ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:44 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
شرح الكلمات:
بالبشرى: أي إسحاق ويعقوب بعده.
هذه القرية: أي قرية لوط وهي سدوم.
قالوا نحن أعلم بمن فيها: أي قالت الرسل نحن أعلم بمن فيها.
كانت من الغابرين: أي كانت في علم الله وحكمه من الباقين في العذاب.
سيء بهم: أي حصلت لهم مساءة وغم بسبب مخافة أن يقصدهم قومه بسوء.
وضاق بهم ذرعاً: أي عجز عن احتمال الأمر لخوفه من قومه أن ينالوا ضيفه بسوء.
رجزاً: أي عذابا من السماء.
بما كانوا يفسقون: أي بسبب فسقهم وهو إتيان الفاحشة.
ولقد تركنا منها آية: أي تركنا من قرية سدوم التي دمرناها آية بينة وهي خرابها ودمارها وتحولها إلى بحر ميت لا حياة فيه.
لقوم يعقلون: أي يعلمون الأسباب والنتائج إذا تدبروا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص لوط عليه السلام، إنه بعد أن ذكرهم وخوفهم عذاب الله قالوا كعادة المكذبين الهالكين فائتتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين وأنه عليه السلام استنصر ربه تعالى عليهم، واستجاب الله تعالى له وفي هذه الآية بيان ذلك بكيفيته، قال تعالى: {وَلَمَّا (1) جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ} الخليل عم لوط {بِالْبُشْرَى (2) } التي هي ولادة ولدٍ له هو إسحاق ومن بعده يعقوب ولد إسحاق عليه السلام كما قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . {قَالُوا} أي قالت الملائكة لإبراهيم {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} يريدون قرية قوم لوط وهي سدوم وعللوا لذلك بقولهم {إِنَّ أَهْلَهَا (3) كَانُوا ظَالِمِينَ} أي لأنفسهم بغشيان الذنوب وإتيان الفواحش، ولغيرهم إذ كانوا يقطعون السبيل وهنا قال لهم إبراهيم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ليس من الظالمين بل هو من عباد الله الصالحين فأجابته الملائكة فقالوا: {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} منك يا إبراهيم. {لَنُنَجِّيَنَّهُ (4) وَأَهْلَهُ} من الهلاك {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} وذلك لطول عمرها فسوف تهلك معهم لكفرها وممالأتها للظالمين. وقوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} أي ولما وصلت الملائكة لوطاً قادمين من عند إبراهيم من فلسطين {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} أي استاء بهم وأصابه غم وهم خوفاً من قومه أن يسيئوا إليهم، وهم ضيوفه نازلون عليه ولما رأت ذلك الملائكة منه طمأنوه بما أخبر به تعالى في قوله: {وَقَالُوا لا تَخَفْ} أي علينا {وَلا تَحْزَنْ} على من سيهلك من أهلك مع قومك الظالمين. {إِنَّا مُنَجُّوكَ} من العذاب أنت وأهلك أي زوجتك المؤمنة وبنتيك، {إِلَّا امْرَأَتَكَ} أي العجوز الظالمة فإنها {مِنَ الْغَابِرِينَ} الذين طالت أعمارهم وستهلك مع الهالكين. وقوله تعالى في الآية (34) : {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي أخبرت الملائكة لوطاً بما هم فاعلون لقومه وهو قولهم {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} أي مدينة سدوم {رِجْزاً} أي عذاباًَ من السماء وهي الحجارة بسبب فسقهم بإتيان الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين. قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا} أي من تلك القرية {آيَةً بَيِّنَةً} (5) ، أي عظة وعبرة، وعلامة واضحة على قدرتنا على إهلاك الظالمين والفاسقين. وقوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إذ هم الذين يتدبرون في الأمور ويستخلصون أسبابها وعواملها ونتائجها وآثارها أما غير العقلاء فلا حظ لهم في ذلك ولا نصيب فهم كالبهائم التي تنساق إلى المجزرة وهي لا تدري وفي هذا تعريض بمشركي مكة وما هم عليه من الحماقة والغفلة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- حلم إبراهيم ورحمته تجليا في دفاعه عن لوط وأهله.
2- تقرير مبدأ: من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه، حيث العلاقة الزوجية بين لوط وامرأته العجوز لم تنفعها
وهلكت لأنها كانت مع الظالمين بقلبها وسلوكها.
3- مشروعية الضيافة وتأكدها في الإسلام لحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
4- التنديد بالفسق عن طاعة الله وهو سبب هلاك الأمم والشعوب.
5- فضيلة العقل إذا استعمله صاحبه في التعرف إلى الحق والباطل والخير والشر.
__________

1 - (لما) حرق وجود لوجود نحو: لما جاء الحق ذهب الباطل. وهي أداة تدل على التوقيت كما هي ظرف ملازم للإضافة إلى جملة بعدها.
2 - البشرى: اسم للبشارة التي هي: إخبار بما يسرّ المخبر.
3 - الجملة تعليلية لما تقدمها من الإهلاك.
4 - قرأ الجمهور نافع وحفص: (لمنجّوك) بتشديد الجيم، وقرأ ابن كثير (منجوك) بتخفيفها من: أنجاه ينجيه، ونجي وأنجى بمعنى.
5 - المعنى: ولقد تركنا من القرية آثارا دالة عليها، وهي بقايا القرية المغمورة بماء بحيرة لوط تلوح من تحت المياه، مع بقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (5)
الحلقة (671)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 131الى صــــ 135)


وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)

شرح الكلمات:
وإلى مدين: أي وأرسلنا إلى قبيلة مَدْيَن، ومدين أبو القبيلة فسميت باسمه.
أخاهم شعيباً: أي أخاهم في النسب.
اعبدوا الله: أي اعبدوه ووحدوه ولا تشركوا به شيئاً.
وارجوا اليوم الآخر: أي آمنوا به وتوقعوا مجيئه وما يحدث فيه.
ولا تعثوا في الأرض مفسدين: أي ولا تعيثوا في الأرض فساداً بأن تنشروا فيها الفساد وهو العمل بالمعاصي فيها.
فأخذتهم الرجفة: الهزة العنيفة والزلزلة الشديدة.
في دارهم جاثمين: لاصقين بالأرض أمواتا لا يتحركون.
معنى الآيتين:
هذا موجز لقصة (1) شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين، والعبرة منه إهلاك تلك الأمة لما كذبت رسولها واستمرت على الشرك والمعاصي لعل قريشاً تعتبر بما أصاب هذه الأمة من هلاك ودمار من أجل تكذيبها لرسولها وعصيانها لربها قال تعالى {وَإِلَى (2) مَدْيَنَ} أي وأرسلنا إلى مدين {أَخَاهُمْ شُعَيْباً} وهو نبيّ عربي فلما انتهى إليهم برسالته قال {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ} أي وحدوه في عبادته وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه من التطفيف في الكيل والوزن، {وَارْجُوا (3) الْيَوْمَ الْآخِرَ} ، أي آمنوا بيوم القيامة وتوقعوا دائماً مجيئه وخافوا ما فيه من أهوال وأحوال فإن ذلك يساعدكم على التقوى وقوله: {وَلا تَعْثَوْا (4) فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} وذلك أنهم ينقصون الكيل والوزن ويبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض بالمعاصي. وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ} أي كذب أصحاب مدين نبيهم شعيباً فيما أخبرهم به ودعاهم إليه {فَأَخَذَتْهُمُ (5) الرَّجْفَةُ} أي رجفة الهلاك من تحتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين على الركب هلكى وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:

1- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر.
2- حرمة الفساد في الأرض وذلك بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
3- بيان نقمة الله تعالى على المكذبين والظالمين والفاسقين.
__________
1 - هذه القصة معطوفة على سابقاتها: قصة نوح وإبراهيم ولوط عليهم السلام.

2 - إن طلبت المناسبة بين قصة لوط وقصة أصحاب مدين فإنها في كون مدين من أبناء إبراهيم وكون لوط من الأسرة الإبراهيمية وأوضح من هذا السبب قرب الديار من بعضها، فمدين غير بعيدة من قرى لوط.
3 - أمره إيّاهم برجاء اليوم الآخر دال على أنهم ما كانوا يؤمنون باليوم الآخر أو ذكرهم به لغفلتهم عنه بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
4 - العثو: بالواو كالدنو والعثي بالياء كالعصي: أشد الفساد، وفعله: عثا يعثوا، وعثي كرضي يعثى كيرضى بمعنى واحد.
5 - الفاء للسببية، (والرجفة) الزلزال الشديد الذي ترجف منه الأرض والقلوب وكانت هذه الزلازل مصحوبة بصيحة شديدة انخلعت منها القلوب.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
شرح الكلمات:
وعاداً وثمود: أي وأهلكنا عاداً القبيلة وثمود القبيلة كذلك.
وقد تبين لكم من مساكنهم: أي تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم الخالية منهم بالحجر شمال الحجاز والشجر جنوب اليمن.
عن السبيل: أي سبيل الهدى والحق التي بينها لهم رسلهم.
كانوا مستبصرين: أي ذوي بصائر لما علمتهم رسلهم.
وقارون وفرعون وهامان: أي وأهلكنا قارون بالخسف وفرعون وهامان بالغرق.
فاستكبروا: أي عن عبادة الله تعالى وطاعة رسله.
وما كانوا سابقين: أي فائتين عذاب الله أي فارين منه، بل أدركهم.
فكلاً أخذنا بذنبه: أي فكل واحد من المذكورين أخذناه بذنبه ولم يفلت منا.
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا: أي ريحاً شديدة، كعاد.
ومنهم من أخذته الصيحة: أي ثمود.
ومنهم من خسفنا به الأرض: أي كقارون.
ومنهم من أغرقنا: أي كقوم نوح وفرعون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات قبل ذي (1) إهلاكه لقوم لوط وقوم شعيب وقوم نوح من قبل لما ردوا دعوته وكذبوا رسله ذكر بقية الأقوام الذين كذبوا بآيات الله ورسله فأهلكهم، فقال عز وجل: {وَعَاداً وَثَمُودَ (2) } أي وأهلكنا كذلك عاداً قوم هود، وثمود قوم صالح! وقوله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ (3) لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} أي وقد تبين لكم يا معشر كفار مكة ومشركي قريش من مساكنهم بالحجر (4) والشجر (5) من حضرموت ما يؤكد لكم إهلاكنا لهم، إذ مساكنهم الخاوية دالة على ذلك دلالة عين. وقوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي وقد زين لهم الشيطان أعمالهم من الشرك والشر والظلم والفساد وصدهم بذلك التزيين عن السبيل، سبيل الإيمان والتقوى المورثة للسعادة في الدنيا والآخرة. وقوله: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (6) } أي ذوي بصائر أي معرفة بالحق والباطل والخير والشر لما علمتهم الرسل ولكن آثروا أهواءهم على عقولهم فهلكوا. وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين. وقوله تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} أي أهلكنا قارون الإسرائيلي ابن عم موسى عليه السلام، أهلكناه ببغيه وكفره، فخسفنا به الأرض وبداره أيضا، وفرعون وهامان أغرقناهما في اليم بكفرهما وطغيانهما وظلمهما واستعلائهما وذلك بعدما جاءهم موسى بالبينات من الآيات والحجج الواضحات التي لم تبق لهم عذراً في التخلف عن الإيمان التقوى ولكن {فَاسْتَكْبَرُوا (7) فِي الْأَرْضِ} ، أرض مصر وديارها فرفضوا الإيمان والتقوى {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} ولا فائتين فأحلّ الله تعالى بهم نقمته وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين. ثم في الآية الأربعين من هذا السياق بين تعالى أنواع العذاب الذي أهلك به هؤلاء الأقوام، فقال: {فَكُلّاً (8) } أي فكل واحد من هؤلاء المكذبين {أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ (9) مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} أي ريحاً شديدة كعاد. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} كثمود {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} كقارون {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} كفرعون، وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي لم يكن من شأن الله تعالى الظلم فيظلمهم، {وَلَكِنْ كَانُوا} أي أولئك الأقوام {أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك والكفر والتكذيب والمعاصي فأهلكوها بذلك، فكانوا هم الظالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن الشيطان هو سبب هلاك الأقوام وذلك بتزيينه لهم الشر والقبيح كالشرك والباطل والشر والفساد.
2- بيان أن الاستكبار كالظلم عاقبتهما الهلاك والخسران.
3- بيان أن الله تعالى ما أهلك أمة حتى يبين لها ما يجب أن تتقيه (10) من أسباب الهلاك والدمار فإذا أبت إلا ذاك
أوردها الله موارده.
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
__________

1 - وجه المناسبة ظاهر بين هده الآيات وسابقتها وهي إتمام ذكر كل من قص تعالى في كتابه قصصهم مفصلة في الأعراف وهود والشعراء والنمل والقصص، فذكر بإيجاز من لم يذكرهم في هذا العرض من هذه السورة، فذكر عاداً وثمود وقارون وفرعون هامان.
2 - وعاداً جائز أن يكون منصوباً بفعل مقدر، وأهلكنا عاداً أو اذكر عاداً.
3 - الجملة حالية.
4 - مدائن صالح.
5 - منازل عاد.
6 - الاستبصار: البصارة بالأمور، والسين والتاء للتأكيد كالاستحباب بمعنى الحب، والمراد أنهم أهل بصائر ومعرفة بالأمور لما لهم من عقول صالحة للنظر والإدراك، وما في التفسير وجه أحسن من هذا.
7 - إن فرعون وهامان وقارون شأنهم شأن أبي جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحارث ما حملهم على الكفر والعناد إلا الاستكبار في البلاد.
8 - (فكلا) : الفاء للتفريع على ما سبق: قوله تعالى: (وعاداً) إذ التنوين عوضٌ عن كلمة أي: فكل واحد ممن ذُكروا من عاد إلى قارون أخذ الله أي: أهلك بذنبه، ولم يظلمهم الله تعالى بإهلاكه إيّاهم.
9 - الفاء للتفريع إذ هذا التفصيل بعد الفاء متفرع عن ذلك الإجمال المذكور في قوله: (فكلاً أخذنا بذنبه) .
10 - شاهده في قول الله تعالى من سورة التوبة: (وما كان الله ليضل قوماً حتى يبين لهم ما يتقون) والإضلال سبيل الهلاك وطريقه.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (6)
الحلقة (672)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 136الى صــــ 143)


مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
شرح الكلمات:
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء: أي صفة وحال الذين اتخذوا أصناماً يرجون نفعها.
كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً: أي لنفسها تأوي إليه.
أوهن البيوت: أي أضعف البيوت وأقلها جدوى.
يعلم ما يدعون من دونه من شيء: أي من الأوثان والأصنام وغيرها.
وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبير أمور خلقه.
وما يعقلها إلا العالمون: أي العالمون بالله وآياته وأحكام شرعه وأسراره.
خلق الله السموات والأرض بالحق: أي من أجل أن يعبد لا للهو ولا لباطل.
أتل ما أوحي إليك من الكتاب: اقرأ يا رسولنا ما أنزل إليك من القرآن.
وأقم الصلاة: بأدائها مقامة مراعى فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها.
تنهى عن الفحشاء والمنكر: أي الصلاة بما توجد من نور في قلب العبد يصبح به لا يقدر على فعل فاحشة ولا إتيان منكر.
ولذكر الله أكبر: أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه كما أن ذكر
الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة وغيرها.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى نقمته على أعدائه الذين كفروا به وأشركوا غيره في عبادته وكذبوا رسله وكان ذلك تنبيها وتعليما للمشركين والكافرين المعاصرين لنزول القرآن لعلهم يستجيبون للدعوة المحمدية فيؤمنوا ويوحدوا ويسلموا فيسلموا من العذاب والخسران. ذكر هنا في هذه الآيات مثلاً لعبادة الأوثان في عدم نفعها لعابديها والقصد هو تقرير التوحيد، وإبطال الشرك العائق عن كمال الإنسان وسعادته وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ} أي شركاء وهي الأصنام والأوثان يعبدونها راجين نفعها وشفاعتها لهم عند الله تعالى {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ (1) اتَّخَذَتْ بَيْتاً} لتأوي إليه قصد وقايتها مما تخاف من جراء برد أو اعتداء حشرة عليها، {وَإِنَّ أَوْهَنَ (2) الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} والحال أن أوهن البيوت أي أضعفها وأحقرها شأناً وأقلها مناعة هو بيت العنكبوت فهذه حال المشركين الذين اتخذوا من دون الله {أَوْلِيَاءَ} أي أصناماً يرجون النفع، ودفع الضر بها فهم واهمون في ذلك غالطون، مخطئون، إنه لا ينفع ولا يضر إلا الله فليعبدوه وحده وليتركوا ما سواه. وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي لو كان المشركون يعلمون أن حالهم في عبادتهم غير الله في عدم الانتفاع بها كحال العنكبوت في عدم الانتفاع ببيتها الواهي لما رضوا بعبادة غير الله وتركوا عبادة الله الذي بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} فيه تهديد للمشركين المصرين على الشرك بأنه لا يخفى عليه ما هم عليه من دعاء غيره، ولو شاء لأهلكهم كما أهلك من قبلهم {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على أمره {الْحَكِيمُ} في تدبير خلقه ولذا يعجل العقوبة لمن يعجل لحكمة ويؤخرها عنه لحكمة فلا يغتر المشركون بتأخير العذاب، ولا يستدلون به على رضا الله تعالى بعبادتهم، وكيف يرضاها وقد أهلك أمماً بها وأنزل كتابه وبعث رسوله لإبطالها والقضاء عليها وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ (3) نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} أي وهذه الأمثال نضربها للناس لأجل إيقاظهم وتبصيرهم وهدايتهم، {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} أي وما يدرك مغزاها وما تهدف إليه من التنفير من الشرك العائق عن كل كمال وإسعاد في الدارين {إِلَّا الْعَالِمُونَ (4) } أي بالله وشرائعه وأسرار كلامه وما تهدي إليه آياته. وقوله تعالى: {خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} إخبار بأنه تعالى هو الذي خلق السموات والأرض وهي مظاهر قدرته وعلمه وحكمته موجبة لعبادته بتعظيمه وطاعته ومحبته والإنابة إليه والخوف منه. وخلقهما بالحق لا بالباطل وذلك من أجل أن يذكر فيهما ويشكر فمن كفر به فترك ذكره وشكره كان كمن عبث بالسموات والأرض وأفسدها، لذا يعذب نظراً إلى عظم جرمه عذاباً دائماً أبداً. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي إن في خلق السموات (5) والأرض بالحق {لَآيَةً} أي علامة بارزة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته، وهذه موجبات ألوهيته على سائر عباده فهو الإله الحق الذي لا رب غيره ولا إله سواه. وبعد هذا البيان والبرهان لم يبق عذر لمعتذر، وعليه فـ {اتْلُ (6) } أيها الرسول {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} تعليماً وتذكيراً وتعبداً وتقرباً {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} طرفي النهار وزلفاً من الليل فإن في ذلك عوناً كبيراً لك على الصبر والثبات وزاداً عظيماً لرحلتك إلى الملكوت الأعلى. وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى (7) عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} تعليل للأمر بإقام الصلاة فإن الصلاة بما توجده من إشراقات النفس والقلب والعقل حال تحول بين العبد وبين التلوث بقاذورات الفواحش ومفاسد المنكر وذلك يفيد إقامتها لا مجرد أدائها والإتيان بها. وإقامة الصلاة تتمثل في الإخلاص فيها لله تعالى أولاً ثم بطهارة القلب من الالتفات إلى غير الرب تعالى أثناء أدائها ثانياً، ثم بأدائها في أوقاتها المحددة لها وفي المساجد بيوت الله، ومع جماعة المسلمين عباد الله وأوليائه، ثم بمراعاة أركانها من قراءة الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه، والسجود على الجبهة والأنف والطمأنينة فيه، وآخر أركانها الخشوع وهو السكون ولين القلب وذرف الدمع. هذه هي الصلاة التي
توجد طاقة النور التي تحول دون الانغماس في الشهوات والذنوب وإتيان الفاحشة وارتكاب المنكر. وقوله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} أي أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من إقامة الصلاة لأن الصلاة أثناء أدائها مانعة عاصمة لكن إذا خرج منها، قد يضعف تأثيرها، أما ذكر الله بالقلب واللسان في كل الأحيان فهو عاصم مانع من الوقوع في الفحشاء والمنكر وفي اللفظ معنى آخر وهو أن ذكر الله للعبد في الملكوت الأعلى أكبر من ذكر العبد للرب في ملكوت الأرض ويدل عليه قوله "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خير منه" كما في الحديث الصحيح. وقطعاً والله لذكر الرب العبد الضعيف أكبر من ذكر العبد الضعيف الرب العظيم. اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين لآلائك. وقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (8) } فيه وعد ووعيد، فإن علمه يترتب عليه الجزاء فمن كان يصنع المعروف جزاه به، ومن كان يصنع السوء جزاه به. اللهم ارزقنا صنائع المعروف وأبعد عنا صنائع السوء آمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام.
2- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
3- فضل العلماء على غيرهم، العلماء بالله، بصفاته وأسمائه وآياته، وشرائعه، وأسرارها.
4- وجوب تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وذكر الله، إذ هي غذاء الروح وزاد العروج إلى الملكوت الأعلى.
5- بيان فائدة إقام الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى بالقلب واللسان.
__________

1 - العنكبوت: صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل وهي ثلاثة أصناف: منها صنف يسمى ليث العنكبوت، وهو الذي يفترس الذباب وكلها تتخذ لنفسها نسيجاً تنسجه من لعابها يكون خيوطاً مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران، وتتخذ في وسط تلك الخيوط جانباً أغلظ وأكثر خيوطاً فتحتجب فيه ويسمى بيتا لشبهه بالخيمة لأنه منسوج ومشدود من أطرافه فهو كبيت الشعر، وجملة (اتخذت بيتاًَ) حال من العنكبوت ويصغّر على العنيكبوت ويجمع على عناكب.
2 - (وإن أوهن البيوت..) هذه الجملة معترضة مبيّنة لوجه الشبه وتجري هذه الجملة مجرى المثل يضرب للشيء إذا قلّت فائدته وجدواه.
3 - (وتلك الأمثال) مبتدأ والخبر: جملة (نضربها للناس) .
4 - عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه".
5 - لفظ السموات والأرض: يشمل ذاتهما والموجودات المظروفة فيهما.
6 - المراد من: (اتل) : مدوامة تلاوة ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم.
7 - قيل لابن عطية: إن حماداً وابن جريج والكلبي يقولون: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام العبد فيها. قال: هذه عجمة أي: نسبهم إلى قلة الفهم وهو كذلك للحديث وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" وقال له أحد الصحابة: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. فقال: سينهاه ما تقول. يعني صلاته.
8 - في الآية وازع المراقبة، وعليه فتلاوة القرآن وإقام الصلاة وذكر الله تعالى ومراقبته. هذه الأربعة تمثّل سبيل السلام إلى دار السلام من سلكه نجا ومن تنكّبه هلك، والعياذ بالله العليم الحكيم.

