ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (1)
الحلقة (571)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 295الى صــــ 301)

{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } 8 { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } 9 { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } 10 { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } 11 { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } 12 { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } 13 { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } 14 { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }15


شرح الكلمات:

أنى يكون لي غلام؟: أي من أي وجهٍ وَجِهَةٍ يكون لي ولد.

عتيا: أي يبست مفاصلي وعظامي.

آية: أي علامة تدلني على حمل امرأتي.

سويا: أي حال كونك سويَّ الخلقِ ما بك عليه خرس.

من المحراب1: المصلى الذي يصلي فيه وهو المسجد.

فأوحى إليهم: أومأ إليهم وأشار عليهم.

وآتيناه الحكم صبيا: الحكم والحكمة بمعنى واحد وهما الفقه في الدين ومعرفة أسرار الشرع.

وحنانا من لدنا: أي عطفاً على الناس موهوباً له من عندنا.

وزكاة: أي طهارة من الذنوب والآثام.

جبارا عصياً: أي متعاليا لا يقبل الحق عصياً لا يطيع أمر الله عز وجل وأمر والديه.

وسلام عليه: أي أمان له من الشيطان أن يمسه بسوء يوم يولد، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر رحمة الله عبده زكريا إنه لما بشره ربه تعالى بيحيى قال: ما أخبر به تعالى عنه في قوله: { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً2 } أي من أي وجه وجهة يأتيني الولد أمن إمرأة غير أمرأتي، أم منها ولكن تهبني قوة على مباضعتها3 وتجعل رحمها قادرة على العلوق4، لأني كما تعلم يا ربي قد بلغت من الكبر حداً يبس فيه عظمي ومفاصلي وهو العتى كما أن امرأتي عاقر لا يولد لها. فأجابه الرب تبارك وتعالى بما في قوله عزوجل: { قَالَ كَذٰلِكَ } أي الأمر كما قلت يا زكريا، ولكن { قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي إعطاؤك الولد على ما أنت عليه من الضعف والكبر وامرأتك من العقر سهل يسير لا صعوبة فيه ويدلك على ذلك أني { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ5 وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } ، فكما قدر ربك على خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على هبتك الولد على ضعفك وعقر امرأتك وهنا طالب زكريا ربه بأن يجعل له علامة تدله على وقت حمل امرأته بالولد فقال ما أخبر به تعال في قوله: { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } فأعطاه تعالى علامة على وقت حمل امراته بالولد وهي أنه يصبح يوم بداية الحمل لا يقدر على الكلام وهو سوي البدن ما به خرس ولا مرض يمنعه من الكلام، { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } أي المصلى الذي يصلي فيه { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } أي أومأ وأشار6 إليهم { أَن سَبِّحُواْ 7بُكْرَةً وَعَشِيّاً 8} أي اذكروا الله في هذين الوقتين بالصلاة والتسبيح. وهنا علم بحمل امرأته إذ إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل، وقوله تعالى: { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن يتعلم التوراة ويعمل بها بقوة جد وحزم وقوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ 9صَبِيّاً } أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام.
وقوله تعالى { وَحَنَاناً10 مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } أي ورحمة منا به ومحبة له آتيناه الحكم صبياً كما أنه عليه السلام كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله { وَزَكَاةً } أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عزوجل { وَكَانَ تَقِيّاً } أي خائفاً من ربه فلا يعصه بترك فريضة ولا يفعل حرام.

وقوله تعالى: { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ } أي محسناً بهما مطيعاً لهما لا يؤذيهما أدنى أذى وقوله { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } أي لم يكن عليه السلام مستكبراً ولا ظالماً، ولا متمرداً عاصياً لربه ولا لأبويه وقوله: { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ11 وُلِدَ } أي أمان له من الشيطان يوم ولد، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً، فسبحان الله ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على أوليائه، اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي يأتي به الولد، كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى.

2- جواز طلب العلامات الدالة على الشيء للمعرفة.

3- آية عجيبة أن يصبح زكريا لا يتكلم فيفهم غيره بالإِشارة فقط.

4- فضل التسبيح في الصباح والمساء.

5- وجوب أخذ القرآن بجد وحزم وحفظاً وعملاً بما فيه.

6- صدق قول أهل العلم من حفظ القرآن في سن ما قبل البلوغ فقد أوتي الحكم صبياً.

7- وجوب البر بالوالدين ورحمتهما والحنان عليهما والتواضع لهما.
_________________________________
1 المحراب: مكان مرتفع، ومن هنا كره مالك أن يصلي الإمام في مكان أرفع من المكان الذي يصلي فيه الناس وراءه خشية الكبر عليه، والكبر من كبائر الذنوب ولم يكره أحمد رحمه الله تعالى.
2 قرأ نافع (عُتيا) بضم أوله كما: بُكيَّا وصليَّا، وبكسرها قرأ حفص، والعتي: هو قحول العظم ويبوسته.
3 أي: جماعها من إدخال البضع في البضع.
4 أي: علوق النطفة في الرحم.
5 أي: فخلق الولد كخلقك.
6 أو كتب إليهم كتابة.
7 إذ كان يأمرهم بالصلاة بكرة وعشيا فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة بالإشارة لأنه لم يقدر على الكلام إذ جعل الله تعالى عجزه عن الكلام علامة الحمل لامرأته.
8 بكرة وعشياً ظرفان في الصباح والمساء.
9 يروى أنه قال له الأولاد: هيا بنا نلعب فقال لهم: ما للعب خلقت، فهذا مما أوتيه من الحكم صبياً.
10 الحنان: التعطف والترحم وأصله من حنين الناقة إلى فصيلها، ويقال: حنانك وحنانيك وهما بمعنى واحد. قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهو من بعض
11 وجائز أن يكون المراد بالسلام هنا: التحية منه تعالى وهي أشرف من غيرها.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:44 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } 16 { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } 17 { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } 18 { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } 19 { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } 20 { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }21


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب: أي القرآن مريم أي خبرها وقصتها.

مريم: هي بنت عمران والدة عيسى عليه السلام.

إذا انتبذت: أي حين اعتزلت أهلها باتخاذها مكاناً خاصاً تخلو فيه بنفسها.

شرقيا: أي شرق الدار التي بها أهلها.

حجابا: أي ساتراً يسترها عن أهلها وذويها.

روحنا: جبريل عليه السلام.

بشراً سوياً: أي تام الخلق حتى لا تفزع ولا تروع منه.

إن كنت تقياً: أي عاملاً بإيمانك وتقواك لله فابتعد عني ولا تؤذني.

غلاما زكيا: ولداً طاهراً لم يتلوث بذنب قط.

ولم يمسسني بشر: أي لم أتزوج.

ولم أك بغيّاً: أي زانية.

قال كذلك: أي الأمر كذلك وهو خلق غلام منك من غير أب.

هو علي هين: ما هو إلا أن ينفخ رسولنا في كم درعك حتى يكون الولد.

ولنجعله آية للناس: أي عل عظيم قدرتنا.

ورحمة منا: أي وليكون الولد رحمة بمن آمن به واتبع ما جاء به.

أمراً مقضياً: أي حكم الله به وفرغ منه فهو كائن حتماً لا محالة.

معنى الآيات:

هذه بداية قصة مريم عليها السلام إذ قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ } أي القرآن الكريم { مَرْيَمَ } أي نبأها وخبرها ليكون ذلك دليلاً على نبوتك وصدقك في رسالتك وقوله { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } أي اعتزلت { مِنْ أَهْلِهَا } هذا بداية القصة وقوله { مَكَاناً شَرْقِياً } أي موضعاً شرقي دار قومها وشرق المسجد، ولذا اتخذ النصارى المشرق قبلة لهم في صلاتهم ولا حجة لهم في ذلك إلا الابتداع وإلا فقبلة كل مصلي لله الكعبة بيت الله الحرام قوله تعالى: { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم } أي من دون أهلها { حِجَاباً } ساتراً لها عن أعينهم1، ولما فعلت ذلك أرسل الله تعالى إليها جبريل في صورة بشر سوي الخلقة معتدلها، فدخل عليها فقالت ما قص الله تعالى في كتابه { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي أحتمي بالرحمن الذي يرحم الضعيفات مثلي إن كنت مؤمناً تقياً فاذهب عني ولا تروعني أو تمسني بسوء. فقال لها جبريل عليه السلام ما أخبر تعالى به وهو { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ 2لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } أي طاهراً لا يتلوث بذنب قط. فأجابت بما أخبر تعالى عنها في قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } أي من أي وجه يأتيني الولد، { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } أي وأنا لم أتزوج، { وَلَمْ أَكُ3 بَغِيّاً } أي ولم أك زانية، فأجابها جبريل بما أخبر تعالى به في قوله: { قَالَ كَذٰلِكَ } أي الأمر كما قلت ولكن ربك قال: { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي خلقه بدون أب من نكاح أو سفاح، لأنه هين علينا من جهة، { وَلِنَجْعَلَهُ 4آيَةً لِّلْنَّاسِ } دالة على قدرتنا على خلق آدم بدون أب ولا أم، والبعث الآخر من جهة أخرى، وقوله تعالى { وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً 5} أي ولنجعل الغلام المبشر به رحمة منا لكل من آمن به واتبع طريقته في الإِيمان والاستقامة وكان هذا الخلق للغلام وهبته لك أمراً مقضياً أي حكم الله فيه وقضى به فهو كائن لا محالة ونفخ جبريل في جيب قميصها فسرت النفخة في جسمها فحملت به كما سيأتي بيانه في الآيات التالية.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان شرف مريم وكرامتها على ربها.

2- فضيلة العفة والحياء.

3- كون الملائكة يتشكلون كما أذن الله تعالى لهم.

4- مشروعية التعوذ بالله من كل ما يخاف من إنسان أو جان.

5- التقوى6 مانعة من فعل الأذى بالناس أو إدخال الضرر عليهم.

6- خلق عيسى آية مبصرة تتجلى فيها قدرة الله تعالى على الخلق بدأ وإعادة.
___________________

1 قيل: استترت عن أهلها لتغتسل من حيضتها وتمتشط، وذلك لكمال حيائها.
2 قرأ ورش عن نافع: (ليهب) بالياء بغير همزة، وقرأ غيره: (لأهب) بالهمزة فعلى قراءة نافع المعنى: أرسلني ليهب لك، وعلى قراءة غيره أرسلني يقول لك أرسلت رسولي إليك لأهب لك.
3 لم تقل بغيّة لأنه وصف يغلب على النساء فقلما تقول العرب رجل بغي فجرى بغيا مجرى حائض وعاقر، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل والأوّل أولى.
4 {ولنجعله} متعلق بمحذوف تقديره: ونخلقه لنجعله.
5 أي: مقدرا في اللوح المحفوظ كتاب المقادير العام.
6 بخلاف الفجور فإنه مصدر كل ضرّ وشرّ.

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (2)
الحلقة (572)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 301الى صــــ 305)

{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } 22 { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } 23 { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } 24 { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } 25 { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }26


شرح الكلمات:

فانتبذت به: فاعتزلت به.

مكاناً قصيا: أي بعيداً من أهلها.

فأجاءها المخاض: أي ألجأها الطلق واضطرها وجع الولادة.

إلى جذع النخلة: لتعتمد عليها وهي تعاني من آلام الولادة.

نسياً منسياً: أي شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر.

فناداها من تحتها: أي عيسى عليه السلام بعدما وضعته.

تحتك سريا: أي نهراً يقال له سري.

رطبا جنيا: الرطب الجني: ما طاب وصلح للإِجتناء.

فكلي واشربي: أي كل من الرطب واشربي من السري.

وقري عينا: أي وطيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني.

نذرت للرحمن صوماً: أي إمساكاً عن الكلام وصمتاً.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم إنه بعد أن بشرها جبريل بالولد وقال لها وكان أمراً مقضياً ونفخ في كم درْعها أو جيب قميصها فحملته1 فوراً { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } أي فاعتزلت به في مكان بعيد 2{ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ 3} أي ألجأها وجع النفاس { إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } لتعتمد عليه وهي تعاني من آلام الطلق وأوجاعه، ولما وضعته قالت متأسفة متحسرة ما أخبر تعالى به: { قَالَتْ يٰلَيْتَنِي 4مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا } أي الوقت الذي أصبحت فيه أم ولد، { وَكُنتُ نَسْياً5 مَّنسِيّاً } أي شيئاً متروكا لا يذكر ولا يعرف وهنا { فَنَادَاهَا } 6عيسى عليه السلام { مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي } يحملها على الصبر والعزاء وقوله تعالى: { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي نهر ماء يقال له سري، { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَٱشْرَبِي } أي كلي من الرطب واشربي من ماء النهر، { وَقَرِّي عَيْناً } أي طيبي نفساً وافرحي بولدك، { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } أي فسألك عن حالك أو عن ولدك فلا تكلميه واكتفي بقولك { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } أي صمتاً { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } هذا كله من قول عيسى لها أنطقه الله كرامة لها ليذهب عنها حزنها وألمها النفسي من جراء الولادة وهي بكر لم تتزوج.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- من مظاهر قدرة الله تعالى حملها ووضعها في خلال ساعة من نهار.

2- إثبات كرامات الله لأوليائه إذ أكرم الله تعالى مريم بنطق عيسى ساعة وضعه فأرشدها وبشرها وأذهب عنها الألم والحزن، وأثمر لها نخلة فأرطبت وأجرى لها النهر بعد يبسه.

3- تقرير نظام الأسباب التي في مكنة الإِنسان القيام بها فإن الله تعالى قد أثمر لمريم النخلة إذ هذا لا يمكنها القيام به ثم أمرها أن تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب7 الجني إذ هذا في استطاعتها.

4- مشروعية النذر إلا أنه بالامتناع 8عن الكلام منسوخ في الإِسلام.
______________________________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما هو إلاّ أن حملت فوضعت في الحال. قال القرطبي: هذا هو الظاهر لأنّ الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل: {فحملته فانتبذت به} والفاء للترتيب والتعقيب.
2 انتحت بالحمل إلى مكان بعيد قال ابن عباس: إلى أقصى الوادي وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال وإنما بعدت فراراً من تعيير قومها بالولادة من غير أب.
3 يقال: جاء به وأجاءه إلى موضع كذا: اضطره وألجأه.
4 تمني الموت لا يجوز لحديث: "لاّ يتمنّين أحدكم الموت لضرّ نزل به" الحديث وتمنّته مريم عليها السلام لا لصالح نفسها ولكن لله تعالى، وذلك أنها خافت أن يظنّ بها الشرّ في دينها وتُعَيَّر فتفتن بذلك، وهذا لله، وثانياً خافت أن يقع بعض الناس في البهتان والنسبة إلى الزنى فيهلكون. وهذا أيضاً لله لا لها.
5 النسي: الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يُتألم لفقده كالوتد والحبل ونحوهما، ويجمع النسي على أنساء قال الكميت رضي الله عنه:
أتجعلنا جسرا لكب قضاعة
ولست بنسي في معدّ ولا دخل
والنسي أيضاً: خرق الحيض التي ترمى بدمها من الحيض.
6 قرأ نافع (مِن) بكسر الميم حرف جر، وقرأ حفص مَن بفتحها، اسم موصول والمراد بالموصول عيسى عليه السلام ناداها قبل أن ترضعه من تحتها تعجيلا للمسرة والبشرى لها به فأنْ في ألا تحزني تفسيرية لأنّ النداء قول.
7 قالت العلماء: أكل الرطب للنفساء من أنفع الأغذية لها نظراً إلى أنّ الله تعالى اختاره لمريم عليها السلام.
8 قولها {إني نذرت للرحمن صوماً} فسر الصوم بالصمت كما في التفسير وأولى من هذا أن يكون صوم النذر في دينهم مستلزماً للصمت وعدم الكلام، والسياق دلّ عليه ظاهر فيه، وما زال النصارى يعتبرون الصمت عبادة فيصمتون دقائق على أرواح موتاهم ونسخ الإسلام هذا كما في الصحيح حيث أمر من نذر أن لا يتكلم أن يتكلم، ومن سنن الهدى في الإسلام الامتناع عن الكلام القبيح في الصيام لحديث الصحيح: "إذا كان صومٍ أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرئ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم" وهو كقول مريم: {فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسياً} .

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } 27 { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } 28 { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } 29 { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } 30 { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } 31 { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } 32 { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }33


شرح الكلمات:

فأتت به: أي بولدها عيسى عليه وعليها السلام.

جئت شيئاً فريا1: أي عظيماً حيث أتيت بولد من غير أب.

يا أخت هارون: أي يا أخت الرجل الصالح هارون.

امرأ سوء: أي رجلاً يأتي الفواحش.

فأشارت إليه: أي إلى عيسى وهو في المهد.

آتاني الكتاب: أي الإِنجيل باعتبار ما يكون مستقبلاً.

مباركا أينما كنت: أي حيثما وجدت كانت البركة فيَّ ومعي ينتفع الناس بي.

وبرا بوالدتي: أي محسناً بها مطيعاً لها لا ينالها مني أدنى أذى.

جباراً شقيا: ظالماً متعالياً ولا عاصياً لربي خارجاً عن طاعته.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم مع قومها: إنها بعد أن تماثلت للشفاء حملت ولدها وأتت به قومها وَما أن رأوهما حتى قال قائلهم: { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي أمراً عظيماً وهو إتيانك بولد من غير أب. { يٰأُخْتَ2 هَارُونَ } نسبوها إلى عبد صالح يسمى هارون: { مَا كَانَ أَبُوكِ } عمران { ٱمْرَأَ سَوْءٍ } يأتي الفواحش { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ } " حنة " { بَغِيّاً } أي زانية فكيف حصل لك هذا وأنت بنت البيت الطاهر والأسرة الشريفة. وهنا أشارت إلى عيسى الرضيع في قماطته أي قالت لهم سلوه يخبركم الخبر وينبئكم بالحق، لأنها علمت أنه يتكلم لما سبق أن ناداها ساعة وضعه من تحتها وقال لها ما ذكر تعالى في الآيات السابقة. فردوا عليها مستخفين بها منكرين عليها متعجبين منها: { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن3 كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً }؟ فأنطق الله عيسى الرضيع فأجابهم بما أخبر تعالى عنه في قوله: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ 4آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً5 بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً }6 فأجابهم بكل ما كتب الله وأنطقه به، وكان عيسى كما أخبر عن نفسه لم ينقص من ذلك شيئاً كان عبداً لله وأنزل عليه الإِنجيل ونبأه وأرسله إلى بني إسرائيل وكان مباركاً يشفي المرضى ويحيى الموتى بإذن الله تنال البركة من صحبته وخدمته والإِيمان به وبمحبته وكان مقيماً للصلاة مؤدياً للزكاة طوال حياته وما كان ظالماً ولا متكبراً عاتياً ولا جباراً عصياً. فعليه كما أخبر السلام أي الأمان التام يوم ولد فلم يقربه شيطان ويوم يموت فلا يفتن قبره ويوم يبعث حياً فلا يحزنه الفزع الأكبر، ويكون من الآمنين السعداء في دار السلام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعبودية عيسى ونبوته عليهما السلام.

2- آية نطق عيسى في المهد وإخباره بما أولاه الله من الكمالات.

3- وجوب بر الوالدين بالاحسان بهما وطاعتهما والمعروف وكف الأذى عنهما.

4- التنديد بالتعالي والكبر والظلم والشقاوة التي هي التمرد والعصيان.
___________________________________

1 (فريًّا) : أي: مختلقاً مفتعلاً من الافتراء الذي هو الكذب يقال: فرى وأفرى: كذب ومن كراماتها أن امرأة مدّت لها يدها لتضرّبها أصيبت بالشلل الفوري فحملت كذلك وقالت لها: أخرى ما أراك إلاّ زنيت فأخرسها الله فوراً فصارت لا تتكلم ومن ثم ألانوا لها الكلام واحترموها.
2 من الجائز أن يكون لمريم أخ صالح من أبيها أو من أبويها نسبوها إليه ومن الجائز أن تنسب إلى هارون الرسول عليه السلام كقول العرب يا أخا تميم ويا أخا العرب، وما في التفسير إجمال يشمل الكلّ فتأمّل، وفي الآية دليل على جواز التسمية بالأنبياء والصالحين، ولا خلاف في ذلك.
3 كان: هنا زائدة للتوكيد، ومن: مبتدأ والخبر في المهد وصبياً: حالي من الموصول.
4 قيل: لما سمع كلامهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه وقال مشيراً بسبابته اليمنى: {إني عبد الله} فكان أول ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى، وفي هذا ردّ على الذين ألّهوه وعبدوه من دون الله تعالى.
5 البر: بمعنى البار وخص بهذه الصفة لأن قومهم قل فيهم البرور بالوالدين وكثر فيهم العقوق نظراً إلى فشو الباطل فيهم ورقة حبل الدين بينهم، والجبّار: المتكبر على الناس الغليظ في معاملتهم، والشقي ضدّ السعيد.
6 لما قال ما قال في المهد: إني عبد الله.. إلى قوله: {ويوم أبعث حيًّا} لم يتكلم حتى بلغ سن التكلم.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (3)
الحلقة (573)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 305الى صــــ 311)

{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } 34 { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } 35 { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } 36 { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } 37 { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } 38 { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } 39 { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }40


شرح الكلمات:

ذلك عيسى ابن مريم: أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو عيسى بن مريم.

قول الحق: أي وهو قول الحق الذي أخبر تعالى به.

يمترون: يشكون.

ما كان لله أن يتخذ من ولد: أي ليس من شأن الله أن يتخذ ولداً وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

سبحانه: أي تنزيهاً له عن الولد والشريك والشبيه والنظير.

صراط مستقيم: أي طريق مستقيم لا يضل سالكه.

فاختلف الأحزاب: أي في شأن عيسى فقال اليهود هو ساحر وابن زنا، وقالت النصارى هو الله وابن الله تعالى عما يصفون.

من مشهد يوم عظيم: هو يوم القيامة.

أسمع بهم وأبصر: أي ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة عند معاينة العذاب.

وأنذرهم يوم الحسرة: أي خوفهم بما يقع في يوم القيامة من الحسرة والندامة وذلك عندما يشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها وهم ورثوا منازل أهل الجنة في النار فتعظم الحسرة ويشتد الندم.

معنى الآيات:

بعد أن قص الله تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجاباً معتزلة أهلها منقطعة إلى ربها إلى أن أشارت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال: إني عبد الله، فبين تعالى أن جبريل بشرها، وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها: أن لا تحزني، وأرشدها إلى القول الذي تفول لقومها إذا سألوها عن ولادتها المولود بدون أب، وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعلاً فأجاب بأنه عبد الله وأنه آتاه الكتاب وجعله نبياً ومباركاً وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حياً وأنه بر بوالدته، ولم يكن جباراً شقياً فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الآية [34] { ذٰلِكَ } أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو { عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، وما أخبرتكم به هو { قَوْلَ1 ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال النصارى هو الله وابن الله وثالث ثلاثة حسب فرقهم وطوائهم المتعددة وقوله تعالى: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ } ينفي تعالى عنه اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه، وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلام كان بكلمة الله تعالى له كن فكان وهو معنى قوله تعالى { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ 2}. وقد نزه تعالى نفسه عن الولد والشريك والشبيه والنظير، والافتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله: سبحانه أي تنزيها له عن صفات المحدثين وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ3 }.
هذا من قول عيسى 4عليه السلام لبني إسرائيل أخبرهم أنه عبد الله وليس بابن لله ولا بإله مع الله وأخبرهم أن الله تعالى هو ربه وربهم فليعبدوه جميعاً بما شرع لهم ولا يعبدون معه غيره إذ لا إله لهم إلا هو سبحانه وتعالى، وأعلمهم أن هذا الاعتقاد الحق والعبادة بما شرع الله هو الطريق المفضي بسالكه إلى السعادة ومن تنكب عنه وسلك طريق الشرك والضلال أفضى به إلى الخسران وقوله تعالى في الآية [37] { فَٱخْتَلَفَ5 ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } أي في شأن عيسى فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله ومن قائل هو وامه الهين من دون الله والقائلون بهذه المقالات كفروا بها فتوعدهم الله تعالى بالعذاب الأليم فقال { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } بنسبَتِهم الولد والشريك لله، والويل واد في جهنم فهم إذا داخلوها لا محالة، وقوله { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني به يوم القيامة وهو يوم ذو أهوال وشدائد لا يقادر قدرها.

وقوله تعالى في الآية [38] { أَسْمِعْ6 بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } يخبر تعالى أن هؤلاء المتعامين اليوم عن الحق لا يريدون أن يبصروا آثاره الدالة عليه فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا، والمتصاممين عن سماع الحجج والبراهين وتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك والولد هؤلاء يوم يقدمون عليه تعالى في عرصات القيامة يصبحون أقوى ما يكون أبصاراً وسمعاً، ولكن حين لا ينفعهم سمع ولا بصر، وقوله تعالى: { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يخبر تعالى أن أهل الشرك والكفر وهم الظالمون في ضلال مبين أي عن طريق الهدى وهو سبب عدم إبصارهم للحق وسماعهم لحججه التي جاءت بها رسل الله ونزلت بها كتبه.

وقوله تعالى في آية [39] { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ 7إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن ينذر الكفار والمشركين أي يخوفهم عاقبة شركهم وكفرهم وضلالهم يوم القيامة حيث تشتد فيه الحسرة وتعظم الندامة وذلك عندما يتوارث الموحدون مع المشركين فالموحدون يرثون منازل المشركين في الجنة، والمشركون يرثون منازل الموحدين في النار، وعندما يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار، وينادي منادٍ يا أهل الجنة خلود فلا موت؟ ويا أهل النار خلود فلا موت عندها تشتد الحسرة ويعظم الندم هذا معنى قوله تعالى { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } عما حكم عليهم به من الخلود في نار جهنم { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالبعث ولا بما يتم فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم. وقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ8 نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يخبر تعالى عن نفسه بأنه الوارث للأرض ومن عليها ومعنى هذا أنه حكم بفناء، هذه المخلوقات وأن يوماً سيأتي يفنى فيه كل من عليها، والجميع سيرجعون إليه ويقفون بين يديه ويحاسبهم بما كتبت أيديهم ويجزيهم به، ولذا فلا تحزن أيها الرسول وامض في دعوتك تبلغ عن ربك ولا يضرك تكذيب المكذبين ولا شرك المشركين.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير أن عيسى عبد الله ورسوله، وليس كما قال اليهود، ولا كما قالت النصارى.

2- استحالة اتخاذ الله الولد الذي يقول للشيء كن فيكون.

3- تقرير التوحيد على لسان عيسى عليه السلام.

4- الإِخبار بما عليه النصارى من خلاف في شأن عيسى عليه السلام.

