ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240319)

ابوالوليد المسلم 24-12-2024 07:35 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [198]
الحلقة (229)





شرح سنن أبي داود [198]

لقد حث ديننا الحنيف على التصدق والبذل والإعطاء، ورتب على ذلك الأجور العظيمة، ففي التصدق والبذل التخلص من أمراض النفوس وأدرانها كالبخل والشح والهلع، وفيه إعانة للفقراء والمساكين من المسلمين، فنفع ذلك لازم ومتعد، وخير الأمور ما كان نفعه لازماً ومتعدياً. كما أن ديننا حث المؤمن على العفاف والاستغناء، وألا يسأل الناس حتى يعطوه أو يمنعوه، إلا من كان مضطراً إلى ذلك، فلا بأس.

من يُعطى الصدقة


شرح حديث (من سأل وله ما يغنيه..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى. حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) ]. أورد أبو داود باب من يعطى من الصدقة، وحدّ الغنى، يعني: من الذي يعطى من الصدقة وما حدّ الغنى، أي: ومن هو الفقير ومن هو الغني؟ والذي يعطى من الصدقة أعم من كونه فقيراً؛ لأن الصدقة مصارفها ثمانية، فهل لابد أن تكون الزكاة في المصارف الثمانية أو أنه يجوز صرفها في صنف واحد؟ قال بعض أهل العلم: لابد أن توزع على المصارف الثمانية، ومنهم من قال: يكفي توزيعها في صنف واحد كما جاء في حديث معاذ : (تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم) وكما حصل من عمران بن حصين عندما جمعها وأعطاها للفقراء. وحدُّ الغنى جاء في الحديث الذي أورده أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقال: يا رسول الله! وما الغنى؟)؛ لأنه قال: (وله ما يغنيه) فطلبوا منه أن يفسر قوله: (وله ما يغنيه)، فقال: (خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب) وكأن المقصود من ذلك أنه يسأل في حينه وفي وقته وعنده ما يكفيه، وأما لو كان عند الإنسان خمسون درهماً فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، والمحذور هنا هو أن يسأل الإنسان وعنده شيء يغنيه في يومه وليلته أو أكثر من ذلك كما سيأتي، فالإنسان الذي عنده كفايته لا يسأل في الوقت الذي عنده تلك الكفاية، ولكن إذا نفذ ما عنده فله أن يسأل. وعلى هذا فذكر هذا العدد ليس قيداً في كون الإنسان لا يعطى من الزكاة وعنده خمسون درهماً، وإنما يتعلق بمنع المسألة، وأن الإنسان لا يسأل وعنده هذا المقدار، لأنه غني في وقته وإن كان ليس عنده شيء يغنيه طوال السنة، ولذلك فهو أهل لأن يعطى من الزكاة، والزكاة تؤخذ في كل عام فيعطى الفقراء ما يكفيهم إلى نهاية العام، ثم إذا جاء العام الآخر أخذت الزكاة فيعطون ما يكفيهم .. وهكذا. إذاًً: هذا المقدار ليس حداً لكونه لا يعطى من الزكاة، ولكنه حد لكونه لا يسأل؛ لأن عنده شيئاً يغنيه عن السؤال في وقته. قوله: (خموش، أو خدوش، أو كدوح) هي آثار في الوجه، ومعنى ذلك: أنه سأل وأراق ماء وجهه، فيعاقب يوم القيامة بأن يأتي وهو على هذه الهيئة التي تصير علامة على سؤاله وهو ليس أهلاً لذلك؛ فإنه غني في الوقت الذي سأل فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله ما يغنيه..)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حكيم بن جبير ]. حكيم بن جبير ، وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ]. محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعيف، ففي إسناده حكيم بن جبير ، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ذم المسألة، وعقوبة صاحبها. وأما سؤال ولاة الأمر، فالذي يبدو أنه لا بأس به إذا كان للإنسان شيء قليل لا يكفيه ولا يغنيه، وأما الذي عنده شيء كثير ولكنه يتكثر فهذا الذي ينبغي له أن يستعفف، وينبغي له ألا يسأل ولاة الأمر. وفي هذا الوقت يكون عند الإنسان راتب يكفيه، لكنه يريد أن يستزيد، فهذا لو يستعفف لكان خيراً له، فمن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، وأما إذا جاء من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس بأخذه كما في حديث عمر (من غير مسألة ومن غير إشراف نفس) الحديث. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال يحيى : فقال عبد الله بن عثمان لسفيان : حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد حدثناه الزبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ]. [ قال: يحيى ]. يحيى بن آدم الذي مر ذكره. [ فقال عبد الله بن عثمان لسفيان ]. عبد الله بن عثمان هو البصري وسفيان هو الثوري. وقوله: (حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير)، أي: الذي أحفظه أنه لا يروى عن حكيم ، يعني: لضعفه، فقال: (حدثناه زبيد) وهو زبيد بن الحارث اليامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. بقي علينا أن نعرف بعبد الله بن عثمان : عبد الله بن عثمان الذي يبدو أنه البصري، الذي قيل إنه صاحب شعبة ، قال النسائي : ثقة ثبت أخرج له الترمذي و النسائي و ابن ماجة ، ولم يذكر أبا داود لعله لأنه هنا معلق.
شرح حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: (نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسله لنا شيئاً نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك، فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول: لعمري! إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً). قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية -والأوقية أربعون درهماً- قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال، حتى أغنانا الله عز وجل ]. أورد أبو داود حديث رجل من بني أسد جاء هو وأهله إلى المدينة، فنزلوا في بقيع الغرقد، أي: في منطقة البقيع يعني: ليس معناه أنهم نزلوا في البقيع ولكنهم نزلوا في منطقة البقيع يعني حوله، فقال له أهله: (اذهب إلى رسول الله فسله لنا شيئاً نأكله)، أي: سله لنا طعاماً نأكله. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده رجلاً يسأله، فاعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وذكر أنه ليس عنده شيء يعطيه إياه، فغضب ذلك الرجل وقال: لعمري إنك تعطي من شئت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغضب علي ألا أجد ما أعطيه؟! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)، والأوقية أربعون درهماً؛ لأن نصاب الفضة خمس أواق، ومقدارها مائتا درهم، فالأوقية إذاً أربعون درهماً. قوله: (فقد سأل إلحافاً) يعني: سأل وعنده ما يغنيه، فيكون قد ألح في السؤال وهو ليس محلاً لذلك، وهذا في حال وجود ذلك المقدار عنده، وأما إذا لم يكن عنده هذا المقدار فله أن يسأل، وهذا كما هو معلوم شيء، وإعطاؤه من الزكاة شيء آخر، فهو وإن كان ينبغي له ألا يسأل لكنه يُعطي من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة وإن كان عنده أربعون درهماً. فهذا الأسدي الذي جاء كفته هذه المحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الرجل، وذلك عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له هذه المقالة. قوله: (فقال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية). الأسدي: نسبة إلى بني أسد، واللقحة هي الناقة، فيشربون من حليبها، وهي عندهم خير من الأوقية التي هي أربعون درهماً. قوله: (قال: فرجعت ولم أسأله) أي: كفاه ذلك الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله، فجاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعيرٌ أو زبيب فأعطاه منه حتى أغناه الله). وقد جاء في الحديث الماضي: خمسون، وهنا: أربعون، وهما متقاربان. وأما مقدار ذلك الآن فالمائتا درهم تعادل ستة وخمسين، فالأربعون أوقية خمُس الستة والخمسين، أي: أحد عشر وخمس من ريالات الفضة، فإذا قيل: إن الريال عُشر الفضة فالعشرة ريالات فضة تصير مائة وعشرة ريال. ومرجع الإعطاء والكفاية إلى العرف، فبعض الأماكن وبعض الناس تختلف قضية الغنى والفقر عندهم فالأعزب مثلاً ليس كالمتزوج الذي عنده عيال من حيث الغنى والفقر، فتختلف الكفاية بحسب ذلك، وكذلك تختلف كفاية العائلة بحسب عدد أفرادها وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من بني أسد ]. أي أنه مبهم، والمبهم والمجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما تؤثر الجهالة في غيرهم، وأما هم فما داموا أنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمجهول فيهم في حكم المعلوم. [ قال أبو داود : هكذا رواه الثوري كما قال مالك ]. يعني: بهذا اللفظ. والله تعالى أعلم.
بيان عن حديث (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء)

هناك منشورات فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي ! لا تَنَم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي: قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك من الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك إذا قرأت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله، وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة، وإذا قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم). أقول: لما قال علي رضي الله عنه هذا الكلام هل سلم من الخصوم؟! فالدنيا يوجد فيها خصوم، وهذا الكلام فيه مبالغة، ثم هذه أمور غيبية، فيكفي الناس ما صح وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية والأعمال الصالحة، وأما الأشياء التي فيها مبالغات، والتي ليس لها أساس من الصحة فالبعد عنها أسلم.
شرح حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و هشام بن عمار قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية -قال هشام : خير من أربعين درهماً- فرجعت فلم أسأله شيئاً، زاد هشام في حديثة: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين درهماً) ]. سبق بعض الأحاديث المتعلقة بذكر من يُعطى من الصدقة، ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف)، والأوقية -كما هو معلوم- هي أربعون درهماً. (فقلت: ناقتي الياقوتة)، اسم ناقته ياقوتة، (خير من أوقية) يعني: أنه يملك شيئاً كثيراً. (قال هشام : خير من أربعين درهماً) يعني: أن قتيبة قال: (أوقية)، وهشام قال: (أربعون درهماً) وهما بمعنى واحد؛ لأن الأوقية أربعون درهماً. قوله: (فرجعت فلم أسأله شيئاً) أي: أنه لما سمع هذا الكلام اكتفى به. وزاد هشام في حديثه: (وكانت الأوقية في عهده صلى الله عليه وسلم أربعين درهماً) أي أنه قال هذا ليبين أن الأوقية هي هذا المقدار من الدراهم. قد يفهم من هذا الحديث أن أبا سعيد هو صاحب القصة، ويفهم منه أيضاً أن صاحب القصة هو ذلك الرجل الذي جاء وسأل كما في الحديث السابق، فليس في هذا الحديث أن أبا سعيد سأل، وإنما أخبر بأنه سمع هذا الكلام، فيحتمل أن يكون المقصود بهذا الكلام هو أبا سعيد ، ويحتمل أن يكون المقصود به الرجل السابق صاحب بني أسد.

تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وله قيمة أوقية فقد أحلف)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ]. عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أصحاب السنن، و ابن أبي الرجال كنية أبيه: أبو الرجال ، وهو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، وقيل له: أبو الرجال ؛ لأنه ولد له عشرة من البنين، فكان يقال له: أبو الرجال ، وهذا لقب، وأما كنيته: فأبو عبد الرحمن ، وهذا من جنس أبي الزناد ، فإنه لقب، واسمه: عبد الله بن ذكوان ، وكنيته: أبو عبد الرحمن ، فكل من أبي الزناد و أبي الرجال لقب على صيغة الكنية، وكل منهما يكنى بأبي عبد الرحمن. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ]. عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

معنى الإلحاف في السؤال


قال الواحدي : الإلحاف في اللغة: هو الإلحاح في المسألة، قال الزجاج : معنى ألحف شمل بالمسألة، والإلحاف في المسألة: هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة كاشتمال اللحاف في التغطية. وقال غيره: الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل، إذا مشى في لحف الجبل، وهو أصله، فكأنه استعمل للخشونة في الطلب. وهذه قسوة وخشونة في الطلب، وليس هناك سهولة ولين، وهذا كالذي ذهب ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما قال له: (لا أجد ما أعطيك، قال: إنك تعطي من شئت)، فهذه هي الخشونة في الطلب.

شرح حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين قال: حدثنا محمد بن المهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي حدثنا سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أنه قال: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية رضي الله عنه فكتب لهما بما سألا، فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانه فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية رضي الله عنه بقوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار. وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم. فقالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه ). وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم. وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ التي ذكرت ]. وأورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه، فكتب لهما بطلبهما، فأخذ الأقرع بن حابس الكتاب ولفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة بن حصن فإنه جاء وقال: إني لا أدري ما في هذا الكتاب، وإني أشبّه بالمتلمس الذي حمل الصحيفة وهو لا يدري ما فيها، وقصة المتلمس : أن رجلين يقال لأحدهما: المتلمس جاءا إلى أمير من الأمراء أو كبير من الكبراء، فحصل منهما هجر له، ثم كتب لكل واحد منهما كتاباً إلى بعض عماله، وكان الكتاب مشتملاً على قتل كل واحد منهما إذا وصلا إلى ذلك العامل، فأما أحدهما فذهب بذلك الكتاب إلى العامل ففتحه العامل وقتله، وأما هذا ففتح الكتاب في الطريق ووجد فيه أنه سيقتل، فمزق الكتاب وهرب، فصار يقال للذي يحمل شيئاً فيه حتفه ومضرته: كحامل صحيفة المتلمس . فعيينة يقول: إنني لا أدري ما فيها، فلعلي أكون حاملاً صحيفة المتلمس ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)، وفي رواية (يستكثر من جمر جهنم)، يعني: أن سؤال الإنسان وعنده ما يغنيه يعود عليه بالمضرة، ويعاقب على ذلك، وأنه إنما يستكثر من جمر جهنم، ويكون ذلك قلةً وكثرةً على حسب استكثاره من السؤال والطلب وعنده ما يغنيه. قوله: (فقالوا يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال النفيلي: قالوا: وما الغنى الذي لا تكون معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) يعني: في ذلك اليوم، فالإنسان الذي عنده طعام يومه وليلته ثم يسأل بعد ذلك فإنه يكون عند ذلك سائلاً وهو غني. وقد رواه النفيلي على عدة أوجه مختصرة، وهنا أشار أبو داود إلى هذه الروايات المتعددة التي حدث بها النفيلي ، فذكر كل فقرة على حدة، وبألفاظ مختلفة. قوله: (أن يكون عنده شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم) هو مثل الذي قبله: أن يكون عنده ما يغديه ويعشيه. قوله: (وكان حدثنا به مختصراً على هذه الألفاظ)، يعني: مرة هكذا، ومرة هكذا، وهنا جمعها وأشار إلى ألفاظها المختلفة.


ابوالوليد المسلم 24-12-2024 07:35 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مسكين ]. مسكين وهو ابن بكير الحراني، وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن المهاجر ]. محمد بن المهاجر ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة بن يزيد ]. ربيعة بن يزيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي كبشة السلولي ]. أبو كبشة السلولي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سهل بن الحنظلية ]. سهل بن الحنظلية صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و النسائي . [ عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس ]. عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس زعيمان وكبيران من كبار قومهما، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما لتأليف قلوبهما. وقد يستشكل بعضهم هذه العبارة: (فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أردي ما فيه كصحيفة المتلمس ؟! فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالاستشكال: ألم يقل الأقرع هذا الكلام في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحتاج إلى إخبار معاوية بذلك؟ والجواب: يمكن أن يكون طلب من معاوية أن يقول هذا الكلام، أو أنه قاله للنبي صلى الله عليه وسلم وقاله لمعاوية ، فأخبر معاوية بما قيل له، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً، فيكون حصل من الجهتين: فقد قاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاله لمعاوية ، وأخبر معاوية أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
شرح حديث (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمي أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فذكر حديثاً طويلاً، قال: فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) ]. أورد أبو داود حديث زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الصدقة، فقال: إن الله عز وجل قد تولى قسمة الصدقات بنفسه ولم يوكلها إلى نبي، فإن كنت من أهل هذه الأجزاء -أي: الأجزاء الثمانية التي ذكرها الله في سورة التوبة-أعطيتك حقك. أي: من الزكاة. فالحديث فيه أن مصارف الزكاة ثمانية كما جاء في القرآن، وأن من كان من أهل الزكاة فإنه يعطى منها، ومن لم يكن من أهلها فإنه لا يعطى؛ لأنها إنما جعلت للمصارف الثمانية، وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الزكاة توزع على المصارف الثمانية، وأنها لا تكون في صنف واحد. وقال بعض أهل العلم: إنه لا بأس بصرفها في صنف واحد، ولا يلزم توزيعها على المصارف كلها، ويستدلون على ذلك بحديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب...) وفي آخره: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، فعلى هذا القول لا يتعين توزيعها على المصارف الثمانية، وقد توجد بعض هذه المصارف وقد لا توجد، فمصرف العاملين عليها مثلاً قد لا يوجد، وذلك إذا كانت الزكاة تحصل بدون عمال، وكذلك مصرف المؤلفة قلوبهم، فربما لا يوجد من يؤلف قلبه، وكذلك ربما لا يوجد ابن سبيل، فتصرف الزكاة في المصارف الثمانية ولا تتعداهم إلى غيرهم، وإن صرفت في صنف واحد كالفقراء فلا بأس بذلك. ولا شك أنه إذا كانت الرقاب موجودة، وكذلك ابن سبيل وغيرهما، فإعطاء كل هذه المصارف هو المناسب، لكن إذا كانت الحاجة أشد في بعض المصارف كالفقراء فلا بأس أن تعطى لهم، وإذا كانت الأموال كثيرة فتعطى الجهات كلها، ولكنه ينظر إلى الأصلح والأعظم فائدة، والأكبر منفعة فيقدم على حسب ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم ]. عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره. [ عن عبد الرحمن بن زياد ]. عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ، ضعيف في حفظه أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ سمع زياد بن الحارث الصدائي ]. زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه أحد الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهذا الحديث ضعيف.

