ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (3)
الحلقة (710)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 349الى صــــ 354)

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
شرح الكلمات:
وما يستوي الأعمى والبصير: أي لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
ولا الظلمات ولا النور: أي لا يستويان فكذلك الكفر والإيمان لا يستويان.
ولا الظل ولا الحرور: أي لا يستويان فكذلك الجنة والنار لا يستويان.
وما يستوي الأحياء ولا الأموات: فكذلك لا يستوي المؤمنون والكافرون.
وما أنت بمسمع من في القبور: أي فكذلك لا تسمع الكفار فإنهم كالأموات.
إن أنت إلا نذير: ما أنت إلا منذر فلا تملك أكثر من الإنذار.
إنا أرسلناك بالحق: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير: أي سلف فيها نبي ينذرها.
جاءتهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
وبالزبر والكتاب المنير: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.
فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.
معنى الآيات:
لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا المؤمن المقيم للصلاة وأن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلاً للكافر والمؤمن وأنهما لا يستويان فقال {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (1) } فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع {وَلا الظُّلُمَاتُ (2) وَلا النُّورُ} أي ولا يستوي الظلمات ولا النور كما لا يستوي الكفر والإيمان ولا الظل ولا الحرور (3) ، فبرودة الجو، لا تستوي مع حرارته فكذلك الجنة لا تستوي مع النار، وقوله {وما يستوي الأحياء ولا أموات} أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4) هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأنهم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على إسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
وقوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه بالنار. وقوله {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} (5) ، يخبر تعالى أن رسوله محمداً ليس الرسول الوحيد الذي أرسل في أمة بل إنه ما من أمة من الأمم إلا مضى فيها نذير، فلا يكون إرساله عجباً لكفار قريش إذ هذه سنة الله تعالى في عباده يرسل إليهم من يهديهم إلى نجاتهم وسعادتهم ثم قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معزياً له مسلياً {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} فلم (6) يكونوا أول من كذب فقد كذب الذين من قبلهم {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي جاءتهم رسلهم بالحجج القواطع والبراهين السواطع، والمعجزات الخوارق، وبالصحف والكتب المنيرة لسبيل الهداية وطريق النجاة والفلاح. ومنهم من آمن ومنهم من كذب وكفر بعد إمهال وإنظار دلّ عليه العطف بثم أخذ الذين كفروا بعذاب ملائم لكفر الكافرين. {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (7) } أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة الشديدة والإهلاك التام إنه كان واقعاً موقعه، موافياً لطالبه بكفره وعناده.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
2- الكفار عمى لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم.
3- تقرير نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأكيد رسالته.
4- تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
5- بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم.
__________

1 - قال القرطبي الكافر والمؤمن والعالم والجاهل.
2 - قيل لا زائدة في كل من قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ولا الأموات واختلف في أيهما يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك وأن كلاهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
3 - قال قطرب أحد أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
4 - قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تسمع من مات فإنك لا تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر.
5 - أي سلف فيها نبي قال ابن جرير إلا العرب. إذا أراد أنه لم يخل فيهم نذير مطلقاً فهذا غير صحيح إذ بعث فيهم إسماعيل وتبع وغيرهما وإن أراد في الزمن القريب فهذا صحيح.
6 - في الآيات تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهرة تطلبها المقام حيث أصر المشركون على تكذيبه وعدم الإيمان بما جاءهم به من الهدى والدين الحق.
7 - استفهام مستعمل في التعجب من حالهم مفرع بالفاء على قوله أخذت الذين كفروا والنكير اسم لشدة الإنكار وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب وحذفت ياء المتكلم في نكيري تخفيفاً ولرعاية الفواصل في الوقف.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
شرح الكلمات:
ثمرات مختلفاً ألوانها: أي كأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وغيره.
ومن الجبال جدد: أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق.
بيض وحمر مختلف ألوانه: أي طرق وخطط في الجبال ذات ألوان كالجبال أيضاً.
وغرابيب سود (1) : منها الأبيض والأصفر والأسود الغربيب.
ومن الناس والدواب والأنعام: فمنها أبيض وهذا أحمر وهذا أسود.
مختلف ألوانه كذلك: أي كاختلاف الثمار والجبال والطرق فيها.
إنما يخشى الله من عباده العلماء: أي العالمين بجلاله وكماله، إذ الخشية متوقفة على معرفة المخشيّ.
يتلون كتاب الله: أي يقرأونه تعبداً به.
تجارة لن تبور: أي لن تهلك ولن تضيع بدون ثواب عليها.
غفور شكور: أي غفور لذنوب عباده التائبين شكور لأعمالهم الصالحة.
معنى الآيات:
هذا السياق الكريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ (2) مَاءً} في بيان تفاوت المخلوقات واختلافاتها فمن مؤمن إلى كافر، ومن صالح إلى فاسد ومن أبيض إلى أحمر أو أسود وابتدأه تعالى بخطاب رسوله مقرراً له بقوله {أَلَمْ تَرَ} أي ألم تبصر بعينك أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ما بين تمر أصفر وآخر أحمر، وآخر أسود وهذا واضح في التمر والعنب والفواكه والخضر، ومن الجبال كذلك. فإن فيها جدد (3) أي خطط حمراء وصفراء وبيضاء وسوداء والجبال نفسها كذلك، ومن الناس والدواب والأنعام ففي جميعها الأبيض والأسود والأحمر والأصفر كما في جدد الجبال نفسها وكما في الثمار. ولما كان هذا لا يدركه إلا المفكرون ولا يجني منه العبرة إلا العالمون قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى (4) اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وأهل مكة جهال لا يفكرون ولا يهتدون فلا غرابة إذا لم يخشوا الله تعالى ولم يوحدوه وذلك لجهلهم وعدم تفكيرهم.
وقوله تعالى في ختام هذا السياق: {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (5) كشف عن حقيقة ينبغي أن يعرفها أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن الله قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز لا يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم ألا فليتب أهل مكة فإن توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة، وفي الإصرار هلاك.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ (6) } وهم المؤمنون {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أدوها أداء وافياً لا نقص فيه {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} الزكاة والصدقات بحسب الأحوال والظروف سراً أحياناً وعلانية أخرى. يخبر تعالى عنهم بعدما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم يرجون تجارة لن تبور أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ (7) وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد المنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات.
2- العلم سبيل الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له إنما يخشى الله من عباده العلماء.
3- فضل تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات.
4- في وصف الله تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا، وللعاملين أن يزيدوا.
__________

1 - الغربيب: الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير إذ المعنى ومن الجبال سود غرابيب إذ العرب تقول للأسود شديد السواد كلون الغراب أسود غربيب.
2 - من هداية هذه الآية الإشارة الواضحة إلى وجود اختلاف بشري جبلّي فطري كما هو في سائر الكائنات الأرضية، وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف عليه هان عليه اختلاف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب.
3 - الجدد جمع جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه.
4 - في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا علا شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا إنما يخشى الله من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بالله أي بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لأوليائه وما لديه من عذاب لأعدائه، وآية العالم الخشية لله والمحبة له تعالى فمن لم يخش الله تعالى فليس بعالم.
5 - الجملة تذييلية مشعرة بغنى الله تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك، ذو مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك ولكنهم لا يعلمون.
6 - لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلام إيجاز أوضحه بهذه الجملة فقال إن الذين يتلون كتاب الله، وما تلا كتاب الله غير مؤمن عالم ولا أقام الصلاة وأنفق سراً وعلانية إلا ذو خشية ومحبة بعدما وصفهم وحدهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور.
7 - التوفية جعل الشيء وافياً أي تاماً لا نقيصة فيه ولا غبن.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (4)
الحلقة (711)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 355الى صــــ 359)

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
شرح الكلمات:
من الكتاب: أي القرآن الكريم.
مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل.
ثم أورثنا الكتاب: أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم.
الذين اصطفينا: أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فمنهم ظالم لنفسه: بارتكاب الذنوب.
ومنهم مقتصد: مؤد للفرائض مجتنب للكبائر.
ومنهم سابق بالخيرات: مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
بإذن الله: أي بتوفيقه وهدايته.
ذلك: أي إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير.
ولؤلؤاً: أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب.
أحلنا دار المقامة: أي الإقامة وهي جنات عدن.
لا يمسنا فيها نصب: أي تعب.
ولا يمسنا فيها لغوب: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ (1) } أي القرآن الكريم هو {الْحَقُّ} أي الواجب عليك وعلى أمتك العمل به لا ما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل، {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي أمامه من الكتب السابقة، وقوله {إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (2) } فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم تصبح تحمل هداية الله لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى وحي سليم يقدم إليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نوراً تمشي به في حياتها المادية هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ (3) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يخبر تعالى أنه أورث أمة الإسلام الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والإنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأمة القرآن قد ورّثها الله تعالى كل الكتاب الأول. وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ (4) } بالتقصير في العمل وارتكاب بعض الكبائر، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وهو المؤدي للفرائض المجتنب للكبائر،
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ} وهو المؤدي للفرائض والنوافل المجتنب للكبائر والصغائر. وقوله: {ذَلِكَ} أي الإيراث للكتاب هو الفضل الإلهي الكبير وهو {جَنَّاتُ عَدْنٍ (5) يَدْخُلُونَهَا} يوم القيامة {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع سوار ما يجعل في اليد {مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} أي أساور من لؤلؤ، ولباسهم فيها حرير.
وقوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ (6) الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همَّ ولا كرب فمِن أين يأتي الحزن. وقولهم {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} قالوا هذا لأنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور الشكور حقاً حقاً.
وقولهم: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} أي الإقامة من فضله هذا ثناء منهم على الله تعالى بإفضاله عليهم، وقولهم {لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب {وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي إعياء من التعب وصف لدار السلام وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا الله من أهلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
2- بيان شرف هذه الأمة، وأنه المرحومة فكل من دخل الإسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم فهو ناج
فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو آئيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
3- بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور (7) من الذهب واللؤلؤ.
__________

1 - في الآية الإشادة بالكتاب الذي يتلوه المؤمنون فيثابون ويزادون لأنه الكتاب الحق الخالي من الزيادة والنقص المصدق لما تقدمه من الكتب الإلهية السابقة وضمن هذا يقرر النبوة المحمدية وإثباتها والإشادة بصاحبها.
2 - الخبير: العالم بدقائق الأمور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية وصاحب هذه الصفة هو الذي يجب أن يعبد ويتقى.
3 - حاول كثير من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الآية وهي أن الآية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هي التي قال الله تعالى فيها هو اجتباكم والاجتباء كالاصطفاء والظالم لنفسه لا يكون الكافر ولا المنافق وإنما هو المؤمن يغشى بعض الكبائر وما في التفسير هو الحق فتأمله.
4 - فمنهم: هذه الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية بالظالمين لأنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعاً لمن يتوهم أنهم لما كانوا ظالمين لا يدخلون الجنة.
5 - جنات عدن بدل اشتمال من قوله ذلك الفضل الكبير.
6 - لما دخلوا جنات عدن حمدوا الله تعالى وأثنوا عليه وإن قيل كيف دخل الظالم لنفسه الجنة وهو ظالم قلنا هذا الظلم ليس ظلما لربه بأن عبد غير الله ولا هو ظلم لغيره وإنما ظلم لنفسه بارتكاب بعض الذنوب وهذا غير مانع من دخول الجنة إذ هو وارث بوصفه مؤمنا والجنة تورث والورثة يستوي فيهم البار مع العاق فلا يمنع من الإرث العاق بل يرث كالبار سواء بسواء.
7 - ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
شرح الكلمات:
لا يقضى عليهم: أي بالموت فيموتوا ويستريحوا.
كذلك نجزي كل كفور: أي كذلك الجزاء نجزي كل كفور بنا وبآياتنا ولقائنا.
وهم يصطرخون فيها: أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها.
يقولون: أي في عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحا.
أو لم نعمركم ما يتذكر فيه: أي وقتا يتذكر فيه من تذكر.
وجاءكم النذير: أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي.
إنه عليم بذات الصدور: أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة.
خلائف في الأرض: يخلف بعضكم بعضا. والخلائف جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
فعليه كفره: أي وبال كفره.
إلا مقتا: أي إلا غضبا شديداً عليهم من الله عز وجل.
إلا خساراً: أي في الآخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
معنى الآيات:
بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا (1) } أي بالله وآياته ولقائه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} أي جزاء لهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا (2) } أي بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا طرفة عين. وقوله {كَذَلِكَ} أي الجزاء {نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} أي مبالغ في الكفر مكثر منه. وقوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ (3) فِيهَا} أي في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} أي من النار وردنا إلى الحياة الدنيا {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي من الشرك والمعاصي. فيقال لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ (4) } أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحا ولم نعمركم أي نطل أعماركم بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير (5) فلم تجيبوه وأصررتم على الشرك والمعاصي، إذاً فذوقوا عذاب النار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي من نصير ينصرهم فيخرجهم من النار. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي كل ما غاب في السموات والأرض {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ (6) } أي يخلف بعضكم بعضاً وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذاً فلا عذر لكم أبداً.
وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم {إِلَّا مَقْتاً} أي بعداً عن الرحمة وبعضاً شديداً، {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ} أي المصرين على الكفر كفرهم {إِلَّا خَسَاراً} أي هلاكاً في الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
2- الإعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
1- الكافر يعذب أبدا لعلم الله تعالى به وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن كفره ولا حاول أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً.
2- في كون البشرية أجيالا جيلا يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره.
3- الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت أشد الغضب.
__________

1 - قال القرطبي لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم.
2 - هذا كقوله تعالى: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} من سورة الأعلى.
3 - يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما أصابهم.
4 - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قولا محذوفاً تقديره يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم نعمركم والتعمير تطويل العمر.
5 - هل النذير القرآن أو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الشيب قال الشاعر:
رأيت الشيب من نُذُر المنايا
لصاحبه وحسبك من نذير.
وما في التفسير أصح.
6 - أي خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن، والخلف هو التالي للمتقدم.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (5)
الحلقة (712)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 359الى صــــ 364)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني
تدعون من دون الله: أي تعبدون من غير الله وهي الأصنام.
أروني ماذا خلقوا: أي أخبروني ماذا خلقوا من الأرض أي أيّ جزء منها خلقوه.
أم لهم شرك: أي لهم شركة في خلق السموات.
إلا في غروراً: أي باطلاً إذ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وتقربنا
إلى الله زلفى.
يمسك السموات والأرض أن تزولا: أي يمنعهما من الزوال.
إن أمسكهما من أحد من بعده: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
إنه كان حليماً غفوراً: أي حليماً لا يعجل بالعقوبة غفوراً لمن ندم واستغفر.
لئن جاءهم نذير: أي رسول.
من إحدى الأمم: أي اليهود والنصارى.
فلماء جاءهم نذير: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ما زادهم إلا نفوراً: أي مجيئه إلا تباعداً عن الهدى ونفرة منه.
ومكر السيء: أي الشرك والمعاصي.
ولا يحيق المكر السيء: أي ولا يحيط إلا بأهله العاملين له.
سنة الأولين: أي سنة الله فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه.
ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
ولن تجد لسنة الله تحويلاً: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل للمشركين من قومك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ (1) الَّذِينَ تَدْعُونَ} أي تعبدون من دون الله أخبروني: ماذا خلقوا من الأرض حتى استحقوا العبادة مع الله فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك (2) في السموات بأن خلقوا جزءاً وملكوه بالشركة. والجواب قطعاً لم يخلقوا شيئاً من الأرض وليس لهم في خلق السموات شركة أيضاً إذاً فكيف عبدتموهم مع الله؟ وقوله تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك. والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم الشرك؟ بل إن يعد (3) الظالمون بعضهم بعضاً {إِلَّا غُرُوراً} أي باطلاً إذ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك،وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضاً وهو أن الآلهة ستشفع لنا وتقربنا إلى الله زلفى إلا غروراً وباطلاً فالرؤساء غرّوا المرءوسين وكذبوا عليهم بأن الآلهة تشفع لهم عند الله وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون الله وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ (4) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده، ورحمته بهم وهي أنه تعالى يمسك السموات السبع والأرض أن تزولا أي تتحولا عن أماكنهما، إذ لو زالتا لخرب العالم في لحظات، وقوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا} أي ولو زالتا {إِنْ (5) أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} أي لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، وقوله إن كان حليما غفوراً إذ حلمه هو الذي غرّ الناس فعصوه، ولم يطيعوه، وأشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة إليه، والإنابة إلى توحيده وعبادته.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (42) {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير (6) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم مجيئه {إِلَّا نُفُوراً} أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله تعالى {وَلا يَحِيقُ (7) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ} أيها (8)الرسول {تَبْدِيلاً} بأن يتبدل العذاب بغيره بالرحمة مثلا {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً} بأن يتحول العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه إذاً فليعاجل قومك الوقت بالتوبة وإلا فهم عرضة لأن تمضي فيهم سنة الله بعذابهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
2- بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب.
3- بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والأرض عن الزوال.
4- بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقالونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسول لكانوا أهدى من
اليهود أو النصارى.
5- تقرير حقيقة وهي أن المكر (9) السيء عائد على أهله لا على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلاثة على أهلها
رواجع، وهي المكر السيء، والبغي، والنكث لقوله تعالى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقوله {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقوله {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
__________

1 - هذا شروع في بطلان الشرك وتحقيق التوحيد بالأسلوب العقلي والاستفهام تقريري في قوله أرأيتم شركاءكم أروني أي أروني شيئاً خلقوه من الأرض.
2 - الشرك اسم للنصيب المشترك به في ملك الشيء، والمعنى ألهم شرك مع الله في ملك السموات وتصريف أحوالها كسير الكواكب وتعاقب الليل والنهار وتسخير الرياح وإنزال المطر.
3 - إن نافية بمعنى "ما" بقرينة الاستثناء والغرور الأباطيل تغرو وهي قول السادة للسفلة إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من طريق الوسوسة.
4 - لما بين لهم عجز آلهتهم وعدم قدرتها على خلق شيء في السموات والأرض بين لهم أن خالقها وممسكها هو الله فلا يوجد شيء إلا بإيجاده ولا يبقى شيء إلا بإبقائه.
5 - إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه.
6 - هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه منهم وأقسموا بالله جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
7 - حاق به: أحاط والحوق الإحاطة روي أن كعباً قال لابن عباس إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً" وجملة لا يحيق المكر السيء إلا بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة.
8 - السنة الطريقة والجمع سنن.
9 - المكر إخفاء الأذى وهو سيء لأنه غدر وخديعة.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
شرح الكلمات:
وكانوا أشد منهم قوة: أي وأهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسلهم.
وما كان الله ليعجزه من شيء: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
إنه كان عليماً قديراً: أي عليماً بالأشياء كلها قديراً عليها كلها.
بما كسبوا: أي من الذنوب والمعاصي.
ما ترك على ظهرها: أي ظهر الأرض من دابة نسمة تدب على الأرض وهي كل ذي روح.
إلى أجل مسمى: أي يوم القيامة.
فإن الله كان بعباده بصيراً: فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيراً كان أو شراً.
معنى الآيات:
لما هدد الله المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلاك المكذبين إذا أصروا على التكذيب ولم يتوبوا. قال {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} أي المشركون المكذبون لرسولنا {فِي الْأَرْضِ} شمالاً وجنوباً {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كقوم صالح وقوم هود، إنها كانت دماراً وخساراً {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ (1) قُوَّةً} أي من هؤلاء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ (2) مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي لم يكن ليعجز الله شيء فيفوت الله ويهرب منه ولا يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} تقرير لقدرته وعجز كل شيء أمامه، فإن العليم القدير لا يعجزه شيء بالاختفاء والتستر، ولا بالمقاومة والهرب.
وقوله تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} وهي الآية (3) الأخيرة من هذا السياق (45) أي ولو كان الله يؤاخذ الناس بذنوبهم فكل من أذنب ذنباً انتقم منه فأهلكه ما ترك على ظهر الأرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الأرض، ولكنه تعالى يؤخر الظالمين {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} (4) أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا، وإن كان يوم القيامة ففي القيامة. وقوله:
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ (5) فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرا} يخبر بأنه إذا جاء أجل الظالمين فإنه تعالى بصير بهم لا يخفي عليه منهم أحد فيهلكهم ولا يبقى منهم أحد لكامل علمه وعظيم قدرته، ألا فليتق الله الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية السير في الأرض للعبرة لا للتنزه واللهو واللعب.
2- بيان أن الله لا يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والإنابة إليه.
3- حرمة استعجال العذاب فإن لكل شيء أجلاً ووقتاً معيناً لا يتم قبله فلا معنى للاستعجال بحال.
__________

1 - الجملة في محل نصب حالية أي كان عاقبتهم الاضمحلال وكانوا أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب.
2 - أي هبكم أنكم أقوى ممن كان قبلكم وأشد حيلة وتصرفاً في الحياة فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وذلك لعلمه وقدرته، إذاً فلا مهرب لكم منه إذا أراد إهلاككم.
3 - قال ابن مسعود، يريد جميع الحيوان مما دبّ ودرج وقال قتادة وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام: قال ابن جرير هنا الناس وحدهم وهو كذلك.
4 - قال مقاتل الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ وقيل هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين إذ يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ.
5 - قوله فإن الله كان بعباده بصيراً هو كالجواب لمن قال وكيف يهلك كل من في الأرض فيهم الصالحون والمؤمنون فقال إنه كان بعباده بصيراً فقد ينجي من لا يستحق الهلاك ويهلك من يستحقه.




ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:37 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (1)
الحلقة (713)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 365الى صــــ 370)

سورة يس (1)
مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
شرح الكلمات:
يس: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس، ويقرأ هكذا ياسين والله أعلم بمراده به.
والقرآن الحكيم: أي ذي الحكمة إذ وضع القرآن كل شيء في موضعه فهو لذلك حكيم ومحكم أيضا بعجيب النظم وبديع المعاني.
إنك لمن المرسلين: أي يا محمد من جملة الرسل الذين أرسلناهم إلى أقوامهم.
على صراط مستقيم: أي طريق مستقيم الذي هو الإسلام.
تنزيل العزيز الرحيم: أي القرآن (2) تنزيل العزيز في انتقامه ممن كفر به الرحيم بمن تاب إليه.
ما أنذر آباؤهم: أي لم ينذر آباؤهم إذ لم يأتهم رسول من فترة طويلة.
فهم غافلون: أي لا يدرون عاقبة ما هم فيه من الكفر والضلال، ولا يعرفون ما ينجيهم من ذلك وهو الإيمان وصالح الأعمال.
لقد حق القول على أكثرهم: أي وجب عليهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون.
إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا: أي جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالأغلال.
فهي إلى الأذقان: أي أيديهم مجموعة إلى أذقانهم، والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين.
فهم مقمحون: أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، فلذا هم لا يكسبون بأيديهم خيراً، ولا يذعنون برؤوسهم إلى حق.
فأغشيناهم فهم لا يبصرون: أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لذلك لا يبصرون.
وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون: أي استوى إنذارك لهم وعدمه في عدم إيمانهم.
من اتبع الذكر: القرآن.
وأجر كريم: أي بالجنة دار النعيم والسلام.
إنا نحن نحيي الموتى: أي نحن ربّ العزة نحيي الموتى للبعث والجزاء.
ونكتب ما قدموا وآثارهم (3) : أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم، وآثارهم أي خطاهم إلى المساجد وما استن به أحد من بعدهم.
في إمام مبين: أي في اللوح المحفوظ.
معنى الآيات:
{يس} الله أعلم (4) بمراده به {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (5) } أي المحكم نظماً ومعنىً وذي الحكمة الذي يضع كل شيء في موضعه أقسم تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبييٌّ ورسولٌ فقال {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الذي هو الإسلام. وقوله {تَنْزِيلَ (6) الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي هذا القرآن هو تنزيل الله {الْعَزِيزِ} في الانتقام ممن كفر به وكذب رسوله {الرَّحِيمِ} بأوليائه وصالحي عباده. وقوله {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} أي أرسلناك وأنزلنا إليك الكتاب لأجل أن تنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من فترة طويلة وهم مشركو العرب إذ لم يأتهم رسول من بعد إسماعيل عليه السلام {فَهُمْ غَافِلُونَ} أي لا يدرون عاقبة ما هم عليه من الشرك والشر والفساد، ومعنى تنذرهم تخوفهم عذاب الله تعالى المترتب على الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي أكثر خصوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كفار قريش كأبي جهل حق عليهم القول الذي هو قوله تعالى {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فوجب لهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون إذ لو آمنوا لما عذبوا، وعدم إيمانهم لم يكن مفروضاً عليهم وإنما هو باختيارهم وحرية إرادتهم إذ لو كان جبراً لما استحقوا العذاب عليه. وقوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ} أي أيديهم {إِلَى الْأَذْقَانِ} مشدودة بالأغلال {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل لحالهم في عدم مدّ أيديهم للإنفاق في الخير، وعدم إذعان رؤوسهم لقبول الحق (7) وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} وهذا تمثيل آخر لحالهم وهي أنهم زينت لهم الحياة الدنيا فأصبحوا لا يرون غيرها فهو سد أمامهم مانع لهم من الإيمان وترك الشرك والمعاصي، وصورت لهم الآخرة بصورة باطلة مستحيلة الوقوع فكان ذلك سداً من خلفهم فهم لذلك لا يتوبون ولا يذكرون لعدم خوفهم من عذاب الآخرة وقوله تعالى {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} هذا مبالغة في إضلالهم فجعل على أعينهم غشاوة من كره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغض ما جاء به من فهم لذلك عمى لا يبصرون. وقوله تعالى {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (8) أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} هذا إخبار منه تعالى بأن هذه المجموعة من خصوم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكابر مجرمي مكة استوى فيهم الإنذار النبوي وعدمه فهم لا يؤمنون فكأن الله تعالى يقول لرسوله إن هؤلاء العتاة من خصومك إنذارك لهم لا ينفعهم فأنذر الذين ينفعهم إنذارك ودع من سواهم وهو قوله تعالى {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أي القرآن {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} أي خافه فلم يعصه وهو لا يراه، كما لم يعصه عندما يخلو بنفسه ولا يراه غيره فمثل هذا بشره بمغفرة منا لذنوبه وأجر كريم على صالح عمله وهو الجنة دار المتقين وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} أي للبعث والجزاء {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أي أولئك الأموات أيام حياتهم من خير وشر، {وَآثَارَهُمْ} أي ونكتب آثارهم وهو ما استُن به (9) من سننهم الحسنة أو السيئة. {وَكُلَّ شَيْءٍ} أي من أعمال العبادة وغيرها {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ، وسنجزي كلاً بما عمل. وفي هذا الخطاب تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- بيان الحكمة من إرسال الرسول وإنزال الكتاب الكريم.
3- بيان أن الرسول محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث على فترة من الرسل.
4- بيان أن حب الدنيا والإقبال عليها والإعراض عن الآخرة وعدم الالتفات إليها يضعان الإنسان بين حاجزين
لا يستطيع تجاوزهما والتخلص منهما.
5- بيان أن الذنوب تقيد صاحبها وتحول بينه وبين فعل الخير أو قبول الحق.
6- بيان أن من سن سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده يجزى بها كما يجزى على عمله الذي باشره بيده.
7- تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن كل شيء في كتاب المقادير المعبر عنه بالإمام. ومعنى المبين أي أن ما كتب
فيه بين واضح لا يجهل منه شيء.
__________

1 - ورد في فضل هذه السورة حديث أبي داود عن معقل بن يسار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اقرأوا يس على موتاكم" ورود عن أبي الدرداء أو أم الدرداء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه، " وأخرج الدارمي عن أبي هريرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة" وخرجه الحافظ أبو نعيم أيضاً.
2 - هذا على قراءة أهل المدينة وهي رفع تنزيل. أما على قراءة النصب فالتقدير أقرأ تنزيل العزيز الرحيم أو أمدح تنزيل.
3 - وَهِم بعض فقال هذه الآية نزلت بالمدينة في بني سلمة والصحيح أن السورة كلها مكي وليس فيها مدني وإنما قرأ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية محتجا بها على بني سلمة لما أرادوا النزول قرب المسجد فقال لهم بني سلمة دياركم تكتب آثاركم. وقرأ هذه الآية، ونكتب ما قدموا وآثارهم.
4 - كره مالك رحمه الله تعالى التسمية بيس وهو كذلك لعدم علمنا بالمراد منه وليس هو باسم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذكر أسماءه الخمسة ولم يذكر بينها يس ولا حجة في قول الرافضي:
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة
على المودة إلا آل ياسين
5 - والقرآن الواو للقسم والقرآن مقسم به وجواب القسم: إنك لمن المرسلين وعلى صراط مستقيم خبر ثان لإن.
6 - قرأ نافع والجمهور تنزيل بالرفع على أنه خبر محذوف المبتدأ أي هو تنزيل والضمير عائد على القرآن المقسم به وقرأ حفص تنزيل بالنصب على المصدرية أو على تقدير أعني أو أخص فيكون مدحاً وإشادة بشأنه وهو أليق.
7 - وجائز أن يكون هذا بيان لحالهم في النار يوم القيامة ولكن ما في التفسير أولى وأحق والسياق يؤكده.
8 - أنذرتهم أصل الهمزة الاستفهام ولكنها هنا للتسوية متمحضة لها.
9 - شاهده حديث مسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" وكذا حديثه الآخر: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:37 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
شرح الكلمات:
واضرب لهم مثلاً: أي واجعل لهم مثلاً.
أصحاب القرية: أي أنطاكية عاصمة بلاد يقال لها العواصم بأرض الروم.
إذ جاءها المرسلون: أي رسل عيسى عليه السلام.
فعززنا بثالث: أي قوينا أمر الرسولين ودعوتهما برسول ثالث وهو حبيب النجار.
وما علينا إلا البلاغ المبين: أي التبليغ الظاهر البين بالأدلة الواضحة وهي إبراء الأكمه والأبرص والمريض وإحياء الموتى.
إنا تطيرنا بكم: أي تشاءمنا بكم وذلك لانقطاع المطر عنا بسببكم.
قالوا طائركم معكم: أي شؤمكم معكم وهو كفركم بربكم.
أئن ذكرتم: أوعظتم وخوفتم تطيرتم وهذا توبيخ لهم.
بل أنتم قوم مسرفون: أي متجاوزون للحد في الشرك والكفر.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً (1) } أي واضرب أيها الرسول لقومك المصرين على الشرك والتكذيب لك ولما جئتهم به من الهدى ودين الحق {مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} فإن حالهم في التكذيب والغلّو في الكفر والعناد كحال هؤلاء. إذ جاءها المرسلون وهم رسل عيسى (2) عليه السلام إذ بعث برسولين ثم لما آذوهما بالضرب والسجن بعث بشمعون الصفي رأس الحواريين تعزيزاً لموقفهما كما قال تعالى {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (3) ، فقالوا لأهل أنطاكية (4) {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} من قبل عيسى عليه السلام ندعوكم إلى عبادة الرحمن وترك عبادة الأوثان فـ {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} أي ما أنتم إلا تكذبون علينا في دعواكم أنكم رسل إلينا فقال الرسل {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فواجهوا شك القوم فيهم بما يدفع الشك من القسم وتأكيد الخبر بالجملة الاسمية ولام التوكيد فقالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي البين الواضح فإن قبلتم ما دعوناكم إليه فذلك حظكم من الخير والنجاة وإن أبيتم فذلك حظكم من الهلاك والخسار. ورد أهل أنطاكية على الرسل قائلين: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي تشاءمنا (5) بكم حيث انقطع المطر بسببكم* فرد عليهم المرسلون بقولهم {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي شؤمكم في كفركم وتكذيبكم، ولذ حبس الله عنكم المطر عليكم. ثم قالوا لهم موبخين لهم: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (6) } أي وعظتم وخوّفتم بالله لعلكم تتقون تطيرتم. بل أنتم أيها القوم {مُسْرِفُونَ} أي متجاوزون الحد في الكفر والشرك والعدوان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب المثل وهو تصوير حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما هنا في قصة حبيب بن النجار.
2- تشابه الكفار في التكذيب والإصرار في كل زمان ومكان.
3- لجوء أهل الكفر بعد إقامة الحجة عليهم إلى التهديد والوعيد.
4- حرمة التطير والتشاؤم في الإسلام.
__________

1 - اضرب أي اجعل والمثل للتشبيه والمعنى اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم.
2 - كان هذا بعد رفع عيسى إلا أنه كان بإذن الله تعالى فلذا قال تعالى أرسلنا إليهم.
3 - قرئ عززنا بالتخفيف والمعنى واحد.
4 - كان أهل أنطاكيا من اليهود ومن اليونان.
5 - وجائز أن يكون قد حدث بينهم تشاجر وتشاحن نتيجة قبول الدعوة من أفراد منهم فحصل بينهم شجار وخلاف لم يألفوه فقالوا ما قالوا متشائمين، وفي الحديث: لا عدوى ولا طيرة وإنما الطيرة على من تطير.
* لئن لم تنتهوا من دعواكم بأنكم رسل إلينا بترك آلهتنا لنرجمنكم بالحجارة وليمسنكم منا عذاب أليم.
6 - الاستفهام إنكاري وبل للإضراب الانتقالي أضرب عن دعواهم لبطلانها وانتقل بهم إلى الحقيقة وهي إسرافهم في الشرك والشر والفساد.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (2)
الحلقة (714)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 371الى صــــ 374)

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
شرح الكلمات:
وجاء رجل: أي حبيب بن النجار صاحب يس (1) .
من أقصى المدينة: أي من أقصا دور المدينة وهي أنطاكيا العاصمة.
يسعى: أي يشتد مسرعا لما بلغه أن أهل البلد عزموا على قتل رسل عيسى الثالثة.
قال يا قوم اتبعوا المرسلين: أي رسل عيسى عليه السلام.
اتبعوا من لا يسألكم أجراً: اتبعوا من لا يطلبكم أجراً على إبلاغ دعوة الحق.
وهم مهتدون: أي الرسل إنهم على هداية من ربهم ما هم بكذابين.
فطرني: أي خلقني.
إن يردن الرحمن بضر: أي بمرض ونحوه.
ولا ينقذون: أي مما أراد الله لي من ضر في جسمي وغيره.
إني إذا لفي ضلال مبين: أي إن إذا اتخذت من دون الله آلهة أعبدها لفي ضلال مبين.
إني آمنت بربكم فاسمعون: أي صارح قومه بهذا القوم وقتلوه.
قيل ادخل الجنة: قالت له الملائكة عند الموت ادخل الجنة.
يا ليت قومي يعلمون: قال هذا لما شاهد مقعده في الجنة.
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين: وهو الإيمان والتوحيد والصبر على ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مَثَلِ أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلاثة وأعطاهم الله من الكرامات ما أبرأوا به المرضى بل وأحيوا الموتى بإذن الله وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب رؤساء البلاد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل، وبلغ ذلك حبيب بن النجار وكان شيخا مؤمناً موحداً يسكن في طرف المدينة الأقصى فجاء يشتد سعيا على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه وتوحيده فقتلوه رفساً بأرجلهم قال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} - أنطاكية- {رَجُلٌ يَسْعَى (2) } أي يمشي بسرعة لما بلغه من أن أهل البلاد قد عزموا على قتل الرسل الثلاثة وما إن وصل إلى الجماهير الهائجة حتى قال بأعلى صوته: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (3) } وسأل الرسل هل طلبتم على إبلاغكم
دعوة عيسى أجراً قالوا لا. فقال {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فاتبعوهم تهتدوا بهدايتهم. وقال له القوم وأنت تعبد الله مثلهم ولا تعبد آلهتنا؟ فقال: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي وأيّ شيء يجعلني لا أعبده وهو خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي بعد موتكم فيحاسبكم ويجزيكم بعملكم. ثم اغتنم الفرصة ليدعوا إلى ربه فقال مستفهما {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أي أصناماً وأوثاناً لا تسمع ولا تبصر {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} (4) وإن قلّ ولا ينقذون مما أراده بي من ضر ونحوه {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (5) } أي إني إذا أنا عبدت هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر لفي ضلال مبين واضح لا يحتاج إلى دليل عليه. ورفع صوته مبلغاً {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ} أي بخالقكم ورازقكم ومالك أمركم دون هذه الأصنام والأوثان {فَاسْمَعُونِ} وهنا وثبوا عليه فقتلوه. ولما قيل له ادخل الجنة ورأى نعيمها ذكر قومه ناصحاً لهم فقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي (6) رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (7) } أي يعلمون بما غفر له وجعله من المكرمين وهو الإيمان والتوحيد حتى يؤمنوا ويوحدوا فنصح قومه حياً وميتاً وهذا شأن المسلم الحسن الإسلام والمؤمن الصادق الإيمان ينصح ولا يغش ويرشد ولا يضل ومهما قالوا له وفيه ومهما عاملوه به من شدة وقسوة حتى الموت قتلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان كرامة حبيب بن النجار الذي نصح قومه حياً وميتاً.
2- بيان ما يلاقي دعاة التوحيد والدين الحق في كل زمان ومكان من شدائد وأهوال.
3- وجوب إبلاغ دعوة الحق والتنديد بالشرك ومهما كان العذاب قاسياً.
4- بشرى المؤمن عند الموت لا سيما الشهيد فإنه يرى الجنة رأي العين.
__________

1 - ما جاء في التفسير من كون الرسل هم رسل عيسى عليه السلام، وأن القرية هي أنطاكية - هو ما عليه أكثر المفسرين مثل قتادة وابن جرير وغيرهما، إلا أن ابن كثير رحمه الله تعالى رجّح أن الرسل رسل من الله تعالى، وأن القرية ليست أنطاكية، وحجته فيما رآه أن الله تعالى لم يهلك أمة بعد نزول التوراة، وهذه القرية أهلك أهلها. وهذه غفلة منه رحمه الله تعالى إذ أهلك الله أهل قرية كانت حاضرة البحر، ومسخ أهلها قردة وخنازير على عهد داود بعد نزول التوراة بقرن وإنما رفع هلاك العامّة بعد بعثة النبي محمد نبي الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - هذا الرجل هو حبيب بن النجار صاحب ياسين كما في الحديث والرجل كان مصاباً بالجذام سنين وشفاه الله تعالى على يد رسل عيسى وبذلك آمن وأسلم وبفي في أرض أنطاكيا يعبد الله تعالى حتى بلغه هَمُّ أهل المدينة بالبطش بالرسل جاء مسرعاً لينقذ دعوتهم ويدعوا إلى الله تعالى بما أخبر به تعالى في هذه الآيات.
3 - المراد بالمرسلين رسل عيسى الذين أرسلهم بالوصية إليهم إلى أنطاكيا من بينهم شمعون الذي عزز به الرسولين قبله.
4 - إن يردن ولا يغن ولا ينقذون، فاسمعون حذفت منها كلها ياء المتكلم مراعاة للتخفيف ولظهورها وعدم اللبس مع حذفها، وجملة إن يردن في محل نصب نعت.
5 - إن إذاً لفي ضلال مبين الجملة جواب للاستفهام الإنكاري في قوله أأتخذ من دونه آلهة أي إن اتخذت من دون الله آلهة إني في ضلال مبين.
6 - بما غفر: ما مصدرية تسبك بمصدر نحو بمغفرة ربي لي.
7 - من المكرمين الملائكة والأنبياء والشهداء والصالحين.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء الثالث والعشرون
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
شرح الكلمات:
وما أنزلنا على قومه: أي على قوم حبيب بن النجار وهم أهل أنطاكية.
من بعده: أي من بعد موته.
من جند من السماء: أي من الملائكة لإهلاكهم.
وما كنا منزلين: أي الملائكة لإهلاك الأمم التي استوجبت الهلاك.
إن كانت إلا صيحة واحدة: أي ما هي إلا صيحة واحدة وهي صيحة جبريل عليه السلام.
فإذا هم خامدون: أي ساكنون لا حراك لهم ميتون.
يا حسرة على العباد: أي يا حسرة العباد هذا أوان حضوركِ فاحضري وهذا غاية التألم. والعباد هم المكذبون للرسل الكافرون بتوحيد الله.
ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون: هذا سبب التحسر عليهم.
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون: أي ألم ير أهل مكة المكذبون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإن كل لماّ جميع لدينا محضرون: أي وإن كل الخلائق إلا لدينا محضرون يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ} أي (1) قوم حبيب بن النجار {مِنْ بَعْدِهِ} أي بعد موته {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} للانتقام من قومه الذين قتلوه لأنه أنكر عليهم الشرك ودعاهم إلى التوحيد وما كنا منزلين إذ لا حاجة تدعو إلى ذلك. إن كانت إلا صيحة واحدة من جبريل (2) عليه السلام فإذا هم خامدون أي هلكى ساكنون ميتون لا حراك لهم ولا حياة فيهم وقوله تعالى {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} أي يا حسرة العباد (3) على أنفسهم احضري أيتها الحسرة (4) هذا أوان حضورك {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ (5) يَسْتَهْزِئُونَ} هذا موجب الحسرة ومقتضاها وهو استهزاؤهم بالرسل. وقوله تعالى {أَلَمْ يَرَوْا} أي أهل مكة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} أي ألم يعلموا القرون الكثيرة التي أهلكناها قبلهم كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين، {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} فيكون هذا هاديا لهم واعظاً فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويسعدوا. وقوله تعالى {وَإِنْ كُلٌّ} (6) أي من الأمم الهالكة وغيرها من سائر العباد {لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي إلا لدينا محضرون لفصل القضاء يوم القيامة فينجو المؤمنون ويهلك الكافرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك أهل أنطاكية بصيحة واحدة.
2- إبداء التحسر على العباد من أنفسهم إذ هم الظالمون المكذبون فالحسرة منهم وعليهم.
3- حرمة الاستهزاء بما هو من حرمات الله تعالى التي يجب تعظيمها.
4- طلب العبرة من أخبار الماضين وأحوالهم، والعاقل من اعتبر بغيره.
5- تقرير المعاد والحساب والجزاء.
__________

1 - هذا تابع لقصة حبيب بن النجار صاحب ياسين والجملة معطوفة على جملة قيل ادخل الجنة.
2 - كون جبريل هو الذي صاح فيهم وراد عند أهل التفسير فإن ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب الإيمان به وإلا فلا يجب ولا يلزم الإيمان به إذ جائز أن يكون ملكاً آخر غير جبريل.
3 - العباد جمع عبد من عباد الله تعالى والعبيد جمع عبد مملوك للناس.
4 - الحسرة شدة الندم مشوباً بتلهف على نفع فائت.
5 - الاستثناء مفرغ من أحوال عامة من الضمير في "يأتيهم" أي لا يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا استهزأوا به.
6 - قرأ نافع وإن كل لما بتخفيف الميم وشددها حفص فعلى تخفيفها تكون إن مخففة من الثقيلة واللام هي اللام الفارغة وما مزيدة للتوكيد. وإن قدرت ما نافية وجب تشديد لما إذ تكون بمثابة الاستثناء أي وما كلهم إلا محضرون لدينا.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:39 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (3)
الحلقة (715)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 374الى صــــ 380)


وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
شرح الكلمات:
وآية لهم الأرض الميتة: أي على صحة البعث ووجوده لا محالة.
أحييناها: بإنزال المطر عليها فأصبحت حيّة بالنبات والزروع.
وجعلنا فيها جنات: أي بساتين.
وما عملته أيديهم: أي لم تصنعه أيديهم وإنما هو صنع الله وخلقه.
أفلا يشكرون: أي أفيرون هذه النعم ولا يشكرونها إنه موقف مخز منهم.
سبحان الذي خلق الأزواج كلها: أي تنزيهاً وتقديساً لله الذي خلق الأصناف كلها.
ومن أنفسهم: أي الذكور والإناث.
ومما لا يعلمون: من المخلوقات كالتي في السموات وتحت الأراضين.
معنى الآيات:
لما تقدم في الآيات قبل هذه تقرير عقيدة البعث والجزاء في قوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون ذكر هنا الدليل العقلي على صحة إمكان البعث فقال {وَآيَةٌ لَهُمُ (1) } أي على صحة البعث الأرضُ الميتة التي أصابها المحل فلا نبات فيها ولا زرع أحييناها بالمطر فأنبتت من كل زوج بهيج فهذه آية أي علامة كبرى وحجة واضحة على إمكان البعث إذ الخليقة تموت ولم يبق إلا الله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} ثم ينزل الله تعالى ماء من تحت العرش فتحيا البشرية على طريقة الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا بالنبات. وهذه المرة تحيا البشرية إذ يركب خلقهم من عظم يقال له عجب الذنب هو في بطن الأرض لا يتحلل ومنه يركب الخلق كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح. هذا معنى قوله تعالى في الاستدلال على البعث {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} أي حبّ البر فمنه أي من ذلك يأكلون الخبز: وقوله {وَجَعَلْنَا فِيهَا} أي في الأرض الميتة جنات أي بساتين من نخيل وأعناب، وفجرنا فيها من العيون أي عيون الماء، هذه مظاهر القدرة والعلم الإلهي وكلها تشهد بصحة البعث وإمكانه وأن الله تعالى قادر عليه وعلى مثله. وقوله تعالى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} أي من ثمر المذكور (2) من النخل والعنب وغيره. وقوله {وَمَا (3) عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي لم تخلقه ولم تكونه أيديهم بل يد الله هي التي خلقته أفلا يشكرون يوبخهم على عدم شكره تعالى على ما أنعم به عليهم من نعمة الغذاء. وقوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ (4) كُلَّهَا} أي تنزيهاً وتقديساً لله الذي خلق الأزواج كلها {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} يقدس الله تعالى نفسه وينزهها عن العجز عن إعادة الخلق ويذكر بآيات القدرة والعلم وهي نظام الزوجية إذ كل المخلوقات أزواج أي أصناف من ذكر وأنثى فالنباتات على سائر اختلافها ذكر وأنثى والناس كذلك وما هو غائب عنا في السموات وفي بطن الأرض أزواج كذلك ولا وتْرَ أي لا فرد إلا الله تعالى فقد تنزه عن صفات الخلائق، ومنها كان للحياة الدنيا نوع آخر هو لها كالزوج وهي الحياة الآخرة فهذا دليل عقلي من أقوى الأدلة على الحياة الثانية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي هي القوة الدافعة للإنسان على فعل الخيرات وترك الشرور المنكرات.
2- دليل نظام الزوجية وهو آية على أن القرآن وحي الله وكلامه إذ قرر القرآن نظام الزوجية قبل معرفة الناس
لهذا النظام في الذرة وغيرها في القرن العشرين.
3- وجوب شكر الله تعالى بالإيمان وبطاعته وطاعة رسوله على نعمه ومنها الإيجاد ونعمة الإمداد أي بالغذاء
والماء والهواء.
__________
1 - وآية لهم مبتدأ والخبر الأرض الميتة. قرأ نافع الميتة بتشديد الياء وسكنها حفص.
2 - الثمر بمنزلة الحب للسنبل وهو ما يغله النخل والعنب، وقرأ الجمهور بفتحتين. وقرأه خلافهم بضمتين.
3 - جائز أن يكون ما نافية أي ولم تعمله أيديهم وإنما الله جل جلاله هو الذي أنبته وسخره لهم وجائز أن تكون ما موصولة أي والذي عملته أيديهم من أصناف الحلاوات والأطعمة وما يتخذونه كالخبز والجبن وما إلى ذلك وما في التفسير أرجح وأدل على نعم الله وقدرته وقرأ الجمهور ومما عملته بهاء الضمير وقرأ بعضٌ عملت بدونه.
4 - الأزواج جمع زوج ويطلق على كل من الذكر والأنثى، وعلى الأصناف المختلفة فإن أريد بالأزواج الذكر والأنثى فمن ابتدائية في المواقع الثلاثة وإن أريد بها الأصناف فمن بيانية في المواطن الثلاثة: لقوله: ومما لا يعلمون مقابل محذوف تقديره وما يعلمون وهذا من دلالة الإشارة.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:39 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
شرح الكلمات:
وآية لهم الليل نسلخ منه النهار: وآية لهم على إمكان البعث الليل نسلخ منه النهار أي نزيل النهار عن الليل فإذا هم مظلمون بالليل.
لمستقر لها: أي مكان لها لا تتجاوزه.
ذلك تقدير العزيز العليم: أي جريها في فلكها تقدير أي تقنين العزيز في ملكه العليم بكل خلقه.
والقمر قدرناه منازل: وآية أخرى هي تقدير منازل القمر التي هي ثمان وعشرون منزلة.
حتى عاد كالعرجون القديم: أي حتى رجع كعود العذق الذي أصله في النخلة وآخره في الشماريخ وهو أصفر دقيق مقوس كالقمر لما يكون في آخر الشهر.
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر: أي لا يصح للشمس ولا يسهل عليها أن تدرك القمر فيجتمعان في الليل.
ولا الليل سابق النهار: أي بأن يأتي قبل انقضائه.
وكل في فلك يسبحون: أي كل من الشمس والقمر والنجوم السيارة في فلك يسبحون أي يسيرون والفلك دائرة مستديرة كفلكة المغزل وهو مجرى النيرين والكواكب السيارة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في البرهنة على إمكان البعث ووقوعه لا محالة فقال تعالى {وَآيَةٌ لَهُمُ} أي علامة لهم أخرى على قدرة الله على البعث {اللَّيْلُ نَسْلَخُ (1) مِنْهُ النَّهَارَ} أي نفصل عنه النهار بمعنى نزيله عنه فإذا هم في الليل مظلمون أي داخلون في الظلام فهذه آية على قدرة الله على البعث وقوله {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ (2) لَهَا} أي تجري في فلكها منه تبتدئ سيرها وإليه ينتهي سيرها وذلك مستقرها، ولها مستقر آخر وهو نهاية الحياة الدنيا، وإنها لتسجد كل يوم تحت (3) العرش وتستأذن باستئناف دورانها فيؤذن لها كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكونها تحت العرش فلا غرابة فيه فالكون كله تحت العرش وكونها تستأذن فيؤذن لها لا غرابة فيه إذا كانت النملة تدبر أمر حياتها بإذن ربها وتقول وتفكر وتعمل فالشمس أحرى بذلك وأنها تنطق بنطقها الخاص وتستأذن ويؤذن لها وقوله تعالى {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ} أي الغالب على مراده العليم بكل خلقه، وتقدير سير الشمس في فلكها بالثانية وتقطع فيه ملايين الأميال أمر عجب ونظام سيرها طوال الحياة فلا يختل بدقيقة ولا يرتفع مستواها شبراً ولا ينخفض شبراً يترتب على ذلك خراب العالم الأرضي كل ذلك لا يقدر عليه إلا الله، أليس المبدع هذا الإبداع في الخلق والتدبير قادر على إحياء من خلق وأمات؟ بلى، بلى إن الله على كل شيء قدير. وقوله تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ (4) مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} هذه آية أخرى على إمكان البعث وحتميته والقمر كوكب منير يدور حول الأرض ينتقل في منازله الثمانية والعشرين منزلة بدقة فائقة وحساب دقيق ليعرف بذلك سكان الأرض عدد السنين والحساب إذ لولاه لما عرف يوم ولا أسبوع ولا شهر ولا سنة ولا قرن. فالقمر يبدأ هلالاً صغيرا ويأخذ في الظهور فيكبر بظهوره شيئاً فشيئاً حتى يصبح في نصف الشهر بدارً كاملاً، ثم يأخذ في الأفول والاضمحلال بنظام عجب حتى يصبح في آخر الشهر كالعرجون القديم أي كعود العرجون الأصفر دقيق مقوس كل ذلك لفائدة الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض أليس هذا آية كبرى على قدرة الله العزيز العليم على إعادة الحياة لحكمة الحساب والجزاء؟ بلى إنها لآية كبرى فقوله {لا الشَّمْسُ (4) يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي لا يسهل على الشمس ولا يصح منها أن تدرك القمر فيذهب نوره بل لكل سيره فلا يلتقيان إلا نادراً في جزء معين من الأفق فيحصل خسوف القمر وكسوف الشمس. وقوله {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بل كل من الليل والنهار يسير في خط مرسوم لا يتعداه فلذا لا يسبق الليل النهار ولا النهار الليل فلا يختلطان إلا بدخول جزء من هذا في هذا وجزء من ذاك في ذا وهو معنى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} وقوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (5) } أي كل واحد من الشمس والقمر والكواكب السيارة في فلك يسبحون فلذا لا يقع فيها خلط ولا ارتطام (6) بعضها ببعض إلى نهاية الحياة فيقع ذلك ويخرب الكون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إقامة الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على إمكان البعث ووقوعه حتماً.
2- ذكر القرآن لأمور الفلك التي لم يعرف عنها الناس اليوم إلا جزء يسير آية عظمى على أنه وحي الله وأن من أوحي إليه هو رسول الله قطعاً.
3- ما ذكره القرآن عن الكون العلوي من الوضوح بحيث يعرفه الفلاح والراعي كالعالم المتبحر والأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب وذلك لتقوم الحجة على الناس إن هم لم يؤمنوا بالله ولم يوحدوه في عبادته ويخلصوا له في طاعته وطاعة رسوله.
4 - هذا لأن سير القمر سريع وسير الشمس دونه فلا تدركه.
5 - لم يقل تسبح لأنه وصفها بوصف العقلاء يسبحون، أي يجرون وجيء بضمير الجمع وهما اثنان الشمس والقمر لا غير لإفادة تعميم هذا الحكم فيشمل الكواكب أيضا.
6 - هذا لما بين بينها من أبعاد لا يقادر قدرها ولا يعرف مداها إلا الله خالقها فلذا لا يدرك بعضها بعضاً لشدة الأبعاد بين مداريها.
__________