****************************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء الحادي والعشرون
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)

شرح الكلمات:
ولا تجادلوا أهل الكتاب: أي لا تحاجوا ولا تناظروا اليهود ولا النصارى.
إلا بالتي هي أحسن: أي إلا بالمجادلة التي هي أحسن وهي الدعوة إلى الله بآياته والتنبيه على حججه.
إلا الذين ظلموا منهم: أي الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين بدفع الجزية وبقوا حرباً على المسلمين.
وكذلك أنزلنا إليك الكتاب: أي وكإنزالنا الكتاب على من قبلك من الرسل أنزلنا إليك الكتاب.
فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به: أي كعبد الله بن سلام وإخوانه الذين آمنوا بالرسول وكتابه.
ومن هؤلاء من يؤمن به: أي من هؤلاء المشركين من يؤمن به وفعلا آمن به كثيرون.
ولا تخطه بيمينك: أي تكتب بيدك لأنك أميّ لا تقرأ ولا تكتب.
لارتاب المبطلون: أي لشك اليهود في نبوتك ونزول القرآن إليك.
بل هو آيات بينات: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعوته وصفاته آيات بينات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.
وما يحجد بآياتنا إلا الظالمون: أي وما يجحد بآيات الله الحاملة لنعوت الرسول الأمي وصفاته إلا الذين ظلموا أنفسهم بكتمان الحق والاستمرار على الباطل.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَلا (1) تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} هذا تعليم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين يأخذون به مستقبلا عندما يتصلون بأهل الكتاب ويحتكون بهم فقال عز وجل مخاطبا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين من أمته {وَلا تُجَادِلُوا (2) أَهْلَ الْكِتَابِ} الذين هم اليهود والنصارى فنهاهم عن مجادلتهم وهي خصامهم ومحاجتهم ومناظرتهم {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي إلا بالمجادلة التي هي أحسن (3) وذلك بدعوتهم إلى الله تعالى ليؤمنوا برسوله ويدخلوا في دينه الإسلام والتنبيه على حجج الله وأدلة وحيه وكتابه. وقوله {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِْنهُمْ} وهم الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين ولم يؤدوا الجزية وناصبوا للمسلمين الحرب والعداء فهؤلاء لا يجادلون ولكن يحكّم فيهم السيف فيقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقوله تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . هذا تعليم آخر للمؤمنين وهو: إن أخبرهم أهل الكتاب بشيء لا يوجد في الإسلام ما يثبته ولا ما ينفيه وادّعوا أنه في كتابهم في هذه الحال فقولوا ما أرشدنا الله تعالى إلى قوله وهو: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا}
إلى آخر الآية حتى لا نكون قد كذّبنا بحق ولا آمنا بباطل، وفي البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم (4) ، وقولوا {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} أي وكإنزال الكتب السابقة على رسل سبقوا كموسى وداود وعيسى عليهم السلام أنزلنا إليك أنت يا محمد الكتاب أي القرآن وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} . فهذا إخبار بغيب فكما علّم الله تعالى المؤمنين كيف يكونون مع أهل الكتاب عندما يتصلون بهم ويعيشون معهم في المدينة وغيرها أخبر أن الذين آتاهم الكتاب أي التوراة والإنجيل وهم الراسخون في العلم يؤمنون أي بالقرآن وقد آمن عبد الله بن سلام وكثير من أحبار أهل الكتاب، وآمن من المشركين كثيرون فكان الأمر كما أخبر. وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} فهو كما أخبر لا يجحد بالآيات القرآنية ويكذب بها إلا كافر مظلم النفس خبيثها وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} هو كما قال عز وجل لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ قبل القرآن أي كتاب، ولا كان يخط بيمينه أيّ كتاب لأنه أميّ لا يقرأ ولا يكتب أيْ فلو كان قبل نزول القرآن عليه يقرأ ويكتب لكان للمبطلين (5) مجال للشك في صحة دعوى النبوة المحمدية ونزول القرآن عليه، ولكن لم يكن قبل القرآن يقرأ أي كتاب، ولم يكن يخط بيمينه أي خط ولا كتاب فلم يبق إذاً للمشركين ما يحتجون به أبداً. وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ (6) الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي بل الرسول ونعوته وصفاته ومنها وصف الأمية آيات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.. وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا} في التوراة والإنجيل والقرآن {إِلَّا الظَّالِمُونَ} أنفسهم (7) من الماديين اليهود والنصارى الذين يأكلون ويَترأسُون على حساب الحق والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية مجادلة أهل الكتاب من أهل الذِّمّة بالتي هي أحسن.
2- حرمة سؤال أهل الكتاب لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تسألوا أهل الكتاب (8) عن شيء فإنهم لن يهدوكم
وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل".
منع تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم إذا أخبروا بشيء ووجوب قول: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
3- إخبار القرآن بالغيب قبل وقوعه فيقع كما أخبر فيكون ذلك آية على أنه من وحي الله تعالى.
4- تقرير صفة الأمية في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هي في الكتب السابقة.
__________

1 - ذكر القرطبي الخلاف في هل هذه الآية منسوخة أو محكمة، ورجّح قول مجاهد وهي أنها محكمة، وما في التفسير على هذا وهو الصواب.
2 - الجدال والمجادلة مصدران لجادل، والمراد بالمجادلة: إقامة الدليل على رأي اختلف فيه صاحبه مع غيره. والجدل: شدة الخصومة وهو مأخوذ من الجدل الذي هو الفتل للحبل ونحوه إذا قواه، والمجادل يقوي رأيه بما يراه ويورده من حجج.
3 - وجه المجادلة بالحسنى لأهل الكتاب لأنهم أهل علم متأهلون للفهم وقبول الحق متى اتضح لهم بخلاف جهّال المشركين فإن تهجين عبادتهم وتفضيع طريقتهم قد يكون أنجع فيهم.
4 - تفرد به البخاري رحمه الله تعالى.
5 - قال مجاهد: "كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية.
6 - أي: ليس هو كما يقول المبطلون من أنه سحر أو شعر ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه وكذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمؤمنون به، وهذا لا ينافي مع ما في التفسير، إذ الوجهان صحيحان، وقال كعب في صفة هذه الأمة: إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء.
7 - والمشركون كاليهود والنصارى في هذا أي: الجحود بالآيات.
8 - رواه ابن جرير عن عبد الله بن مسعود قال: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (7)
الحلقة (673)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 143الى صــــ 147)

وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
شرح الكلمات:
لولا أنزل عليه آيات: أي قال كفار قريش هلاّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح، وعصا موسى.
قل إنما الآيات عند الله: أي قل يا رسولنا الآيات عند الله ينزلها متى شاء.
أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب: أي أو لم يكفهم فيما طلبوا من الآيات إنزالنا الكتاب عليك.
إن في ذلك لرحمة وذكرى: أي في القرآن رحمة وموعظة للمؤمنين فهو خير من ناقة صالح.
والذين آمنوا بالباطل: وهو ما يعبد من دون الله.
وكفروا بالله: وهو الإله الحق.
أولئك هم الخاسرون: أي حيث استبدلوا الكفر بالإيمان.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى: {وَقَالُوا} أي أهل مكة {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ (1) مِنْ رَبِّهِ} أي هلاّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى إذ هذا الذي يعنون بالآيات أي معجزات خارقة للعادة. قال تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل يا رسولنا لقومك المطالبين بالآيات دليلا على صدق نبوتك قل لهم: أولاً: الآيات التي تطالبون بها هي عند الله وليست عندي فهو تعالى ينزلها متى شاء وعلى من شاء. وثانياً: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي وظيفتي التي أقوم بها هي إنذار أهل الظلم من عاقبة ظلمهم وهي عذاب النار فلذا لا معنى بمطالبتي بالآيات. وثالثاً: أو لم يكفهم (2) آية أن الله تعالى أنزل عليّ كتابه فأنا أتلوه عليكم صباح مساء فأي آية أعظم من كتاب من أميّ لا يقرأ ولا يكتب تُتلى آياته تحمل الهدى والنور وهو في الوقت نفسه رحمة وذكرى أي موعظة لقوم يؤمنون فهي معجزة ثابتة قائمة باقية يجد فيها المؤمنون الرحمة فيتراحمون بها ويجدون فيها الموعظة فهم يتعظون بها، فأين هذا من معجزة تبقى ساعة ثم تذهب وتروح كمائدة عيسى أو عصا موسى. ورابعاً: شهادة الله برسالتي كافية لا يطلب معها دليل آخر على نبوتي ورسالتي، فقد قال لي ربي: {قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً (3) } ربي الذي يعلم ما في السموات والأرض من كل غيب ومن ذلك علمه بأني رسوله فشهد لي بذلك بإنزاله عليّ هذا الكتاب وأخيراً وبعد هذا البيان يقول تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا (4) بِالْبَاطِلِ} وهو تأليه المخلوقات من دون الله {وَكَفَرُوا} بألوهية الله الحق {أُولَئِكَ} البعداء في الفساد العقلي وسوء الفهم {هُمُ الْخَاسِرُونَ} في صفتهم حين اشتروا الكفر بالإيمان واستبدلوا الضلالة بالهدى.
هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث فلتعد تلاوتها بالتأنّي والتدبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بالأدلة القاطعة التي لا تُرد، وهي أربع كما ذكر آنفا.
2- بيان أكبر معجزة لإثبات النبوة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي نزول القرآن الكريم عليه وفي ذلك قال
عليه الصلاة والسلام كما في البخاري (5) : "ما من نبي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأنا أرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة".
3- القرآن الكريم رحمة وذكرى أي عبرة للمؤمنين به وبمن نزل عليه.
4- تقرير خسران المشركين في الدارين لاستبدالهم الباطل بالحق والعياذ بالله تعالى.
__________

1 - قرأ ابن كثير وحمزة: (آية) بالإفراد، وقرأ الجمهور ونافع وحفص بالجمع (آيات) .
2 - أخرج الدارمي في سننه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتُي بكتف فيه كتاب فقال: "كفى بقوم ثلاثة: أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله تعالى هذه الآية: (أو لم يكفهم) .
3 - (شهيداً) أي: يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أني رسول وأن هذا كتابه.
4 - قال يحيى بن سلام: الباطل هنا: إبليس وهو شامل لإبليس ولعبادة الأوثان وما في التفسير أعم، إذ اللفظ يشمل عبادة غير الله مطلقا وهو الباطل.
5 - أخرجه ابن كثير بهذا اللفظ: "وما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" وقال: أخرجاه من حديث الليث.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
شرح الكلمات:
ويستعجلونك بالعذاب: أي يطلبون منك تعجيل العذاب لهم.
ولولا أجل مسمى: أي وقت محدد للعذاب لا يتقدمه ولا يتأخر عنه لجاءهم.
وليأتينهم بغتة: فجأة من حيث لا يخطر لهم على بال.
وإن جهنم لمحيطة بالكافرين: أي من كل جانب وهم فيها وذلك يوم يغشاهم.
يوم يغشاهم العذاب: أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
ذوقوا ما كنتم تعملون: أي ويقول لهم الجبار ذوقوا ما كنتم تعملون أي من الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآيات القريبة أن المكذبين بالرسالة المحمدية طالبوا بالعذاب تحدياً منهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين في أنك نبي ورسول إلينا وفي هذه الآية يعجِّب تعالى رسوله أي يحملُه على التعجب من حمق المشركين وطيشهم وضلالهم إذ يطالبون بالعذاب فيقول له {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ (1) بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً (2) } للعذاب أي وقت محدد له لا يتقدمه ولا يتأخره {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} ثم أخبر تعالى رسوله مؤكداً خبره فقال: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} أي العذاب {بَغْتَةً} لا محالة {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئه، ثم كرر تعالى حمل رسوله على التعجب من سخف المشركين الذي لا يطيقون لسعة عقرب ولا نهشة أفعى يطالبون بالعذاب فقال {يَسْتَعْجِلُونَكَ (3) بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} لا محالة كقوله {أَتَى أَمْرُ اللهِ} {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ} أي يغطيهم ويغمرهم فيكون {مِنْ فَوْقِهِمْ (4) وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وجهنم محيطة بهم ويقول (5) الجبار تبارك وتعالى موبخا لهم {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية التعجب إذا وجدت أسبابه الحاملة عليه.
2- بيان مدى حمق وجهل وسفه الكافرين والمشركين بخاصة.
3- بيان أن تأخير العذاب لم تكن عن عجز وإنما هو لنظام (6) دقيق إذ كل له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر.
__________

1 - من بين المطالبين بالعذاب: أبو جهل، والنضر بن الحارث إذ قالا (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب وفيهم نزل: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ... ) .
2 - المعنى: لولا الأجل المعيّن لحلول العذاب بهم لجاءهم العذاب عاجلاً لأن كفرهم يستحق تعجيل عقابهم، ولكن الله أراد تأخيره لحكم يعلمها منها: إمهالهم ليؤمن من يؤمن منهم، ومنها ليعلموا أن الله لا يستفزّه استعجالهم ومنه إظهار رحمته بعباده وحلمه عليهم.
3 - حكى استعجالهم العذاب بصيغة المضارع لاستحضار حال استعجالهم لإفادة التعجب منها كما في قوله تعالى: (يجادلنا في قوم لوط) .
4 - (من فوقهم) حال مؤكدة، إذ غشيان العذاب لا يكون إلا من فوق، وقوله (ومن تحتهم) احتراس عمّا قد يوهمه الغشيان من الفوقية خاصة.
5 - قرأ بعضهم (ونقول) بنون التكلم والتعظيم.
6 - وحكم عالية تقدم بعضها إزاء رقم (2) في الصفحة السابقة.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (8)
الحلقة (674)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 147الى صــــ 152)

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
شرح الكلمات:
إن أرضي واسعة: أي هاجروا من بلاد لم تتمكنوا من العبادة فيها فإن أرض الله واسعة.
فإياي فاعبدون: فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون.
كل نفس ذائقة الموت: أي لا يمنعنكم الخوف من الموت ألا تهاجروا في سبيل الله فإن الموت لا بد منه للمهاجر ولمن ترك الهجرة.
ثم إلينا ترجعون: أي بعد موتكم ترجعون إلى الله فمن مات في سبيل مرضاته أكرمه وأسعده، ومن مات في معصيته أذاقه عذابه.
لنبوئنهم: أي لننزلنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار.
الذين صبروا: أي صبروا على الإيمان والهجرة متوكلين على الله تعالى.
وكأين من دابة لا تحمل رزقها: أي لا تطيق جمعه ولا حمله لضعفها، والله يرزقها فلا عذر لمن ترك الهجرة خوفا من الجوع والخصاصة.
وهو السميع العليم: أي السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأحوالهم وأعمالهم.
معنى الآيات:
لا شك أنه بعد ذلك التأنيب الإلهي للمشركين وتهديدهم بالعذاب وتوعدهم بعذاب جهنم وتوبيخهم فيها على شركهم وباطلهم لا شك أن رد الفعل من المشركين هو الضغط على المؤمنين المستضعفين في مكة فأرشدهم الله تعالى إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ليتمكنوا من عبادة الله تعالى، فناداهم بقوله عز وجل: {يَا عِبَادِيَ (1) الَّذِينَ آمَنُوا} أي بي وبرسولي ولقائي {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فهاجروا فيها، ولا ترضوا بالبقاء مع الكفر تهانون وتلزمون بعبادة غيري من آلهة المشركين، {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} لا تعبدوا معي غيري. وعليه فهاجروا في سبيل مرضاتي ولا تخشوا موتاً ولا فقراً فإن كل نفس ذائقة الموت هاجر صاحبها أو لم يهاجر {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (2) } ، لا محالة فمن رجع إلينا وهو مؤمن مطيع منفذ لأوامرنا مجتنب نواهينا أسعدناه، من رجع إلينا وهو كافر بنا عاص لنا مهمل أوامرنا مرتكب نواهينا أشقيناه. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً (3) } أي لننزلنهم من الجنة دار الإسعاد {غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أي لا يخرجون منها ولا يموتون فيها. هذا بيان لمن مات وهو مؤمن عامل بالصالحات ومنها الهجرة في سبيل الله. وقوله {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} أي ذلك الإنزال في الغرف في الجنان هو الإسعاد المترتب على الإيمان والهجرة والعمل الصالح فالإيمان والهجرة والعمل الصالح عملٌ والجنة وما فيها من النعيم أجرة ذلك العمل. وأثنى الله تعالى على الجنة فقال: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ووصفهم بقوله {الَّذِينَ صَبَرُوا} أي على الإيمان والهجرة والطاعة {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فخرجوا من ديارهم تاركين أموالهم لا يحملون معهم زاداً كل ذلك توكلا على ربهم وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ (4) مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لضعفها وعجزها أي وكثير من الدواب من الإنسان والحيوان مَن يعجز حتى عن حمل طعامه أو شرابه لضعفه والله عز وجل يرزقه بما يسخر له من أسباب وما يهيئ له من فرص فيطعم ويشرب كالأقوياء والقادرين، وعليه فلا يمنعنكم عن الهجرة مخافة الفاقة والفقر فالله تعالى تكفل برزقكم ورزق سائر مخلوقاته. {وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوالكم {الْعَلِيمُ (5) } ببواطنكم وظواهركم وأعمالكم وأحوالكم فارهبوه ولا ترهبوا سواه فإن في طاعته السعادة والكمال وفي معصيته الشقاء والخسران.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده فيها لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر.
2- لا معنى للخوف من الموت إذا وجب العمل كالهجرة والجهاد لأن الموت حق ولا بد منه.
3- بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل الإيمان والهجرة والتقوى.
4- لا يمنعن المؤمن من الهجرة خوفه من الجوع في دار هجرته إذ تكفل الله برزقه.
__________

1 - قال القرطبي هذه الآية نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة وهو كذلك إلا أنها عامة في كل من منع من عبادة الله تعالى في أرض عليه أن يهاجر إلى أخرى يعبد الله تعالى فيها إذ العبادة هي علّة خلقه ووجوده لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
2 - قرأ الجمهور: (ترجعون) وقرأ البعض بالياء (يرجعون) .
3 - وروى مسلم: "أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو من المغرب لتفاضل ما بينهم، وقيل له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم! قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
4 - وكأين: أصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى كم، والتقدير: أي كشيء كثير من العدد من دابة قال ابن عباس: الدواب هي كل ما دبّ من الحيوان فكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر.
5 - وهو السميع لدعائكم العليم بما في نفوسكم من إخلاص لله تعالى في أعمالكم وتوكلكم ورجائكم من الرزق.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
شرح الكلمات:
ولئن سألتهم: أي المشركين.
وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما يسيران الدهر كله لا يملان ولا يفتران.
فأنى يؤفكون: أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته لهم. وهو أن الخالق المدبر هو الإله الحق الذي يجب توحيده في عبادته.
الله يبسط الرزق لمن يشاء: أي يوسّع الرزق على من يشاء من عباده امتحاناً للعبد هل يشكر لله أو يكفر نعمه.
ويقدر له: أي ويضيق عليه ابتلاء ليرى هل يصبر أو يسخط.
ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله: إذاً كيف يشركون به أصناما لا تنفع ولا تضر؟
قل الحمد لله: أي قل لهم الحمد لله على ثبوت الحجة عليكم.
بل أكثرهم لا يعقلون: أي إنهم متناقضون في فهمهم وجوابهم.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب: أي بالنظر إلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها الإنسان ولعب يخرج منه بلا طائل ولا فائدة.
وإن الدار الآخرة لهي الحيوان: أي الحياة الكاملة الخالدة، ولذا العمل لها أفضل من العمل للدنيا.
لو كانوا يعلمون: أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلّهم يوحدون. يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي لئن سألت هؤلاء المشركين الذين يؤذون المؤمنين ويضطهدونهم من أجل توحيدهم لله تعالى لو سألتهم {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي من أوجدهما من العدم، ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبُنَّك قائلين الله. {فَأَنَّى (1) يُؤْفَكُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنها حال تستدعي التعجب وقوله تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} هذا مظهر من مظاهر الحكمة الإلهية والتدبير الحكيم وهو موجب له الألوهية نافٍ لها عما سواه. فهذا يبسط الرزق له فيوسّع عليه في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه، وهذا يضيق عليه في ذلك لماذا؟! والجواب: إنه يوسع امتحانا للعبد هل يشكر أو يكفر، ويضيق ابتلاءًا للعبد هل يصبر أو يسخط. ولذا فلا حجة للمشركين في (2) غناهم وفقر المؤمنين فالغنى لا يدل على رضا الله على العبد ولا على سخطه. والفقر كذلك لا يدل على سخط ولا على رضا. وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ (3) شَيْءٍ عَلِيمٌ} تقرير لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من يصلحه الفقر، والإفساد كذلك وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين فقلت من نزل من السماء ماء المطر فأحيا به الأرض بعد موتها بالقحط والجدب لأجابوك قائلين: الله إذاً قل لهم: الحمد (4) لله على اعترافكم بالحق لو أنكم تعملون بمقتضاه فما دام الله هو الذي ينزل الماء ويحيي الأرض بعد موتها فالعبادة إذاً لا تنبغي إلا له فلم إذاً تعبدون معه آلهة أخرى لا تنزل ماء ولا تحيي أرضا ولا غيرها، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} إذ لو عقلوا ما أشركوا بربهم أحجاراً وأصناماً ولا ما تناقضوا هذا التناقض في أقوالهم وأفعالهم يعترفون بالله ربا خالقاً رازقاً مدبراً ويعكفون على الأصنام يستغيثون بها ويدعونها ويعادون بل ويحاربون من ينهاهم عن ذلك.
وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي التي أعمت الناس عن الآخرة وصرفتهم عن التزود لها ما هي {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ (5) } إذ يتشاغل بها الكافر ويعمل لها الليل والنهار ثم يموت ويخرج منها صفر اليدين كالأطفال يلعبون طوال النهار ثم يعودون بلا شيء سوى ما نالهم من التعب فالواجب أن تحول إلى عمل صالح مثمر يتزود به العبد إلى آخرته إذ الآخرة هي الحيوان أي الحياة الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون، وفي عملها يتنافس المتنافسون. وهذا معنى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي الدار الآخرة {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} (6) أي الحياة التي يجب أن نعمل لها لبقائها وخيريّتها، وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي نعم إذ لو علموا أن الآخرة خير لما أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم، فدواؤهم العلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التعجب من تناقض المشركين الذين يؤمنون بربوبية الله ويجحدون ألوهيته.
2- بيان حقيقة وهي أن الغنى والفقر لا يدلان على رضا الرب ولا على سخطه، وإنما يدلان على علم الله
وحكمته وحسن تدبيره.
3- بيان حقارة الدنيا وتفاهتها وعظمة الآخرة وعلو قيمتها. فلذا أحمق الناس وأشدهم سفاهة من يعمى عن
الآخرة ويكفر بها ويبصر الدنيا ويؤمن بها.
__________

1 - الاستفهام للإنكار والتعجب.
2 - نزلت الآية رداً على المشركين الذين عيّروا المؤمنين بالفقر وقالوا لهم: لو كنتم على الحق لم تكونوا فقراء، وهذا تمويه منهم إذ في الكافرين فقراء أيضا.
3 - هذه الجملة تذييلية لإفادة أن ذلك كله جار على حكمة لا يُطّلع عليها.
4 - (الحمد لله) أي: على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته على كل شيء أراده.
5 - اللهو: ما يلهو به الناس أي: يشتغلون به عن الأمور المكدّرة أو يعمرون به أوقاتهم الخالية عن الأعمال.
6 - الحيوان: يقع على كل شيء حي، وحيوان: عين في الجنة، وقيل: أصل الحيوان حييان فأبدلت إحداهما واواً لاجتماع المثلين.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (1)
الحلقة (675)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 152الى صــــ 160)

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
شرح الكلمات:
في الفلك: أي في السفينة.
مخلصين له الدين: أي دعوا الله وحده فلم يذكروا معه غيره من الآلهة.
إذا هم يشركون: أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير الله تعالى.
ليكفروا بما آتيناهم: أي بنعمة الإنجاء من الغرق وغيرها من النعم.
فسوف يعلمون: أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا ألقوا في جهنم.
ويتخطف الناس من حولهم: أي يسبون ويقتلون في ديار جزيرتهم.
أفبالباطل يؤمنون: أي بالأصنام وهي الباطل، ينكر تعالى عليهم ذلك.
والذين جاهدوا فينا: أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للإسلام والمسلمين.
لنهدينهم سبلنا: أي لنوفقنّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر لقالوا الله ولو سئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله. ومع هذا هم يشركون بالله آلهة أوثانا، وكما يعترفون بربوبية الله ثم يشركون به الأصنام، فإنهم إذا ركبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبية الله تعالى ثم بالإشراك به. ومردّ هذا إلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (1) .
وقوله تعالى في الآية (66) : {لِيَكْفُرُوا (2) بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البر كان كأنه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإنجائهم من الغرق، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الإخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء. وقوله تعالى: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} قرئ بسكون اللام ورجّح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى: وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة، والأمر حينئذٍ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد.
أما على قراءة جر اللام ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا أي أخلصوا في الشدة وأشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أوتوا في الحياة، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئا فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (67) {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً (3) آمِناً وَيُتَخَطَّفُ (4) النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} أي ألم ير أولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرماً آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدى عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أن الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتشّن عليهم الغارات ويقتلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة من سواه. ولذا قال تعالى عاتباً عليهم منددا بسلوكهم {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ (5) } أي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون {وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة (68) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء لله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً (6) لِلْكَافِرِينَ} ؟ والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكنا للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم.
وقوله تعالى في الآية الخامسة (69) {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا (7) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ (8) الْمُحْسِنِينَ} في هذه الآية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله أي طلباً لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد ولا يعبد معه سواه فقاتل المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه الله تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز بالمحبوب، وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإن هذه البشرى تناله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدهم في سبيل الله، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطهارة أرواحهم. اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملاحدة لا يؤمنون بالله تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين توحيد الربوبية مشركين في توحيد الألوهية أي العبادة.
2- إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم الله تعالى عليهم لعلهم يشكرون.
3- لا ظلم أعظم من ظلم من افترى على الله الكذب، وكذّب بالحق لما جاءه وانتهى إليه وعرفه فانصرف عنه مؤثرا دنياه متبعا لهواه.
4- بشرى الله لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة.
5- فضل الإحسان وهو إخلاص العبادة لله تعالى وأداؤها متقنة مجوّدة كما شرعها الله تعالى، وبيان هذا الفضل للإحسان بكون الله تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والإنعام عليهم وإكرامهم في جواره الكريم.
__________

1 - قال القرطبي: يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانا. وقيل: إشراكهم أن يقول قائلهم لولا الله والرئيس والملاح لغرقنا، وهو كمال قال، وإنما هو عند المسلمين من الشرك الأصغر لا الأكبر كقول الرجل: لولا الطبيب لمات فلان، ولولا الكلب لسرقنا.
2 - (ليكفروا) هذه اللام هي لام كي، والظاهر أنها للعاقبة وما يؤول إليه الأمر، وقيل هي لام الأمر، وإن كانت كذلك فهو للتهديد والوعيد، ويقوّي هذا الوجه قراءة من قرأها من القراء السبعة بسكون اللام (وليتمتعوا) .
3 - هو مكة والحرم حولها.
4 - الخطف: الأخذ بسرعة. قال الضحاك يتخطف الناس من حولهم: أي يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً فذكرهم الله تعالى بهذه النعمة لعلهم يذعنون له بالطاعة.
5 - الاستفهام للإنكار والتعجب أيضا.
6 - المثوى المستقر الدائم، والمثوى كالمأوى وزناً ومعنى والاستفهام هنا للتقرير.
7 - جاهدوا الكفار والفساق والشيطان والنفس أمّا جهاد الكفار فلم يؤذن فيه في الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية إلا أنه لا مانع أن ينزل الحكم قبل أن يشرع العمل. ولكنه منتظر، وأما جهاد النفس فهو لازم لا يفارق وكذا جهاد الشيطان عليه لعائن الله.
8 - المعيّة هنا: معيّة إعانة وتسديد ونصرة على الأعداء المحاربين من الكفار والشياطين والنفس.

