رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علم النبات عند العلماء العرب محمد مروان مراديشير المؤرخون المنصفون بإعجاب وتقدير إلى ريادة العلماء العرب المسلمين في ميادين العلوم المختلفة، وإلى اقتباس علماء الغرب الكثير من أفكارهم ومنجزاتهم التي تعد في الواقع أساسًا للنهضة الأوروبية الحديثة، ويعددون في هذا المجال أسبقية العشرات من علمائنا في ميادين التقنية والابتكار وفي القائمة الطويلة أسماء الخوارزمي في علم الجبر واللوغاريتمات، والبيروني في الحساب والهندسة والفلك، وابن الهيثم في العلوم الطبيعية والرياضيات والرازي في الطب، والزهراوي في الجراحة، وجابر بن حيان في الكيمياء، والكندي وابن الشاطر في الفلك وابن خلدون في علم الاجتماع، والإدريسي في الجغرافيا، وغيرهم كثيرون.. كذلك تطول القائمة حين يكون محور الدراسة أسبقية العلماء العرب في علم النبات. بدأ اهتمام العلماء بتدوين أنواع الزرع والأشجار والأثمار والأعشاب والبقول وغيرها في بغداد والبصرة والكوفة التي كانت مراكز عمل للعلماء المشتغلين في هذا المجال، باعتبارها موئلًا لفصحاء العرب يغدون إليها من البادية وهم يحملون فصيح اللغة وصحيحها، وبالعكس راح العلماء بدورهم ينزلون من الأمصار إلى البادية للتحقيق والتمحيص، ولاسيما فيما يختص بأسماء الأعشاب والنباتات. على أن اهتمام العرب الفعلي بعلم النبات، بدأ في مطلع العصر العباسي، حين ترجم العلماء مؤلفات اليونان الخاصة بعلم النبات و«الأقرابازين»، وكان مفتتح ذلك العمل نقل زمن الخليفة المتوكل. وفي عام 337هـ/948م أهدى ملك القسطنطينية إلى الخليفة الناصر بالأندلس مؤلف «ديسقوريوس» باليونانية، ولم يكن في الأندلس من يجيد هذه اللغة، فطلب الخليفة الناصر من الإمبراطور أن يرسل إليه مترجمًا ماهرًا في اللغتين اليونانية واللاتينية، فاستجاب لطلبه وأوفد الراهب «نيقولا» في أواخر القرن العاشر الميلادي، وبتعاون مع الأطباء المحليين الذين يعرفون اللاتينية والعربية، وضعت الأسماء العربية التي تركها «ابن باسيل» دون ترجمة لجهله بها، ومع مطلع القرن الحادي عشر ألف الطبيب الأندلسي «ابن جلجل» كتابًا ضمنه المعلومات التي أغفلها «ديسقوريدس» وضم هذا الكتاب إلى كتاب «ابن باسيل» المترجم عن «ديسقوريدس» فجاء الكتابان مؤلفًا كاملًا. وقد استند العرب في دراساتهم لعلم النبات على دقة الملاحظة والمعاينة واستمرار المتابعة، واعتمادًا على هذا المنهج التجريبي تمكن العلماء العرب من دراسة الكثير من النباتات الطبيعية التي لم تسبق دراستها، وأدخلوها في العقاقير الطبية واستولدوا نباتات لم تكن معروفة كالورد الأسود، وتمكنوا من أن يكسبوا بعض النباتات خصائص العقاقير في أثرها الطبي، وفي عصر المقتدر بالله نقل العرب «الأترج» المدور من الهند وزرعوه في عُمان ثم نقلوه إلى البصرة والعراق والشام. يحفل سجل الريادة في علم النبات – عملًا وتأليفًا – بعشرات أسماء العلماء العرب الذين دونوا في مؤلفاتهم النباتات والأعشاب، وبينهم أبوعبيدة البصري والأصمعي، وأبوزيد الأنصاري، وابن الأعرابي الكوفي، وابن السكيت، وتألق بشكل خاص أبوحنيفة الدينوري – ت282هـ/895م، وهو أول من ألف بالعربية في علم النبات، وأبوجعفر الغافقي الأندلسي (ت 561هـ/1165م) وأبومحمد ابن البيطار المالقي (ت 646هـ/1248م) أبرز علماء النبات العرب ومؤلف كتاب «الجامع في الأدوية المفردة» الذي يعد أفضل الكتب في فن المداواة بالأعشاب والأغذية، وأبوبكر أحمد بن وحشية أول من كتب من العرب عن الزراعة في كتابه «الفلاحة النبطية»، والطبيب الضرير داوود الأنطاكي (ت 1008هـ/1559م)، ومن المتميزين في هذا المجال أيضًا: رشيد الدين الصوري، وأبوزكريا يحيى بن العوام، وأبوالعباس بن الرومية، وسنعرض فيما يأتي صفحات من سِير الأعلام الثلاثة الذين أسهموا بشكل واضح في تقدم علوم النبات والأعشاب والأدوية. < رشيد الدين الصوري (573هـ – 1177م) ولد رشيد الدين بن أبي الفضل بن علي الصوري في مدينة صور بالشام سنة 573هـ/1177م، ونشأ فيها، وعكف في مرحلة مبكرة على دراسة علوم الأوائل دراسة متأنية، ثم تنقل بين بعض المدن العربية ودرس الطب في دمشق على مشاهير العلماء كموفق الدين عبدالعزيز، وموفق الدين عبداللطيف البغدادي والشيخ أبي العباس الجياني وغيرهم، وقد أظهر في عمله سعة اطلاع ودقة في الملاحظة، وغزارة في التجارب والبحوث، وكانت دراسات «الصوري» لأنواع النبات دراسة دقيقة اتبع فيها المنهج العلمي الحديث الذي سبق في تطبيقه علماء الغرب بسبعة قرون، وكانت بحوثه في ذلك المجال رائدة بكل معنى الكلمة، وأكد فيها إخلاصه في البحث عن الحقيقة العلمية وتكريسه الجهد والوقت لعلمه المتميز، لقد كانت من أبرز مميزات «الصوري» استناده في دراسته علم النبات على دقة الملاحظة والمعاينة ودوام المتابعة وقد تجسد ذلك في تصويره للنبات تصويرًا ملونًا في سائر مراحل عمره، منذ أن يكون بذرة وحتى مرحلة الجفاف الأخيرة، فقد اعتمد على رسام يصحبه في رحلاته الميدانية ومعه الأوراق والألوان المتنوعة فيتنقل بين مناطق النباتات – كسهول لبنان وجباله – فيشاهد أصنافها ويحقق فيها، ويريها للرسام، فيدرس شكلها ولونها وأصولها ومقدار أغصانها وورقها، فيجتهد في تصويرها ومحاكاة طبيعتها وسماتها.. ثم يقوم «الصوري» في ضم تلك الدراسة والصور إلى كتابه القيم «الأدوية المفردة» الذي اشتمل على البحث في 585 معقارًا بينها 466 عقارًا من أصل نباتي و44 عقارًا من أصل حيواني و75 عقارًا من أصل معدني، وقد أرفقت الرسوم بتعليقات وفوائد طبية كثيرة، وكشف هذا المصنف عن ثقافة «الصوري» الموسوعية في علم الأدوية المفردة وماهيتها واختلاف صفاتها وأسمائها، وتحقيق خواصها وتأثيرها. نبغ رشيد الدين الصوري إضافة لجهوده في علم النبات، في الطب أيضًا، وقد عمل طبيبًا للملك العادل أبي بكر بن أيوب عام 612هـ/1215م، واصطحبه معه إلى القدس ومصر، وبعد وفاته عمل طبيبًا لابنه الملك الناصر داود بن الملك المعظم الذي عهد له برياسة الطب، ثم عاد أخيرًا إلى دمشق وأقام فيها، حيث راح المشتغلون بالطب وصناعته يترددون إلى مجلسه ويأخذون عنه تراكيب أدوية الترياق الكبير الذي يمنع آليًا امتصاص السم، وغيرها من التراكيب المبتكرة التي لم يسبقه أحد إلى معرفتها. كذلك وفد إلى مجلسه طلاب العلم والطب في دمشق للاستفادة من خبرته وشروحه. وقد أفاض المحققون في ذكر فضل «الصوري» وبحوثه العلمية الرائدة ومن بينهم: قدري طوقان، وأحمد شوكت الشطي، وعمر رضا كحالة، وأنور الرفاعي، وخير الدين الزركلي، كما أفرد له ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» صفحات للحديث عن مآثره في علم النبات والصيدلة والطب.. وتحدث المؤرخون في الأدوية المفردة، وللصوري مخطوطة بعنوان «تذكرة الكحالين» المشهورة بالكافي في طب العيون، موجودة بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق، ومخطوطة «الشامل في الأدوية المفردة» بمكتبة السلطان أحمد الثالث في إسطنبول. توفي رشيد الدين الصوري عام 639هـ/1241م بدمشق، وبقي إرثه العلمي خالدًا في مؤلفاته الباقية، وفي اقتباسات كثيرة في مؤلفات علماء الغرب. < يحيى بن زكريا بن العوام تنظم الحكومات ومؤسسات المياه خاصة، وجمعيات حماية البيئة في العالم، حملات لا تهدأ تدعو فيها إلى ترشيد استهلاك الثروة المائية، والكف عن هدر هذه النعمة الغالية، صونًا لها من النضوب، وعجزها عن توفير حاجات الناس، وترسم تلك الحملات أساليب عديدة لترشيد استهلاك الماء ومن بينها استخدام أسلوب الري بالتنقيط الذي انتشر بشكل واضح في أيامنا.. ولكن علماء المسلمين الرواد كانوا السباقين إلى هذه الدعوة، وتفصيل طريقتها بشكل علمي دقيق. يعد «يحيى بن زكريا بن العوام» أشهر علماء عصره، ويعود له الفضل في تأسيس علم الفلاحة والزراعة والبيطرة، وأول من شرح طريقة الري بالتنقيط وكذلك أول من وضع ما يُعرف اليوم بالتقويم الزراعي. < ابن العوام الأندلسي من مواليد إشبيلية في القرن السادس الهجري، ولد في أسرة غنية امتلكت ضيعة خاصة بها أطلق عليها اسم «ضيعة آل العوام» على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير. انهمك ابن العوام في تأليف الكتب، لكن أكثر مصنفاته ضاعت خلال هجمات الأوروبيين على الأندلس، ولهذا لم يتبق للمكتبة العربية من مؤلفاته سوى: رسالة في تربية الكرم (العنب)، عيون الحقائق وإيضاح الطرائق، والفلاحة الأندلسية، الذي يعد أشهر مؤلفاته فهو يمثل موسوعة زراعية اجتمعت فيها خلاصة معارف الأندلس والمغرب ومصر والعراق في الزراعة والبيطرة وصار مقررًا لدراسة طلاب الزراعة في جامعاتها لعدة قرون، كما نقل منه الأوروبيون، وترجم أكثر من مرة إلى الإسبانية والفرنسية. < أبو العباس أحمد (ابن الرومية) في مدينة «إشبيلية» ظهرت عبقرية علمية أخرى، أسهمت بدورها في تقدم علم النبات والأعشاب، إضافة إلى عملها في مجالات المعرفة الأخرى كعلم الحديث ومعرفة رجاله والتأليف فيه. ولد أبوالعباس أحمد بن محمد بن مفرج سنة 561هـ-1165م بمدينة إشبيلية، وكان جده مولى لبني أمية، وواحدًا من أطباء قرطبة، مارس العشابة والعلاج بها، ثم تعلم أبوه محمد علم النبات الطبي، وتزوج من امرأة رومية من نصارى الأندلس، فأنجبت له «أحمد» ومن هنا لقب بابن الرومية. اتخذ أبوالعباس أحمد من الصيدلة حرفة له، ومارسها في دكان لبيع الأعشاب والعلاج بها، والتفت إلى دراسة علم النبات والأعشاب وقواها الطبية، وفوائدها الصيدلانية، في الوقت الذي اهتم فيه بدراسة علم الحديث وضبطه وحفظه والتأليف فيه.. وراح خلال تنقله بين مدن الأندلس وأقاليمه يلازم المحدثين ويستمع إلى الحديث منهم، ويحصل الإجازات عن الشيوخ، فتنقل بين غرناطة وقرطبة، وإلى إقليم الشرف بظاهر إشبيلة، وحبل شلبر (سيرانيفادا) قرب غرناطة ومدن جيان ورندة وجبالها وجبال غلزا شرقي الأندلس، وفيها شاهد الأعشاب وتفحصها متعرفًا إلى خصائصها وطبيعتها.. في عام 580هـ - 1184م توجه أبوالعباس ابن الرومية إلى سبتة بالمغرب للقاء الشيخ أبي محمد ابن الحجري (ت 592هـ - 1186م) ولكنه لم يحظ بالاجتماع إليه.. وإن كان قد حصل على الإجازة منه كتابة خلال رجوعه إلى الأندلس، وكانت رحلة «ابن الرومية» الثانية إلى بلاد المشرق سنة 612هـ - 1215م بهدف أداء فريضة الحج وطلب العلم، فاجتاز البحر إلى المغرب ونزل بميناء «بجاية»، وانصب اهتمامه على تحصيل علم الحديث من علمائها، ثم قام بجولات في ريف المدينة الجبلي، لجمع أنواع النبات، وتحري أصنافه فحصل معرفة واسعة عن أعشابها الطبية. انتقل «ابن الرومية» بعد ذلك إلى تونس وفيها التقى بوزير الموحدين فأخذ هذا منه كتاب «تعليم المتعلم» في أربعين مجلدًا، كان قد حمله معه عند انطلاقه من إشبيلية. وواصل رحلته إلى مصر، فمر بالقيروان والمهدية وقابس وطرابلس وبرقة، وفحص فيها أصناف النباتات والأعشاب.. ولما وصل أخيرًا إلى الإسكندرية (613هـ - 1216م) التقى فيها بكوكبة من العلماء والمحدثين، وطوف في أرجائها يعاين الأعشاب ويدرس خصائصها، وقد تناهى إلى سمع الملك العادل أبوبكر بن أيوب، سلطان الشام ومصر، وصول «ابن الرومية» وبلغه ما يمثله هذا العالم من مكانة وشهرة ذائعة، فاستدعاه إلى «القاهرة» فأقام فيها عامين، أعد خلالهما مجموعة من الأدوية النافعة.. واصل «ابن الرومية» رحلته إلى القدس، حيث توقف يدرس كعادته نباتات بيت المقدس وضواحيه وجباله، ثم توجه إلى الحجاز فتجول فيها وتعرف إلى أعشابها.. وبعد أدائه الفريضة، يمم شطر العراق، وهناك تعرف إلى رجال الحديث ببغداد، كما اتصل بالعديد من أصحاب الخبرة في نباتات وأعشاب العراق، وتابع سفره من ثم إلى الشام مرورًا بحران وحلب وكان كلما تجول يضيف إلى معارفه معلومات عن النباتات الطبية واستخداماتها، والتقى بابن القفطي (توفي 646هـ - 1248م) ودارت بينهما محاورات عن النبات والأعشاب ووصل «ابن الرومية» بعدها إلى دمشق، ثم من جديد إلى القدس فمصر لتنتهي رحلته أخيرًا بعد ثلاث سنوات من الاطلاع والبحث وجمع المعلومات عن أنواع الأعشاب والنبات. عاد «ابن الرومية» إلى «إشبيلية» وفي جعبته مخزون ثر من المعلومات حصلها من مشاهداته ومعايناته ودراسته للنباتات في بلاد المغرب والمشرق التي تنقل فيها أثناء تطوافه في الأقاليم والمدن، وقد أغنى تلك المحصلة بما استمع إليه من علماء الأعشاب والعطارين، وما جمعه من أفواه الأعراب والبربر وسكان تلك الأقاليم بما يخص أسماء تلك النباتات وخواصها الطبية واستخداماتها في علاج العديد من الأمراض، وأثبت تلك المعلومات في كتاب فريد في بابه سماه «الرحلة». استقر «ابن الرومية» في إشبيلية، وتوزع نشاطه العلمي فيها على ثلاثة محاور: 1- ممارسة حرفته كعشاب متخصص في النباتات الطبية، في دكانه بالمدينة. 2- تدريس النبات والأعشاب الطبية، حيث تقاطر إليه طلاب العلم في الشريعة والعلوم الطبيعية، وكان من بينهم العالم العربي الشهير «ابن البيطار» (ت 646هـ/1248م). 3- انصرافه إلى تأليف عدد من الكتب والرسائل تضمنت معلومات وشروح وتعليقات في أكثر من مجال علمي، وقد ضاع أكثرها وبالذات مؤلفه المهم «الرحلة النباتية» الذي حفظ ابن البيطار مقتطفات منه أوردها في كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» وقد بلغ عددها 85 اقتباسًا رتب ابن الرومية فيها أسماء النباتات ترتيبًا هجائيًا على حروف المعجم. وقد أشار «ابن أبي أصيبعة» في مؤلفه: «طبقات الأطباء» إلى كتاب ابن الرومية «تفسير أسماء الأدوية المفردة» من كتاب «ديسقوريدس» وإلى مقالة في تركيب الأدوية. توفي ابن الرومية بإشبيلية سنة 637هـ/1239م، وبقيت معلوماته عن النباتات ومواطنها ومعارفه عن الأدوية وقواها ومنافعها مصدرًا لمعارف علماء الغرب وبحوثهم إلى زمن طويل. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
تاريخ طب العيون عند العرب الاستاذ الدكتور علي عمار «إن العرب أشعلوا سراجهم من القناديل اليونانية، و بلغت حرفة الطب عندهم بداية من ق 08 إلى 11 للميلاد من المكانة و الأهمية مالا نكاد نجد له مثيلا في تاريخ الأمم». هذه هي رؤية المؤرخ الإنجليزي «السير وليام اوسلر» من خلال بحوثه في الحضارة العربية و العلوم عند العرب.. وقد تبوأ الأطباء العرب منزلة رفيعة في العلوم الطبية عامة وطب العيون خاصة، وأنجزوا فيها الدراسات القيمة التي تدلنا على مبلغ ما وصل إليه الطب العربي حتى أن العالم الألماني «هيرشيرع» يستشهد قائلا : «إن طب العيون عند العرب قد بلغ في القرنين الرابع و الخامس الهجري مرتبة سامية تدعو إلى الدهشة و الاستغراب».. و هكذا نرى كيف ساهم كثير من العلماء و الباحثين في التنقيب عن الآثار العلمية التي خلفها أجدادنا العرب.. و التي بقيت رمزا لحضارتنا المجيدة.. وفخر للأجيال المتعاقبة. و من هذا المنطلق حرص الدكتور" نشأت حمارنة " أستاذ طب العيون في جامعة دمشق أن يساهم في البحث العلمي فأصدر كتابا تحت عنوان: تاريخ طب العيون عند العرب. ولأهمية مثل هذه البحوث القيمة التي تكشف عن حقيقة تاريخية كاد الزمن أن يطمسها بغبار النسيان، رأيت أن أقدم هذا الكتاب الذي يضم بين صفحاته تاريخ الطب عند العرب من خلال الدراسات التي تخفق بين ثناياها القلوب الحية لحضارة الأمة العربية المزدهرة. ونظرا لشغف الدارسين باستطلاع التاريخ، وحب المعرفة، و الكشف عن خبايا الحقائق التاريخية.. اخترت هذا الكتاب الذي صدر حديثا.. وتوسد المكتبة العربية. لقد مهد الدكتور نشأت حمارنة كتابه بلمحة موجزة عن نشأة الطب وممارسة الإنسان قديما له، وبدء ظهور النظرية الطبية، وعرفنا بمظاهر الطب في الحضارات القديمة عبر التاريخ. فقام بتصنيف دراسته ضمن المحاور التالية: 1- أجدادنا العرب.. ونظرتهم إلى الطب. 2- إعلام أطباء العيون العرب قبل الإسلام. 3- تراجم الأطباء العرب. ويتحدث المؤلف في هذا المحور عن الهجرات الكثيفـة التي استـوطنـت جزيرة العرب، والحضارات التي اجتنبت قبائل بدوية إلى أرض ما بين النهرين، وفي بلاد الشام، حيث سيطر فيها العنصر العربي منذ أقدم العصور، و ظهرت حضارة الكنعانيين و الآراميين المتطورة و المتصلة ببلاد النهرين وبوادي النيل و ببادية العرب. (كل ذلك يشير إلى أن هؤلاء العرب (البدو الرحل)الذين يتحدث عنهم المؤرخون حينما يؤرخون للحياة العقلية و العلمية، لم يكونوا معزولين عن العالم المتحضر المحيط بهم، ولم يكونوا قليلي التطور الذهني، بل شاعت المعرفة العلمية عندهم). و الدليل على ذلك هو تطور اللغة العربية وغناها بالألفاظ المترادفة التي تشير إلى ثروة ذهنية، و إلى نشاط المعرفة العلمية مما يبرهن على أن عقل العربي في الجاهلية لم يكن عاجزا عن إدراك الفروق الدقيقة بين المعاني، لوفرة المترادفات، وغنى التعابير، ومرونة اللغة. فغنى مفردات اللغة العربية، وتطور قواعدها، هو انعكاس واضح لارتقاء المعرفة ونشاط الذهن. كـل هـذا في عـصر الجاهليـة. . ثـم جـاء الإسلام، فـوسعت هـذه اللغـة المتطورة كل المعاني التي جاء بها. وجاء عصر ترجمة العلوم من لغة الإغريق، و اللغة الآرامية إلى اللغة العربية. فوجد المترجمون في هذه اللغة قدرة عجيبة على استيعاب مفردات من أنواع العلوم المختلفة. وكان عصر الازدهار، وظهور المعاجم و القواميس التي اتسعت لشتى العلوم. لقد أراد المؤلف في عرضه أن يجسد معنى العلوم العربية و الطب العربي، فالعرب هم ورثة الحضارة و العلم، وورثة بلاد الرافدين القديمة. وعـندما استعرض المـؤلف إعلام أطبـاء العيـون العرب قبـل الإسـلام قال : إن الطبيب في المجتمع العربي ذو شخصية محترمة تتمتع بشهرة جيدة وقد وصل إلينا الكثير من المعلومات التي عرفها أطبـاء العيون العرب قديما يوم ظهرت البرديات المكتوبة في الألف الثاني قبل الميلاد، والتي كانت بدورها منقولة عن برديات أقدم بألف عام أو أكثر. فقد وصف المصريون القدماء الكثير من أمراض العيون، وعرفوا العديد من الأعشاب التي تعالج العيون، كما استعملوا أدوية من أصل معدني أو حيواني، كما عرفوا بعض الطرائق الجراحية. وقد استفاد الإغريق من الطب المصري القديم بشهادة المؤرخين القدامى. ثم ينقلنا المؤلف إلى عصر أطباء العيون في بلاد ما بين النهرين، إذ ظهرت قوانين نظمت المهن الطبية، وحددت أجور الأطباء وأتعابهم عن المداواة و العمليات الجراحية، كما سنت قوانين صارمة و قاسية و مجحفة بحق الطبيب، لكنها شكلت رادعا حقيقيا ضد الأدعياء الذين يزعمون أنهم يستطيعون ممارسة المهنة الطبية. في بلاد الرافدين جاء عهد تدريس الطب و الامتحان. .. فأصبحت الدولة مسئولة عن منح الإجازة الطبية، و السماح بممارسة المهنة. ولم يغفل التاريخ القديم عن ذكر أسماء كثير من الأطباء الذين عاشوا في صحراء الجزيرة العربية أو في باديتها أو نجودها. تـــــراجــــم أطبــــاء العـــــــــرب : لقد انهمك الأطباء الأوائل في بغداد في ترجمة مؤلفات أسلافهم إلى اللغة العربية، فصنفوا المعلومات الطبية سواء كانت من أصل يوناني أو هندي أو فارسي، وكان المصدر الرئيسي لدراسة حياة الأطباء العرب ومؤلفاتهم كتب التراجم مثل : 1- عيون الأنباء في طبقات الأطباء – لابن أبي أصيبعة. 2- تاريخ الأطباء و الحكماء –لإسحاق بن حنين. وأبرز أطباء العيون عند العرب الذين احتلوا مراكز هامة في هذا الميدان : أ- يوحنا بن مأسويه : ولد عام 160 هـ - 776 م في حنديسابور من أسرة سريانية. هاجرت أسرته إلى بغداد وهو فتي، وتلقى تربية صارمة في وسط علمي و في بيت مرموق، تعلم الطب من والديه حتى أصبح رئيس البيمارستان في بغداد ونال مركزا رفيعا في عهد هارون الرشيد، بل فقد أصبح طبيبه الخاص. وكان " يوحنا " يذهب إلى بيزنطة للحصول على كتب الطب، ويحملها معه إلى بغداد. اشتهر بغزارة إنتاجه، ووضع في طب العيون كتابين : 1- دغل العين. 2- معرفة محنة الكحالين. ويبدو أن " ابن ماسويه " لم ينل من مؤرخي الطب اهتماما كبيرا، لذلك فـإن ما روتـه عنـه المصادر يحتـاج إلى التـدقيـق، و أن انشغاله بـإدارة "البيمارستان" و التعليم و التأليف وصحبته للخلفاء، منعته من أن يعطي الوقت الكافي للممارسة الطبية. وهو أول من وصف (السبل) المرض الذي يظهر بتشكل أوعية دموية على القرنية، والذي يعود سببه إلى التراخوما. وكتاب (دغل العين) هو أقدم كتاب تعليمي في طب العيون كتب بالعربية. و يتميز أسلوب هذا الكتاب بحيوية بارزة، ويعطي أهمية كبيرة إلى عملية استجواب المريض. ويعرض " ابن ماسويه " الأعمال الجراحية عرضا موجزا، ويمكننا القول أن الكتاب مختصر يضم " 47 " فصلا. أما كتاب " معرفة محنة الكحالين " فهو أقدم كتاب عربي طبـي إختصر فيه كل علم أمراض العين في عدد محدد من الأسئلة. ب- حـنـيــــن بـن إسحــــاق: يعد الطبيب العربي "حنين بن إسحاق العبادي" من مشاهير أطباء العيون في القرن التاسع الهجري، كان ميالا إلى دراسة الطب، وهو من عداد تلاميذة الطبيب "يوحنا بن ماسويه". ويروي أن "ابن إسحاق" قد ترك مدرسة الطب في بغداد، لأنه كان يضايق أستاذه بكثرة الأسئلة، فذهب إلى " بيزنطة " وتعلم اللغة الإغريقية، وعند عودته إلى بغداد بدأ عمله كمترجم. وكان ابن إسحاق يجمع المخطوطات للنص الذي ينوي ترجمنه ويقوم بفرزها و مراجعتها و تبويبها ثم ترجمتها، وتكون الترجمة إلى اللغة السريانية ثم إلى اللغة العربية. نقل الكثير من العلوم الإغريقية و السريانية إلى اللغة العربية، حتى أصبح ترجمان الخلفاء وطبيبهم الخاص. كما تعرض إلى الدسائس والمؤامرات من خصومه وحساده. ومن أشهر مؤلفاته في الطب : 1- المقالات العشر في العين. 2- حكمة العين. 3- مسائل في العين. جـ- علي بن عيســــى الكحـال: يعد هذا الطبيب من أعظم أطباء العيون وهو صاحب كتاب " تذكرة الكحالين " انطلق فيه على منهج علمي حسب تشريح العين، بدأ بأمراض الأجفان و أمراض جهاز الدمع، ثم التهاب الملتحمة، وانتقل إلى أمراض القرنية و القزحية، حيث أوضح ماهية المرض وطبيعته، ثم يذكر أعراضه وعلاماته و أوصافه وميزاته، وأسباب هذا المرض وكيفية معالجته بأسلوب علمي واضح. وهناك عدد آخر من أطباء العيون عند العرب.. منهم : 1- أبو علي بن أعين – مؤلف كتاب أمراض العيون ومداواتها. 2- محمد بن سعيد التميمي – صاحب كتاب ماهية الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه. 3- أبو علي خلف الطولوني – وكتابه – النهاية و الكفاية في تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما. والواقع أن السمعة الوطيدة التي تمتع بها أطباء العرب في أرجاء الدنيا قاطبة، كانت تعتمد على باع طويل في العلوم و الخبرة و الامتحانات القاسية، فلم يكن بإمكان أحد أن يتعاطى مهنة الطب دون دراسة سابقة وحرصا على إبقاء العيادات الطبية وممارسة هذه المهنة بعيدة عن الاستهتار و الامتهان أو إدعاء الباطل، كان كل طبيب مضطرا إلى نيل تصريح رسمي خاص يشهد بعلمه وكفاءته، فقد كان هذا صادرا عن الخليفة. أما الكحالون /أطبـاء العيـون فيـمتحنهـم المحتسب بكتـاب حينن بـن إسحاق "العشر مقالات في العين" فمن اجتاز الفحص بتشريح العين، وعدد طبقاتها السبع وعرف رطوباتها الثلاث، ثم أدرك أمراضها الثلاثة وما يتفرع عن ذلك من الأمراض، وكان خبيرا بتركيب الكحل وأمـزجة العقاقيـر منحه المحتسب إجازة بالعمل لمداومة عيون الناس. ويضم كتاب تاريخ أطباء العيون العرب معلومات مختصرة عن نظرة العرب في العلوم الطبية. وكان باستطاعة المؤلف أن يقدم للقارئ معلومات غزيرة مما تحتويه مخطوطاتنا العربية. وقد كتب المستشرقون و المهتمون بالبحوث العربية الكثير عن فضل العرب في العلوم بأنواعها. وهم الذين استطاعوا أن يجعلوا من اسم الطب العربي الإسلامي حقيقة مشرفة بتجاربهم واختباراتهم وابتكاراتهم في مختلف العلوم و الفروع المعارفية. * لتعرف اكثر عن الموضوع تحدث مع طبيب الان . المصادر : - حنين بن إسحاق – كتاب العشر مقالات في العين – القاهرة 1928 م. - مصطفى بن الهيثم – بحوثه وكشوفه البصرية – القاهرة 1942 وما بعدها. - حنين بن إسحاق – المسائل في الطب، تحقيق و تعليق د. محمد أبو ريان وآخرون. دار الجامعات المصرية، الإسكندرية 1978 م. - شعالي أحمد محمود – معجم تعريب النباتات الموريطانية، نواقشوط 1990 م. - عودات محمد – لحام الجروح – النباتات الطبية واستعمالاتها 1987 م. - إبراهيم بن مراد : المصطلح الأعجمي في كتاب الطب و الصيدلة – دار الغرب الإسلامي – بيروت لبنان 1985 م. - أحمد بن ميلاد – تاريخ الطب العربي – تونس 1980 م. - جبارة أحمد – عجائب الطب الشعبي. دار البلاغة. حلب 1972 م. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