1 - السلخ الكشط والنزع كسلخ الشاة من جلدها فيبقى اللحم أبيض كذلك يسلخ تعالى النهار من الليل فيبقى الناس في ظلام حالك.
2 - جائز أن يكون في الكلام حذف أي وآية لهم الشمس تجري وجائز أن يكون الشمس مبتدأ وتجري الجملة خبر أي آية أخرى.
3 - لمستقر لها جائز أن يكون اللام بمعنى إلى وجائز أن يكون اللام لام الصيرورة والمآل أي يصير أمرها فتؤول إلى مستقرها، والمستقر مكان الاستقرار روى البخاري ومسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل أبا ذر حين غربت الشمس "أتدري أين تذهب" قال قلت الله ورسوله أعلم، قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع في مغربها فذلك قوله تعالى {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} .
4 - جائز أن يكون قدرنا له منازل أو قدرناه منازل وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة بها بمنزل وهي: السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الخراتان، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانيان، الاكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرع المقدم، الفرع المؤخر، بطين الحوت. فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:40 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (4)
الحلقة (716)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 380الى صــــ 385)

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
شرح الكلمات:
وآية لهم: أي وعلامة لهم على قدرتنا على البعث.
أنا حلمنا ذريتهم: أي ذريات قوم نوح الذين أهلكناهم بالطوفان: نجينا ذريتهم لأنهم مؤمنون موحدون وأغرقنا آباءهم لأنهم مشركون.
في الفلك المشحون: أي في سفينة نوح المملوءة بالأزواج من كل صنف.
وخلقنا لهم من مثله: أي من مثل فلك نوح ما يركبون.
فلا صريخ لهم: أي مغيث ينجيهم فيكف صراخهم.
ومتاعاً إلى حين: أي وتمتيعاً لهم بالطعام والشراب إلى نهاية آجالهم.
اتقوا ما بين أيديكم: أي من عذاب الدنيا أي بالإيمان والاستقامة.
وما خلفكم: من عذاب الآخرة إذا أصررتم على الكفر والتكذيب.
وما تأتيهم من آية: أي وما تأتيهم من آية أو من حجة من حجج القرآن وبينّة من بيناته الدالة على توحيد الله وصدق الرسول إلا كانوا عنها معرضين غير ملتفتين إليها ولا مبالين بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في عرض الآيات الكونية للدلالة على البعث والتوحيد والنبوة فقال تعالى {وَآيَةٌ لَهُمْ} أي أخرى غير ما سبق {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (1) } أي حملنا ذرية قوم نوح المؤمنين فأنجيناهم بإيمانهم وتوحيدهم وأغرقنا المشركين فهي آية واضحة عن رضا الله تعالى عن المؤمنين الموحدين وسخطه على الكافرين المشركين المكذبين إن في هذا الإنجاء للموحدين والإغراق للمشركين آية وعبرة لو كان مشركو قريش في مكة يفقهون. وقوله تعالى {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} وهذه آية أخرى أيضاً وهي أن الله أنجى الموحدين في فلك لم يسبق له مثيل ثم خلق لهم مثله ما يركبون إلى يوم القيامة ولو شاء عدم ذلك لما كان لهم فلك إلى يوم القيامة وآية أخرى {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} وهي قدرته تعالى على إغراق ركاب السفن الكافرين وإن فعلنا لم يجدوا صارخاً (1) ولا معيناً يغيثهم وينجيهم من الغرق {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا (2) } الله إلا رحمتنا فإنها تنالهم فتنديهم ليتمتعوا في حياتهم بما كانوا يتمتعون به إلى حين حضور آجالهم المحدودة لهم. وقوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (3) } أي وإذا قيل لهؤلاء المكذبين بآيات الله المعرضين عن دينه المشركين به اتقوا ما بين أيديكم من العذاب حيث موجبه قائم وهو كفركم وعنادكم، وما خلفكم من عذاب الآخرة إذ مقتضيه موجود وهو الشرك والتكذيب رجاء أن ترحموا فلا تعذبوا أعرضوا كأنهم لم يسمعوا. وقوله {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ} كلام ربهم القرآن الكريم تحمل الحجج والبراهين على صحة ما يدعون إليه من الإيمان والتوحيد إلا كانوا عنها معرضين تمام الإعراض كأن قلوبهم قُدت من حجر والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان فضل الله على البشرية في إنجاء ذرية قوم نوح الكافرين ومنهم كان البشر وإلا لو أغرق الله الجميع المؤمنين الذرية والكافرين الآباء لم يبق في الأرض أحد.
2- حماية الله تعالى للعباد ورعايته لهم وإلا لهلكوا أجمعين ولكن أين شكرهم؟
3- بيان إصرار كفار قريش وعنادهم الأمر الذي لم يسبق له مثيل.
4- الإشارة بالمثلية في قوله {من مثله} إلى تنوع السفن من البوارج والغواصات والطربيدات الحربية.
__________

1 - قرأ نافع ذرياتهم جمع ذرية وقرأ حفص بالإفراد ذريتهم اسم جمع فهو بمعنى ذرياتهم. لفظ الذرية وإن كان أساساً يطلق على الأولاد فإنه أطلق على الآباء والأجداد إذ الكل هم ذرية لآدم عليه السلام والمشحون الموقر بما حمل فيه من سائر المخلوقات.
2 - الصريخ هو الصارخ وهو المستغيث المستنجد تقول العرب جاءهم الصريخ أي المنكوب المستنجد لينقذوه وهو فعيل بمعنى فاعل.
3 - الاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن لأن الرحمة ليست من جنس المستثنى منه وهو الصريخ.
4 - الجملة واقعة موقع التذيل وتحمل معنى التأكيد لما سبق من معنى وهو أنهم إذا دُعوا إلى التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء أعرضوا ولم يستجيبوا.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:40 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
شرح الكلمات:
وإذا قيل لهم أنفقوا: أي وإذا قال فقراء المؤمنين في مكة للأغنياء الكافرين أنفقوا علينا.
مما رزقكم الله: أي من المال.
أنطعم من لو يشاء الله أطعمه: أي قالوا للمؤمنين استهزاءً بهم أنطعم من لو يشاء الله أطعمه.
إن أنتم إلا في ضلال مبين: أي ما أنتم أيها الفقراء إلا في ضلال مبين في اعتقادكم الذي أنتم عليه.
متى هذا الوعد: أي البعث الآخر إن كنتم صادقين فيه.
ما ينظرون إلا صيحة واحدة: أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل.
تأخذهم وهم يخصمون: أي تأخذهم الصيحة وهم يتخاصمون في البيع والشراء والأكل
والشرب إذ تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.
فلا يستطيعون توصية: أي فلا يقدر أحدهم أن يوصي وصيّة.
ولا إلى أهلهم يرجعون: بل يهلكون في أماكنهم من الأسواق والمزارع والمصانع أو المقاهي والملاهي.
فإذا هم من الأجداث: أي القبور إلى ربهم ينسلون أي يخرجون بسرعة.
قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا: أي قال الكفار: من بعثنا من قبورنا؟
هذا ما وعد الرحمن: أي هذا ما وعد به الرحمن وصدق المرسلون أي فيما أخبروا به.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ (1) } أي وإذا قيل لأولئك المشركين المكذبين الملاحدة والقائل هم المؤمنون فقد روي أن أبا بكر الصديق كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: نعم. قال: فما باله لا يطعمهم؟ قال ابتلى قوماً بالفقر وقوماً بالغنى وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل، والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ضلال مبين. أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء، وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت فنزلت هذه الآية وبهذه الرواية اتضح معنى الآية الكريمة {وإذا قيل لهم} أي للكفار {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} على المساكين {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآمرين لهم بالإنفاق {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} قالوا هذا استهزاءً وكفراً {إِنْ أَنْتُمْ} أي ما أنتم أيها المسلمون {إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إلا في ذهاب عن الحق وجور عن الرشد مبين لمن تأمله وتدبّر فيه.
وقوله {وَيَقُولُونَ مَتَى (2) هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي ويقول أولئك الملاحدة المكذبون بالبعث استهزاء واستعجالاً: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به أيها المسلمون إن كنتم صادقين في دعواكم.
قال تعالى {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة إسرافيل في الصور وهي نفخة الفناء {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (3) } أي يختصمون في أسواقهم يبيعون ويشترون، وفي مجالسهم العامة والخاصة إذ تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون قال تعالى {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} يوصي بها أحدهم لابنه أو أخيه، ولا إلى أهلهم أي منازلهم وأزواجهم وأولادهم يرجعون بل يصعقون في أماكنهم. وقوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} أي صور إسرفيل وهو قرن ويقال له البوق أيضاً نفخة البعث من القبور أحياء فإذا هم من الأجداث جمع جدث وهو القبر ينسلون (4) أي ماشين مسرعين إلى ربهم لفصل القضاء والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في هذه الحياة الدنيا من إيمان وكفر وإحسان وإساءة وعدل وظلم. قالوا يا ويلنا أي نادوا ويلهم وهلاكهم لما شاهدوا من أهوال الموقف {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا (5) } وأجابهم المؤمنون بقولهم {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} إذ وعدنا الله بلقائه وأخبرنا الرسل به وبتفاصيله وقوله تعالى {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي ما هي إلا صحية واحدة لإسرافيل فإذا الكل واقف بين يدي الله تعالى ليحاسب ويجزي قال تعالى {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} أي في هذا اليوم الذي وقفت الخليقة فيه بين يدي ربها لا تظلم نفس شيئا لا بنقص حسنة من حسناتها ولا بزيادة سيئة على سيئاتها. ولا تجزون أيها العباد إلا ما كنتم تعملون من خير وشر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان علو الكافرين وطغيانهم وسخريتهم واستهزائهم، وذلك لظلمة الكفر على قلوبهم.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مبادئها ونهاياتها.
3- الساعة لا تأتي إلا بغتة.
4- الانقلاب الكوني الذي يحدث لعظمه اختلفت آراء أهل العلم في تحديد النفخات فيه والظاهر أنها أربع الأولى نفخة الفناء والثانية نفخة البعث والثالثة نفخة الفزع (6) والصعق والرابعة نفخة القيام بين يدي رب العالمين.
5- تقرير العدل الإلهي يوم الحساب والجزاء ليطمئن كل عامل على أنه يجزى بعمله لا غير.
__________

1 - اختلف في من هذه قولته؟ وما في التفسير وأنها قولة أبي جهل لأبي بكر أرجحها وأقربها إلى واقع الحال وألصق بالسياق ولا مانع أن يقولها الزنادقة والملاحدة والمستهزئون في كل زمان ومكان.
2 - الاستفهام للاستبعاد وهو مشوب بالسخرية والاستخفاف لأنه ناجم عن قلوب مظلمة من جراء الكفر والإلحاد قال الشاعر:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة
لنفس إلا قد قضيت قضاءها.
والشاهد في الاستخفاف.
3 - يخصمون بمعنى يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في أماكنهم وقد أدغمت التاء في الصاد فنتج عن ذلك قراءات أشهرها قراءة نافع يخصّمون بفتح الخاء وكسر الصاد مشددة وقرأ حفص يخصّمون بكسر الخاء والصاد المشددة وقرأ قالون يخصمون بسكون الخاء مع الاختلاس.
4 - قال ابن عباس وقتادة ينسلون يخرجون ومنه قول امرؤ القيس "فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي" ومنه قيل للولد نسل لأنه يخرج من بطن أمه وقيل يسرعون، والنسلان والقسلان الإسراع في السير ومنه مشية الذئب قال:
عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنسل
5 - جائز أن يكون هذا ما وعد الرحمن الخ من كلامهم لما يجدون أنفسهم واقفين أحياء قد خرجوا من قبورهم صرّحوا بالحقيقة التي كانوا يكذبون بها فاعترفوا قائلين: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، وجائز أن يقال لهم كما في التفسير، فإن قلنا بالقول الأول لا يصح الوقف على من مرقدنا، وإن قلنا بالقول المثبت في التفسير صح الوقف ويصبح هذا ما وعد الرحمن كلاماً مستأنفاً.
6 - هذه النفخة مختلف فيها ودليلها حديث البخاري إذ فيه يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ولا أدري أرفع رأسه قبل أو كان ممن استثنى الله تعالى".

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:42 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (5)
الحلقة (717)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 386الى صــــ 389)


إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
شرح الكلمات:
في شغل فاكهون: أي أهل الجنة في شغل عما فيه أهل النار من عذاب وشقاء. وشغلهم الشاغل لهم هو النعيم المقيم في دار السلام.
فاكهون: أي ناعمون بالتلذذ بالنعم وذلك لطيب العيش.
على الأرائك: أي الأسِرة ذات الحجلة.
ولهم ما يدعون: أي ما يتمنون ويطلبون.
سلام قولاً من رب رحيم: أي سلام بالقول من رب رحيم أي يسلم عليهم ربهم سبحانه وتعالى.
معنى الآيات:
ما إن حضروا بين يدي الله سبحانه وتعالى للحساب والجزاء حتى أعلن عما يلي: إن أصحاب الجنة اليوم (2) في شغل فاكهون (3) اي إنهم في شغل عما فيه أصحاب النار إنهم في شغل بالنعيم المقيم فاكهون أي ناعمون ناعمون بالتلذذ بألوان المطاعم والمشارب والحور العين إنهم وأزواجهم في ظلال الجنة على الأرائك (4) أي الأسرة ذات الحجلة متكئون. لهم فيها أي في دار السلام فاكهة
من كل زوج ولون ونوع ولهم ما يدعون أي ما يتمنون ويطلبون، وأعظم من ذاك سلام الربّ تعالى عليهم (5) سلام قولاً من رب رحيم أي سلام من الله بالقول لا بغيره من أنواع السلامة والسلام. فقد روى البغوي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ يسطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله تعالى {سلام قولا من رب رحيم} فينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير المعاد.
2- بيان نعيم الجنة.
3- سلام الله تعالى على أهل الجنة ونظرهم إلى وجهه الكريم.
__________


2- قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد: شغلهم افتضاض العذارى وقيل شغلهم زيارة بعضهم بعضاً، والشغل بضم الشين وسكون الغين ويجوز ضم الغين مع الشين.
3- فاكهون بالألف وفكهون بدونه كفرحين لغتان وفسر بفرحين ومعجبين وبمسرورين والكل صحيح إذ هو من جملة النعيم الذي هم فيه.
4 - الأرائك جمع أريكة كسفينة وسفائن قال الشاعر:
كأن احمرار الورد فوق غصونه
بوقت الضحى في روضه المتضاحك
خدود عذارى قد خجلن من الحياء
تهادين بالريحان فوق الأرائك
5 - استئناف قطع من أن يعطف على ما قبله للاهتمام بمضمونه وسلام مرفوع بالابتداء وهو نكرة وتنكيره للتعظيم ولذا صح الابتداء به وحذف الخبر لدلالة المصدر وهو قولاً عليه، والتقدير سلام يقال لهم قولاً من الله تعالى، ومن ابتدائية، وتنوين رب للتعظيم.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:42 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
شرح الكلمات:
وامتازوا اليوم أيها المجرمون: أي انفردوا عن المؤمنين وانحازوا على جهة وسيروا أيها الصالحون إلى الجنة.
ألم أعهد إليكم: أي ألم أوصكم بترك عبادة الشيطان وهي طاعته.
وأن اعبدوني: أي وبأن تعبدوني وحدي وذلك في كتبي وعلى ألسنة رسلي.
هذا صراط مستقيم: أي بترك عبادة الشيطان والقيام بطاعة الرحمن. هو الإسلام الموصل إلى دار السلام.
ولقد أضل منكم جبلا كثيراً: أي ولقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم خلقاً كثيراً.
أفلم تكونوا تعقلون: أي أطعتموه فلم تكونوا تعقلون عداوته لكم.
هذه جهنم التي كنتم توعدون: أي تقول الملائكة هذه جهنم ... الخ.
اليوم نختم على أفواههم (1) : أي عندما يقولون: والله ربنا ما كنا مشركين.
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم: أي ولو أردنا طمس أعين هؤلاء المشركين المجرمين لفعلنا، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة منا.
فاستبقوا الصراط: أي فابتدروا الطريق كعادتهم فكيف يبصرون.
ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم: أي بدلنا خلقهم حجارة أو قردة أو خنازير في أمكنتهم التي هم فيها فلا يستطيعون مضياً ولا يرجعون.
ومن نعمره ننكسه في الخلق: أي ومن نطل عمره ننكسه في الخلق فيكون بعد قوته ضعيفاً عاجزاً.
أفلا يعقلون: أي أن القادر على ما ذكرنا لكم قادر على بعثكم بعد موتكم. فتؤمنون وتوحدون فتنجون من العذاب وتسعدون.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَامْتَازُوا (2) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي يأمر تعالى المجرمين وهم الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك وارتكاب المعاصي فأسدوها يأمرهم بأن يتميّزوا عن المؤمنين فينفردوا وحدهم ويسار بأهل الجنة إلى الجنة، ثم يوبخ تعالى المجرمين أهل النار بقوله {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} (3) موصياً إياكم على ألسنة رسلي وفي كتبي بأن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وبأن تعبدوني وحدي، ولا تعبدوا الشيطان معي فتشركوه في عبادتي هذا صراط مستقيم أي ترك عبادة الشيطان والقيام بعبادة الرحمن هذا هو الإسلام الصراط المستقيم الذي لا ينتهي بالسالكين إلا إلى باب دار السلام. وقوله {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً} أي خلقاً كثيراً هذا من كلام الله الموبخ به للمجرمين. وقوله {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (4) } وهذا تقريع وتوبيخ أيضاً أي أطعتموه وهو عدوكم وعصيتموني وأنا ربكم فلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم، وواجب عبادتي عليكم لأني خلقتكم ورزقتكم وكلأتكم الليل والنهار إذاً فهذه جهنم (5) التي كنتم بها تكذبون اصلوها أي احترقوا بها بما كنتم تكفرون بالله وآياته ولقائه وتكذبون رسله. وقوله تعالى {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} هذا يحدث لما يعرضون على ربهم فيعرض عليهم أعمالهم فينكرون فعندئذ يختم الله على أفواههم فلا يستطيعون الكلام وتنطق باقي جوارحهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون قوله تعالى {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} فأعميناهم {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} أي ابتدروا الطريق كعادتهم فأنى يبصرون الطريق وقد طمس على أعينهم فلا مقلة فيها ولا حاجب، ولكن الله لم يشأ ذلك لرحمته وحلمه على عباده، وقوله {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (6) } أي ولو نشاء مسخ هؤلاء المجرمين من المشركين لمسخناهم في أماكنهم من منازلهم فلا يستطيعون مضياً في الطريق ولا رجوع إلى خلف أي لا ذهاباً ولا إياباً، وقوله تعالى {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ (7) فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} فنرده رأساً على عقب فكما كان طفلاً ينموا شيئا فشيئاً في قواه العقلية والبدنية حتى شبّ واكتهل فكذلك ننكسه في خلقه فيأخذ يضعف (8) في قواه العقلية والبدنية يوماً فيوماً حتى يصبح أضعف عقلاً وبدناً منه وهو طفل. وقوله أفلا تعقلون أيها المكذبون المجرمون أن القادر على هذا وغيره وعلى كل شيء يريده قادر على أن يحييكم بعد موتكم ويبعثكم من قبوركم ويحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير المعاد وبيان مواقف منه.
2- تأكيد عداوة الشيطان للإنسان.
3- عجز الإنسان يوم القيامة عن كتمان شيء من سيء أعماله وفاسدها.
4- التحذير من عقوبة الله في الدنيا بالمسخ ونحوه.
5- مظاهر قدرة الله تعالى في رد الإنسان بعد القوة إلى حالة الضعف الأولى.
__________

1 - روى مسلم عن أنس بن مالك قال: "كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتدرون مما أضحك؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول بلى فيقول لا أجير عليّ إلا شاهداً من نفسي فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً والكرام الكاتبين شهوداً فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي بعمله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل.
2 - يقال مازه فانماز وامتاز، وميره فتميّز وامتاز أمر من امتاز ويمتاز إذا انفرد عما كان مختلطاً به، والمراد بذلك سوقهم إلى النار بعد أن دخل المؤمنون الجنة.
3 - الاستفهام للتقرير والتوبيخ على إهمالهم وصيته تعالى إليهم بأن لا يعبدوا الشيطان.
4 - قوله تعالى أفلم تكونوا تعقلون الاستفهام للتقريع والتأنيب.
5 - قوله تعالى {هذه جهنم التي كنتم توعدون} أي على ألسنة رسلي فكذبتم بها وواصلتم شرككم وكفركم. {اصلوها اليوم} أي احترقوا بها {بما كنتم تكفرون} أي بسبب كفركم الذي دسَّى نفوسكم وخبثها فحرمتم بذلك دار السلام.
6 - المكانة تأنيث المكان على تأويله بالبقعة.
7 - قرأ الجمهور ننكسه بفتح النون الأولى وسكون الثانية مضارع نكس رأسه وقرأها عاصم نُنكسه بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة.
8 - قال سفيان إذا بلغ المرء ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته قال الشاعر:
من عاش أخلقت الأيام جدته
وخانه ثقتاه السمع والبصر.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (6)
الحلقة (718)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 390الى صــــ 395)

وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)