5- بيان سبب الحسرة يوم القيامة وهو الكفر بالله والشرك به.

6- تقرير فناء الدنيا، ورجوع الناس إلى ربهم بعد بعثهم وهو تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي تعالجها السور المكية في القرآن الكريم.
_________________________________

1 قرأ الجمهور برفع قول وقرأ عاصم بنصبها، فأما الرفع فهو خبر ثانٍ عن اسم الإشارة أو وصف لعيسىأ وبدل منه، وأمّا النصب فعلى الحال من اسم الإشارة.
2 في هذا ردّ على النصارى القائلين بأن المكوّن بأمر التكوين من غير سبب معتاد لا يكون إلاّ ابن الله تعالى فبيّنت الآية أن أصول الموجودات كلها كانت بأمر التكوين فهل يقال فيها أبناء الله؟! والجواب قطعاً لا، وعليه فقد بطل قولهم: عيسى ابن الله لأنّه كان بكلمة التكوين.
3 جملة: {هذا صراط مستقيم} تذييل وفذلكة لما سبق من الكلام وإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف وجوهه، في تقرير الحق وإبطال الباطل.
4 نعم الظاهر أنه من قول عيسى عليه السلام، والجمل قبله من قوله تعالى: {ذلك عيسى بن مريم} اعتراض بين قول عيسى الأوّل: {إني عبد الله} وبين قوله {وإن الله ربّي وربكم} .
5 (من) : زائدة واختلاف الأحزاب، وجهه: أن اليهود قادحون والنصارى مادحون، فاليهود قالوا: ساحر وابن زنية، والنصارى فرقة: قالت هو الله وأخرى قالت: ابن الله، وثالثة قالت: ثالث ثلاثة، وهذه الفرق هي الملكانية، واليعقوبية، والنسطورية ثم تشعبت وأشهرها الآن: الملكائية أي الكاثوليك واليعقويية: أي أرثذوكس والاعتراضية أي: البروتستانت.
6 هذا الكلام ظاهر أنه أمر لحمل السامع على التعجب من حال المذكورين، ومعناه الخبر أي: لا أحد أسمع منهم ولا أبصر يوم يقفون في عرصات القيامة، ويشاهدون النار ويسمعون زفيرها.
7 روي في مسند أحمد وفي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت، كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون وينظرونه ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح. قال. ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، ثمّ قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأنذرهم يوم الحسرة..} الآية.
8هذه الجملة ذيّل بها الكلام السابق فتمت به القصة وضمير (نحن) للتأكيد والأرض: المراد بها ما فيها من غير العقلاء (ومن عليها) المراد بهم العقلاء وهم البشر.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } 41 { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } 42 { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } 43 { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } 44 { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }45


شرح الكلمات:

اذكر في الكتاب: أي في القرآن.

إنه كان صديقا: أي كثير الصدق بالغ الحد الأعلى فيه.

يا أبت: يا أبي وهو آزر.

صراطا سويا: أي طريقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه يفضي بك إلى الجنة.

لا تعبد الشيطان: أي لا تطعه في دعوته إياك إلى عبادة ألأصنام.

عصيا: أي عاصياً لله تعالى فاسقاً عن أمره.

فتكون للشيطان وليا: أي قريباً منه قرينا له فيها أي النار.

معنى الآيات:

هذه بداية قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع والده آزر عليه لعائن الرحمن قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ } يا نبينا { فِي ٱلْكِتَابِ } أي القرآن الكريم { إِبْرَاهِيمَ } خليلنا { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً } أي صادقاً في أقواله وأعماله بالغاً مستوى عظيماً في الصدق { نَّبِيّاً } من أنبيائنا فهو جدير بالذكر في القرآن ليكون قدوة صالحة للمؤمنين. واذكره { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } آزر { يٰأَبَتِ1 لِمَ تَعْبُدُ } أي تسأله بالدعاء والتقرب بأنواع القربات ما لا يسمع ولا يبصر من الأصنام أي لا يبصرك ولا يسمعك { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } لا يدفع عنك ضراً ولا يجلب لك نفعاً فأي حاجة لك إلى عبادته { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي2 مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي من قبل ربي تعالى { مَا لَمْ يَأْتِكَ } أنت { فَٱتَّبِعْنِيۤ } فيما أعتقده وأعمله وأدعو إليه { أَهْدِكَ صِرَاطاً 3سَوِيّاً } أي مستقيماً يفضي بك إلى السعادة والنجاة، { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } أي بطاعته فيما يدعوك إليه من عبادة غير الله تعالى من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعطي ولا تمنع، { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ4 عَصِيّاً } أي عاصياً أمره فأبى طاعته وفسق عن أمره. { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ 5} إن أنت بقيت على شركك وكفرك ولم تتب منهما حتى مت فيمسك عذاب من الرحمن { فَتَكُونَ } أي بذلك { لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } أي قريباً منه قرينا له في جهنم فتهلك وتخسر.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- تقرير التوحيد بالدعوة إليه.

2- كمال إبراهيم بذكره في الكتاب.

3- بطلان عبادة غير الله تعالى.

4- عبادة الأوثان والأصنام وكل عبادة لغير الله تعتبر عبادة للشيطان لأنه الآمر بها والداعي إليها.
__________________________________

1 الاستفهام للإنكار أي: لأيّ شيء تعبد.
2 أي: من اليقين والمعرفة بالله وبما يكون بعد الموت وأنّ من عبد غير الله يعذّب أبداً.
3 أرشدك إلى دين قيّم فيه نجاتك وسعادتك.
4 الجملة تعليلية للنهي عن عبادة الشيطان واتباع وسوسته وما يدعو إليه من الشرك.
5 أي: إني أخاف أن تموت على الكفر فيمسك العذاب الأليم.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (4)
الحلقة (574)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 311الى صــــ 316)

{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } 46 { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } 47 { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } 48 { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } 49 { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }50


شرح الكلمات:

لئن لم تنته: أي عن التعرض لها وعيبها.

لأرجمنك: بالحجارة أو بالقول القبيح فاحذرني.

واهجرني مليا1: أي سليما من عقوبتي.

سلام عليك: أي أمنةٌ مني لك أن أعاودك فيما كرهت مني.

إنه كان بي حفيا: أي لطيفاً بي مكرماً لي يجيبني لما أدعوه له.

عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا: بل يجيب دعائي ويعطني مسألتي.

فلما اعتزلهم: بأن هاجر إلى أرض القدس وتركهم.

وهبنا له إسحاق ويعقوب: أي وهبنا له ولدين يأنس بهما مجازاة منا له على هجرته قومه.

ووهبنا لهم من رحمتنا: خيراً كثيراً المال والولد بعد النبوة والعلم.

لسان صدق عليا: أي رفيعاً بأن يُثنى عليهم ويذكرون بأطيب الخصال.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصة إبراهيم مع أبيه آزر إنه بعد تلك الدعوة الرحيمة بالألفاظ الطيبة الكريمة التي وجهها إبراهيم لأبيه آزر ليؤمن ويوحد فينجو ويسعد قال آزر راداً عليه بعبارات خالية من الرحمة والأدب بل ملؤها الغلظة والفظاظة والوعيد والتهديد وهي ما أخبر به تعالى عنه في قوله: في الآية [46] { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } أي أكاره لها تعيبها، { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } أي عن التعرض لها بأي سوء 2{ لأَرْجُمَنَّكَ } بأبشع الألفاظ وأقبحها، { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً 3} أي وابعد عني ما دمت معافى سليم البدن سويه قبل أن ينالك مني ما تكره. كان هذا رد آزر الكافر المشرك. فيما أجاب إبراهيم المؤمن الموحد أجاب بما أخبر تعالى به عنه في قوله في آية [47] { قَالَ سَلاَمٌ 4عَلَيْكَ 5} أي أمان لك مني يا أبتاه فلا أعاودك فيما كرهت مني قط وسأقابل إساءتك بإحسان { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } أي أطلب منه أن يهديك للإِيمان والتوحيد فتتوب فيغفر لك { إِنَّهُ كَانَ } سبحانه وتعالى { بِي حَفِيّاً } لطيفاً بي مكرماً لي لا يخيبني فيما أدعوه فيه.

وقوله تعالى حكاية عن قيل إبراهيم: { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أذهب بعيداً عنكم تاركاً لكم ولما تعبدون من دون الله من أصنام وأوثان، { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً5 } أي رجائي في ربي كبير أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام. قال تعالى مخبراً عنه فلما حقق ما واعدهم به من هجرته لديارهم إلى ديار القدس تاركاً أباه وأهله وداره كافأناه بأحسن حيث أعطيناه ولدين يأنس بهما في وحشته وهما إسحاق ويعقوب وكلا منهما جعلناه نبيا رسولاً، ووهبنا لجميعهم وهم ثلاثة الوالد إبراهيم وولداه إسحاق ويعقوب بن إسحاق عليهم السلام من رحمتنا الخير العظيم من المال والولد والرزق الحسن هذا معنى قوله تعالى: { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } وهو ابن ولده إسحاق { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا }.
وقوله تعالى عنهم { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } هذا إنعام آخر مقابل الهجرة في سبيل الله حيث جعل الله تعالى لهم لسان الصدق في الآخرة فسائر أهل الأديان الإلهية يثنون على إبراهيم وذريته بأطيب الثناء وأحسنه وهو لسان الصدق العلي الرفيع الذي حظى به إبراهيم وولديه إكراماً من الله تعالى وإنعاماً عليهم جزاء صدق إبراهيم وصبره وبالتالي هجرته للأصنام وعابديها.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان الفرق بين ما يخرج من فم المؤمن الموحد من طيب القول وسلامة اللفظ ولين الجانب والكلام، وبين ما يخرج من فم الكافر المشرك من سوء القول وقبح اللفظ وقسوة الجانب وفظاظة الكلام.

2- مشروعية المتاركة والموادعة وهو أن يقال للسيء من الناس سلام عليك وهو لا يريد بذلك تحيته ولكن تركه وما هو فيه.

3- مشروعية الهجرة وبيان فضلها وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة كانت في الأرض.

4- الترغيب في حسن الأحدوثة بأن يكون للمرء حسن ثناء بين الناس لما يقدم من جميل وما يورث من خير وإفضال.
__________________________________

1 {واهجرني مليا} أي: اتركني وشأني وابعد عنّي طويلا تسلم من عقوبتي.
2 أي: كعيبها وشتمها.
3 وقيل في معناه: اجتنبني سالماً قبل أن تصيبك عقوبتي، وقيل: اهجرني طويلا.
4 هذا يسمى سلام المتاركة، وليس هو بالتحية وهل يجوز بدء الكافر بالسلام؟ في المسألة خلاف، والراجح: جواز السلام إذا كان لغرض سليم ككونه جاراً لك أو رفيقاً أو مصاحباً لك في عمل أو لك إليه حاجة وما إلى ذلك إذ سلم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جماعة فيهم مشركون كما في الصحيح، وأمّا حديث: "لاّ تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" فهو إذا لم يكن هناك غرض صحيح.
(سلام) : نكرة وصح الابتداء بها لما فيها من معنى التخصيص فقاربت لذلك المعرفة وصحّ الابتداء بها. وعليك الخبر.
5 أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلاً وولداً يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال، وفي قوله تعالى {فلما اعتزلهم} وهنا له دليل يرجح هذا القول. والله أعلم.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } 51 { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } 52 { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }53


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب: أي في القرآن تشريفاً وتعظيماً.

موسى: أي ابن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام.

مخلصاً: أي مختاراً مصطفى على قراءة فتح اللام " مخلصاً " وموحداً لربه مفرداً إياه بعبادته بالغا في ذلك أعلى المقامات على قراءة كسر اللام.

جانب الطور: الطور جبل بسيناء بين مدين ومصر.

وقربناه نجيا: أي أدنيناه إدناء تشريف وتكريم مناجياً لنا مكلما من قبلنا.

أخاه هارون نبيا: إذ سأل ربه لأخيه الرسالة فأعطاه فنبَّأهُ وأرسله معه إلى فرعون.

معنى الآيات:

هذا موجز قصة موسى عليه السلام قال تعالى في ذلك وهو يخاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ } في هذه السلسلة الذهبية من عباد الله الصالحين أهل التوحيد واليقين موسى ابن عمران أنه جدير بالذكر في القرآن وعلة ذلك في قوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } أي مختاراً مصطفى للإِبلاغ عنا عبادنا ما خلقناهم لأجله وهو ذكرنا وشكرنا ذكرنا بالسنتهم وقلوبهم وشكرهم لنا بجوارحهم وذلك بعبادتنا وحدنا دون مَن سوانا، وكان موسى كذلك، وقوله تعالى: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أي ومن افضالنا عليه وإكرامنا له أن جعلناه نبياً رسولاً نبأناه وأرسلناه إلى فرعون وملائه، { 1وَنَادَيْنَاهُ } وهو في طريقه من مدين إلى مصر في جانب الطور الأيمن 2حيث نبأناه وأرسلناه وبذلك { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } فصار يناجينا فنُسمعه كلامنا ونسمع 3كلامه وأعظم بهذا التكريم من تكريم، وقوله: { وَوَهَبْنَا لَهُ 4مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } هذا إنعام آخر من الله تعالى على موسى النبي إذ سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون إلى فرعون فبرحمة من الله تعالى استجاب له ونبأ هارون وأرسله معه رسولاً وما كان هذا إلا برحمة خاصة إذ النبوة لا تطلب ولا يتوصل إليها بالاجتهاد في العبادة ولا بالدعاء والصراعة إذ هي هبة إلهية خاصة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضيلة الإِخلاص، وهو إرادة الله تعالى بالعبادة ظاهراً وباطناً.

2- إثبات صفة الكلام والمناجاة لله تعالى.

3- بيان إكرام الله تعالى وإنعامه على موسى إذ أعطاه ما لم يعط أحداً من العالمين باستجابة دعائه بأن جعل أخاه هارون رسولاً نبياً.

4- تقرير أن كل رسول نبياً والعكس لا أي ليس كل نبي رسولا.
________________________________
1 قيل: كان هذا الكلام والمناجاة ليلة الجمعة. ذكره القرطبي.
2 هو بالنسبة إلى يمين موسى عليه السلام أما الجبل فلا يمين له ولا شمال "ابن جرير الطبري".
3 أي: من غير وحي بل كفاحاً وجها لوجه لا واسطة.
4 وذلك حين سأل ربه قائلاً: {واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي} الآية.




ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (5)
الحلقة (575)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 316الى صــــ 320)

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } 54 { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } 55 { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } 56 { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } 57 { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }58


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب إسماعيل: أي اذكر في القرآن تشريفاً وتعظيماً إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.

صادق الوعد: لم يخلف وعد قط.

بالصلاة والزكاة: أي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

مرضيا: أي رضى الله تعالى قوله وعمله ليقينه وإخلاصه.

إدريس: هو جد أبي نوح عليه السلام.

ورفعناه مكاناً عليا: إلى السماء الرابعة.

إسرائيل: أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

وممن هدينا واجتبينا: أي من جملة من هديناهم لطريقنا واجتبيناهم بنبوتنا.

إذا تتلى عليهم آيات الرحمن: أي تقرأ عليهم وهم يستمعون إليها.

سجداً وبكيا: جمع ساجد وباك أي ساجدين وهم يبكون.

معنى الآيات:

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكرت من ذكرت من مريم وابنها وإبراهيم وموسى اذكر كذلك إسماعيل1 فإنه { كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ }2 لم يخلف وعداً قط وكان ينتظر الموعود الليالي حتى يجئ وهو قائم في مكانه ينتظره، { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } نبأة تعالى بمكة المكرمة إذ عاش بها وأرسله إلى قبيلة جرهم العربية ومنها تزوج وأنجب وكان من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } المراد من الأهل أسرته وقومه من قبيلة جرهم والمراد من الصلاة إقامتها ومن الزكاة أداؤها، وهذا مما أعلى شأنه ورفع قدره فاستحق ذكره في القرآن العظيم، وقوله: { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } موجب آخر لإِكرامه والإِنعام عليه بذكره في القرآن الكريم في سلسلة الأنبياء والمرسلين، ومعنى { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } أي أقواله وأفعاله كلها كانت مقبولة مرضية فكان بذلك هو3 مرضياً من قبل ربه عزوجل. وقوله تعالى { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ4 } وهو جد أبي نوح واستوجب الذكر في القرآن لأنه { كَانَ صِدِّيقاً } كثير الصدق مبالغا فيه حتى إنه لم يجر على لسانه كذب قط، وصديقاً في أفعاله وما يأتيه فلم يعرف غير الصدق في قول ولا عمل وكان نبيا من أنبياء الله، وقوله { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } إلى السماء الرابعة 5في حياته كما رفع تعالى عيسى ورفع محمد إلى ما فوق السماء السابعة. وقوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } 6كإدريس، { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي في الفلك كإبراهيم، { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ } كإسحاق وإسماعيل، { وَإِسْرَائِيلَ } أي ومن ذرية إسرائيل كموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا } لمعرفتنا وطريقنا الموصل إلى رضانا وذلك بعبادتنا والاخلاص لنا فيها { وَٱجْتَبَيْنَآ } لوحينا وحمل رسالتنا. وقوله { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً 7} أي أولئك الذين هديناهم واجتبينا من اجتبينا منهم. والاجتباء الأختبار والاصطفاء بأخذ الصفوة { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الحاملة للعظات والعبر والدلائل والحجج { خَرُّواْ سُجَّداً } لله ربهم { وَبُكِيّاً } عما يرون من التقصير أو التفريط في جنب ربهم جل وعظم سلطانه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة إذ الذي نبأ هؤلاء وأرسلهم لا ينكر عليه أن ينبئ محمداً ويرسله.

2- فضيلة الأمر بالصلاة والزكاة.

3- فضيلة الوفاء بالوعد والصدق في القول والعمل.

4- سُنية السجود لمن تلا هذه الآية أو تليت وهو يستمع إليها. { خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }

5- فضيلة البكاء حال السجود فقد كان عمر إذا تلا هذه الآية سجد ثم يقول هذا السجود فأين البكيُّ يعني البكاء.
___________________________________
*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } 59 { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } 60 { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } 61 { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } 62 { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }63

شرح الكلمات:

خلف1: أي عقب سوء.

أضاعوا الصلاة: أهملوها فتركوها فكانوا بذلك كافرين.

اتبعوا الشهوات: انغمسوا في الذنوب والمعاصي كالزنا وشرب الخمر.

يلقون غياً : أي وادياً في جهنم يلقون فيه.

ولا يظلمون شيئاً: أي لا ينقصون شيئا من ثواب حسناتهم.

جنات عدن: أي إقامة دائمة.

بالغيب : أي وعدهم بها وهي غائبة عن أعينهم لغيابهم عنها إذ هي في السماء وهم في الأرض.

مأتياً: أي موعوده وهو ما يعد به عباده آتياً لا محالة.

لغواً: أي فضل الكلام وهو ما لا فائدة فيه.

بكرةً وعشياً: أي بقدرهما في الدنيا وإلا فالجنة ليس فيها شمس فيكون فيها نهار وليل.

من كان تقياً: أي من كان في الحياة الدنيا تقياً لم يترك الفرائض ولم يغش المحارم.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } يخبر تعالى عن أولئك الصالحين ممن اجتبى وهدى من النبيين وذرياتهم، إنه خلف من بعدهم خلف سوء كان من شأنهم أنهم { أَضَاعُواْ2 ٱلصَّلَٰوةَ } فمنهم من أخرها عن أوقاتها ومنهم من تركها { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ 3} فانغمسوا في حمأة الرذائل فشربوا الخمور وشهدوا الزور وأكلوا الحرام ولهوا ولعبوا وزنوا وفجروا، بعد ذهاب أولئك الصالحين كما هو حال النصارى واليهود اليوم وحتى كثير من المسلمين، فهؤلاء الخلف السوء يخبر تعالى أنهم { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } بعد دخولهم نار جهنم. والغي: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بئر في جهنم وعن ابن مسعود أنه واد في4 جهنم، والكل صحيح إذ البئر توجد في الوادي وكثيراً ما توجد الآبار في الأودية.

وقوله تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي لكن من تاب من هذا الخلف السوء وآمن أي حقق إيمانه وعمل صالحاً فأدى الفرائض وترك غشيان المحارم. فأولئك أي فهؤلاء التائبون المنيبون { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } مع سلفهم الصالح، { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي ولا ينقصون ولا يبخسون شيئاً من ثواب أعمالهم.

وقوله تعالى: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي بساتين إقامة أبدية { ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي وعدهم بها وهي غائبة عنهم لم يروها لأنها في السماء وهم في الأرض.

وقوله: { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أي كونهم ما رأوها غير ضار لأن ما وعد به الرحمن لا يتخلف أبداً لا بد من الحصول عليه ومعنى مأتياً يأتيه صاحبه قطعاً.

وقوله تعالى في الآية [62] { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } يخبر تعالى أن أولئك التائبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ودخلوا الجنة لا يسمعون فيها أي في الجنة لغواً وهو الباطل من القول وما لا خير فيه من الكلام اللهم إلا السلام فإنهم يتلقونه من الملائكة فيسمعونه منهم وهو من النعيم الروحاني في الجنة دار النعيم.
وقوله تعالى: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي ولهم طعامهم فيها وهو ما تشتهيه أنفسم من لذيذ الطعام والشراب { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي في وقت الغداة في الدنيا وفي وقت العشي في الدنيا إذ لا ليل في الجنة 5ولا نهار، وإنما هي أنوار وجائز إذا وصل وقت الغداء أو العشاء تغير الأنوار من لون إلى آخر أو تغلق الأبواب وترخى الستائر ويكون ذلك علامة على وقت الغداء والعشاء.

وقوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ }6 آية [63] يشير تعالى إلى الجنة دار السلام تلك الجنة العالية { ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } منهم، أما الفاجر فإن منزلته فيها نورثها المتقي كما أن منزل التقي في النار نورثه فاجراً من الفجار، إذ هذا معنى التوارث: هذا يرث هذا وذاك يرث ذا، إذ ما من إنسان إلا وله منزلة في الجنة ومنزل في النار فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة ونزل في منزلته، ومن كفر وأشرك وعمل سوءاً دخل النار ونزل في منزله فيها، ويورث الله تعالى الأتقياء منازل الفجار التي كانت لهم في الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- التنديد بخلف السوء وهو من يضيع الصلاة ويتبع الشهوات.

2- الوعيد الشديد لمن ينغمس في الشهوات ويترك الصلاة فيموت على ذلك.

3- باب التوبة مفتوح والتوبة مقبولة من كل من أرادها وتاب.

4- بيان نعيم الجنة دار المتقين الأبرار.

5- تقرير مبدأ التوارث بين أهل الجنة وأهل النار.

6- بيان أن ورثة الجنة هم الأتقياء، وأن ورثة النار هم الفجار.
________________________________
1 الخلف: بإسكان اللام خلف سوء وبفتحها خلف خير وصلاح.
2 جائز أن يراد بهذا الخلف السيء كل من أضاع الصلاة بتركها أو بعدم إقامتها بإخلاله بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، واتبع الشهوات من أهل الكتاب ومن المسلمين.
3 اتباع الشهوات لازم لإضاعة الصلاة لقول عمر: مَن أضاعها فهو لما سواها أضيع، ولأنّ اقام الصلاة ينهى عن الفحشاء والمنكر.
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: غيّ: واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعدّ الله تعالى ذلك الوادي للزاني المصرّ على الزنى ولشارب الخمر المدمن عليه ولآكل الربا لا ينزع عنه، ولأهل العقوق ولشاهد الزور ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً ليس منه.
5 روى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبداً وإنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب". ذكره أبو الفرج ابن الجوزي، والمهدوي وغيرهما (القرطبي) .
6 الجملة مستأنفة، واسم الإشارة فيها للتنوبه بها وبعلو مقامها وعظم الكرامة فيها لأهل التقوى.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (6)
الحلقة (576)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 320الى صــــ 325)

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } 64 { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }65


شرح الكلمات:

وما نتنزل: التنزل النزول وقتا بعد وقت.

إلا بأمر ربك: أي إلا بإذنه لنا في النزول على من يشاء.

له ما بين أيدينا: أي مما هو مستقبل عن أمر الآخرة.

وما خلفنا: أي ما مضى من الدنيا.

وما بين ذلك: مما لم يمض من الدنيا إلى يوم القيامة أي له علم ذلك كله.

وما كان ربك نسيا: أي ذا نسيان فإنه تعالى لا ينسى فكيف ينساك ويتركك؟.

رب السماوات والأرض: أي مالكهما والمتصرف فيهما.

واصطبر لعبادته: أي أصبر وتحمل الصبر في عبادته حتى الموت.

هل تعلم له سمياً: أي لا سميَّ له ولا مثل ولا نظير فهو الله أحد، لم يكن له كفواً أحد.

معنى الآيتين:

لنزول هاتين الآيتين سبب وهو ما روى واستفاض أن الوحي تأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي يأتي بالوحي جبريل عليه السلام فلما جاء بعد بطءٍ قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فأنزل الله تعالى قوله: جوابا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم { 1وَمَا نَتَنَزَّلُ } أي نحن الملائكة وقتا بعد وقت على من يشاء ربنا { إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } أيها الرسول أي إلا بإذنه لنا فليس لأحد منا أن ينزل من سماء إلى سماء أو إلى أرض إلا بإذن ربنا عزوجل، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } أي له أمر وعلم ما بين أيدينا أي ما أمامنا من أمور الآخرة وما خلفنا أي مما مضى من الدنيا علماً وتدبيراً، وما بين ذلك إلى يوم القيامة علماً وتدبيراً، وما كان ربك عز وجل يا رسول الله 2 ناسيا لك ولا تاركا فإنه تعالى لم يكن النسيان وصفاً له فينسى.

وقوله تعالى: { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } يخبر تعالى رسوله بأنه تعالى مالك السماوات والأرض وما بينهما والمتصرف فيهما فكل شيء له وبيده وفي قبضته وعليه { فَٱعْبُدْهُ } أيها الرسول بما أمرك بعبادته به { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ 3} أي تحمل لها المشاق، فإنه لا إله إلا هو، فـ { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً4 } أي نظيراً أو مثيلاً والجواب لا: إذاً فاعبده وحده وتحمل في سبيل ذلك ما استطعت تحمله. فإنه لا معبود بحق إلا هو إذ كل ما عداه مربوب له خاضع لحكمه وتدبيره فيه.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:


1- تقرير سلطان الله على كل الخلق وعلمه بكل الخلق وقدرته على كل ذلك.

2- استحالة النسيان على الله عزوجل.

3- تقرير ربوبية الله تعالى للعالمين، وبذلك وجبت له الألوهية على سائر العالمين.