شرح حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و زهير بن حرب قالا: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطنون به فيعطونه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يتفطنون به فيعطونه). قوله: (ولا يفطنون به فيعطونه) ليس المقصود من هذا نفي المسكنة عن المسكين الذي يسأل الناس؛ لأن كلاً منهما مسكين، ولكن المقصود بيان صفة المسكين الأعظم، والمسكين الذي هو أهم وأشد، فليس عنده شيء ولا يسأل، وأما المسكين الذي يسأل فإنه يعطى فيأكل ويستفيد. إذاً: فليس المقصود من نفي المسكنة هنا نفيها على الحقيقة في المسكين الذي يسأل، لكنه وإن كان مسكيناً إلا أنه دون من لا يسأل، ولهذا نظائر وأمثلة منها قوله (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فالصرعة هو الذي يصرع الرجال، وليس هو شديداً على الحقيقة، وإنما الشديد حقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وإن كان الذي يصرع الرجال هو شديداً، ولكنه ليس بشديد حقيقة. وكذلك الحديث الذي قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس ما لا درهم عنده ولا متاع، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج..)، فالذي ذكروه مفلس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد مفلس الآخرة، وهم فهموا أن المقصود مفلس الدنيا، فهذا مفلس وهذا مفلس، ولكن المفلس على الحقيقة هو مفلس الآخرة، فهذه الأمثلة تشبه ما جاء في هذا الحديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان) يعني: اللقمة واللقمتان، فالأكلة هي اللقمة، (وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس به فيعطونه)؛ فهو متعفف مع شدة حاجته، وتجده صابراً غير سائل، فهذا هو الذي يستحق أن يعطى، وأما السائل الذي يسأل ويعطى فهو أخف منه؛ لأنه يجد ما يأكله.
تراجم رجال إسناد حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان..)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ و زهير بن حرب ]. زهير بن حرب هو أبو خيثمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان ، اسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و عبيد الله بن عمر و أبو كامل المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله، قال: (ولكن المسكين المتعفف، زاد مسدد في حديثه: ليس له ما يستغني به، الذي لا يسأل، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه، فذاك المحروم)، ولم يذكر مسدد المتعفف الذي لا يسأل ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان المسكين على الحقيقة، وهو المتعفف الذي لا يسأل، وجاء فيه أيضاً أنه المحروم، وتفسيره بالمحروم مدرج من كلام الزهري ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و أبو كامل ]. أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. أي: أنهم متفقون في المعنى مع اختلافهم في الألفاظ. وعبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو ابن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. قال أبو داود : [ روى هذا الحديث محمد بن ثور و عبد الرزاق عن معمر ، وجعل (المحروم) من كلام الزهري ، وهو أصح ]. ثم ذكر طريقاً أخرى وفيها بيان أن (المحروم) من كلام الزهري وهو أصح، يعني: فيكون مدرجاً من كلام الزهري . ومحمد بن ثور ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ و عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر مر ذكره.
شرح حديث (إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: (أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو يختم الصدقة فسألاه منها، فرفّع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) ]. أورد أبو داود حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار : أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه، فنظر فيهما -يعني: صوب النظر وخفضه- فوجدهما جلدين -أي: نشطين قويين عليهما أثر الصحة والعافية والقوة- فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب، معناه: أنه لم يعرف حالهما؛ لذلك فوض الأمر إليهما، وأنهما إن كانا من أهلها فإنه يعطيهما، وإن لم يكونا من أهلها فإنهما لا حق لهما فيها. وقوله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) الغني هو الذي عنده ما يكفيه، والقوي المكتسب هو الذي عنده قدرة على العمل مع وجود العمل، فمن المعلوم أن العمل قد يكون متوفراً وقد لا يتوفر، لكن من كان أهلاً للصدقة فإنه يعطى منها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) يعني: أن الأمر إليكما، فلا أدري ما الذي حصل بعد ذلك: هل أخذا أو لم يأخذا؟ ولكن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بأن الذي يسأل هو صاحب الحاجة، أو من كان عليه أثر الضعف، وأما الذي عنده قوه فينبغي عليه أن يعمل وألا يسأل الناس، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرشد إلى العمل، ويأمر الإنسان أن يأخذ فأساً وحبلاً ويحتطب، ثم يبيع ذلك الحطب، ثم يأكل من عمل يده. ولا فرق في ذلك بين الصدقة الواجبة والنافلة ما دام أنها تسمى صدقة، فلا تعطى إلا لفقير ولو كانت نافلة، وأما غير الفقير فإنه يعطى هدية، فالإنسان الذي لا يستحق الصدقة يهدى إليه، ولهذا يفرقون بين الصدقة والهدية، كما يذكرون في الهدي أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي، أي: يعطي من لا يستحق الصدقة. وبعض أهل العلم يقول: إن الصدقة النافلة يجوز أن تعطى لمن كان غنياً، لكن ما دام أنها صدقة فلا تكون إلا للفقراء والمساكين، وأما غيرهم فلا يسميها صدقة، وإنما يسميها هدية إذا أعطيت للأغنياء، ذكر ذلك صاحب عون المعبود، وأظنه أشار في الحاشية هنا أن هذا في الزكاة، وأما الصدقة النافلة فإنه لا بأس بذلك، لكن يبدو -والله أعلم- أن كل ما يقال له صدقه فالأولى ألا يصرف إلا في مصارف الصدقة.
تراجم رجال إسناد حديث (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني...)

قوله: [ حدثنا مسدد عن عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ]. عبيد الله بن عدي بن الخيار استشهد أبوه عام الفتح وهو مميز قيل إنه لا تعرف له رواية، وقال في التقريب: (عد في الصحابة وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين)، أي: عد في الصحابة؛ لكونه كان مميزاً في حجة الوداع، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين، ومعنى ذلك أنه ليس بصحابي عندهم، وهذا إذا كان لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الصغير من الصحابة الذي له رؤية فإنه يكون معدوداً في كبار التابعين من حيث الرواية، ومعدوداً في الصحابة من حيث الرؤية. أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد أخبرني أبي عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)، فقوله: (مرة) أي: قوة، وقوله: (سوي) يعني: أنه سليم وليس به عاهة أو نقص، كما جاء في سورة النجم في وصف جبريل عليه السلام: ذُو مِرَّةٍ [النجم:6] أي: ذو قوة، فيصير مثل الحديث الذي قبله: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)، فقوله هنا: (ذي مرة سوي) هو مثل قوله: (لقوي مكتسب).

تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)


قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي ]. عباد بن موسى الأنباري الختلي ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبي ]. أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ريحان بن يزيد ]. ريحان بن يزيد مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة،.. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث صححه الألباني ، وفيه هذا المقبول، فلعل هناك طرقاً أخرى جاءت في معناه، فالحديث الذي قبله يشهد له، فقوله: (لذي مرة سوي) هو نفسه القوي المكتسب، وكذلك يشهد له الحديث الذي بعده.

شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) من طرق أخرى وتراجم رجاله


[ قال أبو داود : رواه سفيان -يعني: الثوري - عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيم ، ورواه شعبة عن سعد قال: (لذي مرة قوي)، والأحاديث الأخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضها: (لذي مرة قوي)، وبعضها: (لذي مرة سوي)، وقال عطاء بن زهير : إنه لقي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: (إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي)]. ذكر أبو داود عدة طرق بعدة ألفاظ، وقد علق هذه الطرق، وألفاظ بعضها كالرواية السابقة: (ذي مرة سوي)، وفي بعضها: (لذي مرة قوي)، ولا شك أن قوله: (لذي مرة سوي)، أوضح من قوله: (لذي مرة قوي)؛ لأن المرة هي القوة، وأما السوي فهي تؤدي معنى آخر وهو سلامة الأعضاء، والسلامة من العاهات، مع القوة والنشاط والقدرة. ثم قال أبو داود : [ رواه سفيان عن سعد بن إبراهيم كما قال إبراهيم ]. وسفيان يحتمل أن يكون ابن عيينة ويحتمل أن يكون الثوري ، ولعله هنا الثوري ؛ لأن شعبة -كما في بعض الطرق- و الثوري قرينان، ويتفقان في كثير من الشيوخ، وطبقتهما واحدة، وقد رواه شعبة . [ ورواه شعبة عن سعد ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال عطاء بن زهير : إنه لقي عبد الله بن عمرو فقال: (إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي) ]. يعني أنهما ما اتفقا على اللفظ الأول. وعطاء بن زهير مستور، أخرج له أبو داود ."





ابوالوليد المسلم 24-12-2024 07:45 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [199]
الحلقة (230)



شرح سنن أبي داود [199]

لقد حثنا ديننا على علو الهمة، وعلى الاعتماد على النفس، ونهانا عن سفاسف الأمور وسقطاتها، وعن الاعتماد على الآخرين، لذا فقد نهى عن مسألة الناس وتكففهم، وحذر من ذلك وقبّحه، ورتّب عليه العقاب في الآخرة، فالمسألة إراقة لماء الوجه، وسكب لحياء النفس، وتذلل للعباد، وقد بين الشرع من تحل له المسألة، فإذا قضى حاجته فليستعفف.

الذين يجوز لهم أخذ الصدقة وهم أغنياء



شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: [ (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأداها المسكين للغني) ]. أورد أبو داود باب: من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وقد سبق أن مر أن الصدقة لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، وجاء هنا أن بعض الأغنياء يأخذون منها لكن ليس للغنى، وإنما لأوصاف أُخر غير الغنى، فلا ينافي هذا ما تقدم؛ لأن المنع هناك من أجل الغنى، والجواز هنا من أجل وصف آخر غير الغنى. وقد أورد أبو داود حديثاً مرسلاً عن عطاء بن يسار ، وسيذكره بعد هذا مسنداً من حديث أبي سعيد . وهذا المرسل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله)، وهو المجاهد في سبيل الله، فله أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنياً؛ لأنه يصرف على نفسه في الجهاد في سبيل الله، فيجوز له أن يأخذ من الصدقة لا لغناه ولكن لكونه مجاهداً في سبيل الله، فهو داخل في مصرف: في سبيل الله، وهو أحد مصارف الزكاة كما قال تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، وسبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فالغازي مجاهد في سبيل الله، وهو من أهل الزكاة ولو كان غنياً. قوله: (أو لعامل عليها)، أي: الذي يشتغل في جبايتها، فإنه يأخذ أجرة مقابل عمله ولو كان غنياً، ولا يلزم أن يكون العامل عليها فقيراً حتى يأخذ منها، فالفقير يأخذ لفقره، والعامل يأخذ لعمله سواء كان غنياً أو فقيراً. وإذا كان موظفاً من الحكومة فإذا كان ذلك ما يسمونه (بدل انتداب) فإنه إذا سافر عن محل عمله يحصل مقابل ذلك غير الوظيفة؛ لكونه انتقل من بلده إلى بلد آخر، فهذا من جنسه إذا كان موظفاً وكان عمله خارج البلد، وأما إذا كان في داخل البلد فهو في حكم الوظيفة. قوله: (أو لغارم)، الغارم هو الذي استدان وتحمل مالاً للإصلاح بين الناس، فإنه يعطى من الزكاة لكونه غارماً لا لكونه غنياً، وهو من الأصناف الثمانية كما في آية التوبة. قوله: (أو لرجل اشتراها بماله) فلو أن فقيراً تُصدِّق عليه بصدقه فباعها، فاشتراها غني فإن الذي اشتراها بماله وهو غني إنما وصلت إليه الصدقة عن طريق الشراء، ولم تصل إليه الصدقة عن طريق التصدق عليه، وإنما جاءت عن طريق تملكها بالمال الذي دفعه في مقابلها، فإذاً هي صدقة وصلت إلى غني، لكن عن طريق الشراء، ولا يكون هو المتصدق. وأما لو كان هو المتصدق فقد سبق أن مر بنا قصة عمر عندما حمل على فرس في سبيل الله، ثم وجده يباع فذهب يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن شرائه، وقال: لا تعد في صدقتك، والسبب في هذا -والله أعلم- أن بائع الصدقة إذا باعها على المتصدق فلعله أن يداريه ويراعيه؛ لأن له معروفاً وإحساناً عليه فيتسامح معه، بخلاف غيره فإنه لا يستحي منه، وقد ذكر في (عون المعبود) خلافاً في هذا، فمنهم من قال بكراهة ذلك، ومنهم من قال: إن البيع مفسوخ، والذي يظهر أن الإنسان ليس له أن يشتري الصدقة، والمقصود هنا صدقة غيره. قوله: (أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأداها المسكين للغني)، أي: فإنها عند ذلك تخرج عن كونها صدقة؛ لأنّ الإنسان الذي أعطيت له صارت له ملكاً، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء، وذلك إما بالبيع أو الإهداء أو غير ذلك، فالصورة السابقة فيها بيع، وهذه الصورة فيها إهداء، فسواء خرجت من الفقير إلى غيره من الأغنياء عن طريق البيع كما هي الصورة السابقة، أو عن طريق الإهداء كما في هذه الصورة الأخيرة؛ فكل ذلك سواء، وذكر الجار هنا لا مفهوم له، فلو تصدق على مسكين ليس جاراً له فالأمر سواء، وإنما ذكر الجار على سبيل المثال، ولأن التهادي يكون غالباً بين الجيران. وفي بعض النسخ: (فأداها) بدلاً من (أهداها) والنتيجة واحدة، فـ(أداها) أي: أعطاه إياها، و(أهداها) أي: أعطاه إياها هدية، فالمعنى كله صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً مرسل، لكن الحديث الذي سيأتي بعده متصل.

شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...) من طريق ثانية وتراجم رجالها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه ]. وهو كالسابق. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. [ قال أبو داود : ورواه ابن عيينة عن زيد كما قال مالك]. قوله: كما قال مالك ، أي أنه مرسل، يعني: عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ورواه الثوري عن زيد قال: حدثني الثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا أيضاً مرسل، فإنه لم يسم من حدثه.
شرح حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة...) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن عمران البارقي عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك، أو يدعوك) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله) يعني: غازياً في سبيل الله، وهذا قد مر في السابق. قوله: (أو ابن السبيل)، وهذا ليس في الرواية السابقة، لكنه يدخل أيضاً؛ لأن ابن السبيل المنقطع ولو كان غنياً في بلده فإنه يعطى ما يوصله إلى بلده. قوله: (أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك، أو يدعوك) وهذا مثل الأول، ومعنى ذلك أن يصنع وليمة فيدعوك لتأكل منها، فهي صدقة عليه، وبعد أن ملكها فإنه يتصرف فيها بالإهداء أو بالإطعام، فلا حرج على الغني بأن يتناول شيئاً من طعام الفقير الذي تصدق به عليه، أو يقبل هدية منه، ويشبه ذلك ما جاء في قصة بريرة رضي الله عنها أنه تصدق عليها وأنهم أكلوا مما تصدق به عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو لها صدقة، ولنا هدية) يعني: منها، فدل هذا على أن الفقير إذا ملك شيئاً فإنه يتصرف فيه كيف يشاء إما بالإهداء، أو بالإطعام، وأنه لا حرج على الغني إذا أكل أو طعم من طعام المتصدق عليه، أو أخذ هدية من المتصدق عليه، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة ابن السبيل.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) من طريق ثالثة


قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ] . محمد بن عوف الطائي ثقة أخرج له مسلم ، و أبو داود و النسائي في (مسند علي) [ حدثنا الفريابي ]. الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران البارقي ]. عمران البارقي مقبول أخرج له أبو داود . [ عن عطية ]. هو عطية بن سعد العوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهذا الحديث ضعفه الألباني ، ولعله من أجل عطية ومن أجل عمران البارقي ، فالأول يخطئ كثيراً، والثاني مقبول، ولكن ذكر الغازي في سبيل الله والفقير الذي يتصدق عليه موجود في الحديث السابق، وأما ابن السبيل فهو وإن كان غنياً في بلده فإن غناه لا ينفعه في هذه الحال، فلا بأس أن يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وقد جاء بذلك القرآن، وهو مطلق فيعطى سواء كان غنياً أو فقيراً، وإذا كان ابن السبيل منقطعاً فإنه يعطى ولو كان كافراً. ومما لم يذكر أيضاً المؤلفة قلوبهم، فإنهم يعطون مع غناهم، فالتأليف أمر خارج عن الغنى، أما لو كانوا فقراء فإنهم يعطون لفقرهم، أما في التأليف فيعطى مع غناه ولو كان كافراً. [ قال أبو داود : ورواه فراس و ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ] . فراس يحيى الهمداني ، صدوق ربما وهم أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي ليلى هذا يحتمل أنه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وهو ضعيف، أو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأول أقرب؛ لأنه المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.
أسئلة



حكم أخذ المقابل على شحن كتب وقف لله تعالى


السؤال: جاءتني كتب مكتوب عليها: وقف لله تعالى، وأريد أن أشحنها إلى بلدي بمالي الخاص، غير أني سأطلب من الإخوة تعويض الشحن، فما حكم هذا العمل، علماً أنني اتفقت مع البعض ولم أتفق مع البقية، وأنا على علم أنهم يوافقون على ذلك؟ الجواب: إن كنت متبرعاً فلا تطلب منهم شيئاً، وإن كنت فعلت ذلك على أساس أنهم يعطونك، فلا بأس أن تأخذ إذا أعطوك.

الضرائب الحكومية وإسقاطها للزكاة

السؤال: إذا فرضت الحكومة ضرائب على التجار فهل للتاجر أن يعتبر هذه الضريبة زكاة فتسقط من الذمة؟ الجواب: لا يعتبرها زكاة، فإن الزكاة حق يجب إخراجه للفقراء والمساكين، والشيء الذي أخذ منه بغير حق لا يعتبر مقابل هذا الحق الذي هو لازم للفقراء والمساكين.
كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة


شرح حديث ابن أبي حثمة (وداه بمائة من إبل الصدقة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا أبو نعيم حدثني سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وداه بمائة من إبل الصدقة، يعني: دية الأنصاري الذي قتل بخيبر) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب كم يعطى الرجل الواحد من الصدقة؟ والمقصود من هذا أن الشخص يعطى ما يحتاج إليه، وكل شيء بحسبه، فالغارم يعطى ما يقابل ما تحمله من الغرم، والمؤلف قلبه يعطى ما يحصل به المقصود، وابن السبيل يعطى ما يوصله إلى بلده، والفقير يعطى ما يكفيه لمدة سنة، أي: أن كلاً منهم يعطى بحسبه ولو كان الذي يعطاه كثيراً. وأورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الرجل الأنصاري الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة. ووجه إيراد أبي داود لهذا الحديث في هذا الباب، وفي كتاب الزكاة، أن من غرم مالاً لإصلاح ذات البين فإنه يعطى من الزكاة، وقصة الأنصاري الذي قتل بخيبر تأتي في أبواب كثيرة لاسيما القسامة، فإن حديث القسامة إنما جاء في هذه القصة، وهو ثابت في الصحيحين وفي غيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيراده من أجل دخوله في الغرامة لإصلاح ذات البين.
تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي حثمة (وداه بمائة من إبل الصدقة)

قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ]. الحسن بن محمد بن الصباح ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو نعيم ] . أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن عبيد الطائي ]. سعيد بن عبيد الطائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي صغير، وكلمة (زعم) تعني أخبر، فالزعم يأتي كثيراً بمعنى الإخبار المحقق، ولا يراد به الشك أو الظن، وإنما يراد به الخبر المحقق، وكثيراً ما يأتي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الأسانيد، فزعم هنا بمعنى أخبر خبراً محققاً، و سهل بن أبي حثمة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

إعطاء المستحق للزكاة بحسب حاجته


يعطى الشخص -إذا كان فقيراً- ما يكفيه لمدة سنة، هذا هو الصحيح. وإن كان من الغارمين فإنه يعطى مقدار غرامته، فإذا تحمّل مالاً لإصلاح ذات البين فإنه لا يخلى بينه وبين هذا الغرم الذي تحمله؛ لأنه تحمله للإصلاح، فيعطى ما يقابله. وأما إذا كان غرم هذا الدين لنفسه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يقول: إنه يعطى ما يكفيه أو بعض ذلك، وبعض أهل العلم يقولون: إن الغرم إنما هو لإصلاح ذات البين، وأما إذا كان فقيراً فإنه يعطى لفقره. ويكثر السؤال عن إعطاء الزكاة لمن يريد الزواج ولم يتوفر عنده المهر كاملاً، أو يعطى لتأثيث البيت؟ فنقول: لا بأس بذلك؛ لأنه إذا كان فقيراً فإنه يعطى ويساعد من الزكاة لفقره، وإذا لم يكن فقيراً وإنما بسبب غلاء المهور فالأولى أن تصرف الزكوات للفقراء، فالذي يعطى ليسد جوعته وفاقته أولى من غيره ممن يأخذ لقضاء حاجة أخرى.
ما تجوز فيه المسألة


