء فيمن حلف ألا يكلم فلاناً فكتب إليه أو أرسل إليه رسولاً فهل يحنث؟ أوجه الأقوال أنه إذا اشترط المشافهة في حلفه أنه لا يحنث وإن لم يشترطها يحنث ولا يحنث إن سلم عليه في الصلاة أما في خارجها فإنه يحنث.
4- أي من شأننا العظيم المقتضي الإيحاء إليك بالقرآن الحاوي للشرائع والأحكام وأنواع الهدايات المكملة للإنسان الآخذ بها المسعدة له في الحياتين.
5- المنفي من الإيمان هو التفصيلي أما الإجمالي فقد ولد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمناً موحداً، ولذا لم يقل وما كنت مؤمناً فالمنفي شرائع الإيمان وتفاصيله.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:22 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)

شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب حم ويقرأ: حا ميم.
والكتاب المبين: أي والقرآن الموضح لطريق الهدى وسبيل السلام.
إنا جعلناه قرآناً عربياً: أي جعلناه قرآنا بلسان العرب يقرأ بلسانهم ويفهم به.
لعلكم تعقلون: أي رجاء أن تعقلوا أيها العرب، ما تؤمرون به وما تنهون عنه.
وإنه في أم الكتاب لدينا: أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير كلِّها عندنا.
لعلي حكيم: أي لذو علو وشأن على الكتب قبله لا يوصل إلى مستواه في علوه ورفعته حكيم أي ذو حكمة بالغة عالية لا يرام مثلها.
أفنضرب عنكم الذكر صفحاً: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحا أي لا ينزل القرآن بأمركم ونهيكم ووعدكم ووعيدكم.
أن كنتم قوماً مسرفين: لأن كنتم قوما مسرفين متجاوزين الحد في الشرك والكفر كلا لا نفعل.
وكم أرسلنا من نبي في الأولين: أي وكثيراً من الأنبياء أرسلناهم في القرون الأولى من الأمم الماضية.
فأهلكنا أشد منهم بطشاً: أي فأنزلنا عذابنا بأشدهم قوة وبطشاً من قومك فأهلكناهم.
ومضى مثل الأولين: أي ومضى في الآيات القرآنية صفة هلاك الأولين.
معنى الآيات:
حم الله أعلم بمراده به، {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (1) أي والقرآن الموضح لكل ما ينجي من عذاب الله ويكسب جنته ورضاه وهذا قسم أقسم الله به، والمقسم عليه قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} أي جعلنا الكتاب المبين الذي هو القرآن عربياً أي بلسان العرب ولغتهم.
وقوله {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} بيان للحكمة في جعل القرآن عربياً أي كي تعقلوا معانيه وتفهموا مراد الله منزله منه فيما يدعوكم إليه فيسهل عليكم العمل به فتكملوا وتسعدوا وقوله {وَإِنَّهُ} أي القرآن {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أي اللوح المحفوظ لدينا عندنا {لَعَلِيٌّ} أي ذو علو وشأن على سائر الكتب قبله حكيم ذو حكمة بالغة عالية لا يرام مثلها.
وقوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ (2) عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (3) قَوْماً مُسْرِفِينَ} أي أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحاً فلا ننزل القرآن حتى لا تؤمروا ولا تنهوا من أجل أنكم قوم مسرفون في الشرك والكفر والتكذيب كلا لا نفعل إذ الاستفهام للإنكار عليهم وقوله {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ (4) نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} أي وكثيرا من الأنبياء أرسلنا في الأمم السابقة {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي ما أتى أمة من تلك الأمم رسول منا إلا سخروا منه واستهزأوا به، وبما جاءهم به من الإيمان والتوحيد ودعاهم إليه من فعل الصالحات وترك المحرمات إذاً فاصبر على قومك فإنهم سالكون سبيل من سبقهم في الكفر والتكذيب والسخرية والاستهزاء. وقوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً} أي أهلكنا من هم أشد بطشا في تلك الأمم الماضية لما كذبوا رسلنا واستهزأوا بهم فكيف بهؤلاء الذين هم أضعف منهم وأقل قوة وقدرة فأحرى بهم أن لا يمتنعوا من عذابنا متى أردنا إنزاله بهم. وقوله {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} أي مضى في الآيات القرآنية صفة هلاك الأولين كقوم عاد وثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات ألم يكن لقومك في ذلك عبرة لو كانوا يعتبرون؟
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية الإقسام بالله تعالى.
2- بيان شرف القرآن الكريم وعلو مكانته على سائر الكتب السابقة.
3- كون الناس مسرفين في الشرك والفساد لا يمنع وعظهم ونصحهم وإرشادهم.
4- بيان سنة بشرية وهي أنهم ما يأتيهم من رسول إلا استهزأوا به.
5- في إهلاك الأقوى دليل على أن إهلاك من هو دونه أحرى وأولى لا سيما مع شدة الكفر.
__________

1- الكتاب هو القرآن أقسم به تعالى للإعلان عن مكانته وعلو شأنه وجعله قرآناً يقرأ بلسان العرب مكتوباً في سطورهم، ومحفوظاً في صدورهم للعلة الحكيمة التي تضمنها قوله {لعلكم تعقلون} .
2- الفاء للتفريع والاستفهام إنكاري أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن؟ كما لا يجوز أن نضرب عنكم صفحاً فلا ننزل القرآن من أجل إسرافكم في الشرك والتكذيب، الصفح: الإعراض بصفح الوجه أي جانبه وهو أشد الإعراض.
3- قرأ نافع {إن كنتم} بكسر الهمزة وقرأ حفص {أن كنتم} بأن المصدرية. وإقحام "قوماً" إشارة إلى أن الإسراف صار طبعاً لهم لا يفارقهم.
4- كم أرسلنا إلى قوله في الأولين تضمن الكلام الإلهي أمرين الأول تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين والثاني تهديد المشركين المسرفين بأنهم يتعرضون للهلاك الذي تعرضت له أمم قبلهم أشد منهم بطشاً وأكثر منهم قوة فأهلكوا وبقوا أثراً بعد عين.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:23 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (1)
الحلقة (764)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 629الى صــــ 635)

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
شرح الكلمات:
ولئن سألتهم: أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من قومك يا رسولنا.
من خلق السموات والأرض: أي من بدأ خلقهن وأوجدهن ليقولن خلقهن الله ذو العزة والعلم.
الذي جعل لكم الأرض مهدا (1) : أي الله الذي جعل لكم الأرض فراشاً كالمهد للصبي.
وجعل لكم فيها سبلا: أي طرقا.
لعلكم تهتدون: أي إلى مقاصدكم في أسفاركم.
ماء بقدر: أي على قدر الحاجة ولم يجعله طوفاناً مغرقاً ومهلكاً.
فأنشرنا به بلدة ميتاً: أي فأحيينا به بلدة ميتاً أي لا نبات فيها ولا زرع.
كذلك تخرجون: أي مثل هذا الإحياء للأرض الميتة بالماء تحيون أنتم وتخرجون من قبوركم.
والذي خلق الأزواج كلها: أي خلق كل شيء إذ الأشياء كلها زوج ولم يعرف فرد إلا الله.
وجعل لكم من الفلك والأنعام: أي السفن، والإبل.
لتستووا على ظهوره: أي تستقروا على ظهور ما تركبون.
وما كنا له مقرنين: أي مطيقين ولا ضابطين.
وإنا إلى ربنا لمنقلبون: أي لصائرون إليه راجعون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد بقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين من قومك قائلاً من خلق السموات والأرض أي من أنشأهن وأوجدهن بعد عدم لبادروك بالجواب قائلين الله ثم هم مع اعترافهم بربوبيته تعالى لكل شيء يشركون في عبادته أصناماً وأوثاناً. في آيات أخرى صرحوا باسم الجلالة الله وفي هذه الآية قالوا: العزيز العليم (2) أي الله ذو العزة التي لا ترام والعلم الذي لا يحاط به. وقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} أي فراشاً (3) وبساطاً كمهد الطفل وهذا من كلام الله تعالى لا من كلام المشركين إذ انتهى كلامهم عند العزيز العليم فلما وصفوه تعالى بصفتي العزة والعلم ناسب ذلك ذكر صفات جليلة أخرى تعريفاً لهم بالله سبحانه وتعالى فقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} أي بساطا وفراشا، وجعل لكم فيها سبلاً أي طرقاً لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم لنيل حاجاتكم في البلاد هنا وهناك، والذي نزل من السماء ماء بقدر هو المطر بقدر أي بكميات موزونة على قدر الحاجة منها فلم تكن ضحلة قليلة لا تنفع ولا طوفانا مغرقا مهلكا، وقوله {فَأَنْشَرْنَا (4) } أي أحيينا بذلك المطر بلدة ميتا أي أرضا يابسة لا نبات فيها ولا زرع. وقوله {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (5) } أي مثل ذلك الإحياء للأرض الميتة يحييكم تعالى ويخرجكم من قبوركم أحياء. وقوله {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} هذا وصف آخر له تعالى بأنه خلق الأزواج كلها من الذكر والأنثى، والخير والشر والصحة والمرض، والعدل والجور، إذ لا فرد إلا هو سبحانه وتعالى وفي الحديث الصحيح الله وتر يحب الوتر، قل هو الله أحد وقوله {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} هذا وصف آخر بصفاته الفعلية الدالة على وجوده وقدرته وعلمه والموجبة لألوهيته إذ جعل للناس من الفلك أي السفن ما يركبون ومن الأنعام كالإبل ومن البهائم كالخيل والبغال والحمير كذلك وقوله {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} أي تستقروا على ظهوره أي ظهور ما تركبون، ثم تذكروا نعمة ربكم بقلوبكم إذا استويتم عليه وتقولوا بألسنتكم سبحان الذي سخر لنا هذا أي الله لنا وأقدرنا على التحكم فيه، وما كنا له أي لذلك الحيوان المركوب بمقرنين أي بمطيقين ولا ضابطين لعجزنا وقوته، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي لصائرون إليه بعد موتنا راجعون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بذكر صفات الربوبية المقتضية للألوهية.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- معجزة القرآن في الإخبار بالزوجية وقد قرر العلم الحديث نظام الزوجية وحتى في الذرة فهي زوج موجب وسالب.
4- مشروعية التسمية والذكر عند ركوب ما يركب فإن كان سفينة أو سيارة قال العبد باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم، وإن كان حيواناً قال عند الشروع باسم الله وإذا استوى قاعدا: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. (6)
__________