*********************************

يتبع


ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الروم
مكية
وآياتها ستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)

شرح الكلمات:
الم: هذه أحد الحروف المقطعة تكتب الم، وتقرأ ألف، لام، ميم.
غلبت الروم: أي غلبت فارس الروم.
الروم: اسم رجل هو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لأنه جدها.
في أدنى الأرض: أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ يقال لها الجزيرة "بين دجلة والفرات".
وهم من بعد غلبهم سيغلبون: أي وهم أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها.
في بضع سنين: أي في فترة ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنين.
لله الأمر من قبل ومن بعد: أي الأمر في ذلك أي في غلب فارس أولا ثم في غلب الروم أخيراً لله وحده إذ ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن.
ويومئذ يفرح المؤمنون: أي ويوم تغلب الروم فارساً يفرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على المشركين عبدة النار، وبنصرهم هم على المشركين في بدر.
وعد الله: أي وعدهم الله تعالى وعدا وأنجزه لهم.
لا يخلف الله وعده: أي ليس من شأن الله خلف الوعد وذلك لكمال قدرته وعلمه.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون: كمال الله في قدرته وعلمه المستلزم لإنجاز وعده.
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا: أي لا يعلمون حقائق الإيمان وأسرار الشرع وإنما يعلمون ما ظهر من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة.
وهم عن الآخرة هم غافلون: أي عن الحياة الآخرة، وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك من عقائد وأفعال وتروك.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {الم} : أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن الله أعلم بمراده به، مع الإشارة إلى أنه أفاد فائدتين الأولى أن هذا القرآن المؤلف من مثل هذه الحروف المقطعة قد أعجز العرب على تأليف مثله فدل على أنه وحي من الله وتنزيله، وأن من نزل عليه نبي الله ورسوله وأن ما يحمل من تشريع هو حاجة البشرية ولا تصلح ولا تكمل ولا تسعد إلا به وعليه، والثانية أنها لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تأثيره على المستمع له جاء تعالى بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الاستماع إليه لأن هذه الحروف لم تكن معهودة في مخاطبتهم.
وقوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ} (1) : أي غَلَبت فارس الروم في {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} أي (2) أرض الشام الأقرب إلى بلاد فارس وذلك في أرض الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات
وقوله: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارسا وقوله: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} أي في فترة زمانية ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنوات وقوله {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ (3) بَعْدُ} أي الأمر في ذلك لله تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف في خلقه. وقوله {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ} أي (4) يوم يغلب الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً مشركون يعبدون النار، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان الوقت الذي انتصرت فيه الروم هو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر. وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن الإسلام وكتابه ورسوله حق. وقوله تعالى: {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم فنصرهم في وقت واحد منجزاً بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين (5) ، وهو العزيز أي الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده. وقوله ولكن {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (6) } كتدبير الله وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه. ولكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة، وفي نفس الوقت هم عن الحياة الآخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان في جوار الرحمن سبحانه وتعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير صحة الإسلام وأنه الدين الحق بصدق ما يخبر به كتابه من الغيوب.
2- بيان أن أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إلى المسلمين من المشركين والملاحدة من بلاشفة شيوعيين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
3- بيان أن أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع الحكيمة الرحيمة التي لا يكمل الإنسان ولا يسعد إلا عليها، ويعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة، أما عن سر الحياة الدنيا ولماذا كانت فهم لا يعلمون شيئا كما هم عن الحياة الآخرة غافلون بالمرة فلا يبحثون عما يسعد فيها ولا عما يشقي. والعياذ بالله تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء.
__________

1 - هذا الخبر المقصود منه لازم الفائدة، إذ يعلم الله ذلك، وإنما المراد نحن نعلم ذلك فلا يهنئكم أيها المشركون ذلك ولا تتطاولوا به على رسولنا وأوليائنا فإنا نعلم أنهم سيغلبون من غلبهم في بضع سينين لا يعد الغلب في مثله غلبا.
2 - اختلف في أدنى الأرض هل هذا الإدناء إلى أرض الروم أو إلى أرض الفرس كما في التفسير أو أدنى الأرض إلى أرض الروم أو إلى أرض العرب، وهذا الخلاف سببه الخلاف في تحديد موقع المعركة فإن كانت بالجزيرة فأدنى الأرض هو بالنسبة إلى أرض فارس وإن كانت الوقعة بالأردن فهي أقرب إلى أرض الروم وإن كانت الوقعة بأذرعات جنوب الشام فهي أقرب إلى ديار العرب الحجاز وما حوله والراجح الأول كما في التفسير.
3 - قبل، وبعد: مبنيان على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه أي: من قبل الغلب وبعده.
4 - قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله الله عز وجل: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض) قال: كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وذكر أن أبا بكر راهن قريشاً في كلام طويل، وقال الترمذي فيه حديث حسن صحيح غريب نقله القرطبي.
5 - وقيل كان النصر يوم صلح الحديبية لأن صلح الحديبية كان في واقع الأمر نصراً للمؤمنين، وما في التفسير أصح لحديث الترمذي وقد حسنه وصححه وقال فيه غريب.
6 - قال الحسن بلغ - والله- من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ولا يحسن أن يصلي وفي هذا قال بعضهم شعراً:
ومن البلية أن ترى لك صاحبا
في صورة الرجل السميع البصير
فطنٍ بكل مصيبة في ماله
وإذا يصاب بدينه لم يشعر

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:51 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (2)
الحلقة (676)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 161الى صــــ 165)

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)

شرح الكلمات:
في أنفسهم: أي كيف خُلقوا ولم يكونوا شيئا، ثم كيف أصبحوا رجالا.
إلا بالحق: أي لم يخلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي هو العدل.
وأجل مسمى: وهو نهاية هذه الحياة لتكون الحياة الثانية حياة الجزاء العادل.
بلقاء ربهم لكافرون: أي بالبعث والوقوف بين يدي الله ليسألهم ويحاسبهم ويجزيهم.
وأثاروا الأرض: قلبوها للحرث والغرس والإنشاء والتعمير.
وعمروها: أي عمروا الأرض عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء المشركون.
وجاءت رسلهم بالبينات: أي بالدلائل والحجج والبراهين من المعجزات وغيرها.
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون: أي بتكذيبهم وشركهم ومعاصيهم فعرضوا أنفسهم للهلاك.
أساءوا السوأى: أي بالتكذيب والشرك والمعاصي والسوءى هي الحالة الأسوأ.
أن كذبوا بآيات الله: أي بتكذيبهم آيات الله القرآنية واستهزائهم بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإيمان به من طريق ذكر الأدلة العقلية التي تحملها الآيات القرآنية فقوله تعالى {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (1) } أي أينكرون البعث ولم يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدماً ثم وجدوا أطفالاً ثم شبابا ثم رجالاً كهولاً وشيوخاً ثم يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم ثم إماتتهم قادر على بعثهم وحسابهم ومجازاتهم على كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى {مَا خَلَقَ اللهُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (2) وَأَجَلٍ مُسَمّىً} أي لم يخلقهما عبثا بل خلقهما ليذكر ويُشكر، ثم إذا تم الأجل المحدد لهما أفناهما ثم بعث عباده ليحاسبهم هل ذكروا وشكروا أو تركوا ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم.
وقوله تعالى {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} يخبر تعالى أنه مع ظهور الأدلة وقوة الحجج على صحة عقيدة البعث والجزاء فإن كثيرا من الناس كافرون بالبعث والجزاء وقوله تعالى في الآية (9) {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي أيكذّب أولئك المشركون بالبعث والجزاء ولم يسيروا في الأرض شمالاً وجنوباً (3) فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم هلاكا ودماراً، {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} بالإنشاء والتعمير والزراعة والفلاحة {وَعَمَرُوهَا} عمارة أكثر مما عَمَرَها هؤلاء، {وَجَاءَتْهُمْ (4) رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} ، ولما أهلكهم لم يكن ظالما لهم بل كانوا هم الظالمين لأنفسهم. أليس في هذا دليلا على حكمة الله وعلمه وقدرته فكيف ينكر عليه بعثه لعباده يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم؟
وقوله تعالى {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} أي الأعمال فلم يصلحوها حيث كذّبوا برسل الله وشرائعه. وقوله: {السُّوأَى (5) } أي عاقبة الذين أساءوا السوأى أي العاقبة السوأى وهو خسرانهم وهلاكهم، وقوله {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} أي من أجل أنهم كذبوا بآيات الله {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} وأصروا على ذلك ولم يتوبوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية المثبتة لها.
2- كفر أكثر الناس (6) بالبعث مع كثرة الأدلة وقوتها.
3- مشروعية السير في الأرض للاعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو بفعل محرم.
4- بيان جزاء الله العادل في أن عاقبة الإساءة السوأى (7) .
5- كفر الاستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته.
__________

1 - (في أنفسهم) ظرف للتفكر، وليس مفعولا لفعل يتفكروا لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم بل في خلق السموات والأرض وما بينهما.
2 - جائز أن يكون (إلا بالحق) معناه: إلا للحق أو لإقامة الحق أو بالحكمة وما في التفسير أولى وكل ما ذكر يشمله ويدل عليه. والأجل المسمى: المراد به أن كل المخلوقات حدد لها أجل فنائها، وهذا التقرير للفناء مستلزم للحياة الآخرة.
3 - فينظروا بأبصارهم وبصائرهم فلمّا كذبوا أهلكهم الله وما كان ظالما لهم بل هم الظالمون لأنفسهم بالشرك والمعاصي.
4 - أي: بالمعجزات والأحكام الشرعية.
5 - السوءى: تأنيث الأسوأ، كالحسنى تأنيث الأحسن، والأسوأ: الأقبح من الأفعال والأقوال والمعتقدات، وجائز أن يكون المراد بالسوءى هنا جهنم كما أن المراد بالحسنى الجنة في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى) أي الجنة.
6 - العلة أنهم لا يفكرون أي: لا يعملون خواطرهم في النظر والتأمل هذا هو سر عدم إيمانهم إذ لو نسب المفكرون إلى غيرهم لما كانت النسبة واحداً إلى مليون:
ولم أر كالرجال تفاوتا لدى الفكر حتى عدّ ألف بواحد
7 - أي: عاقبة الشرك والمعاصي وهما السوء والإساءة عاقبتهما السوءى أي: أشد العقوبات وأنكاها في الدنيا والآخرة.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:51 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اللهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
شرح الكلمات:
ثم إليه ترجعون: أي بعد إعادة الخلق وبعث الناس.
يبلس المجرمون: أي ييأسون من النجاة وتنقطع حجتهم فلا يتكلمون.
وكانوا بشركائهم كافرين: أي يتبرءون منهم ولا يعترفون بهم.
يتفرقون: أي ينقسمون إلى سعداء أصحاب الجنة وأشقياء أصحاب النار.
في روضة يحبرون: أي في روضة من رياض الجنة يسرون ويفرحون.
في العذاب محضرون: أي مدخلون فيه لا يخرجون منه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض صور حية صادقة لما يتم بعد البعث من جزاء، فقوله تعالى {اللهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} إعلان واضح صريح قاطع للشك مزيل للّبس بأن الله رب السموات والأرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق فخلق ما شاء ثم يميته ثم يعيده، وإليه لا إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو كارهة، هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مدلّلاً عليها بأقوى دليل وهو وجوده تعالى وقدرته التي لا تحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي لا يخلوا منها عمل، فقال {اللهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
وقوله عز وجل في الآية الثانية عشر (12) {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ (1) الْمُجْرِمُونَ} هذا عرض لما بعد البعث فذكر أنه لماّ تقوم الساعة ويبعث الناس يبلس المجرمون أي ييأسون من الرحمة وينقطعون عن الكلام لعدم وجود حجة يحتجون بها. وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ} أي ولم يكن لهم من يشفع لهم من شركائهم الذين عبدوهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله، فأيسوا من شفاعتهم وكفروا بهم أيضا أي أنكروا أنهم كانوا يعبدونهم خوفاً من زيادة العذاب. هذه حال المجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، الحامل عليها تكذيبهم بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} هذا عرض آخر يخبر تعالى أنه إذا قامت الساعة تفرق الناس على أنفسهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، وبين ذلك مقرونا بعلله فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا (2) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي صدّقوا بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً لا دين يقبل غيره وبالبعث والجزاء حقا. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي عبدوا الله تعالى بما شرع لهم من العبادات إذ الصالحات هي المشروع من الطاعات القولية والفعلية فهؤلاء المؤمنون العاملون للصالحات {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ (3) } من رياض الجنة {يُحْبَرُونَ (4) } أي يسرون ويفرحون بما لاقوه من الرضوان والنعيم المقيم، وذلك بفضل الله تعالى عليهم وبما هداهم إليه من الإيمان، وما وفقهم إليه من عمل الصالحات. وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} فقد أخبر عن جزائهم مقروناً بعلة ذلك الجزاء وهو كفرهم بتوحيد الله تعالى، والتكذيب بالآيات القرآنية وما تحمله من حجج وشرائع وأحكام، وبلقاء الآخرة وهو لقاء الله تعالى بعد البعث للحساب والجزاء، فجزاؤهم أن يحضروا في العذاب دائماً وأبداً لا يغيبون عنه، ولا يفتر عنهم، وهم فيه خالدون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض مشاهد القيامة.
2- تقرير عقيدة أن لا شفاعة لمشرك ولا كافر يوم القيامة، وبطلان ما يعتقده المبطلون من وجود من يشفع
لأهل الشرك والكفر.
3- تقرير مبدأ السعادة والشقاء يوم القيامة فأهل الإيمان والتقوى في روضة يحبرون، وأهل الشرك والمعاصي في العذاب محضرون.
__________

1 - يقال أبلس يبلس إبلاسا: إذا سكت متحيراً وانقطعت حجته وأيس أن تكون له حجّة، قال الشاعر:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
والمكرس: الذي بعرت فيه الإبل وبولت فركب بعضها بعضا.
2 - قيل في: (فأما) أن معناها: دع ما كنا فيه وخذ في غيره، وقيل معناها: مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه، والمعنى متقارب، والحقيقة أنها أداة شرط وتفصيل، تفصيل لما أجمل في الكلام السابق عليها وشرط ولذا قرن جوابها بالفاء.
3 - الروضة: كل أرض ذات أشجار وماء وأزهار قال الأعشى:
وما روضة من رياض الحزن معشبة
خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق
مؤزر بعميم النبت مكتهل
4 - (يحبرون) : ينعمون ويكرمون ويسرون بالحبور والسرور وأثر النعيم يقال: فلان حسن السبر والحبر، وفي الحديث " يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره".



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:52 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (3)
الحلقة (677)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 166الى صــــ 172)

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
شرح الكلمات:
فسبحان الله: أي سبحوا الله أي صلوا.
حين تمسون: أي تدخلون في المساء وفي هذا الوقت صلاة المغرب وصلاة العشاء.
وحين تصبحون: أي تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
وله الحمد في السموات والأرض: أي وهو المحمود دون سواه في السموات والأرض.
وعشياً: أي حين تدخلون في العشي وفيه صلاة الظهر.
يخرج الحي من الميت: أي يخرج الإنسان الحي من النطفة وهي ميتة.
ويخرج الميت من الحي: أي يخرج النطفة من الإنسان الحي والبيضة الميتة من الدجاجة الحيّة.
ويحيى الأرض بعد موتها: أي يحييها بالمطر فتحيا بالنبات بعدما كانت يابسة ميتة.
وكذلك تخرجون: أي من قبوركم أحياء بعدما كنتم ميتين.
ومن آياته: أي ومن أدلة قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لبعثكم بعد موتكم.
أن خلقكم من تراب: أي خلقه إياكم من تراب، وذلك بخلق آدم الأب الأول.
تنتشرون: أي في الأرض بشراً تعمرونها.
لتسكنوا إليها: أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضاً بحكم التجانس في البشرية.
وجعل بينكم مودة: أي محبة ورحمة أي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الآخر ويرحمه.
معنى الآيات:
قوله سبحانه وتعالى في هذا السياق: {فَسُبْحَانَ (1) اللهِ..........} الآية. لما بين تعالى بدء الخلق ونهايته باستقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا عمل يستوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بجلاله وكماله كما يستلزم حمده، ولما كانت الصلوات الخمس تشتمل على ذلك أمر بإقامتها في المساء والصباح والظهيرة والعشيّ فقال تعالى: {فَسُبْحَانَ (2) اللهِ} أي سبحوا الله {حِينَ تُمْسُونَ} أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح. وقوله تعالى {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يخبر تعالى أن له الحمد مستحقا لها دون سائر خلقه في السموات والأرض. وقوله {وَعَشِيّاًً (3) } معطوف على قوله {حِينَ تُصْبِحُونَ} أي وسبحوه في العشي. وهي صلاة العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} أي وسبحوه حين تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
وقوله تعالى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ (4) } أي ومن مظاهر الجلال والكمال الموجبة لحمده وطاعته والمقتضية لقدرته على بعث عباده ومحاسبتهم ومجازاتهم أنه يخرج الحي كالإنسان من النطفة والطير من البيضة والمؤمن من الكافر {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} كالنطفة من الإنسان والبيضة من الدجاجة وسائر الطيور التي تبيض. وقوله {وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي ومن مظاهر وجوده وقدرته وعلمه ورحمته أيضاً أنه يحيى الأرض بالمطر بعد موتها بالجدب والقحط فإذا هي رابية تهتز بأنواع النباتات والزروع وقوله {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (5) } أي وكإخراج الحي من الميت والميت من الحي وكإحيائه الأرض
بعد موتها: يحييكم ويخرجكم من قبوركم للحساب والجزاء إذ القادر على الأول قادر على الثاني. ولا فرق.
وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} أي ومن آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته المستوجبة لعبادته وحده والمقررة لقدرته على البعث والجزاء خَلْقُه للبشرية من تراب (6) إذ خلق أباها الأول آدم عليه السلام من تراب، وخلق حواء زوجه من ضلعه ثم خلق باقي البشرية بطريقة التناسل. فإذا هي كما قال سبحانه وتعالى: بشر ينتشرون (7) في الأرض متفرقين في أقطارها يعمرونها بإذنه تعالى. وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا (8) إِلَيْهَا} أي ومن آياته أي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة أيضا على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم أيها الناس من أنفسكم أي من جنسكم الآدمي أزواجاً أي زوجات لتسكنوا إليها بعامل التجانس، إذ كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن إليه، وقوله {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي جعل بين الزوجين مودة أي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق. وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي دلائل وحجج واضحة {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإنهم يجدون تلك الأدلة على قدرة الله وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه، مع تقرير عقيدة البعث والجزء التي أنكرها المجرمون المكذبون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب تنزيه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.
2- وجوب حمد الله على آلائه وإنعامه.
3- وجوب إقام الصلاة.
4- بيان أوقات الصلوات الخمس (9) .
5- بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده والمقررة لعقيدة البعث والجزاء.
__________

1 - في هذه الآية الكريمة: (فسبحان الله) يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بعبادته في الأوقات المذكورة في الآية، وأعظم العبادات الصلاة لأنها مشتملة على ذكره وشكره.
2 - هذه الفاء للتفريع إذ هذا الأمر متفرع عما قبله إذ بيّن تعالى أن الإيمان والعمل الصالح منج لصاحبه فبناء على ذلك فأقيموا الصلاة.
3 - العشي والعشية من صلاة العصر إلى غروب الشمس حسب دلالة الآية لتدخل صلاة العصر والإمساء: تدخل فيه صلاة المغرب والعشاء والصبح في الإصباح والظهر في الظهيرة.
4 - كون النطفة تحمل حيوانات منوية لا يتنافى مع إطلاق الموت عليها إذ المراد من الموت الذي يوصف به الشيء كما وصفت الأرض بالموت إذا يبست ولم يكن بها بنات، وحبة البر والشعير بالموت إذ الحياة تحدث للأرض بعد نزول المطر عليها والحبة بعد تفاعلها مع التربة الثرية وكذا النطفة تحمل مادة الحياة كالأرض والحبة ولا تظهر فيها إلا بعد تفاعلها الخاص في الرحم.
5 - في هذا دليل على مشروعية القياس وصحته، وجه القياس في الآية هو قياس المعاد على الخلق الأول والإيجاد.
6 - ووجه آخر للخلق من تراب وهو أن النطف التي هي أصل خلق الإنسان بعد الأبوين آدم وحواء قد تكونت من الغذاء، وأن الغذاء قد تكون من نبات الأرض، وأن نبات الأرض مشتمل على الأجزاء الترابية التي أنبتته فبهذا كان تكوين الإنسان من تراب فكان آية وأمر آخر هو أن التراب بارد يابس، وهو طبع الموت وطبع الحياة الحرارة والرطوبة، فمن ذلك البارد اليابس ينشأ المخلوق الحي الرطب فسبحان الخلاق العليم.
7 - الانتشار الظهور والتفرق هنا وهناك في البلاد والأقطار تعملون سامعين مبصرين منكم الصالح ومنكم خلافه وهو الفاسد.
8 - ضمن لتسكنوا لتميلوا لذا عدي باللام وفي الآية دليل على عدم تزوج الآدمي بغير الآدمية كالجنية إذ لا يحصل الأنس إلا بالجنس والآية تومئ إلى أن أول ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه إليها مما فيه من غليان القوة وذلك أن الختانين إذا التقيا هيجا ماء الصلب فإذا نزل حصل السكون ووقف الهيجان كما هو معروف.
9 - روي عن ابن عباس أنه سئل هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم: وقرأ هذه الآية ومنها أخذ الإمام الشافعي أوقات الصلوات الخمس وأخذها مالك من آية الإسراء (أقم الصلاة لدلوك الشمس) الآية.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:53 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
شرح الكلمات:
ومن آياته: أي حججه وبراهينه الدالة على قدرته على البعث والجزاء.
واختلاف ألسنتكم: أي لغاتكم من عربية وعجمية والعجمية بينها اختلاف كثير.
وألوانكم: أي من أبيض وأصفر وأحمر وأسود والكل أبناء رجل واحد وامرأة واحدة.
للعالمين: أي للعقلاء على قراءة للعالمين (1) بفتح اللام، ولأولي العلم على قراءة كسر اللام.
وابتغاؤكم من فضله: أي طلبكم الرزق بإحضار أسبابه من زراعة وتجارة وصناعة وعمل.
لقوم يسمعون: أي سماع تدبر وفهم وإدراك لا مجرد سماع الأصوات.
يريكم البرق خوفاً وطمعا: أي إراءته إياكم البرق خوفاً من الصواعق والطوفان وطمعاً في المطر.
أن تقوم السماء والأرض بأمره: أي قيام السماء والأرض على ما هما عليه منذ نشأتهما بقدرته وتدبيره.
دعوة من الأرض: أي دعوة واحدة لا تتكرر وهي نفخة إسرافيل.
إذا أنتم تخرجون: أي من قبوركم أحياء للحساب والجزاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بذكر الأدلة والبراهين العقلية فقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء وعلى وجوب توحيده {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فخلقُ بمعنى إيجاد السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من أكبر الأدلة وأقواها على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة لتوحيده ومثبتة لقدرته على البعث والجزاء، مقررة له، وقوله: {وَاخْتِلافُ (2) أَلْسِنَتِكُمْ} أي لغاتكم من عربية وعجمية ولهجاتكم بحيث لكل ناطق لهجة تخصه يتميز بها إذا سمع صوته عرف بها من بين بلايين البشر، {وَأَلْوَانِكُمْ} واختلاف ألوانكم أيها البشر من أبيض إلى أسود ومن أحمر إلى أصفر مع اختلاف الملامح والسمات بحيث لا يوجد اثنان من ملايين البشر لا يختلف بعضهما عن بعض حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر إن في هذا وذاك {لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} أي لحججا ظاهرة وبراهين قاطعة بعضها للعالمين (3) وذلك البياض والسواد وبعضها للعلماء كاختلاف اللهجات وملامح الوجوه والسمات المميزة الدقيقة والكل أدلة على قدرة الله وعلمه ووجوب عبادته وتوحيده في ذلك مع تقرير عقيدة البعث والجزاء.
وقوله {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي ومن آياته الدالة على قدرته على البعث والجزاء منامكم بالليل فالنوم (4) كالموت والانتشار في النهار لطلب الرزق كالبعث بعد الموت فهذه عملية للبعث بعد الموت تتكرر كل يوم وليلة في هذه الحياة الدنيا، وقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي في ذلك المذكور من النوم والانتشار لطلب الرزق لدلائل وحجج على قدرة الله على البعث لقوم يسمعون (5) نداء الحق والعقل يدعوهم إلى الإيمان بالبعث والجزاء فيؤمنون فيصبحون يعملون للقاء ربهم ويستجيبون لكل من يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه ويتقربوا إليه.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (24) {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً (6) وَطَمَعاً} أي ومن حججه تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضيات توحيده والإيمان بلقائه إراءته (7) إياكم أيها الناس البرق خوفاً للمسافرين من الأمطار الغزيرة ومن الصواعق الشديدة أن تصيبهم، وطمعاً في المطر الذي تحيا به مزارعكم وتنبت به أرضكم فيتوفر لكم أسباب رزقكم، وقوله: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي ومن آياته تنزيله تعالى من السماء ماءً هو المطر فيحيى به الأرض بالنباتات والزروع بعد أن كانت ميتة لا حياة فيها لا زرع ولا نبت إن في ذلك المذكور من إنزال الماء وإحياء الأرض بعد إراءته عباده البرق خوفاً وطمعاً لآيات دلائل وحجج على قدرته على البعث والجزاء ولكن يرى تلك الدلائل ويعقل ويفهم تلك الحجج قوم يعقلون أي لهم عقول سليمة يستعملونها في النظر والاستدلال فيفهمون ويؤمنون.
وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} أي ومن آياته تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته والموجبة لتوحيده والمقررة لنبوة نبيه ولقائه للحساب والجزاء قيام السماء والأرض منذ خلقهما فلا السماء تسقط، ولا أرض تغور فهما قائمتان منذ خلقهما بأمره تعالى أليس في ذلك أكبر دليل على قدرة الله تعالى على بعث الناس بعد موتهم أحياء لحسابهم على كسبهم ومجازاتهم.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ (8) تَخْرُجُونَ} أي أقام السماء والأرض للحياة الدنيا يحيى فيهما ويميت حتى تنتهي المدة المحددة للحياة فيهلك الكل ويفنيه {ثم إذا دعاكم دعوة} بنفخ إسرافيل في الصور {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} من الأرض استجابة لتلك الدعوة، وذلك للحساب والجزاء العادل على العمل في هذه الحياة الدنيا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده وترك عبادة من سواه.
2- مشروعية طلب الرزق بالمشي في الأرض واستعمال الوسائل المشروعة لذلك.
3- تقرير أن الذين ينتفعون بأسماعهم وعقولهم هم أهل حياة الإيمان إذ الإيمان روح متى دخلت جسماً حيي
وأصبح صاحبه يسمع ويبصر ويفكر ويعقل.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الإصلاح البشري بعد عقيدة الإيمان بالله رباًّ وإلهاً.
__________

1 - بالفتح قرأ نافع وبالكسر قرأ حفص ولكل منهما متابع على ما قرأ والمعنى واحد إذ لا يكون العالم عالماً بدون عقل فكل عالم عاقل والعاقل يهديه عقله إلى أن يعلم فيعلم أيضا.
2 - قال القرطبي اللسان في الفم وفيه اختلاف اللغات من العربية والعجمية والتركية والرومية واختلاف الألوان في الصورة من البياض والسواد والحمرة فلا تكاد ترى أحداً إلا وأنت تفرق بينه وبين الآخر وليس هذه الأشياء من فعل النطفة ولا من فعل الأبوين، فلا بد من فاعل فعلم أن الفاعل هو الله تعالى فهذا من أدل دليل على البارئ سبحانه وتعالى.
3 - ذكر العالمين والعلماء في التفسير إشارة إلى القراءتين إذ قرأ نافع والجمهور للعالمين بفتح اللام وقرأ حفص بكسر العين للعالمين وهم العلماء.
4 - المنام مصدر ميمي وهو من الأعراض لا من الذوات وأمره عجيب إذ لو قيل لإنسان نم ولك مكافأة أعظم مكافأة لا يقدر على أن ينام إلا على سنة النوم وهو الاسترخاء والاضطجاع وإغماض العينين فترة حتى ينام، ولو شاء الله ما نام كما لو شاء ما هب من نومه.
5 - اختيار لفظ السماع مع آية النوم فيه إشارة إلى أن النائم يفقد السماع حال نومه بدون إرادته ولا اختياره.
6 - جائز أن يكون الخوف للمسافر والطمع للمقيم.
7 - التعبير بالمصدر "إراءته" إشارة إلى أن من أهل التفسير من يقول إن "أن" المصدرية محذوفة نحو قول الشاعر:
ألا أيها اللائمي احضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
إذ التقدير أن احضر فحذف أن، ويصح أن يكون المعنى ومن آياته أنه يريكم فحذف أن واسمها وبقي الخبر وهو جملة يريكم والكل واسع وجائز.
8 - إذ الأولى شرطية والثانية فجائية سادة مسد فاء الجواب وصيغة الدعاء كما ذكرها القرطبي: يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأوليين والآخرين إلا قامت تنظر كقوله تعالى {فإذا هم قيام ينظرون} .

