ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:44 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب التطبيق)
(196)


- (باب الذكر في الركوع) إلى (باب نوع آخر من الذكر في الركوع)
بيّن لنا رسولنا الكريم أن الركوع يعظم فيه الرب، فلا يصح فيه قراءة القرآن، فهو تذلل للجبار، وفيه رفعة للعبد؛ ولهذا شُرع لنا أن نقول فيه: (سبحان ربي العظيم) وكذلك: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ...).

الذكر في الركوع
شرح حديث حذيفة: (صليت مع رسول الله فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الذكر في الركوع.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى)].
يقول النسائي رحمه الله: باب الذكر في الركوع، الركوع سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)]، وهذا الحديث، أو هذه الترجمة تتعلق ببيان الذكر في الركوع، وما هو اللفظ الذي يأتي به الإنسان في ركوعه معظماً ربه، آخذاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب)]، فأورد حديث حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فسمعه يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى)]، وعلى هذا فإن قوله: سبحان ربي العظيم، هو من الذكر الذي يعظم الله عز وجل به؛ لأنه تنزيه لله عز وجل، وتعظيم له، ووصفه بأنه العظيم، والحديث الماضي يقول: [(فعظموا فيه الرب)].
ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، وهو من تعظيم الله عز وجل وذكره، وفيه دليل على: أن السجود الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: [(وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء)]، أنه لا بأس، وأنه يشرع، بل يجب عند بعض العلماء أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وهو دليل على أن السجود، الغالب عليه الدعاء، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الماضي: [(وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)]، كذلك أيضاً يعظم الله عز وجل، ويثنى عليه فيه؛ لأن (سبحان ربي الأعلى) هذا تعظيم لله عز وجل، وليس فيه دعاء، وإنما هو ثناء على الله عز وجل.
والركوع الذي يعظم فيه الرب، جاء الدعاء فيه، والسجود الذي يجتهد فيه في الدعاء، جاء التعظيم فيه، والذكر لله عز وجل فيه، وهذا الحديث يدل على هذا؛ لأن هذا ذكر وليس بدعاء، وهو سبحان ربي الأعلى.
فالحديث يدل على: أن المصلي في ركوعه يقول: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده يقول: سبحان ربي الأعلى، ويكثر في ركوعه من تعظيم الله عز وجل، ويكثر في سجوده من الدعاء، والاجتهاد به؛ فإنه قمن، أي: حري وجدير أن يستجاب لمن حصل منه ذلك.
والحديث الذي سيأتي، يدل على هذا؛ لأن (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، كان عليه الصلاة والسلام يأتي بها في ركوعه، وفي سجوده، وبعضها دعاء، وبعضها ثناء، فسبحانك اللهم وبحمدك ثناء، واللهم اغفر لي دعاء.
فإذاً: إتيان الرسول عليه الصلاة والسلام في سجوده وركوعه، بسبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يدل على أن السجود يعظم فيه الرب، وأن الركوع يعظم فيه الرب، وأن الركوع يدعى فيه، وأن السجود يدعى فيه، إلا أن الغالب على الركوع التعظيم، والغالب على السجود الاجتهاد في الدعاء، كما دل على ذلك الحديث الماضي.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (صليت مع رسول الله فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ...)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وابن راهويه له إطلاقان: إطلاق عند المحدثين، وإطلاق عند اللغويين، فالإطلاق عند المحدثين أن تكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم والياء مفتوحة، أما عند اللغويين فإن الواو تكون مفتوحة، والياء بعدها تكون ساكنة، فعند المحدثين، يقولون: ابن راهويَه، وعند اللغويين يقولون: ابن راهويْه، يعني: مختوماً بويه.
وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحفظ الناس في حديث الأعمش، وهو يروي عن الأعمش.
[عن الأعمش].
وهو لقبٌ، صاحب هذا اللقب هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، هذا اسمه ونسبه، ولقبه الأعمش، وهو قد اشتهر به، ويأتي ذكره أحياناً باللقب وأحياناً بالاسم، وهنا جاء ذكره باللقب وهو مشهور به، وقد ذكرت مراراً وتكراراً، أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه في موضع، ثم ذكر بلقبه في موضع آخر؛ فإن من لا يعرف أن هذا لقب لـسليمان بن مهران، يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر، لكن من عرف هذا، لا يلتبس عليه هذا، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو من اشتهر بلقبه من المحدثين، وذكر بلقبه مرة وباسمه أخرى.
والأعمش أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن عبيدة].
هو سعد بن عبيدة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن المستورد].
هو المستورد بن الأحنف، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن صلة].
هو صلة بن زفر، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة].
وهو: ابن اليمان، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر من الذكر في الركوع
شرح حديث: (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر في الركوع.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد ويزيد قالا: حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع؛ لأنه عقد الترجمة الأولى وهي: باب الذكر في الركوع، ثم يأتي لكل لفظ بترجمة، وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وكلمة: (الذكر) كما أشرت، تعني: الثناء على الله عز وجل، بخلاف الدعاء؛ فإن الدعاء ينص عليه يقال: الدعاء، وأما الثناء والذكر والتعظيم يقال له: ذكرٌ لله عز وجل.
وقد أورد النسائي فيه، حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)]، وجاء في بعض الروايات عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أنزل الله عز وجل عليه: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )[النصر:1]، ما صلى صلاة إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، تعني بذلك: أنه يطبق القرآن، وينفذ ما أمر به في القرآن؛ ولهذا جاء عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن)، وكون القرآن خلقه، معناه: أنه يتخلق بأخلاقه، ويتأدب بآدابه، ويمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويعبد الله عز وجل، وفقاً لما جاء في القرآن الكريم، وبما أوحاه الله عز وجل إليه، من ما ليس بقرآن، وإنما هو سنة ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام.
إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتخلق بأخلاق القرآن، ويتأدب بآداب القرآن، ويمتثل أوامر القرآن، وكذلك ما يوحيه الله عز وجل إليه، من ما ليس بقرآن، فإن الحق والهدى هو الكتاب والسنة، الكتاب الذي هو وحي يتلى، والسنة التي هي وحي لا يتلى، ولا يقرأ به في الصلاة، ولكن السنة هي مثل القرآن في التعبد بها، والعمل بها، والاستسلام والانقياد لما جاء فيها، فيصدق أخبارها، كما يصدق أخبار القرآن، ويمتثل الأوامر التي جاءت بها السنة، كما يمتثل أوامر القرآن، وينتهي عن النواهي التي جاءت في السنة، كما ينتهي عن ما جاء في القرآن، ويعبد الله طبقاً لما جاء في السنة، كما يعبده طبقاً لما جاء في القرآن، وذلك أن الهداية والاستقامة، إنما تكون باتباع الكتاب والسنة، ولا يفرق بين الكتاب والسنة فيعمل بالقرآن ولا يعمل بالسنة، ومن لم يعمل بالسنة، فإنه ليس بعامل بالقرآن؛ لأن القرآن يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )[الحشر:7]، يقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، فلا بد من الأخذ بالسنة، كما أنه لا بد من الأخذ بالقرآن، ولا يقتصر على ما جاء في القرآن، دون ما جاء في السنة؛ لأن السنة هي مثل القرآن، في لزوم وتعين الأخذ بما جاء فيها، ولهذا جاء عن بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عبد الله بن مسعود أنه لما روى حديث النامصة والمتنمصة وقال: (مالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله)، وهو يقصد قوله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، وكان هناك امرأة من الصحابيات قالت: (يا أبا عبد الرحمن، إنك تقول هذه المقولة، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره، فما وجدت فيه هذا الذي تقول، وهو لعن الله النامصة والمتنمصة، فقال رضي الله تعالى عنه: إن كنتِ قد قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7])، فكل أمرٍ أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، داخل تحت قوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )[الحشر:7]، وكل نهي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو داخل في قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7].
فكان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن، وهذا هو معنى كون القرآن خلقه، أن ما جاء فيه من الأخلاق والآداب، يتخلق بها، وما جاء فيه من الأخبار يصدقها، وما جاء من الأوامر يمتثلها، وما جاء من النواهي يجتنبها، وهذا الذي في الحديث، هو من امتثال الأوامر التي جاءت في القرآن؛ لأن الله عز وجل يقول: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:1-3]، فكان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تنفيذاً لقوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ )[النصر:3]، وكان يقول: (اللهم اغفر لي) تنفيذاً لقوله سبحانه وتعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:3]، ولهذا جاء عن عائشة أنه ما صلى صلاة بعدما أنزل الله عز وجل عليه هذه السورة، إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي.
وهنا هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها تقول: (إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي).
ثم من الأمور التي هي من أسباب قبول الدعاء: كونه يكون مشتملاً على الثناء على الله عز وجل، فيكون الدعاء مشتملاً على الثناء عليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في بعض الأحاديث، الرجل الذي دعا ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله، قال: (عجل هذا)، ولهذا جاء في صلاة الجنازة، قبل الدعاء أنه يحمد الله، ويصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم يدعو؛ لأن كون الدعاء يسبقه حمد وثناء، هذا يكون من أسباب قبول الدعاء؛ لأنه يمهد له، ويقدم بين يديه حمد الله تعالى، والثناء عليه وتعظيمه، ثم بعد ذلك سؤاله، ولهذا جاء في حديث الاستخارة أن الإنسان عندما يستخير، يمهد لاستخارته بتعظيم الله عز وجل والثناء عليه: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرتك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه خيراً لي في ديني ودنياي، وعاقبة أمري، فيسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي..)، إلى آخره.
فالحاصل: أنه يثني على الله عز وجل، بين يدي دعائه، وكذلك ما جاء في الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فمهد أو قدم لذلك، بالثناء على الله عز وجل، والتوسل إليه بربوبيته لجبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
فهذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، فيه تعظيم لله عز وجل، يعقبه دعاء، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو أبو مسعود البصري، ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[و يزيد].
وهو ابن زريع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[قالا: حدثنا شعبة].
وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الضحى].
وهو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها من ما رميت به من الإفك، في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهي من أوعية العلم، ومن حفاظه، وهي التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقلتها، وتلقاها عنها الصحابة والتابعون، ولا سيما في الأمور التي تقع بين الزوج وأهله، والتي يحتاج الناس إلى معرفتها، ومعرفة أحكامها، مما يتعلق بالبيوت وأحكام البيوت، وما يتعلق بالعشرة بين الرجل وأهله، وأحكام ذلك، فقد روت عائشة رضي الله عنها وأرضاها الشيء الكثير في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد تلقى الصحابة والتابعون عنها هذا العلم الواسع المتعلق بأمور البيت، وما يجري بين الرجل وأهله، مما يكون الناس بحاجة إلى معرفته؛ للاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك.
وهي من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث، وهم سبعة من الصحابة، ستة رجال وامرأة واحدة هي عائشة، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
فزوجة النبي المراد بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
ولهذا لما تكلم العلماء في المفاضلة بين خديجة وبين عائشة، وكان مما قيل: أن خديجة قامت بأعمال ما قامت بها عائشة، وذلك بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيته في حال شدته لما بعثه الله عز وجل، فكانت له المعين والمساعد والمطمئن، وكلامها معروف لما نزل عليه الوحي، لما نزل لأول مرة، وأنها قالت: كلا والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وغير ذلك من الصفات، التي وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم بها، رضي الله عنها وأرضاها.
فقالوا عن عائشة: إنها تميزت بأمور ليست عند خديجة، وهي ما تلقته من العلم، وحفظته من العلم، ونقلته عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن من تلقى سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه وحفظها وتلقاها الناس عنه، وأخذوها عن طريقه، فإنه يكتب لكل من استفاد من هذه السنن التي جاءت عن طريقها، فيكتب لها مثل ما يكتب للعاملين؛ لأن من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، ومن دل على خير، فله مثل أجر فاعله، فلها من الأجور مثل أجور من استفادوا من علمها، والسنن التي تلقتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك الصحابة الآخرون الذين تلقوا السنن، لهم مثل أجور من استفاد منها إلى قيام الساعة؛ لأن هذا علم متسلسل، وعلم باق عندهم، وداخل تحت قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فهذا العلم الذي تلقاه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام عنه، وأدوه إلى من بعدهم، وتسلسل وهكذا، والناس يعملون به إلى قيام الساعة؛ للذي تلقى الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام، مثل أجور الذين عملوا بهذه السنن، وتلقوا هذه السنن وأخذوا بها وعملوا بها؛ لأن الاستفادة منها والأخذ بها، إنما كان عن طريق هؤلاء الصحابة الكرام، وعائشة كما رأينا، وكما علمنا من كثرة حديثها، وتلقي العلم عنها، واستفادة الناس من هذا العلم، منذ عصر النبوة وإلى نهاية الدنيا، كل ذلك أجوره تصل إلى عائشة، التي جاءت عنها الأحاديث، وكذلك عن الصحابة الآخرين، الذين جاء عنهم أحاديث يعمل بها الناس، ويعول الناس على ما جاء فيها، وقد جاءت عن طريقهم.
وقبل ذلك رسول الله -قبل الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام- فإنه ما من عامل يعمل عملاً صالحاً في نفسه، إلا وللرسول صلى الله عليه وسلم مثل أجره، من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأن الخير والحق والهدى الذي عند الناس، إنما وصل إلى الناس من طريقه وعلى يديه، فله أجور أعماله، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دلها على هذا الخير، ودلها على هذا الهدى.
وإذا أراد الإنسان أن يصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بسببه ثواب وأجر، فما عليه إلا أن يعمل لنفسه صالحاً، ثم الله تعالى يعطي نبيه مثل ما أعطاه، ولهذا كانت محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجب أن تكون في قلب كل مسلم، فوق محبته لأبيه وأمه، وابنه وبنته، وقريبه وصديقه، وكل مخلوق، يجب أن تفوق محبته محبة أي مخلوق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، والسبب في هذا: أن المنفعة والفائدة التي حصلت للإنسان على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أجل نعمة وأجل فائدة، لا يساويها نعمة، ولا يساويها فائدة؛ لأن هذه أجل النعم وأعظمها، وهي نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، نعمة الإسلام، نعمة الهداية، نعمة السلامة من الدخول في النار، والبقاء فيها أبد الآباد، ولا يكون هذا إلا بالإسلام، وبالدخول في هذا الدين الحنيف، الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام.

