ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 29-01-2022 10:59 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب السهو)
(241)
- (باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى (باب الذكر بعد التشهد)
لقد بين الشرع فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة يدعو المصلي ويتخير في الدعاء، وأن الأفضل في الدعاء أن يثني على الله ويمجده ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها يدعو بما شاء.
الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
شرح حديث: (... أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله يعني: ابن المبارك حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه فقال: إنه جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً)].
يقول النسائي رحمه الله: باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يريد بذلك أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لها شأن ولها فضل وفيها أجر عظيم وثواب جزيل من المولى سبحانه وتعالى، وذلك أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين، ودل أمته على كل خير وحذرها من كل شر، وأخرجها الله به من الظلمات إلى النور، فمن حقه عليها أن تصلي وتسلم عليه عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في هذا الحديث وفي غيره ما يدل على عظم شأن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، وكثرة ثوابها وجزائها عند الله عز وجل، وأن الله تعالى يثيب من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أن يصلي عليه بها عشراً، ومن سلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يسلم عليه بذلك عشراً، فيكون المسلم يجمع بين الصلاة والتسليم على النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يثيب من حصل منه ذلك بأن يحصل له مضاعفة الأجر وأن تكون تلك الصلاة بعشر صلوات من الله عز وجل وفي ذلك أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.
وقد أورد النسائي حديث أبي طلحة الأنصاري زيد بن سهل رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى أصحابه والبشر يعلو وجهه، يعني: مسروراً يظهر عليه السرور والفرح، فسألوه، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن جبريل جاءه وقال: أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صلى الله عليه عشراً، وأن لا يسلم عليه أحد إلا سلم الله عليه عشراً، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، والصلاة بعشر صلوات، والسلام بعشر منه، بأن يسلم عليه عشر مرات بأن يحصل له ذلك عشر مرات، والصلاة هي ثناء الله عز وجل على عبده بالملأ الأعلى، والسلام هو تسليم الله عز وجل لعبده وحصول السلامة له، وحصول مقتضى اسم الله عز وجل الذي فيه الخير والبركة للعبد الذي حصل منه الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحسنة بعشرة أمثالها وهذا دال على عظم شأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك السلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (... أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً...)
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر المروزي].وهو ثقة، حافظ، أخرج له الترمذي، والنسائي.
يروي عن [عبد الله بن المبارك].
وهو المروزي ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب، وهو ثناء عظيم على هذا الرجل العظيم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وكلمة يعني: ابن المبارك الذي قالها النسائي أو من دون النسائي وليس سويد بن نصر الذي هو تلميذه؛ لأن سويد بن نصر لا يحتاج إلى أن يقول: ابن المبارك، وإنما يقول: عبد الله بن المبارك، وينسبه كما يريد، لكن الذي يحتاج إلى أن يصفه أو يبين شيئاً يوضحه ويزيل اللبس عنه لحصول الاشتباه في الأسماء هو من دون التلميذ، وهو إما النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) هذه جملة لها فاعل ولها قائل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى سويد بن نصر، وقائلها هو النسائي أو من دون النسائي، أي: قال النسائي أو من دونه: يعني: سويد بن نصر بقوله: عبد الله عبد الله بن المبارك، هذا هو المراد بهذه الكلمة، ومثلها كلمة (هو ابن فلان) تأتي كثيراً في الأسانيد، وفي بعضها يأتي: (يعني: ابن فلان)، والمراد بها أن الزيادة التي حصلت لتوضح الاسم جاءت ممن دون التلميذ، ولما جاء بها من دون التلميذ لم ينسبه فيقول: عبد الله بن المبارك؛ لأنه لو كان كذلك ظن أن هذا لفظ التلميذ، لكن أتى بلفظ يوضح أن هذا اللفظ ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ ليبين من هو ذلك الرجل المهمل الذي لم ينسب وهو عبد الله في رواية سويد بن نصر المروزي عنه.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان مولى الحسن بن علي].
سليمان مولى الحسن يقال له: الهاشمي مولاهم، وقد قال عنه الحافظ في التقريب أنه مجهول، وسبق أن مر الحديث في الأبواب القريبة الماضية وذكرت أن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمته في تهذيب التهذيب أن الحديث صححه ابن حبان، والحاكم، وأن الشيخ الألباني قال عنه أنه حديث حسن.
[عن عبد الله بن أبي طلحة]
عبد الله بن أبي طلحة ولد في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وهو أخو أنس بن مالك، وهو ثقة، فهو الذي حنكه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فله رؤية ويعتبر من كبار التابعين من حيث الرواية، فالذين لهم رؤية وليست لهم رواية يعتبرون من كبار التابعين، ويكونون معدودين في الصحابة من حيث الرؤية، وهو أخو أنس بن مالك لأمه أم سليم، وأبوه أبو طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة أخرج له مسلم، والنسائي.
[عن أبيه].
أبوه أبو طلحة الأنصاري هو زيد بن سهل مشهور بكنيته أبو طلحة وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور بهذه الكنية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على واحدة صلى الله عليه عشراً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)، وهو مثل حديث أبي طلحة المتقدم فيما يتعلق بجزئه الأول؛ لأن فيه ذكر الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة يجمع فيها بين الصلاة والتسليم، وقد يؤتى بها بدون التسليم فيما إذا أتي بالصلاة الإبراهيمية وليس معها تسليم، لكن إذا أتى بها مختصرة مثل: صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام فإن الله تعالى يثيبه على أن يحصل ذلك له عشر مرات كما جاء في حديث أبي طلحة المتقدم.
وحديث أبي هريرة شاهد لحديث أبي طلحة فيما يتعلق بجزئه فيما يتعلق بالصلاة.
ومعلوم أن الصلاة التي تكون عند ذكره صلى الله عليه وسلم يجمع فيها بين الصلاة والتسليم عليه عليه الصلاة والسلام فيقال: صلى الله عليه وسلم أو يقال: عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، هؤلاء هم الذين خرجوا حديث علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو شيخ للبخاري، لكن مسلماً أكثر من الرواية عنه.
[أخبرنا إسماعيل بن جعفر].
وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن العلاء].
هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم، وهو صدوق، ربما وهم وحديثه أخرجه البخاري، في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
يروي عن أبيه [عبد الرحمن بن يعقوب الجهني].
مولاهم وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن الذين خرجوا له هم نفس الذين خرجوا لابنه، العلاء وأبوه عبد الرحمن خرج لكل منهما البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة، وأكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي صحابي جليل مكثر من رواية حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
شرح حديث: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا محمد بن يوسف حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفعه عشر درجات) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى يصلي عليه بذلك عشر صلوات، ويحط عنه عشر خطيئات ويرفعه عشر درجات، وذلك فضل عظيم من المولى سبحانه وتعالى يثيب به من صلى على النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ...)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].وهو الكوسج المروزي، ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا محمد بن يوسف].
وهو الفريابي وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن أبي إسحاق].
هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي وهو صدوق، يهم قليلاً، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والأربعة.
يروي [عن بريد بن أبي مريم البصري].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خدم النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنوات مذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله عز وجل وأنس يخدمه رضي الله تعالى عنه، وأنس هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنه وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
فهؤلاء سبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 29-01-2022 10:59 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
باب تخيير الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
شرح حديث عبد الله بن مسعود في التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخيير الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعمرو بن علي واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى حدثنا سليمان الأعمش حدثني شقيق عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه يدعو به)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الترجمة أوردها النسائي بعد ذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وكيفياتها، وبيان فضلها، وأورد فيها حديث ابن مسعود وليس فيه تعرض للصلاة، وإنما فيه ذكر التشهد فقط، وبعد فراغه من التشهد قال: ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به، هذا هو لفظ الحديث، لكن النسائي ذكر في الترجمة أن الإنسان يتخير من الدعاء أو التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد، وذلك أن التشهد مشتمل على السلام على الرسول عليه الصلاة والسلام، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فيها الصلاة عليه، فيكون الإنسان جامعاً بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، السلام في التشهد والصلاة في الصلاة الإبراهيمية التي علم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصحابه إياها، عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فكون النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة مع أن الحديث ليس فيه نص على ذكر الصلاة وأن الدعاء يكون بعد الصلاة وإنما أراد بذلك أن التشهد فيه سلام وأيضاً فيه صلاة، فإذا جمع الإنسان بين الصلاة والتسليم عليه عليه الصلاة والسلام يأتي بعد ذلك بالدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يدعو لم يمجد الله ولم يصل على رسول الله، فقال: (عجلت أيها المصلي)، ومعنى هذا أن من أسباب قبول الدعاء أن يكون مسبوقاً بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أنه في التشهد السلام والصلاة بعده، فإذا أتى الإنسان بالسلام وأتى بالصلاة يكون جمع بين الصلاة والتسليم عليه الصلاة والسلام، فبعد ذلك يتخير من الدعاء ما شاء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على الذي سأل الله عز وجل دون أن يمجد الله ودون أن يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالتشهد فيه تمجيد الله بقوله: (التحيات الله والصلوات والطيبات)، لأن هذا تمجيد لله وثناء عليه، وبين أنه المستحق لذلك، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وهي الصلاة الإبراهيمية إذا أتى بها بعد التشهد فيكون قد مجد الله وصلى وسلم على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على أن النسائي رحمه الله استنتج أنه يجمع بين السلام والصلاة عليه، وأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم لما عرفوا كيف يسلمون عليه قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام بأن بين لهم الصلاة التي يصلون بها عليه الصلاة الإبراهيمية، فيكون الإنسان في التشهد قد جمع بين التشهد وبين الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ثم يأتي بما أعجبه من الدعاء سواء يختار من الأدعية الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو مطلقاً يتخير من الدعاء الذي يعجبه، لكن لا شك أن كون الإنسان يحرص على الإتيان بالوارد وبالذي أثر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا شك أن هذا هو الأكمل وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يفعله.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام).
وهذا فيه بيان ما كانوا يفعلونه من قبل وأنهم يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، السلام على جبريل وميكائيل، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقولوا هكذا، فإن الله هو السلام، فلا يقال: السلام على الله من عباده؛ لأن الله تعالى هو السلام ومنه السلام، فلا يقال: السلام على الله من عباده، نهاهم عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم أيضاً قولهم: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان أيضاً يغني عنه ما علمهم إياه عليه الصلاة والسلام بقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، فإن كلمة: عباد الله الصالحين تغني عن فلان، وفلان، وفلان ؛ لأنه كما جاء في الحديث نفسه: (إنكم إذا قلتم ذلك فقد أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) تصيب الملائكة، وتصيب البشر، وتصيب الجن، كل عبد صالح في السماء والأرض تصيبه تلك الدعوة أو ذلك السلام: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فكلمة: عباد الله الصالحين تغني عن فلان وفلان التي كانوا يقولونها، أتى بلفظ عام يشمل كل عبد صالح، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، جوامع الكلم وجوامع الأدعية؛ لأنهم يقولون: فلان وفلان يسمون عدة أسماء، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يقولوه وأعطاهم لفظاً واحداً يشمل ما يريدونه وما يجري على ألسنتهم وما لا يخطر على بالهم، وأن المراد به أو المقصود به: أنه يسلم على كل عبد صالح في السماء والأرض (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
ثم أيضاً هذا يدلنا على أن العبد إذا كان حرص على أن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في كل مكان، كل إنسان يدعو بهذا الدعاء ويقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يكون للعبد الصالح نصيب من هذا الدعاء، فهذا يدلنا على عظم شأن الاستقامة وكون الإنسان يحرص على أن يكون مستقيماً لأنه يحصل هذه الدعوة العامة التي تحصل من كل مصل وتصيب كل عبد صالح في السماء والأرض كما بين ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
(لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات).
هذا فيه تعظيم لله عز وجل وتمجيد له، وأن التحيات والصلوات والطيبات كلها له سبحانه وتعالى.
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
وهذا سلام على النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي عرفوه وأرادوا أن يعرفوا كيفية الصلاة فعلمهم إياها بعد أن سألوه ذلك السؤال: (قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد) إلخ الحديث.
(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض).
ومعنى هذا يغني عن قولكم: السلام على فلان وفلان، إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تصيب كل عبد صالح في السماء والأرض، فيغني عن تسميتكم بعض الأشخاص أو بعض الأفراد.
(أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
وهذا هو التشهد الذي يشهد الإنسان لله بالوحدانية والألوهية ويشهد لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأنه عبد الله ورسوله، والشهادة لله بالوحدانية تقتضي أن لا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره وأن تكون جميع أنواع العبادة خالصة لوجهه، وشهادة أن محمداً رسول الله تعني أن يصدق في جميع أخباره وأن تمتثل جميع أوامره وأن ينتهى عن جميع نواهيه وأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يعبد بالبدع والمحدثات والخرافات والأهواء وإنما يعبد طبقاً لما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن المسلم يتبع ولا يبتدع كما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، معناه التزموا بما جاءكم من الوحي وبما جاءكم من الكتاب والسنة فقد كفيتم بما جاءكم من الحق والهدى عن البدع والمنكرات والمحدثات التي تحدثونها وتتقربون إلى الله عز وجل بها، والله تعالى إنما يتقرب إليه بطاعته ويتقرب إليه بما شرعه بما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا هو الذي ينفع الإنسان عند الله عز وجل.
أما كونه يحدث في دين الله عز وجل أموراً محدثة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان ثم يتقرب إلى الله عز وجل ويقول: أنا قصدي حسن ذلك لا ينفعه، بل لا بد مع حسن القصد أن يكون على السنة كما جاء عن الفضيل بن عياض رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )[هود:7] فقال: العمل الأحسن هو ما كان خالصاً صواباً، ثم فسر ذلك فقال: فالخالص ما كان لله وحده، والصواب ما كان على سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذان هما شرطا قبول العمل: الإخلاص والمتابعة، تجريد الإخلاص لله وحده وتجريد المتابعة للرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد قال شارح الطحاوية: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، فيوحد المرسل وهو الله بالعبادة ويخصه بها ويجعلها خالصة له ولا يجعل مع الله شريكاً في العبادة فلا يدعو إلا الله ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يقسم إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستعيذ إلا بالله، ولا يستغيث إلا بالله، كل أنواع العبادة تكون خالصة لوجه الله، وهذا هو تجريد الإخلاص لله وحده، لا يكون معه شريك في العبادة؛ لأنه لا شريك له في الملك، فهو المتفرد بالخلق والإيجاد وهو المستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وإذا عبد مع الله غيره فإن عمل الإنسان يكون لاغياً ويكون لا عبرة به ولا قيمة له، كما قال الله عز وجل: ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً )[الفرقان:23].
والشرط الثاني: تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، فهو الذي يتابع ويعول على ما جاء به، وهو الذي يسأل عن هديه وعن شرعه فيتقرب العبد إلى ربه باتباع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي هو علامة محبة الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[آل عمران:31].
ثم بعد ذلك يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كما جاءت بذلك الأحاديث، ثم بعد ذلك يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به، وبهذا يكون الإنسان مجد الله عز وجل وصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك من أسباب قبول الدعاء كما أشرت إليه في الحديث المتقدم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يدعو بدعاء لم يمجد الله ولم يصل على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (عجلت أيها المصلي).
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مسعود في التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي
قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة وكونه مات سنة اثنتين وخمسين شخصان آخران وهما: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى العنزي الملقب الزمن، فهؤلاء ثلاثة هم شيوخ لأصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
[وعمرو بن علي].
هو الفلاس المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[واللفظ له].
أي أن اللفظ للشيخ الثاني من الشيخين، الشيخان هما يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعمرو بن علي الفلاس، واللفظ الذي ذكره النسائي هنا هو لفظ الشيخ الثاني له وهو عمرو بن علي الفلاس.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي لقبه الأعمش الكوفي، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به.
[حدثني شقيق].
وهو ابن سلمة الكوفي ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو وائل مشهور بها، يأتي أحياناً باسمه شقيق كما هنا ويأتي أحياناً بكنيته أبو وائل وهو شخص واحد يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد علماء الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الذكر بعد التشهد
شرح حديث أنس في الذكر بعد التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الذكر بعد التشهد.أخبرنا عبيد بن وكيع بن الجراح أخو سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي، قال: سبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، ثم سليه حاجتك يقل: نعم نعم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الذكر بعد التشهد، والمراد بالذكر هو الثناء على الله عز وجل وتعظيمه وتمجيده هذا هو الذكر، وأما الدعاء فهو السؤال، اللهم إني أسألك كذا وكذا هذا دعاء، وسبحان الله والحمد لله والله أكبر هذا ذكر، ففيه ذكر ودعاء، فالدعاء طلب ورجاء والذكر ثناء على الله عز وجل.
أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك أن أم سليم وهي أمه، أم أنس جاءت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت: علمني دعاء.
(علمني كلمات أدعو بها في صلاتي، قال: سبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، ثم سليه حاجتك يقل: نعم نعم) يعني: أجبتك وحققت طلبك، معناه أن الحديث يدل على ما دل عليه ما تقدم من كون الإنسان بين يدي حاجته يثني على الله ويعظم الله عز وجل، ويسبق طلبه وحاجته تمجيد الله عز وجل، وقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام مما يمجد الله به بأنه يسبح عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً، ويكون الدعاء بعد ذلك، والحديث ليس فيه ذكر التشهد، وليس فيه ذكر أن هذا في التشهد، لكن المواطن التي يكثر فيها من الدعاء والتي يتخير فيها الدعاء والدعاء يسبقه تعظيم وتمجيد وصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، المواضع التي يدعى فيها ويكثر فيها من الدعاء هي في السجود، وفي التشهد الأخير، والنسائي رحمه الله حمل ذلك عقد هذه الترجمة للتشهد وأورد تحتها هذا الحديث ليفيد أو ليستدل على أن الإنسان في تشهده بين يدي دعائه يعظم الله عز وجل ويمجده، والتعظيم والتمجيد الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام أم سليم أم أنس بن مالك هو أن تسبح الله عشراً، وتحمد الله عشراً، وتكبر الله عشراً، ثم تسأل حاجتها، يقول الله عز وجل: نعم نعم، يعني: أجبت طلبك وحققت رجاءك فيما طلبت من هذا الدعاء الذي سبقه الحمد والثناء للمولى سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في الذكر بعد التشهد
قوله: [أخبرنا عبيد بن وكيع].هو عبيد بن وكيع بن الجراح أخو سفيان بن وكيع، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه لا بأس به، أخرج له النسائي، وكلمة: (لا بأس به) تعادل (صدوق) كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب بأن صدوق ولا بأس به وليس به بأس هي في درجة واحدة ومعناها واحد، لكن من العلماء من يأتي بكلمة لا بأس به وهي تعادل ثقة عنده، وهذا في اصطلاح يحيى بن معين، فإن قوله: لا بأس به عنده توثيق، ولهذا يقول عن الأشخاص الكبار الثقات الحفاظ يقول عن الواحد منهم لا بأس به، وكلمة: لا بأس به وإن كانت في الاصطلاح العام عند المحدثين أنها أنزل من ثقة وهي في منزلة صدوق إلا أن في اصطلاح يحيى بن معين أنها تعادل ثقة، وهي فوق صدوق، وكما يقولون: المهم أن يعرف الاصطلاح، وإذا عرف الاصطلاح يزول الإشكال.
[يروي عن أبيه].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، حافظ، مصنف، هو صاحب كتاب الزهد وكتب أخرى غير ذلك الكتاب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن عمار].
صدوق، يغلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
ثقة حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يروي عن عمه [أنس بن مالك].
أخو أبيه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة هو الذي مر بنا في إسناد أبي طلحة المتقدم الذي روى عنه مسلم، والنسائي، والذي حنكه النبي عليه الصلاة والسلام، وعندما جاء به أنس بن مالك إليه حنكه ودعا له، وهذا ابنه إسحاق، فـإسحاق ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يروي عن عمه أخو أبيه لأمه، يعني: عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما أم سليم.
يروي [عن أنس] وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
الأسئلة
مدى صحة تخصيص القنوت في الفجر والمغرب
السؤال: هل ورد في السنة تخصيص القنوت بالفجر والمغرب فقط؟الجواب: لا، القنوت يكون في جميع الصلوات، وليس خاصاً بالمغرب والفجر، ليس خاصاً بها، بل جاءت السنة كما سبق أن مر بنا في الصلوات المختلفة، يعني: في الصلاة السرية والصلاة الجهرية.
مدى جواز الأضحية للنبي صلى الله عليه وسلم والأقارب الأموات
السؤال: ما حكم الأضحية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأقارب الميتين؟الجواب: الإنسان لا يضحي عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه يضحي عن نفسه، ثم الله تعالى يثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما يثيبه، بل أي عمل تعمله أيها المسلم فإن الله تعالى يثيبك عليه ويثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما أثابه؛ لأنه هو الذي دلك على هذا الهدى ودلك على هذا الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) فإذا أردت أن يصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام زيادة ثواب بسببك، فما عليك إلا أن تعمل صالحاً لنفسك والله تعالى يثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما أثابك؛ لأنه هو الذي دلك على الخير، وهو الذي أخرجك الله به من الظلمات إلى النور، فله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها، من حين بعثه الله إلى قيام الساعة له أجور أعماله ومثل أجور أمته كلها من حيث بعثته إلى قيام الساعة؛ لأن هذا العمل الذي تعمله الأمة إنما كان بدلالته وإرشاده، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
نعم الإنسان يضيف إلى ذلك بأن يصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام، والإنسان يؤجر على الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يحصل له زيادة رفعة وثواب بكونه يصلى عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. الأماكن التي تزار في المدينة
السؤال: ما هي الأماكن التي تزار في هذه المدينة الطيبة؟الجواب: الأماكن التي تزار في هذه المدينة المباركة، طيبة الطيبة خمسة أماكن، ثلاث مقابر ومسجدان، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه بألف صلاة، ومسجد قباء وقد جاء في السنن القولية والفعلية ما يدل على فضل الصلاة فيه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إليه كل سبت راكباً وماشياً ويصلي فيه، وجاء عنه أنه قال: (من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة)، فدلت السنة القولية والفعلية على فضل الصلاة فيه وعلى عظم أجر الصلاة فيه، أي: في مسجد قباء.
أما المقابر الثلاث فهو قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما يسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام ويدعو له ويسلم على أبي بكر، وعمر ويدعو لهما رضي تعالى عنهما.


ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:01 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب السهو)
(242)

- (باب الدعاء بعد الذكر) إلى (باب نوع آخر من الدعاء)
جاءت السنة ببيان ما يتعلق بالدعاء في الصلاة، وبيان أن الإنسان يقدم بين يدي دعوته الثناء على الله بأسمائه وصفاته ونعوت جلاله، ثم حمده وتقديسه، وهذا من الأدب مع الله تبارك وتعالى.
الدعاء بعد الذكر
شرح حديث أنس في الدعاء بعد الذكر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بعد الذكر.أخبرنا قتيبة حدثنا خلف بن خليفة عن حفص بن أخي أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده! لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب الدعاء بعد الذكر.
مراد النسائي بهذه الترجمة هو: أن الإنسان عندما يدعو، يقدم بين يدي دعائه، بذكر الله عز وجل، والثناء عليه، وتعظيمه، وتمجيده، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، فإن ذلك: من أسباب قبول الدعاء، وقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أن الإنسان عندما يدعو، قبل دعائه يحمد الله، ويمجده، ويثني عليه، ويصلي على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، وهنا بين يدي الدعاء توسل بأسماء الله عز وجل وصفاته، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أنه كان جالساً مع النبي عليه الصلاة والسلام (ورجل يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد قال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك) كذا وكذا، أي: أنه قدم بين يدي مسألته بالثناء على الله عز وجل وتعظيمه وتمجيده، وهذا من أسباب قبول الدعاء؛ ولهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: (تدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل أعطى).
والمقصود من إيراد الحديث هنا: أن قوله: إني أسألك كذا وكذا، ولم يذكر سؤاله، وإنما ذكر الثناء، الذي بين يدي سؤاله، والتوسل إلى الله عز وجل بصفاته وأسمائه، هذا من أسباب قبول الدعاء، وهذا هو التوسل المشروع، التوسل المشروع: كون الإنسان يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، ويثني عليه ويعظمه بين يدي سؤاله، فيكون ذلك، توسلاً مشروعاً، هو خير ما يتوسل به العبد إلى الله عز وجل، كونه يعظم الله ويثني عليه ويمجده، ثم بعد ذلك يسأله حاجته فيكون متوسلاً إليه بأسمائه وصفاته والثناء عليه سبحانه وتعالى.
قوله: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت) فيه اعتراف بأن الحمد له، وهو صاحب الحمد، وهو الذي يحمد على كل حال، فهو صاحب النعم كلها المتفضل بها، وهو المحمود على النعم كلها ظاهرها وباطنها، وفي جميع الأحوال سبحانه وتعالى، ثم: (لا إله إلا أنت) اعتراف بألوهيته، وأنه الإله الحق الذي لا تصح العبادة إلا له، ولا يصرف شيء منها لغيره، بل كلها له سبحانه وتعالى؛ لأنه المتفرد بالخلق والإيجاد، وهو المتفضل بالنعم، وهو المحيي، والمميت، المتصرف بالكون كيف يشاء، فهو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له، لا يشرك مع الله أحد في عبادته لأنه لا شريك له في ملكه، فله الملك، وله الحمد، وله العبادة التي هي حقه، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره سبحانه وتعالى.
(المنان) يعني: صاحب المنن والنعم، الذي امتن على عباده بكل خير، وبكل نعمة، وأعظم النعم: نعمة الهداية إلى الإسلام، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، يقول الله عز وجل: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[آل عمران:164] فهذه أعظم منة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام، نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور هي أجل النعم، وهي أفضلها، وهي أعلاها، لا يماثلها نعمة ولا يساويها نعمة.
(بديع السماوات والأرض) الذي أوجد السماوات، على غير مثال سابق، بل هو الذي قدر خلقها على ما شاء، وأوجدها كيف شاء، على ما شاء، فهو المبدع لها، الموجد لها، المتصرف فيها، المالك لها، فهو خالق الخلق ومالك الملك ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
(يا ذا الجلال والإكرام)، يصف الله عز وجل، بأنه ذو الجلال والإكرام، صاحب العظمة، صاحب الكرم، العظيم الكريم، الذي لا تصلح العظمة إلا له، والكريم الذي هو صاحب كل نعمة وصاحب كل منة ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ )[النحل:53]، ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )[إبراهيم:34]، ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )[لقمان:20] فنعم الله عز وجل، لا تعد ولا تحصى، فهو سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام.
من أنواع التوسل المشروع
ثم قال: (يا حي يا قيوم)، وهذان من أسماء الله عز وجل، وقد بدئت بهما آية الكرسي: ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[البقرة:255] بعد ذكر اسم الله، الذي هو العلم لفظ الجلالة الله، جاء الحي القيوم، الحي الذي هو كامل الحياة، القيوم القائم بنفسه، المقيم لغيره، الذي قامت به السماوات والأرض، وكل شيء قام إنما هو بإقامته إياه، فهو الحي القيوم الذي هو على كل شيء قدير، والذي هو مالك الملك، ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.ثم قال بعد ذلك: (أسألك) يعني: بعد أن توسل إلى الله عز وجل، بهذه الأوصاف، وبهذه الأسماء، ودعا ربه وناداه قائلاً: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يقول: إني أسألك كذا وكذا، فهذا هو التوسل المشروع، أما الذين ابتلوا بالتوسلات المبتدعة، التي ما جاءت بها شريعة الله، وليست من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يعرفون التوسل المشروع، لا يعرفون مثل هذا الدعاء، الذي أرشد إليه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وهو: أن يكون الدعاء متوسل إلى الله عز وجل، بأسمائه، وصفاته، وتعظيمه، وتمجيده، والثناء عليه سبحانه وتعالى.
فلو أن المتوسل إذا أرد أن يتوسل، بحث عن التوسل المشروع، إذا كان يعلمه وتوسل به ودعا به، وإذا كان لا يعلم، يسأل ويتعلم، حتى يعرف الحق والهدى، ومن المعلوم أن الأدعية التي جاءت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، إما بتعليمه أصحابه إياها، أو سماعه إياهم يدعون ويتوسلون، ثم يقرهم ويؤيد ما قالوه ويرشد إليه، كما جاء في هذا الحديث، فإن قوله: (أتدرون بما سأل؟ سأل الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) وهو: هذه الأوصاف العظيمة، لله عز جل التي نهايتها: يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فالتوسل بأسماء الله وصفاته والثناء عليه، هذا هو خير توسل وهذا هو أفضل توسل.
ومن التوسل المشروع: التوسل إلى الله بالعمل الصالح، كون الإنسان يتوسل إلى الله بعمله الصالح؛ لأن عمله عمل تقرب به إلى الله عز وجل، فهو يتوسل إلى الله بذلك العمل، والنبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى ذلك، كما جاء في قصة الثلاثة الذين كان يمشون في فلاة من الأرض، فحصل مطر فاحتاجوا إلى أن يدخلوا في غار، فدخلوا في الغار، فانحدرت صخرة وسدت عليهم باب الغار، فصاروا لا يستطيعون الخروج، فصاروا في قبر وهم أحياء، ليس عندهم أحد من الناس، ولا يعلم بهم أحد إلا الله عز وجل، فعند ذلك فكروا ماذا يصنعون، وبماذا يتوسلون إلى الله عز وجل، فقال أحدهم: إنه لا ينجيكم إلا: أن تتوسلوا إلى الله عز وجل بأعمال صالحة، عملتموها في حال الرخاء، يثيبكم الله عليها في الشدة، ولهذا جاء في الحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فواحد منهم: تذكر وذكر حالة من الحالات، وأنه كان باراً بوالديه، وأنه كان يأتي بالغبوق وهو: الحليب الذي يأتي به في أول الليل ويشرب، فكان من عادته أنه يأتي بالغبوق لأبويه، ويشربان قبل أن يناما، ففي يوم من الأيام، بعدت الإبل ونأت فجاء بالغبوق، وقد مضى وقت من الليل وقد ناما، فلم يرد أن يكدر عليهما صفو نومهما، ولم يرد أن يجلس وينام، قد يستيقظا ولا يتنبهان لهذا الذي أحضر لهما، فوقف والقدح على يديه، ينتظر لعلهما يتحركان، أو يستيقظان من أنفسهما، فاستيقظا وشربا، فتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الذي عمله، فقال: اللهم إنك تعلم أني عملت كذا وكذا وكذا، اللهم فرج عنا ما حل بنا، أو ما نحن فيه، فتزحزحت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
والثاني منهما تذكر: وإذا له ابنة عم، وكان يحبها ويراودها عن نفسها، وكانت تمتنع منه، وفي سنة من السنوات حصل لها فاقة وشدة، فجاءت إليه تطلب منه شيئاً من المساعدة والإحسان، فعرض عليها ما كان يعرضه عليها من السوء، ونتيجة لشدة حاجتها مالت، ولكن في نفسها شيء، ولما أعطاها ما أعطاها من النقود، وهي: مائة دينار، وجلس بين رجليها، خوفته بالله عز وجل، وقالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام وتركها خوفاً من الله عز وجل، فتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الصالح، فتزحزحت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم جاء الثالث وتذكر: أنه كان عنده أجير استأجره، فراح وترك أجرته، وهو لا يعرفه، فنمى هذه الأجرة، حتى اتسعت وصارت: إبلاً، وبقراً، وغنماً، ورقيقاً، فجاء بعد مدة طويلة وقال: يا فلان، عندك لي أجرة، فقال: انظر ما في هذا الوادي من الإبل، والغنم، فهو لك، فقال: أتستهزئ بي؟ لأن أجرته كانت بسيطة، وهذه أموال طائلة، فظن أنه يستهزئ، فقال: لا، هو نصيبك، هو حقك؛ لأنه نماه حتى تضاعف وحتى كثر، فتوسل إلى الله عز وجل، بهذا العمل، فتزحزحت الصخرة فخرجوا يمشون، تعرفوا إلى الله عز وجل في حال الرخاء، فعرفهم في حال الشدة، فالتوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح مشروع، والدليل عليه: هذا الحديث الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي يحكيه عن أمم سابقة أو عن ثلاثة في الأمم السابقة.
ومن التوسل المشروع بالعمل الصالح: كون الإنسان يتوسل إلى الله، بمحبته لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، فيقول: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لرسولك، أسألك أن تحقق لي كذا وكذا، فيتوسل إلى الله عز وجل بعمله الصالح، بمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام، واتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم، يتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الصالح الذي عمله، وأنه يحب الله ورسوله، وأنه يؤمن بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فيتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل، هذا هو التوسل المشروع، كثير من الناس، لا سيما المبتدعة، لا يعرفون التوسل المشروع، وكل ما عندهم من التوسلات المبتدعة، التي ما يعرفها الصحابة ولا يعلم عنها الصحابة شيئاً، وهم خير الأمة، وإنما أحدثها المحدثون، وأتى بها أناس من تلقاء أنفسهم، وتبعاً لأهوائهم، ليس لهم في ذلك مستند من كتاب ولا من سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في الدعاء بعد الذكر
قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان: قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خلف بن خليفة].
صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن حفص].
وهو حفص بن أخي أنس بن مالك، وقيل: إنه ابن أخيه لأمه، حفص بن عبد الله بن أبي طلحة، ابن أخي أنس بن مالك لأمه؛ لأن أنس بن مالك، أخوه لأمه عبد الله بن أبي طلحة، أمهما أم سليم، فهو ابن أخيه لأمه، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
[عن أنس بن مالك].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، إلى أن توفاه الله، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند النسائي، وهي أعلى الأسانيد، الأسانيد الرباعية: هي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، أعلى ما عنده الرباعيات، وبين النسائي، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة أشخاص هم: قتيبة، وخلف بن خليفة، وحفص بن أخي أنس، وعمه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
والثلاثيات عند البخاري، وعند الترمذي، وابن ماجه، أصحاب الكتب الستة الذين لهم ثلاثيات ثلاثة: البخاري له: اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي له: حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده: خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات.
شرح حديث محجن بن الأدرع في الذكر بعد الدعاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد أبو بريد البصري عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا حسين المعلم عن ابن بريدة حدثني حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد فقال: اللهم أني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد غفر له ثلاثاً) ].أورد النسائي حديث: محجن بن الأدرع الأسلمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه، وهو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته، وتشهد) يعني: قبل نهاية صلاته فسأل الله عز وجل وقال:
(اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال عليه الصلاة والسلام: قد غفر له.. قد غفر له.. قد غفر له) قالها ثلاثاً؛ لأنه توسل إلى الله عز وجل، بهذه الأسماء والصفات، فتوسل إليه بأن الله تعالى هو الواحد، هذا من أسمائه، الأحد، هو من أسمائه، الصمد، هو من أسمائه، الذي لم يلد ولم يولد، وهذه من صفاته، يعني: صفات كمال، أنه متنزه عن: الوالدين، والأولاد، والأشباه، والنظراء، فهو متنزه عن أن يكون له أصول، ومتنزه عن أن يكون له فروع، ومتنزه عن أن يكون له أشباه، لم يشبهه ويماثله، ويكون كفؤاً له، الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:3-4].
فتوسل إلى الله عز وجل، بهذه الأسماء والصفات، ثم بعد ذلك طلب المغفرة من الله عز وجل، وهذا هو السؤال، يعني: الأول ثناء، وذكر، وتعظيم، والمطلوب جاء في الآخر بعد الثناء، والذكر لله عز وجل، وهو أنه قال: (أن تغفر لي ذنوبي) ثم ختم ذلك بالثناء عليه، وذكر اثنين من أسمائه والثناء عليه بذلك، فقال: (إنك أنت الغفور الرحيم) ومن أسماء الله الغفور، ومن أسمائه الرحيم، فهو توسل بأسماء الله وصفاته.