شرح حديث (المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما تجوز فيه المسألة. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بداً) ]. أورد أبو داود باب ما تجوز فيه المسألة، يعني الأحوال والأمور التي يجوز للإنسان أن يسأل فيها، وأورد هنا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك يعني: أنه كلما كثرت المسائل كثرت الكدوح في الوجه، ويأتي يوم القيامة وهذه الكدوح في وجهه علامة على ذلك، وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث المتعلقة بذلك. قوله: (إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان) لأن سؤال السلطان ليس فيه سؤال لأموال الناس، فإن له حقاً في بيت المال، فإذا سأل في أمر لابد منه، أو كان مضطراً إلى السؤال فلا بأس، وذكر السلطان في الحديث يدل على الإباحة؛ لأن له حقاً، لكن إذا تعفف الإنسان ولم يسأل السلطان فهو أفضل. وإذا كان الرجل محتاجاً فله أن يسأل السلطان وغيره، وجاء في حديث عمر : (ما أتاك من غير استشراف ولا مسألة فخذه)، فهذا يدل على أن الإنسان يتعفف حتى فيما عند السلطان.
تراجم رجال إسناد حديث ( المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... )

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير ثقة فصيح عالم تغير حفظه، وربما دلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن عقبة الفزاري ]. زيد بن عقبة الفزاري ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سمرة ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: (تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أقم يا قبيصة ! حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال: سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً الفاقة، فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش -أو سداداً من عيش- ثم يمسك، وما سواهن من المسألة يا قبيصة ! سحت يأكلها صاحبها سحتاً) ]. أورد أبو داود حديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه: [ (أنه تحمل حمالة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)] أي بالحمالة؛ لأنه سأل عن هذه الحمالة، والصدقة -كما هو معلوم- قد تكون أكثر من الحمالة وقد تكون قليلة، فالذي يبدو أن الذي يؤمر له به هو الحمالة التي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها. ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فله أن يسأل حتى يصيبها ثم يمسك) أي: حتى يحصل ما تحمله ثم يمسك، أي: فلا يستمر في السؤال، ولا يبحث عن شيء زائد على ذلك. (ورجل أصابت ماله جائحة) أي: إما احتراق، أو كان زرعاً أصابه برد فهلك، أو نزل عليه بَرَد وحتّه فتساقط، أو مرّ عليه سيل وأهلك المال الذي عنده، أو غير ذلك من الأسباب الظاهرة التي تكون معروفة ولا تخفى على الناس، فهذا يسأل حتى يحصِّل سداداً وقواماً من العيش، ولا يسأل حتى يحصل المال الذي ضاع منه ويرجع كما كان، وإنما يسأل عن الذي يكفيه. فالأول يسأل حتى يحصِّل الحمالة التي تحملها، وهذا يسأل حتى يحصل ما تكون به الكفاية، ولا يستمر حتى يرجع إليه ماله الذي فقده. قوله: (ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً الفاقة، فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش)، فهذا حصل له الفاقة بسبب خفي لا يعرف، والأول حصلت له جائحة، والجائحة تعرف؛ لأن الناس يشاهدونها ويعاينونها، وأما الفاقة فهي أمر خفي، فهذا لا يكفي أن يقول ويصدَّق فيما يقول، بل قال: (حتى يقول ثلاثة من أهل الحجا: إن فلاناً أصابته فاقة، فيسأل حتى يحصل سداداً من عيش، أو قواماً من عيش)، وأهل الحجا هم أصحاب العقول الذين عندهم فهم وخبرة ومعرفة، فيخرج بذلك الذين عندهم غفلة وليس عندهم خبرة ومعرفة، فإن مثل هؤلاء قد يقولون غير الحقيقة، لذا نصّ على أهل الحجا والعقل، فإذا شهدوا وأخبروا بأن فلاناً قد أصابته فاقة فله أن يسأل حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش. قوله: (وما سوى ذلك يا قبيصة ! فسحْت يأكله الإنسان سحتاً)، والسحت: هو ذاهب البركة، أي: الذي لا بركة ولا خير فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (إنّ المسألة لا تحل إلّا لأحد ثلاثة...)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هارون بن رئاب ]. هارون بن رئاب ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني كنانة بن نعيم العدوي ]. كنانة بن نعيم العدوي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن قبيصة بن مخارق الهلالي ]. قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي .

شرح حديث (إن المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة لذي فقر مدقع...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة أخبرنا عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوداً بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه. قوله: (إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع) أي: فقر شديد. قوله: (أو لذي غرم مفظع) أي: تحمل حمالة كبيرة، فتحل له المسألة. قوله: (أو لذي دم موجع) أي: أنه أصلح بين الناس وحقن الدماء، فإنه يحل لمن كان كذلك أن يسأل حتى يحصل مراده. والحديث في إسناده أبو بكر الحنفي وهو مجهول لا يعرف، فهو إذاً غير صحيح. وهذا الحديث يدل على جواز البيع بالمزايدة، وأنه لا يدخل في النهي عن البيع على البيع، لأن النهي عن البيع على البيع يكون إذا وجد الاستقرار وتمام البيع، ويكون في مدة خيار، وأما أن يقول: من يشتري هذا؟ فيقول رجل: أنا بكذا، ثم يزيد آخر فهذا لا بأس به، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم فيه الحث على العمل، وأن على الإنسان أن يسعى ويعمل، وأن ذلك خير له من أن يسأل الناس. وفيه بيان من تحل له المسألة. والحلس: هو كساء يفرش بعضه، ويتغطى ببعضه. وقوله: (نلبسه ونجلس عليه)، يطلق اللبس على التغطية، أي: أنهم يتغطون به، ومن ذلك حديث أنس : (فعمدنا إلى حصير قد اسود من طول ما لبس) أي: من طول ما استعمل في الافتراش، وهنا قال: (نلبسه)، أي: نلتحف به. والقعب: هو وعاء أو قدح.


ابوالوليد المسلم 24-12-2024 07:45 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث (إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة لذي فقر مدقع...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأخضر بن عجلان ]. الأخضر بن عجلان صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي بكر الحنفي ]. أبو بكر الحنفي لا يعرف حاله، أخرج له أصحاب السنن. وقد ذكروا اثنين ممن هو أبو بكر الحنفي، الأول عبد الله البصري ، وهو متقدم في طبقة التابعين، والثاني متأخر اسمه عبد الكبير ، والأول ضعيف، والثاني المتأخر ثقة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كراهية المسألة


شرح حديث عوف بن مالك في البيعة على ترك السؤال


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية المسألة. حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين، عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا قد بايعناك، حتى قالها ثلاثاً فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله! إنا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا، وأسر كلمة خفية قال: ولا تسألوا الناس شيئاً، قال: فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحداً أن يناوله إياه) ]. ثم أورد أبو داود .. حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة، فقال: ألا تبايعون؟ قلنا: قد بايعناك! فكررها، فبسطوا أيديهم لمبايعته فبايعوه، فقال رجل: على أي شيء نبايعك وقد بايعناك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا) أي: لولاة الأمور، وهذا في المعروف. قوله: (وأسر كلمة خفية قال: ولا تسألوا الناس شيئاً)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وهو لفظ عام، قال: فكان بعض هؤلاء النفر الثمانية أو السبعة أو التسعة إذا سقط منه سوطه وهو على الفرس فإنه ينزل ويأخذه، ولا يقول لأحد: ناولني إياه؛ أخذاً بقوله: (ولا تسألوا الناس شيئاً)، وهذا فيه دليل على عنايتهم وقيامهم بتنفيذ ما بويعوا عليه على التمام والكمال حتى في هذه الأمور اليسيرة، ويدل أيضاً على أن الإنسان يحرص ألّا يسأل، بل يحرص على أن يكون معطياً، لا أن يكون سائلاً، وقد جاء في الحديث: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك في البيعة على ترك السؤال

قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار الدمشقي صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز وهو دمشقي أيضاً، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة يعني: ابن يزيد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شامي أيضاً. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. أبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله وهو من كبار التابعين، فقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من كبار الصحابة، وهو من ثقات التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسلم الخولاني ]. وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك ]. وهو الأشجعي رضي الله عنه، وقد نزل الشام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا فالإسناد مسلسل بالشاميين من أوله إلى آخره. قول أبو مسلم الخولاني : (حدثني الحبيب الأمين). هذا ثناء على من حدثه وهو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: أما الحبيب فهو حبيب إلى نفسي وإلى قلبي، وأما الأمين فهو عندي أمين، أي: أنه فسر كونه يحبه ويصفه بالأمانة، وهذا مدح وثناء على هذا الصحابي الذي لقيه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبيعة تكون للإمام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وهو الذي يبايع الناس، وعلى الإنسان أن يلتزم بما بايع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله عليه، وذلك بأن يأخذوا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي التي حصلت المبايعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وأما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يبايع كما بويع رسول الله، فلا يبايع على ألا يشرك بالله شيئاً، وألا يفعل كذا وكذا، فهذا كان يحصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الولاة فيبايعون على السمع والطاعة والنصح للمسلمين. وأما البيعات المستحدثة فهي كاسمها مستحدثة، وذلك أن يبايع شخص وهو ليس بخليفة فهذا مما أحدث، والناس إذا احتاجوا إلى أن يكون لهم شخص يرجعون إليه فلا بأس، ولكن لا يُبايع، وذلك مثل أمير السفر، فقد جاء في السنة أنه إذا سافر الثلاثة فإنهم يؤمرون عليهم واحداً منهم، ولا يحتاجون في ذلك إلى بيعه، فالبيعة إنما تكون للسلطان. وهذه الشروط التي بايعهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم كألّا يسألوا الناس شيئاً عامة، وليست خاصة بالذين بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وهي أمور مطلوبة، وعلى الإنسان أن يأخذ بها. [ قال أبو داود : حديث هشام لم يروه إلا سعيد ]. أي أن حديث هشام بن عمار لم يروه إلا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد ، أي: أنه مما تفرد به.
شرح حديث (من يتكفّل لي ألّا يسأل الناس شيئاًً وأتكفل له بالجنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي العالية عن ثوبان رضي الله عنه، قال: وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان : أنا، فكان لا يسأل أحداً شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً وأنا أتكفل له بالجنة؟ وهذا يدل على أن الذي تقدم في الحديث السابق عاماً وليس بخاص؛ لأن الشيء الذي بايع عليه الناس هو نفسه الذي قال فيه: من تكفل لي ألا يفعل كذا فله الجنة، فهو إذاً حكم عام وليس خاصاً بأولئك الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه التحذير من المسألة والحرص على ألا يكون الإنسان سائلاً، اللهم إلا إذا كان في أمر لابد منه، كما جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر بعضها وبيان من تحل له المسألة. وبعض الناس قد يبيع ضروريات المنزل حتى لا يسأل الناس؛ استعفافاً من ذلك فأقول: الأشياء التي لابد منها لا يبيعها، كالفرن أو الثلاجة، فهو بحاجة إلى فرن وإلى ثلاجة، ولو باعها فإنه يحتاج إلى فرن وثلاجة مكانها، وكذلك غيرها من الأشياء الضرورية، فليس له أنه يبيعها، لكن لو باع الكماليات والأشياء التي يستغنى عنها فلا بأس.
تراجم رجال إسناد حديث (من يتكفل لي ألّا يسأل الناس شيئاً وله الجنة...)

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ] . عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه هو: معاذ بن معاذ ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، مر ذكره. [ عن عاصم ]. عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع بن مهران ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن.

الأسئلة



حكم تمثيل أشخاص الصحابة رضي الله عنهم، والموقف من ذلك


السؤال: ما حكم من أفتى بجواز تمثيل الصحابة؟ وما هو موقفنا نحن طلاب العلم نحو ذلك وخاصة أن ذلك، يعرض على الملايين من الناس؟


الجواب: أقول: التمثيل من حيث هو لا يجوز، وإذا كان للصحابة فهو أسوأ وأسوأ. وإن القلب ليحزن، والعين لتدمع عندما يُسمع ويشاهد الذين يقومون بتمثيل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تمثيلاً يختلف عما هم عليه باطناً وظاهراً، فيظهرون بأشكال منكرة كحلق اللحية، والجلوس مع النساء وغير ذلك، وهذا زيادة شر، فإذا انضاف إليه شرور أخرى فهو شر إلى شر. والتمثيل في حد ذاته حرام لا يجوز، وهو للصحابة من باب أولى، فإذا كان في أمور لا تليق بهم وكانت منكرة فيصير شراً إلى شر، وسوءاً إلى سوء، ويصير كما قيل في المثل: حشفاً وسوء كيلة.

حكم الأحاديث التي سكت عنها أبو داود في سننه


السؤال: ما هو القول الراجح فيما سكت عنه أبو داود، هل هو صالح للاحتجاج، أو أنه صالح للعمل دون الاحتجاج؟


الجواب: تبين بالتتبع والتجربة أن الذي سكت عنه أبو داود فيه أحاديث ضعيفة، فكل شيء يحكم عليه بحسبه، فمنه ما يصح ومنه ما لا يصح.

إقامة أماكن عامة للعزاء في الفنادق وقصور الأفراح


السؤال: لعلكم اطلعتم على ما ذكر في الجرائد أن هناك من يطالب بأن تكون هناك أماكن للعزاء في الفنادق وقصور الأفراح، كما أن هناك للأفراح أماكن، فما رأي فضيلتكم؟


الجواب: هذه دعوة إلى الباطل وإلى المآتم، فيريدون أن يحدثوا المآتم كما أُحدثت في أماكن كثيرة من البلاد الأخرى، فهي دعوة إلى الباطل، فالميت إذا مات يعزى أهله سواء في المقبرة، أو في المسجد، أو في الطريق، أو بالتلفون، أو بالحضور وزيارتهم في بيوتهم، لكن لا يكون ذلك بطريقة فيها تنبيه للناس، بأن يكون هناك إقامة سرادقات، أو إقامة أماكن تخصَّص لهذا، فهذا لا شك أنه من محدثات الأمور، ولم يكن في عهد سلف هذه الأمة، فالواجب الحذر من ذلك والابتعاد منه.

حكم أخذ وطلب ما يوزع في الحج من عصائر ومياه باردة


السؤال: ما يوزع في الحج كالعصائر والمياه الباردة، هل إذا طلبها الشخص من المتصدِّق يكون داخلاً في حديث الكدوح؟

الجواب: الشيء المبذول والموقوف للتوزيع لا يكون أخذه من المسألة، فالناس هنا هم الذين يوزعون على بعضهم، فإذا جاء وأخذ من هذا الشيء المبذول فليس هذا من السؤال، وسواء جاء هو وأخذ، أو جيء إليه، فمثل هذا لا بأس به، ومثل هذا مسألة السُّفر في أيام رمضان، لكن للإنسان أن يستغني عن ذلك ويتركه للمحتاجين، وإذا كان يحتاج إليها فليشاركهم.

حكم إسقاط الدين بدلاً من الزكاة


السؤال: رجل أخذ ديناً ثم أصبح فقيراً، والدائن غني جداً، فهل له أن يسقط الدين بدلاً من الزكاة؟


الجواب: ليس له ذلك، ولكنه يعطيه -لفقره- من الزكاة حتى يأكل، وينظره في الدين الذي عليه إلى ميسرة، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، وليس للإنسان أن يجعل الزكاة وقاية للمال، أي: ليس له أن يتخلص من الحقوق التي عليه للناس بالزكاة، أو أن يستوفي حقوقه عند الناس بواسطة الزكاة، فلا يصل إلى الفقراء شيء.

حال جمعية الحرمين الخيرية


السؤال: بعضهم يسأل عن مؤسسة الحرمين: هل تعلمون عنها شيئاً، وما حكم الاشتراك معها؟


الجواب: أعلم أنها مؤسسة خيرية، وأنها تقوم بأعمال عظيمة وكبيرة فيما نسمع، ولا أعلم شيئاً عليها، وليس عندي تفاصيل.

حكم من فرّط في إخراج الزكاة لسنوات وهو الآن لا يدري كم عليه


السؤال: رجل فرط في أداء الزكاة لسنوات ماضية، ولا يدري الآن كم يجب عليه فيما مضى، فماذا يصنع؟


الجواب: يجب عليه أن يُخرج حتى يطمئن إلى أن ذمته قد برئت، وعليه أن يتحقق أن ذمته قد برئت.

حكم سؤال الجمعيات الخيرية


السؤال: هل يجوز سؤال الجمعيات الخيرية؟


الجواب: الإنسان المحتاج يسأل؛ لأن الجمعيات الخيرية عندها أموال تجمعها، سواء كانت زكاة أو غير زكاة، فالإنسان الذي يحتاج يسأل، والذي لا يحتاج يترك المسألة.

حكم من سأل من فاقه فأعطي مالاً فاتخذه للتجارة


السؤال: إذا سأل الرجل من فاقة أو جوع ثم أعطي مالاً ليسد جوعته، لكنه بعد ذلك يستعمل هذا المال في أغراض أخرى كالتجارة وغير ذلك؟

الجواب: إذا أعطي مالاً قليلاً فاشترى شيئاً يبيع فيه حتى تحصل له فائدة ويستغني عن الناس فهذا شيء طيب لا بأس به، وإذا أعطي شيئاً فقد ملكه، فله أن يأكله أو أن ينميه ويأكل من نمائه.

حكم المسألة من الجامعة التي يدرس فيها


السؤال: نحن طلاب الجامعة، فهل تقوم الجامعة مقام السلطان وولي الأمر فتجوز المسألة؟


الجواب: لا تقوم الجامعة مقام السلطان، لكن إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن يسأل الجامعة أو غير الجامعة، وكانت المسألة تحل له فلا بأس.