4- وجوب عبادة الله تعالى ووجوب الصبر عليها حتى الموت.

5- نفي الشبيه والمثل والنظير لله إذ هو الله أحد لم يكن له كفواً أحد.
__________________________

1 روى البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لجبريل عليه السلام: "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت: {وما نتنزّل إلاّ بأمر ربك} الآية، وقال مجاهد: أبطأ الملك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمّ أتاه فقال: ما الذي أبطأك؟ قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصّون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ولا تنقون رواجبكم ولا تستاكون. قال مجاهد: فنزلت الآية في هذا والمراد بالمعيب عليهم: بعض المؤمنين لا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحاشاه أن يكون معيباً وهو على أكمل الأحوال.
2 هذا تفسير لقوله تعالى: {وما كان ربك نسيّا} أي: ناسيا إذا شاء أن يرسل إليك أرسل.
3 أي: لطاعته، واللام بمعنى: على أي: على طاعته، ولا تحزن لتأخّر الوحي عنك، وأصل اصطبر: اصتبر فقلبت التاء طاءً تخفيفاً في النطق.
4 ولذا إجماع أهل الإسلام من عهد آدم أنه لا يجوز أن يسمى مخلوق باسم الله عزّ وجل "الله".

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } 66 { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } 67 { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } 68 { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } 69 { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } 70 { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } 71 { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }72


شرح الكلمات:

ويقول الإنسان: أي الكافر بلقاء الله تعالى.

ولم يك شيئاً: أي قبل خلقه فلا ذات له ولا اسم ولا صفة.

جثياً: أي جاثمين على ركبهم في ذل وخوف وحزن.

من كل شيعة: أي طائفة تعاونت على الباطل وتشيع بعضها لبعض فيه.

عتياً: أي تكبراً عن عبادته وظلما لعباده.

أولى بها صلياً: أي أحق بها اصطلاء واحتراقاً وتعذيباً في النار.

إلا واردها: أي ماراً بها إن وقع بها هلك، وإن مر ولم يقع نجا.

حتماً مقضياً: أي أمراً قضى به الله تعالى وحكم به وحتَّمه فهو كائن لا بد.

فيها جثياً: أي في النار جاثمين على ركبهم بعضهم إلى بعض.

معنى الآيات:

الآيات في سياق تقرير عقيدة البعث والجزاء يقول تعالى قوله وقوله الحق: { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ } أي المنكر للبعث والدار الآخرة وقد يكون القائل أُبي بن خلف أو العاص بن وائل وقد يكون غيرهما إذ هذه قولة كل من لا يؤمن بالآخرة يقول: { أَءِذَا 1مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } يقول هذا استنكاراً وتكذبياً قال تعالى: راداً على هذا الإِنسان قولته الكافرة { أَوَلاَ 2يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ } أي المنكر للبعث الآخر { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن3 قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } أيكذب بالبعث وينكره ولا يذكر خلقنا له من قبل، ولم يك شيئاً.

أليس الذي قدر على خلقه قبل أن يكون شيئاً قادراً على إعادة خلقه مرة أخرى أليست الإِعادة أهون من الخلق الأول والإِيجاد من العدم، ثم يقسم الله تبارك وتعالى لرسوله على أنه معيدهم كما كانوا ويحشرهم جميعا مع شياطينهم الذين يضلونهم ثم يحضرنهم حول جهنم جثيا على ركبهم أذلاء صاغرين. هذا معنى قوله تعالى في الآية [68] { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ4 وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً }.

وقوله تعالى: { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } يخبر تعالى بعد حشرهم إلى ساحة فصل القضاء أحياء مع الشياطين الذين كانوا يضلونهم، يحضرهم حول جهنم جثياً، ثم يأخذ تعالى من كل طائفة من تلك الطوائف التي أحضرت حول جهنم وهي جاثية تنتظر حكم الله تعالى فيها أيهم كان أشد على الرحمن عتيا أي تمرداً عن طاعته وتكبراً عن الإِيمان به وبرسوله ووعده ووعيده وهو معنى قوله تعالى في الآية [69] { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } وقوله تعالى: { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } يخبر تعالى بعلمه بالذين هم أجدر وأحق بالاصطلاء بعذاب النار، وسوف يدخلهم النار قبل غيرهم ثم يدخل باقيهم بعد ذلك وهو معنى قوله عزوجل: { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً }.5

وقوله: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } ، فإنه يخبر عز وجل عن حكمٍ حكم به وقضاء قضى به وهو أنه ما من واحد منا معشر بني آدم إلا وارد جهنم وبيان ذلك كما جاء في الحديث أن الصراط جسر يمد على ظهر جهنم والناس يمرون فوقه فالمؤمنون يمرون ولا يسقطون في النار والكافرون يمرون فيسقطون في جهنم، وهو معنى قوله في الآية [72] { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ 6} أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه بترك واجب ولا بارتكاب محرم { وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ } بالتكبر والكفر وغشيان الكبائر من الذنوب { فِيهَا جِثِيّاً } أي ونترك الظالمين فيها أي جهنم جاثمين على ركبهم يعانون أشد أنواع العذاب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بالحشر والاحضار حول جهنم والمرور على الصراط.

2- تقرير معتقد الصراط في العبور عليه إلى الجنة.

3- تقديم رؤساء الضلال وأئمة الكفر إلى جهنم قبل الأتباع الضالين.

4- تقرير حتمية المرور على الصراط.

5- بيان نجاة الأتقياء، وهلاك الفاجرين الظالمين بالشرك والمعاصي.
________________________________

1 اللام في: (لسوف) للتأكيد والاستفهام: (أإذا) : للإنكار، واللام: لام الابتداء جاء بها المتكلم لتأكيد إنكاره للبعث بعد الموت والخروج من قبره حيًّا.
2 الاستفهام للإنكار على منكر البعث، والتعجب من عقليته وعمى قلبه من عدم النظر في عدم أصل خلقه فإنه لو أبصر وزالت غفلته لما أنكر البعث فالذي خلقه اليوم يخلقه غداً ولا عجب.
3 قبل كبعد: ملازمة للإضافة فإذا حذف المضاف بنيت على الضم، والمضاف المحذوف هنا تقديره: من قبل كونه شيئاً يذكر في الوجود وقد أوجده الآن ولعدمه غداً ويحييه بعد موته يوم يريد ذلك.
4 الفاء: للتفريع، والضمير في: (لنحشرنهم) عائد على جنس الإنسان المكذّب بالبعث الآخر، والمشرك بالله المصر على ذلك، وذكر حشو الشياطين معهم تحقيراً لشأنهم حيث يحشرون مع أخس الخلق وأحطه ثمّ أشار إلى أنّ شركهم وكفرهم كان بتزيين الشياطين لهم ذلك، والجثي: جمع جاثٍ مثل: قاعد وقعود، فجثي: أصلها جثوي قلبت الواو ياء، وأدغمت، والجاثي هو البارك على ركبتيه عجزاً عن القيام.
5 يقال: صلى يصلى صُليّا كمضى يمضي مُضيا وهوى يهوي هويّا، وصِليّا بكسر الصاد: قراءة حفص، وبضمها: قراءة نافع، وهو مصدر صلي النار كرضي وهو مصدر سماعي بوزن فعول، قلبت فيه الواو ياء وأدغمت في الياء فصار صليَّا كما تقدّم في جثيا.
6 حاول صاحب التحرير أن يردّ مذهب الجمهور في ورود المؤمنين على الصراط كسائر الخلق ثمّ ينجي الله الذين اتقوا حيث يجتازونه بسلام ويقع فيه الكافرون فلا يخرجون وما هناك حاجة إلى ردّ مذهب الجمهور من أئمة الإسلام إذ حديث الصراط والمرور به ثابت قطعيّاً ففي صحيح مسلم: "ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة فيقولون: اللهم سلم سلم قيل: يا رسول الله: وما الجسر؟ قال: دحض مزلّة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون فيها شويكة يقال لها: السعدان، فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجٍ مسلّم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم، وبهذا الصراط.. فسّر السلف الورود على جهنم، ولم يقولوا بلازم الورود وهو الدخول، إذ قد يَرد المرء على الحوض ويقف على طرفه ولا يدخل فيه وورد وصحّ قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن مات له ثلاثة ولد لم يبلغوا الحنث لا تمسه النار إلاّ تحلة القسم" وهو الورود على متن جهنم نظراً إلى الآية {وإن منكم إلاّ واردها} .




ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (7)
الحلقة (577)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 325الى صــــ 330)
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } 73 { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } 74 { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } 75 { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }76


شرح الكلمات:

آياتنا بينات: أي آيات القرآن البينات الدلائل الواضحات الحجج.

خير مقاماً: نحن أم أنتم والمقام المنزل ومحل الإِقامة والمراد هنا المنزلة.

وأحسن ندياً: أي ناديا وهو مجتمع الكرام ومحل المشورة وتبادل الآراء.

أحسن أثاثاً ورئيا: أي مالا ومتاعا ومنظراً.

إما العذاب وإما الساعة: أي بالقتل والأسر وأما الساعة القيامة المشتملة على نار جهنم.

من هو شر مكانا: أي منزلة.

وأضعف جنداً: أي أقل أعواناً.

وخير مرداً: أي ما يرد إليه ويرجع وهو نعيم الجنة.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير النبوة والتوحيد والبعث الآخر يقول تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ1 عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا 2بَيِّنَٰتٍ } أي وإذا قرئت على كفار قريش المنكرين للتوحيد والنبوة المحمدية والبعث والجزاء يوم القيامة إذا قرأ عليهم رسول الله أو أحد المؤمنين من أصحابه بعض الآيات من القرآن البينات في معانيها ودلائلها على التوحيد والنبوة والبعث { قَالَ ٱلَّذِينَ 3كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } ، وقولهم هذا هو رد فعل لا غير، إذ أنهم لما يسمعون الآيات تحمل الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين مثلهم لا يجدون ما يخففون به ألم نفوسهم فيقولون هذا الذي أخبر تعالى به عنهم { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } أي فريق المؤمنين أو فريق الكافرين خير مقاماً أي منزلاً ومسكناً وأحسن نديا أي ناديا ومجتمعا يجتمع فيه، لأنهم يقارنون بين منازل فقراء المؤمنين ودار الأرقم بن أبي الأرقم التي يجتمع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وبين دور ومنازل أبي سفيان وأغنياء مكة ونادي قريش وهو مجلس شوراهم فرد تعالى عليهم بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً 4} أي لا ينبغي أن يغرهم هذا الذين يتبجحون به ويتطاولون فإنه لا يدوم لهم ما داموا يحاربون دعوة الحق والقائمين عليها فكم من أهل قرون أهلكناهم لما ظلموا وكانوا أحسن من هؤلاء مالا ومتاعا ومناظر حسنة جميلة.

وقوله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } أي اذكر لهم سنتنا في عبادنا يا رسولنا وهي أن من كان في ضلالة الشرك والظلم والمكابرة والعناد فإن سنة الرحمن فيه أن يمد له بمعنى يمهله ويملي له استدراجا حتى إذا انتهوا إلى ما حدد لهم من زمن يؤخذون فيه بالعذاب جزاء كفرهم وظلمهم وعنادهم وهو إما عذاب دنيوي بالقتل والأسر ونحوهما أو عذاب الآخرة بقيام الساعة حيث يحشرون إلى جهنم عميا وبكما وصما جزاء التعالي والتبجح بالكلام وهو معنى قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ 5مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } أي شر منزلة وأقل ناصراً أهم الكافرون أم المؤمنون، ولكن حين لا ينفع العلم.
إذ التدارك أصبح غير ممكن وإنما هي الحسرة والندامة لا غير.

وقوله تعالى: { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى 6} أي إذا كان تلاوة الآيات البينات تحمل المشركين على العناد والمكابرة وذلك لظلمة كفرهم فيزدادون كفراً وعناداً فإن المؤمنين المهتدين يزدادون بها هداية لأنها تحمل لهم الهدى في كل جملة وكلمة منها وهم لإِشراق نفوسهم بالإِيمان يرون ما تحمل الآيات من الدلائل والحجج والبراهين فيزداد إيمانهم وتزداد هدايتهم في السير في طريق السعادة والكمال بأداء الفرائض واجتناب المناهي.

وقوله تعالى: { وَٱلْبَاقِيَاتُ 2ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ } أيها الرسول { ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } في هذه الآية تسلية للرسول والمؤمنين بأن ما يتبجح به المشركون من المال والمتاع وحسن الحال لا يساوي شيئاً أمام الإِيمان وصالح الأعمال لأن المال فانٍ، والصالحات باقية فثواب الباقيات الصالحات من العبادات والطاعات خير من كل متاع الدنيا وخير مرداً أي مردوداً على صاحبها إذ هو الجنة دار السلام والتكريم والإِنعام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الكشف عن نفسيات الكافرين وهي الإِعتزاز بالمال والقوة إذا اعتز المؤمنون بالإِيمان وثمراته في الدنيا والآخرة من حسن العاقبة.

2- بيان سنة الله تعالى في إمهال الظلمة والإملاء لهم استدراجاً لهم حتى يهلكوا خاسرين.

3- بيان سنة الله تعالى في زيادة إيمان الؤمنين عند سماع القرآن الكريم، أو مشاهدة أخذ الله تعالى للظالمين.

4- بيان فضيلة الباقيات الصالحات ومنها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
_________________________________

1 المراد بهم الكفار الذين سبق ذكرهم في الآيات قبل هذه إذا قرئت عليهم الآيات تعزّزوا بالدنيا وقالوا فما بالنا إن كنا على باطل أكثر أموالاً وأعز نفرا وقصدهم إدخال الشبهة على المستضعفين من المؤمنين
2 (بينات) حال مؤكدة.
3 الذين كفروا كالنضر بن الحارث وأبي جهل والمؤمنون هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعمار وبلال وصهيب.
4 الأثاث: متاع البيت من فرش وغيرها مما هو جديد، فإن استعمل قيل فيه:. الخرثى قال الشاعر:
تقادم العهد من أم الوليد بنا
دهراً وصار أثاث البيت خرثياً
الرئي: المنظر الحسن. وفيه قراءات خمس أشهرها قراءة الجمهور ورئيا بالهمزة، وقراءة نافع ريّا بدون همزة واشتقاقه من الرؤية أي: المنظر، ومن الريّ ضد العطش، إذ الريّان هو المنعم ذو الحال الحسنة.
5 في الآية ردّ على قولهم: {أي الفريقين خير مقاماً وأحسن نديا} أي سوف تنكشف الحقائق في يوم القيامة، ويعلمون يقيناً من هو الأفضل حالاً والأحسن مآلاً.
6 وفي الآية وجه آخر مشرق صالح وهو: أن الله تعالى يمدّ لأهل الضلالة في ضلالتهم، ويزيد لأهل الهداية في هدايتهم إذ قال: {من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدًّا} . وقال: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً} وما في التفسير صالح ومشرق أيضاً.
7 أي: الأعمال الصالحة التي يعمل العبد إيماناً وإحساناً كالصلاة والصيام والصدقات والجهاد وذكر الله ثوابها لأهلها المدّخر لهم عند الله تعالى خير من أعمال أهل الكفر والشرك والظلم إذ هي ذاهبة هباء منثوراً فيم يتعزّز الكافرون؟

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } 77 { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } 78 { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } 79 { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }80


شرح الكلمات:

الذي كفر بآياتنا: هو العاص بن وائل.

لأوتين مالاً وولداً: يريد في الآخرة.

أطلع الغيب: أي فعرف أنه يعطى مالاً وولداً يوم القيامة.

كلا: ردع ورد فإنه لم يطلع الغيب ولم يكن له عند الله عهداً.

ونمد له من العذاب مداً: أي نضاعف له العذاب يوم القيامة.

ونرثه ما يقول: أي نسلبه ما تبجح به من المال والولد ويبعث فرداً ليس معه مال ولا ولد.

معنى الآيات:

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم معجباً له { أَفَرَأَيْتَ1 ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } اي كذب بالوحي وما يدعوا له من التوحيد والبعث والجزاء وترك الشرك والمعاصي. وهو العاص بن وائل المسمى أبو عمرو بن العاص. { وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } قال هذا لخباب بن الأرت حينما طالبه بدين له عليه فأبى أن يعطيه استصغاراً له لأنه قيَّن " حداداً " وقال له لا أعطيكه حتى تكفر بمحمد فقال له خباب والله ما أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثُمَّ تبعث فقال له العاص إذا أنا مِتُّ ثم بُعثت كما تقول ثم جئتني ولي مال وولد قضيتك دينك فأكذبه الله تعالى ورد عليه قوله بقوله عز وجل: { أَطَّلَعَ2 ٱلْغَيْبَ } فعرف أن له يوم القيامة مالاً وولداً. { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } بذلك بأن سيعطيه مالاً وولداً يوم القيامة { كَلاَّ3 } لم يطلع على الغيب ولم يكن له عند الرحمن عهداً. وقوله تعالى: { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } من الكذب والإِفتراء ونحاسبه به ونضاعف له العذاب به العذاب وهو معنى قوله تعالى: { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } ، وقوله تعالى: { وَنَرِثُهُ 4مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } أي ونسلبه ما يقول من المال والولد حيث يموت ويترك ذلك أو ينصر رسوله على قومه فيسلبهم المال والولد. ويأتينا في عرصات القيامة للحساب فرداً لا مال معه ولا ولد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الكشف عن نفسيات الكافرين لا سيما إذا كانوا أقوياء بمال أو لد أو سلطان فإنهم يعيشون على الغطرسة منه والاستعلاء وتجاهل الفقراء واحتقارهم.

2- تقرير البعث والحساب والجزاء.

3- مضاعفة العذاب على الكافرين الظالمين بعد كفرهم.

4- تقرير معنى آية: إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون.
__________________________________

1 الأئمة ومن بينهم مسلم في صحيحه على أن هذه الآية نزلت في الخباب والعاص بن وائل إذ كان لخباب دَين على العاص فطالبه فأجابه بما خلاصته في التفسير أعلاه.
2 {أطلع الغيب} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنظر في اللوح المحفوظ. وقال مجاهد: أعلِم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟
3 كلا: ردّ عليه أي: لم يكن له ذلك. أي: لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند الرحمن عهداً.
4 وقيل: نحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد إذ قال: لأوتين مالاً وولداً ورد تعالى عليه قوله بقوله: {اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً} .

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:51 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (8)
الحلقة (578)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 330الى صــــ 335)

{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } 81 { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } 82 { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } 83 { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } 84 { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } 85 { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } 86 { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }87


شرح الكلمات:

ليكونوا لهم عزاً: أي منعة لهم وقوة يشفعون لهم عند الله حتى لا يعذبوا.

سيكفرون بعبادتهم: أي يوم القيامة يجحدون أنهم كانوا يعبدونهم.

ضداً1: أي أعداء لهم وأعواناً عليهم.

تؤزهم أزاً: أي تزعجهم إزعاجاً وتحركهم حراكاً شديداً نحو الشهوات والمعاصي.

وفدا: أي راكبين على النُّجُب تحوطهم الملائكة حتى ينتهوا إلى ربهم فيكرمهم.

إلى جهنم ورداً: أي يُساق المجرمون كما تساق البهائم مشاة عطاشاً.

عهداً: هو شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

معنى الآيات:

يخبر تعالى مندداً المشركين فيقول: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً } أي معبودات من الأصنام فعبدوها بأنواع من العبادات، { لِّيَكُونُواْ لَهُمْ } - في نظرهم الفاسد - { عِزّاً 2} أي شفعاء لهم عندنا يعزون بواسطتهم ولا يُهانون، { كَلاَّ3 } أي ليس الأمر كما يظنون { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } وذلك يوم القيامة حيث ينكرون أنهم أمروهم بعبادتهم، { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } أي خصوماً، ومن4 ذلك قولهم.{ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [يونس: 28] وقولهم.{ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 41].

وقوله تعالى في الآية الثانية [83] { أَلَمْ تَرَ5 أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } يقول تعالى لرسوله ألم ينته إلى علمك يا رسولنا أنا أرسلنا الشياطين أي شياطين الجن والإِنس على الكافرين بنا وبآياتنا ورسولنا ولقائنا تؤزهم أزا أي تحركهم بشدة نجو الشهوات والجرائم والمفاسد، وتزعجهم إلى ذلك بالإِغراء إزعاجاً كبيراً. أي فلا تعجب من حال مسارعتهم إلى الشر والفساد ولا تعجل عليهم بمطالبتنا بهلاكهم إنما نعد لهم كل أعمالهم ونحصيها عليهم حتى أنفاسهم على كل ذلك ونجزيهم به. هذا معنى قوله تعالى: { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً 6}.

وقوله تعالى في الآية [85] { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي أذكر يا رسولنا نحشر المتقين { إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً }. والمتقون هم أهل الإِيمان بالله وطاعته وتوحيده ومحبته وخشيته وطاعة رسوله ومحبته وفداً أي راكبين على النجائب من النوق عليها رِحال الذهب إلى الرحمن إلى جوار الرحمن عز وجل في دار المتقين الجنة دار الأبرار والسلام.

وقوله تعالى: { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً }: أي ونسوق المجرمين على أنفسهم بالشرك والمعاصي مشاة على أرجلهم عطاشاً يُساقون سوق البهائم7 إلى جهنم وبئس الورد المورود جهنم.

وقوله تعالى { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ8 مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }9 أخبر تعالى أن المشركين المجرمين على أنفسهم بالشرك والمعاصي فدسوها لا يملكون الشفاعة يوم القيامة لا يشفع بعضهم في بعض كالمتقين ولا يشفع لهم أحد أبداً لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً بالإِيمان به وبطاعته بأداء الفرائض وترك المحرمات يملك إن شاء الله الشفاعة بأن يشفعه الله في غيره إكراماً له أو يشفع فيه غيره إكراماً للشافع أيضاً وإنعاما على المشفوع له.
كما أن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله المتبرئين من حولهم وقوتهم إلى الله الراجين ربهم يمكلون الشفاعة إن دخلوا النار بذنوبهم فيخرجون منها شفاعة من أراد الله أن يشفعه فيهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- براءة سائر المعبودات من دون الله من عابديها يوم القيامة خزياً لهم وإحقاقاً للعذاب عليهم.

2- لا عجب مما يشاهد من مسارعة الكافرين إلى الشر والفساد والشهوات لوجود شياطين تحركهم بعنف إلى ذلك وتدفعهم إليه.

3- لا ينبغي طلب العذاب العاجل لأهل الظلم لأنهم كلما ازدادوا ظلما ازداد عذابهم شدة يوم القيامة إذ كل شيء محصىً عليهم حتى أنفاسهم محاسبون عليه ومجزيون به.

4- بيان كرامة المتقين، ومهانة المجرمين.
_________________________________

1 الضدّ: ما يخالف ضده في الماهية أو المعاملة، ومن هذا تسمية العدو ضدّ لأن معاملته تخالف معاملة نظيره، ويكون ضدّ في معنى المصدرعاملوه معاملة المصدر فلا يثني ولا يجمع ولا يؤنث.
2 العزّ: ضد الذلّ، وأطلق العزّ هنا وأريد به سببه وهو الشفعاء والأعوان إذ بهم تحصل العزة وتكون المنعة.
3 {كلا} : جائز أن تكون نافية بمعنى: لا وليس وجائز أن تكون بمعنى: حقاً أي: حقاً سيكفرون بعبادتهم.. الخ.
4 أي: فيما أخبر تعالى به في قوله: {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} فها هم قد وقفوا ضدّهم بتكذيبهم إياههم. ورأى بعض أهل التفسير أنّ من الجائز أن تكون الآية مبشرة بنصر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن يوماً سيأتي يكفر المشركون بآلهتهم وذلك بعد إسلامهم.
5 الاستفهام للتقرير وفيه معنى التعجب أي: كيف لم تَرَ ذلك والأمر واضح لوجود آثاره يشاهدها كل أحد. وأرسلنا بمعنى سلطناهم أو خلّيناهم يفعلون بهم ما أرادوا من الإغواء والفتنة.
6 أي: لا تطالب بهلاكهم الفوري فإنا نعدّ لهم الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء آجالهم.
7 يطلق لفظ الورد على الماشية عندما تساق إلى الماء لترده، ويطلق على السير إلى الماء أيضاً كما يطلق على الماء المورود ومنه قوله تعالى: {وبئس الورد المورود} .
8 الاستثناء منقطع، والمنقطع هو: استثناء الشيء من غير جنسه، ولذا يؤتى بعده بلكن كما هو في التفسير أي: لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع.
9 من لهم عهد بالشفاعة حيث عهد الله تعالى إليهم بذلك هم الملائكة والأنبياء والشهداء أيضاً بدليل السنة الصحيحة، وفسّر ابن عباس رضي الله عنهما العهد أيضاً بشهادة أن لا إله إلاّ الله محمد رسول الله والقيام بحقها مع التبرؤ من الحول والقوة لله تعالى.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:52 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } 88 { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } 89 { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } 90 { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } 91 { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } 92 { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } 83 { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } 94 { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً }95


شرح الكلمات:

وقالوا اتخذ الرحمن ولداً: أي قال العرب الملائكة بنات الله وقال النصارى عيسى ابن الله.

جئتم شيئاً إداً: أي منكراً عظيماً.

يتفطرن: يتشققن من عظم هذا القول وشدة قبحه.

وتخر الجبال هداً: أي تسقط وتتهدم وتنهدم.

أن دعوا للرحمن ولداً: أي من أجل إدعائهم أن للرحمن عز وجل ولدا.

ولا ينبغي: أي لا يصلح ولا يليق به ذلك لأنه رب كل شيء ومليكه.

إلا آتي الرحمن عبداً: أي خاضعاً منقاداً كائناً من كان.

فرداً: أي ليس معه شيء لا مال ولا سلطان ولا ناصر.

معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر مقولات أهل الشرك والجهل والرد عليها من قبل الحق تبارك وتعالى قال تعالى مخبراً عنهم: { وَقَالُواْ } أي أولئك الكافرون { ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً 1} إذ قالت بعض القبائل العربية الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله. يقول تعالى لهم بعد أن ذكر قولهم { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً 2} أي أتيتم بشيء منكر عظيم، { تَكَادُ3 ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } أي يتشققن منه لقبح هذا القول وسوئه، { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ 4ٱلْجِبَالُ هَدّاً } أي تسقط لعظم هذا القول لأنه مغضب للجبار عز وجل ولولا حلمه ورحمته لمس الكون كله عذاب أليم. وقوله: { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً5 } أي أن نسبوا للرحمن ولداً، { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ } أي لا يصلح له ولا يليق بجلاله وكماله الولد، لأن الولد نتيجة شهوة بهيمية عارمة تدفع الذكر إلى إتيان الأنثى فيكون بإذن الله الولد، والله عز وجل منزه عن مشابهته لمخلوقاته وكيف يشبههم وهو خالقهم وموجدهم من العدم؟

وقوله تعالى { إِن كُلُّ 6مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } هذا برهان على بطلان قولة الكافرين الجاهلين، إذ الذي ما من أحد في السماوات أو في الأرض من ملائكة وإنس وجن إلا آتي الرحمن عبداً خاضعاً ذليلاً منقاداً يوم القيامة كيف يعقل اتخاذه 7ولداً، إذ الولد يطلب للحاجة إليه، والغنى عن كل خلقه ما هي حاجته إلى عبد من عباده يقول هذا ولدي اللهم إنا نبرؤا إليك مما يقوله الجاهلون بك الضالون عن طريق هدايتك.