تاريخ الطب عند العرب و المسلمين بين النظري و التطبيقي الاستاذ الدكتور علي عمار اعلم أن أصل الأمراض كلها إنما هو الغذاء؛ قال عليه الصلاة والسلام : «المعدة بيت الداء ، و الحمية رأس الدواء ، وأصل كلّ داء البردة». بمعنى : أن الغذاء يمر بمراحل : أ- الطعام تمضغه أدوات ميكانيكية ووظيفية (تعصره المعدة بحرارتها – الباقي براز وفضلات). ب- الكبد يحول العصير إلى دم (الصفراء). جـ- ثم يرسب الكبد منه فضلات أخرى من الدم تسمى (السوداء). - فالطب إذا جملة العلوم التي أسسها الكلدان كهنة بابل – أول من بحث في علاج الأمراض – وعنهم أخذ الأطباء فيما بعد ومنهم العرب (مصر فينقية، آشور- اليونان). أتقنوا و رتبوا علوم الطب. (الرومان– الفرس –العرب). - فالعرب اعتمدوا في بداية الأمر العلاج (العصر الجاهلي) طريقة الكهان و العرافين (الرقى و السحر- الذبائح و العزائم). - ثم اتجهوا إلى طريقة العلاج الحقيقية و الصحيحة. فقد وجد بمصر أثـارا تـدل على العلاج عن طريق الكهنة و العزائم حيث يعالجون داخل معبد (إيزيس وأوزوريس) و (رع). ومن أقوالهم العلاجية التي كانوا يكتبونها للمريض (هذا كتاب الشفاء لكل مريض ، فهل (لإزيس) أن تشفيني كما شفت (حوريس) من كل ألم أصابه من أخيه (ست) حتما قتل أباه (أوزوريس) ؟ فيا(إزيريس) أنت الساحرة الكبيرة...). وقد كان العرب يعالجون بالطريقة المصرية حيث كانوا يعتمدون على العقاقير البسيطة ، أو الأشربة. خاصة (العسل). فقد كان أساس علاجاتهم. ثم الحجامة – ثم الكي. ومن أقوالهم : (آخر الطب الكي). كما كانوا يلجئون في كثير من الأحيان إلى البتر والقطع و يكون ذلك بواسطة النار مثلما فعلوا (بصخر ين عمرو) أخو الخنساء حينما نتأت قطعة من جوفه مثل : الكبد على اثر طعنة حيث أحموا له شفرة وقطعوها. وهم الذين أدركوا أن الجريح إذا شرب الماء مات. - أطبـــاء العرب: كانوا في بداية الأمر من الكهنة – ثم تعاطاه جماعة من العرب ممن خالطوا (الروم – الفرس) ، فأخذوا عنهم الطب في ق 06 م. وأقدم أطباء العرب هو (لقمان الحكيم). ثم جاء بعده (ابن خديم) الذي ضرب به المثل في الطب و الحذق فيقولون (أطب من ابن خديم). ومنهم كذلك (الحارث بن كلدة) توفي (13هـ) ، وهو من بني ثقيف ومن أهل الطائف – رحل إلى فارس و أخذ الطب عن (جنديسابور) ،ثم عاد إلى بلاده ، وأقام بالطائف فنال شهرة واسعة – أدرك الإسلام – فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالذهاب إليه. ومنهم (ابن أبي رومية التميمي) اشتهر بالجراحة. و(النصر بن الحارث ابن كلدة). كما اعتنوا بخيولهم وإبلهم ومواشيهم حتى اختص منهم في معالجتها (البيطرة) . ومن أشهر أطبائهم في هذا المجال في الجاهلية (العاص بن وائل). ومن أشهر أطباء (جنديسابور) مدرسة للطب في ذلك الوقت جورجيس ابن بختيشوع السرياني كان ماهرا في الطب له مصنفات باللغة السريانية دعاه المنصور لمعالجته فلما عالجه منحه (03) جوار روميات وثلاثة آلاف دينار. وكان يعلم المنصور أنه قد خلف وراءه زوجته في بغداد وليس عنده من يخدمها – لكن (جورجيس) رفض الجوار وأخذ الأموال. فلما أصبح الصباح عاتبه المنصور فأجابه (جورجيس) :«أننا معشر النصارى لا نتزوج إلا امرأة واحدة ، وما دامت المرأة حيّة فلا نأخذ غيرها». فزاد المنصور إعجابا به وبصدقه و إخلاصه و أمانته. وكان (جورجيس) محبا للتأليف وكان يعرف اليونانية زيادة على السريانية – والفارسية- والعربية. وهو الذي نقل العلوم الطبية من اليونانية إلى العربية. - الطــــــب في الإســـــلام : الطب الإسلامي يعتبر خلاصة ما وصل إليه الطب عند الأمم السابقة عن الإسلام – المسلمون نقلوا كتب (ابقراط) – و(جالينوس) وغيرهما من أطباء اليونان – أطلعوا على ما كان عند اليونان – والكلدان القدماء كما نقلوا إليهم أشهر أطباء مدرسة (جنديسابور) طب اليونان بصيغته الفارسية –فظهر أول كتاب (الملكي) لأبي بكر الرازي الملقب (بجالينوس العرب) ألفه للملك عضد الدولة ابن بويه. حيث جمع فيـه كـل ما وجده مشتـتا من ذكـر الأمراض و علاجاتها في ق 04 للهجرة – ثم ظهر بعده كتاب (القانون لابن سينا) وهو منشور ومشهور إلى يومنا هذا جمع فيه خلاصة أبحاث (اليونان – الكلدان – الهنود- الفرس - العرب) في الأمراض و معالجاتها و العقاقير و خصائصها ، ثم أضاف إليه الجديد فمثلا (وصف العلق وأشكاله وخصائصه). كما حذر من شرب اللبن مع الحوامض أو الأسماك ، لأنهما يورثان أمراضا منها : الجذام – البرص. - ومن الكتب التي استفاد منها الغرب استفادة وافية كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأندلسي من أهل ق 05 هـ. وهو قاموس في الطب يمتاز عن سواه بالقسم الجراحي. - وكتاب (التيسير) لعبد الملك بن زهر الأندلسي – الذي ألفه لابن رشد الفيلسوف في أواسط ق 06 للهجرة. - الأطبــــاء المسلمـــون : بلغ عددهم في بغداد وحدها زمن المقتدر باليه في أول ق 04 للهجرة (860) طبيبا. كما بلغ عـدد الأطباء النصارى الذين خدمـوا المتوكل أواسط ق 3هـ (56) طبيبا. ما كان سيف الدولة إذا جلس حول المائدة جلس معه (24) طبيبا. ومنهم من كان يتقاضى أجرتين لتعاطيه مهمتين طبيبتين. ومنهم من كان يتقاضى ثلاث أجرات لتوليه ثلاث مهمات طبية. وكان هؤلاء الأطباء طبقات ومتخصصين : (الجراح – الفاصد – الكحال – الأسناني – علاج النساء – المجناني. إلخ). وقد كثر الكحالين في مصر أكثر من غيرها لإنتشار أمراض العين بهذه المنطقة. كما نبغ عدد لا بأس به من النساء الطبيبات منهن : - أخت الحفيد بن زهر الأندلسي – وابنتها : في مداواة النساء و كانتا تدخلان على نساء المنصور ، ولم يكن يقبل سواهما. - ثم اشتهر في أيام بني أمية (زينب) طبيبة بني أود. وكانت على دراية واسعة بالجراحة و أمراض العين. و (شهدة الدينورية) و (بنت دهن اللوز الدمشقية) وغيرهن. وكان الفحص الطبي عنـدهم يقتصر على فحص البول ، ونبض القـلب وكان المريض يحضر معه زجاجة بول. - والعرب هم أول من استخدم المرقد(البنج). وهم الذين تفطنوا لعلاج الأظافر – و اليرقان (بوصفار) ، واستخدموا الأفيون لمعالجة الجنون. ووصفـوا صب المـاء لقطع النـزف ، وعـالجـوا خلع الكتـف بالطريقـة المعروفة في الجراحة. ووصفوا إبرة الماء الأزرق (قدح العين) ، وأشاروا إلى عملية تفتيت الحصاة ، وهم أول من كتب في فروع الطب مثل الجذام. وأول من كتب فيه (يوحنا بن ماسويه). وهم أول من وصف الحصبة و الجدري في كتاب (أبي بكر الرازي). - وفي الصيدلة استطاعوا جلب العقاقير من الهند وغيرها ، وذلك في أيام (يحي بن خالد البرمكي). وهم أول من إشتغل بتحضير العقاقير. - وهم أول من أسس (الاقرباذين) أي المستشفيات ، وأول مستشفى أسسه (بابور بن سهل) المتوفى عام 155 هـ. وهم أول من أنشأ حوانيت الصيدلة على الصورة الحالية. وهم أول من أسس علم الكيمياء الحديثة بتجاربهم و مستحضراتهم ويعتبر (خالد بن يزيد) أول من نقل إلى العربيـة عن المدرسـة الإسكندريـة ، ثـم أخذ عنه (جعفر الصـادق المتوفى 140 هـ). ثـم بعـده (جابـر بن حيـان) ، ثم (الكندي) ، ثم (أبو بكر الرازي). - وبشهادة الغرب فإن الفضل يعود للعرب في إكتشاف واستحضار ماء الفضة (الحامض النتريك) ، وزيت الزاج (حامض الكبريتيك) ، وماء الذهب (حامض النتروهيدروكلوريك) – و البوتاس ، وروح النشادر وملحه ، وحجر جهنم (نترات الفضة) ، والسلمياني (كلوريد الزئبق) والراسب الأحمر (أكسيد الزئبق) ، وملح الطرطير ، وملح البارود (نترات البوتاس). والزاج الأخضر (كبريتات الحديد) ، والكحول الزونيخ ، واليورق ، وغير ذلك من المركبات. - وقد أشار ابن الأثير إلى أدوية إستخدمها العرب في واقعة الزنج عام 269 هـ ، إذ طلي بها الخشب امتناعا لإحراقه. - وهم أول من استحضر البارود ، ووصفوا التقطير ، والترشيح، والتصعيد ، والتبلور، والتذويب. وكان أول من اكتشف ذلك هو الحكيم (يعقوب الكندي) في أواسط ق 03 هـ. - أما علم النباتات و الأعشاب فقد عرفت النهضة العباسية بعد أن أخذت من مؤلفات (ديسقوريدس ، وجالينوس) ومن كتب الهند في أيام المتوكل – حيث نقل (اصطفان بن باسل) من اليونانية إلى العربية. ثم جاء بعده (ابن البيطار) في ق 07 هـ حيث تناول الكتاب المذكور سابقا بالدراسة. ثم سافر إلى اليونان ، ثم إلى أقصى بلاد الروم واجتمع بكثير ممن كان لهم باع في هذا المجال ، ثم اتجه صوب الشام ودرس نباتاتها ، ثم جاء الديار المصرية في خدمة الملك (الكامل الأيوبي) الذي كان يعتمد عليه كثيرا وبعد طول ألف كتابه في النبات الذي هو فريد في بابه وعليه اعتمد الغرب في نهضتهم الأخيرة. - ثم برز في علم النبات (رشيد الدين بن الصوري) المتوفى 639 هـ صاحب كتاب (الأدوية المفردة) الذي كان يعتمد في أبحاثه النباتية على المصورين،حيث كان يخرج إلى البطحاء والمروج،والمزارع للدراسة - المرستان أو البيمارستان لفظ فارسي معناه مكان معالجة المرضى يقابله اليوم المستشفى. غير أنها كانت في العهد السابق تشتمل على تـدريس الطب و التمريـض معـا وقد أنشأها العرب على منوال الفرس لا سيما (مارستات جنديسابور). - وأول من أنشأ المستشفيات في الإسلام (الوليد بن عبد الملك) الأموي بدمشق عام 88 هـ. ثم العهد العباسي أنشأ المنصور أول مستشفى بعدما استقدم أطباء من مارستان جنديسابور. كما أنشأ دور لمعالجة المجانين و العميان و الأيتام. - وأنشأ الرشيد المستشفيات معتمدا في ذلك على طبيبه (جبرائيل بختيشوع) في بغداد. - ثم أنشأ (الفتح بن خاقان) وزير المتوكل في مصر مستشفى أطلق عليه اسم (المغافر). - ولما تولى (ابن طولون) حكم مصر أنشأ مستشفى سنة 259 هـ عرف باسمه ، وأنفق عليه (000 60 دينار) ، ووضع رهن إشارة العامة. ثم بدأت تنتشر المستشفيات ببغداد وضواحيها بعد ذلك. - قسم الدكتور عبد الحليم عقبي تاريخ الطب عند العرب و المسلمين إلى مرحلتين. أ- مرحلة الترجمة و التحصيل : وهي التي أفرد لها ابن أبي أصيبعة (بابا لنقله عن الأطباء). وهـذه المرحلة تمتد من بداية ظهور الإسلام إلى حوالي سنة 235 هـ / 850 م. وكان أغلب أطبائها من المسيح المحليين أو المستوطنين من السوريين أو البيزنطيين ، وقد نقلوا أغلب النصوص إلى السريانية أولا ثم إلى العربية وأول من قام بهذه المهمة الضخمة (النساطرة) الذين منهم (سرجيوس) الذي عمل في مدرسة جنديسابور في أول الأمر ثم في بغداد. في الوقت نفسه ظهر كطبيب يعقوبي أصله من مدينة (نينوى) بالعراق هو (أبو زكريا يوحنا بن ماسويه) الذي خدم ستة (06) من الخلفاء على التوالي منهم (هارون الرشيد – المأمون) ترك أثارا هامة منها (الكناشة – كتاب الأقراباذين) – وبعض الملاحظات حول تشريح القردة – والرمد – وأمراض النساء –والتغذية). ومن أشهر تلاميذته (حنين بن إسحاق) وهو نسطوري من الحيرة عمل بدمشق وبغداد – كان المترجم الرسمي للمأمون ، و المتوكل وطبيبهما الخاص ويرجع إليه الفضل في ابتكار المصطلحات الطبية العربية ، وقد عرب نحو (200) مؤلف ووضع كتاب (العشر المقالات في العين) وهو أقدم ما ألف في أمراض العين بطريقة علمية. - ثم أتم عمله بعده ابنه إسحاق ، وابن أخيه حبيش الذي عرّب قسم (أبقراط) من تلاميذته (عيسى بن يحي) (وعيسى بن علي الرمدي) (وقسط بن لوقا البعلبكي). - ثم جاء (يوحنا بن سرافيون) يوحنا الدمشقي السرياني الأصل الذي ألف (الفصول) و (الكناشة) ترجمهما جيرار دي كريمون) ترجمة طبقت أول مرة في البندقية سنة 1469 م. أما العرب فقد كان طبّهم في بدايته أعجميا لقلة العرب المهتمين بهذا المجال. ب- مرحلة الأصالة و الاستنباط : وقد بدأت مع بداية (ق 3 هـ)، وفيها نشأ أكبر فلاسفة العرب و أطبائها أمثال (الرازي – ابن سينا – الزهراوي – ابن رشد – المجوسي). وبعضهم من الفرس ، والبعض من الأندلس وقد انحصرت الإتجاهات العلمية والطبية في أربع اتجاهات : 1- الملاحظة الاكلينكية الدقيقة والتدريس إلى جانب السرير والمستشفيات. 2- الكيمياء وكان رائدها عراقي من الكوفة ( أبو موسى جابر بن حيان) (83 هـ - 148 هـ) (702 م – 765 م) الذي دارت الأساطير حول صورته ومازالت مصطلحاته وتسمياته في الكيمياء سائدة في كل لغات العالم إلى اليوم. 3- علم النبات وخواصه حيث أضاف العرب إلى تراث (ديسوقريدس) مفردات عدة أخذوها عن آسيا و إفريقيا. 4- تحسين و تنظيم المستشفيات التي ورثوا فكرتها عن بيزنطة. هذه الاتجاهات الأربعة هي الميزات التي جعلت الطب العربي سراجا وهاجا أضاء العالم قرونا عديدة و يمكن أن نذكر باختصار أربعة ممن شاركوا في هذه النهضة : أ- أبو بكر الرازي محمد بن زكريا. ب- الشيخ الرئيس ابن سينا. جـ- علي بن العباسي المجوسي. د - أبو القاسم الزهراوي. ملاحـــظات عـــــــامـة : - جالينوس اليوناني ظهر في عهد عيسى عليه السلام. - قال عليه الصلاة والسلام : «أنتم أعلم بأمور دنياكم ...» عندما رأى العرب تلقح النخيل. - البابليون و الكلدانيون و الأنباط هم الذين اشتغلوا بالسحر و الطلسمة وبالغوا فيها إلى درجة الشرك. معتمدين في ذلك على كتاب (طمطم الهندي). ثم ظهر بالمشرق (جابر بن حيان) كبير السحرة في هذه الملة- تفحص كتب الأقدمين في هذا المجال ، وأخرج صناعته ، ومنها الكيمياء. - ثم جاء (مسلمة بن أحمد المجريطي) إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع الكتب السابقة و نقحها. - وهو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم «حتى أنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله» سحر له في مشط – وفي جلف نخل – ودفن في بئر ذروان فنزل قوله تعالى: «من شر النفاثات في العقد..» قالت عائشة رضي الله عنها: «كان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت». 1- البابليون هم الكلدانيون من النمط و السريانيين – فقد انتشر عندهم السحر بشكل فضيع ( زمان بعثة موسى عليه السلام). الهـوامـــــــــش - أحمد بك كمال – بغية الطالبين في علوم وفوائد المصريين. ط / بولاق – 1309 هـ. - ابن أبي أصيبعة– طبقات الأطباء– (جزآن)–ج/1 ص 124.(1882). مصر. - ابن سينا – القانون – ج / 1 – ص 107. - الأصفهاني – الأغاني –ج / 14 – ص 132 – ط/بولاق – (1885م). - ابن خلكان – المعجم – ج / 1 – ص312 (الانسكلوبيدية). - ابن الأثير – الكامل في التاريخ – ج / 7 – ص 151 – (12 جزء)-1302 هـ. مصر. - الهلال الصابوني – الوزراء – ص87 –(1904 م) – بيروت – لبنان. - كاتب جلبي– كشف الظنون – (جزآن)– ج/2 – ص 341 –(1311هـ)الاستانة. - ألعاملي – الكشكول – ص 05 – (1961 م) – العدد الثالث – مصر. - Encyclopédie – Brait Art à Médecine. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
إسهامات علماء المسلمين في علم البصريات د. راغب السرجاني كغيره من العلوم التي ظهرت قبل المسلمين، كان لليونانيين وغيرهم من الشعوب القديمة اهتمام بعلم البصريات، وكان لهم فيه آثار طيبة اتَّكأ عليها علماء المسلمين عند ممارستهم لهذا العلم، فقد نقلوا عن اليونان آراءهم في انكسار الضوء, والمرايا المحرِقَة وغيرها, ولكنهم لم يقتصروا على مجرَّد النقل بل توسَّعوا وأضافوا إضافات باهرة من ابتكاراتهم، واستطاعوا أن يسطِّروا في علم البصريات تاريخًا مشرِّفًا. علم البصريات في الحضارة الإغريقية في أوَّل الأمر كانت البصريَّات الإغريقيَّة تحوي رأيين متعارضين؛ الأول: هو الإدخال، أي دخول شيء ما يمثل الجسم إلى العينيين، والثاني: الانبعاث، أي حدوث الرؤية (الإبصار) عندما تنبعث أشعة من العينين وتعترضها الأجسام المرئية. وقد ظلَّت الحضارة الإغريقيَّة تتناول البصريات بأخذٍ وردٍّ بين هذين الرأيين، وكانت مجهودات أرسطو تفتقر إلى تفصيل حتميٍّ، وكذلك إقليدس رغم مجهوداته الملموسة، إلاَّ أن نظرياته كانت مقصورة على تقديم شرح كامل للإبصار؛ لأنها أغفلت العناصر الفيزيائيَّة والفسيولوجيَّة والسيكولوجيَّة للظواهر البصريَّة، حيث ذهب إلى أن العين تُحْدِث في الجسم الشفاف المتوسِّط بينها وبين المبصَرَات شعاعًا ينبعث منها، وأن الأشياء التي يقع عليها هذا الشعاع تُبْصَر، والتي لا يقع عليها لا تُبْصَر، وأن الأشياء التي تُبْصَر من زاوية كبيرة تُرى كبيرة، والتي تبصر من زاوية صغيرة ترى صغيرة. أما بطليموس فرغم إبداعه في التوفيق بين التناول الهندسي والتناول الفيزيائي إلا أنه فشل في نهاية الأمر؛ لأن استخدامه كان مقصورًا على دعم استنتاجات سبق التوصُّل إليها فعلاً، بل إن معالجة النتائج التجريبيَّة كانت تجري أحيانًا بجواز مروره لهذه الاستنتاجات. إسهامات العلماء المسلمين : ظلَّت البحوث في علم البصريات تدور في هذا الفلك السابق دون تقدُّم أو رقيٍّ، وبقيت على ذلك حتى جاءت الحضارة الإسلاميَّة، فكان لإسهامات المسلمين في علم البصريات نسق آخر متطوِّر وفريد؛ وذلك نظرًا لنبوغهم في العديد من العلوم المرتبطة بهذا العلم مثل الفلك والهندسة الميكانيكيَّة وغيرهما، إذ إن ابتكاراتهم قد تتداخل فيها هذه العلوم. أبو يوسف الكندي جاء الفيلسوف أبو يوسف الكندي، والذي يُعَدُّ من أوائل العلماء المسلمين الذين طرقوا ميدان علم الطبيعة وعلم البصريات؛ حيث تناول الظواهر الضوئيَّة وعالجها في كتابه الشهير (علم المناظر)، وقد أخذ بنظريَّة الانبعاث الإغريقيَّة، إلا أنه أضاف كذلك وصفًا دقيقًا لمبدأ الإشعاع، وصاغ من خلال ذلك أساس نظام تصوُّريٍّ جديد يحلُّ في نهاية الأمر محلَّ نظريَّة الانبعاث، وكان لكتابه (علم المناظر) صدًى في المحافل العلميَّة العربيَّة، ثم الأوربيَّة خلال العصور الوسطى. الحسن بن الهيثم رائد علم الضوء ومن بعده جاء الحسن بن الهيثم والذي تُعَدُّ أعماله العلميَّة فتحًا جديدًا ووثبة خطيرة في عالم البصريات وفسيولوجية الإبصار، وكانت أعماله هي الأساس الذي بنى عليه علماء الغرب جميع نظرياتهم في هذا الميدان، وكان في طليعة العلماء الأجانب الذين اعتمدوا على نظرياته -بل أغاروا عليها ونسبوها لأنفسهم- روجر بيكون وفيتلو وعلماء آخرون، ولا سيما في بحوثهم الخاصَّة بالمجهر والتلسكوب والعدسة المكبِّرَة. بدأ ابن الهيثم أوَّلا بمناقشة نظريات إقليدس وبطليموس في مجال الإبصار، وأظهر فساد بعض جوانبها، ثم في أثناء ذلك قدَّم وصفًا دقيقًا للعين وللعدسات وللإبصار بواسطة العينين، ووصف أطوار انكسار الأشعة الضوئيَّة عند نفوذها في الهواء المحيط بالكرة الأرضية بعامَّة، وخاصَّة إذا نفذ من جسم شفّاف كالهواء والماء والذرَّات العالقة بالجوِّ، فإنه ينعطف -أي ينكسر- عن استقامته، وبَحَثَ في (الانعكاس) وتبيان الزوايا المترتِّبة على ذلك، كما تطرَّق إلى شرح أن الأجرام السماويَّة تظهر في الأفق عند الشروق قبل أن تصل إليه فعلاً، والعكس صحيح عند غروبها، فإنها تبقى ظاهرة في المجال الأفقي بعد أن تكون قد احتجبت تحته، وهو أول من نوَّه باستخدام الحجرة السوداء التي تُعتبر أساس التصوير الفوتوغرافي. والكتاب الذي خلَّد اسم ابن الهيثم عبر القرون هو (كتاب المناظر)، ويوضِّح هذا الكتاب تصوُّر البصريات كنظريَّة أوليَّة في الإبصار، مختلفة جذريًّا عن فرض الشعاع المرئي الذي حافظ عليه التقليد الرياضي منذ إقليدس وحتى الكندي، ولقد أدخل ابن الهيثم أيضًا منهجيَّة جديدة على هذا التفسير لعمليَّة الإبصار، وبهذا تمكَّن من صياغة مسائل كانت إمَّا غير مفهومة طبقًا لنظرية الشعاع البصري، أو مهملة من جانب فلاسفة يهدفون أساسًا إلى تفسير ماهيَّة الرؤية أكثر من اهتمامهم بشرح كيفيَّة حدوث الإبصار. وقد ألَّفَ ابن الهيثم في البصريات وحدها ما يقرب من أربعة وعشرين موضوعًا، ما بين كتاب ورسالة ومقالة، غير أن أكثر هذه الكتب قد فُقد فيما فُقِدَ من تراثنا العلمي، وما بقي منها فقد ضمَّته مكتبات إستانبول ولندن وغيرهما، وقد سلم من الضياع كتابه العظيم (المناظر) الذي احتوى على نظريات مبتكرة في علم الضوء، وظلَّ المرجع الرئيسي لهذا العلم حتى القرن السابع عشر الميلادي بعد ترجمته إلى اللاتينيَّة. فكان كتاب (المناظر) ثورة في عالم البصريات، وفيه لم يتبنَّ ابن الهيثم نظريات بطليموس ليشرحها ويُجْرِي عليها بعض التعديل فحسب، بل إنه رفض عددًا من نظرياته في علم الضوء، بعدما توصَّل إلى نظريات جديدة غدتْ نواة علم البصريات الحديث. فقد كان بطليموس -كما ذكرنا- يزعم أن الرؤية تتمُّ بواسطة أشعَّة تنبعث من العين إلى الجسم المرئي، وقد تبنَّى العلماء اللاحقون هذه النظرية، ولما جاء ابن الهيثم نسف هذه النظريَّة، وبيَّن أن الرؤية تتمُّ بواسطة الأشعة التي تنبعث من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر، وبعد سلسلة من الاختبارات أجراها ابن الهيثم بيَّن أن الشعاع الضوئي ينتشر في خطٍّ مستقيم ضمن وسط متجانس، وقد أثبت ذلك في كتاب (المناظر). كذلك برهن ابن الهيثم رياضيًّا وهندسيًّا على كيفيَّة النظر بالعينين معًا إلى الأشياء في آنٍ واحد دون أن يحدث ازدواج في الرؤية برؤية الشيء شيئين، وعلَّل ابن الهيثم ذلك بأن صورتَي الشيء المرئي تتطابقان على شبكيَّة العينين، وقد وضع ابن الهيثم بهذه البرهنة وذلك التعليل الأساس الأول لما يُعرف الآن باسم الاستريسكوب، وكان ابن الهيثم أوَّل من درس العين دراسة علميَّة، وعرف أجزاءها وتشريحها ورسمها، وأول من أطلق على أجزاء العين أسماء أخذها الغرب بنطقها أو ترجمها إلى لغاته، ومن هذه الأسماء: القرنية (Cornea)، والشبكية (Retina)، والسائل الزجاجي(Vitrous Humour)، والسائل المائي (Aqueous Humour). ومن أهم إنجازات ابن الهيثم بصفة عامَّة في البصريات: أنه أول مَنْ أجرى تجارِب بواسطة آلة الثقب، أو البيت المظلم، أو الخزانة المظلمة، واكتشف منها أن صورة الشيء تظهر مقلوبة داخل هذه الخزانة، فمهَّد بهذا الطريق إلى ابتكار آلة التصوير، وبهذه الفكرة وتلك التجارِب سبق ابن الهيثم العالمين الإيطاليين (ليوناردو دوفنشى) و(دلا بورتا) بخمسة قرون. كما وضع ابن الهيثم -ولأول مرَّة- قوانين الانعكاس والانعطاف في علم الضوء، وعلَّل لانكسار الضوء في مساره، وهو الانكسار الذي يحدث عن طريق وسائط كالماء والزجاج والهواء، فسبق ابنُ الهيثم بما قاله العالمَ الإنجليزي نيوتن. وكان أحد أبرز إنجازات ابن الهيثم في كتابه المذكور تجربة الصندوق الأسود، وتُعتبر الخطوة الأولى في اختراع الكاميرا، وكما تقول الموسوعة العلمية: فابن الهيثم يُعتبر أولَ مخترع للكاميرات، وهي ما يُسمَّى عمليًّا: (Camera obscura). ومَنْ يطَّلع على كتاب (المناظر) والموضوعات التي تتعلَّق بالضوء وما إليه يخرج بأن ابن الهيثم قد طبع علم الضوء بطابع جديد لم يُسبق إليه، وقد ألَّف هذا الكتاب عام (411هـ/ 1021م)، وفيه استثمر عبقريته الرياضيَّة، وخبرته الطبيَّة، وتجاربه العلميَّة، فتوصَّل فيه إلى نتائج وضعته على قمَّة عالية في المجال العلمي، وصار بها أحد المؤسِّسين لعلوم غيَّرت من نظرة العلماء لأمور كثيرة في هذا المجال. وعلى الرغم من مكانة ابن الهيثم وبحوثه المبتكَرة في علم الضوء، إلاَّ أنه ظلَّ مغمورًا لا يعرفه كثير من الناس، حتى قَيَّض الله من يكشف عن جهوده وينقب عن آثاره ويجليها، وكان من هؤلاء العالم المصري مصطفى نظيف، وذلك حين كتب عنه دراسة طيبة رائدة نشرتها جامعة القاهرة في مجلدين، وقد بذل فيها جهدًا مضنيًا في قراءة مخطوطات ابن الهيثم ومئات المراجع الأخرى، حتى خلص إلى حقيقة صادقة، وهي أنَّ ابن الهيثم خليقٌ بأن يُعدَّ بحقٍّ رائد علم الضوء في مستهلِّ القرن الحادي عشر. وليس كل ما ذكرناه إلا جزءًا بسيطًا من الإنجاز الهائل الذي قدمه المسلمون لعلم البصريات، فما أروعه من إنجاز!! |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
|
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
فضل الحضارة الإسلامية على العلوم الطبية د . هناء إسماعيل عندما جاء الإسلام اهتم العرب منذ فجره بشتى ضروب المعرفة والعلوم، وصاحب الانتصارات الحربية الرائعة، تقدم الثقافة وازدهار الفكر على صعيد جميع العلوم والمعارف النظرية التطبيقية بالإضافة إلى مختلف الفنون والصناعات. وكان الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة الإسلامية بالعلم والعلماء عاملاً هيأ الظروف الملائمة لانتشار التعليم، فما لبثت العلوم والطب أن اكتسيا ثوبًا جديدًا، بل نفخت فيهما الروح من جديد. فلقد شجع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم نفسه دراسة الطب وقال: "تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهِرَم"[رواه أبو داود]. حافظ العلماء المسلمون على تراث المعرفة الإغريقية فاحترموه وقدروه ونهضوا به وطوروه، وكان ذلك إسهامًا عظيمًا في تقدم الطب، فقد ترجم المسلمون إلى العربية مؤلفات جالين وغيره، ووزعوها على المراكز العلمية في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، فكان لهذا العمل العظيم والجليل فوائده العلمية الكبيرة والجمة. وقد أسهم ولاة المسلمين كذلك في نهضة علم المعالجة بالعقاقير، بل يعتقد الكثيرون أن الكلمة الإنجليزية Drug المرادفة للعقار الطبي، مشتقة من أصل عربي، كما هو الحال في آلاف المصطلحات الأخرى. كذلك أنشأ الولاة المسلمون المستشفيات التعليمية الكبيرة والمستوصفات العامة في سائر أنحاء الدولة الإسلامية. ومن حسن حظ العلوم الطبية أنها حظيت بالنصيب الأوفى بفضل هذا التشجيع المعنوي والمادي من الخلفاء وأولي الأمر والثراء، لاسيما خلال الحقبة الواقعة بين الأعوام 800 – 1200م. وهذا الازدهار شمل جميع الدول الإسلامية من الشرق في الشام إلى الغرب في الأندلس، وكان لمصر الإسلامية النصيب الأكبر في هذا التقدم الحضاري، فقد أعطت لدنيا العلوم الطبية الكثير، واعتبرت أحد ينابيع الفكر العربي.. فقد أعطت ما لم تعطه الولايات الإسلامية الأخرى حضارة وعلمًا وفنًّا وفكرًا وابتكارًا، فبعد أن من الله عليها بالفتح الإسلامي سنة 21هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التقت حضارة العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية بحضارة الفراعنة التي تسلمها أبناء النيل، وقد عكس المسلمون ضوء الشمس الغاربة للحضارات الفرعونية واليونانية، وكان لهم فضل الحفاظ على العلوم الطبية؛ لأن الرومان لم يحسنوا القيام على هذا التراث، بينما العرب المسلمون تسلموه وأتقنوه وأبدعوا فيه وأضافوا إليه. كان هذا الالتقاء الحضاري نتيجة مباشرة في دفع عجلة التقدم في شتى ميادين العلوم والمعرفة والصناعات والنظم الإدارية، كما صاحب الفتوح الإسلامية إنشاء المدارس، ومن أروع مظاهر الحضارة الإسلامية مدارس الطب، فمنذ قيام الدولة الإسلامية كانت المساجد معاهد عامة لتعليم الشريعة فضلاً عن أنها دور للعبادة، وكان أول معهد هو الذي أنشأه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة، بعد هجرته في السنة الأولى. وبمرور الزمن أصبحت المساجد كلها جامعات إسلامية، وصار اسم المسجد "جامع"، واليوم نحن نسمي مؤسستنا العلمية الكبيرة الشاملة بمؤنث "جامع" أي "جامعة"، وأصبح يدرس فيها مختلف علوم الدنيا والدين . واشتهر عمر بن منصور البهابري، ومحمد بن عبد الله المصري، بتدريس الطب في الجامع الطولوني الذي أنشاه أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية في مصر في خلال القرن الثالث الهجري، كما اشتهر عبد اللطيف البغدادي الذي كان يدرس الطب في الجامع الأزهر (وقد أنشأ في زمن المعز لدين الله الفاطمي، مؤسس الدولة الفاطمية في مصر، خلال القرن الرابع الهجري). كما أُنشئت بيوت الحكمة (أي خزائن الكتب) لجمع الكتب من مختلف العلوم لحفظها وترجمتها، وكانت أول دار حكمة هي دار الحكمة القياسية، التي أنشئت في زمن هارون الرشيد (القرن الثاني الهجري)، وجمع له البرامكة كتب الهند القيمة، وكتب فارس، واليونان، ونشطت حركة الترجمة، وفي عصر المأمون في أول القرن الثالث الهجري، فأصبحت دار الحكمة أكاديمية للبحث العلمي في مختلف العلوم، وخصوصًا العلوم الطبية، وأضاف العرب علومهم إلى ما ترجموه من علوم الأمم الأخرى. ولما انتشرت العلوم وازدادت المؤلفات، وبلغ شغف الناس بالعلوم مبلغًا كبيرًا لم تعد دور الحكمة تفي بالغرض، فأنشئت دور العلوم لتلقى فيها المحاضرات، وأولها دار علم الموصلي (في القرن الثالث الهجري). ثم ظهرت المدارس التي أنشئت عن طريق الأساتذة والأثرياء، وابتدأت بدار يجتمع فيها الأستاذ مع طلابه، وأقدم مدرسة هي مدرسة أبي بكر بن فورك الأصبهاني (القرن الخامس الهجري) في نيسابور، وكانت تدرس فيها مختلف العلوم، ثم أصبحت تلك المدارس "حكومية"، وأول مدرسة حكومية هي المدرسة النظامية التي أنشأها نظام الملك (في القرن الخامس في بغداد وخراسان). وهنا تجدر الإشارة إلى أن العرب المسلمين هم أول من جعل التدريس من واجبات الدولة، وأول من عرفوا تأميم الطب والعلاج. ويعد الرازي واحدًا من أشهر الأطباء المسلمين، فقد ألف في القرن العاشر الهجري أكثر من ثلاثمائة كتاب في الطب، كما وضع موسوعة طبية كاملة، واشتهر كذلك الطبيب المسلم ابن سينا، حتى أصبح كتابه "القانون في الطب" واحدًا من أهم المراجع الدراسية في المدارس الطبية خلال العصور الوسطى، واشتهر طبيب مسلم آخر في قرطبة وهو الزهراوي، الذي كتب في القرن العاشر كتابًا يستعرض فيه بالتفصيل كل المعارف الطبية في زمنه، كما ألف كتابًا مصورًا في الجراحة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الطب، وضمنه صورًا للأدوات التي تستخدم في علوم الجراحة. ومن أمثلة دور العلم الطبية (دار ابن سينا)، فكان يجتمع فيها طلبة العلم، منهم من يقرأ في كتاب القانون، وآخر يقرأ في طرق الشفاء، وكان التدريس يتم ليلاً لعدم وجود فراغ خلال النهار بسبب خدمة السلطان والأمراء، ومن أهم المدارس الطبية أيضًا المدرسة الدخوارية بالشام، التي أنشأها أبو محمد بن علي بن حامد المعروف بالدخوار، وكان كحالاً (أي طبيبًا للعيون)، وتتلمذ على يديه كثير من أطباء دمشق، وكان أستاذًا ببيمارستان النوري الكبير، ثم بعد وفاته أوقفت داره وجعلت مدرسة للطب، وكذلك المدرسة الدينسرية التي أنشأها عماد الدين الدينسري، ولكن دور العلم والمدارس الطبية لم تف بالغرض المطلوب؛ لأن الطب من العلوم التجريبية التي لا تصلح لها هذه المعاهد، فكان لابد من الدراسة العملية، ولذلك ظلت البيمارستانات هي كليات الطب المفضلة لتدريس المقررات للطالب، حيث إنها مكان تتوافر فيه الحالات المرضية وطرق العلاج. والبيمارستان هي كلمة فارسية تتكون من شقين "بيمار" بمعنى المرض، و"ستان" بمعنى مكان، أي أن معناها مجتمعة "مكان المرض" ثم حورت في العصور الحديثة إلى كلمة مارستان، أصبحت لفترة طويلة تطلق على دور العلاج العقلي، حتى صارت التعبير العامي لهذا النوع من المستشفيات. بذلك أنشئت المدارس الطبية العلمية، أو البيمارستانات التعليمية، وأهمها البيمارستان المقتدري في القرن الرابع الهجري في بغداد، وقد هدمه المغول، والبيمارستان النوري الكبير في دمشق (في القرن السادس الهجري) ، والبيمارستان العضدي في بغداد، والمنصوري بالقاهرة، الذي أنشأه المنصور سيف الدين قلاوون، (في القرن السابع الهجري)، وكان يشرف على البيمارستان ويدرس الطب فيه علماء شهد لهم التاريخ؛ ففي البيمارستان العضدي كان ابن بطلان، وابن التلميذ، وسنان بن قرة ، وفي المقتدري كان الواسطي. وفي النوري: ابن الدخوار، وابن النفيس، وابن أبي أصيبعة. أما بيمارستان قلاوون في القاهرة فكان أعظم مستشفى، وكلية طبية في تاريخ مصر خلال العصور الوسطى، وكان يشرف على رئاسته كبير أطباء، وهو ما يقابل اليوم عندنا "عميد كلية الطب"، وكان يتم اختياره من كبار الأطباء، وأحسنهم سمعة وعلمًا، وكان الإشراف على البيمارستان يعتبر من وظائف الدولة المهمة ولرئيسه حق مقابلة السلطان في أي وقت، كما كان للبيمارستان قسمان: قسم للرجال، وآخر للنساء، وكل قسم من الأقسام الداخلية يشمل تخصصات عدة مثل: طب العيون – الجراحة – الإسهال والحمى – الأمراض العقلية والنفسية...إلخ. كما كان قسم خارجي يتردد عليه حوالي 4000 مريض يوميًا يصرف لهم أصناف جيدة من العلاج، وكان كل قسم يشرف عليه رئيس، وكان لرئيس الأطباء ورؤساء الفروع فقط الإذن بمزاولة فنون الطب لمن يرونه صالحًا من الطلاب الدارسين بالبيمارستان، وكان يعاون المدرسين أو الأساتذة طوائف المعيدين، فنظام المعيدين هو أصلاً من ابتكار التعليم الإسلامي، وكان للمعبد واجبات منها ما ذكره القلقشندي (إذا ألقى المدرس الدرس وانصرف أعاد الطلبة ما ألقاه المدرس ليفهموه ويحسنوه). كان الالتحاق بالمدرسة الطبية أو البيمارستان سهلاً، إذ يذهب الطالب إلى حيث يجلس الأستاذ، ويستمع إليه، والطالب حر في اختيار مقررات الدراسة، بل ودراسة ما يرغب فيه وحرية التنقل من أستاذ إلى آخر، حتى تكون الدراسة على هواه، ولا تفرض عليه في هيئة برامج أو مقررات إجبارية، ولم يكن الأمر فوضى كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكن كانت هناك كتب أساسية يجب أن يدرسها الطالب، ولا يمكنه الحصول على إجازته إذا لم يتقن هذه الكتب. ولعل الكثيرين يعلمون أن هذا النظام انتهى من عندنا نحن مبدعيه، وانتقل إلى الدول المتقدمة على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، ومازال قائمًا ويطبق لديهم حتى اليوم، فالطالب الذي يدرس دراسات عليا أو عادية يختار أستاذه والمقررات أو البرامج التي سيدرسها بنفسه وبحرية كاملة، ولا تفرض عليه أو يفرض عليه أستاذه أو مشرفيه. ولكن من يعترف اليوم بهذا الإبداع العظيم للعرب، وفضل الحضارة الإسلامية على العلوم وطرق المناهج والتدريس؟ وتمر ستة قرون كاملة بعد هذا الإبداع الإسلامي، ونجد في عام 1537م طبيبًا بلجيكيًا، بل عالمًا من علماء جامعة لوفان، هو أندريه فيزالوس، يترجم الكتاب التاسع من كتب الرازي إلى اللغات الأوروبية، وما لبث فيزالوس أن عين أستاذًا للتشريح في جامعة بادوا، وفي عهده أدخلت كلية الطب في جامعة بادوا الأساليب الإسلامية الجديدة في ممارسة الطب، التي ما لبثت أن انتشرت في سائر أوروبا وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدم الطب في أوروبا. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