شرح الكلمات:
وما علمناه الشعر: أي وما علمنا رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشعر فما هو بشاعر.
وما ينبغي له: أي وما يصلح له ولا يصح منه.
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين: أي ليس كما يقول المشركون من أن القرآن شعر ما هو أي القرآن الذي يقرأه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ذكر أي عظة وقرآن مبين لا يشك من يسمعه أنه ليس بشعر لما يظهر من الحقائق العلمية.
لينذر من كان حياً: أي يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون.
ويحق القول على الكافرين: أي ويحق القول بالعذاب على الكافرين لأنهم ميتون لا يقبلون النذارة.
أنعاماً فهم له مالكون: الأنعام هي الإبل والبقر والغنم.
وذللناها لهم: أي سخرناها لهم وجعلناهم قاهرين لها يتصرفون فيها.
فمنها ركوبهم ومنها يأكلون: أي من بعضها يركبون وهي الإبل ومنها يأكلون أي ومن جميعها يأكلون.
ولهم فيها منافع ومشارب: المنافع كالصوف والوبر والشعر، والمشارب الألبان.
أفلا يشكرون: أي يوبخهم على عدم شكرهم الله تعالى على هذه النعم بالإيمان والطاعة.
واتخذوا من دون الله آلهة: أي أصناماً يعبدونها زعماً منهم أنها تنصرهم بشفاعتها لهم عند الله.
لا يستطيعون نصرهم: أي لا تقدر تلك الأصنام على نصرهم بدفع العذاب عنهم.
وهم لهم جند محضرون: أي لا يقدرون على نصرتهم والحال أنهم أي المشركين جندٌ محضرون لتلك الآلهة ينصرونها من أن يمسها أحد بسوء فبدل أن تنصرهم هم ينصرونها كجند معبئون لنصرتها.
فلا يحزنك قولهم: أي إنك لست مرسلاً إنك شاعرٌ وكاهن ومفترٍ.
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون: أي إنهم ما يقولون ذلك إلا حسداً وهم يعلمون أنك رسول الله وما جئت به هو الحق وسوف نجزيهم بتكذيبهم لك وكفرهم بنا وبلقائنا وديننا الحق.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ (1) } رد على المشركين الذين قالوا في القرآن شعر وفي الرسول الله شاعر فقال تعالى {وما علمناه} أي نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الشِّعْرَ (2) وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي لا يصح منه ولا يصلح له. {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} أي ما هو الذي يتلوه إلا ذكر يذكر به الله وعظة يتعظ به المؤمنون {وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} مبين للحق مظهر لمعالم الهدى أنزلناه على عبدنا ورسولنا لينذر به من كان حياً أي القلب والضمير لإيمانه وتقواه لله ويحق أي به القول وهو العذاب على الكافرين لأنهم لا يهتدون به فيعيشون على الضلال ويموتون عليه فيجب لهم العذاب في الدار الآخرة. وقوله {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أعمي أولئك المشركون ولم يروا مظاهر قدرتنا وإحساننا الموجبة لعبادتنا وهي {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ (3) أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، والمراد بالأنعام الماشية من إبل وبقر وغنم وقوله {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} أي سخرناها لهم بحيث يركبون ويحلبون ويحملون وينحرون ويذبحون ويأكلون، ولولا هذا التسخير لما قدروا عليها أبداً. وقوله {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ} المنافع كالصوف والوبر والشعر والمشارب جمع مشرب وهي الألبان في ضروعها يحلبون منها ويشربون. وقوله {أَفَلا يَشْكُرُونَ} يوبخهم على أكل النعم وعدم الشكر عليها، وشكر الله عليها هو الإيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً} أي اتخذ أولئك المشركون آلهة هي أصنامهم التي يعبدونها لعلهم ينصرون أي رجاء نصرتها لهم وذلك بشفاعتها لهم عند الله تعالى كما يزعمون. قال تعالى في إبطال هذا الرجاء وقطعه عليهم {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} لأنهم أصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر وقوله {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي والحال أن المشركين هم جند تلك الأصنام محضرون عندها يدافعون عنها ويحمونها ويغضبون لها فكيف ينصرك من هو مفتقر إلى نصرتك. وقوله تعالى {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ (4) } أي لا تحزن لما يقول قومك من أنك لست مرسلاً، وأنك شاعر وساحر وكاهن إلى غير ذلك من أقاويلهم، {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (5) } وسنجزيهم عن قولهم الباطل ونأخذهم بكذبهم وافترائهم عليك كما نحن نعلم أنهم ما قالوا الذي قالوا إلا حسداً لك، وإلا فهم يعلمون أنك رسول الله وما أنت بالساحر ولا الشاعر ولا المجنون، ولكن حملهم على ما يقولون الحسد والعناد والكبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن ذكر وليس شعر كما يقول المبطلون.
2- الحكمة من نزول القرآن هي أن ينذر به الرسول الأحياء من أهل الإيمان.
3- بيان خطأ الذين يقرأون القرآن على الأموات ويتركون الأحياء لا يقرأونه عليهم وعظاً لهم وإرشاداً وتعليماً
وتذكيراً.
4- وجوب ذكر النعم وشكرها بالاعتراف بها، وصرفها في مرضاة واهبها وحمده عليها.
5- بيان سخف المشركين في عبادتهم أصناماً يرجون نصرتها وهم جند معبأ لنصرتها من أن يمسها أحد بسوء.
__________

1 - إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أصالته في الأدب الرفيع وكيف وهو قرشي مضري لا يحسن إنشاد بيت من الشعر حتى إنه أنشد يوماً بيت طرفة فقال:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك من لم تزوده بالأخبار.
فقال أبو بكر والله إنك لرسول الله إذ عجز البيت هكذا: ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
2 - وما علمناه الشعر أي وما أوحينا إليه شعراً وما علمناه إياه.
3 - مما عملت (ما) موصولة بمعنى الذي وحذف العائد وهو الضمير لطول الاسم أي عملته. وإن قلنا "ما" مصدرية فلا حاجة إلى مراعاة العائد ولا تقديره.
4 - قرئ يحزنك بضم الياء من أحزنه يحزنه وقرئ يحزنك بفتح الياء وضم الزاي، والنهي عن الحزن نهي عن أسبابه الموجبة له، إذ الحزن لا يملك الإنسان دفعه ولكن يستطيع تجنب مثيراته والمراد من هذا النهي تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يواجهه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر وما إلى ذلك.
5 - جملة إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون جملة تذييلية المراد منها أمران تطمين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كفاية الله تعالى له وأن كيدهم لا يضره وتهديد المشركين بإعلامهم أن الله مطلع على ما يمكرون وسيجزيهم به.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
شرح الكلمات:
أولم ير الإنسان: أي المنكر للبعث كالعاص بن وائل السهمي، وأبيّ بن خلف.
أنا خلقناه من نطفة: أي من منيّ إلى أن صيرناه رجلاً قوياً.
فإذا هو خصيم مبين: أي شديد الخصومة بيّنها في نفي البعث.
وضرب لنا مثلاً: أي في ذلك، إذ أخذ عظماً وفته أمام رسول الله وقال أيحيى ربك هذا؟
ونسي خلقه: أي وأنه مخلوق من ماء مهين وأصبح رجلاً يخاصم فالقادر على الخلق الأول قادر على الثاني.
من يحيى العظام وهو رميم: أي وقد رمّت وبليت.
من الشجر الأخضر ناراً: أي من شجر المرخ والعفار يحك أحدهما على الآخر فتشتعل النار.
بقادر على أن يخلق مثلهم: أي مثل الأناسي.
بلى: أي قادر على ذلك إذ خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
إذا أراد شيئاً: أي خلق شيء وإيجاده.
بيده ملكوت: أي ملك كل شيء، زيدت التاء للمبالغة في كبر الملك واتساعه.
وإليه ترجعون: أي تردون بعد الموت وذلك في الآخرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء تلك العقيدة التي يتوقف عليها غالباً هداية الإنسان وإصلاحه فقال تعالى ردّاً على العاص بن وائل السهمي وأبي بن خلف حيث جاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده عظم ففته وذراه وقال أتزعم يا محمد أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم يميتك ثم يحييك ثم يحشرك إلى جهنم ونزلت هذه الآيات {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ (1) } أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلاً فإذا هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للأموات وبعثهم يوم القيامة فكيف يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح، إذ القادر على البدء قادر عقلاً على الإعادة وهي أهون عليه. وقوله {وَضَرَبَ لَنَا} أي هذا المنكر للبعث مثلاً أي جعل لنا مثلا وهو إنكاره علينا قدرتنا على البعث حيث جعل إعادتنا للخلق أمراً عجباً وغريباً إذ قال {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (2) } أي قد رمّت وبليت. ونسي خلقه من ماء حقير كيف جعله الله بشراً سوياً يجادل ويخاصم فلو ذكر أصل نشأته لخجل أن ينكر إحياء العظام وهي بالية رميم؟ ولما قال من يحيي العظام وهي رميم؟. وقوله تعالى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا هو القياس العقلي الجلي الواضح إذ بالبداهة أن من أوجد شيئاً من العدم قادر على إيجاد مثله. وقوله {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} أي مخلوق عليم فالعلم والقدرة إذا اجتمعا كان من السهل إيجاد ما أُعدم بعد أن كان موجوداً فأعدم لا سيما أن الموجد من العدم هو المخبر بالإعادة وبقدرته عليها.
هذا برهان قطعي وثاني برهان في قوله {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ (3) مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} أي النار تشعلونها، ووجه الاستدلال أن البعث لو كان مستحيلاً عقلاً وما هو بمستحيل بل هو واجب الوقوع لكان على الله غير مستحيل لأن الله تعالى قد أوجد من المستحيل ممكناً وهو النار من الماء، إذ الشجر الأخضر (4) ماء سار في أغصان الشجرة. ومع هذا يوجد منها النار، فكان هذا برهاناً عقلياً يسلم به العقلاء ولا ينازعون فيه أبداً، وبرهان ثالث وهو في قوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} ؛؟ ووجه البرهنة فيه أننا ننظر إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك وننظر إلى الإنسان فنجده
لا شيء إذا قوبل بالسموات والأرض فنحكم بأن من خلق السموات والأرض على عظمها قادر من باب أولى على خلق الإنسان مرة أخرى بعد موته وبلاه وفنائه. ولذا أجاب تعالى عن سؤاله بنفسه فقال {بَلَى (5) وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} أي الخلاق لكل ما أراد خلقه العليم بكل مخلوقاته لا يخفى عليه شيء منها، وبرهان رابع في قوله {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ووجه الاستدلال أن من كان شأنه في إيجاد ما أراد إيجاده أن يقول له كن فهو يكون لا يستنكر عليه عقلاً أن يحيي الأموات بكلمة كونوا أحياء فيكونون كما طلب منهم.
وأخيراً ختم هذا الرد المقنع بتنزيه نفسه عن العجز فقال {فَسُبْحَانَ (6) الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (7) أي ملك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أحببتم أم كرهتم أيها الآدميون منكرين كنتم للبعث أم مقرين به مؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بإيراد أربعة براهين قاطعة.
2- مشروعية استعمال العقليات في الحجج والمجادلة.
3- تنزيه الله تعالى عن العجز والنقص وعن الشريك والولد وسائر النقائص.
4- تقرير أن الله تعالى بيده وفي تصرفه وتحت قهره كل الملكوت فلذا لا يصح طلب شيء من غيره إذ هو المالك الحق وغيره لا ملك له.
__________

1- روي أيضاً أن العاص بن وائل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعظم حائل فقال يا محمد أترى أن الله يحيي هذا بعد ما رمّ؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم ويبعثك الله ويدخلك النار فنزلت هذا الآية.
2 - يقال رمّ العظم يرم فهو رميم ورمام وقال رميم ولم يقل رميمة لأنها معدولة عن فاعله نحو بغياً لم يقل بغيةً لأنه معدول عن باغية.
3 - هذا الكلام مستأنف ابتدائياً الغرض إقامة الحجة العقلية على صحة البعث وإمكانه وهو ما أنكره المشركون واستبعدوه فذكر لهم أن الذي يخرج من الماء الرطب البارد النار وهما لا يجتمعان، قادر على إخراج الضد من الضد وهو على كل شيء قدير.
4 - قال القرطبي يعني بالآية مع في المرخ والعفار وهي زنادة العرب التي يشعلون بها النار، ومن ذلك قولهم في كل شجر نار واستمجد الرمخ والعفار.
5 - بلى لنقص النفي أي بل هو قادر على أن يخلق مثلهم كقوله أليس الله بأحكم الحاكمين؟ فالجواب بلى أي هو أحكم الحاكمين إبطال لما نفته ليس إذ هي حرف نفي.
6 - فسبحان: نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الشرك والعجز. والملكوت، والملكوتى: بمعنى نحو جبروتي وجبروتى ورحموتي من الجبروت والرحموت والعرب تقول جبروتى خير من رحموتى.
7 - الملكوت مبالغة في الملك بكسر الميم من ذلك قولهم رهبوت خير من رحموت أي ليرهبك الناس خير من يرحموك لأن مع الرهبة العزة ومع الرحمة الضعف والعجز.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:44 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (1)
الحلقة (719)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 395الى صــــ 401)

سورة الصافات
مكية
وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّافَّاتِ صَفّاً (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)

شرح الكلمات:
الصافات صفاً: أي الملائكة تصف أنفسها في الصلاة وأجنحتها في الهواء.
فالزاجرات زجراً: أي الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه حيث يأذن الله.
فالتاليات ذكراً: أي فالجماعات التاليات (1) للقرآن ذكرا.
إن إلهكم لواحد: أي إن إلهكم المعبود الحق لكم أيها الناس لواحد.
رب السموات والأرض وما بينهما: أي هو رب السموات والأرض وما بينهما أي خالقهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما.
ورب المشارق: أي والمغارب وهي مشارق الشمس ومغاربها إذ للشمس كل يوم مشرق ومغرب.
وحفظاً من كل شيطان مارد: أي وحفظناها حفظاً من كل شيطان مارد خارج عن الطاعة.
لا يسمعون إلى الملأ الأعلى: أي لا يستمعون إلى الملائكة في السموات العلا.
ويقذفون من كل جانب دحوراً: أي يرمون بالشهب من كل جوانب السماء دحوراً أي إبعاداً لهم.
عذاب واصب: أي دائم لا يفارقهم.
إلا من خطف الخطفة: أي اختطف الكلمة من الملائكة بسرعة وهرب.
فأتبعه شهاب ثاقب: أي كوكب مضيء ثاقب يثقبه أو يحرقه أو يخلبه أي يفسده.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَالصَّافَّاتِ (2) صَفّاً} هذا قسم إلهي يؤكد به تعالى إلهيته على عباده فقد أقسم بالصافات والزاجرات والتاليات ذكراً أي قرآناً، وسواء قلنا أقسم بهذه المخلوقات إذ لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وإنما الممنوع أن يقسم العبد بغير ربه تعالى. أو قلنا أقسم تعالى بنفسه أي ورب الصافات الخ فالقسم حاصل من أجل تقرير التوحيد، وهذا الإقسام جار على عرف البشر في أنهم إذا أخبروا بشيء يشكون في صحته فيؤكد لهم المخبر الخبر باليمين ليزيل الشك من نفوسهم. وقوله {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} (3) هو المقسم عليه وهو أن إله البشرية كلها واحد وهو الله خالقها ورازقها وليس من إله غيره، وما عندها من آلهة فهي آلهة باطلة ويكفي في بطلانها أنها أصنام وصور وتماثيل وصلبان لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تضر. وقوله {رَبُّ السَّمَاوَاتِ (4) وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} تدليل على وحدانية الله تعالى إذ هو خالق السموات والأرض وما بينهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما، ورب المشارق أيضاً والمغارب أي مشارق الشمس ومغاربها إذ كل يوم تشرق وتغرب في درجة معينة فالإله الحق هو الخالق للعوالم والمدبر لها لا الذي ينحته الرجل بيده ويقول هو إلهي زوراً وباطلاً. ألا فليتحرر المشركون من أسر الشيطان ويعبدوا الرحمن. وقوله تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ (5) الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) } هذه مظاهر القدرة والعلم والحكمة إنه وحده تعالى زين السماء الدنيا أي القريبة من الأرض بزينة هي الكواكب المشرقة المنيرة. وقوله {وَحِفْظاً (7) مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} أي وحفظنا السماء حفظاً تاماً من كل شيطان عادٍ متمرد عن الطاعة. وقوله {لا يَسَّمَّعُونَ (8) إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} أي لا يستمعون إلى الملائكة في السماء حتى لا ينقلوا أخبار الغيب إلى أوليائهم من الكهان في الأرض. وقوله {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} أي ويرمى أولئك المردة من الشياطين من قبل الملائكة من كل جهة من جهات السماء دحوراً أي لدَحرهم وإبعادهم. وقوله تعالى {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) } لأولئك المردة من الشياطين عذاب واصب موجع دائم وقوله {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي اختطف الكلمة بسرعة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ (10) ثَاقِبٌ} أي كوكب مضيء فثقبه فقتله أو أحرقه أو خبله أي أفسده، وبهذا حُمِيت السماء بالملائكة من دخول الشياطين إليها واستراق السمع. والحمد لله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن الله تعالى يقسم ببعض مخلوقاته إما تنويهاً بعظمتها المقرر ضمناً لعظمة خالقها وإما بياناً لفضلها وإما لفتا لنظر العباد إلى ما فيها من الفوائد.
2- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله.
3- بيان الحكمة من وجود النجوم في السماء الدنيا.
4- بيان أن الشياطين حرموا من استراق السمع، ولم يبق مجال لكذب الشياطين على الناس بعد أن منعوا من استراق السمع (11) .
__________

1 - جائز أن تكون الجماعات التالية لكلام الله تعالى من الملائكة ومن البشر روى مسلم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعل لنا ترابها طهوراً إذا لم نجد الماء".
2 - روى مسلم وغيره عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف.
3 - هذا جواب القسم وهو المقسم عليه والصافات الملائكة تصف أجنحتها في السماء أو تصف للصلاة كما يصف المؤمنون للصلاة في الدنيا، وجائز أن يراد بالصافات صفوف المؤمنين في الصلاة وفي الجهاد.
4 - رب السموات والأرض خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو رب السموات الخ.
5 - هذه الجملة بمثابة الدليل على ربوبية الله تعالى الموجبة للإلهية له سبحانه وتعالى دون سواه.
6 - قرأ الجمهور بزينة الكواكب بإضافة زينة إلى الكواكب وقرأ حفص بتنوين زينة وجر الكواكب على البدلية ومنهم من نصب الكواكب على الاختصاص والكواكب جمع كوكب وهي تلك الأجرام الكريّة السماوية ومنها الثوابت ومنها السيارة وهي كل ما يرى في السماء ما عد الشمس والقمر وتسمى النجوم وهي تختلف في أحجامها.
7 - قال أهل العلم النجوم لثلاثة للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكزينة للسماء بما فيها من أنوار وللحفظ من الشياطين أن يسترق السمع من الملائكة فمن طلبها لغيرها فقد أساء واعتدى.
8 - قرأ الجمهور لا يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وقرأ حفص عن عاصم لا يسمعون بتشديد السين والميم مفتوحتين الأصل لا يتسمعون من التسمع فقلبت التاء سيناً وأدغمت في السين.
9 - الواصب: الدائم يقال وصب يصب وصوبا إذا دام وهو عذاب الآخرة.
10 - يقال له في علم الهيئة النيزك وعن ابن عباس الشهاب لا يقتل ولكن يخترق ويخبل.
11 - صح في الحديث أن من الجائز أن ينجوا مسترق السمع من شهب الملائكة، ويلقي بالكلمة التي استرقها إلى الكاهن أو الساحر بعدما يضيف إليها تسعا وتسعين كلمة.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
شرح الكلمات:
فاستفتهم: أي استخبر كفار مكة تقريراً وتوبيخاً.
أهم أشد خلقاً أم من خلقنا: أي خلقهم في ذواتهم وإعادتهم بعد موتهم، أم من خلق تعالى من الملائكة والسموات والأرض وما فيها من سائر المخلوقات.
من طين لازب: أي يلصق باليد.
بل عجبت ويسخرون: أي عجبت يا نبي الله من إنكارهم للبعث، وهم يسخرون من دعوتك إلى الإيمان به.
وإذا ذكّروا لا يذكرون: أي وإذا وعظوا لا يتعظون.
وإذا رأوا آية يستسخرون: أي إذا رأوا حجة من الحجج التي تحمل الآيات القرآنية تقرر البعث والتوحيد والنبوة يسخرون أي يستهزئون.
قل نعم وأنتم داخرون: أي قل لهم يا رسولنا نعم تبعثون وأنتم صاغرون أذلاء.
فإنما هي زجرة واحدة: أي صيحة تزجرهم وهي نفخة إسرافيل في الصور النفخة الثانية.
هذا يوم الدين: أي يوم الحساب والجزاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والبعث والجزاء وقوله تعالى فاستفتهم (1) أي استخبرهم واطلب جوابهم أي بقولك آنتم أشد خلقاً أي في ذواتكم وفي إحيائكم بعد مماتكم أم من خلقه الله من الملائكة والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما؟ والجواب معلوم وهو أن خلق غيرهم من العوالم أشد خلقا إذا فكيف ينكرون البعث بدعوى استحالة وجوده لصعوبته قال تعالى {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي خلقنا أباهم آدم من طين لازب أي لاصق يلصق باليد ثم خلقناهم بطريق التناسل أفيعجزنا إعادة خلقهم مرة أخرى والجواب لا. لا وقوله تعالى {بَلْ (2) عَجِبْتَ} أي من تكذيبهم بالبعث لوضوح الأدلة على إمكانه ووجوب وجوده {وَيَسْخَرُونَ} أي وهم يسخرون من ذلك أي يستهزئون من قولك بالبعث وإمكانه. وقوله تعالى {وَإِذَا ذُكِّرُوا} أي بالآيات لعلهم يذكرون فيؤمنون ويوحدون لا يذكرون لقساوة قلوبهم وظلمة ذنوبهم بالشرك والمعاصي. وقوله {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (3) } أي يسخرون ويستهزئون {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي ما هذا الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القول والعمل إلا سحر مبين أي بيّن ظاهر وهم في ذلك كاذبون قطعاً للفرق بين السحر الذي هو تخيل باطل وبين الحق الثابت عقلاً ووحيا من دقائق الشرع وأصول الدين من الإيمان بالله واليوم الآخر وقوله {أَإِذَا مِتْنَا (4) وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} هذا قول المكذبين من المشركين يقولونه متعجبين مستبعدين للبعث قال تعالى ردّا عليهم قل يا رسولنا لهم {نَعَمْ} تبعثون أحياء {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أي صاغرون ذليلون وأمر إعادتكم لا يتطلب أكثر من أن ينفخ إسرافيل في الصور فإذا أنتم أحياء تخرجون من قبوركم {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ} أي صحية {وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ} قيام {يَنْظُرُونَ} ويقولوا أي عند قيامهم من قبورهم {يَا وَيْلَنَا} أي هلاكنا احضر هذا أوان حضورك أي يدعون على أنفسهم بالهلاك لشدة ما شاهدوا من هول القيامة كقول أحدهم يا ليتها كانت القاضية. وقولهم هذا يوم الدين اعتراف منهم بالبعث والجزاء ولكن في وقت ما هو بنافع لهم الاعتراف فيه أي هذا يوم الحساب والجزاء فيقال لهم {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ (5) } الذي يفصل الله تعالى فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون فيحكم بينهم بالعدل، وقوله تعالى {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} فيه توبيخ لهم أي هذا يوم البعث الذي كنتم تكذبون به وتقولون مستبعدين له أئذا متنا وكنا تراباً وعظاما أئنا لمبعثون أو أباؤنا الأولون أي وآباؤنا الأولون أيضاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أصل خلق الإنسان وهو الطين اللازب أي اللاصق باليد.
2- بيان موقفين متضادين الرسول يعجب من كفر المشركين وتكذيبهم والمشركون يسخرون من دعوته إياهم إلى الإيمان وعدم التكذيب بالله ولقائه.
3- تقرير البعث وبيان طريقة وقوعه.
4- عدم الانتفاع بالإيمان عند معانيه العذاب.
__________

1 - مأخوذ من استفتاء المفتي والفتيا هي إخبار عن أمر يخفى عن غير الخواص في غرض ما والاستفهام هنا تقريري.
2 - بل للإضراب الانتقالي من التقرير التوبخي إلى حالهم العجب قرأ الجمهور عجبت بفتح التاء والخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ ابن مسعود بضم التاء ونسبة العجب إلى الله تعالى ليست كنسبته إلى خلقه كسائر صفاته تعالى.
3 - سخريتهم هذه من محاجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أتاهم بالآيات القرآنية الحاملة للأدلة العقلية وهم لجهلهم وعجزهم يدفعونها بالاستسخار والإنكار وهذا غاية الجهل والضلال.
4 - الاستفهام إنكاري وجملة وأنتم داخرون في محل نصب على الحال.
5 - جائز أن يكون {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} من قول الله تعالى والملائكة لهم وجائز أن يكون من قول بعضهم لبعض.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (2)
الحلقة (720)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 401الى صــــ 405)