شبه حول تحريم التصوير

السؤال: يقول رجل في جريدة الشرق الأوسط اليوم: إن المصكوكات والدراهم والدنانير التي كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ومن بعدهم كانت عليها صور كسرى و هرقل ، ورغم ذلك لم يغيرها أحد، بل بقي الأمر كذلك حتى جاء عبد الملك بن مروان واستبدلها بصورته، فدل ذلك على أن الإسلام لم يحرم التصوير؟


الجواب: من أين له أن عبد الملك جعل عليها صورته، ولو جعل عليها صورته فليس في ذلك دليل، وكذلك قوله: إنها كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و عمر عليها تصاوير كسرى و قيصر يحتاج إلى إثبات، ثم لو كانت عليها صور فيجوز إبقاؤها واستعمالها، وهم لم يفعلوا ذلك، وهذا مثل الكساء أو الثوب الذي فيه صور، فإنه لا يجوز للإنسان أن يعمل صوراً في الكساء، ولكنه إذا وصل إليه كذلك فإنه يستعمله في الأمور الممتهنة وغيره. وعلى كل فما نعرف شيئاً يدل على أن تلك النقود كان فيها صور، ولا نعلم شيئاً يدل على أن عبد الملك لما شكل تلك النقود جعل فيها صورته، لا نعرف شيئاً يثبت هذا كله، ولو ثبت شيء من ذلك فلا يدل على حل التصوير؛ لأن تحريم التصوير قد جاءت فيه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كافية شافية، فعليها يعوّل ولا يعول على سواها، ولو ثبت أنه وجد في تلك النقود تصاوير ففرق بين إنشاء التصاوير، وبين أن تكون هناك صور في شيء ثم يستعمل ويستمر استعماله وهو على حالته، كالفرش أو الكساء، فإنها ممتهنة فلا تحرق ولا تتلف، وإنما يستفاد منها بما يناسب.

اتخاذ المسألة مورداً للعيش بحجة الانشغال بطلب العلم

السؤال: رجل يدعي أنه يطلب العلم، وهو كذلك لكنه لا يعمل، فيتخذ المسألة مورداً للعيش بحجة أنه يتفرغ لطلب العلم، مع العلم أنه في صحة وعافية، وفي سن الشباب؟


الجواب: يمكن أن يجمع الإنسان بين العلم وبين العمل لتحصيل العيش، فالعلم لا يستغرق الوقت كله، فيستطيع الإنسان أن يوفق بين طلب العلم وبين العمل.

حكم طلب وسؤال الدعاء من الناس


السؤال: هل طلب الدعاء من الغير يدخل في باب سؤال الناس؟ وما حكم طلب الدعاء من الغير؟


الجواب: على الإنسان أن يسأل الله بنفسه، وأن يقوي صلته بالله عز وجل، فهذا هو الذي ينبغي، وبعض أهل العلم يمنع ذلك، وبعضهم يجيزه محتجاً بما جاء في قصة أويس القرني رحمة الله عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجده فليطلب منه أن يستغفر له)، وقال بعضهم: إن السؤال بالنسبة لأويس إنما هو لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فالذي ينبغي للإنسان أن يقوي الصلة بالله عز وجل بنفسه، ولا تكون مهمته أن يقول: ادع لي ادع لي لكل من يلقاه، بل يدعو الله عز وجل هو بنفسه.

جواز أخذ طالب العلم من الزكاة

السؤال: أنا طالب متزوج وعلي دين قدره: ألفان وخمسمائة ريال، فهل يجوز لي أن آخذ من الزكاة، علماً بأن عندي قوت يومي؟

الجواب: يجوز لك أن تأخذ من الزكاة.

حكم المسألة لبناء المساجد أو لإصلاحها

السؤال: هل تجوز المسألة لبناء المساجد أو لإصلاحها وغير ذلك مما فيه مصلحة للمسلمين؟

الجواب: هذا جائز وليس بسؤال للناس، فإذا كان الإنسان واسطة خير، وطلب المساهمة في عمل خيري فهذا ليس بسؤال؛ لأنه لا يسأل لنفسه، بل يكون هذا من التعاون على البر والتقوى، فالناس بحاجة للمساجد، فإذا انتدب أحد وسأل الناس من أجل أن يساهموا في بناء المساجد فقد أحسن إلى نفسه وإلى غيره، فأحسن إلى الذين طلب منهم وساهموا، وأحسن إلى نفسه أن سعى في الخير، وأحسن إلى الناس الذين هم بحاجة إلى ذلك المسجد؛ لتحصل الصلاة في ذلك المسجد، فالمسألة الممنوعة أن يسأل الإنسان لنفسه، وأما السؤال لوجوه الخير، بحيث يكون الإنسان صادقاً في طلبه، ولا يكون هناك مجالات للف والدوران وأكل أموال الناس بالباطل فهذا لا بأس به.

الشفاعة في مصلحة خيرية ليست من المسألة

السؤال: هل الشفاعة لبعض الإخوة المحتاجين في مصلحة خيرية من المسألة المذمومة؟


الجواب: لا بأس بذلك، فالشفاعة في الخير خير، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا)."




ابوالوليد المسلم 24-12-2024 07:48 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [200]
الحلقة (231)





شرح سنن أبي داود [200]

يجوز للمحتاج أن يسأل ما يسد به حاجته، لكن من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، واليد العليا خير من السفلى، وإذا أتى الإنسان مال من غير سؤال فليأخذه.

الاستعفاف


شرح حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعفاف. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الاستعفاف، والاستعفاف مأخوذ من العفة، وهو أن يستغنى عما في أيدي الناس، فلا يسأل إلا إذا كان مضطراً كما جاءت بذلك الأحاديث التي مر ذكر شيء منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم) يعني: لا أختص به، ولا أبقيه دون أن يصل إليكم شيء منه، وإنما يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه كما هو معلوم من حاله، فهو أجود الناس عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) فكان ينفق ما يقع في يده في سبيل الله عز وجل، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قوت أهل بيته من خيبر ومن فدك فيبذله وينفقه، فينتهي في وقت قريب قوت سنة، وهذا قاله بعدما فرغ ما عنده، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الاستغناء والاستعفاف فقال: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)؛ لأن الإنسان إذا صبر استعف واستغنى ولم يحصل منه السؤال والإلحاف في المسألة، فهذا من النبي صلى الله عليه وسلم حث على الاستغناء والاستعفاف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، وفيه دليل على عظم شأن الصبر وأهميته، وأن من بذل الأسباب وحرص على الصبر فإن الله تعالى يوفقه لتحصيله، ويجعله يتصف به. ثم أرشد إلى عظيم شأن الصبر قال: (وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)، وهذا يدلنا على عظم شأن الصبر، وأن من صبر حصل له الاستعفاف والاستغناء؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فإذا كان القلب غنياً فإن اليد تتبعه، وإذا كان القلب غير غني، واليد فيها شح فإن الكثير الذي فيها تعتبره قليلاً، وتراه يبحث عن المزيد، فيكون شأنه الأخذ وليس الإعطاء، وهذه صفة ذميمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات)، فقوله: (ومنع وهات) أي: أنه يطلب ولا يعطي، فيكون جموعاً منوعاً.

تراجم رجال إسناد حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ] . عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بنسبته وكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر و أم المؤمنين عائشة ، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
شرح حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب حدثنا ابن المبارك وهذا حديثه عن بشير بن سلمان عن سيار أبي حمزة عن طارق عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته) أي: إذا اعتمد على الناس وعول عليهم، وغفل عن الله عز وجل فإنها لا تسد فاقته. والفاقة: هي الفقر وشدة الحاجة، فإذا عول الإنسان على الناس فإنه لا يحصل له ما يريد؛ لأنه إذا اعتمد على الناس تُرك على الناس، وأما إذا اعتمد على الله فإن الله تعالى يهيئ له الرزق من حيث لا يحتسب كما قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3]، أي: كافيه. قوله: (ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل) أي: بأن يموت قريب له عنده مال فيرثه، فيصير إليه المال من جهة لم يفكر فيها، ولم تقع له على بال، بل ساقه الله إليه من حيث لم يحتسب. (أو بغنى عاجل) أي: بأن يهيئ الله له الخير، ويهيئ له الأسباب التي توصله إلى الغنى فيحصل له الغنى.
تراجم رجال إسناد حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدّ فاقته .. )

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. عبد الله بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب ] . عبد الملك بن حبيب أبو مروان وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا ابن المبارك ]. ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر كثيراً من صفاته الحسنة: جمعت فيه خصال الخير. [ وهذا حديثه ]. أي: حديث ابن المبارك صاحب الطريقة الثانية. [ عن بشير بن سلمان ]. بشير بن سلمان ثقة يغرب، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سيار أبو حمزة ]. سيار أبي حمزة مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن طارق ]. طارق بن شهاب ، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يسمع منه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني ، وفيه هذا الرجل المقبول، فلعل له شواهد.

شرح حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي : (أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسأل يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، وإن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين) ]. أورد أبو داود حديث الفراسي رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أسأل يا رسول الله! يستأذنه في أن يسأل والأصل: أأسأل؟ فحذفت همزة الاستفهام. قوله: (فقال: لا) أي: لا تسأل، وإن كنت بحاجة إلى السؤال فاسأل الصالحين؛ لأن سؤال أهل الصلاح فيه منافع من ذلك أنّ مال أهل الصلاح جاء من طريق حلال، وهذا بخلاف الفاسق، وربما إذا سأله استذله. وفي إسناد هذا الحديث من هو متكلم فيه، وهو مسلم بن مخشي ، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولكن لا شك أن الإنسان إذا كان سائلاً فليسأل أهل الخير والصلاح والاستقامة، وهذا أولى من أن يسأل أهل الفسق، والحديث كما قلنا لم يثبت من حيث الإسناد.

تراجم رجال إسناد حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )


قوله: [ حديثا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث بن سعد ]. ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن ربيعة ] . جعفر بن ربيعة المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن سوادة ]. بكر بن سوادة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مسلم بن مخشي ]. مسلم بن مخشي مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن ابن الفراسي ]. ابن الفراسي قال الحافظ : لا يُعرف اسمه، قلت: هذه الجهالة في معرفة اسمه وليست في الحكم عليه فقد يكون صحابياً لا يعرف اسمه، وهنا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضه أنه روى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة.

شرح حديث ( إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي رضي الله عنه قال: (استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله، قال: خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن عمر استعمل ابن الساعدي على الصدقة، أي: عاملاً على جبايتها؛ ولما فرغ أعطاه العمالة، وهي ما يقابل عمله، فقال: إني إنما عملت لوجه الله عز وجل ولا أريد شيئاً، فقال: خذه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملني على الصدقة فقلت ما قلت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق. فالحديث يدل على بعث العمال على الصدقة، وإعطائهم مقابل عملهم، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من أهل مصارف الزكاة، وأنهم يعطون ولو كانوا أغنياء، وفيه أن الإنسان إذا عمل لوجه الله عز وجل ثم حصل له شيء فإن ذلك لا يؤثر في قصده، فله أن يأخذه، ويكون هذا من الثواب الذي يعجله الله عز وجل له في الدنيا قبل الآخرة، فهذا الرجل وقبله عمر ذكر أنه عمل ذلك لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ) أي: كل وتصدق، واستفد وأفد، وأنفق على نفسك وعلى غيرك. وفي هذا أن الإنسان إذا عمل عملاً لوجه الله تعالى ثم أعطي عطاء على ذلك فإنه يأخذ، ويكون له الأجر والثواب عند الله عز وجل، ومعلوم أنه يجوز للمرء أن يدخل في العمل كجباية الزكاة وهو يريد الأجر على ذلك، فلا مانع من ذلك، وقد جاء في قصة الفضل بن عباس ورفيقه اللذين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يوليهما على الصدقة ليحصل لهما شيء يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، ثم أمر العباس بأن يزوج ابنه، وأمر بمقدار من المال لتزوجيهما، فدل ذلك على أن الإنسان إذا عمل عملاً ووجد أجراً على ذلك فلا بأس به، وإذا عمل عملاً يستحق عليه أجراً فترك الأجر لوجه الله، فأعطي مع ذلك فلا مانع منه، ويكون ذلك من الثواب المعجل الذي يعجله الله للإنسان في الدنيا قبل الآخرة. وأما تعليم القرآن وأخذ الأجرة عليه ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بعدم أخذ الأجرة عليه، وإنما يؤخذ الجُعل، وكذلك ما يكون في الأوقاف، أو من بيت المال، فلا بأس بذلك. وأما المؤاجرة على ذلك، وكون الإنسان في أعمال الخير كتعليم القرآن، وإمامة المساجد، والأذان وغير ذلك من القرب ويعتبر نفسه أجيراً، أو أنه مثل أصحاب المهن والحرف، فليس مثلهم، ولكنه إذا جُعل له شيء من بيت المال، أو خُصص لمن يتفرغ لهذه المهمة، أو إذا كانت هناك أوقاف أوقفت على وجوه الخير كأئمة المساجد، والمؤذنين، ومعلمي القرآن، فإنهم يأخذون ذلك ولهم ثوابهم عند الله عز وجل، ويكون هذا من الثواب المعجل الذي يحصله الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وإنما المحذور في هذا هو يُعلِّم القرآن أو أن يكون إماماً ويصلي بالناس ولا يفعل ذلك إلا بأجرة، ويتفق معهم على أجرة، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في (آداب المشي إلى الصلاة) أن الإمام أحمد سئل عن رجل يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً، فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟ لكن لو صلى ولم يطلب منهم شيئاً فأعطوه أو جمعوا له شيئاً، أو كانت هناك أوقاف فأعطي منها فلا بأس بذلك، ويكون هذا من الثواب المعجل.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أُعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق)


[ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الساعدي ]. ابن الساعدي وقيل: ابن السعدي : عبد الله بن السعدي صحابي أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه. قوله: (قال: فلما فررت منها وأديتها أمر لي بعمالة) أي: أمر له بمبلغ من المال مقابل العمل. وقوله: (عملني) أي: أعطاني العمالة.
شرح حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف منها والمسألة: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة) ، وهذا الحديث يدل على فضل الإعطاء، وعلى ذم السؤال، وعلى تمييز من يعطي على من يأخذ، ووصف يد المعطي بأنها العليا، ووصف اليد الآخذ بأنها السفلى، وقال: إن اليد العليا خير من اليد السفلى، مع أن الوصف بالعلو والوصف بالسفل كافٍ لمعرفة أن هذا خير من هذا؛ لأن ما يوصف بالعلو خير مما يوصف بالسفل، ولكنه نص على الخيرية زيادة في الإيضاح والبيان على عظم شأن الإنفاق، وكون المنفق يده عليا وخيّرة، والسائل أو الآخذ يده سفلى، وهو دون ذلك المعطي، ثم فسر اليد العليا بأنها المنفقة، والسفلى بأنها الآخذة، وهذا يدلنا على فضل الإعطاء والبذل، وعلى ذم السؤال إلا إذا كان لحاجة.
تراجم رجال إسناد حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع ] نافع هو مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود اختلف على أيوب عن نافع في في هذا الحديث، قال عبد الوارث : اليد العليا المتعففة، وقال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب : اليد العليا المنفقة، وقال واحد عن حماد : المتعففة ]. ثم ذكر أبو داود اختلاف الرواة في بيان اليد العليا، فذكر أولاً أنها المنفقة، وذكر في طريق أخرى أنها المتعففة، أي: أن المتعفف الذي لا يسأل هو على خير، وهو محمود، وهو ليس كالسائل، بل قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله) ، إلا أن الرواية المحفوظة هي رواية: المنفقة، وقد رجح الخطابي رواية: المتعففة على غيرها، وقال: إن هذا علو معنوي، وأما الشيخ الألباني فيقول عن المتعففة هذه بأنها شاذة، وأن المحفوظة هي رواية المنفقة. [ قال أبو داود : اختلف على أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع في هذا الحديث، فقال عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال أكثرهم عن حماد بن زيد ]. حماد بن زيد هو حماد بن زيد البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال واحد عن حماد ]. هذا الواحد هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ، وله أيضاً متابع، وهو أبو الربيع الزهراني سليمان بن داود .

شرح حديث (الأيدي ثلاث فيد الله العليا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل، ولا تعجز عن نفسك) ]. أورد أبو داود حديث مالك بن نضلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأيدي ثلاث: يد الله العليا، والتي تليها يد المعطي، ويد السائل هي السفلى) ، فيد الله هي العليا؛ لأن الله تعالى هو المعطي على الحقيقة، وإعطاء الإنسان إنما هو تابع لإعطاء الله عز وجل، قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وقال عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وكما جاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) . وكما في حديث معاوية : (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي) . فالمعطي على الحقيقة هو الله عز وجل، وقد جُعل الإنسان سبباً في وصول هذه النعمة، ولكن حقيقة الإعطاء هي من الله عز وجل، وهذا وإن كان معطياً إلا أن الله تعالى هو الذي جعله معطياً، وهو الذي جعله سبباً في وصول ذلك الخير إلى الغير. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) فيه إشارة إلى هذه الأيدي الثلاث؛ لأن الله تعالى هو المعطي، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القاسم، فيعطي كما أمره الله وأرشده، والمعطى هو السائل، أو الذي يعطى من غير سؤال. قوله: (فأعط الفضل) يعني: الشيء الزائد عن حاجتك. قوله: (ولا تعجز عن نفسك) أي: في مجاهدتها في كونها تشح بالمال وتحرص على إبقائه خوف الفقر. وقيل: إنه لا يعجز عن نفسه بأن يعطيها حقها، وأن يعطيها الشيء الذي هو لازم لها، والشيء الذي يكون به قوامها، فيقدمها على غيرها ولا يعجز عن ذلك، فالمعنى يحتمل هذا ويحتمل هذا.

تراجم رجال إسناد حديث (الأيدي ثلاث فيد الله العليا...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيدة بن حميد التيمي ]. عبيدة بن حميد التيمي صدوق ربما أخطأ أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثني أبو الزعراء ]. أبو الزعراء هو: عمرو بن عمرو -أو ابن عامر- بن مالك بن نضلة وهو ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هو: عوف بن مالك بن نضلة ، وهو عم أبي الزعراء ؛ لأن أبا الزعراء هو عمرو بن عمرو -أو ابن عامر- بن مالك ، و أبو الأحوص هو: عوف بن مالك بن نضلة ، وهو ثقة أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. مالك بن نضلة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن."





ابوالوليد المسلم 24-12-2024 10:19 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [201]
الحلقة (232)





شرح سنن أبي داود [201]

للزكاة مصارف معلومة نص عليها القرآن الكريم ويحرم صرفها في غير تلك المصارف، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة صرفها في بني هاشم، تكريماً لهم وتشريفاً؛ لأن الزكاة أوساخ الناس، ولاستغنائهم عنها بالفيء، ولكن إذا أعطي الفقير ونحوه من الزكاة، ثم أهدى منها لهاشمي، فإنها تجوز له.