وقوله تعالى: { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } أي علمهم واحداً واحداً فلو كان بينهم إله معه أو ولد له لعلمه، فهذا برهان آخر على بطلان تلك الدعوة الجاهلية الباطلة الفاسدة وقوله: { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } هذا رد على أولئك الذين يدعون أنهم إن بعثوا يكون لهم المال والولد والشفيع والنصير. فأخبر تعالى أنه ما من أحد إلا ويأتيه يوم القيامة فرداً ليس معه شافع ولا ناصر، ولا مال ولا سلطان.

هداية الآيات

من هداية الآيات


1- عظم الكذب على الله بنسبة الولد أو الشريك إليه أو القول عليه بدون علم.

2- بيان أن كل المخلوقات من أجلّها إلى أحقرها ليس فيها غير عبد لله فنسبة الإنسان أو الجان أو الملك إلى الله تعالى هي عبد لرب مالك قاهر عزيز حكيم.

3- بيان إحاطة الله بخلقه ومعرفته لعددهم فلا يغيب عن علمه أحد منهم، ولا يتخلف عن موقف القيامة فرد منهم إذ الكل يأتي الله تعالى يوم القيامة فردا.

____________________________________

1 قرىء: (وُلداً) بضم الواو وسكون اللام، وقراءة الجمهور (ولدا) بفتح الواو واللام وهما لغتان مثل: العُرب والعَرب. والعُجم والعَجم قال الشاعر:
ولقد رأيت معاشرا
قد ثمّروا مالا ووُلداً
وقال آخر:
مهلا فداءً لك الأقوام كلهم
وما أثمر من مال ومن وَلَد
ففي البيت الأول شاهد وُلد بسكون اللام وفي الثاني شاهد لفتحها مع ضم الواو في الأول وفتحا في الثاني.
2 الإد والإدة: الداهية والأمر الفظيع. قال ابن عباس: الإدّ: المنكر العظيم.
(تكاد) بالتاء قراءة العامة، وقرأ نافع بالياء (يكاد) .
4 الهدّ: الهدم بصوت شديد، والهدّة: صوت وقع الحائط ونحوه.
5 روى البخاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: "يقول الله تبارك وتعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إياي فقوله: ليس يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأمّا شتمه إيّاي: فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
6 (إنْ) نافية بمعنى ما. في الآية دليل على عدم جواز ملك الوالد للولد ولا الولد للوالد، وفي الحديث الصحيح: "لا.. ولد والدا إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". فإذا لم يملك الأب ابنه فلأن لا يملك الابن أباه من باب أولى.
7 روي أحمد في المسند أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين: وفي لفظ إ "نهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:52 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (9)
الحلقة (579)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 335الى صــــ 339)

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } 96 { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } 97 { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }98

شرح الكلمات:

وداً: أي حبا فيعيشون متحابين فيما بينهم ويحبهم ربهم تعالى.

فإنما يسرناه بلسانك: أي يسرنا القرآن أي قراءته وفهمه بلغتك العربية.

قوماً لداً: أي ألداء شديدوا الخصومة والجدل بالباطل وهم كفار قريش.

وكم أهلكنا: أي كثيراً من أهل القرون من قبلهم أهلكناهم.

هل تحس منهم من أحد: أي هل تجد منهم أحداً.

أو تسمع لهم ركزا: أي صوتا خفياً والجواب لا لأن الاستفهام إنكاري.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أن الذين بالله وبرسوله وبوعد الله ووعيده فتخلوا عن الشرك والكفر وعملوا الصالحات وهي أداء الفرائض وكثير من النوافل هؤلاء يخبر تعالى أنه سيجعل لهم في قلوب عباده المؤمنين محبة 1ووداً وقد فعل سبحانه وتعالى فأهل الإِيمان والعمل الصالح متحابون متوادون، وهذا التوادد بينهم ثمرة لحب الله تعالى لهم. وقوله تعالى: { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ } أي هذا القرآن الذي كذب به المشركون سهلنا قراءته عليك إذ أنزلناه بلسانك { لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ } من عبادنا المؤمنين وهم الذين اتقوا عذاب الله بالإِيمان وصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي، { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }2 وهم كفار قريش وكانوا ألداء أشداء في الجدل والخصومة، وقوله تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا 3قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } أي وكثيراً من أهل القرون السابقة لقومك أهلكناهم لما كذبوا رسلنا وحاربوا دعوتنا { هَلْ تُحِسُّ 4 مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ } فتراه بعينك أو تمسه بيدك، { أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ5 رِكْزاً } أي صوتاً خفياً اللهم لا فهلا يذكر هذا قومك فيتعظوا فيتوبوا إلى ربهم بالإِيمان به وبرسوله ولقائه ويتركوا الشرك والمعاصي.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- أعظم بشرى تحملها الآية الأولى وهي حب الله وأوليائه لمن آمن وعمل صالحاً.

2- بيان كون القرآن ميسراً أن نزل بلغة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل البشارة لأهل الإيمان والعمل الصالح والنذارة لأهل الشرك والمعاصي.

3- إنذار العتاة والطغاة من الناس أن يحل بهم ما حل بمن قبلهم من هلاك ودمار والواقع شاهد أين أهل القرون الأولى؟
_______________________________________
1 روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنّ الله تعالى إذا أحبّ عبداً دعا جبريل عليه السلام فقال: إني أحب فلاناً فأحبّه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء- قال: ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبداً دعا جبريل عليه السلام وقال: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".
2 (لُدًَّا) : جمع الألد، وهو: الشديد الخصومة، ومنه قوله تعالى: {ألدّ الخصام} وقال الشاعر:
أبيت نجيا للهموم كأنني
أخاصم أقواما ذوي جدل لدّا
3 في الآية تهديد وتخويف لأهل مكة المصرين على الكفر والشرك والتكذيب. وكم: خبرية، والقرن: الجيل والأمة. ويطلق على الزمان الذي تعيش فيه الأمة وشاع إطلاقه على المائة سنة.
4 والإحساس: الإشراك بالحس. والاستفهام إنكاري.
5 قيل: الرّكز: ما لا يفهم من صوت أو حركة.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:53 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


سورة طه
مكية
وآياتها مائة وخمس وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم


{ طه } 1 { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } 2 { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } 3 { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } 4 { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } 5 { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } 6 { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } 7 { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }8


شرح الكلمات:

طه: أي يا رجل.

إلا تذكرة: أي يتذكر بالقرآن من يخشى عقاب الله عز وجل.

على العرش استوى: أي ارتفع عليه وعلا.

وما تحت الثرى: الثرى التراب الندي يريد ما هو أسفل الأرضين السبع.

وأخفى: أي من السر، وهو ما علمه الله وقدر وجوده وهو كائن ولكن لم يكن بعد.

الحسنى: الحسنى مؤنث الأحسن المفضل على الحسن.

معنى الآيات:

قوله تعالى { طه }1 لفظ طه جائز أن يكون من الحروف المقطعة، وجائز أن يكون معناه يا رجل 2ورجح الأمر ابن جرير لوجوده في لغة العرب طه بمعنى يا رجل وعلى هذا فمعنى الكلام يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى رداً على النضر بن الحارث الذي قال إن محمداً شقي بهذا القرآن الذي أنزل عليه لما فيه من التكاليف فنفى الحق عز وجل ذلك وقال { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } وإنما أنزلناه ليكون3 تذكرة ذكرى يذكر بها من يخشى ربه فيقبل على طاعته متحملاً في سبيل ذلك كل ما قد يلاقي في طريقه من أذى قومه المشركين بالله الكافرين بكتابه والمكذبين لرسوله، وقوله: { تَنزِيلاً 4مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } أي هذا القرآن الذي ما أنزلناه لتشقى به ولكن تذكرة لمن يخشى نُزِّل تنزيلاً من الله الذي خلق الأرض والسماوات العلى: { ٱلرَّحْمَـٰنُ5 عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } أي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما الذي استوى على عرشه استواءً يليق به يدبر أمر مخلوقاته، الذي { لَهُ 6مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ7 } من الأرضين السبع. وقوله { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ } أيها الرسول أو تُسِر { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى 8} من السر، وهو ما قدره الله وهو واقع في وقته المحدد له فعلمه تعالى ولم يعلمه الإِنسان بعد. وقوله: { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي الله المعبود بحق الذي لا معبود بحق سواه { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } التي لا تكون إلا له، ولا تكون لغيره من مخلوقاته. وهكذا عرَّف تعالى عباده به ليعرفوه فيخافونه ويحبونه فيؤمنون به ويطيعونه فيكملون على ذلك ويسعدون فلله الحمد وله المنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إبطال نظرية أن التكاليف الشرعية شاقة ومرهقة للعبد.

2- تقرير عقيدة الوحي وإثبات النبوة المحمدية.

3- تقرير الصفات الإِلهية كالاستواء ووجوب الإِيمان بها بدون تأويل أو تعطيل أو تشبيه بل إثباتها على الوجه الذي يليق بصاحبها عز وجل.

4- تقرير ربوبية الله لكل شيء.

5- تقرير التوحيد وإثبات أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى.
_________________________________

1 نزلت (طه) قبل إسلام عمر رضي الله عنه لما روي: أنه دخل على بيت ختنه سعيد بن زيد فوجده يقرأها مع زوجه فاطمة بنت الخطاب أخت عمر رضي الله عنهم أجمعين فطلبها فلم يُعطها حتى اغتسل فلمّا قرأها لان قلبه ورق للإسلام.
2 قيل: إن طه بمعنى: يا رجل لغة معروفة في عكل حتى إنك إذا ناديت المرء بيا رجل لم يجبك حتى تقول: طه وأنشد الطبري في هذا قول الشاعر:
دعوت بطه في القتال فلم يجب
فخفت عليه أن يكون مزيلاً
3التذكرة: خطور المنسي بالذهن لأنّ التوحيد مستقر في الفطرة والإشراك مناف لها فسماع القرآن كقراءته يثير كامن التوحيد في فطرة الإنسان.
(تنزيلا) حال من القرآن، المراد منها التنويه بشأن القرآن والإعلان عن خطره.
(الرحمن) يجوز أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف أي: هو الرحمن جل جلاله. ويجوز أن تكون مبتدأ واختير اسم الرحمن لأن المشركين ينكرون اسم الرحمن جهلاً منهم وعناداً.
6 تقديم الجار والمجرور: مؤذن بالحصر، وهو كذلك، إذ ليس لأحد ملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وما تحت الثرى سواه عزّ وجلّ.
7 ما تحت الثرى: هو باطن الأرض كله.
8 وجائز أن يكون أخفى السر: حديث النفس إذ هو أخفى من السر إذ السر ينطق به، وخاطر النفس لا ينطق به.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:53 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (1)
الحلقة (580)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 339الى صــــ 345)

{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } 9 { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } 10 { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } 11 { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } 12 { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } 13 { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } 14 { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } 15 { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ }16


شرح الكلمات:

هل أتاك: قد أتاك فالاستفهام للتحقيق.

حديث موسى: أي خبره وموسى هو ابن عمران نبي بني إسرائيل.

إذ رأى ناراً: أي حين رؤيته ناراً.

لأهله: زوجته بنت شعيب ومن معها من خادم أو ولد.

آنست ناراً: أي أبصرتها من بعد.

بقبس1: القبس عود في رأسه نار.

على النار هدى: أي ما يهديني الطريق وقد ضل الطريق إلى مصر.

فلما أتاها: أي النار وكانت في شجرة من العوسج ونحوه تتلألؤ نوراً لا ناراً.

نودي يا موسى: أي ناداه ربه قائلاً له يا موسى....!

المقدس طوى2: طوى اسم للوادي المقدس المطهر.

اخترتك: من قومك لحمل رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل.

فاستمع لما يوحى: أي إليك وهو قوله تعالى: { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ }.

لذكري: أي لأجل أن تذكرني فيها.

أكاد أخفيها3: أي أبالغ في إخفائها حتى لا يعلم وقت مجيئها أحد.

بما تسعى: أي سعيها في الخير أو في الشر.

فتردى: أي تهلك.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ففي نهاية الآية السابقة [8] كان قوله تعالى{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } تقريراً للتوحيد وإثباتاً له وفي هذه الآية [9] يقرره تعالى عن طريق الإخبار عن موسى، وأن أول ما أوحاه إليه من كلامه كان إخباره بأنه لا إله إلا هو أي لا معبود غيره وأمره بعبادته. فقال تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ 4} أي يا نبينا { حَدِيثُ مُوسَىٰ5 إِذْ رَأَى نَاراً } ، وكان في ليلة مظلمة شاتية وزنده الذي معه لم يقدح له ناراً { فَقَالَ لأَهْلِهِ } أي زوجته ومن معها وقد ضلوا طريقهم لظلمة الليل، { ٱمْكُثُوۤاْ } اي ابقوا هنا فقد آنست ناراً أي أبصرتها { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } فنوقد به ناراً تصطلون بها أي تستدفئون بها، { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } أي أجد حولها ما يهدينا طريقنا الذي ضللناه.

وقوله تعالى: { فَلَمَّآ أَتَاهَا } أي أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة 6تتلألؤ نوراً { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } أي ناداه ربه تعالى قائلاً يا موسى { إِنِّيۤ أَنَاْ7 رَبُّكَ } أي خالقك ورازقك ومدبر أمرك { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } وذلك من أجل أن يتبرك بملامسة الوادي المقدس بقدميه. وقوله تعالى { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } أي لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم. { فَٱسْتَمِعْ8 لِمَا يُوحَىۤ } أي إليك وهو: { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ } أي أنا الله المعبود بحق ولا معبود بحق غيري وعليه فاعبدني وحدي، { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ 9} ، أي لأجل أن تذكرني فيها وبسببها. فلذا من لم يصل لم يذكر الله تعالى وكان بذلك كافراً لربه تعالى. وقوله { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ 10 } أي إن الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء من قبورهم للحساب والجزاء آتية لا محالة.
من أجل مجازاة العباد على أعمالهم وسعيهم طوال أعمارهم من خير وشر، وقوله: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي أبالغ في إخفائها حتى أكاد أخفيها عن نفسي. وذلك لحكمة أن يعمل الناس ما يعملون وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يبعثون فتكون أعمالهم بإراداتهم لا إكراه عليهم فيها فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً، وقوله: { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ } ينهى تعال موسى أن يَقبل صدَّ صَادٍ من المنكرين للبعث متَّبعي الهوى عن الإِيمان بالبعث والجزاء والتزود بالأعمال الصالحة لذلك اليوم العظيم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهو لا يظلمون، فإن من لا يؤمن بها ولا يتزود لها يردى أي يهلك.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

2- تقرير التوحيد وإثباته، وأن الدعوة إلى لا إله إلا الله دعوة كافة الرسل.

3- إثبات صفة الكلام لله تعالى.

4- مشروعية التبرك بما جعله الله تعالى مباركاً، والتبرك التماس البركة حسب بيان الرسول وتعليمه.

5- وجوب إقام الصلاة وبيان علة ذلك وهو ذكر الله تعالى.

6- بيان الحكمة في إخفاء الساعة مع وجوب اتيانها وحتميته.
___________________________________

1 القبس والمقباس يقال: قبست منه ناراً أقبس قبساً فقبسنى أي: أعطاني منه قبساً بتحريك السين مفتوحة، واقتبست منه علماً لأن العلم نور، من مادة النار التي هي الضياء والإشراق.
2 طوى بالكسر وبالضم أشهر وبه قراءة عامة القراء، وهو اسم للوادي وفي لفظه ما يشير إلى أنه مكان فيه ضيق كالثوب المطوي أو لأن موسى طواه سيراً.
3 لما كانت الساعة مخفية الوقوع أثار قوله تعالى {أكاد أخفيها} تساؤلات كثيرة أقربها إلى الواقع ثلاثة. الأول: إخفاء الحديث عنها لأن الحديث عنها لا يزيد المعاندين من منكري البعث إلاّ عناداً. والثاني: أنّ كاد زائدة والتقدير: أنّ الساعة آتية أخفيها، والثالث: أن أخفيها بمعنى: أزيل خفاءها بأن أظهرها فتكون الهمزة للسلب نحو أعجم الكتاب: أزال عجمته وأشكى زيداً: إذا أزال شكواه.
4 هذا الاستفهام أريد به التشويق لما يلقى لعظيم فائدته، وهل هنا بمعنى قد المفيدة للتحقيق هي كما في قوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} أي قد أتى.
5 الحديث: الخبر، ويجمع على غير قياس: أحاديث، وقيل: واحده أحدوثة واستغنوا به عن جمع فعلاء لأن فعيل يجمع على فعلاء. كرحيم ورحماء وسعيد وسعداء وهو اسم للكلام الذي يحكى به أمر قد حدث في الخارج.
6 قيل: هي شجرة عنّاب.
7 قرأ حمزة وحده، وانَّا اخترناك بضمير العظمة.
8 في هذه الآية إشارة إلى أن التعارف بين المتلاقين حسن فقد عرفه تعالى بنفسه في أوّل لقاء معه، روى أنه وقف على حجر واستند على حجر ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره وهذه حالة الاستماع المطلوبة من صاحبها.
9 استدل مالك على أن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها مستدلا بقوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} أي: لأول وقت ذكرك لها والسنة صريحة في هذا إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها فلا كفارة لها إلاّ ذاك"
10 الساعة علم بالغلبة على ساعة البعث والحساب.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:54 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } 17 { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } 18 { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } 19 { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } 20 { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } 21 { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } 22 { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } 23 { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ }24

شرح الكلمات:

وما تلك بيمينك يا موسى: الاستفهام للتقرير به ليرتب عليه المعجزة وهي انقلابها حية.

أتوكأ عليها: أي أعتمد عليها.

وأهش بها على غنمي: أخبط بها ورق الشجر فيتساقط فتأكله الغنم.

ولي فيها مآرب أخرى: أي حاجات أخرى كحمل الزاد بتعليقه فيها ثم حمله على عاتقه، وقتل الهوام.

حية تسعى: أي ثعبان عظيم، تمشي على بطنها بسرعة كالثعبان الصغير المسمى بالجان.

سيرتها الأولى: أي إلى حالتها الأولى قبل أن تنقلب حيّة.

إلى جناحك: أي إلى جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإِبط.

بيضاء من غير سوء: أي من غير برص تضيء كشعاع الشمس.

إذهب إلى فرعون: أي رسولاً إليه.

إنه طغى: تجاوز الحد في الكفر حتى ادعى الألوهية.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم مع موسى وربه تعالى إذ سأله الرب تعالى وهو أعلم به وبما عنده قائلا: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ 1}؟ يسأله ليقرر بأن ما بيده عصا من خشب يابسة، فإذا تحولت إلى حية تسعى علم أنها آية له أعطاه إياها ربه ذو القدرة الباهرة ليرسله إلى فرعون وملائه. وأجاب موسى ربه قائلا: { هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا2 وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } يريد يخبّط بها الشجر اليابس فيتساقط الورق فتأكله الغنم { وَلِيَ فِيهَا3 مَآرِبُ } أي حاجات { أُخْرَىٰ4 } كحمل الزاد والماء يعلقه بها ويضعه على عاتقه كعادة الرعاة وقد يقتل بها الهوام الضارة كالعقرب والحية. فقال له ربه عز وجل { أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ فَأَلْقَاهَا } من يده { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ 5} أي ثعبان عظيم تمشي على بطنها كالثعبان الصغير المسمى بالجان فخاف موسى منها وولى هارباً فقال له الرب تعالى: { خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى6 } أي نعيدها عصا كما كانت قبل تحولها إلى حية وفعلاً أخذها فإذا هي عصاه التي كانت بيمينه. ثم أمره تعالى بقوله: { وَٱضْمُمْ يَدَكَ } أي اليمنى { إِلَىٰ جَنَاحِكَ7 } الأيسر { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي برص وفعل فضم تحت عضده إلى إبطه ثم استخرجها فإذا هي تتلألؤ كأنها فلقة قمر، أو كأنها الثلج بياضاً أو أشد، وقوله تعالى { آيَةً أُخْرَىٰ } أي آية لك دالة على رسالتك أخرى إذ الأولى هي انقلاب العصا إلى حية تسعى كأنها جان. وقوله تعالى: { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } أي حولنا لك العصا حية وجعلنا يدك تخرج بيضاء من أجل أن نريك من دلائل قدرتنا وعظيم سلطاننا. وقوله تعالى: { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } لما اراه من عجائب قدرته أمره أن يذهب إلى فرعون رسولاً إليه يأمره بعبادة الله وحده وأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرج بهم إلى أرض المعاد بالشام وقوله { إِنَّهُ طَغَىٰ } أي تجاوز قدره، وتعدى حده كبشر إذ أصبح يدعي الربوبية والألوهية إذ فقال:
{ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24] وقال:{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، فأي طغيان أكبر من هذا الطغيان.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذه الأخبار لا تصح إلا ممن يوحى إليه.

2- استحباب تناول الأشياء غير المستقذرة باليمين.

3- مشروعية حمل العصا8.

4- سنة رعي الغنم للأنبياء.

5- مشروعية التدريب على السلاح قبل استعماله في المعارك.

6- آية موسى في انقلاب العصا حية وخروج اليد البيضاء كأنها الثلج أو شعاع شمس.

7- بيان الطغيان: وهو ادعاء العبد ما ليس له كالألوهية ونحوها.
_____________________________

1 الجملة معطوفة على الجمل قبلها، وهي استفهامية أي: وما التي بيمينك؟ والمقصود تقرير الأمر حتى يقول موسى: هي عصاي.
2 في هذه الآية دليل على جواز إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه. وفي الحديث وقد سئل عن ماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فزاد جملة: "الحل ميتته" وقوله للتي سألته قائلة: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر" فزاد "ولك أجر" وفي البخاري: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأل.
3 الواحد: مأربة مثلثة الراء.
4 أطنب موسى في الجواب طلبا لمزيد الأنس بالوقوف بين يدي ربّه يناجيه ويوحي إليه.
5 الحية: اسم لصنف من الحنش مسموم إذا عض بنابيه قتل المعضوض.
6 السيرة في الأصل: هيئة السير ونقلت إلى العادة والطبيعة.
7 الجناح: العضد وما تحته من الإبط فهو مع اليد كجناح الطائر.
8 كان خطاء العرب يحملونها في أثناء الخطاب يشيرون بها، وكره هذا الشعوبيون من غير العرب وهم محجوجون بفعل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وللّعصا فوائد كثيرة آخر فوائدها أنها تذكر بالسفر إلى الآخرة.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (2)
الحلقة (581)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 345الى صــــ 349)

{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } 25 { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } 26 { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } 27 { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } 28 { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } 29 { هَارُونَ أَخِي } 30 { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } 31 { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } 32 { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } 33 { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } 34 { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }35


شرح الكلمات:

اشرح لي صدري: أي وسعه لأتحمل الرسالة.

ويسر لي أمري: أي سهله حتى أقوى على القيام به.

واحلل عقدة من لساني1: أي حبسة حتى أُفهم من أُخاطب.

اشدد به أزري: أي قوي به ظهري.

وأشركه في أمري: أي اجعله نبياً كما نبأتني2.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حديث موسى عليه السلام مع ربه سبحانه وتعالى إنه بعد أن أمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة الله وحده وإرسال بني إسرائيل مع موسى ليذهب به إلى أرض القدس قال موسى عليه السلام لربه تعالى { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } لأتحمل أعباء الرسالة { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي سهل مهمتي عليَّ وارزقني العون عليها فإنها صعبة شاقة. { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } تلك العقدة التي نشأت بسبب الجمرة التي ألقاها في فمه بتدبير الله عزوجل حيث عزم فرعون على قتله لما وضعه في حجره يلاعبه فأخذ موسى بلحية فرعون ونتفها فغضب فقالت له آسية إنه لا يعقل لصغر سنه وقالت له تختبره بوضع جواهر في طبق وجمر في طست ونقدمهما له فإن أخذ الجواهر فهو عاقل ودونك افعل به ما شئت، وإن أخذ الجمر فهو غير عاقل فلا تحفل به ولا تغتم لفعله، وقدم لموسى الطبق والطست فمد يده إلى الطست بتدبير الله فأخذ جمرة فكانت سبب هذه العقدة فسأل موسى ربه أن يحلها من لسانه ليفصح إذا خاطب فرعون وبين فيفُهم قوله، وبذلك يؤدي رسالته. هذا معنى قوله: { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي }3.

وقوله تعالى فيما أخبر عن موسى { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً 4مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي } أي طلب من الله تعالى أن يجعل له من أخيه هارون معيناً على تبليغ الرسالة وتحمل أعبائها. وقوله: { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 5} أي قوّ به ظهري. وقوله: { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } وذلك بتنبئته وإرساله ليكون هارون نبياً رسولاً. وعلل موسى عليه الصلاة والسلام لطلبه هذا بقوله: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً6 وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } ، وقوله { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } أي أنك كنت ذا بصر بنا لا يخفى عليك شيء من أمرنا وهذا من موسى توسل إلى الله تعالى في قبول دعائه وما طلبه من ربه توسل إليه بعلمه تعالى به وبأخيه وبحالهما.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وجوب اللجأ إلى الله تعالى في كل ما يهم العبد.

2- مشروعية الأخذ بالأُهبة والاستعداد لما يعتزم العبد القيام به.