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:44 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
نوع آخر منه
شرح حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر منه.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أنبأني قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)].
أورد النسائي هذا الحديث، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه: [(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)]، سبوح قدوس، هذا من الثناء على الله عز وجل، والتعظيم له، وهو داخل تحت قوله: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب)]، وهذا من تعظيم الله عز وجل في الركوع، وهذا أيضاً فيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له، وأنه رب الملائكة والروح، والروح فسر بأنه جبريل، وهذا هو أشهر التفاسير أنه جبريل، ويطلق عليه الروح، وقد جاء في القرآن في قصة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا )[مريم:16-17]، الذي هو جبريل، فهو الروح، و(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ )[القدر:4]، أي هو جبريل، عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، وذلك لبيان العناية بذلك الخاص؛ لأنه ذكر مرتين، مرة مندرج تحت اللفظ العام؛ لأنه من جملة الملائكة، ولو لم يذكر الروح لكان جبريل دخل من جملة الملائكة، لكن لبيان عظم شأنه، جاء ذكره معطوفاً على الملائكة.
وفسر الروح بأنه جماعة من الملائكة، أو خلق عظيم من الملائكة، لكن المشهور أن الروح هو جبريل، (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فذلك كله فيه تعظيم لله سبحانه وتعالى، وهو داخل في قوله: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب)، هذا من تعظيم الرب سبحانه وتعالى في الركوع.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
[عن خالد].
وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر قريباً.
[حدثنا شعبة].
وهو ابن الحجاج، وقد مر ذكره قريباً.
[أنبأني قتادة].
هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
رضي الله عنها، قد مر ذكرها.
وأنبأني، وحدثني، وأخبرني، كثيراً ما يأتي استعمالها عند المحدثين بمعنىً واحد، إلا أنه غلب على استعمال (حدثني) فيما سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرني) و(أنبأني) فيما إذا كان قرئ على الشيخ عرضاً، سواءً كان هو الذي يقرأ، أو غيره يقرأ على الشيخ وهو يسمع، فإنهم يعبرون عن ذلك بهذه العبارة، وقد يعبرون عن الجميع بحدثني، وأخبرني، وأنبأني.
نوع آخر من الذكر في الركوع
شرح حديث عوف بن مالك في قول النبي في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر في الركوع.أخبرنا عمرو بن منصور يعني: النسائي حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا الليث عن معاوية يعني: ابن صالح عن أبي قيس الكندي وهو عمرو بن قيس سمعت عاصم بن حميد سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: (قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلما ركع مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: [(قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلما ركع مكث قدر سورة البقرة)]، يعني: أطال الركوع؛ لأنه كما جاء في حديث آخر، أنه قرأ البقرة، والنساء، وآل عمران، في ركعة، وهنا يفيد أن الركوع كان مقدار سورة البقرة، فالركوع طويل، والقيام طويل، وكان من ما سمعه يقول في ركوعه: [(سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، وكل هذا فيه تعظيم لله عز وجل؛ لأن الجبروت، يعني: من الجبر وهو القهر والغلبة، وهو القاهر الذي لا يغلبه غالب، وكذلك الملكوت يعني: صاحب الملك، الذي لا يخرج عن ملكه شيء، ولا يستعصي عليه شيء، بل الكل خاضع له، والكل داخل في ملكه، فهو ملك الأملاك سبحانه وتعالى، وهو الذي على كل شيء قدير، وهو ذو الكبرياء وذو العظمة، وإذا وجد التكبر من غيره سبحانه وتعالى، فإن ذلك تعد وتطاول على حق الله عز وجل، وعلى ما يليق بالله عز وجل، ولهذا كان المتكبرون الذين يتكبرون في الدنيا، يعاقبهم الله عز وجل بالذلة، ويكون شأنهم يوم القيامة أنهم يحشرون كأمثال الذر لحقارتهم؛ لأنهم كانوا يتعاظمون، ويحصل منهم التعاظم، فيكون حشرهم يوم القيامة، أنهم كأمثال الذر لحقارتهم، ولكونهم ليسوا بشيء، يعني: جوزوا بنقيض قصدهم وما أرادوه، فصار بدل هذا التعاظم، يكونون في غاية الحقارة، وغاية الذلة والمهانة يوم القيامة.
تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك في قول النبي في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)
قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور، يعني: النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده، وهنا قال: يعني: النسائي، وقائل: [يعني: النسائي] هذا من دون النسائي ؛ لأن هذا شيخ النسائي، فـالنسائي لا يحتاج إلى أن يقول: يعني النسائي، وإنما ينسب شيخه كما يريد؛ لأنه كما جاء في بعض الأحاديث، أحياناً يذكر في بعض شيوخه خمسة أسماء؛ لأنه شيخه يقول فيه كما يريد، ويبينه كما يريد، لكن هنا القائل لها من دون النسائي ؛ لأن النسائي تلميذ عمرو بن منصور النسائي، إذاً: قائل [يعني: هو] من دون النسائي، إما ابن السني الذي روى عنه الكتاب، أو من دون ابن السني، ممن أخذوا عن ابن السني.
وكلمة: [يعني] هذه لها فاعل ولها قائل، فقائلها من دون النسائي، وفاعلها النسائي ؛ لأن (يعني) الفاعل فيها ضمير مستتر يعود للنسائي، قال ذلك من دون النسائي.
[حدثنا آدم بن أبي إياس].
وهو العسقلاني، آدم بن عبد الرحمن، لكنه مشهور بنسبته إلى أبيه مكنى، فيقال له: آدم بن أبي إياس، وأبوه، اسمه عبد الرحمن، لكنه مشهور بنسبته إلى أبيه مكنى، وهو ثقة، عابد، أخرج له البخاري، وأبو داود في الناسخ والمنسوخ، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه .
[حدثنا الليث].
الليث، وهو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهنا أنبه على شيء وهو أن في نسخة التقريب المصرية، ما أدري عن هذه النسخة، ولعلها كلها واحدة من ناحية الترتيب، أي: لما جاء عند آدم بن أبي إياس، من يسمى آدم، أتى به بأول حرف الهمزة، يعني بعد أحمد؛ لأنه طبعاً بدأ بمن يسمى أحمد؛ لأنه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك بدأ ترتيب الحروف على حسب ترتيبها، فأول ما جاء بعد أحمد: آدم، لأنها همزة وألف بعدها، وهذا أول شيء في حرف الهمزة، أول شيء في حرف الهمزة، الهمزة وبعدها ألف آدم، فبعدها الألف والباء، الهمزة والباء: أبان، لكن لما جاء عند محمد؛ لأنه لما جاء إلى من يسمى محمد، بدأ في محمد بن أبان، يعني في ترتيب أسماء الآباء، ومحمد بن آدم جاء بعد ذلك، وكان حقه أن يأتي آدم بدل أبان، مثلما جاء في أول التقريب، عندما فرغ من أحمد بدأ بآدم، ولولا أنه أراد أن يبدأ باسم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكان في البداية قبل ذلك آدم، يكون قبل، وفي أول شيء، أول شيء يكون آدم، يعني همزة ثم ألف.
[عن معاوية].
يعني: ابن صالح، وهو الحمصي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي قيس الكندي وهو عمرو بن قيس].
وهو الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[سمعت عاصم بن حميد].
وعاصم بن حميد الحمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .
[عن عوف بن مالك].
هو: عوف بن مالك الأشجعي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر منه
شرح حديث علي: (أن رسول الله كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر منه.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حدثنا عمي الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، خشع لك سمعي وبصري وعظامي ومخي وعصبي)].
أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والترجمة: نوع آخر منه، أي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه: [(اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت، خشع لك سمعي وبصري وعظامي ومخي وعصبي)]، أي: هذه الأشياء، وهذه الأمور المتعددة ذكرها فيه، أن كل شيء خاضع لله عز وجل، وأن كل شيء خاشع له، وأن هذه الأشياء كلها خشعت له، والتنصيص عليها، فيه تعظيم لله عز جل، وإن كان يمكن أن يقول: سجد لك كلي، بدون أن يأتي بهذه الأشياء، ولكن ذلك فيه تعظيم لله عز وجل، وأن كل شيء خاضع له سبحانه وتعالى، وأن جميع أجزاء الإنسان مستكينة لله، وخاضعة لله، فنص على السمع، والبصر، والعظام، والمخ، والعصب، التي هي من أجزاء الإنسان.
تراجم رجال إسناد حديث علي: (أن رسول الله كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت...)
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس المحدث، الناقد، الثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال، وفي العلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة].
وهو عبد العزيز بن عبد الله منسوب إلى جده، عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ؛ لأن أبا سلمة، كنية لجده وليست كنية لأبيه، ولكنه منسوب إلى جده هنا، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمي الماجشون].
وهو الماجشون بن أبي سلمة، وأبو سلمة هنا، يعني هو أبو الماجشون، الذي هو عم عبد العزيز، يعني الماجشون أخو عبد الله، والماجشون هذا لقب، وصاحب اللقب يعقوب بن أبي سلمة، ذكر بلقبه واسمه يعقوب بن أبي سلمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه .
[عن عبد الرحمن الأعرج].
وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، وهو ثقة، أكثر من الرواية عن أبي هريرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي رافع المدني].
مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أبو رافع مولى رسول الله، فهو مولى، وابنه أيضاً يكون مولى؛ لأنه كما هو معلوم، الإحسان إلى الأب، ينقل إلى الأبناء فكلهم يقال له: موالي وإن كان الإحسان حصل للجد، أو حصل للأب؛ فإنه يقال لأولاده ونسله أنهم مولى فلان، أو مولى آل فلان، كثيراً ما يأتي ذكر هذا، فـعبيد الله بن أبي رافع المدني، مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان كاتب علي، وهو الآن يروي عن علي، فهناك ارتباط بينه وبين علي، وهناك صلة وثيقة بأنه كان كاتبه؛ وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن أبي طالب].
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، وذو المناقب الجمة، والخصال الحميدة، رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر من الذكر في الركوع

شرح حديث جابر: (عن النبي أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا أبو حيوة حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)].
أورد النسائي نوع آخر منه، يعني الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام إذا ركع قال في ركوعه: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)]، فهذا كله فيه ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له، وأن كل شيء له خاشع وله خاضع.
تراجم رجال إسناد حديث جابر: (عن النبي أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت...)

قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي].هو يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق عابد، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[حدثنا أبو حيوة].
هو شريح بن يزيد الحمصي، وفي نسخة التقريب المصرية لم يذكر شيء عن بيان حاله، وفي خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي: وثقه ابن حبان، وفي تهذيب التهذيب لم يزد على أن يقول: وثقه ابن حبان.
وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا شعيب].
وهو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وأبوه عبد الله بن حرام، الذي استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه، وجابر بن عبد الله أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وقد أشرت إليهم آنفاً.

ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:46 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب التطبيق)
(197)


- (تابع باب نوع آخر) إلى (باب الأمر بإتمام الركوع)


ذكر العلماء أن الأصل في الركوع هو التعظيم والثناء، وفي السجود هو الدعاء، ومع ذلك فإنه يجوز الدعاء في الركوع، والتعظيم والثناء في السجود، كما دلت عليه الأحاديث الواردة في ذلك، وقد جاءت الرخصة بترك الذكر في الركوع.
تابع نوع آخر من الذكر في الركوع
شرح حديث جابر في قول النبي في ركوعه: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا أبو حيوة حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)].
فالكلام يتعلق بالذكر في الركوع، وقد مرت عدة أحاديث، تشتمل على ألفاظ من الذكر في الركوع، وغالبها ترجع إلى أنها تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وحمد له، وتسبيح، وقد جاء في الحديث الذي تقدم قبلها: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، قمن أن يستجاب لكم)، وتلك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي من الثناء على الله عز وجل، وهي من التعظيم له سبحانه وتعالى، وقد جاء في بعضها كما ذكرت سابقاً، أن الغالب على الركوع التعظيم، ويجوز الدعاء فيه، والغالب على السجود الدعاء، ويجوز أو يشرع الثناء على الله عز وجل فيه.
وذكرت مما ما دل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام، بعدما أنزل الله عز وجل عليه: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا )[النصر:1-3]، أنها قالت: [(ما صلى بعدما أنزلت عليه هذه السورة صلى الله عليه وسلم صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)]، فإن الإتيان بـ(سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) في الركوع، هو فيه دعاء، وإتيان (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) في السجود هو فيه ثناء، بل من الثناء كونه يقال فيه: سبحان ربي الأعلى، يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى.
إذاً: التعظيم في الركوع، هذا هو الأصل والغالب، ويجوز الدعاء، والدعاء في السجود، هو الأصل والغالب، ويجوز أو يشرع الثناء والتعظيم لله سبحانه وتعالى.
وقد مر في الأحاديث التي في الذكر في الركوع: سبحان ربي العظيم، ومر: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، ومر: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ومر: سبحان ذي الجبروت، والملكوت، رب الملائكة والروح، ومر أحاديث متقاربة في اللفظ وهي: [(اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعظامي وعصبي لله رب العالمين)]، في بعضها ذكر المخ دون العظام، وفي بعضها، ذكر ستة ألفاظ، وفي بعضها خمسة ألفاظ، وكلها من الثناء على الله سبحانه وتعالى.
وقد مر في الدرس الفائت هذا الحديث، الذي هو حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وتكلمت على إسناده، وذكرت أن أبا حيوة، وهو: شريح بن يزيد الحمصي، أن ابن حبان وثقه، وأن الحافظ ابن حجر في نسخة التقريب المصرية، ليس فيها شيء مما يتعلق ببيان حاله، وذكرت أنه روى له أبو داود في المراسيل، والنسائي، وهذا خطأ، إنما هذا الكلام لـابن حمير الذي في الإسناد الذي بعده، محمد بن حمير، وأما أبو حيوة، وهو: شريح بن يزيد الحمصي، فقد خرج له أبو داود، والنسائي، وفي خلاصة تذهيب الكمال وفي تهذيب التهذيب ما ذكر إلا أنه وثقه ابن حبان، وفي نسخة التقريب الطبعة المصرية ليس فيها شيء يدل على بيان حاله.
ومن المعلوم أن الحديث ورد من طرق متعددة الذي بعده والذي قبله، وكلها شاهدة له، هذا من طريق جابر بن عبد الله، والذي بعده من طريق محمد بن مسلمة، والذي قبله من طريق علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فهذه شواهد لهذا الحديث الذي جاء من طريق أبي حيوة، ولم يذكر إلا أنه وثقه ابن حبان.
ورجاله الباقون تقدم ذكرهم: يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو حيوة أخرج له أبو داود، والنسائي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومحمد بن المنكدر ثقة، فاضل، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، فرجاله خمسة، ثلاثة حمصيون واثنان مدنيان، الحمصيون هم: يحيى بن عثمان، وأبو حيوة شريح بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، هؤلاء حمصيون، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، هذان مدنيان.
شرح حديث محمد بن مسلمة في قول النبي في ركوع: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا ابن حمير حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر وذكر آخر قبله، عن عبد الرحمن الأعرج عن محمد بن مسلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً يقول إذا ركع: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين)].وهذا الحديث حديث محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه، هو مثل الذي قبله، إلا أنه ذكر أنه إذا قام تطوعاً كان يقول هذا، والذي قبله مطلق، ويؤتى بهذا في التطوع وفي الفرائض؛ لأنه كله تعظيم لله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أما الركوع فعظموا فيه الرب).
أما متنه فهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر المخ بدل العظام، [(أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين)]، فيه ذكر المخ هنا، وفي الذي قبله ذكر العظام.
تراجم رجال إسناد حديث محمد بن مسلمة في قول النبي في ركوعه: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)

قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].هو الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
[وابن حمير].
هو محمد بن حمير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .
[عن شعيب بن أبي حمزة].
وهو قد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن محمد بن المنكدر].
وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن عبد الرحمن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن مسلمة الأنصاري].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه أكبر من يسمى محمداً من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد هو مثل الذي قبله، إلا أن فيه محمد بن حمير، بدل أبو حيوة، وفيه أيضاً زيادة عبد الرحمن الأعرج، وفيه الصحابي محمد بن مسلمة، وفي الذي قبله جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.
قوله: [وذكر آخر قبله].
يعني شعيب بن أبي حمزة، الذي ذكر آخر قبله شعيب بن أبي حمزة، يعني: روى عن محمد بن المنكدر، وروى عن شخص آخر ذكره قبله، ولكنه في هذا الإسناد لم يذكر ذلك الشخص، وإنما أبهم ذلك الشخص، وكان ذكره -أي: ذكر شعيب له- قبل محمد بن المنكدر، يعني تعيين موضعه في الذكر وأنه قبله، ومن بعده أبهمه فلم يذكره ولم يسمه، ومن المعلوم أن عدم تسميته لا تؤثر؛ لأن العمدة على المذكور، وهو محمد بن المنكدر وحده، يعني كاف للتعويل على حديثه، فعدم ذكر ذلك الشخص أو إبهامه، لا يؤثر شيئاً على صحة الإسناد، وعلى سلامته.
الرخصة في ترك الذكر في الركوع

شرح حديث رفاعة بن رافع في المسيء صلاته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع.أخبرنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن علي بن يحيى الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه وكان بدرياً، قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دخل رجل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه، ولا يشعر ثم انصرف، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فرد عليه السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، قال: لا أدري في الثانية، أو في الثالثة، قال: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت فعلمني وأرني، قال: إذا أردت الصلاة فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قم فاستقبل القبلة، ثم كبر، ثم اقرأ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع رأسك حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، فإذا صنعت ذلك فقد قضيت صلاتك، وما انتقصتَ من ذلك فإنما تنقصه من صلاتك)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، لما ذكر في التراجم السابقة الذكر الذي يكون في الركوع، وأنه يشرع فيه الذكر، وأتى بهذه الترجمة: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، يعني الإشارة إلى أنه ليس بلازم، ومن المعلوم أنه ليس من أركان الصلاة، وإنما الخلاف: هل هو من واجباتها أو من مستحباتها؟ هل هو من الواجبات، التي يتعين على الإنسان أن يأتي بها، وإذا نسيها يجبره سجود السهو؟ مع اتفاق الجميع، على أنه ليس من الأركان التي لا تجبر بسجود السهو، وإنما يتعين الإتيان بها، وإنما الكلام هل هي من الواجب الذي يجبره سجود السهو، لو ترك نسياناً، أو من المستحب الذي لو ترك عمداً لا يؤثر لأنه مستحب؟

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:46 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
هنا قال: الرخصة في ترك ذلك، وهذا فيه إشارة إلى أنه من قبيل المستحب، وليس من قبيل الواجب، كثير من العلماء ذهبوا إلى أنه مستحب، وبعضهم ذهبوا إلى أنه واجب، أي: قول سبحان ربي العظيم فقط، فكونه يأتي بسبحان ربي العظيم، الذي هو أقل الذكر، وإن أتى بما وراءه وبما زاد عليه من ما ثبت، فهذا كمال وأحسن وزيادة فعل أمر مشروع ومستحب، ومن العلماء من قال: إنه لو لم يذكر أصلاً، أو تركه أصلاً، فإنما ترك أمراً مستحباً، لم يترك أمراً واجباً، وفي هذه الترجمة، الإفادة إلى أنه ليس بواجب، وأن الإنسان لو تركه، فإنه لا يترتب عليه شيء، ولا يضره تركه، لكن كما هو معلوم، الإنسان يحرص على فعل السنن، لا سيما الذي فيها احتمال أن يكون واجباً كما قاله بعض أهل العلم.
وأورد النسائي تحت هذا: حديث المسيء صلاته، قصة الرجل الذي دخل المسجد، وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يرمقه، يعني: ينظر إليه وهو لا يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلما فرغ من صلاته وانصرف منها، جاء وسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في المسجد، فقال له: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)]؛ لأنه قد صلى، لكن صلاته غير معتبرة؛ لأنه لم يأت بما هو مطلوب فيها، من الأمور اللازمة التي هي أركان، فعاد وكرر يعني مرتين أو ثلاثاً، ثم بعد ذلك قال: [(والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت)]، يعني: معناه بذلت جهدي في أن آتي بالصلاة على الوجه المطلوب، ولكنه لا يعلم غير هذا، ثم طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلمه، وأن يريه كيف يصلي، ما هي الطريقة والكيفية التي يصلي بها، ويؤدي صلاته بها؟ أي: بهذه الكيفية.
فالنبي عليه الصلاة والسلام علمه وبين له، فقال: [(إذا أردت الصلاة فتوضأ وأحسن الوضوء)]، وهذا فيه أن الوضوء لا بد منه، وهو شرط من شروط الصلاة التي تسبقها، وكذلك استقبال القبلة، شرط من شروط الصلاة، [(ثم استقبل القبلة)]، أرشده إلى الوضوء وإحسانه، وإلى استقبال القبلة، فهذان شرطان من شروط الصلاة، فالصلاة التي لا يكون معها وضوء غير صحيحة، [(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وكذلك أيضاً استقبال القبلة، وذلك في حال الفرض، وكذلك في النوافل، إلا في حال السفر، فإن للإنسان أن يصلي على راحلته أينما توجهت، لكن يبدأ بالدخول في النافلة باستقبال القبلة، ثم يتجه أو يصلي على راحلته، أينما توجهت به، فذلك مستثنى كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: [(فكبر)]، والمراد من ذلك تكبيرة الإحرام، التي هي المفتاح، التي هي المدخل، والتي هي البداية، والتي هي التحريم، وقد جاء في الحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، يعني معناه لها بداية ولها نهاية، بدايتها التكبير ونهايتها التسليم، (تحريمها التكبير)، إذا قال الإنسان: الله أكبر، حرم عليه بعدها ما كان مباحاً له قبلها، من الكلام والأكل، والشرب، والحركة والتصرفات، بمجرد أن يقول: الله أكبر داخلاً في الصلاة بتكبيرة الإحرام.
(وتحليلها التسليم)، إذا سلم، أمكنه أن يتكلم، وأن يتحدث، وأن ينصرف، وأن يعمل الأعمال التي كان ممنوعاً منها بالتحريم، الذي هو دخول الصلاة بدخوله، ما كان مباحاً له قبل التحريم، حل له بعد التسليم، ولهذا جاء: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، فالصلاة التي لا يدخل الإنسان فيها بالتكبير التكبيرة الأولى، ولم تحصل منه النية، فإن الصلاة لا تعتبر؛ لأنه لا بد فيها من هذا اللفظ، ولا بد من النية التي محلها القلب، أن يكون ينوي أن هذا فرض، وهذا نفل، وتكون النية في قلبه لا بلسانه، وليس له أن يتلفظ بما نواه، وإنما النية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها؛ لأنه لم يذكر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا عن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وإنما جاء في الحج التلفظ بما نواه، كونه ينوي حجاً، أو عمرة، أو حجاً وعمرة، ينوي تمتعاً، إفراداً، قراناً، يقول: لبيك عمرة، لبيك حجاً، لبيك عمرة وحجاً، هذا جاءت به السنة عن رسول الله، فإنه يتلفظ بما نواه، وأما غير ذلك فإنه لم يأت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء.
ثم أمره بالقراءة، ما تيسر معك من القرآن، وقد جاء في الأحاديث الماضية أن المتعين قراءة الفاتحة، وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهذا هو الأمر اللازم، وما عدا ذلك فهو مستحب، يعني ما زاد على الفاتحة.
قوله: [(ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)]، يعني: معناه أن الإنسان إذا ركع، يطمئن في ركوعه، ما هو مجرد انحناء ورفع بسرعة، وإنما يطمئن، ويستقر، ويستوي في ركوعه، كما سبق أن مرت بنا الأحاديث في ذلك، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة؛ لأنه ما قال له: سبح، أو قل: سبحان ربي العظيم، أو قل كذا وكذا، وإنما قال: اركع حتى تطمئن راكعاً، فأمره أو دله على الأمر المتعين الذي لا بد منه، وهو الركوع، هذا الفعل الذي هو على هذا الوصف، وعلى هذه الهيئة، وهو الاطمئنان والاستقرار، والسكون في الركوع، بحيث يستقر راكعاً، ومحل الشاهد منه، أنه ما أرشده إلى الدعاء، ما أرشده إلى الذكر، فهذا هو محل الشاهد من الترجمة: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، قالوا: فلم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولو كان أمراً لازماً لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال له: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)].
ومن المعلوم أن الحديث إنما جاء في وصف الركعة، والأفعال التي تكون فيها، وأنه لا بد من الاطمئنان في هذه الأفعال، في الركوع، وفي الرفع من الركوع، وفي السجود، وفي الرفع من السجود، وهذه إنما هي صفة الركعة الواحدة، لكن من الأمور اللازمة فعل التشهد، مثل التشهد الأخير، وكذلك التسليم؛ فإن هذه كلها أمور لا بد منها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبينها له؛ لأنه لم يحصل منه تقصير، وإنما الذي رآه في ركوعه، وفي صفة الركعة، هو الذي حصل منه خلل، فبين له النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ذلك الذي أخل فيه، ووصفه بأنه لم يصل.
إذاً: هذا هو محل الشاهد، أنه ما ذكر له الذكر في الركوع، وإنما قال: اركع حتى تطمئن راكعاً.
ثم قوله: [(ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)]، يعني القيام بعد الركوع، الإنسان يطمئن فيه ويعتدل، وقد جاء في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم بعد ركوعه كما جاء في حديث أنس حتى أقول في نفسي: قد نسي، يظن أنه من طول قيامه بعد الركوع قد نسي، وهذا إشارة إلى طول قيامه، وأنه يطمئن ويستوي ويعتدل قائماً، وليس بمجرد ما يقف يرجع ينزل للسجود، وإنما يعتدل ويستقر في قيامه.
قوله: [(ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)]، يعني: يطمئن في سجوده، مثلما اطمأن في ركوعه يطمئن في سجوده، [(ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً)]، يعني بين السجدتين، [(ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)]، يعني السجدة الثانية.
ثم قوله: [(فإذا فعلت فقد أتممت صلاتك)]، يعني بالنسبة للركعة الواحدة، ولصفة الركعة الواحدة، [(وما انتقصت فإنما تنقصه من صلاتك)]، قوله: [(وما انتقصت فإنما تنقصه من صلاتك)]، من المعلوم أن هذه الأفعال هي أمور متعينة ولازمة، ونقص واحد منها، أو ترك واحد منها، تبطل به الصلاة، لكن هذا النقص الذي يكون فيما إذا حصل تقصير في صفة الركوع، يعني عدم التمكن في الاطمئنان، يعني: يوجد الركوع ويوجد الاستواء، ولكن ما يحصل معه الاطمئنان، هذا هو الذي يكون فيه استقرار، ولكنه لو ترك الركوع أو لو ترك السجود أو لو ترك الجلسة بين السجدتين، فإن صلاته لا تصح، الركعة لا تصح التي وجد فيها ذلك النقص.
تراجم رجال إسناد حديث رفاعة بن رافع في المسيء صلاته
قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكر بن مضر].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
[عن ابن عجلان].
وهو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو الذي ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنين.
[عن علي بن يحيى الزرقي].
هو علي بن يحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن أبيه].
وهو يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
وقال الحافظ: له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمه].
عمه رفاعة بن رافع، يعني أخو خلاد؛ لأن الذي في الإسناد: علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، فـعلي بن يحيى يروي عن أبيه يحيى، ويحيى يروي عن عمه رفاعة بن رافع، الذي هو أخو خلاد بن رافع، وهذا هو الذي له رؤية.
يروي عن عمه رفاعة بن رافع هذا الذي هو بدري، وكان بدرياً، يعني: من أهل بدر، أي: رفاعة بن رافع، الذي هو عم يحيى بن خلاد بن رافع، وكان بدرياً، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
الأمر بإتمام الركوع