مظاهر العناية بالصحة في تاريخ المسلمين فاطمة حافظ ينظر الإسلام إلى الصحة باعتبارها ضرورة إنسانية وحاجة أساسية وليست ترفا أو أمرا كماليا؛ فحياة الإنسان لها حرمتها وقداستها ولا يجوز التفريط فيها ولا إهدارها كما تدل على ذلك النصوص القطعية كقوله تعالى: { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} (المائدة: 32) ، وقول نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: { من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا } (صحيح الترمذي )، وهذه النصوص وأمثالها تبرهن على حث المسلمين الاهتمام والعناية بالصحة ودعت إلى المحافظة عليها. دستور الإسلام الوقائي ينفرد الإسلام بين الشرائع بأن تعاليمه تشمل ما هو ديني من عقائد وشرائع وأحكام وما هو دنيوي من آداب تنظم عمل مجالات الاقتصاد والتجارة والصحة وغيرها، ويفترض الدكتور شوقي الفنجري في كتابه (الطب الوقائي في الإسلام) أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بما يسميه دستور أو بروتوكول الطب الوقائي وهو يحوي عددا من العناصر ومن أهمها:
السياسة الصحية ودور الدولة في تطبيقها شغل المسلمون في بدء ظهور الإسلام بفتح الممالك وتشييد بنيان الدولة، وما أن أدركوا بعضا من ذلك حتى أخذت ميولهم نحو العلم والتمدن تظهر منذ عهد الدولة الأموية رغم قرب عهدهم بالبداوة حيث تقدم خالد بن يزيد بن معاوية إلى المترجمين وطلب منهم ترجمة كتب الحكمة والطب والكيمياء من اليونانية إلى العربية، وجاء من بعده مروان بن الحكم وطلب من الحكيم سرجيس نقل كتب الطب اليونانية الشهيرة ثم جاء عمر بن عبد العزيز فوجدها في خزائن كتب بني أمية فأمر بأن توزع على الأطباء للعمل بما فيها. وكذلك اتجه الخلفاء نحو تشييد البيمارستانات أو المستشفيات والإنفاق عليها وتوفير الأدوية لها، ومن أقدمها بيمارستان جنديسابور الذي شيد في عصر أبي جعفر المنصور وكان يترأسه جورجيس بن بختيشوع الذي ترجم جملة من الكتب الطبية بأمر من الخليفة المنصور، ثم كثرت بعد ذلك البيمارستانات وانتشرت في مصر والشام والعراق والحجاز، وكان يختار لها أمهر الأطباء ويجعلون للجميع رئيسا عاما (مديرا للأطباء)[2]، وقد تعددت أنواع البيمارستان وكان منها “البيمارستان النقال” وهو مستشفى متنقل مجهز بالأدوية والمعدات الطبية وكل ما يعين على مداوة المرضى، وكان ينقل من بلد إلى آخر من البلدان التي تخلو من بيمارستان ثابت أو التي يظهر بها وباء أو مرض معدي أو يصاحب الحجيج في رحلاتهم إلى الديار المقدسة، ومنها أيضا ” البيمارستان العسكري” وهو الذي يرافق الجند في ميادين القتال ويعمل به فريق من الأطباء والصيادلة والممرضين، كما كانت هناك بيمارستانات عمومية تعالج كافة الأمراض وأخرى تخصصية تعالج أمراضا بعينها كالأمراض المعدية التي كان يعزل بها المرضى عن الأصحاء، والأمراض العقلية وغير ذلك. اقرأ أيضا :الحسبة والصحة العمومية وتعد الحسبة كذلك من الآليات التي لعبت دورا لا ينكر في حفظ الصحة العامة رغم أنها من الوظائف الدينية، ويكفى أن يطالع المرء بعضا مما نصت عليه كتب الحسبة[3] من الواجبات التي ينبغي أن يلتزم بها أرباب المهن والحرف وعلى الأخص المتعلقة بالمأكل والمشرب، وكذلك الضوابط الواجب اتباعها للحفاظ على البيئة من نظافة الشوارع والطرق، وتطهير موارد المياه والاهتمام بالحيوانات. وتشير المصادر التاريخية إلى أن المحتسب اضطلع بمهمة الإشراف على تطبيق السياسة الصحية وردع الخارجين عليها، ويمكن إيضاح الدور الكبير الذي لعبه المحتسب أو بالأحرى مؤسسة الحسبة في حفظ الصحة العامة من خلال العناصر التالية:
ومثلهم باعة الزيوت فقد حظر عليهم عصر السمسم لعمل السيرج قبيل غسل السمسم وتحميصه ودقه ثم طحنه، وعليهم غسل أرجلهم بالمحكة وارتداء ملابس ضيقة عند الوسط وتغطية وجوههم حتى لا يتطرق العرق إلى الزيت المستخرج. ختاما يمكن القول إن المسلمين استنبطوا من النصوص والمبادئ الإسلامية المتعلقة بالصحة سياسات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وقد اضطلعت مؤسسة الدولة ومؤسسة الحسبة بمهمة تنفيذها. الهوامش : [1] شوقي أحمد الفنجري، الطب الوقائي في الإسلام: تعاليم الإسلام الطبية في ضوء العلم الحديث، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991، ص 11-14. [2] رفيق العظم، الأشباه والنظائر في قوانين حفظ الصحة في عصور المدنية الإسلامية وفي هذا العصر، دمشق: مجلة المجمع العلمي العربي، 1924، مج 4، ج 3، ص 100-103. [3] من أشهر كتب الحسبة، المدخل لابن الحاج، ونهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام، ومعالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة. [4] محمد جمعة عبد الهادي موسى، الحسبة على البيئة بمصر وبلاد الحرمين عصر سلاطين المماليك: دراسة مقارنة، عمان: دار أمجد للنشر والتوزيع، 2017، ص 140-149. [5] ابن الحاج، المدخل، القاهرة: دار التراث، ج 4، ص 149. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
حنين بن إسحاق شيخ المترجمين وأحد مؤسسي الطب الإسلامي نورالدين قلالة https://i.imgur.com/y4cFIcC.jpg حنين بن إسحاق مؤرخ ومترجم وأحد مؤسسي الطب الإسلامي، يعد من كبار المترجمين في العصر العباسي. كان بارعا في لغة اليونان وفي الترجمة عموما حتى لُقب بـ “شيخ المترجمين” لإتقانه عدة لغات كالسريانية والفارسية واليونانية. كما يشهد له بدور بارز في إزدهار اللغة العربية كلغة للعلم وكونه علاَّمة وقته في الطِب، ومُعرّب كتاب “إِقليدس” فضلا عن تأليفه العديد من الكتب القية التي لا زالات تُدرّس ليومنا هذا. يعد حنين بن إسحاق أهم مترجم إلى العربية على مر العصور، وكان يجيد – بالإضافة للعربية- السريانية والفارسية واليونانية. قام بترجمة أعمال غالينوس وأبقراط وأرسطو والعهد القديم من اليونانية، وقد حفظت بعض ترجماته أعمال جالينوس وغيره من الضياع. لا يمكن لأي طالب علم أو باحث متخصص أن ينكر جهود حنين بن إسحاق الشاقة في الترجمة، خاصة في جلب صفوة الأعمال والمعرفة الطبية اليونانية القديمة إلى الشعوب العربية والسيريانية، فقد جلب هذا المترجم العبقري والمؤرخ الفذ أسلوبا عمليا جعل من اللغة العربية لغة علم عالمية، من خلال ترجمته جميع المصطلحات الأجنبية في كتابته بمنتهى الحرص والدقة وعدم الاكتفاء بكتابتها ونسخها بحروف عربية. من هو شيخ المترجمين حنين بن إسحاق؟ هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي (عـُرف في اللاتينية بإسم Johannitius) ولد في الحيرة عام (194هـ = 810م)، لأب مسيحي يشتغل بالصيدلة والصيرفة. ويعتبر حنين بن إسحاق مؤرخ ومترجم من كبار المترجمين في العصر العباسي، وهو من الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم، كان عالما باللغات الأربع غريبها ومستعملها العربية والسريانية واليونانية والفارسية ونقله في غاية من الجودة. وقد جاء في كتاب “سير أعلام النبلاء” عن حنين بن إسحاق أنه “العِباديُّ النصرانِي علاَّمة وقته في الطِب، وكان بارعا في لغة اليونان. عرّب كتاب إِقليدس وله تصاننيف عدة. مات في صفر سنة ستين ومائتين. وكان ابنه إسحاق بن حنين من كبار الأطباء أيضا”. عرف عن حنين بن إسحاق أن ترجمته للكتب من الإغريقية إلى العربية لا تحتاج أبدا إلى تصحيح، ولذلك لإتقانه اللغتين بدرجة كبيرة حتى لقب “بشيخ المترجمين”، وهو أحد مؤسسي الطب الإسلامي. عينه الخليفة العباسي المأمون مسؤولا عن بيت الحكمة وديوان الترجمة، وكان يعطيه بعض الذهب مقابل ما يترجمه إلى العربية من الكتب. ورحل كثيرا إلى فارس وبلاد الروم وعاصر تسعة من الخلفاء، وله العديد من الكتب والمترجمات التى تزيد عن المائة، وأصبح المرجع الأكبر للمترجمين جميعا ورئيسا لطب العيون، حتى أصبحت مقالاته العشرة في العين، أقدم مؤلف على الطريقة العلمية في طب العيون وأقدم كتاب مدرسي منتظم عرفه تاريخ البحث العلمى في أمراض العين. حياته العلمية وعلاقته بالخلفاء عاصر حنين ابن إسحاق، بعد مقتل المتوكل على الله (232 ـ 247هـ) خمسة من الخلفاء العباسيين وتوفي أيام الخليفة المعتمد. وقد حاول في بداية حياته العلمية دراسة الطب في بغداد، أولا، على يد يوحنا ابن ماسويه، فلم يوفق بسبب موقف ابن ماسويه السلبي منه. فقد كان ابن ماسويه متعصباً لأهل الأهواز وكان يقلل من شأن أهل الحيرة، وربما نَفَرَ ابن ماسويه من كثرة أسئلة حُنين فانتهره فغادر حُنين بغداد إلى الأهواز ثم إلى الشام والإسكندرية وبلاد الروم، مصمماً أن يُتقِنَ اللغة الإغريقية وأن ينهي دراساته الطبية النظرية، وأن يبرهن على جدارته وأنه أهل لأن يتعلم الطب. وبذلك غاب عن بغداد بضع سنين ثم عاد إليها وقد بَرَعَ باللغة اليونانية، وصار قادراً على الترجمة منها بكفاية متميزة. وفي بغداد اتصل بأبي عيسى جبرائيل بن بختيشوع، وبعد ذلك رغب إلى يوسف بن إبراهيم أن يُطْلِعَ ابن ماسويه على أنموذجٍ من ترجماته، ففعل ذلك، وكانت هذه الترجمات من الدقة بحيث أن ابن ماسويه كاد أن لا يصدق ما يرى ويسمع. ثم بعدها سأل يوسف بن إبراهيم أن يُصْلِحَ الأمر بينه وبين حُنين ففعل. وعادا إلى التصافي والتعاون، حتى إن ابن ماسويه أهدى إلى حُنين أحد أهم كتبه وهو “الفصول”. أهم مترجمي بغداد ورئيس أطبائها وصلت شهرة حنين بن إسحاق إلى الخليفة المأمون الذي طلب منه القيام بترجمة بعض النصوص اليونانية الهامة إلى العربية كما طلب إليه تصحيح بعض الترجمات القديمة وغدا حُنين من المقربين في بلاط المأمون وبلاط المعتصم بعد وفاة المأمون، وكان أيضاً على صداقة قوية بسلمويه بن بنان، رئيس أطباء بغداد، وكانت هذه الصداقة معيناً لحنين في بلاط الخلفاء العباسيين، فقد كان يحضر مجالس كبار العلماء الذين كانوا في بلاط الخليفة الواثق (227-232هـ). استمر نجم حُنين في الصعود أيام المتوكل على الله (232 ـ 247هـ)، فصار من أهم مترجمي بغداد ورئيسا لأطبائها، إلا أنه عانى معاناة شديدة من مزاج الخليفة المتقلب، الذي نكبه مرتين: الأولى عندما رفض حُنين أن يصف للخليفة سُماً لقتل أحد أعدائه، وذلك بسبب رادع الدين لديه وأخلاق مهنة الطب عنده؛ والثانية عندما اتُهِمَ حُنين بالزندقة، ورضخ المتوكل لوشاية حُسَّاد حُنين من أطباء بغداد ودسائسهم؛ لكن المتوكل ما لبث أن أعاد الاعتبار لحنين واعتذر له، إلا أن مكتبة حُنين التي صُودِرَت في نكبته الثانية لم تعد إليه لأنها تفرقت وضاعت. وكانت هذه المكتبة تحتوي على أندر المخطوطات التي قام برحلاتٍ كثيرة وطويلة على مدى سنين يجمعها، من الجزيرة الفراتية والشام وفلسطين ومصر وبلاد الروم. حنين بن إسحاق والطّب خلال حياته كتب حنين بن إسحاق 116 كتابا في مختلف العلوم والطب، منها 21 كتابا في الطب. وقد شاركه في عمله في ترجمة الكتب الإغريقية ابنه إسحاق بن حنين، وكذلك ابن عمه “حبيش”، الذي كان يترجم الكتب السريانية إلى العربية ويلخصها، مما جعل العلماء والأطباء العرب في خلال مائة عام ملمون بجميع المعلومات في الطب الإغريقي، وأضافوا إليه الكثير بعد ممارستهم الطب وزادت خبرتهم في مجال تشخيص الأمراض التي لم تكن معروفة قبل ذلك الوقت. وأضافوا طرق علاج جديدة لمختلف الأمراض. ومن أهم مؤلفاته كتاب “الأجلوكان في شفاء الأمراض”، وهو ملخص كتاب “جالينيوس”، بجانب خبرته في تشخيص وعلاج الأمراض. ويتكون الكتاب من جزئيين، وبه تفاصيل كاملة عن الحميات والأمراض الالتهابية المختلفة، بجانب وصف كامل لتحضير عدد 150 دواء. تقنيات حنين بن إسحاق في الترجمة كان حنين بن إسحاق على عكس المترجمين في الحقبة العباسية، فكان ضد ترجمة النص كلمة بكلمة، بل كان يحاول الحصول على المعنى من الموضوع والجمل بالكليه ثم يعيد كتابة المعلومات في مخطوطة أخرى باللغة السريانية أو العربية. كما يجمع نصوصا من مجموعات مختلفة من كتب تدور حول موضوع ما، يعدلها ويحسّن معنى الموضوع، فساعدت طريقته خلال 100 سنة بجمع كل المعرفة اليونانية تقريبا في الطب. كان تلامذته يبتعدون في ترجماتهم عن أسلوب النقل الحرفي وعن التقيد الألفاظ، ويحرصون على المعنى بأبسط الصور وأوضحها، لذلك نجحت ترجماتهم نجاحا ملفتا، وقد لاحظ حنين مدى افتقار اللغة العربية إلى المصطلحات العلمية والفلسفية التي تزخر بها اللغات الأخرى كاليونانية والسريانية والفارسية، فلجأ إلى أساليب عدة في وضع المصطلح العلمي بالعربية، كالاشتقاق والمجاز أو الافتراض. وحرص على اختيار المصطلحات الفنية المناسبة التي لم يتمكن التراجمة الأوائل من وضعها، وقام ُحنين بهذه المهمة وحيدا، وقد كتب المصطلحات التي استعملها دون الاستعانه بجهود اللغويين، فثبتها كل المؤلفين الذين جاؤوا بعده. “أسئلة عن الطب” و”علم أمراض العيون” مؤلفات حنين بن إسحاق كثيرة ولها دور رئيسي في تاريخ الطب، ومن المعروف أن حنين بن إسحاق لم يمتلك الوقت الكافي لممارسة التطبيب عمليا، في عيادة خاصة به. وكتابه “أسئلة عن الطب” من الكتب المهمة في التدريس لطلبة الطب، ويعد دليلاً رائعاً للأطباء في بداية حياتهم المهنية. ومحتوياته في شكل أسئلة عن جوانب الطب ثم الإجابة عليها بطريقة واضحة كبداية لفهم المعلومات المعقدة بعد ذلك، أثناء الدراسة والممارسة. ومن التخصصات الطبية التي أتقنها حنين بن إسحاق، علم أمراض العيون. ويعد كتابه بعنوان “عشرة وثائق في أمراض العيون”، مرجعا مهما في علم أمراض العيون. فهو يشرح فيه تكوين العين والأمراض التي تصيبها من التهابات وتقرحات بالقرنية وطرق علاجها بالدواء والعمليات الجراحية. ويبين هذا الكتاب خبرة حنين بن إسحاق ليس فقط كطبيب ماهر، ولكن أيضاً جراحاً بارعا. مؤلفات وترجمات حنين بن إسحاق لحنين بن إسحاق العديد من الكتب والترجمات، وقد نقل عنها المؤلفون أو اختصروها أو شرحوها، وأصبحت بفضل هذه الشروح مادة لتدريس طلبة الطب في مدارس دمشق، حتى القرن الثالث عشر الميلادي. ويوجد العديد من الكتب التي ألفها وترجمها حنين بن إسحاق تزيد على المائة كتاب. ومن هذه المؤلفات والترجمات مايلي: تاريخ العالم والمبدأ والأنبياء والملوك والأمم، إلى زمنه. الفصول الأبقراطية، في الطب. سلامان وأبسال: قصة مترجمة عن اليونانية. القول في حفظ الأسنان واستصلاحها. الضوء وحقيقته: رسالة كتبها بالسريانية وترجمها إلى العربية ابن هلال الصابئ. حلية البرء: كتاب مما ترجمه عن جالينوس. التشريح الكبير: عن جالينوس أيضاً. المدخل إلى علم الروحانيات. المسائل في الطب للمتعلمين. المسائل في العين: كتاب على طريقة سؤال وجواب. العشر مقالات في العين: وهو من أشهر كتبه الطبية. الأدوية المفردة. قوى الأغذية: ترجمه عن جالينوس. تدبير الأصحاء: عن جالينوس أيضاً. وفاته بعد حياة حافلة بالإنجازات العلمية، توفى حنين بن إسحاق عام 873م، تاركاً حجر الأساس في تأسيس الطب الإسلامي، الذي أصبح بعد ذلك أساساً لقيام النهضة الطبية الأوروبية الحديثة. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الفرق العلمية في الحضارة الإسلامية د.راغب السرجاني https://modo3.com/thumbs/fit630x300/...9%8A%D8%A9.jpg التقدم فى طب العيون الفرق العلمية أساس جديد غيَّر به المسلمون من نمط وطريقة تفكير العلماء السابقين؛ فلأوَّل مرَّة في التاريخ يُكوِّن المسلمون فريقًا علميًّا متكاملاً، فيه أكثر من عالم في أكثر من مجال؛ ليُخرِجوا لنا في النهاية عملاً متكاملاً مفيدًا، لم يكن ليرى النور إلا باعتماده على أكثر من تخصُّص من العلوم. أول فريق علمي في التاريخ: ويُنسب إلى أبناء موسى بن شاكر(محمد والحسن وَأحمد) أنهم أوَّل وأشهر فريق علمي جماعي في التاريخ ؛ حيث كان محمد عالمًا في الهندسة، وأحمد عالمًا في الفلك، والحسن عالمًا في الميكانيكا، وقد ألَّفوا معًا كتاب (الحيل) الذي اتَّضحت فيه رُوح الفريق العلمي بشكل مباشر، وتجسَّد فيه مبدأ العمل الجماعي القائم على المشاركة والتعاون؛ فالكتاب من أوَّله إلى آخره ينطق بصيغة الجماعة. ومن قبيل ذلك: "قال محمد والحسن وَأحمد: الشكل الأول، نريد أن نبيِّن كيف نعمل كأسًا يصبّ فيه مقدار من الشراب أو الماء، فإن زيد عليه زيادة بقدر مثقال من الشراب أو الماء خرج كل شيء فيه". "ونريد أن نبيِّن كيف نعمل جرَّة لها بُزَال مفتوح، إذا صُبَّ فيها الماء لم يخرج من البُزَال شيء، فإذا انقطع الصب خرج الماء من البُزَال، فإذا أُعِيدَ الصبُّ انقطع أيضًا، وإن قطع الصبُّ خرج الماء، وهكذا لا يزال..". "ونريد أن نبيِّن كيف نعمل فوَّارتين يفور من أحدهما شبه القناة ومن الآخر شبه السوسنة مدَّة من الزمان، ثم يتبادلان فيخرج من التي كانت تفور قناة سوسنة، ومن التي كانت تفور سوسنة قناة مقدار ذلك من الزمان، ولا يزال على هذا ما دام الماء ملصقًا فيها". وغير ذلك كثير، مما يدل على نضج عقليَّة أولاد موسى بن شاكر كفريق علمي متكامل، كما تبرز أهمية وقيمة العمل الجماعي، أو فريق العمل في المجال العلمي. ولا ريب أن هذا التكامل وذاك المزيج من مختلف التخصُّصات بين هؤلاء الإخوة قد أدَّى إلى الوصول إلى حقائق علميَّة كان من الصعب التوصُّل إليها إلاَّ باشتراك أكثر من عالم في أكثر من تخصُّص؛ وذلك مثل القياس الدقيق لقُطْر الأرض، أو صناعة الأَسْطُرْلاَب الضخم الذي يُمَكِّن من حساب حركة الأجرام بدقَّة كبيرة. https://i.imgur.com/5cv6hUS.jpg صورة البيمارستانات (المستشفيات الإسلامية) على أن هذا الأمر لم يكن مقصورًا على هذا الفريق العلمي المتميِّز، بل تكرَّر في علوم كثيرة، ووجدنا تعاونًا لافتًا للنظر بين علماء الطبِّ و الصيدلة والنبات والحيوان، وكذلك بين علماء الجيولوجيا والجغرافيا والفَلَك، وهكذا. وقد تجسَّد ذلك مع الرازي الطبيب المشهور بين تلامذته؛ فترى ابن النديم يصفه فيقول: "أوحد دهره، وفريد عصره, قد جمع المعرفة بعلوم القدماء وسِيَّما الطب , وكان ينتقل في البُلدان... وكان يجلس في مجلسه ودونه تلاميذه, ودونهم تلاميذهم, ودونهم تلاميذ أخر, وكان يجيء الرجل المريض فيصف ما يجد لأوَّل من تلقَّاه, فإن كان عندهم علم وإلاَّ تعدَّاهم إلى غيرهم, فإن أصابوا وإلاَّ تكلم الرازي في ذلك, وكان كريمًا متفضِّلاً بارًّا بالناس, وحَسَنَ الرأفة بالفقراء والأعِلاَّء (المرضى)، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم". فكان تلاميذ الرازي بمنزلة فرق علمية، كل فريق منهم يدلي برأيه ودلوه في المسألة المطروحة، حتى يصلون فيها إلى نتيجة، وعلى رأسهم جميعًا يجلس الرازي الذي يسمع ويتابع ويصوِّب، ثم يقف معهم في معضلات المسائل فيبسطها هو معهم! على أن الأمر لم يكن مقتصرًا فقط على العلوم الحياتية، بل رأينا أيضًا الفِرَق العلمية في المجالات الشرعية؛ فرأينا المجامع الفقهية التي تجتمع لبحث قضية معينة مستعينة في ذلك بمجموعة كبيرة من العلماء في مجالات القرآن والحديث والفقه والعقيدة وغير ذلك؛ مما أثرى الحركة العلمية، وأدَّى إلى سرعة نضوجها. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
ماذا قدم العرب لعلم الصيدلة ؟ فاطمة حافظ https://i.imgur.com/u4PoxaR.jpg قبل التطرق لتاريخ العرب والصيدلة ، عرف الإنسان صناعة الدواء منذ وجد على سطح الأرض، إذ كان عليه أن يبحث عن طعامه وشرابه وأن يتطبب، وكان الطب والصيدلة متلازمان إذ كان الطبيب يفحص المريض ويشخص علته ثم يقوم بتحضير الدواء اللازم له، إلا أنه لوحظ في بعض الحضارات القديمة أن هناك فصلا بين العشاب وبين الطبيب كما هو الحال في مصر الفرعونية وبابل لكن الفصل لم يكن شائعا ولا معترفا به في العصور اللاحقة فلم تنفصل الصيدلة عن الطب إلا في العصور الحديثة. العرب والصيدلة لم يختلف الحال عند العرب قبل الإسلام الذين لم يعرفوا التخصيص وكان لديهم نوع خاص من الطب وصفه ابن خلدون بأنه مبني “على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثًا عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج”، وظل الحال على ذلك حتى مفتتح العصر العباسي بفضل الاهتمام الذي لقيه إحياء العلوم من الخلفاء وتشجيعهم العلماء على التفنن في تحضير الأدوية وتجهيزها، وهو ما أزكى الاهتمام بالصيدلة ودراساتها فأنشئت المدارس لتعليم الصيدلة في بغداد والبصرة ودمشق والقاهرة والأندلس وطليطلة، وأنشئت البيمارستانات وكان بكل منها صيدلية يتولاها صيدني أو صيدلي، وكان بجانب إشرافه على تحضير الأدوية يقوم بتدريب الدارسين في مجال الدواء، وكانت هذه الصيدليات مملوءة بأنواع الأدوية والأشربة والمعاجين وموضوعة في أواني مرتبة وكانت تقدم للمرضى مجانا، وإلى جوار هذه الصيدليات العامة كان هناك صيدليات أقيمت خارج البيمارستانات وهي مملوكة لأفراد وكانت تقدم خدماتها بأجر. ويذكر المؤرخون أنه منذ القرن الثالث كان هناك أشخاص متعلمون موثوق في كفايتهم صاروا مختصين بإعداد الأدوية وحصلوا على تراخيص تجيز لهم حق ممارسة المهنة، ويقص علينا القفطي في (أخبار الحكماء) أن يوحنا بن ماسويه الطبيب المعروف كان لديه في بيمارستان بغداد واحدا من هؤلاء التحق به وهو صبي ومكث به أربعين عاما حتى “عرف الأدواء داء فداء وما يعالج به أهل كل داء، وهو أعلم خلق الله بانتقاء الأدوية واختيار جيدها وتقى رديها”. ويبدو أنه كان هناك إشراف حكومي على عمل الصيادلة، فقد سنت القوانين التي تٌنظم عملهم، فقد تعين في كل مدينة كبيرة (عريف) أو موظف كان بمثابة كبير للصيادلة، وكان يضطلع بمهمتين: الأولى تنفيذ القوانين التي تقضي ألا يمارس الشخص المهنة دون ترخيص رسمي أو دون قيد اسمه في سجلات الممارسين للمهنة أو دون اجتياز الاختبارات العلمية التي كان مبدأ تطبيقها في عهد المأمون، والثانية الإشراف على تحضير الأدوية داخل الصيدليات، والتأكد من نقاوة المستحضرات المستخدمة فيها، فإن لم يتمكن من ذلك حُملت إلى مجلسه في طبق ليتأكد من أنها أعدت بالكيفية الصحيحة، على نحو ما أشار ابن بسام في كتابه (نهاية الرتبة). استنادا إلى هذا ذهب كثير من الدارسين إلى أن الحضارة العربية أسهمت بنصيب وافر في وضع قواعد علم الصيدلة، ويمكن تلخيص هذه الإسهامات في الآتي:
شهدت الحضارة العربية عددا كبيرا من الأطباء والصيادلة الذين أخذت المصادر التاريخية وكتب التراجم تقص أخبارهم منذ القرن الثاني، ومن هؤلاء: الكندي و حنين بن إسحاق وعلي بن عباس المجوسي وعلي بن سهل بن ربن الطبري والرازي وابن سينا والزهراوي وابن البيطار وداود الأنطاكي وغيرهم كثير، ونورد فيما يلي طرفا من سيرة بعضهم مع الإشارة لأهم مصنفاتهم. – كامل الصناعة في الطب: المسمى بالمُلكي لواضعه علي بن عباس المجوسي، وهو مسلم من أصول زرادشتية، ولد في الثلث الأول من القرن الثالث في الأهواز بفارس، وعاش بعض الوقت في كنف البويهيين، وكان من أمهر أطباء زمانه، وقد حقق كتابه شهرة كبيرة وصار المرجع الأول في الصيدلة، إلا أنه بعد صدور كتاب (القانون) لابن سينا مال الناس إليه وتركوا الملكي، والكتاب يقع في جزئين، يضم الجزء الأول عشر مقالات تتناول الأمور الطبيعية أي الأعضاء والأجزاء التي يتكون منها الجسد، والأشياء التي ليست بطبيعية من مثل الهواء والرياضة والأشياء الخارجة عن الطبيعة كالأمراض والأعراض والأسباب المحفزة، وهو يسمي بالجزء النظري، وأما الجزء الثاني فيذكر فيه حفظ الصحة على الأصحاء، ومداواة المرضى التي تكون بالتدبير أو بالأدوية ويقال له الجزء العملي. – الاعتماد في الأدوية المفردة: وهو من تأليف أحمد بن الجزار القيرواني الذي ولد بأفريقية أو تونس أواخر القرن الثالث، شُغل بالطب ممارسة وتدريسا وتأليفا حيث جمع بين ممارسة الطب وتحضير الأدوية والتدريس للطلاب، وشاع عنه قيامه بجولات في الصحاري والبراري لانتقاء النباتات العشبية التي يستخدمها، وهو يشير في مقدمة كتابه إلى سبب تأليفه فيقول: “ما حملنا على العناية بتأليف كتاب أذكر فيه الأدوية التي عليها اعتماد الأطباء في معالجة الأدواء إلا الرغبة في طاعة الله، والحرص على مرضاته، والتقرب إليه بالمناصحة لأنهاء دولة الإمام التقي والخليفة المرضي القائم بأمر الله”، وأهمية الكتاب تكمن في أنه أول كتاب أُلف في العربية للأدوية المفردة، وهو موضوع لم يٌفرد بالتأليف قبل ابن الجزار إذ عد من مواضيع علم الطب الفرعية، وقد أشار المصنف إلى ذلك في مقدمة كتابه وذكر أنه بحث في مصنفات الأقدمين والمحدثين فلم يجد كتابا جامعا في هذا الباب العظيم المنفعة، ومن باب الأمانة ذكر أن كلا من دياسقوديس وجالينوس اليونانيين تناولاه من قبل إلا أن عملهما شابه التقصير من بضع أمور، فلم يتناولا طبائع الأدوية ولا كميتها وخواصها، ويبدو أن الكتاب حظي بتقدير إذ ترجم إلى اللاتينية والعبرية كما قام مؤلف مجهول بتلخيصه إلى العربية. – التصريف لمن عجز عن التأليف: وضعه أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، ولد بالزهراء بالقرب من قرطبة بالأندلس في القرن الرابع وكان طبيبا وجراحا، وهو أشهر من ألف في الجراحة عند العرب وأول من استعمل ربط الشرايين لوقف النزيف، وأهم مصنفاته كتاب التصريف وقد ترجم إلى اللاتينية والعبرية، وهو يقع في ثلاثين مقالة ورغم أنه يصنف كأحد الكتب في الطب إلا أنه لا يضم سوى مقالتين افتتاحيتين في الجراحة أما باقي المقالات فهي تتعلق بالأدوية، وهو يفتتح بذكر أنواع الأدوية التي تعالج الأمراض المختلفة تباعا، ثم يتحدث عن صناعة المعاجين والمراهم والأدهان، ثم أطعمة المرضى مرتبة على الأمراض، ويختتم بذكر طبائع الأدوية وقواها وخصائصها، وفي إصلاحها وكيفية حرقها، وفي تسمية العقاقير باختلاف اللغات وبدائلها، وأعمار العقاقير المفردة والمركبة.