3- فضيلة التسبيح والذكر، والتوسل بأسماء الله وصفاته.
______________________________

1 أصل العقدة: موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر وهي فُعلة كغرفة وشرفة أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف ويقال: حُبسة فشبه موسى حبسة لسانه بالعقدة في الحبل ونحوه.
2 يقال: ما برّ أخ أخاه كما برّ موسى أخاه هارون إذ طلب له أشرف مطلب الرسالة والنبوة.
3 اختلف في هل انحلّت تلك العقدة أو لم تنحل، والصحيح أنها انحلّت إجابة الله تعالى لدعوة موسى إذ قال: {قد أجيبت دعوتكما} وأما قول فرعون: ولا يكاد يبين فهو تكرار لما سبق ولأجل الانتقاص من كمال موسى عليه السلام.
4 الوزير: المؤزار كالأكيل للمؤاكل، وفي حديث النسائي: "من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه".
5 الأزر: الظهر من موضع الحقوين، والأزر: القوة أيضاً وآزره أي: قواه، وقيل: الأزر العون، ومنه قول أبي طالب.
أليس أبونا هاشم شدّ أزره
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
6 في هذه الآية دليل على فضل التسبيح والذكر إذ لولا أن موسى علم حب الله تعالى لهما لما توسل بهما لقضاء حاجته.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } 36 { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } 37 { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } 38 { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } 39 { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } 40 { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }41


شرح الكلمات:

قد أوتيت سؤلك1: أي مسؤولك من انشراح صدرك وتيسير أمرك وانحلال عقدة لسانك، وتنبئة أخيك.

ولقد مننا عليك مرة أخرى: أي أنعمنا عليك مرة أخرى قبل هذه.

ما يوحى: أي في شأنك وهو قوله: أن اقذفيه الخ.

في التابوت: أي الصندوق.

فاقذفيه في اليم: أي في نهر النيل.

ولتصنع على عيني2: تربى بمرأى مني ومحبة وإرادة.

على من يكفله: ليكمل له رضاعه.

وقتلت نفساً : هو القبطي الذي قتلته بمصر وهو بيت فرعون.

فنجيناك من الغم: إذا استغفرتنا فغفرنا لك وأئتمروا بك ليقتلوك فنجيناك منهم.

وفتناك فتونا: أي اختبرناك اختبارا وابتليناك ابتلاء عظيما.

جئت على قدر3: أي جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون.

واصطنعتك لنفسي: أي أنعمت عليك بتلك النعم اجتباءً منا لك لتحمل رسالتنا.

معنى الآيات:

ما زال السياق في حديث موسى مع ربه تعالى فقد تقدم أن موسى عليه السلام سأل ربه أموراً لتكون عوناً له على حمل رسالته فأجابه تعالى بقوله: في هذه الآية [36] { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي قد أعطيت ما طلبت، { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي قبل هذه الطلبات وهي أنه لما أمر فرعون بذبح أبناء بني إسرائيل 4{ إِذْ أَوْحَيْنَآ 5إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } أي في الصندوق 6{ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أي نهر النيل { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ7 لَّهُ } فهذه النجاة نعمة، ونعمة أخرى تضمنها قوله تعالى: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } أي أضفيت عليك محبتي فأصبح من يراك يحبك، ونعمة أخرى وهي: من أجل أن تُربَّى وتغذى على مرأى مني وإرادة لي أرجعتك بتدبيري إلى أمك لترضعك وتقر عينها ولا تحزن على فراقك، وهو ما تضمنه قوله تعالى: { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ 8} فتقول: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } لكم أي لارضاعه وتربيته. { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } ، ونعمة أخرى وهي أعظم إنجاؤنا لك من الغم الكبير بعد قتلك النفس وائتمار آل فرعون على قتلك { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } من القتل وغفرنا لك خطيئة القتل. وقوله تعالى: { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً }9 أي ابتليناك ابتلاءً عظيما وها هي ذي خلاصته في الأرقام التالية:

1- حمل أمك بك في السنة التي يقتل فيها أطفال بني إسرائيل.

2- إلقاء أُمك بك في اليم.

3- تحريم المراضع عليك حتى رجعت إلى أمك.

4- أخذك بلحية فرعون وهمه بقتلك.

5- قتلك القبطي وائتمار آل فرعون بقتلك.

6- إقامتك في مدين وما عانيت من آلام الغربة.

7- ضلالك الطريق بأهلك وما أصابك من الخوف والتعب.

هذه بعض ما يدخل تحت قوله تعالى: { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } وقوله { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } ترعى غنم شعيب عشراً من السنين { ثُمَّ جِئْتَ } من مدين إلى طور سينا { عَلَىٰ قَدَرٍ } منا مقدر ووعد محدد ما كنت تعلمه حتى لاقيته.
واصطنعتك لنفسي أي خلقتك وربيتك وابتليتك واتيت بك على موعد قدَّرْته لأُحمِّلك عبء الرسالة إلى فرعون وبني إسرائيل: إلى فرعون لتدعوه إلى عبادتنا وإرسال بني إسرائيل معك إلى أرض المعاد. وإلى بني إسرائيل لهدايتهم وإصلاحهم وإعدادهم للإِسعاد والإِكمال في الدارين إن هم آمنوا واستقاموا.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- مظاهر لطف الله تعالى وحسن تدبيره في خلقه.

2- مظاهر اكرام الله تعالى ولطفه بعبده ورسوله موسى عليه السلام.

3- آية حب الله تعالى لموسى، وأثر ذلك في حب الناس له.

4- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره في كتابه بمثل هذه الأحداث في قصص موسى عليه السلام.
____________________________

1 سؤل بمعنى مسؤول كخبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول.
2 الصنع هنا: بمعنى التربية والتنمية.
3 كما قال الشاعر:
نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى موسى ربه على قدر
4 أوحى الله تعالى إلى أم موسى: {أن اقذفيه..} الآية.
5 هذا إلهام لها أو منام إذ لم تكن نبيّة إجماعاً.
6 الساحل: الشاطىء، وهو ساحل معهود وهو الذي يقصده آل فرعون للسباحة. واللام في (فليلقه) لام التكوين الإلهي.
7 هذا العدو: فرعون عدو الله تعالى وعدو موسى وبني إسرائيل.
8 أخت موسى تسمى مريم بنت عمران.
9 الفتون: مصدر كالدخول والخروج وهو كالفتنة، وهي اضطراب حال المرء في مدة حياته.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (3)
الحلقة (582)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 349الى صــــ 356)

{ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } 42 { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } 43 { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } 44 { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } 45 { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } 46 { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } 47 { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }48


شرح الكلمات:

بآياتي: أي بالمعجزات التي آتيتك كالعصا واليد وغيرها.

ولا تنيا في ذكري: أي لا تفترا ولا تقصرا في ذكري فإنه سر الحياة وعونكما على أداء رسالتكما.

إنه طغى: تجاوز قدره بادعائه الألوهية والربوبية.

قولا لينا: أي خالياً من الغلظة والعنف.

لعله يتذكر: أي فيما تقولان فيهتدي إلى معرفتنا فيخشانا فيؤمن ويسلم ويرسل معكما بني إسرائيل.

يفرط علينا: أي يعجل بعقوبتنا قبل أن ندعوه ونبين له.

أو أن يطغى: أي يزداد طغياناً وظلما.

أسمع وأرى: أي أسمع ما تقولانه وما يقال لكما، وأرى ما تعملان وما يعمل لكما.

فأرسل معنا بني إسرائيل: أي لنذهب بهم إلى أرض المعاد أرض أبيهم إبراهيم.

بآية: أي معجزة تدل على صدقنا في دعوتنا وأنا رسولا ربك حقاً وصدقاً.

والسلام على من اتبع الهدى: أي النجاة من العذاب في الدارين لمن آمن واتقى، إذ الهدى إيمانٌ وتقوى.

من كذب وتولى: أي كذب بالحق ودعوته وأعرض عنهما فلم يقبلهما.

معنى الكلمات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن موسى مع ربه تبارك وتعالى فقد أخبره تعالى في الآية السابقة أنه صنعه لنفسه، فأمره في هذه الآية بالذهاب مع أخيه هارون مزودين بآيات الله وهي حججه التي أعطاهما من العصا واليد البيضاء. ونهاهما عن التواني في ذكر الله بأن يضعفا في ذكر وعده ووعيده فيقصرا في الدعوة إليه تعالى فقال: { ٱذْهَبْ 1أَنتَ وَأَخُوكَ2 بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } وبين لهما الى من يذهبا وعلة فقال: { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي تجاوز قدره وتعدى حده من إنسان يعبد الله إلى إنسان كفار ادعى أنه رب وإله، وعلمهما اسلوب الدعوة فقال لهما: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } أي خالياً من الغلظة والجفا وسوء الإِلقاء وعلل لذلك فقال { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ 3} أي رجاء أن يتذكر معاني كلامكما وما تدعوانه إليه فيراجع نفسه فيؤمن ويهتدي4 أو يخشى العذاب إن بقي على كفره وظلمه فيسلم لكما بني إسرائيل ويرسلهم معكما، فأبدى موسى وأخوه هارون تخوفاً فقال ما أخبر تعالى به عنهما في قوله: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } أي يعجل بعقوبتنا بالضرب أو القتل، { أَوْ أَن يَطْغَىٰ 5} أي يزداد طغياناً وظلماً. فطمأنهما ربهما عز وجل بأنه معهما بنصره وتأييده وهدايته إلى كل ما فيه عزهما فقال لهما: { لاَ تَخَافَآ } أي من فرعون وملائه: { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } أسمع ما تقولان لفرعون وما يقول لكما. وأرى ما تعملان من عمل وما يعمل فرعون وإني أنصركما عليه فأحق عملكما وأبطل عمله. فاتياه إذاً ولا تترددا فقولا أي لفرعون { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } أي إليك { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } لنخرج بهما حيث أمر الله، { وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } بقتل رجالهم واستحياء نسائهم واستعمالهم في أسوء الأعمال وأحطها، { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن 6رَّبِّكَ } أي بحجة من ربك دالة على أنا رسولا ربك إليك وأنه يأمرك بالعدل والتوحيد وينهاك عن الظلم والكفر ومنع بني إسرائيل من الخروج إلى أرض المعاد معنا.
{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } أي واعلم يا فرعون أن الأمان والسلامة يحصلان لمن اتبع الهدى الذي جئناك به، فاتبع الهدى تسلم7، وإلا فأنت عرضة للمخاوف والهلاك والدمار وذلك لأنه { قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ } أي أوحى إلينا ربنا، { إِنَّا أَنَّ ٱلْعَذَابَ 8عَلَىٰ مَن كَذَّبَ } بالحق الذي جئناك به { وَتَوَلَّىٰ } عنه فأعرض عنه ولم يقبله كبرياءً وعناداً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- عظم شأن الذكر بالقلب واللسان والجوارح أي بالطاعة فعلاً وتركاً.

2- وجوب مراعاة الحكمة في دعوة الناس إلى ربهم.

3- تقرير معية الله تعالى مع أوليائه وصالحي عباده بنصرهم وتأييدهم.

4- تقرير أن السلامة من عذاب الدنيا والآخرة هي من نصيب متبعي الهدى.

5- شرعية إتيان الظالم وأمره ونهيه والصبر على أذاه.

6- عدم المؤاخذة على الخوف حيث وجدت أسبابه.
_______________________

1 يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الآيات التسع. وهذا باعتبار ما يكون وإلاّ فما حصل هو آية العصا واليد لا غير.
2 ولا تنيا؛ أي: ولا تضعفا. يقال: وني يني ونىً أي: ضعف في العمل. أي: لا تني أنت وأبلغ هارون أن لا يني.
3 لعل: حرف ترج ولكن هي هنا بالنسبة إلى موسى وهارون معناه: لعل رجاءكما وطمعكما. فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر.
4 لقد تذكر فرعون وخشي وذلك ساعة غرقه ولم ينفعه ذلك إذ قال: آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل.
5 قوله تعالى: {قالا ربنا إنا نخاف} الخ هذه بداية كلام موسى وهارون بعد أن انتهى كلام موسى مع ربه وحده. قبل أن يصل إلى مصر، ومعنى: يفرط يبادر بعقوبتهما ويعجلها، يقال: فرط منه أمر أي: بدر، وأفرط: أسرف وفرط: ترك وأضاع، وفي الآية دليل عدم المؤاخذة بالخوف مما من شأنه أن يخاف، ولكن لا يمنع من عبادة الله تعالى التي هي علّة الخلق والوجود.
6 هي اليد والعصا.
7 والسلام هنا ليس سلام تحية.
8 قوله تعالى: {إن العذاب على من كذّب وتولّى} هذه أرجى أية للموحدين لأنهم لم يكذّبوا ولم يتولوا.

_________________

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } 49 { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } 50 { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } 51 { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } 52 { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } 53 { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } 54 { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }55


شرح الكلمات:

أعطى كل شيء خلقه: أي خلقه الذي هو عليه متميز به عن غيره.

ثم هدى: أي الحيوان منه إلى طلب مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه.

قال فما بال القرون الأولى: أي قال فرعون لموسى ليصرفه عن ادلائه بالحجج حتى لا يفتضح فما بال القرون الأولى كقوم نوح وعاد وثمود في عبادتهم الأوثان؟

قال علمها عند ربي: أي علم أعمالهم وجزائهم عليها عند ربي دعنا من هذا فإنه لا يعنينا.

في كتاب لا يضل ربي: أي أعمال تلك الأمم في كتاب محفوظ عند ربي وسيجزيهم بأعمالهم إن ربي لا يخطىء ولا ينسى فإن عذب أو أخر العذاب فإن ذلك لحكمة اقتضت منه ذلك.

مهاداً وسلك لكم فيها سبلاً: مهاداً، فراشاً وسلك: سهل، وسبلاً طرقاً.

أزواجاً من نبات شتى: أزواجاً: أصنافاً: شتى: مختلفة الألوان والطعوم.

إن في ذلك لآيات: لدلائل واضحات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته.

لأولي النهى: أي أصحاب العقول لأن النُهية العقل وسمي نهية لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح كالشرك والمعاصي.

منها خلقناكم: أي من الأرض وفيها نعيدكم بعد الموت ومنها نخرجكم عند البعث يوم القيامة.

تارة أخرى: أي مرة أخرى إذ الأولى كانت خلقاً من طين الأرض وهذه إخراجاً من الأرض.

معنى الآيات:

السياق الكريم في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون إذ وصل موسى وأخوه إلى فرعون ودَعَوَاهُ إلى الله تعالى ليؤمن به ويعبده وبأسلوب هادئ لين كما أمرهما الله تعالى: فقالا له:{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [طه: 47-48] ولم يقولا له لا سلام عليك، ولا أنت مكذب ومعذب. وهنا قال لهما فرعون ما أخبر به تعالى في قوله: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ }؟ أفرد اللعين موسى بالذكر لإدلائه عليه بنعمة التربية في بيته ولأنه الرسول الأول فأجابه موسى بما أخبر تعالى به بقوله: { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ 1أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ2 ثُمَّ هَدَىٰ } أي كل مخلوق خلقه الذي هو عليه متميز به من شكل ولون وصفة وذات ثم هدى الأحياء من مخلوقاته إلى طلب رزقها من طعام وشراب، وطلب بقائها بما سن لها وهداها إليه من طرق التناسل إبقاء لأنواعها. وهنا وقد أفحم موسى فرعون وقطع حجته بما ألهمه الله من علم وبيان قال فرعون صارفاً موسى عن المقصود خشية الفضيحة من الهزيمة أمام ملائه قال: { فَمَا بَالُ3 ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } أخبرنا عن قوم نوح وهود وصالح وقد كانوا يعبدون الأوثان. وعرف موسى أن اللعين يريد صرفه عن الحقيقة فقال له ما أخبر تعالى به في قوله: { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ4 لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى 5} فإن ما سألت عنه لا يعنينا فعلم حال تلك الأمم الخالية عند ربي في لوح محفوظ عنده وسيجزيها بعملها، وما عجل لها من العقوبة أو أخر إنما لحكمة يعلمها فإن ربي لا يخطئ ولا ينسى وسيجزي كلاً بكسبه.
ثم أخذ موسى يصف ربه ويعرفهم به وهي فرصة سنحت فقال { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي فراشاً مبسوطة للحياة عليها { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي سهل لكم للسير عليا طرقا تمكنكم من الوصول إلى حاجاتكم فوقها، { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } وهو المطر المكون للأنهار والمغذي الممد للآبار. هذا هو ربي وربكم فاعرفوه واعبدوه ولا تعبدوا معه سواه. وقوله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا 6بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } أي بالمطر أزواجاً أي أصنافاً من نباتٍ شتى أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخصائص. كان هذا من قول الله تعالى تتميماً لكلام موسى وتذكيراً لأهل مكة المتجاهلين لله وحقه في التوحيد. وقوله: { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } أي مما ذكرنا لكم من أزواج النبات وارعوا إبلكم وأغنامكم وسائر بهائمكم واشكروا لنا هذا الإِنعام بعبادتنا وترك عبادة غيرنا. وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي إن في ذلك المذكور من إنزال المطر وإنبات النبات لتغذية الإِنسان والحيوان لدلالات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وأنه بذلك مستحق للعبادة دون سواه إلا أن هذه الدلائل لا يعقلها إلا أصحاب العقول وذوو النهى فهم الذي يستدلون بها علم معرفة الله ووجوب عبادته وترك عبادة غيره. وقوله تعالى: { مِنْهَا 7 نخرجكم تارة اخرى8} أي من الأرض التي فيها حياة النبات والحيوان خلقناكم أي بخلق أصلكم الأول وهو آدم، وفيها نعيدكم بالموت فتقبرون أحياء للحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو العذاب المهين بحسب صفات نفوسكم فذو النفس الطاهرة ينعم وذو النفس الخبيثة من الشرك والمعاصي يعذب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تعين إجابة السائل ولتكن بالعلم الصحيح النافع.

2- تقرير مبدأ من حسن9 إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

3- تنزه الرب تعالى عن الخطأ والنسيان.

4- الاستدلال بالآيات الكونية على الخالق عزوجل وقدرته وألوهيته.

5- احترام العقول وتقديرها لأنها تعقل 10صاحبها دون الباطل والشر.

6- تسمية العقل نهية لأنه ينهى صاحبه عن القبائح.
_________________________

1 أعلمه عليه السلام بأنّ ربه تعالى يعرف بصفاته لا بذاته ولا باسم يعرف به ولم يقل له موسى: إنه الله، لأنّ الاسم العلم لا يهدي إلى معرفته تعالى كما تهدي إليه الصفات العُلى التي لا يقدر فرعون على جحدها وإنكارها.
2 قال ابن عباس: أعطى كل زوج من جنسه ثمّ هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه. وقال مجاهد: أعطى كل شيء صورته ولم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان. قال الشاعر:
وله في كل شيء خلقه
وكذا الله ما شاء فعل
3البال: الحال أي: ما حالها وما شأنها؟ فأعلمه موسى عليه السلام أن علمها عند الله أي: إن ما سألت عنه من علم الغيب الذي استأثر الله به درن سواه.
4 في هذه الآية دليل على مشروعية كتابة العلوم وتدوينها، حتى لا تنسى فتضيع وفي الحديث مشاهد آخر ففي صحيح مسلم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده. إن رحمتي تغلب غضبي".
5 الضلال: الخطأ في العلم شبّه بخطإ الطريق، والنسيان: عدم تذكر الأمر المعلوم في الذهن.
6 في الكلام التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم والخطاب تنويعاً للأسلوب وتحريكاً للضمير الجامد.
7 بمناسبة ذكر دلائل وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لألوهيته دون سواه ذكّرهم بعقيدة البعث والجزاء مستدلاً عليها بقدرة الله تعالى وعلمه.
8 تجمع التارة على تارات كالمرة على المرّات، والتارة: اسم جامد غير مشتق.
9 هذا حديث الصحيح: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".
10 تعقل: أي: تحجزه أو تصرفه عما يضرّ حالاً أو مآلاً.
****************************



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (4)
الحلقة (583)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 356الى صــــ 360)

{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } 56 { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } 57 { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } 58 { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } 59 { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ }60


شرح الكلمات:

أريناه آياتنا كلها: أي أبصرناه حججنا وأدلتنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا موسى وهارون إليه كلها فرفضها وأبى أن يصدق بأنهما رسولين إليه من رب العالمين.

من أرضنا: أي أرض مصر التي فرعون ملك عليها.

بسحرك يا موسى: يشير إلى العصا واليد البيضاء.

مكاناً سوى: أي مكان عدل بيننا وبينك ونَصَفٍ، صالحاً للمباراة بحيث يكون ساحة كبرى مكشوفة مستوية يرى ما فيها كل ناظر إليها.

يوم الزينة: أي يوم عيد يتزينون فيه ويقعدون عن العمل.

وأن يحشر الناس ضحى: أي وأن يؤتى بالناس من كل أنحاء البلاد للنظر في المباراة.

فتولى فرعون: أي انصرف من مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون في كبرياء وإعراض.

فجمع كيده: أي ذوى كيده وقوته من السحرة.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحوار بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملائه من جهة أخرى فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } أي أرينا فرعون { آيَاتِنَا كُلَّهَا } أي أدلتنا وحججنا 1على أن موسى وهارون رسولان من (قبلنا) أرسلناهما إليه، فكذب برسالتهما وأبى الاعتراف بهما، وقال ما أخبر تعالى به عنه: { قَالَ أَجِئْتَنَا 2} أي يا موسى { لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } أي منازلنا وديارنا ومملكتنا { بِسِحْرِكَ } الذي انقلبت به عصاك حية تسعى، { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } نتقابل فيه، { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى }3 عدلاً بيننا وبينك يكون من الاعتدال والاتساع بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه من المباراة بيننا وبينك. فأجاب موسى بما أخبر تعالى به عنه فقال: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } وهو يوم عيد للأقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل، { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى 4} أي في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء الممكلة وهنا تولى فرعون بمعنى انصرف من مجلس المحاورة وكله كبر وعناد فجمع قواته من السحرة لإِنفاذ كيده في موسى وهارون. وفي الآيات التالية تظهر الحقيقة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه.

2- للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها ورجال يحذقونه ويعلمونه.

3- مشروعية المبارزة والمباراة لإِظهار الحق وإبطال الباطل.

4- مشروعية اختيار المكان والزمان اللائق للقتال والمباراة ونحوهما.
___________________________

1 أي: الدالة على وجود الله تعالى ووجوب ألوهيته وعلى صحة نبوّة موسى وهارون.
2 لما رأى الآيات وبهرته احتال في دفعها اللعين بدعواه أن موسى جاء ليخرج فرعون وقومه من بلادهم ليستقل بها دونهم، وهذا من الكذب السياسي الممقوت.
3 قرأ حفص (سُوى) كطوى بضم السين، وقرأ نافع (سوى) بكسرها كطوى، والكسر أفصح. أي: وسطاً في المدينة لا يشق على من يأتيه.
4 اختار موسى اليوم والساعة، وهي: الضحى لعلمه أنه سيغلب السحرة ويهزمون أمامه، فأحب أن يكون الوقت مناسباً الكثرة المتفرّجين ووضوح الرأي لهم في شباب النهار (الضحى) .

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } 61 { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } 62 { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } 63 { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } 64 { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } 65 { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }66


شرح الكلمات:

ويلكم: دعاء عليهم معناه: ألزمكم الله الويل وهو الهلاك.

فيسحتكم بعذاب: أي يهلككم بعذاب من عنده.

فتنازعوا أمرهم: أي في شأن موسى وهارون أي هل هما رسولان أو ساحران.

وأسروا النجوى: وهي قولهم: إن هذان لساحران يريدان الخ...

بطريقتكم المثلى: أي ويغلبا على طريقة قومكم وهما أشرافهم وساداتهم.

فأجمعوا كيدكم: أي أحكموا أمر كيدكم حتى لا تختلفوا فيه.

قد أفلح من استعلى: أي قد فاز من غلب.

إما أن تلقي: أي عصاك.

فخيل إليه أنها تسعى: أي فخيل إلى موسى أنها حية تسعى، لأنهم طلوها بالزئبق فلما ضربت الشمس عليها اضطربت واهتزت فخيل إلى موسى أنها تتحرك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام والسحرة الذين جمعهم فرعون للمباراة فأخبر تعالى عن موسى أنه قال لهم مخوفاً إياهم علهم يتوبون: { وَيْلَكُمْ1 لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا تتقولوا على الله فتنسبوا إليه ما هو كذب { فَيُسْحِتَكُم 2بِعَذَابٍ } أي يهلككم بعذاب إبادة واستئصال، { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي خسر من كذب على الله أو على الناس. ولما سمعوا كلام موسى هذا اختلفوا فيما بينهم هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو كلام رسول من في السماء؟ وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله:

{ فَتَنَازَعُوۤاْ3 أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } وقوله { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي أخفوا ما تناجوا به بينهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله: { إِنْ4 هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } أي موسى وهارون { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } أي دياركم المصرية، { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ5 } أي باشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل وغيرهم فيتابعوهما على ما جاءا به ويدينون بدينهما، وعليه فأجمعوا أمركم حتى لا تختلفوا فيما بينكم، { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } واحدا متراصاً، { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } أي غلب، وهذا بعد أن اتفقوا على أسلوب المباراة قالوا بأمر فرعون: { يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } عصاك، وإما أن نلقي نحن فنكون أول من ألقى. فقال لهم موسى: { بَلْ أَلْقُواْ } ، فالقوا عندئذ { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } وكانت ألوفاً فغطت الساحة وهي تتحرك وتضطرب لأنها مطلية بالزئبق فلما سخنت بحر الشمس صارت تتحرك وتضطرب الأمر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى (باقي الحديث في الآيات بعد).

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- حرمة الكذب على الله تعالى، وإنه ذنب عظيم يسبب دمار الكاذب وخسرانه.

2- من مكر الإِنسان وخداعه6 أن يحول القضية الدينية البحتة إلى سياسة خوفاً من التأثير على النفوس فتؤمن وتهتدي إلى الحق.

3- معية الله تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى إذ الإذن لهم بالإِلقاء أولا من الحكمة وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الأخير والكلمة الأخيرة التي تقال.. لا سيما في موقف كهذا.
____________________________________

1 الويل: الهلاك وهو شبه مصدر، ونصبه إما على تقدير: ألزمهم الله أو على النداء أي: يا ويلهم. كقوله: {يا ويلنا من بعثنا) .
2 سحت وأسحت بمعنى، وأصله من استقصاء الشعر في إزالته قرأ أهل الكوفة: (فيُسحتكم) بضم الياء من أسحت، وقرا أهل الحجاز بفتح الياء من: سحت قال الشاعر:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلاّ مُسحتا أو مجلّفا
والشاهد في: مسحت من أسحت.
3 التنازع: مشتق من جذب الدلو من البئر وجذب الثوب من الجسد والتنازع تفاعل إذ كل ذي رأي يريد نزع رأي صاحبه لرأيه لما يراه من الصواب.
4 قراءة الجمهور بكسر إنّ وتشديد النون، وبلغ الخلاف في هذا الحرف أشدّه فبلغوا فيه إلى ستة تخريجات أمثلها: أن (إن) حرف جواب بمعنى نعم قال الشاعر:
ويقلن شيب علا
ك وقد كبرت فقلت إنّه
والشاهد في إنه جواب لما في البيت من كلام، والهاء في إنه هاء السكت، وشاهد آخر وهو: أنّ عبد الله بن الزبير قال لأعرابي استجداه فلم يعطه: إنّ وراكبها. لما قال الأعرابي: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقوله: إن: أي: نعم وراكبها أي: ملعون كذلك.
5 المثلى: مؤنث: الأمثل، من المثالية التي هي حسن الحال. أراد فرعون إثارة الحمية في قومه ليدافعوا عن عاداتهم وشرائعهم وأخلاقهم.
6 المراد به الإنسان الذي لا يؤمن بالله ولقائه ولا يتحلى بالصبر والتقوى.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:58 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (5)
الحلقة (584)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 360الى صــــ 364)

{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } 67 { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } 68 { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } 69 { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } 70 { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }71


شرح الكلمات:

فأوجس في نفسه خيفة: أي أحس بالخوف في نفسه.