الصدقة على بني هاشم


شرح حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الصدقة على بني هاشم. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع : اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة) ]. أورد أبو داود باب: الصدقة على بني هاشم وهاشم هو ابن عبد مناف ، وهو الجد الثاني لرسول صلى الله عليه وسلم، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فبنو هاشم هم الذين لا تحل لهم الصدقة، والمراد بهم: آل العباس، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، فهؤلاء هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة، وقد قصر بعض أهل العلم المنع على بني هاشم، وألحق بهم بعضهم بني المطلب، والمطلب هو أخو هاشم، وهما من أولاد عبد مناف، ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من الخمس من سهم ذوي القربى. وقد جاء في الصحيح أن عثمان بن عفان -وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف -و جبير بن مطعم النفيلي- وهو من بني نوفل بن عبد مناف- جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا: إنك أعطيت بني المطلب ولم تعطنا، ونحن وإياهم في القرب منك سواء؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة: هاشم و المطلب و عبد شمس و نوفل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى بني المطلب من خمس ذوي القربى، فجاء عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا وبنو المطلب شيئاً واحداً لم نفترق في الجاهلية والإسلام) أي: أنهم كانوا يناصرونهم، ولما حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب كانوا معهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من الخمس كما يعطي بني هاشم، قالوا: ومن أعطي من الخمس فإنه لا يعطى من الزكاة، فلا يجوز أن تدفع الزكاة لا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي. وأورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رجلاً من بني مخزوم قال له وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة: اصحبني حتى تصيب شيئاً، فقال: لا، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه وسأله، فقال: (إن مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)، فيدل هذا الحديث على أن مولى القوم منهم، وأن الموالي لا تحل لهم الصدقة، فمن العلماء من أخذ بمقتضى هذا الحديث وقال: لا تحل لمواليهما يعني: موالي بني المطلب وبني هاشم، ومنهم من قال: إن الموالي تحل لهم الصدقة، ولكن هذا الحديث يدل على أنها لا تحل لهم؛ لأنه قال: (مولى القوم من أنفسهم) أي: أن حكمه كحكمهم، وسبب عدم إعطاء آل البيت من الصدقة أنهم يعطون ما يكفيهم من الخمس، فعندهم شيء يغنيهم عن الصدقة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له يتعلق بآل البيت: إذا لم يعطوا من الخمس فإن الصدقة تحل لهم، فيجوز لهم أن يأخذوا منها؛ لأنهم إنما منعوا لإعطائهم من الخمس ومن الفيء، فإذا لم يُعطوا من الخمس، ولم يجدوا ما يكفيهم فإنها تحل لهم الصدقة؛ لأن الأمر الذي لم يعطوا من الزكاة لأجله غير موجود، فيجوز إذاً أن يعطوا من الزكاة حينئذ.
تراجم رجال إسناد حديث: (مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير هو: العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي رافع ]. ابن أبي رافع هو: عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رافع ]. أبو رافع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الفرق بين النسبة الحقيقية ونسبة الولاء

قوله: (مولى القوم من أنفسهم) يعني: حكمه كحكمهم، وليس المراد أنه من أنفسهم حقيقة؛ لأن المراد بأنفسهم نفس القبيلة، والمولى ليس من القبيلة، ولهذا يفرقون بين المولى وبين كونه من أنفسهم، فعندما يذكر البخاري و مسلم رحمة الله عليهما، يقال في البخاري : محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي مولاهم، يعني: أن نسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء، وإذا ذكروا مسلماً قالوا: مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، يعني: أن نسبته إلى بني قشير نسبة أصل، فكلمة (من أنفسهم) تقابل فكلمة (مولاهم). فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أنفسهم) يقصد أن حكمه حكم من كان من آل البيت، لا أنه منهم على الحقيقة؛ لأنه مولى وليس نسبه نسبهم.
شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و مسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا حماد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يمر بالتمرة العائرة) أي: الساقطة التي لا يعرف صاحبها، ولا يعرف هل هي من الصدقة أو من غير الصدقة، فصاحبها لا يعرف، وجهتها لا تعرف. قوله: (فلا يمنعه من أخذها إلا أن تكون صدقة) أي: لا يمنعه من أخذها وأكلها إلا أن تكون صدقة، وهذا يدل على الورع، وعلى الاحتياط في الدين، وعلى ترك الشيء المشتبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) . وكذلك جاء في بعض الأحاديث: (لا يبلغ الرجل أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)، فهو يدل على الورع. وهناك فرق بين الورع والزهد، فالزهد أن يزهد الإنسان في أموال الناس، وما في أيدي الناس، وأما الورع فهو أن يتورع عن الأشياء التي فيها اشتباه، فالورع غير الزهد، فالزهد أن يكون عنده غنى نفس، وألا يكون عنده طمع أو جشع، وأما الورع فهو الاحتياط، فقول صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) هذا ورع، وليس زهداً.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالتمرة العائرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة)


قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى قالا: حدثنا حماد ]. قوله: المعنى أي أن الشيخين اللذين ذكر ألفاظهما روايتهما متفقة في المعنى، وإن كان بينها اختلاف في الألفاظ. [ حدثنا حماد ]. حماد هو: ابن سلمة، فإذا روى عنه موسى بن إسماعيل هكذا غير منسوب -ويسمى بالمهمل، وهو أن يذكر الشخص دون أن ينسب- فالمراد به حماد بن سلمة ، وإذا روى مسدد عن حماد غير منسوب، فالمراد به ابن زيد وقد ذكر المزي في (تهذيب الكمال) بعد ترجمة حماد بن سلمة أن الحمادين يتفقان في كثير من الشيوخ والتلاميذ، ثم ذكر أنه إذا روى عنه فلان وفلان غير منسوب فهو فلان، وإذا روى عنه فلان فلان وفلان فهو فلان، وهذا ضابط يعرف به إذا جاء مهملاً، وذلك من خلال التلاميذ، وقد ذكر هذا في (تهذيب الكمال)، بعد ترجمة حماد بن سلمة ، وهي تلي ترجمة حماد بن زيد مباشرة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد تمرة فقال: (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها) ]. أورد أبو داود حديث أنس من طريق أخرى، وقال في هذه الرواية: (لولا أن تكون صدقة لأكلتها) ، فأخبر عن الشيء الذي يمنعه من أكلها وهو خشية أن تكون من الصدقة، فهو مثل الذي قبله.
تراجم رجال إسناد حديث (لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو: نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. وهوثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن قيس ]. خالد بن قيس وهو صدوق يغرب أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة و أنس قد مر ذكرهما. [ قال أبو داود : رواه هشام عن قتادة هكذا ]. قوله: رواه هشام عن قتادة هكذا، يعني: كما مر في الرواية السابقة، و هشام هو: ابن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عباس: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة)


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة). حدثنا محمد بن العلاء و عثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا محمد -هو: ابن أبي عبيدة- عن أبيه عن الأعمش عن سالم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، زاد أبي: (يبدلها له) ]. أورد المصنف حديث ابن عباس قال: (بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة) ، وزاد في الرواية الأخرى: (يبدلها له)، يعني: بعثه كي يبدلها له، وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه أعطي من الصدقة، وقد مر في الأحاديث السابقة أن بني هاشم لا يعطون من الصدقة، وأن الصدقة لا تحل لهم، قال العلماء: ويُفسَّر هذا الحديث -حتى يتفق مع الأحاديث الأخرى- بتفسيرين: الأول: أن يكون ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم. والثاني: أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه من الصدقة، فقد مر في حديث عمر الذي فيه: (منع العباس) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي علي ومثلها) ، وجاء في بعض التفسيرات: أنه استسلفها منه، فيكون هذا وفاءً وسداداً، أي: أنه سدد له من إبل الصدقة، وليس معنى ذلك أنه أعطي من الصدقة؛ لأن الصدقة لا تحل لآل محمد، ومنهم آل العباس ، وقد سبق الحديث الذي فيه: أن الفضل بن عباس جاء ومعه أحد أولاد الحارث بن عبد المطلب يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة؛ حتى يحصلا شيئاً يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تحل لآل محمد) ، فعلى هذا فما جاء في هذا الحديث يحمل على أحد هذين الأمرين: إما أن يكون هذا قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، أو أن هذا تسديد ووفاء لشيء استلفه منه صلى الله عليه وسلم كما جاء في بعض روايات الحديث السابق في أمر العباس .

إهداء الفقير للغني من الصدقة



شرح حديث: (هو لها صدقة ولنا هدية)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة. حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بلحم، قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدِّق به على بريرة ، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة. أي أن ذلك سائغ وجائز؛ لأن الصدقة إذا تُصدِّق بها على الفقير صارت ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، فله أن يهديها، وله أن يدعو لأكلها، وإلى أكل طعامه الذي تصدق عليه به؛ فإن الشيء إذا تصدق به على الفقير فإنه يدخل في ملكه، وتصير ملكاً له، وإذا أكلها غني بعد ذلك، أو أكلها من لا تحل له الصدقة؛ فإن ذلك لا بأس به، ولا محذور فيه، وقد سبق أن مرت بعض التراجم التي تماثل هذه الترجمة، وهنا جاءت بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الترجمة: باب الفقير يهدي إلى من لا تحل له الصدقة، لكان أولى. وسبق أن مرت بعض التراجم التي فيها أن فقيراً يهدي إلى غني، وفي بعض الأحاديث أنه يدعوه، فسواء أهدى إليه، أو دعاه لحضور وليمة، أو إلى أن يأكل من طعامه؛ فكل ذلك لا بأس به، لكن هذه الترجمة كان الأولى أن تكون كما ذكرت آنفاً. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قُدِّم إليه لحم فقال: (ما هذا؟ قالوا: لحم تصدق به على بريرة ، فقال عليه الصلاة والسلام: هو لها صدقة، ولنا هدية). يعني: أنه وصل إليها عن طريق الصدقة فملكته، ثم وصل إلينا هدية، والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل من الهدية ويقبلها، ولكنه لا يأخذ الصدقة صلى الله عليه وسلم، فوصول الصدقة إلى الفقير يصيرها ملكاً له، فيتصرف فيها كيف يشاء، فإذا شاء أن يهديها إلى من لا تحل له الصدقة فله ذلك، وإن شاء أن يدعو إليها من لا تحل له الصدقة فله ذلك، فقد خرجت عن كونها صدقة؛ لكونها صارت ملكاً للذي تُصدِّق بها عليه، فيتصرف فيها كيف شاء. ويدل هذا الحديث أيضاً على سؤال الرجل عما يحصل في بيته مما يكون غريباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما هذا؟) ، وذلك أنه رأى اللحم، وكان حصول اللحم ليس معتاداً لهم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام سأل عنه، فأُخبر عن حقيقته، وأنه تُصدِّق به على بريرة ، وأعطتهم بريرة إياه هدية، فقال عليه الصلاة والسلام: (هو لها صدقة، ولنا هدية) .

تراجم رجال إسناد حديث (هو لها صدقة، ولنا هدية)


قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود . [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فليس عنده ثلاثيات، بل إن أعلى شيء عنده هي الرباعيات، وهي ما كان بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهم هنا عمرو بن مرزوق ، و شعبة ، و قتادة ، و أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

الفرق بين الصدقة والهدية

والفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة -كما هو معلوم- يراد بها الثواب من الله عز وجل، وأما الهدية فهي مثل العطية، فيمكن أن تعطيها لغني، ويمكن أن تعطيها لفقير، وقد تكون الهدية على سبيل المكافأة، فقد يهدي للإنسان هدية فيكافئه بمثلها، وهذا بخلاف الصدقة فإنها يطلب بها الثواب، فلا يكون فيها مكافأة، ولا يكون فيها رد تلك المنة بما هو أحسن منها، أو بما هو مثلها؛ فإن الصدقة إنما هي إحسان ومنة من المحسِن إلى المحسَن إليه، وهي صدقة من المتصدِّق على المتصدَّق عليه، بخلاف الهدية، فإن الهدية تمليك كالعطية، وقد يكون المراد بها تحصيل المقابل أو تحصيل الثواب أو تحصيل المكافأة والمقابلة عند الحاجة.
من تصدق بصدقة ثم ورثها


شرح حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها. حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) ]. أورد أبو داود باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها، أي: أن رجوعها إليه بالميراث معتبر ولا إشكال فيه، وليس من العود في الصدقة؛ لأن الإرث هو انتقال من غير اختيار، فالميت إذا مات فإن ماله ينتقل مباشر من ملك إلى ملك، فهو أمر ليس للإنسان فيه دخل من حيث كونه يتسبب فيه، فإذا حصل أن رجعت الصدقة إلى المتصدق عن طريق الإرث فإن أجره ثابت؛ لكونه تصدق وأحسن، ورجوعها إليه بالميراث حق ثابت لا إشكال فيه ولا مانع منه، وليس من قبيل العود في الصدقة؛ فالإنسان لم يعد في صدقته، ولكنها هي التي عادت إليه بحكم الله عز وجل في الميراث، والميراث لا اختيار فيه لأحد، وإنما هو حكم الله عز وجل فيمن توفي، فإن أمواله تنتقل إلى الذين يرثونه على القسمة التي بيّنها الله عز وجل في كتابه العزيز، وبينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها تصدقت على أمها بوليدة) ، والوليدة هي الأمة الشابة، (وأنها ماتت) أي: أنها تسأل عن حكم رجوعها إليها بالميراث، وكأنها استشكلت أن ذلك يكون من العودة في الصدقة، وقد جاءت أحاديث تدل على المنع من ذلك، وكذلك العود في الهبة والعطية مذموم أيضاً، والعائد في ذلك: (كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في قصة الفرس الذي حمل عليه عمر رضي الله عنه في سبيل الله، ثم وجده يباع، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (لا تشتره، ولا تعُد في صدقتك)، فهذا يرجع إلى اختيار الإنسان، وأما أن تصل إليه بالميراث فهذا شيء خارج عن إرادته، والأجر ثابت له، فقد عادت إليه بحكم الله عز وجل، وذلك بالإرث الذي فرضه الله عز وجل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث) أي: أن ما حصل منك من الإحسان والتصدق على والدتك قد ثبت به لك الأجر من الله عز وجل على ذلك، وهي قد رجعت إليكِ بالميراث، فيدلنا هذا على أن رجوع ما تصدق به الإنسان أو ما أعطاه الإنسان هبة إذا رجع إليه بالميراث فإن هذا ليس من العود في الهبة، وليس من العود في الصدقة، فإن هذا شيء لا اختيار للإنسان فيه.
تراجم رجال إسناد حديث: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)

قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الإمام أحمد : إنه شيخ الإسلام. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن عطاء ]. عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة بن الحصيب ثقة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. بريدة وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة."




ابوالوليد المسلم 25-12-2024 04:18 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [202]
الحلقة (233)



شرح سنن أبي داود [202]

لقد فرضت الزكاة طهرة للمال ونماء، وقد ندب الله عباده إلى الصدقة بالفضل من الظهر والطعام، وإعارة دلو السقي ومنح الحلوب من الأنعام، ونحو ذلك مما يوجب الألفة والتكافل، ويعمل على التقارب بين طبقات المجتمع.

ما جاء في حقوق المال


شرح حديث (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حقوق المال. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر) ]. أورد أبو داود باباً في حقوق المال، أي: الحقوق المترتبة على المال، سواء كانت في الزكاة أو غير الزكاة. وأورد فيه شيئاً يتعلق بالزكاة، وأشياء هي غير الزكاة، وأورد في ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نعد الماعون) أي: الذي جاء ذكره في القرآن: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، (عارية الدلو والقدر) أي: الأشياء التي يحتاج الناس إلى التعاون فيها، وتبادل المنافع فيما بينهم، كإعارة الدلو، والقدر، والصحن، وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجها الناس ثم يرجعونها. قال: (كنا نعد الماعون عارية الدلو) أي: إعارة الدلو التي يستخرج بها الماء من البئر، وإعارة القدر التي يطبخ بها، أو التي تستعمل في أي وجه آخر من وجوه الاستعمال المباحة المشروعة، والمقصود من ذلك تفسير الماعون هذه الآية الكريمة: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، وهذا تفسير بالمثال؛ لأن ذكر الدلو والقدر مثال، وإلا فإن الأمور الأخرى التي يحتاج الناس إلى تبادلها على سبيل الإعارة فيما بينهم من الأواني وغيرها تدخل في ذلك. ومراد أبي داود من الترجمة أن هذه الأشياء من الحقوق.