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
شرح الكلمات:
احشروا الذين ظلموا: أي أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وأزواجهم: أي قرناءهم من الشياطين.
من دون الله: أي من غير الله من الأوثان والأصنام.
فاهدوهم: أي دلوهم وسوقوهم. -
إلى صراط الجحيم: أي إلى طريق النار.
وقفوهم إنهم مسؤولون: أي احبسوهم عند الصراط إنه مسؤولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم.
ما لكم لا تناصرون: أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا توبيخا لهم.
إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين: أي عن يمين أحدنا تزينون له الباطل وتحسنون له الشر فتأمرونه بالشرك وتنهونه عن التوحيد.
قالوا بل لم تكونوا مؤمنين: أي قال قرناؤهم من الجن ردّا عليهم بل لم تكونوا أساسا مؤمنين.
وما كان لنا عليكم من سلطان: أي من حجة ولا قوة على حملكم على الشرك والشر والباطل.
بل كنتم قوماً طاغين: أي بل كنتم طغاة ظلمة تعبدون غير الله تعالى وتجبرون الناس على ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في موقف عرصات القيامة إنهم بعد اعترافهم بأن هذا يوم الدين ورد الله تعالى عليهم بقوله {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} يقول الجبار عز وجل {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أي احشروا الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي (1) ، وقوله {وَأَزْوَاجَهُمْ} أي قرناؤهم (2) من الجن {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} من الأصنام والأوثان. وقوله تعالى {فَاهْدُوهُمْ (3) إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} يقول الله عز وجل فاهدوهم أي دلوهم إلى طريق النار. ويقول {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} ثم يسألون {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (4) } أي لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا. كيف ينصر بعضهم بعضا في مثل هذا الموقف الرهيب بل هم اليوم مستسلمون أي منقادون ذليلون وقوله تعالى {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أي أقبل الأتباع على المتبوعين يتساءلون أي يتلاومون كل يلقي بالمسؤولية على الآخر. فقال الأتباع من الإنس لقرنائهم من الجن ما أخبر تعالى به عنهم {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (5) } أي والشمال أي توسوسون لنا فتحسّنون لنا الشرك والشر بل تأمروننا به وتحضوننا عليه. فرد عليهم قرناؤهم بما أخبر تعالى به عنهم {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي ما كنتم مؤمنين فكفرناكم ولا صالحين فأفسدناكم، ولا موحدين فحملناكم على الشرك. هذا أولا وثانياً ما كان لنا عليكم من سلطان أي من حجج قوية أقنعناكم بها، ولا قدرة لنا أرهقناكم بها فأتبعتمونا، بل كنتم قوماً طاغين أي ظلمة متجاوزين الحد في الإسراف والظلم الشر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان صور لموقف من مواقف القيامة.
2- بيان أن الأشباه في الكفر والفجور أو في الفسق تحشر مع بعضها بعضا.
3- عدم جدوى براءة العابدين من المعبودين واحتجاج التابعين على المتبوعين.
__________

1 - ظلموا بمعنى أشركوا لأن الشرك أقبح أنواع الظلم شاهده قوله تعالى إن الشرك لظلم عظيم والآمر في قوله (احشروا) الله عز وجل والمأمور الملائكة والمأمور بحشرهم المشركون.
2 - وفسر أزواجهم أيضا بأشياعهم وقرنائهم وهم من الجن وما في التفسير أولى.
3 - أي سوقوهم إلى النار والمأمور الملائكة كما تقدم.
4 - ما لكم لا تناصرون أي ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا ولاستفهام للتقريع والتوبيخ.
5 - اضطرب أهل التفسير في تفسير تأتوننا عن اليمين وأقوالهم متضاربة فمنهم من قال تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها قاله قتادة، ومنهم من قال اليمين بمعنى القوة أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر وهذا ينسجم مع السياق وما في التفسير شامل لهذه الأقوال إذ معناه إنكم تأتوننا من كل جهة تحاولون إغواءنا وإضلالنا.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
شرح الكلمات:
فحق علينا قول ربنا: أي وجب علينا العذاب.
إنا لذائقون: أي العذاب نحن وأنتم.
فأغويناكم إنا كنا غاوين: أي أضللناكم إنا كنا ضالين.
فإنهم يومئذ: أي يوم القيامة.
في العذاب مشتركون: لأنهم كانوا في الغواية مشركين.
إنا كذلك نفعل بالمجرمين: كما عذبنا هؤلاء التابعين والمتبوعين نعذب التابعين والمتبوعين في كل ضلال وكفر وفساد.
إنهم كانوا إذا قيل لهم: أي إن أولئك المشركين من عبدة الأوثان إذا قال لهم الرسول.
لا إله إلا الله يستكبرون: أي قولوا لا إله إلا الله ولا تعبدوا إلا الله يستكبرون ولا يقولون ولا يوحدون.
لشاعر مجنون: يعنون محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بل جاء بالحق وصدق المرسلين: أي جاء بلا إله إلا الله وهو الحق الذي جاءت به الرسل وقد صدقهم فيما أخبروا به من قبله وهو التوحيد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما ذكر تعالى من تساؤلات الظالمين وما قاله الأتباع للمتبوعين وما قاله المتبوعون للأتباع فقوله تعالى {فَحَقَّ عَلَيْنَا (1) قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} هذا قول المتبوعين لأتباعهم قالوا لهم فبسبب غوايتنا وضلالنا وجب علينا العذاب إنا وأنتم لذائقوه لا محالة. وقالوا لهم أيضاً معترفين بإغوائهم لهم فأغويناكم إنا كنا غاوين هذا قول الجن للإنس قال تعالى {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} وذلك لاشتراكهم في الشرك والشر والفساد وقوله تعالى {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} من سائر الأصناف كالزناة وأكلة الربا وسافكي الدماء فنعذب الصنف مع صنفه وهذا عائد إلى قوله احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشياعهم وأضرابهم وقوله تعالى {إِِنَّهُمْ كَانُوا (2) إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ} يخبر تعالى عن مشركي قريش أنهم كانوا في الدنيا إذا قال لهم رسول الله أو أحد المؤمنين قولوا لا إله إلا الله يستكبرون (3) ويشمئزون ولا يقولونها بل ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر (4) مجنون يعنون النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصفون القرآن بالشعر ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تاليه وقارئه بالشعر ولما يدعوهم إليه من الإيمان بالبعث والجزاء بالجنون والرسول في نظرهم مجنون. فرد تعالى عليهم بقوله {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ (5) } أي لم يكن رسولنا بشاعر ولا مجنون بل جاء بالحق فأنكرتموه وكذبتم به تقليدا وعناداً فقلتم ما قلتم. وإنما هو قد جاء بالحق الذي هو لا إله إلا الله {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} الذين جاءوا قبله بكلمة لا إله إلا الله والدعوة إليها والحياة والموت عليها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان هلاك الضال ومن أضله والغاوي ومن أغواه.
2- بيان ما كان يوجهه المشركون لرسول الله من التهم الباطلة ورد الله تعالى عليها.
3- التعظيم من شأن لا إله إلا الله وأنها دعوة كل الرسل التي سبقت النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4- تقرير التوحيد والبعث والجزاء والنبوة المحمدية.
__________

1 - أي وجب علينا قول ربنا فكلنا ذائقوا العذاب شاهده قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن الله عز وجل كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم.
2 - إنهم كانوا: هذه الجملة تعليلية للحكم السابق وهو بيان العلة منه وفي الكلام حذف تقديره أنهم كانوا إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله فحذف القول للعلم به.
3 - شاهده حديث ابن أبي حاتم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه إلى الله" وهو في الصحيح بأوسع منه.
4 - أي لقول شاعر فحذف القول لظهوره.
5 - بل للإضراب الانتقالي عن قولهم: شاعر مجنون الباطل وقد سبق الحق المبين وهو شهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (3)
الحلقة (721)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 406الى صــــ 409)

إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
شرح الكلمات:
وما تجزون إلا ما كنتم تعملون: أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه من الشرك والمعاصي.
إلا عباد الله المخلصين: أي لكن عباد الله المخلصين أي العبادة لله وحده فإنهم يجزون أعمالهم إذ الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.
لهم رزق معلوم: أي في الجنة بكرة وعشيا.
فواكه: أي طعامهم وشرابهم فيها للتلذذ به كما يتلذذ بالفواكه فليس هو لحفظ أجسامهم حية كما في الدنيا.
وهم فيها مكرمون: أي لا تلحقهم فيها إهانة بل يقال لم هنيئاً بخلاف أهل النار يقال لهم ذوقوا عذاب النار بما كنتم تعملون.
من معين: أي يجري على وجه الأرض كعيون الماء الجارية على الأرض.
لذةٍ للشاربين: أي الخمرة موصوفة بأنها لذة للشاربين.
لا فيها غول: أي ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم.
ولا هم عنها ينزفون: أي لا يسكرون عنها أي بسببها كما هي خمر الدنيا.
قاصرات الطرف: أي لا ينظرون إلى غير أزواجهن لحسنهم وجمالهم عندهن.
عين: أي واسعات الأعين الواحدة عيناء.
بيض مكنون: أي كأنهن بيض مكنون أي مستور لا يصله غبارٌ ولا غيره.

معنى الآيات:

قوله تعالى {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو (1) الْعَذَابِ الْأَلِيم، وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} هذا يقال لأهل النار وهم موقوفون يتساءلون ومن جملة ما يقال لهم عندئذ هذا القول فيخبرون بأنهم ذائقوا العذاب الأليم الموجع، وأنهم ما يجزون إلا بما كانوا يعملون فلا يظلمون بالجزاء بل هو جزاء عادل السيئة بمثلها. وهنا استثنى تعالى جزاء المؤمنين الذي استخلصهم لعبادته فعبدوه ووحدوه فإنهم يجزون بأكثر من أعمالهم فضلا منه عليهم وإحسانا إليهم فالحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى سبعمائة وأكثر، فقال {إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} وبين تعالى بعض جزائهم فقال {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} أي يأكلونه بكرة وعشيا (2) ، وقوله {فَوَاكِهُ} (3) فيه إشارة إلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون لحفظ أجسادهم من الموت والفناء، وإنما يأكلون ما يأكلون ويشربون ما يشربون تلذذاً بذلك لا لدفع غائلة الجوع كما في الدنيا. {وَهُمْ مُكْرَمُونَ} أي في الجنة حيث لا تلحقهم إهانة أبداً، وقوله في جنات النعيم أضاف الجنة إلى النعيم مبالغة في وصفها بالنعيم حتى جعل الجنة جنة النعيم فجعل للنعيم وهو النعيم جنة، وأخبر أنهم متكئون فيها على سرر متقابلين ينظر بعضهم إلى بعض وهم في جلسات تنعم، وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين يسقون بواسطة خدم من الملائكة خاص فقال {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أي من خمر تجري بها الأنهار كأنه عيون الماء، ووصف الخمر بأنها بيضاء وأنها لذة عظيمة للشاربين لها، وأنها لا فيها غول وهو ما يغتال أبدانهم كالصداع ووجع البطن فقال {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (4) } أي لا يسكرون بها فتذهب بعقولهم. وقوله {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} يعني أن لهم نساء هن أزواج لهم ومعنى قاصرات الطرف أي على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم وذلك لحسنهم وجمالهم فلا تنظر الواحدة منهن إلا إلى زوجها. وقوله {عِينٌ} أي واسعات الأعين {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ (5) مَكْنُونٌ} هذا وصف لنساء الجنة وأنهن بيض الأجسام بياضاً كبياض بيض النعام إذ هو أبيض مشرب بصفرة وهو من أحسن أنواع الجمال في النساء ومعنى {مَكْنُونٌ} مستور لا يناله غبار ولا أي أذى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان عدالة الحق تبارك وتعالى في أنه يجزي السيئة بمثلها ولا يؤاخذ أحداً بغير كسبه في الحياة الدنيا.
2- بيان فضل الله تعالى إذ يجزي المؤمنين الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من سبعمائة.
3- تقرير البعث وبيان بعض ما يجري فيه من قول وعمل.
4- وصف نعيم أهل الجنة طعاما وشراباً وجلوسا واستمتاعا.
__________

1 - الأصل لذائقون العذاب فحذفت النون تخفيفاً وأضيف لذائقوا إلى العذاب فخفض ولو نصب لجاز كقول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلاً.
2 - إلا عباد الله المخلصين: الاستثناء منقطع في معنى الاستدراك وهو تعقيب الكلام بما يضاده أو يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه وهو الغالب في الاستدراك قرأ الجمهور المخلصين باسم المفعول وقرأها غيرهم باسم الفاعل بكسر اللام والمراد بهم أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما روي عن الشافعي قوله:
ومما زادني شرفاً وفخراً
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن أرسلت أحمد لي نبيا
3 - عطف بيان من رزق معلوم والمعنى أن طعامهم كله من الأطعمة التي يتفكه بها لا مما يؤكل للشبع.
4 - ينزفون بالبناء للمجهول قراءة الجمهور من نزف الشارب فهو منزوف ونزيف شبهوا عقل الشارب بالدم يقال نزف دم الجريح أي أفرغ وأصله من نزف الرجل ماء البئر إذا نزحه ولم يبعد منه شيئاً. وقرأ البعض ينزفون من أنزف الرباعي الشارب إذا ذهب عقله بالسكر أي صار ذا نزف فالهمزة للصيرورة لا للتعدية.
5 - العرب تشبه النساء بالبيض لصفائهن وبياضهن قال امرؤ القيس الشاعر الجاهلي:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
أطلق لفظ البيضة على المرأة.

***********************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
شرح الكلمات:
فأقبل بعضهم على بعض: أي أقبل أهل الجنة.
يتساءلون: عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها.
إني كان لي قرين: أي كان لي صاحب ينكر البعث الآخر.
يقول أئنك لمن المصدقين: أي يقول تبكيتاً لي وتوبيخاً أي بالبعث والجزاء.
أئنا لمدينون: أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكارا وتكذيبا.
هل أنتم مطلعون: أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب.
فاطلع فرآه في سواء الجحيم: أي في وسط النار.
تالله إن كدت لتردين: أي قال هذا تشميتاً به، ومعنى تردين تهلكني.
لكنت من المحضرين: أي المسوقين إلى جهنم المحضرين فيها.
أفما نحن بميتين: أمخلدون فما نحن بميتين، والاستفهام للتقرير أي نعم.
إلا موتتنا الأولى: التي ماتوها في الدنيا.
لمثل هذا فليعمل العاملون: أي لمثل هذا النعيم من الخلود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهم لبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إني كان لي في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وإنكاراً للبعث الآخر {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} أي بالبعث والجزاء على الأعمال في الدنيا. ويقول أيضا مستبعداً منكرا {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} أي محاسبون ومجزيون. ثم قال ذلك القائل لبعض
أهل مجلسه {هَلْ أَنْتُمْ (1) مُطَّلِعُونَ} أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها (2) ، وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله {قَالَ تَاللهِ} أي والله {إِنْ كِدْتَ (3) لَتُرْدِينِ} أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم (4) مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم {لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى {لِمِثْلِ هَذَا} أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار {فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
2- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
3- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقلياً.
4- لا موت في الآخرة (5) وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم.
5- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.
__________

1 - أورد البخاري إيرادات لا حاجة إليها منها: قيل القرين هو من الشياطين. وقرئ من المصدقين بتشديد الصاد والدال من التصدق بالمال، وجعل أنتم مطلعون أنه من قول الله تعالى أو قول ملك. وما في التفسير هو الصواب ولا داعي لإيراد ما بخلافه إذ لا فائدة منه إلا تذبذب الرأي واضطراب الفكر.
2 - قال ابن مسعود رضي الله عنه يقال تعبت حتى انقطع سوائي أي وسطي وقال بعض العلماء، لولا أن الله عرفه إياه لما عرفه إذ تغير حبره وسبره أي اللون والهيئة.
3 - إن كدت إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير ثان محذوف واللام في لتردين هي الدالة على أن إن ليست نافية ولذا تسمى باللام الفارقة.
4 - وجائز أن يكون هذا القول موجهاً إلى أصحاب الأرائك أهل النعيم بعد أن فرغ المؤمن من الحديث مع قرينه في سواء الجحيم قال لرفاقه في النعيم مقرراً أفما نحن بميتين ... الآية. والسياق يساعد على جواز هذا.
5 - قيل لأحد الحكماء: ما شر من الموت؟ قال الذي يتمنى فيه الموت وقال الشاعر:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وكون لا موت في الآخرة صح فيه الحديث إذ يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (4)
الحلقة (722)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 410الى صــــ 414)


أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)

شرح الكلمات:
أذلك خير نزلا: أي ذلك المذكور لأهل الجنة خير نزلاً وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره.
أم شجرة الزقوم: المعدة لأهل النار وهي من أخبث الشجر طعماً ومرارة.
إنا جعلناها فتنة للظالمين: أي امتحاناً واختباراً لهم في الدنيا وعذابا لهم في الآخرة.
تخرج في أصل الجحيم: أي في قعر الجحيم وأغصانها في دركاتها.
طلعها كأنه رؤوس الشياطين: أي ما يطلع من ثمرها أولا كالحيات القبيحة المنظر.
إن لهم عليها لشوباً من حميم: أي بعد أكلها يسقون ماء حميما فذلك الشوب أي الخلط.
إنهم ألفوا آباءهم: أي وجدوا آباءهم.
فهم على آثارهم يهرعون: أي يسرعون مندفعين إلى أتباعهم بدون فكر ولا روية.
ولقد أرسلنا فيهم منذرين: أي رسلا منذرين لهم من العذاب.
فانظر كيف كان عاقبة المنذرين: إنها كانت عذابا أليما لإصرارهم على الكفر.
إلا عباد الله المخلصين: فإنهم نجوا من العذاب ولم يهلكوا.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى ما أعد لأهل الإيمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار الأبرار قال أذلك (1) المذكور من النعيم في الجنة خير نزلا والنزل ما يعد (2) من قرى للضيف النازل وغيره أم شجرة الزقوم، أي ثمرها وهو ثمر سمج مرّ قبيح المنظر. ثم أخبر تعالى أنه جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش إذ قالوا لما سمعوا بها كيف تنبت الشجرة في النار والنار تحرق الشجر، فكذبوا بها فكان ذلك فتنة لهم. ثم وصفها تعالى بقوله {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أي في قعرها تمتد فروعها في دركات النار. وقوله طلعها أي ما يطلع من ثمرها في قبح منظره {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ (3) الشَّيَاطِينِ} لأن العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح كما أن هناك حيات يسمونها بالشيطان قبيحة المنظر وقوله فإنهم أي الظلمة المشركين لآكلون منها أي من شجرة (4) الزقوم لشدة جوعهم فمالئون منها البطون أي بطونهم {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون فيسقون من حميم فذلك الشوب من الحميم إذ الشوب الخلط والمزج يُقال شاب اللبن بالماء أي خلطه به وقوله {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} أي مردهم إلى الجحيم بعدما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالأكل والشرب يردون إلى نار الجحيم.
وقوله تعالى {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أي وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (5) } أي يهرولون مسرعين وراءهم يتبعونهم في الشرك والكفر والضلال وقوله تعالى {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} أي فليس هؤلاء أول من ضل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} أي في أولئك الضالين من الأقوام السالفين منذرين أي رسلاً ينذرونهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم فانظر كيف كانت عاقبة المنذرين إنها كانت هلاكاً ودماراً للكافرين. وقوله تعالى {إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (6) } استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره فآمنوا وأطاعوا فإنه تعالى نجاهم وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بما لا مزيد عليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أحسن الأساليب في الدعوة وهو الترهيب والترغيب.
2- تقرير البعث والجزاء بأسلوب العرض للأحداث التي تتم في القيامة.
3- التنديد بالاتباع في الضلال للآباء والأجداد وأهل البلاد.
4- إهلاك الله تعالى للظالمين وإنجاؤه للمؤمنين عند الأخذ بالذنوب في الدنيا والآخرة.
__________

1 - أذلك خير: مبتدأ وخبر ونزلا تمييز، والمعنى أنعيم الجنة خير نزلاً أم شجرة الزقوم خير نزلا؟
2 - قرى الضيف هو ما يعد له من طعام وشراب وفراش ويسمى النزل بضم النون والزاي ويجوز تسكين الزاي.
3 - مما تعارف عليه العرب أنهم يصورون كل قبيح (بصورة الشياطين) قال امرؤ القيس:
أيقتلونني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوالي
انظر كيف صور سهامه المحددة بصورة أنياب الأغوال ولا يوجد أغوال في الواقع وإنما مجرد تصور وتقدير لا غير.
4 - هذا الطعام والشراب مقابل ما لأهل الجنة من رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم.
5 - الإهراء الإسراع من شخص يستحثه بشيء على الإسراع والهرولة.
6 - الاستثناء متصل لأن المخلصين كانوا من جملة المنذرين فصدقوا المنذرين واتبعوهم وذلك باستخلاص الله تعالى لهم لعبادته والدعوة إليه.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
شرح الكلمات:
ولقد نادانا نوح: أي قال إني مغلوب فانتصر "من سورة القمر"
فلنعم المجيبون: أي له إذ نجيناه وأهلكنا الكافرين من قومه.
من الكرب العظيم: أي عذاب الغرق بالطوفان.
وجعلنا ذريته هم الباقين: إذ عامة الناس كانوا من ذريته سام, وحام ويافث.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه ثناء حسناً عند سائر الأمم والشعوب.
سلام على نوح في العالمين: أي سلام على نوح في العالمين أي في الناس أجمعين.
إنا كذلك نجزي المحسنين: أي كما جزينا نوحاً بالذكر الحسن والسلام في العالمين نجزي المحسنين.
ثم أغرقنا الآخرين: أي كفار قومه المشركين بعد إنجاء المؤمنين في السفينة.
معنى الآيات:
على إثر ذكره تعالى إهلاك المنذرين وإنجائه المؤمنين من عباده المخلصين ذكر قصة تاريخية لذلك وهي نوح وقوه حيث أنذرنوح قومه ولما جاء العذاب أنجى الله عباده المخلصين وأهلك المكذبين المنذرين فقال تعالى في ذكر هذه القصة الموجزة {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} أي دعانا لنصرته من قومه فـ {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} وقال {إَِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} نحن له {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} باستثناء امرأته وولده كنعان {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} وهو عذاب الغرق. وقوله {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} إلى يوم القيامة وهذا جزاء له على صبره في دعوته وإخلاصه وصدقه فيها إذ كل الناس اليوم من أولاده الثلاثة وهم سام (1) وهو أبو العرب والروم وفارس، وحام وهو أبو السودان ويافث وهو أبو الترك والخزر وهم التتار ضيقوا العيون ولهذا سموا الخزر من خزر العين وهو ضيقها وصغرها، ويأجوج ومأجوج، وقوله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} (2) أي في أجيال البشرية التي أتت بعده وهو الذكر الحسن الثناء العطر المعبر عنه بقوله تعالى {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} وقوله تعالى {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزينا نوحا لإيمانه وصبره وتقواه وصدقه ونصحه وإخلاصه نجزي المحسنين في إيمانهم وتقواهم وهذه بشرى للمؤمنين وقوله {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} ثناء عليه وبيان لعلة الإكرام والإنعام عليه. ودعوة إلى الإيمان بالترغيب فيه، وقوله {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} أي أغرقناهم بالطوفان بكفرهم وشركهم وتكذيبهم بعد أن أنجينا المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان إكرام الله لأوليائه، وإهانته لأعدائه.
2- إجابة دعاء الصالحين لا سيما عندما يظلمون.
3- فضل الإحسان وحسن عاقبة أهله.
4- فضل الإيمان وكرامة أهله عند الله في الدنيا والآخرة.
5- قول سلام على نوح في العالمين إذا قاله المؤمن حين يمسي (3) أو يصبح يحفظه الله تعالى من لسعة العقرب. وأصح منه قول: أعوذ بكلمات الله التامة (1) من شر ما خلق لصحة الحديث في ذلك.
__________

1 - عن سعيد بن المسيب قال ولد نوح عليه السلام ثلاثة: سام ويافث وحام وولد كل واحد من هؤلاء الثلاث ثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وولد حام القبط والسودان والبربر.
2 - قال ابن عباس رضي الله عنهما يُذكر بخير، قال مجاهد لسان صدق في الأنباء.
3 - وقال سعيد بن المسيب وبلغني انه من قال حين يمسي "سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب" ذكره أبو عمرو ابن عبد البر في التمهيد ونقله عنه القرطبي.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (5)
الحلقة (723)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 415الى صــــ 421)

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)