أنت الأعلى: أي الغالب المنتصر.

تلقف: أي تبتلع بسرعة ما صنع السحرة من تلك الحبال والعصي.

كيد ساحر: أي كيد سحر لا بقاء له ولا ثبات.

لا يفلح الساحر: أي لا يفوز بمطلوبه حيثما كان.

فألقي السحرة سجداً: أي ألقوا بأنفسهم ورؤوسهم على الأرض ساجدين.

إنه لكبيركم: أي لمعلمكم الذي علمكم السحر.

من خلاف: أي يد يمنى مع رجل يسرى.

في جذوع النخل: أي على أخشاب النخل.

أينا أشد عذاباً وأبقى: يعني نفسه - لعنه الله - ورب موسى أشد عذاباً وأدومه على مخالفته وعصيانه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المباراة التي بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون إنه لما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم وتحركت واضطربت وامتلأت بها الساحة شعر موسى بخوف في نفسه فأوحى إليه ربه تعالى في نفس اللحظة: { لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } أي الغالب القاهر لهم.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى [67] فأوجس1 في نفسه خيفة موسى والثانية [68] { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } وقوله تعالى: { وَأَلْقِ2 مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } أي تبتلع بسرعة وعلل لذلك فقال: { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ3 } أي هو مكر وخدعة من ساحر { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } أي لا يفوز الساحر بما أراد ولا يظفر به أبداً لأنه مجرد تخيلات يريها غيره. وليس لها حقيقة ثابتة لا تتحول ولما شاهد السحرة ابتلاع العصا لكل حبالهم وعصيتهم عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو معجزة سماوية ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله رب العالمين لما بهر نفوسهم من عظمة المعجزة وقالوا في وضوح { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ }. وهنا صاح فرعون مزمجراً مهدداً ليتلافى في نظره شر الهزيمة فقال للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } بذلك { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ 4} أي معلمكم العظيم { ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } فتواطأتهم معه على الهزيمة. { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } تعذيباً وتنكيلاً فاقطع يمين أحدكم مع يسرى رجليه، أو العكس { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ 5فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } أي لأشدنكم على أخشاب النخل وأترككم معلقين عبرة ونكالا لغيركم { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } أي أدومه: رب موسى الذي آمنتم به أو أنا " فرعون عليه لعائن الله ".

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الشعور بالخوف والإِحساس به عند معاينة أسبابه لا يقدح في الإِيمان.

2- تقرير أن ما يظهر السحرة من تحويل الشيء إلى آخر إنما هو مجرد تخييل لا حقيقة له.

3- حرمة السحر لأنه تزوير وخداع.

4- قوة تأثير المعجزة في نفس السحرة لما ظهر لهم من الفرق بين الآية والسحر.

5- شجاعة المؤمن لا يرهبها خوف بقتل ولا بصلب.
________________________

1 (أوجس) : أي أحس ووجد أي: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي العصا.
2 لم يقل له: ألق العصا لأن فيها إكباراً لشأن العصا وأنها بحق قادرة على إبطال باطل السحرة.
3 قرأ الجمهور: {كيد ساحر} وقرأ بعضهم: {كيد سحر} بكسر السين أي: كيد ذي سحر، وكيد: خبر مرفوع، والمبتدأ: ما الموصولية في قوله: {إن ما صنعوا} وصنعوا: صلتها، وكيد: الخبر. وقرىء بنصب كيد على أنّ ما كافة. وكيد معمول لصنعوا.
4 أراد فرعون بقوله هذا التشبيه على الناس والتمويه حتى لا يتبعوا السحرة فيؤمنوا كإيمانهم لا أنّ موسى استاذهم في السحر وأنه أحذق منهم له وأعلم منهم به.
5 حروف الجر تتناوب، والفاء هنا: (في جذع النخل) بمعنى: على. قال الشاعر:
هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة
فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:58 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } 72 { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } 73 { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } 74 { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } 75 { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ }76


شرح الكلمات:

لن نؤثرك: أي لن نفضلك ونختارك.

والذي فطرنا: أي خلقنا ولم نكن شيئاً.

فاقض ما أنت قاض: أي اصنع ما قلت إنك تصنعه بنا.

والله خير وأبقى: أي خير منك ثواباً إذا أطيع وأبقى منك عذاباً إذا عصى.

مجرما: مجرما أي على نفسه مفسداً لها بآثار الشرك والكفر والمعاصي.

جزاء من تزكى: أي ثواب من تتطهر من آثار الشرك والمعاصي وذلك بالإِيمان والعمل الصالح.

معنى الآيات:

ما زال السياق مع فرعون والسحرة المؤمنين أنه لما هددهم فرعون بالقتل والصلب على جذوع النخل لإِيمانهم بالله وكفرهم به وهو الطاغوت قالوا له ما أخبر تعالى به عنهم في هذه الآية [72] { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ } يا فرعون { عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الدلائل والحجج القاطعة على أن رب 1موسى وهارون هو الرب الحق الذي تجب عبادته وطاعته فلن نختارك على الذي خلقنا فنؤمن بك ونكفر به لن يكون هذا أبداً واقض ما أنت عازم على قضائه علينا من القتل والصلب. { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } في هذه الحياة الدنيا لما لك من السلطان فيها أما الآخرة فسوف يقضى عليك فيها بالخلد في العذاب المهين.

وأكدوا إيمانهم في غير خوف ولا وجل فقالوا: { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } أي خالقنا ورازقنا ومدبر أمرنا { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } أي ذنوبنا، { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } أي من تعلمه والعمل به، ونحن لا نريد ذلك ولا شك أن فرعون كان قد ألزمهم بتعلم السحر والعمل به من أجل محاربة موسى وهارون لما رأى من معجزة العصا واليد. وقولهم { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي خير ثوابا وجزاء حسنا لمن آمن به وعمل صالحاً، وأبقى عذاباً لمن كفر به وآمن بغيره وعصاه. هذا ما دلت عليه الآيتان [72] و [73].

أما الآية الثالثة [74] وهي قوله تعالى: { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً 2} أي على نفسه بإفسادها بالشرك والمعاصي { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ 3لاَ يَمُوتُ فِيهَا 4وَلاَ يَحْيَىٰ } فيستريح من العذاب فيها، { وَلاَ يَحْيَىٰ } حياة يسعد فيها.

وقولهم { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي مؤمناً به كافراً بالطاغوت قد عمل بشرائعه فأدى الفرائض واجتنب المناهي { فَأُوْلَـٰئِكَ 5لَهُمُ } جزاء إيمانهم وعملهم الصالح { ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي في جنات عدن { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } لا يموتون ولا يخرجون منها، { وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } أي تتطهر بالإِيمان وصالح الأعمال بعد تخليه عن الشرك والخطايا والذنوب. لا شك أن هذا العلم الذي عليه السحرة كان قد حصل لهم من طريق دعوة موسى وهارون إذ أقاموا بينهم زمناً طويلاً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- لا يؤثر الكفر على الإِيمان والباطل على الحق والخرافة على الدين الصحيح إلا أحمق جاهل.

2- تقرير مبدأ أن عذاب الدنيا يتحمل ويصبر عليه بالنظر إلى عذاب الآخرة.

3- الاكراه نوعان: ما كان بالضرب الذي لا يطاق يغفر لصاحبه وما كان لمجرد تهديد ومطالبة فإنه لا يغفر إلا بالتوبة الصادقة وإكراه السحرة كان من النوع الآخر.

4- بيان جزاء كل من الكفر والمعاصي، والإِيمان والعمل الصالح في الدار الآخرة.
________________________

1 روي أن آسيا امرأة فرعون لما بدأت المباراة قالت لهم: أخبروني عمّن يغلب فأخبرت أن موسى وهارون غلبا فقالت: آمنت بربّ موسى وهرون. فأمر فرعون بأعظم صخرة فإذا أصرّت على قولها قألقوها عليها فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة بعد أن قالت {ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} وخرجت روحها فألقيت عليها الصخرة وهي جسد لا روح فيها استجاب الله لها عليها السلام.
2 المجرم: فاعل الجريمة، وهي المعصية، والفعل الخبيث، والمجرم في اصطلاح القرآن: الكافر غالباً.
3 اللام في: له جهنم لام الاستحقاق أي: هو صائر إليها لا محالة.
4 لا يموت فيها ولا يحيى، لأن عذابها متجدد فيها فلا هو ميّت لأنه يحس بالعذاب ولا هو حي لأنه في حالة الموت أهون منها، وهذا كقول عباس بن مرداس:
وقد كنت في الحرب ذا تُدْرَءٍ
فلم أُعط شيئاً ولم أمنع
5 {فأولئك..} الآية أوتي باسم الإشارة إلى أنهم أحياء بهذا النعيم في جنات ويؤكده قوله {ذلك جزاء من تزكى} .



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:59 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (6)
الحلقة (585)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 365الى صــــ 371)

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } 77 { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } 78 { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } 79 { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } 80 { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } 81 { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }82


شرح الكلمات:

أن أسر بعبادي: أي سر ليلاً من أرض مصر.

طريقاً في البحر يبساً: طريقاً في وسط البحر يابساً لا ماء فيه.

لا تخاف دركاً: أي لا تخش أن يدركك فرعون، ولا تخشى غرقاً.

فغشيهم من اليم: أي فغطاهم من ماء البحر ما غطاهم حتى غرقوا فيه.

وأضل فرعون قومه: أي بدعائهم إلى الإِيمان به والكفر بالله رب العالمين.

وما هدى: أي لم يهدهم كما وعدهم بقوله:{ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [غافر: 29].

جانب الطور الأيمن: أي لأجل إعطاء موسى التوراة التي فيها نظام حياتهم دينا ودنيا.

المن والسلوى: المن: شيء أبيض كالثلج، والسلوى طائر يقال له السماني1.

ولا تطغوا فيه: أي بالإِسراف فيه، وعدم شكر الله تعالى عليه.

ثم اهتدى: أي بالاستقامة على الإِيمان والتوحيد والعمل الصالح حتى الموت.

معنى الآيات:

إنه بعد الجدال الطويل والخصومة الشديدة التي دامت زمناً غير قصير وأبى فيها فرعون وقومه قبول الحق والإِذعان له أوحى تعالى إلى موسى عليه السلام بما أخبر به في قوله عز وجل: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ } وبأي شيء أوحى إليه. بالسرى ببني إسرائيل وهو قوله تعالى { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } قوله { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً }2 أي اجعل لهم طريقاً في وسط البحر، وذلك حاصل بعد ضربه البحر بالعصي فانفلق البحر فرقتين والطريق وسطه يابساً لا ماء فيه حتى اجتاز بنو إسرائيل البحر، ولما تابعهم فرعون ودخل البحر بجنود أطبق الله تعالى عليهم البحر فأغرقهم أجمعين، بعد أن نجى موسى وبني إسرائيل، وهو معنى قوله تعالى: { فَأَتْبَعَهُمْ3 فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ } أي من ماء البحر { مَا غَشِيَهُمْ 4} أي الشيء العظيم من مياه البحر. وقوله لموسى { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً 5وَلاَ تَخْشَىٰ } أي لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى غرقاً في البحر.

وقوله تعالى: { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ 6} إخبار منه تعالى أن فرعون أضل أتباعه حيث حرمهم من الإِيمان بالحق واتباع طريقه، ودعاهم إلى الكفر بالحق وتجنب طريقه فاتبعوه على ذلك فضلوا وما اهتدوا، وكان يزعم أنه ما يهديهم إلا سبيل الرشاد وكذب.

وقوله تعالى: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } أي فرعون، { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } أي مع نبينا موسى لانزال التوراة لهدايتكم وحكمهم بشرائعها، وأنزلنا عليكم المن والسلوى غذاء لكم في التيه، { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي قلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم من حلال الطعام والشراب، { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } بترك الحلال إلى الحرام وبالأسراف في تناوله وبعدم شكر الله تعالى، وقوله تعالى: { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي } أي أن أنتم طغيتم فيه.
{ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي } أي ومن يجب عليه غضبي { فَقَدْ هَوَىٰ } أي في قعر جهنم وهلك.

وقوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ7 } يعدهم تعالى بأن يغفر لمن تاب منهم ومن غيرهم وعمل صالحاً أي أدى الفرائض واجتنب المناهي ثم استمر على ذلك ملازماً له حتى مات.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا القصص لا يقصه إلا بوحي إليه إذ لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحي الإِلهي.

2- آية انفلاق البحر ووجود طريق يابس فيه لبني إسرائيل حتى اجتازوه دالة على جود الله تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.

3- تذكير اليهود المعاصرين للدعوة الإِسلامية بإنعام الله تعالى على سلفهم لعلهم يشكرون فيتوبون فيسلمون.

4- تحريم الإِسراف والظلم، وكفر النعم.

5- الغضب صفة لله تعالى كما يليق ذلك بجلاله وكماله لا صفات المحدثين.
__________________________

1 السُّمانى: بضم السين، وفتح النون ممدودة، والجمع سمانيات والواحدة سماناة كمناجاة: نوع من الطيور.
2 اليبس: محرّك الياء والباء، وتسكن الباء أيضاً: وصف بمعنى اليابس وأصله مصدركالقدم، والعدم بفتح العين وضمها.
3 قرىء: (فأتبعهم) وبالياء في بجنوده للمصاحبة فهي بمعنى مع أي مع جنوده.
4 ما غشهم في هذا تهويل عظيم لما غشيهم من الماء الذي غمرهم وغطّاهم بحيث يستحيل النجاة معه.
5 {دركاً} أي: لحاقاً بك وبمن معك من بني إسرائيل.
6 {وما هدى} : توكيد لقوله: {فأضل قومه} لأن الهدى ضد الضلال فما دام قد أضلهم فإنه ما هداهم كقوله: {أموات غير أحياء} وكقول الشاعر:
إما ترينا حفاة لا نعال لنا
إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وفي الآية: التهكم بفرعون إذ قال لهم: وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد.
7 ثم اهتدى بأن لزم طريق الهداية حتى مات على ذلك أما من تاب وعمل صالحاً ثم ضل بعد ذلك ومات على ضلالة، فلا يناله هذا الوعد ففي قوله: {ثم اهتدى} احتراس ممن يتوب ثم يعود فيموت على غير هداية.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:00 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } 83 { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } 84 { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } 85 { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } 86 { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } 87 { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } 88 { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }89


شرح الكلمات:

وما أعجلك: أي شيء جعلك تترك قومك وتأتي قبلهم.

هم على أثري: أي آتون بعدي وليسوا ببعيدين مني.

وعجلت إليك ربي لترضى: أي استعجلت المجيء إليك طلباً لرضاك عني.

قد فتنا قومك: أي ابتليناهم أي بعبادة العجل.

وأضلهم السامري: أي عن الهدى الذي هو الإِسلام إلى الشرك وعبادة غير الرب تعالى.

غضبان أسفاً: أي شديد الغضب والحزن.

وعداً حسناً: أي بأن يعطيكم التوراة فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم لتكملوا عليها وتسعدوا.

أفطال عليكم العهد: أي مدة الموعد وهي ثلاثون يوماً قبل أن يكملها الله تعالى أربعين يوماً.

بملكنا1: أي بأمرنا وطاقنا، ولكن غلب علينا الهوى فلم نقدر على انجاز الوعد بالسير وراءك.

أوزاراً: أي أحمالاً من حلي نساء الأقباط وثيابهن.

فقذفناها: أي ألقيناها في الحفرة بأمر هارون عليه السلام.

ألقى السامري2: السامري هو موسى بن ظفر من قبيلة سامرة الإِسرائيلية، وما ألقاه هو التراب الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل ألقاه أي قذفه على الحلي.

عجلاً جسداً: أي ذا جثة.

له خوار: الخوار صوت البقر.

فنسي: أي موسى ربه هنا وذهب يطلبه.

ألا يرجع إليهم قولا: أنه لا يكلمهم إذا كلموه لعدم نطقه بغير الخوار.

معنى الآيات:

بعد أن نجى الله تعالى بني إسرائيل من فرعون وملائه حيث اجتاز بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون وجنوده أخبرهم موسى أن ربه تعالى قد أمره أن يأتيه ببني إسرائيل وهم في طريقهم إلى أرض المعاد إلى جبل الطور ليؤتيهم التوراة فيها شريعتهم ونظام حياتهم دنيا ودينا وأنه واعدهم جانب الطور الأيمن، واستعجل 3موسى في المسير إلى الموعد فاستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل ليسير بهم وراء موسى ببطء حتى يلحقوا به عند جبل الطور، وحدث أن بني إسرائيل فتنهم السامري بضع العجل ودعوتهم إلى عبادته وترك المسير وراء موسى عليه السلام فقوله تعالى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } هو سؤال من الله تعالى لموسى ليخبره بما جرى لقومه بعده وهو لا يدري فلما قال تعالى لموسى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ } عن المجئ وحدك دون بني إسرائيل مع أن الأمر أنك تأتي معهم أجاب موسى بقوله { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي 4} آتون بعدي، وعجلت المجيء إليك لترضى عني. هنا أخبره تعالى بما حدث لقومه فقال عز وجل: { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أي بصنع العجل لهم ودعوتهم إلى عبادته بحجة أنه الرب تعالى وأن موسى لم يهتد إليه. ولما انتهت المناجاة وأعطى الله تعالى موسى الألواح التي فيه التوراة { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً } أي حزينا إلى قومه فقال لهم لما بما أخبر تعالى عنه بقوله: { قَالَ يٰقَوْمِ 5أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } فذكرهم بوعد الله تعالى لهم بإنجائهم من آل فرعون وإكرامهم بالملك والسيادة موبخاً لهم على خطيئتهم بتخلفهم عن السير وراءه وانشغالهم بعبادة العجل والخلافات الشديدة بينهم، وقوله { أَفَطَالَ 6عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي لم يطل فالمدة هي ثلاثون يوماً فلم تكتمل حتى فتنتم وعبدتم غير الله تعالى، قوله { أَمْ أَرَدتُّمْ7 أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بل أردتم بصنيعكم الفاسد أن يجب عليكم غضب من ربكم فحل بكم، { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي8 } بعكوفكم على عبادة العجل وترككم السير على أثري لحضور موعد الرب تعالى الذي واعدكم.

وقوله تعالى { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } هذا ما قاله قوم موسى كالمعتذرين به إليه فزعموا أنهم ما قدروا على عدم إخلاف الموعد لغلبة الهوى عليهم فلم يطيقوا السير وراءه مع وجود العجل وما ضللهم به السامري من أنه هو إلههم وأن موسى أخطأ الطريق إليه. هذا معنى قولهم: { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي بأمرنا وقدرتنا إذ كنا مغلوبين على أمرنا.

وقولهم: { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ 9أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا } هذا بيان لوجه الفتنة وسببها وهي أنهم لما كانوا خارجين من مصر استعار نساؤهم حلياً من نساء القبط بدعوى عيد لهم، وأصبحوا خارجين مع موسى في طريقهم إلى القدس، وتم إنجاؤهم وإغراق فرعون ولما نزلوا بالساحل استعجل موسى موعد ربه وتركهم تحت إمرة هارون أخيه على أن يواصلوا سيرهم وراء موسى إلى جبل الطور غير أن موسى الملقب بالسامري استغل الفرصة وقال لنساء بني إسرائيل هذا الحلي الذي عندكن لا يحل لَكُنَّ أخذه إذ هي ودائع كيف تستحلونها وحفر لهم حفرة وقال ألقوها فيها وأوقد فيها النار لتحترق ولا ينتفع بها بعد، هذا ما دل عليه قولهم { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } أي قوم فرعون فقذفناها أي في الحفرة التي أمر بها السامري وقوله تعالى { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ10 } هو من جملة قول بني إسرائيل لموسى فكما ألقينا الحلي في الحفرة ألقى السامري ما معه من التراب الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل، فصنع السامري العجل فأخرجه لهم عجلاً جسداً11 له خوار أي صوت فقال بعضهم لبعض هذا إلهكم وإله موسى الذي ذهب إلى موعده فنسي12 وضل الطريق إليه فاعبدوه حتى يأتي موسى. قال تعالى موبخاً إياهم { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } إذا كلموه، { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } فكيف يعقلون أنه إله وهو لا يجيبهم إذا سألوه، ولا يُعطيهم إذا طلبوه، ولا ينصرهم إذا استنصروه ولكنه الجهل والضلال واتباع الهوى. والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات

1- ذم العجلة وبيان آثارها الضَّارة فاستعجال موسى الموعد وتركه قومه وراءه كان سبباً في أمر عظيم وهو عبادة العجل وما تترتب عليها من آثار جسام.

2- مشروعية طلب رضا الله تعالى ولكن بما يحب أن يتقرب به إليه.

3- مشروعية الغضب لله تعالى والحزن على ترك عبادته بمخالفة أمره ونهيه.

4- مشروعية استعارة الحلي للنساء والزينة، وحرمة جحدها وأخذها بالباطل.

5- وجوب استعمال العقل واستخدام الفكر للتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر.
_____________________________

1 ميم ملكنا مثلثة تفتح وتضم وتكسر والمعنى واحد كما في التفسير أي: لم يكن ذلك بإرادتنا واختيارنا.
2 نفى بعضهم أن تكون هناك قبيلة من بني إسرائيل تدعى السامرة وإنما السامرة أمة من سكان فلسطين في جهة نابلس قبل أن تكون فلسطين لبني إسرائيل، ثم امتزجوا ببني إسرائيل لما دخلوها واتبعوا معهم شريعة موسى، وبما أن السامري كان في مصر جائز أن يكون من قرية بمصر تسمى سامرة، والمراد من هذا أن السامري لم يكن من بني إسرائيل أصلاً ومحتداً ثم بمرور الأيام وجدت طائفة من بني إسرائيل تدعى السامرية، وهي عبارة عن طريقة ضالة تنتمي إلى شريعة التوراة وهي منحرفة فنشأت عن فتنة السامري الأولى كالطرق المنحرفة لدى المسلمين.
3 لهذا الاستعجال لامه ربّه وعتب عليه في قوله: {وما أعجلك من قومك يا موسى) حتى تركتهم وجئتنا وحدك، وقد ترتب على هذا الاستعجال شر كبير باتخاذ بني إسرائيل عجلاً عبدوه دون الله تعالى، ولذا قيل: تأن ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
4 أثري، وإثري: لغتان، والأثر: ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدم أو حافر أو خف، والمعنى: هم سائرون على مواضع أقدامي وقرىء (إثري) بكسر الهمزة والجمهور قرؤا بالفتح.
5 هذا ابتداء كلام يحمل اللوم والعتاب والتأديب حيث جمع موسى بني إسرائيل وفيهم هارون وخاطبهم قائلاً: يا قوم.. الخ.
6 الاستفهام تابع للاستفهام الأول: ألم يعدكم، وهو للتقرير والإنكار معاً.
7 {أم} بمعنى: بل والاستفهام بعدها إنكاري أي: أنكر عليهم إرادتهم حلول غضب الله عليهم بسبب شركهم بعبادة العجل.
8 المراد من موعده إياهم: هو ما عهد به إليهم بأن يلزموا طاعة هارون ويسيروا معه بدون تأخر حتى يلحقوا به في جبل الطور فأخلفوا ذلك فعصوا هارون وعكفوا على عبادة العجل وتركوا السير على إثره كما طلب منهم.
9 الأوزار: جمع وزر، وهو الحمل الثقيل والمراد بها: الحلي الذي استعاره نساؤهم من جاراتهن القبطيات بمصر بقصد الفرار به للنفع الخاص، وخافوا تلاشي الحلي فرأوا أن يصوغوه في قطع كبيرة يحفظ بها من الضياع.
10 أي: فمثل قذفنا الزينة في النار لصوغها قذف السامري، وقالوا هذا اعتذاراً منهم لموسى عليه السلام.
11 الجسد: الجسم ذو الأعضاء وسواء كان حياً أو ميتا، والتعبير بأخرج الإشارة إلى أن السامري صنع العجل بحيلة مستورة خفية حتى أتمّه ثمّ أظهره أي: أخرجه ظاهراً لنا.
12 إطلاق النسيان على الضلال والغفلة والترك شائع وسائغ في اللغة.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:00 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (7)
الحلقة (586)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 371الى صــــ 376)



{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } 90 { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } 91 { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } 92 { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } 93 { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }94

شرح الكلمات:

فتنتم به: أي ابتليتم به أي بالعجل.

لن نبرح عليه عاكفين: أي لن نزال عاكفين على عبادته.

إذ رأيتهم ضلوا: أي بعبادة العجل واتخاذه إلهاً من دون الله تعالى.

لا تأخذ بلحيتي: حيث أخذ موسى من شدة غضبه بلحية أخيه وشعر رأسه يجره إليه يعذله ويلوم عليه.

ولم ترقب قولي: أي ولم تنتظر قولي فيما رأيته في ذلك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى وقومه بعد رجوعه إليهم من المناجاة فقوله تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } أي من قبل رجوع موسى قال لهم أثناء عبادتهم العجل يا قوم إن العجل ليس إلهكم ولا إله موسى وإنما هو فتنة فتنتم به ليرى الله تعالى صبركم على عبادته ولزوم طاعة رسوله، وليرى خلاف ذلك فيجزى كلاً بما يستحق وقال لهم: { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذي شاهدتم آثار رحمته في حياتكم كلها فاذكروها { فَٱتَّبِعُونِي } في عبادة الله وحده وترك عبادة غيره { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي1 } فإني خليفة موسى الرسول فيكم فأجاب القوم الضالون بما أخبر تعالى عنهم بقوله: { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } أي لن نزول عن عبادته والعكوف حوله { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ 2}. ولما سمع موسى من قومه ما سمع التفت إلى هارون قائلاً معاتباً عاذلاً لائماً { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ 3إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } أي بعبادة العجل { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } أي بمن معك من المسلمين وتترك المشركين، { أَفَعَصَيْتَ4 أَمْرِي } ، ومن شدة الوجد وقوة اللوم والعذل أخذ بشعر رأس أخيه بيمينه وأخذ بلحيته بيساره وجره إليه وهو يعاتبه ويلوم عليه فقال هارون: { يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } إن لي عذراً في عدم متابعتك وهو أني خشيت إن أنا أتيتك ببعض قومك وهم المسلمون وتركت بعضاً آخر وهو عباد العجل { أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } وذلك لا يرضيك. { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } أي ولم تنظر قولي فيما رأيت في ذلك.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- معصية الرسول تؤدي إلى فتنة العاص في دينه ودنياه.