|
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علوم أخرى منسية في تراث المسلمين إن في تراث المسلمين علوماً لم يولها الباحثون اهتماماً كافياً، إما لندرة مصادرها، أو لتفرق موضوعاتها في مراجع تراثية شتى يتعذر الحصول على أغلبها، أو لصعوبة مصطلحاتها التي تبدو لغير المتخصصين غريبة عما هو شائع في لغة العلوم العاصرة، أو لغياب المنهجية السليمة في التعامل مع التراث بصورة عامة، أو لكل هذه الأسباب مجتمعة وربما لأسباب أخرى غيرها. وسوف نعرض للتعريف ببعض هذه العلوم المنسية، ونشير إلى أهم مصادرها التراثية، عسى أن تجد من بين أهل الاختصاص من يتناولها بمزيد من التحليل المنهجي الدقيق والدراسة العلمية المتانية. علم الوراثة يبدو للكثير ان علم الوراثة Genetics ماهو إلا علم حديث النشأة، ولد بين علوم الحياة الأساسية الكبري: كالفسيولوجيا Physiology، وعلم الخلايا Cytology، وبيولوجيا التناسل Re-productive Biology ، والهندسة الوراثية Genetic Engineering وعلم التحسين الوراثي Eugenics، وغيرها. ويعزى المؤرخون نشأة علم الوراثة إلى الراهب النمساوي «مندل» الذي ابتكر أسسه وقوانينه، وينسبون تطوره إلى كوكبة من علماء البيولوجيا أمثال «دي فريز» و«باتيسون» و «مورجان» وغيرهم. كان التاريخ الحقيقي لعلم الوراثة يشهد بما لا يدع مجالا للشك بان علماء الحضارة الإسلامية هم أول من استخدم مصطلح «القيافة»، وتحدثوا عن تحسين النسل والولد، وأشاروا في مؤلفاتهم إلى دور الفرسان العرب في مجال الانتقاء الوراثي Heredity Selection الذي مارسوه على الخيول العربي، وعنوا بدراسة ظاهرة «التهجين» Crossing في الانسان والحيوان والطيور، وفطنوا إلى حكمة التشريع الإسلامي في تحريم زواج الأقارب. والأدلة الدامغة على هذه الحقيقة الناصعة عن دور علماء المسلمين في تأسيس علم الوراثة يمكن استخلاصها من أمهات الكتب التراثية للقزوني والجاحظ وشريف الدين الدمياطي وابن قيم الجوزية وابن الجزار القيرواني وغيرهم. 1- القيافة أساس علم الوراثة: ورد مصطلح «قيافة البشر» في كتب التراث الإسلامي لتفسيرالتشابه بين الخلف والسلف، فقد جاء في كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» للقزويني ما نصه: «القيافة على ضربين: قيلفة البشر، وقيافة الأثر فالاستدلال بهيئات الأعضاء على الانسان، وأما قيافة الأثر فالاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر». وقد اشتهر بقيافة البشر قوم من العرب يقال لهم «بنو مدلج» يعرض على أحدهم مولود في عشرين امرأة فيهن أمه يلحقه بها. وحكى بعض التجار قال: ورثت من أبي مملوكاً أسود شيخاً، فكنت في بعض أسفاري راكباً على بعير والمملوك يقوده، فاجتاز علينا رجل من بني مدلج أمعن فينا نظره، وقال: ما أشبه الراكب بالراجل، فوقع من قلبي من قوله ما وقع، حتى رجعت إلى أي وأخبرتها بما قال المدلجي، فقالت: صدق والله المدلجي، إعلم يابني انه كان زوجي شيخاً كبيراً ذا مال لم يولد له ولد، فخشيت ان يفوت مله عنا بموته، فمكنت نفسي من هذا المملوك الأسود فحملت بك، ولولا ان هذا شئ ستعمه في الآخرة ما أخبرتك به في الدنيا. 2- علم الأجنة: تعرض ابن قيم الجوزية لقضية خلق الأجنة، حيث قرر في كتابه «تحفة المورود بأحكام المولود» ان أصل التشكيل الصحيح للكائن الحي ما هو إلا اتحاد نظف الذكر ببيضة الأنثى، واستشهد بقوله تعالى في كتابه العزيز: (بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} (سورة الانعام:101). فالولد إذن لا يتكون إلا من الذكر وصاحبته. والحق ان الخالق العظيم العليم قد أخبر بهذه الحقيقة الهامة في مواضع كيرة من القران الكريم، وذكر «النطفة الأمشاج» كأساس لخلق الجنين، وكعامل وراثي ف عملية التكاثر البشري، فقال تعالى: { إنا خلقنا الانسان من نظفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} (سورة الانسان:2). والنطفة الأمشاج تتألف من اندماج بويضة الانثي وخلية الرجل (الحيوان المنوي)، ويسميها العلم الحديث «الزيجوت» Zygote، ويكون مقرها رحم المرأة، مصداقاً لقوله تعالى: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} (سورة المؤمنون:12) وقوله جل شانه: { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } (سورة الحج: 5). وتظهر أهمية هذا التأصيل الإسلامي واضحة جلية إذا علمنا ان البشرة لم تعلم شيئاً عن النطفة الأمشاج (أو الزيجوت) المكونة من أخلاط الرجل والمرأة إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد ان توارت طرق التشخيص وتقنية المجاهر (الميكروسكوبات) فقد تخب الغرب قروناً طويلة حيل موضوع تكوين الجنين، واعتقد البعض بان المولود الجديد ولد من بيضة الانثي فقط، بينما اعتقد آخرون بان الكائن الحي ينشأ ويتطور من الحيوان لمنوي فقط، بل ان أحدهم وهو «هارتسوكر» Hartsoeker عندما كان ينظر عبر المجهر إلى السائل المنوي للرجل تخيل انه يرى في رأس الحيوان المنوي كائناً صغيراً Homancules يذكر بالمظهر الخارجي للرجل وهذا الكائن الصغير الملتف ذو أعضاء قادرة على النمو في وجود الظروف الملائمة، و دور المرأة في تكوينه لا يعدو كونها حاضنة فقط 3- الوحدات الوراثية: ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه «تحفة المورود بأحكام المولود» ان في نطفة الرجل «عناصر» مختلفة صغيرة جداً من أجزاء الجسم كله، وان في بذرة الأنثى مثل ذلك . وإذا علمنا ان ابن قيم الجزية عاش بين 691-751هـ أو 1291-1350م، فان كلامه هذا يعد أساساً لنشأة نظرية المورثات (أو الجينات Genes) التي قال بها علماء الوراثة حديثاً. ففي عام 1860م تقريباً توصل «مندل»، من خلال أبحاثه على نبتة البازلاء، إلى نظرية تفسر الصفات الظاهرة في الكائنات الحية على أساس وجود «وحدات غامضة» تنتقل بين أجيال النوع الواحد، وتسبب الفروق الحادة في امتلاك صفات معينة. ذلك ان كون البازلاء طويلة أو قصيرة يتوقف على هذه الواحدات. فإذا خلطنا بين هاتين الصفتين من خلال تزاوج البازلاء، فان ظهور إحدى الصفتين بصورة غالبة يتوقف على سيادة إحدى الوحدتين، ويطلق على الصفة الغالبة باسم «الصفة السائدة» Dominant، أما الصفة غير الظاهرة فتسمى «الصفة المتنحية» Recessive. وهذا يعني إن الجيل الجديد من البازلاء لا يزال يحمل إحدى صفتي الأبوين أو كليهما على أساس ان هناك صفة ظاهرة وأخرى متنحية، ومن ثم فان الجيل الجديد يكون خليطاً من الاثنين. وقد أطلق العلم المعاصر على هذه «العناصر» التي قال بها ابن قيم الجوزية، أو «الوحدات الغامضة» التي ذكرها مندل، اسم المورثات (أو الجينات Genes)، وأثبتت أجهزة الفحص الدقيقة ان هذه الموروثات تحملها أجسام برتينية دقيقة جداً (حوالي جزء من الملين من الملليمتر) تسمى الصبغيات (أو الكروموسومات Chromosomes) وقد تأكد مؤخراً ان هذه الكروموسومات والموروثات هي المسئولة عن الصفات والملامح التي تعطي الانسان صفته وشكله واستعداده كثير من الصفات البدنية النفسية والخلقية. فقد تبين ان صفات الرجل تتضامن عن طريق الصبغيات والموروثات الخاصة بها مع صفات الأنثى لتنتج جنيناً يجمع بين صفاتهما، وقد تتغلب صفة سائدة عند الأب فتظهر في الطفل، وأما الصفات المتنحية فتظهر حسب قوانين علمة معروفة تم اكتشافها في علم الوراثة الحديث، ويترتب عليها في بعض الأحيان ان يكون الشبه بين المولود ووالديه غر طاهر، بل ربما كون الشبه معدوماً بين الطفل ووالديه. ومن المصطلحات العلمية الحديثة في هذا الشان صطلح «النزوع إلى الأصل في الصفات الوراثية» Atavism، ويمكن التدليل بما رواه الطبري في متابه «فردوس الحكمة» من ان امرأة ولدت بنتاً بيضاء من رجل حبشي، وأدركت ابنتها تلك وتزوجت من رجل أبيض فولدت ولداً أسود، لان الولد – كما يقول الطبري ـ نزع إلى لون الجد (أبي الأم). بل ان الرسول الأمي العربي محمداً صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، قال في الحديث الشريف: «تخيروا لنطفكم فان العرق دساس» (أخرجه ابن ماجه والحاكم)، وخير دليل نسوقه من قصة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلي الله عليه وسلم شاكياً من ان امرأته ولدت غلاماً أسود، فقال له الرسول صل الله عليه سلم: هل لك إبل ؟ قال: نعم، قال: فما لونها ؟ قال: أسود، قال: هل منها من أورق ؟، قال: نعم، قال: فأنى له ذلك ؟ قال: عسى ان يكون نزعه عرق. قال: وهذا (يعني ولده) عسي ان يكون نزعه عرق. قال الرجل: فتقدم عجائز من بني عجل أخبرته انه كان لامرأة جدة سوداء. فسر ابن قيم الجوزية هذا الحديث تفسيراً علمياً على أساس انتقال ما أسماه «الأجزاء» من السلف البعيد إلى الخلف، وذلك قبل ان يأتي العلم بمصطلحات «الموروثات» و «النزوع إلى الأصل»،و«الصفات السائدة »، و«الصفات المتنحية» بزمن طويل. 4- التهجين وتحسين النسل: يزخر التراث العلمي الإسلامي بالعديد من الأمثلة على انماط التهجين المختلفة، فنجد الفزويني ـ على سبيل المثال ـ يشرح خصائص الحيوانات الهجينة بقوله:«ان الحيوانات المركبة تتولد بين حيوانين مختلفين في النوع ويكون شكلها عجيباً بين هذا وذاك. فاعتبر حال البغل، فان ما من عضو منه إلا وهو دائر بين الحمار والفرس” ويعلق الجاحظ على ظاهرة التهجين تعليقاً علمياً صحيحاً فيقول:«اننا وجدنا بعض النتاج المركب وبعض الفروع المستخرجة منه أعظم من الأصل” . ويعترف العالم بإسهامات علماء المسلمين في مجال تحسين النسل عن طريق انتقاء صفات وراثية معينة، وهو ما يندرج اليوم تحت علم التحسين الوراثي (الأيوجينيا Eugenics). فقد كانوا يحرصون على أنساب الخيول العربية بحصر التزاوج فيما بينهما وبين أفراس أصيلة ذات صفات وراثية محددة، وتابعوا اصطفاء الصفات على الأنسال القادمة، ومنعوا أي تزاوجات عشوائية مع أفراد مغمورة أو وضيعة النسب. وكانهم بهذا التحديد يحصرون حدود الصفات الوراثية الممتازة كالرشاقة والجمال وضمور البطن والعدو السريع والحس المرهف، والذكاء المفرط والعرف الغزير المتدلي وصغر الآذان، وغيرها من الصفات المرغوبة في مجموعة معينة من الأفراس ما لبثت ان كبرت وزادت أعدادها مع مرور الزمن، بحيث شكلت نواة ممتازة لنشوء سلالة الخيول العربية التي عمت شهرتها العالم كله وكان لهذا التكوين الوراثي Genotype أكبر الأثر في لفت الانظار بعد ذلك إلى استيراد الخيول العربية ودخولها في التهجين مع سلالات أخرى لرفد مورثاتها بخصائصها الفذة. من ناحية أخرى، كان الزواج بالأقارب شائعاً عند كثير من الأقوام والشعوب، ولما جاء الإسلام حرم زواج الأقارب الملتصقين لحكم نفسية واجتماعية وطبية ووراثية أوضح العلم الحديث جوانب كثيرة منها. قال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم اللاتي وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ان الله كان غفوراً رحيماً } (سورة النساء: 23) وحبب الإسلام إلى المسلمين الزواج بالأباعد في النسب ، فرغبوا فيه، لانه انجب للولد وأبهى للخلقة، واتضح ذلك من أقوالهم المأثورة وأشعارهم المنظومة، منها قول شاعرهم: تجاوزت بنت العم وهي حبيبة مخافة أن يضوي على سليليويتفق هذا المطلب الإسلامي في الحث على الزواج بالأباعد مع معطيات على الوراثة والتحسين الوراثي اتفاقاً كاملاً. وذلك ان استمرار تزاوج الذرية بالأقارب يفضي إلى إقلال درجة التناسل حتى قد تصل أخيراً إلى العقم، كما يؤدي إلى إضعاف السلالة، ويزيد من احتمال ظهور الصفات والأمراض الوراثية المتنحية التي يُحصي منها المتخصصون ما يزيد عن مائة مرض معروف، مثل: البرص الوراثي، والبول الأسود، وبعض الأمراض الشبكية، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وغير ذلك من أمراض الجهاز العصبي وأمراض التخلف العقلي وكثير من العيوب الخلقية والخلقية. وهكذا يتضح ان عدداً من المفاهيم الأساسية السليمة لمباحث الوراثة الحديثة يمكن التأصيل لها بالرجوع إلى التراث الإسلامي، حيث نجد الكثير مما يدحض زعم القائلين بان علم الوراثة بمباحثة المختلفة على غربي حديث النشأة وليست له أرومة تاريخية عند العرب أو غيرهم من الأمم. علم المراعي كان الانسان منذ القدم يهاجر من أرض إلى أرض بحثاً عن انسب الأماكن التي تصلح للرعي والزراعة والتجارة واستيفاء ما ينقصه من وسائل العيش وتهيئة ظروف الأمن والاستقرار. ويسود الان اعتقاد خاطئ بان علم المراعي من العلوم الحديثة، ويعود المؤرخون بنشأته الأولى إلى أوائل القرن العشرين، حيث انشئت أول محطة لأبحاث المراعي في «سانتاريتا Santa Rita بالولايات المتحدة الأمريكية نحو عام1903 م في ولاية أريزونا، وينسبون الفضل في تأسيس هذا العلم إلى الأمريكي «آرثر سامبسون» A.W.Sampson الذي صنف كتاباً عام 1923 م عن «إدارة المراعى الطبيعية والأصطناعية» Range and Pasture Manage ثم أعاد كتابته من جديد في عام 1952م تحت عنوان «إدارة المراعي، أسس وتطبيقات» Range Management، Principles and Practice وفي عام 1947 تم تأسيس أول جمعية لإدارة المراعي الطبيعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وظهرت أول مجلة لإدارة المراعي باسم Journal Of Range Management: وتوالى بعد ذلك ظهور الكثير من الأبحاث والنشرات والكتب العلمية التي تبحث في المجالات المتعددة لعلم المراعي الطبيعية وإدارتها، وزاد التوجه العالمي نحو الاهتمام بدراسة المناطق الرعوية والمحافظة عليها وإدارتها وتطويرها بعد تشكيل الهيئة الاستشارية الخاصة بأبحاث المناطق الجافة التابعة لمنظمة اليونسكو. لكن الباحث المدقق في تراث المسلمين لا يجد صعوبة في تصحيح هذا الاعتقاد الخاطئ بان علم المراعي حديث النشأة، وذلك بإظهار حقيقة علمية تاريخية مؤداها ان أبا حنيفة الدينوري المتوفى عام 282هـ إلى 895 م قد سبق الأمريكي سامبسون بكتابه المعروف عن «النبات» باباً بعنوان «الرعي والمراعي» يقول في آخره، ملخصاً لما ورد فيه:«قد أتيت بما حضرني ذكره في وصف الرعي والمراعي وما يعرض لها من الآفات وحال السائمة فيها وما يعتريها من الأمراض على ما استحسنت وضعه في هذا الكتاب» . وقد أوضح الدينوري بعض المصطلحات الرعوية البيئية الهامة مثل: الأرض الحمضية، أي كثيرة الحمض، و«الخلة» أي الأرض التي ليس فيها حمض وان لم يكن بها من شئ، و «السهب» أي الأرض الواسعة البعيدة التي لا نبات فيها، و«الصمان» أي الصحراء الحجرية الكلسية ذات القبعان، و «الحزن»، وهي الأرض البعيدة عن المياه ولا ترعاها الشاة ولا الحمر، فليس فيها دمن ولا أرواث. وصنف الدينوري نباتات المراعي، استناداً إلى خبرة العرب الواسعة، على أساس الصفات المتعلقة بالطعم واللون والملمس والشكل الظاهر وموسم النمو، وغير ذلك من الصفات، فتحدث عن «مجموعة الحمض» التي تتميز بالطعم الحامض أو المالح، وهي التابعة «للفصيلة الرمرامية» Chenopodiaceae ، حسب التقسيم النباتي المعروف حالياً، ومن أمثلتها نباتات الرمث والغضي والحاذ. وتحدث عن «مجموعة الخلة» التي لا ملوحة فيها، مثل السبط، «ومجموعة العضاة» التي تضم الأشجار الشائكة، مثل الطلح والعرفط، و «مجموعة العض» التي تضم ما صغر من شجر الشوك، مثل القتاد،«مجموعة المرار» ومجموعة البقول ومجموعة الحرف، وأخيراً مجموعة الأرواث والدمن التي تضم النباتات السيئة في المرعى والمحبة للنتروجين، وهي من دلائل الرعي الجائر. وعلى هذا الأساس قدم الدينوري تعريفاً محدداً للمرعى بقوله:«وقد بينت فيما مضي ان المرعي كله خلة وحمض، فالحمض ما كانت فيه ملوحة، والخلة ما لا ملوحة فيه، حلواً كان أو مراً، والعرب تسمى الأرض إذا لم يكن بها حمض خلة وان لم يكن بها حمض خلة وان لم يكن بها من النبات شئ». وبذلك يكون المرعى عبارة عن مجموع النباتات التي تنمو طبيعية في منطقة معينة ولا تستخدم لأغراض أخرى غير الرعي. كذلك أوضح الدينوري معرفة العرب لانواع المراعي المختلفة وتحديد درجة جودتها، وتأثير ذلك على الحيوانات الرعوية، فذكر «المرعى المرئي الناجع» أي الجيد، و«المرعى الخصبة»، أي متوسط الجودة، ليس بالخصب ولا بالجدب، و «المرعى الوبيل الموخم » ؟، أي المتدهور الخرب الذي تعرض عنه السائمة. وفطن العرب إلى العلاقة بين جودة المرعى وقربه من مصادر الماء أو بعده عنها، وطوروا اصطلاحات خاصة بذلك. فقد روى الدينوري عن ابن الأعرابي انه قال:«إذا ما كان حول الماء مكلئا قيل ماء قاصر، فان كان ما حوله قد أكل قيل ماء مدرع، لانه أبيض ما حوله بمنزلة الشاة الدرعاء، قال: وإذا بعد كلؤه بقدر ميلين أو ثلاثة فهو ماء مطل، فان كان مسيرة يوم أو يومين فهو مطلب إبل» . ولم يفت الدينوري ان يدون في كتابه «النبات» ما يعكس إدراك الرعاة الواعي لقيمة النباتات الرعوية الغذائية واستجابة الحيوانات لها، فذكر ما قاله الأصمعي من ان الخلة هي خبز الإبل، والحمض أدمها، وأطيب الإبل لبناً ما أكل السعدان وروى عن أبي النصر قوله:«إذا أكلت الإبل الخلة صلُب لحمها واشتد طرفها.. وإذا أكلت الحمض اندلقت بطونها وكثرت أوبارها..» وقالوا عن السعدان: انه ناجع في المال، يطيب لحومه ويعزر ألبانه ويخثرها، وبه ضرب المثل فقيل: مرعى ولا كالسعدان. ولفت الدينوري الانظار إلى أهمية مواسم الرعي وخصائص الدورات الرعوية، فقال:«إذا كان الربيع أحلت الغنم، وإحلالها ان تنزل ألبانها من غير ولاد بعد ان كانت انقطعت ويبست» وبين كيف كان الرعاة يلجأون إلى الانتقال من مكان لآخر طلباً للكلأ في الفصول المختلفة من العام. أما عن إدارة المراعي وانشاء محميات بيئية كوسيلة من وسائل تطوير المناطق الرعوية، فنذكر المراجع ان الرسول صلي الله عليه وسلم كان أول من أصدر تشريعاً لحماية البيئة حين أمر بحماية النقيع وعضاة الدينة، كما منع الصيد عبر الحمى، وحدد مناطق محمية أخرى من الرعي فيها وحملت بحمولات حيوانية معتدلة من خيول الجهاد أو انعام الزكاة، جاعلاً الحمى بصفة عامة لله ورسوله، وقد حمى الخليفة عمر بن الخطاب الربذة وضربة اللتين قال فيهما أبو النصر: «حمى الربذة غليظ الموطئ كثير الخلة، وحمى ضربة سهل الموطئ كثير الحمض، تطول عنه الأوبار وتتفتق الخواصر ويرهل الحم» . إن مثل هذه الأفكار والمفاهيم لا ينبغى إغفالها عند التأصيل لعلم الرعي والمراعي، لما لها من فيمة علمية وتطبيقية كبيرة. يتبع |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علم الشفرة يعنى علم الشفرة Cryptology بتحويل نص واضح إلى نص آخر غير مفهوم باستعمال طريقة معينة يستطيع من يعرفها ان يفهم النص والعملية العكسية التي يتم بها تحويل النص المكتوب بالشفرة إلى نص واضح مفهوم تعرف باس «تحليل الشفرة».Cryptanalysis ويحظى هذا العلم باهتمام كبير في عصرنا الحاضر بالنسبة لحكومات والمؤسسات والأفراد على حد سواء، نظراً للحاجة إليه في الحفاظ على المعلومات في المجالات العسكرية، وفي الميادين الصناعية والتجارية والسياسية والاقتصادية، وفي أغراض الاتصالات، وغير ذلك. وتستخدم الدول المتقدمة أحدث التقنيات والحاسبات العملاقة لتطوير قدراتها وتحقيق تميزها في هذا العمل . وقد عرف علم الشفرة وتحليلها عند العرب باسم «التعمية واستخراج المعمى» ، وكان لهم دور رائد في تأسيسه وتطويره والتاليف فيه من زوايا مختلفة، فصنفوا عدداً لا بأس به من المخطوطات، منها:« رسالة الكندي في علم التعمية واستخراج المعمى» وهي أول رسالة عربية يعود تاليفها إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وكتاب «المؤلف للملك الأشرف في حل المترجم» (ت 666هـ إلى 1268م)، وكتاب «حل الرموز ومفاتيح الكنوز» لجابر بن حيان الكيميائي (ت 200هـ إلى 815 م) وكتاب «حل الرموز وبرء الأسقام في كشف أصول اللغات والأقلام» لذي النون المصري ثوبان بن إبراهيم (ت 245هـ إلى 859 م)، وكتاب «شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام» لأحمد بن علي بن وحشية (ت بعد 291 هـ إلى 914 م)، وكتاب «خصائص المعرفة في المعميات» لأسعد بن مهدى بن مماتي (ت 606 هـ إلى 1209 م)، وكتاب «مقاصد الفصول المترجمة عن حل الترجمة» لإبراهيم بن محمدين (ت 627 هـ إلى 1228 م)، وغير ذلك كثير. هناك من اشتهر بخبرته وكثرة مؤلفاته في هذا العلم، مثل علي بن محمد الدريهم (ت 762 هـ إلى 1361م) صاحب كتب «مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز» و «إيضاح المبهم في حل المترجم»، و «مختصر المبهم في حل المترجم» و «نظم القواعد في المترجم وضوابطه». وقد اعترف كبير مؤرخي علم الشفرة المعاصرين «دافيد كان» D. Kahn في كتابه The Code Breakers بان هذا العلم ولد بشقيه بين العرب، ونسب اليهم الفضل الأول في اكتشاف طرق حل الشفرة وتدرينها قبل الغرب بمدة طويلة، وأقر بان هذه الحقيقة التي توصل إليها عن ريادة العرب في علم الشفرة تعتبر أهم انجاز تاريخي في كل ما احتواه كتابه . It showed that the Arab had practiced cryptanalysis long before the west، and provided me with the most important historical break through in my whole book. والباحث عن مؤلفات المسلمين الأوائل في علم الشفرة (أو التعمية) يجد انهم استحدثوا عدة طرائق ، لعل أبسطها طريقة القلب أو البعثرة، وتكون بتغيير مواقع حروف الرسالة وفق قاعدة معينة، كان تبدل الأول من الكلمة بالآخر منها، مثل: (رضوان ـ نضوار)، أو تقدم الحرف الأخير، نحو: (قاسم ـ مقاس)، أو تقلب حروف كل كلمة ضمنها، أي تكتبها معكوسة، مثل: (أحمد أخو علي ـ دمحا وخا يلع). وهناك أيضاً طريقة التعمية بالاستبدال أو التعويض، وتقوم على ان يبدل كل حرف بحرف أخر، أو رمز من خارج النص وفق قاعدة محددة كان يبدل الحرف بما قبله على ترتيب حروف المعجم، مثل: (محمد ـ لجلخ)، أو يبدل كل حرف بما بعد، مثل: (محمد ـ نخنذ). وقد يكون التبديل بوضع الحروف على أسماء الأعلام، فيجعل لكل حرف اسم رجل أو غيره، أو على أسماء النجوم، أو الشهور، أو البلدان، أو الأذهان، أو العقاقير، أو الأشجار. ويمكن ان يكون التبديل على أسماء الأجناس، فيجعل لكل حرف اسم جنس مثل: الانام، والبشر، و البقول، والتراب والتوابل، والثياب، والجلود، والحديد، أو الحبوب، والخشب… إلى آخره. وأشهر أنواع التعمية بالتبديل استعمال أشكال مبتكرة للحروف يخترعها المترجم أبجدية جديدة له على ترتيب حروف المعجم، وطريق ذلك كما يقول ابن الدريهم: ان «يثبت حروف المعجم، ثم يرتب تحت كل واحد شكلاً لا يماثل الآخر، فكلما جاء في اللفظ ذلك الحرف كتبه بحيث لا يقع له غلط، ثم يفصل بين الكلمات إما بخط أو بنقط أو ببياض أو دائرة أو غير ذلك» . وعرف المسلمون طرائق أخرى مركبة أكثر تعقيداً تشمل تعمية المعاني بالتورية، واستعمال الصفات الكمية أو الكيفية للحروف، واستعمال الكلمات المحتملة، وغيرها ولعل الكندي كان أول من قام بإحصاء الحروف في الكلام المزيد لاستعمالها في حل الشفرة، وذلك اعتماداً على ما ورد في نص معين، فيكون الأول لأكثرها عداً، والثاني للذي يليه، وهكذا تتوالى مراتب الحروف في الاستعمال لتقابل بمراتب الرموز المستخدمة في الرسالة المعماة. وتجدر الإشارة هنا إلى ان مراتب الحروف تختلف باختلاف المادة اللغوية المحصاة، فمراتبها في إحصاء حروف القران ـ وهو أسبق من إحصاء أهل التعمية، لانه يعود إلى عصر الصحابة رضوان الله عليهم ـ تختلف قليلاً عن مراتبها في إحصاء الكلام العادي لنصوص فيها المزيد والمجرد، ومراتبها في كلا الإحصائين تختلف عما هي عليه في إحصاء الحروفذ إذا كانت مادة الإحصاء هي الجذور العربية لاشتمالها على الأصلي من الحروف دون الزائد. وقد توفر المسلمون على العناية بحل الشفرة على أساس علمي تلبية لضرورات حضارية إبان استقرار الدولة الإسلامية واستحبار العمران ونشاط حركة الترجمة، بغية كشف ما رمزه الأقدمون من علومهم وكنوزهم في آثارهم التي ترجمت انذاك. وتشهد كنوز التراث الإسلامي ان الكندى سبق الإيطالي «ألبرتو» بسبعة قرون إلى وضع أول مخطوط في استخراج المعمي، وهو أيضاً أول من عرف مبدأ استعمال الكلمة المحتملة، وأول من فرق بين طريقتي التعمية بالبعثرة والاستبدال قبل «بورتا» في القرن السادس عشر الميلادي. كذلك كان ابن الدريهم أول من عرض طريقة التعمية باستعمال شبكة بسيطة، سابقاً بذلك «كاردانو» بقرنين من الزمان. انها صفحات منسية من تراث المسلمين تنتظر من بعيد قراءتها بلغة عصرية، ليؤكد قيمتها التاريخي في سيرة علم الشفرة الذي بلغت أهميته الذروة في عصرنا الحاضر، عصر الحاسبات الإلكترونية وما تحويه نظم المعلومات من قواعد بيانات تحتاج إلى الحفظ من العبث أو السرقة عن طريق تعميتها، سواء أثناء تخزينها أو عند نقلها عبر خطوط شبكات الحاسبات . علم البيزرة تتفق المصادر على أن ـ كلمة البيزرة مأخوذة من اسم «الباز» أو «البازي» وهو نوع من الصقور، ولعل الاقتصار في إطلاق اسمه على هذا العلم دون غيره، يرجع إلى كونه أشهر طيور الصيد وأمهرها في الإمساك بالفريسة. وقد وصفه أبو عبد الله القزويني في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» بانه أشد الجوارح تكبراً وأضيقها خلقاً (مزاجاً)، ويوجد بأرض الترك، والغالب عليه بياض اللون. و «البيزرة» هي حرفة «البيزار» الذي يدرب جوارح الطير على الصيد، وهي كلمة فارسية الأصل، أخذت من كلمة «البازيار»، أو «البازدار»، وهما تعنيان: القائم بأمر «البازى» أو الحامل له في الصيد، ثم عربت الكلمة إلى «البيزار» ويري الدميري في كتابه >. حياة الحيوان الكبرى» ان كلمة «البيزرة» عربية الأصل. و« علم البيزرة» ، هو الذي يبحث فيه عن أحوال الجوارح من حيث أصنافها، وتربيتها، وحفظ صحتها ومداوتها من الأسقام والأمراض التي تعرض لها، ومن حيث صفاتها وعلاماتها الدالة على قوتها في الصيد أو ضعفها فيه، وقد ألحق البعض هذا العلم بطب الحيوان (البيطرة). وقالوا: هو فرع منه، داخل فيه، ومن جملته. ولا يعرف على وجه الدقة أول واضع لقواعد علم البيزرة وفنونه، فقيل: انه علم هندي المنشأ، وقيل: ان «بطليموس» الذي خلف «الإسكندر» هو أول من اقتنى البزاة، ولعب بها وضراها على الصيد، ثم لعب بها الملوك بعده. وكان الصيد عند العرب حرفة وهواية مشهورة وقد أشار القران الكريم إلى تدريب الجوارح، فقال تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) (المائدة: 4). وقد عني الأمويون والعباسيون بتربية الجوارح، وجعلوا لها أعطيات من بين المال، وكان يطلق على «البازيار» في عهد الدولة الأموية «صاحب الصيد»، كما عرفت في الدولة العباسية وظيفة «أمير الصيد» الذي يدبر أمر الصيد ويقوم عليه، واقتدت الدولة الفاطمية بالدولة العباسية في باب العناية بالطيور وصيدها بالجوارح وما يصلحها. ثم ثار للصيد بالطير أهمية كبري في عصر المماليك، وكانت وظيفة «صاحب الصيد» أو «أمير الصيد» من الوظائف التي يشغلها العسكريون، وكان القائم بها يضطلع بالإشراف على الجوارح من الطيور وغيرها وسائر انواع الصيد السلطانية، وكما كان يقوم بتنظيم جميع أمور الصيد، ويعاونه غلمان يكلفون بتزويد بيوت الطيور بالحمام وغيره من طيور الصيد لتغذية الصقور والجوارح وتدريبها ولم تكن وظيفة «أمير الصيد» تقتصر على رسوم السلطانية وحدها دون غيرها، بل كان عند بعض الأمراء في العصر المملوكي من يشغل تلك الوظيفة. وقد تنوعت مساهمات العلماء المسلمين في علم البيزرة وتوسعوا في مباحثه التي اتصلت بعلوم أخرى، كالطب، والصيدلة، ووظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) واللغة، والفقه، ومن ثم نشأ عن ذلك تراث ثري في مجال البيزرة، فمنه ما عني بالجانب اللغوي، مثل: كتاب «الطير» للسجستاني، وكتاب «الوحوش» للأصمعي، وكتاب «البازي» وكتاب «الحمام»، وكتاب «العقاب» لأبي عبيدة ومنه ماعني بالناحية الفقهية وحكم الشرع في اصيد بالجوارح، مثل: كتاب «الصيد والذبائح» للإمام الشافعي، وكتاب «الصيد والذبائح» لمحمد بن الحاسب صاحب «أبي حنيفة». ومنه ما تناول علم البيزرة العام، مثل كتاب «الكافي في البيزرة» لعبد الرحمن بن محمد البلدي، وكتاب «الجمهرة في البيزرة» لعيسي الأزدي، وكتاب «المصايد والمطارد» لكشاجم، وكتب «البيزرة» لبازيار العزيز بالله الفاطمي، وكتاب «نزهة الملوك والسادات بالطيور والجوارح والجياد الصافنات» لمؤلف مجهول (وهو مطبوع) وكتأبي «البيزرة» و «ضواري الطير» «للغطريف بن قدامة الغساني» . ونجد «البلدي» على سبيل المثال في كتابه «الكافي في البيزرة» قد أوضح الأسس المنهجية لهذا العلم، فذكر ان البيزرة صناعة تنقسم إلى أربعة أقسام يقع كل منها في أربعة أبواب: أما القسم الأول فيتناول معرفة أجناس الجوارح، ويبحث الباب الأول منه في عدد أصناف الجوارح، والباب الثاني في الفرق بين كل جنس منها والآخر، والباب الثالث في ذكر النافع من أصنافها، والباب الرابع في عدد ألوانها. ويعني القسم الثاني بمعرفة النوع الفاضل المختار من الجنس النافع من الجوارح، ومعرفة الردئ منها. وبتناول الباب الأول من هذا القسم معرفة الجيد والردئ من قبل معدنه. والثاني معرفة الجيد والردئ من قبل صورته وهيئته، والثالث معرفة الجيد والردئ من قبل لونه، والرابع عرفة الجيد والردئ من قبل أخلاقه وأفعاله. ويعني القسم الثالث بمعالجة «تدبير الجوارح النافعة ورياضنتها» ويبحث الباب الأول منه في ذكر أول من لعب بالضواري وتصيد بها، والثاني في وصية المتعلم لهذه الصناعة والمتعرض لها، والثالث في نعت الإجابة والتعلم لكل نوع، والرابع في تقدير طعم الضواري على طبيعة كل واحد منها. ويتناول القسم الرابع «مداواة أمراض الجوارح» وفيه أربعة أبواب: الأول: في صفة طبائع الجوارح الضواري وأمزجتها وامتحانها عند ابتياعها، والثاني: في ذكر أسباب أمراضها وعلامات كل مرض، والثالث: في صفة مداواتها وعلاج أمراضها وتدبير أدويتها، والرابع: في تدبير قرنصتها وعلامات موتها وهلاكها. ويتضح من هذا العرض المنهجي لموضوعات علم البيزرة انه متصل بعلوم أخرى أهمها علم البيطرة، وقد عني «البلدي» بالبحث في طب الطيور الجارحة، وسجل ملاحظات قيمة عن انواع الطفيليات التي تصيبها، منها قوله عن الديدان في دبر الطائر:«علامة الدود إذا كان في دبر الجارح، ان تراه يحك دبره دائماً وذرقه متصل على حاله لا خضرة فيه بل متغير الشكل الطبيعي، وربما خرج الكبار يأكل القمل الصغار. والقمل ينشف رطوبة الطير حتى يتركه جلداً وعظماً ان لم يعالج». كذلك عني الغطريف الغسائي في كتابه «ضواري الطير» بطب الطيور الجارحة، وسجل ملاحظات دقيقة، منها قوله عن ديدان الحوصلة:«إذا رأيت الطائر قد ألقي ريمحه فكان له الدود، فاعلم ان في حوصلته دوداً». وقوله عن الديدان المعوية:« إذا رأيت الطير قد ورم ما فوق كتفيه، فاعلم ان في بطنه ديداناً عراضاً مثل حب القرع (الديدان الشريطية) التي تكون في الصبيان» وقوله أيضاً: «ان ترى الطير ينتف ريش مراقه، أو ينتف ريش فخذيه، فذلك يدل على العراض، أمثال دود الخل يعرض للصبيان في بطنه» . إلى جانب المؤلفات التراثية التي استقلت بموضوعات علم «البيزرة» من جوانبه المختلفة، هناك من عرض فصولاً مطولة عنه، كالجاحظ ي كتابه «الحيوان»، والقزويني في كتابه «عجائب المخلوقات» والدميري في كتابه «حياة الحيوان الكبرى». وقد صيغ علم «البيزرة» شعراً، فوضع «ابن نباتة» أرجوزته «فرائد السلوك في مصايد الملوك»، وألف الفحيمي قصيدة في البيزرة. ومن الجدير بالذكر ان عدداً من الكتب التراثية المعنية بعلم البيزرة قد ترجم في عصر النهضة الأوربية الحديثة إلي اللغة اللاتينية، ثم انتشرت هذه الترجمات بعد ذلك في مختلف بلدان أوروبا، وانتشرت معها رياضة الصيد بواسطة الصقور. علم الطفيليات هناك من بين المعنيين بدراسة إسهامات المسلمين في الحضارة الانسانية من أعطى اهتماماً كبيراً لعلوم الطب والصيدلة والأحياء في التراث الإسلامي بصورة عامة، ولا شك في ان الأبحاث والدراسات المعاصرة في كشفت عن الكثير من انجازات علماء الحضارة العربية الإسلامية في هذه الميادين التي أصبحت في عصرنا تتألف من فروع عديدة يشكل كل منها علماً مستقلاً. وهنا نجد ان مبحثاً حديثاً مثل «علم الطفيليات» Parasitology يكاد يكون منسياً أو مغموراً في المؤلفات التراثية، اللهم إلا من بعض الدراسات المحدودة التي تحتاج إلى مزيد من التطوير والتعميق . ومن يتناول مؤلفات علماء الحضارة الإسلامية باحثاً عن أصول علم الطفيليات، سوف يجد الكثير من الحقائق العلمية والمنهجية التي تنسب زوراً وبهتاناً لعلماء الغرب دون أدنى إشارة إلى مكتشفيها الأصليين في العصر الإسلامي، فقد عرضت مراجع التراث الطبي للمسلمين ملاحظات دقيقة عن انواع الطفيليات التي تعيش داخل الجسم والتي تعرف اليوم «بالطفيليات الباطنية» Endoparasites التي تعيش على ظاهر الجسم، ولا يقلل من أهمية هذه الملاحظات الدقيقة انها كانت تعتمد في اكتشافها على ملاحظة الديدان الطفيلية بالعين المجردة، أو على الأعراض المرضية الدالة على وجودها. من ذلك ما جاء في المراجع التراثية عن أوصاف بعض «الطفيليات الأولية» Protozoa، مثل انواع الأميبا التي تعيش في جدار وتجويف الأمعاء الغليظة وتسبب مرض الدوسنتاريا Dysentry ، وما جاء عن أعراض بعض الأمراض، مثل حمى الملاريا التي كشف العلم الحديث عن طفيليانها التي تصيب الانسان من جنس «البلازموديوم» Plasmodium. وتوافق المراجع الحديثة ما جاء في كتاب «الحاوي» لأبي بكر الرازي عندما ربط في ملاحظاته السريرية للإصابة بالملاريا بين نوبات الحمى وبين حالة تضخم الطحال المعروفة علمياً باسم Splenomegaly ، حيث قال:«…. الحميات التي تبتدئ بنافض أعلم انها من التي تنوب بأدوار، وذلك ان الغب والربع في الأكثر تحدث مع نافض شديد، ولكن يعقب حميات مختلفة، أما النائبة كل يوم فلا تكاد تحدث إلا مع علة في فم المعدة، على أن (حمى) الربع لا تكاد تحدث إلا مع علة الطحال» . أما الديدان الطفيلية المعوية فقد تحدث عنها الرازي في كتابه «القانون مراجع التراث الطبي الإسلامي بين أربعة من هذه الديدان. هي الديدان العراض (المعترضة). أو الشريطية Taenia والديدان العظام (الكبار)، المعروفة حالياً «الإسكارس» Ascaris والديدان الصغار التي تشبه الدود المتولد في الخل وتسبب داء «الدبوسيات» Enterobiasis والديدان المستديرة، أو الشصية Hook Warm ، لاسيما الانكلستوما. وقد أشارت المراجع الحديثة إلى أنواع الديدان الشصية التي تعيش في الأمعاء الدقيقة وتتغذى على الدم والانسجة مسببة داء الانسيلوستوما (الشصيات) Ancylostomiasis . وتجدر الإشارة في هذا الشان إلى ما اكتشف حديثاً من ان الدودة المستديرة التي ذكرها ابن سينا في كتابه «القانون في الطب» هي ما نسميه الان «الانكلستوما» وقد أعاد دوبيني اكتشافها بإيطاليا عام 1838 م، أي بعد اكتشاف ابن سينا لها بأكثر من ثمانية قرون، ولقد أخذ جميع المؤلفين في علم الطفيليات بهذا الرأي في المؤلفات الحديثة، كما أخذت به مؤسسة «روكفلر» الأمريكية التي تعنى بجمع كل ما يكتب عن هذا المرض . وتطرقت المراجع التراثية أيضاً إلى بعض انواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيداً عن القناة الهضمية، مثل ديدان العين التي تفضل منطقة العين، و«ديدان الفلاريا» المسببة لداء الفيل الذي وصفه الرازي في كتابه «المنصوري» بقوله:«ان هذا الداء إذا استحكم لم يبرأ، أما إذا لوحق في ابتدائه وعولج بما ينبغي برأ ووقف ولم يتزايد»، وقال عنه يعقوب الكشكري في كتابه «كناش في الطب» الذي وصفه في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي): «إذا امتلأت عروق الدوالي بالدم العكر في الساقين وورمتا ورماً عظيماً حتى صارتا أشبه برجل الفيل، ولا يتهيأ للمريض ان ينهض بهما من عظمتهما، فان هذه العلة تسمى داء الفيل» . أما بالنسبة لأنواع الطفيليات الخارجية التي تصيب جسم الانسان، فقد كثر الحديث عنها في مؤلفات الأطباء والعشابين، خاصة الصئبان والقمل الذي يتولد في الرأس وسائر الجسد. من ناحية أخرى، لم يقتصر علم الطفيليات في التراث الإسلامي على تناول الطفيليات التي تصيب الانسان، بل انه امتد ليشمل بعض انواع الطفيليات التي تصيب الحيوان والطيور . وليشمل أيضاً طرق المكافحة والعلاج وتحضير الأدوية من الأعشاب والنباتات الطبية التي ورد ذكرها للإفادة، بعد إجراء الاختبارات اللازمة على ما فيها من مواد فعالة باستخدام تقنيات العصر المتطورة. وإذا كانت كل هذه المعلومات تؤكد دور علماء المسلمين الرائد في تأسيس علم الطفيليات استناداً إلى منهج تجريبي رائد، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال اننا نعمد إلى مقارنته بالحالة المتقدمة التي وصل إليها في عصرنا الراهن، وان كنا ندعو أهل الاختصاص إلى بذل المزيد من الجهد لاستيفاء المعلومات التراثية الناقصة في هذا المجال، وذلك بالقراءة المتانية لمؤلفات الرازي وابن سينا والبغدادي والقيرواني والجاحظ، والبلدي والغطريف الغساني وابن زهر وغيرهم. أحمد فؤاد باشا المراجع : 1- زكريا بن محمد بن محمود القزويني، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، شركة الحلبي بمصر، الطبعة الخامسة، 1401 هـ – 198 م، ص 204. 