شرح حديث: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإتمام الركوع.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنساً رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الأمر بإتمام الركوع، أورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام قال: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)، فإن قوله: (أتموا) أمر، ولهذا النسائي أتى بالترجمة مطابقة لما في الحديث: الأمر بإتمام الركوع، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: [(أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)]، وإتمام الركوع والسجود هو: أن يطمئن فيهما، وأن يسجد على الهيئة التي فيها الاعتدال، والاستواء، والاطمئنان، وكونه يأتي بالذكر والدعاء في الركوع والسجود، هذا هو إتمام الركوع والسجود، لكن المتعين والأمر اللازم الذي لا بد منه هو السجود والاطمئنان فيه، والركوع والاطمئنان فيه.




ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:47 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب التطبيق)
(198)

- (باب قوله: ربنا ولك الحمد) إلى (باب ما يقول في قيامه ذلك)
جاءت السنة بجملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الرفع من الركوع، وهي تدل على الثناء والحمد لله تبارك وتعالى، فهو أهل لكل ثناء، وأهل لكل حمد، فما من نعمة إلا وهي من الله، ولذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أن نحمد الله ملء السموات وملء الأرض.
قوله: ربنا ولك الحمد
شرح حديث: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قوله: ربنا ولك الحمد. أخبرنا قتيبة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)].
يقول النسائي رحمه الله: باب قوله: ربنا ولك الحمد، أي: قول المأموم: ربنا ولك الحمد، وقد عرفنا في الدرس الماضي، أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع؛ لأن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
ومحل الشاهد منه قوله عليه الصلاة والسلام: (فقولوا: ربنا ولك الحمد). فهو يدل على أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع كما دلت على ذلك الأحاديث الماضية، وكذلك الأحاديث الآتية.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد...)
قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة في مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سمي].
وهو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
وهو ذكوان السمان، مشهور بكنيته أبي صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال له أيضاً: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مكثر من الرواية عن أبي هريرة.
[عن أبي هريرة].
وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، عبد الرحمن بن صخر، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا سعيد عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله: أنه حدثه أنه سمع أبا موسى رضي الله عنه قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطبنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين؛ يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا؛ فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك. وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم؛ فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا؛ فإن الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبع كلمات وهي تحية الصلاة)].وهنا أورد النسائي هذا الحديث وهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو دال على ما ترجم له النسائي من كون المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وأنه جاء فيه: [(فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم؛ لأن معنى (سمع الله لمن حمده): استجاب الله لمن حمده.
وهذا الحديث دال على عدة أمور: منها: ما ترجم له النسائي وهو قول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وذلك عندما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: [(إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا)].
فقول أبي موسى: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام بين لنا سنتنا)]، يعني: السنة هي: الطريقة والمنهج، والمراد بذلك ما يتعبد به الناس ربهم، وما يتعاملون به فيما بينهم، على محجة وعلى هدى وعلى صراط مستقيم، فإن السنة يراد بها الطريقة والمنهج، يعني الطريقة التي يسلكونها في عبادة الله عز وجل، وفي التقرب إلى الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه، وترك الناس على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
والسنة تطلق ويراد بها ما يعم التكاليف كلها، وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة، ويراد بها أيضاً الوحي الذي هو غير القرآن، فيقال: الدليل: الكتاب والسنة، فالمراد بالسنة الدليل من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويراد بالسنة أيضاً ما يقابل البدعة، ولكن قوله هنا: (سنتنا)، يعني معناها عام شامل، يعني: طريقتنا ومنهجنا الذي نسلكه في تعبدنا، وفي تقربنا إلى الله عز وجل، ولهذا جاء عن بعض الكفار أنهم قالوا لـأبي هريرة: [ (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة)]، قال: نعم، بين لنا حتى آداب قضاء الحاجة، يعني: بين لهم كيف يقضون حاجتهم إذا ذهبوا إلى الخلاء، كيف يصنعون، وأنهم لا يستنجون باليمين، ويكون بثلاثة أحجار، ولا يستنجون بروث، ولا عظم، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم للناس حتى آداب قضاء الحاجة، معنى هذا: أن الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فهي شريعة كاملة شاملة لا نقص فيها، فبين للناس ما يحتاجون إليه، وليس لأحد أن يأتي بأمور ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليتعبد الله تعالى بها، ويقول: أنا ما أردت إلا الخير، فإنه إذا أراد أن يكون العمل مقبولاً عند الله فلا بد أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء به من الكتاب والسنة، التي هي الوحي المتلو، والوحي الغير متلو، فكله يقال له: سنة، بهذا المعنى العام.
فقوله: [(من رغب عن سنتي فليس مني)]، أي: ما جاء في الكتاب والسنة، فهذه طريقة الرسول، وهذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(وعلمنا صلاتنا)]، أي: علمهم كيف يصلون، ثم بين أن الرسول خطبهم، وفي هذا بيان الشرائع في الخطب، وبيان الأحكام والتعليم وأنه يكون على المنبر وفي الخطب، هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه، فكان يخطبهم ويبين لهم أمور دينهم، ويبين لهم كيف يعبدون ربهم، وكيف يسلكون إلى الله عز وجل الطريق الذي يفضي بهم إلى السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
وكان مما علمهم إياه في الصلاة أن قال: [(إذا صليتم فأقيموا صفوفكم)].
أي: إذا قمتم إلى الصلاة فأقيموا الصفوف؛ سووها؛ بحيث تكون الصفوف متقاربة، والصف الأول يملأ، ثم إذا امتلأ الصف الأول يبدأ بالصف الثاني، وإذا امتلأ الصف الثاني يبدأ بالصف الثالث، وإذا امتلأ الثالث يبدأ بالرابع، وهكذا، ولا يُنشأ صف إلا إذا امتلأ الذي قبله، فهذا هو إقامة الصفوف، وهذا هو تسوية الصفوف الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: [(فأقيموا صفوفكم)].
قوله: [(ثم ليؤمكم أحدكم)].
أي معناه: أن الجماعة عندما يصلون لا بد لهم من إمام يؤمهم، فإن كانوا اثنين فأكثر فيكون أمامهم، وإن كان المأموم واحداً فإنه يصف عن يمينه، إذا كان رجلاً، وإن كان امرأة فإنها تصف وراءه، وإن كان رجلاً وامرأة؛ الرجل عن يمينه والمرأة وراءه.
قوله: [(فإذا كبر الإمام فكبروا)].
لأن مهمة الإمام أنه يؤتم به، وإنما جعل ليؤتم به، [(فإذا كبر فكبروا)]، معناه: أن تكبيركم يكون بعد تكبيره، فتدخلون في الصلاة بعد دخوله، ولا تسبقونه في الدخول، ولا توافقونه في الأفعال، بل تتأخرون عنه قليلاً، وليس تأخراً طويلاً، وإنما متابعة، لا مسابقة، ولا موافقة. بمعنى أن تكون حركتكم تابعة لحركته، وكلامكم تابعاً لكلامه.
قوله: [(وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين..)].
أي: وإذا قرأ الفاتحة ووصل إلى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين.
قوله: [(يجبكم الله)].
لأن معنى آمين: اللهم استحب، ولهذا قال: (فقولوا: آمين يجبكم الله)، أي: على تأمينكم ودعائكم؛ لأن المؤمن داعٍ، والداعي والمؤمن وراءه مثل الداعي، فيجيب الله عز وجل على هذا التأمين الذي هو الدعاء، قال: [(فقولوا: آمين يجبكم الله)]، يعني: يجب دعاءكم في طلب الهداية للصراط المستقيم، والهداية للصراط المستقيم المراد بها أن يثبته على الهداية الموجودة، ويزيده هداية على هدايته، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ )[محمد:17]، و(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )[الفاتحة:6]، أي: ثبتنا وزدنا، ثبتنا على ما كنا عليه من الهدى، وزدنا توفيقاً وهدى، ولهذا قال: (يجبكم)، يعني: بأن يثبتكم على ما أنتم عليه من الهدى، وأن يزيدكم من الهدى والتوفيق.
قوله: [(وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا)].
يكون تكبيركم بعد تكبيره، وركوعكم بعد ركوعه.
قوله: [(فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم)].
يعني: يسبقكم بالركوع، ويسبقكم في الرفع من الركوع، وأنتم تلحقونه، وإذا قام من الركوع تتأخرون في القيام عنه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها وأنتم جئتم وراءه، ثم سبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه، فتكونون مماثلين له في مقدار الركوع؛ لأنه يركع قبلكم ويرفع قبلكم، وأنتم تركعون بعده وترفعون بعده، إذاً: ركوعكم مساو لركوعه، لا يزيد عليكم في الركوع؛ ولهذا قال: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها عوضكم عنها اللحظة التي تأخرتم عنه في حال رفعه من الركوع، (فتلك بتلك)، والنتيجة أنكم مساوون له في مقدار الركوع، وإن كان يسبقكم في الركوع ويسبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع، وتتأخرون عنه في الرفع، إذاً ساويتموه في مقدار الركوع.
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
ثم قال في الحديث: [(فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده)]، يعني: أن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو عن الله عز وجل، يعني: أوحاه الله إلى نبيه وبلغه للناس، ولهذا فإن السنة -كما هو معلوم- وحي يوحى، كما قال الله عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )[النجم:3-4]، يعني: أنه من الله عز وجل، فهو من الله سبحانه وتعالى أوحاه الله إلى رسوله.
ومن المعلوم أن الوحي وحيان: وحي تعبد بتلاوته وقراءته في الصلاة، وتعبد بالعمل به، وهو: القرآن، ووحي تعبد بالعمل به الذي هو: السنة، فإن الكتاب والسنة كل منهما يعمل به، وليس العمل بالكتاب دون السنة، بل بالسنة والكتاب، ومن لم يؤمن بالسنة وقال: إنه مؤمن بالكتاب فهو ليس بمؤمن بالكتاب، بل لا بد أن يجمع بين الكتاب والسنة، والسنة هي داخلة في كتاب الله عز وجل؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، فإن هذا أمر ونهي، يدخل فيه كل ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأوامر والنواهي.
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
[(يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم، فإذا قالوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد قال الإمام: سمع الله لمن حمده، يعني: يجبكم الله ويستجب لكم، ويسمع لكم، يعني: يجبكم؛ لأن كل كلام مهما خفي ومهما دق فإن الله تعالى يسمعه، وقد قالت عائشة: (سبحان من وسع سمعه الأصوات)، وقد قالت: إن المرأة التي كانت تجادل الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يسمع تحاورهما، وكانت قريباً منها، وكانت لا تسمع بعض كلامها، والله تعالى يسمع كل شيء مهما خفي ومهما دق، لا يخفى عليه شيء، فإن المراد بالسمع هنا؛ يسمع الله لكم، يعني: يستجب لكم، هذا هو المراد بالسمع، وأما السمع الذي هو سماع الكلام، فكل كلام يسمعه سبحانه وتعالى، لا يخفى عليه ما دق وما جل، كل ذلك مسموع معلوم لله سبحانه وتعالى.
ومحل الشاهد للترجمة قوله: اللهم ربنا ولك الحمد، يعني هذا ما يقوله المأموم عندما يرفع من الركوع، يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، بل يأتي بالتحميد دون التسميع.
إذاً: هذا محل الشاهد من الحديث الطويل الذي أورده النسائي في هذه الترجمة، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
قوله: [(فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا؛ فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم)].
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(هذه بتلك)]، أي مثلما قال بالنسبة للركوع، أي: اللحظة التي سبقكم إياها في السجود، ثم سبقكم في القيام، أنتم تأخرتم عنه مقدار تلك اللحظة في الآخر، فتلك بتلك، اللحظة التي سبقكم إياها عند النزول للسجود، عوض عنها باللحظة التي تأخرتم عنه فيها عند القيام من السجود، فالذي قيل هنا مثل الذي قيل هناك بالنسبة للركوع، معناه أن مقدار سجودكم مساو لمقدار سجوده، كما أن مقدار ركوعكم في الكلام المتقدم مساو لمقدار ركوعه.
قوله: [(فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات، الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبع كلمات وهي تحية الصلاة)].
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [(فإذا كان عند القعدة)]، يعني: في التشهد، [(فليكن من أول قول أحدكم: التحيات والصلوات والطيبات، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)]، الذي هو التشهد.
فقوله: [(من أول قول أحدكم)]، يدل على أنه يقال وراءه ومن المعلوم أنه يصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك في التشهد الأخير يدعو الإنسان ويكثر من الدعاء؛ لأنه جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أنه يكثر فيه من الدعاء، وأنه يتخير من الدعاء ما شاء، أو يتخير من الدعاء أعجبه إليه، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن قوله: (من أول قول أحدكم )، يعني: أن هذا هو أول ما يقال عندما يكون الإنسان جالساً للتشهد، وهذا هو التشهد الذي هو: التحيات لله.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد...)
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].إسماعيل بن مسعود، هو أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
وهو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن جبير].
هو يونس بن جبير البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن حطان بن عبد الله].
هو حطان بن عبد الله الرقاشي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع أبا موسى].
وأبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس، رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود
شرح حديث: (أن رسول الله كان ركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده ... قريباً من السواء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية أخبرنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده، وما بين السجدتين قريباً من السواء)].
هنا أورد النسائي قدر ما بين أن يرفع رأسه من الركوع والسجود، أي: مقدار ما بين الرفع من الركوع إلى السجود، أي: مقدار القيام الذي يكون بعد الرفع من الركوع وقبل السجود؛ لأنه سبق أن مر في الحديث المتقدم الذي قال: [(اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)]، هذا القيام الذي يعتدل به بعد قيامه من ركوعه ما مقداره؟ أورد النسائي هذه الترجمة لبيان المقدار، ومدة الزمن الذي يقفه الإنسان بعد ما يرفع رأسه من الركوع، وأنه مثل الركوع والسجود، أي: مقداره مقدار الركوع والسجود.
وقوله: [(وما بين السجدتين قريب من السواء)]، يعني: أنه متقارب، فهذا هو محل الشاهد في الحديث أن قيامه من الركوع، وركوعه وسجوده وجلوسه بين السجدتين قريب من السواء، يعني: قريب من التساوي في الزمن، ومدة المكث في حال القيام بعد الركوع، وفي حال الركوع، وفي حال السجود، وفي حال الجلوس بين السجدتين كلها متقاربة.
قوله: [(كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: القيام الذي يكون بعد الرفع، و(إذا)، ليست شرطية، يعني: لها جواب شرط، وإنما المراد بها الزمن والوقت، أي: ركوعه وقيامه من الركوع وسجوده وجلوسه، هذا هو المقصود بها.
[(وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: المدة التي يمكثها بعد رفعه من الركوع، وسجوده وجلوسه بين السجدتين متقاربة.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان ركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده ... قريباً من السواء)
قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].وهو الدورقي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا ابن علية].
وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
هو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء بن عازب].
صحابي ابن صحابي، صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وابن علية، وشعبة، والحكم بن عتيبة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب ستة كلهم أخرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.
ما يقوله في قيامه ذلك