شرح الكلمات:
وإن من شيعته لإبراهيم: وإن من أشياع نوح على ملته ومنهاجه إبراهيم الخليل عليهما السلام.
إذ جاء ربه بقلب سليم: أي أتى ربه بقلب سليم من الشرك والشك والالتفات إلى غير الرب سبحانه وتعالى.
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون؟ : أي حين قال لأبيه وقومه المشركين أي شيء تعبدون؟
أئفكاً آلهة دون الله تريدون؟ : أي كذبا هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير الله؟
فما ظنكم برب العالمين: أي شيء هو؟ أترون أنه لا يسخط عليكم ولا يعاقبكم فتعبدون
غيره وهو ربكم ورب العالمين.
فنظر نظرة في النجوم: أي إيهاما لهم إذ كانوا يؤلهون النجوم.
فقال إني سقيم: أي عليل أي ذو سقم وهو المرض والعلة.
فتولوا عنه مدبرين: أي رجعوا إلى ما هم فيه وتركوه قابلين عذره.
فراغ إلى آلهتهم: أي مال إليها خفية.
فراغ عليهم ضربا باليمين: أي بقوة يمينه فكسرها بفأس وحطمها.
فأقبلوا إليه يزفون: أي يمشون بقوة وسرعة.
ما تنحتون: من الحجارة والأخشاب والمعادن كالذهب والفضة.
وما تعملون: أي وخلق ما تعبدون من أصنام وكواكب.
فقالوا ابنوا له بنياناً: واملأوه حطبا وأضرموا فيه النار فإذا التهب فألقوه فيه.
فجعلناهم الأسفلين: أي المقهورين الخائبين في كيدهم إذ نجّى الله إبراهيم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى قصة نوح مقررا بها نصرة أوليائه وخذلان أعدائه ذكر قصة أخرى هي قصة إبراهيم وهي أكبر موعظة لكفار قريش لأنهم ينتمون إلى إبراهيم ويدّعون أنهم على ملته وملة ولده إسماعيل فلذا أطال الحديث فيها فقال سبحانه تعالى {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ (2) لَإِبْرَاهِيمَ} أي وإن من أشياع نوح عليه الذين هم على ملته ومنهجه إبراهيم خليل الرحمن {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي إذ أتى (3) ربّه بقلب سليم من الشرك والشك والالتفات إلى غير الرب تعالى في الوقت الذي قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون، منكراً عليهم عبادة الأصنام فلو كان في قلبه أدنى التفاتة إلى غيره طمعا أو خوفا ما أمكنه أن يقول الذي قال بل كان في تلك الساعة سليم القلب ليس فيه نظر لغير الله تعالى وقوله {أَإِفْكاً (4) آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ} أي أكذباً هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير الله حيث جعلتموها بكذبكم بألسنتكم آلهة وهي أحجار وأصنام. وقوله {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} وقد عبدتم الكذب دونه إذ آلهتكم ما هي إلا كذب بحت. أترون أن الله لا يسخط عليكم ولا
يعاقبكم؟ وقوله {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} هنا كلام محذوف دل عليه المقام وهو أن أهل البلد قد عزموا على الخروج إلى عيد لهم يقضونه خارج البلد، فعرضوا عليه الخروج معهم فاعتذر بقوله إني سقيم أي ذو سقم بعد أن نظر في النجوم موهماً لهم أنه رأى ما دله على أنه سيصاب بسقم وهو مرض الطاعون وكان القوم منجمين ينظرون إلى النجوم فيدعون أنهم يعرفون بذلك الخير والشر الذي ينزل إلى الأرض بواسطة الكواكب فأوهمهم بذلك فتركوه خوفا من عدوى الطاعون، أو تركوه قبولاً لعذره (5) هذا ما دل عليه قوله تعالى {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ} أي لذلك ورجعوا إلى أمورهم وما هم عازمون عليه من الخروج إلى العيد خارج البلد وهو معنى فتولوا عنه مدبرين وهنا وقد خلا له المكان الذي فيه الآلهة من الحراس والعباد والزوار للآلهة في بهوها الخاص فنفذ ما حلف على تنفيذه في مناظرة كانت بينه وبين بعضهم إذ قال {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} وبدأ المهمة فقال للآلهة وأنواع الأطعمة أمامها تلك الأطعمة من الحلويات وغيرها التي يتركها المشركون لتباركها الآلهة ثم يأكلونها رجاء بركتها {أَلا تَأْكُلُونَ} عارضا عليها الأكل سخرية بها فلم تجبه ولم تأكل فقال لها {مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} ثم انهال عليها ضربا بفأس بيده اليمنى فكسرها وجعلها جذاذا أي قطعاً متناثرة. فلما رجعوا من عيدهم مساء وجاءوا بهو الآلهة ليأخذوا الأطعمة وجدوا الآلهة مكسرة {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي مسرعين بأن طلبوا من رجالهم إحضاره على الفور فأحضروه وأخذوا يحاكمونه فقال في دفاعه {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أي بأيديكم من أصنام بعضها من حجر وبعض من خشب ومن فضة ومن ذهب أيضا، {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} من كل عمل من أعمالكم فلم لا تعبدونه، وتعبدون أصناماً لا تنفع ولا تضر، ولما غلبهم في الحجة وانهزموا أمامه أصدروا أمرهم بإحراقه بالنار فقالوا {ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} أي فرنا عظيما واملأوه حطبا وأضرموا فيه النار حتى إذا التهب فألقوه في جحيمه وهو معنى قوله تعالى {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} وقوله تعالى {فَأَرَادُوا} أي بإبراهيم {كَيْداً} أي شراً وذلك بعزمهم على إحراقه وتنفيذهم ما عزموا عليه {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} أي المتهورين المغلوبين إذ قال تعالى للنار {كوني بردا وسلاماً على إبراهيم} فكانت فخرج منها إبراهيم ولم يحرق سوى كتافيه الذي في يديه ورجليه وخيب الله سعي المشركين وأذلهم أمام إبراهيم وأخزاهم
وهو معنى قوله تعالى {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (6) } وقد جمع الله تعالى لهم بين الخسران في كل ما أملوه من عملهم والذل الذي ما فارقهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- أصل الدين واحد فالإسلام هو دين الله الذي تعبد به آدم فمن بعده إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- كمال إبراهيم في سلامة قلبه من الالتفات إلى غير الله تعالى حتى إن جبريل قد عرض له وهو في طريقه إلى الجحيم الذي أعده له قومه فقال [هل لك حاجة يا إبراهيم فقال أما إليك فلا] .
3- من أقبح الكذب ادعاء أن غير الله يعبد مع الله تبركا به أو طلباً لشفاعته.
4- وجوب تغيير المنكر عند القدرة عليه.
5- بيان ابتلاء إبراهيم وأنه ألقي في النار فصبر، ولذا أكرمه ربه بما سيأتي في السياق بيانه.
__________

1 - روى مالك في الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من نزل منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل".
2 - وقيل هاء الضمير عائد إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون المعنى وإن من شيعة محمد إبراهيم وهو حقاً من شيعته ولكن السياق يأباه بل المراد نوح عليه السلام.
3 - قيل في مجيئه ربه بقلب سليم إما أن يكون عند دعائه إلى توحيده، أو عند إلقائه في النار.
4 - الاستفهام إنكاري إذ هو أنكر على قومه عبادة وتأليه غير الله تعالى، وقوله {فما ظنكم برب العالمين} استفهام متفرع عما قبله وهما للإنكار الأول والثاني. فالأول أنكر عليهم اتخاذهم آلهة دونه تعالى والثاني أنكر عليهم سوء ظنهم بالله حتى عبدوا آلهة غيره.
5 - شاهد هذا حديث الصحيح: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا اثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله: إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا. وبينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فسأله عن سارة فقال هي أختي الحديث.
6 - هذه الجملة من سورة الأنبياء ذكرت هنا شاهداً مبيناً لغاية كيدهم وهو خسرانهم فيما دبروا وفعلوا.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
شرح الكلمات:
إني ذاهب إلى ربي سيهدين: أي إني مهاجر إلى ربي سيهدين إلى مكان أعبده فيه فلا أمنع فيه من عبادته.
رب هب لي من الصالحين: أي ولداً من الصالحين.
بغلام حليم: أي ذي حلم وصبر كثير يولد له.
فلما بلغ معه السعي: أي بلغ من العمر ما أصبح يقدر فيه على العمل كسبع سنين فأكثر.
فانظر ماذا ترى: أي من الرأي الرشد.
من الصابرين: أي على الذبح الذي أمرت به.
فلما أسلما: أي خضعا لأمر الله الولد والوالد وانقادا له.
وتله للجبين: أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الأرض ولكل إنسان جبينان أيمن وأيسر والجبهة بينهما.
قد صدقت الرؤيا: أي بما عزمت عليه وفعلته من الخروج بالولد إلى منى وصرعه على الأرض وإمرار السكين على حلقه.
إن هذا لهو البلاء المبين: أي الأمر بالذبح اختبار عظيم.
وفديناه بذبح عظيم: أي كبش كبير.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه ذكرا حسنا فيمن جاء بعده من الناس.
وباركنا عليه وعلى إسحاق: أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرية إسحاق حتى أن عامة الأنبياء من ذريتهما.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة إبراهيم الخليل إنه بعد أن ألقي به في النار وخرج بحمد الله سالماً قرر الهجرة وترك البلاد، وقال {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي إني ذاهب إلى حيث أذن لي ربي بالهجرة إليه حيث أتمكن من عبادته فذهب إلى بلاد الشام ونزل أولا بحران من الشام، وقوله سيهدين أي يثبتني بدوام هدايته لي. ودعا ربه قائلاً {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} أي ارزقني أولاداً صالحين. فاستجاب الله تعالى له وذلك أنه سافر في أرض القدس مع زوجته سارة وانتهى إلى مصر، وحدث أن وهب طاغية مصر جارية لسارة تسمى هاجر فوهبتها سارة لزوجها إبراهيم فتسراها فولدت له غلاما هو إسماعيل وهو استجابة الله تعالى لإبراهيم في دعائه عند هجرته {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} وهو قوله تعال {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} . وقد أخذ سارة ما يأخذ النساء من الغيرة لما رأت جارية إبراهيم أنجبت له إسماعيل فأمر الله إبراهيم بأن يأخذها وطفلها إلى مكة إبعاداً لها عن سارة ليقل تألمها. وهناك بمكة رأى إبراهيم رؤيته ورؤيا الأنبياء وحي وقال لإسماعيل ما أخبر تعالى به في قوله {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} كابن سبع سنين (1) فأكثر بمعنى أصبح قادرا على العمل معه {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} أي استشاره ليرى رأيه في القبول أو الرفض فأجاب إسماعيل قائلا {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} أي ما يأمرك به ربك {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وفعلا خرج به إبراهيم من حول البيت إلى منى (2) وانتهى إلى مكان تجاوز به مكان الجمرات الثلاث وتله للجبين أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الأرض وأخذ المدية ووضعها على رقبته والتفت لأمر ما وإذا بكبش أملح والهاتف يقول اترك ذاك وخذ هذا فترك الولد وذبح الكبش وكانت آية. وهو قوله تعالى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ، وقوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار البين وبذلك تأهل للخلة وأصبح خليل الرحمن، وقوله تعالى {وَفَدَيْنَاهُ} أي إسماعيل {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (3) أي بكش عظيم. هو الذي ذبحه إبراهيم وترك إسماعيل (4) وقوله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أي أبقينا عليه ثناء عاطراً وذكر حسنا فيمن جاء بعده من الأمم والشعوب. {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي سلام من الله على إبراهيم كذلك أي كذلك الجزاء الذي جزى به الله تعالى إبراهيم على إيمانه وهجرته وصبره وطاعته يجزي المحسنين وقوله {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} وفي هذا ثناء عاطر على المؤمنين، وقوله {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} وهذا يوم جاءه الضيف من الملائكة وهم في طريقهم إلى المؤتفكات قرى قوم لوط، وذلك بعد أن بلغ من العمر عتياً وامرأته سارة كذلك إذ قالت ساعة البشرى {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} وعجبا لمن يقول إن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل، وقوله تعالى {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرّية إسحاق حتى إن عامة الأنبياء من بعدهما من ذريّتهما. وقوله تعالى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا} أي إبراهيم وإسحاق {مُحْسِنٌ} أي مؤمن صالح {وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} بالشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- فضل الهجرة في سبيل الله وأن أول هجرة كانت في الأرض هي هجرة إبراهيم من العراق إلى الشام.
2- بيان أن الذبيح هو إسماعيل وليس هو إسحاق كما يقول البعض وكما يدعي اليهود.
3- وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف.
4- فضل إبراهيم وعلو مقامه وكرامته عند ربه.
5- فضل الإحسان وجزاء المحسنين.
__________

1 - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغ الثالثة عشرة من عمره وفي هذا أقوال ولهذا في التفسير قلنا سبع سنين فأكثر إذ بداية السعي من السابعة والبلوغ ينتهي إلى الخامسة عشر.
2 - قيل إن إبراهيم لما رأى الرؤيا كانت ليلة يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة فسمي اليوم يوم التروية إذ تروّى فيه ويوم التاسع عرف أن الرؤيا حق لذا سمي يوم عرفة ويوم العاشر خرج بإسماعيل ليذبحه فسمي يوم النحر لذلك والله أعلم.
3 - اختلف في أيهما الذبيح أهو إسماعيل أم إسحق والراجح انه إسماعيل لأن الذبح كان في مكة ولم يكن في الشام لأن إسماعيل عاش بمكة ولم يعش بالشام ولأن هاجر كانت في مكة وسارة كانت بالشام وبلغ الخلاف حتى قال بعضهم نفوض فكان التفويض مذهباً ثالثاً والذي أثار هذا الخلاف هم أهل الكتاب يريدون سلب هذا الفضل عن النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي الأبيات الآتية إشارة إلى ذلك:
إن الذبيح هديتَ إسماعيل
نطق الكتاب بذاك والتنزيل
شرف به خص الإله نبيا
وأتى به التفسير والتأويل
إن كنت أمّته فلا تنكر له
شرفا به قد خصه التفضيل
4 - ضعف القرطبي رواية الرجل الذي نادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً يا ابن الذبيحين فضحك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أرى وجهاً صحيحاً لتضعيفها إذ صح أن الذبيح الأول هو إسماعيل والثاني عبد الله الوالد إذ كل منهما ذبحه والله فداه ولله الحمد والمنة.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (6)
الحلقة (724)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 421الى صــــ 424)

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
شرح الكلمات:
ولقد مننا على موسى وهارون: أي بالنبوة والرسالة.
ونجيناهما وقومهما: أي بني إسرائيل.
من الكرب العظيم: أي استعباد فرعون إياهم واضطهاده لهم.
ونصرناهم: على فرعون وجنوده.
الكتاب المستبين: أي التوراة الموضحة الأحكام والشرائع.
وهديناهما الصراط المستقيم: أي الإسلام لله رب العالمين.
وتركنا عليهما في الآخرين: أي أبقينا عليهما في الآخرين ثناء حسنا.
سلام على موسى وهارون: أي سلام منا على موسى هارون.
إنا كذلك: أي كما جزيناهما نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين.
إنهما من عبادنا المؤمنين: أي جزيناهما بما جزيناهما به لإيمانهما.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إفضال الله وإنعامه على من يشاء من عباده فبعد ذكر إنعامه على إبراهيم وولده إسحاق ذكر من ذريّتهما المحسنين موسى وهارون فقال تعالى {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} أي بالنبوة والرسالة (1) ، {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا} أي بني إسرائيل {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الذي هو استعباد فرعون والأقباط لهم واضطهادهم زمنا طويلاً {وَنَصَرْنَاهُمْ} أي على فرعون وملائه (2) {فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} {وَآتَيْنَاهُمَا (3) } أي أعطيناهما {الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} وهو التوراة الواضحة
الأحكام البين الشرائع لا خفاء فيها ولا غموض. {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وهو الدين الصحيح الذي هو الإسلام دين الله الذي بعث به كافة رسله {وَتَرَكْنَا عَلَيهِمَا فِي الْآخِرِينَ} أي وأبقينا عليهما الذكر الحسن والثناء العطر فيمن بعدهما {سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (4) أي كما جزيناهما لإحسانهما نجزي المحسنين {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} فيه بيان لعلة ما وهبهما من الإنعام والإفضال وهو الإيمان المقتضى للإسلام والإحسان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان إكرام الله تعالى لرسوليه موسى وهرون عليهما السلام.
2- بيان إنعام الله تعالى على بني إسرائيل بإنجائهم من آل فرعون ونصرته لهم عليهم.
3- بيان أن الإسلام دين سائر الأنبياء وليس خاصاً بأمة الإسلام.
4- بيان فضل الإحسان والإيمان.
__________

1 - كانت النبوة والرسالة منة لأن موسى لم يكتسبها بعمل وهارون أعطيتها بدعوة أخيه موسى فلم يكتسبها بأي جهد فهي إذاً منة محضة.
2 - إذ خرج فرعون في جيش عرمرم قوامة مائة ألف من الفرسان فقط ثم نجى الله تعالى بني إسرائيل وأغرق فرعون وجنده أجمعين فكان نصراً عظيماً لموسى على فرعون وملائه أجمعين.
3 - موسى أوتي الكتاب أصالة وهارون بالتبعية لأخيه موسى.
4 - {إنا كذلك نجزي المحسنين} جملة تذييلية وإن كانت تحمل معنى التعليل والتوكيد، والمحسنون من أحسنوا طاعة الله فأطاعوه بما يحب من أفعال وتروك على نحو ما شرعه لهم وجملة إنهما من عبادنا المؤمنين تعليلية للإنعام السابق.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
شرح الكلمات:
وإن إلياس لمن المرسلين: إلياس هو أحد أنبياء بني إسرائيل من سبط هرون أرسله الله تعالى إلى أهل مدينة بعلبك بالشام.
أتدعون بعلاً: أي صمنا يسمى بعلا.
وتذرون أحسن الخالقين: أي وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين.
فإنهم لمحضرون: أي في النار.
إلا عباد الله المخلصين: أي فإنهم نجوا من النار.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه في الآخرين ذكراً حسنا.
سلام على إل يا سين: أي سلام منا على إلياس.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إنعام الله تعالى على بعض أنبيائه ورسله فقال تعالى {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ (1) الْمُرْسَلِينَ} وهو من سبط هرون عليه السلام أحد أنبياء بني إسرائيل أخبر تعالى أنه من المرسلين (2) أي اذكر إذ قال لقومه وهم أهل مدينة بعلبك وما حولها {أَلا تَتَّقُونَ} أي (3) الله تعالى بعبادته وترك عبادة غيره، وهذا دليل على أنه رسول. وقوله عليه السلام {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} (4) هذا إنكار منه لهم على عبادة صنم كبير لهم يسمونه بعلا، أي كيف تعبدون أصناماً بدعائه والعكوف عليه والذبح والنذر له، وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين، {اللهَ رَبَّكُمْ (5) وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} . قال تعالى {فَكَذَّبُوهُ} أي في أنه لا إله إلا الله فـ {مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} فاحضرو في جهنم فهم من المحضرين فيها، وقوله تعالى {إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} أي الموحدين فإنهم ليسوا في النار بل هم في الجنة. وقوله تعالى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أي وأبقينا له ذكراً حسناً في الذين جاءوا من بعده من الناس. وقوله تعالى {سَلامٌ} أي منا {عَلَى إِلْ يَاسِينَ} {إِنَّا كَذَلِكَ} أي كما جزينا إلياس لإحسانه في طاعتنا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وقوله {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} أي
استحق تكريمنا والجزاء الحسن لأنه من عبادنا المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد، والتنديد بالشرك.
2- هلاك المشركين (6) ونجاة الموحدين يوم القيامة.
3- فضل الإحسان ومجازاة أهله بحسن الجزاء.
4- فضل الإيمان وأنه سبب كل خير وكمال.
__________

1 - قدم تعالى ذكر نوح وإبراهيم وموسى وكلهم رسل أصحاب شرائع وعقب عليهم بذكر ثلاثة آخرين ليست لهم شرائع مستقلة وهم إلياس ولوط ويونس ويوسف واسم إلياس في كتب بني إسرائيل "إيليا".
2 - عد في جملة المرسلين لأن الله تعالى أمره بتبليغ ملوك بني إسرائيل أن الله غضب عليهم من أجل عبادة الأصنام. فإطلاق اسم الرسول عليه كإطلاقه على اسم رسل عيسى عليه السلام في سورة يس.
3 - ألا تتقون الهمزة للاستفهام الإنكاري ينكر عليهم عدم تقواهم لله، ولا نافية وحذف مفعول يتقون للعلم به. أي ألا تتقون الله تعالى أو عذابه ونقمه.
4 - قرأ نافع آل سين كآل محمد، وقرأ حفص إل بكسر الهمزة وسكون اللام. واختلف هل إل ياسين معناه إلياس، أو معناه ذوو ياسين كآل بني فلان، والراجح أن المراد بآل ياسين أنصاره. نحو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آل محمد كل تقي.
5 - قرأ نافع والأكثرون الله بالرفع على الابتداء، وقرأ حفص الله بالنصب على عطف البيان على أحسن الخالقين.
6 - سياق قصة إلياس فيها تذكير للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقريش أيضاً إذ على الرسول أن يبلغ وليس عليه أن يأتي قومه بالعذاب ولو طالب به المدعوون فإن إلياس لم يعذب الله قومه في الدنيا وترك عذابهم إلى الآخرة.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:51 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (7)
الحلقة (725)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 424الى صــــ 428)

وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد، والتنديد بالشرك.
2- هلاك المشركين (1) ونجاة الموحدين يوم القيامة.
3- فضل الإحسان ومجازاة أهله بحسن الجزاء.
4- فضل الإيمان وأنه سبب كل خير وكمال.
شرح الكلمات:
وإن لوطا لمن المرسلين: أي وإن لوطا وهو ابن هاران أخي إبراهيم الخليل لمن جملة الرسل أيضا.
إذ نجيناه وأهله أجمعين: أي اذكر يا رسولنا ممن أنعمنا عليهم بالنبوة والرسالة لوطا إذ نجيناه وأهله أجمعين من عذاب مطر السوء.
إلا عجوزا في الغابرين: أي إلا امرأته الكافرة هلكت في الغابرين أي الباقين في العذاب.
ثم دمرنا الآخرين: أي أهلكنا الآخرين ممن عدا لوطا والمؤمنين معه.
وإنكم لتمرون عليهم: أي في أسفاركم إلى فلسطين وغزة ومصر بالليل والنهار.
أفلا تعقلون: أي يا أهل مكة ما حل بهم فتعتبرون وتتعظون فتؤمنوا وتوحدوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إنعام الله تعالى على من اصطفى من عباده فقال تعالى {وَإِنَّ لُوطاً} وهو ابن هاران أخي إبراهيم (1) عليهما السلام {لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي لمن جملة رسلنا {إِذْ نَجَّيْنَاهُ} أي اذكر إنعامنا عليه إذ نجيناه من العذاب وأهله أجمعين {إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ} وهي امرأته إذ كانت مع الكافرين فبقيت معهم فهلكت بهلاكهم. وقوله تعالى {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} أي ممن عدا لوطاً ومن آمن به من قومه. وقوله {وَإِنَّكُمْ (2) لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (3) مُصْبِحِينَ} هذا خطاب لأهل مكة المشركين إذ كانوا يسافرون للتجارة إلى الشام وفلسطين ويمرون بالبحر الميت وهو مكان الهالكين من قوم لوط وأصبح بعد الخسف بحراً ميتاً لا حياة فيه البتة. وقوله {أَفَلا تَعْقِلُونَ (4) } توبيخ لهم وتقريع على عدم التفكر والتدبر إذ لو فكروا لعلموا أن الله تعالى أهلكهم لتكذيبهم برسولهم وكفرهم بما جاءهم به من الهدى والدين الحق، وقد كذب هؤلاء فأي مانع يمنع من وقوع عذاب بهم كما وقع بقوم لوط من قبلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة لوط ورسالته.
2- بيان العبرة في إنجاء لوط والمؤمنين معه وإهلاك الكافرين المكذبين به.
3- بيان أن لا شفاعة تنفع (5) ولو كان الشافع أقرب قريب إلا بعد أن يأذن الله للشافع وبعد رضائه (6) عن المشفوع له.
4- وجوب التفكر والتعقل في الأحداث الكونية للاهتداء بذلك إلى معرفة سنن الله تعالى في الكون والحياة.
__________

1 - يقال مر به ومر عليه بمعنى إلا أن التمكن والمباشرة بالممرور به بعلى أكثر منه بالباء ومصبحين حال منصوب على الحالية بالياء والنون لأنه جمع سلامة للمذكر.
2 - جيء بالمضارع في لتمرون للإيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإخبار.
3 - خرج لوط مع عمه إبراهيم عليه السلام بعد حادثة إلقاء إبراهيم في النار ونجاته منها فآمن له لوط وخرج معه مهاجراً فأرسله الله تعالى إلى أصحاب المؤتفكات وهي قرى سدوم وعمورية.
4 - الاستفهام للإنكار والتقريع على جهالتهم وغفلتهم وعدم استعمال عقولهم للاهتداء.
5 - أخذا هذا الحكم من كون لوط عليه السلام لم يشفع لزوجه في النجاة من الهلاك الذي أصاب المفسدين وذلك لكفرها وفسادها.
6 - الرضاء: الاسم من رضي، يرضى، رضىً فهو راض.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:51 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
شرح الكلمات:
وإن يونس لمن المرسلين: أي وإن يونس بن متى الملقب بذي النون لمن جملة المرسلين.
إذ أبق إلى الفلك المشحون: أي إذ هرب إلى السفينة المملوءة بالركاب.
فساهم فكان من المدحضين: أي اقترع مع ركاب السفينة فكان من المغلوبين.
فالتقمه الحوت وهو مليم: أي ابتلعه الحوت وهو آت بما يلام عليه.
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون: أي لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.
فنبذناه بالعراء: أي فألقيناه من بطن الحوت بالعراء أي بوجه الأرض بالساحل.
وهو سقيم: أي عليل كالفرخ المنتوف الريش.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر من أنعم الله تعالى عليهم بما شاء من وجوه الإنعام. فقال عز وجل عطفاً عما سبق {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي وإن عبدنا يونس بن متى ذا النون لمن جملة من مننّا عليهم بالنبوة والرسالة. {إِذْ أَبَقَ} أي في الوقت الذي هرب من قومه لما لم يؤمنوا به وواعدهم العذاب وتأخر عنهم فاستعجل فهرب من المدينة وهي نينوى (1) من أرض الموصل بالعراق، فوصل الميناء فوجد سفينة مبحرة فركب وكانت حمولتها أكبر من طاقتها فوقفت في عرض البحر لا تتقدم ولا تتأخر فرأى ربّان السفينة أنه لا بد من تقليل الشحنة وإلاّ غرق الجميع، وشح كل راكب بنفسه فاقترعوا (2) فكان يونس من المدحضين أي المغلوبين في القرعة فرموه في البحر فالتقمه حوته، وهو مليم أي فاعل ما يلام عليه من فراره من دعوة قومه إلى الله لما ضاق صدورهم ولم يطق البقاء معهم. وهذا معنى قوله تعالى {إِذْ أَبَقَ (3) إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (4) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} (5) . وقوله تعالى {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} أي بطن الحوت {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي يوم القيامة بأن يصير بطن الحوت قبراً له أي فلولا أن يونس كان من المسبحين أي المكثرين من الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح قبل البلاء لما كان يُلهم قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولما كان يستجاب له ولذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، فإن صوت يونس سمع تحت العرش فعرفه بعض الملائكة فذكروا ذلك لربهم تعالى فأخبرهم أنه عبده يونس، وأنه كان من المكثرين الصلاة والذكر والدعاء قبل البلاء فلذا استجاب الله تعالى ونجاه من الغم، وهو معنى قوله تعالى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} أي بوجه الأرض العارية من الشجر وكل ظل وهو كالفرخ المنتوف الريش نضج لحمه من حرارة جوف الحوت وأنبت تعالى عليه شجرة من يقطين أي قرع تظلله بأوراقها الحريرية الناعمة والتي لا ينزل بساحتها الذباب، وسخر له أُروية "غزالة" فكانت تأتيه صباح مساء فتفشح عليه أي تفتح رجليها وتدني ضرعها منه فيرضع حتى يشبع إلى أن تماثل للشفاء وعاد إلى قومه فوجدهم مؤمنين لتوبة أحدثوها عند ظهور أمارات العذاب فتاب الله عليهم. وقوله تعالى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (6) } أي أرسلناه إلى قومه وهم أهل نينوى وكان تعدادهم مائة ألف وزيادة كذا ألفاً فآمنوا أي بالله رباً وبالإسلام دينا وبيونس نبيا ورسولاً وتابوا بترك الشرك والكفر فجزيناهم على إيمانهم وتوبتهم بأن كشفنا عنهم العذاب الذي أظلهم، ومتعناهم أي أبقينا عليهم يتمتعون بالحياة إلى نهاية آجالهم المحدودة لهم في كتاب المقادير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة يونس ورسالته وضمن ذلك تقرير رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- مشروعية الركوب في السفن البحرية.
3- مشروعية الاقتراع لفض النزاع في قسمة الأشياء ونحوها.
4- فضل الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح (7) وعظيم نفعها عند الوقوع في البلاء.
5- تقرير مبدأ "تعرف على الله في (8) في الرخاء يعرفك في الشدة".
6- بركة أكل اليقطين أي الدباء القرع إذ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكلها ويلتقطها من حافة القصعة.
7- فضل قوم يونس إذ آمنوا كلهم ولم تؤمن أمة بكاملها إلا هم.
__________