1- قرأ نافع مهاداً وقرأ عاصم مهداً. والمهاد اسم للشيء يمهد أي يوطأ ويسهل لما يحل فيه. والمهد مراد به هنا المهاد.
2- من الجائز أن يكون العزيز العليم من قول المشركين إذ هم لا ينكرون عزة الله وعلمه وقدرته كما درجنا عليه في التفسير إذ هو الظاهر من اللفظ والسياق وجائز أن يكون من قول الله تعالى وهما صفتان لاسم الجلالة (الله) الذي أجابوا به في غير آية من القرآن ثم ذكر من صفاته الموجبة لعبادته وحده دون من سواه فذكر ست صفات من صفات الجلال والكمال وهي متضمنة إنعامه وإفضاله على عباده بخلقهم ورزقهم
3- كون الأرض مهداً لا ينافي كون جسمها كروياً.
4- أصل النشر البسط لما كان مطويا وأريد به هنا إحياء الأرض بالنبات بعد محلها ويبسها وحسن إطلاق لفظ النشر لانتشار الحياة فيها بالنباتات.
5- {وكذلك تخرجون} إن إحياءكم بعد موتكم وخروجكم من الأرض منتثرين فيها كإحياء الأرض بالمطر وانتشار النباتات والزروع فيها فبأي حق تنكرون البعث وتكذبون به؟.
6- روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أن علياً رضي الله عنه أتى بدابة فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى عليها قال الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم حمد الله ثلاثاً وكبر الله ثلاثاً ثم قال سبحانك لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك فقيل له مما ضحكت؟ فقال رأيت رسول الله فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت مما ضحكت يا رسول الله فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال ربي اغفر لي ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:24 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
شرح الكلمات:
وجعلوا له من عباده جزاء: أي جعل أولئك المشركون المقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض من عباده جزءاً إذ قالوا الملائكة بنات الله.
إن الإنسان لكفور مبين: أي إن الإنسان المعترف بأن الله خلق السموات وجعل من عباده جزءاً هذا الإنسان لكفور مبين أي لكثير الكفر بينه.
وأصفاكم بالبنين: أي خصكم بالبنين وأخلصهم لكم.
بما ضرب للرحمن مثلاً (1) : أي بما جعل للرحمن شبهاً وهو الولد.
ظل وجهه مسوداً وهو كظيم: أي أقام طوال نهاره مسود الوجه من الحزن وهو ممتلئ غيظا.
أو من ينشأ في الحلية: أي أيجترئون على الله ويجعلون له جزءاً هو البنت التي تربى في الزينة.
وهو في الخصام غير مبين: أي غير مظهر للحجة لضعفه بالأنوثة.
عباد الرحمن إناثاً: أي لأنهم قالوا بنات الله.
أشهدوا خلقهم: أي حضروا خلقهم عندما كان الرحمن يخلقهم.
ستكتب شهادتهم: أي سيكتب قولهم إن الملائكة إناثاً.
ويسألون: أي يوم القيامة عن شهادتهم الباطلة ويعاقبون عليها.
ما لهم بذلك من علم: أي دعواهم أن الله راض عنهم بعبادة الملائكة لا دليل لهم عليه ولا علم.
إن هم إلا يخرصون: أي ما هم إلا يكذبون يتوارثون الجهل عن بعضهم بعضا.
أم آتيناهم كتاباً من قبله: أي أم أنزلنا عليهم كتاب قبل القرآن.
فهم به مستمسكون: أي متمسكون بما جاء فيه، والجواب لم يقع ذلك أبداً.
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة: أي إنهم لا حجة لهم إلا التقليد الأعمى لآبائهم.
وإنا على آثارهم مهتدون: أي على طريقتهم وملتهم ماشون وهي عبادة غير الله من الملائكة وغيرهم من الأصنام والأوثان.
إلا قال مترفوها: أي متنعموها.
إنا وجدنا آباءنا على أمة: أي ملّة ودين.
وإنا على آثارهم مقتدون: أي على طريقتهم متبعون لهم فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد، والمكذبين إلى التصديق فقال تعالى منكراً عليهم باطلهم موبخاً لهم على اعتقاده والقول به، فقال: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} أي وجعل أولئك المشركون الجاهلون لله جزءاً أي نصيباً من خلقه حيث قالوا الملائكة بنات الله، وهذا من أكذب الكذب وأكفر الكفر إذ كيف عرفوا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله، وأنهم يستحقون العبادة مع الله فعبدوهم؟ حقاً إن الإنسان لكفور (2) مبين أي كثير الكفر وكبيره وبينه لا يحتاج فيه إلى دليل وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ (3) مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ (4) بِالْبَنِينَ} أي أتقولون أيها المشركون المفترون اتخذ الله مما يخلق من
المخلوقات بنات، وخصكم بالبنين، بمعنى أنه فضلكم على نفسه بالذكور الذين تحبون ورضي لنفسه الإناث اللاتي تبغضون. عجباً منكم هذا الفهم السقيم. وقوله تعالى وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي بما جعل لله شبها وهو الولد ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم، أي إن هؤلاء الذين يجعلون لله البنات كذبا وافتراء، إذا ولد لأحدهم بنت فشر بها أي أخبر بأن امرأته جاءت ببنت ظل وجهه طوال النهار مسوداً من الكآبة والغم وهو كظيم أي ممتلئ غماً وحزناً.
وقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ (5) غَيْرُ مُبِينٍ} ينكر تعالى عليهم ويوبخهم على كذبهم وسوء فهمهم فيقول: أيجترئون ويبلغون الغاية في سوء الأدب ويجعلون لله من يربى في الزينة لنقصانه وهو البنات، وهو في الخصام غير مبين لخفة عقله حتى قيل ما أدلت امرأة بحجة إلا كانت عليها لا لها. فقوله {غَيْرُ مُبِينٍ} أي غير مظهر للحجة لضعفه بالخِلقة وهي الأنثى والضمير عائد على من في قوله {أَوَمَنْ يُنَشَّأ (6) ُ فِي الْحِلْيَةِ} أي في الزينة.
وقوله تعالى {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ (7) الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي حيث قالوا الملائكة بنات الله وعبدوهم لذلك طلباً لشفاعتهم والانتفاع بعبادتهم. قال تعالى موبخاً لهم مقيما الحجة على كذبهم: أشهدوا خلقهم أي أحضروا خلقهم عندما كان الله يخلقهم، والجواب لا، ومن أين لهم ذلك وهم ما زالوا لم يخلقوا بعد ولا آباؤهم بل ولا آدم أصلهم عليه السلام وقوله تعالى {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} هذه وهي قولهم إن الملائكة بنات الله ويسألون عنها ويحاسبون ويعاقبون عليها بأشد أنواع العقاب، لأنها الكذب والافتراء، وعلى؟ إنه على الله، والعياذ بالله وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ (8) مَا عَبَدْنَاهُمْ} . أي قال أولئك المشركون المفترون لمن أنكر عليه عبادة الملائكة وغيرها من الأصنام قالوا: لو شاء الرحمن منا عدم عبادتهم ما عبدناهم. قال تعالى في الرد عليهم {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي ليس لهم أي علم برضا الله تعالى بعبادتهم لهم، ما هم في قولهم ذلك إلا يخرصون أي يقولون بالخرص والكذب إذ العلم يأتي من طريق الكتاب أو النبي ولا كتاب عندهم ولا نبي فيهم قال بقولتهم. ولذا قال تعالى منكراً عليهم قولتهم الفاجرة {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} ؟ لا لا، ما آتاهم الله من كتاب ولا جاءهم قبل محمد من نذير إذاً فلا حجة لهم إلا التقليد الأعمى للآباء والأجداد الجهال الضلال وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي ملة (9) {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} أي ماشون مقتفون آثارهم وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} أي رسول إلا قال مترفوها أي متنعموها بنضارة العيش وغضارته {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي ملة ودين {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} أي متبعون لهم فيها. فهذه سنة الأمم قبل أمتك يا رسولنا فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق بما يقولون ويعتقدون ويفعلون أيضاً. وهو معنى قوله تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} إلى آخر الآية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير صفة من صفات الإنسان قبل شفائه بالإيمان والعبادة وهي الكفر والواضح المبين.
2- وجوب إنكار المنكر ومحاولة تغييره في حدود ما يسمح به الشرع وتتسع له طاقة الإنسان.
3- بيان حال المشركين العرب في الجاهلية من كراهيتهم البنات خوف العار وذلك لشدة غيرتهم.
4- بيان ضعف المرأة ونقصانها ولذا تكمل بالزينة، وإن النقص فيها فطري في البدن والعقل معا.
5- بيان أن من قال قولاً وشهد شهادة باطلة سوف يسأل عنها يوم القيامة ويعاقب عليها.
6- حرمة القول على الله بدون علم فلا يحل أن ينسب إلى الله تعالى شيء لم ينسبه هو تعالى لنفسه.
7- حرمة التقليد للآباء وأهل البلاد والمشايخ فلا يقبل قول إلا بدليل من الشرع.
__________