شرح حديث: (أن النبي كان إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا لك الحمد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقوله في قيامه ذلك.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني حدثنا سعيد بن عامر حدثنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: أن القيام بعد الركوع، يعني: أن هذا القيام الذي مقداره مقدار السجود، والركوع، وما بين السجدتين، قريب من السواء معها، فماذا يقول في حال هذا القيام الذي يكون بعد الركوع؟ فهو عند الرفع من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ولكن ماذا يقول مع ذلك؟ أورد النسائي هذه الترجمة، وأورد حديث ابن عباس: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد.

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:48 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا لك الحمد...)
قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني].وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا سعيد بن عامر].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن حسان].
وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن سعد].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني لم يخرج له الترمذي، ولم يخرج له البخاري في الصحيح، يعني: في أصل الكتاب، وإن خرج له في الصحيح تعليقاً، وهو مكي.
[عن عطاء].
وهو عطاء بن أبي رباح، وهو مكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن نافع عن وهب بن ميناس العدني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، [(كان إذا أراد السجود بعد الرفع يقول: اللهم ربنا ولك الحمد)].
قوله: [(كان إذا أراد السجود)]، يعني: بعد الركوع، يعني: معناه قبل أن يسجد يقول: وهو قائم هذه المقالة، وهي: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد...)
قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو: ابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يحيى بن أبي بكير].
هو الكرماني، يحيى بن أبي بكير الكرماني ،وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إبراهيم بن نافع].
ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن وهب بن ميناس العدني].
وهب بن مانوس أو ميناس، جاء في بعض النسخ مانوس، وفي بعضها ميناس، وهو مستور، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن سعيد بن جبير].
ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
شرح حديث: (إن رسول الله كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن هشام أبو أمية الحراني حدثنا مخلد عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، خير ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)].هنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان [(حين يقول: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، هذا ثناء وذكر يؤتى به في هذا الموطن، الذي هو بعد القيام من الركوع وقبل السجود، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، يعني: أنه كثير، وتكبير وتعظيم لهذا الحمد والثناء، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، يعني: أنت أهل الثناء والمجد، أي: يا أهل الثناء والمجد، أنت المستحق لأن يثنى عليك، وأن تعظم وتمجد، [(أحق ما قال العبد)]، يعني: أنت المستحق له، وأنت المستحق للثناء، [(وكلنا لك عبد)]، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )[مريم:93]، الكل عبيد الله عز وجل، فهو المستحق لأن يثنى عليه، وأن يعظم، وأن يمجد سبحانه وتعالى، فهو المستحق لذلك، وهو أهل ذلك سبحانه وتعالى.
ثم قال: [(لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)].
لا مانع لما أعطيت، هذا فيه إثبات القدر، وإثبات قدرة الله عز وجل، وأن ما أعطاه الله عز وجل فلا مانع له، وما قدره الله تعالى فإنه يكون، وإذا أراد الله نفع أحد فلا أحد يمنع ذلك النفع والعطاء، وقد جاء مثل ذلك موضحاً في حديث ابن عباس، في وصيته لـابن عباس حيث قال: [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)]، فمن أعطاه الله لا مانع له، وما منعه الله لا يعطيه أحد، بل الله تعالى هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر، وإثبات أن ما قدره الله تعالى لا بد أن يكون، فإذا قدر عطاءً فلا يمنعه مانع، وإذا قدر منعاً فلا يعطيه معطي، بل الأمر بيده سبحانه وتعالى، [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)]، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا )[فاطر:2]، فالعطاء والمنع هو من الله سبحانه وتعالى، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهذا ثناء من العبد على ربه في هذا الموطن في هذه الصلاة.
ثم قال: [(ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، الجد بفتح الجيم المراد به الحظ والنصيب، فمن أعطي حظاً في الدنيا من مال، أو جاه، أو رئاسة، أو ما إلى ذلك من الحظوظ الدنيوية فتلك ليست هي التي تقدم وتؤخر عند الله، وإنما الذي يقدم ويؤخر عند الله هو العمل الذي يعمله الإنسان.
والجد بالفتح يأتي بمعنى الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى العظمة، كما قال الله عز وجل: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا )[الجن:3]، وجاء في دعاء الاستفتاح: [(وتعالى جدك)]، يعني: عظمتك وجلالك، فالجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الحظ والنصيب، ويأتي مراداً به أبو الأب الذي هو الجد، وبالكسر الجِد هو الاجتهاد، وبذل الوسع، يقول الشاعر:
الجَد بالجِد والحرمان بالكسل هل قد تصب عن قريب غاية الأمل
الجَد بالجِد، من جد وجد، والحرمان بالكسل، فالحرمان يقابل الجَد الذي هو الحظ والنصيب، والكسل يقابل الجِد؛ لأنه عكسه وضده.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد ...)
قوله: [أخبرني عمرو بن هشام أبو أمية].عمرو بن هشام أبو أمية الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا مخلد].
وهو مخلد بن يزيد الحراني، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي.
[عن سعيد بن عبد العزيز].
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، قرنه الإمام أحمد بـالأوزاعي، وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عطية بن قيس].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن قزعة بن يحيى].
وهو قزعة بن يحيى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد، هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته وبنسبته؛ بكنيته أبي سعيد، وبنسبته الخدري، والسبعة هم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
ما يقوله في قيامه ذلك
شرح حديث حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله... فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من بني عبس عن حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد لربي الحمد، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي، وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)].يقول النسائي رحمه الله: باب ما يقول في قيامه ذلك، يعني: القيام الذي بعد الركوع وقبل السجود، عندما يرفع من الركوع، القول الذي يقوله، يعني: في ذلك القيام، هذه هي الترجمة، وقد مر بعض الأحاديث الدالة على الترجمة.
ثم أورد النسائي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه يقول حين أراد أن يكبر: [(الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، ثم بعد ذلك ركع، وكان يقول في ركوعه: [(سبحان ربي العظيم وإذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد لربي الحمد)].
وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: بعد الركوع، أنه يقول: لربي الحمد، والمقصود من ذلك أنه بالإضافة إلى كونه يأتي بالتسميع يأتي كذلك بالتحميد، والتحميد جاء بألفاظ منها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ومنها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ومنها هذا اللفظ الذي جاء في حديث حذيفة: [(لربي الحمد لربي الحمد)].
فالحاصل: أن مما يقوله المصلي فيما بعد الركوع وقبل السجود هو التحميد، يحمد الله عز وجل، ويثني عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى، ثم يسجد ويقول: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي.
قوله: [(وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)]، يعني: أنه قريب.
وفي هذا الحديث ذكر القيام، وأنه قريب من الركوع والسجود وما بينهما، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه كان يطيل القيام أكثر من الركوع، ومن السجود، ولكن يمكن أن يكون في بعض الأحيان بينهما شيء من التقارب، وإلا فإن الأصل أن القيام والتشهد الذي هو قبل السلام إطالتهما أكثر مما بين السجدتين، ومن الركوع والسجود، ومما بين الركوع والسجود.
والمقصود من إيراد الحديث هو بيان ما يقوله عندما يرفع من الركوع، وأنه يقول هنا: لربي الحمد لربي الحمد، والمقصود منه الإتيان بالتحميد بالإضافة إلى التسميع، والتسميع هو: سمع الله لمن حمده، ومعنى ذلك: استجاب الله لمن حمده.
فإذاً: يكون بعد التسميع التحميد بأن يقول: ربنا ولك الحمد، أو لربي الحمد، أو اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض.. إلى آخر ما ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله... فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].وحميد بن مسعدة، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا يزيد بن زريع].
ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أرفع صيغ التعديل، وأعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
وهو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حمزة].
هو طلحة بن يزيد الأيلي مولى الأنصار، وقد وثقه النسائي، وأخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن رجل من بني عبس].
وهذا رجل مبهم، وهذا يسمى المبهم؛ إذا قيل: عن رجل فهو المبهم، وإذا قيل: عن فلان وسمي ولكن لم ينسب يقال له: المهمل، فهذا مبهم، ولكن جاء في بعض الروايات، أو جاء عن بعض العلماء أنه صلة بن زفر العبسي، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء عن شعبة أنه قال: يشبه أن يكون صلة بن زفر، وكذلك أيضاً جاء في بعض أسانيد هذا الحديث عند ابن ماجه، ذكره في إسنادين وفي أحدهما ذكر رواية المستورد بن شداد عن صلة بن زفر عن حذيفة.
فالأظهر أنه صلة بن زفر، وذلك أن صلة بن زفر عبسي، وقد جاء في بعض أسانيد الحديث عند ابن ماجه، بإسناد آخر ينتهي إلى صلة بن زفر، وصلة بن زفر يرويه عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه.
[عن حذيفة بن اليمان].
حذيفة صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:49 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب التطبيق)
(199)