يتبع


ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:02 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث محجن بن الأدرع في الذكر بعد الدعاء
قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد أبو بريد].عمرو بن يزيد أبو بريد البصري وهو صدوق، أخرج له النسائي، أبو بريد كنيته، وأبوه يزيد، اسم الأب مع الكنية متقاربة في اللفظ، وفي الشكل، وفي النطق، إلا أنها تختلف بالحروف، هذا يزيد وهذا بريد، فشكلها واحد ورسمها واحد، وهذا الذي يأتي فيه الاشتباه بين الأسماء، ويعرف التمييز بينها: بمعرفة الصيغ بكل اسم، سواء كان اسماً، أو نسباً، أو كنية، فكلمة يزيد، أو بريد، شكلها واحد، إلا أن الفرق في النقط والشكل، وإلا فالرسم واحد.
[عن عبد الصمد].
هو ابن عبد الوارث بن سعيد البصري وهو صدوق، ثبت في شعبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه عبد الوارث بن سعيد، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين المعلم].
وهو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة ربما وهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن بريدة].
وهو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حنظلة بن علي الأسلمي].
ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن محجن].
وهو محجن بن الأدرع الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، مثل الذي مر بنا قريباً، وهو: حفص بن أخي أنس بن مالك، كل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
نوع آخر من الدعاء
شرح حديث أبي بكر: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء. أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)].
أورد نوعاً آخر من الدعاء وهو: الدعاء بعد الذكر، يعني: في آخر الصلاة، ومن المعلوم أن المواضع التي يكثر فيها الدعاء موضعان في الصلاة، في السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، فهذان موضعان يدعى فيهما، ويكثر فيهما من الدعاء، والنسائي هنا، يورد الأحاديث التي يدعى بها في هذا الموطن، وفي هذا الموضع، الذي هو بعد التشهد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقبل السلام، والأحاديث التي فيها الدعاء في الصلاة، يمكن أن يدعى بها في السجود، ويمكن أن يدعى بها قبل السلام، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) وقد مر بنا الحديث الذي قال فيه بعد التشهد: (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به).
إذاً: هنا موضعان يدعى فيهما ويكثر فيهما من الدعاء، وهما: السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي صلوات الله وبركاته وسلامه عليه.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، سأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنهم وأرضاهم، من الحرص على السؤال، أو توجيه الأسئلة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الأمور المختلفة التي يحتاجون إلى معرفتها، ومن ذلك: ما يريدونه من الأدعية التي يدعون الله عز وجل بها في صلاتهم، فهذا الصديق، خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن أبي بكر، يسأل النبي عليه الصلاة والسلام، سؤالاً يدعو به في صلاته، فعلمه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).
فهذا دعاء، فيه اعتراف الإنسان بظلمه نفسه وخطأه، وأنه بحاجة إلى رحمة الله، وإلى مغفرته، فهو يقر ويعترف بذنوبه وخطئه، ويسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنه، وأن يغفر له ويرحمه، ثم يعظم الله عز وجل ويختم ذلك الدعاء بالثناء عليه، بذكر اثنين من أسمائه يناسب ذكرهما في هذا المقام، وهما اسم الغفور الرحيم.
تراجم رجال إسناد حديث أبي بكر: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي...)
قوله: [قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد وقد مر ذكره.
[حدثنا الليث].
هو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، هو محدث مصر وفقيهها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
هو المصري وهو ثقة، فقيه، يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخير].
أبو الخير كنية، وصاحب هذه الكنية مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عبد الله بن عمرو بن العاص].
صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم من صغار الصحابة وهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، وأطلق عليهم لقب العبادلة، وإن كان الذين يسمون بهذا الاسم من أصحاب رسول الله كثيرون، منهم: عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عثمان أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن مسعود، كل هؤلاء وغيرهم يسمون بهذا الاسم، ولكن الذين اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، هؤلاء الذين هم من صغار الصحابة، وأدركهم من التابعين من لم يدرك المتقدمين، مثل: عبد الله بن مسعود وغيره فيطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة، وهو من المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسبب ذلك: أنه كان يكتب، فكان يكتب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكثرت روايته عنه، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر الصديق].
هو عبد الله بن عثمان ،كنيته أبو بكر، وكنية أبيه أبو قحافة، فهو أبو بكر بن أبي قحافة، ولكنه مشهور بكنيته وبلقبه الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو خير هذه الأمة، التي هي خير الأمم، وهو أفضل الصحابة، الذين هم خير هذه الأمة، وقد جاء في فضله أحاديث كثيرة، وقد سماه الله عز وجل في كتابه العزيز: صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذلك في سورة التوبة حيث يقول الله عز وجل: ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )[التوبة:40] فثاني اثنين هو: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الرسول ومعه أبو بكر وذلك في الغار، عند إرادتهما الذهاب للهجرة من مكة إلى المدينة، فكان معه في الغار، وقال الله عز وجل في حقه: (إذ يقول) أي: النبي عليه الصلاة والسلام (لصاحبه) أبي بكر.
ومناقبه كثيرة وفضائله وفيرة، ومن أعظم هذه الفضائل، بل هي أعظمها قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) فإنه أخبر عن أمر لا يكون، أن لو كان كيف يكون، وهو أنه لا يتخذ خليلاً، ولكن لو حصل اتخاذ خليل، لكان أحق الناس بذلك الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهذه منقبة عظيمة لا يماثله فيها أحد، ولا يدانيه فيها أحد، وهي دال على أفضليته، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يفضلون ويخيرون فيقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينكره، فدل على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر ثم من بعده عمر ثم من بعده عثمان، ومن بعد هؤلاء الثلاثة، علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وحديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر من الدعاء
شرح حديث معاذ بن جبل: (فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب سمعت حيوة يحدث عن عقبة بن مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأحبك يا معاذ، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ].
وكذلك أيضاً يدعى به بالسجود؛ لأنه كما ذكرت، المواطن التي يدعى فيها، ويكثر من الدعاء فيها، ويتخير الأدعية فيها: السجود، والتشهد الأخير قبل السلام، وبعد الإتيان بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: إني لأحبك) يخاطب معاذ رضي الله عنه، وهذه منقبه عظيمه لـمعاذ، كون النبي عليه الصلاة والسلام يخاطبه ويقول: (إني لأحبك، قال: وأنا أحبك يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: فلا تدع أن تقول في كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فهذا دعاء عظيم، يسأل الإنسان ربه أن يعينه على ذكره يعني: ذكر الله عز وجل الذي به تطمئن القلوب، (وشكرك) شكر الله على النعم، والشكر: يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، (وحسن عبادتك) يعني: كون الإنسان يأتي بالعبادة على وجه هو محسن فيه، وذلك لكونها خالصة لوجه الله ومطابقة لسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل: (فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك...)
قوله: [يونس بن عبد الأعلى].يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت حيوة].
حيوة بن شريح التجيبي المصري، وهو فقيه، زاهد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن مسلم].
هو عقبة بن مسلم التجيبي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
وهو عبد الله بن يزيد، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الصنابحي].
وهو عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي أبو عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو مخضرم، وكان قدم من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتشرف بصحبته، ولما وصل إلى الجحفة، وهي المكان القريب من رابغ، جاء ركب من المدينة فأخبروهم بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال بعض العلماء فيه: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة شيء، فقدم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بخمسة أيام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أما معاذ بن جبل].
فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمشهور بصحبته، وهو معروف بالعلم والفقه، من علماء الصحابة وفقهائهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر من الدعاء
شرح حديث: (أن رسول الله كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء.أخبرنا أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم)].
ذكر النسائي نوعاً آخر من الأدعية التي يدعى بها في آخر الصلاة، وهو ما أورده عن شداد بن أوس بن ثابت، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته يقول: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً) الحديث.
هذا دعاء يرويه شداد بن أوس، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويذكر أنه سمعه وهو يدعو به في صلاته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ...)
قوله: [أخبرنا أبو داود].وهو سليمان بن سيف الحراني وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب البصري، وهو ثقة، إمام، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو ابن دينار البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد الجريري].
وهو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العلاء].
هو يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
واسمه عكس الذي تقدم أبو عبد الرحمن الحبلي، ذاك عبد الله بن يزيد، وهذا يزيد بن عبد الله.
[عن شداد بن أوس بن ثابت].
عمه حسان بن ثابت أخرج حديثه الجماعة.
وهذا الإسناد، ذكر الشيخ الألباني، أن فيه انقطاعاً بين أبي العلاء، وبين شداد بن أوس، وذلك أنه جاء عند الإمام أحمد، ذكر شخص بينهما وهو الحنظلي يعني: بنسبته دون أن يذكر اسمه، وذكر الشيخ الألباني، أنه لم يقف على ترجمته فالإسناد فيه انقطاع بين أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبين شداد بن أوس.

ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:03 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب السهو)
(243)

- تابع نوع آخر من الدعاء
ورد في السنة المطهرة أدعية للمصلي في صلاته ومن ذلك: (اللهم بعلمك الغيب ...) وفي هذا الدعاء بيان أن على الداعي أن يقدم بين يدي دعائه الثناء على الله وتعظيمه والتوسل إليه فإنه أحرى أن يستجاب.
نوع نوع آخر من الدعاء بعد الذكر
شرح حديث السائب الثقفي في الدعاء بعد الذكر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بعد الذكر نوع آخر. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه قال: (صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنه صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه، فسأله عن الدعاء، ثم جاء فأخبر به القوم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين) ].
فهذا حديث من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشتمل على نوع من أنواع الدعاء التي يدعو بها المصلي في صلاته، والصلاة الدعاء فيها يكون في السجود، ويكون في التشهد الأخير قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الدعاء بعد الذكر، مثل هذا الدعاء الذي سمعه عمار بن ياسر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشتمل على سؤال بعد تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وتوسل بصفتين من صفاته سبحانه وتعالى ومن المعلوم أن التوسل إلى الله عز وجل بصفاته وبأسمائه بين يدي الدعاء من أسباب قبول الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو بالأدعية التي فيها التوسل إلى الله عز وجل، بالثناء عليه بذكر شيء من صفاته، أو أسمائه، بين يدي الدعاء. وهذا الحديث مشتمل على ذلك؛ لأن فيه دعاء كثيراً، وفيه دعوات عظيمة. ويسبق هذه الدعوات الثناء على الله عز وجل بصفتين من صفاته والتوسل إليه بهما، وهي: العلم والقدرة، فـعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه صلى صلاة أوجز فيها فقال له بعض القوم، أو قال له بعض الجماعة الذين صلوا وراءه: إنك أوجزت أو خففت، فقال: أما ذلك فقد دعوت فيها بدعوات، سمعتهن من رسول الله عليه الصلاة والسلام يعني: إيجاز مع إتمام، وليس الإيجاز الذي يخل.
ومن المعلوم: أن الإيجاز إذا كان مع إتمام، فإن ذلك مما جاءت به السنة، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي يؤثر، والذي يحذر هو: الإيجاز الذي يكون معه إخلال، والذي لا يتمكن معه المأموم من فعل ما هو مطلوب منه، وذلك للسرعة الشديدة، وأما إذا كان إيجازاً، ولكن مع الإيجاز إتمام، فصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام كانت كذلك، وجاء عنه ما يدل على ذلك، وعمار بن ياسر قال: إنني قد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما انصرف تبعه بعض القوم، والذي تبعه هو السائب الثقفي، والد عطاء بن السائب، ولكنه كنى عن نفسه بقوله: تبعه رجل، وهذا يبين لنا: أنه إذا جاء في بعض الأحاديث يقول فيها الراوي: قال رجل، أو يقول الصحابي: قال رجل، فيمكن أن يكون هو، إلا أنه لم يرد أن يسمي نفسه، وهو صادق فيما قال؛ لأن الذي سأله رجل، أو الذي فعل ذلك رجل، فهذا من التكنية عن النفس.
فسأله، فأجابه وأخبره بتلك الدعوات، فرجع إلى القوم وأخبرهم بها، وهذه الدعوات هي: قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه الذي رواه عمار بن ياسر عنه، رضي الله تعالى عنه يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق) وهذا توسل؛ لأنه ما أتى بحاجته إلى الآن، لكنه مهد لسؤال حاجته بالثناء على الله عز وجل، والتوسل إليه بصفتين من صفاته وهي: علمه الغيب وقدرته على الخلق، والله عز وجل هو الذي يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، والله تعالى يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، لكن علم الغيب على الإطلاق هو من خصائص الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )[النمل:65] فالله تعالى هو علام الغيوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والله تعالى قد يطلع خلقه بعض ما شاء من غيبه، كما أطلع رسوله عليه الصلاة والسلام على كثير من المغيبات التي تقع في المستقبل، وأخبر بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه مما يجري في المستقبل من أشراط الساعة، وما إلى ذلك من الغيوب المستقبلة، فقد أطلع الله تعالى نبيه على ذلك وأخبر بها عليه الصلاة والسلام.
فهو سبحانه وتعالى علام الغيوب، وهو الذي على كل شيء قدير، فتوسل إلى الله عز وجل بعلمه الغيب، وبقدرته على الخلق؛ لأنه هو الذي على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً كان (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )[يس:82].
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم توسل بين يدي دعائه بالثناء على الله عز وجل، وتعظيمه، وذكر صفتين من صفاته هي: العلم والقدرة، علم الغيب والقدرة، قال: (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أسألك ...)، إذاً ما قبل ذلك توسل (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)، هذا هو الطلب، هذا هو أول السؤال، هذا هو أول الرجاء، لكن ما قال مباشرة: اللهم أحيني.
وقد جاء في أحاديث كثيرة أدعية لم يسبقها توسل، لكن الدعاء الذي يسبقه توسل إلى الله عز وجل، وثناء عليه، هذا من أسباب قبول الدعاء.
سؤال الله الوفاة إن كانت خيراً للعبد
(اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي)، فهذا هو أول السؤال الذي سأله وطلبه من الله عز وجل. هذه الكيفية هي التي فيها الفائدة للإنسان، إن كانت الحياة خيراً له يبقيه، وإن كانت الوفاة خيراً له يتوفاه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)؛ لأنه لا يدري، قد يكون هو يرى أنه في ضيق، وفي مشقة، وفي مصيبة في هذه الحياة الدنيا، فيطلب الانتقال، فينتقل إلى أمر أشد، وإلى أمر أخطر، يحصل له بعد الموت، ولكن إذا سأل هذا السؤال، هو على خير إن حصل إبقاؤه وإن حصلت وفاته.فيكون تمني الموت وسؤال الموت على حالة حسنة، ويكون سؤال البقاء على حالة حسنة؛ لأن حصول البقاء وطول العمر، على حالة سيئة مضرة على الإنسان، لكن إذا طال عمره، وحسن عمله فهو على خير، وكذلك إذا توفي على خير، وكان ما يجده بعد الموت خيراً، يكون الإنسان على خير في حياته وفي وفاته.
وجاء في حديث آخر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو بدعاء يقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)، وهذه فائدة الحياة وفائدة الموت، إذا كان في الحياة زيادة في الخير، وزيادة في الثواب، وزيادة في العبادة التي تنفع الإنسان بعد موته. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر، هذا من جنس هذا الدعاء: (أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)، والكل من جوامع أدعيته عليه الصلاة والسلام.
سؤال الله الخشية في الغيب والشهادة
ثم قال: (وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة) يعني: كون الإنسان يخشى الله، ويتقيه في جميع أحواله، في حال وجوده بين الناس والناس يرونه، وفي حال غيبته وخلوته بنفسه، وعدم اطلاع الناس عليه، ما يكون علانيته تختلف عن باطنه، أو كونه ظاهراً للناس تختلف حاله إذا غاب على الناس، بل تكون جميع حالاته على حالة طيبة، يعني: يخشى الله عز وجل في سره وعلانيته، ما يكون يظهر للناس بمظهرٍ طيب، وإذا خلا ظهر بمظهر خلاف ذلك، بل غيبه وشهادته كلها خير، فهو في حال سره وعلانيته، وحال ظهوره للناس واختفائه عن الناس يكون على حالة طيبة، يسأل الله تعالى الخشية في سره وعلانيته، في الشهادة والغيبة.والخشية كما قلنا هي: الخوف والتقوى، وقد جاء في الحديث، أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) يعني: ذكر الله خالياً ليس عنده أحد يراه، والذي دفعه إلى ذلك خشية الله عز وجل، فبكت عينه من خشية الله، ولم يكن عنده أحد. معناه أن سره وعلانيته تكون سواء، ولهذا جاء في الحديث: (اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) أي: يتق الله عز وجل في حال وجوده بين الناس، وفي حال كونه في بيته، وفي حال كونه في خلوته ليس عنده أحد، لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، يكون الإنسان يتقي الله في جميع أحواله، في بيته وخارج بيته، في متجره، في معمله، في مكتبه، في جميع أحواله، يكون متقياً لله عز وجل، يلازم تقوى الله سبحانه وتعالى، اتق الله حيثما كنت، يعني: ما تكون إذا ظهر الناس ظهر بمظهر طيب، وإذا خلا صار بخلاف ذلك، فتكون صفاته صفات المنافقين، الذين يظهرون ما لا يبطنون، يظهرون بشيء هم على خلافه بالسر، وإنما يكون الإنسان في جميع أحواله حريصاً على خشية الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال.
(وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة)، يعني: كونه غائباً على الناس، وكونه على مرأى من الناس، وعلى مشاهدة من الناس.
سؤال الله قول الحق في الغضب والرضا
(وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) أسألك كلمة الحق أن يكون يقول الحق، ويتكلم بالحق في حال سروره، وفي حال غضبه، ما يكون في حال سروره له حال، وإذا غضب تغير وانقلب، وأتى بالكلام الذي لا ينبغي، وسب وشتم، وتجاوز الحدود. فكلمة الحق يسأل العبد ربه أن يمكنه من قولها، وأن يجعله يتكلم بالحق في حال غضبه ورضاه، ولهذا الغضب يحصل منه الشدة ومنه الكلام السيء. ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كون الإنسان يمسك نفسه عند الغضب، وأنه يكبتها ويبتعد عن أن يتكلم بما لا ينبغي في حال الغضب، فقد (جاء رجل إلى رسول الله فقال: أوصني قال: لا تغضب فكرر مراراً قال: لا تغضب) لأن الغضب إذا حصل يجعل الإنسان يتكلم بكلام لا ينبغي، وبكلام لا يليق، فيتضرر بذلك، ويضر غيره بذلك، بسبب كونه تكلم في حال غضبه، وخرج عن طوره، وتكلم بما لا ينبغي، فيكون بذلك أساء إلى نفسه، وأساء إلى غيره، فعلى الإنسان أن يقول الحق ولو على نفسه في حال رضاه وفي حال غضبه، يقول العدل، ويتكلم بالعدل، ويكون ذلك في حال سروره وفي حال غضبه، ويسأل العبد ربه أن يمكنه من أن يأتي بكلمة الحق في حال غضبه وفي حال رضاه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:03 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
سؤال الله القصد في الفقر والغنى
(وأسألك القصد في الفقر والغنى) القصد هو: التوسط والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط؛ لأن الغنى قد يكون معه إسراف، وتجاوز للحد، والله عز وجل يقول: (كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى )[العلق:6-7]، ويقول: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ)[الشورى:27]، فيكون مع المال ومع الإحسان تجاوز للحد، ومع الفقر يكون فيه اقتراف واستياء واعتراض على قضاء الله وقدره، وكون الإنسان يتسخط ويتلوم ويتكلم بكلام لا ينبغي، وإنما يكون الإنسان غنياً شاكراً أو فقيراً صابراً، فيكون في حال غناه يكون شاكراً، ويصرف النعم فيما شرع له أن يصرفها فيه، ولا يستعملها فيما يعود عليه بالمضرة، وإنما يستعملها فيما يعود عليه بالخير، وفي حال فقره يصبر، لا يتسخط، ولا يعترض على قضاء الله ويقول: فلان عنده كذا وأنا ما عندي كذا، والنبي عليه الصلاة والسلام، أرشد الإنسان إلى أن ينظر إلى من دونه، ولا ينظر إلى من فوقه؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى من دونه، عرف أن له فضل على من دونه، وأن فضل الله عليه عظيم، لكن إذا غفل عمن دونه، وراح ينظر إلى من فوقه عند ذلك لا يعرف قدر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لينظر أحدكم إلى من دونه ولا ينظر إلى من فوقه فإن ذلك أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) فالإنسان يرى أنه وإن حصل عنده شيء من قلة المال فهناك من هو دونه، فينظر إلى من دونه، لكن لا ينظر إلى من هو أكثر منه؛ لأنه إذا نظر إلى من هو أكثر منه، حصل عنده الجشع، وحصل عنده عدم الرضا بما قدر الله وقضاه، ويجعله يتصرف تصرفات من أجل أن يحصل مثلما حصل غيره، ولو بطرق غير صحيحة، لكن إذا رضي بما أعطاه الله عز وجل، وصار عنده شيء من القناعة، ونظر إلى من دونه، ولم ينظر إلى من فوقه، فإنه يكون بذلك عرف قدر نعمة الله عز وجل عليه.(وأسألك القصد في الفقر والغنى) والقصد هو: التوسط والاعتدال، وهو التوسط في الأمور، ودين الإسلام وسط، وشريعة الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط، الله عز وجل يقول: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67] التوسط في الأمور ما فيه إسراف ولا تقتير، ما فيه تقتير يحصل من وراءه ضرر، ولا إسراف يسير فيه إضاعة المال، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا)[الفرقان:67]، هذا هو القصد، وهذا هو التوسط والاعتدال (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67] وسط بين الإفراط والتفريط.