1- المراد من المثل: الأنثى بدليل قوله تعالى في سورة النحل {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم} . وتفسيره بالولد أعمّ وأولى لأن النصارى كاليهود قبلهم قالوا: عزير ابن الله، وعيسى ابن الله؛ وكذبوا، وقال بعض العرب: الملائكة بنات الله؛ تعالى الله عن الولد- ذكرا أو أنثى- علواً كبيراً.
2- قال الحسن يعد المصائب وينسى النعم ومبين معناه مظهر للكفر.
3- أم اتخذ الميم صلة أي زائدة لتقوية الكلام والاستفهام للتوبيخ والتأنيب.
4- {أصفاكم} قال القرطبي: اختصكم وأخلصكم بالبنين يقال أصفيته بكذا أي آثرته به وأصفيته الود أخلصته له.
5- أي في المجادلة والإدلاء بالحجة قال قتادة ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا وجعتلها على نفسها.
6- في الآية دليل على جواز لبس الذهب والحرير للنساء وهو إجماع إلا أن بعض السلف كان ينزه بناته عنه لقول أبي هريرة إياك يا بنية والتحلي بالذهب فإني أخاف عليك اللهب، وقرأ نافع {ينشأ} وقرأ حفص {ينشّأ} فالأول بتخفيف الشين والثاني بتشديدها الأول من: أنشأ والثاني من نشأ.
7- قرأ نافع عند الرحمن وقرأ حفص عباد الرحمن ولا منافاة والملائكة عند الرحمن في الملكوت الأعلى في حضرة القدس يتلقون خطاب الله مباشرة بلا واسطة وهم في واقع الأمر عباد الرحمن وجملة (الذين هم عند الرحمن إناثا) صفة للملائكة فهي في محل نصب.
8- قولهم منظور فيه إلى أن مشيئة الله وهي إرادته قسمان إرادة كونية وإرادة تكليفية شرعية فالإرادة الكونية القدرية هذه لا تتخلف أبداً فما شاء الله كان والإرادة الشرعية التكليفية هي التي قد تتخلف لأن الله تعالى وهب عبده إرادة واختياراً وبحسب ما يختاره يكون جزاؤه والمشركون لا علم لهم بهذا فلذا نفى عنهم العلم راداً باطلهم بجهلهم.
9- لفظ الأمة هنا يراد به الدين والملة والطريقة أيضاً ومن شواهد ذلك:
كنا على أمة آبائنا
ويقتدي الآخر بالأول.
وهل يستوي ذو أمة وكفور؟.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:24 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (2)
الحلقة (765)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 636الى صــــ 640)

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
شرح الكلمات:
قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم: قال لهم رسولهم: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بأهدى أي خير مما وجدتم عليه آباءكم هداية إلى الحق والسعادة والكمال.
قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون: أي قال المشركون لرسلهم ردّا عليهم إنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون منكرون غير معترفين به.
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين: أي كانت دماراً وهلاكاً إذا فلا تكترث بتكذيب قومك يا رسولنا.
وإذ قال إبراهيم: أي واذكر إذ قال إبراهيم أبو الأنبياء خليل الرحمن.
إنني براء مما تعبدون: أي بريء مما تعبدون من أصنام لا أعبدها
إلا الذي فطرني فإنه سيهدين: أي لكن الذي خلقني فإني أعبده وأعترف به فإنه سيهديني أي يرشدني إلى ما يكملني ويسعدني في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وجعلها كلمة باقية في عقبه (1) : أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" باقية دائمة في ذريته إذ وصاهم بها كما قال تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه.
لعلهم يرجعون: أي رجاء أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى توحيده كلما ذكروها وهي لا إله إلا الله.
بل متعت هؤلاء وآباءهم: أي هؤلاء المشركين وآباءهم بالحياة فلم أعاجلهم بالعقوبة.
حتى جاءهم الحق ورسول مبين: أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق، ورسول مبين لا شك في رسالته وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين لهم طريق الهدى والأحكام الشرعية.
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم: أي وقال هؤلاء المشركون الذين متعناهم بالحياة فلم نعاجلهم، هلاّ نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف.
أهم يقسمون رحمة ربك: أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والاقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات. وليس لهم حق في تنبئة أحد إذ هذا من حق الله وحده.
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا: أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنغني هذا ونفقر هذا ونملك هذا ونعزل هذا، فكيف بالنبوة وهي أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن أحق بها منهم فننبئ من نشاء.
ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً: أي جعلنا هذا غنيا وذاك فقيراً ليتخذ الغني الفقير خادماً يسخره في خدمته بأجرة مقابل عمله.
ورحمة ربك خير مما يجمعون: أي والجنة التي أعدها الله لك ولأتباعك خير من المال الذي يجمع هؤلاء المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} "ملة" {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ، قال مخبراً عن قول الرسول لأمته المكذبة المقلدة للآباء الظالمين {قَالَ أَوَلَوْ (2) جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} أي أتتبعون آباءكم ولا تتبعوني ولو جئتكم بأهدى إلى الخير والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم، وهذا إنكار من الرسول عليهم في صورة استفهام وهو (3) توبيخ أيضاً إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريباً كان أو بعيداً. وقوله تعالى {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ (4) بِهِ كَافِرُونَ} هذا قول الأمم المكذبة المشركة لرسلهم أي كل أمة قالت هذا لرسولها: إننا بما أرسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون
مكذبون غير مصدقين، قال تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ (5) } أي لتكذيبهم فأهلكناهم فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبتهم وهم المكذبون إنها دمار شامل وهلاك تام. وليذكر هذا قومك لعلهم يذكرون.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ (6) وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} أي واذكر يا رسولنا لقومك قول إبراهيم الذي ينتسبون إليه باطلا لأبيه وقومه: إنني براء مما تعبدون أي إني بريء من آلهتكم التي تعبدونها فلا أعبدها ولا أعترف بعبادتها. وقوله {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} أي لكن أعبد الله الذي خلقني فهو أحق بعبادتي مما لم يخلقني ولم يخلق شيئاً وهو مخلوق أيضا. وقوله {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} أي يرشدني دائما إلى ما فيه سعادتي وكمالي. وقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي وجعل براءته من الشرك والمشركين، وعبادته خاصة بالله رب العالمين جعلها كلمة باقية في ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك في سورة البقرة إذ قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} أي بأن لا يعبدوا إلا الله وهي إذاً كلمة لا إله إلا الله ورثها إبراهيم في بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا وتركوا عبادة الله تعالى والإنابة إليه بعوامل الشر والفساد من شياطين الإنس والجن فيذكرون ويتوبون إلى الله تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى الله إبراهيم عن المؤمنين خيرا. وقوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ (7) هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملاً إذا أشرك من بنيه من أشرك ومنهم هؤلاء المشركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم، ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذي هو هذا القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أي الموضح لكل الأحكام والمبين لكل الشرائع. {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذي هو القرآن الحامل للشرائع والأحكام والرسول المبين لذلك الموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به، وإنا به أي بالقرآن والرسول كافرون أي جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك في الشطط والغلط وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} أي هلاّ نزل هذا القرآن على رجل شريف ذي مكانة مثل الوليد بن المغيرة (8) في مكة أو عروة بن مسعود في الطائف وهذه نظرة مادية بحتة إذ رأوا أن الشرف بالمال، ولما كان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا مال له ولا ثراء رأوا أنه ليس أهلا للرسالة ولا للمتابعة عليها، فرد تعالى عيهم نظريتهم المادية الهابطة هذه بقوله: {أَهُمْ (9) يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} ؟ أما يخجلون عندما قالوا أهم يقسمون رحمة ربك فيعطون منها من شاءوا ويمنعون من شاءوا أم نحن القاسمون؟ إنا قسمنا بينهم معيشتهم: طعامهم وشرابهم وكساهم وسكنهم ومركوبهم في الحياة الدنيا فالعاجز حتى عن إطعام نفسه وسقيها وكسوتها كيف لا يستحي أن يعترض على الله في اختياره من هو أهل لنبوته ورسالته؟ وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أي في الرزق فهذا غني وذاك فقير من أجل أن يخدم الفقير الغني وهو معنى قوله تعالى: {لِيَتَّخِذَ (10) بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} ، إذ لو كانوا كلهم أغنياء لما خدم أحد أحداً وتعطلت الحياة وقوله تعالى: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} أي الجنة دار السلام خير مما يجمعون من المال الذي فضلوا أهله وإن كانوا من أحط الناس قدرا أدناهم شرفاً. ورأوا أنهم أولى بالنبوة منك لمرض نفوسهم بحب المال والشهوات.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- من الكمال العقلي أن يبتع المرء الهدى ولو خالفه قومه وأهل بلاده.
2- وجوب البراءة من الشرك والمشركين وهذا معنى لا إله إلا الله.
3- فضيلة من يورث أولاده هدى وصلاحاً.
4- لا يعترض على الله أحد في شرعه وتدبيره إلا كفر والعياذ بالله تعالى.
5- بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض والذكاء والغباء.
__________