- باب القنوت بعد الركوع - باب القنوت في صلاة الصبح
دلت السنة على مشروعية قنوت النازلة في الفريضة، ويكون القنوت بعد الركوع، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان، وذلك بعد الركوع، وقد ثبت أيضاً أنه قنت في صلاة الفجر بعد الركوع.
القنوت بعد الركوع

شرح حديث: (قنت رسول الله شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت بعد الركوع.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت بعد الركوع؛ يعني: قنوت النوازل، وهو الذي أورده النسائي هنا؛ لأنه يتعلق بصفة الصلاة، والصلاة المفروضة يشرع القنوت فيها في بعض الأحيان؛ عندما تنزل نازلة يلجأ المسلمون فيها إلى الله عز وجل أن يكشفها وأن يزيلها، فشرع ذلك في الصلوات المكتوبة، والترجمة هي: القنوت بعد الركوع.
وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)، وهي: قبائل من العرب اشتد أذاهم للمسلمين، فدعا عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في صلاته في القنوت، وكان ذلك بعد الركوع؛ يعني: بعد الرفع من الركوع، وكونه بعد أن يحمد الله عز وجل يأتي بهذا الدعاء الذي كان يدعو على أناس، ويدعو لأناس؛ يعني: في بعض الأحاديث يدعو لأناس من المسلمين المستضعفين، ويدعو على أناس من المستكبرين المعاندين المعارضين لدعوته، المؤذين لأتباعه صلى الله عليه وسلم، فرعل وذكوان من قبائل العرب، وعصية أيضاً كذلك.
وقوله: [(عصت الله ورسوله)]، المراد به: أن هؤلاء الذين دعا عليهم، عصوا الله ورسوله، وقد جاء ذكر هذا الوصف بعد عصية؛ لأن هناك جناس وتناسب؛ لأنهم عصية، وكذلك وصفوا بأنهم عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن فيه مشروعية القنوت في النوازل، وفيما إذا حصل على المسلمين ضرر عظيم؛ فإنه يشرع الدعاء في الصلاة بعد الركوع الذي يسمى القنوت.
تراجم رجال إسناد حديث: (قنت رسول الله شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ...)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، فهو محدث، فقيه، وإمام مجتهد، وصف بهذا الوصف، ولقب بهذا اللقب الرفيع، الذي هو أمير المؤمنين في الحديث، والذين ظفروا بهذا اللقب من المحدثين قلة قليلة، وإسحاق بن راهويه من هؤلاء، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا جرير].
هو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن أبي مجلز].
هو لاحق بن حميد الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو مجلز.
[عن أنس بن مالك].
رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة حتى توفاه الله وهو يخدمه، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القنوت في صلاة الصبح
شرح حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة الصبح.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن ابن سيرين: (أن أنس بن مالك سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت في صلاة الصبح، وهي شاهدة للترجمة التي قبلها أيضاً؛ من حيث أن فيه إثبات القنوت بعد الركوع، والترجمة السابقة: القنوت بعد الركوع، وهنا في صلاة الصبح، وأيضاً بعد الركوع، لكن عقد النسائي الترجمة لإثبات القنوت بعد الركوع، وعقد هذه لإثبات القنوت في صلاة الصبح.
وأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن أنساً سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، قيل: أبعد الركوع أم قبله؟ قال: بعد الركوع)]، ففيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو: القنوت في صلاة الصبح، وإثباته في صلاة الصبح، وفيه أيضاً الدلالة على الترجمة السابقة لهذه الترجمة، وهي: أن القنوت يكون بعد الركوع.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح
قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا حماد].
هنا حماد مهمل غير منسوب، والذي يتبادر إلى الذهن شخصان هما: ابن سلمة، وابن زيد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة هذان هما الحمادان اللذان في بلد واحد، وفي وقت واحد، واشتركا في الشيوخ والتلاميذ، ويأتي إهمالهما كثيراً، وعدم نسبة الراوي منهما، بل يكتفى بذكر حماد، ومن المعلوم: أن الطريقة التي يتوصل بها إلى معرفة المهمل: أن يعرف الشيوخ والتلاميذ، هل هذا التلميذ الذي روى عن حماد الذي هو غير منسوب، هل روى عن حماد بن زيد، وعن حماد بن سلمة جميعاً، أو روى عن واحد منهما؟ إذا كان لم يرو إلا عن واحد منهما، فإنه يكون الذي ما روى عنه ليس هو المقصود؛ لأنه ما روى عن أحدهما، وإنما روى عن واحد، وإن كان قد روى عنهما جميعاً، فينظر أيهما أكثر اتصالاً به، وأيهما أكثر أخذاً عنه، وأيهما يكون في بلده ليكون أكثر اتصالاً به، وكذلك أيضاً ينظر في طرق الأحاديث الأخرى، طرق الحديث نفسه التي جاءت في كتب أخرى؛ فإنه يتبين من بعض الطرق أنه ينسب في بعضها، وعلى هذا يتعين المهمل، ويتميز المهمل الذي لم ينسب؛ إما بكون الذي روى عنه لم يرو عن الآخر، أو بكون له خصيصة وميزة واتصال به؛ لكونه مكثر عنه، ولكونه من أهل بلده، أو كذلك في معرفة الطرق لهذا الحديث في الكتب المختلفة، فإنه يكون في بعضها التسمية للشخص المهمل.
وهذا الذي معنا الآن هو حماد بن زيد وليس حماد بن سلمة؛ لأن قتيبة ما روى عن حماد بن سلمة، وإنما روى عن حماد بن زيد فقط، فإذا جاء حماد مهمل غير منسوب، والراوي عنه قتيبة فالمراد به حماد بن زيد. والمزي -في ترجمة قتيبة- ذكر أنه روى عن حماد بن زيد، فتعين هنا المهمل، وتميز المهمل بكونه حماد بن زيد.
وكذلك أيضاً -كما سبق أن عرفنا- إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، فالمراد به ابن عيينة، وليس الثوري؛ لأنه لم يرو عنه الثوري، فهذه من الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل الذي لم ينسب.
وحماد بن زيد بصري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب]
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، ثبت، حجة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين].
هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سئل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه].
قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
شرح حديث ابن سيرين في القنوت في صلاة الصبح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن ابن سيرين قال: (حدثني بعض من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الثانية قام هنيهة)].هنا أورد النسائي حديث ابن سيرين عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: الصحابي مهمل لم ينسب، ومن المعلوم: أن جهالة الصحابة لا تؤثر، فيكفي أن يوصف الشخص بأنه صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو لم يسم، فهو وإن كان مهملاً فإنه يعول على ما جاء عنه ما دام أنه أضيف إلى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى وراءه صلاة الصبح، أنه بعدما رفع رأسه من الركوع وقف هنيهة، يعني: زمناً يسيراً. ومن المعلوم أن المصلي بعدما يرفع من الركوع يقف، ولكن لعل المراد به الزيادة على الوقوف المعتاد، يعني فيما يتعلق بالرفع من الركوع في الركعات المختلفة، وذلك إنما يكون للدعاء، وإنما يكون للقنوت؛ يعني: فوقوفه هنيهة؛ يعني بذلك: أنه للقنوت.
تراجم رجال إسناد حديث ابن سيرين في القنوت في صلاة الصبح
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر بن المفضل].
هو البصري، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن عبيد البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين].
قد تقدم ذكره.
[عمن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وقد عرفنا أن المجهول من الصحابة في حكم المعلوم؛ لأن الجهالة فيهم لا تؤثر؛ لأنه يكفيهم شرفاً وفضلاً أن يضافوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يكونوا من صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:50 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حفظناه من الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الصبح، وبعد أن رفع رأسه من الركوع دعا للمستضعفين المسلمين، وعلى الكفار الذين آذوا المسلمين، فسمى من سمى من المسلمين، الذي سأل الله عز وجل أن ينجيهم، وأن يخلصهم من الكفار الذين آذوهم، فخص وعم، فإنه ذكر ثلاثة أشخاص: الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، ثم عطف على ذلك فقال: [(والمستضعفين من المسلمين بمكة)]، فهو عطف عام على خاص، أي: خص وعم.
ثم دعا على كفار مضر وقال: [(اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)]، بمعنى أنه دعا عليهم لأنهم آذوا المسلمين، واشتدت عداوتهم لهم، وآذوا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وعذبوهم، فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام في قنوته للمستضعفين من المسلمين، وعلى المستكبرين من الكفار الذين آذوا المسلمين، ودعا عليهم بأن يحصل لهم سنين كسني يوسف، يعني: من القحط، والجدب، الذي يشغلهم بالبحث عن القوت وعن الطعام، ويشغلهم عن إيذاء المسلمين من المستضعفين الذين لم يتمكنوا من الهجرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وقد عرفنا -سابقاً- أن ممن يسمى محمد بن منصور من شيوخ النسائي شخصان هما: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، وكل من محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور الجواز رويا عن سفيان، لكن كونه يحمل على أنه الجواز، وعلى أن سفيان هو ابن عيينة، هو الأظهر وهو الأقرب، وذلك أن محمد بن منصور مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وإذا كان الشخص من أهل البلد، يكون هو المعني عند الإهمال، وعند عدم التمييز، فيحمل على من يكون له ملازمة للشخص الذي روى عنه.
ثم أيضاً: ابن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، وهو هنا يروي عن الزهري، فالمراد به ابن عيينة وليس الثوري؛ لأن سفيان بن عيينة هو الذي روى عن الزهري، وأما سفيان الثوري فلم يكن معروفاً بالرواية عنه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن روايته عن الزهري إنما هي بواسطة، وأنه لم يرو عنه مباشرة، وإنما روايته عنه بالواسطة.
فإذاً: يحمل سفيان على أنه: ابن عيينة؛ لأنه هو المعروف بالرواية عن الزهري، ومحمد بن منصور يحمل على أنه الجواز المكي؛ لأنه هو الذي له اتصال وله خصوصية في سفيان بن عيينة، من حيث أنه ملازم له، ومن أهل بلده؛ لأن كلاً منهما مكي.
وسفيان بن عيينة ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حفظناه من الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، محدث، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين رووا عن صغار الصحابة.
[عن سعيد].
هو ابن المسيب، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، الذين سبق أن مر ذكرهم مراراً وتكراراً، وسعيد منهم باتفاق؛ لأن الذين اختلف في عدهم من الفقهاء السبعة ليس منهم سعيد، وهم ثلاثة، والخلاف إنما هو في السابع، وستة متفق على عدهم، والسابع منهم فيه خلاف.
[عن أبي هريرة].
رضي الله تعالى عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن ابن أبي حمزة حدثني محمد حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: (أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة حين يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم قبل أن يسجد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، ثم يقول: الله أكبر، فيسجد، وضاحية مضر يومئذ مخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ الحديث المتقدم، يعني دعاء لأناس من المسلمين المستضعفين، منهم من سمي ومنهم من لم يسم، ودعاء على كفار غير مسمين، وهم كفار مضر، ثم قال في آخر: [(وضاحية مضر يومئذ مخالفون لرسول الله)]، والمراد بضاحية مضر؛ سكان البوادي، فالبادية يقال لها: الضاحية، والضاحية يقال لها: البادية، فهذا تفسير وبيان لوجه اختصاص مضر.