تراجم رجال إسناد حديث (كنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية الدلو والقدر)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو : الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن أبي النجود ]. عاصم بن أبي النجود وهو عاصم بن بهدلة وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة. [ عن شقيق ]. شقيق بن سلمة هو: أبو وائل ، يذكر بكنيته أحياناً، ويذكر باسمه أحياناً أخرى، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلما مضت أُخراها ردّت عليه أولاها حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، فيبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه (ما من صاحب كنز) أي: سواء كان ذهباً أو فضة، لا يؤدي حقه إلا إذا كان يوم القيامة صفح له صفائح من نار، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره في نار جهنم، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، حتى يحكم الله تعالى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وقوله: (لا يؤدي حقها) حقها هو زكاتها، وقد سبق أن مر أن المال الذي أخرجت زكاته ليس بكنز، فالكنز الذي توعد عليه في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] إنما هو الذي لم يؤد حقه، فأما إذا أخرجت زكاته فلا يعتبر كنزاً؛ لأنه قد أدي الحق الذي عليه فيه. وقوله: (فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فيه دليل على أن من لم يؤد الزكاة التي هي عليه في ماله، ولم يكن ذلك جحوداً للزكاة، وإنما كان بخلاً وكسلاً فإنه لا يكون كافراً؛ لأنه قال هنا: (ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، والكافر لا سبيل له إلى الجنة، فليس أمامه إلا النار، فهذا يدلنا على أنه لا يكفر، ولكنه يعذب على ذلك في الموقف، وبعد ذلك يُرى مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار، فيحتمل أنه يصير من أهل الجنة، وأن الله تعالى يتجاوز عنه، أو أنه يعذب العذاب الذي يستحقه في القبر أو في الموقف في ذلك اليوم العظيم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، فيكون هذا نصيبه من العذاب على عدم إخراجه الزكاة تهاوناً وكسلاً. وأما إذا كان تركها جحوداً فإنه يكون كافراً؛ لأن جحود ما هو معلوم ثبوته من دين الإسلام بالضرورة كفر. قوله: (وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر) أي: بطح لها بمكان مستو ليس فيه ارتفاع ولا انخفاض. وقوله: (قرقر) قيل: إن المقصود به أنه أملس، وقيل: إنه هو نفس القاع، ولكنه ذكر هنا على سبيل التوضيح، ولعله في كونه مستوياً أن تمشي عليه بسهولة فتطؤه ذاهبة وآيبة، فتأتي يوم القيامة تلك الغنم التي لم يؤد حقها (ليس فيها عقصاء) وهي ملتوية القرن، (ولا جلحاء) وهي التي لا قرن لها، بل تكون قرونها بارزة كي تنطحه بها. (وتطؤه بأظلافها) ، والظلف: هو الذي يكون منقسماً إلى قطعتين، فهناك خف وظلف وحافر، فالخف يكون للبعير، والظلف يكون للشاة والبقرة، والحافر يكون للفرس وللحمار. (إذا مر عليه أخراها عاد عليه أولها) أي: بدأ أولها حتى ينتهي آخرها، ثم ترجع من جديد، وهكذا في هذا اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، حتى يحكم الله تعالى بين العباد، (ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار). قوله: (وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها) وحقها هو زكاتها، وهناك شيء آخر مع الزكاة سيأتي بيانه. قوله: (إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها إذا مر عليه آخرها عاد عليه أولها) أي: فرغت من أولها إلى آخرها عند ذلك تستأنف من جديد، فتأتي أولاها وتطؤه حتى تأتي أخراها.. وهكذا، ويكون ذلك في هذا اليوم الطويل الذي مقداره خمسون ألف سنة مما يعد الناس، حتى يحكم الله تعالى بين عباده فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. فالحق هنا هو الزكاة، ولكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أن هناك شيئاً آخر وراء هذا الحق، وهو حلبها يوم وِرْدها والتصدق بذلك، وكذلك إعارة دلوها وما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إليها، وهذا من الحقوق، وهي غير الحقوق الواجبة التي لابد منها، وهذا العذاب يكون قبل الفصل. وأما إذا ترك أداء الحق جحوداً فإنه يبقى في النار أبد الآباد؛ لأنه كافر، وأما إن كان تركها تهاوناً وكسلاً فإنه يعذب في النار على قدر جرمه، ثم بعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة، فلا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما أصحاب الكبائر والمعاصي فمهما طال مكثهم في النار فلابد أن يأتي يوم يخرجون منها ويدخلون الجنة. يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الوابل الصيب): هناك داران باقيتان لا تفنيان، وهناك دار تفنى، فأما الداران الباقيتان اللتان لا تنفيان فدار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، يعني: دار المتقين ودار الكفار، فهاتان باقيتان أبد الآباد، وأما الدار التي جمع أهلها بين الخبث والطيب فإنها تفنى، فالذين دخلوا النار يعذبون على قدر خبثهم، ثم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فيصير المكان الذي كان فيه هؤلاء العصاة خالياً ليس فيه أحد، وهذا هو معنى فنائها، وأما الكفار فالمكان الذي هم فيه في النار لا يخلو منهم أبد الآباد. وهذا واضح الدلالة على أن ابن القيم يرى دوام النار، وأنها لا تفنى، وأن التي تفنى إنما هي النار التي فيها العصاة، فإنه يأتي عليها يوم من الأيام وليس فيها أحد. وأما المكان الذي فيه الكفار فهذا باق أبد الآباد إلى غير نهاية. وهذا العذاب يكون في المحشر، وقد جاء في حديث الشفاعة العظمى: (أن الناس يموج بعضهم في بعض، ويلجمهم العرق، فمنهم من يكون العرق إلى ركبته، ومنهم إلى نصفه ... إلخ)، وهذا التفاوت بينهم على حسب الأعمال التي حصلت منهم في الدنيا، ثم بعد ذلك يبحثون عن طريق للخلاص من هذا الموقف، فينتهون إلى أن يستشفعوا برسل الله عز وجل إلى الله؛ ليخلصوهم مما هم فيه، (فيأتون إلى آدم فيعتذر، ثم إلى نوح فيعتذر، ثم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم إلى موسى فيعتذر، ثم إلى عيسى فيعتذر، ثم يأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، فيشفع، فيشفعه الله عز وجل)، وهذا هو المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون الآخرون، من لدن آدم وإلى أن تقوم الساعة، فحصل الخلاص للجميع من ذلك الموقف بهذه الشفاعة من الرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وسمي بالمقام المحمود؛ لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون، ولهذا جاء في أول الحديث: (أنا سيد الناس يوم القيامة) ، ونص على سيادته يوم القيامة مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة لأن سؤدده على الناس كلهم من أولهم إلى آخرهم يظهر في ذلك اليوم العظيم، ويظهر فضله وإحسانه على الجميع؛ لأن شفاعته شملت الجميع من آدم إلى آخر رجل، فكل الخليقة تمّ تخليصهم مما هم فيه من شدة الموقف بشفاعة نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث (ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل هو التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ثقة أخرج له البخاري و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أن البخاري أخرج له تعليقاً ومقروناً. [ عن أبيه ]. أبوه هو: أبو صالح ذكوان السمان ، فاسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (ومن حقها حلبها يوم وردها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير : سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: (يا رسول الله! ما حق الإبل؟ فذكر نحوه، زاد: وإعارة دلوها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال: وذكر نحوه، وقال: (وإعارة دلوها) ، والمراد بالدلو -كما هو معلوم- الدلو التي يستخرج بها الماء للإبل، فإذا كان عند الإنسان دلو فإنه يسقي إبله ويعير الدلو، فهذا من الحق والإحسان الذي يكون بين الناس، وقال صاحب (عون المعبود): ضرعها، وهذا ليس فيه إعارة الضرع، اللهم إلا أن تعار المنيحة كلها، فيحلبها ويرجعها، فهذا هو الذي يمكن إعارته، وأما الدلو فالمقصود بها الدلو المعروفة وليس الضرع، فتفسير الدلو هنا بالضرع غير واضح ولا مستقيم.

تراجم رجال إسناد حديث (ومن حقها حلبها يوم وردها)


قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ أبو الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا هو من قبيل المرسل، لكن ما قبله شاهد له، وكذلك ما بعده.
شرح حديث (فما حق الإبل قال تعطي الكريمة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو هذه القصة، فقال له -يعني: لأبي هريرة -: فما حق الإبل؟ قال: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتفقر الظهر، وتطرق الفحل، وتسقي اللبن) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه قيل لأبي هريرة [ فما حق الإبل؟ ] فبين أمثلة عديدة من ذلك الحق الذي يكون في الإبل، وهو غير الزكاة. قوله: [ فقال: أن تعطي الكريمة ] وهي النفيسة، فكون الإنسان يعطيها ويبذلها لغيره فهذا من الحق، وهذا أمر زائد على الحد الواجب. وهو الزكاة يسمى إحساناً. قوله: [ وتمنح الغزيرة ] وهي الشاة أو الناقة أو غيرهما إذا كانت غزيرة اللبن، فتعطى للفقراء يحلبونها ويستفيدون من لبنها وحليبها، وإذا انتهى الحليب أرجعها المستمنح إلى صاحبها؛ لأنها لا تزال في ملكه، فهو لم يمنحهم إلا المنفعة دون العين، فهي لا تزال باقية في ملك صاحبها. قوله: [ وتفقر الظهر ] أي: أن تحمل على الظهر من يحتاج إلى حمل، وهذا من حق الإبل، فهو يفيد غيره بركوبها والسلامة من طول المشي، وهذا في حق لا ظهر له. قوله: (وتطرق الفحل) أي: إذا كان عنده فحل من الإبل أو الغنم واحتاج أحد إلى إطراقه لأنثى له من الإبل أو الغنم فإنه يمكنه من ذلك بدون أن يأخذ عليه مقابلاً، فقد جاء في الحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل) ، وهو ما يؤخذ مقابل نزوه على الإناث، فهذه من الأمور التي تبذل ولا يبايع عليها، وبيع ذلك لا يصح ولا يجوز؛ لأن هذا من الأمور التي لا يصلح أن تكون محلاً للبيع والشراء، ثم هو أيضاً شيء مجهول، وغير مقدور على تسليمه، فربما ينزو الفحل ولا ينتج شيئاً، فيكون الإنسان قد أخذ مقابلاً على ذلك مع أنه لم يحصل من ذلك شيء؛ لذلك فإنه يُمنع بدون مقابل. قوله: (وتسقي اللبن) ، فهناك قال: (تمنح الغزيرة) أي: أنه يعطي الشاة للفقير ويقول له: احلبها، فإذا انتهى حليبها فأرجعها إليّ، فهذا هو المنح، وهنا قال: (وتسقي اللبن) أي: أنه يحلبها ثم يعطي الناس لبناً في قدح، فتكون تلك العطية منتهية بإعطاء ذلك القدح، فهذا هو الفرق بين الجملتين. وهذه الحقوق -كما هو معلوم- هي من مكارم الأخلاق، ومن الأمور التي تبذل بين الناس، وأما الحق الواجب فيها فهو إخراج الزكاة، فالإنسان إذا أدى زكاة ذلك فليس بكانز للمال، وكذلك إذا أدى الزكاة في الإبل فقد أدى ما هو واجب عليه، وأما هذه فهي من الأمور التي جاءت الشريعة ببذلها، والإحسان فيها، فلو لم تبذل لم يكن الإنسان مؤاخذاً عليها. وكما هو معلوم أن الحق هو الزكاة، وأما هذه فهي من الحقوق الإضافية التي هي من باب المروءات والإحسان بين الناس، ولو لم يفعلها لا يقال: إنه ترك أمراً واجباً عليه. وإعارة السيارة الآن داخلة في قوله: (وتفقر الظهر)؛ لأن حمل الناس الآن إنما هو على السيارات وليس على الدواب، فالدواب لا يحج عليها أحد الآن، ولا ينتقل عليها من بلد إلى بلد، فقد جاءت السيارات وحلت محلها، فعلى الإنسان أن يحسن في السيارة كما كان يحسن في الإبل، ولا شك أن هذا من الحقوق التي تكون بين الناس، فللإنسان أن يؤجرها وله أن يعيرها، وكل ذلك حق، كما أن الإبل يمكن أنه تؤجر ويمكن أنه تعار، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: أنهم كانوا يكارون الإبل للحج. وللإنسان أن يتصرف في ماله كيف يشاء، فإن أراد أن يعطيه السيارة التي يملكها فيملكها إياه فلا بأس بذلك، وإن أراد أنه يعيره إياها فله ذلك، وإن قال له: اركب معي فيذهب به مشواراً فكل هذا بإمكانه، فصاحب المال يتصرف فيه كيف يشاء. ولا تدخل السيارة في جملة الماعون، فالماعون هي الأشياء التي يتبادلها الناس فيما بينهم كالقدر والدلو والصحن وغيرها من الأشياء التي يحتاج إليها الناس فيما بينهم، وأما السيارة فلا تدخل في إعارة الماعون، فهي مثل الظهر بالنسبة للناقة، فللإنسان أن يؤجر الظهر، وله أن يحسن بالظهر، وكذلك السيارة، فله أن يؤجرها، وله أن يحسن بها.

تراجم رجال إسناد حديث (فما حق الإبل قال تعطي الكريمة...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي مر ذكره. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. [ عن أبي عمر الغداني ]. أبو عمر الغداني مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره.
شرح حديث (وإعارة دلوها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير : سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: (يا رسول الله! ما حق الإبل؟ فذكر نحوه، زاد: وإعارة دلوها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، قال: وذكر نحوه، وقال: (وإعارة دلوها) ، والمراد بالدلو -كما هو معلوم- الدلو التي يستخرج بها الماء للإبل، فإذا كان عند الإنسان دلو فإنه يسقي إبله ويعير الدلو، فهذا من الحق والإحسان الذي يكون بين الناس، وقال صاحب (عون المعبود): ضرعها، وهذا ليس فيه إعارة الضرع، اللهم إلا أن تعار المنيحة كلها، فيحلبها ويرجعها، فهذا هو الذي يمكن إعارته، وأما الدلو فالمقصود بها الدلو المعروفة وليس الضرع، فتفسير الدلو هنا بالضرع غير واضح ولا مستقيم.

تراجم رجال إسناد حديث (وإعارة دلوها ...)


قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ]. يحيى بن خلف صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ أبو الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا هو من قبيل المرسل، لكن ما قبله شاهد له، وكذلك ما بعده.

شرح حديث (أن النبي أمر من كل جادّ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلَّق في المسجد للمساكين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من كل جادّ عشرة أوسق من التمر بقنوٍ يعلق في المسجد للمساكين) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنوٍ يعلق في المسجد للمساكين) ، وهذا غير الزكاة؛ لأن الزكاة -كما هو معلوم- يخرص فيها التمر وهو على رءوس النخل، وتؤخذ فيه الزكاة عندما يجذّ بالمقدار الذي جاءت به السنة، فإذا كان يُسقى بكلفة وبمشقة فنصف العشر، وإذا كان يسقى بغير كلفة ومشقة فالعشر . وأما هذا المذكور في هذا الحديث فإنه صدقة أخرى، وهي من باب الإحسان والإرفاق، وهي قليلة جداً بالنسبة للمقدار الذي أخرجت منه، فإنها تخرج من عشرة أوسق، وهذا كمقدار نصاب الزكاة مرتين؛ لأن نصاب الزكاة هو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع ثلاثة كيلوهات، أي: أنه ألف وثمانمائة كيلو من مقدار ستمائة صاع، فيخرج قنواً واحداً يعلق في المسجد؛ كي يستفيد منه الفقراء، وفي هذا دليل أيضاً على جواز الأكل في المسجد، وعلى تعليق أو إحضار الطعام إلى المسجد لكن بشرط ألّا يحصل فيه تلويث للمسجد، وألّا يحصل بسببه إساءة إلى الناس لوجود أشياء يلحقهم بها مضرة أو تلحق بثيابهم إذا لم تكن هناك نظافة، وقد سبق أن مر بنا حديث ذلك الرجل الذي علق عذقاً وهو حشف، فطعنه إنسان بهذا وقال: إن صاحب هذا لو أراد أن يتصدق بخير من هذا لفعل، وقال: إن صاحبه يأكل حشفاً يوم القيامة. قوله: [ (أمر من كل جاد عشرة أوسق) ، أي: على كل من يجذّ من النخل مقدار عشرة أوسق من التمر، أي: ستمائة صاع، أن يخرج قنواً واحداً من هذا المقدار، ويعلق في المسجد، وهذا غير نصف العشر أو العشر.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنون يعلّق في المسجد للمساكين)


قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الحراني وهو ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عّمه واسع بن حبان ]. واسع بن حبان قيل: صحابي، وقيل: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي و موسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ جاء رجل على ناقة له، فجعل يصرفها يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرجل الذي جاء وهو على ناقة له، فجعل يصرفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقد قيل: إن هذا الرجل كان يصرف ناقته لأنها كانت قد أعيت وهزلت، ولعله كان يريد أن يُنظر إليه، ويتصدق عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له) أي: فكأن هذا لا ظهر له مادام أن ناقته بهذا الوصف، فمن كان عنده فضل ظهر -وهو المركوب- فليعد به على من لا ظهر له. قوله: (حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) أي: أن الفضل يبذل، فظننا أن الإنسان الذي يكون عنده شيء زائد على حاجته فإنه يجود به، وفي هذا الحديث الحث والترغيب في ذلك، وليس ذلك بواجب، إلا ما أوجبه الله عز وجل في المال من الزكاة.
تراجم رجال إسناد حديث (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ]. محمد بن عبد الله الخزاعي، ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و موسى بن إسماعيل ]. و موسى بن إسماعيل مر ذكره . [حدثنا أبو الأشهب ]. أبو الأشهب هو جعفر بن حيان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو الخدري ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي.
شرح حديث (... إنّ الله لم يفرض الزكاة إلّا ليطيب ما بقي من أموالكم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي حدثنا أبي حدثنا غيلان عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت هذه الآية: (( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ))[التوبة:34] كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر رضي الله عنه: أنا أفّرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم، فكبر عمر ، ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته ) ]. أورد أبو داود بعد ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه لما نزلت: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : أنا أفرج عنكم) أي: أنا أسعى في إزالة الحرج عنكم بسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وسأله، فقال له: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطب ما بقي من أموالكم) أي: أن الزكاة إنما فرضها الله عز وجل حتى تطيب ما سواها، وهذا كما تقدم في الحديث السابق: (ما أديت زكاته فليس بكنز) ، وذلك في باب: حد الكنز وحد الغنى، وهنا قال: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم) أي: بعد إخراج الزكاة، فالزكاة طهرة كما قال الله تعالى في القرآن: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، وهي أيضاً سبب في نمائه وكثرته وزيادته. قوله: (وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم) فلو كان الإنسان ينفق ما عنده إذاً لما بقي ميراث، والله تعالى قد فرض المواريث، فمعنى ذلك: أن الميراث يكون لشيء موجود، لكن إذا أديت الزكاة فإنه يخرج من كونه كنزاً، وصار الإنسان يستفيد منه في حياته، وإذا مات انتقل إلى الورثة، ولكن الله عز وجل فرض الزكاة لتطيَّب ما بقي من المال. قوله: (فكبر عمر ) أي: لحصول المقصود، وزال الحرج الذي كان يخافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على مشروعية التكبير عند الأمور السارة، ولا يصلح التصفيق كما يفعله كثير من الناس في هذا الزمان. قوله: (ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟) أي: أنه بعدما ذكر كنز المال وأن الإنسان يخرج زكاته، فإذا فعل ذلك خرج عن كونه كنزاً، بعد ذلك أخبر عن الشيء الذي يكون مع الإنسان، وتكون صلته به وثيقة، وهو خير ما يكنز المرء، وذلك هو الزوجة الصالحة، فتسره إذا نظر إليها لجمالها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها.
تراجم رجال إسناد حديث ( إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي ]. يحيى بن يعلى المحاربي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبي ]. أبوه يعلى بن الحارث المحاربي ، وهو ثقة مثل ابنه أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي . [ حدثنا غيلان ]. غيلان هو ابن جامع وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة [ عن جعفر بن إياس ]. جعفر بن إياس هو المشهور بأبي وحشية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة. وهذا الحديث ضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة برقم (1319)، رجاله ثقات، ولكن فيه علة وهي: أن هناك واسطة بين غيلان وبين جعفر بن أبي وحشية ، وهذه الواسطة هي عثمان بن أبي حميد أبو اليقظان ، وهو ضعيف مختلط أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ."



ابوالوليد المسلم 25-12-2024 04:27 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [203]
الحلقة (234)





شرح سنن أبي داود [203]

ندب الشرع إلى إعطاء السؤال وعدم انتهارهم، والإحسان ببذل المعروف في كل شيء، ولو كان طالبه ذمياً مالم يكن محارباً.

حقّ السائل


شرح حديث (للسائل حق وإن جاء على فرس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حق السائل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل قال: حدثني يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للسائل حق وإن جاء على فرس). حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن شيخ قال: رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب حق السائل، وهذه الترجمة أخذها مما جاء في الحديث: (للسائل حق ولو جاء على فرس)، والمراد أن السائل يعطى وإن كان على هيئة حسنة، فقد يكون له عذر. أورد أبو داود حديث الحسين أو علي رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للسائل حق ولو جاء على فرس) أي: ولو كانت هيئته حسنة وجاء على فرس، فقد تكون تلك الفرس عارية، وقد تكون له ولكن ليس عنده شيء أكثر منها، ويكون بحاجة إلى طعام مثلاً، وقد يكون نفد ما عنده ولم يكن معه غيره، وقد يكون غريباً، وقد يكون ابن سبيل انقطع، فمن كان كذلك فقد يحتاج أن يسأل ولو كان معه فرس، أو كان على هيئة حسنة، فيعطى من الزكاة أو من الصدقة، وقد سبق أن مر: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجلين الجلدين النشيطين قلب فيهما النظر وصعده وصوبه، ثم قال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) لكن هذا الحديث الذي معنا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً في الإسناد الأول، ومبهماً في الإسناد الثاني، وقد يكون ذلك المبهم هو المسمى المجهول في الإسناد الأول. وهو في الإسناد الأول عن الحسين بن علي ، قالوا: ولا يعرف للحسين بن علي رضي الله تعالى عنه سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لاشك أن مراسيل الصحابة حجة، وأن كثيراً من روايات الصحابة لم يسمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سمعوها من الصحابة، وإذا أخذوا عن غير الصحابة -وهو شيء نادر- بينوا ذلك. والطريق الثانية عن الحسين يرويه عن أبيه علي رضي الله تعالى عنهما.