1- لفظ العقب الوارد في الآية وفي الحديث الصحيح من أعمر عُمرى فهي له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال ابن العربي ترد هذه اللفظة على أحد عشر لفظاً وهي الولد والبنون والذرية والعقب والنسل والآل والقرابة والعشيرة والقوم والموالي.
2- قرأ نافع والجمهور قل بصيغة الأمر وقرأ حفص قال بصيغة الماضي فيعود الضمير إلى نذير الذين قالوا {إنا وجدنا آباءنا} .. الخ. وأما على قراءة نافع فهو أمر للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقول للمشركين ما أمره أن يقوله لهم.
3- هذا الاستفهام تقريري إلا أنه مشوب بالإنكار والتوبيخ.
4- في قولهم هذا معنى التهكم برسلهم إذ أثبتوا لهم الرسالة وهم مكذبون بها كقول قريش مال هذا الرسول يأكل الطعام.
5- الفاء للتفريع وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بأن يحل بهم ما حل بالمكذبين قبلهم.
6- لما ادعى المشركون أنهم مقلدون آباءهم في الدين ذكر لهم ما ينبغي أن يقلدوه من آبائهم هو إبراهيم وإسماعيل وإلا فليس الأمر كما يدعون وإنما هم متبعون أهواءهم.
7- بل للإضراب الإبطالي أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم كاملاً بل هناك من لم يرجع إلى التوحيد من ذرية إبراهيم إذ جاء عمرو بن لحيّ بالأصنام وعبدها آباء هؤلاء وهم لها عابدون حتى مجيء الحق ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8- هذا المشهور من الأقوال في الرجلين ومنهم من قال هما عمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف وعتبة بن ربيعة من مكة وهو قول مجاهد، وقيل عظيم الطائف هو حبيب بن عمرو أما القريتان فلا خلاف في أنهما مكة والطائف لكونهما أكبر مدن تهامة.
9- الاستفهام إنكاري متضمن التوبيخ لهؤلاء الزاعمين اختيار من شاءوا للاصطفاء والرسالة فعلموا أنه لا حق لهم في هذا الاختيار إذ هم لا خيار لهم حتى في طعامهم وشرابهم فضلا عن اختيار من يرسل ومن لا يرسل.
10- الجملة تعليلية للتفاضل في الرزق أي فاضل بينهم في الغنى والفقر ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً أي يستخدم الغني الفقير في قضاء حاجتة وليأخذ الفقير منه ما يسد به حاجته والسخري هنا بمعنى التسخير للعمل وليس بمعنى السخرية والاستهزاء إذ أجمع السبعة على قراءة ضم السين وعدم كسرها.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:25 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
شرح الكلمات:
أمة واحدة: أي على الكفر.
ومعارج: أي كالسلم والمصعد الحديث والمعارج جمع معرج وهو المصعد.
عليها يظهرون: أي يعلون عليها إلى السطح.
زخرفاً: أي ذهباً أي لجعلنا لبيوتهم سقفاً من فضة وذهب وكذلك الأبواب والمصاعد والسرر بعضها من فضة وبعضها من ذهب.
وإن كل ذلك: أي وما كل ذلك المذكور.
لما متاع الحياة الدنيا: أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يتمتع به فيها ثم يزول.
والآخرة: أي الجنة ونعيمها خير لأهل الإيمان والتقوى من متاع الدنيا.
معنى الآيات:
لما فضل تعالى الجنة على المال والمتاع الدنيوي في الآيات السابقة قال هنا: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن (يعني نفسه عز وجل) لبيوتهم سقفاً من فضة، ومعارج (1) عليها يظهرون (2) أي مراقي ومصاعد عليها يعلون إلى الغرف والسطوح من فضة ولجعلنا كذلك لبيوتهم أبواباً وسررا عليها يتكئون من فضة أيضاً، وزخرفاً أي وذهباً أي بعض المذكور من فضة وبعضه من ذهب ليكون أجمل وأبهى من الفضة وحدها، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يتمتع به الناس ثم يزول ويذهب بزوالهم وذهابهم. والآخرة عند ربك أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم للمتقين الذين آمنوا واتقوا الشرك والمعاصي وما عند الله خير مما عند الناس، وما يبقى خير مما يفنى، ولذا قال الحكماء لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف "طين" لاختار العاقل الآخرة على الدنيا، وهو اختيار ما يبقى على ما ينفى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطري في الإنسان فلذا لو أعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل الناس وطلبوها بالكفر.
2- هوان الدنيا على الله وعدم الاكتراث بها إذ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء رواه الترمذي وصححه وفي صحيح مسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. (3)
3- بيان أن الآخرة خير للمتقين.
__________

1- المعارج السلم وجمع السلم سلاليم وواحد المعارج معرج ومعرج بكسر الميم وفتحها وهي المرقاة والجمع مراقي.
2- روي أن نابغة بن جعدة أنشد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلا:
علونا السماء عزة ومهابة
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.
فغضب الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إلى أين؟ قال إلى الجنة قال "أجل إن شاء الله" وهنا قال الحسن: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل؟!
3- أنشد بعهم في ذم الدنيا فقال:
فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن
إذاً لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة
وقد شبعت فيها بطون البهائم



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:25 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (3)
الحلقة (766)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 640الى صــــ 644)

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)