يقول الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
أي: الطرفان المقابلان المكتنفان للوسط الذي هو الاعتدال مذمومان، الإفراط والتفريط مذمومان، الغلو والجفاء مذمومان، التوسط في الأمور والاعتدال في الأمور هذا هو المطلوب، لا يكون الإنسان غالياً ولا يكون جافياً، لا يغلو في أشخاص، ولا يجفو في أشخاص، وإنما يعتدل ويتوسط، ويقول الحق في الأشخاص، لا يتجاوز الحدود، ولا ينقص عما هو مطلوب منه وما مشروع له، هذا هو القصد وهذا هو الاعتدال في الأمور.
سؤال الله النعيم الذي لا ينفد
(وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفذ) يعني: نعيماً دائماً، وهذا هو نعيم الجنة الذي ليس له نفاذ، يسأل الله نعيماً لا ينفد؛ لأن الذي عند الناس ينفذ (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ )[النحل:96]، لكن النعيم الذي لا ينفد هو في الجنة، والإنسان يسأل الله نعيماً لا ينفد يعني: يسأل الله الجنة ونعيمها الذي لا ينفد، والتي هي أكلها دائم وظلها لا ينقطع، (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود:108] يعني: غير مقطوع، بل هو دائم مستمر. (وقرة عين لا تنقطع) يعني: سرور دائم، والسرور الدائم إنما يكون في الجنة، إنما يكون في دار السرور ودار النعيم هذا هو قرة العين التي لا تنقطع، وأما الدنيا فإنها وإن حصلت قرة عين -في بعض الأحيان- فإنه يحصل شيء يكدر هذا السرور، ولكن السرور الذي ليس معه تكدير هو نعيم الجنة، وقرة العين تكون في الجنة.
(وأسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء) يعني: يرضى بقضاء الله وقدره إذا وقع له شيء يؤلمه أي: من الأقدار المؤلمة، فإنه يؤمن بقضاء الله وقدره ويقول: قدر الله وما شاء فعل، لو قدر غير ذلك لكان، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فقوله: (واستعن بالله)، معناه: خذ بالأسباب ولا تعول على الأسباب فقط، بل عول على مسبب الأسباب، ولكن أنت افعل الأسباب، وخذ بالأسباب التي تؤدي إلى ما تريد، واستعن بالله أن يحقق لك ما تريد. أما أنك لا تأخذ بالأسباب وتقول: هذه أمور طبيعية إذا جاء السبب جاء المسبب، فلا؛ لأن هناك شيء وراء السبب، وهو توفيق الله عز وجل وتقدير الله عز وجل؛ فإن الله تعالى إذا قدر ألا يوجد المسبب، فلا يوجده حتى مع وجوب السبب، كالإنسان إذا أراد أن يحصل الولد، الطريق إليه أن يتزوج، هذا هو الطريق المشروع الذي يحصل به الولد، ما فيه طريقة يحصل بها الولد إلا عن طريق الزواج، ما أحد يترك الأسباب يقول:أريد الولد وأنا ما تزوجت، لا، هذا سفه وجنون، ولكنه يأخذ بالسبب فيتزوج، لكن إذا تزوج، ليس بمجرد الزواج يأتي الولد، بل هناك شيء آخر وراءه، وهو توفيق الله عز وجل، وإعانة الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي يوجد الولد.
(احرص على ما ينفعك واستعن بالله) ما تحرص على ما ينفعك فقط، وتغفل عن الله عز وجل، بل خذ بالأسباب، وعول على مسبب الأسباب، وتوكل على مسبب الأسباب، واسأل مسبب الأسباب أن ينفع بالأسباب، اسأل الذي جعل السبب أن يأتي بالمسبب، الذي قدر السبب أن يأتي بالمسبب.
(ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا) إنسان مثلاً دخل في تجارة وحصل كساد وقال: لو أنا ما دخلت هذه التجارة وسلكت طريقاً ثانية يكون أحسن، هذا اعتراض على قضاء الله وقدره، الذي قدره الله كان، وما تدري ما يكون، لو فعلت ذاك الذي تقول: أنه أحسن. علم الغيب عند الله عز وجل.
(فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
(وأسألك الرضا بعد القضاء) الإنسان يرضى بقضاء الله وقدره، والصبر ثلاثة أنواع، صبر على طاعة الله، وصبر عن معاص الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
الأمور التي تحصل للإنسان، يحصل له حادث سيارة، يحصل له نكبة، يحصل له انهدام بيت، يعني: مصيبة تصيبه في جسده، أو في ماله، أو في ولده، هذه مصائب تحصل للإنسان، فالإنسان يصبر على أقدار الله، ولا يتسخط على القضاء والقدر.
ثم قال: (وأسألك برد العيش) يعني: كون الإنسان بعد ما يموت في حالة طيبة وفي نعيم، ومن المعلوم أن الإنسان في قبره، إذا كان من الموفقين يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها كما جاء في ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، (يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها) ويكون كذلك حتى يبعث من القبر، ثم ينتقل إلى نعيم الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، فإذا كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله (يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ...) إلخ الحديث.
(برد العيش بعد الموت) هو: ما يحصل من النعيم في القبر نعيم القبر الذي جاء بيانه في هذا الحديث، الذي أشرت إليه، وهو حديث البراء بن عازب الذي يقول فيه: (فيفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها) فيكون منعم وهو في قبره، ويجد النعيم والعيش الطيب وهو في قبره؛ لأنه مفتوح له باب إلى الجنة يصل إليه نعيم الجنة وهو في قبره.
سؤال الله التلذذ بالنظر إلى وجهه سبحانه
(وأسألك برد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم)، وهذا أعظم ما يحصل لأهل الجنة في الجنة، أن يروا الله عز وجل. وهذا الحديث يدل على رؤية الله في الدار الآخرة، وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، كما جاءت في ذلك الآيات والأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، آيات كثيرة وأحاديث متواترة، جاءت عن ثلاثين صحابياً، ذكرها ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) ذكر الثلاثين، وذكر أحاديث الثلاثين متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها عنه ثلاثون من أصحابه الكرام، والقرآن جاء بذلك قال تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )[القيامة:22-23]، ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )[المطففين:15] الكفار حجبوا، والمؤمنون بخلافهم غير محجوبين يرون الله عز وجل.وهذا الحديث من أحاديث إثبات الرؤية، (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) وأعظم نعيم يحصل لأهل الجنة: أن يروا الله عز وجل، هذه الرؤية التي تحصل منهم إلى الله، هي أجل نعيم وأكمل نعيم، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس:26] بأنه النظر إلى وجه الله عز وجل، كما جاء في صحيح مسلم، أنها تنظر إلى الله (الزيادة النظر إلى الله).
(وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) وفيه إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، (والشوق إلى لقائك) يعني: كون الإنسان يكون عنده شوق إلى لقاء الله، في هذه الحياة الدنيا، فإذا كان عنده شوق إلى لقاء الله فإنه يستعد لذلك اللقاء، يستعد له بماذا؟ بالأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله عز وجل. فمن هذه الأسئلة التي اشتمل عليها هذا الدعاء، الشوق إلى لقائه، والإنسان إذا اشتاق إلى لقاء الله عمل الأعمال التي تفيده إذا لقي الله عز وجل، يعملها في هذه الحياة الدنيا، فالدنيا هي دار العمل، والآخرة دار الجزاء، والإنسان يستعد للقاء الله بالعمل الصالح، فإذا اشتاق إلى لقاء الله عز وجل، وعمل الأعمال التي تنفعه إذا لقي الله عز وجل، فهذا هو الذي استفاد في آخرته، وفي دنياه، إذ عمرها فيما يعود عليه بالخير، وفي آخرته إذ حصل الثواب على هذا العمل الصالح.
ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل وقال له: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال له عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) يعني: ما هو العمل الذي أعددته لنفسك، إذا قامت الساعة؟، هذا هو المهم كون الإنسان يستعد للقاء الله، وذلك بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل زلفى.
(والشوق إلى لقائك) يعني: في هذه الحياة الدنيا يشتاق إلى لقاء الله، ويعمل الأعمال التي تقربه إلى الله (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مظلة).
ثم قال: (اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين) الزينة الحقيقية: هي زينة الإيمان؛ لأن الإيمان إذا وفق الإنسان لتحقيقه، والقيام بما هو مطلوب منه، يجد ثواب ذلك عند الله عز وجل (اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين) مهتدين في أنفسنا هداة لغيرنا، يكون الإنسان هادياً مهدياً ينفع نفسه، وينفع غيره، يكون راشداً، مرشداً، هادياً، مهدياً، (واجعلنا هداة مهتدين) نهتدي بأنفسنا فنعمل الأعمال الصالحة التي تقربنا إلى الله عز وجل، ونسير وفق الصراط المستقيم، وندعو غيرنا ونهديهم الصراط المستقيم، ونظهرهم بالدين القويم، ونرشدهم إلى ما يعود عليهم بالخير، وإذا اهتدى الإنسان في نفسه، وعمل الأعمال الصالحة لكونه من المهتدين، ودعا غيره إلى الأخذ بأسباب السعادة، واستفاد ذلك الغير من هدايتك، فالله تعالى يثيبك مثلما أثابه، ويعطيك من الأجر مثلما أعطاه؛ لأنك الذي دللته على الخير، (ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله).
هذا دعاء عظيم من جوامع كلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر عمار بن ياسر رضي الله عنه بأن هذه الصلاة التي قالوا أنه أوجز فيها دعا فيها بهذا الدعاء العظيم: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين)، ما أعظم هذا الدعاء! وما أجمله! وما أوسعه! لأنه ألفاظ قليلة ولكنها تشتمل على معان واسعة، ولهذا فإن أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام هي من جوامع الكلم.
فإذا حرص الإنسان على معرفة أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، ودعا بها، يكون دعاؤه بالدعاء المأثور عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي نفس الوقت، يكون قد أتى بالدعاء الذي هو سليم من أي نقص ومن أي خلل، بخلاف الأدعية التي يحدثها الناس، فإن بعضها لا يسلم من خلل، لا يسلم من نقص، لا يسلم من خطأ، لا يسلم من الإتيان بشيء لا يسوغ، لكن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم، كلام الرسول فيه العصمة، أدعية الرسول هي فيها العصمة، وفيها السلامة، كلها خير وبركة، أما الأدعية التي يحدثها الناس، فمنها ما يكون طيباً ولا بأس به، ومنها ما يكون فيه مخالفة، أو فيه عدم اتفاق، مع ما جاءت به الشريعة، وهذا هو الذي يخشى على صاحبه من مغبته ومن مضرته.
وأول ما جاء في هذا الدعاء، كما قلت التوسل إلى الله عز وجل، بعلمه الغيب وقدرته على الخلق، وهذه هي الطريقة المشروعة للإنسان إذا أراد أن يتوسل، فيتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي). الرجل الذي مر بنا أنه سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول في دعائه: (لك الحمد، أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! إني أسألك كذا)، هذا هو التوسل الذي ينفع صاحبه، يثني على الله عز وجل، ثم يأتي بعد ذلك بما يريد، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) توسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، أما إذا توسل بتوسلات غير مشروعة، مثل: بجاه فلان، أو بجاه النبي، أو بجاه فلان الفلاني هذا ليس بمشروع، لم يرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أصحابه الكرام. لكن ما فعله الرسول هو هذا، والذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو هذا.

ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:06 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب السهو)
(244)

- باب التعوذ في الصلاة - نوع آخر من التعوذ في الصلاة
مما يشرع قوله في الصلاة التعوذ من أربعة أمور، وهي: التعوذ من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات، حتى إن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب ذلك في التشهد الأخير.
باب التعوذ في الصلاة
شرح حديث: (كان رسول الله يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التعوذ في الصلاة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل قلت لـعائشة حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته، فقالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل).
يقول النسائي رحمه الله: التعوذ في الصلاة؛ أي الإتيان بذكر فيه الاستعاذة بالله عز وجل، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: أنه قال لها فروة بن نوفل: حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته، فقالت: نعم، كان يقول في صلاته: (أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) وهذا دعاء عظيم من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإن فيه التعوذ من شر ما عمل الإنسان؛ أي: ما حصل منه من أمور سيئة عملها، وهو لا ينبغي له أن يعملها، (ومن شر مال لم يعمل) يعني: من الأمور التي طلب منه أن يعملها، وهو لم يعملها؛ أي: ما فعل من السيئات، وما ترك من الحسنات، ما فعل من الأمور التي لا يجوز فعلها، وما لم يفعله من الأمور التي يطلب فعلها.
إذاً: هذا دعاء عظيم شامل من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومن الأدعية الجامعة التي تشمل كل إخلال فيما يتعلق بارتكاب المحظورات، وفيما يتعلق بعدم القيام بفعل ما هو واجب، ومطلوب؛ لأن الإنسان مطلوب منه أن يعمل كل ما هو خير، وأن ينتهي ويبتعد عن كل ما هو شر، فإذا استعاذ الإنسان من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، فمعناه أنه استعاذ من فعله لأمور منكرة هي من قبيل السيئات، ولما حصل منه من الإخلال، والتقصير في أمور مطلوبة منه هي كفعله للحسنات.
فهو دعاء عظيم من جوامع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام جوامع، ولهذا فإن المسلم عليه أن يحرص على معرفة الأدعية التي جاءت عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، سواء كان مما يدعى به في الصلاة، أو في غير الصلاة؛ لأن الأخذ بالأدعية النبوية فيه العصمة، وفيها السلامة؛ لأنها كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأما الأدعية التي يأتي بها الإنسان من نفسه، وليست مأثورة عن رسول عليه الصلاة والسلام، فإنها تحتمل أن تكون سليمة، ويحتمل أن تكون مشتملة على خطأ، ومخالفات، ووقوع في أمور محظورة، ولكن العصمة والسلامة بلا شك إنما هي بما أوثر عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام كما أن السلامة فيها محققة؛ لأنها كلام الذي لا ينطق عن الهوى، ولأنها كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، فأيضاً هي جوامع، فبالإضافة إلى كون فيها السلامة أيضاً هي جوامع مشتملة على معاني واسعة مع أن ألفاضها قليلة، فهي قليلة المبنى واسعة المعنى، وهذا هو معنى كون كلمه عليه الصلاة والسلام جوامع، وكون الأدعية التي يدعو بها هي من الجوامع.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمت ومن شر ما لم أعمل)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو محدث، فقيه، إمام مشهور، إمام في الفقه، وإمام في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا جرير].
هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديث أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة، وهو من أقران الأعمش.
[عن هلال بن يساف].
ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن فروة بن نوفل].
اختلف في صحبته، وقيل: إن الصحبة إنما هي لأبيه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[قلت عائشة].
أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي هي ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والتي هي من أوعية السنة، والتي حفظت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما الأحاديث المتعلقة في البيوت، والتي لا يطلع عليها إلا أهل البيت، التي لا يطلع عليها إلا أمهات المؤمنين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها حفظت الشيء الكثير، وروت الشيء الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بأمور البيت وفي غيرها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد قال السيوطي في هؤلاء السبعة في ألفيته:
والمكثرون في رواية الأثر أبي هريرة يليه بن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
وزوجة النبي المراد بها: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضها الصديقة بنت الصديق أنزل الله عز وجل في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في كتاب الله عز وجل في أوائل سورة النور، فمن رماها بالإفك فإنه يعتبر مكذباً للقرآن، ويعتبر كافراً ليس من المسلمين؛ لأن من قال: إنها واقعة في الإفك الذي رميت به، وقد برأها الله عز وجل، وأنزل براءتها في كتابه الكريم، فإنه يكون مكذباً بهذه الآيات التي أنزلها الله على رسوله الكريم، وفيها براءة لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وكان من نبلها، وفضلها رضي الله تعالى عنها أنها مع إنزال الآيات في براءتها، وفي ذلك إظهار لفضلها، كانت تتواضع لله عز وجل، وكانت تقول: وكنت أتمنى أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه رؤيا يبرأني الله بها. ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، فهي تريد أن يحصل وحي في براءتها عن طريق الرؤيا، وكانت تستهون نفسها وتقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى.
فهؤلاء هم أولياء الله حقاً الذين جمعوا بين الكمال، والتواضع لله عز وجل، أحسنوا لله، وقاموا بما هو مطلوب منهم، ورفع الله شأنهم، وأعلى ذكرهم، ومع ذلك يحصل التواضع منهم لله عز وجل، وقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:(من تواضع لله رفعه الله) فهي تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى. وهذا من تواضعها، ومن فضلها، ونبلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
نوع آخر من التعوذ في الصلاة
شرح حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة عن أشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: نعم، عذاب القبر حق قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة بعد إلا تعوذ من عذاب القبر)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي نوع آخر؛ أي: من التعوذ في الصلاة، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، و(أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: نعم، عذاب القبر حق، وقالت: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد إلا تعوذ بالله من عذاب القبر).
فهذا الحديث يدلنا على التعوذ بالله من عذاب القبر، وإنه يتعوذ به في الصلاة، ومن المعلوم أن التعوذ في الصلاة، والذكر، والدعاء في الصلاة إنما يكون في موضعين: في السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، فهذان هما الموضعان اللذان يكثر فيهما الدعاء، ويؤتى فيهما بالدعاء، ويتخير الإنسان فيه من الدعاء ما شاء، وقد جاء في الحديث بالنسبة للسجود: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) وجاء في الحديث الذي مر: (ثم ليتخير الدعاء أعجبه ما شاء) أي: أعجبه إليه يدعو به، إذاً: معناه أنه يدعو الإنسان في التشهد الأخير قبل السلام، ويدعو أيضاً في السجود، فيستعيذ بالله عز وجل في صلاته، سواءً كان ذلك في السجود، أو في التشهد قبل السلام؛ لأن السجود أرشد فيه النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإكثار من الدعاء، وكذلك أيضاً التشهد الأخير جاء ما يدل على الدعاء فيه، وأن الإنسان يتخير من الدعاء أعجبه إليه.
وسؤال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاه عن عذاب القبر، يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عليهم وأرضاهم من الحرص على معرفة الأحكام، ومعرفة أمور الدين أصوله وفروعه، وكانوا يسألون عن الأصول والفروع، وهذا من السؤال عن أصول الدين؛ لأن هذا من الأمور العقدية، وهو من الإيمان بالغيب الذي لا يعرف العلم به إلا عن طريق الوحي، وهو من جملة الأخبار التي يخبر بها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن أمور مستقبلة.
ومن المعلوم أن من مقتضيات أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يطاع في كل ما يؤمر به، وأن ينتهى عن كل ما ينهى عنه، وأن يصدق في كل ما يخبر به، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإن الإيمان بعذاب القبر، والتصديق بعذاب القبر، هذا من التصديق بأخباره عليه الصلاة السلام، ومن الإيمان بالغيب الذي امتدح الله أهله وأثنى عليهم في أول سورة البقرة حيث قال: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )[البقرة:1-3]، فهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به.
الأدلة على وقوع عذاب القبر
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بعذاب القبر، وإثباته، بل جاء القرآن الكريم في إثبات ذلك في قول الله عز وجل في آل فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فإن هذه الآية تدل على عذاب القبر، وأن آل فرعون يعذبون في قبورهم حتى تقوم الساعة، وإذا قامت الساعة ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وغيره من حديث البراء بن عازب الحديث الطويل في عذاب القبر، وفي آخره: (أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها) فهذا فيه بيان إثبات عذاب القبر، وهو ثابت في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.واستعاذة النبي عليه الصلاة والسلام منه، والإرشاد إلى التعوذ منه، وبيان أن عذاب القبر حق، يدل على إثباته، وإنه يجب التصديق به، ومن كان أهلاً لأن يعذب في قبره، فإنه يصل إليه عذاب القبر، وإن لم ندرك كيفية وصوله؛ لأن هذه من الأمور الغيبية يجب التصديق بها، ولا يكون الإيمان مبنياً على المشاهدة، والمعاينة، بل الإنسان يؤمن بالخبر إذا جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعرف الكنه والكيفية؛ لأن عذاب القبر ونعيم القبر ليس من جنس ما يعقل في الدنيا، ويشاهد في الحياة الدنيا، فقد يفتح القبر ولا يوجد فيها لا جنة ولا نار، لكن لا يمنع وجود الجنة والنار، لكن الإنسان لم يطلعه الله عز وجل على ذلك، لم يطلع الله عز وجل البشر على ذلك، وقد أطلع نبيه عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحديث في صحيح مسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) ،وقد أخفاه الله على الناس لحكمة؛ وهي أن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأنه لو كشف للناس ما يجري في القبور ما يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، لكن صار ذلك خفياً، ولهذا لما كانت الحيوانات غير مكلفة كانت تسمع كما جاء في الحديث، (إنه عندما يسمع من يعذب في قبره يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس، والجن، ولو سمعها الإنسان لصعق)، فالله سبحانه وتعالى أطلع البهائم على ذلك، ولم يطلع الإنس والجن على ذلك؛ لأنهم مكلفون، فكان في عدم إطلاعهم التمييز بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، من يصدق بالأخبار، ومن يكذب بالأخبار، ولا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة.
فعذاب القبر حق، ومن كان أهلاً لعذاب القبر فعذاب القبر يصل إليه، سواءً قبر أو لم يقبر، وسواءً أحرق وذر في الهواء، أو أكلته الحيتان، أو أكلته السباع، الله عز وجل قادر على أن يوصل إلى جسد الإنسان العذاب على الكيفية التي يعلمها سبحانه وتعالى، ولو فتح القبر فلا يرى الإنسان جنة ولا نار، لكن هذا لا يمنع، ولا يجعل الإنسان لا يؤمن، بل يؤمن؛ لأن أمور الآخرة ليست من جنس أمور الدنيا، ليست من جنس ما يشاهد الناس في الدنيا، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس الخسوف، هو راءاها ورأى عناقيد العنب، ومد يده ليتناول منها، والصحابة وراءه يرونه يرون اليد الممدودة ولا يرون الشيء الذي مدت إليه، أطلع نبيه ولم يطلع الصحابة، وكلهم في مكان واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى الجنة التي عرضت عليه، ورأى النار التي عرضت عليه، والصحابة ما رأوا هذا الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل رأوا يده ممدودةً كأنه يتناول شيئاً، وسألوه بعد ذلك فقال: أنه رأى الجنة: وعرضت عليه، ورأى عناقيد العنب متدلية، فأراد أن يأخذ منها عنقوداً، قال: (ثم تركت، ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا) لو أخذ عنقوداً لأكل الناس منه إلى نهاية الدنيا، هذا نعيم الآخرة، لكن الله عز وجل شاء ألا يكون نعيم الآخرة في الدنيا، بل يكون في الآخرة، وهذا العنقود لو أخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لأكل الناس منه إلى نهاية الدنيا، هذا هو نعيم الآخرة.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم رأى العناقيد، ورأى الجنة، ورأى النار، والصحابة وراءه ما رأوه، وهو عليه الصلاة والسلام أطلعه على ما يجري في القبور من حيث أنه يسمع العذاب، وهم لم يطلعهم عليه على ذلك، حيث قال: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فأحاديث عذاب القبر كثيرة متواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويجب الإيمان بها، ولا يتوقف الإيمان على المشاهدة والمعاينة، وأن الإنسان يقول: لو فتحنا القبر ما وجدنا نعيم، ولا وجدنا جنة ولا نار، والذي أكلته السباع كيف يصل إليه العذاب، والذي أكلته الحيتان كيف يصل إليه العذاب، الله عز وجل يقول: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، ويعيد الأجساد من تلك الذرات التي اختلطت بالتراب، والذي يعاد يوم القيامة هو الجسد الذي كان في الدنيا، ليس جسداً جديداً، الذي يعاد عند البعث هو الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء، فينعم ويعذب، ما يوجد جسم جديد ينعم، ويعذب وهو ما حصل منه إساءة، وإنما الذي يعذب هو نفس الجسد الذي حصلت منه الإساءة، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )[يس:65]، الأيدي تشهد، والأرجل تشهد، إذاً الأيدي التي تشهد هي الأيدي التي في الدنيا، والأرجل هي الأرجل التي في الدنيا، الأرجل التي مشت إلى المعصية، والأيدي التي فعلت المعصية، فالبعث يكون للأجساد التي كانت في الدنيا، والعذاب يكون على الأجساد التي كانت في الدنيا، والنعيم يكون على الأجساد؛ لأنها هي التي أحسنت وهي التي أساءت، والإحسان يكون على الجسد الذي أحسن، والروح التي أحسنت، والعذاب يكون على الروح التي أساءت، والجسد الذي أساء؛ لأن العمل سواءً كان خيراً أو شراً بمجموع الروح والجسد، ليس من الروح وحدها، ولا من الجسد وحده، ولهذا تنعم الروح والجسد، ويعذب الروح والجسد، والعذاب يصل إلى من يستحقه، سواء قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو أكلته الحيتان أو أحرق وذر في الهواء، الله عز وجل يوصل إلى العذاب إلى من يستحق العذاب.
ثم من الأمور التي يمكن أن نتبينها في الدنيا وهي مشاهدة معاينة حاصلة بالنسبة للإنسان في الأمور الدنيا، وهي توضح أن عذاب القبر يمكن أن ينعم المنعم، ويعذب المعذب، وقد يكونان في قبر واحد، هذا في نعيم وهذا في جحيم، وهذا ما يصل إليه نعيم هذا، وهذا ما يصل إليه جحيم هذا، العذاب ما يصل إلى المنعم، والنعيم ما يصل إلى المعذب، وهم في قبر واحد مدفونين مع بعض، والله تعالى على كل شيءٍ قدير، في الدنيا شيء يوضح هذا، وهو ما يجري في النوم، ينام شخصان في غرفة واحد، بل يكونان في لحاف واحد؛ الزوج، والزوجة، ينامان في لحاف واحد، ثم كل واحد منهم يقوم من نومه، واحد منهم منعم، وواحد معذب، واحد منهم رأى أنه يأكل من الفواكه، ويتمتع في النعيم، ثم يقوم ولعابه يسيل مسروراً بالشيء الذي حصل له في هذا النوم، والثاني في جواره يرى أن السباع تلاحقه، والحيات تنهشه، والعقارب تلسعه، ثم يقوم وهو في ذعر، وفي خوف، وريقه ناشف من شدة ما حصل له في النوم، من هذا الأمر الذي حصل للروح، ومن المعلوم أنه إذا كان هذا حصل في الدنيا، مع أن هذا بجوار هذا، وهذا ما درى عن نعيم هذا، فهذا في الآخرة من باب أولى، هذا يبين لنا أمور الآخرة، والإنسان يجب عليه أن يصدق بكل ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، وبذلك يكون محققاً شهادة أن محمداً رسول الله.
أما إذا لم يصدق بأخبار الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يكن محققاً لمعنى أشهد أن محمداً رسول الله، لأن أشهد أن محمداً رسول الله تعني أن يصدق في كل ما يخبر به، وأن ينتهى عن كل ما ينهى عنه، وأن يفعل كل ما يأمر به، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته، لا يعبد بالبدع والمنكرات والمحدثات والخرافات، والأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما يكون الإنسان عمله مبنياً على أساس متين، ومتوفر فيه شرطان هما: إخلاص العمل لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون العمل خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، ومطابقاً لسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، لا يكون مبتدعاً محدثاً من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة) ثم أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالمسلم يحقق مقتضى أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصدق الأخبار، ويمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، وتكون عبادته طبقاً لما شرعه رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ثم قالت: (فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً بعد إلا تعوذ بالله من عذاب القبر).
يعني: إما أنه شرع له التعوذ من ذلك الوقت، أو أنه كان موجوداً من قبل، ولكنها ما فطنت له ولا تنبهت إلا بعد ما سألت هذا السؤال، وأجاب بهذا الجواب، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا؛ يحتمل أن يكون التعوذ بالله من عذاب القبر موجوداً في صلواته من قبل، وما كانت فطنت لذلك، وإنما فطنت لما سألت، وأجابها بهذا الجواب، ويحتمل أنه إنما كان أوحي إليه أن يتعوذ في الصلاة في ذلك الوقت الذي حصل سؤالها إياه، وأجابها بأن عذاب القبر حق، وأنه كان يتعوذ في صلاته من عذاب القبر.