ومن المعلوم: أن كفار مضر ممن عرفوا بكثرة محاربتهم للمسلمين؛ الذين دخلوا في الإسلام أولاً، ومن المعلوم: حديث وفد عبد القيس الذين جاءوا في أول الإسلام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما جاءوا إليه في المدينة، وطلبوا منه أن يوصيهم، وأن يبين لهم أمور دينهم ويعلمهم، وكان من جملة ما قالوه في تعليل طلبهم لأن يفقههم في الدين ويعلمهم؛ قالوا: (إنا لا نستطيع أن نصل إليك إلا في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر)، يعني: أن شدة عداوتهم ومخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وإيذائهم لأصحابه الذين دخلوا في دينه، فهذا تفسير وبيان لوجه الدعوة على مضر وعلى كفار مضر.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[حدثنا بقية].
هو ابن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن أبي حمزة].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني محمد].
هو ابن سيرين، وقد تقدم ذكره.
[حدثني سعيد بن المسيب].
قد تقدم ذكره.
[وأبو سلمة].
هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأنه ليس متفقاً على عده في الفقهاء؛ الذي هو أبو سلمة، ولكن سعيد بن المسيب اتفق على عده في الفقهاء السبعة؛ الذين هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال؛ قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
[عن أبي هريرة].
قد تقدم ذكره.
الأسئلة

نبذة عن الزيدية
السؤال: يا شيخ! أكرمك الله، نريد أن نأخذ فكرة عن عقيدة الزيدية، وجزاك الله خيراً؟الجواب: عقيدة الزيدية -كما هو معلوم- هم من الشيعة، وهم من أخف الشيعة ضرراً وشراً، وأصل نسبتهم، هم والروافض، هم الذين لما قالوا لزيد: إن تبرأت من أبي بكر، وعمر توليناك، فقال: بل أتولاهما، وأبرأ ممن يبرأ منهما، فرفضته الروافض وكانت معه الزيدية، يعني: هم ينسبون إليه، وهم كما هو معلوم: ليسوا كالرافضة الذين يسبون الشيخين وغيرهم من الصحابة، وإنما يسبون بعض الصحابة مثل معاوية، وكلامهم في معاوية كثير، والكلام في معاوية من الشيعة على صفة العموم سهل ميسور عليهم، يعني: يتكلمون فيه ويقعون فيه، لكنهم كما ذكرت أنهم كانوا يتولون أبا بكر، وعمر، مثل ما كان عليه زيد ولهذا اتبعوه، ولكنهم يرون أولوية علي بالخلافة، ولا شك أن هذا ضلال مبين، لكن هذا شر، وبعض الشر أهون من بعض.
حكم العزل
السؤال: ما هو الراجح في العزل؟الجواب: العزل -كما هو معلوم- جاء في حديث أبي سعيد: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، وكانوا يعزلون مع الإماء؛ لأنهم يخشون من حملهن، ويكن بذلك أمهات أولاد لا يتمكنون من بيعهن، فكانوا يعزلون عنهن لئلا يحملن، لكن العزل إذا حصل لا يمنع الحمل، فإنه قد جاء في الحديث في صحيح مسلم: (ليس من كل المني يكون الولد)، فلو حصل عزل، يمكن أن تخرج قطرة وتذهب، يعني: فوات الحرص من غير إحساس الإنسان وشعوره، ومن غير إرادته، فيتكون منها الولد.
والفقهاء يقولون: إنه لا يعزل عن الحرة إلا برضاها، وأما الأمة فله أن يعزل عنها؛ لأن المقصود من العزل هو عدم حصول الحمل؛ لأنها لو حملت وولدت صارت أم ولد، وعند ذلك الكلام في بيع أمهات الأولاد -هل تباع أو لا تباع؟- معروف ومشهور.
الكتب التي تهتم بتراجم الرجال
السؤال: ما هي الكتب التي تهتم في ذكر من يروى عنه ومن روى عنه، أي: حتى نعرف إن كان السند متصلاً أو لا؟الجواب: فيما يتعلق بالنسبة للكتب الستة، كتاب تهذيب الكمال هو أحسن كتاب، وخير كتاب يرجع إليه في معرفة الشيوخ والتلاميذ، بالنسبة لمن هم من رجال أصحاب الكتب الستة، فقد اعتنى بذلك عناية فائقة، وحصرهم ورتبهم ونظمهم على الحروف، على كثرة التراجم، في كل ترجمة يجمع الشيوخ والتلاميذ، ويرتبهم على حروف المعجم، فأنت إذا أردت أن تعرف شخصاً معين لا تحتاج إلى أن تقرأ الشيوخ كلهم، ولا أن تقرأ التلاميذ كلهم، إذا كنت تريد أن تعرف تلميذاً من تلاميذه، أو شيخاً من شيوخه، بل تعرف أول اسمه، ثم تبحث عنه في مكانه من الحروف، وهذا جهد مضني ليس بالهين، يعني معناه أن كل راو من الرواة يحصر شيوخه وتلاميذه، ويرتب الشيوخ على حروف المعجم، والتلاميذ على حروف المعجم في كل ترجمة، فخير ما يرجع إليه فيما يتعلق برجال أصحاب الكتب الستة هو هذا الكتاب النفيس، العظيم، الواسع، الوافي، الذي هو تهذيب الكمال للمزي، وهو مخطوط ومطبوع؛ مخطوط في ثلاثة مجلدات كبار، ومطبوع في مجلدات كثيرة.
معنى: لا شخص أغير من الله
السؤال: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شخص أغير من الله)؟الجواب: نعم، هذا في الصحيح، هذا في صحيح البخاري ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كلمة (شخص) هذه -كما هو معلوم- ليست مطلقة على الله عز وجل؛ لأنه مثل: لا أحد أغير من الله، ليس هناك أحد من الخلق أغير من الله عز وجل، (لا شخص أغير من الله)، يعني: هذا هو المقصود، ليس أن الله يوصف بهذا الوصف؛ لأن هذا ما أضيف إلى الله عز وجل، فهو بمعنى أحد، يعني: ليس هناك أحد أغير من الله.
مدى اعتبار كلمة الشخص اسماً من أسماء الله
السؤال: هل الشخص اسم من أسماء الله؟الجواب: لا، أنا أجبت على هذا، أنا قلت: المعنى كونه ذات قائمة بذاتها، يعني المعنى صحيح، لكن الشخص هنا أطلق على غير الله عز وجل، مثل كلمة: لا أحد أغير من الله، ليس هناك أحد أغير من الله، ليس هناك أحد من الخلق أغير من الله، لا شخص من الناس أغير من الله عز وجل، يعني يراد بها: أي واحد من الناس لا يكون أغير من الله عز وجل.


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:51 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب التطبيق)
(200)


- (باب القنوت في صلاة الظهر) إلى (باب ترك القنوت)
جاءت السنة ببيان جواز القنوت في الصلاة السرية والجهرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الظهر والمغرب، وكان يلعن المنافقين في دعائه، وقنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه.
القنوت في صلاة الظهر

شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الظهر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة الظهرأخبرنا سليمان بن سلم البلخي حدثنا النضر حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لأقربنّ لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفرة)].
يقول النسائي رحمه الله: باب القنوت في صلاة الظهر، وهو قنوت النوازل، وقنوت النوازل يكون في الصلوات كلها، وهذه الترجمة تتعلق بالقنوت في صلاة الظهر، وأن الإمام عندما يقنت في النوازل فله أن يقنت في هذه الصلاة وهي سرية، ويقنت فيها يدعو للمسلمين، ويدعو على الكافرين، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [(لأقربن لكم صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام)]، يعني: يبينها لهم، ويجعلهم كأنهم يرونها ويشاهدونها.
قوله: [(فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، ومن صلاة المغرب، ومن صلاة العشاء الآخرة، ومن صلاة الصبح)]، هذه الصلوات كان يقنت فيها، في الظهر وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الصبح، ومحل الشاهد منه: أنه كان يقنت في صلاة الظهر، والترجمة: باب القنوت في صلاة الظهر. يعني: أنه يقنت في السرية وفي الجهرية، والقنوت في صلاة الظهر دليل على القنوت في السرية، والقنوت في العشاء والصبح دليل على القنوت في الصلاة الجهرية، وكان في قنوته يدعو للمسلمين ويلعن الكفرة.
قوله: [(بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، وأيضاً: وربك ولك الحمد)]؛ لأنه جاء في الأحاديث أنه يؤتى بسمع الله لمن حمده، وبعدها: ربنا ولك الحمد، كما سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا، يعني: يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يأتي بعد ذلك بالقنوت الذي هو الدعاء على الكافرين، والدعاء للمسلمين؛ لأن هذا هو القنوت في النوازل، يكون في الصلوات، ويكون في الركعة الأخيرة، وبعد الركوع في السرية وفي الجهرية، وموضوعه الدعاء للمسلمين، والدعاء على أعدائهم.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الظهر
قوله: [أخبرنا سليمان بن سلم البلخي].وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا النضر].
وهو ابن شميل، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
وهو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، من فقهاء التابعين، ومن الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع ، والأقوال في السابع منهم ثلاثة: أحدها هذا، والثاني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديثه -أي: حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف- أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة رضي الله عنه].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القنوت في صلاة المغرب


شرح حديث: (أن النبي كان يقنت في الصبح والمغرب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة المغربأخبرنا عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن عمرو بن مرة (ح) وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان قالا: حدثنا عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب. وقال عبيد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت في صلاة المغرب، وأورد تحتها حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في صلاة المغرب، وفي صلاة الصبح)]، وفيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو إثبات القنوت في صلاة المغرب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث البراء بن عازب قنت في صلاة المغرب وفي صلاة الصبح، وقال: إن عبيد الله بن سعيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: هذا إشارة إلى اختلاف اللفظ، لفظ عبيد الله بن سعيد الذي هو شيخه الأول، والثاني هو عمرو بن علي الفلاس، وهو شيخه في الإسناد الثاني، يعني: أن النسائي ساقه على لفظ عمرو بن علي الفلاس شيخه في الإسناد الثاني، ثم بين لفظ عبيد الله بن سعيد، وأنه عبر بالرسول عن النبي؛ لأن الأول قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أو إن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عبيد الله بن سعيد فتعبيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الفرق بين النبي والرسول، ومن المعلوم أن كل منهما مؤداه واحد؛ لأن النبي والرسول من أوصاف نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فيقال له: النبي، ويقال له: الرسول، وعند بعض العلماء أنه يجوز ذكر النبي بالرسول، وذكر الرسول بالنبي، وأنه إذا جاء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجوز للذي يحدث أنه يؤتي بدله بالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالعكس، والنسائي هنا أتى بتعبير كل منهما؛ لأن عمرو بن علي الفلاس عبر بالنبي صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما عبيد الله بن سعيد فكان تعبيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالفرق بين التعبيرين هو ذكر الرسول والنبي، فوصف محمد عليه الصلاة والسلام بأنه نبي ووصفه بأنه رسول؛ فهذا أتى بهذه العبارة في حديثه، وهذا أتى بهذه العبارة في حديثه.
ويحصل من النسائي أحياناً أنه يأتي بمثل هذا الفرق، وهو إن لم يكن الفرق بينهما ليس هناك تباين، إلا أن هذا من العناية بإيراد ألفاظ الرواة كما جاءت عنهم، حيث عبر هذا بالرسول، وعبر هذا بالنبي، وكل منهما مؤداه واحد، ونتيجته واحدة، إلا أن في الإتيان بلفظ هذا، والإتيان بلفظ هذا، دلالة على المحافظة على الألفاظ التي تأتي عن الرواة.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقنت في الصبح والمغرب)
قوله: [عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي.
[عن عبد الرحمن].
وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، ثبت، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
[وشعبة].
هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذان الشخصان اللذان جاءا بإسناد واحد يروي عنهما عبد الرحمن بن مهدي، كل منهما ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
[عن عمرو بن مرة].
هو عمرو بن مرة الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وأخبرنا عمرو بن علي].
(ح) هي للتحويل والتحول من إسناد إلى إسناد؛ لأن ما بعدها ليس يلي ما قبلها؛ لأن الذي قبلها متقدم، وهو بعد ذكر عدد من الرواة من المصنف، ثم يأتي بـ (ح) ويأتي بإسناد جديد، ثم يأتي ذكر الرواة بعضهم حتى يحصل التلاقي عند شعبة وسفيان؛ لأن الإسنادين تلاقيا عندهما؛ لأن كلاً من الإسنادين فيه شعبة وسفيان، والإسناد الأول: رواية عن عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن عن شعبة وسفيان، وهنا عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان.
وعمرو بن علي الفلاس المحدث الناقد، المتكلم في الرجال كثيرا، وكثيراً ما يأتي ذكره عندما يأتي الكلام في الرجال بلقب الفلاس، قال الفلاس كذا، ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، فهذه الكلمة هي التي تتكرر كثيراً في كتب الرجال عند ذكر الكلام في الرجال، فيأتي ذكره كثيراً بـالفلاس، ويأتي عمرو بن علي، إلا أن إطلاق الفلاس عليه أكثر عند الكلام على الرجال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد القطان].
وهو ثقة، ثبت، محدث، ناقد، أخرج حديثه أيضاً أصحاب الكتب الستة .
[عن شعبة وسفيان].
وقد حصل تلاقي الإسنادين عندهما، وهما في طبقة واحدة الآن؛ لأن رواية كل من عبد الرحمن بن مهدي البصري ويحيى بن سعيد القطان البصري، كل منهما روى هذا الحديث عن هذين الشخصين وهما: سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج.
[حدثنا عمرو بن مرة].
عن سفيان وشعبة عن عمرو، وهنا قال: حدثنا عمرو، إذاً: هناك التعبير بعن، وهنا التعبير بحدثنا.
[عن ابن أبي ليلى].
وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء بن عازب].
صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
اللعن في القنوت