2- جواز العذل والعتاب للحبيب عند تقصيره فيما عهد به إليه.

3- جواز الاعتذار لمن اتهم بالتقصير وإن حقا.

4- قد يخطئ المجتهد في اجتهاده وقد يصيب.
_________________________________

1 أي: لا أمر السامر أو: فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل فعصوه.
2 روي أنّه لما قالوا هذه المقالة اعتزلهم هارون في اثنى عشر ألفاً من الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال: هذا صوت الفتنة فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله وقال: يا هارون ... الآية.
3 الاستفهام إنكاري إذ أنكر عليه عدم متابعته لما شاهد القوم يعبدون العجل إذ كان المفروض أن يتركهم ويلحق بموسى يخبره.
4 أمره هو قوله له عند مغادرة بني إسرائيل إلى جبل الطور، {اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره وهذا دليل على واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغييره ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم لاسيما إذا كان راضياً حكمه كحكمهم، وفي هذه الآية دليل على بدعة الصوفية بدعة الرقص والتواجد، وأنها موروثة عن هؤلاء السامريين عَبَدة العجل والعياذ بالله تعالى.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:01 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } 95 { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } 96 { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } 97 { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }98

شرح الكلمات:

فما خطبك: أي ما شأنك وما هذا الأمر العظيم الذي صدر منك.

بصرت بما لم يبصروا به: أي علمت من طريق الإِبصار والنظر ما لم يعلموا به لأنهم لم يروه.

قبضة من أثر الرسول: أي قبضت قبضة من تراب أثر حافر فرس الرسول جبريل عليه السلام.

فنبذتها: أي ألقيتها وطرحتها على الحلى المصنوع عجلاً.

سولت لي نفسي: أي زينت لي هذا العمل الذي هو صنع العجل.

أن تقول لا مساس: أي اذهب تائها في الأرض طول حياتك وأنت تقول لا مساس أي لا يمسني أحد ولا أمسه لما يحصل من الضرر العظيم لمن تمسه أو يمسك.

إلهك: أي العجل.

ظلت: أي ظللت طوال الوقت عاكفاً عليه.

في اليم نسفاً: أي في البحر ننسفه بعد إحراقه وجعله كالنشارة نسفاً.

إنما إلهكم الله: أي لا معبود إلا الله الذي لا إله إلا هو.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار بين موسى وقومه فبعد لومه أخاه وعذله له التفت إلى السامري المنافق إذ هو من عُبَّاد البقر وأظهر الإسلام في بني إسرائيل، ولما اتيحت له الفرصة عاد إلى عبادة البقر فصنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته فقال له: في غضب { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } أي ما شأنك وما الذي دعاك إلى فعلك القبيح الشنيع هذا فقال السامري كالمعتذر { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي علمت ما لم يعلمه قومك { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ } حافز فرس { ٱلرَّسُولِ1 فَنَبَذْتُهَا } في الحلي المصنوع عجلاً فخار كما تخور البقر. { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } ذلك أي زينته لي وحسنته ففعلته، وهنا أجابه موسى عليه السلام بما أخبر تعالى به في قوله: { قَالَ فَٱذْهَبْ2 فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ3 لاَ مِسَاسَ } أي لك مدة حياتك أن تقول لمن أراد أن يقربك لا مساس أي لا تمسني ولا أمسك لتتيه طول عمرك في البرية مع السباع والحيوان عقوبة لك على جريمتك، ولا شك أن فراره من الناس وفرار الناس منه لا يكون مجرد أنه لا يرقب في ذلك، لعله قيل إنها الحمى فإذا مس أحد حُمَّا معاً أي أصابتهما الحمى معاً كأنه أسلاك كهربائية مكشوفة من مسها تكهرب منها. وقوله له: { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } ، أي ذاك النفي والطرد عذاب الدنيا، وإن لك عذاباً آخر يوم القيامة في موعد لن تخلفه أبداً فهو آت وواقع لا محالة.

وقوله: أي موسى للسامري: { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ } المزعوم { ٱلَّذِي ظَلْتَ 4عَلَيْهِ عَاكِفاً } تعبده لا تفارقه، والله { لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ5 فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } وفعلاً حرقه ثم جعله كالنشارة وذره في البحر تذرية حتى يعثر له على أثر، ثم قال لأولئك الذين عبدوا العجل المغرر بهم المضللين: { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ } الحق الذي تجب له العبادة والطاعة { ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ6 وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } أي وسع علمه كل شيء فهو عليم بكل شيء وقدير على كل شيء وما عداه فليس له ذلك وما لم يكن ذا قدرة على شيء وعلم بكل شيء فكيف يُعبد ويُطاع؟!.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- مشروعية الاستنطاق للمتهم والاستجواب له.

2- ما سولت النفس لأحد ولا زينت له شيئاً إلا تورط فيه إن هو عمل بما سولته له،

3- قد يجمع الله تعالى للعبد ذي الذنب العظيم بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

4- مشروعية هجران المبتدع ونفيه وطرده فلا يسمح لأحد بالاتصال به والقرب منه.

5- كسر الأصنام والأوثان والصور وآلات اللهو والباطل الصارفة عن عباد الله تعالى.
______________________

1 الرسول هنا: جبريل عليه السلام قاله جمهور المفسرين، وقالوا: إن السامري فتنه الله تعالى فأراه جبريل راكباً فرساً فوطىء حافر الفرس مكاناً فإذا هو مخضرّ بالنبات، فعلم السامري أن أثر فرس جبريل إذا ألقي على جماد صار حياً، فقبض من تراب وطئه حافر الفرس واحتفظ به إلى اليوم، ولما صنع العجل ألقاه عليه فصار له خوار كالعجل الحيوان.
2 نفاه موسى عن قومه، وأمر بني إسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له. قال الشاعر:
تميم كرهط السامري وقوله
ألا لا تريد السامري مِساسا
هذه المسألة أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألاّ يخالطوا وقد فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بالذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
(لا مساس) : المساس مصدر ماسه يماسه ومساسا. ولا: نافية للجنس ومساس: اسمها مبني على الفتح.
4 ظلت: أي: دمت وأقمت عليه عاكفاً أي: ملازماً وأصل ظلت: ظللت قال الشاعر:
خلا أنّ العتاق من المطايا
أحَسْن به فهن إليه شوس
فأحسن أصله: أحسسن حذفت إحدى السينين كما حذفت إحدى اللامين.
5 النسف: نقض الشيء ليذهب به الريح، وهو: التذرية، والمنسف آلة ينسف بها الشيء، والنسافة: ما يسقط منه.



6 لا العجل الذهبي الذي سولت نفس السامري الخبيثة صنعه.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (8)
الحلقة (587)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 376الى صــــ 380)

{ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } 99 { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } 100 { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } 101 { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } 102 { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } 103 { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً }104


شرح الكلمات:

كذلك: أي كما قصصنا عليك هذه القصة قصة موسى وفرعون وموسى وبني إسرائيل نقص عليك من أنباء الرسل.

من لدنا ذكراً: أي قرآناً وهو القرآن الكريم.

من أعرض عنه: أي لم يؤمن به ولم يقرأه ولم يعمل به.

وزراً: أي حملاً ثقيلاً من الآثام.

يوم ينفخ في الصور: أي النفخة الثانية وهي نفخة البعث، والصور هو القرن.

زرقا: أي عيونهم زرق ووجوههم سود آية أنهم أصحاب الجحيم.

يتخافتون بينهم: أي يخفضون أصواتهم يتسارون بينهم من شدة الهول.

أمثلهم طريقة : أي أعدلهم رأياً في ذلك، وهذا كله لعظم الموقف وشدة الهول والفزع.

معنى الآيات:

بعد نهاية الحديث بين موسى وفرعون، وبين موسى وبني إسرائيل قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { كَذٰلِكَ1 نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي كما قصصنا عليك ما قصصنا من نبأ موسى وفرعون وخبر موسى وبني إسرائيل نقص عليك { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } أي أحداث الأمم السابقة ليكون ذلك آية نبوتك ووحينا إليك، وعبرة وذكرى للمؤمنين. وقوله تعالى: { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً 2} أي وقد أعطيناك تفضلا منا ذكرا وهو القرآن العظيم يذكر به العبد ربه ويهتدي به إلى سبيل النجاة والسعادة، وقوله { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } أي إثماً عظيماً لأنه لم يعمل صالحاً وكل عمله كان سيئاً لكفره وعدم إيمانه، { خَالِدِينَ فِيهِ } أي في ذلك الوزر في النار، وقوله { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } أي قبح ذلك الحمل حملاً يوم القيامة إذ صاحبه لا ينجو من العذاب بل بطرح معه في جهنم يخلد فيها وقوله { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي المكذبين بالدين الحق العاملين بالشرك والمعاصي { يَوْمِئِذٍ } أي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية { زُرْقاً }3 أي الأعين مع اسوداد الوجوه وقوله: { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } أي يتهامسون بينهم يسأل بعضهم بعضاً كما لبثتم في الدنيا وفي القبور فيقول البعض: { إِن لَّبِثْتُمْ 4إِلاَّ عَشْراً } أي ما لبثتم إلا عشر ليال، وقوله تعالى: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا5 يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي أعدلهم رأياً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } ، وهذا التقال للزمن الطويل سببه هول القيامة وعظم ما يشاهدون فيها من ألوان الفزع والعذاب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يقص تعالى عليه أنباء ما قد سبق بعد قصه عليه أنباء موسى وفرعون بالحق، وايتائه القرآن الكريم.

2- كون القرآن ذكراً للذاكرين لما يحمل من الحجج والدلائل والبراهين.

3- سوء حال المجرمين يوم القيامة، الذين أعرضوا عن القرآن الكريم.

4- عظم أهوال يوم القيامة حتى يتقال معها المرء مدة الحياة الدنيا التي هي آلاف الأعوام.
___________________________

1 الكاف من كذلك في محل نصب لأنها بمعنى مثل: نعت لمصدر محذوف تقديره: نقص عليك قصصا من أنباء ما قد سبق مثل ما قصصنا عليك هذا القصص.
2 ويطلق الذكر على الشرف أيضاً، وعلى ما يذكر به الله تعالى من قول والمراد به هنا القرآن الكريم.
3 الزّرَق: خلاف الكَحَل، والعرب تتشاءم بزرق العيون وتذمه وسبب هذه الزرقة هو شدة العطش.
4 أي: في الدنيا أو في القبور.
5 {نحن أعلم بما يقولون} : جملة معترضة قول الأولين: {إن لبثتم إلا عشرا} نظروا فيه إلى أن تغير الأجسام يتم في عشرة أيام، والذي قال يوماً نظر إلى أن الأجسام ما تغيّرت إذ قد أعيدت كما كانت.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } 5 { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } 106 { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } 107 { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } 108 { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } 109 { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } 110 { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } 111 { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }112


شرح الكلمات:

يسألونك عن الجبال: أي المشركون عن الجبال كيف تكون يوم القيامة.

فقل ينسفها ربي نسفا: أي يفتتها ثم تذروها الرياح فتكون هباء منبثاً.

قاعا صفصفا: أي مستوياً.

عوجا ولا أمتا: اي لا ترى فيها انخفاضاً ولا ارتفاعاً.

الداعي: أي إلى المحشر يدعوهم إليه للعرض على الرب تعالى.

وخشعت الأصوات: أي سكنت فلا يسمع إلا الهمس وهو صوت الأقدام الخفي.

ورضي له قولا: بأن قال لا إله إلا الله من قلبه صادقاً.

ولا يحيطون به علما: الله تعالى ما بين أيدي الناس وما خلفهم، وهم لا يحيطون به علماً.

وعنت الوجوه للحي القيوم: أي ذلت وخضعت للرب الحي الذي لا يموت.

من حمل ظلما: أي جاء يوم القيامة يحمل أوزار الظلم وهو الشرك.

ظلما ولا هضما: أي لا يخاف ظلما بأن يزاد في سيئاته ولا هضماً بأن ينقص من حسناته.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله: { وَيَسْأَلُونَكَ } أي المشركين من قومك المكذبين بالبعث والجزاء { عَنِ ٱلْجِبَالِ } عن مصيرها يوم القيامة فقل له1: { يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً2 فَيَذَرُهَا3 قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً }4 أي أجبهم بأن الله تعالى يفتتها ثم ينسفها فتكون هباء منبثاً، فيترك أماكنها قاعاً صفصفاً أي أرضاً مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا أي لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً. وقوله { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } أي يوم تقوم القيامة فيُنشرون يدعوهم الداعي هلموا إلى أرض المحشر فلا يميلون عن صوته يمنةً ولا يُسرة وهو معنى لا عوج له. وقوله تعالى: { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي ذلت وسكنت { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } وهو صوت خفي كأصوات خفاف الإِبل إذا مشت وقوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أي يُخبر تعالى إنهم يوم جمعهم للمحشر لفصل القضاء لا تنفع شفاعة أحدٌ أحداً إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة، ورضي له قولا أي وكان المشفوع فيه من أهل التوحيد أهل لا إله إلا الله وقوله { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } أي يعلم ما بين أيدي أهل المحشر أي ما يسيحكم به عليهم من جنة أو نار، وما خلفهم مما تركوه من أعمال في الدنيا، وهم لا يحيطون به عز وجل علماً، فلذا سيكون الجزاء عادلاً رحيماً، وقوله: { وَعَنَتِ 5ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ 6} أي ذلت وخضعت كما يعنو بوجهه الأسير، والحي القيوم هو الله جل جلاله وقوله تعالى: { وَقَدْ خَابَ } أي خسر { مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } ألا وهو الشرك والعياذ بالله وقوله تعالى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } والحال أنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والبعث الآخر7 فهذا لا يخاف ظلما بالزيادة في سيِّآته، ولا هضما بنقص من حسناته، وهي عدالة الله تعالى تتجلى في موقف الحساب والجزاء.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان جهل المشركين في سؤالهم عن الجبال.

2- تقرير مبدأ البعث الآخر.

3- لا شفاعة لغير أهل التوحيد فلا يَشفع مشرك، ولا يُشفع لمشرك.

4- بيان خيبة المشركين وفوز الموحدين يوم القيامة.
_________________________

1 قال القرطبي كل سؤال في القرآن أجيب بقل إلاّ هذا فبـ: فقل لأن المعنى إن سألوك فقل فتضمن الكلام معنى الشرط، وهو يقترن بالفاء دائماً.
2 قال ابن الأعرابي وغيره يقلعها قلعاً من أصولها ثم يصيرها رملاً يسيل سيلاً ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا أو هكذا ثم كالهباء المنثور.
3 (فيذرها) : أي: يذر مواضعها قاعاً صفصفاً، القاع: الأرض الملساء لا نبات فيها، ولا بناء عليها وهي مستو، وجمع القاع: أقواع وقيعان.
4 الأمت: المكان المرتفع كالنبك، وهو التل الصغير، والعوج: الوهدة وهي الانخفاض كالعوج في الشيء أي: ليس في الأرض انخفاض ولا ارتفاع بل هي مستوية.
5 ومنه قيل للأسير عانٍ، قال أمية بن الصلت:
مليك على عرش السماء مهيمن
لعزّته تعنو الوجوه وتسجد
6 القيوم: أي: القائم بتدبير الخلق، والقائم على كل نفس بما كسبت.
7 والقدر خيره وشرّه.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (9)
الحلقة (588)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 381الى صــــ 386)
{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } 113 { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } 114 { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }115


شرح الكلمات:

وكذلك أنزلنا: أي مثل ذلك الإنزال أنزلنا قرآناً عربياً أي بلغة العرب ليفهموه.

وصرفنا فيه من الوعيد: أي من أنواع الوعيد، وفنون العذاب الدنيوي والأخروي.

أو يحدث لهم ذكرا: أي بهلاك الأمم السابقة فيتعظون فيتوبون ويسلمون.

فتعالى الله الملك الحق: أي عما يقول المفترون ويشرك المشركون.

ولا تعجل بالقرآن: أي بقرءاته.

من قبل أن يقضى إليك وحيه: أي من أن يفرغ جبريل من قراءته عليك.

عهدنا إلى آدم: أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة.

فنسي: أي عهدنا وتركه.

ولم نجد له عزما: أي حزما وصبراً عما نهيناه عنه.

معنى الآيات:

يقول تعالى { وَكَذٰلِكَ 1أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي ومثل ما أنزلنا من تلك الآيات المشتملة على الوعد والوعيد أنزلنا القرآن بلغة العرب ليفهموه ويهتدوا به { وَصَرَّفْنَا2 فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } أي بينا فيه من أنواع الوعيد وكررنا فنون العذاب الدنيوي والأخروي لعل قومك أيها الرسول يتقون ما كان سببا في إهلاك الأمم السابقة وهو الشرك والتكذيب والمعاصي { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ3 ذِكْراً } أي يوجد لهم ذكراً في أنفسهم فيتعظون فيتوبون من الشرك والتكذيب للرسول ويطيعون ربهم فيكملون ويسعدون هذا ما دلت عليه الآية الأولى [113].

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } فإن الله تعالى يخبر عن علوه من سائر خلقه وملكه لهم وتصرفه فيهم وقهره لهم، ومِن ثَمَّ فهو منزَّه عن الشريك والولد وعن كل نقص يصفه به المفترون الكذابون.

وقوله: { وَلاَ تَعْجَلْ4 بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } يُعلِّم تعالى رسوله كيفية تلقي القرآن عن جبريل عليه السلام فيرشده إلى أنه لا ينبغي أن يستعجل في قراءة الآيات ولا في إملائها على أصحابها ولا في الحكم بها حتى يفرغ جبريل من قراءتها كاملة عليه وبيان مراد الله تعالى منها في إنزالها عليه. وطلب إليه أن يسأله المزيد من العلم بقوله: { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } ، وفيه إشعار بأنه دائماً في حاجة إلى المزيد، ولذا فلا يستعجل ولكن يتريث ويتمهل، وهذا علماء أمته أحوج إليه منه صلى الله عليه وسلم فالاستعجال في الفُتيا وفي إصدار الحكم كثيراً ما يخطئ صاحبهما.

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ 5عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ 6وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً 7} يقول تعالى مخبراً رسوله والمؤمنين ولقد وصينا آدم من قبل هذه الأمم التي أمرناها ونهيناها فلم يطع أكثرها وصيناه بأن لا يطيع عدوه إبليس وأن لا يأكل من الشجرة فترك وصيتنا ناسيا لها غير مبال بها وأطاع عدوه وأكل من الشجرة، ولم نجد له عزماً بل ضعف أمام الإِغراء والتزيين فلم يحفظ العهد ولم يصبر على الطاعة، فكيف إذاً بغير آدم من سائر ذرياته فلذا ينبغي أن لا تأسى ولا تحزن على عدم إيمان قومك بك واستجابتهم لدعوتك.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان الحكمة من إنزال القرآن باللسان العربي وتصريف الوعيد فيه.

2- إثبات علو الله تعالى وقهره لعباده وملكه لهم وتنزهه عن الولد والشريك وكل نقص يصفه به المبطلون.

3- استحباب التريث والتأني في قراءة القرآن وتفسيره وإصدار الحكم والفتيا منه.

4- الترغيب في طلب العلم والمزيد من التحصيل العلمي وإشعار النفس بالجهل والحاجة إلى العلم.

5- التسلية بنسيان آدم وضعف قلبه أمام الإِغراء الشيطاني.
_____________________________

1 هذه الجملة معطوفة على جملة: كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق إذ الغرض واحد وهو التنويه بشأن القرآن وتقرير الوحي له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 التصريف: التنويع والتفنين، والوعيد هنا للتهديد.
3 لعله يحدث لهم ذكراً: فيه بيان أنهم قبل نزول القرآن وسماعه لم يكونوا يذكرون الله في توحيده ولا في وعده ووعيده ولا في شرعه وأحكامه.
4 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ من الوحي حرصاً منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحفظ وشفقة على القرآن مخافة النسيان فنهاه تعالى عن ذلك فأنزل: {ولا تعجل بالقرآن} وقال الحسن نزلت هذه الآية في رجل لطَم وجه امرأته فجاءت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطلب القصاص فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها القصاص فنزل: {الرجال قوّامون على النساء} وأبى الله ذلك. ولهذا قال له: {وقل رب زدني علما} وفي هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى أن حرصه في حفظ القرآن محمود.
5 قال ابن زيد: نسي ما عهد الله إليه في ذلك، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس.
6 العهد المنسي هو ما جاء في قوله تعالى: {فقلنا يا آدم إنّ هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنة} من هذه االسورة.
7 فسر العزم بالصبر والثبات أمام الإغراء.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } 116 { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } 117 { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } 118 { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } 119 { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } 120 { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } 121 { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }122


شرح الكلمات:

وإذ قلنا للملائكة: أي اذكر قولنا للعظة والاعتبار.

إلا إبليس أبى: أي امتنع من السجود لكبر في نفسه إذ هو ليس من الملائكة وإنما هو أبو الجان كان مع الملائكة يعبد الله معهم.

عدو لك ولزوجك: أي حواء ومعنى عدو أنه لا يحب لكما الخير بل يريد لكما الشر.

فتشقى: أي بالعمل في الأرض إذ تزرع وتحصد وتطحن وتخبز حتى تتغذى.

لا تظمأ فيها ولا تضحى: أي لا تعطش ولا يصيبك حر شمس الضحى المؤلم في الأرض.

شجرة الخلد: أي التي يخلد من أكل منها.

وملك لا يبلى: أي لا يفنى ولا يبيد ولازم ذلك الخلود.

فبدت لهما سواءتهما: أي ظهر لكل منها قُبُلَ صاحبه ودُبُرَهُ فاستاءا لذلك.

وطفقا يخصفان: أي أخذا وجعلا يلزقان ورق الشجر عليهما ستراً لسوءاتهما.

فغوى: أي بالأكل من الشجرة المنهي عنها.

فاجتباه ربه فتاب عليه: أي اختاره لولايته فهداه للتوبة فتاب ليكون عبداً صالحاً.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى ضعف آدم عليه السلام حيث عهد الله إليه بعدم طاعة إبليس حتى لا يخرجه هو وزوجه من الجنة، وأن آدم نسي العهد فأكل من الشجرة ناسب ذكر قصة آدم بتمامها ليكون موعظة للمتقين وهدى للمؤمنين فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم واذكر { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } وسجودهم عبادة لله تعالى وتحية لآدم لشرفه وعلمه. فامتثلت الملائكة أمر الله { فَسَجَدُوۤاْ } كلهم أجمعون { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } أن يسجد لما داخله من الكبر ولأنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن إلا أنه كان يتعبد الله تعالى مع الملائكة في السماء. هذا ما دلت عليه الآية الأولى [116].

وقوله تعالى { فَقُلْنَا يآءَادَمُ } أي بعد أن تكبّر إبليس عن السجود لآدم نصحنا آدم وقلنا له { إِنَّ هَـٰذَا } أي إبليس { عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } أي فلا تطيعانه فإن طاعته 1تكون سبب إخراجكما من الجنة ومتى خرجتما منها شقيتما، ووجه الخطاب إلى آدم في قوله تعالى: فتشقى لأن المراد من الشقاء هنا العمل كالزرع والحصاد وغيرهما مما هو ضروري للعيش خارج الجنة والزوج هو المسئول عن 2إعاشة زوجته فهو الذي يشقى دونها، وقوله تعالى لآدم { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا } أي في الجنة { وَلاَ تَعْرَىٰ } ، { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا } أي لا تعطش { وَلاَ تَضْحَىٰ 3} أي لا تتعرض لحر شمس ضحى كما هي في الأرض والخطاب وإن كان لآدم فحواء تابعة له بحكم رئاسة الزوج على زوجته، ومن الأدب خطاب الرجل دون امرأته إذ هي تابعة له وقوله تعالى: { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } أي ناداه من طريق الوسوسة.


{ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ 4وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } فقبل منه ذلك آدم واستجاب لوسوسته فأكلت حواء أولاً ثم أكل آدم وهو قوله تعالى { فَأَكَلاَ مِنْهَا } فترتب على ذلك انكشاف سوءاتهما لهما بذهاب النور الساتر لهما بسبب المعصية لله تعالى وقوله تعالى { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا } من ورق الشجر أي فأخذا يشدان ورق الشجر على عوراتهما ستراً لهما لأن منظر العورة يسوء الآدمي ولذلك سميت العورة سوءة وهكذا عصى آدم ربه باستجابته لوسواس عدوه وأكله من الشجرة فبذلك5 غوى، إلا أن ربه تعالى اجتباه أي نبياً وقربه ولياً { فَتَابَ 6عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } وهداه للعمل بطاعته ليكون من جملة أصفيائه وصالح عباده. والحمد لله ذي الإِنعام والإِفضال.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة المحمدية بذكر مثل هذا القصص الذي لا يعلم إلا بالوحي الإِلهي.

2- تقرير عداوة إبليس لبني آدم.

3- بيان أن الجنة لا نصب فيها ولا تعب، وإنما ذلك في الأرض.

4- التحذير من أخطار الاستجابة لوسوسة إبليس فإنها تُرْدى صاحبها.

5- ضعف المرأة وقلة عزمها فقد أكلت قبل آدم فسهلت عليه المعصية.

6- كون المرأة تابعة للرجل وليس لها أن تستقل بحال من الأحوال.

7- حرمة كشف العورات ووجوب سترها.

8- إثبات نبوة آدم وتوبة الله عليه وقبولها منه وهدايته إلى العمل بمحابه وترك مكارهه.
__________________________

1 هذا مبدأ: أنّ نفقة الزوجة على زوجها. وأن النفقة الواجبة محصورة في الطعام والشراب والكسوة والسكن.
2 قال الحسن: المراد بالشقاء: شقاء الدنيا لا يرى ابن آدم فيها إلاّ ناصبا.
3 يقال: ضحيت للشمس ضحاءً: برزت، وضحَيت بفتح الحاء مثله والمضارع أضحى، والأمر إضح، ومنه قول عمر في عرفة لرجل لازم الخيمة إضحَ لمن جئت له.
4 روى أبو داود واحمد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها وهي شجرة الخلد".
5 كان هذا قبل النبوة، ومن أذنب مرّة واحدة لا يقال له مذنب ولا غاو ولاسيما بعد التوبة.
6 ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "حاجّ موسى آدم فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم يا موسى أنت الذي اصطفاك برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحجّ آدم موسى".