يتبع


ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:06 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر
قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة.
[عن محمد]،
محمد هنا غير منسوب، يروي عنه محمد بن بشار، ويروي هو عن شعبة، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار، ويروي عن شعبة، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديث شعبة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أشعث].
هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن أبيه أبي الشعثاء، وهو: سليم بن أسود المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
قد مرّ ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
شرح حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثني أبي عن شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) ].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ بالله في الصلاة.
فكان يدعو في الصلاة يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات).
(اللهم إني أعوذ بك المأثم والمغرم) يعني: هذا حديث من الأحاديث المشتملة على تعوذ النبي عليه الصلاة والسلام، أي تعوذه بالله عز وجل من أمور متعددة: من عذاب القبر، وهو الذي مر بالحديث الذي قبل هذا عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومن فتنة المسيح الدجال، المسيح الدجال هو الرجل الذي يخرج في آخر الزمان، ويحصل على يديه أمور عجيبة، وأمور غريبة تجعل الناس يخدعون فيه، ويفتنون فيه، فيتبعونه، والذي يوفقه الله عز وجل يعصمه الله عز وجل من الدجال وفتنته، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى الاستعاذة بالله من فتنة المسيح الدجال، والمسيح الدجال هو الرجل الذي تواترت بذكره الأحاديث عن رسول عليه الصلاة والسلام، وأنه يخرج في آخر الزمان، وأنه يطوف البلاد، وأنه يدخلها إلا مكة والمدينة؛ فإن الملائكة تحرسها، وتمنعه من دخولها، ولكنه يقيم في أطرافها وفي خارجها، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، يخرجون إليه ويلحقون به، وإن كانوا ليسوا عنده، ولكن هذه الرجفات الثلاث تجعل هؤلاء الذين هم من أتباعه يلحقون به ويخرجون، والأحاديث متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي كثيرة جداً في الصحيحين، وفي غيرها من كتب السنة، وكذلك أيضاً يحصل على يديه أمور يأتي بجنة ونار، ويفتن الناس بما يحصل على يديه، وبما معه من تلك الخوارق التي يفتتن بها الناس، وهي فتنة يفتن الله عز وجل بها من شاء من عباده الموجودين في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويأتي ويصلي في المسجد الأقصى، ثم يخرج ويلحق به بباب لد من أرض فلسطين، فيقتله بيده ويري الناس دمه بحربته، وعند ذلك ينتهي هذا الرجل الذي هو صاحب هذه الفتنة، التي جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بالتعوذ بالله من فتنته؛ لأنه يأتي بأمور عجيبة تذهل الناس، ومن لم يوفقه الله عز وجل فإنه يخدع، ويغتر بما يحصل على يديه، وبما يرى معه من الأمور التي هي من خوارق العادات، فيحصل الابتلاء والامتحان لمن شاء الله عز وجل من عباده، ولهذا جاء في الأحاديث: (وأنه ليس هناك فتنة أعظم من فتنة المسيح الدجال) فالإيمان بهذا الخبر المتواتر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من وجود الدجال، وخروجه في آخر الزمان، وما يحصل على يديه، هذا من الإيمان بالغيب التي يجب التصديق بها، وأنه لابد وأن يوجد هذا الشخص، لابد، وأن يخرج على الناس في ذلك الوقت الذي شاء الله أن يخرج، ثم يحصل منه ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويفتتن به من يفتتن، ويعصم الله منه من يعصم من عباده الذين سلمهم من الافتتان به.
قوله: (ومن فتنة المحيا والممات) هذا أيضاً دعاء عام، وهذا عموم بعد خصوص، أو تعميم بعد تخصيص؛ لأن فتنة المسيح الدجال هي من فتنة المحيا، لكن هذا الدعاء يشمل التعوذ من سائر الفتن، ويدخل فيها فتنة المسيح الدجال، فيكون ذكرها بعد ذكر المسيح الدجالمن ذكر العام بعد الخاص؛ لأن هذه من فتن الحياة ، وفتنة الممات أيضاً منها ما يجري في القبر من السؤال والعذاب وما إلى ذلك، كل هذا أيضاً من فتنة الممات، ففيه أدعية خاصة في الحياة وفي الموت، ودعاء عام يشمل ما يجري في الحياة من الفتن، وما يجري في الموت، وبعد الموت من الافتتان.
قوله: (وأعوذ بك من المأثم والمغرم) المأثم هو: الوقوع في الإثم، أو الأعمال التي تؤدي إلى الإثم، وأما المغرم فقد فسر بأنه الذنوب والمعاصي، وما جاء في الحديث من تفسيره بأن المراد به الدين، والغرم الذي يتحمله الإنسان، ويبتلى به الإنسان من الديون التي يتحملها، فآخر الحديث يدل ويفسر المراد بهذا المغرم، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: (ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) يعني: يترتب على هذه الأمور الغير طيبة، حصول الكذب في الحديث، وحصوله خلاف الوعد، فهذا من أضراره، ومن الأمور التي تترتب على المغرم، وتحمل الديون، ولهذا هذا فيه تنفير من الوقوع في الدين، لكن المقصود بالدين الذي ليس هناك أمر يقتضيه، وليس هناك ضرورة تلجئ إليه، وأما إذا كان الإنسان يستدين، وعنده وفاء، أو عنده قدرة على الوفاء في المستقبل، فيعلم أن أمامه شيء سيأتيه في وقت لاحق، فيستدين لأنه ما عنده شيء في الوقت الحاضر، ولكنه سيأتيه بعد كذا من الأشهر مال في مقابل كذا، أو مما يعلمه مما سيصل إليه في المستقبل، فلا بأس بذلك، ولا مانع منه، لكن كون الإنسان يستدين، ويحمل نفسه أشياء بأمور ليس هناك داعٍ إليها، وليس هناك حاجة إليها، فإن هذا يحمل نفسه حقوق الناس، ويترتب على ذلك مثل هذه المفاسد التي أرشد إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، فهذه من الأدعية الجامعة التي هي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أبيه].
هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أيضاً أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول عليه الصلاة والسلام بجد النبي صلى الله عليه وسلم كلاب ؛ لأن قصي بن كلاب أخو زهرة بن كلاب، فيلتقي نسبه مع نسب النبي عليه الصلاة والسلام بـكلاب بن مرة جد النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينسب ويقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب جده الأعلى في النسب، وينسب أيضاً إلى جده شهاب فيقال أيضاً: ابن شهاب، فهو مشهور بهاتين النسبتين، والمراد بجده ليس جده هو؛ لأنه يعتبر جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فهو جد جده؛ لأن جده عبيد الله، وعبيد الله جده شهاب، فهو ينسب إلى جد من أجداده فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو إمام، جليل، ثقة، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أسند إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه جمع السنة، وتدوينها، وقال فيه السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
والمراد بالتدوين: التدوين بتكليف من السلطان، وإلا فإن التدوين بأعمال فردية، وجهود خاصة من غير تكليف من السلطان موجود في زمن الصحابة وموجود في زمن التابعين، وعبد الله بن عمرو كما جاء في الحديث، وجاء في الأثر عن أبي هريرة أنه كان يكتب ولا أكتب، يعني كانوا يكتبون السنة، لكن الذي حصل من عمر إلى الزهري هو الجمع بتكليف من ولي الأمر، وتكليف من السلطان، وحديث الزهري عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
[أخبرني عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة، فقيه، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب ، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء سبعة اشتهروا بهذا اللقب، وهو لقب الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، فإذا جاء مسألة من المسائل يقولون: قال بها الفقهاء السبعة، ولا يسمونهم اكتفاءً بهذا اللقب الذي يشملهم، وهؤلاء هم المعنيون بهذا اللقب، وعروة بن الزبير الذي معنا في هذا الإسناد هو واحد من فقهاء المدينة السبعة.
[عن عائشة]؛ هو يروي عن خالته عائشة، وعائشة مر ذكرها في الأسانيد الماضية. شرح حديث: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم وعذاب القبر...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن الأوزاعي ح وأخبرنا علي بن خشرم عن عيسى بن يونس واللفظ له، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له).هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له) فهذا الحديث مشتمل على التعوذ من هذه الأمور الأربعة: من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب جنهم، فهذه الأربع أرشد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه يتعوذ بالله منها بعد التشهد؛ يعني: في آخر الصلاة في التشهد الأخير والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقبل السلام، والحديث فيه الأمر بالتعوذ بالله منها، وقد حمله بعض الفقهاء على الوجوب، وجمهورهم حملوه على الاستحباب، وكونه جاء فيه الأمر حتى ولو لم يقل بالوجوب، فإن إرشاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى التعوذ بالله من هذه الأربع، وكون البعض قال بالوجوب، هذا يجعل المسلم يهتم بها، ويحرص عليها، أي: الاستعاذة بالله عز وجل من هذه الأربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر...)
قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي].ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
[عن المعافى].
هو ابن عمران الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، فقيه أهل الشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من وافقت كنيته أسم أبيه، فأبوه عمرو وكنيته أبو عمرو، وهذا من أنواع علوم الحديث التي مرت بنا في المصطلح، وفائدة معرفتها ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بلقبه بدل نسبته، وفيما لو ذكر بكنيته بدل نسبته، فإذا قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، أو قيل: عبد الرحمن بن عمرو، النتيجة واحدة، فهو عبد الرحمن أبو عمرو، فلا تصحيف بين كلمة (ابن) و(أبي)، بل هو أبو عمرو وابن عمرو.
[ح وأخبرنا].
حول الإسناد قال: (ح)، وهذه (ح) التحويل، هي للتحويل من إسناد إلى إسناد، أي: أنه يمشي في الإسناد ثم يأتي بكلمة (ح) ثم يرجع من جديد، ويأتي بإسناد آخر حتى يتلاقى الإسنادان الأول والثاني، ثم يستمر إلى النهاية، فيكون الإسناد جاء من طريقين يلتقيان عند شخص معين، ثم يتوحد الطريق بدل ما كان طريقين يتحد الطريق بعد ذلك حتى يصل إلى منتهاه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنا حول الإسناد إلى إسناد آخر.
[أخبرنا علي بن خشرم]،
شيخ آخر من مشايخه، وهو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، خرج حديث مسلم، والترمذي، والنسائي. وعلي بن خشرم هذا من المعمرين، وقد ذكر في ترجمته أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً.
يعني معناه صام ثمانية وثمانين سنة، أي أنه من حين بدأ التمييز سواء كان قد احتلم أو لم يحتلم؛ لأن الصيام يوجد قبل الاحتلام، لكنه صام هذه السنين وهي ثمانية وثمانين سنة وهو يصوم، فهو من المعمرين.
[عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، مأمون، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[واللفظ له].
أي: للشيخ الثاني، ذكر إسنادين، فهو ذكر الذي اللفظ بالنسبة للإسناد الأول، للإسناد الثاني وليس للإسناد الأول.
ويلتقيان عند الأوزاعي.
[عن حسان بن عطية].
حسان بن عطية ثقة، فقيه، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي عائشة].
محمد بن أبي عائشة قيل: أن أباه عبد الرحمن، وهو حجازي ليس به بأس، وليس به بأس مثل الصدوق، يعني في اصطلاح الحافظ ابن حجر كما في التقريب في أوله، ليس به بأس هي بمنزلة الصدوق، وقد ذكرت أن بعض المحدثين وهو يحيى بن معين يطلق (لا بأس به) بمعنى ثقة؛ لأن لا بأس به عند ابن معين توثيق تعادل كلمة ثقة عند غيره وهذا اصطلاح، وكما يقولون: إذا فهم الاصطلاح فلا مشاحة في الاصطلاح.
أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وما أخرج له البخاري في الصحيح، ولا الترمذي.
[عن أبي هريرة رضي الله عنه]،
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الأسئلة

حكم قول التعوذ من الأربع في التشهد الأول
السؤال: لماذا لا تقولون بالدعاء في التشهد الأول، وجاءت السنة بذلك؟الجواب: ما أعرف أن السنة جاءت بأنها تأتي بعد التشهد الأول؛ لأن التشهد الأول يخفف ولا يطول، وأما التشهد الأخير فهو الذي يؤتى فيه بالصلاة، ويؤتى فيه بالتعوذات، ويأتي الإنسان بما يتخير من الدعاء أعجبه إليه، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
بيان كيفية إحرام الحائض
السؤال: كيفية إحرام المرأة الحائض؟ الجواب: المرأة الحائض تحرم وعليها الحيض، يعني: أنها تغتسل وتتنظف عند الإحرم ولو كان الحيض عليها، وتدخل في الإحرام وتلبي، وإذا دخلت مكة لا تدخل البيت حتى تطهر من الحيض، وتغتسل، وإن استمر معها فإنها تعمل جميع أعمال الحج، إلا إنها لا تدخل البيت، وتطوف به حتى تطهر من حيضها وتغتسل.
مدى لزوم كون الأرض مقدسة أنها تقدس الناس التي فيها
السؤال جاء في الحديث: (المدينة كالكير تنفي خبثها)، إلى آخر الحديث، هل معناه أن ليس في المدينة أحد منافق أو خبيث؟ يقول: هل معنى هذا الحديث ألا يكون هناك منافق أو خبيث في المدينة؟ الجواب: نعم، ليس فيه ما يدل على أن المدينة ما يبقى فيها إلا ناس طيبون، سالمون من النفاق، وسالمون من المعاصي، أبداً، بل المدينة كما هو معلوم يكون فيها الطيب، وفيها الرديء، وكما قال سلمان رضي الله تعالى عنه أو أبو الدرداء، يقول أحدهما للآخر يقول: إن البلاد لا تقدس أحداً، وإنما يسلم الإنسان من السوء بالعمل الصالح، فقد أشرت إلى الحديث الذي جاء فيه إنه إذا خروج الدجال، وطاف بالبلاد كلها، وجاء ونزل في أطراف المدينة، ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة في ذاك الوقت، فهم باقون، ولكن إذا جاء الدجال، وحصلت الرجفات خرجوا ولحقوا به فوجود المنافقين مما لا شك فيه، فهناك من لا خير فيهم يخرجون من المدينة، والمدينة تنفيهم، ولكن لا يعني ذلك أن كل من خرج منها يكون كذلك، فإن المدينة خرج منها أصحاب رسول الله عليه الصلاة السلام، وتوزعوا في الآفاق ليقوموا بالجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى دين الله عز وجل، وهم خيار خلق الله، فليس معنى ذلك أن من بقي فيها يكون خيراً، ومن خرج منها يكون بخلاف ذلك، فإنه يبقى فيها الطيب والرديء، ويخرج منها الطيب والرديء.

ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:08 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب السهو)
(245)