تراجم رجال إسناد حديث (للسائل حقّ وإن جاء على فرس)


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل ]. مصعب بن محمد بن شرحبيل لا بأس به، وهذا بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني يعلى بن أبي يحيى ]. يعلى بن أبي يحيى مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن فاطمة بنت حسين ]. فاطمة بنت حسين بن علي وهي ثقة، أخرج لها أبو داود و الترمذي و النسائي في (مسند علي ) و ابن ماجة . [ عن حسين بن علي ]. الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، أحد سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم ابني ابنته، وهما سيدا شباب أهل الجنة كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . وقوله: [حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وهو شيخ الإمام مسلم ، وهو من بلده ومن قبيلته، فهو نيسابوري كما أن مسلماً نيسابوري، وهو كذلك قشيري كما أن مسلماً قشيري، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم رحمه الله، وصحيفة همام بن منبه المشهورة فيها أحاديث جاءت في الصحيحين، وأحاديث أخرجها البخاري ، وأحاديث أخرجها مسلم من طريق محمد بن رافع عن عبد الرزاق ، فكل ما جاء من صحيفة همام بن منبه في صحيح مسلم فهو من طريق محمد بن رافع عن شيخه عبد الرزاق . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيخ ]. شيخ هنا مبهم، فقولهم: عن شيخ، أو رجل، أو امرأة، فإن هذا يقال له: مبهم، وأما إذا ذكر اسمه ولم ينسب فإنه يقال له: مهمل، أي: أهمل عن أن ينسب، فيكون محتملاً لعدة أشخاص، فمثل حماد إذا جاء غير منسوب فإنه يحتمل أن يكون ابن سلمة ، ويحتمل أن يكون ابن زيد ، ومثل سفيان إذا جاء مهملاً فإنه يحتمل أن يكون ابن عيينة ، ويحتمل أن يكون الثوري . ولعل هذا المبهم هو مصعب بن محمد بن شرحبيل ، ففي المبهمات من التقريب: زهير بن معاوية عن شيخ رأى سفيان عنده؛ هو مصعب بن محمد بن شرحبيل . وسفيان هنا يحتمل أنه سفيان بن عيينة ، ويحتمل أن يكون سفيان الثوري ؛ لأنه هو المتقدم على سفيان بن عيينة ، وإن كان ابن عيينة متقدماً من حيث إدراك الشيوخ المتقدمين مثل الزهري ، فإنه كثير الرواية عن الزهري مع أن الزهري توفي سنة 125هـ، وسفيان توفي فوق 90هـ، وأما الثوري فهو متقدم عليه، فوفاته سنة 161هـ. [ عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي ]. علي رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. ولا يقال: إن فيه اضطراباً، فمرة يروى عن حسين ومرة عن علي ؛ لأن ذلك لا يؤثر، فإذا كان عن علي رضي الله عنه فليس هناك إشكال في الاتصال، وأما بالنسبة لرواية الحسين فهو إذا لم يكن سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة -كما هو معلوم- حجة عند العلماء، وقد ذكر له الألباني طرقاً وشواهد متعددة عن عدد من الصحابة، وذكر أنها كلها ضعيفة، وذكر هذا الحديث في (السلسلة الضعيفة) برقم (1378).

شرح حديث (إنْ لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلّا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن بجيد رضي الله عنه عن جدته أم بجيد رضي الله عنها -وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- أنها قالت له: (يا رسول الله صلى الله عليك! إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده) ]. أورد أبو داود حديث أم بجيد رضي الله تعالى عنها: (أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المسكين يكون على بابي فلا أجد شيئاً أعطيه إياه، فقال لها عليه الصلاة والسلام: إن لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فأعطيه إياه) فهذا الحديث يدل على أن السائل يُعطى ولو كان المعطى شيئاً يسيراً، فمادام أن الإنسان لا يجد إلا هذا القليل فإنه لا يمتنع من التصدق به، ولا يمتنع أن ينفق مما أعطاه الله كما قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، فهو يعطي على حسب ما عنده، ولو لم يكن إلا تمرة كما جاء في قصة المرأة التي جاءت إلى عائشة ولم تجد إلا تمرات ثلاث، فأعطتها إياها، وكان معها ابنتان، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ثم إنها شقت التمرة الثالثة وأعطت كل واحدة منهما نصفاً. فيعطى السائل أو المسكين ما تيسر ولو قل، وجاء في الحديث الآخر: (لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) أي: ولو كان شيئاً يسيراً فلا يستهان به، فالمهم هو الإحسان والبذل. وقوله: (ظلفاً محرقاً) هذا على سبيل المبالغة، وإلّا فإن الظلف المحرق لا يستفاد منه إلا إذا كان الناس في مسغبة أو في قحط شديد، فإنه يمكن أن يستفاد من كل شيء ولو كان قليل الفائدة. وقد سبق أن مر في الحديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان)، أي: الذي يرضى بالشيء اليسير، (ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس له فيتصدقون عليه) .

تراجم رجال إسناد حديث (إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلّا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن بجيد ]. عبد الرحمن بن بجيد له رؤية، وقد ذكره بعضهم في الصحابة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن جدته ]. وهي أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و النسائي ، وذكر أن اسمها حواء بنت يزيد بن السكن .
الأسئلة



حكم بيع ماء زمزم

السؤال: ما حكم بيع ماء زمزم؟


الجواب: إذا ذهب الإنسان وأتى بملء خزان من هذا الماء إلى المدينة وأراد أن يبيعه فلا بأس بذلك.

حكم طلب الماء من البقالة بلا ثمن

السؤال: إذا دخل الرجل إلى بقالة فهل يحل له أن يطلب ماء استدلالاً بالحديث الذي فيه أنه لا يحل بيع الماء؟


الجواب: مثل هذا لا يصح؛ لأن هذا محل بيع، فيدفع القيمة ويشرب، وإذا لم يكن عنده نقود فيمكن أن يقول لصاحب البقالة: أنا لا أمتلك نقوداً وأريد أن أشرب ماء، فلعله أن يعطيه.

حكم أخذ الماء والملح بلا إذن

السؤال: إذا كانت هذه الأشياء وهي: الماء والملح لا يجوز منعها فهل يجوز أخذها بدون إذن مالكها؟


الجواب: لا، بل لابد من الاستئذان، وإذا كان لا يملك نقوداً يذكر ذلك له ويطلب منه أن يعطيه قليلاً تقوم به حاجته.


حكم التصدق على السائلين في المساجد مع عدم معرفة حالهم

السؤال: يتكرر الآن في المساجد السؤال من هؤلاء السائلين والله أعلم بصدقهم، فما العمل؟


الجواب: ينبغي على الإنسان أن يعطي السائلين وهو على خير، ولن يعدم الأجر عند الله عز وجل، ولكن من عُرف باحتياله فلا يعطى، بل ينصح ويحذر، وأما إذا كان مجهولاً وأعطاه فهو إن شاء الله على خير.

حكم إعطاء السائلين الذين يقومون في المساجد من الزكاة

السؤال: وهل يُعطى هؤلاء السائلين الذين يسألون في المساجد من الزكاة؟


الجواب: لا ينبغي أن يعطوا من الزكاة، وإنما يعطى مثل هؤلاء من الصدقات، وأما الزكاة فالأولى أن تُعطى لمن يستحقها، فقد يضعها في هؤلاء ويكونون أغنياء، فبعض السائلين قد استمرأ السؤال، واتخذ السؤال حرفة، فقد يحصل له في وقت من الأوقات حاجة، ولكنه دخل في المسألة ولم يستطيع الخروج منها .

حكم انتهار السُّؤَّال في المساجد

السؤال: ما حكم انتهارهم؛ فإن بعض الأئمة يقول لهم إذا قاموا: عند الباب .. عند الباب؟


الجواب: قد يشوشون على الناس الذين يذكرون الله عز وجل، فلو ينبههم أن يكونوا عند الباب بدون انتهار فلا بأس بذلك، وكذلك هو ينبههم أن يجلسوا عند الباب حتى يعطيهم الناس إذا مروا بهم، فإنهم إذا كانوا جالسين في المقدمة فيمكن ألا يعطيهم أحد، وبعض الناس تجده يسأل عند الباب ويرفع صوته وكأنه يلقي خطبة، فيتكلم كلاماً كثيراً ويشغل الناس، مع أنه يكفي أن يبين للناس أنه محتاج، ثم يجلس عند الباب، فلا بأس أن ينتهروا في هذه الحال؛ لأنهم يشغلون الناس الذين يذكرون الله عز وجل ويسبحون، وأما إذا لم يشغلوا الناس فلا ينهرون لقوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10] ، وأما الذي يعرف أنه محتال فإنه ينهر.

عدم قبول السائلين العطاء القليل

السؤال: كيف العمل مع بعض السائلين الذين لا يقبلون الشيء القليل؟


الجواب: ينبغي على كل إنسان أن يعطي ما يتيسر له، فإن قبله السائل فالحمد لله، وإن لم يقبله فإنه يأخذ ماله، ولعل هذا الذي لا يقبل القليل قد تعود الطمع، وإلا فإن المحتاج يكفيه القليل.
الصدقة على أهل الذمة


شرح حديث (قدمت عليَّ أمي راغبة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصدقة على أهل الذمة. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء رضي الله عنها قالت: (قدمت علي أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة، فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغمة مشركة أفأصلها؟ قال: نعم، فصلي أمك) ]. أورد أبو داود باب الصدقة على أهل الذمة، أي: بالمعروف والإحسان، وليس المقصود به الزكاة؛ لأن الزكاة لا تعطى للكفار، وإنما تعطى للمسلمين، فتؤخذ من أغنياهم وترد على فقرائهم، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل : (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم) ، فمصرفها فقراء المسلمين ولا تصرف للكفار. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وعن جدها وابنها، فقد اجتمع أربعة أشخاص كلهم متناسلون وهم صحابة: فأبو بكر وابنته أسماء وابنها عبد الله بن الزبير وجدها أبو قحافة . فذكرت أسماء رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أن أمها قدمت عليها في المدينة، وهي راغبة)، أي: راغبة في النوال والبر والإحسان، (وكان ذلك في عهد قريش)، أي: في عهد الصلح، وهي المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش بعد صلح الحديبية وقبل الفتح. قولها: (وهي راغمة مشركة) أي: كارهة للإسلام وباقية على الشرك، (أفأصلها) وقد جاءت تريد البر والإحسان؟ (فقال عليه الصلاة والسلام: نعم، فصلي أمك) ، فدل هذا على أن القريب المشرك يحسن إليه، وأنه يوصل، ولكن لا يكون هذا من الزكاة، وإنما يكون من الإحسان والبذل والمعروف، وحتى لو كانت مسلمة فلا يجوز أيضاً أن تعطى من الزكاة؛ لأن الزكاة لا تعطى للآباء، ولا للأمهات، ولا للأبناء والبنات، ومن كان منهم محتاجاً فإنه ينفق عليه، ويصير مستغنياً بالإنفاق عليه، فالوالد لا يعطى سواء كان مشركاً أو مسلماً، فالمشرك لا يعطى من الزكاة مطلقاً، وأما المسلم فإن كان فقيراً فإنه يُنفِق عليه ولده أو بنته. وأم أسماء هذه قيل اسمها: قتيلة ، وقيل: قتيلة ، وقد اختلف هل أسلمت أو لم تسلم، والأكثرون على أنها لم تسلم، وأنها ماتت مشركة، وقد تزوج أبو بكر رضي الله عنه عدة زوجات منهن أم رومان والدة عائشة ، وهذه المذكورة في الحديث، وأسماء بنت عميس التي ولدت محمد بن أبي بكر في الحديبية في حجة الوداع، كما سبق أن مرّ بنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن الكتب التي تبين أولاد الرجل إذا كانوا من زوجات متعددات، وبيان أمهات هؤلاء الأولاد كتاب اسمه (الرياض المستطابة فيمن له رواية في الصحيحين من الصحابة)، وهو للعامري ، فقد جمع فيه كل الصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين أو في أحدهما، وترجم لكل واحد، ويذكر العقب، ويذكر الأمهات، فيقول: فلان وفلان وأمهم فلانة، وفلان وفلان وأمهم فلانة، فهذا من أحسن ما يرجع إليه في معرفة الإخوة لأب، والإخوة الأشقاء، ومن كانوا من أمهات متعددات، فيسميهن، ويسمي أولادهن من الرجل المترجم له، فهو كتاب مفيد في هذه الناحية. والمراد بأهل الذمة في الترجمة الذين بينهم وبين المسلمين عهد، بخلاف أهل الحرب، فأهل الذمة والمستأمنون والمعاهدون كلهم دربهم وطريقهم واحد.


ابوالوليد المسلم 25-12-2024 04:27 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث (قدمت عليَّ أمي راغبة...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود و الترمذي و النسائي ]. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء ]. أسماء هي أم عروة ، وهي: أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكذلك عبد الله بن الزبير و عمر بن الزبير أمهم أسماء ، و أسماء قدمت مع المهاجرات الأوَل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولد عبد الله بن الزبير في قباء قبل أن يصل الناس إلى المدينة، فكان أول مولود ولد بعد الهجرة، فحنكه الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في التقريب : أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين ، زوجة الزبير بن العوام من كبار الصحابة، عاشت مائة سنة، وماتت سنة ثلاث، أو أربع وسبعين .
ما لا يجوز منعه


شرح حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا يجوز منعه. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقَّبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ]. أورد أبو داود باب: ما لا يجوز منعه، ويقصد بذلك الأشياء التي يحتاج الناس إليها ويتبادلونها فيما بينهم، وهذا من جنس ما مر ذكره في الماعون، وقد سبق أنه لا يمنع، وذلك كالماء والملح وما كان من هذا القبيل من الأمور التي هي يسيرة وسهلة وخفيفة، يحتاج الناس إليها، بخلاف الأمور الكبيرة التي يكون لها شأن ووزن في نفوس الناس، فالمقصود من ذلك هو الإحسان والبذل ولاسيما في الأمور التي هي سهلة والتي تكون الحاجة إليها كبيرة مع قلتها، ولا يكون في بذلها مشقة أو كلفة على الإنسان. لكن إذا كان المقصود به بذل الملح الكثير، أو كان الماء المبذول كثيراً والإنسان يتعب في إخراجه فله أن يبيعه على من يحتاج إليه في سقي نخل أو ما إلى ذلك، أو كان الإنسان يحوزه في سيارته فيبيعه على الناس فلا بأس بذلك، فإذا صار الشيء كثيراً فهذا يكون من جنس الأموال، فإذا كان للإنسان سيارة يملؤها بالماء ويبيعها فلا بأس بذلك، لأنه يملكه، ولأنه يتحمل أتعاباً على السيارة من حيث إنه يصرف عليها وقوداً، ففي هذه الحالة لا يلزمه أن يبذله للناس بالمجان، لكن من طلب ماء ليشرب، أو طلب ملحاً قليلاً ليصنع طعاماً ولم يجد ملحاً فإنه يعطيهم شيئاً يملحون به طعامهم. وأما كونه يُطلب منه شحنة سيارة ملح أو ما إلى ذلك فهذه لا تبذل. وأورد أبو داود رحمه الله حديث بهيسة عن أبيها قالت: (استأذن أبي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فدخل بينه وبين قميصه) أي: لعل الجيب كان واسعاً. (فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح) أي: أنه كرر عليه، (فقال: الملح)، والملح والماء من الأشياء التي أمرها سهل، ويحتاج الناس بعضهم إلى بعض فيها، فإذا طلب أحد من غيره ماء فلا بأس في ذلك، فهو من الأمور السهلة التي ليس فيها نقص في المروءة، وإن لم يكن محتاجاً فينبغي له أن يتعفف. قوله: (قال: يا رسول الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ، أي: أنه بعد ذلك أرشده إلى أن الخير من حيث هو إذا فعله الإنسان -ولو قل- فإنه يكون خيراً له، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7].
تراجم رجال إسناد حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء ...)

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [حدثنا أبي]. أبوه معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا كهمس ]. كهمس بن الحسن وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سيار بن منظور رجل من بني فزارة ]. سيار بن منظور ، هو رجل من بني فزارة، وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه منظور بن سيار، وهو مقبول أيضاً أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن امرأة يقال لها بهيسة ]. بهيسة لا تعرف، وقيل: لها صحبة، حديثها أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن أبيها ]. أبوها هو أبو بهيسة الفزاري ، وهو صحابي مقلّ، قيل: اسمه عمير ، أخرج له أبو داود والنسائي .
المسألة في المساجد


شرح حديث أخذ أبي بكر الكسرة من يد ولده عبد الرحمن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المسألة في المساجد. حدثنا بشر بن آدم حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه) ]. أورد أبو داود باب السؤال في المساجد، ولا نعلم شيئاً يمنعه إذا كان الإنسان محتاجاً وسأل الناس في المساجد، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله هنا فيه كلام فيما يتعلق بالسؤال في المسجد في هذه القصة؛ لأنه فيه مبارك بن فضالة وهو يدلس ويسوي، وقد روي بالعنعنة، وأما فيما يتعلق بتصدقه على الفقير فهذا ثابت من طريق أخرى عن أبي هريرة في (صحيح مسلم ) ، وذلك أنه سئل عن أشياء فكانت كلها متوفرة في أبي بكر رضي الله عنه، ومنها التصدق على مسكين من المساكين.

تراجم رجال إسناد حديث أخذ أبي بكر الكسرة من يد ولده عبد الرحمن


قوله: [ حدثنا بشر بن آدم ]. بشر بن آدم صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ]. عبد الله بن بكر السهمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا مبارك بن فضالة ]. مبارك بن فضالة صدوق مدلس ويسوي، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكر ]. عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
كراهية المسألة بوجه الله تعالى


شرح حديث ( لا يُسأل بوجه الله إلّا الجنة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى. حدثنا أبو العباس القلوري حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن سليمان بن معاذ التميمي حدثنا ابن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة) ]. أورد أبو داود باب كراهية المسألة بوجه الله، أي: أنه لا يسأل بوجه الله عز وجل إلا شيء مهم وعظيم، وذكر الجنة على اعتبار أنها هي نهاية المقاصد، وهي نهاية المطلوب، وهي دار المتقين ودار النعيم، وإذا سأل بوجه الله فليسأل ما له شأن ومنزلة لاسيما إذا كان يؤدي إلى الجنة، كأن يسأل الله بوجهه الهداية إلى الصراط المستقيم، فإن هذا سؤال عظيم، فلا يمنع منه، وهذا الحديث -إذا ثبت- لا يدل على منعه، وإنما يدل على أنه يسأل به الأمور العظيمة والمهمة، ولا يسأل بوجه الله أشياء تافهة، أو يسأل الناس بوجه الله أمراً من أمور الدنيا، وإنما يسأل الله بوجهه أن يرزقه الجنة، أو أن يرزقه الطريق الموصل إلى الجنة، فهذا هو المقصود من هذا الحديث إذا ثبت، والحديث فيه كلام، فقد ضعفه الشيخ الألباني ؛ لأنه فيه سليمان بن معاذ وهو سيء الحفظ، وبعض العلماء يشير إلى تحسينه، وقد تعقب الشيخ فريح البهلان مخرج أحاديث فتح المجيد الذي تكلم في الحديث، وذكر نقولاً عن أهل العلم تتعلق ببعض الأحاديث التي لم يسلَّم للمتعقب أو للناقد للأحاديث التي وردت في (شرح فتح المجيد) ، وذكر ما يدل على حسن هذا الحديث. وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في (كتاب التوحيد) باباً من ضمن ستة وستين باباً أو سبعة وستين باباً -وهي أبواب كتاب التوحيد- مثل الترجمة: باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، وعن جابر رضي الله عنه قال: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) .

تراجم رجال إسناد حديث ( لا يسأل بوجه الله إلّا الجنة)


قوله: [ حدثنا أبو العباس القِلوري ]. أبو العباس القلوري هو أحمد ، وقيل: محمد بن عمرو بن عباس العصفري ، ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ]. يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن سليمان بن معاذ التميمي ]. سليمان بن معاذ هو ابن قرم وهو سيئ الحفظ أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن المنكدر ]. ابن المنكدر هو محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
عطية من سأل بالله


شرح حديث ( من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عطية من سأل بالله. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ]. أورد أبو داود باب عطية من سأل بالله، أي: فإنه يعطى ولا يرد، ولكن هذا فيما إذا كان سؤاله بالله مما يمكن إعطاؤه، فبعض الناس قد يسأل بالله شيئاً لا يصلح أن يعطاه، ولا يصلح أن يجاب إليه، وليس كل ما يكون عند الإنسان يمكن أن يبذله ويعطيه، فإذا سأل بالله شيئاً لا يصلح أن يسأل عنه لا بالله ولا بدون السؤال بالله فالإنسان في سعة منه، فإذا كان عنده سر من الأسرار وخبر من الأخبار مثلاً، وقال له رجل: أسألك بالله أن تخبرني عن كذا وكذا، أو سأله عن أمور خاصة، أو في أمور لا يصلح أن يخوض فيها، فلا يلزمه ذلك؛ لأن مثل هذا السؤال لا يصلح أن يوجه. والحاصل أن السؤال بالله إذا كان من الممكن تحقيق عطيته فهذا هو الذي قُصد في الترجمة، وهو الذي أُورد الحديث من أجله، وأما إذا كان السؤال في أمر لا يصلح أن يجاب إليه فإنه لا يجاب، ويوضح هذا أن إبرار المقسم قد يناسب أن يبرّ، وأحياناً لا يحصل إبراره؛ وهذا كأن يحلف على شيء لا يصلح أن يحلف عليه، ويدل على ذلك قصة أبي بكر رضي الله عنه: (لما ذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا رآها، فطلب تعبيرها، وهي أنه رأى غلة تنضح سمناً وعسلاً، والناس يتكففون ذلك ... إلخ، فقال أبو بكر : ائذن لي يا رسول الله أن أعبر هذه الرؤيا، فقال: عبرها، فعبرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت عليك أن تخبرني بماذا أخطأت قال: لا تحلف) أي: أنه لم يرد أن يبين هذه في الرؤيا ويفسرها صلى الله عليه وسلم، مع أن أبا بكر قد حلف، فليس كل شيء يحلف عليه أو يسأل به ينفذ. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). قوله: (ومن استعاذ بالله فأعيذوه) قيل: معناه أنه استعاذ بالله وأمكنكم إعاذته من ذلك الشيء الذي استعاذ بالله منه، فحققوا له تلك الاستعاذة. وقيل: إنه إذا حصل الاستعاذة من الإنسان لنفسه فإما أن يكون استعاذ بالله من أمر من الأمور يمكن للإنسان أن يعيذه منه، وأن يساعده عليه، وأن يخلصه منه، أو استعاذ في أمر من الأمور فإنه يحقق له الشيء الذي يريد، وهذا كما جاء في قصة المرأة التي قالت: (أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك) فالمراد أنه هنا يحتمل هذا ويحتمل هذا. قوله: (ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه) أي: ومن أحسن إليكم فقابلوا الإحسان بالإحسان: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وقد جاء في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على مقابلة الإحسان، بالإحسان بل ومقابلة الإساءة بالإحسان. قوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ويمكن أن يكون الدعاء مع الإحسان والمكافأة، لكن الإنسان الذي لا يستطيع المكافأة فلا أقل من الدعاء، والدعاء سهل ميسور، فيدعو له ويكرر ذلك، أو يدعو بدون تكرار، وقد جاء في الحديث: (من قال لصاحبه: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء). قوله: (ومن دعاكم فأجيبوه) أي: دعاكم إلى طعام فأجيبوه، وهذا -كما هو معلوم- أيضاً من حق المسلم على المسلم، لكن إذا كان الإنسان عنده عذر يشغله فإنه يكون معذوراً.

تراجم رجال إسناد حديث (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد هو ابن جبر المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأسئلة



موقف ابن عباس من توبة القاتل عمداً

السؤال: هل صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن قاتل النفس متعمداً ليس له توبة؟


الجواب: جاء عنه ذلك، وجاء عنه الرجوع كما نقله عنه الألباني ، ولا أدري الآن في أي مكان نقله عنه، وقد سبق أن مر بنا حديث يتعلق بهذا وبحثناه، وقد أحضر لنا أحد الإخوان نصوصاً تدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنه. ويذكر بعض الإخوان أن الشيخ الألباني ذكر ذلك في (السلسلة الصحيحة) في المجلد السادس في آخر القسم الثاني، فليراجع.

قضاء النافلة القبلية لصلاة الظهر بعدها

السؤال: رجل صلى ركعتين قبل الظهر وأقيمت الصلاة، فهل يقضي الركعتين الباقيتين بعد الصلاة، وكذلك إذا فاتته الأربع كلها هل يصلي ستاً بعد الصلاة؟

الجواب: نعم له ذلك، لكنه يقضيها بعد الراتبة البعدية، فيأتي بالنافلة البعدية، ثم يقضي النافلة القبلية سواء كانت اثنتين أو أربعاً إذا كان ما تمكن من الأربع.

حكم الانشغال بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله تعالى


السؤال: إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله سواء كان ذلك جحوداً أو استهانة، وسواء كان خائفاً أو لهوان في نفسه، فهل للمسلم الانشغال بهذه القضية: هل هو كافر أو غير كافر؟

الجواب: انشغال المسلم بمسائل العلم والاهتمام بها مطلوب، لكن لا يكون شغله الشاغل هذه المسألة بالذات ويترك مسائل العلم الأخرى."


ابوالوليد المسلم 25-12-2024 08:22 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الزكاة
شرح سنن أبي داود [204]
الحلقة (235)





شرح سنن أبي داود [204]

للصدقة فضل عظيم وأجر كبير؛ لكن ينبغي ألا يتصدق المرء بما يحتاج إليه أو بجميع ماله ثم يعود يتكفف الناس، إلا إذا كان ممن يصبر على الفقر كحال أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ووجوه النفع للمسلمين كثيرة يستطيع بها أن ينال الثواب الجزيل.

إخراج الرجل من ماله



شرح حديث جابر في قصة الرجل الذي جاء بمثل البيضة من ذهب ...


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يخرج من ماله. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكفُّ الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب الرجل يخرج من ماله، أي: أنه يتصدق بما يملك ولا يبقي عنده شيئاً منه، وذكْر الرجل هنا لا مفهوم له، فإن المرأة كذلك، وإنما يأتي ذكر الرجال كثيراً؛ لأن الغالب أن الكلام والخطاب يكون معهم، وإلا فإنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما فرقت فيه النصوص، فعند ذلك يفرق بين الرجال والنساء في ذلك. وهذه الترجمة من التراجم الكثيرة التي تأتي في سنن أبي داود رحمه الله وفيها التنصيص على الرجال؛ وذلك لأنهم الذين يكون معهم الخطاب غالباً، فليس له مفهوم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن رجلا ًجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة ذهب مثل البيضة وقال: خذها يا رسول الله! فهي صدقة لا أملك غيرها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى جهة اليمين فقال له ذلك، فأعرض عنه، ثم جاء إلى جهة اليسار فأعرض عنه، ثم أخذها منه وحذفه بها ولم تصبه، قال: ولو أصابته لأوجعته أو لعقرته أي: لحصل له ضرر بها، ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك ويقول: هذه صدقة ثم يذهب يتكفف الناس، أي: يسأل الناس ويمد لهم يده؛ لأنه ليس عنده شيء، فقد أخرج ماله وتصدق بما يملك، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي: أن تكون الصدقة من مال كثير، فإذا تصدق بها صاحبها بقي عنده شيء لقوته ولنوائبه وما يحتاج إليه،وهذا بخلاف ما إذا أخرج ما عنده وليس عنده شيء يقتاته فإنه يضطر إلى أن يسأل الناس، وإلى أن يمد يده وكفه للناس؛ ليضعوا فيها شيئاً مما يحتاج إليه. والتكفف -كما هو واضح- أنه يسأل الناس ويمد كفه، ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يمدون أكفهم للناس ويسألونهم ما يحتاجون إليه، فالإنسان يُبقي على ماله ولا يتصدق بماله كله، وإنما يتصدق بما يمكنه منه، بحيث يبقى عنده ما يقوم بمصالحه. وهذا الحديث فيه من الناحية الإسنادية محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولعل ذلك بسببه، والجملة الأخيرة وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ثبتت في أحاديث صحيحة سبق أن مرت، وسيأتي بعضها. قوله: (أصبتُ هذه من معدن) أي: كأنه أخذها من مكان يستخرج منه معدن الذهب.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في قصة الرجل الذي جاء بمثل البيضة من ذهب ...


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن . [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم بن عمر بن قتادة ]. عاصم بن عمر بن قتادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمود بن لبيد ]. محمود بن لبيد رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث التصدق بمثل البيضة من ذهب من طريق ثانية وتراجم رجالها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه، زاد: (خذ عنا مالك؛ لاحاجة لنا به) ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: (خذ عنا مالك لاحاجة لنا به) أي: مادام أن هذا شأنك ووضع وحالك فأنت أولى به من غيرك. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه ]. ابن إسحاق مر ذكره .

شرح أبي سعيد في قصة الرجل الذي تصدق عليه بثوبين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (دخل رجل المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ثياباً فطرحوا، فأمر له بثوبين، ثم حث على الصدقة، فجاء فطرح أحد الثوبين، فصاح به وقال: خذ ثوبك) ]. ثم أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد وحالته رثة فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فطرح الناس ثياباً يتصدقون بها فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين، ثم إنه حث على الصدقة فجاء ذلك الرجل الذي أعطاه الثوبين وطرح ثوباً، فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (خذ ثوبك) أي: أنت بحاجة إليه وأولى به، فإنه ليس عندك إلا هذان الثوبان. فهذا وإن كان لم يتصدق بكل ما عنده إلا أنه شبيه بمن تصدق بما عنده؛ لأنه لم يبقِ إلا ثوباً يستر به عورته. فكأن النبي لما حث على الصدقة مرة أخرى كان ذلك في وقت آخر، وليس في نفس الوقت، والرجل قد لبس الثوبين، فلما سمع الحث على الصدقة طرح أحد الثوبين، وجاء في بعض الروايات عند بعض الأئمة أنه دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي تُصدّق عليه بثوبين


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. إسحاق بن إسماعيل ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. ابن عجلان هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عياض بن عبد الله بن سعد ]. عياض بن عبد الله بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (إن خير الصدقة ما ترك غنى...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن خير الصدقة ما ترك غنىٌ، أو تصدق به عن ظهر غنىٌ، وابدأ بمن تعول) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن خير الصدقة ما ترك غنى) أي: ما ترك بعد الصدقة شيئاً فيه كفاية وفيه غنى، فإذا كان كذلك فإنه يبقي له ما يقوم به حاله، وأما إذا تصدق بما عنده فإنه قد يحتاج، فيقع في نفسه شيء من الندم على فعله، فيتمنى أنه أبقى شيئاً؛ حتى لا يحتاج إلى الناس. وقوله: (ما ترك غنى، أو تصدق به عن ظهر غنى) هذا شك من الراوي: هل قال هذا أو قال هذا، ومعناهما واحد، فما أبقى غنى، أي: بعد إخراج الصدقة، وما كان عن ظهر غنى، أي: من مال كثير تُخرج منه تلك الصدقة ولا تؤثر في المخرج منه لكثرته ولحصول الغنى به لصاحبه، وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الجملة التي مرت في الحديث السابق بهذا المعنى وهي قوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ففيها محمد بن إسحاق وقد عنعن، إلا أن هذا الحديث الذي معنا هنا يشهد لها، فتكون ثابتة. قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن هذا الذي يبقى عند الإنسان يكون له ولمن يعوله ويكون مسئولاً عنه، ومن تجب عليه نفقته، فإنه يبدأ به ويقدمه على غيره.

تراجم رجال إسناد حديث (إن خير الصدقة ما ترك غنى...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. أبو صالح اسمه ذكوان ، ولقبه السمان وهو مدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

الرخصة في إخراج الرجل من ماله



شرح حديث (أي الصدقة أفضل؟ فقال جهد المقل، وابدأ بمن تعول)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك. حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المُقِلّ، وابدأ بمن تعول) ]. أورد أبو داود رحمه الله: باب الرخصة في ذلك، أي: في كون الإنسان يخرج من ماله، فالترجمة فيها إشارة إلى الترجمة السابقة وهي أن الإنسان يتصدق من ماله. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول) وجهد المقل قدر الاستطاعة وما يمكن إخراجه فالصدقة ممن هو مقل تعتبر كثيرة بالنسبة لما يملك، وهذا بخلاف الإنسان الذي عنده المال الكثير، ويخرج من ماله شيئاً قليلاً، فإنها بالنسبة لما يبقي تكون قليلة. قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: أن الإنسان يبدأ بمن يعوله بالبر والإحسان؛ لأنه أولى بالمعروف والإحسان إليه.

تراجم رجال إسناد حديث (أي الصدقة أفضل؟ قال جهد المقل، وابدأ بمن تعول)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن جعدة ] ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.

شرح حديث تنافس عمر مع أبي بكر في الصدقة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و عثمان بن أبي شيبة ، وهذا حديثه، قالا: حدثنا الفضل بن دكين حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً). أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، وكان في ذلك الوقت عنده مال، ففرح بذلك؛ لأن هذا الدعاء إلى الصدقة جاء في وقت مناسب وهو أنَّ عنده مالاً يتصدق به، وهذا يدلنا على فرح الصحابة رضي الله عنهم عندما يأتي الحث من الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة وعند الواحد منهم مال؛ حتى يتمكن من تحقيق هذا المطلب، وتحقيق هذه الرغبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يعرف أن أبا بكر رضي الله عنه سباق إلى الخير، وأنه لا ينافس في سبقه إلى الخير رضي الله عنه وأرضاه قوله: (فقلت: أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً) هذا يعني أنه كان يعترف بأن أبا بكر كان يسبقه، فلما جاءت هذه الدعوة للصدقة مع وجود مال عنده أراد أن ينافس أبا بكر في هذه المرة، فقال: أسبقه إن سبقته يوماً، يعني: إن سبقته يوماً فهو هذا اليوم، لأنه جاء في وقت عندي فيه مال، فأخرج نصف ماله. فقوله: (إن سبقته يوماً)، أي: فهو هذا اليوم، فتكون (إن) شرطية، وقيل: إنها نافية، أي: ما سبقته يوماً، فأنا أريد في هذه المرة أن أسبقه، فلم يسبق لي أن سبقته في يوم من الأيام و(إن) كما هو واضح تكون نافية، وقد قال شيخنا الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في تفسير قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] إن الأصح والأولى فيها أن تكون نافية، ومعنى ذلك: ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. وفيها قول آخر: أنها شرطية، وأن هذا شيء لا يكون، وإنما يفترض فرضاً، فهو لا يكون له ولد، فأنا أول العابدين لله سبحانه وتعالى، لكن كونها نافية هو الأولى كما قال شيخنا الشيخ: الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وعلى هذا فالجملة هنا وهي قول عمر رضي الله عنه: إن سبقته يوماً، أي: ما سبقته يوماً من الأيام، بل هو دائماً يسبقني، رضي الله تعالى عنهما. (فلما جاء عمر رضي الله عنه بما جاء به قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لنفسك ولأهلك؟ قال: أبقيت مثله) يعني: النصف، لأن هذا نصف ماله، (وبقي مثله)، أي: النصف الباقي، (وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما جاء به، وقال: له ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) يعني: أنه ما أبقى لهم شيئاً من المال، أي: أنه خرج من ماله، وهي محل الشاهد من الترجمة: (الرخصة في ذلك) أي في الخروج من المال، وهذا يناسب ويصلح لمن يكون عنده قوة توكل وقوة يقين، ولا يحصل منه تأثر لما يخرج منه، ولا يندم على ذلك، فمن كان كذلك كأبي بكر رضي الله عنه رخص له في ذلك، وأما من كان عنده ضعف في اليقين والتوكل، وأنه إذا أخرج ماله كله فإنه يندم، أو يكون في نفسه شيء من تصرفه ذلك، فإنه لا يخرج ماله كله، بل يبقي ما يحتاج إليه هو ومن يعوله. قوله: (قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً) أي: أني في هذه المرة قصدت مسابقتك، واجتهدت في ذلك، وأردت أن أسبقك، فجئت أنت بما عندك من غير أن يكون لك علم بما في نفسي، ولا بما عندي، فسبقتني، فكما أنك سبقتني فيما مضى، وسبقتني في هذه الحالة التي تهيأتُ لها، وفي هذه الفرصة التي تجهزتُ لها وقصدتها، إذاً فلا أسابقك أبداً. وهذا فيه المنافسة في الخير، والاعتراف لأهل الفضل بالفضل، فقد أراد أولاً أن ينافسه، وفي الآخر قال: لا أنافسك بعدها أبداً، وهذا اعتراف لصاحب الفضل بفضله.



الساعة الآن : 10:42 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 278.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 278.49 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.18%)]