ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:09 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة.
وزيراً: أي يشد أزره ويقويه ويتحمل معه أعباء الدعوة.
إلى القوم الذين كذبوا: هم فرعون وآله.
لما كذبوا الرسل: أي نوحاً عليه السلام.
وجعلناهم للناس آية: أي علامة على قدرتنا في إهلاك وتدمير الظالمين وعبرة للمعتبرين.
وعاداً وثمود: أي اذكر قوم عاد وثمود إلخ..
وأصحاب الرس: الرس بئر رس فيها قوم نبيهم، أي رموه فيها ودسوه في التراب.
وقروناً بين ذلك كثيرا: أي ودمرنا بين من ذكرنا من الأمم قروناً كثيراً.
تبرنا تتبيرا: أي دمرناهم تدميراً.
التي أمطرت مطر السوء: هي سدوم قرية قوم لوط.
لا يرجون نشوراً: أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء الآخر.

معنى الآيات:
قوله تعالى {ولقد آتينا مرسى الكتاب} هذا شروع في عرض أمم كذبت رسلها وردت دعوة الحق التي جاءوا بها فأهلكهم الله تعالى ليكون هذا عظة للمشركين لعلهم يتعظون فقال تعالى وعزتنا لقد آتينا موسى بن عمران الكتاب الذي هو التوراة {وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً} أي معيناً، فقلنا أي لهما {اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} وهم فرعون1 وملأه فأتوهم فكذبوهما فدمرناهم2 تدميراً كاملاً حيث أغرقوا في البحر، وقوله تعالى: {وقوم نوح} أي اذكر قوم نوح أيضاً فإنهم لما كذبوا الرسل3 أي كذبوا نوحاً ومن كذب رسولاً فكأنما كذب عامة الرسل أغرقناهم بالطوفان وجعلناهم للناس بعدهم آية أي عبرة للمعتبرين وقوله {وأعتدنا} أي وهيأنا4 للظالمين في الآخرة عذاباً أليماً أي موجعاً زيادة على هلاك الدنيا، وقوله {وعاداً وثمود وأصحاب الرس5} أي أهلكنا الجميع ودمرناهم تدميراً لما كذبوا رسلنا وردوا دعوتنا، وقروناً أي وأهلكنا قروناً بين ذلك الذي ذكرنا كثيراً.
وقوله {وكلاً ضربنا له الأمثال} أي إقامة للحجة عليهم فما أهلكناهم إلا بعد الإنذار والإعذار لهم. وقوله {وكلاً تبرنا تبتيراً} أي أهلكناهم إهلاكاً لتكذيبهم رسلنا وردهم دعوتنا. وقوله: {ولقد6 أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء} أي ولقد مر أي كفار قريش على القرية التي أمطرت مطر السوء أي الحجارة وهي قرى قوم لوط سدوم وعمورة وغيرهما فأهلكهم لتكذيبهم رسولهم وإيتانهم الفاحشة وقوله تعالى {أفلم يكونوا يرونها} في سفرهم إلى الشام وفلسطين. فيعتبروا بها فيؤمنوا وهو استفهام تقريري وإذ كانوا يمرون بها ولكنهم لم يعتبروا لعلة وهي أنهم لا يؤمنون بالبعث الآخر وهو معنى قوله تعالى {بل كانوا لا يرجون نشوراً7} فالذي لا يرجو أن يبعث ويحاسب ويجزى لا يؤمن ولا يستقيم أبداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم بعد الإنذار والإعذار إليها.
2- بيان عاقبة المكذبين وما حل بهم من دمار وعذاب.
3- بيان علة تكذيب قريش للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاء به وهي تكذيبهم بالبعث والجزاء فلهذا لم تنفعهم المواعظ ولم تؤثر فيهم العبر.
__________

1 فرعون وهامان والقبط.
2 في الآية حذف وهو: ما قدرناه في التفسير أي فكذبوهما فدمرناهم تدميرا.
3 ذكر الجنس وهو الرسل والمراد نوح وحده لأنه لم يكن في ذلك الوقت رسول إليهم إلاّ نوح وحده.
4 وجائز أن يكون معنى الآية: هذه سبيلي في كل ظالم آخذه في الدنيا بالدمار والهلاك.
5 الرس: في اللغة البئر تكون غير مطوية والجمع رساس قال الشاعر:
تنابلة يحفرون الرسّاسا
يريد آبار المعادن.
6 اقتران الخبر بلام القسم لإفادة معنى التعجب من عدم اعتبارهم.
7 النشور: مصدر نشر الميت: أحياه قال الشاعر:
يالبكر أنشروا لي كليباً


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:10 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (5)
الحلقة (631)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 617الى صــــ 621)

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا (41) إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (44)
شرح الكلمات:
إن يتخذونك: أي ما يتخذونك.
إلا هزواً: أي مهزوءاً به.
أهذا الدي بعث الله رسولاً: أي في دعواه لا أنهم معترفون برسالته والاستفهام للتهكم والاحتقار.
إن كاد ليضلنا عن آلهتنا: أي قارب أن يصرفنا عن آلهتنا.
لولا أن صبرنا عليها: أي لصرفنا عتها.
أرأيت من اتخذ إلهه هواه: أي أخبرني عمن جعل هواه معبوده فأطاع هواه. فهل تقدر على هدايته.
إن هم إلا كالأنعام: أي ما هم إلا كالأنعام في عدم الوعي والإدراك.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا} يخبر تعالي رسوله عن أولئك1 المشركين المكذبين بالبعث أنهم إذا رأوه في مجلس أو طريق ما يتخذونه إلا هزواً أي مهزوءاً به احتقاراً وازدراءً له فيقولون فيما بينهم، {أهذا الذي بعث الله2 رسولاً} وهو استفهام احتقار وازدراء لأنهم لا يعتقدون أنه رسول الله ويقولون {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} أي يصرفنا عن عبادة آلهتنا لولا أن صبرنا وثبتنا على عبادتها. وهذا القول منهم ناتج عن ظلمة الكفر والتكذيب بالبعث وقوله تعالى {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} في الدنيا أو في الآخرة أي عندما يعاينون العذاب يعرفون من كان أضل سبيلا هم أم الرسول والمؤمنون، وفي هذا تهديد ووعيد بقرب عذابهم وقد حل بهم في بدر فذلوا وأسروا وقتلوا وتبين لهم أنهم أضل سبيلاً من النبيّ وأصحابه. وقوله تعالى لرسوله وهو يسليه ويخفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته {أرأيت3 من اتخذ إلهه هواه} أخبرني عمن جعل معبوده هواه فلا يعبد غيره فكلما اشتهى شيئاً فعله بلا عقل ولا روية ولا فكر فقد يكون لأحدهم حجر يعبده فإذا رأى حجراً أحسن منه عبده وترك الأول فهذا لم يعبد إلا هواه وشهوته فهل مثل هذا الإنسان الهابط إلى مستوى دون البهائم تقدر على هدايته يا رسولنا؟ {أفأنت تكون عليه وكيلاً} أي حفيظاً تتولى هدايته أم أنك لا تقدر فاتركه لنا يمضي فيه حكمنا.
وقوله {أم تحسب} أيها الرسول أن أكثر هؤلاء المشركين يسمعون4 ما يقال لهم ويعقلون ما يطلب منهم إن هم إلا5 كالأنعام فقط بل هم أضل6 سبيلاً من الأنعام إذ الأنعام
تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك فجهلوا ربهم الحق ولم يستجيبوا لنداء رسوله إليهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان ما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلاقي في سبيل الدعوة من سخرية به واستهزاء.
2- يتجاهل الإنسان الضال الحق وينكره حتى إذا عاين العذاب عرف ما كان ينكر، وآمن بما كان يكفر.
3- هداية الإنسان ممكنة حتى إذا كفر بعقله وآمن بشهوته وعبد هواه تعذرت هدايته وأصبح أضل من الحيوان وأكثر خسراناً منه.
__________

1 جواب {إذا رأوك} قوله: {إن يتخذونك إلاّ هزوا} .
2 {رسولا} منصوب على الحال، والعائد محذوف تقديره، بعثه الله حال كونه رسولا.
3 الاستفهام للتعجيب أي: عجب الله تعالى رسوله من حال المشركين أي: من إضمارهم الشرك وإصرارهم عليه مع إصرارهم أن الله تعالى خالقهم ورازقهم ثم يعمد أحدهم إلى حجر يعبده. قال ابن عباس: الهوى إنه يعبد من دون الله ثم تلا هذه الآية: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} وقد كان الرجل منهم إذا هوى شيئاً عبده حتى إنه ليعبد الحجر أياماً ثم يرى غيره فيترك الأول ويعبد الثاني.
4 أي: سماع قبول أو يتفكرون فيما تقول فيعقلونه.
5 الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها في جواب سؤال لأن ما تقدمها في إنكار سمعهم يثير في النفس سؤالاً عن نفي سماعهم وفهمهم فأجيب {إن هم إلاّ كالأنعام) .
6 هم أضل من الأنعام لأن البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك بخلاف هؤلاء المشركين.

*********************************************
يتبع


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:10 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
شرح الكلمات:
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل: أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه.
ولو شاء الله لجعله ساكناً: أي ثابتاً على حاله في الطول والامتداد ولا يقصر ولا يطول
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا: أي علامة على وجوده إذ لولا الشمس لما عرف الظل.

ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا: أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءاً فجزءاً حتى ينتهي.
ثم جعلنا الليل لباساً: أي يستركم بظلامه كما يستركم اللباس.
والنوم سباتاً: أي راحة لأبدانكم من عناء عمل النهار.
وجعل النهار نشوراً: أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والانتشار بالنهار كالبعث.
بشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بالمطر قبل نزوله, والمطر هو الرحمة.
ماء طهوراً: أي تتطهرون به من الأحداث والأوساخ.
لنحيي به بلدة ميتاً: أي بالزروع والنباتات المختلفة.
أنعاماً وأناسي كثيراً: أي حيواناً وأناساً كثيرين.
ولقد صرفناه بينهم: أي المطر فينزل بأرض قوم ولا ينزل بأخرى لحكم عالية.
ليذكروا: أي يذكروا فضل الله عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا.
فأبى أكثر الناس إلا كفوراً: أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إلا كفوراً جحوداً للنعمة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {ألم تر إلى1 ربك كيف مد الظل} 2 هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد وهي مظاهر لربوبية الله تعالى المقتضية لألوهيته فأولاً الظل وهو المشاهد من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وقد مده الخالق عز وجل أي بسطه في الكون, ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله وانكماشه شيئاً فشيئاً, ولو شاء الله تعالى لجعله ساكناً لا يبارح ولا يغادر ولكنه حسب مصلحة عباده جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئاً فشيئاً فيطول تدريجياً لتعرف به ساعات النهار وأوقات الصلوات حتى يبلغ من الطول حداً كبيراً كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضاً يسيراً خفياً سريعاً حين تغرب الشمس ويغشاه ظلام الليل. هذه آية من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي
قال تعالى فيه {ألم تر} أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله {كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا} ينتقل، {ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً} إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى {ثم قبضناه إلينا قبضاه يسيراً} حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.
وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً3} أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب {والنوم4 سباتاً} أي وجعل النوم قطعاً للعمل فتحصل به راحة الأبدان {وجعل النهار نشوراً5} أي حياة بعد وفاة النوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.
وثالثا: إرسال الرياح للقاح السحب للمطار لإحياء الأرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح6} هو لا غيره من الآلهة الباطلة {أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة. وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير الله؟ اللهم إنه لا أحد.
ورابعاً: إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والإنسان قال تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً7 لنحي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً أي إبلاً وبقراً وغنماً {وأناسي كثيراً} أي أناساً كثيرين وهم الآدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والإنسان إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد الله تعالى.
وخامساً: تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ولا يمطر في أخرى حسب لحكمة الإلهية والتربية الربانية. قال تعالى: {ولقد صرفناه بينهم8} أي بين الناس كما هو مشاهد إقليم يسقى وآخر يحرم، وقوله تعالى: {فأبى أكثر الناس إلا كفوراً9} أي جحوداً لإنعام الله عليهم وربوبيته عليهم وألوهيته لهم. وهو أمر يقتضى التعجب والاستغراب. هذه مظاهر الربويية المقتضية للألوهية، {فأبى أكثر الناس إلا كفوراً} والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- عرض الأدلة الحسية على وجوب عبادة الله تعالى وتوحيده فيها ووجوب الإيمان بالبعث والجزاء الذي أنكره المشركون فضلوا ضلالاً بعيداً.
2- بيان فائدة الظل إذ به تعرف ساعات النهار وبه يعرف وقت صلاة الظهر والعصر فوقت الظهر من بداية الفيء، أي زيادة الظل بعد توقفه من النقصان عند وقوف الشمس في كبد السماء، ووقت العصر من زيادة الظل مثله بمعنى إذا دخل الظهر والظل أربعة أقدام أو ثلاثة أو أقل أو أكثر فإذا زاد مثله دخل وقت العصر فإن زالت الشمس على أربعة أقدام فالعصر يدخل عندما يكون الظل ثمانية أقدام وإن زالت الشمس على ثلاثة أقدام فالعصر على ستة أقدام وهكذا.
3- الماء الطهور وهو الباقي على أصل10 خلقته فلم يخالطه شيء يغير طعمه أو لونه أو ريحه. وبه ترفع الأحداث وتغسل النجاسات، ويحرم منعه عمن احتاج إليه من شرب أو طهارة.

__________

1 جائز أن تكون الرؤية هنا بصرية وعلمية، معاً إذ بالعين يشاهد الظل وزواله وبالقلب يعلم ذلك كذلك.
2 الظل بالغداء والفيء بالعشي قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحا نستطيعه
ولا الفيء من برد العشي نذوق
3 قال ابن العربي ظنّ بعض الجهال أن كون الليل لباساً يجزىء من صلى فيه عارياً وهو لا يجزىء ولو أجزأ لأجزأ من أغلق باب غرفته وصلى عرياناً.
4 أصل السبت: القطع والتمدد فهو بانقطاع البدن عن العمل تحصل له الراحة لذا قيل للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة.
5 كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصبح يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور".
6 قيل: إن تكوين الرياح سببه التقاء حرارة جانب من الجر ببرودة جانب آخر تنشأ السحب.
7 أكثر الفقهاء على أن الماء الطهور غير الطاهر فالطهور: هو الذي تزال به الأحداث بخلاف الطاهر فلذا كل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً.
8 وجائز أن يراد بقوله {صرفناه بينهم} القرآن الكريم إذ جرى ذكره أول السورة وفي أثنائها أيضاً.
9 قال عكرمة: هو قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا، وأيّده النحاس وقال: لا نعلم خلافاً أن الكفر هنا هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا روى الربيع بن صبيح قال: مُطر الناس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فلما أصبحوا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أصبح الناس فيها رجلين: شاكراً وكافراً فأما الشاكر فيحمد الله تعالى على سقياه وغياثه. وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا".
10 أحكام المياه: 1- قليل الماء ينجسه قليل النجاسة وكثيره لا ينجسه. 2- الماء طهور ما بقي على أصل خلقته فإن خالطه ما غيّر أحد أوصافه: الريح واللون والطعم سلبت طهوريته. 3- الماء المتغيّر بطول المكث طهور. 4-كره بعض أهل العلم الوضوء بسؤر النصراني، وقد توضأ عمر من بيت نصرانية وقال لها: اسلمي تسلمي فكشف عن رأسها وإذا به مثل الثغامة وقالت: عجوز كبيرة وإنما أموت الآن فقال عمر: اللهم أشهد خرجه الدارقطني 5- سؤر الكلب لا يتوضأ به ويغسل الإناء سبعاً. 6- ما مات في الماء مما لا دم له كالحشرات لا يسلب طهورية الماء. 7- سؤر الهر طاهر لحديث أبي قتادة.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:11 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (6)
الحلقة (632)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 621الى صــــ 627)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)
شرح الكلمات:
لبعثنا في كل قرية نذيراً: أي رسولاً ينذر أهلها عواقب الشرك والكفر.
وجاهدهم به جهاداً كبيراً: أي بالقرآن جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى غاية جهدك.
مرج البحرين: أي خلط بينهما وفي نفس الوقت منع الماء الملح أن يفسد الماء العذب.
وجعل بينهما برزخاً: أي حاجزاً بين الملح منهما والعذب.
وحجراً محجوراً: أي وجعل بينهما سداً مانعاً فلا يحلو الملح، ولا يملح العذب.
خلق من الماء بشراً: أي خلق من الماء الإنسان والمراد من الماء النطفة.
فجعله نسباً وصهراً: أي ذكراً وأنثى أي نسباً ينسب إليه، وصهراً يصهر إليه أي يتزوج منه.
ما لا يضرهم ولا ينفعهم: أي أصناماً لا تضر ولا تنفع.
وكان الكافر على ربه ظهيرا: أي معيناً للشيطان على معصية الرحمن.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تعداد مظاهر الربوبية المستلزمة للتوحيد قال تعالى {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} أي في كل مدينة نذيراً أي رسولاً يندر الناس عواقب الشرك والكفر,
ولكنا لم نشأ لحكمة اقتضتها ربوبيننا وهي أن تكون أيها الرسول أفضل الرسل وأعظم منزلة وأكثرهم ثواباً فحبوناك بهذا الفضل فكنت رسول كل القرى أبيضها وأسودها فأصبر وتحمل، واذكر شرف منزلتك {فلا تطع الكافرين} في أي أمر أرادوه منك {وجاهدهم} به أي بالقرآن وكله حجج وبينات جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى1 جهدك. بعد هذه الجملة الاعتراضية من الكلام الإلهي قال تعالى مواصلاً ذكر مظاهر ربوبيته تعالى على خلقه.
{وهو الذي مرج البحرين} الملح والعذب أي أرسلهما مع بعضهما بعضاً {هذا عذب فرات} أي حلو {سائغ شرابه، وهذا ملح2 أجاج} أي لا يشرب {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} أي ساتراً مانعاً من اختلاط العذب بالملح مع وجودهما في مكان واحد، فلا يبغي هذا على هذا بأن يعذب الملح أو يملح العذب. وقوله تعالى {وهو الذي خلق من الماء بشراً} أي من المني ونطفته خلق الإنسان وجعله ذكراً وأنثى وهو معنى قوله {نسباً وصهراً3} أي ذوي نسب ينسب إليهم وهم الذكور، وذوات صهر يصاهر بهن وهن الإناث. وقوله تعالى {وكان ربك قديراً} أي على فعل ما يريده من الخلق والإيجاد أو التحويل والتبديل، والسلب والعطاء هذه مظاهر الربوبية المقتضية لعبادته وتوحيده والمشركون يعبدون من دونه أصناماً لا تنفعهم إن عبدوها، ولا تضرهم إن لم يعبدوها وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم فيعبدون الشيطان إذ هو الذي زين لهم عبادة الأصنام وبذلك كان الكافر على ربه ظهيرا إذ بعبادته للشيطان يعينه على معصية الرب تبارك وتعالى وهو معنى قوله تعالى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا أي معيناً للشيطان على الرحمن والعياذ بالله تعالى.
وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك لغير بشارة المؤمنين بالجنة ونذارة الكافرين بالنار أما هداية القلوب فهي إلينا من شئنا هدايته
اهتدى ومن لم نشأها ضل. إلا أن الله يهدي ويضل حسب سنن له قد مر ذكرها مرات4.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- الإشارة إلى الحكمة في عدم تعدد الرسل في زمن البعثة المحمدية والاكتفاء بالرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- حرمة طاعة الكافرين في أمور الدين والشرع.
3- من الجهاد جهاد الكفار والملاحدة بالحجج القرآنية والآيات التنزيلية.
4- مظاهر العلم والقدرة الإلهية في عدم اختلاط البحرين مع وجودهما في مكان واحد. وفي خلق الله تعالى الإنسان من ماء وجعله ذكراً وأنثى للتناسل وحفظ النوع.
5- التنديد بالمشركين والكافرين المعينين للشيطان على الرحمن.
__________

1 ولا يخالطه فتور، وقيل الجهاد بالسيف ويرده أن السورة مكية ولم يجر للسيف ذكر فكيف يكون المراد، وقيل: بالإسلام وهو أولى من السيف والقرآن اصح، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
2 الملح يوصف به الماء، ولا يقال مالح إلاّ نادراً والأجاج ما كان ملحاً مراً والعذب. الحلو والفرات: زائد الحلاوة، والبرزخ: الحاجز المانع والحرام المحرم أن يعذب الملح أو يملح العذب.
3 صهر الرجل: قريب زوجته وأصهاره: أقارب زوجته. وختن الرجل من تزوج قريبته، وأختانه: أقارب من زوّجه قريبته، والحم والجمع أحماء أقرباء زوج المرأء, والصهر والنسب: معنيان يَعُمّان كل قربى تكون بين آدميين، قال ابن العربي النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع وما في التفسير أوضح لأنه كقوله تعالى: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} .
4 من سنن الله تعالى في الهداية والإضلال, أن من طلب الهداية ورغب فيها وسألها من ربه تعالى ولازم الطلب هداه الله, ومن رغب عن الهداية وطلب الغواية وسلك مسالكها مفضلا لها على الهداية وأصر على ذلك أضله الله والعياذ بالله.
*********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:11 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)

شرح الكلمات:
عليه من أجر: أي على البلاغ من أجر اتقاضاه منكم.
سبيلا: أي طريقاً يصل به إلى مرضاته والفوز بجواره، وذلك بإنفاق ماله في سبيل الله.
وسبح بحمده: أي قل سبحان الله وبحمده.
في ستة أيام: أي من أيام الدنيا التي قدرها وهي الأحد ... والجمعة.
ثم استوى على العرش: العرش سرير الملك والاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب.
فاسأل به خبيراً: أي أيها الإنسان إسأل خبيراً بعرش الرحمن ينبئك فإنه عظيم.
وزادهم نفوراً: أي القول لهم اسجدوا للرحمن زادهم نفوراً من الإيمان.
جعل في السماء بروجاً: هي إثنا عشر برجاً انظر تفصيلها في معنى الآيات.
سراجاً: أي شمساً.
خلفة: أي يخلف كل منهما الآخر كما هو مشاهد.
أن يذكر: أي ما فاته في أحدهما فيفعله في الآخر.
أو أراد شكوراً: أي شكراً لنعم ربه عليه فيهما بالصيام والصلاة.
معنى الآيات:
بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة للألوهية أمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين ما أسألكم على هذا البيان الذي بينت لكم ما تعرفون به إلهكم الحق فتعبدونه وتكملون على عبادته وتسعدون أجراً أي مالاً، لكن من شاء أن ينفق من ماله في وجوه البر والخير يتقرب به إلى ربه فله ذلك ليتخذ1 بنفقته في سبيل الله طريقاً إلى رضا ربه عنه ورحمته له.
وقوله {وتوكل2 على الحي الذي لا يموت} يأمر تعالى رسوله أن يمضي في طريق
دعوته مبلغاً عن ربه داعياً إليه متوكلاً عليه أي مفوضاً أمره إليه إذ هو الحي الذي لا يموت وغيره يموت، وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح فقال {وسبح بحمده} أي قل سبحان الله وبحمده، وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلاة وسائر العبادات فإنها العون الكبير للعبد على الثبات والصّبر. وقوله تعالى {وكفى به بذنوب عباده خبيراً} أي فلا تكرب لهم ولا تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم محص عليهم أعمالهم وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله. ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما3 في ستة أيام} مقدرة بأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة، ثم استوى على العرش العظيم استواء يليق بجلاله وكماله. {الرحمن} الذي عمًت رحمته العالمين {فاسأل به خبيراً} أي فاسأل يا محمد4 بالرحمن خبيراً بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلال وكمال نفسه لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} أي وإذا قال لهم الرسول أيها المشركون اسجدوا للرحمن ولا تسجدوا لسواه من المخلوقات. قالوا منكرين متجاهلين {ما الرحمن5؟} أنسجد لما تأمرنا أي أتريد أن تفرض علينا طاعتك {وزادهم} هذا القول {نفوراً} ، أي بعداً واستنكاراً للحق والعياذ بالله تعالى. وقوله تعالى {تبارك الذي جعل في السماء بروجاً} أي تقدس وتنزه أن يكون له شريك في خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجاً وهي منازل الكواكب السبعة السيارة فلذا سميت بروجاً جمع برج وهو القصر الكبير وتعرف هذه البروج الاثنا عشر بالحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. والكواكب السبعة السيارة هي: المريخ، والزهرة وعطارد، والقمر، والشمس، والمشتري، وزحل. فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها.
وقوله تعالى {وجعل فيها سراجاً} هو الشمس {وقمراً منيراً} 6 هو القمر أي تعاظم وتقدس الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وقوله {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة7} أي يخلف بعضهما بعضاً فلا يجتمعان أبداً وفي ذلك من المصالح والفوائد مالا يقادر قدره ومن ذلك أن من نسي عملاً بالنهار يذكره في الليل فيعمله، ومن نسي عملاً بالليل يذكره بالنهار فيعمله8, وهو معنى قوله {لمن أراد أن يذكر} وقوله {أو أراد شكوراً} فإن الليل والنهار ظرفان للعبادة الصيام بالنهار والقيام بالليل فمن أراد أن يشكر الله تعالى على نعصه فقد وهبنا له فرصة لذلك وهو الليل للتهجد والقيام والنهار للجهاد والصيام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- دعوة الله ينبغي أن لا يأخذ الداعي عليها أجراً ممن يدعوهم9 إلى الله تعالى ومن أراد أن يتطوع من نفسه فينفق في سبيل الله فذلك له.
2- وجوب التوكل على الله فإنه الحي الذى لا يموت وغيره يموت.
3- وجوب التسبيح والذكر والعبادة وهذه هي زاد العبد وعدته وعونه.
4- مشروعية السجود عند قوله تعالى وزادهم نفوراً للقارىء والمستمع10.
5- صفة استواء الرحمن على عرشه فيجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله وكماله
ويحرم تأويلها بالاستيلاء والقهر ونحوهما.
6- الترغيب في الذكر والشكر، واغتنام الفرص للعبادة والطاعة.
__________