- باب نوع آخر من الذكر بعد التشهد - باب تطفيف الصلاة
جاءت أحاديث كثيرة تبين ما يقوله الإنسان بعد تشهده في الصلاة ومنها: أن يقول: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. ومما ينبغي مراعاته في الصلاة عدم نقصانها، بل يتمها ويأتي بها على أكمل وجه.
باب نوع آخر من الذكر بعد التشهد
شرح حديث: (إن رسول الله كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر بعد التشهد.أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم).
يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من الذكر بعد التشهد، وسبق أن مر أنواع من الذكر بعد التشهد، وهذا منها؛ أي: أنه يقال ذلك في آخر الصلاة، وهذا الذكر المقصود به الثناء على الله عز وجل، وعلى شرعه، وعلى ما جاء به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما؛ [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم] هذا هو الذكر الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، والمراد به: الثناء على الله عز وجل، وعلى كلامه الذي هو صفة من صفاته، فهو أحسن الكلام، ليس هناك كلام أحسن من كلام الله عز وجل، وخير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والحديث المقصود من إيراده كونه ثناء على كلام الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، وكذلك على الهدي وهو الطريقة والمنهج الذي جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهديه خير الهدي، وكلام الله عز وجل خير الكلام، وفي الحديث إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وجميع صفات الله عز وجل التي جاءت في الكتاب والسنة يجب إثباتها لله عز وجل على الوجه اللائق لكماله وجلاله، دون تشبيه أو تكييف أو تمثيل، ودون تعطيل أو تأويل، بل على حد قول الله عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11]، وكلام الله عز وجل هو القرآن وغيره مما تكلم به؛ مثل: التوراة، والإنجيل، ومثل كلامه لأهل الجنة إذا دخلوا الجنة، ومثل كلامه مناجاته لموسى، وتكليمه محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، فكل هذا من كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل لا يتناهى؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية للمتكلم به، فلا بداية للكلام ولا نهاية للكلام، فكلام الله عز وجل لا ينتهي، ولا ينحصر؛ لأن المتكلم به قديم بلا ابتداء، ودائم بلا انتهاء، هو الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية؛ ولهذا يقول الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[لقمان:27]، ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )[الكهف:109]، فكلام الله عز وجل لا ينحصر، ولا ينتهي؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية للمتكلم به، والذي له بداية وله نهاية كلامه محصور، مثل البشر والخلق؛ لأن لهم بداية، ولهم نهاية، وكلامهم منتهي ومحصور؛ لأنه معروف بدايتهم ونهايتهم، فكلامهم يكون محصوراً، لكن الذي لا بداية له ولا نهاية له فلا نهاية لكلامه، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ )[لقمان:27]، يعني: لو كانت الأشجار التي في الأرض كلها يتخذ منها أقلام، والبحور الزاخرة، المحيطات هذه الواسعة الكثيرة الضخمة في السعة، وكثرة الماء، فهي على ما هي عليه، لو صارت مداداً يكتب به، وضوعفت أضعافاً مضاعفة لانتهت الأقلام، وانتهت البحور التي لو كانت مداداً، ولم ينفد كلام الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ )[لقمان:27]، نفس البحر يكون مداداً، ويضاعف سبع مرات أو أكثر، فإنه ولا بد أن ينتهي المداد، ولا ينتهي كلام الله.
والقرآن هو من كلام الله، القران يكتب بمحبرة صغيرة تكتب القرآن؛ لأنه هو شيء من كلام الله، وبعض من كلام الله، والتوراة من كلام ا لله، والإنجيل من كلام الله، وكلام الله عز وجل لا حصر له، ولا نهاية، والآية الثانية في سورة الكهف: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )[الكهف:109]، أي: بمثل البحر مدداً، لو جعلنا أضعافاً مضاعفة تكون مداداً لانتهى ذلك المداد، ولا ينتهي كلام الله؛ لأن البحر محصور، وإن كان واسعاً، ولكن كلام الله عز وجل لا ينحصر؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية له سبحانه وتعالى، إذاً لا حصر لكلامه، وكلام الله لا يتناهى.
(أحسن الكلام كلام الله) ففيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وفيه إثبات أن كلامه خير الكلام، وليس أحد أحسن من الله حديثاً، وكلامه أحسن الكلام، وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام خير الهدي، أي: الطريقة التي عليها الرسول عليه الصلاة والسلام هي الطريقة الأحسن، هي الطريقة التي فيها السلامة والنجاة، هي الطريقة التي من سار عليها فإنه سار على درب السلامة، وعلى طريق العصمة من الزيغ، ومن حاد عن الجادة التي كان عليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فإنه هو الذي تتخطفه الشياطين، وتتفرق به السبل؛ لأن الطريق إلى الله عز وجل واحد؛ وهو ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهناك سبل أخرى منحرفة عن هذا السبيل، هي التي يدعوا إليها الشياطين، والله عز وجل يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )[الأنعام:153]، وقال عليه الصلاة السلام: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي) وقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة) فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) كأنه قيل: يا رسول الله! فماذا تأمرنا به عند هذا الاختلاف؟ أجاب دون أن يسأل؛ لأن المقام يقتضي الإتيان بهذا الكلام وهذا الجواب، فقال: (فعليكم بسنتي) يعني طريق السلام، وطريق العصمة، وطريق النجاة عند وجود هذا الاختلاف الكثير، أن تلتزموا بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتسيروا على سنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
إذاً: هاتان الجملتان عظيمتان: (أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) فكان عليه الصلاة والسلام يقول بعد التشهد ويثني على الله عز وجل بهذا الثناء، وعلى كلامه بهذا الثناء، ويثني على شريعة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وطريقته ومنهجه، وأنها خير الهدي؛ وأحسن الهدي، هدي محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله ..)
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس المحدث، الناقد، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، مشهور بلقب الفلاس، وهو متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال قال الفلاس كذا، ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، والمراد به عمرو بن علي هذا، ويأتي أيضاً باسمه ونسبه كما جاء هنا.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو محدث، ناقد، متكلم في الرجال، جرحاً وتعديلاً، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن محمد].
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الملقب الصادق، جعفر الصادق، أحد أئمة أهل السنة الذين يتولون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
عقيدة أهل السنة في آل البيت وسائر الصحابة
وعقيدة أهل السنة أنهم يتولون صحابته الكرام، ويحبون الجميع، ويعرفون للجميع قدرهم، ويسيرون في كل على الاعتدال، والتوسط؛ بدون إفراط ولا تفريط، وبدون غلو، وجفاء، فلا يغلون ولا يجفون، ليس عندهم الجفاء وليس عندهم الغلو في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي أهل بيته، فهم معتدلون ومتوسطون، ليسوا بغلاة يزيدون ويتجاوزون الحدود، وليسوا بجفاة ينقصون عن الحدود، وإنما يتكلمون في الجميع بالكلام اللائق بهم، ومن كان تقياً من أولياء الله عز وجل فإنهم يحبونه، سواءً كان من أهل البيت أو من غيرهم، ويحبون الصحابة جميعاً، ويتولونهم جميعاً، ويحبون أولياء الله من أهل البيت الذين هم على الاستقامة، وعلى الجادة، أما من كان منحرفاً من أهل البيت فإن نسبه لا يرفعه عند الله، وقد قال نبي الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: من أخره عمله عن دخول الجنة، ليس نسبه هو الذي يدخله الجنة، وإنما يدخل الإنسان العمل الصالح، (ومن بطأ به عمله) هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب
فـأبو لهب هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مشرك، ولم يؤمن بالنبي، ولم يدخل في هذا الدين، فهو من أهل النار، ومن الكفار الذين هم خالدون ومخلدون في النار، فنسبه وكونه عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكونه من أهل بيت الرسول الذين هم من قرابته، ما نفعه ذلك؛ لأنه لم يكن مسلماً، فقد رفع الإسلام سلمان الفارسي من الفرس، أخرجه الله من الظلمات إلى النور، وهداه إلى الإسلام، ودخل في دين الله، فرفعه الإسلام، وأما أبو لهب فهو ذو نسب شريف، هو عم رسول الله عليه الصلاة والسلام أخو عبد الله والده، ولكن لكونه مشركاً لم يكن مؤمناً بالله، وضعه الشرك، وجعله في الدرك الأسفل في النار، فالإسلام يرفع درجات، والشرك يحط ويضع صاحبه، ويكون من أهل النار المخلدين فيها أبد الآباد، (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )[النساء:48].
فـجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عن علي، والحسن، والحسين، ورحمة الله على محمد، وجعفر، وعلى كل من التابعين رحمة الله عليهم أجمعين، وهو من أئمة أهل السنة، وهو من علماء أهل السنة الذين يعرفون قدر الجميع، ويأخذون ما جاء عنهم، وعن طريقهم، بخلاف الرافضة الذين يغلون فيهم، ويتجاوزن الحدود فيهم، ويصفونهم بصفات لا يوصف بها رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا تجاوز للحدود وغلو، والواجب هو الاعتدال، والتوسط في الأمور؛ لا إفراط، ولا تفريط، محبة وموالاة من غير بغض، ومن غير غلو، ليس في القلوب حقد عليهم، ولا يزيدون من تعظيمهم حتى يرفعوهم عن منازلهم التي يستحقونها إلى منازل لا يستحقونها، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، يقول الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وأهل السنة والجماعة يعتبرون جعفر الصادق إمام من أئمتهم، يأخذون برواياته، ويستدلون بما جاء عن طريقه، ويحتجون بما جاء عن طريقه مما ثبت إليه، وثبت بعده، واتصل إسناده، ويعولون على ذلك، أما الرافضة فهم يعتبرون الحق ما جاء من عند الأئمة فقط، وكل شيء لم يأت من عندهم فهو باطل، كل شيء ما خرج من عند الأئمة -ومنهم جعفر الصادق- فهو باطل، أما أهل السنة فيقبلون ما جاء عن جعفر، وعن محمد، وعن أهل البيت، وغير أهل البيت، أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يتقبلون كل ما جاء عن طريقهم، وما جاء عن التابعين، وأتباع التابعين ومن بعدهم، سواءً كانوا من أهل البيت أو من غير أهل البيت، وهم من الثقات، العدول، الحافظين، الذين يعول على روايتهم وعلى أخبارهم، فإنهم يقبلونه ولا يردونه.
وهذا الحديث يرويه عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو صدوق، فقيه، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
يروي عن أبيه محمد بن علي الملقب الباقر، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وأهل السنة يحبون من أهل البيت من كان مؤمناً تقياً؛ لقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحبونه لتقواه ولاستقامته على أمر الله، أما من كان منهم غير تقي، فإنه لا يحب، بل يبغض في الله، من كان من أهل البيت غير تقي، وغير مستقيم على أمر الله، وواقع في حرمات الله، فإنه يبغض لما حصل منه، وإن كان من أهل بيت رسول الله؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله؛ أن تحب في الله، وتبغض في الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
وهذه الطريقة التي هي طريقة موالاة أهل البيت الذين هم أهل الإيمان والتقى، الذين هم القدوة، والأسوة فيها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، فأبو بكر رضي الله عنه يقول كما جاء في صحيح البخاري: والله لقرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أحب إليّ أن أصل من قرابتي. يعني يحب أن يصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب من أن يصل قرابته؛ ولذلك لقربهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا في من كان مؤمناً تقياً، ويقول: ارقبوا محمداً في أهل بيته. ويقول عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه للعباس: والله لإسلامك حين أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب . يعني أباه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يحب إسلامه؛ يعني: يحب إسلام عمه الذي هو العباس، فوفقه الله عز وجل فأسلم، ودخل في الدين الحنيف، وأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام الذين أدركهم الإسلام أربعة : حمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب، فاثنان هديا واثنان خذلا؛ اثنان هداهما الله عز وجل للإسلام وصاروا مسلمين من صحابة رسول الله، ومن قرابته أعمامه، وهم: العباس، وحمزة رضي الله تعالى عنهما، واثنان خذلا فلم يدخلا في الدين، وهما: أبو لهب، وأبو طالب، فأبو لهب أنزل الله تعالى فيه سورة تتلى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ )[المسد:1-5]، وأما أبو طالب فكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على هدايته، وقد جاء إليه وهو في النزع وقال: (يا عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله) ولكن عنده بعض جلساء السوء فقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكانت أن خرجت روحه وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب، فمات كافراً.
فقرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أهل السنة يتولونهم، ويحبونهم، ويجلونهم، ويحترمونهم، لكنهم لا يتجاوزون الحدود ولا يغلون، ولا يكون محبتهم لبعض أهل البيت ويبغضون بعض أهل البيت، لا, يحبون أهل البيت كلهم، من كان منهم مؤمناً تقياً فهم يحبونه لإيمانه ولقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام.

يتبع


ابوالوليد المسلم 29-01-2022 11:08 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
انحراف الرافضة في أهل البيت
فهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل البيت، وهم من أئمة أهل السنة، وهم ممن غلا فيهم الرافضة؛ لأنهم من الأئمة الاثني عشر الذين يغلون بهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بأحد من البشر، حتى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيصفونهم بصفات ما تضاف للرسول عليه الصلاة والسلام.فمما يصفونهم به أنهم يقولون: ليس شيء من الحق إلا خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، يعني هذا الذي جاء عن طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي هريرة، وطلحة، والزبير، هذا لا قيمة له؛ لأنه ما خرج من عند الأئمة، فالقرآن ما خرج من عند الأئمة؛ لأن الذي جمعه أبو بكر، وعثمان، فهذا المصحف الذي بأيدينا جمعه أبو بكر وعثمان، ما جمعه أحد من الأئمة الاثني عشر، وهم يقولون كما في كتاب الكافي الذي هو من أرفع كتب الشيعة يقول في باب من الأبواب: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، ويقول أيضاً: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ويقول: باب أن الأئمة يعلمون الكتب المنزلة على المرسلين، وأنها عندهم ويعرفونها بلغاتها، فهذا باب من الأبواب الموجودة في كتاب الكافي، وهو مثل كتاب صحيح البخاري عندنا تماماً، كما أن كتاب صحيح البخاري أصح كتاب فعندهم كتاب الكافي هو أرفع كتاب.
إذاً: أهل السنة والجماعة يتولون الجميع، يحبون أصحاب رسول الله، ويحبون أهل بيت رسول الله، من كان منهم مؤمناً تقياً سواء كان صحابياً، أو كان من التابعين، فإن كان من المتقين أحبوه، وإن كان من المنحرفين أبغضوه؛ لما حصل منه من الانحراف عن الجادة؛ لأن الحب في الله، والبغض في الله هو أوثق عرى الإيمان: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
إذاً: هذان إمامان جليلان من أئمة أهل السنة يحتج أهل السنة بأحاديثهما، ويقدرونهما قدرهما، وكذلك غيرهم ممن هم من أهل الاستقامة، يعظمونهم، ويحبونهم، ويجلونهم، ويحتجون بما جاء عن طريقهم، لكن لا غلو ولا جفاء، لا يذمونهم، ولا يقدحون فيهم، ولا يعيبونهم، ولا يغلون فيهم، فهم وسط بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء.
[عن جابر رضي الله تعالى عنه].
هو الذي روى عنه حديث الحج الطويل، التي فيها حجة النبي صلى الله عليه وسلم فرواها من طريق محمد هذا الذي هو محمد بن علي بن الحسين، وكان قد جاء إلى جابر رضي الله عنه جماعة، فسألهم عن أسمائهم واحد واحد، ولما وصل إلى محمد بن علي قربه إليه، ووضع يده على صدره، وكانوا قد سألوه عن الحج، فحكى لهم الحديث الطويل الذي هو في حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي رواها جابر بن عبد الله هي من رواية أهل البيت، هذه الحجة التي ما روى أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تفصيله، وسياقها بطولها مثل ما حكاها جابر بن عبد الله، يرويها عن جابر محمد بن علي بن الحسين ؛ أما جابر بن عبد الله الأنصاري فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، واسمه عبد الله بن حرام، وأما جابر فهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، والسبعة هم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
فالسبعة المكثرون هم: أبو هريرة رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، وأنس بن مالك رضي الله عنه، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
تطفيف الصلاة

شرح حديث حذيفة في التحذير من خطر تطفيف الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثني يحيى بن آدم حدثنا مالك وهو ابن مغول عن طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب عن حذيفة رضي الله عنهما: (أنه رأى رجلاً يصلي فطفطف فقال له حذيفة: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عاماً. قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن)].أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب تطفيف الصلاة؛ أي: نقصانها، وعدم الاطمئنان بها، هذا هو التطفيف، فالتطفيف المراد به هنا: النقصان، وقالوا: إن التطفيف يطلق على الزيادة، والنقصان، وقد جاء في القرآن الكريم: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )[المطففين:1-3]، فهم إذا كان الحق لهم أخذوه كاملاً، وإذا كان الحق عليهم أعطوه ناقصاً، فيكون شأنهم أنهم يستوفون حقوقهم ولا يعطون الحقوق كاملاً؛ يعني: شأنهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: ينهاكم عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات) يعني: يمنع ولكن يسأل، يعني: يطالب بالذي له، ولكن لا يعطي الذي عليه، فإذا كان الحق له أو يريد شيئاً لنفسه يمد يده: هات أعطيني، وإذا كان الحق عليه يمنع الحق الذي عليه، وقوله: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )[المطففين:1-6]، يعني: فيجازيهم على ما حصل منهم، هذا هو التطفيف في الصلاة، والمراد به هنا النقصان.
ثم أورد حديث حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً طفف صلاته -يعني عجلها، وأسرع فيها ونقرها- فقال له: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن) يعني من التخفيف يمكن، لكن مع الإحسان والتمام، وكانت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام تخفيفاً مع التمام، يعني معناه: أنه لا يطول الطول الذي يشق على الناس، ولكنه يأتي بها تامة، فهو ما أنكر كونه يخفف، لكن أنكر كونه ما يتم الصلاة مع التخفيف، وهو الذي ينقرها نقراً ولا يطمأن فيها، ولا يتم ركوعها ولا سجودها، هذا هو الذي أنكره حذيفة.
قال: [ولو مت لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم]، والفطرة قيل: هي الملة، وقيل: هي السنة والطريقة، وقيل أن المقصود من هذا الحديث من كلام حذيفة رضي الله عنه: زجره وبيان أن صلاته غير صحيحة؛ لأنه ما أتى بها بأركانها التي لا بد منها؛ لأن الصلاة لابد فيها من وجود الأركان، فإذا عدمت الأركان، أو عدم شيء من الأركان، فإن الصلاة وجودها كعدمها لا تجزي صاحبها، وهذا كان على مدة طويلة، ثم أنه أرشد إلى أن الإيجاز يمكن لكن مع الإتمام والإحسان، ما هو إيجاز مع تفريط وتضييع للصلاة؛ إيجازاً مخل، يعني: يحصل فيه الإخلال بالأمور اللازمة التي لابد منها، الإيجاز يكون مع التمام والكمال، وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيجاز مع تمام وكمال عليه الصلاة والسلام.
ثم الحديث فيه إشكال؛ وهو أن الرجل قال: أنه منذ أربعين سنة، وحذيفة توفي سنة ست وثلاثين من الهجرة، والصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهو يقول: أربعين سنة! ففيه إشكال، ومعناه: أنه قبل فرض الصلاة، يعني: أربعين سنة هي قبل أن تفرض الصلاة؛ لأن الصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات، يعني معناه: تسعة وثلاثين سنة عند وفاة حذيفة؛ يعني منذ فرضت الصلاة حتى توفي حذيفة تسعة وثلاثين سنة، وهو يقول: منذ أربعين سنة! فقيل: إما أنه مبالغة؛ لأنه بالغ في الكلام، وأنه ليس أربعين سنة بالتحديد. وهذا فيه دليل على أن الإنسان الذي يصلي مثل هذا الصلاة لا تقبل صلاته، وأن على كل مسلم أن يتعلم أمور الصلاة، وأن يأتي بها تامةً، وإن أوجزها يأتي بها تامة، وإن خففها يأتي بها تامة، فلا يخفف التخفيف الذي يخل، ولكن إذا خفف يتم الأركان، ويأتي بما هو مطلوب منه مما لا بد منه.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة في التحذير من خطر تطفيف الصلاة
قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان هو: الرهاوي، وهو حافظ، أخرج حديثه النسائي.
[حدثني يحيى بن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مالك وهو ابن مغول].
الكوفي، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وكلمة (هو ابن مغول) أتى بها من قبل يحيى بن آدم، هو الذي زادها؛ لأن يحيى بن آدم ما قال: هو ابن مغول، وإنما قال: فلان بن فلان، وينسبه كما يريد، لكن يحيى بن آدم ما زاد في ذكر شيخه على كلمة: مالك، لكن من دونه أتوا بما يوضح من هو مالك، وأتوا بعبارة تبين أن هذا كلام ليس من التلميذ، وإنما هو من دون التلميذ؛ إما أحمد بن سليمان الرهاوي، أو من دونه، وقال: هو ابن مغول.
[عن طلحة بن مصرف].
ثقة، قارئ، عابد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن وهب].
ثقة، جليل، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة].
هو حذيفة بن اليمان، صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


الساعة الآن : 07:44 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 268.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 267.67 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.19%)]