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (10)
الحلقة (589)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 386الى صــــ 393)

{ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } 123 { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } 124 { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } 125 { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } 126 { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ }127


شرح الكلمات:

قال اهبطا منها جميعا: أي آدم وحواء من الجنة وإبليس سبق أن أبلس وهبط.

بعضكم لبعض عدو: أي آدم وحواء وذريتهما عدو لإِبليس وذريته، وإبليس وذريته عدو لآدم وحواء وذريتهما.

فإما يأتينكم مني هدى: أي فإن يأتيكم مني هدى وهو كتاب ورسول.

فمن اتبع هداي: أي الذي أرسلت به رسولي وهو القرآن.

فلا يضل: أي في الدنيا.

ولا يشقى: في الآخرة.

ومن أعرض عن ذكري: أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه.

معيشة ضنكا: أي ضيّقة تضيق بها نفسه ولم يسعد بها ولو كانت واسعة.

أعمى: أي أعمى البصر لا يبصر.

وقد كنت بصيرا: أي ذا بصر في الدنيا وعند البعث.

قال كذلك: أي الأمر كذلك أتتك آياتنا فنسيتها فكما نسيتها تنسى في جهنم.

وكذلك نجزي من أسرف: أي وكذلك الجزاء الذي جازينا به من نسي آياتنا نجزي من أسرف في المعاصي ولم يقف عند حد، ولم يؤمن بآيات ربه سبحانه وتعالى.

أشد وأبقى: أي أشد من عذاب الدنيا وأدوم فلا ينقضي ولا ينتهي.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة آدم إنه لما أكل آدم وحواء من الشجرة وبدت لهما سواءتهما وعاتبهما ربهما بقوله في آية غير هذه{ أَلَمْ أَنْهَكُمَا1 عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 22]. وأنزل على آدم كلمة2 التوبة فقالها مع زوجه فتاب الله عليهما لما تم كل ذلك قال { ٱهْبِطَا3 مِنْهَا } أي من الجنة { جَمِيعاً } إذ إبليس العدو قد اُبْلِس من قبل وطُرد من الجنة فهبطوا جميعاً. وقوله { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } أي بيان عبادتي تحمله كتبي وتبينه رسلي، { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } فآمن به وعمل بما فيه { فَلاَ يَضِلُّ } في حياته { وَلاَ يَشْقَىٰ4 } في آخرته { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } أي فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه { فَإِنَّ لَهُ } أي جزاءً منا له { مَعِيشَةً ضَنكاً5 } أي ضيقة تضيق بها نفسه فلم يشعر بالغبطة والسعادة وإن اتسع رزقه كما يضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة حياة البرزخ، ويحشر يوم القيامة أعمى لا حجة له ولا بصر يبصر به. وقد يعجب لحاله ويسأل ربه { لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ } في الدنيا وفي البعث { بَصِيراً } فيجيبه ربه تعالى: { كَذٰلِكَ } أي الأمر كذلك كنت بصيراً وأصبحت أعمى لأنك { أَتَتْكَ آيَاتُنَا } تحملها كتبنا وتبينها رسلنا { فَنَسِيتَهَا } أي تركتها ولم تلتفت إليها معرضا عنها فاليوم تترك في جهنم منسياً كذلك وقوله تعالى في الآية الآخرة [127] { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } في معاصينا فلم يقف عند حد ولم يؤمن بآيات ربه فنجعل له معيشة ضنكاً في حياته الدنيا وفي البرزخ { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ }6 من عذاب الدنيا { وَأَبْقَىٰ } أي أدوم حيث لا ينقضي ولا ينتهي.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير عداوة الشيطان للإِنسان.

2- عِدَةُ الله تعالى لمن آمن بالقرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في حياته ولا يشقى في آخرته.

3- بيان جزاء من أعرض عن القرآن في الدنيا والآخرة.

4- التنديد بالإِسراف في الذنوب والمعاصي مع الكفر بآيات الله، وبيان جزاء ذلك.
___________________________

1 هي قوله تعالى: {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} من سورة الأعراف وأخبر تعالى عنها في سورة البقرة في قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} .
2 الآية من سورة الأعراف.
3 الخطاب لآدم وإبليس وحواء تابعة لزوجها بقرينة: {بعضكم لبعض عدو} .
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة وتلا هذه الآية.
5 {ضنكا} أي: ضيّقا، يقال: منزل ضنك وعيش ضنك، يستوي في الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال عنترة.
إن يُلحقوا أكرر وإن يستلحموا
أشدد وإن يُلفوا بضنك أنزل
6 أي: من المعيشة الضنك.

*******************************

{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } 128 { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } 129 { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } 130 { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } 131 { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }132


شرح الكلمات:

أفلم يهد لهم: أي أفلم يُبيَّنْ لهم.

من القرون: أي من أهل القرون.

لآيات لأولي النهى: أي أصحاب العقول الراجحة إذ النهية العقل.

ولولا كلمة سبقت: أي بتأخير العذاب عنهم.

لكان لزاما: أي العذاب لازما لا يتأخر عنهم بحال.

ما يقولون: من كلمات الكفر، ومن مطالبتهم بالآيات.

ومن آناء الليل: أي ساعات الليل واحدها إنْيٌ أو إنْوٌ.

لعلك ترضى: أي رجاء أن تثاب الثواب الحسن الذي ترضى به.

إلى ما متعنا به أزواجاً1 منهم: أي رجالاً منهم من الكافرين.

زهرة الحياة الدنيا: أي زينة الحياة الدنيا وقيل فيها زهرة لأنها سرعان ما تذبل وتذوى.

لنفتنهم فيه: أي لنبتليهم في ذلك أيشكرون أم يكفرون.

والعاقبة للتقوى: العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى.

معنى الآيات:

بعد ذكر قصة آدم عليه السلام وما تضمنته من هداية الآيات قال تعالى { أَفَلَمْ يَهْدِ } لأهل مكة المكذبين المشركين أي أَغَفَلوا فلم يهد لهم أي يتبين { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } أي إهلاكنا للعديد من أهل القرون الذين هم يمشون في مساكنهم ذاهبين جائين كثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات أهلكناهم بكفرهم ومعاصيهم فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا. وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور من الإهلاك للقرون الأولى { لآيَاتٍ } أي دلائل واضحة على وجوب الإِيمان بالله ورسوله وطاعتهما، { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي لأصحاب العقول أما الذين لا عقول لهم لأنهم عطلوها فلم يفكروا بها فلا يكون في ذلك آيات لهم. وقوله تعالى { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ2 سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } بأن لا تموت نفس حتى تستوفي أجلها، وأجل مسمىً عند الله في كتاب المقادير لا يتبدل ولا يتغير لكان عذابهم لازماً لهم لما هم عليه من الكفر والشرك والعصيان. وعليه { فَٱصْبِرْ } يا رسولنا { عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من أنك ساحر وشاعر وكاذب وكاهن من كلمات الكفر، واستعن على ذلك بالصلاة ذات الذكر والتسبيح { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } وهو صلاة الصبح { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } وهو صلاة العصر { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ } أي ساعات الليل وهما صلاتا المغرب والعشاء، { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } وهو صلاة الظهر لأنها تقع بين طرفي النهار أي نصفه الأول ونصفه الثاني3 وذلك عند زوال الشمس، لعلك بذلك ترضى بثواب الله تعالى لك.

وقوله تعالى { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي لا تتطلع ناظراً { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أشكالاً في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم { زَهْرَةَ4 ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي من زينة الحياة الدنيا { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم في ذلك الذي متعناهم به من زينة الحياة الدنيا وقوله تعالى: { وَرِزْقُ رَبِّكَ } أي ما لك عند الله من أجر ومثوبة { خَيْرٌ 5وَأَبْقَىٰ } خيراً في نوعه وأبقى في مدته، واختيار الباقي على الفاني مطلب العقلاء.
وقوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ6 بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي من أزواجك وبناتك وأتباعك المؤمنين بالصلاة ففيها الملاذ وفيها الشفاء من آلام الحاجة والخصاصية واصطبر عليها واحمل نفسك على الصبر على إقامتها. وقوله { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } أي لا نكلفك مالاً تَعْطِيناه ولكن تكلف صلاة فأدها على أكمل وجوهها. { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ } أي رزقك علينا، { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } أي العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى من عبادنا وهم الذين يخشوننا فيؤدون ما أوجبنا عليهم ويجتنبون ما حرمنا عليهم رهبة منا ورغبة فينا. هؤلاء لهم أحسن العواقب ينتهون إليها نصر في الدنيا وسعادة في الآخرة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير مبدأ العاقل من اعتبر بغيره.

2- بيان فضيلة العقل وشرف صاحبه وانتفاعه به.

3- وجوب الصبر على دعوة الله والاستعانة على ذلك بالصلاة.

4- بيان أوقات الصلوات الخمس والحصول على رضى النفس بثوابها.

5- وجوب عدم تعلق النفس بما عند أهل الكفر من مال ومتاع لأنهم ممتحنون به.

6- وجوب الرضا بما قسم الله للعبد من رزق إنتظاراً لرزق الآخرة الخالد الباقي.

7- وجوب الأمر بالصلاة بين الأهل والأولاد والمسلمين والصبر على ذلك.

8- فضل التقوى وكرامة أصحابها وفوزهم بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

9- إقام الصلاة بين أفراد الأسرة المسلمة ييسر الله تعالى به أسباب الرزق وتوسعته عليهم.
____________________________

1 أزواجاً: رجالاً ونساءً لأنّ الرجل زوج والمرأة زوج والتعبير بلفظ أزواج لأجل الدلالة على العائلات والبيوت أي: إلى ما متّعناهم به من مال وبنين.
2 فيه تقديم وتأخير، الأصل: ولولا كلمة سبقت وأجل مسبق لكان لزاماً. أي لكان العذاب لازماً لهم.
3 العتمة. واحد الأناء: أنيٌ وإنى وأنى.
4 قال مجاهد: الأغنياء منهم، وبهذا يشمل النساء والرجال إذ كل منهما زوج فرجح هذا أنّ أزواجاً: مفعول به، ولا يتنافى هذا مع ما في التفسير لأن قولنا: أشكالاً في عقولهم وأخلاقهم وسلوكهم يعني: منطقاً الرجال الأزواج.
5 {زهرة} منصوب على الحال من الموصول. والزهرة: واحدة الزهور وهو نور الشجر والمراد هنا: الزينة المعجبة المبهرة في النساء والبنين والأنعام والبساتين والجنان.
6 الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميع أمّته تابعة له في ذلك فكلّ مؤمن يجب عليه أن يقيم الصلاة وأن يأمر أهله بذلك ويصبر. روي أنه لما نزلت هذه الآية كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يذهب إلى بنته فاطمة كل صباح وقت الصلاة" وكان عمر رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية: وكان عروة بن الزبير إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ: {ولا تمدّن عينك..} الآية.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } 133 { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } 134 { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }135


شرح الكلمات:

لولا1: أي هَلاَّ فهي أداة تحضيض وحث على وقوع ما يذكر بعدها.

بآية من ربه: أي معجزة تدل على صدقه في نبوته ورسالته.

بينة ما في الصحف الأولى: أي المشتمل عليها القرآن العظيم من أنباء الأمم الماضية وهلاكهم بتكذيبهم لرسلهم.

من قبله: من قبل إرسالنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وإنزالنا كتابنا القرآن.

من قبل أن نذل ونخزى: أي من قبل أن يصينبا الذل والخزي يوم القيامة في جهنم.

متربص: أي منتظر ما يؤول إليه الأمر.

فستعلمون: أي يوم القيامة.

الصراط السوي: أي الدين الصحيح وهو الإِسلام.

ومن اهتدى: أي ممن ضل نحن أم أنتم.

معنى الآيات:

ما زال السياق مع المشركين طلباً لهدايتهم فقال تعالى مخبراً عن أولئك المشركين الذين متع الله رجالاً منهم بزهرة الحياة الدنيا أنهم أصروا على الشرك والتكذيب { وَقَالُواْ لَوْلاَ2 يَأْتِينَا بِآيَةٍ } أي هلا يأتينا محمد بمعجزة كالتي أتى بها صالح وموسى وعيسى بن مريم تدل على صدقه في نبوته ورسالته إلينا. فقال تعالى راداً عليهم قولتهم الباطلة: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا 3فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }؟ أيطالبون بالآيات وقد جاءتهم بينة ما في الصحف الأولى بواسطة القرآن الكريم فعرفوا ما حل بالأمم التي طالبت بالآيات ولما جاءتهم الآيات كذبوا بها فأهلكهم الله بتكذيبهم 4فما يؤمن هؤلاء المشركين المطالبين بالآيات أنها لو جاءتهم ما آمنوا بها فأهلكوا كما أهلك المكذبين من قبلهم.

وقوله تعالى في الآية الثانية [134] { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ5 بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } أي من قبل إرسالنا محمد وإنزالنا الكتاب عليه لقالوا للرب تعالى إذا وقفوا بين يديه: { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } فيما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان والعمل الصالح وذلك من قبل أن نذل هذا الذل ونخزى هذا الخزي في نار جهنم. فإن كان هذا قولهم لا محالة فلم لا يؤمنون ويتبعون آيات الله فيعملون بما جاء فيها من الهدى قبل حلول العذاب بهم؟ وفي الآية الأخيرة قال تعالى لرسوله بعد هذا الإِرشاد الذي أرشدهم إليه { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ6 } أي كل منا متربص أي منتظر ما يؤول إليه الأمر { فَتَرَبَّصُواْ }. فستعلمون في نهاية الأمر وعندما توقفون في عرصات القيامة { مَنْ } هم { أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ7 } الذي لا اعوجاج فيه وهو الإِسلام الدين الحق، { وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } إلى سبيل النجاة والسعادة ممن ضل ذلك فخسر وهلك.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- المطالبة بالآيات سنة متبعة للأمم والشعوب عندما تعرض عن الحق وتتنكر للعقل وهدايته.

2- الذلة والخزي تصيب أهل النار يوم القيامة لما فرطوا فيه من الإِيمان والعمل الصالح.

3- في الآية إشادة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " يحتج به على الله يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة، والمغلوب على عقله، والصبي الصغير، فيقول المغلوب على عقله لم تجعل لي عقلاً انتفع به، ويقول الهالك في الفترة لم يأتني رسول ولا نبي ولو أتاني لك رسول أو نبي لكنت أطوع خلقك إليك، وقرأ صلى الله عليه وسلم { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } ويقول الصبي الصغير كنت صغيراً لا أعقل.
قال فترفع لهم نار ويقال لهم: رِدُوها قال فَيرِدُها من كان في علم الله أنه سعيد، ويتلكأ عنها من كان في علم الله أنه شقي فيقول إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم ". رواه ابن جرير عند تفسير هذه الآية { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً }.
______________________________

1 لولا: أداة تحضيض وجملة: {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} حالية أي: قالوا ذلك، والحال أنها أتتهم بيّنة ما في الصحف الأولى، فالاستفهام إنكاري، والبينة: الحجة، والصحف. كتب الأنبياء السابقين كقوله تعالى: {إنّ هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} .
2 أي: لولا يأتينا محمد بآية توجب العلم الضروري أو بآية ظاهرة كناقة صالح وعصا موسى أو هلاّ يأتينا بالآيات التي نقترحها كتحويل جبال مكة.
3 هذه البيّنة هي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتابه القرآن الكريم، محمد أميّ لا يقرأ ولا يكتب، وقد جاء بما لم يأت به غيره من العلوم والمعارف والقرآن الكريم حوى علوم الأولين وقصصهم، وكل علم نافع في الحياتين فأيّة آية أعظم من هذه الآية، كما قال تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك كتاباً يتلى عليهم} ؟!
4 قال القرطبي: فما يؤمنهم إن أتتهم الآيات أن يكون حالهم كحال أولئك.
5 هذه الآية دليل على أن الإيمان بوحدانية الله تعالى مما يقتضيه العقل وتوجبه الفطرة لولا حجب الضلالات وإغواء الشياطين للناس.
6 هذا جواب عن قولهم: {لولا يأتينا بآية من ربّه} وما بينهما اعتراض والتربّص: الانتظار.
7 بمعنى المُسْتَوي وهو مأخوذ من التسوية.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:06 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (1)
الحلقة (590)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 394الى صــــ 399)
الجزء السابع عشر
سورة الأنبياء
مكية
وآياتها مائة واثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } 1 { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } 2 { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } 3 { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } 4 { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } 5 { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }6


شرح الكلمات:

اقترب1 للناس حسابهم: أي قرب زمن حسابهم وهو يوم القيامة.

وهم في غفلة: أي عما هم صائرون إليه.

معرضون: أي عن التأهب ليوم الحساب بصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي.

من ذكر من ربهم محدث: أي من قرآن نازل من ربهم محدث جديد النزول.

وهم يلعبون: أي ساخرين مستهزئين.

لاهية قلوبهم: مشغولة عنه بما لا يغني من الباطل والشر والفساد.

وأسروا النجوى: أي أخفوا مناجاتهم بينهم.

أضغاث أحلام: أي أخلاط رآها في المنام.

بل افتراه: أي اختلقه وكذبه ولم يوح إليه.

أفهم يؤمنون: أي لا يؤمنون فالاستفهام للنفي.

معنى الآيات:

يخبر تعالى فيقول وقوله الحق: { ٱقْتَرَبَ2 لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } أي دنا وقرب وقت حسابهم على أعمالهم خيرها وشرها { وَهُمْ فِي 3غَفْلَةٍ } عما ينتظرهم من حساب وجزاء { مُّعْرِضُونَ } عما يدعون إليه من التأهب ليوم الحساب بترك الشرك والمعاصي والتزود بالإِيمان وصالح الأعمال. وقوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِمْ 4مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ5 } أي ما ينزل الله من قرآن يعظهم به ويذكرهم بما فيه { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أي استمعوه وهم هازئون ساخرون لاعبون غير متدبرين له ولا متفكرين فيه. وقوله تعالى: { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } أي مشغولة عنه منصرفة عما تحمل الآيات المحدثة النزول من هدى ونور، { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ 6} وهم المشركون قالوا في تناجيهم بينهم: { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي ما محمد إلا إنسان مثلكم فكيف تؤمنون به وتتابعونه على ما جاء به، إنه ما هو إلا ساحر { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ما لكم أين ذهبت عقولكم؟ قال تعالى لرسوله: { قَالَ رَبِّي 7 يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ.... } لأقوال عباده { ٱلْعَلِيمُ } بأعمالهم فهو تعالى سميع لما تقولون من الكذب عليم بصدقي وحقيقة ما أدعوكم إليه.

وقوله تعالى: { بَلْ قَالُوۤاْ } أي أولئك المتناجون الظالمون { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } أي قالوا في القرآن يأتيهم من ربهم محدث لهم؛ ليهتدوا به قالوا فيه أضغاث أي أخلاط رؤيا منامية وليس بكلام الله ووحيه، { بَلِ ٱفْتَرَاهُ } انتقلوا من قول إلى آخر لحيرتهم { بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } أي صلى الله عليه وسلم وما يقوله ليس من جنس الشعر الذي ذكر أشياء لا واقع لها ولا حقيقة. وقوله تعالى عنه: { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } أي إن كان رسولاً كما يدعي وليس بشاعر ولا ساحر فليأتنا بآية أي معجزة كآية صالح أو موسى أو عيسى كما أرسل بها الأنبياء الأولون. قال تعالى: { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ 8مِّن قَرْيَةٍ } أي أهل قرية { أَهْلَكْنَاهَآ } بالعذاب لما جاءتها الآية فكذبت أفهم 9يؤمنون أي لا يؤمنون إذ شأنهم شأن غيرهم، فلذا لا معنى لإِعطائهم الآية من أجل الإِيمان ونحن نعلم أنهم لا يؤمنون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- قرب الساعة.

2- بيان ما كان عليه المشركون من غفلة ولهو وإعراض، والناس اليوم أكثر منهم في ذلك.

3- بيان حيرة المشركين إزاء الوحي الإِلهي والنبي صلى الله عليه وسلم.

4- المعجزات لم تكن يوماً سبباً في هداية الناس بل كانت سبب إهلاكهم إذ هذا طبع الإِنسان إذا لم يرد الإِيمان والهداية فإنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية.
_____________________________________

1 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول وهن من تلادي: يريد من أوّل ما حفظ كالمال التليد.
2 لفظ الناس: عام وإن أريد به أهل مكة بدليل السياق في الآيات بعد.
3 الجملة حالية أي: اقترب للناس حسابهم والحال أنّهم في غفلة معرضون.
4 محدث: أي: في نزوله وقراءة جبريل له على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان ينزل آية آية وسورة سورة وجائز أن يكون الذكر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقرينة الآيات كقوله: {هل هذا إلا بشر مثلكم} وقوله: {قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولاً..} فرسول بدلا، ق قوله: (ذكرا) وقوله (إلا استمعوه) ي: الرسول وهم يلعبون. قاله الحسن بن الفضل.
5 لاهية: ساهية معرضة عن ذكر الله تعالى. يقال: لهيت عن الشيء إذا تركته وسهرت عنه، وهو نعت تقدّم عن الاسم فنصب على الحال نحو: (خاشعة أبصارهم) ، (ودانية عليهم ظلالها) وكقول كثير عزّة:
لعزة موحشا طلل
يلوح كأنه خِلَلُ
6 {الذين ظلموا} بدل من واو الجماعة في: {وأسروا النجوى} .
7 قرأ نافع والجمهور: {قل ربي} بصيغة الأمر، وقرأ حفص ومن وافقه (قال) بصيغة الماضي.
8 {من} : زائدة لتقوية الكلام وتوكيد النفي المستفاد من حرف (ما) .
9 الاستفهام للإنكار أي: إنكار إيمانهم لو جاءتهم الآية أي: فهم لا يؤمنون.

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } 7 { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } 8 { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } 9 { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }10

شرح الكلمات:

قبلك: يا محمد.

أهل الذكر: أي الكتاب الأول وهم أهل الكتاب.

جسداً: أي أجساداً آدمية.

الوعد: أي الذي واعدناهم.

المسرفين: أي في الظلم والشرك والمعاصي.

كتاباً: هو القرآن العظيم.

فيه ذكركم: أي ما تذكرون به ربكم وما تذكرون به من الشرف بين الناس.

معنى الآيات:

كانت مطالب قريش من اعتراضاتهم تدور حَوْلَ لِمَ يكون الرسول بشراً، ولِمَ يكون رسولاً ويأكل الطعام لم لا يكون له كنز أو جنة يأكل منها، لم لا يأتينا بآية كما أرسل بها الأولون، وهكذا. قال قتادة قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم " وإذا كان ما تقوله حقاً ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال إن شئت كان لبذس سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا " أي ينزل بهم العذاب فوراً " وإن شئت استأنيت بقومك، قال بل استأني بقومي فأنزل الله{ مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: 6].

وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا 1قَبْلَكَ } يا رسولنا { إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } ما نريد إبلاغه عبادنا من أمرنا ونهينا. { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ2 إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي فليسأل قومك أهل الكتاب من قبلهم وهم أحبار اليهود ورهبان النصارى إن كانوا لا يعلمون فإنهم يعلمون أن الرسل من قبلهم لم يكونوا إلا بشراً. وقوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ } أي الرسل { جَسَداً3 } أي أجساداً ملائكية أو بشرية لا يأكل أصحابها الطعام بل جعلناهم أجساداً آدمية تفتقر في بقاء حياتها إلى الطعام والشراب4 فلم يعترض هؤلاء المشركون على كون الرسول بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ وقوله تعالى: { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ } أي أولئك الرسل { ٱلْوَعْدَ } 5الذي وعدناهم وهو أنا إذا آتينا أقوامهم ما طالبوا به من المعجزات ثم كذبوا ولم يؤمنوا أهلكناهم { فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ } أي أنجينا رسلنا ومن آمن بهم واتبعهم، وأهلكنا المكذبين المسرفين في الكفر والعناد والشرك والشر والباطل.

وقوله تعالى: { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }؟ يقول تعالى لأولئك المشركين المطالبين بالآيات التي قد تكون سبب هلاكهم ودمارهم { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ } لهدايتكم وإصلاحكم ثم إسعادكم { كِتَاباً } عظيم الشأن { فِيهِ ذِكْرُكُمْ }6 أي ما تذكرون به وتتعظون فتهتدون إلى سبيل سلامتكم وسعادتكم، فيه ذكركم بين الأمم والشعوب لأنه نزل بلغتكم الناس لكم فيه تبع وهو شرف أي شرف لكم. أتشتطون في المكايدة والعناد فلا تعقلون، ما خير لكم مما هو شر لكم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير مبدأ أن الرسل لا يكونون إلا بشراً ذكوراً لا إناثاً.

2- تعين سؤال أهل العلم في كل ما لا يعلم إلا من طريقهم، من أمور الدين والآخرة.

3- ذم الإِسراف في كل شيء وهو كالغلو في الشرك والظلم.

4- القرآن ذكر يذكر به الله تعالى لما فيه من دلائل التوحيد وموعظة لما فيه من قصص الأولين وشرف أي شرف لمن آمن به وعمل بما فيه من شرائع وآداب وأخلاق.
____________________________

1 هذا ردّ على المشركين إذ قالوا: {هل هذا إلا بشر مثلكم} وتأنيس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يضيق بما يقولون.
2 جائز أن يكون أهل الذكر أي: الكتاب الأوّل هم اليهود والنصارى إذ كان أهل مكة يسألون يهود المدينة وجائز أن يكون القرآن وهم المؤمنون ولذا قال عليّ وهو صادق: نحن أهل الذكر. أي: فليناظروا المؤمنين كعلي وأبي بكر الصديق وبلال. وفي الآية دليل على وجوب تقليد العامة العلماء إذ هم أهل الذكر ووجوب العمل بما يفتونهم به ويعلمونهم به.
3 الجسد: الجسم لا حياة فيه كالجثة. وفي العبارة تهكم بالمشركين لسخف عقولهم إذ أنكروا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل الطعام فقالوا: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} وهل يعقل وجود أجسام بشرية تستغني عن الأكل والشرب؟
4 ولذا هم يموتون ولا يخلدون وهذه حقيقة الآدمي.
5 الوعد: منصوب على نزع الخافض أي: صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم، وهو وعدهم بنصرهم وإهلاك أعدائهم.
6 {فيه ذكركم} : أي: فيه ذكر أمر دينكم وأحكام شرعكم وبيان ما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب وفيه ذكر مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.


الساعة الآن : 08:57 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 580.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 578.74 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.30%)]