1 وجائز أن يكون {اتخذ إلى ربه سبيلا} بإتباع ديني أي: الإسلام حتى ينال كرامة الدنيا والآخرة والإنفاق في سبيل الله تعالى داخل فيه، والحمد لله.
2 التوكل معناه: اعتماد القلب على الله تعالى في كل الأمور مع إتيان الأسباب المشروعة للبلوغ إلى المطلوب مما هو خير ومعروف وأمر إدراك المطلوب إلى الله تعالى مع الرضا بما يتم من ربح أو خلافه ونجاح وغيره.
3 قال {بينهما} ولم يقل بينهن لأنه أراد الصنفين أو النوعين أو الشيئين وهو أخص من كلمة بينهن وأخف على اللسان والمقصود ظاهر بكل من العبارتين جمع أو تثنية.
4 رجح بعضهم أن الباء هنا بمعنى عن أي: اسأل عن الرحمن خبيرا واستشهد بقول الشاعر:
فإن سألوني بالنساء فإنني
خبير بأدواء النساء طبيب
فقوله بالنساء أي: عن النساء. ورأي ابن كثير أن المسؤول هنا هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه أعرف الخلق بالخالق وبعزته وعظمته جل جلاله.
5 إنهم بجهلهم أنكروا اسم الرحمن لله, وقالوا: يأمر بعبادة إله واحد وهو يدعو الله ويدعو الرحمن فأنزل الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} الإسراء.
6 قرىء فى الشاذ قُمرا بضم القاف وإسكان الميم وصاحب القراءة هو عصمة الذي يروي القراءات قال فيه أحمد بن حنبل: لا تكتبوا عنه وقد أولع أبو حاتم بالرواية عنه مع الأسف.
7 الخلفة: كل شيء بعد شيء ومنه قيل لليل والنهار خلفة لأن كلا منهما يخلف الثاني إذا ذهب ومنه قيل لورق النبات الذي يخلف الورق الأول خلفة ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤهن ينهض من كل مجثم
خلفة: هذه تذهب وتلك تأتي. والعين: جمع عيناء وأعين: واسعات العيون والمراد بقر الوحش والأطلاء: جمع طلا: ولد البقرة وولد الظبية الصغير، والمجثم: موضع الجثوم: أي المقام.
8 روى مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما لمن صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل".
9 لو أعطي الداعي إلى الله تعالى من أوقاف وقفت لهذا الغرض أو أعطي من بيت المال ما يسد به خلته ويقضي به حاجته فأخذ فلا حرج.
10 هذه السجدة من عزائم السجدات فلا ينبغي أن يتركها القارىء ولا المستمع.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:12 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (7)
الحلقة (633)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 627الى صــــ 634)

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
شرح الكلمات:
يمشون على الأرض هوناً: في سكينة ووقار.
وإذا خاطبهم الجاهلون: أي بما يكرهون من الأقوال.
قالوا سلاماً: أي قولاً يسلمون به من الإثم، ويسمى هذا سلام1 المتاركة.
سجداً وقياماً: أي يصلون بالليل سجداً جمع ساجد.
إن عذابها كان غراماً: أي عذاب جهنم كان لازماً لا يفارق صاحبه.
إنها ساءت مستقراً ومقاماً: أي بئست مستقراً وموضع إقامة واستقرار.
لم يسرفوا ولم يقتروا: أي لم يبذروا ولم يضيقوا.
وكان بين ذلك قواماً: أي بين الإسراف والتقتير وسطاً.
التي حرم الله: وهي كل نفس آدمية إلا نفس الكافر المحارب.
إلا بالحق: وهو واحد من ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل ظلم وعدوان.
يلق أثاماً: أي عقوبة شديدة.
يبدل الله سيئاتهم حسنات: بأن يمحو بالتربة سوابق معاصيهم، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم.
معنى الآيات:
لما أنكر المشركون الرحمن {قالوا وما الرحمن} وأبوا أن يسجدوا للرحمن، وقالوا أن محمداً ينهانا عن الشرك وهو يدعو مع الله الرحمن فيقول يا الله يا رحمن، ناسب لتجاهلهم هذا الاسم الرحمن أن يذكر لهم صفات عباد الرحمن ليعرفوا الرحمن بعباده على حد "خيركم من إذا رُؤي ذُكر الله" فقال تعالى {وعباد الرحمن2} ووصفهم بثمان صفات وأخبر عنهم بما أعده لهم من كرامة يوم القيامة. الأولى في قوله {الذين يمشون على الأرض هوناً3} أي ليسوا جبابرة متكبرين، ولا عصاة مفسدين ولكن يمشون متواضعين عليهم السكينة والوقار، {وإذا خاطبهم الجاهلون} أي السفهاء بما يكرهون من القول قالوا قولاً يسلمون4 به من الإثم فلم يردوا السيئة بالسيئة ولكن بالحسنة.
الثانية: في قوله {والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً} أي يقضون ليلهم بين السجود
والقيام يصفون أقدامهم ويذرفون دموعهم على خدودهم خوفاً من عذاب ربهم.
والثالثة: في قوله {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم} إنهم لقوة يقينهم كأنهم شاعرون بلهب جهنم يدنو من وجوههم فقالوا {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} أي مُلحاً لازماً لا يفارق صاحبه، {إنها ساءت} أي جهنم {مستقراً ومقام} أي بئست موضع إقامة واستقرار.
والرابعة: في قوله {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} في إنفاقهم فيتجاوزوا الحد المطلوب منهم، ولم يقتروا فيقصروا في الواجب عليهم وكان إنفاقهم بين الإسراف والتقتير قواماً أي عدلاً وسطاً.
والخامسة: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} أي لا يسألون غير ربهم قضاء حوائجهم كما لا يشركون بعبادة ربهم أحداً {ولا يقتلون النفس التي حرم الله} قتلها وهي كل نفس آدمية ما عدا نفس الكافر المحارب فإنها مباحة القتل غير محرمة. {إلا بالحق} وهو واحدة من ثلاث خصال بينها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الصحيحين "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" {ولا يزنون} أي لا يرتكبون فاحشة الزنا والزنا نكاح على غير شرط النكاح المباح وقوله تعالى {ومن يفعل ذلك} هذا كلام معترض بين صفات عباد الرحمن. أي ومن يفعل ذلك المذكور من، الشرك بدعاء غير الرب أو قتل النفس بغير حق، أو زنا {يلق اثاماً} 5 أي عقاباً {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه} أي في العذاب {مهاناً} مخزياً ذليلاً، وقوله تعالى {إلا من تاب} من الشرك وآمن بالله وبلقائه وبرسوله وما جاء به من الدين الحق {وعمل صالحاً} من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام {فأولئك} المذكورون أي التائبون {يبدل الله سيئاتهم حسنات} أي يمحو سيآتهم بتوبتهم ويكتب لهم مكانها صالحات أعمالهم وطاعاتهم بعد توبتهم {وكان الله غفوراً رحيماً} ذا مغفرة للتائبين من عباده ذا رحمة بهم فلا يعذبهم بعد توبته عليهم، وقوله {ومن تاب} من غير هؤلاء المذكورين أي رجع إلى الله تعالى بعد غشيانه الذنوب
{وعمل صالحاً} بعد توبته {فإنه يتوب إلى الله متاباً} أي يرجع إليه تعالى مرجعاً مرضياً حسناً فيكرمه وينعمه في دار كرامته.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان صفات عباد الرحمن الذين بهم يعرف الرحمن عز وجل.
2- فضيلة التواضع والسكينة في المشيء والوقار.
3- فضيلة رد السيئة بالحسنة والقول السليم من الإثم.
4- فضيلة قيام6 الليل والخوف من عذاب النار.
5- فضيلة الاعتدال والقصد في7 النفقة وهي حسنة بين السيئتين.
6- حرمة الشرك وقتل النفس8 والزنى وأنها أمهات الكبائر.
7- التوبة تجب4 ما قبلها. والندب إلى التوبة وأنها مقبولة مالم يغرغر.
__________

1 سلام المتاركة: هو أن يقول قولاً يسلم به من أذى الجاهل وذلك بأن يدفعه بالتي هي أحسن من الكلمات.
2 {وعباد الرحمن} مبتدأ والخبر: إن أريد بهم أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة فالخبر: {الذين يمشون} وما بعده نعوت لهم وصفات، وإن أريد بهم عامة المؤمنين فالخبر: {أولئك يجزون الغرفة} والصلات الثمانية: صفات ونعوت لهم. وهذا الراجح.
3 الهون: اللين والرفق، والمشي الهون: هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام وخفق النعال فهو غير مشي المتكبرين المعجبين بنفوسهم، وعباد الرحمن يمشون وعليهم السكينة والوقار وفى الحديث: "أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالايضاع وهو السير مثل الخبب" إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا زال زال تقلعاً ويخطو تكفؤا ويمشي هونا ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، قيل: نعم هو كما وصف فالتقلع معناه رفع الرجل بقوة حتى لا يمشي مشية المتمسكن الذليل والذريع، الواسع الخطا ومعناه أنه كان يرفع رجله بسرعة ويوسع خطوه كأنما ينحط من صبب فأين هذا الهون المحمدي في المشي من الاختيال والتمايل إعجاباً بالنفس وضرب الأرض كأنما يريد أن يخرقها بنعله. والله تعالى قال: {ولا تمش في الأرض مرحا} والمرح: هو مشيُ الخيلاء، والفجر، وقال: {إنك لن تخرق الأرض} أي بضربك إياها برجليك بشدة. {ولن تبلغ الجبال طولا} مهما حاولت العلو والارتفاع.
4 هذا كقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} .
5 الأثام: قيل فيه إنه واد في جهنم: قال الشاعر:
لقيت المهالك في حربنا
وبعد المهالك نلقي أثاما
وقيل الأثام: العقاب كما في التفسير وشاهده قول الشاعر:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى
عقوقاً والعقوق له أثام
أي: جزاء وعقوبة.
6 أنشد بعضهم الأبيات التالية في صفة أولياء الله جعلنا الله منهم: فقال:
لله قوم أخلصوا في حبه
فرضي بهم واختصهم خدّاما
قوم إذا جن الظلام عليهم
باتوا هنالك سجداً وقياما
خمص البطون من التعفف ضمرا
لا يعرفون سوى الحلال طعاماً
7 روي أن عبد الملك بن مروان سأل بنته فاطمة وهي تحت ابن أخيه عمر بن عبد العزيز وقد زارهما بالمدينة فقال لها كيف نفقتكم؟ فقالت: الحسنة بين السيئتين. تعني قول الله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} وقيل: المسؤول زوجها عمر وهو الذي أجاب والله أعلم وفي الحديث: {إن من السرف أن تأكل كل ما تشتهي} .
8 روى مسلم أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال ثم أي: قال: أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تصديقها {الذين لا يدعون مع الله إله آخرا} إلى {ولا يزنون} .
9 وفي الحديث الصحيح: "اتق الله حيثما كنت وأتتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" والشاهد: {إن الحسنات يذهبن السيئات} .

*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:13 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
شرح الكلمات:
لا يشهدون الزور: أي لا يحضرون مجالسه ولا يشهدون بالكذب والباطل.
وإذا مروا باللغو: أي بالكلام السيء القبيح وكل مالا خير فيه.
مروا كراماً: أي معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن سماعه أو المشاركة، فيه.
وإذا ذكروا بآيات ربهم: أي إذا وعظوا بآيات القرآن.
لم يخروا عليها صماً وعمياناً: أي لم يطأطئوا رؤوسهم حال سماعها عمياً لا يبصرون ولا صماً لا يسمعون بل يصغون يسمعون ويعون ما تدعو إليه ويبصرون ما تعرضه.
قرة أعين: أي ما تقر به أعيننا وهو أن تراهم1 مطيعين لك يعبدونك وحدك.
واجعلنا للمتقين إماماً: أي من عبادك الذين يتقون سخطك بطاعتك قدوة يقتدون بنا في الخير.
يجزون الغرفة: أي الدرجة العليا في الجنة.
بما صبروا: أي على طاعتك بامتثال الأمر واجتناب النهي.
حسنت مستقرا ًومقاماً: أي صلحت وطابت مستقراً لهم أي موضع استقرار.
وإقامة.
ما يعبأ بكم ربي: أي ما يكثرث ولا يعتد بكم ولا يبالي.
لولا دعاؤكم: إياه، ودعاؤه إياكم لعبادته بذكره وشكره.
فسوف يكون لزاماً: أي العذاب لازماً أي لازماً لكم في بدر ويوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر صفات عباد الرحمن الذي تجاهله المشركون وقالوا: وما الرحمن فها هي ذي صفات عباده دالة عليه وعلى جلاله وكماله، وقد مضى ذكر خمس صفات:
والسادسة: في قوله تعالى {والذين لا يشهدون الزور} 2 الزور هو الباطل والكذب وعباد الرحمن لا يحضرون مجالسه ولا يقولونه ولا يشهدونه ولا ينطقون به {وإذا مروا باللغو} 3 وهو كل عمل وقول لا خير فيه {مروا4 كراماً} أي مكرمين أنفسهم من التلوث به، بالوقوع فيه.
والسابعة: في قوله تعال {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم} أي إذا ذكرهم أحد بآيات القرآن كتاب ربهم عز وجل لم يحنوا رؤوسهم عليها صماً حتى لا يسمعوا مواعظها ولا عمياناً حتى لا يشاهدوا آثار آياتها بل يحنون رؤوسهم سامعين لها واعين لما تقوله وتدعو إليه مبصرين آثارها مشاهدين وقائعها متأثرين بها.
والثامنة: في قوله تعالى {والذين يقولون} أي في دعائهم {ربنا هب لنا} أي أعطنا {من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين5} أي ما تقر به أعيننا وذلك بأن نراهم يتعلمون الهدى ويعملون به طلباً لمرضاتك يا ربنا {واجعلنا للمتقين} من عبادك الذين يتقون سخطك بطاعتك بفعل أمرك وأمر رسولك واجتناب نهيك ونهي رسولك {واجعلنا للمتقين إماما} 6 أي قدوة صالحة يقتدون بنا في الخير يا ربنا. قال تعالى مخبراً عنهم بما أنعم به عليهم: {أولئك} أي السامون أنفساً العالون أرواحاً {يجزون الغرفة} وهي الدرجة العليا في الجنة {بما صبروا} على طاعة مولاهم، وما يلحقهم من أذى في ذات ربهم {ويلقون فيها} أي تتلقاهم الملائكة بالتهاني والتحيات {تحية وسلاماً} أي بالدعاء بالحياة السعيدة والسلامة من الآفات إذ هي حياة بلا ممات، وسعادة بلا منغصات. وقوله تعالى {خالدين فيها} أي في تلك الغرفة في أعلى الجنة {حسنت مستقراً} أي طابت موضع إقامة واستقرار. إلى هنا انتهى الحديث عن صفات عباد الرحمن وبيان جزائهم عند ربهم. وقوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} أي قل يا رسولنا لأولئك المشركين المنكرين للرحمن {ما يعبأ بكم ربي} أي ما يكترث لكم أو يبالي بكم {لولا دعاؤكم} إياه أي عبادة من7 يعبده منكم إذ الدعاء هو العبادة ما أبالي بكم ولا أكترث لكم. أما وقد كذبتم بي وبرسولي فلم تعبدوني ولم توحدوني وإذاً {فسوف يكون} العذاب8 {لزاماً} وقد أذقتموه يوم بدر، وسوف يلازمهم في قبورهم إلى نشورهم، وسوف يلاحقهم حتى مستقرهم في جهنم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة شهود الزور9 حرمة شهادته.
2- فضيلة الإعراض عن اللغو فعلاً كان أو قولاً.
__________

1 أي: أعيننا.
2 قيل في الزور: إنه كل باطل زور وزخرف وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد وقال ابن عباس: إنه أعياد المشركين وقال عكرمة: اللعب كان في الجاهلية يسمى الزور، وقال مجاهد: الغناء: ويطلق اليوم على التصوير والصور إذ هو الزور والكذب قطعاً. والحكم في شاهد الزور أن يجلد أربعين جلدة ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطاف به في السوق بهذا حكم عمر رضي الله عنه. وتسخيم الوجه أن يسود بالفحم.
3 اللغو: كل سقط من قول أو فعل فيدخل فيه الغناء واللهو وذكر النساء وغير ذلك من المنكر، وقال بعضهم اللغو كل قول أو عمل لم يحقق لك درهما لمعاشك ولا حسنة لمعادك.
4 كراماً: أي معرضين منكرين لا يرضونه ولا يمالئون عليه ولا يجالسون أهله.
5 قرة العين مأخوذ من القرّ وهو البرد إذ دموع الفرح باردة ودموع الحزن حارة قال الشاعر:
فكم تسخنت بالأمس عين قريرة
وقوت عيون دمعها اليوم ساكب
ومن ثم قالوا في الدعاء: اقر الله عينك أي: أفرحك.
6 وحّد إماما ولم يجمعه {أئمة} لأن الإمام مصدر كالقيام والصيام أم القوم يؤمهم فهو إمام لهم، والمصدر يطلق فيدل على الواحد والجمع وجائز أن يراد أئمة كقول الرجل أميرنا هؤلاء ومنه قول الشاعر:
يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي
إن العواذل لسن لي بأمير
7 إذ كانوا يدعونه تعالى في حال الشدة وعلى هذا فالمصدر مضاف إلى الفاعل و {إياه} معمول للدعاء.. المصدر، وجائز أن يكون معناه لولا دعاؤه إياكم لعبادته بذكره وشكره فيكون المصدر الذي هو الدعاء مضافاً إلى مفعوله وجواب لولا محذوف تقديره لم يعبأ بكم.
8 قال الطبري: معناه عذاباً دائماً لازماً. وقيل: فقد كذبتم فسوف يكون تكذيبكم لزاماً لكم أي: جزاؤه وهو العذاب لهم والمعنى واحد وهو لزوم العذاب لهم من اجل تكذيبهم الذي منعهم من تزكية نفوسهم بالإيمان وصالح الأعمال.
9 وفي الصحيح: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس وقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت".



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:13 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (1)
الحلقة (634)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 635الى صــــ 641)

سورة الشعراء
مكية
وآياتها مائتان وسبع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)

شرح الكلمات:
طسم: الله أعلم بمراده بذلك.
الكتاب المبين: أي القرآن المبين للحق من الباطل
باخع نفسك: أي قاتلها من الغم.
ألا يكونوا مؤمنين: أي من أجل عدم إيمانهم بك.
آية: أي نخوفهم بها.
من ذكر: أي من قرآن.
معرضين: أي غير ملتفتتين إليه.
زوج كريم: أي صنف حسن.
العزيز: الغالب على أمره ومراده.
الرحيم: بالمؤمنين من عباده.
معنى الآيات:
طسم هذه أحد الحروف المقطعة تكتب طسم، وتقرأ طا سين ميم بإدغام النون من سين في الميم الأولى من ميم والله أعلم بمراده منها. وفيها إشارة إلى أن القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف وعجز العرب عن تأليف مثله بل سورة واحدة من مثله دال قطعاً على أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله {تلك آيات الكتاب1} أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب أي القرآن المبين للحق أي المبين للحق من الباطل والهدى من الضلال، والشرائع والأحكام. وقوله تعالى {لعلك باخع نفسك} أي قاتلها ومهلكها {ألا يكونوا مؤمنين} أي إن لم يؤمن بك وبما جئت به قومك، فأشفق على نفسك يا رسولنا ولا تعرضها للغم القاتل فإنه ليس عليك هدايتهم وإنما عليك البلاغ وقد بلغت، إنا لو أردنا هدايتهم بالقسر والقهر لما عجزنا عن ذلك {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم2 لها خاضعين} أي إنا لقادرون على أن ننزل عليهم من السماء آية كرفع جبل أو إنزال كوكب أو رؤية ملك فظلت أي فتظل طوال النهار أعناقهم خاضعة، تحتها تتوقع في كل لحظة نزولها عليهم فتهلكهما فيؤمنوا حينئذ إيمان قسر وإكراه ومثله لا ينفع صاحبه فلا يزكي نفسه ولا يطهر روحه لأنه غير إرادي له ولا اختياري.
وقوله تعالى {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن3 محدث} أي وما يأتي قومك المكذبين لك من موعظة قرآنية وحجج وبراهين تنزيلية تدل على صدقك وصحة دعوتك ممّا يحدثه الله إليك ويوحي به إليك لتذكرهم به إلا أعرضوا فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
وقوله تعالى: {فقد كذبوا به} 4 يخبر تعالى رسوله بأن قومه قد كذبوا بما أتاهم من ربهم من ذكر محدث وعليه {فسيأتيهم أنباء} أي أخبار {ما كانوا به يستهزئون} وهو عذاب الله تعالى الذي كذبوا برسوله ووحيه وجحدوا توحيده وأنكروا طاعته وفي الآية وعيد شديد وهم عرضة له في أية لحظة إن لم يتوبوا.
وقوله تعالى {أولم5 يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} إن كانت علة هذا التكذيب من هؤلاء المشركين هي إنكارهم للبعث والجزاء وهو كذلك فلم لا ينظرون إلى الأرض الميتة بالقحط ينزل الله تعالى عليها ماء من السماء فتحيا به بعد موتها فينبت الله فيها من كل زوج أي صنف من أصناف النباتات كريم أي حسن. أليس في ذلك آية على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم وحشرهم للحساب والجزاء، فلم لا ينظرون؟ {إن في ذلك لآية} أي علامة واضحة للمشركين على صحة البعث والجزاء. ففي إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم. وقوله تعالى {وما كان أكثرهم مؤمنين6} يخبر تعالى أن فيما ذكر من إنباته أصناف النباتات الحسنة آية على البعث والحياة الثانية ولكن قضى الله أزلاً أن أكثر هؤلاء المشركين لا يؤمنون وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم7} يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وإن ربك لهو العزيز} أي الغالب على أمره المنتقم من أعدائه {الرحيم} بأوليائه فاصبر لحكمه وتوكل عليه وواصل دعوتك في غير غم ولا هم ولا حزن وإن العاقبة للمؤمنين بك المتبعين لك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن القرآن الكريم معجز لأنه مؤلف من مثل طا سين ميم ولم يستطع أحد أن يؤلف مثله.
2- بيان ما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناله من الغم والحزن وتكذيب قومه له.
3- بيان أن إيمان المكره لا ينفعه، ولذا لم يكره الله تعالى الكفار على الإيمان بواسطة الآيات.
4- التحذير من عاقبة التكذيب بآيات الله وعدم الاكتراث بها.
5- في إحياء الأرض بالماء وإنبات النباتات المختلفة فيها دليل على البعث الآخر.
__________

1 {تلك آيات الكتاب} قال القرطبي رفع على إضمار مبتدأ أي: هذه تلك.. الخ وما في التفسير أولى أي: هي آيات الكتاب.
2 لأنهم إذا ذلت أعناقهم ذلوا ولا داعي إلى أن يقال: أعناقهم: كبراؤهم ورؤساؤهم وإن ساغ لغة، إذ المراد أن ينزل عليهم آية تخضعهم وتذلهم رؤساء ومرؤوسين، والأعناق جمع عنق بضم العين والنون وهو الرقبة ولما كانت الأعناق هي مظهر الخضوع أسند الخضوع إليها ومقتضى ظاهر الكلام هو فضلوا لها خاضعين بأعناقهم، وعدل عنه إلى إسناد الخضوع إلى الأعناق لأنه يحمل الإشارة إلى خضوع رؤسائهم الحاملين على الكفر والعناد وهذا من بليغ الكلام وبديعه.
3 {محدث} أي: مستجد متكرر بعضه يعقب بعضاً ويؤيده.
4 {فقد كذبوا} الفاء هي الفصيحة أفصحت عن تكذيبهم الناتج عن إعراضهم والفاء في فسيأتيهم للتعقيب والأنباء جمع نبأ وهو الخبر ذو الشأن, والجملة تحمل التهديد والوعيد الشديد.
5 الاستفهام إنكاري والهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة عليه نحو: اعملوا ولم يروا. الرؤية: معناها النظر بالعين، ولذا عدّي الفعل بإلى. والزوج: النوع، والكريم: النفيس في نوعه وكم: للتكثير ومن للتبعيض.
6 المراد ممن نفى الإيمان عن أكثرهم هم: أكابر مجرمي مكة إذ أكثرهم مات كافراً أما غيرهم فندر من لم يؤمن منهم إذ دخلوا في دين الله بعد الفتح أفواجاً.
7 الجملة تعليلية تضمنت التذكير بعزّة الله تعالى ورحمته فذوا العزة قادر على أن ينزل عذابه بأعدائه وذو الرحمة قادر على رحمة أوليائه كما أن هناك إشارة إلى أن تخلف العذاب اقتضته رحمته سبحانه وتعالى.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:14 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
شرح الكلمات:
وإذ نادى ربك: أي اذكر لقومك يا رسولنا إذ نادى ربك موسى.
أن ائت: أي بأن ائت القوم الظالمين.
ألا يتقون: ألا يخافون الله ربهم ورب آبائهم الأولين ما لهم ما دهاهم؟
ويضيق صدري: أي من تكذيبهم لي.
ولا ينطلق لساني: أي للعقدة التي به.
فأرسل إلى هرون: أي إلى أخي هرون ليكون معي في إبلاع رسالتي.
ولهم عليّ ذنب: أي ذنب القبطي الذي قتله موسى قبل خروجه إلى مدين.
قال كلا: أي قال الله تعالى له كلا أي لا يقتلونك.
فاذهبا: أنت وهرون.
إنا رسول رب العالمين: أي إليك.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وإذ نادى ربك موسى} هذا بداية سلسة من القصص بدئت بقصه موسى وختمت بقصة شعيب وقصها على المشركين ليشاهدوا أحداثها ويعرفوا نتائجها
وهي دمار المكذبين وهلاكهم مهما كانت قوتهم وطالت أعمارهم قال تعالى في خطاب رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وإذ نادى ربك موسى} أي اذكر إذ نادي ربك موسى في ليلة باردة شاتية بالواد الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة {أن ائت1 القوم الظالمين قوم2 فرعون} إذ ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم {ألا يتقون} أي قل لهم ألا تتقون أي يأمرهم بتقوى ربهم بالإيمان به وتوحيده وترك ظلم عباده فالاستفهام معناه الأمر. وقوله تعالى {قال رب إني أخاف أن يكذبون} أي قال موسى بعد تكليفه رب إني أخاف أن يكذبون3 فيما أخبرهم به وأدعوهم إليه، {ويضيق صدري4} لذلك {ولا ينطلق لساني} للعقدة التي به، وعليه {فأرسل إلى هرون} أي جبريل يبلغه أن يكون معي معيناً لي على إبلاع رسالتي، وقوله {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} هذا قول موسى عليه السلام لربه تعالى شكا إليه خوفه من قتلهم له بالنفس5 التي قتلها أيام كان بمصر قبل خروجه إلى مدين فأجابه الرب تعالى {كلا6} أي لن يقتلوك. وأمرهما بالسير إلى فرعون فقال {فاذهبا بآياتنا} وهي العصا واليد {إنا معكم مستمعون} أي فبلغاه ما أمرتكما ببلاغه وإنا معكم مستمعون لما تقولان ولما يقال لكما {فأتيا فرعون فقولا له} عند وصولكما إليه {إنا رسول7 رب العالمين} أي نحمل رسالة منه مفادها أن ترسل معنا8 بني إسرائيل لنخرج بهم إلى أرض الشام التي وعد الله بها بني إسرائيل هذا ما قاله موسى وهرون رسولا رب العالمين أما جواب فرعون ففي الآيات التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إثبات صفة الكلام لله تعالى بندائه موسى عليه السلام.
2- لا بأس بإبداء التخوف عند الأقدام على الأمر الصعب ولا يقدح في الإيمان ولا في التوكل.
3- مشروعية طلب العون والمساعدة من المسئولين إذا كلفوا المرء بما يصعب.
__________

(أن) تفسيرية لأنها واقعة بعد النداء وهو قول.
2 قوم فرعون: بدل من الظالمين.
3 {أن يكذبون} : الأصل: أن يكذبوني فحذفت النون الأولى للناصب وهو أن فصارت يكذبونني ثم حذفت ياء الضمير لدلالة الكسرة عليها فصارت {يكذبون} .
4 قرأ الجمهور يضيق صدري ولا ينطلق لساني بالرفع للفعلين معاً على الاستئناف وقرىء بنصبهما لغير الجمهور.
5 المراد بالنفس: نفس القبطي واسمه فاثور.
6 {كلا} للردع والزجر عن هذا الظن.
7 لم يقل: رسولا إما لأن رسول بمعنى رسالة إنّا ذو رسالة رب العالمين وإما لأن الرسول بمعنى الجمع كالمصادر نحو. هذا عدوي وهؤلاء عدوي، والعرب تقول: هذان رسولي وهؤلاء رسولي.
8 قيل: أقام بنو إسرائيل في مصر أربعمائة سنة وكانوا يوم خرجوا منها ستمائة ألف.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:14 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (2)
الحلقة (635)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 641الى صــــ 645)


قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
شرح الكلمات:
قال: أي قال فرعون رداً على كلام موسى في السياق السابق.
ألم نريك فينا وليداً: أي في منازلنا وليدً أي صغيراً قريباً من أيام الولادة.
ولبثت فينا من عمرك سنين: أي أقمت بيننا قرابة ثلاثين سنة وكان موسى يدعى ابن فرعون لجهل الناس به ورؤيتهم له في قصره يلبس ملابسه ويركب مراكبه.
وفعلت فعلتك التي فعلت: أي قتلت الرجل القبطي.
وأنت من الكافرين: أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد.
وأنا من الضالين: إذ لم يكن عندي يومئذ من علم ربي ورسالته ما عندي الآن.
أن عبدت بني إسرائيل: أي هل تعبيدك لبني إسرائيل يعد نعمة فتمن بها علي؟
معنى الآيات:
ما زال السياق والحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن فرد فرعون على موسى بما أخبر تعالى به عنه في قوله {قال ألم نربك1 فينا وليداً} أي أتذكر معترفاً أنا ربيناك وليداً أي صغيراً وأنت في حال الرضاع {ولبثت فينا} أي في قصرنا مع الأسرة المالكة {سنين} ثلاثين سنة قضيتها من عمرك في ديارنا {وفعلت فعلتك (2) } أي الشنعاء {التي فعلت} وهي قتل موسى القبطي {وأنت من الكافرين} أي لنعمنا عليك الجاحد بها، كان هذا رد فرعون فلنستمع إلى رد موسى عليه السلام كما أخبر به الله تعالى عنه في قوله: {قال فعلتها إذاً} أي يومئذٍ {وأنا من الضالين} أي الجاهلين لأنه لم يكن قد علمني ربي ما علّمني الآن وما أوحى إليّ ولا أرسلني إليكم2 رسولاً {ففرت3 منكم لما خفتكم} من أجل قتلي النفس التي قتلت وأنا من الجاهلين {فوهب لي ربي حكماً} أي علماً نافعاً يحكمني دون فعل ما لا ينبغي فعله {وجعلني من المرسلين4} أي من أنبيائه ورسله إلى خلقه ثم قال له رداً على ما امتن به فرعون بقوله: {ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين} فقال {وتلك5 نعمة6} أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي {أن عبدت بني إسرائيل} أي استعبدتهم أي اتخذتهم عبيداً لك يخدمونك تستعملهم كما تشاء كالعبيد لك ولم تستعبدني أنا لاتخاذك إياي ولداً حسب زعمك فأين النعمة التي تمنها علي يا فرعون، نترك رد فرعون إلى الآيات التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات

1- قبح جريمة القتل عند كافة الناس مؤمنهم وكافرهم وهو أمر فطري.
2 - جواز التذكير بالإحسان لمن أنكره ولكن لا على سبيل الامتنان فإنه محبط للعمل.
3 - جواز إطلاق لفظ الضلال على الجهل كما قال تعالى {ووجدك ضالاً} كما قال موسى {وأنا من الضالين} أي الجاهلين قبل أن يعلمني ربي.
4- مشروعية الفرار من الخوف إذا لم يكن في البلد قضاء عادل، وإلا لما جاز الهرب من وجه العدالة.
__________

1 الاستفهام للتقرير ومعناه المنّ على موسى والاحتقار له.
2 الفعلة: المرة وبالكسر: الهيئة وقرأ الجمهور {فَعلتك} وهي المرة من الفعل، وشاهد الفعلة بالكسر للهيئة قول الشاعر:
كأن مشيتها من بيت جارتها
مَرّ السحابة لا ريث ولا عجل
يذكره بقتله القبطي تخويفاً له وتهديداً.
3 كان خروج موسى من مصر إلى أن عاد إليها أحد عشر عاماً إلا أشهرا.
4 أي فررت منكم إلى أرض مدين.
5 بناء على أنه قضى ثلاثين سنة في مصر وأحد عشر عاماً خارجها فقد نبيء على رأس الأربعين وهي سنة الله تعالى في الرسل.
6 حرف الاستفهام مقدر أي: أو تلك كما هو في التفسير والاستفهام إنكاري أي ينكر موسى على فرعون أن يكون استعباد بني إسرائيل نعمة تعدّ عليهم وهذا التقدير أولى من قول: "إن موسى اعترف لفرعون بنعمة التربية من حيث استعبد غيره وتركه هو لم يتعبده" ومن اعترض بأن همزة الاستفهام لا تحذف إذا لم يكن في الكلام أم الدالة عليها محجوج بشواهد كثيرة منها قول الشاعر:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها
وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة
تركتني هكذا وتنطلق
والشاهد في قوله: تركتني إذ الأصل: أتركتني فحذفت همزة الاستفهام مع عدم (أم) .

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:15 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
شرح الكلمات:
وما رب العالمين: أي الذي قلت إنك لرسوله من أي جنس هو؟
رب السموات والأرض وما بينهما: أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما.
إن كنتم موقنين: بأن السموات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات مخلوقة قائمة فخالقها ومالكها هو رب العالمين.
لمن حوله: أي من أشراف قومه ورجال دولته.
ألا تستمعون: أي جوابه الذي لم يطابق السؤال في نظره.
أو لو جئتك بشي مبين: أي أتسجنني ولو جئتك ببرهان وحجة على رسالتي.
فأت به إن كنت من الصادقين: أي فأت بهذا الشيء المبين إن كنت من الصادقين فيما تقول.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لما قال موسى {إني في رسول رب العالمين} في أول لحوار قال فرعون مستفسراً في عناد ومكابرة {وما رب1 العالمين} أي أيّ شيء هو أو من أي جنس من أجناس المخلوقات فأجابه موسى بما أخبر تعالى به عنه {قال رب2 السموات والأرض وما بينهما} إي خالق السموات والأرض وخالق ما بينهما. ومالك ذلك كله، إن كنتم موقنين بأن كل مخلوق لا بد له من خالق خلقه، وهو أمر لا تنكره العقول. وهنا قال فرعون في استخفاف وكبرياء لمن حوله من رجال دولته وأشراف قومه: {ألا تستمعون3} كأن ما قاله موسى أمر عجب أو مستنكر فعرف موسى ذلك فقال {ربكم ورب آبائكم الأولين} أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الكل مربوب له خاضع لحكمه وتصرفه. وهوا اغتاظ فرعون فقال {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} أراد أن ينال من موسى لأنه أغاظه بقوله {ربكم ورب آبائكم الأولين} فرد موسى أيضاً قائلاً {رب المشرق والمغرب وما بينهما} أي رب الكون كله {إن كنتم تعقلون} أي ما تخاطبون به ويقال لكم وفي هذا الجواب ما يتقطع له قلب فرعون فلذا رد بما أخبر به تعالى عنه في قوله {قال لئن اتخذت إلهاً غيري} أي رباً سواي {لأجعلنك من المسجونين} أي لأسجننك وأجعلك في قعر تحت الأرض مع المسجونين. فرد موسى عليه السلام قائلا {أو لو جئتك بشيء4 مبين} أي أتسجنني ولو جئت بحجة بينة وبرهان ساطع على صدقي فيما قلت وأدعوكم إليه؟ وهنا قال فرعون ما أخبر تعالى به {قال فأت به إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعي وتقول.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير الربوبية المقتضية للألوهية من طريق هذا الحوار ليسمع ذلك المشركون، وليعلموا أنهم مسبوقون بالشرك والكفر وأنهم ضالون.
2- سنة أهل الباطل أنهم يفجرون في الخصومة وفي الحديث "وإذا خاصم فجر"5.
3- أهل الكبر والعلو في الأرض إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد واستخدام القوة.
__________

1 لما غُلب فرعون في جداله لموسى استفهم بقوله: {فما رب العالمين} وهو استفهام عن جنس ولم يستفهم عن رب العالمين تجاهلاً منه ومكابرة فقال: {وما رب العالمين} وكان المطلوب أن يقول: ومن ربّ العالمين؟ ولكته العلو والتكبر.
2 لما علم موسى جهل فرعون وتجاهله أجابه بما يلقمه الحجر ويبطل دعواه في أن الربوبية تكون لبشر أو حجر فقال: {رب السموات ... } الخ.
3 استفهم اللعين استفهام تعجّب وتهكم مستخفاً بجواب موسى قائلا {ألا تسمعون} أي إلى قول هذا الذي زعم إبطال عقيدتكم وعقيدة آبائكم ولذا أجاب موسى بتقرير جوابه الأول وهو مفحم مبطل لدعوى ربوبية فرعون.
4 في جواب موسى عليه السلام هذا تلطف بفرعون وطمع في إيمانه لما بهره به من الردود المحكمة والإجابات المفحمة.
5 نّص الحديث الشريف كما هو في الصحيح: "أربع مَنْ كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:16 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (3)
الحلقة (636)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 645الى صــــ 652)

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
شرح الكلمات:
ثعبان مبين: أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان لا شك.
ونزع يده: أي أخرجها من جيبه بعد أن أدخلها فيه.
لساحر عليم: أي متفوق في علم السحر.
أرجه وأخاه: أي أخرّ أمرهما.
حاشرين: أي جامعين للسحرة.
سحار عليم: أي متفوق في الفن أكثر من موسى.
يوم معلوم: هو ضحى يوم الزينة عندهم.
هل أنتم مجتمعون: أي اجتمعوا كي نتبع السحرة على دينهم إن كانوا هم الغالبين.
وإنكم إذاً لمن المقربين: أي لكم الأجر وهو الجعل الذي جعل لهم وزادهم مزية القرب منه.
معنى الآيات
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لقد تقدم في السياق أن فرعون طالب موسى بالإتيان بالآية أي الحجة على صدق دعواه وهاهو ذا موسى عليه السلام يلقي عصاه أمام فرعون وملائه فإذا هي ثعبان ظاهر لا شك فيه، وأخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين لا يشك في بياضها وأنه بياض خارق للعادة هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (32) والثانية (33) {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان1 مبين، ونزع يده فإذا هي2 بيضاء للناظرين} واعترف فرعون بأن ما شاهده من العصا واليد أمر خارق للعادة ولكنه راوغ فقال {إن هذا} أي موسى {لساحر عليم} أي ذو خبرة بالسحر وتفوق فيه قال هذا للملأ حوله كما قال تعالى عنه {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم} وقوله تعالى عنه {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} قال فرعون هذا تهيجاً للملأ ليثوروا ضد موسى عليه السلام وهذا من المكر السياسي إذ جعل القضية سياسية بحتة وأن موسى يريد الاستيلاء على الحكم والبلاد ويطرد أهلها منها بواسطة السحر، وقال لهم كالمستشير لهم {فماذا تأمرون؟} فأشاروا عليه بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا أرجه وأخاه} أي أخر أمرهما {وابعث في المدائن} أي مدن المملكة رجالاً {حاشرين} أي جامعين {يأتوك} أيها الملك {بكل سحار3 عليم} أي ذو خبرة في السحر متفوقة، وفعلاً أخذ بمشورة رجاله {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} أي لموعد معلوم وهو ضحى يوم العيد عندهم واستحثوا الناس على الحضور من كافة أنحاء البلاد وهو ما أخبر تعالى به في قوله {قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم} فجمع4 السحرة لميقات يوم معلوم، وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة} فنبقى على ديننا ولا نتبع موسى وأخاه على دينهما الجديد {إن كانوا} أي السحرة {هم الغالبين} وهذا من باب الاستحثاث والتحريض على الالتفات حول فرعون وملائه. وقوله تعالى {فلما جاء السحرة} أي من كافة أنحاء البلاد قالوا لفرعون ما أخبر تعالى به عنهم {أئن لنا لأجراً5} أي جعلاً {إن كنا نحن الغالبين؟} فأجابهم فرعون قائلاً {نعم وإنكم إذاً لمن6 المقربين} أي زيادة على الأجر مكافأة أخرى وهي أن تكونوا من المقربين لدينا، وفي هذا إغراء كبير لهم على أن يبذلوا أقصى جهدهم في الانتصار على موسى عليه السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إثبات المعجزات للأنبياء كمعجزة العصا واليد لموسى عليه السلام.
2- مشروعية استشارة الأمير رجاله في الأمور ذات البال.
3- ثبوت السحر وأنه فن من فنون المعرفة وإن كان تعلمه وتعليمه محرمين.
4- إعطاء المكافأة للفائزين في المباراة وغيرها ومن ذلك السباق في الإسلام.
__________

1 الثعبان: الحية الضخمة الطويلة،: و {مبين} بمعنى بيّن لا خفاء فيه ولا غموض {ونزع يده} أي أخرجها من قميصه بسرعة إذ هذا ما يدل عليه لفظ النزع, ولم يذكر المنزع منه لدلالة اللفظ عليه أي: من جيب قميصه.
2 إذا: هي الفجائية ومعنى: {للناظرين} أي: مما يقصده الناظرون لما فيه من العجب وكان جلد موسى أسمر وكانت اليد بيضاء فكان ذلك آية أخرى.
3 {سحار} فيه وصف ثابت دال على تعاطيه للمهنة ورسوخه فيها كنجار وخياط وبناء والوصف بعليم: فيه الحث على الإتيان بالمهرة من السحرة لعظم الموقف.
4 دلت الفاء على الفورية واللام كذلك في الميقات أي: لأول الوقت كقوله: {الصلاة لوقتها} أي: في أول وقتها، وقوله {للناس} المراد بالناس أهل بلاده، والاستفهام في {هل أنتم مجتمعون} للاستحثاث على الاجتماع.
5 سؤال السحرة الأجر إدلال بخبرتهم والتذكير بالحاجة إليهم لعلمهم بأن فرعون حريص على غلبهم لموسى، وخافوا أيضاً أن يستخدمهم فرعون بدون أجر لأن الحال حال التعبئة العامة للدفاع عن المعتقدات وأهلها فلذا شرطوا أجرهم قبل الشروع في العمل.
6 {إذاً} أي: إذا كنتم فعلا غالبين إنّ لكم لأجراً عظيماً.

**************************
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
شرح الكلمات:
ألقوا ما أنتم ملقون: أمرهم بالإلقاء توسلاً إلى ظهور الحق.
ما يأفكون: أي ما يقلبونه بتمويههم من أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى.
رب موسى وهرون: أي لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يأتي بواسطة السحر.
من خلاف: أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى.
ولأصلبنكم أجمعين: أي لأشدنكم بعد قطع أيديكم وأرجلكم من خلاف على الأخشاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن إنه بعد إرجاء السحرة فرعون وسؤالهم له: هل لهم من أجر على مباراتهم موسى إن هم غلبوا وبعد أن طمأنهم فرعون على الأجر والجائزة قال لهم موسى {ألقوا1 ما أنتم ملقون} من الحبال والعصي في الميدان {فألقوا حبالهم وعصيهم} وأقسموا بعزة فرعون إنهم هم
الغالبون وفعلاً انقلبت الساحة كلها حيات وثعابين حتى أوجس موسى في نفسه خيفة فأوحى إليه ربه تعالى أن ألق عصاك فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون. هذا معنى قوله تعالى في هذا السياق {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة2 فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} 3 ومعنى تلقف ما يأفكون أي تبتلع في جوفها من طريق فمها كل ما أفكه أي كذبه وافتراه السحرة بسحرهم من انقلاب الحبال والعصي حيات وثعابين، وقوله تعالى {وألقي السحرة ساجدين} أي أنهم لاندهاشهم وما بهرهم من الحق ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله تعالى مؤمنين به، فسئلوا عن حالهم تلك فقالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وهنا خاف فرعون تفلت الزمام من يده وأن يؤمن الناس بموسى وهرون ويكفروا به فقال للسحرة: {آمنتم به قبل أن آذن لكم} بذلك أي كيف تؤمنون بدون إذني؟ على أنه يملك ذلك منهم وهي مجرد مناورة مكشوفة، ثم قال لهم {إنه} أي موسى {لكبيركم الذي علمكم السحر} أي انه لما كان أستاذكم تواطأتم معه على الغلب فأظهرتم أنه غلبكم، تمويهاً وتضليلاً للجماهير.. ثم تهددهم قائلاً {فلسوف تعلمون4} عقوبتي لكم على هذا التواطؤ وهي {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} أي أقطع من الواحد منكم يده اليمنى ورجله اليسرى {ولأصلبنكم أجمعين} فلا أبقي منكم أحداً إلا أشده على خشبة حتى يموت مصلوباً، هل فعل فرعون ما توعد به؟ الله أعلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1-لم يبادر موسى بإلقاء عصاه أولاً لأن المسألة مسألة علم لا مسألة حرب ففي الحرب تنفع المبادرة بافتكاك زمام المعركة، وأما في العلم فيحسن تقديم الخصم، فإذا أظهر ما عنده كر عليه بالحجج والبراهين فأبطله وظهر الحق وانتصر على الباطل، هذا الأسلوب الذي اتبع موسى بإلهام من ربه تعالى.
2- مظهر من مظاهر الهداية الإلهية هداية السحرة إذ هم في أول النهار سحرة كفرة وفي آخره مؤمنون بررة.
3- ما سلكه فرعون مع السحرة كله من باب المناورات السياسية الفاشلة.

__________

1 جاء في سورة الأعراف أن السحرة عرضوا على موسى أن يلقى عصاه أو يلقوا حبالهم وعصيهم وهنا قال لهم موسى عليه السلام {ألقوا} بناء على عرضهم ذلك.
2 يبدو أن الباء في قولهم {بعزة فرعون} هي كالباء في بسم الله للاستعانة والتبرك لا للقسم وهذا أولى بالمقام من الحلف على شيء لا يملكه المرء وتكون جملة: {إنا لنحن الغالبون} مستأنفة استئنافاً بيانياً وليست جواب قسم إلاّ أنها حملت معنى القسم بما فيه من المؤكدات كأنهم قالوا إنا وربنا لغالبون.
3 قرأ نافع {تلقف} بتشديد القاف، والأصل: تتلقف فحذفت إحدى التائين تخفيفاً، وقرأ حفص {تلقف} بتخفيف القاف من: لقف الشيء يلقفه لقفاً: إذ أخذه بسرعة.
4 اللام للقسم. وبم يقسم فرعون؟ يقسم بحسب عادته في إيمانه ففد يقسم بعزّته.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:16 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60)
شرح الكلمات:
لا ضير: أي لا ضرر علينا.
لمنقلبون: أي راجعون بعد الموت وذلك يسر ولا يضر.
أن كنا أول المؤمنين: أي رجوا أن يكفر الله عنهم سيئاتهم لأنهم سبقوا بالإيمان.
أن أسر بعبادي: السري المشي ليلاً والمراد من العباد بنو إسرائيل.
إنكم متبعون: أي من قبل فرعون وجيوشه.
لشرذمة: أي طائفة من الناس.
لغائظون: أي فاعلون ما يغيظنا ويغضبنا.
حذرون: أي متيقظون مستعدون.
ومقام كريم: أي مجلس حسن كان للأمراء والوزراء.
كذلك: أي كان إخراجنا كذلك أي على تلك الصورة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {قالوا لا ضير1} هذا قول السحرة لفرعون بعد أن هددهم وتوعدهم {قالوا لا ضير} أي لا ضرر علينا بتقطيعك أيدينا وأرجلنا وتصليبك إيانا {إنا إلى2 ربنا منقلبون} أي راجعون إن كل الذي تفعله معنا إنك تعجل برجوعنا إلى ربنا وذاك أحب شيء إلينا.
وقالوا {إنا نطمع3 أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي ذنوبنا {إن كنا أول المؤمنين} في هذه البلاد برب العالمين رب موسى وهرون.
بعد هذا الانتصار العظيم الذي تم لموسى وهرون أوحى تعالى إلى موسى {أن أسر4 بعبادي} أي امش بهم ليلاً {إنكم متبعون} أي من قبل فرعون وجنوده. وعلم فرعون بعزم موسى على الخروج ببني إسرائيل فأرسل في المدائن5 وكانت به مآت المدن حاشرين من الرجال أي جامعين وكأنها تعبئة عامة. يقولون محرضين {إن هؤلاء6} أي موسى وبني إسرائيل {لَشِرْذِمةٌ} أي طائفة أفرادها قليلون {إنهم لنا لغائظون} أي7 لفاعلون ما ويغضبنا {وإنا} أي حكومة وشعباً {لجميع حذرون} أي متيقظون مستعدون فهلم إلى ملاحقتهم وردهم إلى الطاعة. وعجل تعالى بالمسرة في هذا الخبر فقال تعالى {فأخرجناهم} أي آل فرعون {من جنات وعيون وكنوز} أي كنوز الذهب والفضة التي كانت مدفونة تحت التراب, إذ الطمس كان على العملة فسدت وأما مخزون الذهب والفضة فما زال تحت الأرض، إذ الكنز يطلق على المدفون تحت الأرض وإن كان شرعاً هو الكنز ما لم تؤد زكاته سواء كان تحت الأرض أو فوقها.
وقوله تعالى {كذلك} أي إخراجنا لهم كان كذلك، {وأورثناها8} أي تلك النعم بني إسرائيل أي بعد هلاك فرعون وجنوده أجمعين. وقوله تعالى {فأتبعوهم مشرفين} أي فاتبع آل فرعون بنى إسرائيل أَنْفُسَهم في وقت شروق الشمس ليردوهم ويحولوا بينهم وبين الخروج من البلاد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- قوة الإيمان مصدر شجاعة خارقة للعادة بحيث يفرح المؤمن بالموت لأنه يوصله إلى ربه.
2- حسن الرجاء في الله والطمع في رحمته، وفضل الأسبقية في الخير.
3- مشروعية التعبئة العامة واستعمال أسلوب خاص في الحرب يهديء من مخاوف الأمة حكومة وشعباً.
4- دمار الظالمين وهلاك المسرفين في الكفر والشر والفساد.
__________

1 الضير: مرادف الضرّ يقال: ضاره يضيره بمعنى ضرّه يضره سواء.
2 الجملة تعليلية لنفيهم الضرر عليهم.
3 لفظ الطمع يطلق ويراد به الظنّ الضعيف غالباً ويراد به الظن القوي أيضاً كقول إبراهيم عليه السلام: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} .
4 قرأ نافع {أن اسر} بهمزة وصل إذ هو من سَرى يسري وحركت النون لالتقاء الساكنين. وقرأ عاصم: {أن أسرِ} بسكون أن وقطع همزة أسر لأنّه من أسرى، وأسرى وسرى بمعنى واحد.
5 المدائن جمع مدينة وهي البلد العظيم.
6 الإشارة بهؤلاء فيه إيماء بتحقير شأن بني إسرائيل, والشرذمة الطائفة القليلة العدد.
7 الغيظ: أشد الغضب, وغائظون: اسم فاعل من: غاظه بمعنى أغاظه أي: أغضبه أشدّ الغضب.
8 يرى بعضهم أن الله أورث بني إسرائيل نعماً نظير ما كان لفرعون وقومه بدليل آية الدخان: {وأورثناها قوماً آخرين} وبدليل أن بني إسرائيل ما رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها والله أعلم.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:17 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (4)
الحلقة (637)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 652الى صــــ 657)

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)

شرح الكلمات:
فلما تراءى الجمعان: أي رأى بعضهما بعضاً لتقاربهما والجمعان جمع بني إسرائيل وجمع فرعون.
إنا لمدركون: أي قال أصحاب موسى من بني إسرائيل إنا لمدركون أي سيلحقنا فرعون وجنده.
قال كلا: أي قال موسى عليه السلام كلا أي لن يدركونا ولن يلحقوا بنا.
فانفلق: أي انشق.
فكان كل فرق كالطود: أي شق أي الجزء المنفرق والطود: الجبل.
وأزلفنا ثم الآخرين: أي قربنا هنا لك الآخرين أي فرعون وجنده.
إن في ذلك لآية: أي عظة وعبرة توجب الإيمان برب العالمين برب موسى وهرون.
معنى الآيات:
هذا آخر قصة موسى عليه السلام مع فرعون قال تعالى في بيان نهاية الظالمين وفوز المؤمنين {فلما تراءى1 الجمعان} جمع موسى وجمع فرعون وتقاربا بحيث رأى بعضهما بعضا {قال أصحاب موسى} أي بنو إسرائيل {إنا لمدركون} أي خافوا لما رأوا جيوش فرعون تتقدم نحوهم صاحوا {إنا لمدركون} فطمأنهم موسى بقوله {كلا2} أي لن تدركوا، وعلل ذلك بقوله {إن معي ربي سيهدين} إلى طريق نجاتي قال تعالى {فأوحينا إلى موسى أن اضرب} أي اضرب بعصاك البحر فضرب امتثالاً لأمر ربه فانفلق البحر فرقتين كل فرقة3 منه كالجبل العظيم {وأزلفنا4} أي قربنا {ثم الآخرين} أي أدنينا هناك الآخرين وهم فرعون وجيوشه {وأنجينا موسى ومن معه} أي من بني إسرائيل {أجمعين} {ثم أغرقنا الآخرين} المعادين لبني إسرائيل وهم فرعون وجنده. قوله تعالى {إن في ذلك} المذكور هن إهلاك فرعون وإنجاء موسى، بني إسرائيل {لآية} أي علامة واضحة بارزة لربوبية الله وألوهيته وقدرته وعلمه ورحمته وهي عبرة وعظة أيضاً للمعتبرين، وما كان أكثر قومك5 يا محمد مؤمنين مع موجب الإيمان ومقتضيه لأنه سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون.
وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي وإن ربك يا محمد لهو الغالب على أمره الذي لا يمانع في شيء يريده ولا يحال بين مراده الرحيم بعباده فاصبر على دعوته وتوكل عليه فإنه ناصرك ومذل أعدائك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- ظهور آثار الاستعباد في بني إسرائيل متجلية في خوفهم مع مشاهدة الآيات.
2- ثبوت صفة المعية الإلهية في قول موسى {إن معي ربي} إذ قال له عند إرساله {إنني معكما} .
3- ثبوت الوحي الإلهي.
4- آية انفلاق البحر من أعظم الآيات.
5- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصة مثل هذا القصص الذي لا يتأتى إلا بوحي خاص.
__________

1 الترائي: تفاعل إذ هو من الجانبين كل جانب رأى الثاني.
2 ردع موسى عليه السلام بقوله كلا الظانين أن فرعون مدركهم وعلل لعدم إدراك فرعون بقوله: {إن معي ربي سيهدين} أي: سيبين لي سبيل النجاة فنسلكه فننجوا بإذن الله.
3 {الفرق} : القسم من الشيء المنفلق، وعليه فالفرقة: القسمة من البحر التي كانت كالجبل العظيم. ولذا قال ابن عباس: صار البحر اثنى عشر طريقاً لكل سبط طريق أي: لكل قبيلة من قبائل بني إسرائيل طريق خاص بها فالبحر انقسم قسمين كان ما بين جانبيه كالفج العظيم، وفي ذلك الفج كانت طريق بني إسرائيل.
4 {أزلفنا} أي جمعنا وقربنا فرعون وملأه لإغراقهم وإهلاكهم وسميت مزدلفة ليلة جمع: لازدلافها: أي لقربها من منى أو عرفات وسميت ليلة جمع لاجتماع الحجاج فيها، قال الشاعر:
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت
فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
5 القرطبي رحمه الله تعالى رد الضمير في قوله تعالى: {وما كان أكثرهم مؤمنين} إلى فرعون وملئه فقال: لأنه مل يؤمن من قوم فرعون إلا مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وابنته آسيا امرأة فرعون ... الخ في حين أن أكثر المفسرين على أن الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو وجه العبرة من السياق.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:17 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ إبراهيم: أي اقرأ يا رسولنا على قومك خبر إبراهيم وشأنه العظيم.
لأبيه وقومه: أي آزر والبابليين.
فنظل لها عاكفين: أي فنقيم أكثر النهار عاكفين على عبادتها.
قالوا بل وجدنا: أي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر بل وجدنا آباءنا لها عابدين فنحن تبع لهم.
فإنهم عدو لي: أي أعداء لي يوم القيامة إذا أنا عبدتهم لأنهم يتبرءون من عابديهم.
إلا رب العالمين: فإن من يعبده لا يتبرأ منه يوم القيامة بل ينجيه من النار ويكرمه بالجنة.
فهو يهدين: أي إلى ما ينجيني من العذاب ويسعدني في دنياي وأخراي.
والذي يميتني ثم يحيين: أي يميتني عند انتهاء أجلي، ثم يحييني ليوم الدين.
يوم الدين: أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة والبعث الأخر.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص إبراهيم عليه السلام والقصد منه عرض حياة إبراهيم الدعوية على مسامع قريش قوم محمد صلى الله وعليه وسلم علهم يتعظون بها فيؤمنوا ويوحدوا فيسلموا ويسلموا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة قال تعالى {واتل عليهم نبأ إبراهيم1} أي اقرأ على قومك من قريش خبر إبراهيم في الوقت الذي قال لأبيه وقومه {ما تعبدون} مستفهماً إياهم ليرد على جوابهم وهو أسلوب حكيم في الدعوة والتعليم يسألهم ويجيبهم بناء على مقتضى سؤالهم فيكون ذلك أدعى للفهم وقبول الحق: {قالوا نعبد أصناماً} أي في صور تماثيل {فنظل لها عاكفين2} فنقيم أكثر النهار عاكفين حولها نتقرب إليها ونتبرك بها خاشعين خاضعين عندها. ولما سمع جوابهم وقد صدقوا فيه قال لهم {هل3 يسمعونكم إذ تدعون} أي إذ تدعونها {أو ينفعونكم} إن طلبتم منهم منفعة {أو يضرون} إن طلبتم منهم أن يضروا أحداً تريدون ضره أنتم؟ فأجابوا قائلين في كل ذلك لا، لا، لا. وإنما وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ففعلنا مثلهم اقتداءً بهم واتباعا لطريقتهم، وهنا صارحهم إبراهيم بما يريد أن يفهموه عنه فقال {أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون} الذين هم أجدادكم الذين ورث عنهم آباؤكم هذا الشرك والباطل {فإنهم عدو لي} أي أعداء لي وذلك يوم القيامة إن أنا عبدتهم معكم، لأن كل مَنْ عُبد من دون الله يتبرأ يوم القيامة ممن عبده ويعلن عداوته له طلباً لنجاة نفسه من عذاب الله. وقوله {إلا رب العالمين} فإنه لا يكون عدواً لمن عبده بل يكون ودوداً له رحيماً به. ألا فاعبدوه يا قوم واتركوا عبادة من يكون عدواً لكم يوم القيامة!!
ثم أخذ إبراهيم يذكر ربه ويثني عليه ويمجده تعريفاً به وتذكيراً لأولئك الجهلة المشركين فقال {الذي خلقني فهو4 يهدين} أي إلى طريق نجاتي وكمالي وسعادتي وذلك ببيانه لي محابه لآتيها، ومساخطه لأتجنبها، {والذي هو يطعمني ويسقين} أي يغذوني بأنواع الأطعمة ويسقيني بما خلق ويسر لي من أنواع الأشربة من ماء ولبن وعسل، {وإذا مرضت} بأن اعتل جسمي وسقم فهولا غيره يشفيني، {والذي يميتني} يوم يريد إماتتي عند انتهاء ما حدد لي من أجل تنتهي به حياتي، ثم يحييني يوم البعث والنشور، {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي5} أي يسترها ويمحو أثرها من نفسي يوم الدين أي يوم الجزاء والحساب على عمل الإنسان في هذه الدار إذ هي دار عمل والآخرة دار جزاء.
وإذا قيل ما المراد من الخطيئة التي ذكر إبراهيم لنفسه؟ فالجواب إنها الكذبات الثلاث التي كانت لإبراهيم طوال حياته الأولى قوله {إني سقيم} والثانية {بل فعله كبيرهم هذا} والثالثة قولي للطاغية إنه أخي ولا تقولي إنه زوجي، هذه الكذبات التي كانت لإبراهيم فهو خائف منها ويوم القيامة لما تطلب منه البشرية الشفاعة عند ربها يذكر هذه الكذبات ويقول إنما أنا من وراء وراء فاذهبوا إلى موسى.
ألا فليتعظ المؤمنون الذين كذبهم لا يعد كثرة!!
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بذكر هذا القصص.
2- تقرير التوحيد بالحوار الذي دار بين إبراهيم إمام الموحدين وقومه المشركين.
3- بيان أن كل من عبد معبود غير الله تعالى سيكون له عدواً لدوداً يوم القيامة.
4- بيان أن العكوف على الأضرحة والتمرغ في تربتها وطلب الشفاء منها شرك.
5- بيان الأسلوب الحكيم في الدعوة إلى الله تعالى من طريق السؤال والجواب.
__________

1 {نبأ إبراهيم} قصته مع قومه والهمزة الثانية تخفف وهو أجود من تحقيقها. نبأ إبراهيم أو نبأ إبراهيم، والمقصود من تلاوة هذه القصة طلب هداية قريش إلى الحق بإسماعهم أخبار الأولين ومشاهدة ما دار من جدال بين الرسل وأممهم.
2 {فنظل} هذا اللفظ يدل أنهم يقضون فترة طويلة من النهار عاكفين حولها لعبادتها وأما في الليل فيعبدون الكواكب لمشاهدتها والتماثيل إنما هي صور لها فإذا غابت عبدوا صورها بالنهار.
3 أراد أي إبراهيم بقوله: {هل يسمعونكم} فتح باب المجادلة ليصل إلى إقناعهم إن شاء الله ذاك, وليست هذه أول محاجة بل حاجه إبراهيم أباه على انفراد وحاجه هذه المرة مع قومه ولا شك أن الحجاج دام سنوات فما ذكر هنا غير ما ذكر في الصافات والأنبياء ومريم.
4 حذفت الياء في (يهدين) و (يسقين) و (يشفين) و (يحيين) لأن الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلهما.
5 روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ "قال: لا إنّه لم يقل يوماً ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين".


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:18 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (5)
الحلقة (638)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 657الى صــــ 661)

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)

شرح الكلمات:
رب هب لي حكماً: أي يا رب أعطني من فضلك حكماً أي علماً نافعاً وارزقني العمل به.
وألحقني بالصالحين: لأعمل عملهم في الدنيا وأكون معهم في الدار الآخرة.
واجعل لي لسان صدق في الآخرين: أي اجعل لي ذكراً حسناً أذكر به فيمن يأتي بعدي.
واغفر لأبي: كان هذا منه قبل أن يتبين له أنه عدو لله.
ولا تخزني يوم يبعثون: أي لا تفضحني.
بقلب سليم: أي من الشرك والنفاق.
وأزلفت الجنة: أي أدنيت وقربت للمتقين.
وبرزت الجحيم للغاوين: أي أظهرت وجليت للغاوين
هل ينصرونكم: أي بِدَفْع العذاب عنكم.
معنى الآيات:
هذا آخر قصص إبراهيم وخاتمته لما ذكر إبراهيم قومه ووعظهم رفع يديه إلى ربه يسأله ويتضرع إليه فقال {رب هب لي حكماً} أي علماً نافعاً يمنعني من فعل ما يسخطك عني ويدفعني إلى فعل ما يرضيك عني، {وألحقني بالصالحين} في أعمالهم الخيرية في الدنيا وبمرافقتهم في الجنة1 {واجعل لي لسان2 صدق في الآخرين} أي اجعل لي ذكراً حسناً أذكر به فيمن يأتي من عبادك المؤمنين، {واجعلني3 من ورثة جنة النعيم} الذين يرثونها بالإيمان والتقوى بعد فضلك عليهم ورحمتك بهم، {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} أي الجاهلين بك وبمحابك ومكارهك فما عبدوك ولا تقربوا إليك. وكان هذا من إبراهيم قبل العلم بأن أباه عدو لله حيث سبق له ذلك أزلاً، إذ قد تبرأ منه بعد أن علم ذلك وقوله {ولا تخزني} أي لا تذلني {يوم يبعثون} أي من قبورهم للحساب والجزاء على أعمالهم {يوم لا ينفع مال ولا بنون} وهو يوم القيامة {إلا من أتى الله بقلب4 سليم} أي لكن من أتى الله أي جاءه يوم القيامة وقلبه سليم من الشرك والنفاق فهذا ينفعه عمله الصالح لخلوه مما يحبطه وهو الشرك والكفر الظاهر والباطن وقوله تعالى {وأزلفت الجنة} أي قربت وأدنيت للمتقين الله ربهم فلم يشركوا به في عبادته ولم يجاهروا بمعاصيه، {وبرزت الجحيم5} أي أظهرت وارتفعت {للغاوين} أي أهل الغواية والضلالة في الدنيا من المشركين والمسرفين في الإجرام والشر والفساد {وقيل لهم} أي سئلوا في عرصات القيامة {أين ما كنتم تعبدون من دون الله} ؟ أروناهم {هل ينصرونكم} مما أنتم فيه فيدفعون عنكم العذاب، {أو ينتصرون} لأنفسهم فيدفعون عنها العذاب إن كانوا من أهل النار لأنهم رضوا بأن يعبدوا ودعوا الناس إلى عبادتهم كالشياطين والمجرمين من الإنس والجن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1-بيان أن الجنة تورث ويذكر تعالى سبب إرثها وهو التقوى في قوله {تلك الجنة6 لتي نورث من عبادنا من كان تقياً}
2- مشروعية الاستغفار للوالدين إن ماتا على التوحيد.
3- بطلان الانتفاع يوم القيامة بغير الإيمان والعمل الصالح بعد فضل الله ورحمته.
4- الترغيب في التقوى والتحذير من الغواية.
__________

1 وفي أعالي الدرجات.
2 وقد استجاب الله تعالى له حيث اجتمع أهل الأديان على الثناء عليه والانتساب إلى ملته وإن كانوا مبطلين لما خالطهم من الشرك وها هي ذي أمة الإسلام لا تُصلي صلاة إلاّ وتصلي عليه وعلى آله فهذا ذكر حسن خالد وثناء عطر باق قال مالك: لا بأس أن يحب المرء أن يثني عليه صالحاً ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى لهذه الآية وغيرها نحو: {سيجعل لهم الرحمن وداً} {وألقيت عليك محبة مني} .
3 في هذا ردّ على من زعم أنه لا يسأل الله جنة ولا يستجيره من النار.
4 السليم من الشك والشرك وأمراض الكبر والحسد والعجب والغل ولأنه إذا سلم القلب سلمت الجوارح لحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" من الصحيح.
5 أي: تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن كما يستشعر أهل الجنة المسرة والفرح قبل دخولها. إذ الجنة تزلف والجحيم تبرز, وهذا في عرصات القيامة.
6 لآية من سورة مريم عليها السلام.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:18 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
شرح الكلمات
فكبكبوا فيها: أي ألقوا على وجوههم في جهنم ودحرجوا فيها حتى انتهوا إلى قعرها.
والغاوون: جمع غاوٍ وهو الفاسد القلب المدنس الروح من الشرك والمعاصي.
وجنود إبليس: أي أتباعه وأنصاره وأعوانه من الإنس والجن.
إذ نسويكم برب العالمين: أي في العبادة فعبدناكم كما يعبد الله جل جلاله.
ولا صديق حميم: أي يهمه أمرنا وتنفعنا صداقته نحتمى به من أن نعذب.
فلو أن لنا كرة: أي رجعة إلى الدنيا لنؤمن ونوحد ونعبد ربنا بما شرع لنا.
معنى الآيات:
قوله تعالى {فكبكبوا} 1 ب عد ذلك الاستفهام التوبيخي التقريعي الذي تقدم في قوله تعالى {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون} ؟ وفشلوا في الجواب ولم يجيدوه إذ هو غير ممكن فأخبر تعالى عنهم بأنهم كبكبوا في جهنم - أي كبوا على وجوههم ودحرجوا فيها هم والغاوون جمع غاوٍ أي فاسد العقيدة والعمل وجنود إبليس أجمعون من أتباع الشيطان وأعوانه من دعاة الشرك والمعاصي والجريمة في الأرض من الإنس والجن قوله تعالى {قالوا وهم2 فيها يختصمون} أي وهم في جهنم يختصمون كل واحد يحمل الثاني التبعة والمسؤولية فقال المشركون لمن أشركوا بهم {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} أي ظاهر بين لا يختلف فيه، وذلك {إذ نسويكم برب العالمين} عز وجل فنعبدكم معه، {وما أضلنا إلا المجرمون} وهم دعاة الشرك والشر والضلال الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها، وأجرموا علينا فأفسدوا نفوسنا بالشرك والمعاصي، وقوله تعالى {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} هذا قولهم أيضاً قرروا فيه حقيقة أخرى وهي أنه ليس لهم في هذا اليوم من شافعين يشفعون لهم عند الله تعالى لا من الملائكة ولا من الإنس والجن إذ لا شفاعة تنفع من مات على الشرك والكفر، وقولهم ولا صديق حميم أي وليس لنا أي من صديق حميم تنفعنا صداقته وولايته.
وقالوا متمنين بعد اليأس من وجود شافعين {فلو أنّ لنا كرة4} أي رجعة إلى دار الدنيا {فنكون من المؤمنين} فنؤمن ونوحد ونتبع الرسل. وهذا آخر ما أخبر تعالى به عنهم من كلامهم في جهنم
وقوله تعالى {إن في5 ذلك} أي المذكور من كبكبة المشركين والغاوين وجنود إبليس أجمعين في جهنم وخصومتهم فيها وما قالوا وتمنوه وحرمانهم من الشفاعة وخلودهم في النار {لآية} أي لعبرة لمن يعتبر بغيره، {وما كان أكثرهم مؤمنين} ولم يكن أكثر قومك يا رسولنا مؤمنين وإلا لانتفعوا بهذه العبر فآمنوا ووحدوا وأسلموا {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي الغالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الرحيم بعباده إن أنابوا إليه وأخلصوا العبادة له يكرمهم في جواره في جنات النعيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير أن دعاة الزنى والربا والخرافة والشركيات من الناس هم من جند إبليس.
2- تقرير أن المجرمين هم الذين أفسدوا نفوسهم ونفوس غيرهم بدعوتهم إلى الضلال وحملهم على المعاصي.
3- تقرير أن الشفاعة لن تكون لمن مات على الشرك والكفر.
4- لا تنفع العبر والمواعظ والآيات في هداية قوم كتب الله أزلاً شقاءهم وعلم منهم أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم.
__________

1 {كبكبوا} أي: كبوا فيها كباً بعد كب لأنّ كبكبوا مضاعف: كبوا بالتكرير نحو: كفكف الدمع أي: كفّه مرة بعد مرة.
2 من الجائز أن يكون هذا من كلام إبراهيم إلاّ أن كونه من كلام الله تعالى موعظة لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى وقد استظهره ابن عطية رحمه الله تعالى وجملة {وهم فيها يختصمون} حالية، وجملة تالله الخ مقول القول.
(إذ) ظرفية وليست تعليلية أي: الوقت الذي كنا نسويكم برب العالمين، وهذا الكلام منهم كلام متندم حزن على ما فاته وصدر منه كقول أبي بكر وقد أمسك بلسانه وقال له: أنت أوردتني الموارد وكقوله: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شرّ تسلم.
4 {لو} حرف تمن وأصلها: لو الشرطية لكنها تنوسي منها معنى الشرط إذ المراد: لو رجعنا إلى الدنيا لأمنا وعملنا صالحاً ولما لم يقصد تعليق الامتناع على الامتناع تمحضت لو للتمني.
5 هذا تكرر ثالث لهذه الجملة تعداداً على المشركين وتسجيلاً لتصميمهم على الشرك والتكذيب بالنبوة والبعث.


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:19 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (6)
الحلقة (639)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 661الى صــــ 665)

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)

شرح الكلمات:
كذبت قوم نوح المرسلين: قوم نوح الأمة التي بعث فيها، والمراد من المرسلين نوح عليه السلام
أخوهم نوح: أي في النسب.
ألا تتقون: أي اتقوا الله ربكم فلا تعصوه بالشرك والمعاصي.
رسول أمين: أي على مما أمرني ربي بإبلاغه إليكم.
من أجر: أي لا أسألكم على إبلاغ رسالة الله أجرة مقابل البلاغ.
أنؤمن لك واتبعك الأرذلون: أي كيف نتبعك على ما تدعونا إليه وقد اتبعك أراذل الناس أي سفلتهم وأهل الخسة فيهم.
إن حسابهم إلا على ربي: أي ما حسابهم إلا على ربي.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص نوح عليه السلام فقال تعالى {كذبت قوم نوح4} أي بما جاءهم به نوح من الأمر بالتوحيد وترك الشرك {إذ قال لهم أخوهم} أي في النسب5 {نوح ألا تتقون} أي عقاب الله وأنتم تشركون به، وتكذبون رسوله {إني لكم رسول أمين} على ما أبلغكم من وحي الله تعالى فاتقوا الله بترك الشرك وأطيعوني فيما أدعوكم إليه وآمركم به {وما أسألكم عليه من أجر} أي على البلاغ من أجر أتقاضاه منكم مقابل ما أبلغكم من رسالة ربكم. {إن أجرى إلا على الله} إذ هو الذي كلفني {فاتقوا الله} أي خافوا عقابه أن يحل بكم وأنتم تكفرون به وتكذبون برسوله وأطيعون فيما آمركم به وأنهاكم عنه. بعد هذا الذي أمرهم به وكرره عليهم من تقوى الله وطاعة لرسوله كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله: {قالوا أنؤمن لك} أي أنصدقك ونتابعك على ما جئت به من الدين {واتبعك الأرذلون6} أي سفلة الناس وأخساؤهم؟.
فأجابهم نوح بقوله {وما علمي بما كانوا يعملون} فيما يعملونه بعيدين عني من الباطن أو الظاهر أنا لا أعلمه ولا أسأل عنه ولا أحاسب عليه، {إن حسابهم1 إلا على ربي} هو الذي يحاسبهم ويجزيهم لو تشعرون بهذه الحقيقة لما عبتموهم لي وحملتموني مسئولية عملهم {وما أنا بطارد المؤمنين2} أي من حولي، {إن أنا إلا نذير3 مبين} فلست بجبار ولا ذي سلطان فأطرد الناس وظيفتي أنى أنذر الناس عاقبة الكفر والمعاصي ليقلعوا عن ذلك فينجوا من عذاب الله ويسلموا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن من كذب رسولاً فكأنما كذب كل الرسل وذلك باعتبار أن دعوتهم واحدة وهي أن يُعْبَدَ الله وحده بما شرع للناس من عبادات تطهرهم وتزكيهم.
2- إثبات أخوة النسب، ولا تعارض بينها وبين أخوة الدين.
3- عدم جواز أخذ أجرة على دعوة الله تعالى. ووجوب إبلاغها مجانا.
4- وجوب التقوى لله تعالى، وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5- لا يجوز طرد الفقراء من مجالس العلم ليجلس مجالسهم الأغنياء وأهل الجاه.
__________

1 {كذبت قوم نوح} أنّث الفعل إرادة جماعة قوم نوح ونظيره: {قالت الأعراب} .
2 وأخوّة مجانسة أو هو من باب قول العرب: يا أخا بني تميم: يريدون: يا واحداً منهم، قال الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهاناً
3 جمع التكسير: {أراذل} والأنثى: الرذلى والجمع: الرُّذل، وجملة: {واتبعك} حالية، وفيها إضمار قد أي: وقد اتبعك.
4 قيل لسفيان: إنّ امرأة زنت وقتلت ولدها وهي مسلمة هل يقطع لها بالنار؟ فقال: "إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون} .
5 ظاهر الكلام أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء من المؤمنين كما فعلت قريش.
6 جملة: {إن أنا إلا نذير} استئناف في معنى التعليل لعدم طردهم والقصر في الجملة إضافي قصر موصوف على صفة.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:20 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)

شرح الكلمات:
لئن لم تنته: أي عن دعِِوتنا إلى ترك آلهتنا وعبادة إلهك وحده.
من المرجومين: أي المقتولين رجماً بالحجارة.
فافتح بيني وبينهم فتحاً: أي أحكم بيني وبينهم حكماً بأن تهلكهم وتنجيني ومن معي من المؤمنين.
في الفلك المشحون1: أي المملوء بالركاب وأزواج المخلوقات الأخرى.
بعد الباقين: أي بعد إنجائنا نوحاً والمؤمنين بركوبهم في السفينة أغرقنا الكافرين إذ إغراقهم كان بعد نجاة المؤمنين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الدائر بين نوح وقومه إنه لما دعاهم إلى التوحيد وكرر عليهم الدعوة وأفحمهم في مواطن كثيرة وأعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {قالوا لئن لم تنته يا نوح} أي قسماً بآلهتنا لئن لم تنته يا نوح من تسفيهنا وسب آلهتنا ومطالبتنا بترك عبادتها {لتكونن من المرجومين2} أي لنقتلنك رمياً بالحجارة. وهنا وبعد دعوة دامت ألف سنة إلا خمسين عاماً رفع نوح شكواه إلى الله قائلا: {رب إن قومي3 كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاًْ} أي أحكم بيننا وافصل في قضية وجودنا مع بعضنا بعضا فأهلكهم {ونجني ومن معي من المؤمنين} قال تعالى {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون} أي المملوء بأنواع الحيوانات {ثم أغرقنا4 بعد الباقين} أي بعد إنجائنا نوحاً ومن معه من المؤمنين بأن ركبوا في الفلك وما زال الماء يرتفع النازل من السماء والنابع من الأرض حتى غرق كل من على الأرض والجبال ولم ينج أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، قال تعالى {إن في ذلك} أي المذكور من الصراع الذي دار بين التوحيد والشرك وفي عاقبة التوحيد وهي نجاة أهله والشرك وهي دمار أهله {لآية} أي عبرة5. ولكن أهل مكة لم يعتبروا {وما كان أكثرهم مؤمنين6} لما سبق في علم الله تعالى من عدم إيمانهم إذاً فلا تحزن عليهم. {وإن ربك} أيها الرسول الكريم لهو لا غيره العزيز الغالب الرحيم بمن تاب من عباده فإنه لا يعذبه بل يرحمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان سنة أن الظلمة والطغاة إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى القوة.
2- جواز الاستنصار بالله تعالى وطلب الفتح بين المظلوم والظالمين.
3- سرعة استجابة الله تعالى لعبده نوح وذلك لصبره قروناً طويلة فلما انتهى صبره ورفع شكاته إلى ربه أجابه فوراً فأنجاه وأهلك أعداءه.
__________

1 الشحن: ملء السفينة بالناس والدواب وغيرهم ولم يقل: المشحونة بل قال. {المشحون} لأنه هنا واحد لا جمع.
2 كل لفظ {رجم} في القران معناه القتل رمياً بالحجارة إلا قوله: {لئن لم تنته لأرجمنك} فإنه بمعنى لأسبنّك وأشتمنّك.
3 هذه الجملة قالها تمهيداً للدعاء عليهم.
4 ثم: للتراخي الرتبي في الإخبار لأن إغراق أمة كاملة أعظم دلالة على عظيم القدرة من إنجاء طائفة من الناس.
5 وجه العبرة أن الله تعالى أنجى الموحدين وأهلك المشركين بعد أن أبلغ نوح رسالته بصبر واحتساب لا نظير لهما إذ دعا وبلغ وأوذي وصبر وصابر ألف سنة إلا خمسين عاماً.
6 سبق أن ذكرت أن المراد بمن أكثرهم لا يؤمنون هم أكابر مجرمي مكة وعلى رأسهم المستهزئون وهدا من إطلاق العام وإرادة الخاص لأن الذين آمنوا وأسلموا أكثر ممن ماتوا على الكفر أو نفي الإيمان مقيد بزمن معين لا يتعداه.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:20 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (7)
الحلقة (640)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 665الى صــــ 669)

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (131)
شرح الكلمات:
كذبت عاد: عاد اسم أبي القبيلة وسميت القبيلة به.
أخوهم هود: أخوهم في النسب.
فاتقوا الله: أي خافوا عقابه فلا تشركوا به شيئاً.
أتبنون بكل ريع: أي مكان عال مرتفع.
آية: أي قصراً مشيداً عالياً مرتفعاً.
تعبثون: أي ببنيانكم حيث تبنون مالا تسكنون.
وتتخذون مصانع: أي حصوناً منيعة وقصوراً رفيعة.
لعلكم تخلدون: أي كأنكم تأملون الخلود في الأرض وترجونه.
وإذا بطشتم: أي أخذتم أحداً سطوتم عليه بعنف وشدة.
جبارين: أي عتاة متسلطين.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص هود عليه السلام يقول تعالى {كذبت عاد1} أي قبيلة عاد {المرسلين} أي رسول الله هوداً، {إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون2} أي ألا تتقون عقاب الله بترككم الشرك والمعاصي بمعنى اتقوا الله ربكم فلا تشركوا به، وقوله {إني لكم رسول أمين} يخبرهم بأنه رسول الله إليهم يبلغهم عن الله أمر ونهيه وأنه أمين على ذلك فلا يزيد ولا ينقص فيما أمره ربه بإبلاغه إليهم، وعليه {فاتقوا3 الله وأطيعون} أي بوصفي رسول الله إليكم فإن طاعتي واجبة عليكم حتى أبلغكم ما أرسلت به إليكم.
وقوله {وما أسألكم عليه من أجر} أي على إبلاغ رسالتي إليكم من أجر أي من أي أجر كان. ولو قل {إن أجري} أي ما أجري إلا على رب العالمين سبحانه وتعالى إذ هو الذي أرسلني وكلفني فهو الذي أرجو أن يثيبني على حمل رسالتي إليكم وإبلاغها إياكم. وعليه فاتقوا الله أي خافوا عقابه بترك الشرك به والمعاصي وأطيعوني بقبول ما أبلغكم به لتكملوا وتسعدوا.
وقوله: {أتبنون بكل ريع4 آية تعبثون} ينكر هود على قومه إنهماكهم في الدنيا وانشغالهم بما لا يعني وإعراضهم عما يعنيهم فيقول لهم كالمنكر عليهم أتبنون بكل ريع أي مكان عال مرتفع آية أي قصراً مشيداً آية في ارتفاعه وعلوه. تعبثون حيث لا تسكنون فيما تبنون فهو لمجرد اللهو والعبث وقوله {وتتخذون مصانع} وهي مبان عالية كالحصون أو خزانات الماء أو الحصون {لعلكم تخلدون5} أي كيما تخلدون، وما أنتم بخالدين، وإنما مقامكم فيها قليل. وقوله {وإذا بطشتم6 بطشتم جبارين} أي إذا سطوتم على أحد تسطون عليه سطو العتاة الجبارين فتأخذون بعنف7 وشدة بلا رحمة ولا رفق {فاتقوا الله} يا قوم فخافوا عقابه وأليم عذابه، {وأطيعون} فيما أدعوكم إليه وأبلغكموه عن ربي فإن ذلك خير لكم من الإعراض والتمادي في الباطل.
هداية الآيات
من هداية الآيات

1- الأمر بالتقوى من النصح للمأمور بها، لأن النجاة والفوز لا يتمان للعبد إلا عليها.
2- الرسل أمناء على ما يحملون وما يبلغون الناس.
3-حرمة أخذ الأجرة على بيان الشرع والدعوة إلى ذلك.
4- ينبغي للعبد أن لا يسرف فيبني مالا يسكن ويد خرما لا يأكل.
5- استنكار العنف والشدة في الأخذ وعند المؤاخذة.
__________

1 جملة مستأنفة استئناف انتقال لعرض الأحداث التاريخية تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وموعظة وذكرى لغيره، وعاد بمعنى القبيلة فلذا أنّث الفعل معها، وكانت منازل عاد وديارهم ما بين عُمان وحضر موت شرقاً وغرباً ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الأحقاف.
2 الاستفهام معناه الأمر والحض على التقوى التي هي خوف من الله تعالى يحمل على الإيمان به وعبادته وترك عبادة ما سواه.
3 الفاء: للتفريع فالجملة متفرعة عن جملة (إني لكم رسول أمين) أي: فينادى إني رسول أمين فاتبعوا ما أقول لكم {واتقوا الله وأطيعون} وحذفت الياء من، {فاتقون} مراعاة لرؤوس الآي.
4 الرّيع: المكان المرتفع أو الطريق الفج بين الجبيلين، والآية العلامة: الدالة على الطريق والمراد: بناء عالٍ هو آية في الفنّ المعماري.
5 في الجمل الثلاثة تبنون وتتخدرون ولعلكم تلخدون توبيخ لهم على هذا السلوك وإنكار عليهم.
6 البطش: السطوة والأخذ بعنف، والجبار: القتال في غير حق والمتسلط العاتي.
7 ويدل على قوتهم وشدّتهم قولهم: {من أشدّ منا قوة} من سورة فصّلت وكان العرب ينسبون الشيء القوي إلى عاد فيقولون: هذا عادي.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:21 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
شرح الكلمات:
أمدكم: أي أعطاكم منعماً عليكم.
بأنعام: هي الإبل والبقر والغنم.
عذاب يوم عظيم: هو يوم هلاكهم في الدنيا ويوم بعثهم يوم القيامة.
س واء علينا: أي مستوٍ عندنا وعظك وعدمه فأنا لا نطيعك.
إن هذا إلا خلق الأولين1: أي ما هذا الذي تعظنا فيه من البناء وغيره إلا دأب وعادة الأولين فنحن على طريقتهم، وما نحن بمعذبين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الذي دار بين نبي الله هود عليه السلام وبين قومه المشركين إذ أمرهم بالتقوى وبطاعته وأمرهم أيضاً بتقوى الله الذي أمدهم أي أنعم عليهم بما يعلمونه من أنواع النعم فإن طاعة المنعم شكر له على إنعامه ومعصيته كفر لإنعامه فقال {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون2} وبين ذلك بقوله {أمدكم بأنعام} أي مواشي من إبل وبقر وغنم {وبنين} أي أولاد ذكور وإناث وجنات أي بساتين {وعيون} لسقيها وسقيكم وتطهيركم3، ثم قال لهم في إشفاق عليهم {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} إن أنتم أصررتم على الشرك والمعاصي وقد يكون عذاباً في الدنيا وعذاباً في الآخرة، وقد عذبوا في الدنيا بإهلاكهم ويعذبون في الآخرة لأنهم ماتوا كفاراً مشركين عصا ة مجرمين، كان هذا ما وعظهم به نبيهم هود عليه السلام، وكان ردهم على وعظه ما أخبر تعالى به في قوله {قالوا سواء علينا أو عظمت أم لم تكن من الواعظين} أي مستوٍ عندنا وعظك أي تخويفك وتذكيرك وعدمه فما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين وقالوا {إن هذا} الذي نحن عليه من البناء والإشادة وعبادة آلهتنا {إلا خلق الأولين4} أي دأب وعادة من سبقنا من الناس، وما نحن بمعذبين عليه قال تعالى مخبراً عن نتيجة ذلك الحوار وتلك الدعوة التي قام بها نبي الله هود {فكذبوه} أي كذبوا هوداً فيما جاءهم به ودعاهم إليه وحذرهم منه، {فأهلكناهم5} أي بتكذيبهم وإعراضهم {إن في ذلك} الإهلاك للمكذبين عبرة لقومك يا محمد لو كانوا يعتبرون {وما كان أكثرهم مؤمنين} لما سبق في علم الله من عدم إيمانهم فلذا لم تنفعهم المواعظ والعبر، وإن ربك لهو العزيز الرحيم فقد أخذ الجبابرة العتاة فأنزل بهم نقمته وأذاقهم مر عذابه، ورحم أولياءه فأنجاهم وأهلك أعداءهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تنويع أسلوب الدعوة وتذكير الجاحدين بما هو محسوس لديهم مرأي لهم.
2- التخويف من عذاب الله والتحذير من عاقبة عصيانه من أساليب الدعوة.
3- بيان سنة الناس في التقليد وإتباع آبائهم وإن كانوا ضلالاً جاهلين.
4- تقرير التوحيد والنبوة والبعث إذ هو المقصود من هذا القصص.
__________

1 قرأ الجمهور (خُلق) بضم كل من الخاء واللام وهو بمعنى السجية المتمكنة في النفس الباعثة على عمل ما يناسبها ويقال له: القوى النفسية وقراً غير الجمهور (خَلق) بفتح الخاء وسكون اللام وهر بمعنى الاختلاق والكذب أي: ما تقوله لنا إنما هو كذب واختلاق.
2 أي: من الخيرات ثم فسرها بقوله: {أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} .
3 فهو الذي يحب أن يعبد فيذكر ويُشكر ولا يكفر.
4 اختلف في تحديد معنى قولهم: {إن هذا إلا خلق الأولين} بفتح الخاء وإسكان اللام أي: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ (خُلُق) بضم الخاء واللام معناه عاداتهم لأن الخلق يطلق على الدين والطبع والمروءة، وما في التفسير أولى بتوجيه الآية.
5 أي: بريح صرصر سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما. (من سورة الحاقة) .



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:22 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (8)
الحلقة (641)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 669الى صــــ 673)

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)

شرح الكلمات:
كذبت ثمود المرسلين: أي كذبت قبيلة ثمود نبيّها صالحاً.
فيما هاهنا آمنين: أي من الخيرات والنعم غير خائفين من أحد.
طلعها هضيم: أي طلع النخلة لين ناعم ما دام في كُفرَّاه أي غطاؤه الذي عليه.
وتنحتون من الجبال بيوتاً: أي تنجرون بآلات النحت الصخور في الجبل وتتخذون منها بيوتاً.
فرهين: أي حذقين من جهة وبطرين متكبرين مغترين بصنيعكم من جهة أخرى.
وأطيعون: أي فيما أمرتكم به.
المسرفين: أي في الشر والفساد بالكفر والعناد.
الذين يفسدون في الأرض: أي بارتكاب الذنوب العظام فيها.
ولا يصلحون فيها: أي بفعل الطاعات والقربات.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص نبي الله صالح عليه السلام قال تعالى {كذبت1 ثمود المرسلين} أي جحدت قبيلة ثمود ما جاءها به رسولها صالح، {إذ قال لهم أخوهم} في النسب لا في الدين إذ هو مؤمن وهم كافرون {ألا تتقون2} أي يحضهم على التقوى ويأمرهم بها لأن فيها نجاتهم والمراد من التقوى اتقاء عذاب الله بالإيمان به وتوحيده وطاعته وطاعة رسوله
وقوله {إني لكم رسول أمين} يعلمهم بأنه مرسل من قبل الله تعالى إليهم أمين على رسالة الله وما تحمله من العلم والبيان والهدى إليهم. {فاتقوا الله وأطيعون} كرر الأمر بالتقوى وبطاعته إذ هما معظم رسالته ومَتَى حقّقها المرسل إليهم اهتدوا وأفلحوا {وما أسألكم عليه من أجر} أبعد تهمة المادة لما قد يقال أنه يريد مالاً فأخبرهم في صراحة أنه لا يطلب على إبلاغهم دعوة ربهم أجراً من أحد إلا من الله رب العالمين إذ هو الذي يثيب ويجزي العاملين له وفي دائرة طاعته وقوله فيما أخبر تعالى به عنه {أتتركون3 فيما ههنا} بين
أيديكم من الخيرات {آمنين} غير خائفين، وبين ما أشار إليه بقوله فيما ها هنا فقال {في جنات} أي بساتين ومزارع بمدائنهم وهي إلى الآن قائمة {وعيون وزروع، ونخل طلعها4 هضيم} أي لين ناعم ما دام في كفراه أي غلافه {وتنحتون من الجبال بيوتاً} لما خولكم الله من قوة ومعرفة بفن النحت حتى أصبحتم تتخذون من الجبال الصم بيوتاً تسكنونها شتاء فتقيكم البرد. وقوله {فرهين} هذا حال من قوله {وتنحتون من الجبال} ومعنى {فرهين5} حذقين فن النحت وبطرين متكبرين مغترين بقوتكم وصناعتكم، إذاً {فاتقوا الله} يا قوم بترك الشرك والمعاصي {وأطيعون} فيما آمركم به وأنهاكم عنه وأدعوكم إليه {ولا تطيعوا أمر المسرفين6} أي على أنفسهم بارتكاب الكبائر وغشيان الذنوب. {الذين يفسدون في الأرض} أي بمعاصي الله ورسوله فيها {ولا يصلحون} أي جمعوا بين الفساد والإفساد، وترك الصلاح والإصلاح.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- دعوة الرسل واحدة ولذا التكذيب برسول يعتبر تكذيباً بكل الرسل.
2- الأمانة شعار كل الرسل والدعاة الصادقين الصالحين في كل الأمم والعصور.
3- مشروعية التذكير بالنعم ليذكر المنعم فيُحب ويطاع.
4- التحذير من طاعة المسرفين في الذنوب والمعاصي لوخامة عاقبة طاعتهم.
5- تقرير أن الفساد في الأرض يكون بارتكاب المعاصي فيها.
__________

1 ثمود: أمّة تسكن بالحجر شمال الحجاز، وتعرف اليوم بمدائن صالح والمراد من المرسلين: نبي الله صالح عليه السلام، وتكذيبها به معتبر تكذيبا لكل الرسل، لأن دعوة الرسل واحدة.
2 الاستفهام للإنكار أي: ينكر عليهم عدم تقواهم ويحضهم عليها.
3 الاستفهام إنكاري توبيخي وفيه حضهم على الشكر إذ ما هم فيه من النعمة يقتضي ذلك.
4 الطلع: وعاء كنصل السيف بباطنه شماريخ القنو ويسمى هذا الطلع بالكم بكسر الكاف ويقال له: الطلع لأنه يطلع من قلب النخلة وبعد أيام من طلوعه ينفلق من نفسه ويؤبر وبعد قليل يصبح بلحاً فبُسراً فُرطباً فتمراً وذكر النخل يقال له: فحال بضم الفاء وتشديد الحاء مفتوحة والجمع فحاحيل.
5 {فرهين} قراءة الجمهور، وقرىء {فارهين} مشتق من الفراهة التي هي الحذق والكياسة أي: عارفين حذقين بنحت البهوت من الجبال.
6 يريد رؤساءهم في الضلالة ممن يحثونهم على الشرك والفساد في البلاد بارتكاب الذنوب والآثام.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:22 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
شرح الكلمات:
إنما أنت من المسحرين: الذين سحروا وبُولغ في سحرهم حتى غلب عقولهم.
فأت بآية إن كنت من الصادقين: إن كنت من الصادقين في أنك رسول فأتنا بآية تدل على ذلك.
لها شرب ولكم شرب يوم معلوم: أي لها يوم تشرب فيه من العين ولكم يوم آخر معلوم.
فعقروها فأصبحوا نادمين: أي فلم يؤمنوا فقتلوها فأصبحوا نادمين لما شاهدوا العذاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الذي دار بين صالح عليه السلام وقومه ثمود فلما ذكرهم ووعظهم ردوا عليه بما أخبر تعالى عنهم في قوله {قالوا إنما أنت من المسحرين1} أي الذين سحروا وبُولغ في سحرهم حتى غلب على عقولهم فهم لا يعرفون ما يقولون {ما أنت إلا بشر مثلنا} تأكل الطعام وتشرب الشراب فلا أنت رب ولا ملك فنخضع لك ونطيعك {فأت بآية} 2 علامة قوية ودلالة صادقة تدل على أنك رسول الله حقاً وأنت من الرسل الصادقين، فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به عنه في قوله: {قال هذه ناقة} أي عظيمة الخلقة سأل ربه آية فأعطاه هذه الناقة فما زال قائماً يصلي ويدعو وهم يشاهدون حتى أنفلق الجبل وخرجت منه هذه الناقة الآية العظيمة فقال {هذه ناقة لها شرب3} أي حظ ونصيب من ماء البلد تشربه وحدها لا يرد معها أحد ولكم أنتم شرب يوم معلوم لكم تردونه وحدكم. {ولا تمسوها بسوء} وحذرهم أن يمسوها بسوء لا بضرب ولا بقتل ولا بمنع من شرب، فإنه يأخذكم عذاب يوم عظيم قال تعالى {فعقروها} أي فكذبوه وعصوه وعقروها بأن ضربوها في يديها ورجلها فبركت وقتلوها. فلما عقروها قال لهم صالح {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} فأصبحوا بذلك نادمين4 ففي صبيحة اليوم الثالث أخذتهم الصيحة مع شروق الشمس فاهلكوا أجمعين ونجى الله تعالى صالحاً ومن معه من المؤمنين {إن في ذلك لآية} أي علامة كبرى على قدرة الله تعالى وعلمه وأنه واجب الألوهية {وما كان أكثرهم5 مؤمنين} 6 مع وضوح الأدلة لأنه لم يسبق لهم إيمان في قضاء الله وقدره {وإن ربك} أيها الرسول لهو وحده العزيز الغالب الذي لا يغالب الرحيم بأوليائه وصالحي عباده.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير أن السحر من عمل الناس وأنه معلوم لهم معمول به منذ القدم.
2- سنة الناس في المطالبة بالآيات عند دعوتهم إلى الدين الحق.
3- وجود الآيات لا يستلزم بالضرورة إيمان المطالبين بل أكثرهم لا يؤمنون.
4- الندم من التوبة ولكن لا ينفع ندم ولا توبة عند معاينة العذاب أو أماراته.
__________

1 وقيل: {من المسحرين} أي: من المعللين بالطعام والشراب مأخوذ من السحر وهو: الرئة يعنون أنه بشر له رئة يأكل ويشرب كسائر الناس فلا يفضلهم وشاهده قول الشاعر:
أرانا موضعين لأمر غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
موضعين مسرعين إلى الموت وما فلي التفسير أولى وأظهر.
2 قال ابن عباس رضي الله عنهما قالوا. إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننُظر وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبناً فدعا وفعل الله ذلك. فقال, {هذه ناقة ... } الخ.
3 الشرب بكسر الشين وسكون الراء: النوبة في الماء للناقة يوماً تشرب فيه لا يزاحمونها فيه بأنعامهم وأنفسهم.
4 إن قيل: لم ما ينفع الندم وهو توبة فالجواب التوبة تنفع قبل ظهور علامات الموت والعذاب أما بعد ظهور ذلك فلا توبة تقبل وفي الحديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
5 كان: مزيدة لتقوية الكلام، والعبارة جائز أن يراد بها قوم صالح إذ لم يؤمن منهم إلا القليل، وأن يراد بها كفار مكة إذ أكثر المكابرين ما آمن ومات كافراً أو ما آمن في تلك الفترة ثم آمن بعد الفتح.
6 قيل: ما آمن معه إلاّ ألفان وثمانمائة رجل وامرأة وأن قومه كانوا اثني عشر ألف قبيل كل قبيل نحو: اثنى عشر ألفاً من سوى النساء والذرية وكان قوم عاد مثلهم ثلاث مرات. ذكر هذا القرطبي في تفسيره ولم يعزه لأحد.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (9)
الحلقة (642)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 674الى صــــ 678)

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)
شرح الكلمات
قوم لوط: هم سكان مدن سدوم وعمورية وقرى أخرى ولوط هو نبي الله لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم.
أخوهم لوط: هذه أخوة بلد1 وسكنى لا أخوة نسب ولا دين.
إني لكم رسول أمين: أي إني مرسل إليكم لا إلى غيركم أمين في إبلاغكم رسالتي فلا أنقص ولا أزيد.
فاتقوا الله: بالإيمان به وعبادته وحده وترك معاصيه.
وما أسألكم عليه: أي على البلاغ من أجرة مقابل إرشادكم وتعليمكم.
أتأتون الذكران من العالمين: أي أتأتون الفاحشة من الرجال وتتركون النساء.
بل أنتم قوم عادون: أي معتدون ظالمون متجاوزون الحد في الإسراف في الشر.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص لوط مع قومه أصحاب المؤتفكات قال تعالى {كذبت قوم لوط المرسلين} أي كذبوا لوطاً الرسول وتكذيبه يعتبر تكذيباً لكافة الرسل لأن دعوة الله واحدة كذبوه لما دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك الفواحش والظلم والشر والفساد إذ قال لهم أخوهم لوط هذه أخوة الوطن لا غير إذ لوط بابلي الموطن ودينه الإسلام وأبوه هاران
أخو إبراهيم عليه السلام، وإنما لما أرسل لوط إلى أهل هذه البلاد وسكن معهم قيل لهم أخوهم بحكم المعاشرة والمواطنة الحاصلة {ألا تتقون2} يأمرهم بتقوى الله ويحضهم عليها لأنهم قائمون على عظائم الذنوب فخاف عليهم الهلاك فدعاهم إلى أسباب النجاة وهي تقوى الله تعالى بطاعته وترك معاصيه. وقال لهم {إني لكم رسول أمين3} فلا تشكوا في رسالتي وأطيعون، وإني غير سائلكم أجراً على تبليغ رسالتي إليكم إن أجري آخذه من رب العالمين الذي حملني هذه الرسالة وأمرني بإبلاغكم إياها وهنا أنكر عليهم أعظم منكر فقال موبخاً مقرعاً {أتأتون4 الذكران من العالمين} فترتكبون الفاحشة معهم {وتذرون} أي تتركون ما خلق الله لكم من أزواجكم {بل أنتم قوم عادون5} أي متجاوزون الحدود6 التي رسمها الشرع والعقل والآدمية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- جواز إطلاق أخوة الوطن دون الدين والنسب.
2- الأمانة من مستلزمات الرسالة، إذ كل رسول يقول {إني لكم رسول أمين} .
3- سبيل نجاة الفرد والجماعة في تقوى الله تعالى وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4- وجوب إنكار المنكر وتقبيحه على فاعله لعله يرعوي.
5- أكبر فاحشة وقعت في الأرض هي فاحشة اللواط. والعياذ بالله تعالى.
__________

1 أي: أخوة مواطنة كما يقال اليوم.
2 الاستفهام للحض على التقوى وهو متضمن الإنكار والتوبيخ.
3 جملة: {إني لكم رسول أمين} تعليلية لأمره إيّاهم بالتقوى والطاعة.
4 الاستفهام للإنكار والتوبيخ إذ كانوا يعملون الفاحشة مع الغرباء إذا نزلوا ديارهم بصورة عامة ومع بعضهم بعضاً بصورة خاصة.
5 بل: للانتقال من الوعظ إلى التنديد وتسجيل أكبر العدوان عليهم إذ الجملة الاسمية {أنتم قوم عادون} مبالغة في تحقيق نسبة العدوان إليهم وفي الإخبار بالجملة: {قوم عادون} إعلام بأن العدوان أصبح سجية فيهم وطبعاً لهم.
6 العادى: من تجاوز حد الحق إلى الباطل, والحلال إلى الحرام، فالقوم فد أحلّ الله لهم فروج نسائهم بالنكاح الشرعي وحرم عليهم إتيان الرجال في أدبارهم فتجاوزوا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك عادين.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)
شرح الكلمات:
لئن لم تنته: أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة.
من المخرجين: أي من بلادنا وطردك من ديارنا.
لعملكم من القالين: أي المبغضين له البغض الشديد.
رب نجني وأهلي مما يعملون: أي من عقوبة وعذاب ما يعملونه من الفواحش.
فنجيناه وأهله: أي نجينا لوطاً الذي دعانا وأهله وهم امرأته المؤمنة وابنتاه.
إلا عجوزاً في الغابرين: أي فإنا لم ننجها إذ حكمنا بإهلاكها مع الظالمين فتركناها معهم حتى هلكت بينهم لأنها كانت كافرة وراضية بعمل القوم.
وأمطرنا عليهم مطراً: أي أنزل عليهم حجارة من السماء فأمطروا بها بعد قلب البلاد عاليها سافلها.
فساء مطر المنذرين: أي فقبح مطر المنذرين ولم يمتثلوا فما كفوا عن الشر والفساد.
معنى الآيات:
ما زال السياق فيما دار بين نبي الله لوط وقومه المجرمين فإنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم ونهاهم وسمعوا ذلك كله منه أجابوا بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا لئن1 لم تنته يا لوط} أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة {لتكونن من المخرجين} أي نخرجك من بلادنا ونطردك من بيننا ولا تبقى ساعة واحدة عندنا إنتبه يا رجل،. فأجابهم لوط الرسول عليه السلام بقوله {إني لعملكم من القالين2} أي إني لعملكم الفاحشة من المبغضين أشد البغض، ثم التفت إلى ربه داعياً ضارعاً فقال {رب نجني وأهلي مما يعملون} وهذا بعد أن أقام يدعوهم ويتحمل سنين عديدة فلم يجد بداً من الفزع إلى ربه ليخلصه منهم فقال {ربي نجني ,وأهلي} من عقوبة وعذاب ما يعملونه من إتيان الفاحشة من العالمين قال تعالى {فنجيناه وأهله} وهم امرأته المسلمة وابنتاه المسلمتان طبعاً إلا عجوزاً وهي امرأته الكافرة المتواطئة مع الظلمة الراضية بالفعلة الشنعاء كانت في جملة الغابرين3 أي المتروكين بعد خروج لوط من البلاد لتهلك مع الهالكين قال تعالى {ثم دمرنا الآخرين} أي بعد أن أنجينا لوطاً وأهله أجمعين باستثناء العجوز الكافرة دمرنا أي أهلكنا الآخرين {وأمطر عليهم مطراً فساء مطر المنذرين} إنه بعد قلب البلاد سافلها على عاليها أمطر عليهم مطر حجارة من السماء لتصيب من كان خارج المدن المأفوكة المقلوبة.
قوله تعالى {إن في ذلك لآية} أي في هذا الذي ذكرنا من إهلاك المكذبين والمسرفين الظالمين آية وعلامة كبرى لمن يسمع ويرى {وما كان أكثرهم مؤمنين4} لما سبق في علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون فسبحان الله العظيم. وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وإن ربك يا رسولنا هو لا غيره العزيز الغالب القاهر لكل الظلمة والمسرفين الرحيم بأوليائه وعباده المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التهديد بالنفي سنة بشرية قديمة.
2- وجوب بغض الشر والفساد في أي صورة من صورهما.
3- استجابة دعوة المظلوم لاسيما إن كان من الصالحين.
4- توقع العذاب إذا انتشر الشر وعظم الظلم والفساد.
5- الآيات مهما كانت عظيمة لا تستلزم الإيمان والطاعة.
6- من لم يسبق له الإيمان لا يؤمن ولو جلب عليه كل آية.
7- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته.
__________

1 في الجملة إقسام دلّت عليه اللام وشك أنهم يحلفون بآلهتهم الباطلة والجملة متضمنة تهديداً وإيعاداً بالإبعاد والإخراج من البلد.
2 القلى: البغض يقال: قليته أقليه قلى وقلاءً قال الشاعر:
عليك السلام لا مللت قريبة
ومالك عندي أن نأيت قلاء
أي قلى.
3 فعل (غُبر) يطلق على البقاء والذهاب كالجون: يطلق على الأبيض والأسود قال الشاعر:
فما وني محمد منذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غبر
أي: ما بقي.
والأغبار: بقيات الألبان. قال الشاعر:
لا تكسع السول بأغبارها
إنك لا تدري من الناتج
يقال كسع الناقة: ترك في ضرعها بقية من اللبن، وبعده البيت التالي:
واحلب لأضيافك ألبانها
فإن شر اللبن الوالج
4 إذ لم يؤمن إلا إحدى نسائه وابنتاه.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:24 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (10)
الحلقة (643)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 678الى صــــ 682)

كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (184)
شرح الكلمات:
أصحاب الأيكة: أي الغيضة وهي الشجر الملتف.
إذ قال لهم شعيب: النبي المرسل شعيب عليه السلام.
أوفوا الكيل: أي أتموه.
ولا تكونوا من المخسرين: الذين ينقصون الكيل والوزن.
بالقسطاس المستقيم: أي الميزان السوي المعتدل.
ولا تبخسوا الناس أشياءهم: أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً.
ولا تعثوا في الأرض مفسدين: أي بالقتل والسلب والنهب.
والجبلة الأولين: أي والخليقة أي الناس من قبلكم.

معنى الآيات:
هذه بداية قصص شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة والأيكة الشجر الملتف كشجر الدوم وهذه الغيضة قريبة من مدينة مدين وشعيب أرسل لهما معاً وفي سورة هود {وإلى مدين أخاهم شعيباً} لأنه منهم ومن مدينتهم فقيل له أخوهم، وأما أصحاب الأيكة جماعة من بادية مدين كانت لهم أيكة من الشجر يعبدونها تحت أي عنوان كعبدة الأشجار والأحجار في كل زمان ومكان، فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه وهو قوله تعالى {كذب أصحاب1 الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب2 ألا تتقون3} أي اتقوا الله وخافوا عقابه {إني لكم رسول أمين} فاتقوا الله بعبادته وترك عبادة ما سواه وأطيعون أهدكم إلى ما فيه كمالكم وسعادتكم {وما أسألكم عليه} أي على بلاغ رسالة ربي إليكم أجراً أي جزاء وأجرة {إن أجري} أي ما أجري إلا على رب العالمين. وأمرهم بترك أشهر معصية كانت شائعة بينهم وهي تطفيف الكيل والوزن فقال لهم {أوفوا الكيل} أي أتموها ولا تنقصوها {ولا تكونوا من المخسرين} أي الذين ينقصون الكيل والوزن {وزنوا} أي إذا وزنتم {بالقسطاس المستقيم} أي بالميزان العادل، {ولا تبخسوا الناس أشياءهم4} أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً فما يساوي ديناراً لا تعطوا فيه نصف دينار وما يساوي عشرة لا تأخذوه بخمسة مثلاً ومن أجرته اليومية عشرون لا تعطوه عشرة مثلاً، {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي ولا تفسدوا في البلاد بأي نوع من الفساد كالقتل والسلب ومنع الحقوق وارتكاب المعاصي والذنوب {واتقوا الذي خلقكم} أي الله فخافوا عقابه {والجبلة5 الأولين} أي وخلق الخليقة من قبلكم
اتقوه بترك الشرك والمعاصي تنجوا من عذابه، وتظفروا برضاه وإنعامه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- الأمر بالتقوى فريضة كل داع إلى الله تعالى وسنة الدعاة والهداة إذ طاعة الله واجبة.
2- لا يصح لداع إلى الله أن يطلب أجره ممن يدعوهم فإن ذلك ينفرهم.
3- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة التطفيف فيهما.
4- حرمة بخس الناس حقوقهم ونقصها بأي حال من الأحوال.
5- حرمة الفساد في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.


__________
1 الأيكة وليكة بمعنى واحد كمكة وبكة، وقيل: الأيكة: الشجر الملتف أي الغليظة وليكة: وهي قراءة نافع. اسم للبلدة ومنعها من الصرف ومن قرأ الأيكة صرفها، والراجح أنها بمعنى واحد، وعدم الصرف لانعدام ال لا غير.
2 لم يقل: أخاهم شعيباً: لأنه لا قرابة بينهم بخلاف أهل مدين فهو من أهلها فلذا قال تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيباً} وأصحاب الأيكة أي بادية وهي الشجر الملتف فلذا يقال له الغيضة وكان من شجر الدوم وهو المقل والسدر وثماره النبق.
3 الاستفهام للحض على التقوى والإنكار عليهم عبادة غير الله تعالى. وجملة {إني لكم رسول أمين} تعليلية لأمره إياهم بالتقوى وفي {لكم} إشارة إلى أن رسالته إليهم عارضة وكانت بعد رسالته إلى أهل مدين، فلعلهم أنكروا أن يكون أرسل إليهم فلذا قال: {إني لكم رسول أمين} وفي آية الحجر قال تعالى {وإنهما لبإمام مبين} والتثنية في إنهما إشارة إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، ولما جاء العذاب أخذ الكل لأن ذنبهم واحد وقرب المنازل والديار.
4 الظاهر من السياق أن ذنب أصحاب الأيكة وأهل مدين كان واحدا الشرك والتطفيف والبخس للناس فلذا أدمج خطابهم فصاروا فيه أمة واحدة.
5 الجبلة: الخلقة وأريد بها المخلوقات ولذا قال: {الأولى} أي: وذوى الجبلة الأولى والمعنى وخلق الأمم من قبلكم.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:24 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)
شرح الكلمات:
إنما أنت من المسحرين: أي ممن يأكلون الطعام ويشربون فلست بملك تطاع.
وإن نظنك لمن الكاذبين: أي وما نحسبك إلا واحداً من الكاذبين.
فأسقط علينا كسفاً: أي قطعاً من السماء تهلكنا بها إن كنت من الصادقين فيما تقول.
عذاب يوم الظلة: أي السحابة التي أظلتهم ثم التهبت عليهم ناراً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصص شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة وأهل مدين إنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله {قالوا إنما أنت} أي يا شعيب {من المسحرين} الذي غلب السحر على عقولهم فلا يدرون ما يفعلون وما لا يقولون1 كما أنك بشر مثلنا تأكل الطعام وتشرب الشراب فما أنت بملك من الملائكة حتى نطيعك، {وإن نظنك} 2 أي وما نظنك إلا من الكاذبين من الناس {فأسقط علينا كسفاً} 3 أي قطعاً من السماء تهلكنا بها {إن كنت من الصادقين} في دعوى أنك رسول من الله إلينا. فأجابهم قائلاً بما ذكر تعالى {قال ربي أعلم بما تعملون} ولازم ذلك أنه سيجازيكم بعملكم قال تعالى {فكذبوه} في كل ما جاءهم به واستوجبوا لذلك العذاب {فأخذهم عذاب يوم4 الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} فقد أنزل الله تعالى عليهم حراً شديداً التهب منه الجو أو كاد فلجأوا إلى المنازل والكهوف والسراديب تحت الأرض فلم تغن عنهم شيئاً، ثم ارتفعت في سماء بلادهم سحابة فذهب إليها بعضهم فوجدها روحاً وبرداً وطيباً فنادى الناس أن هلموا فجاءوا فلما اجتمعوا تحتها كلهم انقلبت نارا فأحرقتهم ورجفت بهم الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم.
قال تعالى {إن في ذلك لأية} 5 أي علامة لقومك يا محمد على قدرتنا وعلمنا ووجوب عبادتنا وتصديق رسولنا ولكن أكثرهم لا يؤمنون لما سبق في علمنا أنهم لا يؤمنون، وإن ربك يا محمد لهو العزيز أي الغالب على أمره الرحيم بمن تاب من عباده.
هداية الآيات
من هداية الآيات

1- هذا آخر سبع قصص ذكرت بإيجاز تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديداً للمشركين المكذبين.
2- دعوة الرسل واحدة وأسلوبهم يكاد يكون واحداً: الأمر بتقوى الله وطاعة رسوله.
3- سنة تعلل الناس بأن الرسول لا ينبغي أن يكون بشراً فلذا هم لا يؤمنون.
4- المطالبة بالآيات تكاد تكون سنة مطردة، وقل من يؤمن عليها.
5- تقرير التوحيد والنبوة والبعث وهي ثمرة كل قصة تقص في هذا القرآن العظيم.
__________

1 في قولنا: كما أنك ... الخ دمج للقولين الذين قيلا في تفسير: {إنك لمن المسحرين} إذ كل منهما جائز، والقرآن حمال الوجوه.
2 إطلاق الظنّ على اليقين شائع كقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} .
3 {كسفاً} بكسر الكاف وسكون السين قراءة عامة القراء ما عدا حفصاً فقد قرأ {كسفاً} بتحريك السين جمع كِسف بسكونها، والكسف: القطحة والجمع: كِسف.
4 {الظلة} السحابة التي تظلل من تحتها وهي سحابة عظيمة أظلت مساحة كبيرة لما فرّوا إليها أظلتهم ثم أرسلت عليهم الصواعق فأحرقتهم وكانت من جنس ما طلبوه وهو: الكسف من السماء.
5 أي: في ذلك المذكور من عذاب يوم الظلة آية لكفار قريش إذ حالهم كحال أصحاب الأيكة وأهل مدين في الشرك والتطفيف في الكيل والوزن.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:25 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (11)
الحلقة (644)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 682الى صــــ 686)

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ (201)
شرح الكلمات:
وإن لتنزيل رب العالمين: أي القرآن الكريم تنزيل رب العالمين.
الروح الأمين: جبريل عليه السلام أمين على وحي الله تعالى.
وإنه لفي زبر الأولين: أي كتب الأولين، واحد الزبر: زبرة وكصفحة وصحف.
أولم يكن لهم آية: أي علامة ودليلاً علم بني إسرائيل به.
على بعض الأعجمين: الأعجمي من لا يقدر على التكلم بالعربية.
كذلك سلكناه: أي التكذيب في قلوب المجرمين من كفار مكة.
معنى الآيات:
لقد أنكر كفار مكة أن يكون القرآن وحياً أوحاه الله تعالى وبذلك أنكروا أن يكون محمد رسول الله، ومن هنا ردوا عليه كل ما جاءهم به من التوحيد وغيره، فإيراد هذا القصص يتلوه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو لا يقرأ ولا يكتب دال دلالة قطعية على أنه وحي إلهي أوحاه إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بذلك رسوله. فقوله تعالى {وإنه} أي القرآن الذي كذب به المشركون {تنزيل رب العالمين نزل به1 الروح الأمين} جبريل عليه السلام {على2 قلبك} أي الرسول لأن القلب هو الذي يتلقى الوحي إذ هو محط الإدراك والوعي والحفظ، وقوله {لتكون من المنذرين} هو علة لنزول القرآن عليه وبه كان من الرسل المنذرين. وقوله {وإنه لفي زبر الأولين} أي القرآن مذكور في الكتب الإلهية التي سبقته كالتوراة3 والإنجيل. وقوله تعالى {أو لم يكن لهم} أي لكفار قريش {آية} أي علامة على أن القرآن وحي الله وكتابه وأن محمداً عبد الله ورسوله {أن يعلمه علماء بنى إسرائيل} أي علم بني إسرائيل به كعبد الله بن سلام فقد قال والله إني لأعلم أن محمداً رسول أكثر مما أعلم أن فلاناً ولدي، لأن ولدي في الإمكان أن تكون أمه قد خانتني أما محمد فلا يمكن أن يكون غير رسول الله وفيهم قال تعالى {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ومن عرف محمداً رسولاً عرف القرآن وحياً إلهياً.
وقوله تعالى {ولو نزلناه على بعض الأعجمين4} أي وبلسان عربي مبين فكان ذلك آية، وقرأه عليهم الأعجمي، ما كانوا به مؤمنين. أي من أجل الأنفة والحمية إذ يقولون أعجمي وعربي؟ وقوله تعالى: {كذلك سلكناه} أي التكذيب وعدم الإيمان {في قلوب
المجرمين} أي كما سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين لو قرأ القرآن عليهم أعجمي سلكناه أي التكذيب في قلوب المجرمين إن قرأه عليهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعلة في ذلك هي أن الإجرام على النفس بارتكاب عظائم الذنوب من شأنه أن يحول بين النفس وقبول الحق لما ران عليها من الذنوب وأحاط بها من الخطايا. وقوله {لا يؤمنون به} تأكيد لنفي الإيمان حتى يروا العذاب الأليم أي يستمر تكذيبهم بالقرآن والمنزل عليه حتى يروا العذاب الموجع، وحينئذ لا ينفعهم إيمانهم ولا هم ينظرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير معتقد الوحي الإلهي والنبوة المحمدية.
2- بيان أن جبريل هو الذي كان ينزل بالوحي القرآني على النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- تقرير النبوة المحمدية وأن محمداً من المنذرين.
4- بيان أن القرآن مذكور في الكتب5 السابقة بشهادة علماء هل الكتاب.
5- إذا تراكمت آثار الذنوب والجرائم على النفس حجبتها عن التوبة ومنعتها من الإيمان.
__________

1 قرأ نافع وحفص وغيرهما {نزل} بالتخفيف، و {الروح} مرفوع على الفاعلية وقرأ بعض {نزّل} بالتضعيف و {الروح} منصوب على المفعولية والفاعل هو الله جل جلاله، والباء في (به) للمصاحبة.
(على) : حرف استعلاء وكون القرآن نزل به جبريل على قلب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دال على تمكن وصول الوحي واستقراره في القلب. نحو: {على هدى من ربهم} وقد روى البخاري في صفة الوحي فقال عن عائشة: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".
3 جاء في التوراة قال لي الرب {أي لموسى} أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. فالمراد من إخوة بني إسرائيل هم العرب. وفي الإنجيل: وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً (أي رسولاً) آخر لمكث معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.
4 وكذلك لو أنزله على أعجمي بلغته لاعتذروا بأنهم لا يفهمون عنه، والمراد من الأعجمي: هو من لا يحسن اللغة العربية وإن كان عربياً، والعجمي من أصله عجمي ولو أجاد اللغة العربية.
5 ومذكور من نزل عليه وهو محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإقامته له فيهم كما تقدم في المثلين المذكورين أحدهما من التوراة والثاني من الإنجيل.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:25 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
شرح الكلمات:
هل نحن منظرون: أي ممهلون لنؤمن. والجواب قطعاً: لا لا..
أفرأيت: أي أخبرني.
إن متعناهم سنين: أي أبقينا على حياتهم يأكلون ويشربون وينكحون.
ما كانوا يوعدون: أي من العذاب.
ما أغنى عنهم: أي أي شيء أغنى عنهم ذلك التمتع الطويل لا بدفع العذاب ولا بتخفيفه.
إلا لها منذرون: أي رسل ينذرون أهلها عاقبة الكفر والشرك.
ذكرى: أي عظة.
وما تنزلت به الشياطين: أي لا يتأتى لهم ولا يصلح لهم أن يتنزلوا به.
وما يستطيعون: أي لا يقدرون.
إنهم عن السمع: أي لكلام الملائكة لمعزولون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير النبوة المحمدية واثبات الوحي. لقد جاء في السياق أن المجرمين لا يؤمنون بهذا القرآن حتى يروا العذاب الأليم. فيأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون أي لا يعلمون به حتى يفاجئهم. فيقولون حينئذ: {هل نحن منظرون} أي يتمنون1 به أن لو يمهلوا حتى يؤمنوا ويصلحوا ما أفسدوا.
وقوله تعالى {أفبعذابنا يستعجلون} عندما قالوا للرسول {لن نؤمن لك حتى تننزل علينا كسفاً من السماء} أي قطعاً، أحُمق هم أم مجانين يستعجلون عذاب الله الذي إن جاءهم كان فيه حتفهم أجمعين؟ ثم قال لرسوله: {أفرأيت} يا رسولنا {إن متعناهم سنين} بأن أطلنا أعمارهم ووسعنا في أرزاقهم فعاشوا سنين عديدة ثم جاءهم عذابنا أي
أخبرني هل يغني ذلك التمتع عنهم شيئاً؟ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون أي لم يغن عنهم شيئاً لا بدفع العذاب ولا بتأخيره ولا بتخفيفه.
وقوله تعالى {وما أهلكنا من قرية2} كتلك القرى التي مر ذكرها في هذه السورة {إلا لها منذرون} أي كان لها رسل ينذرون أهلها عقاب الله إن أصروا على الشرك والكفر والشر والفساد. وقوله {وذكرى3} أي عظة لعلهم يتعظون. وقوله {وما كنا ظالمين} في إهلاك من أهلكنا بعد أن أنذرنا.
ونزل رداً على المشركين المجرمين الذين قالوا إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد كما يأتون للكهان بأخبار السماء. {وما تنزلت به الشياطين4} كما يزعم المكذبون {وما ينبغي لهم} أي للشياطين أي لا يصلح لهم ولا يتأتى منهم ذلك لأنهم معزولون عن السماع، أي سماع كلام الملائكة إذ أرصد الله تعالى شهباً حالت بينهم وبين السماع ومن السماع فلذا دعوى المشركين باطلة من أساسها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن المجرمين إذا شاهدوا العذاب تمنوا التوبة ولا يمكنون منها.
2- بيان أن استعجال عذاب الله حمق ونزغ في الرأي وفساد في العقل.
3- بيان أن طول العمر وسعة الرزق لا يغنيان عن صاحبها شيئاً من عذاب الله إذا نزل به.
4- بيان سنة الله تعالى في أنه لا يهلك أمة إلا بعد الإنذار والبيان.
5- إبطال مزاعم المشركين في أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان، وأن الشياطين تتنزل به
__________

1 ذكر القرطبي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون} ويقول:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم
ولا أنت في النوم بناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى
كما سرّ باللذات في النوم حالهم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
2 {من قرية} من: صلة أي زائدة لتقوية الكلام وتأكيده لأن زيادة المبنى تزيد في المعنى كذا يقال.
3 ذكرى: يسمع إعرابها حالاً ومصدراً وخبراً.
4 قرأ محمد بن السميع وما تتنزلت به الشياطون وردّ عليه ولم يقبل منه ولحلة نظر إلى أن الشيطان مشتق من شاط يشيط, والصواب أنه من شطن لا من شاط.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:26 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الشعراء - (12)
الحلقة (645)
تفسير سورة الشعراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 686الى صــــ 691)

فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
شرح الكلمات:
فلا تدع مع الله إلهاً آخر: أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر، لأن الدعاء هو العبادة.
وأنذر عشيرتك الأقربين: وهم بنو هاشم وبنو عبد لمطلب.
وخفض جناحك: أي ألن جانبك.
فإن عصوك: أي أبوا قبول دعوتك إلى التوحيد، ورفضوا ما تدعوهم إليه.
فقل إني بريء مما تعملون: أي من عبادة غير الله سبحانه وتعالى.
الذي يراك حين تقوم: أي إلى الصلاة فتصلي متهجداً بالليل وحدك.
وتقلبك في الساجدين: أي ويرى تقلبك مع المصلين راكعاً ساجداً قائماً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش قوم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله تعالى {فلا تدع مع1 لله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} فيه إيحاء وإشارة واضحة بأنه تعريض بالمشركين الذين يدعون آلهة أصناماً وهي دعوة توقظهم من نومتهم إنه إذا كان رسول الله ينهى عن عبادة غير الله وإلا يعذب مع المعذبين فغيره من باب أولى فكأن الكلام جرى على حد إياك أعني واسمعي يا جارة!! وقوله تعالى {وأنذر عشيرتك2 الأقربين} أمر من الله لرسوله أن يخص أولاً بإنذاره قرابته لأنهم أولى بطلب النجاة لهم من العذاب، وقد امتثل الرسول أمر ربه فقد ورد في الصحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما أنزل عليه {وأنذر3 عشيرتك الأقربين} قال "يا معشر4 قريش اشتروا أنفسكم من الله " يعني بالإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي " فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله أي من عذابه شيًء, يا عباس بن عبد المطلب ,لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ً.
وقولي تعالى {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} أمره أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يعطف عليهم ويُطايبهم ليرسخ الإيمان في قلوبهم ويسلموا من غائلة الردة فيما لو عوملوا بالقسوة والشدة وهم في بداية الطريق إلى الله تعالى وقوله تعالى {فإن عصوك} أي من أمرت بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته وخلع الأنداد والتخلي عن عبادتها {فقل إني بريء مما تعملون} أي من عبادة غير الله تعالى وغير راض بذلك منكم ولا موافق عليه لأنه شرك حرام وباطل مذموم. وقوله تعالى {وتوكل على5 العزيز} أي الغالب القاهر الذي لا يمانع في شيء يريده الرحيم بالمؤمنين من عباده، والأمر بالتوكل هنا ضروري لأنه أمره بالبراءة من الشرك والمشركين وهي حال تقتضي عداوته والكيد له بل ومحاربته ومن هنا وجب التوكل6 على الله والاعتماد عليه، وإلا فلا طاقة له بحرب قوم وهو فرد واحد وقوله {الذي يراك حين تقوم} أي في صلاتك وحدك {وتقلبك في الساجدين7} ويرى تقلبك قائماً وراكعاً وساجداً مع المصلين من المؤمنين، بمعنى أنه معك يسمع ويرى فتوكل عليه ولا تخف غيره وامض في دعوتك ومفاصلتك للمشركين. وقوله {إنه هو السميع العليم} تقرير لتلك المعية الخاصة إذ السميع لكل صوت والعليم بكل حركة وسكون يحق للعبد التوكل عليه وتفويض الأمر إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد، وحرمة دعاء غير الله تعالى من سائر مخلوقاته لأنه الشرك الحرام.
2- من مات يدعو غير الله فهو معذب لا محالة مع المعذبين.
3- تقرير قاعدة البدء بالأقارب في كل شيء لأنهم ألصق بقريبهم من غيرهم.
4- مشروعية لين الجانب والتواضع للمؤمنين لاسيما الحديثو عهد بالإسلام.
5- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
6- وجوب التوكل على الله والقيام بما أوجبه الله تعالى.
7- فضل قيام الليل وصلاة الجماعة لما يحصل للعب من معية الله تعالى.
__________

1 إن الخطاب وإن كان في السياق ما يدل على أنه موجه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه صالح لكل من يسمعه.
2 الجملة معطوفة على التي قبلها وهي, {فلا تدع مع الله إلهاً آخر} إذ نهاه عن الشرك وأمره أن يُنذر أقرباءه منه لأنه لا فلاح معه.
3 في هذه الآية دليل على أن القرب في الأنساب مع البعد في الأسباب ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر لإرشاده ونصحه. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ لكم رحماً سأبلّها ببلالها".
4 رواه مسلم وغيره بألفاظ فيها بعض الاختلاف.
5 قرأ نافع {فتوكل} بالفاء وقرأ غيره بالواو، وكلا الحرفين عاطف فالفاء عاطفة على قوله: {فقل إني بريء مما تعملون} وهي للتفريع أيضاً والواو عاطفة على جواب الشرط وهو {إني بريء مما تعملون} .
6 التوكل: تفويض المرء أمره إلى من يكفيه مهمه وما دام لا كافي إلا الله وجب إذاً التوكل عليه عز وجل.
7 في الآية دليل على مشروعية صلاة الجماعة وتأكدها واضح.