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:54 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (4)
الحلقة (678)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 173الى صــــ 178)

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
شرح الكلمات:
وله من في السموات والأرض: أي خلقا وملكا وتصرفاً وعبيداً.
كل له قانتون (1) : أي كل من في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن منقادون له تجري عليهم أحكامه كما أرادها فلا يتعطل منها حكم.
وهو أهون عليه: أي أيسر وأسهل نظراً إلى أن الإعادة أسهل من البداية.
وله المثل الأعلى: أي الوصف الأعلى في كل كمال فصفاته كلها عليا ومنها الوحدانية.
وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في قضائه وتصرفه.
ضرب لكم مثلا: أي جعل لكم مثلا.
من أنفسكم: أي منتزعا من أموالكم وما تعرفونه من أنفسكم.
كخيفتكم أنفسكم: أي تخوفكم من بعضكم بعضا أيها الأحرار.
نفصل الآيات: أي نبينها بتنويع الأسلوب وإيراد الحجج وضرب الأمثال.
بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم: أي ليس الأمر قصوراً في البيان حتى لم يؤمن المشركون وإنما العلة اتباع المشركين لأهوائهم وتجاهل عقولهم.
فمن يهدي من أضل الله؟ : أي لا أحد فالاستفهام للنفي.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون بذكر الأدلة العقلية وتصريف الآيات فقال تعالى {وَلَهُ} أي لله المحيي المميت الوارث الباعث سبحانه وتعالى {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي من ملائكة وجان وإنسان فهو خلقهم وهو يملكهم ويتصرف فيهم. وقوله: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (2) } أي مطيعون منقادون فالملائكة لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والجن والإنس منقادون لما أراده منهم من حياة وموت ونشور وأما عصيانهم في العبادات فهو غير مقصود لأنه التكليف الذي هو علة الحياة كلها ومع هذا فهم منفذون باختيارهم وإرادتهم الحرة ما كتبه عليهم أزلا والله أكبر ولله الحمد وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي (3) يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي هو الله الذي يبدأ خلق ما أراد خلقه في كل يوم وساعة من غير شيء ويهبه الحياة ثم يسلبها منه في آجال سماها ثم يعيده يوم القيامة أحب الناس أم كرهوا. وقوله {وَهُوَ أَهْوَنُ (4) عَلَيْهِ} أي الإعادة أيسر وأسهل عليه فليس على الله شيء صعب ولا شاق ولا عزيز ممتنع، وإنما خرج الخطاب على أسلوب المتعجبين من إعادة الخلق بعد فنائه فأعلمهم أن المتعارف عليه عندهم أن الإعادة أسهل من البداءة ليفهموا ويقتنعوا، وإلا فلا شيء صعب على الله تعالى ولا شاق ولا عسير، إذ هو يقول للشيء متى أراده كن فيكون. وقوله تعالى {وَلَهُ الْمَثَلُ (5) الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وله أي لله سبحانه وتعالى الوصف الأكمل في السموات والأرض وهو الألوهية والوحدانية فهو الرب الذي لا إله إلا هو المعبود في السماء والأرض لا إله إلا هو فيهما ولا رب غيره لهما وهو العزيز الغالب المنتقم ممن كفر به وعصاه الحكيم في تدبيره وتصريفه لشؤون خلقه. وقوله تعالى {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً (6) مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي جعل لكم مثلا مأخوذا منتزعاً من أنفسكم (7) وهو: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} أي أنه ليس لكم من مماليككم وعبيدكم شريك منهم يشارككم في أموالكم إذ لا ترضون بذلك ولا تقرونه أبداً، إذاً فكذلك الله تعالى لا يرضى أن يكون من عبيده من هو شريك له في عبادته التي خلق كل شيء من أجلها.. وقوله {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي تخافون عبيدكم كما تخافون بعضكم بعضا أيها الأحرار، أي لا يكون هذا منكم ولا ترضون به إذاً فالله - وله المثل الأعلى- كذلك لا يرضى أبداً أن يكون مخلوق من مخلوقاته ملكا كان أو نبياً أو وثنا أو صنماً شريكا له في عباداته. وقوله: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ} أي نبيّنها بتنويع الأساليب وضرب الأمثال {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إذ هم الذين يفهمون معاني الكلام وما يراد من أخباره وقصصه وأمثاله وأوامره ونواهيه. وقوله تعالى {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ليس الأمر قصوراً في الأدلة ولا عدم وضوح في الحجج وإنما الظالمون اتبعوا أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه بغير علمٍ من نفعه وجدواه لهم فضلوا لذلك. فمن يهديهم، وقد أضلهم الله حسب سنته في الإضلال. وهو معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ} ؟ أي لا أحد وقوله {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي يهدونهم بعد أن أضلهم الله، والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والتوحيد بذكر الأدلة وضرب الأمثال وتفصيل الآيات.
2- تفرّد الرب تعالى بالمثل الأعلى في كل جلال وكمال.
1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
2- عظم فائدة المثل "ضرب لكم مثلا من أنفسكم الآية" حتى قال بعضهم (8) فَهْمُ هذا المثل أفضل من حفظ كذا مسألة فقهية.
3- علة ضلال الناس (9) اتباعهم لأهوائهم بغير علم وبانصرافهم عن الهدى بالاسترسال في اتباع الهوى.
__________

1 - القنوت الطاعة وهي الانقياد والخلائق كلها منقادة مطيعة لما أراد الله منها فلا يتخلف قضاؤه تعالى وحكمه فيها بحال من الأحوال.
2 - ذكر القرطبي لتفسير كلمة (قانتون) تفاسير عدة عن السلف منها مطيعون طاعة انقياد، مقرون بالعبودية إما قالة وإما دلالة مصلون قائمون يوم القيامة مخلصون.
3 - قال القرطبي: أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت في النفخة الثانية للبعث فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما يخفى من إعادته استدلالا بالشاهد على الغائب.
4 - أهون بمعنى هين، لقوله تعالى وكان ذلك على الله يسيرا، والعرب تطلق أفعل على فاعل قال الشاعر:
إن الذي شمل السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
5 - أي ثبت له واستحق الشأن الأتم الذي لا يقاس بشؤون الناس المتعارفة وإنما بقصد التقريب لأفهامكم والأعلى الأعظم البالغ نهاية العظمة والقوة.
6 - ضرب المثل إيقاعه ووضعه، واللام في لكم للتعليل أي لأجلكم.
7 - من في قوله مثلاً من أنفسكم للابتداء وفي قوله من أنفسكم للتبعيض وفي قوله من شركاء زائدة. قال قتادة هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله فإن لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء.
8 - المراد به القرطبي إذ قال عند تفسير هذه الآية: "وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب، فافهم ذلك".
9 - لما أقام عليهم الحجة ذكر تعالى أنهم يعبدون الأصنام باتباع أهوائهم وتقليد آبائهم وأسلافهم.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:54 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
شرح الكلمات:
فأقم وجهك للدين حنيفا: أي سدد وجهك يا رسولنا للدين الإسلامي بحيث لا تنظر إلا إليه.
حنيفا: أي مائلا عن سائر الأديان إليه، وهو بمعنى مقبلا عليه.
فطرة الله: أي صنعة الله التي صنع عليها الإنسان وهي قابليته للإيمان بالله تعالى.
لا تبديل لخلق الله: أي لا تعملوا على تغيير تلك القابلية للإيمان والتوحيد فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى.
الدين القيم: أي المستقيم الذي لا يضل الآخذ به.
منيبين إليه: أي راجعين إليه تعالى بفعل محابه وترك مكارهه.
وكانوا شيعا: أي طوائف وأحزاباً كل فرقة فرحة بما هي عليه من حق وباطل.
معنى الآيات:
لما قرر تعالى عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بالأدلة وضمن ذلك عقيدة النبوة وإثباتها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر رسوله والمؤمنون تبع له فقال {فَأَقِمْ (1) وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} (2) أي أنصبوا وجوهكم أيها الرسول والمؤمنون للدين الحق دين الإسلام القائم على مبدأ التوحيد والعمل الصالح، فلا تلتفتوا إلى غيره من الأديان المنحرفة الباطلة. وقوله {فِطْرَتَ (3) اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي أقيموا وجوهكم للدين الحق الذي فطر الله الإنسان عليه تلك الفطرة التي هي خلق الإنسان قابلاً للإيمان والتوحيد. وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} أي لا تبدلوا تلك الخلقة ولا تغيروها بل نموها وأبرزوها بالتربية حتى ينشأ الطفل على الإيمان والتوحيد. فالجملة خبرية لفظا وإنشائية معنى نحو فهل أنتم منتهون فهي بمعنى انتهوا وهي أبلغ من انتهوا فكذا: لا تبديل أبلغ من لا تبدلوا. وقوله: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (4) أي لزوم ما فطر عليه المرء من الإيمان بالله وتوحيده.. وإبراز ذلك في الواقع بالإيمان بالله وبما أمر بالإيمان به من أركان الإيمان وبعبادة الله تعالى وهي طاعته بفعل ما يأمر به وينهى عنه مخلصا له ذلك لا يشاركه فيه غيره من سائر مخلوقاته هو الدين القيم الذي يجب أن يكون عليه الإنسان وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (5) } يخبر تعالى بأن ما قرره من الدين القيم كما بيّنه في الآيات أكثر الناس لا يعلمونه ولا يعرفونه وهو كما أخبر سبحانه وتعالى. وقوله {مُنِيبِينَ (6) إِلَيْهِ} أي أقيموا وجوهكم للدين القيم حال كونكم راجعين إليه تعالى تائبين إليه من كل دين غير هذا الدين، ومن كل طاعة غير طاعته تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي. وقوله: {وَاتَّقُوهُ} أي خافوه تعالى إذ عذابه شديد فلا تتركوا دينه لأي دين ولا طاعته لأي مطاع غير الله تعالى ورسوله وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي حافظوا عليها في أوقاتها وأدوها كما شرعها كمّية وكيفيّة فإنها سقيا الإيمان ومُنمية الخشية والمحبة لله تعالى. وقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا (7) دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} ينهى تعالى المؤمنين من أهل الدين القيم الذي هو الإسلام أن يكونوا من المشركين في شيء من ضروب الشرك عقيدة وقولا وعملا. فكل ملة غير ملة الإسلام أهلها مشركون كافرون سواء كانوا مجوسا أو يهوداً أو نصارى أو بوذة أو هندوكاً أو بلاشفة شيوعيين إذ جميعهم فرقوا دينهم الذي يجب أن يكونوا عليه وهو دين الفطرة وهو الإسلام وكانوا شيعا أي فرقا وأحزاباً كل فرقة تنتصر لما هي عليه وتنحزب له. فأصبح كل حزب منهم بما لديهم من دين فرحين به ظنا منهم أنه الدين الحق وهو الباطل قطعا، لأنه ليس دين الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان وهو الإسلام القائم على توحيد الله تعالى وعبادته بما شرع لعباده أن يعبدوه به ليكملوا على ذلك ويسعدوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب الإقبال على الله تعالى بعبادته والإخلاص له فيها.
2- الإسلام هو دين الله الذي خلق الإنسان متأهلا له ولا يقبل منه دين غيره.
3- وجوب الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه في كل حال.
4- وجوب تقوى الله عز وجل وإقام الصلاة.
5- البراءة من الشرك والمشركين.
6- حرمة الافتراق في الدين الإسلامي ووجوب الاتحاد فيه عقيدة وعبادة وقضاء.
__________

1 - فأقم وجهك: هذا الفاء هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن جواب سؤال مقدر تقديره هنا إذا علمت أحوال المعرضين عن الحق بعد ظهور دلائله فأقم وجهك والمراد من الأمر دوام إقامة الوجه والاستمرار عليه.
2 - حنيفا منصوب على الحال أي حال كونك معتدلاً مائلاً عن جميع الأديان المنحرفة الباطلة إلى دين الله الحق الذي لم يبدل ولم يغيّر وهو الإسلام.
3 - فطرة: جائز أن يكون منصوبا على المفعولية المطلقة أي فطر الله تعالى الإنسان على ذلك فطرة، وجائز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به أي وابتع فطرة الله والتقدير: فأقم وجهك للدين حنيفا واتبع فطرة الله.
4 - قيّم كهيّن ولين مفيد قوة الاتصاف بمصدره أي الدين البالغ قوة القيام أي الاستقامة والبعد عن الاعوجاج. يقال عود مستقيم وقيّم من تشبيه المعقول بالمحسوس.
5 - في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقررا حقيقة أن الإسلام هو دين الفطرة يقول: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.. "الجمعاء أي جامعة لأعضائها لا نقص فيها والجدعاء التي يجدع أي يقطع منها عضو كالذيل أو الأذن.
6 - شاهد الإنابة بمعنى التوبة في قول الشاعر:
فإن تابوا فإن بني سليم
وقومهم هوازن قد أنابوا
ومنيبين حال من أقم وجهك وجمع لأن الأمة مخاطبة معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
7 - قرأ الجمهور فرقوا وقرأ حمزة والكسائي فارقوا، والشيع جمع شيعة وهي الجماعة التي تتشايع أي توافق وتجمع عليه والحزب الجماعة الذين رأيهم ونزعتهم واحدة.

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (5)
الحلقة (679)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 179الى صــــ 184)


وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)
شرح الكلمات:
وإذا مس الناس ضر: أي إذا مس المشركين ضرّ أي شدة من مرض أو فقر أو قحط.
منيبين إليه: أي راجعين إليه بالضراعة والدعاء إليه تعالى دون غيره.
رحمة: بكشفِ ضر أو إنزال غيث وإصابة رخاء وسعة رزق.
يشركون: أي بربهم فيعبدون معه غيره بالذبح للآلهة والنذر وغيره.
ليكفروا بما آتيناهم: أي ليكون شكرهم لله كفراً بنعمه والعياذ بالله.
أم أنزلنا عليهم سلطاناً: أي حجة من كتاب وغيره ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به.
بما قدمت أيديهم: أي بذنوبهم وخروجهم عن سنن الله تعالى في نظام الحياة.
إذا هم يقنطون: أي ييأسون من الفرج بزوال الشدة.
يبسط الرزق لمن يشاء: أي يوسعه امتحانا له.
ويقدر: أي يضيق الرزق على من يشاء ابتلاء.
معنى الآيات:
لما أمر تعالى رسوله والمؤمنين بإقامة الدين ونهاهم أن يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أخبر تعالى عن المشركين أنهم إذا مسهم الضر وهو المرض والشدة كالقحط والغلاء ونحوها دعوا ربهم تعالى منيبين إليه أي راجعين إليه بالدعاء والضراعة لا يدعون غيره. وهو قوله تعالى {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا (1) رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} وقوله: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} أصابهم برحمة من عنده وهي الصحة والرخاء والخصب ونحوه {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} أي كثير {بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فيعبدون الأصنام والأوثان بأنواع العبادات، وقوله {لِيَكْفُرُوا (2) بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي أشركوا بالله بعد إنعامه عليهم ليكفروا بما آتاهم من نعمة كشف الضر عنهم إذاً {فَتَمَتَّعُوا (3) } أيها الكافرون بما خولكم الله من نعمة فسوف تعلمون عاقبة كفركم لنعم الله وشرككم به يوم تردون عليه حفاة عراة لا وليّ لكم من دونه تعالى ولا نصير.
وقوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنَا (4) عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} أي ما الذي شجعهم على الشرك وجعلهم يصرون عليه حتى إذا تركوه ساعة الشدة عادوا إليه ساعة الرخاء أأنزلنا عليهم سلطانا أي حجة من كتاب ونحوه فهو ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به اللهم لا، لا، وإنما هو الجهل والتقليد والعناد وقوله {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} هذه حال أهل الشرك والكفر والجهل من الناس إذا أذاقهم الله رحمة من خصب ورخاء وصحة فرحوا بها فرح البطر والأشر {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} من جدب وقحط ومرض وفقر، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الذنوب والمعاصي ومنها مخالفة سنن الله في الكون {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (5) } أي ييأسون من الفرج وذلك لكفرهم بالله وجهلهم بأسمائه وصفاته.
وقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي ألم يروا بأعينهم أن الله يبسط الرزق أي يوسعه لمن يشاء امتحانا له أيشكر أم يكفر، {وَيَقْدِرُ} أي يضيق الرزق على من يشاء ابتلاء أيصبر أم يضجر ويسخط. إذ لو كانت لهم عيون يبصرون بها وقلوب يفقهون بها لما أيسوا من رحمة الله وفرجه ولا ما قنطوا. وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي المذكور من تدبير الله في خلقه بالإعطاء والمنع {لَآياتٍ} أي حججاً ودلائل تدل المؤمنين على قدرة الله ولطفه ورحمته وحكمته في تدبير ملكه وملكوته فسبحانه من إله عظيم ورب غفور رحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان جهل المشركين وضلال عقولهم بما ذكر تعالى من صفاتهم وأحوالهم.
2-- بيان تهديد الله تعالى للمصرين على الشرك والكفر بعذاب يوم القيامة.
3- بيان حال أهل الشرك والجهل في فرحهم بالنعمة فرح البطر والأشر ويأسهم وقنوطهم عند نزول البلاء بهم والشدة.
4- مظهر حكمة الله وتدبيره في الرزق توسعة وتقديراً وإدراك ذلك خاص بالمؤمنين لأنهم أحياء يبصرون ويفهمون بخلاف الكافرين فهم أموات لا إبصار ولا إدراك لهم.
__________

1 - الضر بالضم الضاد سوء الحال في البدن أو العيش أو المال وهذه الجملة الخبرية تحمل السامع على التعجب من حال المشركين كيف يخلصون لله تعالى الدعاء في الشدة ويشركون به في الرخاء يا للعجب!!
2 - هذه لام التعليل في ظاهرها ولكنها آلت لمعنى العاقبة في واقعها.
3 - الأمر للتهديد والتوعد على كفران النعم واستبدال شكرها بالكفر بالمنعم عز وجل الشرك به.
4 - أم أنزلنا: أم للإضراب الانتقالي فهي بمعنى بل، وحرف الاستفهام مقدر أي أنزلنا عليهم الخ. وهو إنكاري أن الله تعالى لم ينزل عليهم حجة تبيح لهم الشرك وتقرره.
5 - هذه الصفة وإن كان المراد بها المشركون فإنها قد يتصف بها بعض المؤمنين فتجد أحدهم يصاب بالبطر عند حلول النعم ويترك الشكر ويقنط عند حلول النقم والشدة وينسى الدعاء والتضرع إلى الله تعالى فهو كما قال الشاعر:
كحمار السوء إن أعلفته
رمح الناس وإن جاع نهق

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
شرح الكلمات:
فآت ذا القربى: أي أعط ذا القرابة حقه من البر والصلة.
والمسكين: أي المعدوم الذي لا مال له أعطه حقه في الطعام والشراب والكساء.
وابن السبيل: أي أعط ابن السبيل أي المسافر حقه في الإيواء والطعام.
ذلك خير: أي ذلك الإنفاق خير من عدمه للذين يريدون وجه الله تعالى إذ يثيبهم ربهم أحسن ثواب.
وما آتيتم من ربا: أي من هدية أو هبة وسميت رباً لأنهم يقصدون بها زيادة أموالهم.
ليربو في أموال الناس: أي ليكثر بسبب ما يرده عليكم مَن أهديتموه القليل ليرد عليك الكثير.
فلا يربوا عند الله: أي لا يباركه الله ولا يضاعف أجره.
فأولئك هم المضعفون: أي الذين يؤتون أموالهم صدقة يريدون بها وجه الله فهؤلاء الذين يضاعف لهم الأجر أضعافاً مضاعفة.
هل من شركائكم: أي من أصنامكم التي تعبدونها.
من يفعل من ذلكم من شيء: والجواب لا أحد، إذاً بطلت ألوهيتها وحرمت عبادتها.
سبحانه وتعالى عما يشركون: أي تنزه الرب عن الشرك وتعالى عن المشركين.
معنى الآيات:
لما بيّن تعالى في الآية السابقة لهذه أنه يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً ويقدر على من يشاء ابتلاء أمر رسوله وأمته التابعة له بإيتاء ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، إذ منع الحقوق الواجبة لا يزيد في سعة الرزق ولا في تضييقه، إذ توسعة الرزق وتضييقه مرده إلى تدبير الله تعالى الحكيم العليم هذا ما دل عليه قوله تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (1) } أي من البر والصلة {وَالْمِسْكِينَ} وهو من لا يملك قوته {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو المسافر ينزل البلد لا يعرف فيها أحداً، وحقهما: إيواؤهما وإطعامهما وكسوتهما وقوله تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ} أي ذلك الإيتاء من الحقوق خير حالاً ومآلاً للذين يريدون وجه الله تعالى وما عنده من ثواب. وقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الفائزون بالنجاة من العذاب في الدنيا والآخرة، وبدخول الجنة يوم القيامة وقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ} أي وما أعطيتم من هبات وهدايا تريدون بها أن يُردّ عليكم بأكثر مما أعطيتم فهذا العطاء لا يربو عند الله ولا يضاعف أجره بل ولا يؤجر عليه وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} أي صدقات تريدون بها وجه الله ليرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم، {فَأُولَئِكَ} هؤلاء الذين ينفقون ابتغاء وجه الله {هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي الذين يضاعف لهم الأجر والثواب.
وقوله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (2) ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} يخبر تعالى المشركين من عباده موبخا لهم على شركهم مقرعاً: الله لا غيره هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا ثم رزقكم بما تنموا به أجسادكم وتحفظ به حياتكم من أنواع الأغذية ثم يميتكم عند نهاية آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة للحساب والجزاء على الكسب في هذه الدنيا ثم يقول لهم {هَلْ (3) مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ} المذكور من الخلق والرزق الإماتة والإحياء {مِنْ شَيْءٍ} ؟ والجواب: لا وإذاً فلم تعبدونهم من دون الله، فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون. ثم نزه تعالى نفسه عن الشرك، وتعالى عن المشركين فقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (4) }
من هداية الآيات
هداية الآيات

1- وجوب إعطاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة.
2- وجوب كفاية الفقراء وأبناء السبيل في المجتمع الإسلامي.
3- جواز هدية الثواب (5) الدنيوي كأن يهدي رجل شيئا يريد أن يرد عليه أكثر منه ولكن لا ثواب فيه في الآخرة، وتسمى هذه الهدية: هدية الثواب وهي للرسول محرمة لقوله تعالى له: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} .
4- بيان مضاعفة الصدقات التي يراد بها وجه الله تعالى.
5- إبطال الشرك والتنديد بالمشركين وبيان جهلهم وضلال عقولهم.
__________

1 - الخطاب وإن كان موجهاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمته تابعة له في هذا كله وابن السبيل إن استضاف مؤمنا وجب عليه ضيافته لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" في الصحيح.
2 - استئناف لتقرير عقيدة التوحيد وإبطال التنديد والتوبيخ والتقريع على الشرك الذي هو أعظم أنواع الظلم وصاحبه أحط الناس قدراً وأفسدهم ذوقا وعقلا.
3 - الاستفهام إنكاري مشوب بالنفي لقرينة من المؤكدة لنفي الجنس والإشارة في قوله من ذلكم إلى ما ذلك من الخلق والرزق والإماتة والإحياء.
4 - قرأ الجمهور بالياء وقرأ غيرهم بتاء الخطاب بدون التفات من الغيبة إلى الخطاب.
5 - الهبة ثلاثة أنواع الأول هبة يريد بها صاحبها وجه الله تعالى كأن يهب عبداً صالحاً هبة إكراماً له وإسعاداً فهذه جائزة ويثيب عليها الله تعالى والثانية هبة يريد بها صاحبها رد أكثر منها كأن يهدي فقير لغني أو مأمور لأمير فهذه ثوابها ما يعطيه له من أهداه ولا أجر له عند الله. وله أن يطالب من أهداه للثواب ولم يثيبه والثالثة الصدقات تعطى للفقراء فهي هبة لله والله يثيب عليها إن خلت من الرياء فإذا شابها رياء فلا ثواب فيها.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (6)
الحلقة (680)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 185الى صــــ 189)

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)
شرح الكلمات:
ظهر الفساد في البر والبحر: أي ظهرت المعاصي في البر والبحر وتبعها الشر والفساد.
بما كسبت أيدي الناس: أي بسبب ما كسبته أيدي الناس من ظلم واعتداء.
ليذيقهم بعض الذي عملوا: أي تم ذلك وحصل ليذيقهم الله العذاب ببعض ذنوبهم.
لعلهم يرجعون: كي يرجعوا عن المعاصي إلى الطاعة والاستقامة.
قل سيروا في الأرض: أي قل يا رسولنا لأهل مكة المكذبين بك والمشركين بالله سيروا.
عاقبة الذين من قبل: أي كيف كانت نهاية تكذيبهم لرسلهم وشركهم بربهم إنّها هلاكهم.
فأقم وجهك للدين القيم: أي استقم على طاعة ربك عابداً له مبلغاً عنه منفذاً لأحكامه.
لا مرد له من الله: أي لا يرده الله تعالى لأنه قضى بإتيانه وهو يوم القيامة.
يصدعون: أي يتفرقون فرقتين.
يمهدون: أي يوطئون ويفرشون لأنفسهم في منازل الجنة بإيمانهم وصالح أعمالهم.
معنى الآيات:
تقدم في السياق الكريم إبطال الشرك بالدليل العقلي إلا أن المشركين مصرون على الشرك وبذلك سيحصل فساد في الأرض لا محالة فأخبر تعالى عنه بقوله في هذه الآية الكريمة (41) فقال {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي انتشرت المعاصي في البر (1) والبحر وفي الجو اليوم فعُبد غير الله واستبيحت محارمه وأوذي الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم وذلك نتيجة الإعراض عن دين الله وإهمال شرائعه وعدم تنفيذ أحكامه. وقوله {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي بظلمهم وكفرهم وفسقهم وفجورهم. وقوله: ليذيقهم بعض الذي عملوا أي فما يصيبهم من جدب وقحط وغلاء وحروب وفتن إنما أصابهم الله به {لِيُذِيقَهُمْ (2) بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} من الشرك والمعاصي لا بكل ما فعلوا إذ لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهى حياتهم على وجودهم (3) ، ولكنه الرحمن الرحيم بعباده اللطيف بهم. وقوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} قل يا رسولنا لكفار قريش المكذبين لك المشركين بربهم: سيروا في الأرض شمالاً أو جنوباً أو غرباً فانظروا بأعينكم كيف كان عاقبة الذين كذبوا رسلهم وكفروا بربهم من قبلكم إنها كانت دماراً وهلاكاً فهل ترضون أن تكونوا مثلهم. وقوله {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} أي كان أكثر أولئك الأقوام الهالكين مشركين فالشرك والتكذيب الذي أنتم عليه هو سبب هلاكهم وخسرانهم وقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} أي استقم يا رسولنا أنت والمؤمنون معك على الدين الإسلامي إذ لا دين يقبل سواه فاعتقدوا عقائده وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه وتأدبوا بآدابه وتخلقوا بأخلاقه وأقيموا حدوده وأحلوا حلاله وحرموا حرامه وادعوا إليه وعلموه الناس أجمعين، واصبروا على ذلك فإن العاقبة للمتقين وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ} أي افعلوا ذاك الذي أمرتكم به قبل مجيء يوم القيامة حيث لم يكن عمل وإنما جزاء، وقوله {لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ} أي إنه لا يرده الله إذا جاء ميعاده لأنه قضى بإتيانه لا محالة من أجل الجزاء على العمل في الدنيا. وقوله {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} أي يوم يأتي اليوم الذي لا مرد له يصدعون أي يتفرقون فرقتين (4) كما يتصدع الجدار فرقتين فريق في الجنة وفريق في النار. وقوله: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي من كفر اليوم فعائد كفره عليه يوم القيامة، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} أي اليوم {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي يوطئون فرشهم في الجنة (5) إذ عائدة عملهم الصالح تعود عليهم لا على غيرهم، وقوله {لِيَجْزِيَ (6) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} أي يصدعون فرقتين من أجل أن يجزي الله تعالى أولياءه المؤمنين العاملين للصالحات من فضله إذ أعمالهم حسبها أنها زكَّت نفوسهم فتأهلوا لدخول الجنة أما النعيم المقيم فيها فهو من فضل الله فقط. وقوله {إِنَّهُ (7) لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} هذه جملة علة لجملة محذوفة إذ التقدير: ويجزي الكافرين بعدله وهو سوء العذاب لأنه لا يحب الكافرين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- ظهور الفساد بالجدب والغلاء أو بالحرب والأمراض يسبقه حسب سنة الله تعالى في ظهور الفساد في العقائد بالشرك، وفي الأعمال بالفسق والمعاصي.
2- وجوب الاستقامة على الدين الإسلامي عقيدة وعبادة وقضاءًَ وحكماً.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثه ووقائعه.
4- بيان أن الله تعالى يحب المتقين ويكره الكافرين.
__________

1 - ذكر للفساد في البر والبحر تأويلات وما في التفسير أصحها وأولاها بفهم الآية الكريمة وأنفعها لأهل القرآن المتدبرين به العاملين بما فيه.
2 - قرأ الجمهور ليذيقهم بالياء وقرأ البعض بالنون.
3 - شاهد قوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً (فاطر) .
4 - شاهده قول الشاعر:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
جذيمة الأبرشي كان ملكا ونديماه هما مالك وعقيل نادماه أربعين سنة ثم ماتوا وندماني في البيت تثنية ندمان.
5 - شاهده قوله تعالى من سورة الشورى (وتُنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) .
6 - اللام لام التعليل وهو واضح في التفسير.
7 - علة الحذف طلب الإيجاز مع ظهور المعنى بدلالة السياق عليه.

*********************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
شرح الكلمات:
ومن آياته أن يرسل الرياح: أي ومن حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء والموجبة لعبادته وحده.
مبشرات: أي تبشر العباد بالمطر وقربه.
وليذيقكم من رحمته: أي بالغيث والخصب والرخاء وسعة الرزق.
ولتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا الرزق من فضله الواسع بواسطة التجارة في البحر.
ولعلكم تشكرون: أي كي تشكروا هذه النعم فتؤمنوا وتوحِّدوا ربكم.
رسلاً إلى قومهم: أي كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام.
فجاءوهم بالبينات: أي بالحجج والمعجزات.
الذين أجرموا: أي أفسدوا نفوسهم فخبثوها بآثار الشرك والمعاصي.
حقا علينا نصر المؤمنين: أي ونصر المؤمنين أحققناه حقاً وأوجبناه علينا فهو كائن لا محالة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير ألوهية الله تعالى وعدله ورحمته، فقال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي ومن آياتنا الدالة على ألوهيتنا وعدلنا في خلقنا ورحمتنا بعبادنا إرسالنا الرياح مبشرات (1) عبادنا بقرب المطر الذي به حياة البلاد والعباد فإرسال الرياح أمر لا يقدر عليه إلا الله، وتدبير يقصر دونه كل تدبير ورحمة تعلوا كل رحمة. وقوله: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي بإنزال المطر المترتب عليه الخصب والرخاء، وقوله: {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} أي السفن في البحر إذ الرياح كانت قبل اكتشاف البخار هي المسيرة للسفن في البحر صغيرها وكبيرها. وقوله {بِأَمْرِهِ} (2) أي بإذنه وإرادته وتدبيره الحكيم، وقوله: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أي لتطلبوا الرزق بالتجارة في البحر من إقليم إلى آخر تحملون البضائع لبيعها وشرائها وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي فعل الله تعالى بكم ذلك فسخره لكم وأقدركم عليه رجاء أن تشكروا ربكم بالإيمان به وبطاعته وتوحيده في عبادته. فهل أنتم يا عباد الله شاكرون؟، وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} يا رسولنا {رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ} كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام فجاءوا أقوامهم بالبينات والحجج النيرات كما جئت أنت قومك فكذبت تلك الأقوام رسلهم {فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} فأهلكناهم، ونجينا الذين آمنوا {وَكَانَ حَقّاً (3) عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ألا فليعتبر قريش بهذا وإلا فستحل بها نقمة الله فيهلك الله المجرمين وينجي رسوله والمؤمنين كما هي سنته في الأولين والحمد لله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير الربوبية لله المستلزمة لألوهيته بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والعدل.
2- بيان أن الله تعالى ينعم عباده من أجل أن يشكروه بعبادته وتوحيده فيها فإذا كفروا تلك النعم ولم يشكروا الله تعالى عليها عذبهم بما يشاء وكيف يشاء ومتى يشاء.
3- بيان أن الله منتقم من المجرمين وإن طال الزمن، وناصر المؤمنين كذلك.
__________

1 - قيل في الرياح مبشرات لأنها تتقدم المطر فهي كالمبشرة بمجيئه.
2 - قال بأمره لأن الرياح قد تهب ولا تكون مواتية فيتعين إرساء السفن والاحتيال على حبسها إذ ربما عصفت بها الرياح فأغرقتها فمن هنا قال بأمره وإلا فالرياح وحدها لن تغرق السفن وتعوقها عند السير.
3 - حقاً هذه الكلمة من صيغ الالتزام يقال فلان محفوف بكذا أي لازم له شاهده في قول الأعشى:
لمحفوفة أن تستجيبي لصوته
حقا خبر كان مقدم على اسمها وهو نصر المؤمنين ولا التفات إلى من رأى الوقف على (حقاً) .



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (7)
الحلقة (681)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 189الى صــــ 193)

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
شرح الكلمات:
فتثير سحاباً: أي تحركه وتهيجه فيسير وينتشر.
ويجعله كسفا: أي قطعاً متفرقة في السماء هنا وهناك.
فترى الودق: أي المطر يخرج من خلال السحاب.
إذا هم يستبشرون: أي فرحون بالمطر النازل لسقياهم.
لمبلسين: أي قنطين آيسين من إنزاله عليهم.
فرأوه مصفراً: أي رأوا النبات والزرع مصفراً للجائحة التي أصابته وهي ريح الدبور المحرقة.
لظلوا من بعده يكفرون: أي أقاموا بعد هلاك زرعهم ونباتهم يكفرون نعم الله عليهم السابقة.
إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا: أي ما تسمع إلا المؤمنين بآيات الله.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر قدرة الله تعالى في الكون قال تعالى: {اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ (1) } أي ينشئها ويبعث بها من أماكن وجودها فتثير تلك الرياح سحاباً أي تزعجه وتحركه فيبسطه تعالى في السماء كيف يشاء من كثافة وخفة وكثرة وقلة، {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً (2) } أي قطعا فترى أيها الرائي الودق أي المطر يخرج من خلاله أي من بين أجزاء السحاب. وقوله {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} أي بالمطر {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي المصابون بالمطر في أرضهم. {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي يفرحون. {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} أي المطر {مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (3) } أي مكتئبين حزينين قانطين وقوله تعالى {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ} أي فانظر يا رسولنا إلى آثار رحمة الله أي إلى آثار المطر كيف ترى الأرض قد اخضرت بعد يبس وحييت بعد موت. فإذا رأيت ذلك علمت أن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى من قبورهم وذلك يوم القيامة وقوله {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تعليل لعظم قدرته وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى فعل كل شيء أراده. وقوله {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً} أي وعزتنا وجلالنا لئن أرسلنا ريحاً فيه إعصارٌ فيه نار فأحرقت تلك النباتات وأيبسها فرآها أولئك الذين هم بالأمس فرحون فرح بطر بالغيث {يَكْفُرُونَ} بربهم أي يقولون: ما هو كفر من ألفاظ السخط وعدم الرضا وذلك لجهلهم وكفرهم. وقوله تعالى: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ (4) إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} أي إنك يا رسولنا لا تقدر على هداية هؤلاء الكافرين لأنهم صم لا يسمعون وعمي لا يبصرون لما ران على قلوبهم من الذنوب فعطل حواسهم وأنت بحكم بشريتك وقدرتك المحدودة لا تستطيع إسماع الموتى كلامك فيفقهوه ويعملوا به كما لا تستطيع إسماع الصم نداءك إذا هم ولّوا مدبرين إذ لو كانوا مقبلين عليك قد تفهمهم ولو بالإشارة أما إذا ولّوا مدبرين عنك فلا يمكن إسماعهم. إذاً فهون على نفسك ولا تحزن عليهم. وقوله: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} أي إنك ما تسمع سماع قبول وانقياد وإدراك إلاّ من يؤمن بآياتنا أي إلا المؤمنين الذين آمنوا بآيات الله وعرفوا حججه فآمنوا به ووحدوه فهم مسلمون أي منقادون خاضعون مطيعون فهؤلاء في إمكانك إسماعهم وهدايتهم بإذن الله إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة والحجج العقلية.
2- بيان كيفية إنشاء السحاب ونزول المطر وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم الإلهي.
3- بيان حال الكافر في أيام الرخاء وأيام الشدة فهو في الشدة يقنط وفي الرخاء يكفر، وذلك لفساد قلبه بالجهل بالله تعالى وآياته.
4- الاستدلال بالمحسوس الحاضر على المحسوس الغيبي.
5- بيان أن الكفار أموات، ولذا هم لا يسمعون ولا يبصرون وأن المؤمنين أحياء لأنهم يسمعون ويبصرون، إذ الحياة لها آثارها في الجسم الحي والموت كذلك.
__________

1 - استئناف مبدوء باسم الله الأعظم الدال على قدرته وواسع علمه فهو الذي يرسل الرياح وينزل من السماء ماء ويحيى به الأرض هو الله الرب القادر على إحياء الناس بعد موتهم والمستحق لعبادتهم دون سواه والرياح قرأ بها الجمهور وقرأ بعض الريح بالإفراد ومما عرف بالعادة أن الرياح للإمطار والريح للدمار.
2 - الكِسَف: جمع كسفة أي قطعة والمراد أن الله تعالى يرسل الرياح فتثير السحاب ويكون عاما مجللا للسماء كافة ويكون منه قطعاً قطعاً لحكمة تتطلب ذلك والكسف بكسر الكاف وسكون السين كالكسف بكسر الكاف وفتح السين كلاهما جمع كسفه كسدره وسدر وقرئ من خَلله وجائز أن يكون جمع خلال أيضا.
3 - وفسر بآيسيين أي قانطين أزلين كما في الحديث أي في ضيق وشدّه وفُسر بئسين والكل صحيح.
4 - قال القرطبي: أي وضحت الحجج يا محمد لكنهم لإلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت قلوبهم وعميت بصائرهم فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم وقرأ الجمهور تسمع بالتاء وقرأ ابن كثير يسمع ورفع الصم على أنه فاعل وقرأ الجمهور هادي وقرأ ابن كثير تهدي.

********************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
شرح الكلمات:
الله الذي خلقكم من ضعف: أي من نطفة وهي ماء مهين.
ثم جعل من بعد ضعف قوة: أي من بعد ضعف الطفولة قوة الشباب.
ثم جعل من بعد قوة ضعفا: أي من بعد قوة الشباب والكهولة ضعف الكبر والشيب
وشيبة: أي والهرم.
كذلك كانوا يؤفكون: أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث كانوا يصرفون في الدنيا عن الإيمان بالبعث والجزاء في الآخرة فانصرافهم عن الحق في الدنيا سبب لهم عدم معرفتهم لمدة لبثهم في قبورهم.
لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم: أي في إنكارهم للبعث والجزاء.
ولا هم يستعتبون: أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (1) } وحده {مِنْ ضَعْفٍ (2) } أي من ماء مهين وهي النطفة ثم جعل من بعد ضعف أي ضعف الطفولة {قُوَّةً} وهي قوة الشباب {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} أي قوة الشباب والكهولة {ضَعْفاً} أي ضعف الكبر {وَشَيْبَةً (3) } أي الهرم وقوله تعالى {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ} بخلقه {الْقَدِيرُ} على ما يشاء ويريده فهو تعالى قادر على إحياء الأموات وبعثهم، إذ القادر على إيجادهم من العدم قادر على بعثهم من الرّمم. وقوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أي القيامة {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} أي يحلف المجرمون من أهل الشرك والمعاصي {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ (4) } أي لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة من زمن. وقوله تعالى {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (5) } أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث في القبر كانوا يصرفون في الدنيا عن الإيمان بالله تعالى ولقائه، والصارف لهم ظلمة نفوسهم بسبب الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ} أي في كتاب المقادير {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} وهو يوم القيامة {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} لعدم إيمانكم بالله وبآياته والكتاب الذي أنزله.
وقوله {فَيَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ يأتي يوم البعث {لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} أي عن شركهم وكفرهم بلقاء ربهم، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله تعالى من الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية التي لا ترد بحال.
2- بيان أطوار خلق الإنسان من نطفة إلى شيخوخة وهرم.
3- فضل العلم والإيمان وأهلهما.
4- بيان أن معذرة الظالمين لا تقبل منهم، ولا يستعتبون فيرضون الله تعالى فيرضى عنهم.
__________

1 - هذا الاستئناف كسابقه الاستدلال به على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وعظيم تدبيره في خلقه وهي موجبة التوحيد له والنبوة لرسوله والبعث لعباده ليحاسبهم ويجزيهم برحمته وعدله.
2 - قرأ نافع والجمهور من ضعف بضم الضاد في الألفاظ الثلاثة في هذه الآية وهي لغة الحجاز، وقرأ حفص بالفتح وهي لغة تميم ومن ابتدائية أي ابتدأ خلقكم من ضعف وهي النطفة ولا أضعف منها.
3 - الشيبة اسم مصدر الشيب وعطف الشيبة على الضعف إشارة إلى عدم وجود قوة بعدها وإنما يأتي الفناء كما قيل الشيب نذير الموت وهو كذلك.
4 - روي أن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد سألت الله تعالى لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر في الصحيح.
5 - يقال أفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير. وأرض مأفوكة ممنوعة من المطر.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:58 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة لقمان - (1)
الحلقة (682)
تفسير سورة لقمان مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 194الى صــــ 198)

وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
شرح الكلمات:
ولقد ضربنا للناس: أي جعلنا للناس.
من كل مثل: أي من كل صفة مستغربة تلفت الانتباه وتحرك الضمير كالأمثال لعلهم يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا.
ولئن جئتهم بآية: أي ولئن أتيت هؤلاء المشركين بكل حجة خارقة.
إن أنتم إلا مبطلون: أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون إلا مبطلون فيما تقولون وتدعون إليه من الإيمان بآيات الله ولقائه.
الذين لا يعلمون: أي ما أنزل الله على رسوله وما أوحاه إليه من الآيات البينات.
فاصبر إن وعد الله حق: أي اصبر يا رسولنا على أذاهم فإن العاقبة لك إذ وعدك ربك بها ووعد الله حق.
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون: أي لا يحملنك هؤلاء المشركون المكذبون بلقاء الله على الخفة والطيش فتترك دعوتك إلى ربك.
معنى الآيات:
بعد إيراد العديد من الأدلة وسوق الكثير من الحجج وعرض مشاهد القيامة في الآيات السابقة تقريراً لعقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون من قريش قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (1) } أي جعلنا للناس في هذا القرآن من أساليب الكلام وضروب التشبيه، وعرض الأحداث بصورة مثيرة للدهشة موقظة للحس، ومنبهة للضمير، كل ذلك لعلهم يذكرون فيؤمنوا فيهتدوا للحق فينجوا ويسعدوا، ولكن أكثرهم لم ينتفعوا بذلك، {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ (2) } أي بحجة من معجزة وغيرها تدل على صدقك وصحة دعوتك وما جئت به {لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي منهم (3) . {إِنْ أَنْتُمْ} أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون {إِلَّا مُبْطِلُونَ} أي من أهل الباطل فيما تقولون وتدعون إليه من الدين الحق والبعث الآخر. وقوله {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي كذلك الطبع على قلوب الكافرين الذين لو جئتهم بكل آية لم يؤمنوا عليها لما ران على قلوبهم وما ختم به عليها، يطبع الله على قلوب الذين يعلمون (4) ، إذ ظلمة الجهل كظلمة الشرك والكفر تحجب القلوب عن الفهم والإدراك فلا يحصل إيمان ولا استجابة لدعوة الحق وقوله {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} يأمر تعالى رسوله أن يلتزم بالصبر على دعوته والثبات عليها في وجه هذا الكفر العنيد، حتى ينصره الله تعالى إذ واعده بالنصر في غير ما آية ووعد الله حق فهو ناجز لا يتخلف. وقوله: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ (5) الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (6) } أي اصبر ولا يحملنك عناد المشركين وإصرارهم على الكفر والتكذيب على الخفة والطيش والاستجهال بترك الحلم والصبر. والمراد بالذين لا يوقنون كل من لا يؤمن بالله ولقائه إيماًنا يقينيا إذ هذا الصنف من الناس هو الذي يستفز الإنسان ويحمله على أن يخرج عن اللياقة والأدب والعياذ بالله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- اعذار الله تعالى إلى الناس بما ساقه تعالى في كتابه من أدلة الإيمان وحجج الهدى.
2- أسوأ أحوال الإنسان عندما يطبع على قلبه لكثرة ذنوبه فيصبح لا يفهم ولا يعقل شيئا وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم.
3- وجوب الصبر والتزام الحلم والأناة مهما جهل الجاهلون.
__________

1 - قال القرطبي: أي من كل مثل يدلهم على ما يحتاجون إليه وينبههم على التوحيد وصدق الرسل.
2 - أي كآيات موسى من فلق البحر والعصا أو آيات عيسى كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص.
3 - أي من الناس لقوله ولقد ضربنا للناس وهو لفظ عام يشمل الكافر والمؤمن.
4 - في هذه الآية إنذار خطير للجهال وتنديد بالجهل، إذ أهله لا يفهمون عن الله ولا يهتدون إلى سبل الخير وطريق السعادة والكمال ولذا أوجب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلب العلم على كل مسلم في قوله "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وما أصاب المسلمين ما أصابهم من خوف وهون ودون إلا نتيجة لجهلهم بربهم ومحابه ومكارهه وضروب عباداته وكيفيات أدائها لتزكوا بها نفوسهم وتطهر أرواحهم وقلوبهم.
5 - وفسر بيستفزنك الذين في محل رفع فاعل وبعض العرب يعربونه إعراب جمع المذكر السالم فيقولون اللذون رفعاً والذين نصباً وجراً قال الشاعر:
نحن اللذون صبحوا الصباح
يوم النخيل غارة ملحاحاً
6 - الاستخفاف: طلب خفة الشيء بفقد ثقله ورصانته فيغضب ويترك العمل. والذين لا يؤمنون هم المشركون كالنضر بن الحارث وأبي جهل والمراد بنفي اليقين عنهم: اليقين بالأمور البديهيات اليقينية للناس لكون الله تعالى خلق كل شيء ورب كل شيء، وقدرته على كل شيء إذ هذه يقينيات لدى عامة الناس.
***************************
يتبع


ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:59 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة لقمان
مكية (1)
وآياتها أربع وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

شرح الكلمات:
الم: هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب الم، وتقرأ ألف لام ميم.
تلك: أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب الحكيم.
الحكيم: أي المحكم الذي لا نسخ يطرأ عليه بعد تمام نزوله، ولا خلل فيه، وهو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه فلا خلط ولا خبط فيما يحمل من هدى وتشريع.
هدى ورحمة: أي هو هدى يهتدي به ورحمة يرحم بها.
للمحسنين: أي الذين يراقبون الله تعالى في كل شؤونهم إذ هم الذين يجدون الهدى والرحمة في القرآن الكريم أما غيرهم من أهل الشرك والمعاصي فلا يجدون ذلك.
أولئك: أي المحسنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بالآخرة.
على هدى من ربهم: أي على هداية من الله تعالى فلا يضلون ولا يجهلون معها أبدا.
المفلحون: أي الفائزون بالنجاة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب محبوب.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {الم} أحسن ما يفسر به مثل هذه الحروف المقطعة قول: الله أعلم بمراده به وقد أفادت هذه الحروف فائدة عظيمة، وذلك من جهتين الأولى أنه لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن خشية التأثير به فيهتدي إلى الحق من يحصل له ذلك، وقالوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} كانت هذه الحروف بنغمها الخاص ومدودها العجيبة تضطر المشرك إلى الإصغاء والاستماع فحصل ضد مقصودهم وكفى بهذه فائدة. والثانية أنهم لما ادعوا أن القرآن سحر وكهانة وشعر وأساطير الأولين كأنما قيل لهم هذا القرآن الذي ادعيتم فيه كذا وكذا قد تألف من هذه الحروف ص، ن، ق، يس، طس، الم، فألفوا سورة مثله وأتوا بها للناس فيصبح لكم ما تدعون فإن عجزتم فسلموا أنه كلام الله أنزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمنوا ووحدوا واستقيموا على ذلك تعزوا وتكرموا وتكملوا وتسعدوا.
وقوله: {تِلْكَ آيَاتُ (2) الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} أي هذه الآيات هي آيات القرآن الكريم الموصوف بالحكمة إذ هو لا يخلط ولا يغلط ولا يخبط بل يضع كل شيء في موضعه اللائق به في كل ما قاله فيه وحكم به، وأخبر عنه أو به من سائر المعارف والعلوم التي حواها كما هو حكيم بمعنى محكم لا نسخ يطرأ عليه بعد تمامه كما طرأ على الكتب السابقة، ومحكم أيضاً بمعنى لا خلل فيه، ولا تناقض بين أخباره وأحكامه على كثرتها وتنوع أسبابها ومقتضيات نزولها، وقوله: {هُدىً (3) وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (4) } أي هو بيان هداية ورحمة تنال المحسنين وهم الذين أحسنوا عبادتهم لربهم فخلصوها من الشرك والرياء وأتوا بها على الوجه المرضي لله تعالى وهو ما بينه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كيفيات العبادات وبيان فعلها وأدائها عليه. وقوله {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي المحسنين الذين يقيمون الصلاة أي يؤدون الصلوات الخمس مراعى فيها شروطها مستوفاة أركانها وسننها الواجبة منها والمستحبة، ويؤتون الزكاة أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالذهب والفضة أو العُمَل القائمة مقامهما والحرث من تمر وزيتون، وحبوب مقتاة مدخرة والناطقة من إبل وبقر وغنم وذلك إن حال الحول في الذهب والفضة والعمل وفي بهيمة الأنعام أما الحرث والغرس فيوم حصاده وجداده. وقوله: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي والحال هم موقنون بما أعده الله من ثواب وجزاء على الإحسان والإيمان والإسلام الذي دلت عليه صفاتهم في هذا السياق الكريم وقوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يخبر تعالى عن المحسنين أصحاب الصفات الكريمة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان باليوم الآخر والإيقان بثواب الله تعالى فيه إنهم على هدى أي طريق مستقيم وهو الإسلام هداهم الله تعالى إليه ومكنهم من السير عليه وبذلك أصبحوا من المفلحين الذين يفوزون بالنجاة من النار، وبدخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم إنك برّ كريم تواب رحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان إعجاز القرآن حيث ألف من مثل آلم، وص، وطس، ولم يستطع خصومه تحديه.
2- بيان معنى الحكيم وفضل الحكمة.
3- بيان أن القرآن بيان للهدى المنجي المسعد ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه.
4- فضل الصلاة والزكاة واليقين.
5- بيان مبنى الدين: وهو الإيمان والإسلام والإحسان (5) .
__________

1 - قال قتادة: غير آيتين أولهما ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام وقال ابن عباس غير ثلاث آيات أولهن: ولو أن ما في الأرض من الخ..
2 - تلك في محل رفع مبتدأ وآيات الكتاب الخبر.
- 3 هدى ورحمة نصباَ على الحال على حد هذه ناقة الله لكم آية وقرئ هدًى ورحمة بالرفع على أن هدى خبر ثان ورحمة معطوف عليه وهي قراءة حمزة.
4 - وجائز أن يكون المحسنين الفاعلين للحسنات والمحسنين إلى غيرهم كالوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين ومن ذكروا في آية الحقوق العشرة من سورة النساء {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً} الخ ...
5- شاهد هذا حديث جبريل في مسلم: إذ سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان والإسلام والإحسان فدل ذلك على أن مبنى الدين الإسلامي هذه الثلاثة (الإيمان والإسلام والإحسان) .