شرح حديث أنس في لعن رعل وذكوان ولحيان في القنوت
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اللعن في القنوتأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس، وهشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً. قال شعبة: لعن رجالاً. وقال هشام: يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه بعد الركوع، هذا قول هشام. وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يلعن رعلاً وذكوان ولحيان)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي اللعن في القنوت، أي لعن الكفرة في القنوت، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يلعن...) الحديث .
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً)]، ثم اختلف لفظ شعبة، ولفظ هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، فقال شعبة: [(لعن رجالاً)]، وهذا هو محل الشاهد، يعني: تعبير شعبة ولفظ شعبة هو الذي مشتمل على محل الشاهد في الترجمة؛ لأن الترجمة هي اللعن في القنوت، واللعن في القنوت جاء بلفظ شعبة، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً لعن رجالاً)، وقال هشام الذي روى مع شعبة: [(يدعو على أحياء من أحياء العرب)].
قوله: [(ثم تركه)]، أي: ترك القنوت، [(بعد الركوع)]، كان قنت شهراً بعد الركوع ثم تركه؛ لأن (تركه) ترجع إلى القنوت، فتكون: قنت شهراً ثم ترك القنوت، وبعد الركوع ترجع إلى القنوت، أي أن قنوته كان بعد الركوع، وليس الترك له بعد الركوع، وإنما بعد الركوع لا يرجع للترك، وإنما يرجع إلى القنوت، قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أناس أو يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه، أي: ترك القنوت، معناه: أن القنوت هذا ليس بدائم، وإنما يكون في النوازل، ويكون لمدة معينة، ولا يستمر عليه دائماً، وإنما القنوت في النوازل ويكون لمدة معينة، مثل: عندما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب من قبائل العرب.
فهناك: يلعن رجالاً، وهنا: (أنه لعن قبائل من العرب)؛ لأنه في رواية هشام يدعو على قبائل من قبائل العرب، وهنا بين أنه يلعن، وسمى بعض هذه القبائل التي هي رعل وذكوان ولحيان، ففيه تسمية بعض هذه القبائل.

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-09-2021 11:51 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث أنس في لعن رعل وذكوان ولحيان في القنوت
قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى]. وهو أبو موسى الملقب الزمن، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة؛ بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو مثل: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي؛ فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، روى عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة، أي: هؤلاء الثلاثة، وهم: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وكانت وفاتهم قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وهؤلاء الثلاثة -وهم من صغار شيوخه- ماتوا في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، توفي سنة مائتين وأربع، وهي السنة التي مات فيها الشافعي.
[حدثنا شعبة].
وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن قتادة].
وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أنس وعن الصحابة أجمعين، وأنس خادمه، خدمه عشر سنوات، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ممن طال عمره، ولقيه الكثير من الصحابة والتابعين صغارهم وكبارهم ومتوسطوهم؛ لأن صغار التابعين أدركوه ورووا عنه، ومنهم: الزهري فإنه من صغار التابعين، وممن روى عن أنس بن مالك، فقد عمر وطالت حياته، ولقيه الكثير من التابعين، وتلقوا عنه كبارهم وصغارهم ومتوسطيهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
إذاً: أبو داود الطيالسي روى عن شعبة وروى عن هشام، وكل من شعبة وهشام يروي عن قتادة، معنى ذلك أن أبا داود له شيخان هما: هشام وشعبة، وكل منهما يروي عن قتادة، وهشام هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وقد مر ذكره قريباً.
لعن المنافقين في القنوت

شرح حديث عبد الله بن عمر في لعن المنافقين في القنوت
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لعن المنافقين في القنوتأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة، قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، يدعو على أناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)[آل عمران:128])].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب لعن المنافقين في القنوت.
لأن هناك اللعن في القنوت، وهو لعن مطلق، وهو لعن الكفرة، وهنا اللعن للمنافقين، والمراد بالمنافقين هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر؛ لأن الإسلام لما أظهره الله عز وجل، وظهر أهله وظهرت قوتهم، وعلت كلمتهم، صار الذي في نفسه شيء يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وقبل ذلك في مكة ما كان هناك حاجة إلى إظهار النفاق؛ لأن الكافر كافر والمسلم مسلم، والذي يريد يظهر كفره أظهره؛ لأن المسلمين ما لهم قوة وهم في مكة؛ ولهذا النفاق حصل في المدينة، الذين قدم إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين وفقهم الله للدخول في هذا الدين دخلوا في هذا الدين ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين في نفوسهم شيء ولم شرح الله صدورهم للإسلام بقوا على كفرهم، إلا أنهم أظهروا الإسلام ظاهراً وهم يبطنون الكفر.
والنفاق نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، والنفاق الاعتقادي هو: المخرج من الملة، وهو الذي صاحبه يكون في الدرك الأسفل من النار، ويكون كافراً، وهو كافر من الكفار إلا أنه يظهر الإيمان ويبطن الكفر، في قرارة نفسه هو كافر، ولا يظهر الإيمان إلا خوفاً من المسلمين ومن قوة الإسلام وغلبة أهله، وإلا فإنه يبطن الكفر، (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )[البقرة:14]، فهذا هو شأن المنافقين.
والنفاق العملي هو: النفاق الذي جاء في الحديث: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف)، وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه نفاق، فكون الإنسان يكذب ويفجر ويخون فإن هذه من صفات المنافقين، ومن حصلت له مع الإيمان ظاهراً وباطناً، وكونه مؤمن في قلبه وفي عمله، فذلك من نفاق العمل الذي لا يخرج من الملة، وهو من كبائر الذنوب ولكنه ليس مثل النفاق الاعتقادي.
فأنزل الله عز وجل عليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128]، وقد كان عليه الصلاة والسلام يسمي أناساً بأسمائهم من الكفار ومن المنافقين، وبعد ذلك لما نزل عليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128]، فترك ذلك.
ومن المعلوم أن المعين حكم الإسلام فيه أنه لا يلعن، أي: لا يلعن المعين؛ لأن من لا تعرف نهايته قد ينتهي أمره إلى خير، وإن كان في حياته متمكناً في الشر، ولم يصدر منه إلا الشر؛ كما جاء في الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، والعكس (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل الجنة فيدخلها)، فمن الناس من يكون موفقاً للدخول في الإسلام فيمكث فيه ما شاء الله أن يمكث، وتطول مدته وهو من المسلمين، ثم يدركه الخذلان والعياذ بالله في آخر حياته فيرتد عن الإسلام، ويموت على الردة والعياذ بالله، وهذا مثل ما حصل من بعض الذين دخلوا في هذا الدين وأسلموا، ولما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام ارتدوا عن الإسلام، وقتل من قتل منهم على الردة، فكانوا مسلمين ثم ارتدوا والعياذ بالله، والذين حصل لهم ذلك عدد ممن كان مسلماً وارتد عن الإسلام ومات على الردة، وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم الذين ثبتهم الله على هذا الدين الحنيف هم الكثير، والذين حصل منهم الردة هم القليل، وقد تولى قتالهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، كان معروفاً برفقه ولينه، ولكن شدته في الله عز وجل غلبت عمر في هذا الجانب، مع أن عمر معروف بالشدة، وعمر كان يحاجه في قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وهو وقف تلك الوقفة، وبعد ذلك شرح الله صدر عمر لما شرح له صدر أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقتل على الردة من قتل، وهؤلاء هم المعنيون في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم لما يكون عند حوضه: (يذاد عنه أناس فأقول: أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، المراد به هؤلاء الذين ارتدوا عن الإسلام وقاتلهم الصديق وماتوا على ردتهم ممن دخل في الإسلام .
وبعض الفرق الضالة المخذولة تقول: إن الصحابة ارتدوا عن الإسلام، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث الذي فيه: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فإنه يراد بهؤلاء الصحابة القليلون الذين ارتدوا عن الإسلام وقاتلهم الصديق رضي الله عنه حتى يرجعوا إلى الإسلام، ورجع من رجع منهم، ومات من مات منهم على الردة، فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء في الحديث قال: (أصحابي! أصحابي! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فالمراد بهم الذين ارتدوا وماتوا على الردة وقاتلهم الصديق، وقتلوا في حروب المسلمين التي حاربوا فيها المرتدين عن الإسلام، وأما المسلمون الذين قاتلوهم وجاهدوا في سبيل الله، فهؤلاء هم أهل الإسلام، وهم أهل الحق، وهم خير هذه الأمة، وهم الصفوة المختارة، وهم الذين ما كان مثلهم في الأمم الماضية، ولا يكون مثلهم في القرون اللاحقة التي جاءت؛ فهم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، هؤلاء الصحابة الكرام هم خير الخليقة، هم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم؛ فهم الذين يلون الأنبياء والمرسلين، والذين ارتدوا هم الذين قاتلهم الصحابة.
وقد ارتدت بعض القبائل أو أعداد ممن دخل في الإسلام، وكان أهل مكة قد فكر من فكر منهم في الردة، ولكن سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه قام وخطبهم وثبتهم على الإسلام، وكان كلامه معهم فيه تثبيت لهم، قال: يا أهل مكة! لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليظهرن الله هذا الدين، وتكلم بالكلام البليغ الذي ثبت الله تعالى به من فكر بالخذلان وفكر في الردة، فصار في كلامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه تثبيتاً لهم على الحق والهدى.
عن سالم، عن أبيه رضي الله عنهما: [(أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة، قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، يدعو على أناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128])].
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمر في لعن المنافقين في القنوت
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الألقاب العالية الرفيعة التي لم يظفر بها إلا القليل من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
[أخبرنا عبد الرزاق].
وهو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، فقيه، محدث، مصنف، وهو صاحب كتاب المصنف المليء بالأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة ومن بعدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
وهو ابن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، المحدث، الفقيه، المكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم كما أشرت إلى ذلك آنفاً عند ذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
ترك القنوت

شرح حديث: (أن رسول الله قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك القنوت
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك القنوت، يعني: ليس معنى ذلك النسخ وأنه نسخ، وأن الحكم انتهى، وأنه كان موجوداً في زمنه عليه الصلاة والسلام ثم ترك، وإنما المقصود من ذلك تركه، يعني: عدم الاستمرار به، أي أنه يفعل ويترك؛ يفعل عند الحاجة ويترك عندما يحصل الدعاء وعندما يحصل الالتجاء إلى الله عز وجل، ولا يداوم عليه، وهذا معناه أن القنوت لا يلازم، ولا يداوم عليه، ولا يستمر عليه، وإنما يفعل عند النوازل ثم يترك، وقد أورد تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)]، ومحل الشاهد قوله: [(ثم تركه)]، يعني بعد الشهر، يعني: فعل ذلك شهراً، ثم بعد أن انتهى الشهر ترك.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[أخبرنا معاذ بن هشام].
وهو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وقد مر ذكره في بعض الأسانيد الماضية.
[عن قتادة].
وكذلك مر ذكره أيضاً.
[عن أنس].
أنس بن مالك، وقد مر ذكره.
شرح حديث أبي مالك الأشجعي: (صليت خلف النبي فلم يقنت ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن خلف وهو ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني، إنها بدعة)].أورد النسائي حديث طارق بن أشيم الأشجعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه صلى خلف رسول الله، وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، يعني صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف خلفائه الراشدين، فلم يحصل منهم القنوت، وقال: إنه بدعة، ومعنى هذا: أنه يحمل على أنه إما أن يراد أنه ما أدرك، أو أنه ما حضر معهم صلاة فيها قنوت، أو أنه يشير إلى أن البدعة هو المداومة والاستمرار على ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستمر، فهو يحتمل أن يكون أنه ما وافق أن صلى صلاة فيها قنوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع خلفائه الراشدين، أو أنه يريد بذلك التبديع إنما هو في الاستمرار والمداومة على القنوت في الصلوات، وأنه يكون بصفة دائمة، فهذا هو الذي هو خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه داوم على القنوت، وإنما كان يفعله في بعض الأحيان عندما يحصل أمر يقتضيه ويتركه، كما ذكرنا أنه قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب، أو أحياء من أحياء العرب، ثم ترك ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث أبي مالك الأشجعي: (صليت خلف النبي فلم يقنت ...)
قوله: [أخبرنا قتيبة]. وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن خلف وهو: ابن خليفة].
خلف وهو ابن خليفة، وهو صدوق اختلط في الآخر، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي مالك الأشجعي].
وهو سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي، وهو ثقة، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
وهو طارق بن أشيم الأشجعي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .




الساعة الآن : 09:23 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 231.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 230.71 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]