*************************

يتبع


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:26 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)
شرح الكلمات
أنبئكم: أي أخبركم.
أفاك أثيم: أي كذاب يقلب الكذب فيكون إفكاً أثيم غارق في الآثام.
يلقون السمع: أي يلقون أسماعهم ويصغون أشد الإصغاء للشياطين فيتلقون منهم مما أكثره كذب وباطل.
الغاوون: جمع غاو: الضال عن الهدى الفاسد القلب والنية.
في كل واد: أي من أودية الكلام وفنونه.
يهيمون: أي يمضون في كل شعب وواد من الكلام مدحاً أو ذماً كان صدقا ً أو كذباً.
يقولون ما لا يفعلون: أي يقولون فعلنا وهم لم يفعلوا.
وانتصروا من بعد ما ظلموا: أي قالوا الشعر انتصارا ً للحق بأن ردوا على من هجا المسلمين.
أي منقلب ينقلبون: أي مرجع يرجعون بعد الموت وهو دار البوار جهنم.
معنى الآيات:
لما ادعى المبطلون من مشركي قريش أن الرسول يتلقى من الشياطين كما تتلقى الكهان منهم رد تعالى عليهم بقوله {هل أنبئكم1 على من تنزل الشياطين؟} وأجاب عن السؤال قائلاً {تنزل على كل أفاك} كذاب يقلب الكذب قلباً فيقول في الظالم عادل، وفي الخبيث طيب، وفي الفاسد صالح، {أثيم} أي كثير الآثام إذ لم يترك جريمة إلا يقارفها ولا سيئة إلا يجترحها حتى يغرق في الإثم فهذا الذي تتحد معه الشياطين وتلفي إليه بما تسمعه من السماء لكونه مثلها في ظلمة النفس وخبث الروح، وأما محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أبعد الناس عن الكذب والإثم فلم يجرب عليه كذب قط ولم يعرف منه ذنب أبداً فكيف تتحد معه الشياطين وتخبره وتلقي إليه بخبر السماء؟ وبهذا بطلت التهمة وقوله {يلقون2 السمع وأكثرهم3 كاذبون} أي إن الشياطين قبل أن يحال بينهم وبين استراق السمع بإرصاد الشهب لهم كانوا يلقون أسماعهم للحصول على الخبر وأكثرهم كاذبون حيث يخلطون مع الكلمة التي سمعوها مائة كلمة كلها كذب منهم ويلقون ذلك الكذب إلى إخوانهم في الكفر والخبث من كهنة الناس.
وقوله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون} أي أهل الغواية والضلال هم الذين يتبعون الشعراء فيروون لهم وينقلون عنهم، ويصدقونهم فيما يقولون. والدليل على ذلك {أنهم} أي الشعراء {في كل واد} من أودية الكلام وفنونه {يهيمون} على وجوههم ماضين في قولهم فيمدحون ويذمون، يهجون، ويفخرون، ويدعون أنهم فعلوا كذا وكذا وما فعلوا فهل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي اتهمتموه بأنه شاعر وما يقوله من جنس الشعر أتباعه4 غاوون انظروا إليهم واسألوا عنهم فإنهم أهدى الناس وأبرهم فعلاً وأصدقهم حديثاً وأبعدهم عن الريبة، فلو كان محمد شاعراً وما لكان أتباعه الغاوين فبذا بطلت الدعوى من أساسها.
وقوله {إلا الذين5 آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا} إنه لما ذم الشعراء، استثنى منهم أمثال: عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت ممن آمنوا وعملوا الصالحات وانتصروا يردون هجاء المشركين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينافحون عن الإسلام وأهله بشعرهم الصادق النقي الطاهر الوفي.
وقوله تعالى {وسيعلم الذين ظلموا} رسول الله باتهامه بالكهانة مرة وبالشعر مرة أخرى وظلموا الوحي الإلهي بوصفه بما هو بعيد عنه من الكهانة والشعر {أي منقلب ينقلبون} أي أي مرجع يرجعون إليه، إنه النار وبئس القرار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إبطال فرية المشركين من أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان.
2- إبطال أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاهن وشاعر.
3- بيان أن الشياطين تتحد مع ذوي الأرواح الخبيثة بالإفك والآثام.
4- بيان أن الشعراء المبطلين أتباعهم في كل زمان ومكان الغاوون الضالون.
5- جواز نظم الشعر وقوله في تقرير علم أو تسجيل6 حكمة، أو انتصار7 للإسلام والمسلمين بالرد على من يهجوا الإسلام والمسلمين.
6- التحذير من عاقبة الظلم فإنها وخيمة.
__________

1 هذا الاستفهام صوري واختير له هل لإفادتها التحقيق كقد وهو يحمل التعريض بأنّ المستفهم عنه مما يسوءهم فلذا استفهموا في هذا السؤال {هل أنبئكم} ؟
2 وجائز أن يكون من يلقون السمع: الكهان، إذ هم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتنزل عليهم شياطينهم بالخبر وذلك من إفكهم، وعليه فجملة: {يلقون السمع} صفة {لكل أفاك أثيم} وما في التفسير عليه الكثيرون وكلا المعنيين وارد وصحيح.
3 أي: أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين فبعضهم لا يتلقى شيئاً وإنما يدعي ذلك، والبعض يتلقى قليلاً فيزيد عليه أضعافه، وفي الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكهان فقال: "ليسوا بشيء قيل: يا رسول الله فإنهم يحدثون يكون حقا ً فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها المجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة".
4 من كان أتباعه غاوين لا يكون هو إلاّ غاوياً بل أشد غواية.
5 في الآية دليل على جواز دراية الشعر الحسن فقد روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لعمر بن الشريد: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قال: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتاً فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت.
6 روى عن ابن سيرين أنه أنشد شعراً فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال: ويلك يالكع: وهل الشعر إلاّ كلاما ً لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي فحسنه حسن وقبيحه قبيح.
7 من شعر نصرة الحق قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي بين يديه وذلك يوم الفتح:
خلو بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم عن تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقبله
ويذهل الخليل عن خليله
ومنه قول حسان:
هجوت محمداً فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
أتشتمه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالدتي وعرضي
عرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه
وبحري لا تكدره الدَّلاءُ


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:27 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النمل - (1)
الحلقة (646)
تفسير سورة النمل مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 4الى صــــ 9)


المجلد الرابع
سورة النمل


مكية
وآياتها ثلاث وتسعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)

شرح الكلمات:
طس: هذا أحد الحروف المقطّعة، يقرأ: طا. سين.
تلك: أي الآيات المؤلفة من هذه الحروف آيات القرآن.
هدى وبشرى: أي أعلام هداية للصراط المستقيم، وبشارة للمهتدين.
زيّنا لهم أعمالهم: أي حببناها إليهم حسب سنتنا فيمن لا يؤمن بالبعث والجزاء.
فهم يعمهون: في ضلال بعيد وحيرة لا تنتهي.
لهم سوء العذاب: أي في الدنيا بالأسر والقتل.
معنى الآيات:
قوله تعالى {طس} لقد سبق أن ذكرنا أن السلف كانوا يقولون في مثل هذه الحروف المقطعة: الله أعلم بمراده بذلك، وهذه أسلم، وذكرنا أن هناك فائدة قد تقتنص من
الإشارة بتلك أو بذلك، وهي أن القرآن المعجز الذي تحدى به مُنَزله عز وجل الإنس والجن قد تألف من مثل هذه الحروف العربية فألفوا أيها العرب مثله سورة فأكثر فإن عجزتم فآمنوا أنه كلام الله ووحيه واعملوا بما فيه ويدعو إليه.
وقوله {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ (1) } أي المؤلفة من مثل هذه الحروف آيات القرآن {وَكِتَابٍ مُبِينٍ (2) } أي مبين لكل ما يحتاج إلى بيانه من الحق والشرع في كل شؤون الحياة.
وقوله {هُدىً وَبُشْرَى (3) لِلْمُؤْمِنِينَ} أي هادٍ إلى الصراط المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى السعادة والكمال في الدارين، {وَبُشْرَى} أي بشارة عظمى للمؤمنين أي بالله ولقائه والرسول وما جاء به، {الَّذِينَ (4) يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} بأدائها في أوقاتها في بيوت الله تعالى مستوفاة الشروط والأركان والواجبات والسنن والآداب {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} عند وجوبها عليهم {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ} أي بالدار الآخرة {هُمْ يُوقِنُونَ} بوجودها والمصير إليها، وبما فيها من حساب وجزاء.
وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} أي بالبعث والجزاء {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} أي حببناها إليهم حتى يأتوها وهي أعمال شر وفساد، وذلك حسب سنتنا فيمن أنكر البعث وأصبح لا يرهب حسابا ولا يخاف عقابا انغمس في الرذائل والشهوات وأصبح لا يرعوي عن قبيح {فَهُمْ} لذلك {يَعْمَهُونَ} في سلوكهم يتخبطون لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} أي في الدنيا بالأسر والقتل، وهم في الآخرة (5) هم الأكثر خساراً من سائر أهل النار أي أشد عذابا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان إعجاز القرآن إذ آياته مؤلفة من مثل طس، وحم وعجز العرب عن تأليف مثله.
2- بيان كون القرآن، هدى وبشرى للمؤمنين الملتزمين بمتطلبات الإيمان.
3- إنكار البعث والدار الآخرة يجعل صاحبه شر الخليقة وأسوأ حالا من الكلاب والخنازير.
4- وجوب قتال الملاحدة وأخذهم أسراً وقتلاً حتى يؤمنوا بالله ولقائه لأنهم خطر على أنفسهم وعلى البشرية سواء.
__________

1- عرّف الكتاب ونكّر القرآن وهما في معنى المعرفة كما يقال: فلان رجل عاقل، وفلان الرجل العاقل، والكتاب هو القرآن فجُمع له صفتان تفخيما وتعظيما فهو قرآن وهو كتاب، والكتاب: علم على القرآن بالغلبة، والقرآن علم بالنقل.
2- (مبين) إن كان من أبان اللازم فهو بمعنى بان أي: فهو ظاهر واضح بيّن في نفسه وفي هذا تنويه وتشريف له، وإن كان من أبان المتعدي فهو مبيّن لما أريد منه من أركان العقيدة وأنواع العبادات وأحكام الشريعة وآدابها.
3- هدى وبشرى: حال، والإعراب مقدر أشار إلى القرآن حال كونه هادياً ومبشراً للمؤمنين به العاملين بما فيه من الشرائع والأحكام والآداب والأخلاق.
4- الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الموصول وصلته وما عطف عليه نعت للمؤمنين وصفٌ لهم بما تضمنه لفظ الهدى، وجملة: {وهم بالآخرة هم يوقنون} معطوفة على صلة الموصول فهي نعت ثانٍ للمؤمنين الذين هدوا بالقرآن.
5- قوله تعالى: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة موقع جواب عن سؤال تقديرهُ: إذا كان القرآن هاديا ومبشراً فما للذين لا يؤمنون بالآخرة لم يهتدوا؟ فالجواب: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّن الله لهم أعمالهم لذا فهم لا يهتدون، وتزيين الأعمال قائم على سنة من سنن الله تعالى وهي أنّ من رفض الحق وآثر الباطل عليه وأصرّ على اختيار الباطل يحرم الهداية فلا يقبلها ممن جاءه بها كالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:27 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
شرح الكلمات:
وإنك لتلقى: أي تلقنه وتحفظه وتعلمه.
من لدن حكيم: أي من عند حكيم عليم هو الله جل جلاله.
آنست ناراً: أي أبصرت ناراً من بعد حصل لي بها بعض الأنس.
سآتيكم منه بخبر: أي عن الطريق حيث ضلوا طريقهم إلى مصر في الصحرا.
بشهاب قبس: أي بشعلة نار مقبوسة أي مأخوذة من أصلها.
لعلكم تصطلون: أي تستدفئون.
أن بورك من في النار: أي بارك الله جل جلاله من في النار وهو موسى عليه السلام إذ هو في البقعة المباركة التي نادى الله تعالى موسى منها.
وسبحان الله رب العالمين: أي نزه الرب تعالى نفسه عما لا يليق بجلاله وكماله من صفات المحدثين.
يا موسى إنه أنا الله: أي الحال والشأن أنا الله العزيز الحكيم الذي ناداك وباركك.
تهتز كأنه جان: أي تتحرك بسرعة كأنها حية خفيفة السرعة.
ولم يعقب: أي ولم يرجع إليها خوفا وفزعا منها.
ثم بدل حسنا بعد سوء: أي تاب فعمل صالحا بعد الذي حصل منه من السوء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى (1) الْقُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} يخبر تعالى رسوله بأنّه يلقّن القرآن ويحفظه ويعلمه من لدن حكيم في تدبيره عليم بخلقه وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه.
وقوله تعالى {إِذْ قَالَ مُوسَى} اذكر لمنكري الوحي والمكذبين بنبوتك إذ قال موسى إلى آخر الحديث، هل مثل هذا يكون بغير التلقي من الله تعالى. والجواب: لا إذاً فأنت رسول الله حقا وصدقاً {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ} امرأته وأولاده {إِنِّي آنَسْتُ (2) نَاراً} أي أبصرتها مستأنسا بها. {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ (3) قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (4) } أي تستدفئون إذ كانوا في ليلة شاتية باردة وقد ضلوا طريقهم.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا} أي النار {نُودِيَ (5) } أي ناداه ربه تعالى قائلا: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} أي تقدس من في النار التي هي نور الله جل جلاله. وهو موسى عليه السلام ومن حولها من أرض القدس والشام، والله أعلم بمراده من كلامه وإنا لنستغفره ونتوب إليه إن لم نوفق لمعرفة مراده من كلامه وخطابه فاغفر اللهم ذنبنا وارحم عجزنا وضعفنا إنك غفور رحيم، وقوله تعالى {وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} نزه تعالى نفسه عما لا يليق بجلاله وكماله وقوله {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي الذي يناديك هو الله ذو الألوهية على خلقه العزيز الغالب الذي لا يحال بينه وبين مراده الحكيم في قضائه وتدبيره وتصريف ملكه. بعد أن عرفه بنفسه وأذهب عنه روع نفسه، أمره أن يلقي العصا تمرينا له على استعمالها فقال {وَأَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها فاهتزت كأنها جان أي حية خفيفة السرعة {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى (6) مُدْبِراً} أي رجع القهقرى فزعا وخوفا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} أي لم يرجع إليها خوفا منها فناداه ربه تعالى {يَا مُوسَى (7) لا تَخَفْ} من حية ولا من غيرها {إِنِّي لا يَخَافُ (8) لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} {إِلَّا (9) مَنْ ظَلَمَ} أي نفسه باقتراف ذنب من الذنوب فهذا يخاف لكن إن هو تاب بعد الذنب ففعل حسنات بعد السيئات فإنه لا يخاف لأني غفور رحيم فأغفر له وأرحمه. طمأن تعالى نفس موسى بهذا لأن موسى كان شاعراً بأنه أذنب بقتل القبطي قبل نبوته ورسالته، وإن كان القتل خطأ إلا أنه تجب فيه الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- مشروعية السفر بالأهل والولد وجواز خطأ الطريق حتى على الأنبياء والأذكياء.
3- قيومية الرجل على النساء والأطفال.
1- تجلي الرب تعالى لموسى في البعقة المباركة ومناجاته وتدريبه على العصا والسلاح الذي يقاوم به فرعون وملأه فيما بعد.
2- الظلم يسبب الخوف والعقوبة إلا من تاب منه وأصلح فإن الله غفور رحيم.
__________

1- قال القرطبي: هذه الآية بسط وتمهيد لما يريد أن يسوق من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه وهو كما قال.
2- {إني آنست نارا} أي: أبصرتها من بعد قال الشاعر:
آنست نبأة وأفرز عنها القناص عصرا وقد دنا الإمساءُ
3- قرأ عاصم {بشهاب قبس} بتنوين شهاب، وقرأ نافع {بشهاب} بلا تنوين مضاف إلى قبس، والإضافة للنوع كثوب خَزٍّ وخاتم فضة.
4- الاصطلاء: الاستدفاء من البرد، قال الشاعر:
النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه شاتيا فليصطل
5- عن وهب بن منبه قال: فلما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها: العُليق فعجب منها ... {ونودي أن بورك من في النار ومن حولها}
6- أي: خائفا على عادة البشر.
7- الاستثناء منقطع أي: لكن يخاف من ظلم، ومن ظلم ثم تاب فلا يخاف أيضا فإن الله غفور رحيم.
8- هذا مقول قول أي: يا موسى لا تخف.
9- الجملة تعليل للنهي في قوله: {يا موسى لا تخف} .

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:29 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النمل - (2)
الحلقة (647)
تفسير سورة النمل مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 9الى صــــ 13)


وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
شرح الكلمات:
في جيبك: أي جيب ثوبك.
من غير سوء: أي برص ونحوه بل هو (البياض) شعاع.
في تسع آيات: أي ضمن تسع آيات مرسلاً بها إلى فرعون.
مبصرة: مضيئة واضحة مشرقة.
وجحدوا بها: أي لم يقروا ولم يعترفوا بها.
واستيقنتها أنفسهم: أي أيقنوا أنها من عند الله.
ظلما وعلوا: أي ردوها لأنهم ظالمون مستكبرون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع موسى في حضرة ربه عز وجل بجانب الطور إنه لما أمره بإلقاء العصا فألقاها فاهتزت وفزع موسى لذلك فولى مدبراً ولم يعقب خائفاً فطمأنه ربه تعالى بأنه لا يخاف لديه المرسلون أمره أن يدخل يده في جيبه فقال {وَأَدْخِلْ (1) يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي في جيب القميص {تَخْرُجْ (2) بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي من غير برص بل هو بياض إشراق يكاد يذهب بالأبصار {فِي تِسْعِ (3) آيَاتٍ} أي ضمن تسع آيات مرسلاً بها إلى فرعون وقومه، وبين تعالى علة ذلك الإرسال فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} أي خارجين عن الاعتدال إلى الغلو والإسراف في الشر والفساد وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ (4) آيَاتُنَا} يحملها موسى مبصرة مضيئة واضحة دالة على صدق موسى في دعوته، رفضوها فلم يؤمنوا بها، و {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، أي الذي جاء به موسى من الآيات هو سحر بين لا شك فيه قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أي جحدوا بالآيات وكذبوا وتيقنتها أنفسهم أنها آيات من عند الله دالة على رسالة موسى وصدق دعوته في المطالبة ببني إسرائيل وقوله ظلماً وعلوا أي حملهم على التكذيب والإنكار مع العلم هو ظلمهم واستكبارهم فإنهم ظالمون مستكبرون. وقوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ (5) كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} أي انظر يا رسولنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان عاقبة المفسدين وهي إهلاكهم ودمارهم أجمعين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- آية اليد هي إحدى الآيات التسع التي أوتي موسى عليه السلام دليلا على وجود الآيات التي كان الله تعالى يؤيد بها رسله فمن أنكرها فقد كفر.
2- التنديد بالفسق واستحقاق أهله العذاب في الدارين.
3- الكبر والعلو في الأرض صاحبهما يجحد الحق ولا يقر به وهو يعلم أنه حق.
4- عاقبة الفساد في الأرض بالمعاصي سوءى، والعياذ بالله تعالى.
__________

1- هذا الكلام معطوف على قوله: (وألق عصاك) وما بينهما اعتراض.
2- هذه آية أخرى غير الأولى.
3- التسع آيات هي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد والقمل، والضفادع والدم، والقحط، وانفلاق البحر، وهو من أعظمها.
4- {فلما جاءتهم} الخ أوجز بقية القصة وانتقل إلى العبرة بتكذيب فرعون وقومه بالآيات ليعتبر بذلك كفار قريش المكذبون بآيات الله ورسوله.
5- الخطاب لغير معيّن ويجوز أن يكون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلية له وحملاً له على الصبر من تكذيب قومه له وإصرارهم على الكفر به.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:29 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
شرح الكلمات:
علمنا: هو علم ما لم يكن لغيرهم كمعرفة لغة الطير إلى جانب علم الشرع كالقضاء ونحوه.
وقالا الحمد لله: أي شكراً له.
على كثير من عباده المؤمنين: أي بالنبوة وتسخير الجن والإنس والشياطين.
وورث سليمان داوود: أي ورث أباه بعد موته في النبوة والملك والعلم دون باقي أولاده.
علمنا منطق الطير: أي فهم أصوات الطير وما تقوله إذا صفرت.
وأوتينا من كل شيء: أوتيه غيرنا من الأنبياء والملوك.
وحشر لسليمان: أي جمع له جنوده من الجن والإنس والطير في مسير له.
فهم يوزعون: أي يساقون ويرد أولهم إلى آخرهم ليسيروا في نظام.
لا يحطمنكم سليمان: أي لا يكسرنكم ويقتلنكم.
وهم لا يشعرون: أي بكم.
أوزعني أن أشكر: أي ألهمني ووفقني لأن أشكر نعمتك التي أنعمت علي.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص داوود وسليمان عليهما السلام ذكر بعد أن أخبر تعالى أنه يلقن رسوله محمداً ويعلمه من لدنه وهو العليم الحكيم ودلل على ذلك بموجز قصة موسى عليه السلام ثم ذكر دليلاً آخر وهو قصة داوود وسليمان، فقال تعالى {لَقَدْ آتَيْنَا} أي أعطينا داوود وسليمان {عِلْماً} أي الوالد والولد علماً خاصاً كمعرفة منطقة الطير وصنع الدروع وإلانة الحديد زيادة على علم الشرع والقضاء (1) ، وقوله تعالى {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي شكرا ربهما بقولهما {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي الشكر لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين بما آتاهما من الخصائص والفواضل. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (14) وأما الآية الثانية (15) فقد أخبر تعالى فيها أن سليمان ورث أباه داوود وحده دون باقي أولاده (2) وذلك في النبوة والملك، لا في الدرهم والدينار والشاة والبعير، لأن الأنبياء لا يورثون فما يتركونه هو صدقة (3) . كما أخبر أن سليمان قال في الناس (4) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ (5) الطَّيْر} فما يصفر طير إلا علم ما يقوله في صفيره، وأوتينا من كل شيء أوتيه غيرنا من النبوة والملك والعلم والحكمة {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} أي فضل الله تعالى البين الظاهر. وقوله تعالى {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُه} أي جمع له جنوده {مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْر فَهُمْ يُوزَعُونَ} هو إخبار عن مسير كان لسليمان مع جنده {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي جنوده توزع تساق بانتظام. بحيث لا يتقدم بعضها بعضا فيرد دائما أولها إلى آخرها محافظة على النظام في السير، وما زالوا سائرين كذلك حتى أتوا على واد النمل بالشام فقالت نملة من النمل {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} قالت هذا رحمة وشفقة على بنات جنسها تعلم البشر الرحمة والشفقة والنصح لبني جنسهم لو كانو يعلمون، واعتذرت لسليمان وجنده بقولها وهم لا يشعرون بكم وإلا لما داسوكم ومشوا عليكم حتى لا يحطمونكم. وما إن سمعها سليمان وفهم كلامها (6) حتى تبسم ضاحكا من قولها {وَقَالَ رَبِّ} أي يا رب {أَوْزِعْنِي (7) } ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (8) الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} أي يسر لي عملاً صالحاً ترضاه مني، {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أي في جملتهم في دار السلام.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب الشكر على النعم.
2- وراثة سليمان لداوود لم تكن في المال لأن الأنبياء لا يورثون وإنما كانت في النبوة والملك.
3- آية تعليم الله تعالى سليمان منطق الطير وتسخير الجن والشياطين له.
4- فضل النمل على كثير من المخلوقات ظهر في نصح النملة لأخواتها وشفقتها عليهن.
5- ذكاء النمل وفطنته مما أضحك سليمان متعجبا منه.
6- وجوب الشكر عند مشاهدة النعمة ورؤية الفضل من الله عز وجل.
7- تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا الحديث لا يتأتى له إلا بالوحي الإلهي.
__________

1- وآتى داود الزبور وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجّل النعم وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من المؤمنين.
2- قيل: إنّ داود كان له تسعة عشر ولداً فورث سليمان من بينهم نبوّته وملكه ولو كان وارثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء والزمن بين سليمان ونبينا كان قرابة ألف وثمانمائة سنة.
3- قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة" حديث صحيح.
4- أي في بني إسرائيل قال هذا على جهة الشكر لنعم الله تعالى.
5- مما يؤثر عن سليمان عليه السلام في معرفة منطق الطير: (لدوا للموت وابنوا للخراب) "لورشان" نوع من الحمام البري أكدر (ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا) "لفاختة" نوع من الحمام البري له طوق (من لا يرحم لا يرحم) "لهدهد" (استغفروا الله يا مذنبين) "لصرد" (قدموا خيرا تجدوه) "لخطافة" (اللهم العن العشار) "للغراب" (كل شيء هالك إلا وجهه) "للحدأة" (من سكت سلم) "للقطاة" (ويل لمن الدنيا همه) "للقطاة" (سبحان ربي القدوس) "للضفدع" (اذكروا الله يا غافلين) "للديك".
6- قد اختلف في هل كان سليمان يعلم غير منطق الطير من سائر الحيوان، والذي عليه الأكثرون أنه كان يعلم أصوات سائر الحيوانات ومن ذلك النمل، قال ابن العربي: من قال إنه لا يعلم إلا منطق الطير فنقصان عظيم، وقد اتفق الناس على أنه كان يفهم كلام من لا يتكلم من النبات فكان الشجر يقول له: أنا شجر كذا أنفع من كذا وأضر من كذا فما ظنك بالحيوان؟
7- الوزع: الكف عما لا يراد، والوازع: الذي يكف غيره عما لا ينبغي، وفعله: وزع يزع وزعا، فإذا زيدت فيه همزة السلب فقيل: أوزع أي: أزال الوزع الذي هو الكف، فقوله في الآية: {فهم يوزعون} أي يكفون أفراد القوات عن التقدم والتأخر حتى يكون السير منتظما. وقوله: {أوزعني أن أشكر نعمتك} أي: أبعد عني ما يمنعني من شكرك على نعمك. فصار أوزعني كألهمني وأغرني.
8- قال تعالى: {لئن شكرتم لزيدنكم} وقال بعضهم: النعمة وحشيّة قيدوها بالشكر فإنها إذا شكرت قرّت وإذا كفرت فرّت، وقال آخر: من لم يشكر النعمة فقد عرضها لزوالها ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها.




ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:30 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النمل - (3)
الحلقة (648)
تفسير سورة النمل مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 13الى صــــ 18)

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
شرح الكلمات:
وتفقد الطير: أي تعهدها ونظر فيها.
مالي لا أرى الهدهد: أعرض لي ما منعني من رؤيته أم كان من الغائبين؟
لأعذبنه عذابا شديدا: أي بنف ريشه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوام.
بسلطان مبين: أي بحجة واضحة على عذره في غيبته.
فمكث غير بعيد: أي قليلا من الزمن وجاء سليمان متواضعا.
أحطت بما لم تحط به: أي اطلعت على ما لم تطلع عليه.
وجئتك من سبأ: سبأ قبيلة من قبائل اليمن.
إني وجدت امرأة: هي بلقيس الملكة.
ولها عرش عظيم: أي سرير كبير.
فصدهم عن السبيل: أي طريق الحق والهدى.
ألا يسجدوا لله: أصلها أن يسجدوا أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله.
وزيدت فيها "لا" وأدغمت فيها النون فصارت ألا نظيرها لئلا
يعلم أهل الكتاب من آخر سورة الحديد.
يخرج الخبء في السموات والأرض: أي المخبوء في السموات من الأمطار والأرض من النبات.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصص سليمان عليه السلام قوله تعالى {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ (1) } أي تفقد سليمان جنده من الطير طالبا الهدهد لأمر عنّ له أي ظهر وهو يتهيأ لرحلة هامة، فلم يجده فقال ما أخبر تعالى به عنه: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ (2) } ألعارض عرض لي فلم أره، {أَمْ (3) كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} أي بل كان من الغائبين، {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} بأن ينتف ريشه ويتركه للهوام تأكله فلا يمتنع منها {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} بقطع حلقومه، {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة واضحة على سبب غيبته. قوله تعالى الآية (21) {فَمَكَثَ} أي الهدهد {غَيْرَ (4) بَعِيدٍ} أي زمنا قليلا، وجاء فقال في تواضع رافعا عنقه مرخيا ذنبه وجناحيه {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي اطلعت على ما لم تطلع عليه {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ (5) بِنَبَأٍ يَقِينٍ} وسبأ قبيلة من قبائل اليمن، والنبأ اليقين الخبر الصادق الذي لا شك فيه. وأخذ يبين محتوى الخبر فقال {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً} هي بلقيس {تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} من أسباب القوة ومظاهر الملك، {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي سرير ملكها الذي تجلس عليه وصفه بالعظمة لأنه مرصع بالجواهر والذهب، وقوله {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ} أخبر أولا عن أحوالهم الدنيوية وأخبر ثانيا عن أحوالهم الدينية وقوله {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي الباطلة الشركية {فَصَدَّهُمْ} بذلك {عَنِ السَّبِيلِ} أي سبيل الهدى والحق فهم لذلك لا يهتدون لأن يسجدوا (6) لله الذي يخرج الخبء (7) أي المخبوء فهو
من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول في السموات من أمطار والأرض من نباتات، ويعلم سبحانه وتعالى ما يخفون في نفوسهم، وما يعلنون عنه بألسنتهم الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم. وصف الرب تعالى بالعرش العظيم ليقابل وصف بلقيس به، وأين عرش مخلوقة وإن كانت ملكة بنت ملك هو شراحيل من عرش الله الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- مشروعية استعراض الجيوش وتفقد أحوال الرعية.
2- مشروعية التعزير لمن خالف أمر السلطان بلا عذر شرعي.
3- مشروعية اتخاذ طائرات الاستكشاف ودراسة جغرافية العالم.
4- تحقيق قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة إذ لم يلبثوا أن غلب عليهم سليمان.
5- بيان أن هناك من كانوا يعبدون الشمس إذ سجودهم لها عبادة.
6- بيان أن الأحق بالعبادة هو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
7- مشروعية السجود لمن تلا هذه الآية أو استمع إلى تلاوتها: {اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} .
__________

1- (تفقد) بمعنى بحث عن الفقد أي: عدم الوجود أو بحث عن سبب عدم الوجود.
2- من خواص الهدهد أنه يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع عُلم أن به ماء، ونهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتله مع ثلاثة وهي: (الضفدع، والنحل، والصرد) خرجه أبو داود وصححه. ونهى عن قتل النمل إلا أن يضّر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل.
3- (أم) هي المنقطعة التي بمعنى: بل، ولا تخلو من معنى الاستفهام إذ التقدير: بل أكان من الغائبين.
4- أي: مكث في غيابه زمنا غير بعيد أو في مكان غير بعيد.
5- اسم رجل و: غبشمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لقب بسبأ لأنه أول من سبى في غزوه، وأطلق هنا سبأ على ديار قبيلة سبأ لأن من ابتدائية أي لابتداء الأمكنة غالبا.
6- {ألا يسجدوا} أصلها أن لا يسجدوا فأدغمت أن في لا النافية فصارت ألا، والمضارع منصوب بأن المدغمة في لا، ولذا تعيّن تقدير لام جر يتعلق بـ {فصدهم عن السبيل} أي: زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم لأجل أن لا يسجدوا. وما في التفسير من التقدير أوضح أيضا.
7- الخبء: مصدر خبأ الشيء: إذا أخفاه، أطلق على اسم المفعول أي: المخبوء من اجل المبالغة في الإخفاء.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:30 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
شرح الكلمات:
سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين: أي بعد اختبارنا لك.
فألقه إليهم: أي إلى رجال القصر وهم في مجلس الحكم.
ثم تول عنهم: أي تنح جانبا متواريا مستترا عنهم.
فانظر ماذا يرجعون: أي ماذا يقوله بعضهم لبعض في شأن الكتاب.
يا أيها الملأ: أي يا أشراف البلاد وأعيانها وأهل الحل والعقد فيها.
ألقي إلي كتاب كريم: أي ألقاه في حجرها الهدهد.
ألا تعلوا علي: أي لا تتكبروا انقيادا للنفس والهوى.
وائتوني مسلمين: أي منقادين خاضعين.
معنى الآيات:
{قَالَ سَنَنْظُرُ (1) } أي قال سليمان للهدهد بعد أن أدلى الهدد بحجته (2) على غيبته سننظر باختبارنا لك {أَصَدَقْتَ} فيما ادعيت وقلت {أَمْ كُنْتَ (3) مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي من جملتهم. وبدأ اختباره فكتب كتابا وختمه وقال له {اذْهَبْ بِكِتَابِي (4) هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي تنح جانبا مختفيا عنهم {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} من القول في شأن الكتاب أي ما يقول بعضهم لبعض في شأنه، وفعلاً ذهب الهدهد بالكتاب ودخل القصر من كوة فيه وألقى الكتاب في حجر الملكة بلقيس فارتاعت له وقرأته ثم قالت {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} مخاطبة أشراف قومها {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} وصفته بالكرم لما حواه من عبارات كريمة، ولأنه مختوم وختم الكتاب كرمه ونصّ الكتاب كالتالي [من عبد الله سليمان بن داوود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من ابتع الهدى أما بعد فلا تعلوا علي وائتوني مسلمين] .
ومضمونه ما ذكرته الملكة بقولها: {إِنَّهُ مِنْ (5) سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ومعنى إنه من سليمان أي صادر منه وأنه مكتوب مرسل بسم الله الرحمن الرحيم أي بإذنه وشرعه ألا تعلوا علي أي لا تتكبروا على الحق فإني بسم الله أطلبكم وأئتوني مسلمين أي خاضعين منقادين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- مشروعية الاختبار وإجراء التحقيق مع المتهم.
2- مشروعية استخدام السلطان أفراد رعيته لكفاية المستخدم.
3- مشروعية إرسال العيون للتعرف على أحوال العدو وما يدور عنده.
4- مشروعية كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في الرسائل والكتب الهامة (6) ذات البال لدلالتها على توحيد الله
تعالى وأنه رحمن رحيم، وأن الكاتب يكتب بإذن الله تعالى له بذلك.
__________

1- من الجائز أن يكون سليمان قد خشي أن يكون الكلام الذي سمعه من الهدهد ألقى به الشيطان على الهدهد ليضلل سليمان ويفتنه بالبحث عن مملكة موهومة، فلذا قال عليه السلام {سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} .
2- في الآية دليل على أن الحاكم يجب عليه أن يقبل عذر المواطن ويدرأ العقوبة عنه بظاهر حاله وباطن عذره، وفي الصحيح: "ليس أحد أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل" وللحاكم أن يمتحن المواطن المعتذر حتى يعرف عذره.
3- {أم كنت} بمعنى: أنت
4- في الآية دليل على وجوب إرسال الكتب إلى المشركين ودعوتهم إلى الإسلام وتبليغهم دعوة الله عز وجل، وقد كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قيصر وكسرى والمقوقس وغيرهم.
5- قال القرطبي: الأحسن اليوم بأن يقدّم في الكتاب اسم المكتوب إليه قبل إسم الكاتب لأن البداية باسمه تعد استخفافا بالمكتوب إليه وتكبراً عليه، ومراده أن يكتب الكاتب هكذا إلى حضرة فلان ... من فلان ... وتقديم اسم الكاتب هو ما عليه السلف الصالح.
6- روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كرد السلام ولا يسقط إلا من عذر لا سيما إذا سلّم صاحب الكتاب فإن ردّ السلام واجب بلا خلاف.

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:31 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النمل - (4)
الحلقة (649)
تفسير سورة النمل مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 19الى صــــ 22)

قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)

شرح الكلمات:
أفتوني في أمري: بينوا لي فيه وجه الصواب، وما هو الواجب اتخاذه إزاءه.
ما كنت قاطعة أمرا: أي قاضيته.
حتى تشهدون: أي تحضروني وتبدوا رأيكم فيه.
وأولوا بأس شديد: أي أصحاب قوة هائلة مادية وأصحاب بأس شديد في الحروب.
إذا دخلوا قرية: أي مدينة وعاصمة ملك.
أفسدوها: أي خربوها إذا دخلوها عنوة بدون مصالحة.
وكذلك يفعلون: أي وكالذي ذكرت لكم يفعل مرسلو هذا الكتاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم عن حديث قصر الملكة بلقيس وها هي ذي تقول لرجال دولتها ما حكاه تعالى عنها بقوله {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي (1) فِي أَمْرِي} أي أشيروا علي بما ترونه صالحا {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً (2) أَمْراً} أي قاضية باتّةً فيه {حَتَّى (3) تَشْهَدُونِ} أي تحضروني وتبدوا فيه وجهة نظركم. فأجابها رجالها بما أخبر تعالى به عنهم {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} عسكرية من سلاح وعتاد وخبرة {وَأُولُو بَأْسٍ (4) شَدِيدٍ} عند خوضنا المعارك {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي (5) مَاذَا تَأْمُرِينَ} به فأمري ننفّذ إنا طوع يديك.
فأجابتهم بما حكاه الله تعالى عنها {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} أي مدينة عنوة بدون صلح. {أَفْسَدُوهَا} أي خربوا معالمها وبدلوا وغيروا فيها، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} بضربهم وإهانتهم وخلعهم من مناصبهم. {وَكَذَلِكَ} أصحاب هذا الكتاب {يَفْعَلُونَ} {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ (6) بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} أي الذين نرسلهم من قبول الهدية ورفضها وعلى ضوء ذلك نتصرف فإنهم إن قبلوا الهدية المالية فهم أصحاب دنيا، وإن رفضوها فهم أصحاب دين، وعندها نتخذ ما يلزم حيالهم، ولا شك أن هذه الهدية كانت فاخرة وثمينة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ الشورى في الحكم.
2- مشروعية إبداء الرأي بصدق ونزاهة ثم ترك الأمر لأهله.
3- مشروعية إعداد العدة وتوفير السلاح وتدرب الرجال على حمله واستعماله.
4- دخول العدو المحارب الغالب البلاد عنوة ذو خطورة فلذا يتلافى الأمر بالمصالحة.
5- بيان حسن سياسة الملكة بلقيس وفطنتها وذكائها ولذا ورثت عرش أبيها.
__________

1- الإفتاء: الإخبار بالفتوى وهي: إزالة مشكل يعرض، والأمر: الحال المهم وإ ضافته إلى نفسها، لأنها المخاطبة في كتاب سليمان، ولأنها المضطلعة بشؤون الدولة ولذا يقال للحاكم وعالم الدين: وليّ الأمر.
2- {قاطعة أمرا} عاملة عملا لا تردد فيه بالعزم على أن تجيب به سليمان.
3- حذفت ياء المتكلم منه تخفيفا، وحذفت نون الرفع للناصب وبقيت نون الوقاية والمراد من شهودهم: موافقتهم لها على ما تعزم عليه إزء الكتاب.
4- البأس: الشدة على العدو، ومنه {وحين البأس} أي: في مواقع القتال في جوابهم هذا تصريح بأنهم مستعدون للحرب دفاعا عن مملكتهم.
5- فوّضوا الأمر إليها لثقتهم بأصالة رأيها وخبرتها السياسية.
6- دبرت أن تتفادى الحرب بطريقة المصانعة والتزلف إلى سليمان بالهدية مصحوبة بكتاب ووفد، وعلى ضوء عودة الوفد تتصرف في الأمر.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:31 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
شرح الكلمات:
فلما جاء سليمان: أي رسول الملكة يحمل الهدية ومعه أتباعه.
فما آتاني الله خير مما آتاكم: إنه أعطاني النبوة والملك وذلك خير مما أعطاكم من المال فقط.
بهديتكم (1) تفرحون: لحبكم للدنيا ورغتبكم في زخارفها.
ارجع إليهم: أي بما أتيت به من الهدية.
بجنود لا قبل لهم بها: أي لا طاقة لهم بقتالها.
ولنخرجنهم منها: أي من مدينتهم سبأ المسماة باسم رجل يقال له سبأ.
أذلة وهم صاغرون: أي إن لم يأتوني مسلمين أي منقادين خاضعين.
قبل أن يأتوني مسلمين: فإنّ لي أخذه قبل مجيئهم مسلمين لا بعده.
قال عفريب من الجن: أي جني قوي إذ القوي الشديد من الجن يقال له عفريت.
قبل أن تقوم من مقامك: أي من مجلس قضائك وهو من الصبح إلى الظهر.
وإني عليه لقوي أمين: أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر وغيرها.
وقال الذي عنده علم من الكتاب: أي سليمان عليه السلام.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع سليمان وملكة سبأ إنه لما بعثت بهديتها تختبر بها سليمان هل هو رجل دنيا يقبل المال أو رجل دين، لتتصرف على ضوء ما تعرف من اتجاه سليمان عليه السلام، فلما جاء سليمان، جاءه سفير الملكة ومعه رجال يحملون الهدية قال لهم ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قَالَ أَتُمِدُّونَنِ (2) بِمَالٍ؟ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} آتاني النبوة والعلم والحكم والملك فهو خير مما آتاكم من المال {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ (3) تَفْرَحُونَ} وذلك لحبكم الدنيا ورغبتكم في زخارفها. وقال لرسول الملكة {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} أي بما أتيت به من الهدية، وعلمهم أنهم إن لم يأتوا إلي مسلمين {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا (4) } أي لا قدرة لهم على قتالهم، {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا} أي من مدينتهم سبأ {أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي خاضعون منقادون. ثم قال سليمان عليه السلام لأشراف دولته وأعيان بلاده {أَيُّهَا الْمَلأُ (5) أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} فإني لا آخذه إلا قبل مجيئهم مسلمين لا بعده. فنطق عفريت من الجن قائلاً بما أخبر تعالى عنه به {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} أي مجلس قضائك والذي ينتهي عادة بنصف النهار، {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} أي قادر على حمله والإتيان به في هذا الوقت الذي حددت لكم وأمين على ما فيه من جواهر وذهب لا يضيع منه شيء. وهنا {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ (6) } وهو سليمان عليه السلام {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} فافتح عينيك وانظر فلا يعود إليك طرفك إلا والعرش بين يديك، وسأل ربه باسمه الأعظم الذي ما دعي به إلا أجاب وإذا العرش بين يديه {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً} بين يديه لهج قائلا {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} أي علي فلم يكن لي به يد أبدا {لِيَبْلُوَنِي} بذلك {أَأَشْكُرُ} نعمته علي {أَمْ أَكْفُرُها} {وَمَنْ شَكَرَ (7) } فلنفسه أي عائد الشكر يعود عليه بحفظ النعمة ونمائها {وَمَنْ كَفَرَ} أي النعمة {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي عن شكره وليس مفتقراً إليه، كريم قد يكرم الكافر للنعمة فلا يسلبها كلها منه أو يبقيها له على كفره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- أهل الآخرة لا يفرحون بالدنيا، وأهل الدنيا لا يفرحون بالآخرة.
2- استعمال أسلوب الإرهاب والتخويف مع القدرة على إنفاذه مع العدو أليق.
3- تقرير أن سليمان كان يستخدم الجن وأنهم يخدمونه في أصعب الأمور.
4- استجابة الله تعالى لسليمان فأحضر له العرش من مسافة شهرين أي من اليمن إلى الشام قبل ارتداد طرف
الناظر إذا فتح عينه ينظر.
5- وجوب رد الفضل إلى أهله فسليمان قال {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} والجهال يقولون بثورتنا الخلاقة، وأبطالنا
البواسل.
6- وجوب الشكر، وعائدته تعود على الشاكر فقط، ولكرم الله تعالى قد لا يسلب النعمة فور عدم شكرها
وذلك لحلمه تعالى وكرمه.
__________

1- الهدية: منها ما هو حرام ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو مباح أو مندوب، فالهدية الحرام: التي تُهدى للحكام والقضاة ليحكموا لصاحبها والهدية المكروهة: هدية الكافر والهدية المباحة أو المندوب إليها: هدية المؤمن لأخيه المؤمن للمودة والحب، لحديث مالك وفيه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء" الشحناء العدواة والبغضاء.
2- أي: أتزيدونني إلى ما تشاهدونه من أموالي، والاستفهام للإنكار وقرأ الجمهور: {أتمدونني} بنونين. وقرأ بعضٌ بنون واحدة مشددة.
3- (بل) للاضراب الانتقالي من الإنكار عليهم إلى ردّ هديتهم إليهم.
4- الضمير في (بها) عائد على الجنود والضمير في (منها) عائد إلى مدينتهم وهي مأرب أو سبأ على مراحل قليلة من صنعاء.
5- هذا استئناف ابتدائي أي: كلام غير مرتبط بما سبقه بنوع من الارتباط قريب.
6- قال القرطبي: "جمهور المفسرين: أن الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن بريخا وقيل: هو سليمان عليه السلام، بقرينة قوله: هذا من فضل ربي، قال ابن عطية وقالت فرقة وهو سليمان عليه السلام. والمخاطبة في هذا التأويل للعفريب لما قال أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وكأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على وجه التحقير أنا آتيك به ... الخ. قيل: يا حي يا قيوم: هو الاسم الأعظم.
7- الشكر: قيد النعمة الموجودة وبه تنال النعمة المفقودة.

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:32 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النمل - (5)
الحلقة (650)
تفسير سورة النمل مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 22الى صــــ 27)

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
شرح الكلمات:
قال نكروا لها عرشها: أي غيروا هيأته وشكله حتى لا يعرف إلا بصعوبة.
أتهتدي: أي إلى معرفته.
أهكذا عرشك: شبهوا عليها إذ لو قالوا هذا عرشك لقالت نعم.
قالت كأنه هو: فشبّهت عليه فقالت كأنه هو.
وصدها ما كانت تعبد من دون الله: أي صرفها عن عبادة الله مع علمها وذكائها ما كانت تعبد من دون الله.
ادخلي الصرح: أي بهو الصرح إذ الصرح القصر العالي وفي بهوه بركة ماء كبيرة مغطاة بسقف زجاجي يرى وكأنه ماء.
فكشفت عن ساقيها: ظانة أنها تدخل ماء تمشي عليه فرفعت ثيابها.
حسبته لجة: أي من ماء غمر يجري.
صرح ممرد من قوارير: أي مملس من زجاج.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ لقد خرجت هي في موكبها الملكي بعد أن أحتاطت لعرشها أيّما احتياط. إلا أن العرش وصل قبلها بدعوة الذي عنده علم من الكتاب، وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو الضعف (1) فأمر رجاله أن يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه حتى لا يعرف إلا بصعوبة كما قال عليه السلام {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} إلى معرفته {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} لضعف عقولهم. فلما جاءت {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا (2) عَرْشُكِ} فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير، إذ المفروض أن يقال لها هذا عرشك ومن هنا فطنت لتشبيههم {فقَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} إذ لو قالت: هو لقالوا كيف يكون هو والمسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء ودهاء ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ (3) مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} فحمد الله وأثنى عليه ضمن العبارة التي قالها. وقوله {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ} اتباعا لقومها إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله. {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها وهو ما كان عليه قومها، وجلس سليمان في بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها أسماك كثيرة وللماء موج، وسقف البركة مملس من زجاج، ومع سليمان جنوده من الإنس والجن يحوطون به ويحفون من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح (4) لأن سليمان الملك يدعوها {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ماء {وَكَشَفَتْ (5) عَنْ سَاقَيْهَا} فقال لها سليمان {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ} أي مملّس {مِنْ قَوَارِيرَ} زجاجية وهنا وقد بهرها الموقف وعرفت أنها كانت ضالة وظالمة نطقت قائلة {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وبهذا أصبحت مسلمة صالحة. ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً
فلنسكت عما سكت عنه القرآن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- جواز اختبار الأفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية.
2- بيان حصافة عقل بلقيس ولذا أسلمت ظهر ذلك في قولها {كأنه هو}
3- مضار التقليد وما يترتب عليه من التنكير للعقل والمنطق.
4- حرمة كشف المرأة ساقيها حتى لو كانت كافرة فكيف بها إذا كانت مسلمة.
5- فضيلة الائتساء بالصالحين كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} .
__________

1- قيل إن الجن قالوا لسليمان: إنها ضعيفة العقل فلذا أمر بتنكير عرشها ليختبر عقلها، وقالوا له: إن رجلها كرجل حمار فلذا امتحنها بدخول بهو الصرح لتكشف عن ساقها فيعرف ما قالت الجن عنها.
2- الاستفهام للتقرير مع الاختبار وهو المقصود.
3- اختلف هل قول: {وأوتينا العلم} من قول سليمان أو أحد رجالاته أو هو من قول بلقيس، والراجح أنه من قول سليمان عليه السلام.
4- (الصرح) البناء العالي: تقدم أن الجن هم الذين قالوا لسليمان إن رجل بلقيس رجل حمار وطلبوا اختبارها وهم الذين صنعوا بركة الماء في بهو الصرح.
5- ذكر القرطبي هنا حكايات أكثرها منقول عن أهل الكتاب منها: أن الجن أول من صنعوا النورة لإزالة شعر الجسم، وأن سليمان عليه السلام أول من صنع الحمامات، وهذا يرفع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر قولين أحدهما أن سليمان نزوج بلقيس وآخر: لم يتزوجها.

********************************

يتبع


الساعة الآن : 10:53 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 802.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 800.89 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]