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:59 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة لقمان - (2)
الحلقة (683)
تفسير سورة لقمان مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 199الى صــــ 206)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
شرح الكلمات:
ومن الناس: أي ومن بعض الناس إنسان هو النضر بن الحارث بن كلدة حليف قريش.
لهو الحديث: أي الحديث الملهي عن الخير والمعروف وهو الغناء.
ليضل عن سبيل الله: أي ليصرف الناس عن الإسلام ويبعدهم عنه فيضلوا.
ويتخذها هزواً: أي ويتخذ الإسلام وشرائعه وكتابه هزواً أي مهزوءاً به مسخوراً منه.
ولّى مستكبراً: أي رجع في كبرياء ولم يستمع إليها كفراً وعناداً وكبراً كأن لم يسمعها.
في أذنيه وقراً: أي ثقل يمنع من السماع كالصمم.
بغير عمدٍ ترونها: أي بدون عمد مرئية لكم ترفعها حتى لا تقع على الأرض.
رواسي: أي جبال راسية في الأرض بها ترسو الأرض أي تثبت حتى لا تميل.
وبث فيها من كل دابة: أي وخلق ونشر فيها من صنوف الدواب وهي كل ما يدب في الأرض.
من كل زوج كريم: أي من كل صنف من النباتات جميل نافع لا ضرر فيه.
هذا خلق الله: أي المذكور مخلوقة لله تعالى إذ هو الخالق لكل شيء.
من دونه: أي من الآلهة المزعومة التي يعبدها الجاهلون.
بل الظالمون: أي المشركون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى عباده المحسنين وأثنى عليهم بخير وبشرهم بالفلاح والفوز المبين ذكر صنفا آخر على النقيض من الصنف الأول الكريم فقال: {وَمِنَ النَّاسِ (2) مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ (3) لِيُضِلَّ (4) عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ومن بعض الناس إنسان هو النضر بن الحارث الكلدي حليف قريش يشتري لهو الحديث أي الغناء إذ كان يشتري الجواري المغنيات ويفتح نادياً للهو والمجون ويدعوا الناس إلى ذلك ليصرفهم عن الإسلام حتى لا يجلسوا إلى نبيّه ولا يقرأوا كتابه بغير علم منه بعاقبة صنيعه وما يكسبه من خزي وعار وعذاب النار. وقوله {وَيَتَّخِذَهَا (5) هُزُواً} أي يتخذ سبيل الله التي هي الإسلام هزواً أي شيئاً مهزوءا به مسخوراً منه بما في ذلك الرسول والمؤمنون والآيات الكلّ يهزأ به ويسخر منه لجهله وظلمة نفسه. قال تعالى {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين} أي أولئك البعداء وهم كل من يشتري الغناء يغني به نساء ورجال أو آلات ممن اتخذوا الإسلام وشرائعه هزواً وسخرية ليصدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله الموصلة إلى رضاه ومحبته وجنته. أولئك: مَن تلك صفتهم لهم عذاب مهين بكسر أنوفهم وبذلهم يوم القيامة وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى (6) مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} أي إذا قرئت على هذا الصنف من الناس آيات الله لتذكيره وهدايته رجع مستكبراً كأن لم يسمعها تتلى عليه وهي حالة من أقبح الحالات لدلالتها على خبث هذا الصنف من الناس وكبرهم. وقوله {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} (7) كأن به صمم لا يسمع القول وهنا عجّل الله له بما يحزنه ويخزيه فقال لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والتبشير بما يضر ولا يسر يحمل معه التهكم وهذا النوع من الناس مستحق لذلك وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا} هذا صنف آخر مقابل لما قبله وهم أهل الإيمان والعمل الصالح بشرهم ربهم بجنات النعيم والخلود فيها وقوله {وَعْدَ اللهِ حَقّاً} أي (8) وعدهم بذلك وعداً صادقاً لا يخلف وأحقه لهم حقاً لا يسقط. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أي الغالب الذي لا يحال بينه وبين مراده الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه.
وقوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (9) } أي من مظاهر قدرته وعزته وحكمته خلقُه السموات ورفعها بغير عمد مرئية لكم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن هناك أعمدة غير مرئية وهي سنة نظام الجاذبية التي خلقها بقدرته وجعل الأجرام السماوية متماسكة بها. وقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي من مظاهر قدرته وحكمته إلقاء الجبال الرواسي على الأرض لتحفظ توازنها حتى لا تميل بأهلها فيفسد ويسقط ما عليها وتنعدم الحياة عليها وهو معنى {أَنْ تَمِيدَ (10) بِكُمْ} أي تميل، وإذا مالت تصدع كل ما عليها وخرب وقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} وهذا مظهر من مظاهر القدرة والعلم والحكمة الموجبة للإيمان بالله ولقائه والمستلزمة لتوحيده تعالى في عبادته، فسائر أنواع الدواب على كثرتها واختلافها الله الذي خلقها وفرقها في الأرض تعمرها وتزينها. وقوله {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهو ماء المطر {فَأنْبَتَ بِهِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي صنف من أصناف الزروع والنباتات مما هو نافع وصالح للإنسان هذا المذكور مظهر من مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة الربانية الموجبة للإيمان بالله وآياته ولقائه وتوحيده في عباداته ومن هنا قال تعالى: {هَذَا (11) خَلْقُ اللهِ} أي كل ما ذكر من المخلوقات في الآيات هو مخلوق لله والله وحده خالقه فأروني أيها المشركون المكذبون ماذا خلق الذين تعبدونهم من دونه من سائر المخلوقات يتحداهم بذلك. فعجزوا. وقوله تعالى {بَلِ (12) الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إنهم عبدوا غير الله وكذبوا بلقاء الله لا عن علم لديهم أو شبهه كانت لهم بل الظالمون وهم المشركون في ضلال مبين فهم تائهون في أودية الضلال حيارى بجهلهم في حياتهم فدواؤهم العلم والإيمان فمتى آمنوا وعلموا لم يبق مجال لكفرهم وشركهم وعنادهم فلهذا فصّل تعالى الآيات وعرض الأدلة والحجج عرضاً عجيباً لعلهم يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا فيكملوا ويسعدوا فضلاً منه ورحمة. وهو العزيز الرحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- حرمة غناء النساء للرجال الأجانب.
2- حرمة شراء الأغاني في الأشرطة والاسطوانات التي بها غناء العواهر والخليعين من الرجال.
3- حرمة حفلات الرقص والغناء الشائعة اليوم في العالم كافره ومسلمه.
4- دعوة الله تقوم على دعامتي الترهيب والترغيب والبشارة والنذارة.
5- بيان شتّى مظاهر القدرة والعلم والعز والحكمة الموجب للإيمان والتوحيد.
6- لا قصور في الأدلة والحجج الإلهية وإنما ضلال العقول بالشرك والمعاصي هو المانع من الاهتداء. والعياذ بالله تعالى.
__________

1 - هذا عطف على جملة (تلك آيات الكتاب الحكيم) كأنما قال كانت تلك حال الكتاب الحكيم وهي حال تدعو إلى كل كمال وإن من الناس معرضين عنه يؤثرون لهو الحديث ففي الإخبار تعجب من حال هذا الإنسان الذي يعرض عن الهدى إلى الضلال وعن الخير إلى الشر
2 - معنى الكلام من الناس - يا للعجب- من يشغله لهو الحديث والولوع به عن الاهتداء بآيات الكتاب الحكيم، هذه الآية إحدى ثلاث آيات في القرآن الكريم تحرم الغناء والأولى آية بني إسرائيل وهي قوله تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) والثانية آية النجم: (وأنتم سامدون) قال ابن عباس هو الغناء بالحميرية يقال أسمدنا أي غنّي لنا.
3 - لهو الحديث هو الغناء، صح أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن لهو الحديث فقال بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء وقال ابن جرير الطبري قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري وقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليكم بالسواد الأعظم، ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية.
4 - قرأ الجمهور ليضل بضم الياء أي ليضل غيره فهو إذاً ضال مضل وقرأ ابن كثير ليضل بفتح الياء أي ليزداد ضلالا على ضلال.
5 - قرأ نافع بالرفع عطفاً على يشتري وقرأ حفص بالفتح عطفاً على ليضل.
6 - (ولى) هذا تمثل للإعراض عن آيات الله التي تتلى عليه ومستكبراً حال مُبينة وأن إعراضه كان لا عن إهمال أو تفريط وإنما كان عن كبر كأن لم يسمعها تكرار التشبيه لفائدة الإخبار بأنه مرة لم يسمعها مع وجود حاسة السمع وأخرى مع عدم وجودها.
7 - قرأ نافع أذنيه بإسكان الذال تخفيفاً وقرأ الجمهور أذنيه بتحريك الذال مضمومة.
8 - انتصاب وعد الله على المفعول المطلق وانتصاب حقاً على الحال.
9 - ترونها في محل جر نعت لعمدٍ ومعنى هذا أن هناك عمداً غير مرئية ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من السموات.
10 - أي كراهية أن تميد بكم أي تميل أو لئلا تميد والكل جائز.
11 - خلق الله بمعنى مخلوقه.
12 - بل للإضراب الانتقالي من المجادلة إلى تسجيل ضلالهم وهو اعتقادهم إلهية الأصنام كما يقول لمناظر دع عنك هذا وانتقل إلى كذا.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:00 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
شرح الكلمات:
ولقد آتينا لقمان الحكمة: أي أعطينا لقمان (2) القاضي: أي الفقه في الدين والعقل والإصابة في الأمور.
أن اشكر لله: أي اشكر لله ما أنعم عليك بطاعته وذكره.
لابنه وهو يعظه: أي ابنه ثاران وهو يعظه أي يأمره وينهاه مرغباً له مرهباً.
ووصينا الإنسان: أي عهدنا إليه ببرهما وهو كف الأذى عنهما والإحسان إليهما وطاعتهما في المعروف.
وهناً على وهن: أي ضعفاً على ضعف وشدة على شدة وهي الحمل والولادة والإرضاع.
وفصاله في عامين: أي مدة رضاعه تنتهي في عامين، وبذلك يفصل عن الرضاع
وإن جاهداك: أي بذلا جهدهما في حملك على الشرك.
وصاحبهما في الدنيا معروفا: أي واصحبهما في حياتهما بالمعروف وهو البر والإحسان وكف الأذى والطاعة في غير معصية الله.
من أناب إليّ: رجع إليّ بتوحيدي وطاعتي وطاعة رسولي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين وهذه القصة اللقمانية اللطيفة مشوقة لذلك قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي أعطينا عبدنا لقمان الحكمة وهي الفقه في الدين والإصابة في الأمور ورأسها مخافة الله تعالى بذكره وشكره الذي هو طاعته في عبادته وتوحيده فيها. وقوله: {أَنِ (3) اشْكُرْ لِلَّهِ} أي وقلنا له اشكر الله خالقك ما أنعم به عليك بصرف تلك النعم فيما يرضيه عنك ولا يسخطه عليك. وقوله تعالى {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي ومن شكر الله بطاته فإن ثمرة الشكر وعائدته للشاكر نفسه بحفظ النعمة والزيادة فيها أما الله فإنه غني بذاته محمود بفعاله فلا يفتقر إلى خلقه في شيء إذ هم الفقراء إليه سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ} أي واذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين قول لقمان لابنه وأخص الناس به وهو ينهاه عن الشرك الذي نهيتكم أنا عنه فغضبتم وأصررتم عليه عناداً ومكابرة فقال له: بما أخبر به تعالى عنه في قوله: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ (4) وَهُوَ يَعِظُهُ} أي يأمره وينهاه مرغباً له في الخير مرهبا له من الشر: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ} أي في عبادته أحدا. وعلل لنهيه ليكون أوقع في نفسه فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ (5) عَظِيمٌ} والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ويترتب عليه الفساد والخسران الكبير، وعبادة غير الله وضع لها في غير موضعها إذ العبادة حق الله على عباده مقابل خلقهم ورزقهم وكلاءتهم في حياتهم وحفظهم وقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الِْإنْسَانَ (6) بِوَالِدَيْهِ} أي عهدنا إلى الإنسان آمرين إياه ببرِّ والديه أي أمه وأبيه، وبرّهما بذل المعروف لهما وكف الأذى عنهما وطاعتهما (7) في المعروف، وقوله تعالى: {حَمَلَتْهُ} أي الإنسان {أُمُّهُ} أي والدته {وَهْناً عَلَى (8) وَهْنٍ} أي ضعفاً على ضعف وشدة على أخرى وهي آلام وأتعاب الحمل والطلق والولادة والإرضاع فلهذا تأكد برّها فوق بر الوالد مرتين لحديث الصحيح: "من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك" وقوله {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي فطام الولد من الرضاع في عامين فأول الرضاع ساعة الولادة وآخره تمام الحولين ويجوز فصله عن الرضاع خلال العامين، وقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} هذا الموصى به وهو أن يشكر لله تعالى وذلك بطاعته تعالى فيما يأمره به وينهاه عنه، وذكره بقلبه ولسانه وقوله {وَلِوَالِدَيْكَ} إذ هما قدما معروفاً وجميلا فوجب شكرهما، وذلك ببرهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله ورسوله، لأن طاعة الله كشكره قبل طاعة الوالدين وشكرهما وقوله {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي الرجوع بعد الموت وهذه الجملة مؤكدة لواجب شكر الله تعالى وبر الوالدين لما تحمله من الترغيب والترهيب فالمطيع إذا رجع إلى الله أكرمه والعاصي أهانه. وما دام الرجوع إليه تعالى حتميّاً فطاعته بشكره وشكر الوالدين متأكدة متعيّنة. وقوله تعالى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} أي وإن جاهداك أيها الإنسان والداك وبذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم وهو عامة الشركاء إذ ما هناك من يصح إشراكه في عبادة الله قط. فلا تطعهما في ذلك أبداً، {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا (9) } أي في الحياة بالمعروف وهو برهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله تعالى ورسوله، وقوله: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} أي اتبع طريق من أناب إليّ بتوحيدي وعبادتي والدعوة إليّ وهو رسول (10) الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص حيث أمرته أمه أن يكفر بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه وذلك قبل إسلامها وبذلت جهداً كبيراً في مراودة ابنها سعد رضي الله عنهما وقوله {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي جميعا فأنبئكم بما كنتم تعملون وأجزيكم بعملكم الخير بالخير والشر بالشر فاتقوني بطاعتي وتوحيدي والإنابة إليّ في كل أموركم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
2- بيان الحكمة وهي شكر (11) الله تعالى بطاعته وذكره إذ لا يشكر إلا عاقل فقيه.
3- مشروعية الوعظ والإرشاد للكبير والصغير والقريب والبعيد.
4- التهويل في شأن الشرك وإنه لظلم عظيم.
5- بيان مدة الرضاع وهي في خلال العامين لا تزيد.
6- وجوب بر الوالدين وصلتهما.
7- تقرير مبدأ لا طاعة لمخلوق (12) في معصية الخالق بعدم طاعة الوالدين في غير المعروف.
8- وجوب اتباع سبيل المؤمنين من أهل السنة والجماعة وحرمة اتباع سبيل أهل البدع والضلالة.
__________

1 - هذه الآية: {وإن جاهداك} والتي قبلها {ووصينا الإنسان} نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم وإن أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل حتى يكفر سعدٌ أو تموت جوعاً وعطشاً حتى يعير بها مدى الحياة (يا قاتل أمه) إلا أنها لما أيأسها سعد أسلمت وأكلت وشربت.
2 - هو لقمان بن باعوراء بن ناصور بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم كذا نسبه ابن إسحاق وقال السهيلي هو لقمان بن عتفاد بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة، قال وهب كان ابن أخت أيوب أو ابن خالته عاش ألف سنة وأدركه داود عليه السلام وكان رجلاً حكيماً ولم يكن نبياً ومن حكمه قوله إن القلب واللسان إذا طابا فليس شيء أطيب منهما وإذا خبثا فليس شيء أخبث منهما وقوله وقد قيل له أي الناس شر؟ قال الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئاً وقوله الصمت حكمة وقليل فاعله.
3 - وجائز أن تكون أن التفسيرية أي مفسرة للفظ الحكمة بأنها الشكر لله تعالى وهي أقوال ألقيت إليه بإلهام ففي الحكمة معنى القول دون حروفه. كما فسرت (حاجة) في قول الشاعر لأنها بمعنى القول:
إن تحملا حاجة لي خف محملها
تستوجبا منه عندي بها ويدا
أن تقرآن على أسماء ويحكما
مني السلام وأن لا تخبرا أحدا
4 - قيل كان اسم ابنه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم والله أعلم.
5 - روى مسلم " أنه لما نزلت (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} .
6 - الراجح أن هاتين الآيتين وقعتا اعتراضاً بين كلام لقمان الأول والثاني وأنهما نزلتا في شأن والدة سعد بن أبي وقاص وللاعتراض فائدة وهي التنويع في الأسلوب لإذهاب السآمة وتجديد نشاط الذهن للحفظ والفهم وجائز أن يكون لا اعتراض والآيتان من كلام لقمان.
7 - روي أن الحسن قال لو منعت والدة ولدها من شهود صلاة العشاء شفقة عليه فلا يطعها.
8 - الوهن بإسكان الهاء مصدر وهن يهن من باب ضرب ووهن بفتح والواو والهاء من باب وجل يوجل وجلا. والمعنى أي وهناً واقعاً على وهن كقولهم (عوداً على بدء) أي رجع عوداً على بدء.
9 - نعت لمصدر محذوف تقديره مصاحباً معروفاً. وفي الآية دليل على جواز بر الأم الكافرة أو الأب لحديث أسماء إذ قالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة
10 - الآية عامة في سائر المؤمنين فعلى كل مؤمن اتباع الصالحين في كل زمان ومكان والاقتداء بهم وعليه مجانبة أهل الضلال والفسق والعصيان وعدم اتباعهم في باطلهم وضلالهم وفسقهم وعصيانهم.
11 - روي أن سفيان بن عيينة قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.
12 - صح الحديث بلفظ "إنما الطاعة في المعروف" وبلفظ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:01 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة لقمان - (3)
الحلقة (684)
تفسير سورة لقمان مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 207الى صــــ 211)

يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
شرح الكلمات:
إنها إن تك مثقال حبة: أي توجد زنة حبة من خردل.
فتكن في صخرة: أي في داخل صخرة من الصخور لا يعلمها أحد.
لطيف خبير: أي لطيف باستخراج الحبة خبير بموضعها حيث كانت.
وأمر بالمعروف وانه عن المنكر: أي مر الناس بطاعة الله تعالى، انههم عن معصيته.
من عزم الأمور: مما أمر الله به عزماً لا رخصة فيه.
ولا تصعّر خدك للناس: أي ولا تعرض بوجهك عمن تكلمه تكبراً.
مرحا: أي مختالا تمشي خيلاء.
مختال فخور: أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه الله ولا يشكر.
واقصد في مشيك: أي إتئد ولا تعجل في مشيتك ولا تستكبر.
واغضض من صوتك: أي اخفض صوتك وهو الاقتصاد في الصوت.
إن أنكر الأصوات: أي أقبح الأصوات وأشدها نكارة عند الناس لأن أوله زفير وآخره شهيق.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصص لقمان عليه السلام فقال تعالى مخبراً عن لقمان بقوله لابنه ثاران {يَا بُنَيَّ (1) إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ (2) خَرْدَلٍ} أي إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شر من حسنة أو سيئة {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ (3) أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ} ويحاسب عليها ويجزي بها، {إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ} أي باستخراجها {خَبِيرٌ} بموضعها وعليه فاعمل الصالحات واجتنب السيئات وثق في جزاء الله العادل الرحيم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (16) أما الآية الثانية (17) فقد تضمنت أمر ولده بإقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذلك فقال له ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} أي أدها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} بطاعة الله تعالى فيما أوجب على عباده {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} أي عما حرم الله تعالى على عباده من اعتقاد أو قول أو عمل. {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من أذى ممن تأمرهم وتنهاهم، وقوله {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي إن إقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذات الله من الأمور الواجبة التي هي عزائم وليست برخص. وقوله تعالى {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (5) } هذا مما قاله لقمان لابنه نهاه فيه عن خصال ذميمة محرمة وهي التكبر على الناس بأن يخاطبهم وهو معرض عنهم بوجهه لاو عنقه (3) ، وهي مشية المرح والاختيال والتبختر، والفخر بالنعم مع عدم شكرها وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ (6) فَخُورٍ} هذا مما قاله لقمان لابنه لما نهاه عن التكبر والاختيال والفخر أخبره أن الله تعالى لا يحب من هذه حاله حتى يتجنبها ولده الذي يعظه بها وبغيرها وقوله في الآية (19) {وَاقْصِدْ فِي (7) مَشْيِكَ} أي امش متئداً في غير عجلة ولا إسراع إذ الاقتصاد ضد الإسراف. وقوله: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أمره أن يقتصد في صوته أيضاً فلا يرفع صوته إلا بقدر الحاجة. كالمقتصد لا يخرج درهمه إلا عند الحاجة وبقدرها وقوله {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} ذكر هذه الجملة لينفره من رفع صوته بغير حاجة فذكر له أن أقبح الأصوات صوت الحمير (8) لأنه عالٍ مرتفع وأوله زفير وآخره
شهيق. هذا آخر ما قص تعالى من نبأ لقمان العبد الصالح عليه السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت وصغرت.
2- وجوب إقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يلحق الآمر والناهي من أذى.
3- حرمة التكبر والاختيال في المشي ووجوب القصد في المشي والصوت فلا يسرع ولا يرفع صوته إلا على قدر الحاجة.
__________

1 - تكرير النداء حكمته تجديد نشاط السامع وقرأ نافع مثقال بالرفع على أنه فاعل تك وكان التي مضارعها تك تامة وقرأ حفص مثقال بالفتح على أن كان ناقصة ومثقال خبرها وقوله إنها أي القصة أو الحالة المسؤول عنها.
2 - روي أن ثاران بن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يقابلها الله؟ فقال لقمان يا بني إنها إن تك مثقال حبة الخ.. فما زال ابنه يضطرب حتى مات قاله مقاتل رحمه الله.
3 - قيل إن الصخرة تكون تحت الأرض السابعة لأنها ليست في السماء ولا في الأرض.
4 - الصعر الميل ومنه قول الشاعر:
وكنا إذا الجبار صعر خده
أقمنا له من ميله فتقوم
والصعر كالصّيد داء يصيب الإبل فتلوى منه أعناقها.
5 - شاهده في الحديث الصحيح: "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال"، فقوله ولا تدابروا يشمل تصعير الوجه أي ميله.
6 - المختال ذو الخيلاء قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة" والفخور هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى (قاله مجاهد) .
7 - ما روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا مشي أسرع فإنما أريد به السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت المظهر للمسكنة والذلة.
8 - بالحمار يضرب المثل في البلادة وينهى عن رفع الصوت لغير حاجة حتى لا يكون صوت المتكلم كصوت الحمار الممقوت والحمار إذا نهق فإنه رأى شيطاناً كما في الحديث، وركبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تواضعاً، وقيل نهيق الحمار دعاء عن الظلمة.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:01 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
شرح الكلمات:
ألم تروا: أي ألم تعلموا أيها الناس.
سخر لكم ما في السموات: أي من شمس وقمر وكواكب ورياح وأمطار لمنافعكم.
وما في الأرض: أي من أشجار وأنهار وجبال وبحار وغيرها.
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة: أي أوسع وأتم عليكم نعمه ظاهرة وهي الصحة وكمال الخلق تسوية الأعضاء.
وباطنة: أي المعرفة والعقل.
من يجادل في الله: أي يخاصم في توحيد الله منكراً له مكذباً به.
بغير علم: أي بدون علم عنده من وحي ولا هو مستفاد من دليل عقلي.
ولا هدى ولا كتاب منير: أي سنة من سنن الرسل، ولا كتاب إلهي منير واضح بيّن.
أو لو كان الشيطان: أي أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم إلى موجب عذاب السعير من الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
عاد السياق بعد نهاية قصة لقمان إلى خطاب المشركين لهدايتهم فقال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا} أيها الناس الكافرون بالله وقدرته ورحمته أي ألم تعلموا بمشاهدتكم {أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ} (1) أي من أجلكم {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من شمس وقمر وكواكب ومطر، وسخر لكم ما في الأرض من أشجار وأنهار وجبال ووهاد وبحار وشتى الحيوانات ومختلف المعادن كل ذلك لمنافعكم في مطاعمكم ومشاربكم وكل شؤون حياتكم، {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ (2) } أي أوسعها وأتمها نعم الإيجاد ونعم الإمداد حال كونها ظاهرة كحسن (3) الصورة وتناسب الأعضاء وكمال الخلق، وباطنة كالعقل والإدراك والعلم والمعرفة وغير ذلك مما لا يحصى ولا يعد، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، ومع هذا البيان والإنعام والاستدلال على الخالق بالخلق وعلى المنعم بالنعم فإن ناساً يجادلوا في (4) توحيد الله وأسمائه وصفاته ووجوب طاعته وطاعة رسوله بغير علم من وحي ولا استدلال من عقل، ولا كتاب منير واضح بين يحتجون به ويجادلون بأدلته.
وقوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} (5) أي لأولئك المجادلين في الله بالجهل والباطل {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ} أي على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هدى، قالوا لا، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عقائد وثنية وتقاليد جاهلية، قال تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} أي أيتبعون آباءهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} أي النار المستعرة الملتهبة والجواب لا، ولكن اتبعوهم فسوف يردون معهم النار وئس الورد المورود.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تعيين الاستدلال بالخلق على الخالق وبالنعمة على المنعم.
2- وجوب ذكر النعم وشكرها لله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- حرمة الجدل بالجهل ودون علم.
4- حرمة التقليد في الباطل والشر والفساد كتقليد بعض المسلمين اليوم للكفار في عاداتهم وأخلاقهم ومظاهر حياتهم.
__________