1 - نينوى كانت مدينة عظيمة من مدن الآشوريين وكان بها مائة ألف أسير من بني إسرائيل أسرهم الآشوريون فأرسل الله تعالى إليهم يونس من فلسطين.
2 - اقترعوا هو معنى قوله تعالى فساهم والمساهمة مشتقة من السهام التي واحدها سهم كانوا يقترعون بالسهام وهي أعواد النبال وتسمى الأزلام أيضاً والفاء في فساهم للتقريع.
3 - أبق يأبق إباقاً العبد إذا فر من مالكه.
4 - الاقتراع مشروع فقد فعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة مواطن منها القرعة بين نسائه إذا أراد السفر بواحدة منهن وشرع الاقتراع فيما إذا تساوت الحقوق والمصالح لأجل دفع الضغائن كالاستهام على من يلي أمر كذا من خلافة أو أذان أو الصف الأول وما إلى ذلك من قسمة دار أو أرض.
5 - المليم اسم فاعل من ألآم يليم إذا فعل ما يلومه عليه الناس فهو جعلهم لائمين له بفعله فهو ألامهم على نفسه.
شجرة من يقطين: أي الدباء: القرع.
إلى مائة ألف أو يزيدون: أي أرسلناه إلى مائة ألف نسمة بل بزيدون بكذا ألف.
فآمنوا فمتعناهم إلى حين: أي فآمن قومه عند معاينة أمارات العذاب فأبقاهم الله إلى آجالهم.
6 - أو بمعنى بل على قول الكوفيين واستشهدوا بقول جرير:
ماذا ترى في عيال قد برمت بهم
لم أحص عدتهم إلا بعدّاد
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية
لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
7 - روى أبو داود عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال دعاء ذي النون في بطن الحوت "ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" لم يدع به مسلم في شيء قط إلا استجيب له.
8 - بعض حديث صحيح رواه مسلم وغيره.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:52 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (8)
الحلقة (726)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 428الى صــــ 432)

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
شرح الكلمات:
فاستفتهم: أي استخبر كفار مكة توبيخا لهم وتقريعا.
ولهم البنون: أي فيختصون بالأفضل الأشرف.
ليقولون ولد الله: أي لقولهم الملائكة بنات الله.
أصطفى البنات: أي اختار البنات على البنين.
أفلا تذكرون: أي إن الله تعالى منزه عن الصاحبة والولد.
أم لكم سلطان مبين: أي ألكم حجة واضحة على صحة ما تدعون.
فأتوا بكتابكم: أي الذي تحتجون بما فيه، ومن أين لكم ذلك.
وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً: إذ قالوا الملائكة بنات الله.
ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون: أي في العذاب.
سبحان الله عما يصفون: أي تنزيها لله تعالى عما يصفونه به من كون الملائكة بنات له.
إلا عباد الله المخلصين: أي فإنهم ينزهون ربهم ولا يصفونه بالنقائص كهؤلاء المشركين.
معنى الآيات:
بعد تقرير البعث والتوحيد والنبوة في السياق السابق بالأدلة والحجج والبراهين القاطعة أراد تعالى إبطال فرية من أسوأ الفرى التي عرفتها ديار الجزيرة وهي قول (1) بعضهم إن الله تعالى قد أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة وهم بنات الله، وهذا لا شك أنه من إيحاء الشيطان لإغواء الإنسان وإضلاله فقال تعالى لرسوله استفتهم أي استخبرهم موبخا لهم مقرّعا قائلاً لهم {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} أي أما تخجلون عندما تنسبون لكم الأسنى والأشرف وهو البنون، وتجعلون لله الأخس والأدنى وهو البنات وقوله تعالى {أَمْ (2) خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ} أي حضروا يوم خلقنا الملائكة فعرفوا بذلك أنهم إناث، والجواب لا إنهم لم يشهدوا خلقهم إذاً فلم يكذبون وقوله تعالى {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي ألا إن هؤلاء المشركين الضالين من كذبهم الذي عاشوا عليه واعتادوه يقولون ولد الله وذلك بقولهم الملائكة بنات الله، وإنهم ورب العزة لكاذبون في قيلهم هذا الذي هو صورة لأفكهم الذي يعيشون عليه. وقوله تعالى {أَصْطَفَى (3) الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} هذا توبيخ لهم وتقريع أصطفى أي هل الله اختار البنات على البنين فلذا جعلهم إناثاً كما تزعمون. مالكم كيف (4) تحكمون هذا الحكم الباطل الفاسد. أفلا تذكرون (5) فتذكروا أن الله منزه عن الصاحبة والولد أم لكم سلطان مبين أي ألكم حجة قوية تثبت دعواكم والحجة القوية تكون بوحي من الله في كتاب أنزله يخبر فيه بما تقولون إذاً {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} الذي فيه ما تدعون {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في زعمكم.
ومن أين لكم الكتاب، وقد كفرتم بكتابكم الذي نزل لهدايتكم وهو القرآن الكريم. وهكذا أبطل الله هذه الفرية بأقوى الحجج. وقوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ} أي بين الله تعالى {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} (6) بقولهم أصهر الله تعالى إلى الجن فتزوج سروات الجن إذ سألهم أبو بكر: من أمهات الملائكة فقالوا سروات الجن وقوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (7) } أي في العذاب، فكيف يكون لهم نسب ويعذبهم الله بالنار. فالنسيب يكرم نسيبه لا يعذبه بالنار، وبذلك بطلت هذه الفرية الممقوتة، فنزه الله تعالى نفسه عن مثل هذه الترهات والأباطيل فقال {سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ} . {إِلَّا (8) عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} أي فإنهم لا يصفون ربهم بمثل هذه النقائص التي هي من صفات العباد العجزة المفتقرين إلى الزوجة والولد أما رب كل شيء ومالكه وخالقه فلا يقبل
العقل أن ينسب إليه الصاحبة والولد. فلذا عباد الله الذين استخلصهم لمعرفته والإيمان به وعبادته لا يصفون ربهم جل جلاله بصفات المحدثين من خلق الله. ولا يكون من المحضرين في النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إبطال فرية بَني ملحان من العرب الذين زيّن لهم الشيطان فكرة الملائكة بنات الله، ووجود نسب بين الله تعالى وبين الجن.
2- مشروعية دحض الباطل بأقوى الحجج وأصح البراهين.
3- الحجة الأقوى ما كانت من وحي الله في كتاب من كتبه التي أوحى بها إلى رسله.
__________

1 - قال القرطبي في بيان من قال هذه القولة القذرة الفاسدة الباطلة قال: ذلك جهينة وخزاعة وبني مليح وبني سلمة وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله.
2 - الاستفهام للتوبيخ والتقريع والتأنيب.
3 - أصطفى. الهمزة للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقريع واصطفى بمعنى اختار البنات على البنين وقرأ الجمهور بهمزة القطع للاستفهام وقرأ بعض بهمزة الوصل دون همزة القطع إلا أنها منوية.
4 - ما لكم ما اسم استفهام عن ذات وهي مبتدأ ولكم خبر، والمعنى: أي شيء حصل لكم؟.
5 - أفلا تذكرون قرأ نافع تذكرون بتشديد الدال والكاف معاً إذ الأصل تتذكرون فأدغمت إحدى التائين في الذال. وقرأ حفص تذكرون بتخفيف الذال لحذف التاء الثانية والاستفهام إنكاري.
6 - النسب القرابة العمودية بالآباء والأمهات والأفقية كالإخوان والأعمام والمعنى ذوي النسب لله تعالى وهو نسب البنوة لزعمهم أن الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
7 - المحضرون المجلوبون للحضور، والمراد المحضرون للعقاب والعذاب.
8 - الاستثناء منقطع وجائز أن يكون من الحضور للعقاب فإن عباد الله لا يحضرون للعقاب ولا يعاقبون وجائز أن يكون منقطع من سبحان الله عما يصفون فإن عباد الله لا يصفون الله بالنقائص كما في التفسير وهو أولى من الأول.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:52 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
شرح الكلمات:
وما تعبدون: أي من الأصنام.
إلا من هو صال الجحيم: أي مقدر له عذاب النار.
إلا له مقام معلوم: أي مكان في السماء يعبد الله تعالى فيه لا يتعداه.
وإنا لنحن الصافون: أي أقدامنا في الصلاة.
وإنا لنحن المسبحون: أي المنزهون الله تعالى عما لا يليق به.
لو أن عندنا ذكرا: أي كتابا من كتب الأمم السابقة.
فكفروا به: أي بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن.
فسوف يعلمون: أي عاقبة كفرهم إن لم يتوبوا فيؤمنوا ويوحدوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إبطال باطل المشركين فقد قال لهم تعالى {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (1) } من أصنام أيها المشركون. ما أنتم بمضلين أحداً إلا أحدا هو صال (2) الجحيم حيث كتبنا عليه ذلك في كتاب المقادير فهو لا بد عامل بما يوجب له النار فهذا قد يفتتن بكم وبعبادتكم فيضل بضلالكم. وقوله تعالى {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا (3) لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (4) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} هذا قول جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره بأن الملائكة تصف في السماء للصلاة كما يصف المؤمنون من الناس في الصلاة، وأنهم من المسبحين لله الليل والنهار وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه ما من موضع شبر في السماء إلا عليه ملك ساجد أو قائم وقوله تعالى {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (5) } أي مشركو العرب {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ} أي كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل، لكنا عباد الله المخلصين أي لكنا عباداً لله تعالى نعبده ونوحده ولا نشرك به أحداً. فرد تعالى على قولهم هذا إذ هو مجرد تمنٍ كاذب بقوله فكفروا به أي فكفروا بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن الكريم. إذاً فسوف يعلمون عاقبة تكذيبهم إن لم يتوبوا وهو هلاكهم وخسرانهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ من كتب الله عليه النار فسوف يصلاها.
2- تقرير عبودية الملائكة وطاعتهم لله وأنهم لا يتجاوزون ما حد الله تعالى لهم.
3- فضل الصفوف في الصلاة وفضل تسويتها.
4- بيان كذب المشركين إذ كانوا يدعون أنهم لو أنزل عليهم كتابٌ كما أنزل على من قبلهم لكانوا عباد الله المخلصين أي الذين يعبدونه ويخلصون له العبادة.
5- تهديد الله تعالى للمشركين على كذبهم بقوله فسوف يعلمون.
__________

1- جائز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي وجائز أن تكون مصدرية أي فإنكم وعبادتكم لهذه الأصنام ما تفتنون على الله عبداً من عباده بإضلاله أو إفساده إلا عبداً قضى الله بعذابه فهو صال الجحيم، وفي الآية رد على نفاة القدر، ومن أحسن ما قيل شعراً قول لبيد بن ربيعة:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثى والعجل
أحمد الله فلا ند له بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبيل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل
2 - الأصل صالي الجحيم وحذفت الياء لعدم النطق بها لوجود همزة الوصل.
3 - هذا من قول الملائكة. قال مقاتل هذه الآيات الثلاث نزلت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند سدرة المنتهى فتأخر جبريل فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهنا تفارقني؟ فقال ما أستطيع أن أتقدم عن مكاني وأنزل الله تعالى حكاية عن قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم.
4 - روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على أصحابه وهم في المسجد فقال ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقالوا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف.
5 - وإن كانوا ليقولون: إن مخففة من الثقيلة واللام للابتداء وهي الفارقة بين المخففة والنافية.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:53 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الصافات - (9)
الحلقة (727)
سورة الصافات
مكية

وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 433الى صــــ 438)

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)

شرح الكلمات:
سبقت كلمتنا: هي قوله تعالى لأغلبن أنا ورسلي.
وإن جندنا لهم الغالبون: أي للكافرين بالحجة والنصرة.
فتول عنهم حتى حين: أي أعرض عنهم حتى تؤمر فيهم بالقتال.
وأبصرهم: أي أنظرهم.
فإذا نزل بساحتهم: أي العذاب.
وتول عنهم: أي أعرض عنهم.
سبحان ربك: أي تنزيها لربك يا محمد.
عما يصفون: أي تنزيها له عما يصفه به هؤلاء المشركون من الصاحبة والولد والشريك.
وسلام على المرسلين: أي أمَنَةٌُ من الله لهم في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين: أي الثناء بالجميل خالص لله رب الثقلين الإنس والجن على نصر أوليائه وإهلاك أعدائه.
معنى الآيات:
لما ختم السياق الأول بتهديد الكافرين بقوله تعالى {فكفروا به فسوف يعلمون} أخبر تعالى رسوله بما يطمئنه على نصر الله تعالى له فقال {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا (1) الْمُرْسَلِينَ} وهي قوله {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} أي بالحجة والبرهان، وبالرمح (2) والسنان. وقوله {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} يأمر رسوله أن يعرض عن المشركين من قومه حتى حين يأمره فيهم بأمر (3) ، أو ينزل بهم بلاء أو بأساً وقوله {وَأَبْصِرْهُمْ} أي أنظرهم فسوف يبصرون لا محالة ما ينزل بهم من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة. وقوله تعالى {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} ينكر تعالى عليهم استعجالهم العذاب الدال على سفههم وخفة أحلامهم إذ ما يستعجل العذاب إلا أحمق جاهل وعذاب من استعجلوا إنه عذاب الله!! قال تعالى {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي بفناء دارهم {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} أي بئس صباحهم من صباح إنه صباح هلاكهم ودمارهم ثم أمر تعالى مرة أخرى رسوله أن يتول عنهم وينتظر ما يحل بهم فقال {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ (4) فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} وفي الآية من التهديد والوعيد لهؤلاء المشركين ما لا يقادر قدره. وأخيراً نزه تعالى نفسه عما يصفه به المشركون من الولد والشريك وسلّم على المرسلين، وحمد نفسه مشيرا إلى مقتضى الحمد وموجبه وهو كونه رب العالمين فقال {سُبْحَانَ (5) رَبِّكَ} يا محمد {رَبِّ الْعِزَّةِ} ومالكها يعز بها من يشاء ويذل من يشاء {عَمَّا يَصِفُونَ (6) } من الصاحبة والولد والشريك، {وَسَلامٌ} منا {عَلَى الْمُرْسَلِينَ} وأنت منهم {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على نصره أولياءه وإهلاكه أعداءه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- وعد الله تعالى لرسوله بالنصر وقد أنجزه ما وعده والحمد لله.
3- استحباب ختم الدعاء أو الكلام بقراءة جملة {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ (7) عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لورود ذلك في السنة.
__________

1 - جائز أن يكون المراد قوله تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} الآية.
2 - قال الحسن: "لم يقتل من أصحاب الشرائع أحد قط".
3 - كإذن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجهادهم، وجائز أن يكون حتى يجيء أجلهم أو يأتي يوم بدر أو الفتح.
4 - كرر للتأكيد، وكذا وتول عنهم مكرر للتأكيد.
5 - سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى (سبحان الله) فقال هو تنزيه الله عن كل سوء.
6 - يصفون الله عز وجل بأن له صاحبة وله ولداً وشريكاً.
7 - ذكر القرطبي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يختم صلاته غير مرة بقوله: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".

***************************

يتبع


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:54 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)

سورة ص
...
سور ص
مكية
وآياتها ثمان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)

شرح الكلمات:
ص: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب ص ويقرأ صاد الله أعلم بمراده به.
والقرآن ذي الذكر: أي أقسم بالقرآن ذي الذكر إذ به يذكر الله تعالى ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون من أن النبي ساحر وشاعر وكاذب.
بل الذين كفروا في عزة وشقاق: أي أهل مكة في عزة نفس وشقاق مع النبي والمؤمنين وعداوة
فلذا قالوا في الرسول ما قالوا، وإلا فهم يعلمون براءته مما قالوا فيه.
وكم أهلكنا قبلهم من قرن: أي كثيرا من الأمم الماضية أهلكناهم.
فنادوا ولات حين مناص: أي صرخوا واستغاثوا وليس الوقت وقت مهرب ولا نجاة.
وعجبوا: أي وما اعتبر بهم أهل مكة وعجبوا أن جاءهم منذر منهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالوا ساحر كذاب: أي لما يظهره من الخوارق ولما يسنده إلى الله تعالى من الإرسال والإنزال.
أجعل الآلهة إلها واحدا: أي لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله، فقالوا كيف يسع الخلائق إله واحد؟
إن هذا لشيء عجاب: أي جعل الآلهة إلها واحداً أمر عجيب.
وانطلق الملأ منهم أن امشوا: أي خرجوا من بيت أبي طالب حيث كانوا مجتمعين بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعوا منه قوله لهم قولوا لا إله إلا الله.
إن هذا لشيء يراد: أي إن هذا المذكور من التوحيد لأمر يراد منا تنفيذه.
في الملة الآخرة: أي ملة عيسى عليه السلام.
إن هذا إلا اختلاق: أي ما هذا إلا كذب مختلق.
أأنزل عليه الذكر من بيننا: أي كيف يكون ذلك وليس هو بأكبر منا ولا أشرف.
بل هم في شك من ذكري: أي بل هم في شك من القرآن والوحي ولذا قالوا في الرسول ما قالوا.
بل لما يذوقوا عذاب: أي بل لم يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوه لما كذبوا بل آمنوا ولا ينفعهم إيمان.
أم عندهم خزائن رحمة ربك: أي من النبوة وغيرها فيعطوا منها من شاءوا ويحرموا من شاءوا.
أم لهم ملك السماوات والأرض: أي ليس لهم ذلك.
فليرتقوا في الأسباب: أي الموصولة إلى السماء فيأتوا بالوحي فيخصوا به من شاءوا أو يمنعوا الوحي النازل على نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنى لهم ذلك.
جند ما هنالك مهزوم: أي هم جند حقير في تكذيبهم لك مهزوم أمامك وفي بدر.
من الأحزاب: أي من الأمم الماضية التي تحزبت على رسلها وأهلكها الله تعالى.
معنى الآيات:
قوله تعالى {ص (1) والقرآن ذي الذكر} أما ص فإنه أحد حروف الهجاء ومذهب السلف فيه أن يقال الله أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي يجب الإيمان به ويوكل أمر معناه إلى من أنزله، وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف قد أفادت فائدتين فليطلبهما من شاء من القراء الكرام من المفتتحة بمثل هذه الحروف نحو طس، ألم. وأما قوله {وَالْقُرْآنِ} هو كتاب الله هذا المنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و {ذِي الذِّكْرِ} معناه (1) التذكير إذ به يذكر الله تعالى والجملة قسم أقسم الله به فقال {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} وجواب القسم محذوف تقديره (2) ما الأمر كما يقول هؤلاء المشركون من أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساحر وشاعر وكاذب {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} أي بل هم في عزة نفس وكبرياء وخلاف وعداوة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين فحملهم ذلك على أن يقولوا في الرسول ما قالوا، وإلا فهم يعلمون يقينا أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون. وقوله تعالى {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} أي كثيرا من الأمم الماضية أهلكناها بتكذيبها لرسلها فلما جاءهم العذاب نادوا (3) صارخين مستغيثين {وَلاتَ (4) حِينَ مَنَاصٍ} أي ليست الساعة ساعة نجاة ولا هرب، فلم لا يعتبر مشركو مكة بمثل هؤلاء. لم يعتبروا {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ينذرهم عذاب الله في الدنيا والآخرة وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَقَالَ الْكَافِرُونَ} أي لم يعتبروا وعجبوا وقالوا فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} . {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) } أي عجيب أي كيف يسع العباد إله واحد إن هذا لأمر يتعجب منه غاية العجب، لأنهم قاسوا الغائب وهو الله تعالى على الشاهد وهو الإنسان الضعيف فوقعوا في أفحش خطأ وأقبحه.
وقوله تعالى {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} وهم يقولون لبعضهم بعضاً امشوا واصبروا على آلهتكم {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} أي منا إمضاؤه وتنفيذه. قالوا هذا وما بعده من القول لما اجتمعوا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل عمه أبي طالب لمفاوضة الرسول في شأن دعوته فلما قال لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولوا لا إله إلا الله قاموا من المجلس وانطلقوا يمشون ويقولون ما أخبر تعالى به عنهم {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} أي على عبادتها فلا تتخلوا عنها {إِنَّ هَذَا} أي الدعوة إلى لا إله إلا الله لشيء كبير يراد منا إمضاؤه وتنفيذه لصالح غيرنا. ما سمعنا بهذا أي بالتوحيد في الملة الآخرة أي الدين الأخير وهو ما جاء به عيسى بن مريم عليه السلام. {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} أي ما هذا الذي يدعو إليه محمد إلا كذب اختلقه لم ينزل عليه ولم يوح به إليه. وواصلوا كلامهم قائلين: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} أي القرآن {مِنْ بَيْنِنَا} وليس هو بأكبرنا سنا ولا بأشرفنا نسباً. فكيف يكون هذا؟ وقوله تعالى {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} أي لم يكن بالقوم جهل بصدق محمد في قوله وسلامة عقله، وإنما حملهم على ذلك هو شكهم في القرآن وما ينزل به من الحق ويدعو إليه من الهدى، وهذا أولاً وثانيا إنهم لما يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوا عذاب الله على تكذيبهم ما كذبوا، وسوف يذوقونه ولكن لا ينفعهم يومئذ تصديق ولا إيمان. وقوله تعالى {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} أي بل أعندهم خزائن رحمة ربك يا رسولنا العزيز أي الغالب الوهاب أي الكثير العطاء من النبوة وغيرها وعندئذ لهم أن يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولكن فهل لهم من خزائن ربك شيء والجواب لا إذاً فلم ينكرون هبة الله لمحمد بالنبوة والوحي والرسالة.
وقوله تعالى {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي بل لهم ملك السموات والأرض وما بينهما؟ إذا كان هذا لهم {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ} سببا بعد سبب حتى ينتهوا إلى السماء السابعة ويمنعوا الوحي النازل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ربه سبحانه وتعالى. ومن أين لهم ذلك وهم الضعفاء الحقيرون إنهم كما قال تعالى فيهم {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ (7) مِنَ الْأَحْزَابِ} أي جند حقير من جملة أحزاب الباطل والشر مهزوم هنالك ببدر ويوم الفتح بإذن الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- لله تعالى أن يقسم بما شاء بخلاف العبد لا يقسم إلا بربّه تعالى.
2- بيان ما كان عليه المشركون من كبرياء وعداء للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- بيان جهل المشركين في استنكارهم للا إله إلا الله محمد رسول الله.
4- تحدي الرب تعالى للمشركين إظهاراً لعجزهم ودعوته لهم إلى النزول إلى الحق وقبوله.
5- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك.
6- ذم كلمة الأحزاب ومدلولها إذ لا تأتي الأحزاب بخير.
__________

1 - قرأ الجمهور ص بالسكون وقرأ الحسن وأبي بن كعب صاد بكسر الدال وبدون تنوين، وتوجيهها أنها من صادى يصادي إذا عارض نحو {فأنت له تصدى} أي تتعرض والمصادات المعارضة، والمعنى عارض القرآن بعملك وقابله به، فأعمل بأوامره وانته عن نواهيه أو اتله وتعرض لقراءته.
2 - في شرح هذه الكلمة عدة أوجه منها ذي الشرف أي من آمن به وعمل بما فيه كان شرفاً له في الدارين كما أنه شريف في نفسه لإعجازه، وقيل ذي الذكر أي فيه ذكر ما يحتاج إليه وقيل الموعظة وقيل فيه أسماء الله وتمجيده.
3 - وذُكر لجواب القسم أمور منها ما في التفسير وهو أمثلها وقيل الجواب بل الذين كفروا وقيل الجواب إنه لمن عند الله تعالى أي القرآن المؤلف من حروف ص وغيره.
4 - النداء رفع الصوت ومنه الحديث "ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً" القرن الأمة.
5 - ولات هي لا النافية زيدت فيها التاء كما زيدت في رُبت وثمت وهي مشبهة بليس وهي مختصة بنفي أسماء الزمان والمناص النجاء والغوث وهو مصدر ميمي من نَاصَهُ إذا فاته والمعنى فنادوا مبتهلين في حال ليس فيها وقت نجاة وغوث.
6 - العجاب وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيراً لأن وزن فعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل طوال أو كرام.
7 - جند ما هنالك (ما) مزيدة للتأكيد أي تأكيد حقارة جند إن قيل التنكير للتحقير وإن كان للتعظيم فهي لتوكيده وهنالك إشارة إلى مكان بعيد، ومهزوم مقموع ذليل قد انقطعت حجتهم وذهبت قوتهم وفي الخطاب تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى لا تحفل بهم ولا تغتم لشأنهم.



ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة ص - (1)
الحلقة (728)
سورة ص
مكية

وآياتها ثمان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 439الى صــــ 444)


كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)

شرح الكلمات:
كذبت قبلهم: أي قبل هؤلاء المشركين من قريش.
وفرعون ذو الأوتاد: أي صاحب أوتاد أربعة يشد إليها من أراد تعذيبه.
وأصحاب الأيكة: أي الغيضة وهم قوم شعيب.
إن كل إلا كذب الرسل: أي ما كل واحد منهم إلا كذب الرسل ولم يصدقهم فيما دعوا إليه.
فحق عقاب: أي وجبت عقوبتي عليهم.
صحية واحدة: هي نفخة إسرافيل في الصور نفخة.
مالها من فواق: أي ليس لها من فتور ولا انقطاع حتى تهلك كل شيء.
عجل لنا قطنا: أي صك أعمالنا لنرى ما أعدت لنا إذ القط الكتاب.
ذا الأيد: أي القوة والشدة في طاعة الله تعالى.
إنه أواب: أي رجاع إلى الله في كل أموره.
بالعشي والإشراق: أي بالمساء بعد العصر إلى الغروب والإشراق من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى.
والطير محشورة: أي والطيور مجموعة.
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب: أي وأعطينا داود الحكمة. وهي الإصابة في الأمور والسداد فيها وفصل الخطاب: الفقه (1) في القضاء ومن ذلك البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.
معنى الآيات:
السياق الكريم في تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديد المشركين علهم يتوبون إلى الله ويرجعون قال تعالى {كَذَّبَتْ (2) قَبْلَهُمْ} أي قبل قومك يا محمد {قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ} أي (3) صاحب الأوتاد التي كان يشد إليها من أراد تعذيبه ويعذبه عليها كأعواد المشانق، {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ} أي الغيضة وهي الشجر الملتف وهم قوم شعيب {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} أي الطوائف الكافرة الهالكة {إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} أي ما كل واحدة منها إلا كذبت الرسل {فَحَقَّ عِقَابِ} أي وجب عقابي لهم فعاقبتهم، وما ينظر هؤلاء من قومك {إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} (4) أي من فتور ولا انقطاع حتى يهلك كل شيء ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام. وقوله تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا (5) قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} قالوا هذا لما نزل {فأما من أوتي كتابه بيمنه} الآيات من سورة الحاقة. قال غلاة الكافرين كأبي جهل وغيره استهزاءً، ربنا عجل لنا قطنا أي كتابنا لنرى ما فيه من حسنات وسيئات قبل يوم القيامة والحساب والجزاء وهم لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، وإنما قالوا هذا استهزاء وعناداً أو مكابرة فلذا قال تعالى لرسوله {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ (6) } أي القوة في دين (7) الله {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي رجاع إلى الله تعالى اذكره لتتأسى به في صبره وقوته في الحق وقوله تعالى {إِنَّا سَخَّرْنَا} الآيات بيان لإنعام الله تعالى على داود لتعظم الرغبة في الاقتداء به، والرغبة إلى الله تعالى فيما لديه من إفضالات {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ (8) } أي إذا سبح داود في المساء من بعد العصر إلى الغروب وفي الإشراق وهو وقت الضحى سبحت الجبال معه أي رددت تسبيحه كرامة له والطير محشورة أي وسخرنا الطير محشورة أي مجموعة تردد التسبيح معه، وقوله {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} أي كل من الجبال والطير أواب أي رجاع يسبح لله تعالى. وقوله {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} أي وقوينا ملك داود بمنحنا إياه كل أسباب القوة المادية والروحية. {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} وهي النبوة والإصابة في الأمور والسداد فيها قولا كان أو فعلاً. {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي حسن القضاء والبصيرة فيه، والبيان الشافي في كلامه، فبه اقتده يا رسولنا.
هداية الآيات
من هداة الآيات:

1- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر على أذى قريش وتكذيبها وعنادها.
2- تهديد قريش إذا أصرت على التكذيب بأشد أنواع العقوبات.
3- بيان استهزاء المشركين واستخفافهم بأخبار الله تعالى وشرائعه.
4- مشروعية الأسوة والاقتداء بالصالحين.
5- بيان آية تسخير الله تعالى الجبال والطير لداود تسبح الله تعالى معه.
6- حسن (9) صوت داود في قراءته وتسبيحه.
7- مشروعية صلاة الإشراق والضحى.
__________

1 - صورة من فصل الخطاب الذي هو الفقه والبصيرة في القضاء روي أن ابن أبي ليلى جلد امرأة مجنونة قذفت رجلاً فقالت له يا ابن الزانيين جلدها وهي قائمة في المسجد فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال أخطأ ابن أبي ليلى من ستة وجوه وهي: 1- المجنون لا حد عليه لأنه غير مكلف. 2- إن كان القذف حقاً لله تعالى فلا يقام على القاذف إلا حداً واحد كما هو مذهب أبي حنيفة. 3- أقام الحد بدون مطالبة المقذوف به. 4- إنه والى بين الحدين والواجب أن يفرق بينهما. 5- أنه حدها قائمة والمرأة تحد جالسة مستورة. 6- أنه أقام الحد في المسجد والإجماع أن الحدود لا تقام في المساجد.
2 - مفعول كذبت محذوف سيدل عليه ما يأتي من قوله: {إن كل إلا كذب الرسل} فالمفعول المحذوف هو الرسل والجملة بيان لسابقتها تحمل التسلية والعزاء للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 - جائز أن يكون المراد بالأوتاد القوة والبطش أو الأهرام لأنها بناء راسخ في الأرض كالأوتاد جمع وتد بكسر التاء وهو عود غليظ له رأس مفلطح يدق في الأرض ليشد به ظنب الخيمة أو حبالها قال الشاعر:
والبيت لا يبنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم تُرْسَ أوتاد
4 - الفواق اسم للزمن الذي بين الحلبتين والرضعتين إذ الحالب يجلب الناقة ثم يترك ولدها يرضعها حتى تدر اللبن ثم يبعده ويحلبها مرة ثانية فالفواق هو ما بين الحلبتين والرضعتين.
5 - القط: هو القسط من الشيء ويطلق كما هنا على قطعة الورق أو ما يكتب عليه العطاء لأحد يسمى بالصك.
6 - الأيد ليست جمع يد إنما المراد بها القوة والشدة وهو مصدر آد يئيد أيداً. إذا قوى واشتد ومنه التأييد الذي هو التقوية. قال تعالى {فآواكم وأيدكم بنصره} .
7 - شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وإنه كان أواباً" "في الصحيحين".
8 - قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت أمر بهذه الآية بالعشي والإشراق ولا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى (الضحى) وقال: "يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق. وروى البخاري عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث خصال لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر.
9 - شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي موسى الأشعري وقد سمعه يقرأ القرآن ويرتل بحسن صوت لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود. والمزمار والمزمور الصوت الحسن وبه سميت آلة الزمر مزماراً.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
شرح الكلمات:
هل أتاك: الاستفهام هنا للتعجب أي حمل المخاطب على التعجب.
نبأ الخصم: أي خبر الخصم الغريب في بابه العجيب في واقعه.
إذ تسوروا المحراب: أي محراب مسجده إذ منعوا من الدخول من الباب فقصدوا سوره ونزلوا من أعلى السور.
بغى بعضنا على بعض: أي تعدّى بعضنا على بعض.
فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط: أي احكم بالعدل ولا تجر في حكمك.
واهدنا إلى سواء الصراط: أي أرشدنا إلى العدل في قضيتنا هذه ولا تمل بنا إلى غير الحق.
إن هذا أخي: أي على ديني في الإسلام.
فقال أكفلنيها: أي اجعلني كافلها بمعنى تنازل لي عنها وملكنيها.
وعزني في الخطاب: أي غلبني في الكلام الجدلي فأخذها مني.
لقد ظلمك بسؤال نعجتك: أي بطلبه نعجتك وضمها إلى نعاجه.
من الخلطاء ليبغي بعضهم: أي الشركاء يظلم بعضهم بعضا.
وظن داود أنما فتناه: أي أيقن داود أنما فتنه ربه أي اختبره.
فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب: أي طلب المغفرة من ربه بقوله أستغفر الله وسقط ساجداً على الأرض وأناب أي رجع تائباً إلى ربه.
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب: أي وحسن مرجع عندنا وهي الجنة والدرجات العلا فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تسلية الرسول وحمله على الصبر على ما يعاني من كفار قريش من تطاول وأذى فقال له ربه تعالى {هَلْ أَتَاكَ} إلى آخر الآيات. وذلك أن داود (1) عليه السلام ذكر مرة في نفسه ما أكرم الله تعالى به إبراهيم وإسحق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس، فتمنى مثله فقيل له إنهم امتحنوا فصبروا فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا به ويعطى كالذي أعطوا إن هو صبر فاختبره الله تعالى بناء على رغبته فأرسل إليه ملكين (2) في صورة رجلين فتسورا عليه المحراب كما يأتي تفصيله في الآيات وهو قوله تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ} يا رسولنا نبأ الخصم (3) وهما ملكان في صورة رجلين، ولفظ الخصم يطلق على الواحد والأكثر كالعدو فيقال هذا خصمي وهؤلاء خصمي، وهذا عدوي وهؤلاء عدوي. وقوله {إِذْ تَسَوَّرُوا (4) الْمِحْرَابَ} أي اطلعوا على سور المنزل الذي هو المحراب في عرف بني إسرائيل ولم يدخلوا من الباب لأن الحرس منعهم من ذلك، لأن لداود وقتاً ينقطع فيه للعبادة فلا يسمح بمقابلة أحد وقوله {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ} وهو في محرابه {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} أي ارتاع واضطرب نفسا {قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ} أي نحن خصمان {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} أي اعتدى بعضنا على بعض جئنا نتحاكم إليك {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} أي ولا تجر في الحكم {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي إلى وسط (5) الطريق فلا تمل بنا عن الحق. ثم عرضا عليه القضية فقال أحدهما وهو المظلوم عارضاً مظلمته {إِنَّ هَذَا أَخِي} أي في الإسلام {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي ملكنيها أضمها إلى نعاجي، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي وغلبني في الكلام والجدال وأخذها مني. فقال داود على الفور وبدون أن يسمع من الخصم الثاني {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} وعلل لذلك بقوله {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ} أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وهم أهل الإيمان والتقوى فإنهم يسلمون من مثل هذه الاعتداءات، {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} أي وهم قليل جداً، وهنا طار الملكان من بين يدي داود عرجا إلى السماء فعلم عندئذ أنما فتنه ربه كما رغب إليه وأنه لم يصبر حيث قضى بدون أن يسمع من الخصم الثاني فكانت زلة أرته أن ما ناله إبراهيم وإسحق ويعقوب من الكمال كان نتيجة ابتلاء عظيم، وهنا استغفر داود ربه {وَخَرّ (1) َ رَاكِعاً وَأَنَابَ} يبكي ويطلب العفو وأناب إلى ربه في كل أمره كله، وذكر تعالى أنه قبل توبته وعفا عنه فقال تعالى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} أي لقربة عندنا {وَحُسْنَ مَآبٍ} أي مرجع وهو الدرجات العلا في دار الأبرار، جعلنا الله تعالى من أهلها بفضله ورحمته.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- فائدة عرض مثل هذا القصص تقوية قلب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتثبيت فؤاده وحمله على الصبر.
2- تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مثل هذا القصص لا يتأتى له قصه إلا بوحي إلهي.
3- تقرير جواز تشكل الملائكة في صورة (2) بني آدم.
4- حرمة إصدار القاضي أو الحاكم الحكم قبل أن يسمع الدعوى من الخصمين معاً إذ هذا محل الفتنة التي كانت لداود عليه السلام.
5- وجوب التوبة عند الوقوع في الذنب.
6- مشروعية السجود (3) عند قراءة هذه الآية {وخرّ راكعاً وأناب} .
__________

1 - ذكر المفسرون هنا نقلاً عن كتب بني إسرائيل عجائب وغرائب في قصة داود هذه من أبشعها أنه نظر من كوة المحراب فرأى امرأة تغتسل فأحبها وطلبها بأن أرسل زوجها إلى الجهاد ليموت قتيلاً حتى يتزوج داود امرأته بعد موته أعرضنا عن هذه الأباطيل منزهين نبي الله عن هذه الأكاذيب الممجوجة التي لا يرتكبها أقل الناس إيماناً وشأناً كما نسبوا إلى يوسف ما نسبوا، رواية عن اليهود وهم أكذب خلق الله تعالى بعد أن لعنوا بظلمهم.
2 - لا خلاف بين المفسرين أن الخصمين كانا ملكين. انتهى.
3 - شاهده قول الشاعر:
وخصم غضاب ينفضون لحاهم
كنفض البراذين العراب المخاليا
4 - إذ ظرف للزمان الماضي متعلق بمحذوف تقديره: تحاكم الخصم إذ تسوروا الخ.
5 - سواء الصراط أي وسط الطريق وهذا كناية عن الحكم بالعدل عدم الجور عن الحق أي الميل كمن يميل إلى جانب الطريق.
6 - أطلق الركوع وأريد به السجود وهو شائع كما في قوله الشاعر:
فخر على وجهه راكعا
وتاب إلى الله من كل ذنب
7 - وكثيرا ما كان جبريل يأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة دحية بن خليفة الكلبي.
8 - في البخاري قال ابن عباس قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست من عزائم القرآن وقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد فيها قال ابن العربي: والذي عندي أنها ليست موضع سجود ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد فيها فسجدنا بالاقتداء به وقد صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجود الشكر. ولما بشر بقتل أبي جهل قام فصلى ركعتين شكراً لله تعالى.



ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة ص - (2)
الحلقة (729)
سورة ص
مكية

وآياتها ثمان وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 445الى صــــ 449)

فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
شرح الكلمات:
إنا جعلناك خليفة: أي خلفت من سبقك تدبر أمر الناس بإذننا.
ولا تتبع الهوى: أي هوى النفس وهو ما تميل إليه مما تشتهيه.
فيضلك عن سبيل الله: أي عن الطريق الموصل إلى رضوانه.
إن الذين يضلون عن سبيل الله: يخطئون الطريق الموصل إلى رضوانه وهو الإيمان والتقوى.
بما نسوا يوم الحساب: أي بنسيانهم يوم القيامة فلم يتقوا الله تعالى.
باطلاً: أي عبثاً لغير حكمة مقصودة من ذلك الخلق.
ذلك ظن الذين كفروا: أي ظن أن السموات والأرض وما بينهما خلقت عبثاً لا لحكمة مقصودة منها ظن الذين كفروا.
فويل للذين كفروا من النار: أي من واد في النار بعيد غوره كريه ريحه لا يطاق.
مبارك: أي لا تفارقه البركة يجدها قارئه والعامل به والحاكم بما فيه.
وليتذكر أولوا الألباب: أي ليتعظ به أصحاب العقول الراجحة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر قصة داود للعظة والاعتبار وتثبيت فؤاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى {يَا دَاوُدُ (1) } أي وقلنا له أي بعد توبته وقبولها يا داود {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً (2) فِي الْأَرْضِ} خلفت من قبلك من الأنبياء تدبر أمر الناس {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} أي بالعدل الموافق لشرع الله ورضاه، {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} وهو ما تهواه نفسك دون ما شرع الله، {فَيُضِلَّكَ (3) } أي اتباع الهوى يضلك عن سبيل الله المفضي بالعباد إلى الإسعاد والكمال وذلك أن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الإلهية انتظمت بها مصالح العباد ونفعت العامة والخاصة أما إذا كانت على وفق الهوى وتحصيل مقاصد النفس للحاكم لا غير أفضت إلى تخريب العالم بوقوع الهرج والمرج بين الناس وفي ذلك هلاك الحاكم والمحكومين، وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} القائم على الإيمان والتقوى وإقامة الشرع والعدل هؤلاء {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الدنيا والآخرة {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (4) } أي بسبب نسيانهم ليوم القيامة فتركوا العمل له وهو الإيمان والتقوى، التقوى التي هي فعل الأوامر الإلهية واجتناب النواهي في العقيدة والقول والعمل. وقوله تعالى في الآية (27) {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} ينفي تعالى ما يظنه المشركون وهو أن خلق الكون لم يكن لحكمة اقتضت خلقه وإيجاده وهي أن يعبد الله تعالى بذكره وشكره المتمثل في الإيمان والتقوى. وقوله {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ظن أن الله خلق السماء والأرض وما بينهما لا لحكمة مقصودة وهي عبادة الله تعالى بما يشرع لعباده من العبادات القلبية والقولية والفعلية ظن الذين كفروا من كفار مكة وغيرهم. ثم توعدهم تعالى على كفرهم وظنهم الخاطئ الذي نتج عنه كفرهم وعصيانهم فقال {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} أي ويل للذين كفروا من واد في جهنم بعيد الغور كريه الريح. وقوله تعالى في الآية (28) {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} هذا أولاً ردٌ لما زعمه المشركون من أنهم يعطون في الآخرة من النعيم مثل ما يعطى المؤمنون, وثانيا ينفي تعالى أن يسوى بين من آمن به واتبع هداه فأطاعه في الأمر والنهي, وبين من أفسد في الأرض بالشرك والمعاصي كما نفى أن يجعل المتقين الذين آمنوا واتقوا فتركوا الشرك والمعاصي كالفجار الذين فجروا أي خرجوا عن طاعة الله ورسوله فلم يؤمنوا ولم يوحدوا فعاشوا كفاراً فجاراً وماتوا على ذلك. أي فحاشا لله رب العالمين وأعدل العادلين وأحكم الحاكمين أن يسوي بين أهل الإيمان والتقوى وبين أهل الشرك والمعاصي بل ينعم الأولين في دار النعيم، ويعذب الآخرين في سواء الجحيم وقوله تعالى في الآية (29) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} أي هذا كتاب مبارك أنزلناه على رسولنا (5) ليدبروا آياته بمعنى يتأملوها ويترووها بعقولهم فيحصلوا على هداية القلوب والعقول فيؤمنوا بالله ويعملوا بطاعته فينجوا ويسعدوا. وليذكر أولوا (6) الألباب أي وليتعظ بمواعظه وينزجر بزواجره أولو الألباب أي العقول السليمة ووصف الكتاب وهو القرآن بالبركة هو كما أخبر الله لا تفارق القرآن البركة وهي الخير الدائم فكل من قرأه متدبراً عرف الهدى ومن قرأه تقرباً حصل على القرب وفاز به ومن قرأه حاكماً عدل في حكمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب الحكم بالعدل على كل من حكم ولا عدل في غير الشرع الإلهي.
2- حرمة اتباع الهوى لما يفضي إليه بالعبد إلى الهلاك والخسار.
3- تقرير البعث والجزاء.
4- إبطال ظن من يظن أن الحياة الدنيا خلقت عبثاً وباطلا.
5- تنزيه الرب تعالى عن العبث والظلم.
6- فضيلة العقول لمن استعملها في التدبر والتذكر.
7- بركة (7) القرآن لا تفارقه أبداً وما طلبها أحد إلا وجدها.
__________

1 - افتتاح الخطاب بالنداء لاسترعاء وعي المخاطب ليهتم بما سيقال له.
2 - لا يقال يا خليفة الله إلا لرسوله أما من عدا الرسل فإن الخليفة منهم هو خليفة لمن قبله وليس خليفة لله تعالى والصحابة قالوا لأبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 - الفاء هي السببية والمضارع بعدها منصوب وفي الآية تحريم اتباع هوى النفس المسبب الخروج عن دائرة العدل والحق. وفي الآية دليل على أنه لا يجوز الحكم بعلم الحاكم بل بالبينة والشهود وقد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى فرساً فجحده البائع فلم لم يحكم عليه بعلمه وقال ومن يشهد لي؟ فقام خزيمة فشهد فحكم عليه.
4 - سمي يوم القيامة يوم الحساب لما يجري فيه من حساب الناس بما كسبوا من خير وشر وسمي يوم الدين للمجازاة التي تتم بعد الحساب، وسمي يوم الفصل للفصل بين الناس والحكم لهم فيما بينهم.
5 - ليدبروا أصلها ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال لقرب مخرجيهما.
6 - الألباب العقول والواحد لب ويجمع على ألبّ كما يجمع بؤس على أبؤس قال أبو طالب قلبي إليه مشرف الألب، والتذكر هو استحضار الذهن ما كان يعلمه كاستحضار ما هو منسي أيضا.
7 - بركة القرآن تتجلى في صرفها النفس عن السوء ودفعها إلى الخير وذلك لمن يقرأ القرآن موقناً به متدبراً له فإن له في كل حرف عشر حسنات مع ما يفيضه على روحه من نور المعرفة وحب الآخرة.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
شرح الكلمات:
ووهبنا لداود سليمان: أي ومن جملة هباتنا لداود الأواب أن وهبنا له سليمان ابنه.
نعم العبد إنه أواب: أي سليمان رجاع إلى ربه بالتوبة والإنابة.
الصافنات الجياد: أي الخيل الصافنات أي القائمة على ثلاث الجياد أي السوابق.
حب الخير: أي حب الخيل عن ذكر ربي وهي صلاة العصر لانشغاله باستعراض الخيل للجهاد.
حتى توارت بالحجاب: أي استترت الشمس في الأفق وتغطت عن أعين الناظرين.
ردوها علي: أي ردوا الخيل التي استعرضتها آنفا فشغلتني عن ذكر ربي.
فطفق مسحا بالسوق: أي فأخذ يمسح بسوق تلك الخيل وأعناقها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إفضال الله على داود (1) حيث قال {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ} فذكر تعالى أنه وهبه سليمان وأثنى على سليمان بأنه نعم العبد لله، وعلل لتلك الأفضلية بقوله {إِنَّهُ أَوَّابٌ (2) } أي كثير الأوبة إلى الله تعالى، وهي الرجوع إلى الله بذكره واستغفاره عند الغفلة والنسيان العارض للعبد، وأشار تعالى إلى ذلك بقوله {إِذْ عُرِضَ (3) عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ (4) الْجِيَادُ} أي الخيل القوية على السير التي إذا وقفت تأبى أن تقف على أربع كالحمير بل تقف على ثلاث وترفع الرابعة، والجياد هي السريعة العدو، وهذا العرض كان استعراضاً منه لها إعداداً لغزو أراده فاستعرض خيله فانشغل بذلك عن صلاة العصر فلم يشعر إلا وقد غربت الشمس وهو معنى قوله تعالى {حَتَّى تَوَارَتْ} أي استترت الشمس {بِالْحِجَابِ} أي بالأفق الذي حجبها عن أعين الناظرين. فندم لذلك وقال {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أي الخيل {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} وصلى العصر، ثم عاد إلى إكمال الاستعراض فردها رجاله عليه فجعل يمسح بيده (5) سوقها وأعناقها حتى أكمل استعراضها هذا وجه الأوبة التي وصف بها سليمان عليه السلام في قوله تعالى {إِنَّهُ أَوَّابٌ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- الولد الصالح هبة إلهية لوالده فليشكر الله تعالى من وهب ذلك.
2- الثناء على العبد بالتوبة الفورية التي تعقب الذنب مباشرة.
3- جواز استعراض الحاكم القائد قواته تفقداً لها لما قد يحدثه فيها.
4- إطلاق لفظ الخير على الخيل فيه تقرير أن الخيل إذا ربطت في سبيل الله كان طعامها وشرابها حسنات لمن ربطها في سبيل الله كما في الحديث الصحيح "الخيل لثلاث ... ".
5- ربط الطائرات النفاثة في الحظائر اليوم والمدرعات وإعدادها للقتال في سبيل الله حل محل ربط الجياد من الخيل في سبيل الله.
__________

1 - جملة نعم العبد في محل نصب على الحال والمخصوص بالمدح محذوف أي سليمان.
2 - الجملة تعليلية لما سبقها.
3 - العارض هم سوّاس خيله. والعرض هو الإمرار والإحضار أمام الرائي والجياد جمع جواد وهو الفرس الشديد الحُضر، كما يقال للإنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها. والجواد يجمع على أجواد وأجاود.
4 - الصافنات صفة لموصوف محذوف وهو الخيل أو الأفراس وهو الذي يقف على ثلاث قوائم والواحدة صافنة.
5 - ذكر كثير من المفسرين أن قوله فطفق مسحاً بالسوق والأعناق أنه ذبحها وأطمعها الفقراء لأنها ألهته عن الصلاة وما في التفسير هو اختيار ابن جرير وهو الحق والصواب.




الساعة الآن : 02:17 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 532.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 531.15 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.33%)]