2- محمد مروان السبع، أعمال ندوة التراث العلمي العربي في العلوم الأساسية، طرابلس – ليبيا، 1990 م. 3- ناهد البقصمي، الهندسة الوراثية والأخلاق، عالم المعرفة، الكويت 1413 هـ – 1993 م. 4- عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ، الحيوان، بيروت، 1978 م. 5- Sampson، A. W.، Range Management، Practices، John Wiley & Sons. New York، 1952. 6- محيي الدين قواس، أعمال الندوة “التراث العلمي العربي في العلوم الأساسية” – طرابلس -ليبيا، 1990 م. 7- علي علي السكري، البيئة من منظور إسلامي، منشأت المعارف – الإسكندرية : 1995. 8- Ali، S. I، Hima – The Protected – area Concept in Islam، Journal of Islamic Thought and Scientific Creativity، OIC، vol. 7، No 1، 1996. 9- David Kahn، The Code Breakers، New Yourk، 1976. 10- J. H. Finch & E. G. Daugall، Computer Security: A Global Challenge، North Holland، 1984. 11- بازيار العزيز بالله الفاطمي، البيزرة، تحقيق : محمد كرد علي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1409 هـ – 1988م. 12 – أحمد فؤاد باشا، “مدخل البيزرة” دائرة سفير للمعارف الإسلامية، الجزءان 39 – 40، القاهرة، 1990. 13- عبد الرحمن محمد البلدي، “الكافي في البيزرة” ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1983. 14- الغطريف بن قدامة الغساني، كتاب ضواري الطير، منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت 1984. 15- إسماعيل الحديثي وآخرون، علم الطفيليات، مديرية دار الكتب، جامعة الموصل، 1984. 16- محمد حسن الحمود، علم الطفيليات في التراث العربي، ندوة التراث العلمي العربي في العلوم الأساسية، طرابلس – ليبيا، ديسمبر 1990. 17- أحمد فؤاد باشا، التراث العلمي للحضارة ال؟إسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة، القاهرة، ط 2، 1984. 18- يعقوب الكشكري، كناش في الطب، منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، 1985. 19- أحمد فؤاد باشا، “علوم منسية في تراث المسامين” (1)، مجلة المسلم المعاصر، ع 81 بيروت : 1996. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
“ماذا قدم المسلمون للعالم؟” د. راغب السرجاني وكنت قد أعددت عرضا لهذا الكتاب ونشر في مجلة الفسطاط التاريخية وأعيد نشر هذا العرض في المدونة. ———————- الصفحات: 847 الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة – القاهرة - مصر الطبعة: الأولي مايو 2009 = جمادى الأولى 1430 “لا يمكن أن نستوعب ما وصلت إليه البشرية من تَقَدُّم في أي مجال من مجالات الحياة إلا بدراسة الحضارة الإسلامية”. “ماذا عسانا فاعلين بعد هذه المعرفة ؟” يقع الكتاب ذي المجلدين بين هذين الكلمتين، أولاهما في مقدمة الكتاب، والأخرى في خاتمته، وهما يلخصان مافيه وما بعده. وإذا حاولنا التعريف بالكتاب في عبارة واحدة لقلنا إن مفتاح الكتاب وهدفه هو التعريف بالإسهامات الحضارية للعصور الإسلامية في مسار الحضارة الإنسانية، ثم تأتي الخاتمة لتفتح باباً آخر، فتتحدث عن الواجب الذي يتحمله من قرأ هذا الكتاب. *** وإذا كان كل كتاب يعبر عن نوع من الاختلاف أو حتى الاشتباك بين المؤلف وبين سابقيه وأقرانه، فإن هذا الاشتباك بدأ مبكرا مع د. السرجاني، حيث كان في تعريف معنى “الحضارة”، وهو التعريف الذي اخْتُلِف فيه، فبعضهم جعل الإنسان محور تعريفه للحضارة فيراها نضوج المبادئ والأفكار والمعتقدات، ومنهم من يجعل المحور هو التطور المادي فيعرفها بأنها الرقي في العلوم العلمية والتجريبية، بل وصل الحال إلى أن عرفها البعض في الغرب بأنها “القضاء على العدل والأخلاق، وترك العِنان لطبيعتنا الحرة السافرة لتفعل ما تشاء، ولو أدَّى ذلك إلى أن تسير على الجماجم”.ثم يقرر رأيه فيرى أن “الحضارة هي قدرة الإنسان على إقامة علاقة سوية مع ربه، والبشرِ الذين يعيش معهم، وكذلك البيئة بكل ما فيها من ثروات”. وعلى هذا التعريف ذي الثلاث شُعَب، يقرر أن الحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة التي استطاعت إقامة علاقة سوية في التصور والسلوك مع الله، ومع البشر، ومع البيئة المحيطة بما فيها من كائنات حية بل وجمادات. ولهذا يقول د. السرجاني: إن الكتاب لا يتحدث عن حضارة عادية لها مثيلات أو أشباه، إنما نتحدَّث عن “الحضارة النموذج”، وهو يقرر أنه لم يفعل إلا أن فتح أبوابا في الموضوع، وذكر بعض المداخل فقط. *** وإذا كان المؤلف يقرر أنه في مجلدين قد فتح بعض الأبواب وذكر بعض المداخل، فما عسى أن يفعله من يستعرض الكتاب، فمن يستطيع أن يجمع البحر في قدح؟!!يأتي الباب الأول بعنوان (الحضارة الإسلامية بين الحضارات السابقة) وفيه يستعرض المؤلف بإيجاز –عبر الفصل الأول- ما وصلت إليه حضارات اليونان والهند وفارس والروم، وكذلك حال العرب قبل الإسلام، وهي تلك الأحوال التي يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ” (رواه مسلم). فلقد كان الفساد يصبغ وجه الأرض، فساد الأفكار والتصورات وغلبة الوثنيات، وفساد اجتماعي يتجسد في طبقيات عنيفة وحقوق مهضومة وانحلال أخلاقي مقيت، وقوانين تلبي رغبات الأقوياء، ومجادلات دينية لا تنتهي، ولا تنتهي عند الجدال بل تستحيل حروبا واضطهادات عنيفة. ويأتي الفصل الثاني متحدثا عن (أصول وروافد الحضارة الإسلامية)، حيث يقول بأن التميز الذي يجعل حضارة الإسلام تختلف عن غيرها من الحضارات ثلاثة أشياء: تأسسها على القرآن والسنة، حيث منهما انطلقت ومنهما انبثقت التصورات والأفكار، وكذلك النظم والمناهج والأعراف وطريقة الحياة. والثاني: هو أن الشعوب الإسلامية كانت مزيجا فريدا من كل الأعراق والألوان والأجناس، بما جعل الحضارة الإسلامية كمصب كبير وضعت فيه كل تلك الشعوب خلاصاتها وخبراتها ورحيق حضاراتها بعد أن تهذبت بالإسلام، ولم يكن ليتأتى هذا لولا هذه المساواة التي جعلت لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح. والثالث: هو الانفتاح على جميع الحضارات والأخذ منها دون تأنف أو تكبر أو استغناء، بما جعل الأمر لا يستغرق وقتا طويلا حتى تتم ترجمة الكتب والموسوعات العلمية من لغاتها الأصلية إلى العربية، بما جعل عاصمة الإسلام بعد بضعة أجيال هي عاصمة العلم والثقافة العالمية بلا منافس. ثم يتحدث الفصل الثالث عن خصائص الحضارة الإسلامية، ويراها المؤلف في أربعة أمور: أولها: العالمية، إذ أن رسالة الإسلام لا تفرق بين جنس وجنس ولا بين عرق وعرق ولا تتوقف عند حدود، بل تتأسس على أن الإنسان هو خير المخلوقات على هذه الأرض، وأن جميع الكون مسخر له، وأن مصلحته ورفاهيته هي غاية الشريعة. ومن هذا المنطلق كانت المساواة بين البشر أساسا معلنا منذ أول يوم، وثانيها: الوحدانية، تلك الخصيصة التي سمت بالإنسان فوق عبادة أي شئ، وفوق الخوف من أي شئ، بل ليعرف أن كل شئ في هذا الكون مسخر له هو، وبوقوف حضارة الإسلام على مبدأ التوحيد تحققت المساواة بين البشر بشكل عملي، فكل البشر عبيد لله الواحد، بلا وسيط ولا معبد له سدنة وله كهنة، وبهذا انتهى تماما مبدأ أن الحاكم إله أو نصف إله أو حتى يسري فيه دم فوق بشري، وهو ليس إلا وكيل عن الأمة منوط بتنفيذ شرع من عند الله لا دخل له في وضعه وتقنينه، وانتهى وجود فوارق المراتب الكهنوتية بين البشر أو احتكار الصلة مع الآلهة، وانتفت كل مظاهر الوثنية، وساد تصور أن الإنسان هو سيد هذا الكون. وثالثها: التوازن والوسطية، بين الروح والجسد، بين علوم الشرع وعلوم الحياة، بين الدنيا والآخرة، بين المثالية والواقعية، بين الحقوق والواجبات. ورابع خصائص حضارة الإسلام –كما يرى المؤلف- هي: الصبغة الأخلاقية، فالأخلاق هي غاية الرسالة، كما قال –صلى الله عليه وسلم- “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مَكَارَمَ الأَخْلاَقِ”، وهكذا روعي الجانب الأخلاقي في العلم والحكم والتشريع بل حتى في الحرب وضع الإسلام “أخلاق الحروب”، وأهم ما في جانب الأخلاق أن مصدرها هو الوحي الإلهي فهي تامّة بعكس النظريات البشرية في الأخلاق، كما أن الالتزام بها ينبع من داخل الضمير باعتبار الأخلاق دينا يحاسب عليها المرء. وما يجعل الحضارة الإسلامية متفردة بين الحضارات أن خصائصها تلك هي خصائص دين فهي غير قابلة للتبدل أو التغير مهما تغيرت الأحوال والظروف، ولذا فهي خصائص خالدة لحضارة الإسلام. *** يناقش الباب الثاني من الكتاب (إسهامات المسلمين في مجال الأخلاق والقيم)، وذلك من خلال خمسة فصول (الحقوق – الواجبات – الأسرة – المجتمع – العلاقات الدولية).إن الأخلاق هي جوهر وأساس أي حضارة، وهي سرَّ بقائها عبر التاريخ والأجيال، وهو الجانب الذي إذا اختفى يومًا فإنه يُؤْذِنُ بزوال الدفء المعنوي للإنسان، الذي هو رُوح الحياة والوجود؛ والحضارات السابقة وحتى المعاصرة لم تحظ بقدر بارز أو إسهام مؤثر في هذا الجانب الأخلاقي، والحضارة الغربية المعاصرة نموذج واضح للاختلال بين القوة والأخلاق. غاص المؤلف مستعرضا بما أمكنه من إيجاز غير مخل بما يشرعه الإسلام من حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الخدم والعُمَّال، وحقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وحقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وحقوق الأقليات، وحقوق الحيوان، وحقوق البيئة. في فصل يثبت القفزة الهائلة وغير المسبوقة بل وغير الملحوقة التي أتت بها شريعة الإسلام. ثم ثنَّى باستعراض الإسهامات الإسلامية في جانب الحريات، فناقش: حرية العقيدة في الإسلام إذ لا إكراه في الدين، بل لقد كفل الإسلام فوق حرية العقيدة حرية التعبير عنها ولكن بعيدا عن السخرية والمهاترات (وجادلهم بالتي هي أحسن). وكفل الإسلام حرية التفكير حين دعا بكل قوة لإعمال العقل وعاب على الذين يعطلون عقولهم وقواهم الحسية عن إدراك الواضحات فوصفهم بالأنعام بل هم أضل، والتفكير في الإسلام فريضة وهذا الذي تجسد من خلال “الاجتهاد” الذي أثرى الفقه الإسلامي عبر القرون. وحرص الإسلام على التمتع بحرية الرأي، بل بما هو أعلى من هذا وهو واجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكم شهدت سيرة النبي من مواقف تدلنا على هذه الحرية. وأتى الإسلام أيضا بحرية النفس، حيث كل الناس أبناء لآدم، ولكنه سلك في تحرير العبيد وإلغاء الرق سياسة واقعية، بتجفيف منابع الرق، والحض على الإعتاق، وإيجاد الوسائل التي تساعد العبد لنيل حريته. وأخيرا حرية التملك: حيث كان النموذج الإسلامي في الموازنة بين الفرد والمجتمع نموذجا وسطا، يعطي الأفراد الحق في التملك ولكنه يحارب تضخم النزعة الفردية ويراعي مصلحة المجموع، فيمنع الفرد مما فيه ضرر لمصلحة الجماعة، ثم جعل ملكيات أخرى عامة هي للجماعة يستفيد منها عموم الناس. وفي فصل الأسرة يركز المؤلف على أن الأسرة ” حصن هذا المجتمع وقلعته وصمام أمنه وأمانه”، ولهذا اهتم الإسلام بها حيث شرع الزواج وجعله الأصل وأعلن ان لا رهبانية في الإسلام، واهتم بعقد الزواج وأوصى الزوجان بحسن الاختيار، وجعل لكل منهما على الآخر حقوقا وواجبات، ثم جعل عليهما حقوقا نحو الأبناء منذ تسمية الله قبل اجتماعهما في الفراش، مرورا بحمله إذ يصبح حينئذ كائن له حق الحياة ولا يجوز إجهاضه، وولادته والاستبشار به وتحنيكه والأذان في أذنه، وإحسان تسميته، وإعطائه حقه من الرضاعة الطبيعية، وقد أجاز الإسلام للحامل والمرضع ألا تؤديا فريضة الصوم رعاية للمولود، وحقه من الحضانة والنفقة، ثم الحق في حسن التربية والتعليم والرعاية، وبهذا فاق الإسلام كل القوانين الوضعية في رعاية الأبناء. ثم أوصى الأبناء بالآباء، فللآباء حق البر والطاعة والإحسان، ونهى عن مجرد قول “أُف”، ولم يقف الإسلام عند حدود الأسرة الصغيرة بل أولى رعايته أيضا الأسرة الكبيرة (الرَحِم)، فلكل أُولِي القربى من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم؛ حقُّ البِرِّ والصِّلَة، وجعل هذا من أسباب سعة الرزق وطول العمر وخلود الذكر، وتوعد قاطع الرحم، وجعل قطع الرحم من أكبر الذنوب، وبهذا توسع الإسلام فشمل باب القيم فيه الأسرة الواسعة. وفي جانب المجتمع أقام الإسلام مجتمعا يرتكز على أربعة ركائز: المؤاخاة، والتكافل، والعدل، والرحمة. وفي الفصل الخامس والأخير الذي يتحدث عن الإسهام الأخلاقي من خلال العلاقات الدولية بين الدولة الإسلامية وغيرها، يركز المؤلف على أن السلام هو الأصل بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، وبالتالي ” فالمعاهدات تكون إمَّا لإنهاء حربٍ عارضة والعود إلى حال السلم الدائم، أو إنها تقرير للسلم وتثبيت لدعائمه”، وبالنظر إلى معاهدات النبي وخلفائه نجد أن المسلمين إنما يحاولون العيش في جَوٍّ هادئ مسالِمٍ مع مَنْ يجاورونهم، وأنهم لم يَسْعَوْا لقتال قَطُّ، بل كانوا دائمًا مؤْثِرين السلم على الحرب، والوفاق على الشقاق، وتحدث المؤلف عن ضوابط المعاهدات وشروطها وإلزامية الوفاء بها في الإسلام، وبعدئذ فإذا كان الحال هكذا فلا يفوت المؤلف أن يتكلم في مبحث عن أسباب وأهداف الحرب في الإسلام والتي عددها في: الدفاع عن النفس والدين، أو لدفع ظلم عن النفس، ولكن حتى في الحرب تظل للإسلام صبغته الأخلاقية في الحروب، والتي أفرد لها المؤلف مبحثا أنهى به هذا الفصل، وهذا الباب جميعا لينتقل إلى الباب الثالث. *** الباب الثالث عن المؤسسة العلمية في الإسلام، وهو خمسة فصول:الأول عن الرؤية الجديدة التي أتى بها الإسلام بشأن العلم، حيث لا نزاع ولا مشكلة بالأساس بين العلم والدين، وحيث أصبحت قضية العلم عامة لكل الناس، وطلبه فريضة على كل المسلمين، وبهذا تطورت الحركة العلمية بعد اكتسابها القوة الشعبية لتكثر المكتبات وتتكاثر وتتضخم حلقات العلم في المجتمع الإسلامي. والفصل الثاني عن التغيير الإسلامي لتفكير العلماء، إذ بدأ في الحضارة الإسلامية استخدام المنهج العلمي التجريبي، وتطور العلم ليكون عمليا يخدم واقع الحياة ويبتعد عن القضايا غير ذات الصلة بالفائدة الفعلية، وكذلك بدأ في عصر الحضارة الإسلامية تشكل الفرق العلمية بعد أن كان واقع الحال فرديا، ثم إلزام الإسلام أبناءه بالأمانة العلمية فالمسلمون لم ينسبوا لأنفسهم آراء من سبقهم بل أعلنوها منسوبة إلى أصحابها أرسطو وأفلاطون وإقليدس وأبقراط وغيرهم، في حين أن الغرب في نهضته الأولى سرق روادها أفكار واختراعات علماء المسلمين ونسبوها لأنفسهم بعد ذاك بتسعة قرون، حتى كان اكتشاف هذا تعرية لهم بعد موتهم بقرون. والفصل الثالث كان حديثا عن المؤسسة التعليمية الإسلامية، والتي تبدأ بالكتاتيب التي تشبه في عصرنا الآن المدارس الابتدائية، وأفاض المؤلف نسبيا في الحديث عن طريقة التعليم والتدريس التي كانت متبعة في تلك الكتاتيب، وهي طريقة متطورة حتى بمقاييس يومنا هذا، وفي المرحلة الثانية كانت حلقات المساجد هي أبرز قطاعات المؤسسة التعليمية الإسلامية، وإذا عرفنا أن المساجد كانت أول ما يبنى في كل بلد مفتوح كان لنا أن نتخيل إلى أي حد انتشرت حلقات العلم على طول الرقعة الإسلامية، ثم وبعد أن غصت المساجد بحلقات العلم بدأ إنشاء المدارس التي يُنفق عليها من اموال الأوقاف، فمنذ القرن الرابع الهجري وُجدت المدارس الكبرى في الحضارة الإسلامية. وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن المكتبات في الحضارة الإسلامية وأنواعها، ثم يركز الحديث على مكتبة بغداد التي اعتبرها “جامعة إسلامية متطورة”، وفي الفصل الخامس تابع حياة العلماء، منذ تنشئة العالم، ثم المكانة التي كانت للعلماء في الدولة الإسلامية، ثم ابتكار فكرة “الإجازة”، وهي الشهادة التي تُجيز لطالب العلم في هذا الفن أن يمارسه، فهذه الإجازة هي اختراع إسلامي أضيف للحضارة الإنسانية. *** وفي الباب الرابع جولة مع الإسهامات الإسلامية في علوم الحياة، وهو ينقسم إلى فصلين: الأول عن تطوير العلوم الموجودة مثل الطب والفيزياء والبصريات والهندسة والجغرافيا والفلك، أما الثاني فعن العلوم التي ابتكرها المسلمون، وهي الكيمياء والصيدلة والجيولوجيا والجبر والميكانيكا، وأفرد المؤلف مبحثا لكل علم من هذا وضح فيه الإضافة الإسلامية أو الابتكار الإسلامي وأسماء العلماء الرواد فيه.وفي الباب الخامس جولة عن الإسهامات الإسلامية في جانب العلوم الإنسانية، وبنفس المنهج في تطوير العلوم الموجودة وهي علم الفلسفة والتاريخ والأدب، ثم الابتكارات الإسلامية لعلوم جديدة مثل علم الاجتماع وعلوم الشريعة (علم أصول الحديث- علم الجرح والتعديل - علم أصول الفقه) وعلوم اللغة (علم النحو – علم العروض – علم المعاجم)، وأعطى نبذات وافية عن هذه العلوم، غير أنه استبق هذين الفصلين بفصل استعرض فيه الإصلاح الإسلامي للتصورات والأفكار العقدية التي كانت موجودة عند الأمم السابقة. *** تحدث الباب السادس عن المؤسسات والنظم في الحضارة الإسلامية، فتحدث عن مؤسسة الخلافة والإمارة: شروط الخلافة في الإسلام، وكيفية اختيار الخلفاء، وماهي البيعة وولاية العهد، وكيف كانت علاقة الحاكم بعموم الناس من خلال تعاليم الإسلام. وتحدث عن الإسهامات الإسلامية في مسألة نظام الحكم، إذ بدأ التأليف في المجال السياسي مبكرا منذ عهد الرشيد بكتاب الخراج لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، ثم تطورت المؤلفات فظهر كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة، ثم نضجت الكتابة واستبانت النظرية السياسية الإسلامية بكتاب الماوردي (الأحكام السلطانية)، وكتاب (سراج الملوك) لأبي بكر الطرطوشي، ثم كتاب (المنهج المسلوك في سياسة الملوك لعبد الرحمن الشيزري)، وكتاب شيخ الإسلام ابن تيمة (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية)، ثم تكون مقدمة ابن خلدون قمة التطور الكتابي في هذا الموضوع. وكانت الميزة الإسلامية في هذه النظرية أنها مستمدة من كتاب الله وتهدف للإصلاح ابتغاء رضوانه فلا أثر فيها لما يمكن أن يوجد عند ميكيافيللي حيث الغاية تبرر الوسيلة.وأفرد المؤلف مبحثا عن “الفتن السياسية من المنظور الحضاري”، وكيف كان التعامل الإسلامي معها إسهاما حضاريا جديدا، فلقد كان الهدف الذي تتوجه له الأنظار –كما يرى- هو الواقعية لتحقيق حماية الأمة ووحدتها واجتماعها، ولهذا كان النهي عن الخوض في الفتن، وإقرار ولاية المتغلب وإن لم يكن الأفضل من بين المسلمين، وأفرد مبحثا عن مبدأ الشورى في الإسلام من حيث هي أصل “من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي”، ولقد كانت إسهاما إسلاميا ظهر في وقت لم تعرف فيه البشرية سوى الديكتاتوريات الملكية. وكان الفصل الثاني عن إسهامات الحضارة الإسلامية في مؤسسة الوزارة، فاستعرض مكانة المؤسسة في النظام السياسي للحضارة الإسلامية، وكيف أن النظرية السياسية الإسلامية أولت تلك المؤسسة عناية ومكانة ووضعت لها الشروط والواجبات بل وما نسميه الآن البروتوكول. وتحدث الفصل الثالث عن مؤسسة الدواوين، فأفرد مباحث لديوان الرسائل والإنشاء (وهو الآن خليط من منصب المتحدث الرسمي ووزارة الخارجية وكذلك شيئا من وزارة الإعلام)، وديون الجند والعطاء، وديوان الاوقاف، وديوان البريد والاتصالات، وديوان بيت المال، والشرطة، والحسبة، والجيش. متحدثا عن الإسهامات الإسلامية في تنظيم وترتيب هذه المؤسسات. ثم جاء الفصل الرابع عن مؤسسة القضاء، بدأه بمبحث عن قيمة مبدأ العدل في المنظومة الإسلامية، ثم تحدث عن الوسائل التي ابتكرتها الحضارة الإسلامية لكفالة العدل، وكيف سار تطور المؤسسة القضائية الإسلامية، وتحدث عن معايير اختبار القضاة واختيارهم، وتحدد مهماتهم، ولربما يدهش القارئ حين يعلم أن ظهور القضاء المتخصص كان من الإسهامات الإسلامية، فمنذ بواكير الخلافة العباسية ظهر القضاء العسكري المختص بقضايا الجند والعسكر، وفي الإسلام ظهرت المحاكم الخاصة بأهل الذمة، وتحدث العلماء عن “القضاء المستعجل” حين رتبوا أولوية الفصل في قضايا المسافرين، وتحقق في الحضارة الإسلامية كذلك مبدأ الرقابة على القضاء منعا لاستغلال أحد القضاة نفوذه بالباطل، وخُتِم هذا الفصل بالحديث عن مبدأ خضوع الخلفاء والأمراء لسلطة القضاء، فلا أحد فوق القانون، وحكم القاضي كان نافذا على الجميع، ثم تحدث عن ديوان المظالم (مايشبه الآن القضاء الإداري أو مجلس الدولة) كيف نشأ وتطور في ظل الحضارة الإسلامية. وفي الفصل الخامس، جاء استعراض المؤسسة الصحية من خلال مبحثين: الأول تحدث عن المستشفيات كيف كانت في الحضارة الإسلامية مؤسسة متكاملة توفر للمريض الحد الأقصى من أسباب العناية والرعاية منذ اختيار موقع بنائها وحتى ممارسة العلاج بالدعم النفسي، والثاني: يتحدث بشكل عام عن المبدأ الإسلامي الإنساني في أمر المرض والمرضى. واختتم المؤلف هذا الباب الضخم الذي استغرق منه قرابة المائة والخمسين صفحة بالحديث عن الخانات والفنادق التي انتشرت في أرجاء الحضارة الإسلامية وتطورت، وشكلت الحل العصري للمجتمع الذي كثر فيه المسافرون بين الأقطار من التجار وطلبة العلم، وهو أيضا مبحث ربما دهش له القارئ الذي سيكتشف أن الفنادق هي –بهذا المستوى الذي وصلت إليه- إسهام إسلامي في مسيرة الحضارة الإنسانية. *** وفي الباب السابع يكون القارئ مع رحلة ممتعة في باب يتحدث عن الجمال في الحضارة الإسلامية، الجمال فقط، وعبر سبعة فصول يحاول المؤلف لمَّ جوانب الجمال الذي زخرت به حضارة الإسلام، ففصل عن الفنون الإسلامية يتحدث عن فن العمارة الإسلامية، وفن الزخرفة، وفن الخط العربي. ثم فصل يتحدث عن جمال الآلات والمصنوعات وكيف اهتم المسلمون يتجميل مخترعاتهم العلمية كذلك (في هذا المبحث سنعلم أن المسلمين أول من اخترعوا الساعات ذاتية الحركة، والإنسان الآلي، بل وحامل مصحف إليكتروني)، وكيف شملت الزينة كل الآلات والمصنوعات والمواد التي وجدت في البيئة الإسلامية حتى تم تزيين كل شئ من القصور وحتى الدبابيس ومفاتيح الأبواب. ثم فصل عن جماليات البيئة ناقش كيف أن القرآن والسنة كانا المؤثر الأول والأعظم في تشكيل الحس الجمالي لدى المسلمين من خلال صورة الجنة حتى حاولوا إقامتها أو إقامة أشباهها على الأرض، فتحدث عن الحدائق الإسلامية التي تبهر أوصافُ المؤرخين لها القارئَ بعد كل تلك السنين، وكيف انتشرت على طول الإمبراطورية الإسلامية من الأندلس شرقا وحتى الهند غربا مرورا بالمغرب ومصر والشام والاناضول والعراق وفارس، وتحدث في مبحث خاص عن النافورات التي انتشرت في الحدائق والمساجد والبيوت وكانت حلا معماريا لمشكلات البيئة الحارة، كما كانت تُحفا فنية بديعة، وأحيانا كانت اختراعا علميا كنافورة الأسود في قصر الحمراء التي كانت أيضا ساعة تعين الوقت وتنبه للساعات من خلال خروج الماء من أفواه الأسود.وأفرد المؤلف فصلا عن اهتمام الإسلام بالجمال الظاهري من حيث النظافة والعناية بالجسد والملبس والمسكن والشارع والمدينة، والعناية بدقائق الذوق مثل خفض الصوت والاستئذان في الزيارة وفي الجلوس، وفي مداعبة الزوجة، واهتمامه كذلك بالجمال المعنوي، ووصيته بالتبسم وطلاقة الوجه، وحرصه على سلامة الصدر وشيوع الحب لكل الناس، وعنايته برسوخ حسن الخلق، وبدقائق ذوقية معنوية أيضا. وتحدث الفصل السادس عن جمال الألقاب التي اتخذها الخلفاء والوزراء والقادة أمثال (نور الدين والمسترشد بالله) بل جمال الكتب التي ألفت في الفقه والعقيدة والجدل والتفسير، أمثال (كنز الدرر وجامع الغرر) أو (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)، وختم الباب بفصل عن مدينة قرطبة وما تمتعت به من جمال ورقي. *** وينتهي الكتاب بالباب الثامن، وفيه يتناول المؤلف أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية المعاصرة، فيستعرض معابر الحضارة الإسلامية إلى الغرب من خلال الأندلس، وجزيرة صقلية التي عاشت قرنين من الزمان تحت الحكم الإسلامي، وكذلك من خلال الحروب الصليبية حيث تم الاحتكاك الكبير بين الصليبيين وعالم الإسلام.ويتحدث عن مظاهر تأثر الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية في ميادين العقيدة والتشريع، العلوم، اللغة والأدب، التربية والمعاملات، ومجال الفنون. ثم يختم الباب بذكر مجموعة من شهادات علماء الغرب ومفكريه للحضارة الإسلامية دورها وأثرها، فيذكر شهادات المؤرخ الأمريكي دانييل بريفولت، وعميدة المستشرقين الألمان في وقتها زيجريد هونكه، والمؤرخ الشهير ول ديورانت، ورونالد هيل، وجوستاف لوبون، والزعيم الهندي نهرو، ولويس سيديو، وكارا دي فو، وغيرهم وغيرهم. في أجمل خاتمة تستطيع أن تقضي على ما قد يكون تبقى من شك في نفس قارئ الكتاب الذي سيدهش إلى درجة الصدمة حتما إن لم يكن من قبل ذا علم بالحضارة الإسلامية وعظمتها وتأثيرها. *** إن هذا الكتاب يقترب من أن يكون موسوعة ولا أروع في الحضارة الإسلامية، وسيكون موسوعة ضافية إذا توفر على أبوابه وفصوله من يتوسع فيه –وهو المكتنز بالنصوص- بالشرح والتحليل، وإضافة تعليقات العلماء والفقهاء والإكثار من الأمثلة التاريخية لعصور الحضارة الإسلامية.ومن الصعوبة الحقيقية إعداد عرض يمثل الخلاصة لمثل هذا الكتاب، الذي تشعر أن مؤلفه كان يسابق الصفحات واللحظات ويحاول كالمحارب التقاط جوانب المواضيع الكثيرة والمتشعبة، فيوجزها في أقصى ما يمكن إيجازه، فلربما جاءت أبواب الكتاب كأنما تحشر المعلومات حشرا تريد أن تجمع البحر في قدح أو الريح في زجاجة. ولكن لا يسع المرء إلا أن يلح بكل قوة على القارئ الكريم أن يقتنيه ويقرأه بعين العناية، ليؤمن حقا أن المسلمين هم (خير أمة أخرجت للناس). |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
|
دور العرب في الرياضيات
دور العرب في الرياضيات اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي لقد نبغ العرب في الرياضيات؛ فكان (الخوارزمي) أولَ مَن جعل الحساب علمًا قابلًا للتطبيق العملي، وهو الذي علَّم أوروبا طريقة الأعداد الجديدة، وكتابتها من اليمين إلى اليسار - كما يكتب العرب لغتهم - وأهمية استخدام الصفر، وخاصة في تبسيطه لعمليات الجمع والطرح. و(الخوارزمي) هو صاحب الفضل الأكبر على علم الجبر، الذي خلق منه العرب علمًا مستقلًّا بفضل مؤلفات ودراسات أبو كامل، والبيروني، وابن سينا، والكراديسي وغيرهم - تلك المؤلفات التي نقل عنها كلٌّ من: (ليوناردو فون بيزا) ما خطَّه عن المعادلات التربيعية والتكعيبية، وكذلك (الجراف فون إيبرشتين) الألماني زعيم طائفة الدومنيكان - نقل عنها رسائلَه التي علَّمت أوروبا حساب العرب وجبرهم. وفي عام 1845 أثبت الفرنسي (رينان) أن علم اللُّوغريتمات ينتسب إلى اسم العالم العربي: الخوارزمي. كذلك نهَض العرب بحساب المثلَّثات، فكان الفلكي (القباني) أول من استبدل الأقواس بالأوتار، واستخدام تعبير: جيب/تمام الجيب الذي لم يعرفه الإغريق من قبل، وكان الفلكي (جابر) الذي برَع في علم المثلَّثات الكُروية، واستنبط من القوانين ما ساعد على حلِّ المثلث، والتقدم في علم الفلك. •••• والعرب أيضًا هم الذين سبقوا أوروبا بنحو سبعمائة عام قبل إنجلترا وألمانيا، إلى إيجاد الحساب الخلافي (التفاضلي)، وصاحبَا الفضل في إيجاده: الطبيب الفيلسوف ابن سينا (890 - 1038)، واللاهوتي الغزالي (1053 - 1111)...، لقد أضاف ابن سينا - عن طريق بحوثه العلمية التي لم يسبقه إليها أحد - الكثير من النظريات الطبيعية، كذلك عالج اللانهائي ... في الطبيعة والرياضيات، ولا شك أن أوروبا لم تنتبه إلى مثل هذه النظريات الخاصة باللا نهائي... إلا في القرن السابع عشر الميلادي، بفضل أمثال: نيوتن، وليبنيتز... فالعرب بأعدادِهم وآلاتهم، وحساباتهم وجبرهم، ونظرياتهم حول المثلَّثات الكروية، وعلوم البصريات، وغيرها - نهضوا بأوروبا، ودفعوها إلى الحركة العلمية دفعًا، ومن ثم استقلَّت، واكتشفت واخترعت، وتسلَّمت زعامة العلوم الطبيعية"[1]. [1] المرجع 6، ص 119 - 121. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