شرح الكلمات:
ومن يعش عن ذكر الرحمن: أي يعرض متعاميا متغافلا عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن متجاهلا له.
نقيض له شيطاناً: أي نجعل له شيطاناً يلازمه لإضلاله وإغوائه.
فهو له قرين: أي فهو أي من عشا عن ذكر الرحمن قرين للشيطان.
وإنهم ليصدونهم عن السبيل: أي وإن الشياطين المقارنين لهم ليصدون عن طريق الهدى.
ويحسبون أنهم مهتدون: أي ويحسب العاشون عن القرآن وحججه وعن ذكر الرحمن
وطاعته أنهم مهتدون أي أنهم على الحق والصواب وذلك بتزيين القرين لهم.
بُعد المشرقين: أي كما بين المشرق والمغرب من البعد قال هذا تبرؤاً منه.
ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم: أي ولن ينفعكم اليوم أيها العاشون إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك والمعاصي.
أنكم في العذاب مشتركون: اشترككم في العذاب غير نافع لكم.
أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي:: أي إنك يا رسولنا لا تسمع الصم، ولا تهدي العمي والقوم قد أصمهم الله وأعمى أبصارهم لأنهم عشوا عن ذكره.
ومن كان في ضلال مبين: أي كما أنك لا تقدر على هداية من كان في ضلال مبين عن الحق والهدى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض الهداية على الضالين بالكشف عن أحوالهم وإضاءة الطريق لهم قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ (1) عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يعرض متعاميا متغافلا عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن وعبادة الرحمن متجاهلا ذلك نقيض (2) له شيطاناً أي نسبب له نتيجة إعراضه شيطاناً ونجعله له قريناً لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة. فهو له قرين دائما. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} أي وإن القرناء الذين جعلهم تعالى حسب سنته في الأسباب والمسببات للعاشين عن ذكره يصدونهم بالتزيين والتحسين لكل المعاصي حتى انغمسوا في كل اثم وولغوا في كل باطل وشر، وضلوا عن سبيل الهدى والرشد ومع هذا يحسبون أنهم مهتدون وغيرهم هم الظالمون.
وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} (3) أي يوم القيامة قال العاشي عن ذكر الرحمن يا ليت متمنياً بيني وبينك بعد المشرقين أي يتمنى لو أن بينه وبين قرينه من الشياطين من البعد كما بين المشرق والمغرب. قال تعالى لأولئك العاشين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك والمعاصي في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي إن اشتراككم في العذاب غير نافع لكم ولا مجدٍ أبدا. وقوله تعالى لرسوله: {أَفَأَنْتَ (4) تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ينكر تعالى على رسوله ظنه أنه يقدر على هدايتهم وحده بدون إرادة الله تعالى ذلك لهم إذ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجتهد في دعائهم، وهم لا يزدادون إلا تعاميا وتجاهلا وكفرا فقال تعالى يخاطب رسوله {أَفَأَنْتَ} والاستفهام للإنكار تسمع الصم الذين ذهب الله بأسماعهم، أو تهدي العمي الذين ذهب الله بأبصارهم، ومن كان في ضلال مبين عن الحق وسبيل الرشد والهدى إنك لا تقدر على ذلك فهون على نفسك وترفق في دعوتك فإنك لا تكلف غير البلاغ وقد بلغت.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى فيمن يعرض عن ذكر الله فإنه يسبب له شيطاناً يضله ويحرمه الهداية أبدا فيقيم على الذنوب والآثام ضالاً الطريق المنجي المسعد وهو يحسب أنه مهتدٍ، وهذا يتعرض له المعرضون عن الكتاب والسنة كالمبتدعة وأصحاب الأهواء والشهوات والعياذ بالله تعالى.
2- الاشتراك في العذاب يوم القيامة لا يخففه.
3- بيان أن من أعماه الله وأصمه حسب سنته في ذلك لا هادي له ولا مسمع له ولا مبصر.
__________

1- هذا مضارع عشا يعشو عشواً كغزا (يغزو) غزواً إذا نظر إلى الشيء نظراً غير ثابت يشبه نظر الأعشى والعشا بفتح العين والشين اسم ضعف العين عن رؤية الأشياء. وعشى كرضى إذا كان في بصره آفة العشا.
2- قيض يقيض تقييضاً فالتقييض: الإتاحة وتهيئة شيء لملازمة شيء لعمل حتى يتمه وهو مشتق من اسم جامد وهو قيض البيضة أي القشر المحيط بالمح، وهو لا يفارقه حتى يخرج منها الفرخ فيتم ما أتيح له القيض.
3- قرأ نافع جاءانا أي من يعش عن ذكر الرحمن والشيطان المقيض له وقرأ حفص بالإفراد جاءنا أي العاشي عن ذكر الرحمن.
4- الاستفهام إنكاري وفي الآية تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسجيل أن الكافر أصم وأعمى ويقابله المؤمن يسمع ويبصر.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:26 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
شرح الكلمات:
فإما نذهبن بك: أي فإن نذهبن بك أي نميتك (1) قبل تعذيبهم، وما زائدة أدغمت فيها إن الشرطية فصارت إمّا.
فإنا منهم منتقمون: أي معذبوهم في الدنيا وفي الآخرة.
وإما نرينك الذي وعدناهم: أي وإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب.
فإنا عليهم مقتدرون: أي لا يعوقنا عائق لأنا عليهم قادرون.
فاستمسك بالذي أوحي إليك: أي دم على استمساكك بالقرآن سواء عجلنا لك بالموعود به أو أخرناه.
إنك على صراط مستقيم: أي إنك على طريق الحق والهدى فواصل سيرك.
وإنه لذكر لك ولقومك: أي وإن القرآن لشرف لك وشرف لقومك.
وسوف تسألون: أي عن القرآن أي عن العمل به بتطبيق شرائعه وإبلاغه لغيركم.
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا: أي اسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون: أي هل جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون والجواب لم نجعل أبداً فليفهم هذا مشركو مكة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة كفار قريش إلى الإيمان والتوحيد فقوله تعالى {فَإِمَّا (2) نَذْهَبَنَّ بِكَ} أي إن نذهب بك أي نخرجك من بين أظهرهم فإنا منهم منتقمون أي فنعذبهم كما عذبنا الأمم من قبلهم عندما يخرجون رسولهم أو نرينك الذي وعدناهم من نصرك عليهم وغلبتك لهم فإنا عليهم مقتدرون أي قادرون على أن نفعل بهم ذلك.
وقوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ (3) بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي فتمسك يا رسولنا بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك إنك على صراط مستقيم وهو الإسلام الذي لا يشقى من تمسك به فعاش عليه ومات عليه. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} أي وأن القرآن الذي أوحي إليك وأمرت بالتمسك به هو ذكر لك أي شرف لك وأي شرف (4) ولقومك من قريش كذلك إذا آمنوا به وعملوا بما جاء فيه وسوف تسألون (5) عن العمل به وتطبيق أحكامه والالتزام بشرائعه.
وقوله {وَاسْأَلْ (6) مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ؟ أي واسأل يا رسولنا مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل إذ سؤالهما سؤال رسلهم الذين ماتوا من قبلك هل جعل الله تعالى من دونه آلهة يعبدون؟ وسوف يجيبونك بقولهم حاشا لله أن يأذن بعبادة غيره من خلقه وهو الله لا إله إلا هو، وهذا من أجل تنبيه أذهان قريش إلى خطأها الفاحش في إصرارهم على عبادة الأصنام إن القرآن نزل لهدايتهم وهداية غيرهم من بني آدم على الإطلاق إلا أنهم هم أولاً وغيرهم ثانيا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- من سنة الله في الأمم إذا أخرج الرسولَ قومُه مكرها انتقم الله تعالى له منهم فأهلكهم.
2- صدق وعد الله تعالى لرسوله فإنه ما توفاه حتى أقر عينه بنصره على أعدائه.
3- وجوب التمسك بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً.
4- شرف هذه الأمة بالقرآن فإن أضاعَتْه أضاعها الله وأذلهّا وقد فَعَلَ.
__________

1- أو بالخروج من مكة مكرهاً عليه من قبل أعدائك، وهجرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كانت إلا بإرادته الحرة ولم يكن فيها مكرهاً ولا مُلجأ ولذا لم ينتقم الله من أهل مكة كما هو في التفسير.
2- الفاء تفريعية فالجملة متفرعة عما تقدم من قوله أفأنت تسمع الصم الخ والذهاب هنا قابل للموت والإخراج كرهاً بقرينة الوعيد المترتب عليه.
3- فاستمسك الفاء تفريعية عما قبلها والآية تحض على التمسك بالإسلام تشريعاً وعملاً.
4- هذه الآية كآية الأنبياء وهي: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم} ومنشأ هذا الشرف هو أن قريشا نزل القرآن بلغتها فكل الناس محتاجون إلى معرفة لغتهم ليعرفوا ما طلب منهم من عقائد وعبادات وآداب فبهذا شرفت قريش.
5- من فسر السؤال بالعمل هو حق وكذا من فسره بالشكر فهو حق لأن شكر العلم العمل به وتعليمه.
6- جائز أن يكون الكلام على ظاهره وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جمع الله تعالى له العديد من الرسل والأنبياء في بيت المقدس ليلة الإسراء والمعراج وسألهم فأجابوا بالحق وهو أن الله تعالى لم يأذن أبداً في عبادة غيره وجائز أن يكون في الكلام حذف دل عليه واقع الحياة إذ لا يسأل الأموات وإنما يسأل الأحياء وتقدير المحذوف واسأل أتباع من أرسلنا من قبلك وهم مؤمنو أهل الكتابين من أتباع موسى وعيسى كما هو في التفسير.





ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:26 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (4)
الحلقة (767)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 645الى صــــ 648)



وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
شرح الكلمات:
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا: أي أرسلناه بالمعجزات الدالة على صدق رسالته.
إلى فرعون وملأه: أي وقومه من القبط.
إذا هم منها يضحكون: أي سخرية واستهزاء.
وما نريهم من آية: أي آيات العذاب كالطوفان.
إلا هي أكبر من أختها: أي من قرينتها التي قبلها من الآيات.
وقالوا يا أيها الساحر: أي أيها العالم بالسحر المتبحر فيه.
بما عهد عندك: أي من كشف العذاب عنا إن آمنا.
إنا لمهتدون: أي إن كشفت عنا العذاب إنا مؤمنون.
إذا هم ينكثون: أي ينقضون عهدهم فلم يؤمنوا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} إيراد هذا القصص هنا كان لمشابهة حال قريش بحال فرعون من جهة إذ قال رجال قريش لم لا يكون الرسول من ذوي المال والجاه كالوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود وقال فرعون: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين أي حقير يعني موسى عليه السلام.
ومن جهة أخرى كان لتسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر كما صبر موسى وهو أحد أولي العزم الخمسة فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا} أي بحججنا الدالة على صدق موسى في رسالته إلى فرعون وقومه بأن يعبدوا الله ويتركوا عبادة غيره، وإن يرسلوا مع موسى بني إسرائيل ليذهب بهم إلى أرض المعاد "فلسطين" فلما جاءهم قال إني رسول رب العالمين جئتكم لآمركم بعبادة الله وحده وترك عبادة من سواه، إذ لا يستحق العبادة إلا الله. فطالبوه بالآيات على صدق دعواه فلما جاءهم بالآيات العظام فاجأوه بالضحك منها والسخرية والاستهزاء بها وهو معنى قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} (1) .
وقوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} (2) أي وما نري فرعون وملأه من آية إلا هي أكبر دلالة على صدق موسى من الآية التي سبقها. قال تعالى {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى الحق فيؤمنون ويوحدون. وقالوا لموسى يا أيها الساحر (3) أي العليم بالسحر المتبحر فيه ظناً منهم أن المعجزات كانت عمل ساحر. ادع لنا ربك (4) بما عهد عندك إنا لمهتدون أي سل ربك يرفع عنا هذا العذاب كالطوفان والجراد والقمل والضفادع إنا مؤمنون وكانوا كلما نزل بهم العذاب سألوا موسى ووعدوه بالإيمان به إن رفع الله عنهم العذاب وفي كل مرة ينكثون عهدهم وهو قوله تعالى {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون العهد ولا يؤمنون كما واعدوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- الآيات دليل على صدق من جاء بها، ولكن لا تستلزم الإيمان ممن شاهدها.
2- قد يؤاخذ الله الأفراد أو الجماعات بالذنب المرة بعد المرة لعلهم يتوبون إليه.
3- حرمة خلف الوعد ونكث العهد، وأنهما من آيات النفاق وعلاماته.
__________

1- أي استهزاء وسخرية يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخييل وأنهم قادرون على الإتيان بمثلها.
2- الأخت هنا بمعنى المشاكلة والمجانسة النوعية كما يقال هذه صاحبة تلك أي قريبة منها في المعنى والكبر والمراد به الكبر في الدلالة على صدق موسى وصحة دعوته إذ المعجزات تتفاوت في العظمة كما قال الشاعر:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يسري بها الساري
3- هذا النداء في هذا الموقف كان نداء تكريم وتعظيم كعادتهم في توقير وتعظيم علمائهم السحرة لأنهم لما أصابهم من البلاء اعترفوا بمكانة موسى وسيادته وأيّه تكتب بدون ألف اتباعاً للمصحف وحذفت الألف نظراً إلى سقوطها في النطق للوصل والهاء حرف تنبيه أتي بها للفصل بين أي وبين نعتها في النداء.
4- هذا جرياً على اعتقاد الأقباط وهو أن لكل أمة أو قبيلة رباً خاصاً بها لذا قالوا لموسى ادع لنا ربك.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:27 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

***************************
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
شرح الكلمات:
ونادى فرعون في قومه: أي نادى فيهم افتخاراً وتبجحا بما عنده.
وهذه الأنهار تجري من تحتي: أي من النيل تجري من تحت قصوري.
أفلا تبصرن: أي عظمتي وما أنا عليه من الجلال والكمال.
أم أنا خير: أي من موسى الذي هو مهين ولا يكاد يبين أي يفصح لِلثُّغة التي في لسانه.
فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب: أي هلاّ ألقي عليه أسورة من ذهب من قِبَل الذي أرسله.
أو جاء معه الملائكة مقترنين: أي أو جاءت الملائكة يتبع بعضها بعضاً تشهد له بالرسالة.
فاستخف قومه فأطاعوه: أي استفز فرعون قومه أي قال لهم ما حركهم به فخفوا لطاعته.
إنهم كانوا قوما فاسقين: أي أطاعوه لكونهم قوماً فاسقين ففسقهم هو علة طاعتهم.
فلما آسفونا انتقمنا منهم: أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم.
فجعلناهم سلفا: أي فرعون وقومه سلفاً أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم.
ومثلاً للآخرين: أي يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل فعلهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة موسى مع فرعون قال تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ (1) فِي قَوْمِهِ} لأجل الافتخار والتطاول إرهاباً للناس قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار أي أنهار النيل (2) تجري من تحتي (3) أي من تحت قصوره، أفلا يبصرون فإذا أبصرتم فقولوا أنا خير (4) من هذا الذي هو مهين أي حقير يتولى الخدمة بنفسه، ولا يكاد يبين أي يفصح بلسانه لعلة به وهي اللثغة أم هو؟. فلولا ألقي عليه أساورة (5) من ذهب أي هلاّ ألقى عليه من أرسله أساورة من ذهب أو بعث معه الملائكة مقترنين يشهدون له بالرسالة. قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} أستفزهم بقوله هذا وحركهم فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين، والفاسق جبان خواف يستجيب بسرعة للباطل إن كان ممن يخاف عادة كالحاكم الظالم.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} أي أغضبونا بنكثهم وكفرهم وكبريائهم وظلمهم أغرقناهم أجمعين أي فلم نبق منهم أحداً والمراد فرعون وجنوده. وقوله تعالى {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً (6) وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} أي جعلنا فرعون، ومن أغرقنا معه من ملائه وجيوشه سلفاًً أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم، ومثلاً يتمثل به من بعدهم فلا يقدمون على ما أقدموا عليه من الكفر والظلم والعلو والفساد، وأولى من يعتبر بهذا قريش التي نزل لينبّهها ويحرك كامن نفسها لتنتبه من غفلتها فتؤمن وتوحد فتنجوا وتكمل وتسعد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- ذم الفخر والمباهاة إذ هما من صفات المتكبرين والظالمين.
2- الاحتقار للفقراء والازدراء بهم من صفات الجبارين الظلمة المتكبرين.
3- الفسق يجعل صاحبه مطية لكل ظالم أداة يسخره كما يشاء.
4- التحذير من غضب الرب تبارك وتعالى فإنه متى غضب انتقم فبطش.
__________

1- قيل لما كشف الله عنهم العذاب بدعوة موسى أضمر فرعون وملؤه نكث العهد الذي أعطاه لموسى وهو أنهم يهتدون فخاف فرعون أن يتبع قومه موسى فقام بهذه المناورة الرخيصة فنادى في قومه فجمعهم وقال فيهم ما ذكر تعالى.
2- هذه الأنهار هي فروع النيل وهي أربعة هي نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنّيس.
3- جائز أن تكون الأنهار له تسلط على مصابها فلذا هدد قومه بذلك.
4- أم أنا خير (أم) المنقطعة بمعنى بل للإضراب الانتقالي والتقدير بل أنا خير والاستفهام تقريري أراد تفضيل نفسه على موسى عليه السلام والمهين: الذليل الذي لم يكن من بيوت الشرف والجاه.
5- قرأ نافع والجمهور أساورة جمع أسوار لغة في سوار، وقرأ حفص أسورة جمع سوار والمراد من قوله ألقي عليه أساورة يريد إن كان ملكاً أو رسولا كما يزعم لم لا يلقى إليه من السماء أساورة كالتي يلبسها ملوك فارس ومصر، أو تأتي معه الملائكة يشهدون له بالرسالة بما يدعي وكل هذا من باب دفع معرة الهزيمة التي لحقته.
6- السلف: جمع سالف كخدم جمع خادم وحرس جمع لحارس والسالف: من يسبق غيره في الوجود.






ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:29 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (5)
الحلقة (768)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 648الى صــــ 653)

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
شرح الكلمات:
ولما ضرب ابن مريم مثلا: أي ولما جعل عيسى بن مريم مثلا، والضارب ابن الزبعري.
إذا قومك منه يصدون: أي إذ المشركون من قومك يصدون أي يضحكون فرحاً بما سمعوا.
وقالوا أآلهتنا خير أم هو؟ : أي ألهتنا التي نعبدها خير أم هو أي عيسى ابن مريم فنرضى أن تكون آلهتنا معه.
ما ضربوه لك إلا جدلا: أي ما جعلوه أي المثل لك إلا خصومة بالباطل لعلمهم أن ما لغير العاقل فلا يتناول اللفظ عيسى عليه السلام.
بل هم قوم خصمون: أي شديدو الخصومة.
إن هو إلا عبد أنعمنا عليه: أي ما هو أي عيسى إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة.
وجعلناه مثلا لبني إسرائيل: أي لوجوده من غير أب كان مثلا لبني إسرائيل لغرابته يستدل به على قدرة الله على ما يشاء.
ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة: أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلكم ملائكة.
في الأرض يخلفون: أي يعمرون الأرض ويبعدون الله فيها يخلفونكم فيها بعد إهلاككم.
وإنه لعلم للساعة: أي وإن عيسى عليه السلام لعلم للساعة تُعلم بنزوله إذا نزل.
فلا تمترن بها: أي لا تشكن فيها أي في إثباتها ولا في قربها.
واتبعون هذا صراط مستقيم: أي وقل لهم اتبعون على التوحيد هذا صراط مستقيم وهو الإسلام.
ولا يصدنكم الشيطان: أي ولا يصرفنكم الشيطان عن الإسلام.
إنه لكم عدو مبين: أي إن الشيطان لكم عدو بين العدواة فلا تتبعوه.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} روي أن ابنَ الزبعري قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما نزلت آية الأنبياء إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها ورادون قال: أهذا لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال ابن الزبعري خصمتك ورب الكعبة، أليست النصارى يعبدون المسيح واليهود يعبدون العزير وبنو مليح يعبدون الملائكة فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرح بها المشركون وضحكوا وضجوا بالضحك مرتفعة أصواتهم بذلك ونزلت في هذه الحادثة الآية: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ (1) مَثَلاً} أي ولما جعل ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلاً إذ جعله مشابها للأصنام من حيث أن النصارى اتخذوه إلهاً وعبدوه من دون الله، وقال فإذا كان عيسى والعزير والملائكة في النار فقد رضينا أن نكون وآلهتنا معهم ففرح بها المشركون وصدوا (2) وضجوا بالضحك. وقالوا آلهتنا خير أم هو أي المسيح؟ قال تعالى لرسوله: ما ضربوه لك إلا جدلاً أي ما ضرب لك ابن الزبعري هذا المثل طلباً للحق وبحثاً عنه وإنما ضربه لك لأجل الجدل والخصومة بل هم قوم خصمون مجبولون على الجدل والخصام.
وقوله {إِنْ هُوَ} أي عيسى {إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالنبوة والرسالة، {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ} يستدلون به على قدرة الله وأنه عز وجل على كل ما يشاء قدير إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من تراب ثم قال له كن فكان.
وقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} أي ولو نشاء لأهلكناكم يا بني آدم ولم نبق منكم أحدا. وجعلنا بدَلَكم في الأرض ملائكة يخلقونكم فيها فيعمرونها ويعبدون الله تعالى فيها ويوحدونه ولا يشركون به سواه.
وقوله {وَإِنَّهُ (3) لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي إن عيسى عليه السلام لعلامة للساعة أي إن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان علامة على قرب الساعة. فلا تمترن بها أي فلا تشكّن في إتيانها فإنها آتية وقريبة. وقوله واتبعون أي وقل لهم يا رسولنا واتبعون على التوحيد وما جئتكم به من الهدى هذا صراط مستقيم أي الإسلام القائم على التوحيد الذي نزل به القرآن وجاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا يصدنكم الشيطان عن الإسلام بوساوسه وإغوائه فيصرفكم عن التوحيد والإسلام إنه لكم عدو مبين وليس أدل على عدوانه من أنه أخرج آدم بإغوائه من الجنة حسداً له وبغياً عليه. فمثل هذا العدو لا يصح أبداً الاستماع إليه والمشي وراءه واتباع خطواته. ومن يتبع خطواته يهلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن قريشا أوتيت الجدل والقوة في الخصومة.
2- ذم الجدل لغير إحقاق حق أو إبطال باطل وفي الحديث ما ضل قوم بعد هُدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل.
3- شرف عيسى وعلو مكانته وأن نزوله إلى الأرض علامة كبرى من علامات قرب الساعة.
4- تقرير البعث والجزاء.
5- حرمة اتباع الشيطان لأنه يضل ولا يهدي.
__________

1- المراد بالمثل هنا الممثل به والمشبه به لأن ابن الزبعري شبه آلهتهم بعيسى في أنها عبدت من دون الله مثله فإذا كانوا في النار فعيسى كذلك.
2- قرأ نافع يصدون من صد يصد عن كذا إذا أعرض فيصدون بمعنى يعرضون عن القرآن ويقولون إن فيه تناقضاً من أجل فرية ابن الزبعري، وقرأ حفص يصدون بكسر الصاد من الصد بمعنى الصخب والضجيج
3- وجائز أن يكون الضمير في (وإنه) عائد إلى القرآن أو إلى المنزّل عليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين السبابة والوسطى مشيراً إليهما". وما في التفسير مروي عن كبار التابعين مجاهد وقتادة وابن عباس الصاحب الجليل رضي الله عنهما ولذا قدمته في التفسير.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:29 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)
شرح الكلمات:
ولما جاء عيسى بالبينات: أي ولما جاء عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل بالمعجزات والشرائع.
قال قد جئتكم بالحكمة: أي قال لبنى إسرائيل قد جئتكم بالنبوة وشرائع الإنجيل.
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه: أي وجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أحكام التوراة من أمر الدين وغيره.
فاتقوا الله وأطيعون: أي خافوا الله وأطيعون فيما أبلغكموه عن الله من الأمر والنهى.
إن الله ربي وربكم فاعبدوه: أي إن الله إلهي وإلهكم فاعبدوه بحبه وتعظيمه والذلة له.
هذا صراط مستقيم: أي تقوى الله وطاعة الرسول وعبادة الله بما شرع هو الإسلام المعبر عنه بالصراط المستقيم.
فاختلف الأحزاب من بينهم: أي في شأن عيسى أهو الله: أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.
فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم: أي فويل للذين كفروا بما قالوا في عيسى من الكذب والباطل.
هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون: أي ما ينتظر هؤلاء الأحزاب مع إصرارهم على ما قالوه في عيسى إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهم لا يشعرون.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى جدل المشركين في مكة وفرحهم بالباطل الذي قاله ابن الزبعري في شأن الملائكة والعزير وعيسى عليهم السلام من أنهم في النار مع من عبدوهم، وبرأ تعالى الملائكة والعزير وعيسى لأنهم ما أمروا الناس بعبادتهم حتى يؤاخذوا بها، وإنما أمر بعبادتهم الشيطان فالشيطان ومن عبدوهم هم الذين في النار. وذكر تعالى شرف عيسى ومكانته وأنه عبد أنعم عليه بالنبوة وجعله مثلا لبني إسرائيل يستدلون به على قدرة الله تعالى إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم وإنما خلقه من تراب ذكر رسالة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليكون ذلك موعظة لكفار مكة فقال تعالى ولما جاء عيسى بالبينات (1) أي جاء بني إسرائيل مصحوباً بالبينات هي الإنجيل والمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وما إلى ذلك، قال لهم قد جئتكم بالحكمة أي النبوة من عند الله، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة وأمور الدين إذاً فاتقوا الله (2) يا بني إسرائيل أي خافوا عقابه المترتب على معاصيه وأطيعون فيما أبلغكموه من أمر ونهي عن الله تعالى، إن الله ربي وربكم أي إلهي وألهكم لا إله إلا هو فاعبدوه بفعل محابه وترك مساخطه حبا فيه وتعظيماً له ورهبة ورغبة. وقوله {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي هذا الذي دعوتكم إليه من اتقاء الله، وطاعة رسوله وعبادته وحده هو الطريق المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى سعادة الدارين. قال تعالى: {فَاخْتَلَفَ (3) الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} أي من بين بني إسرائيل من يهود ونصارى فقالت طائفة من اليهود افتراء أن عيسى ابن مريم ابن زنا وأمه بغى وقالوا ساحر. وقال النصارى: هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.
قال تعالى {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أي مؤلم فتوعدهم الرب تعالى بالويل الذي هو واد يسيل في جهنم بما يتجمع من صديد فروج أهل النار وأبدانهم من دماء وقروح وأوساخ وهو عذاب يوم القيامة الأليم توعد هؤلاء الظالمين بما قالوا في عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام وقال تعالى: {هَلْ (4) يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} أي ما ينظرون إلا الساعة لأنهم ما تابوا إلى الله ولا راجعوا الحق فيما قالوه في عيسى بل أصروا: اليهود يصفونه بأخس الصفات والنصارى يصفونه بالألوهية التي هي حق الله رب عيسى ورب العالمين أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون لأنهم مشغولون بالذرة والهدرجين والاستعمار والتجارة والانغماس في الشهوات كما هو واقع ومشاهد اليوم. وصدق الله العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان رسالة عيسى إلى بني إسرائيل.
2- وجوب التقوى لله وطاعة الرسول، وتوحيد الله في عبادته.
3- بيان شؤم الخلاف، وما يجره من التوغل في الكفر والفساد.
4- وعيد الله لليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام بالويل وهو عذاب يوم أليم.
__________