1 - ذكر نعم الله الموجبة لشكره بعبادته وحده وترك عبادة من سواه.
2 - قرأ نافع وحفص نعمه بالجمع وقرأ آخرون بالإفراد نعمته وهي دالة على الجمع لأنها اسم جنس دال على متعدد بدليل قوله تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
3 - عن ابن عباس أن النعم الظاهرة الإسلام وما حسن من الخلق والباطنة ما ستر على العبد من سيء العمل وقيل النعم الظاهرة الصحة وكمال الخلق والباطنة المعرفة والعقل.
4 - قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم أي بغير حجة نزلت في يهودي جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو فجاءت صاعقة فأخذته قاله مجاهد.
5 - هذا عام في اليهودي السائل وفي المشركين الذين طالما سألوا وجادلوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجهلهم وتقليد آبائهم وهم من أجهل الناس.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة لقمان - (4)
الحلقة (685)
تفسير سورة لقمان مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 211الى صــــ 214)


وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)

شرح الكلمات:
ومن يسلم وجهه إلى الله: أي أقبل على طاعته مخلصا له العبادة لا يلتفت إلى غيره من سائر خلقه.
وهو محسن: أي والحال أنه محسن في طاعته إخلاصاً واتباعاً.
فقد استمسك بالعروة الوثقى: أي تعلق بأوثق ما يتعلق به فلا يخاف انقطاعه بحال.
وإلى الله عاقبة الأمور: أي مرجع كل الأمور إلى الله سبحانه وتعالى.
نمتعهم قليلاً: أي متاعاً في هذه الدنيا قليلاً أي إلى نهاية آجالهم.
ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ: أي ثم نلجئهم في الآخرة إلى عذاب النار والغليظ:
الثقيل.
قل الحمد لله: أي احمد الله على ظهور الحجة بأن تقول الحمد لله.
لا يعلمون: أي من يستحق الحمد والشكر ومن لا يستحق لجهلهم.
معنى الآيات:
بعد إقامة الحجة على المشركين في عبادتهم غير الله وتقليدهم لآبائهم في الشرك والشر والفساد قال تعالى مرغباً في النجاة داعياً إلى الإصلاح: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ} (1) أي يقبل بوجهه وقلبه على ربه يعبده متذللا له خاضعاً لأمره ونهيه. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي والحال أنه محسن في عبادته إخلاصاً فيها لله، واتباعاً في أدائها لرسول الله {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أي قد أخذ بالطرف الأوثق فلا يخاف انقطاعا أبداً وقوله تعالى: {وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} يخبر تعالى أن مردّ الأمور كلها لله تعالى يقضي فيها بما يشاء فليفوّض العبد أموره كلها لله إذ هي عائدة إليه فيتخذ بذلك له يداً عند ربه، وقوله لرسوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ (2) كُفْرُهُ} أي أسلم وجهك لربك وفوض أمرك إليه متوكلا عليه ومن كفر من الناس فلا يحزنك كفره أي فلا تكترث به ولا تحزن عليه {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي فإن مردهم إلينا بعد موتهم ونشورهم {فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} في هذا الدار من سوء وشر ونجزيهم به. {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (3) } أي بما تكنه وتخفيه من اعتقادات ونيّات وبذلك يكون الحساب دقيقاً والجزاء عادلاً. وقوله تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ (4) قَلِيلاً} أي نمهل هؤلاء المشركين فلا نعاجلهم بالعقوبة فيتمتعون مدة آجالهم وهو متاع قليل {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} بعد موتهم ونشرهم {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي نلجئهم إلجاءً إلى عذاب غليظ ثقيل لا يحتمل ولا يطاق وهو عذاب النار. نعوذ بالله منها ومن كل عمل يؤدي إليها وقوله تعالى في الآية (25) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين قائلاً لهم: من خلق السموات والأرض لبادروك بالجواب قائلين الله إذاً قل الحمد لله على إقامة الحجة عليكم باعترافكم، وما دام الله هو الخالق الرازق كيف يعبد غيره أو يعبد معه سواه أين عقول القوم؟ وقوله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون موجب الحمد ولا مقتضاه، ولا من يستحق الحمد ومن لا يستحقه لأنهم جهلة لا يعلمون شيئاً. وقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي خلقا وملكا وعبيداً ولذا فهو غني عن المشركين وعبادتهم فلا تحزن عليكم ولا تبال بهم عبدوا أو لم يعبدوا {إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عن كل ما سواه {الْحَمِيدُ} أي المحمود بعظيم فعله وجميل صنعه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان نجاة أهل لا إله إلا الله وهم الذين عبدوا الله وحده بما شرع لهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- بيان أن المشركين من العرب موحدون في الربوبية مشركون في العبادة كما هو حال كثير من الناس اليوم
__________

1 - أسلم وسلّم بمعنى، إلا أن التضعيف للتكثير وعدي باللام نحو قول أسلمت وجهي لله، وعدي مرة بإلى قال القرطبي معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما أي لله خالصاً له ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه والمراد التوكل عليه والتفويض إليه.
2 - قرأ نافع يحزنك بضم الياء وكسر الزاي يُحزنك وقرأ حفص يحزنك بفتح الياء وضم الزاي يَحزنك فالأولى مضارع أحزنه يحزنه كأعلم يعلمه والثاني مضارع حزنه كنصره ينصره.
3 - الجملة تعليلية لما سبقها من أحكام.
4 - جملة نمتعهم قليلاً مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً يقول ما الذي يترتب على علمه تعالى بذات الصدور فالجواب إنه يمتعهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
شرح الكلمات:
ولو أن ما في الأرض: أي من شجرة.
أقلام: أي يكتب بها.
والبحر: أي المحيط
يمده سبعة أبحر: أي تمده
إن الله عزيز حكيم: أي عزيز في انتقامه غالب ما أراده حكيم في تدبير خلقه.
ما خلقكم ولا بعثكم: أي ما خلقكم ابتداء ولا بعثكم من قبوركم إعادة لكم إلا كخلق وبعث نفس واحدة.
معنى الآيتين:
قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا (1) فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ (2) أَقْلامٌ} أي لو أن شجر الأرض كله قطعت أغصانه شجرة شجرة حتى لم تبق شجرة وبريت أقلاماً، والبحر المحيط صار مدادا ومن ورائه سبعة أبحر أخرى تحولت إلى مداد وتمُد البحر الأول وكتب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله لنفد البحر والأقلام ولم تنفد كلمات الله، وذلك لأن الأقلام والبحر متناهية وكلمات الله غير متناهية فعلم الله وكلامه كذاته وصفاته لا تتناهي بحال، نزلت هذه الآية رداً على اليهود لما قيل لهم {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} قالوا وكيف هذا وقد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء. كما نزل رداّ على أبي بن خلف قوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ (3) وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ (4) وَاحِدَةٍ} إذ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يخلقنا الله خلقا جديداً في يوم واحد ليحاسبنا ويجزينا، ونحن خلقنا أطوراً وفي قرون عديدة فأنزل الله تعالى قوله {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ} إلا كخلق وبعث نفس واحدة {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (5) } فما يسمع المخلوقات ولا يشغله صوت عن صوت، ويبصرهم ولا تحجبه ذات عن ذات كذلك هو يبعثهم في وقت واحد ولو أراد خلقهم جملة واحدة لخلقهم لأنه يقول للشيء كن فيكون.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- بيان سعة علم الله تعالى وأنه تعالى متكلم وكلماته لا تنفد بحال من الأحوال.
2- بيان أن ما أوتيه الإنسان من علوم ومعارف ما هو بشيء إلى علم الله تعالى.
1- بيان قدرة الله تعالى وأنها لا تحد ولا يعجزها شيء.
2- إثبات صفات الله كالعزة والحكمة والسمع والبصر.
__________

1 - قيل في سبب هذه الآية المدنية على رأي ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود قالوا: يا محمد كيف عنينا بهذا القول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه وعندك أنها تبيان كل شيء. فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التوراة قليل من كثير ونزلت هذه الآية.
2 - من شجرة من بيانية وفي التعبير بـ لو: دلالة على أن مضمون الكلام افتراضي، ولكن لو كان المفترض لما يخرج عما أخبر تعالى به وهو نفاد الأقلام والمداد وبقاء كلام الله تعالى لأن المراد من الكلمات كلام الله تعالى.
3- في الآية إيجاز بالحذف إذ التقدير ما خلقكم إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة.
4 - ما خلقكم فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
5 - جملة إن الله سميع بصير صالحة لأن تكون تعليلية أو استئنافية بيانية.




ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة لقمان - (5)
الحلقة (686)
تفسير سورة لقمان مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 215الى صــــ 220)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
شرح الكلمات:
ألم تر: أي ألم تعلم أيها المخاطب.
أن الله يولج الليل في النهار: أي يدخل جزءاً منه في النهار، ويدخل جزاء من النهار في الليل بحسب الفصول.
وسخر الشمس والقمر: يسبحان في فلكيهما الدهر كله لا تكلان إلى يوم القيامة وهو الأجل المسمى لهما.
ذلك بأن الله هو الحق: أي ذلك المذكور من الإيلاج والتسخير بسبب أن الله هو الإله الحق.
وأن ما يدعون من دونه الباطل: أي وأن ما يدعون من دونه من آلهة هي الباطل.
بنعمت الله: أي بإفضاله على العباد وإحسانه إليهم حيث هيأ أسباب جريها.
لكل صبار شكور: أي صبار عن المعاصي شكور للنعم.
وإذا غشيهم موج: أي علاهم وغطاهم من فوقهم.
كالظلل: أي كالجبال التي تظلل من تحتها.
فمنهم مقتصد: أي بين الكفر والإيمان بمعنى معتدل في ذلك ما آمن ولا كفر.
كل ختار كفور: أي غدار كفور لنعم الله تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال الشرك والكفر قال تعالى {أَلَمْ تَرَ (1) } أي ألم تعلم أيها النبي أن الله ذا الألوهية على غيره {أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} بإدخال جزء منه في النهار {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي بإدخال جزء منه في الليل وذلك بحسب الفصول السنوية {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} (2) يسبحان في فلكيهما لمنافع الناس إلى أجل مسمى أي إلى وقت محدد معين عنده سبحانه وتعالى وهو يوم القيامة، وأن الله تعالى بما تعملون خبير، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم صالحها وفاسدها وسيجزيكم بها وقوله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ} أي ذلك الإيلاج لليل في النهار والنهار في الليل وتسخير الشمس والقمر، وعلم الله تعالى بأعمال العباد ومجازاتهم عليها قاطع لكل شك بأن الله هو إله الحق، وأن ما يدعون من دونه من أوثان هو الباطل (3) ، وقاطع بأن الله تعالى ذا الألوهية الحقة هو العلي الكبير أي ذو العلو المطلق الكبير الذي ليس شيء أكبر منه إذ هو رب كل شيء ومالكه والقاهر له والمتحكم فيه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ} يا محمد {أَنَّ الْفُلْكَ} أي السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ} تعالى على خلقه حيث يسّر لها أسباب سيرها وجريها في البحر وهي تحمل السلع والبضائع والأقوات من إقليم إلى إقليم وهي نعم كثيرة. سخر ذلك لكم ليريكم (4) من آياته الدالة على ربوبيته وألوهيته وهي كثيرة تتجلى في كل جزء من هذا الكون. وقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي علامات ودلائل على قدرة الله ورحمته وحكمته وهي موجبات عبادته وتوحيده فيها، وقوله {لِكُلِّ صَبَّارٍ (5) شَكُورٍ} أي فيها عبر لكل عبد صبور على الطاعات صبور عن المعاصي صبور عما تجري به الأقدار شكور لنعم الله تعالى جليلها وصغيرها أما غير الصبور الشكور فإنه لا يجد فيها عبرة ولا عظة.
وقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ (6) } أي إذا غشي المشركين موج وهم على ظهر السفينة فخافوا {دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي دعوا الله وحده ولم يذكروا آلهتهم. فلما نجاهم بفضله {إِلَى الْبَرِّ} فلم يغرقوا {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (7) } أي في إيمانه وكفره لا يُغالي في كفره ولا يعلن عن إيمانه. وقوله {وَمَا يَجْحَدُ (8) بِآياتِنَا} القرآنية والكونية وهي مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لألوهيته {إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ (9) } أي غدار بالعهود {كَفُورٍ} للنعم لا خير فيه البتّة والعياذ بالله تعالى من أهل الغدر والكفر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك بذكر الأدلة المستفادة من مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته.
2- فضيلة الصبر والشكر والجمع بينهما خير من افتراقهما.
3- بيان أن المشركين أيام نزول القرآن كانوا يوحدون في الشدة ويشركون في الرخاء.
4- شر الناس الختّار أي الغدار الكفور.
5- ذم الختر وهو أسوأ الغدر وذم الكفر بالنعم الإلهية.
__________

1 - ألم تر: الاستفهام تقريري بالنسبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو إنكاري بالنسبة إلى غيره ينكر على أهل الغفلة غفلتهم وأهل الإعراض عن النظر إعراضهم إذ لو نظروا وفكروا لاهتدوا إلى توحيد الله وبعثه عباده للحساب والجزاء يوم القيامة.
2 - قال القرطبي: ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال، وإتماماً للمنافع والآية في تقرير التوحيد بذكر مظاهر علم الله وقدرته وحكمته.
3 - جائز أن يكون المراد بالباطل الشيطان إذ هو الذي زين عبادة الأصنام والأوثان وأمرهم بها فلذا أطلق لفظ الباطل عليه.
4 - من آياته من للتبعيض من بعض آياته ما يشاهدون به مظاهر قدرة الله ولطفه ورحمته. قال الحسن مفتاح البحار السفن ومفتاح الأرض الطرق ومفتاح السماء الدعاء.
5 - صبار صيغة مبالغة كثير الصبر وشكور كذلك كثير الشكر قال بعضهم صبار لقضائه، شكور على نعمائه وما في التفسير أعم وأشمل. روي أن الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر.
6 - الظلل جمع ظلة وهو ما أظل من سحاب وجبال وغيرها.
7 - فسر هذا اللفظ بعدة تفسيرات منها موف بما عاهد الله عليه في البحر قال الحسن مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة، وقال مجاهد مقتصد في القول مضمر للكفر وقيل في الكلام حذف والمعنى فمنهم مقتصد ومنهم كافر ودل على المحذوف قوله: (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) . وما في التفسير أشمل وأسلم.
8 - قال القرطبي جحد الآيات إنكار أعيانها والجحد بالآيات إنكار دلائلها.
9 - الختر الغدر وجحود الفضل وفعله ختر كضرب يختر قال عمرو بن معد يكرب:
فإنك لو رأيت أبا عمير
ملأت يديك من غدر وختر
وقال الأعشى:
بالأبلق الفردي من تيماء منزلة
حصن حصين وجار غير ختار

***********************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
شرح الكلمات:
اتقوا ربكم: أي خافوه فآمنوا به واعبدوه وحده تنجوا من عذابه.
واخشوا يوما: أي خافوا يوم الحساب وما يجري فيه.
لا يجزي والد عن ولده: أي لا يغني والد فيه عن ولده شيئا.
إن وعد الله حق: أي وعد الله بالحساب والجزاء حق ثابت لا محالة هو كائن.
لا تغرنكم الحياة الدنيا: أي فلا تغتروا بالحياة الدنيا فإنها زائلة فأسلموا تسلموا.
ولا يغرنكم بالله الغرور: أي الشيطان يغتنم حلم الله عليكم وإمهاله لكم فيجسركم على المعاصي ويسوفكم في التوبة.
وينزل الغيث: أي المطر.
ويعلم ما في الأرحام: أي من ذكر أو أنثى ولا يعلم ذلك سواه.
ماذا تكسب غداً: أي من خير أو شر والله يعلمه.
معنى الآيتين الكريمتين:
هذا نداء عام لكل البشر يدعوهم فيه ربهم تعالى ناصحا لهم بأن يتقوه بالإيمان به وبعبادته وحده لا شريك له وأن يخشوا يوماً عظيماً فيه من الأهوال والعظائم ما لا يقادر قدره بحيث لا يجزي فيه والد (1) عن ولده ولا مولود (2) هو جاز عن والده شيئاً إذ كل واحد لا يريد إلا نجاة نفسه فيقول نفسي نفسي وهذا لشدة الهول يوم لا يغني أحد عن أحد شيئاً ولو كان أقرب قريب، وهو يوم آت لا محالة حيث وعد الله به الناس ووعد الله حق والله لا يخلف الميعاد، ويقول لهم بناء على ذلك {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بملاذها وزخارفها وطول العمر فيها، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} ذي الحلم والكرم {الْغَرُورُ (3) } أي الشيطان من الإنس أو الجن يحملكم على تأخير التوبة ومزاولة أنواع المعاصي بتزيينها لكم وترغيبكم فيها فانتبهوا فإن الموت لا بد منه وقد يأتي فجأة فالتوبة التوبة يا عباد الله هذه نصيحة الرب تبارك وتعالى لعباده فهل من مستجيب؟ هذا ما دلت عليه الآية الأولى (33)
أما الآية الثانية (34) فالله جل جلاله يخبر عباده بأنه استقل بعلم الساعة متى (4) تأتي والقيامة متى تقوم وليس لأحد أن يعلم ذلك كائنا من كان وهذه حال تتطلب من العبد أن يعجل التوبة ولا يؤخرها، كما أستقل تعالى بعلم وقت نزول المطر في يوم أو ليلة أو ساعة من ليل أو نهار، ويعلم ما في الأرحام أرحام الإناث من ذكر أو أنثى أو أبيض أو أحمر أو أسود ومن طول وقصر ومن إيمان أو كفر ولا يعلم ذلك سواه ويعلم ما يكسب كل إنسان في غده من خير أو شر أو غنى أو فقر، ويعلم أين تموت كل نفس من بقاع الأرض وديارها ولا يعلم ذلك إلا الله ولذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مفاتح (6) الغيب خمسة وقرأ: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} " في الصحيح.
وقوله إن الله عليم أي بكل شيء وليس بهؤلاء الخمسة فقط خبير بكل شيء من دقيق أو جليل من ذوات وصفات وأحوال وببواطن الأمور كظواهرها وبهذا وجب أن يعبد وحده بما شرع من أنواع العبادات التي هي سلّم النجاح ومرقى الكمال والإسعاد في الدارين.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- وجوب تقوى الله عز وجل بالإيمان به وتوحيده في عبادته.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا، والتحذير من الشيطان أي من اتباعه والاغترار بما يزينه ويحسنه من
المعاصي.
4- بيان مفاتح (7) الغيب الخمسة واختصاص الرب تعالى بمعرفتها.
5- كل مدع لمعرفة الغيب من الجن والإنس فهو طاغوت يجب لعنه ومعاداته.
6- ما ادّعي اليوم من أنه بواسطة الآلات الحديثة قد عرف ما في رحم المرأة فهذه المعرفة ليست داخلة في قوله
__________

1 - فإن قيل لقد ثبت بالسنة ما ظاهره خلاف هذا فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم "، وقال "من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له حجاباً من النار" فالجواب أن المراد بالآية أن الولد لا يحمل ذنب والده وأن الوالد لا يحمل ذنب ولده، وأما موت الأولاد فأجر المصيبة مع الصبر والاحتساب هو الذي منع الوالد من دخول النار كما أن تربية البنات والإحسان إليهن جعل الله تعالى جزاءه النجاة من النار فليس في الحديث أن الولد يجزي عن والده ولا الوالد يجزي عن ولده.
2 - ولا مولود: مبتدأ وهو ضمير فصل والخبر جاز مرفوع بضمة مقدرة على حرف العلة المحذوف للتخفيف، وذكر الولد والوالد لأنهما أشد شفقة على بعضهما ورحمة وحميّة من غيرهما.
3 - الغرور بالفتح (الفعول) من أمثلة المبالغة أي كثير التغرير بالإنسان وهو الشيطان عليه لعائن الرحمن والغرور الخداع بما ظاهره حسن وباطنه ضرر.
4 - قال مقاتل هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث؟ ولقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غدا؟ وأخبرني متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله تعالى الآية.
5 - روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ثم قرأ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله عنده علم الساعة الخ الآية.
6 - في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مفاتح الغيب خمس ثم قرأ (إن الله عنده علم الساعة) الآية وفي رواية أبي هريرة "خمس لا يعلمهن إلا الله" وعلة تسميتها مفاتح الغيب أنها من أمور الناس المغيبة عنهم فإذا وقعت كان وقوعها كفتح مغلق بمفتاح فالإنسان قد يعرف متى يصلي متى يسافر متى يتزوج أما هذه الخمسة فلا علم له بها أبداً حتى يفتح الله بابها ويظهرها.
7 - المفاتح جمع مفتح آلة الفتح والمعنى أن هذه الأمور الخمسة وهي متعلقة بالإنسان لا يظهرها إلى الوجود ولا يفتح مغلقها الغيبي إلا الله جل جلاله إذ بيده مفاتحها.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:04 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة السجدة - (1)
الحلقة (687)
تفسير سورة السجدة مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 221الى صــــ 225)


سورة السجدة
مكية (1)
وآياتها ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4)
شرح الكلمات:
الم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب آلم، ويقرأ ألف لام ميم.
لا ريب فيه: أي لا شك في أنه نزل من رب العالمين.
أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون أي المشركون اختلقه وكذبه.
قوما ما أتاهم من نذير: أي من زمن بعيد وهم قريش والعرب.
لعلهم يهتدون: أي بعد ضلالهم إلى الحق الذي هو دين الإسلام.
في ستة أيام: هي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
ثم استوى على العرش: استوى على عرشه يدير أمر خلقه.
من ولي ولا شفيع: أي ليس لكم أيها المشركون من دون الله وليّ يتولاكم ولا شفيع يشفع لكم.
أفلا تتذكرون: أي أفلا تتعظون بما تسمعون فتؤمنوا وتوحدوا.
معنى الآيات:
قوله تعالى {الم} هذه الحروف المقطعة في فواتح عدة سور الأسلم أن لا تؤول ويكتفى فيها بقول الله أعلم بمراده بها. وقد اخترنا من أقاويل المفسرين أنها أفادت فائدتين: الأولى أنه لما كان المشركون من قريش في مكة يمنعون من سماع القرآن مخافة أن يتأثر به السامع به فيؤمن ويوحد فكانت هذه الحروف تستهويهم بنغمها الخاص فيستمعون فينجذبون ويؤمن من شاء الله إيمانه وهدايته والثانية بقرينة ذكر الكتاب بعدها غالبا: أن هذا القرآن الكريم قد تألف من مثل هذه الحرف الم، طس، حم، ق، فألفوا أيها المكذبون سورة من مثله وإلا فاعلموا أنه تنزيل من الله رب العالمين فلما عجزوا قامت عليهم الحجة ولم يبق شك في أنه تنزيل الله وكتابه أنزله على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ (2) } أي القرآن الكريم {لا رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك (3) في أنه من رب العالمين على محمد صلى لله عليه وسلم وليس بشعر ولا بسجع كهان، ولا أساطير الأولين وقوله تعالى: {أَمْ (4) يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل يقولون افتراه محمد واختلقه وأتى به من تلقاء نفسه اللهم لا إنه لم يفتره {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أي جاءك من ربك وحياً أوحاه إليك، {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ (5) مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وهم مشركوا العرب لتنذرهم بأس الله وعذابه إن بقوا على شركهم وكفرهم، وقوله {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا فيهتدوا إلى الحق بعد ضلالهم فينجوا ويكملوا ويسعدوا وقوله: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي من مخلوقات {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من مثل أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة ولذا كانت الجمعة من أفضل الأيام {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} عرشه (6) سبحانه وتعالى استوى استواء يليق به يدبر أمر مخلوقاته. الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل وهو الإله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه ما للعرب ولا للبشرية كلها من إله غيره، وليس لها من غيره من ولي يتولاها بالنصر والإنجاء إن أراد الله خذلانها وإهلاكها، وليس لها شفيع (7) يشفع لها عنده إذا أراد الانتقام منها لشركها وشرها وفسادها وقوله: {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} فتعلموا أيها العرب المشركون أنه لا إله لكم إلا الله فتعبدوه وتوحدوه فتنجوا من عذابه وتكملوا وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزل الله ووحيه أوحاه إلى رسوله.
2- إبطال ما كان المشركون يقولون في القرآن بأنه شعر وسجع كهان وأساطير الأولين.
3- بيان الحكمة من إنزال القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الإنذار.
4- بيان الزمان الذي خلق الله فيه السموات والأرض وما بينهما.
5- إثبات صفة الاستواء على العرش لله تعالى.
6- تقرير أنه ما للبشرية من إله إلا الله وأنه ليس لها من دونه من وليّ ولا شفيع فما عليها إلا أن تؤمن بالله وتعبده فتكمل وتسعد على عبادته.
__________

1 - وتسمى سورة الم السجدة، وتنزيل السجدة وفي الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى بها الصبح يوم الجمعة يقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والسجدة والثانية بالفاتحة وسورة الإنسان كما ورد أنه كان يقرأها مع سورة الملك عند النوم وفي كل منهما ثلاثون آية.
2 - تنزيل مرفوع بالابتداء والخبر لا ريب فيه، أو خبر على تقدير مبتدأ أي هذا تنزيل أو المتلو عليك تنزيل الكتاب، ويكون لا ريب فيه محل نصب على الحال.
3 - لا ريب فيه لما اشتمل من الإعجاز العلمي حيث عجز الإنس والجن على أن يأتوا بمثله وعجز فصحاء العرب على الإتيان بسورة مثل سوره. ولما عرف به صاحبه الذي نزل عليه وجاء به وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصدق الكامل حيث لم يكذب قط وقد أخبر أنه تنزيل الله رب العالمين.
4 - أم هذه هي المنقطعة ولذا قدرت ببل والاستفهام في التفسير، وصيغة المضارع (يقولون) لاستحضار الحالة الماضية إثارة للتعجب في نفس السامع.
5 - النذير المعلم المخوف بعواقب الشرك والمعاصي والفساد والشر، والقوم الجماعة العظيمة الذين يجمعهم أمر يكون كالقوام لهم من نسب أو وطن أو غرض تجمعوا من أجله والمراد بهم عامة العرب في كل ديارهم شمالا وجنوباً وشرقاً وغرباً إذ فقدوا العلم الإلهي منذ قرون عدة.
6 - سئل مالك رحمه الله تعالى عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
7 - في نفي الشفيع رد على قول بعضهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله على تقدير أنهم يبعثون يوم القيامة إذ قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله أو في قضاء حوائجهم في الدنيا.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
شرح الكلمات:
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض: أي أمر المخلوقات طوال الحياة.
ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره: أي يوم القيامة حيث تنتهي هذه الحياة وسائر شؤونها.
ألف سنة مما تعدون: أي من أيام الدنيا.
عالم الغيب والشهادة: أي ما غاب عن الناس ولم يروه وما شاهدوه ورأوه.
بدأ خلق الإنسان من طين: أي بدأ خلق آدم عليه السلام من طين.
من سلالة من ماء مهين: أي ذرية آدم من علقة من ماء النطفة.
ثم سواه ونفخ فيه من روحه: أي سوى الجنين في بطن أمه ونفخ فيه الروح فكان حياً كما سوى آدم أيضاً ونفخ فيه من روحه فكان حيا.
والأفئدة: أي القلوب.
قليلا ما تشكرون: أي ما تشكرون الله على نعمة الإيجاد والإمداد إلا شكراً قليلا لا يوازي قدر النعمة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة الإلهية، فقوله تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أي أمر المخلوقات {مِنَ السَّمَاءِ} حيث العرش وكتاب المقادير {إِلَى الْأَرْضِ} حيث تتم الحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع، والغنى والفقر والحرب والسلم، والعز والذل فالله تعالى من فوق عرشه يدبر أمر الخلائق كلها في عوالمها المختلفة، وقوله ثم يعرج أي الأمر إليه في يوم كان مقداره ألف (1) سنة مما يعد الناس اليوم من أيام هذه الدنيا. ومعنى {يَعْرُجُ إِلَيْهِ} في يوم القيامة أي يرد إليه حيث عم الكون الفناء ولم يبق ما يدبر في هذه الأرض لفنائها وفناء كل ما كان عليها. وقوله {ذَلِكَ (2) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي ما غاب عن الناس وما حضر فشاهدوه أي العالم بكل شيء وقوله {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} : أي الغالب على مراده من خلقه الرحيم بالمؤمنين من عباده، وقوله {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (3) أي أحسن خلق كل مخلوق خلقه أي جوّد خلقه وأتقنه وحسنه. وقوله {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} أي وبدأ خلق آدم من طين وهو الإنسان الأول، {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} أي نسل الإنسان {مِنْ سُلالَةٍ} وهي العلقة {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (4) } وهو النطفة، وقوله {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} أي سوّى آدم ونفخ فيه من روحه، كما سوّى الإنسان في رحم أمه أي سوى خلقه ثم نفخ فيه من روحه فكان إنساناً حيا، وقوله {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي القلوب أي لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا لحاجتكم إلى ذلك لأن حياتكم تتطلب منكم مثل ذلك ومع هذه النعم الجليلة {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (5) } أي لا تشكرون إلا قليلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان جلال الله وعظمته في تدبيره أمر الخلائق.
2- بيان صفات الله تعالى من العلم والعزة والرحمة.
3- بيان كيفية خلق الإنسان ومادة خلقه.
4- شكر العباد - إن شكروا - لا يوازي نعم الله تعالى عليهم.
5- وجوب شكر النعم بالاعتراف بها وذكرها وحمد الله تعالى عليها وصرفها في مرضاته.
__________

1 - ورد في سورة الحج قوله تعالى {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وفي هذه الآية {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} وفي سورة المعارج {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} ، وقد كثرت أقوال أهل التفسير في تحديد هذه الأيام حتى قال ابن عباس أيام سماها الله سبحانه وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم وأحسن ما يقال فيها أن اليوم الذي ذكر في سورة الحج هو عبارة عن الزمان وتقديره عند الله وأن يوم سورة المعارج هو يوم القيامة يوم الحساب وأن هذا اليوم هو آخر أيام الدنيا حيث ينتهي التدبير والتصرف لانقضاء الحياة وهو كما ذكر تعالى.
2 - ذلك اسم إشارة عائد إلى اسم الجلالة أي ذلك الرب العظيم والإله الحكيم الذي خلق السموات وما بينهما المدبر للملكوت المتصرف في الموجودات هو عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم المستحق للعبادة والمحبة والخوف دون غيره من سائر المخلوقات.
3 - قرأ نافع وحفص خلقه بصيغة الماضي وقرأ بعضٌ خلقه بإسكان اللام على أنه مصدر خلق يخلق خلقاً وهو بدل اشتمال من كل شيء ومعنى أحسن أتقن وأحكم قال عكرمة: ليست أست القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة.
4 - المهين الممتهن الذي لا يعبأ به.
5 - جائز أن يكون المراد عدم شكرهم مطلقا فهو كناية عن العدم توبيخا لهم وتأنيباً.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:06 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة السجدة - (2)
الحلقة (688)
تفسير سورة السجدة مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 226الى صــــ 229)

وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
شرح الكلمات:
أئذا ضللنا في الأرض: أي غبنا فيها حيث فنينا وصرنا ترابا.
أئنا لفي خلق جديد: أي أنعود خلقا جديدا بعد فنائنا واختلاطنا بالتراب.
بل هم بلقاء ربهم كافرون: أي لم يقف الأمر عند استبعادهم للبعث بل تعداه إلى كفرهم بلقاء ربهم، وهو الذي جعلهم ينكرون البعث.
قل يتوفاكم ملك الموت: أي يقبض أرواحكم ملك الموت المكلف بقبض الأرواح.
ثم إلى ربكم ترجعون: أي بعد الموت، وما دمتم لا تمنعون أنفسكم من الموت سوف لا تمنعونها من الحياة فرجوعكم حتمي لا محالة.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة فأخبر تعالى عن منكري البعث فقال {وَقَالُوا (1) } أي منكروا البعث الآخر {أَإِذَا ضَلَلْنَا (2) فِي الْأَرْضِ} أي غبنا فيها بحيث صرنا ترابا فيها {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي لعائدون في خلق جديد. وهذا منهم إنكار للبعث واستبعاد له، فقال تعالى مخبراً عن علة إنكارهم للبعث وهي أنهم بلقاء (3) ربهم كافرون إذ لو كانوا يؤمنون بلقاء الله الذي وعدهم به لما أنكروا البعث والحياة لذلك، وقوله تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المنكرين للبعث ولقاء الرب تعالى: يتوفاكم عند نهاية آجالكم {مَلَكُ الْمَوْتِ (4) } الذي وكله ربّه بقبض أرواحكم، {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} بعد ذلك وما دمتم لا تدفعون الموت عن أنفسكم فكيف تدفعون الحياة عندما يريدها الله منكم؟ وهل دفعتموها عندما كنتم عدماً فأوجدكم الله وأحياكم.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- الذنب الذي هو سبب كل ذنب هو الكفر بلقاء الله تعالى.
3- بيان أن لقبض الأرواح ملكاً وله أعوان من الملائكة وأن الأرض جعلت لملك الموت كالطست بين يديه يتناول منها ما يشاء.
__________
1 - الجملة استئناف لحكاية عقيدتهم في إنكار البعث والجزاء ليعلل لها بالعلة المناسبة ثم يقرر عقيدة البعث التي أنكروها وتعجبوا من حقيقتها بما هو لازم لها.
2 - الاستفهام للتعجب والاستبعاد، والضلال الدخول في الأرض والغياب فيها إذ كل ما غاب في شيء ولم يظهر له وجود يقال ضل فيه كما يضل الماء في اللبن والميت في القبر قال الحارث الغساني شعرا:
فآب مضلوه بعين جلية
وغودر وبالجولان حزم ونائل
(مضلوه أي مغيبوه) .
3 - بل هم بلقاء ربهم كافرون، بل للإضراب عن كلامهم أي ليس إنكارهم البعث لاستبعاده واستحالته لوجود الأدلة الواضحة على إمكانه بل وجوبه وإنما الباعث لهم على التكذيب به هو كفرهم التقليدي.
4 - لم يرد اسم ملك الموت في القرآن غير أن أهل السنة على أسمه عزرائيل بمعنى عبد الله.
***********************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:06 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
شرح الكلمات:
إذ المجرمون: أي المشركون المكذبون بلقاء ربهم.
ناكسوا رؤوسهم: أي مطأطئوها من الحياء والذل والخزي.
ربنا أبصرنا: أي ما كنا ننكر من البعث.
وسمعنا: أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا.
فارجعنا: أي إلى دار الدنيا.
لآتينا كل نفس هداها: أي لو أردنا هداية الناس قسراً بدون اختيار منهم لفعلنا.
ولكن حق القول مني: أي وجب وهو لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين.
إنا نسيناكم: أي تركناكم في العذاب.
عذاب الخلد: أي العذاب الخالد الدائم.
بما كنتم تعملون: من سيئات الكفر والتكذيب والشر والشرك.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها وما يجري للمكذبين بها في الدار الآخرة قال تعالى {وَلَوْ تَرَى (1) } يا رسولنا {إِذِ الْمُجْرِمُونَ} وهم الذين أجرموا على أنفسهم فدنسوها بالشرك والمعاصي الحامل عليها التكذيب بلقاء الله، {نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} أي مطأطئوها خافضوها عند ربهم من الحياء والخزي الذي أصابهم عند البعث. لرأيت أمراً فظيعا لا نظير له. وقوله تعالى {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا (2) وَسَمِعْنَا} هذا قول الجرمين وهم عند ربهم أي يا ربنا لقد أبصرنا ما كنا نكذب به من البعث والجزاء وسمعنا منك أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا. {فَارْجِعْنَا} أي إلى دار الدنيا {نَعْمَلْ (3) صَالِحاً} أي عملا صالحا {إِنَّا مُوقِنُونَ} أي الآن ولم يبق في نفوسنا شك بأنك الإله الحق، وبأن لقاءك حق، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا (4) لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} وذلك لما طالب المجرمون بالعودة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فأخبر تعالى أنه ما هناك حاجة إلى ردهم إلى الدنيا ليؤمنوا ويعملوا الصالحات، إذ لو شاء هدايتهم لهداهم قسراً منهم بدون اختيارهم، ولكن سبق أن قضى بدخولهم جهنم فلابد هم داخلوها وهو معنى قوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} أي وجب العذاب لهم وهو معنى قوله {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ} أي الجن {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي من كفار ومجرمي الجن والإنس معا.
وقوله {فَذُوقُوا} أي العذاب الخزي {بِمَا نَسِيتُمْ (5) } أي بسبب نسيانكم {لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحاً إنا نسيناكم وتركناكم في العذاب. {وَذُوقُوا (6) عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي هذا يقال لهم وهم في جهنم تبكيتاً لهم وتقريعاً زيادة في عذابهم، والعياذ بالله من عذاب النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التنديد بالإجرام والمجرمين وبيان حالهم يوم القيامة.
2- بيان عدم نفع الإيمان عند معاينة العذاب.
3- بيان حكم الله في امتلاء جهنم من كل من مجرمي الإنس والجن.
4- تقرير حكم السببية فالأعمال سبب للجزاء خيراً كان أو شراً.
__________
1 - الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشرفه وأمته تابعة له والمعنى ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب العجاب من ذلتهم وخزيهم وندامتهم.
2 - هذا مقول قول محذوف بعد ناكسو رؤوسهم يقولون أو قائلين ربنا الخ
3 - هذا كقولهم في آية: {أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} .
4 - هذه الجمل اعتراضية بين قوله أبصرنا وقوله فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا وقوله ولو شئنا لآتينا الخ. رد عليهم حيث طلبوا العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا.
5 - النسيان يكون بمعناه الأصلي وهو عدم ورود الشيء بالخاطر النفسي ويكون بترك الشيء وعدم الالتفات إليه مع ذكره في النفس والآخر أولى بالآية.
6 - قد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم قال الشاعر:
فذق هجرها إن كنت تزعم أنها
فساد ألا يا ربّما كذب الزعم
فأطلق الذوق على الهجر وهو غير مطعوم ولكنه محسوس بالنفس.


ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة السجدة - (3)
الحلقة (689)
تفسير سورة السجدة مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 229الى صــــ 233)

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
شرح الكلمات:
إذا ذكروا بها: أي وعظوا بما فيها من أمر ونهي ووعد ووعيد.
خروا سجداً: وقعوا على الأرض ساجدين بوضع جباههم وأنوفهم على الأرض.
وسبحوا بحمد ربهم: أي نزهوه وقدسوه وهم ساجدون يقولون سبحان ربي الأعلى.
وهم لا يستكبرون: أي عن عبادة ربهم في كل أحايينهم بل يأتونها خاشعين متذللين.
تتجافى جنوبهم: أي تتباعد عن الفرش من أجل قيامهم للصلاة في جوف الليل.
خوفاً وطعما: أي يسألونه النجاة من النار، ودخول الجنة.
ما أخفي لهم من قرة أعين: أي لا تعلم نفس ما أخفى الله تعالى لهم وادخر لهم عنده من النعيم الذي تقر به أعينهم أي تسر به وتفرح.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وهم المكذبون بآيات الله ولقائه ذكر جزاء المؤمنين وهم الذين آمنوا بآيات الله ولقائه ذكرهم بأجمل صفاتهم فقال: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ (1) بِآياتِنَا} حق الإيمان {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} أي قرئت عليهم وكانت من الآيات التي فيها السجدات {خَرُّوا (2) سُجَّداً} أي وقعوا على الأرض ساجدين بوضع جباهم وأنوفهم على التراب، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي نزهوه وقدسوه أثناء سجودهم بقولهم سبحان ربي الأعلى، والحال أنهم لا يستكبرون عن عبادة الله مطلقاً بل يأتونها متذللين خاشعين.
وقوله {تَتَجَافَى (3) جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} هذه بعض صفاتهم أيضا وهي أنهم يباعدون جنوبهم عن فرشهم في الليل لصلاة التهجد. وقوله {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} أي في حال صلاتهم وفي غيرها وهو دعاء تميّز بخوفهم من عذاب ربهم وطمعهم في رحمته فهم يسألون ربهم النجاة من النار ودخول الجنة. وقوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} هذا وصف آخر لهم وهو أنهم يتصدقون بفضول أموالهم زيادة على أداء الزكاة كتهجدهم بالليل زيادة على الصلوات الخمس.
وقوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ (4) نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ (5) لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} يخبر تعالى عن جزائهم عنده فيقول: فلا تعلم نفس ما خبّأ الله تعالى لهم من النعيم المقيم الذي تقر به أعينهم أي تُسر وتفرح وقوله {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي جزاهم بذلك النعيم بعملهم الخيري الإسلامي الذي كانوا في الدنيا يعملونه وقد ذكر بعضه في الآيات قبل كالصلاة والصدقات.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- فضيلة التسبيح في الصلاة وهو سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود.
2- ذم الاستكبار وأهله ومدح التواضع لله وأهله.
3- فضيلة قيام الليل وهو المعروف بالتهجد (6) والدعاء خوفاً وطمعاً.
4- بشرى المؤمنين الصادقين من ذوي الصفات المذكورة في الآيات وهو أنه تعالى [أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما جاء في الحديث أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين (7) رأت] الخ.
__________

1 - في الآيات تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يجده من إعراض المشركين المكذبين بالبعث والجزاء في الدار الآخرة والقائلين: أم يقولون افتراه فأعلمه إنما يؤمن مَن ذكرهم بصفاتهم، والقصر إضافي والمراد من الآيات آيات القرآن الكريم.
2 - الخرور الهوي من علو إلى أسفل والسجود وضع الجبهة على الأرض إرادة التعظيم والخضوع.
3 - الجملة حال من الموصول والتجافي التباعد والمتاركة، والمضاجع جمع مضجع الفراش والجنب جمع جَنب، والمراد تباعدهم عن فرشهم لقيام الليل، ومن صلى العشاء في جماعة والصبح في جماعة تناوله الوصف، وشاهد التجافي قول عبد بن رواحة رضي الله عنه بمدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الصبح ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إ
ذا استثقلت بالمشركين المضاجع
4 - هذا كقول الرجل: هذا لا يعلمه إلا الله، وقرة الأعين كناية عن السرور وعظيم الفرح.
5 - قرأ الجمهور ما أخفي بصيغة الماضي المجهول، وقرأ غيرهم أخفي بالمضارع المعلوم.
6 - روى الترمذي بسند صحيح عن معاذ بن جبل قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} الآية.
7 - في الصحيح قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
شرح الكلمات:
أفمن كان مؤمناً: أي مصدقا بالله ورسوله ولقاء ربه.
كمن كان فاسقا: أي كافراً لا يستوون.
جنات المأوى نزلاً: النزل ما يعد للضيف من قرى.
من العذاب الأدنى: أي عذاب الدنيا من مصاب القحط والجدب والقتل والأسر.
العذاب الأكبر: هو عذاب الآخرة في نار جهنم.
لعلهم يرجعون: أي يصيبهم بالمصائب في الدنيا رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا.
ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها: لا أحد أظلم منه أبدا.
إنا من المجرمين منتقمون: أي من المشركين أي بتعذيبهم أشد أنواع العذاب.
معنى الآيات:
قوله تعالى {أَفَمَنْ (1) كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} أي كافرا ينفي تعالى استواء الكافر مع المؤمن فلذا بعد الاستفهام الإنكاري أجاب بقوله تعالى: {لا يَسْتَوُونَ} ثم بين تعالى جزاء الفريقين وبذلك تأكد بُعد ما بينهما فقال {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد نبياً ورسولا وبالإسلام شرعا وديناً {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأداء الفرائض والنوافل في الغالب بعد اجتناب الشرك والمحارم {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً (2) } أي ضيافة لهم {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وأما الذين فسقوا عن أمر الله فلم يوحدوا ولم يطيعوا فعاشوا على الشرك والمعاصي حتى ماتوا {فَمَأْوَاهُمُ (3) النَّارُ} أي مقرهم ومحل مثواهم وإقامتهم لا يخرجون {كُلَّمَا أَرَادُوا} أي هموا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها من قبل الزبانية تدفعهم عن أبوابها، {وَقِيلَ لَهُمْ} إذلالا لهم وإهانة {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} إذ كانوا مكذبين بالبعث والجزاء وقالوا {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
وقوله تعالى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى} وهو عذاب الدنيا بالقحط والغلاء والقتل والأسر {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} وهو عذاب يوم القيامة {لَعَلَّهُمْ (4) يَرْجِعُون} يخبر تعالى أنه فاعل ذلك بكفار قريش لعلهم يتوبون إلى الإيمان والتوحيد فينجوا من العذاب وينعموا في الجنة وفعلاً قد تاب منهم كثيرون وقوله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ (5) عَنْهَا} أي وعظ بها وخوِّف كما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ عليهم القرآن وكان بعضهم يعرض عنها فلا يسمعها ويرجع وهو مستكبر والعياذ بالله فمثل هؤلاء لا أحد أشد منهم ظلما وقوله تعالى {إِنَّا مِنَ (6) الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} يخبر تعالى أنه لا محالة منتقم من أهل الإجرام وهم أهل الشرك والمعاصي، وورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر ثلاثة أصناف من أهل الإجرام الخاص وهم:
1) من اعتقد "عقد" لواء في غير حق أي حمل راية الحرب على المسلمين وهو مبطل غير محق.
2) من عق والديه أي آذاهما بالضرب ونحوه ومنعهما برهما ولم يطعهما في معروف.
3) من مشى مع ظالم ينصره رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان خطأ من يسوي بين المؤمن والكافر والبار والفاجر والمطيع والفاسق.
2- بيان جزاء كل من المؤمنين والفاسقين.
3- بيان أن الله تعالى كان يأخذ قريشاً بألوان من (7) المصائب لعلهم يتوبون.
4- بيان أنه لا أظلم ممن ذكر بآيات الله فيعرض عنها مستكبراً جاحداً معانداً.
__________

1 - الاستفهام إنكاري وفيه معنى التعجب والمراد بالفاسق هنا الكافر لمقابلة المؤمن وفسقه بترك عبادة ربه وعبادة الأوثان والأصنام.
2 - النزل بضمتين مشتق من النزول وهو ما يعد للضيف النازل بك من قرى وهو الطعام والشراب والفراش.
3 - المأوى مكان الإيواء أي الرجوع إليه والاستقرار فيه.
4 - الجملة استئنافها بياني جواباً لمن قال لم يذيقهم العذاب الأدنى وهو عذاب الدنيا! دون العذاب الأكبر؟ فكان الجواب: لعلهم يرجعون وهو تعليل للحكم السابق.
5 - عطف الإعراض على التذكير بالآيات بثُم للدلالة على التراخي بين زمن التذكير والإعراض كقول الشاعر:
لا يكشف الغماد إلا ابن حره
يرى غمرات الموت ثم يزورها
6 - الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً فهو جواب لمن تساءل عن جزاء صاحب الإعراض بعد التذكير بالآيات وهو قوله تعالى إنا من المجرمين منتقمون.
7 - من ذلك سنوات الجدب التي أكلوا فيها العهن وأصبح أحدهم يرى السماء وكأنها دخان من شدة الجوع.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 06:08 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة السجدة - (4)
الحلقة (690)
تفسير سورة السجدة مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 234الى صــــ 238)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)
شرح الكلمات:
ولقد آتينا موسى الكتاب: أي أنزلنا عليه التوراة.
فلا تكن في مرية من لقائه: أي فلا تشك في لقائك بموسى عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج.
وجعلناه هدى لبني إسرائيل: أي جعلنا الكتاب "التوراة" هدى أي هادياً لبني إسرائيل.
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا: أي وجعلنا من بني إسرائيل أئمة أي قادة هداة يهدون الناس بأمرنا لهم بذلك وإذننا به.
وكانوا بآياتنا يوقنون: أي وكان أولئك الهداة يوقنون بآيات ربهم وحججه على عباده وما تحمله الآيات من وعد ووعيد.
إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة: أي بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والكافرين والمشركين والموحدين.
فيما كانوا فيه يختلفون: من أمور الدين.
أو لم يهد لهم: أي أغفلوا ولم يتبيّن.
كم أهلكنا من قبلهم من القرون: أي إهلاكنا لكثير من أهل القرون من قبلهم بكفرهم وشركهم وتكذيبهم لرسلهم.
يمشون في مساكنهم: أي يمرون ماشين بديارهم وهي في طريقهم إلى الشام كمدائن صالح وبحيرة لوط ونحوهما.
إن في ذلك لآيات: أي دلائل وعلامات على قدرة الله تعالى وأليم عقابه.
أفلا يسمعون: أي أصمّوا فلا يسمعوا هذه المواعظ والحجج.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى (1) الْكِتَابَ} أي أعطينا موسى بن عمران أحد أنبياء بني إسرائيل الكتاب الكبير وهو التوراة. إذاً فلم ينكر عليك المشركون أن يؤتيك ربك القرآن كما آتى موسى التوراة، وفي هذا تقرير لأصل من أصول العقيدة وهي الوحي والنبوة المحمدية. وقوله {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ (2) } أي فلا تكن يا محمد في شك (3) من لقائك موسى ليلة الإسراء والمعراج فقد لقيه وطلب إليه أن يراجع ربّه في شأن الصلاة فراجع حتى أصبح خمساً بعد أن كانت خمسين وقوله {وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ} أي الكتاب أو موسى كلاهما كان هادياً لبني إسرائيل إلى سبيل السلام والصراط المستقيم. وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أي قادة هداة يهدون الناس إلى ربهم فيؤمنون به ويعبدونه وحده فيكملون على ذلك ويسعدون وذلك بأمره تعالى لهم بذلك. وقوله {لَمَّا صَبَرُوا} أي عن أذى أقوامهم (4) ، {وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} الحاملة لأمرنا ونهينا، ووعدنا ووعيدنا {يُوقِنُونَ} أي تأهلوا لحمل رسالة الدعوة بشيئين: الصبر على الأذى واليقين التام بصحة ما يدعون إليه ونفعه ونجاعته وقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ (5) هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يخبر تعالى رسوله محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه سبحانه وتعالى الذي يفصل بين المختلفين من الأنبياء وأممهم، وبين الموحدين والمشركين والسنيين والبدعيين فيحكم بإسعاد أهل الحق وإشقاء أهل الباطل وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه مما يجد في نفسه من خلاف قومه له.
وقوله {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} أي أعموا (6) فلم يبيّن لهم إهلاكنا لأمم كثيرة {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ (7) } مارّين بهم في أسفارهم إلى الشام كمدائن صالح، وبلاد مدين، وبحيرة لوط إنا قادرون على إهلاكهم إن أصروا على الشرك والتكذيب كما أهلكنا القرون من قبلهم. وقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي في إهلاكنا أهل القرون الأولى لما أشركوا وكذبوا دلالات وحججا وبراهين على قدرة الله وشدة انتقامه ممن كفر به وكذب رسوله وقوله {أَفَلا يَسْمَعُونَ (8) } أي أصموا فلا يسمعون هذه المواعظ التي تتلى عليهم فيتوبوا من الشرك والتكذيب فينجوا ويسعدوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد قصة الإسراء والمعراج.
2- الكتاب والسنة كلاهما هاد للعباد إن طلبوا الهداية فيهما.
3- بيان ما تنال به الإمامة في الدين. وهو الصبر وصحة اليقين.
4- كل خلاف كان في هذه الحياة سينتهي بحكم الله تعالى فيه يوم القيامة.
5- في إهلاك الله تعالى للقرون السابقة أكبر واعظ لمن له قلب وسمع وبصيرة.
__________

1 - هذا الإخبار استطراد المراد به تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والفاء في قوله فلا تكن للتفريع.
2 - وجائز أن يكون المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الإسراء والمعراج وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول وقيل فلا تكن في شك من أنه سيلقاك من الأذى والتكذيب ما لقيه موسى، وما في التفسير هو الحق.
3 - المرية: الشك والتردد والمقصود من النهي التثبيت كقوله {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء} وليس النهي لطلب ترك الشك إذ لم يكن شك قط.
4 - لما صبروا لما بمعنى حين صبروا عن أذى أقوامهم، وقرأ خلاف الجمهور لما صبروا أي لأجل صبرهم جعلناهم أئمة، فما مصدرية واللام قبلها لام التعليل.
5 - هو ضمير فصل ومعنى يفصل يقضي ويحكم.
6 - هذا بناء على أن همزة الاستفهام داخلة على محذوف والاستفهام للإنكار عليهم عدم رؤيتهم مصارع الهالكين من قبلهم وهي واضحة بينة فضمن يهد معنى يبين فلذا عدي باللام ومثله (أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) آية الأعراف.
7 - جملة يمشون في محل نصب على الحال.
8 - الاستفهام تقريري مشوب بالتوبيخ واختير لفظ يسمعون لأن أخبار الأمم الهالكة كانت شائعة مستفيضة بينهم فلم لا يسمعون سماع اتعاظ واعتبار.

**********************

يتبع


الساعة الآن : 11:20 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 755.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 753.31 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.23%)]