طب الأسنان في الحضارة الإسلامية مصطفى عاشور https://i.imgur.com/sGiWh0O.jpg مع تقدم الحضارة، وطبيعتها الاستهلاكية، تكثر أمراض الأسنان، نظرا للمأكولات والمشروبات المستحدثة التي قد تضر بالأسنان، وعندها يبزغ طب الأسنان، فمع توسع المسلمون عالميا في القرون الأولى للهجرة، أخذت الأمراض والآفات تتسلل للأسنان، وهو ما فرض على الأطباء أن يولوا عناية خاصة بهذا الطب تشخصيا وعلاجا وتطويرا وابتكارا، ففي الصدر الأول للإسلام، كان المنهج الوقائي هو الغالب، فكانت المضمضة واستخدام السواك، وتنظيف الأسنان قبل الصلاة والنوم، والحرص أن تكون بيضاء نظيفة، فكانت تلك وسائل شرعية وصحية ووقائية لإبعاد الآلام والأمراض. ومع التقدم في مضمار الحضارة، رفد الأطباء المسلمون طبَ الأسنان بالكثير من الجهود في الوقاية والعلاج وابتكار المواد والتركيبات والأدوات الجراحية لحشو الأسنان، أو خلعها إذا اقتضت الحاجة، وما وصل إلينا من إسهامات ليس كل ما كتبه الأطباء المسلمون، ولكن ما استطاع الإفلات من يد الزمن. من الوقاية حتى زراعة الأسنان عرفت الحضارة الإسلامية كل ما يتعلق بطب الأسنان والعناية بها، بدءا من التشخيص إلى الوقاية والعلاج، إلى عمليات التقويم والخلع والعلاجات المختلفة، وصولا إلى استبدال الأسنان المخلوعة بأخرى من عظام الأبقار أو الذهب والفضة، ويلاحظ أن طب الفم والأسنان لم يكن تخصصا متفردا بذاته، كما هو الحال في العصر الحديث، ولكنه كان مُتضمنا في الطب العام، وهذا ما منحه الكثير من الاهتمام، إذ حضرت الأسنان في غالبية الكتب الطبية، فكانت أحد مباحثهم، التي ينظرون إليها وفق منظور كُلي للحفاظ على صحة الجسد وعافيته، فخُصص فصل وأكثر في الكتب الطبية للأسنان. “فردوس الحكمة في الطب “وقد تناول الأطباء المسلمون أمراضَ الأسنان، والعلاقة بين الأسنان وعمر الإنسان، كما أنهم لم يستسلموا لآراء الطب اليوناني القديم، ولكنهم نقدوها وأضافوا إليها، واستحدثوا الكثير من العلاجات والمطهرات والجراحات، وأجادوا التشخيص والوقاية والعلاج، ومن الابتكارات التي تميزت بها الحضارة الإسلامية علاج تسوس الأسنان من خلال ثقب السِن التالف من المنتصف ثم حقنه ببعض المواد والتركيبات لوقف الآلام، ولوضع الحشوات، المكونة من خليط من مواد غير قابلة للصدأ، لتعويض ما تلف من الأسنان، وكان من ابتكاراتهم نحت أسنان صناعية من العاج وعظام البقر لتكون بديلا عن الأسنان المخلوعة، كما ابتكروا خيوطا من الذهب لربطها بالأسنان حتى لا تسقط. كتاب ” التيسير في المداوة والتدبير”اهتم الفيلسوف والطبيب “ابن سينا” بعلاج الأسنان، ووصف أمراضها وكيفية علاجها، والتركيبات الطبية لوقف النخر، ومما استخدمه في حشو الأسنان مادة “الكافور” والتي كانت تُسكِن الألم وتوقف التسوس، يقول ابن اسينا:”وقد جُرب الكافور في الحشو فكان نافعا ويمنع التآكل ومسكن للألم”، كما تحدث “ابن سينا” عن العلاقة بين تغير لون الأسنان والأمراض التي تصيبها، والمواد التي تستخدم لإماتت العصب حتى تتوقف آلام الأسنان، ومن المواد التي استخدمها الأطباء المسلمون “العلك الرومي” وهي مادة كانت تُحشى بها الأسنان التالفة. “هداية المتعلمين في الطب”كان “زين الدين الجُرْجَاني” الشهير بـ”الخوارزمشاهي”، وهو من أطباء القرن السادس الهجري، والذي لقب بـ”أبقراط الثاني” تناول علاج الأسنان في كتابه “زبدة الطب” فتناول تأثير تقدم العمر على صحة الأسنان، فتحدث عن ضمور اللثة كلما تقدم العمر، وعرض لبعض العلاجات والتركيبات لمداوة الأسنان لتستعيد قوتها، وفي القرن الثاني الهجري تكلم “علي بن سهل ربَّن الطبري” عن الأسنان، ولقبة “ربن” بالفارسية تعني الأستاذ، ومن أشهر مؤلفاته الطبية ” فردوس الحكمة “، حيث خصص فصلا عن أمراض الفم والأسنان، أما الطبيب “ابن القف” موفق الدين يعقوب ابن اسحق، وكان طبيبا مسيحيا، فتحدث عن الأسنان وخلعها في كتابه “العمدة في الجراحة”، وفي القرن التاسع الهجري شرح “نفيس بن عوض الكرماني” في كتابه “شرح الأسباب والعلامات في الأمراض ومعالجتها” بعضا من أمراض الأسنان، خاصة سقوط الأسنان، أما الطبيب “أبو بكر ربيع بن أحمد الأخويني” في القرن العاشر الهجري، فخصص في كتابه “هداية المتعلمين في الطب” فصلين عن الفم والأسنان، ويعد أول من كتب في علاج الأقواس الضرسية وتشوهات الفم، ودور بعض الأعصاب في إثارة ألم الأسنان، كذلك قدم بعض المطهرات العطرية للفم، وتحدث عن خلع الأسنان كحل أخير في حال فشل العلاجات. كتاب ” العمدة في الجراحة “أما تحدث الطبيب “أبو بكر الرازي” فكتب عن الأسنان والأمراض التي تصيب الفم خاصة التجويفات، والأطعمة والمشروبات الضارة بالأسنان، أما “ابن البيطار” المتوفى 646هـ والمختص بعلوم النبات والعقاقير، فقدم وصفات وتركيبات لعلاج أمراض الأسنان، وتحدث الأطباء المسلمون عن أسنان الأطفال، منذ بداية نموها، والأمراض التي تصيبها، وكيفية علاجها مثل: “أحمد بن محمد البلدي” وهو من أطباء القرن الرابع الهجري في كتابه “تدبير الحبالى والأطفال والصبيان”، وفي الأندلس كان الطبيب”عٌريب بن سعيد القرطبي” المتوفى (370هـ) في كتابه “خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين” حيث خصص الباب العاشر من الكتاب لطب أسنان الأطفال وتنقلهم في مراحل العمر المختلفة. ” تدبير الحبالى والأطفال والصبيان “ابتكارت في طب الأسنان من الابتكارات، استعمال الأطباء المسلمون للتخدير عند علاج الأسنان، وكان يُسمى “المرقد”، فكانوا يضعون مواد مخدرة على إسفنجة ثم تجفف، ثم توضع على أنف المريض، ليدخل بعدها في نوم عميق، وكانت حلا للتغلب على آلام خلع الأسنان، أما “ابن سينا” فتحدث عن إصلاح كسور الفك. وقد عرف الأطباء المسلمون خلع الأسنان، وكانت حالة لا يلجأ إليها الطبيب إلا مع استحالة شفاء السن أو الضرس، ولوقف الآلام التي يسببها، وبعد استنزاف سُبُل المداواة والعلاج، فكان “الزهراوي” يعتبر الخلع أمرا لا يقع إلا مع الضرورة القصوى، وكان يصف الأسنان الطبيعية بأنها “جوهر شريف”، وربما هذه الرؤية ما صرفت اهتمام الأطباء المسلمون للبحث عن العلاجات، فـ “الزهراوي” من أوائل من كتبوا عن خلع الأسنان، وحالاتها المختلفة، وكذلك مضاعفاته، والحلول الطبيبة لمواجهة ذلك، وهو ما دفعه إلى ابتكار آلات لحشو الأسنان وخلعها، والسعى لتقليل الألم أثناء الخلع، مثل الكلابات، والمعروف أن كتابه “التصريف” احتوى على رسم ووصف لأكثر من مائتي آلة، اختص بعضها بالأسنان، فقد كان الأطباء المسلمون يراعون الحالة الصحية للمريض قبل خلع الأسنان وخلو المريض من الالتهابات الحادة في اللثة أوالفك، منعا للمضاعفات. كتاب “خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين”وفي الأندلس ابتكروا نوعا من المضمضة وغسول الفم يسمى “السنونات” وهو دواء لتقوية اللثة وتطهير الفم والحفاظ على سلامتها، وابتكر الطبيب “أبو الحسن علي بن محمد التجيبي” المتوفى 636هـ وصفات أسماها “الغاسولات”، وسبق “الزهراوي” غيره من الأطباء في الحديث عن الألم المتنقل في الأسنان، والذي يمثل إشكالا للطبيب المعالج، وربما دفعه للخطأ، فيخلع السن الصحيح ويترك الأسنان العليلة. |
الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية
الطب والصيدلة في عصر الحضارة الإسلامية أ. د. عبدالحليم عويس إن الإحاطة بمآثر العرب ومنجزاتهم في علمَي الطب والصيدلة أمرٌ شاقٌّ جدًّا لا تتَّسِع لإبرازه هذه الدراسة الموجزة؛ ولذا فسوف نقتصر على إيراد بعض هذه المآثر أو المنجزات، وذلك فيما يلي: أولًا: في مجال الطب: أ- الالتزام بالمنهج التجريبي: سواء في التأليف والبحث، أم عند التطبيق والممارسة العلمية، ويقصد بالمنهج التجريبي في علم الطب (مجموعة الطرق والأساليب والقواعد، التي اهتدى إليها الأطباء المسلمون والعرب من خلال ممارستهم للمهنة)، فلم يكتفوا بالخبرة العملية، وما ورِثوه عن الأوائل، وإنما اعتمدوا على التشريح وعلم وظائف الأعضاء، كما استخدموا أسلوب التشخيص، بالإضافة إلى منهج العلة والمعلول واختبار الأدوية. وينقسِم الأطباء المسلمون من هذه الزاوية إلى مجموعتين: الأولى: مجموعة الممارسين الذين اهتموا في المقام الأوَّل بتشخيص المرض وعلاجه؛ معتمِدين على المشاهدات والملاحظات، وتأتي الفلسفة عندهم وسيلة لبلوغ هذه لغاية، ويمثل هذه المجموعة أبو بكر الرازي (المتوفى 320ه/ 932م)، وكان رئيس البيمارستان ببغداد في عهد الخليفة المعتضد (279 - 289ه/ 892 - 901م). أما الفريق الثاني: فهم الذين درَسوا الطب على أنه جزء من المعرفة لا غنى عنه، وسَعْيُهم إلى استكمال المعرفة هو الذي دفعهم إلى تحصيل الطب بأسلوب منطقي؛ ولهذا أطلق عليهم "الفلاسفة الأطباء"، ويمثلهم ابن سينا (المتوفى 428ه/ 1036م)، وكلا الفريقين اتَّبع المنهج العلمي التجريبي، بصرف النظر عن كونه غاية أو وسيلة. وإمعانًا من الأطباء العرب والمسلمين في عصر النهضة الإسلامية، وتقديرهم لأهمية الطريقة العملية - إلى جانب الدراسة النظرية في تعليم الطب والوصول إلى الحقائق العلمية - فإنهم لم يكونوا ليسمحوا بممارسة الطب إلا بعد اجتياز امتحان في كتب التخصص المعروفة في ذلك العصر، والتأكد من سَعَة ثقافة الطلاب النظرية والعملية في مجال تخصُّصهم، والوثوق من مهارتهم ومقدرتهم على التشخيص والعلاج، مثال ذلك ما ذكره ابن أبي أُصَيْبعة في "عيون الأنباء" أن الخليفة العباسي المقتدر بالله (295 - 320ه/ 907 - 932م) عهِد في عام (319ه/ 931م) إلى الطبيب سنان بن ثابت بن سنان بن قرة الحراني البغدادي بامتحان المتطبِّبين في بغداد، إثر وفاة أحد العامة نتيجةَ جهل أحد الأطباء، "وحدَّد لكلِّ واحد منهم ما يصلح له، وما يمكن أن يتصدى له، وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة ونيفًا وستين رجلًا، سوى مَن استُغني عن محنته (امتحانه) باشتهاره بالتقدُّم في صناعته، وسوى مَن كان في خدمة السلطان". هذا، وقد اهتمَّ كبار الأطباء المسلمين بتأليف كتبٍ خاصة بامتحان الأطباء، وممن صنف في ذلك الطبيبُ الكبير والمترجِم القدير حُنين بن إسحاق العبادي البغدادي (المتوفى 260ه/ 873م)[1]. (ب) الميل إلى التخصص في أحد فروع الطب: فكان مِن بين الأطباء المسلمين متخصصون في مداواة الأمراض الباطنية، ويسمون "الطبائعيين"، ومتخصصون في الجراحة يطلق عليهم "الجرائحيون"، ومتخصصون في علاج العظام وتجبيرها يسمون "المجبِّرين"، وهناك مَن تخصص في طب العيون وهم "الكحالون"، أو في طب الأسنان، أو في طب النساء، إلى غير ذلك من فروع التخصص المختلفة. وفيما يلي إشارة سريعة إلى تخصصينِ من هذه التخصصات؛ هما: طب العيون: تناول أطباء (بغداد/ المشرق) أمراضَ العيون بكلِّ عناية واهتمام؛ حتى قيل: "إن طب العيون من اختراع العرب"؛ حيث بلغ هذا العلم ذروته، بجهودهم التي ظلت الحجة الأولى خلال عصور طويلة، فلم يطاوِلهم في هذا الميدان لا اليونان من قبلهم ولا اللاتين الذين عاصروهم أو أتَوا من بعدهم. ولا شك في أنَّ علماء العرب والمسلمين اعتمدوا على معلومات الإغريق (اليونان) في هذا العلم المهم، وقد ظهر أثر ذلك واضحًا في مؤلفاتهم، ولكنهم توصَّلوا بتجاربهم الخاصة إلى تطورات جديدة، مما جعل هذا الفرع يتطور على أيديهم تطورًا هائلًا، وأثمر مؤلفات هامة يأتي في مقدمتها كتاب "العشر مقالات في العين"، الذي صنَّفه الطبيب والمترجِم الكبير حنين بن إسحاق العبادي البغدادي (المتوفى 260ه/ 873م)، وهذا الكتاب اكتسب شهرةً واسعة في مجال الكحالة، بدليلِ أن المحتسب كان لا يسمح لأحدٍ بممارسة هذه الصنعة قبل التأكُّد مِن معرفته بمضمون هذا الكتاب[2]. وقد صنَّف علي بن عيسى الكحال (المتوفى سنة 430ه/ 1039م) كتاب "تذكرة الكحالين"، وهو مِن أشهر كتب العراقيينَ التي سطرت في هذا المجال. قال عنه ابن أبي أصيبعة: "وهو الذي لا بد لكل مَن يعاني صناعة الكحل (طب العيون) أن يحفظه، وقد اقتصر الناس عليه دون غيره من سائر الكتب التي ألفت في هذا الفن وصار معروفًا عندهم". ويتضمَّن هذا الكتاب معلومات قيِّمة عن تشريح العين وطبقاتها، ووصفًا مفصلًا لمائة وثلاثين مرضًا من أمراض العين، وعلاماتها، وطرق مداواتها بمائة وثلاثة وأربعين دواءً، كل ذلك ضمن ثلاث مقالات يتكون منها الكتاب: الأولى في تشريح أعضاء العين ووظائفها، والثانية في أمراض العين الظاهرة، والثالثة في الأمراض الباطنة للعين. طب الجراحة: حيث برع المسلمون في إجراء العمليات الجراحية، وأبدَوا مهارة فائقة في التعامل مع الأجزاء الدقيقة من جسم الإنسان؛ كالأعصاب، والعيون والأسنان، واستطاعوا تفتيت الحصيات داخل المثانة، واستئصال الأورام بأنواعها المختلفة؛ مستخدِمين في ذلك كلِّه الآلات والأدوات الجراحية المناسبة، والخيوط المصنعة من أمعاء الحيوانات، في تخييط الجروح بعد العمليات الجراحية. ويرتبط التشريح بالجراحة ارتباطًا وثيقًا؛ ولذلك اشترط الأطباء العرب والمسلمون - على اختلاف تخصصاتهم - أن تكون لمَن يريد مزاولةَ الطب معرفةٌ بعلم التشريح ووظائف الأعضاء، وكان منهم مَن زاول التشريح بالفعل؛ إما للغاية العلمية، أو ابتغاء معرفة العلل والأمراض، وقد اختلفوا مع أطباء اليونان في كثير من آرائهم حول تشريح الأعضاء. ويُعَدُّ الرازي (المتوفى 320ه/ 932م) مِن أوائل الأطباء المسلمين الذين كتبوا في علم التشريح ومارَسوه عن دراية واقتدار، وكان يؤكد على أن الطبيب يحتاج - لمعرفة علل الأعضاء الباطنة - إلى العلم بجواهرها أولًا، بأن تكون شوهدت بالتشريح، وإلى العلم بمواضعها من البدن، والعلم بأفعالها (الفسيولوجيا)، وبما تحتوي عليه (المورفولوجيا)، وبفضولِها التي تدفع عنها (طبائع الأمراض)؛ "لأن مَن لم يعرف ذلك لم يكن علاجه على صوب". وممن مارَس التشريح على الحيوانات، الطبيب البغدادي يوحنا بن ماسويه (المتوفى 234ه/ 857م)، فقد قام بتشريح قردٍ كبير، وسجَّل ما توصل إليه من نتائج في كتاب له، قال عنه: "لم يوضع في الإسلام مثله"، وقد ذكر له ابن أبي أصيبعة من بين كتبه الطبية الكثيرة كتابًا يحمل عنوان "التشريح". ج- بناء البيمارستانات: عُنِي المسلمون عنايةً فائقة ببناء "البيمارستانات" لا في بغداد وحدها، ولكن في مختلف أنحاء العالم الإسلامي؛ تأسيسًا على إيمانهم بأن الرعاية الطبية حق لكل المواطنين، فقاموا بإنشاء البيمارستانات المتنقلة بجانب البيمارساتانات الثابتة، وملؤوا بها بقاع الإمبراطورية الإسلامية من بغداد شرقًا إلى بلاد المغرب والأندلس غربًا، كما عمَّت هذه المستشفيات بلاد الشام ومصر، حتى السجون كان الأطباء يدخلونها لعلاج المرضى فيها، وكانت البيمارستانات تنقسم إلى قسمين: ثابت ومتنقِّل؛ فالثابت ما كان يشيد في مدينة من المدنِ أو حي من الأحياء، وأما المتنقل، فهو الذي يُحمل ويُنقل مِن مكان إلى مكان بحسب الظروف والأمراض والأماكن المنتشرة فيها الأوبئة، وكذلك ظروف الحرب، فقد كانوا يُقيمون مستشفيات متنقِّلة في ميدان القتال في الخطوط الخلفية. وقد شهِدت بغداد حاضرة العباسيين البداية الأولى لبناء البيمارستانات، ثم ما لبثت سائر المدن الإسلامية الكبرى أن تأثَّرت بها شرقًا وغربًا، وكانت تلك البيمارستانات مُعَدَّة لعلاج المرضى على اختلاف حالاتهم؛ فضلًا عن تدريس الطب فيها نظريًّا وعمليًّا، من خلال نخبة متخصصة من الأطباء والصيادلة. وهكذا فلم تكن تلك البيمارستانات مؤسسات علاجية فقط، وإنما كانت معاهد علمية لتدريس الطب بالمعنى الصحيح، يَفِدُ إليها الطلاب من كل ناحية، يتلقَّون فيها العلوم الطبية، ويستمعون إلى شرح الأساتذة في حلقات تعقد في قاعات خاصة ملحقة بالبيمارستانات، أو في قاعات المرضى لملاحظة ما يقوم به الأطباء من تشخيص الأمراض، وإعطاء الأدوية اللازمة، وإجراء العمليات الجراحية. مخطط البيمارستان: بغضِّ النظر عن سَعَة البيمارستان التي تختلف من بيمارستان إلى آخر، ومقدار الزخرفة، ومساحة الحدائق الملحقة، وعدد النوافير الذي قد يختلف أيضًا؛ فإن البيمارستانات العربية الإسلامية كان لها مخطط أساسي يحتوي على: 1 - أقسام خاصة بالرجال، وأخرى خاصة بالنساء منفصلة عن الأولى. 2 - قاعات مرضى حسب التخصصات؛ فهناك قاعات أو عنابر مخصصة للمرضى المصابين بالحمَّى، وأخرى للأمراض العقلية والنفسية، وغيرها لمرضى الرمد، وهكذا. 3 - عنابر خاصة للناقهين من المرضى إلى أن يتم شفاؤهم، تحكى لهم فيها الحكايات المسلية. 4 - غرف للأطباء، للكشف على المرضى غير المنومين "عيادات خارجية". 5 - غرف لرئيس الأطباء وبقية الإداريين. 6 - قاعة محاضرات، يُلقِي فيها رئيس الأطباء دروسه، ويجتمع فيها مع تلاميذه. 7 - مطبخ لطبخ الأغذية الصحية؛ حيث كان الغذاء أحد طرق العلاج الرئيسية، وكذلك لطبخ الأشربة وغيرها من المواد العلاجية. 9 - صيدلية لتحضير الأدوية. 10 - مخازن. 11 - قاعة لغسل الموتى. 12 - مصلى "مسجد". 13 - مراحيض وحمامات. بالإضافة إلى الباحات والأفنية والحدائق التي تحتوي على الأشجار والشمومات والمأكولات، وكثير من هذه البيمارستانات كانت تحتوي على سكن للعاملين فيها[3]. أما عدَّة الأطباء بالبيمارستان؛ فكانت تتوقَّف على سَعَته؛ فقد يكون به أربعة أو ستة أو عشرة أطباء أو كثر من ذلك، ويذكر أن البيمارستان المنسوب إلى عضد الدولة البُوَيهي في بغداد كان يضم أربعة وعشرين طبيبًا، ما بين طبائعيين وكحالين ومجبرين للعظام، وأطباء عيون، وذلك فضلًا عن الموظفين الإداريين، والفراشين والطباخين، وخدم المرضى، والصيادلة. وكان الأطباء يتناوبون العمل في البيمارستان، فكان لكل طبيب وقت معين لزيارة قاعته التي يقوم فيها بمعالجة المرضى، وكان بعضهم يلازم البيمارستان يومًا واحدًا في الأسبوع، أو يومين، أو أكثر حسب عدد الأطباء، وربما لازم بعضهم البيمارستان ليلًا ونهارًا. أقسام البيمارستان: حيث إن الغاية من تشييد هذا البيمارستان تقديم الخدمات العلاجية للمحتاجين إليها، من الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وسائر أمراضهم؛ من أمراض الأجسام قلَّت أو كثرت، اتَّفَقت أو اختلفت، وأمراض الحواس خفَّت أو ظهرت، واختلال العقول، التي حفظها أعظم المقاصد - فإن البيمارستان يحتوي على جميع التخصصات المتوفرة، ويقسم مبناه إلى أقسام حسب هذه التخصصات؛ ليحتوي كل قسم على عدة عنابر لإيواء مرضاه، وبحيث تكون عنابر النساء منفصلة عن عنابر الرجال. نظام المعالجة في البيمارستان: تتم المعالجة في البيمارستان والحصول على العلاج بإحدى ثلاث طرق: 1 - العلاج الداخلي: إذا رأى الطبيب المعالج أن حالة المريض تستدعي التنويم في البيمارستان لتلقي العلاج، تعرض الحالة على رئيس الأطباء، الذي بعد موافقته يتم تحويل المريض إلى القسم المختص لحالته؛ حيث يقيم فيه لتلقي العلاج. 2 - العلاج الخارجي في عيادات البيمارستان: هنا يتم حضور المريض إلى البيمارستان؛ حيث يقوم الطبيب المعالج بالكشف عليه في الأماكن المخصصة لذلك، ثم يصف له الدواء المناسب، ويقوم المريض بصرفه من صيدلية البيمارستان. 3 - الزيارات المنزلية: في الحالات التي يصعب فيها نقل المريض إلى البيمارستان يتم تقديم العلاج للمريض في منزله؛ علمًا بأن الأولوية في العلاج للمرضى المقيمين، وقد ورد في وقفية الأمير عبدالرحمن كتخدا: "ومَن كان مريضًا في بيته وهو فقير، كان للناظر أن يصرف ما يحتاج إليه من حاصل هذا البيمارستان، والأشربة والأدوية والمعاجين وغيرها، مع عدم التضييق في الصرف على مَن هو مقيم (بالبيمارستان)". يتم تسجيل المرضى المنومين (المقيمين) في ملَّفات خاصة بذلك. قال ابن جبير في وصف البيمارستان النوري بدمشق: "وله قومة وبأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى". وعلى جميع أطباء البيمارستان أن يقوموا بعد الكشف على المريض، سواء في العيادات الخارجية أو في عنابر الأقسام، بتدوين نتائج كشفهم، وما يستجد في حالته، وما يصرف له من علاج وغذاء وشراب، في دستور المريض (ملفه الطبي). البيمارستانات الشهيرة في بلاد الإسلام: يقول الدكتور "جوزيف جارلند" في كتابه (قصة الطب): "... وقد أسس العرب عددًا من المستشفيات الممتازة جعلوها مراكز لدراسة الطب ولعلاج المرضى، كأحدث المستشفيات، وقد بلغ عدد هذه المستشفيات أربعة وثلاثين، موزَّعة بين أنحاء الإمبراطورية، وإن كان أهمها مستشفيات بغداد ودمشق، وقرطبة والقاهرة". البيمارستانات في بلاد الإسلام: أول مستشفى ثابت أقيم في بلاد الشام كان في دمشق، أمر بإقامته الخليفة الأموي (الوليد بن عبدالملك). بيمارستان أنطاكية: بناه المختار بن الحسن بن بطلان، الذي توفي عام (455ه). البيمارستان الكبير النوري: بناه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وقد توفي هذا الملك عام (569ه)، واشترط أن يخصص للفقراء والمساكين، ولكنه إذا وجد فيه دواء ليس موجودًا في البلاد، فلا يمنع عن الأغنياء حالة تعذُّر حصولهم عليه، وقد جاء وصف هذا البيمارستان في كتاب "رحلة ابن جبير"، قال: "دخلت دمشق عام (580ه) وبها مارستانان: قديم وحديث، والحديث أحفلهما وأكبرهما، والأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى، ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الدواء والغذاء. وفي مدينة "حلب" بنى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بيمارستان داخل باب أنطاكية، ووقف عليه الأموال لنفقات المرضى والأطباء، وقد عمل في هذا البيمارستان الطبيب ابن بطلان، وهاشم بن محمود ناصر السروجي الحسيني. وفي "القدس" بنى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بيمارستان كبيرًا، وقد عمل فيه من الأطباء: يعقوب بن صقلاب المقدس، ورشيد الدين أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري. وبيمارستان عكا، فقد أمر الناصر صلاح الدين الأيوبي أن تكون أسقف عكا (بعض الأماكن التي هجرها الصليبيون) مستشفى لعلاج المواطنين. وفي شبه الجزيرة العربية: كان يوجد في مكة بيمارستان يعرف بالبيمارستان المستنصري العباسي، وبيمارستان المدينة، وقد خدم فيه بأمرِ الملك الظاهر بيبرس الطبيبُ محيي الدين أحمد بن الحسين بن تمام. وفي الريِّ وجد بيمارستان، وعمل فيه الرازي صاحب كتاب "الحاوي"، وهناك بيمارستان محمد الفاتح الذي أنشأه الفاتح بالقسطنطينية. وفي بلاد العراق: بيمارستان بغداد الذي أمر ببنائه هارون الرشيد، وسماه بيمارستان الرشيد، وقد تولى إدارته: ماسويه الخوزي، انتدبه الرشيد لذلك من جنديسابور، وتولَّى مراقبته جبرائيل بن بختيشوع، وبيمارستان أبي الحسن علي بن عيسى الجراح، وبيمارستان بدر، غلام المعتضد بالله تعالى، أنشأه من ماله الخاص، وكذلك علي بن عيسى أنشأه من ماله الخاص. وبيمارستان السيدة أم المقتدر التي توفيت عام (321ه)، وقد تولى رعايته الطبيبُ سعيد بن سنان بن ثابت. والبيمارستان المقتدري؛ وذلك أن سنان بن ثابت بن قرة أشار على الخليفة المقتدر بالله أن يبني مستشفى للمرضى وتسمى باسمه، ومن الأطباء الذين علموا فيه: جبرائيل بن بختيشوع، ويوسف الواسطي. وبيمارستان ابن الفرات وزير المقتدر، وبيمارستان أبي الحسن بجكم؛ الذي توفي عام (329ه). والبيمارستان العضدي: أنشأه عضد الدولة البُوَيهي عام (732ه)، وعين فيه الأطباء والخدم للعناية بالمرضى، ومن الأطباء الذين عملوا فيه: جبرائيل بن عبدالله بن بختيشوع ونظيف الرومي، وأبو الحسن علي بن بكس، وأبو يعقوب الأهوازي، وأبو الحسن بن كشكرايا، وأمين الدولة بن التلميذ، وجمال الدين أبو الغنايم سعيد بن هبة الله بن أثردي، وأبو الفرج بن الطيب. ومن البيمارستانات بالعراق: البيمارستان الفاروقي، وبيمارستان الموصل الذي بناه الأمير مجاهد قايماز، نائب قلعة الموصل عام (572ه). وفي بلاد المغرب والأندلس: كان لوصولِ التراث العلمي الطبي عند الأمم القديمة إلى الأمة العربيةِ عن طريق الفتوحات الإسلامية - أثرٌ كبير في تطوير الطب في الدولة الإسلامية، فنبغ عدد كبير من الأطباء في مختلف العصور والبلدان: ففي "قرطبة" ولد رائد علم الجراحة الطبية أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي عام (936م)، وكان مِن أعظم الأطباء الذين ساهموا بعلمهم في النهضة الطبية، واعتبره علماء الشرق والغرب أستاذَ علم الجراحة، فهو أول مَن جعل الجراحة علمًا حقيقيًّا، وكان له الفضل في تلخيص جميع المعارف الجراحية في عصره. وفي مدينة "إشبيلية" من بلاد الأندلس برز أبو العلاء زهر بن عبدالملك بن محمد بن مروان بن زهر، المتوفى عام (525ه). وفي مراكش نبغ أبو بكر محمد بن مروان بن زهر الحفيد، المتوفى عام (596ه). وفي القيروان ولد أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد الجزار، أحد مفاخر بلاد تونس والمغرب العربي والعالم الإسلامي. وفي هذه البلدان تتابع إنشاء المستشفيات، وكانت تُعرف "بالبيمارستانات"، وكثر عددُها، ويذكر أن قرطبة وحدَها كان فيها خمسون مستشفى. وبالمغرب الأقصى بيمارستان مراكش، الذي بناه المنصور أبو يوسف، وكان كل يوم جمعة بعد الصلاة يخرج ويذهب إلى المرضى، ويسألهم عن أحوالهم، وما زال مستمرًّا على هذا حتى توفي عام (595ه). وفي تونس: بيمارستان "تونس": ومن الأطباء الذين عمِلوا فيه الطبيب محمد الشريف الحسني الزكراوي، المتوفى عام (874 ه). ومن بيمارستانات بلاد الأندلس أيضًا، بيمارستان "غرناطة" الذي بدأ السلطان محمد الخامس في بنائه عام (767 ه). وفي مصر: بيمارستان زُقاق القناديل، من أزقَّة فسطاط مصر، وبيمارستان المعافر في حي المعافر بالفسطاط قرب القرافية، بناه الفتح بن خان في أيام الخليفة المتوكل على الله. والبيمارستان العتيق: أنشأه أحمد بن طولون عام (259ه) في مدينة الفسطاط، وسمي أيضًا "المارستان الأعلى"، واعتبره بعض المؤرخين أولَ بيمارستان أنشئ في مصر، وأوقف عليه ابن طولون دخل بعض الأبنية، منها دُوره في الأساكفة، والقيسارية، وسوق الرقيق، وشرط ألا يعالج فيه "جندي ولا مملوك"، وجعل له حمَّامينِ: أحدهما للرجال والآخر للنساء، وأدخل ابن طولون في هذا البيمارستان ضروبًا من النظام، جعلته في مستوى أرقى المستشفيات في الوقت الحاضر، فكان إذا دخله مريض تنزع ثيابه، ويودع ما معه من المال عند أمين البيمارستان، وتقدم له ثياب خاصة من البيمارستان، وكان المرضى يتناولون الأدوية والأغذية مجانًا، ويظل المريض في البيمارستان حتى يتم شفاؤه، فيقدم له فرُّوج ورغيف، فإذا أكلهما أذن له بمغادرة البيمارستان، بعد أن تُرَد إليه ثيابه ونقوده. وبلغ من عناية أحمد بن طولون بهذا البيمارستان أنه كان يتفقَّده بنفسه يومًا في كل أسبوع، كان في الغالب يوم الجمعة، فيطوف على خزائن الأدوية، ويتفقَّد أعمال الأطباء، ويشرف على سائر المرضى، ويعمل على مواساتهم وإدخال السرور عليهم، بما في ذلك المحبوسين من المجانين، حتى غافله في يوم أحدهم ورماه برمانة كادت تقضي على ابن طولون، فلم يعاود البيمارستان بعد ذلك. ولعلَّ أشهر البيمارستانات في العصرين الأيوبي والمملوكي، تلك التي أُنشئت في عهد كل من صلاح الدين الأيوبي، والمنصور قلاوون، فقد افتتح السلطان صلاح الدين الأيوبي ثلاثة بيمارستانات: الأول في إحدى قاعات القصر الفاطمي الكبير، وهو البيمارستان العتيق. كما أمر بإعادة فتح مارستان الفسطاط القديم. وفي أثناء زيارته للإسكندرية عام (577 ه/ 1182م) أمر بإقامة مدرسة، وألحق بها بيمارستانًا. وتولَّى الإنفاق على هذه البيمارستانات ديوانُ الأحباس (الأوقاف)، على اعتبار أن الرعاية الصحية في ذلك العهد كانت من أعمال البر والخير، أكثر منها من مهامِّ الدولة الحاكمة. أما في العصر المملوكي، فمِن أشهر البيمارستانات التي أُنشِئت في ذلك العهد، وذاع صِيتها في أنحاء مصر وخارجها، وحَظِيت برعاية سلاطين المماليك، وأمرائهم، البيمارستان المنصوري الذي أنشأه الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي، وذلك في موضع قاعة ست الملك ابنة الملك العزيز بالله الخليفة الفاطمي، والتي عُرِفت فيما بعد باسم دار الأمير فخر الدين جهاركس، ثم دار موسك، ثم عُرفت بالدار القطبية، نسبة إلى الملك المفضل قطب الدين أحمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فقد ظلت في ورثته حتى أخذها السلطان قلاوون من ابنة الملك العادل مؤنسة خاتون، وعوَّضها عن ذلك بقصر الزمرد برحبة باب العيد، في 18 ربيع الأول (682 ه/ 1283م)، ورسم السلطان بعمارتها مارستان وقُبَّة ومدرسة، وتولَّى الإشراف على هذه العمارة الأمير علم الدين سنجر بن عبدالله الشجاعي، فأبقى القاعة على حالها، وجعلها مارستان[4]. وتجدر الإشارة إلى أن الأطباء المسلمين قاموا بوضع مؤلَّفات خاصة بتشييد البيمارستانات، وبيان نظام العمل بها، وطرق إدارتها، ولعلَّ أشهر هذه المؤلفات: كتاب "صفات البيمارستان" لأبي بكر الرازي الطبيب البغدادي (ت 320ه/ 932م)، وقد سجَّل فيه ما كان يلاحظه من أحوال المرضى الذين كانوا يُعالَجون تحت يدَيْه في البيمارستان الذي كان يشرف عليه ببغداد في عهد الخليفة المعتضد (279/ 289 ه - 892/ 901م). ثانيًا في مجال الصيدلة: أ- بالإضافة ما تقدَّمت الإشارة إليه من اهتمام الصيادلة والأطباء المسلمين بتحضير الأدوية المفرَدة والمركبة، وأنهم قد عرَّفوا الأدوية المفردة بالعقاقير الأصلية، أما الأدوية المركبة فسموها الأقرباذين، وقد أشاروا في مؤلفاتهم إلى وسائل تحضير هذه الأدوية؛ مثل: (الطبخ، والنقع، والسحق، والدق، والإحراق "التحميص"، والتبريد، والغربلة)، وغير ذلك. ب - ابتكار المعالجة المعتمدة على الكيمياء الطبية؛ حيث لجأ الأطباء والصيادلة إلى إثارة تفاعل كيميائي في جسم المريض يحدثه دواء معين، ويعد الرازي رائد هذا الاتجاه. ج - إجراء البحوث والاختبارات على الأدوية قبل استخدامها؛ لمعرفة خصائصها، ومدى صلاحيتها وتأثيرها، وآثارها الجانبية، وقوتها الشفائية. ويعني هذا أن الأطباء والصيادلة المسلِمين قد اعتمدوا على التجرِبة أساسًا لاختبار الأدوية ومعرفة خصائصها، بل كانت التجرِبة هي الطريقة الوحيدة لتحضير الأدوية المركبة. د - إنشاء الصيدليات العامة والخاصة؛ ففي بغداد أُنشئتْ أول صيدلية سنة (149ه - 766م) في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور، وهناك كذلك الصيدليات المتنقلة التي ألحقت بالبيمارستانات المتنقلة المصاحبة للجيوش أثناء المعارك الحربية، أو تلك التي كانت تَجُوب المناطق النائية والسجون أثناء انتشار الأمراض والأوبئة. ه - إخضاع مهنة الصيدلة لرقابة الدولة وتفتيش حوانيتها بشكل دَوْري، كما اقتضت المصلحة العامة فرض امتحان، ومنح ترخيص بمزاولة مهنة الصيدلة لكل مَن يريد الاشتغال بها، كما كان الحال مع الأطباء[5]. [1] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (216، 217). [2] المرجع السابق، ص (218، 219). [3] د/ أحمد عوف عبدالرحمن: الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، ص (69، 70). [4] د/ أحمد عوف عبدالرحمن: الأوقاف والحضارة الطبية الإسلامية، ص (80 - 88). [5] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (234، 235). |
أثر الطب الإسلامي في الحضارة الإنسانية