1- قال ابن عباس يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام وخلق الطير والمائدة وغيرها والإخبار بكثير من الغيوب.
2- أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ومن قال هذا فكيف يكون إلهاً يُعبَد وهو عبد يَعبُد ويوحد؟.
3- ومن اختلافاتهم التي نعيت عليهم اختلاف فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعقوبية اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعقوبية هو الله وقالت الملكية ثالث ثلاثة أحدهم الله قاله الكلبي وغيره.
4- الجملة مستأنفة بيانياً لما تقدم مما يثير في النفس تساؤلا فكان الجواب أن العذاب آت وأهله ما ينظرون إلا الساعة وأهل العذاب هم المختلفون من أهل الكتاب والمشركين إذ الجميع ظلموا بالشرك والكفر والتكذيب والآية تدعوهم إلى التوبة لينجوا من العذاب الأليم.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:31 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزخرف - (6)
الحلقة (769)
سورة الزخرف
مكية وآياتها تسع وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 654الى صــــ 657)

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
شرح الكلمات:
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو: أي الأحباء يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة.
إلا المتقين: فإن محبتهم تدوم لهم لأنها كانت في الله وطاعته.
يا عباد لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون: أي ينادون فيقال لهم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون بل تحبرون أي تسرون وتكرمون.
يطاف عليهم بصحاف من ذهب: أي يطوف عليهم الملائكة بقصاع من ذهب وفيها الطعام وأكواب من ذهب فيها الشراب اللذيذ.
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين: أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس تلذذاً وتلذ الأعين نظراً إليه.
وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون: أي يقال لهم وهذه هي الجنة التي أورثكموها الله بأعمالكم
كنتم تعملون سببية أي بسبب أعمالكم الصالحة التي زكت نفوسكم وطهرت أرواحكم فاستوجبتم دخول الجنة وإرث منازلها.
وقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ (1) مِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي يقال لهم هذا إكراما لهم وإسعاداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- كل خلة يوم القيامة تنقطع إلا خلة كانت في الله ولله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي أن تكون المودة في الدنيا لله لا لغيره تعالى.
2- بيان فضل التقوى وشرف المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
3- بيان أن الرجل يجمع الله بينه وبين زوجته المسلمة في الجنة.
4- بيان نعيم أهل الجنة من طعام وشراب وسائر المستلذات.
5- الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة كما أن الشرك والمعاصي سبب في دخول النار.
__________

1- الفاكهة قال ابن عباس رضي الله عنهما هي الثمار كلها رطبها ويابسها، وبائعها يقال له الفاكهي.

***************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:32 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
شرح الكلمات:
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون: أي إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في جهنم خالدون لا يخرجون ولا يموتون.
لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون: أي لا يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس.
ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك: أي نادوا مالكاً خازن النار قائلين له ليمتنا ربك.
قال إنكم ماكثون: أي أجابهم بعد ألف سنة مضت على دعوتهم بقوله إنكم ما كثون أي مقيمون في عذاب جهنم دائما.
لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون: أي علة بقائكم أنا جئناكم بالحق على لسان رسولنا والحق التوحيد وعبادة الله بما شرع فكره أكثركم الحق.
أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون: أي أحكموا في الكيد للنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا محكمون كيدنا في إهلاكهم.
ورسلنا لديهم يكتبون: أي وملائكتنا من الحفظة يكتبون ما يسرون وما يعلنون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الجنة ونعيمها ذكر في هذه الآيات النار وعذابها وهذا هو الترغيب والترهيب الذي امتاز به أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله تعالى وهداية الخلق إلى الإصلاح قال تعالى {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ (1) } أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي هؤلاء في عذاب جهنم خالدون، لا يفتر عنهم العذاب أي لا يخفف وهم فيه أي في العذاب مبلسون أي ساكتون آيسون قانطون. وقال تعالى {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} في تعذيبنا لهم بهذا العذاب ولكن كانوا هم الظالمين، حيث داسوا أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا (2) رَبُّكَ} يخبر تعالى أن أصحاب ذلك العذاب الدائم الذي لا يفتر فيخفف نادوا مالكاً خازن النار وقالوا له ليمتنا ربك فنستريح من العذاب فأجابهم مالك بعد ألف (3) سنة قائلاً قال أي ربي إنكم ماكثون أي في عذاب جهنم، وعلل لهذا الحكم بالمكث أبداً فقال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} أي أرسلنا إليكم رسولنا بالحق يدعوكم إليه وهو الإيمان والعمل الصالح المزكي للنفوس فكره أكثركم (4) ذلك فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحاً مؤثرين شهوات الدنيا على الآخرة فمتم على الشرك والكفر فهذا جزاء الكافرين.
وقوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا (5) أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أي بل أبرم هؤلاء المشركون أمراً يكيدون فيه للرسول ودعوته فإن فعلوا ذلك فإنا مبرمون أي محكمون أمراً مضاف لهم بتعذيبهم وإبطال ما أحكموه من الكيد للرسول ودعوته. وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} نسمع ذلك ورسلنا وهم الحفظة لديهم يكتبون ما يقولون سراً وجهراً. روي أن ثلاثة نفر قالوا وهم تحت أستار الكعبة فقال أحدهم أترون أن الله يسمع كلامنا؟ فقال أحدهم إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع وقال الثاني إن كان يسمع إذا أعلنتم فإنه يسمع إذا أسررتم فنزلت {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ (6) وَنَجْوَاهُمْ} أي نسمع سرهم ونجواهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان عقوبة الإجرام على النفس بالشرك والمعاصي.
2- عذاب الآخرة لا يطاق ولا يقادر قدره يدل عليه طلبهم الموت ليستريحوا منه وما هم بميتين.
3- أكبر عامل من عوامل كراهية الحق حب الدنيا والشهوات البهيمية في الأكل والشرب والنكاح هذه
__________

1- الجملة مستأنفة بيانياً لأن سائلاً بعد أن علم بحال أهل الإيمان والتقوى يسأل عن حال أهل الإجرام فأجيب بأن المجرمين الخ.
2- قال ابن مسعود وأبو الدرداء قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونادوا يا مال أي رخم الاسم المنادى بحذف الحرف الأخير منه وهو شائع في كلام العرب فيقال في مالك مال وفي حارث يا حار وفي فاطمة فاطم قال الشاعر:
يا حار لا أرثين منكم بداهية
لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال آخر:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
3- روى هذا الترمذي وهناك رواية أخرى في ذكر المدة التي يجابون بعدها.
4- الذين كرهوا الحق هم الرؤساء حفاظاً على مراكزهم وأما الأتباع فلم يكرهوا الحق ولكن اتبعوا الرؤساء فماتوا على الشرك والكفر فدخلوا النار معهم.
5- أم المنقطعة تفسر ببل للإضراب الانتقالي والاستفهام محذوف الأداة تخفيفاً أي أأبرموا أمراً والاستفهام تقريري والمراد بالأمر ما يبيتونه من مكر بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجمعوا عليه وهو قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك في دار الندوة فأبرم الله أمراً فأهلكهم في بدر.
6- السر: ما يسرونه في أنفسهم من وسائل المكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالنجوى ما يتناجون به بينهم في ذلك بحديث خفي.




الساعة الآن : 06:25 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 555.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 554.16 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.32%)]