أثر الطب الإسلامي في الحضارة الإنسانية أ. د. عبدالحليم عويس لكي ندرك الأثر الحضاري على أوروبا في الطب الإسلامي نورد هنا قصة طبيب (ريتشارد) قلب الأسد، الذي كان يُعالَج بالوسائل البدائية لتخرج منه الجن، وكاد يموت لولا أن أرسَل إليه عدوُّه صلاح الدين الأيوبي - بدافع من دينه وإنسانيته وفروسيته - طبيبَه الخاص ليعالجه بالعقاقير، ويصل به إلى درجة الشفاء. كما أن صفحات الحروب الصليبية تضمُّ قصصًا طبية تدل على أن الصليبين لم يكن لدى أطبائهم إلا ضرب المريض أو قطع عضوه المريض، وغالبًا ما يموت المريض أثناء العلاج نظرًا لعدم استعمالهم التخدير. ونظن أنَّ الحروب الصليبية في فتراتها - سلمِها وحربها - الطويلة، بالإضافة إلى الأندلس والترجمة، كانت أهم معابر الطب العربي الإسلامي إلى أوروبا وغيرها. لقد تُرجمت الآثار الطبية للزهراوي؛ خلف بن عباس (ت 1107هـ) الأندلسي، الذي عاش في عصر الخليفة عبدالرحمن الثالث، وابنه الحكم الثاني (300 - 366هـ)، إلى اللغات الأوروبية، ودرست في معاهد الطب، كما تأثر به الجراحون واقتبسوا عنه، معترفين له باختراعاته لآلات جراحية عديدة. قال ابن أبي أصيبعة عن الزهراوي في طبقات الأطباء: (كان طبيبًا فاضلًا، خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج، ومع أنه اشتَهَر خصوصًا بالجراحة؛ فإننا نراه قد جمع بين فروع الطب والصناعة، وكان فيها جميعًا ماهرًا؛ فصحَّ فيه القول: هو أشهر أطباء العرب الثلاثة، وصِنْوَاه: الرازي وابن سينا)[1]. وإلى جانب هذا التأثير في الطب ثَم تأثير آخر؛ فقد تُرجم الكثير من الكتب الطبية، فترجم (بارافاكي) "Bravaci" كتاب التيسير للزهراوي سنة 1381م، وطُبع طبعات عدة، وفي الوقت الذي كان العرب فيه يمارسون الجراحة للماء الأزرق في العين، كانت مقرِّرات الجراحة ممنوعة في الغرب حتى عام 1163م، وقد دخلت المناهج بعد أن توافرت لديهم تراجم الكتب الطبية العربية، وبعد خبرة عملية في الطب الإسلامي إلى جانب التدريب العملي في المستشفيات، وكانت المدارس العربية في مراكز يقصدها طلبة العلم من كل أنحاء العالم؛ فأوروبا - بطبيعة الأمور - مدينة للعرب في الحقل العلمي. وقد تخصَّص عدد من المترجمين في ترجمة الكتب الطبية[2]؛ مثل: قسطنطين الإغريقي، وجيرارد الكرموني، وأسطفان البيزاني الأنطاكي الذي ترجم خلاصة كتاب علي عباس، وظهرت أعداد مِن المدارس الطبية؛ مثل مدرسة (مونبلييه) "Montpelier" عام 1137م، وكان فيها عدد من المعلِّمين العرب حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، وارتبطَتْ أسماؤهم بالطب العربي وتدريسه في جنوب إسبانيا؛ حيث انتقل عن طريق هذه الدراسة الكثيرُ من الطب العربي إلى أوروبا[3]. وقد ثبت لدَى كثير من المنصِفين - من مستشرقين وعلماء - أن للمسلمين فضلًا كبيرًا في إنقاذ الطب من الضياع، وثبت لديهم أن أوروبا إنما تقدَّمت بالإضافات الكبيرة التي أضافها المسلمون للطب، والتي نُقلت إلى أوروبا، وكان لها دورها في تقدم المدنية الأوروبية، ويؤيِّد هذا (كمستون) "Camesten" في قوله: (إنه لو لم يكن للمسلمين غير هذا الفضل في الإنقاذ لكفاهم خدمة وفخرًا (أي في الإنقاذ من الضياع)، لقد رفع المسلمون شأن الطب، ولهم الفضل في جعل الجراحة قسمًا منفصلًا عنه، وفي إنشاء المستشفيات والتنقُّل فيها، وفي التصريح الشرعي لممارسة الطب والصيدلة. وكذلك في الصيدلة طوَّروها وخدموا أسسها، وهم أول مَن أنشأ مدارسها، واستنبطوا أنواعًا من العقاقير، وامتازوا في معرفة خصائصها وكيفية استخدامها لمداواة المرضى، كما أعطوا من النبات موادَّ كثيرةً للطب والصيدلة[4]. يقول الدكتور غوستاف لوبون "Gustav Lebon": (إن أهم تقدم للعرب في عالم الطب هو ما كان في الجراحة وعلم الأمراض وأنواع الأدوية والصيدلة...، والطب مَدِين للعرب بعقاقير كثيرة...، والطب مَدِين - كذلك - بطرق طريفة في المداواة، عاد إليها على أنها اكتشافات حديثة، بعد أن نسيت زمنًا طويلًا؛ وعلم الجراحة مَدين للعرب أيضًا بكثير من مبتكراته الأساسية، وظلَّت كتبهم فيه مرجعًا للدراسة في كليات الطب إلى وقت قريب جدًّا)[5]. [1] محمد أمين فرشوخ: موسوعة عباقرة الإسلام (1/ 48 - 50). [2] غنيمة: ميادين الحضارة الإسلامية (1/ 352). [3] ينظر في موضوع الطب العربي وأثره في الغرب في الحضارة الإسلامية: عباس محمود العقاد: مرجع سابق ص (33 - 42). [4] قدري حافظ طوقان: العلوم عند العرب ص (9). [5] حضارة العرب (ترجمة عادل زعيتر) ص (488)، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
طريقة معرفة العرب والمسلمين للمواقيت والشهور والأيام والفصول د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه اجمعين، وبعد؛ فإنَّ معرفة الأزمان والأوقات مما يطلبه الإنسان، لتعيين ابتداء يومه وانتهائه، ومعرفة أوقات عبادته، ومن نِعمة الله تعالى في زماننا سهولة معرفة الاوقات والشهور والأيام، ولكن قد يسأل سائل: كيف كان العرب يعرفون الاوقات زمن جاهليتهم، وبعد الإسلام؟ أولاً: كان العرب قبل الإسلام لا يهتمون كثيراً بالوقت سوى بمعرفة بداية اليوم ونهايته من خلال شروق الشمس ومن خلال بزوغ الفجر، ثم غروبها، وكانوا يعرفون الأشهر من خلال حركة القمر ومزاولته للشمس، وكانت الأشهر معروفة عندهم، للحج والتجارة والعمرة. وقد استخدم العرب عبر فترات تاريخهم الطويل قبل الإسلام أسماء للأشهر القمرية التي كانوا يعملون بها وقتئذ، إلى أن تغيرت تلك الأسماء وتوحدت عند العرب لتأخذ صورتها المعروفة عليها منذ أواخر القرن الخامس الميلادي – في عهد كلاب – الجد الخامس للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، كما استخدم العرب في جاهليتهم الأشهر الشمسية في بعض فتراتهم ومناطقهم[1]. وكان العرب يعرفون فصول السنة الأربعة وأوقاتها من خلال معرفتهم بعلم الفلك والنجوم ومطالعها، وإلى هذا أشار ابن قتيبة (ت276ه) حيث قال: (والفَلَك): مَدَارُ النجوم الذي يضمها قال الله عز و جل: ﴿ وَكُلٌّ في فَلَك يَسْبَحُون ﴾ سَمَّاه فَلَكاً لاستدارته، وللفَلَكِ قُطْبَانِ: قطبٌ في الشمال وقطبٌ في الجنوب متقابلان. (ومَجَرَّة النجوم) سميت مجرَّة لأنها كائن الـمَجَرِّ ويقال: هي شَرَج السماء ويقال: باب السماء.. (وبُرُوج السماء) واحدها بُرْج وأصل البروج الحصون والقصور قال الله تبارك وتعالى ﴿ وَلَوْ كْنْتُمْ فيِ بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ وأسماؤها: الْحَمْلُ والثَّوْر والْجَوْزاء والسَّرْطان والأسد والسُّنْبُلة والميزان والعَقْرب والقَوْس والْجَدْي والدَّلْو والْحُوت (ومنازل القمر) ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كلَّ ليلة بمنزل منها قال تعالى: ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كالْعُرْجَونِ الْقَدِيم ﴾ (يس:39)، والعرب تزعم أن الأنواء لها وتسميها نجوم الأخْذِ لأن القمر يأخذ كل ليلة في منزل منها. والفصول أربَعَةُ: 1- الرَّبيعُ وهو عند الناس الْخَريف سمَّتْه ربيعاً لأن أول المطر يكون فيه، وسَمَّاه الناس خريفاً لأن الثمار تُخْتَرَف فيه، ودخوله عند حلول الشمس برأس الميزان ونجومه من هذه المنازل: الغَفْر والزُّباني والإكليل والقَلْب والشَّوْلة والنَّعَائم والبَلْدة. 2- ثم الشتاء: ودخوله عند حلول الشمس برأس الْجَدْي ونجومه: سَعْد الذَّابِح وسَعْدُ بُلَعَ وسَعْدُ السعود وسَعْد الأخْبِيةَ وفَرْغ الدّلو المقدَّم وفرغ الدلو المؤخرّ والرشاء. 3- ثم الصيف: ودخوله عند حلول الشمس برأس الْحَمَل - وهو عند الناس الربيع - ونجومه: السرَطان والبُطَين والثُّرَيَّا والدّبَرَان والَهقْعة والهَنْعة والذَّراع. 4- القَيظ: وهو عند الناس الصيف ودخوله عند حلول الشمس برأس السّرَطان ونجومه: النّثْرة والطَّرْف والْجَبْهةُ والزُّبْرَة والصَّرْفة والعَوَّاء والسِّماك الأعزل. ومعنى: "النّوْء" سقوطُ نجمٍ منها في المغرب مع الفجر وطلوعُ آخر يقابله في المشرق من ساعته وإنما سمى نَوْءا لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع يَنُوء نَوْءا، وذلك النهوض هو النَّوُء وكل ناهض بثِقْلٍ فقد ناء به وبعضهم يجعل النوء السقوط كأنه من الأضداد. وسقوط كل نجم منها في ثلاثَةَ عشرَ يوماً وانقضاء الثمانية والعشرون مع انقضاء السنة ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول في استئناف السنة المُقْبلة وكانوا يقولون - إذا سقط منها نجم وطلع آخر وكان عند ذلك مطر أو ريح أو حَرٌّ أو برد نسبوه إلى الساقط إلى أن يسقط الذي بعده فإن سقط ولم يكن معه مطر قيل: (قد خَوَى نجم كذا) (وقد أخْوَى)[2]. وبعد مجيء الإسلام بدأ الاهتمام بالأوقات أكثر وكانوا يستدلون على الصلوات بالنظر في ظل الأشياء، (كما هو مشهور في كتب الفقه) وبعد مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه أوقات الصلوات حددها النبي صلى الله عليه وسلم وعليها فقد روى الشيخان عن سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلاَةَ، فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ - شَكَّ حَرَمِىٌّ - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ السَّائِلُ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ)[3]. [الغَلَس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح/ نوَّر: أسفر من النور وهو الإضاءة/ وَجَبَت: سقطت عند وقت الغروب]. وعلى هذه المواقيت سار المسلمون وتواترت مواقيت الصلوات وكيفية معرفة بدايتها ونهايتها. وكانت معرفة العرب لبداية الشهر ونهايته من خلال القمر ومراحله السبعة، حيث تنتجُ هذهِ المراحل من خلال دورانِ القمر حولَ الأرض في الأشهر العربية دورة كاملة، وفي هذا قال تعالى: ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ (يس: 39)، وقال تعالى: ﴿ يسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ (البقرة:189)، ومراحل القمر هي: ابتداء من تولده باسم الهلال، ثم التربيع الأول، ثم الأحدب الاول، ثم البدر، ثم الأحدب الثاني، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال الثاني، وانتهاء بالـمُحاق. وبعدها بدأت صناعة الساعات في التاريخ الإسلامي. فبدأت صناعة الساعات في التاريخ الإسلامي مبكراً، حيث وصل الأمر في عهد هارون الرشيد بصناعة ساعة مشهورة في التاريخ –أي إنَّ صناعة الساعات كانت معروفة في زمنه-، وهي من الساعات المائية المشهورة التي صنعها العرب حيث أهداها الخليفة هارون الرشيد (توفي 193 هجري) إلى الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا وكانت بسبب دقتها وحسن زخرفتها إحدى عجائب الصناعة وكانت مصنوعة من البرونز المطعم بالذهب وكان بمينائها اثنا عشر بابا صغيرا يمثل كل منها ساعة من الساعات بحيث ينفتح كل باب إذا حلت الساعة ويصحب كل ذلك مره سقوط كرات من النحاس الأصفر على قرص من النحاس الرقيق بحيث يدل عدد الكرات على الساعة التي حلت بها من النهار أو الليل.[4] ومن العلماء الذين قاموا بدراسة متعمقة في اختراع الساعات وتطويرها "ثابت بن قرة" (توفي ٢٨٨هجري)[5] ومن أوائل أعماله تأليف كتاب عن المزولة الشمسية التي كانت تستخدم لتعيين مواقيت الصلاة. كذلك إبراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة (المتوفى سنة335هـ) حيث له كتب ومؤلفات كثيرة في معرفة الاوقات والساعات، من مؤلفاته: (رسالة في الاسطرلاب) و (مقالة في رسم القطوع الثلاثة) و (رسالة في وصف المعاني المستخرجة في الهندسة وعلم النجوم) و (مقالة في طريق التحليل والتركيب) في الهندسة، و(كتاب في حركات الشمس) رسالة، و(كتاب في مساحة قطع المخروط المكافي) رسالة، و(كتاب في الدوائر المتماسة) ست ورقات، و(كتاب في أصول الهندسة) خمس أوراق[6]. كما قام "أبناء موسى بن شاكر" الثلاثة المشهورون باسم بني موسى بوضع بحث في الحيل الميكانيكية في الآلات الذاتية الحركة، وأبو يوسف الكندي الذي عاش في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) من أوائل علماء المسلمين الذين تناولوا عمل الساعات في كتاباتهم فله رسالة خطيه من ست صفحات محفوظة في المكتبة البودليه في أكسفورد برقم 663تحت عنوان "رسالة في عمل الساعات على صحيفة تنصب على سطح مواز للأفق بالخطوط خبر من غير برهان". [1] انظر : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ج1 ، 5104 / مروج الذهب، للمسعودي، ج1،ص 249 . [2] للمزيد ينظر: أدب الكاتب، أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروري الدينوري، المكتبة التجارية، مصر، ط4، ص68-69. [3] صحيح البخاري، تحقيق مصطفى البغا، كتاب مواقيت الصلاة، باب قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا)، حديث499/ صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب مواقيت الصلوات الخمس، حديث1423. [4] ينظر: قصة الحضارة، وِل ديورَانت = ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981م)، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين، دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1408 هـ - 1988م،ج13، ص94. [5] قال عنه الذهبي: وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذكَاءً، فَبَرَعَ فِي عِلم الأَوَائِل، وَصَارَ مُنَجِّمَ المُعْتَضِد، فَكَانَ يَجلسُ مَعَ الخَلِيْفَةِ، وَوَزِيْرُه وَاقفٌ، وَنَال مِنَ الرِّئاسَة وَالأَمْوَال فُنوناً، ينظر: سير أعلام النبلاء، ج25، ص491. [6] ينظر: الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ط15، ج1، ص42. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
كتاب "الفلاحة" لابن بصال الأندلسي فاطمة حافظ شهدت الأندلس في عصرها الإسلامي نهضة زراعية شاملة عدد جوانبها ابن المقري في كتابه (نفح الطيب)، فذكر أن أهلها برعوا في استنباط المياه، وغرس النباتات، واختيار أجناس الفواكه، وتحسين البساتين بأنواع الخضر والزهر، وغرس الأشجار وتشذيبها “فهم أحكم الناس لأسباب الزراعة” كما وصفهم. وما ذهب إليه المقري ليس محض مبالغة وتعضده الدراسات الحديثة حيث يفترض فيليب حتى أن التقدم الزراعي كان من أمجاد أسبانيا المسلمة الحقيقية، ويشاركه الرأي جوزيف ماكيب الذي يقرر أن العرب لم يتركوا بها فدانا واحدا غير محروث أو مزروع عدا الغابات والجبال. وفي طليطلة ظهر كتاب “الفلاحة” لابن بصال الأندلسي، الذي كرس جهوده على الزراعة، وطبقت شهرته الآفاق وصارت أساسا لمن أتى بعده ممن كتبوا في علوم الزراعة. بلغت نهضة الأندلس الزراعية أوجها خلال القرنين الخامس والسادس في عهد ملوك الطوائف ثم الموحدين، وتركزت في المدن الكبرى: قرطبة وطليطلة وإشبيلية وغرناطة والمرية، حيث عاش عدد من العلماء الزراعيين الذين طبقت شهرتهم الآفاق؛ ففي قرطبة اشتهر أبو القاسم الزهراوي الطبيب المعروف الذي وضع مختصرا في الفلاحة، وفي غرناطة ظهر محمد بن مالك التغنارى صاحب كتاب “زهرة البستان ونزهة الأذهان”، وفي أشبيلية ذاع صيت يحيى بن محمد العوام صاحب كتاب (الفلاحة الأندلسية) الذي طبع في سبع مجلدات، وأما طليطلة فعاش بها كل من ابن وافد صاحب (المجموع)، وظهر كتاب “الفلاحة” لابن بصال الأندلسي الذي كرس جهوده وقصرها على الزراعة، وطبقت شهرته الآفاق وصارت أساسا لمن أتى بعده ممن كتبوا في علوم الزراعة. ابن بصال وكتابه الفلاحة هو محمد بن إبراهيم بن بصال، ولد في طليطلة بالأندلس، ولا يعرف تاريخ ميلاده أو وفاته، لكن المصادر تتفق أنه كان من أهل القرن الخامس، وترجح دائرة المعارف الإسلامية أن وفاته كانت بقرطبة عام 499ه، وقد أدى فريضة الحج فارتحل من وطنه عبر صقلية ومصر وعاد محملا بالكثير من المعلومات عن نباتات الشرق وطرق الزراعة به. نشأ ابن بصال في الوسط العلمي الزاخر الذي امتازت به طليطلة في عهد ملكها المأمون، ومن معاصريه ابن صاعد صاحب كتاب (طبقات الأمم)، وابن وافد الطبيب الشهير صاحب كتابي: (الأدوية المفردة) و(الفلاحة)، والزرقال العالم الزراعي والفلكي، ودخل في خدمة الخليفة المأمون وأشرف على بستانه الكبير، وكتب لأجله دراسة عن علم الزراعة أسماها “ديوان الفلاحة”، وله مختصر في ستة عشر بابا تحت عنوان (كتاب القصد والبيان)، وبعد استيلاء “الفونسو السادس” ملك قشتالة على طليطلة (٤٧٨ هـ/ ١٠٨٥ م)، انسحب ابن بصال إلى أشبيلية، إلى بلاط المعتمد حيث أقام له حديقة ملكية، واستقر بها لبضع سنوات ثم غادرها إلى قرطبة وكانت وفاته بها. صدر كتاب “الفلاحة” لابن بصال الأندلسي لأول مرة مطبوعا ومحققا بتطوان المغربية عام 1955 عن معهد مولاي الحسن، حققه وترجمه إلى الإسبانية خوسي مارية بييكروسا الأستاذ بجامعة برشلونة وعاونه في التحقيق الأستاذ محمد عزيمان، وصدر الكتاب والترجمة معا في نحو أربعمائة صفحة، ولم يستطع المحققان تحديد عام تأليفه إذ لم يدون مصنفه تاريخ الانتهاء من تأليفه على عادة المصنفين التراثيين، وإنما اختتمه بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه والترضي على آل بيته الأكرمين، ويفتقر الكتاب إلى وجود فهرس للمصطلحات العلمية وأسماء النباتات والبذور الواردة فيه، وهي الطريقة الحديثة المتبعة في التحقيق، ولا ندري لماذا لم يقم المحققان بإعداده تيسيرا على من أراد استخراج مادة أو مصطلح. انتشر الكتاب انتشارا واسعا ونقلت عنه جميع المصنفات اللاحقة؛ فذكره أبو الخير الإشبيلي في كتابه (عمدة الطبيب)، ويظهر أنه اتصل بالبصال وجرت بينهما لقاءات ومكاتبات، ونقل عنه ابن العوام في كتاب (الفلاحة) وأشاد بالكتاب والتجارب العملية لمؤلفه، واعتمد عليه عثمان التوجيبي في أرجوزته المعنونة (إبداء الملاحة وإنهاء الرجاحة فى أصول صناعة الفلاحة) وأشاد به صاحب (نفح الطيب) واعتبره أبرع الزراعيين الأندلسيين، ولحاجة الأسبان إلى علم الزراعة قاموا بترجمته إلى اللغة القشتالية، وقد استعان الأستاذ بييكروسا بهذه الترجمة القديمة لأجل استكمال الفصول الناقصة من الكتاب في طبعته العربية. خصائص الكتاب ومنهجه لا يسع المتتبع لكتاب “الفلاحة” لابن بصال الأندلسي إلى أن يعجب بمصنفه العالم الكبير الذي يمكن أن يوضع في مصاف العلماء الذين أسهموا في تطور العلوم الزراعية، ولعله أول من حرر المعلومات الزراعية من الخرافات والأباطيل إذ كانت الزراعة فيما مضى ترتبط بالسحر والتنجيم، وجعلها ابن بصال ترتبط على البحث والتجربة العملية، وهو يمتاز عن سائر المؤلفات الأندلسية بكونه مستمدا من التجربة الذاتية والمشاهدة العيانية لمؤلفه إلى أقصى حد، وأنه جاء خلوا من النقل عن الأقدمين من يونان ورومان وبابليين أو كتابات المعاصرين له، لكن هذا لا يعني أنه لم يطالع ما كتبوه لكنه بنى كتابه على تجاربه الذاتية. وحول هذا المعنى قالت دائرة المعارف الإسلامية أن: “الدراسة التي كتبها ابن بصال فريدة في أنها لا تتضمن أية إشارة إلى علماء الزراعة السابقين؛ ويبدو أنها اقتصرت على تجارب المؤلف الشخصية، الذى يعتبر أكثر المتخصصين العرب الأسبان أصالة وموضوعية”. أما المحققان فيقولان “أن الكتاب يبقى ممتازا بطابعه الخاص ككتاب مدرسي مختصر ثمرة تجربة زراعية مباشرة”، ويضيفان ” لقد تجنب ابن بصال في كتابه جميع المسائل الثانوية البعيدة عن التطبيقات الزراعية العملية على العكس من كثير من الزراعيين العرب الذين لا نجد عندهم حدا واضحا، يفصل بين علم الزراعة الحقيقي وبين الطب والصيدلة والسحر والتنجيم… وهذه التجربة العملية المباشرة تصل في بعض الأحيان إلى عرض وجهات فيها إرهاص بالنظريات الزراعية الحديثة”. ويتميز منهج ابن بصال بالترتيب الموضوعي، والإحكام فهو يخصص كتابه لدراسة زراعة النباتات والأراضي الملائمة لها والأسمدة والآبار وما يتصل بهما، ولذلك لا يتناول زراعة الحبوب البرية كالقمح والشعير، ولا يتطرق لتربية المواشي وعلاج أمراضها وهي موضوعات تحدث فيها ابن وافد وابن العوام وغيرهما من النباتيين، ويتسم أسلوبه بالاختصار والإيجاز وهذا يتسق مع كون الكتاب مختصرا لكتاب آخر. موضوعات الكتاب يقع كتاب (الفلاحة) في ستة عشر بابا تتفاوت في الطول والقصر، وهي على النحو التالي: الباب الأول، في ذكر المياه وأصنافها وطبائعها وتأثيرها في النبات، وهو يقسمها إلى أربعة أنواع؛ مياه الأمطار، مياه الآبار ومياه العيون، مياه الأنهار، والباب الثاني في الأرض وأنواعها، وهو يقسمها إلى عشرة أصناف، ويبين طبائع كل صنف، وكيفية تمييز الأرض الجيدة والأرض الرديئة، والباب الثالث في ذكر السماد وأنواعه وطريقة استعمال كل نوع منه، ومما يسترعي الانتباه أن ابن بصال يحذر من استعمال روث الخنزير كسماد وربما يكون متأثرا في ذلك بالعقيدة الإسلامية، وفي الباب الرابع يتحدث عن اختيار الأرض وإصلاحها. أما الفصل الخامس فهو فاتحة الفصول العملية، وهو طويل نسبيا إذ يضم 35 فصلا ويتحدث فيه عن “فن الغراسة” متناولا غرس الأشجار المختلفة والأمراض التي تعتريها، ويتناول الفصل السادس طرائق الغرس فيذكر طريقة ” الغراسة بالتكابيس” و”الغراسة بالملوخ” و”الغراسة بالنوى”، ويدرس الفصل السابع طرق تشذيب الأشجار، وكيفيتها، وتوقيتاتها. والبابان الثامن والتاسع مخصصان لدراسة التلقيح الشجري، ويقوده هذا إلى دراسة أجناس الأشجار ويحصرها في: الأشجار ذوات الزيوت، والأشجار ذوات الأصماغ، والأشجار ذوات الألبان، والأشجار ذوات المياه، وهو يبين طبيعة كل جنس وأنواع الأشجار التي تندرج تحته، ويتوصل من ذلك إلى أنه لا ينبغي تلقيح شجرة إلا بشجرة من جنسها عدا بعض الاستثناءات المحدودة. وأما الباب العاشر فهو مخصص لفن الزراعة وهو يتناول زراعة الحبوب والأقطان لكن كما يلاحظ المحققان أنه لا يتناول زراعة القمح والشعير لكنه يقصر حديثه عن الحبوب التي تزرع في البساتين كالأرز والحمص، وفي الباب الحادي عشر يتناول زراعة البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة كالتوابل (كمون، كزبرة، ينسون…)، وفي الباب الثاني عشر يتناول زراعة النباتات الجذرية كالقرع والبطاطا والبطيخ والقثاء، وفي الباب الثالث عشر يدرس زراعة البقول ذوات الأصول كاللفت والجزر والفجل، وفي الفصل الرابع عشر يدرس زراعة البقول المختلفة، أما الفصل الخامس عشر فهو مخصص لزراعة الرياحين والأزهار كالورد والنرجس والبنفسج. ويختتم الكتاب بالباب السادس عشر وهو جامع لأبحاث مختلفة تتعلق بالمعارف الزراعية، من قبيل مكافحة ديدان الأرض، وكيفية تخزين الثمار والأزهار، وكيفية اختيار المكان الملائم للآبار وتخزين المياه، وطرق صنع المصنب وهو نوع من المربى، وما إلى ذلك من أمور يحتاجها الزراع. تبين هذه الموضوعات جانبا من أهمية الكتاب الذي يبين المحصولات الأندلسية وطرائق الزراعة، أما الجانب الآخر فهو اشتماله على مصطلحات عربية تفيد الاختصاصيين الزراعيين في زمننا الحاضر ويمكن استخدامها في مقابل المصطلحات الأجنبية، كما يعتقد الأستاذ كرد علي، يضاف إلى ما سبق أنه يقدم لنا أسماء عدد كبير من آلات الزراعة الأندلسية ووظائفها، وهي تمثل جانبا خفيا من جوانب النهضة التقنية العربية. وفي الأخير، يمثل كتاب الفلاحة لابن بصال يمثل مصدرا مهما ومرجعا لا غنى عنه لمن يريد الوقوف على البحوث العلمية الزراعية عند العرب والمسلمين. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
"تدبير المشايخ" جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين (ق3 - 10هـ/9 - 16م) د. نجلاء سامي النبراوي المؤتمر العالمي الأول لتاريخ العلوم الطبية والتطبيقية - جامعة الإمام محمد بن سعود، السجل العلمي 3 - 2017م، (ص 352 - 387). الملخص: يتناول البحث جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنِّين من القرن الثالث حتى القرن العاشر الهجريين/ التاسع إلى السادس عشر الميلاديين. وتنقسم الدراسة إلى شقين رئيسين: الشق الأول منها: نبذة عن طب المسنِّين أو طب الشيخوخة (Geriatrics) كما هو معروف في العصر الحالي، ثم مفهوم الشيخوخة كما عرَّفها علماء وأطباء العرب والمسلمين من حيث بدايتها ومظاهرها وأعراضها وسماتها، وتتبع جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين سواء في مؤلفاتهم الطبيَّة الجامعة، أو في مؤلفاتهم المتخصِّصة، ويُلاحظ أن معظمها قد أخذ مصطلحًا واحدًا هو مصطلح "تدبير المشايخ"، ويلي ذلك تتبُّع كل عالِمٍ بالترتيب الزمني لوفاته بترجمة عامة له، ثم عرض مُؤلَّفه في هذا المجال، وبيان ما كتب فيه من تناول وتقسيمات. ويأتي الشق الثاني من الدراسة في تتبُّع أوجه العناية بصحة المسنِّين من خلال المؤلفات العلمية، حيث تم تقسيمه إلى قسمين: اختصَّ القسم الأول منها بأوجه الرعاية والاهتمام البدني من تعريف المؤلفين - سواء للقرَّاء أو المحيطين بالمسن - بالحالة العامة التي تتَّصف بها مرحلة الشيخوخة، ثم كيفية العناية بغذائه طعامًا وشرابًا، وبيان ما هو مسموح أو ممنوع منها، ثم الوسائل العلاجية التي تقدم للمُسنِّ من أدوية سواء نباتات أو أعشاب طبية أو غذائية، أو معالجته بالحَقْن أو معالجات أخرى، إلى جانب بعض الممارسات الصحية اليومية التي يجب أن تتوفر له، وكذلك ما كتبه هؤلاء عن أهمية التدليك وممارسة الرياضة البدنية الملائمة للمسنِّين للحفاظ على لياقتهم قدر الإمكان. واختص القسم الثاني بأوجه الرعاية والاهتمام بالحالة النفسية للمُسنِّين، التي أكَّد الأطباء على شدة أهميتها؛ مثل الاهتمام البدني، خاصة أنها المرحلة الأخيرة من عمره. وتأتي خاتمة البحث بتقييمٍ لجهود علماء العرب المسلمين - من خلال أعمالهم الواردة بالدراسة - في مجال طب المسنِّين في العصور الوسطى، مع ذكر التوصيات التي خلص إليها البحث. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
تاريخ الطب العربي عبدالسلام تنبكجي إن علم التاريخ من أجل العلوم نفعًا، وأرفعها شأنًا، فهو المرآة لحوادث الزمان، والمشكاة لاستنارة الأذهان، والمنهاج لاهتداء الخلف بهدي السلف. وأما علم الطب فيقول عنه حاجي باشا: به تحصل حياة النفوس والأرواح، وصحة الأبدان والأشباح، وبه يكون الخلاص من الأمراض والأسقام، والمناص من الأعراض والآلام، ومحصوله لا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمان، ويقول الدكتور محمود صدقي: وكان العرب قبل الإسلام يضعون مرضاهم في الأزقة، ومعابر الطرق حتى إذا مرَّ بهم أحد ممن أُصيب بنفس الداء، وشُفي منه، فيُعلمهم بالدواء الذي استعمله ضد هذا المرض، ويقول أبو القاسم صاعد الأندلسي: وكان العرب في صدر الإسلام لا يهتمون بشيء من العلم إلا بلغتهم، ومعرفة أحكام شريعتهم، عدا علم الطب، فإنه كان موجودًا عند أفراد منهم، غير منكر عند جماهيرهم، لحاجة الناس جميعًا إليه، ولما كان عندهم من الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث عليها؛ حيث يقول: (تداوَوْا عبادَ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لم يضعْ داءً إلا وضع له دواءً؛ غيرَ داءٍ واحدٍ، الهَرَمُ)، ويقول الدكتور أبو زيد شلبي: ولما انتشر الإسلام، واطمأن المسلمون إلى مدائن الأرض التي فتحوها، اتجهوا إلى العلوم والمعارف، فعُنوا بالطب عنايةً فائقة، واستوحوا كُتب مَن سبقهم من اليونان وغيرهم، ثم عدَّلوها وصحَّحوها، وأضافوا إليها أبوابًا جديدة لم يسبقهم إليها أحدٌ، فتقدم الطب على أيديهم تقدمًا ظاهرًا، وفرَّقوا بين الجدري والحصبة، وهما مرضان كان يُظن أنهما مرض واحد، ووصفوا الالتهاب السحائي؛ أي: البرسام الحاد، وميَّزوه عن سائر الأمراض المصحوبة بالهذيان، وجعلوا من الجراحة علمًا حقيقيًّا وفنًّا له أصول وقواعد، وعرَفوا طب الأسنان وخلْعها وحشوها، ونبغوا في علم التشريح، وهم أول من استعمل المرقد (البنج) في العمليات الجراحية، وأول من استخدم المرقاة لمنع النزيف الشرياني، وأول مَن ألَّف في الأقراباذين أو فن تحضير الأدوية، وأول من وصف الغرغرينا التي تصيب مرضى البول السكري، وأول من رأى بأن حدقة العين تكبر وتصغر تبعًا لنسبة دخول الضوء فيها، وعرَفوا الجهاز العصبي، وأدركوا منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أن للحواس الظاهرة كالسمع والبصر واللمس والذوق - مغارزَ في الدماغ. ويخبرنا بعض الأطباء أنهم كانوا يعالجون الرشوحات المائية أو الاستسقاء بحفر حفرة في الأرض عمقها ثلاث أقدام، وطولها عشر، وعرضها قدمان، ويوقدون في تلك الحفرة نارًا من الصباح إلى المساء، وفي المساء يخرجون النار منها، ويجعلون فيها ترابًا، ثم يجردون المريض من ملابسه، ويرقدونه بتلك الحفرة ويغطون جسمه بالتراب إلا رأسه، ويبقى كذلك إلى الصباح، فيخرجونه وقد خرج الماء منه، وأصبح صحيحًا، والفحص الطبي عندهم لا يختلف كثيرًا عما هو عليه الآن. ويقول الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: والعلم الحديث مدين لهم باستعمال عقاقير وأدوية كثيرة؛ كالرواند، والكافور، والصندل، والكحول، والقرنفل، وجوز الطيب، والمر، والعنبر، وغيرها من الأشربة والمراهم. وفاقوا غيرهم في إقامة المشافي وترتيبها، والإنفاق والإشراف عليها، وكانت متاحة للجميع، ويعامل فيها الجميع أحسن معاملة. وكانت مقسمة إلى أقسام كثيرة: قسم للطب، وقسم للأمراض العفنة، وقسم للجراحة، وقسم للعيون. وكان بدمشق في ذلك العهد خمسة مشافٍ؛ منها: المشفى الذي أنشأه سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك سنة 643 للهجرة، وكان مشهورًا بجمال موقعه، وحسن إدارته. ويخبرنا بعض المؤرخين قائلًا: إن الأمير المذكور طلب من طبيبه الخاص أن يختار أجمل بقعة وأجودها مناخًا ليقيم عليها المشفى، فاحتال الطبيب لها حيلة يُحبذها، ولا شك كل طبيب صحي في هذا الزمن، فقد عمَد إلى غلمانه وأمرهم أن يعلقوا في كل حي من أحياء دمشق قطعًا من اللحم، وقال: خير بقعة هي ما لبث اللحم فيها أكثر من غيرها دون فساد، وعمل في المشفى من الأطباء إبراهيم بن إسماعيل بن أبي القاسم، وابن مقداد القيسي. والمشفى الذي شيَّده نور الدين محمود أبو الثنا بن زنكي آق سنقر، ويقول الدكتور بشارة زلزل: إن نور الدين أسر بعض ملوك الإفرنج، وقصد قتله، ففدى نفسه بتسليم خمس قلاع وخمسمائة ألف دينار أنفقها نور الدين كلها على عمار مارستانه في دمشق، وقد امتدحه ابن بطوطة وابن جبير اللذان اعتبروه أحد مفاخر الإسلام، ولا تزال أبنيته قائمة إلى يومنا هذا. ويقول الدكتور سامي حداد: وعقد إدارته إلى أبي المجد بن أبي الحكم عبيدالله بن المظفر بن عبدالله الباهلي، وأطلق له جامكية وجراية. وكان أبو المجد يدور على المرضى ويتفقد أحوالهم، ويكتب لكل مريض ما يلزمه من الدواء والتدبير، فينفذ كل ذلك بلا تأخير، وكان يفرض عليهم منذ زمن المأمون والمعتصم اجتياز امتحان خاص يحدد كفاءاتهم. نعم لقد عُني المسلمون والعرب بالطب عناية فائقة، ونبغ منهم علماء كبار، وجهابذة أفذاذ أنسوا من كان قبلهم، ومهَّدوا السبيل لمن جاء بعدهم، وعلى أساس نظرياتهم وابتكاراتهم ومنجزاتهم، كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين؛ أي الرابع عشر الهجري، فهم وحدَهم آباء هذا العلم، كما كانوا آباء غيره من العلوم في العصر الحديث، ونذكر منهم على سبيل المثال: ثياذوق الذي اصطفاه الحجاج بن يوسف لصحبته، وكان يثق بمداواته، وكان كريم الخلق، لطيف العشرة، سريع الخاطر والجواب، ويبدو أنه كان متأثرًا بالطب النبوي، ويُذكر أن الحجاج سأل جلساءه يومًا وكان من ضمن الحاضرين ثياذوق: أي الأشياء تُذهب الإعياء؟ فقال بعضهم: أكل التمر، وقال آخرون: التمريخ أو التدليك بالمصطلح الحديث، وقال: ثياذوق قضاء الحاجة، فقال الحجاج: صدقتَ. وسأله الحجاج: أي شيء دواء آكل الطين وقد اعتاد به؟ فقال: عزيمة مثلك أيها الأمير، فرمى الحجاج الطين ولم يعد إليه أبدًا، وله كتاب إبدال الأدوية؛ أي مزجُها. ويروي الرواة أنه نظم في علم الصحة قصيدة ظل الناس يتناقلونها، ومنها: توق إذا أُطعمت إدخال مطعم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على مطعم من قبل فعل الهواضم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكل طعام يُعجز السن مضغه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تطعمنه فهو شر المطاعم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ووفر على الجسم الدماء فإنها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لأس بناء الجسم أقوى الدعائم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا تتعرض للدواء وشربه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مدى الدهر إلا عند إحدى العظائم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأقبل على الحمام في اليوم مرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحافظ على هذا العلاج وداوم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأبو الحسن ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم الحراني، ولم يكن في زمنه من يماثله في الطب، وكان جيد النقل إلى العربي، حسن العبارة. وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي دبر مشفى الري، ثم مشفى بغداد زمانًا، وكان يوصف بالبيمارستاني، ومن كلامه: الأطباء الأحداث الذين لا تجربة لهم قتالون، مهما قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية، ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب. ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة، ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس. يجب على المريض أن يقتصر على طبيب يثق به، فخطؤه في جنب صوابه يسير؛ لأن من استعمل أطباء كثيرين وقع في خطأ الجميع. ويعتبر كتابه الحاوي في الطب من أوائل الكتب التي عُنيت بالملاحظات الإكلينيكية أكثر من عنايتها بالباثولوجيا والفيزيولوجيا. وذكر فيه المصادر التي نقل عنها بكل دقة وأمانة، ويقول الدكتور سامي حداد: الحاوي وهو أكبر مؤلفاته، قال أبو الفداء: إنه يقع في ثلاثين مجلدًا، لم يذكر ابن النديم منها سوى اثنى عشر فقط، وله أيضًا رسالة في الجدري والحصبة هي الأولى من نوعها. وأبو مروان عبدالملك بن أبي العلاء بن زهر ولد في إشبيلية، وعاش في عهد المرابطين ثم الموحدين مشتغلًا بالطب، ومن مؤلفاته كتاب الأغذية وهو أهمها. وأبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن نزيل دمشق من أهل الرحبة، لازَم صلاح الدين أيام ملكه، ثم أخيه من بعده، ثم الملك المعظم، وقرأ عليه خلقٌ كثير اشتَهروا بالطب، وتميَّزوا به وكان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التحقيق، محبًّا للخير. وأبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار المالقي، رحل إلى المغرب وسوريا واليونان؛ ليرى النبات في موضعه، ويتحقق صفاته بالعيان، منكبًّا عن خطة التحدي والتقليد. ومن طالع كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، تبيَّن ما كان عليه من ذكاء النفس وكثرة الحفظ، وصحة النقد وسعة المعرفة، وقد وصف فيه 1400 دواء؛ منها 300 عقار جديد، لم يكن للإغريق أي معرفة بها. وأبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم بن النفيس، وكان في الطب إمامًا لا يُضاهى ولا يُدانى استحضارًا واستنباطًا، اكتشف الدورة الدموية التي لم يوفق جالينوس إلى إثباتها، وقال: إن الدم يصل من تجويف القلب الأيمن إلى الرئة؛ حيث يمتزج بالهواء، ومن الرئة يصل إلى تجويف القلب الأيسر. وأبو محمد مهذب الدين عبدالرحيم بن علي الدخوار، خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب، فولَّاه رياسة الطب في مصر والشام، وفوَّض إليه النظر في أمر الكحالين، واعتبارهم، وامتحانهم، وكان يكتب لكل كحال منهم خطًّا بما يُحسنه من صناعة الكحل، فلا يجوز له أن يتجاوزه إلى عمل آخر، وكان له مجلس عام لتدريس الطب يجتمع إليه خلقٌ كُثُر من أعيان الأطباء يقرؤون عليه. وموفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن أبي أصيبعة، صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء الذي لولاه لما بقِي من تاريخ الطب والأطباء أثر يذكر. لم يقتصر النبوغ في الطب على الرجال فقط، فقد نبغ من النساء عددٌ غير قليل؛ كأخت الحفيد بن زهر الأندلسي، وابنتيها اللتين نبغتا في الطب، وبخاصة في أمراض النساء. وينبغي للطبيب الذي يستحق التقديم أن يكون معتدلًا في مزاجه، طاهرًا في نفسه، متمسكًا بدينه، ملازمًا لشرعته، وافر العقل قوي الذكاء حسن التصور، معروفًا بصدق اللهجة وأداء الأمانة، مهتمًّا بما يعنيه، محبًّا لاصطناع المعروف، يساوي ظاهره باطنه في أفعال الجميل، حسن الخلق غير شَرِهٍ في كسب الحطام، ليس عنده حقد ولا حسد، صحيح الخط والعبارة، مواظبًا على درسه ومطالعته، ناظرًا في كتب المتقدمين، شفوقًا بالضعفاء والفقراء والمساكين، سابقًا إلى معالجتهم قبل معالجته الأغنياء، معروف الأستاذين والشيوخ، أخذ العلم عمَّن دونه ومَن فوقه، ويكون عفيف الفرج والبطن والنظر، كتومًا للأسرار، حُلو اللسان قليل المزح والكلام؛ أي: لا يتكلم إلا بحسب الحاجة؛ خوفًا من سقوط الحرمة، وأن يلبس ثيابًا نظافًا، وأجملها البياض، وليخاطب كلُّ إنسان بما يليق بمقامه من غير إلحاح، أما المريض فمن واجباته أن يكرم الطبيب ويتلقاه بالبشاشة وحسن القبول؛ ليجتهد في علاجه بالرغبة وإخلاص النية. وأن يكون حريصًا على استعمال كل ما أمره به، واجتناب كل ما نهاه عنه، فقد قال بعضهم: إذا كان الطبيب حاذقًا والصيدلاني صادقًا، والمريض موافقًا، فما أقل لبث العلة، وقيل: إن الفاضل جالينوس قال يومًا لمريض كان يعالجه: اعلم أنني أنا وأنت والمرض ثلاثة، فإن طاوعتني كنت أنا وأنت اثنين والمرض واحدًا فنغلبه، وإن خالفتني كنت أنت والمرض اثنين وأنا واحدًا فتغلباني. وألا يعاف شرب الدواء الكريه الطعم، بل يُقدم عليه ويتناوله غير نافرٍ منه؛ لأن ما تنفر منه الطبيعة لا ينجع فيها، وأن يعتقد فيه المنفعة، فترتاح نفسه إليه، وتنتعش طبيعته بواسطته، وألا تشره نفسه إلى ما يضره من الأطعمة اللذيذة، فإنها تكون مضرة بعد ذلك، وألا يكتم عن الطبيب شيئًا من أمره، فربما كان ما لا يُعتبر عنده معتبرًا عند الطبيب، وأن يُحسن ظنه بالسلامة، ويشدد قلبه مطمئنًّا، فإن ذلك يكون من أنفع العلاجات له؛ لأنه يقوي الطبيعة أمام المرض، فلا يدعه يقهرها ويستولي عليها، بخلاف الخوف فإنه يحل الطبيعة، فيتغلب المرض عليها ويغلب الطبيب والدواء، وعلى ذلك تكون الطمأنينة دواءً والخوف مرضًا ثانيًا. ويجب على أهل المريض أن يبذلوا الجهد في ملاحظة كل ما يؤول إلى راحته، ويهتموا في قضاء حوائجه العلاجية وغيرها، ويجتنبوا إزعاجه جسمًا وفكرًا، ولا يفتروا عن تسليته وتطمينه، ولا يظهروا له خوفًا ولا جزعًا، ولا يحدثوا بعضهم سرًّا بحضرته، ولا يشير بعضهم إلى بعض، وإذا رأوه في ضنك وانتهاك يكلفون أنفسهم البشاشة، ويسهلوا الأمر عليه، ولا يمكنوا من الدخول عليه إلا من يستأنس به وترتاح نفسه إلى معاشرته، فإن ذلك مما يفيده؛ لأن خلوة المريض بنفسه دائمًا تجلب عليه الضجر، فيضيق صدره وتتردد في قلبه الهواجس والأفكار المزعجة. ويجب على الذين يزورونه ألا يدخلوا عليه إلا بإذنه، ومتى جلسوا عنده، عليهم ألا يكثروا عليه المسائل، ولا يتحدثوا إلا بما تطيب نفسُه بسماعه، ولا يسر بعضهم إلى بعض كلامًا خفيًّا، ولا يطيلوا الجلوس عنده؛ لأن ذلك يمسكه عن قضاء بعض حوائجه، ويشغل أهل بيته عن تدبير ما يحتاج إليه. للتوسع في هذا الموضوع انظر الآتي: ♦ أبو زيد شلبي تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، مكتبة وهبة القاهرة 1964. ♦ أحمد عيسى المأثور من كلام الأطباء، مطبعة جامعة فؤاد الأول القاهرة 1951. ♦ أحمد عيسى تاريخ البيمارستانات في الإسلام، المطبعة الهاشمية دمشق 1939. ♦ أسعد داغر حضارة العرب، مطبعة المقتطف القاهرة 1919. ♦ أمين خير الله الطب العربي تعريب مصطفى أبو عز الدين، المطبعة الأميركانية بيروت 1946. ♦ برهان العابد مختارات من تاريخ الطب، منشورات جامعة دمشق ط 4 1999. ♦ جون بادو عبقرية الحضارة العربية؛ ترجمة عبدالكريم محفوظ، دار الكتب الوطنية بنغازي ط 1 1990. ♦ حسن إبراهيم حسن؛ تاريخ الإسلام، دار الجيل بيروت ومكتبة النهضة المصرية القاهرة ط 14 1996. ♦ حسن الشرقاوي؛ المسلمون علماء وحكماء، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع القاهرة ط 1 1987. ♦ حنيفة الخطيب الطب عند العرب، دار الأهلية بيروت 1988. ♦ رمضان الصباغ العلم عند العرب وأثره على الحضارة الأوربية، دار الوفاء الإسكندرية ط 1 1998. ♦ سامي حداد مآثر العرب في العلوم الطبية، مطبعة الريحاني بيروت 1926. ♦ سامي حداد المارستانات العربية، مجلة المقتطف يناير سنة 1937. ♦ سعيد عبدالفتاح عاشور المدنية الإسلامية وأثرها في الحضارة الأوروبية، دار النهضة العربية القاهرة ط 1 1963. ♦ سيجريد هونكه شمس الله تشرق على الغرب؛ ترجمة فؤاد حسنين علي، دار العالم العربي القاهرة ط 1 2008. ♦ عباس محمود العقاد حضارة الإسلام دار الكتاب اللبناني بيروت ط 1 1978. ♦ عبدالحليم منتصر في تاريخ الطب عند العرب، مجلة رسالة العلم ديسمبر سنة 1970. ♦ عبدالرزاق نوفل المسلمون والعلم الحديث، دار الشروق القاهرة ط 3 1988. ♦ عبدالسلام تنبكجي الطب في الشعر العربي (مخطوط). ♦ علي حسني الخربوطلي الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة الخانجي القاهرة ط 2 1994. ♦ عمر فروخ عبقرية العرب في العلم والفلسفة منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها بيروت ط 2 1952. ♦ عمر فروخ تاريخ العلوم عند العرب، دار العلم للملايين بيروت 1970. ♦ فيصل السامر العرب والحضارة الأوروبية، منشورات وزارة الإعلام العراقية بغداد 1977. ♦ فيليب حتي أعلام الطب العربي، مجلة المقتطف فبراير سنة 1935. ♦ كامل حمود تاريخ العلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني بيروت 1993. ♦ كرنيليوس فانديك أطباء الشرق، مجلة المقتطف مايو سنة 1936. ♦ محمد أمين أبو جوهر الطب عند العرب، مجلة المعرفة ديسمبر سنة 2001. ♦ محمد رجائي صفحات من تاريخ الطب، الزهراء للإعلام العربي القاهرة ط 1 1988. ♦ محمد رشدي مدنية العرب في الجاهلية والإسلام، مطبعة السعادة القاهرة 1911. ♦ ناجي معروف أصالة الحضارة العربية، مطبعة التضامن بغداد ط 2 1969. ♦ يوسف حريز تاريخ الطب عند العرب، مجلة المقتطف مايو سنة 1929. تم بعونه تعالى |
الجذام في المغرب والأندلس (ق 4-9هـ /10-15م)
الجذام في المغرب والأندلس (ق 4-9هـ /10-15م) د. نجلاء سامي النبراوي الجذام في المغرب والأندلس[1] (ق 4 - 9هـ/ 10 - 15م) مأخوذ من بحث: د. نجلاء سامي النبراوي: كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة بالمغرب والأندلس (ق 6 - 9هـ/ 12 - 15م)، مجلة التاريخ والمستقبل، كلية الآداب، جامعة المنيا، عدد يوليو 2015م، (ص: 538 - ص: 578). رصدت كتابات الجغرافيين والرحالة وكتب التراجم كثيرًا من الأماكن التي اشتهرت بتواجد المجذومين، والأماكن المخصصة لهم فيها، والتي انتشرت في شمال إفريقية وجنوب إسبانيا في العصر الإسلامي، ولم تعرف قبلها[2]. ففي مدينة القيروان حاضرة دولة الأغالبة (184 - 296هـ/ 800 - 908م) عُرفت (دمنة القيروان) أو (دار الجذماء)، التي تسجل اهتمامهم بالمجذومين ورعايتهم ووعيهم الصحي، وكانت هذه الدمنة بمثابة بيمارستان ويقع بأحد أطراف المدينة، غير أن "دمنة" هي الأشهر لهذا المكان، وقد تم الاستدلال على التخطيط المعماري للدمنة؛ فقد كانت على شكل مربع لها باب واحد كبير، يفتح على سقيفة، وعلى جانبي السقيفة غرفتان صغيرتان يسكنها حراس الدمنة، وبطول السقيفة يمينًا ويسارًا مصطبتان ملتصقتان بالجدار الأصلي مخصصتان لجلوس من يزور المرضى، وفي آخر السقيفة بابٌ ثانٍ أصغر من سابقه، يؤدي إلى صحن متسع مكشوف، ويحيط بجوانب الصحن الثلاثة أروقة معقودة الأسقف، ومن ورائها عدة حجرات صغيرة لإيواء المرضى. ومن جهة أحد الأروقة يوجد باب مستقل يؤدي إلى دار واسعة تحتوي على حجرات، تسمى هذه الدار بدار الجذماء، بها حمام مخصص لهم[3]. وعلى بعد ميل ونصف من مدينة الحامة تنبع عين ماء ساخن جدًّا، يتجمع ماء هذه العين عند شمال المدينة مكونًا بحيرة أُطلق عليها بحيرة المجذومين؛ حيث يقيم عدد كبير منهم في أكواخ حول البحيرة. ومن خصائص هذا الماء أنه يعالج داء الجذام وذكر (الوزان) سبب ذلك أنها تحوي نسبة عالية جدًّا من عنصر الكبريت[4]، وسجل البكري أنه بخارج مدينة تونس يقع (ربض المرضى)، وهو مخصص للجذماء[5]. كذلك كان هناك ربض بخارج مدينة (فاس) يسكنه المجذومون، وانتشرت حارات الجذمى خاصة في عصر الموحدين، وكانت خارج أسوار المدن؛ ففي مدينة فاس كانت حارتهم تقع خارج باب الخوخة المؤدي إلى مدينة تلمسان بالمغرب الأوسط، وقد بنى هذا الباب الخليفةُ الموحدي الناصر (595 - 610هـ/ 1199 - 1213م)؛ حيث جدد سور المدينة في عام 601هـ/ 1204م، ثم انتقل المجذومون في زمن المجاعة التي استمرت من عام 619هــ/ 1212م إلى عام 637هـ/ 1230م إلى الكهوف التي خارج باب الشريعة - أحد أبواب المدينة - إلى أن نقلهم عامل الأمير المريني يعقوب بن عبدالحق (656 - 685هـ/ 1258 - 1286م) إلى كهوف برج الكوكب بخارج باب الحبيسة من أبواب عدوة القرويين، بعدما اشتكى الناس أن المجذومين يستخدمون معهم مياه نهر قريب من (فاس)؛ مما يضر بهم[6]. وفي مدينة (مراكش) وجدت حارة الجذماء بخارج سورها بالقرب من باب أغمات، وقد ظهرت هذه الحارة في القرن 6هـ/ 12م حسبما أشارت إليها المصادر والتراجم، وتكونت لهذه الحارة رابطة أُطلق عليها رابطة الغار، كان يسكنها أناس أُصيبوا بداء الجذام. وقد اهتمت السلطة آنذاك بإنشاء بيمارستان لهم؛ حيث أنشأ الخليفة الموحدي أبو يعقوب المنصور (580 - 595هـ/ 1184 - 1199م) بيمارستانًا بمدينة مراكش خاصًّا بالمرضى العقليين والعميان والمجذومين[7]، واهتم الولاة بأن تكون سكنى المجذومين دومًا بخارج أسوار المدن، وباتجاه الرياح الخارجة من المدينة وليس العكس؛ حتى لا ترتد الرياح لأهل المدينة الموجودين داخلها فيتضرروا، ويكون استخدام المجذومين للمياه بعد أن يخرج من المدينة[8]. وعرف أهل بلاد الجريد علاجًا لمرض الجذام؛ فيقول صاحب الاستبصار ما نصه: "ولا يجذم أحد ببلاد الجريد، وإن دخلها مجذوم توقفت عنه علته... ويقول أهل بلاد الجريد أن المرء إذا أكل أخضر، وهو الذي يسمى البهر يفعل ذلك، وأنه من بدت به علة الجذام، فأكثر من أكل البهر وطبخه وشرب ماءه، برأ بإذن الله"[9]. تؤكد الدراسات أن المجذومين كانوا مسؤولين بشكل أو بآخر عن تعقب أي شخص يُصاب بالمرض، ومسؤولين أيضًا عن إقامته بمجتمعهم، وخاصة في مدينة فاس. ويرى الدارسون والمتخصصون أن مرض الجذام قد انتقل من الشرق إلى أوربا في أثناء الحروب الصليبية، وكذلك ظهر في شمال إفريقية. وعرفت حارة الجذماء بمدينة قرطبة؛ حيث تواجدت على الضفة اليسرى للنهر الكبير الذي يقابل المدينة، وفي عهد الخليفة عبدالرحمن الناصر الأموي (300 - 350هـ/ 912 - 961م) تم نقلهم إلى منية عجب قبل عام (329هـ/ 939م)، وقد اختفت المعلومات عنها بعد ذلك، لكن بعض المؤرخين المحدثين يرجح أنها استمرت حتى سقوط مدينة قرطبة في أيدي نصارى إسبانيا عام (636هـ/ 1239م)[10]، وعجب هي إحدى زوجات الأمير الحكم الأول الأموي (180 - 206هـ/ 796 - 822م)، وقد كانت المنية عبارة عن بستان كبير في الضاحية الغربية لقرطبة، وعُرفت كمؤسسة خيرية لها وقف تذهب إيراداته لمساندة المجذومين الموجودين في الأماكــن المنعزلة بالمدن الأندلسية، والتي تأكد وجود عدد منها في القرن (3، 4هـ/ 9، 10م)[11]. وقد أشارت كتب النوازل الفقهية إلى مكان هذا التجمع الموجود بعدوة نهر قرطبة، وأشارت أيضًا إلى أن العامة كانوا يساهمون في مساندة المجذومين ودعمهم ماديًّا من خلال وصياتهم، أو بتحبيس محصول بساتينهم للإنفاق عليهم. فقد أوصى أحدهم بأن يوزع من ماله وممتلكاته بعد الوفاة على (الجذمى والقطع بحضرة قرطبة)، وقام آخر بتحبيس غلة أرضه على الجذماء تحديدًا. وحدث أن أوصى أحدهم بحبس على ولده، فلم يكن له عقب وتوفي، وأوصى الفقهاء برجوع الحبس للمرضى والمجذومين والعميان بغرناطة، والنازلة بذلك تؤكد تواجد تجمع لهم في مدينة غرناطة[12]. ذكر القاضي عياض أنه عُرفت حارة للجذماء بمدينة طليطلة موجودة خارج أسوارها؛ ففي إحدى الترجمات مرَّ صاحبها وصديقه، وهما خارجان من المدينة على "ربض الجذماء"، وقد توفي صاحب الترجمة في عام 456هـ/ 1063م، مما يعني وجودها في القرن 5هـ/ 11م[13] على أن أشهر أماكن الجذام في الأندلس في ق3، 4هـ/ 9، 10م كانت في مدينتي بلنسية ومرسية[14]. وتجدر الإشارة إلى أن المستشفيات المتخصصة التي تأوي المجذومين لم تُعرف إلا بعد سقوط المدن الأندلسية في أيدي نصارى إسبانيا، وكثر عددها منذ عام 652هـ/ 1254م؛ فتأسست في إشبيلية عام 698هـ/ 1298م، ومالقة عام 897هـ/ 1491م، وميورقة، وبلنسية، وكانت المستشفيات هذه بمثابة أماكن احتجاز يطلق عليها Lazaratos، وعلى الجانب النصراني في مدن أوروبا الأخرى كان المجذومون يُجبرون على ارتداء ملابس معينة؛ حتى يحذر الناس منهم ويكونوا معروفين بينهم؛ كملابس لها أكمام طويلة مقفولة عند المعصم، وقفازات طويلة، وكمامات على الوجه، أو قلنسوات وأردية سوداء مرسوم عليها حرف L (أول حرف من كلمة مجذوم). وتكون باللون الأصفر على صدره، كما أجبروا على ارتداء أحزمة بأجراس تصدر أصواتًا تدل عليهم أثناء تحركهم[15]. كان المجذومون في أوروبا يعاملون معاملة قاسية في كثير من الأحيان، ويتعرضون للموت بقرارات من ملوكهم بطريقة وحشية؛ فقد قام الملك فيليب الخامس ملك فرنسا (716 - 722هـ/ 1316 - 1322م) يجمعهم وحرقهم أحياء، وأمر بتكرار ذلك إن وُجدوا، وكذلك فعل الملك تشارلز الخامس[16]. وقد اختلط أحيانًا عند العامة وفي كتب الفقه والحسبة بين الجذام والبرص، واعتبره كل منهما مرضًا منفرًا يمنع صاحبه من الاختلاط بالناس والتعامل معهم؛ فقد أكد الفقهاء أنه ينبغي على المجذوم إن كان له مالٌ أن يشتريَ لنفسه من يعينه على تلبيته احتياجاته، وأن يلزم بيته ولا يخرج منه، وإن لم يكن له مال أخرج من بيته - إن لم يكن فيه حق - خوفًا على باقي سكانه، ويُنفَق عليه من بيت المال[17]. وعليه؛ فإن أوجه الإنفاق على المجذومين كانت متعددة؛ منها ما يخصص من بيت المال، ومنها ما كان يقوم به العامة من إسهامات. اختلف الفقهاء فيما بينهم في إخراج المجذومين من الحاضرة لناحية منها أو لا، ولكن الواضح من العرض السابق أن الأمر قد حُسم من المسؤولين برغبة الناس بوضعهم خارج المدن؛ مراعاة لعدم انتشار العدوى بين الأصحاء، وتبعًا لذلك مُنعوا من الاختلاط بالناس والاستسقاء من مورد ماء واحد، وأن تُجعل لهم أوانٍ خاصة بهم لنقل الماء من مورد الماء إلى أوانيهم، ويخصص لهم رجالًا يقومون بتلك المهمة[18]. وعلى مستوى التعامل التجاري مُنع المجذوم من مخالطة الناس بالأسواق والبيع لهم، فمُنع من بيع الزيت والخل وأي أطعمة، ومُنع من بيع لبن غنمه وجبنها وبيض دجاج يقوم بتربيته، كما مُنع من بيع ملابسه المستعملة، في حين لم يمنع المصاب بالبرص من ذلك، ولا من عمل الأشربة والمعاجين بنفسه وبيعها[19]. وقد شاعت أمثال شعبية عند العامة عن المجذومين منها: "إذا رأيت المبتلى اطلب من ربك العافية"، و"قيل للمجذوم اغسل يدك قال: ما بعد الجذام علة"[20]. ولإخفاء علة البرص عن رجل أو امرأة، أو عند بيع عبد أو جارية مصابة به - كان النخاسون يعمدون إلى بعض الحيل لإخفاء البرص؛ حيث يغرزون في مواضع البرص بالإبرة ويخضبون عليه القلقديس والعفص والزنجار من كل واحد جزءًا معجونًا بماء ولبن التين أربعة أيام في الشمس، فيبقى مصبوغًا أربعين يومًا، ويغسلون ذلك الخضاب بخل وأشنان مغلي أو بماء القلي[21]. نوهت كذلك كتب الحسبة على أن كثيرين كانوا يدعون الإصابة بإعاقات مختلفة، ويمشون في الأسواق والطرقات بغية التسول؛ فيذكر ابن عبدالرؤوف: "وكذلك يتفقد الذين يتخبطون في الأسواق، ويوهمون الناس أنه صرع، وتستخبر ذلك منهم، وكذلك أصحاب الأورام والقروح البشعة، ومن يتعلق مصرانه من جنبه، والذي يصبح بوجع الحصا، والذي يظهر أنه مقعد، والذين يقرحون أيديهم، ويوهمون الناس أن ذلك كله بلاء نزل بهم وهم يكذبون، وذلك كله منهم حيلة؛ لأخذ أموال الناس بالباطل، فيجب على صاحب الحسبة أن يقف ذلك كله على الصحة، ويعاقب من تحيل منهم بتلك الحيلة"[22]. [1] الجذام: مرض معدي مزمن، تسببه جرثومة تسمى المتفطرة الجذامية التي تتكاثر ببطء شديد، مسببة تلفًا تدريجيًّا ودائمًا بجلد المصاب به وأعصابه وأطرافه وعينيه، وهو مرض ينتقل عبر رذاذ الأنف والفم؛ [منظمة الصحة العالمية، مركز وسائل الإعلام (الجذام)، سبتمبر 2012م]، وقد عرفت أول مؤسسة للجذام في العصر الإسلامي هي مجذمة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ/ 705 - 714م)، والتي بناها في دمشق عام 88هـ، ثم تعددت بعد ذلك، وكذلك كانت بداية تأسيس بيمارستانات الأمراض العقلية في عهد الأمويين. [2] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval .Academy of America, .1983, p. 907 [3] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval Academy of America, 1983, p. 907 ... .Ibid, p 907 ... [4] الحامَّة: من بلاد قسطيلية التابعة لبلاد الجريد، أهلها من بقايا الروم الذين أسلموا عند الفتح، وهي مدينة لها أرباض واسعة يسكنها الناس، ومياه هذه المدينة كلها حامَّة حارة تشتهر في بلاد الجريد كلها بالعنب الجيد؛ [الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 157 – 158، الوزان: وصف إفريقية، 2/ 92، وذكر الوزان أن عدد دور المجذومين في عهده بذلك الربض وصل إلى مائتي مجذوم]. [5] البكري: المغرب في ذكر بلاد المغرب، جزء من كتاب المسالك والممالك، مكتبة المثنى، بغداد، د.ت، ص: 40. [6] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب روض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار الطباعة المدرسية، أو بسالة، 1843م، ص: 30، 31، الوزان: وصف إفريقية، 1/ 287. [7] المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، نسخة غير موافقة للمطبوع. [8] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب، ص: 31. Micheal. W. Dols: The Leper in medieval Islamic Society, p. 907. [9] بلاد الجريد: سميت بذلك لكثرة النخيل بها، وهي مدن كثيرة وأقطار واسعة وعمائر متصلة، كثيرة الخصب والتمر والزيتون والفواكه وجميع الخيرات، وهي آخر بلاد إفريقية على طرف الصحراء، أولها من جهة الساحل مدينة قابس وآخرها مدينة درجين؛ [م.م: الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 150، 159، 160]. [10] المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط: 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1991، ص: 242. [11] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 6/ 87، 90. [12] Historia de la epra, p. 486.l [13] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 5/ 354، الونشريسي: المعيار، 6/ 506، 7/ 186، 9/ 404، 405. [14] ابن الخطيب: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق ودراسة: محمد كمال شبانة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002، ص: 91. [15] .Historia de la lepra, p. 486 [16] .Ibid, p. 487 وكلمة Lazarette: كلمة ذات أصل لاتيني تعني الأبرص أو المجذوم؛ حيث كانت الدولة الرومانية تبالغ في الحجر على المجذومين فيخضعونهم للحجر مدى الحياة، ويعتقد أنها تحولت إلى اسم المكان المحتجز به هؤلاء المجذومون. .Merbert C. Covey: People with leprosy, p. 320 [17] .Ibid, p. 486 [18] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221، 222 (ماجل المجذومين بالقيروان)، الونشريسي: المعيار المعرب، 6/ 422. [19] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221. [20] الزجالي: أمثال العوام في الأندلس، 2/ 10. [21] السقطي: كتاب من آداب الحسبة، باريس، 1931، ص: 52. القلقدس: هو المعروف بالزاج الأبيض، وهو مركب كبريتات الزنك، والعفص: هو ثمار شجر البلوط، ويستخدم لعلاج الأمراض الجلدية، أما الزنجار: فهو مادة خضراء نتاج تفاعل حامض الخليك مع النحاس، وله أنواع منها: المجرود، والمدود، ويستخدم كدواء للعين، كما يستخدم لمنع القروح الخبيثة من الانتشار بالجسم، والقلي: هو ما احترق من نبات الأشنان المستخدم كغسول؛ [شرح أسماء العقار، 2000، ص: 6، 24، 37، 140، 295، 345، ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، 1/ 326 (ترقيم آلي)، نجلاء النبراوي: التقويم المصري في الأندلس في عصر الخلافة (دراسة في تقويم قرطبة)، مجلة كلية الآثار، جامعة جنوب الوادي، عدد 2009، ص: 22، 23 (صناعة الزنجار في الأندلس). [22] رسالة ابن عبدالرؤوف في آداب الحسبة والمحتسب، ضمن ثلاث رسائل أندلسية، ص: 113. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
فضل الحضارة الإسلامية على العلوم الطبية عندما جاء الإسلام اهتم العرب منذ فجره بشتى ضروب المعرفة والعلوم، وصاحب الانتصارات الحربية الرائعة، تقدم الثقافة وازدهار الفكر على صعيد جميع العلوم والمعارف النظرية التطبيقية بالإضافة إلى مختلف الفنون والصناعات. وكان الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة الإسلامية بالعلم والعلماء عاملاً هيأ الظروف الملائمة لانتشار التعليم، فما لبثت العلوم والطب أن اكتسيا ثوبًا جديدًا، بل نفخت فيهما الروح من جديد. فلقد شجع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم نفسه دراسة الطب وقال: «تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهِرَم» (رواه أبو داود). حافظ العلماء المسلمون على تراث المعرفة الإغريقية فاحترموه وقدروه ونهضوا به وطوروه، وكان ذلك إسهامًا عظيمًا في تقدم الطب، فقد ترجم المسلمون إلى العربية مؤلفات جالين وغيره، ووزعوها على المراكز العلمية في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، فكان لهذا العمل العظيم والجليل فوائده العلمية الكبيرة والجمة. وقد أسهم ولاة المسلمين كذلك في نهضة علم المعالجة بالعقاقير، بل يعتقد الكثيرون أن الكلمة الإنجليزية Drug المرادفة للعقار الطبي، مشتقة من أصل عربي، كما هو الحال في آلاف المصطلحات الأخرى. كذلك أنشأ الولاة المسلمون المستشفيات التعليمية الكبيرة والمستوصفات العامة في سائر أنحاء الدولة الإسلامية. ومن حسن حظ العلوم الطبية أنها حظيت بالنصيب الأوفى بفضل هذا التشجيع المعنوي والمادي من الخلفاء وأولي الأمر والثراء، لاسيما خلال الحقبة الواقعة بين الأعوام 800 – 1200م. وهذا الازدهار شمل جميع الدول الإسلامية من الشرق في الشام إلى الغرب في الأندلس، وكان لمصر الإسلامية النصيب الأكبر في هذا التقدم الحضاري، فقد أعطت لدنيا العلوم الطبية الكثير، واعتبرت أحد ينابيع الفكر العربي.. فقد أعطت ما لم تعطه الولايات الإسلامية الأخرى حضارة وعلمًا وفنًّا وفكرًا وابتكارًا، فبعد أن من الله عليها بالفتح الإسلامي سنة 21هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التقت حضارة العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية بحضارة الفراعنة التي تسلمها أبناء النيل، وقد عكس المسلمون ضوء الشمس الغاربة للحضارات الفرعونية واليونانية، وكان لهم فضل الحفاظ على العلوم الطبية؛ لأن الرومان لم يحسنوا القيام على هذا التراث، بينما العرب المسلمون تسلموه وأتقنوه وأبدعوا فيه وأضافوا إليه. كان هذا الالتقاء الحضاري نتيجة مباشرة في دفع عجلة التقدم في شتى ميادين العلوم والمعرفة والصناعات والنظم الإدارية، كما صاحب الفتوح الإسلامية إنشاء المدارس، ومن أروع مظاهر الحضارة الإسلامية مدارس الطب، فمنذ قيام الدولة الإسلامية كانت المساجد معاهد عامة لتعليم الشريعة فضلاً عن أنها دور للعبادة، وكان أول معهد هو الذي أنشأه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة، بعد هجرته في السنة الأولى. وبمرور الزمن أصبحت المساجد كلها جامعات إسلامية، وصار اسم المسجد جامع، واليوم نحن نسمي مؤسستنا العلمية الكبيرة الشاملة بمؤنث جامع أي جامعة، وأصبح يدرس فيها مختلف علوم الدنيا والدين . واشتهر عمر بن منصور البهابري، ومحمد بن عبد الله المصري، بتدريس الطب في الجامع الطولوني الذي أنشاه أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية في مصر في خلال القرن الثالث الهجري، كما اشتهر عبد اللطيف البغدادي الذي كان يدرس الطب في الجامع الأزهر (وقد أنشأ في زمن المعز لدين الله الفاطمي، مؤسس الدولة الفاطمية في مصر، خلال القرن الرابع الهجري). كما أُنشئت بيوت الحكمة (أي خزائن الكتب) لجمع الكتب من مختلف العلوم لحفظها وترجمتها، وكانت أول دار حكمة هي دار الحكمة القياسية، التي أنشئت في زمن هارون الرشيد (القرن الثاني الهجري)، وجمع له البرامكة كتب الهند القيمة، وكتب فارس، واليونان، ونشطت حركة الترجمة، وفي عصر المأمون في أول القرن الثالث الهجري، فأصبحت دار الحكمة أكاديمية للبحث العلمي في مختلف العلوم، وخصوصًا العلوم الطبية، وأضاف العرب علومهم إلى ما ترجموه من علوم الأمم الأخرى. ولما انتشرت العلوم وازدادت المؤلفات، وبلغ شغف الناس بالعلوم مبلغًا كبيرًا لم تعد دور الحكمة تفي بالغرض، فأنشئت دور العلوم لتلقى فيها المحاضرات، وأولها دار علم الموصلي (في القرن الثالث الهجري). ثم ظهرت المدارس التي أنشئت عن طريق الأساتذة والأثرياء، وابتدأت بدار يجتمع فيها الأستاذ مع طلابه، وأقدم مدرسة هي مدرسة أبي بكر بن فورك الأصبهاني (القرن الخامس الهجري) في نيسابور، وكانت تدرس فيها مختلف العلوم، ثم أصبحت تلك المدارس حكومية، وأول مدرسة حكومية هي المدرسة النظامية التي أنشأها نظام الملك (في القرن الخامس في بغداد وخراسان). وهنا تجدر الإشارة إلى أن العرب المسلمين هم أول من جعل التدريس من واجبات الدولة، وأول من عرفوا تأميم الطب والعلاج. ويعد الرازي واحدًا من أشهر الأطباء المسلمين، فقد ألف في القرن العاشر الهجري أكثر من ثلاثمائة كتاب في الطب، كما وضع موسوعة طبية كاملة، واشتهر كذلك الطبيب المسلم ابن سينا، حتى أصبح كتابه القانون في الطب واحدًا من أهم المراجع الدراسية في المدارس الطبية خلال العصور الوسطى، واشتهر طبيب مسلم آخر في قرطبة وهو الزهراوي، الذي كتب في القرن العاشر كتابًا يستعرض فيه بالتفصيل كل المعارف الطبية في زمنه، كما ألف كتابًا مصورًا في الجراحة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الطب، وضمنه صورًا للأدوات التي تستخدم في علوم الجراحة. ومن أمثلة دور العلم الطبية (دار ابن سينا)، فكان يجتمع فيها طلبة العلم، منهم من يقرأ في كتاب القانون، وآخر يقرأ في طرق الشفاء، وكان التدريس يتم ليلاً لعدم وجود فراغ خلال النهار بسبب خدمة السلطان والأمراء، ومن أهم المدارس الطبية أيضًا المدرسة الدخوارية بالشام، التي أنشأها أبو محمد بن علي بن حامد المعروف بالدخوار، وكان كحالاً (أي طبيبًا للعيون)، وتتلمذ على يديه كثير من أطباء دمشق، وكان أستاذًا ببيمارستان النوري الكبير، ثم بعد وفاته أوقفت داره وجعلت مدرسة للطب، وكذلك المدرسة الدينسرية التي أنشأها عماد الدين الدينسري، ولكن دور العلم والمدارس الطبية لم تف بالغرض المطلوب؛ لأن الطب من العلوم التجريبية التي لا تصلح لها هذه المعاهد، فكان لابد من الدراسة العملية، ولذلك ظلت البيمارستانات هي كليات الطب المفضلة لتدريس المقررات للطالب، حيث إنها مكان تتوافر فيه الحالات المرضية وطرق العلاج. والبيمارستان هي كلمة فارسية تتكون من شقين بيمار بمعنى المرض، وستان بمعنى مكان، أي أن معناها مجتمعة مكان المرض ثم حورت في العصور الحديثة إلى كلمة مارستان، أصبحت لفترة طويلة تطلق على دور العلاج العقلي، حتى صارت التعبير العامي لهذا النوع من المستشفيات. بذلك أنشئت المدارس الطبية العلمية، أو البيمارستانات التعليمية، وأهمها البيمارستان المقتدري في القرن الرابع الهجري في بغداد، وقد هدمه المغول، والبيمارستان النوري الكبير في دمشق (في القرن السادس الهجري) ، والبيمارستان العضدي في بغداد، والمنصوري بالقاهرة، الذي أنشأه المنصور سيف الدين قلاوون، (في القرن السابع الهجري)، وكان يشرف على البيمارستان ويدرس الطب فيه علماء شهد لهم التاريخ؛ ففي البيمارستان العضدي كان ابن بطلان، وابن التلميذ، وسنان بن قرة ، وفي المقتدري كان الواسطي. وفي النوري: ابن الدخوار، وابن النفيس، وابن أبي أصيبعة. أما بيمارستان قلاوون في القاهرة فكان أعظم مستشفى، وكلية طبية في تاريخ مصر خلال العصور الوسطى، وكان يشرف على رئاسته كبير أطباء، وهو ما يقابل اليوم عندنا عميد كلية الطب، وكان يتم اختياره من كبار الأطباء، وأحسنهم سمعة وعلمًا، وكان الإشراف على البيمارستان يعتبر من وظائف الدولة المهمة ولرئيسه حق مقابلة السلطان في أي وقت، كما كان للبيمارستان قسمان: قسم للرجال، وآخر للنساء، وكل قسم من الأقسام الداخلية يشمل تخصصات عدة مثل: طب العيون – الجراحة – الإسهال والحمى – الأمراض العقلية والنفسية...إلخ. كما كان قسم خارجي يتردد عليه حوالي 4000 مريض يوميًا يصرف لهم أصناف جيدة من العلاج، وكان كل قسم يشرف عليه رئيس، وكان لرئيس الأطباء ورؤساء الفروع فقط الإذن بمزاولة فنون الطب لمن يرونه صالحًا من الطلاب الدارسين بالبيمارستان، وكان يعاون المدرسين أو الأساتذة طوائف المعيدين، فنظام المعيدين هو أصلاً من ابتكار التعليم الإسلامي، وكان للمعبد واجبات منها ما ذكره القلقشندي (إذا ألقى المدرس الدرس وانصرف أعاد الطلبة ما ألقاه المدرس ليفهموه ويحسنوه). كان الالتحاق بالمدرسة الطبية أو البيمارستان سهلاً، إذ يذهب الطالب إلى حيث يجلس الأستاذ، ويستمع إليه، والطالب حر في اختيار مقررات الدراسة، بل ودراسة ما يرغب فيه وحرية التنقل من أستاذ إلى آخر، حتى تكون الدراسة على هواه، ولا تفرض عليه في هيئة برامج أو مقررات إجبارية، ولم يكن الأمر فوضى كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكن كانت هناك كتب أساسية يجب أن يدرسها الطالب، ولا يمكنه الحصول على إجازته إذا لم يتقن هذه الكتب. ولعل الكثيرين يعلمون أن هذا النظام انتهى من عندنا نحن مبدعيه، وانتقل إلى الدول المتقدمة على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، ومازال قائمًا ويطبق لديهم حتى اليوم، فالطالب الذي يدرس دراسات عليا أو عادية يختار أستاذه والمقررات أو البرامج التي سيدرسها بنفسه وبحرية كاملة، ولا تفرض عليه أو يفرض عليه أستاذه أو مشرفيه. ولكن من يعترف اليوم بهذا الإبداع العظيم للعرب، وفضل الحضارة الإسلامية على العلوم وطرق المناهج والتدريس؟ وتمر ستة قرون كاملة بعد هذا الإبداع الإسلامي، ونجد في عام 1537م طبيبًا بلجيكيًا، بل عالمًا من علماء جامعة لوفان، هو أندريه فيزالوس، يترجم الكتاب التاسع من كتب الرازي إلى اللغات الأوروبية، وما لبث فيزالوس أن عين أستاذًا للتشريح في جامعة بادوا، وفي عهده أدخلت كلية الطب في جامعة بادوا الأساليب الإسلامية الجديدة في ممارسة الطب، التي ما لبثت أن انتشرت في سائر أوروبا وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدم الطب في أوروبا. ________________________________________________ اسم الكاتب: د . هناء إسماعيل |
الساعة الآن : 11:17 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour