رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها، وحكاية كلامهم في ذلك قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة: إن في المهدي أحاديث جياداً. قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي قلت: ذكره العقيلي في كتابه، وقال: لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلا به، قال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه. انتهى. ويرى الإمام ابن حبان البستي المتوفى في سنة أربع وخمسين بعد الثلاثمائة: أن الأحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن، وهو حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم). قال: واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي (وأنه يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً). انتهى. وقال الخطابي المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد الثلاثمائة رحمه الله في الكلام على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة إلى آخره)، قال: (ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما) . ذكر ذلك الملا علي القاري . قال في شرح المشكاة: والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال، وهو في زمنهما، وذكر ذلك المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي في الكلام على شرح هذا الحديث. وقال الإمام البيهقي المتوفى سنة ثمان وخمسين بعد الأربعمائة بعد كلامه على تضعيف حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال: والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح ألبتة إسناداً، نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي راوي حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، ونقله عنه أيضاً ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف، وقد عقد القاضي عياض المتوفى سنة أربع وأربعين بعد الخمسمائة في كتابه الشفاء باباً لمعجزاته صلى الله عليه وآله وسلم يشتمل على ثلاثين فصلاً، قال في القسم الأول من كتابه المذكور: الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه صلى الله عليه وآله وسلم من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات. قال في أوئل الكلام في هذا الباب: أمنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربنا، وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد وأكثره مما بلغ الخط أو كاد، وأضفنا إليه بعض ما وقع في كتب مشاهير الأئمة. ثم قال في الفصل الثالث والعشرين: فصل: ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون، قال في أوله: والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره. وأورد في هذا الفصل جملة كبيرة من الأمور المستقبلة التي أخبر بها الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر من بينها خروج المهدي. وقال الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة واحد وسبعين بعد الستمائة في كتابه التذكرة في أمور الآخرة بعد ذكر حديث: (ولا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال: إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه. وقال: يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا مهدي إلا عيسى بن مريم)، أي: لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث. على القول بصحته يجمع بينه وبينها بأن يقال: لا مهدي كاملاً ومعصوماً إلا عيسى، فلا ينفي أن يكون غيره مهدي، ولكنه غير معصوم، وليس بكامل كالكمال الذي حصل لعيسى؛ لأنه نبي عليه الصلاة والسلام وغيره مثل المهدي الذي جاءت به الأحاديث لا يكون كذلك؛ لأنه من هذه الأمة ومن صلحائها ومن خيارها، (فلا مهدي)، أي: لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى بن مريم. وعلى هذا تجتمع الأحاديث، ويرتفع التعارض. نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة ثمانية وعشرين بعد السبعمائة في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية في الجزء الرابع: فصل: وأما الحديث الذي رواه -أي: الرافضي الذي ألف كتابه للرد عليه- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذلك هو المهدي)، فالجواب: أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود و الترمذي و أحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود : (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، ورواه الترمذي و أبو داود من رواية أم سلمة وفيه: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد ، وفيه: (يملك الأرض سبع سنين)، وروى عن علي رضي الله عنه: (أنه نظر إلى الحسن وقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطاً). وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف، طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجة عن يونس عن الشافعي و الشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له: محمد بن خالد الجندي ، وهو ممن لا يحتج به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إن الشافعي لم يسمعه من الجندي، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي. الثاني: أن الإثني عشرية الذين ادعوا أن هذا مهديهم فمهديهم اسمه محمد بن الحسن، والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتى لا يتناقض مع ما كذبت به. وطائفة حرفته وقالت: جده الحسين وكنيته أبو عبد الله، فمعناه: محمد بن أبي عبد الله، وجعلت الكنية اسماً، وممن سلك هذا: ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول، ومن له أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يفهم أحد من قوله: (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلا أن اسم أبيه عبد الله)، وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله؟! ثم أي تمييز يحصل له في هذا، فكم من ولد الحسين من اسمه محمد، وكل هؤلاء يقال في أجدادهم: محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا، وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسن فيقول: اسمه محمد بن عبد الله ويعني بذلك أن جده أبو عبد الله، وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن أبي الحسن؛ لأن جده على كنيته أبو الحسن أحسن من هذا وأبين لمن يريد الهدى والبيان. وأيضاً فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين، كما تقدم لفظ حديث علي رضي الله عنه، وقد عقد ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف فصلاً في الكلام على أحاديث المهدي وظهوره والجمع بينها وبين حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال فيه: فأما حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، فرواه ابن ماجة في سننه عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مما تفرد به محمد بن خالد. قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآجري في كتابه مناقب الشافعي: محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يأم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه. وقال البيهقي : تفرد به ذكر بعض ما قد يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي، والجواب عن ذلك أولاً: تقدم في أثناء كلام الأئمة الذين نقلت كلامهم أن حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، لا يتعارض مع الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لضعفه، ولا مكان للجمع بينها، ولو صح يكون معناه: لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وذلك لا ينفي أن يكون غيره مهدياً غير معصوم كالمهدي الذي دلت عليه الأحاديث. ثانياً: أن ما دلت عليه أحاديث المهدي من قيام المهدي بنصرة الدين وامتلاء الأرض في زمانه من العدل لا ينافيه وجود الدجال وأتباعه في زمانه ومعاداتهم للمسلمين، وكذا الأدلة الدالة على بقاء الأشرار مع الأخيار حتى تخرج الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى بعد ذلك إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة؛ لأن المراد مما جاء في أحاديث المهدي كثرة الخير، وقوة أهل الإسلام، وحصول الغلبة لهم وقهرهم لغيرهم، وهذا لا ينفي وجود أشرار مأمورين في زمانه، كما أننا نعتقد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاءه الراشدين رضي الله عنهم قد ملئوا الأرض عدلاً ومع ذلك كان في الأرض في زمانهم من أعدائهم الكثير قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]. ثالثاً: أن ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الأرض ظلماً وجوراً قبل خروجه لا يدل على خلو الأرض من أهل الخير قبل زمانه، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في أحاديث صحيحة بأنه: (لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله)، ومنها الحديث الذي رواه مسلم عن جابر : (أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله لهذه الأمة)، وهذه الأحاديث وأحاديث المهدي تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع، لكنه في بعض الأزمان يكون لأهله الغلبة ويحصل له الانتشار، كما في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين، وكما في زمن المهدي وعيسى بن مريم، وفي بعض الأزمان يتضاءل هذا الانتشار ويضعف أهله، أما أن الحق يتلاشى ويضمحل فهذا ما لم يكن فيما مضى منذ زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكون في المستقبل حتى خروج الريح التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه. فما من زمن في الماضي إلا وقد هيأ الله لهذا الدين من يقوم به، وفي هذا الزمن الذي تكالب أعداء الإسلام عليه، وغزي بأبنائه المنتسبين إليه أعظم من عزوه بأعدائه لم تخل الأرض من إقامة شعائر الدين الإسلامي، ومن ذلك ما امتن الله به على حكومة البلاد المقدسة من التوفيق لتحكيم الشريعة، وتعميم المحاكم الشرعية في مدن المملكة وقراها يتحاكم الناس فيها إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على وجه لا نظير له في سائر أنحاء الأرض فيما نعلم، فيرجم الزاني المحصن، ويجلد البكر، ويحد شارب الخمر، وتقطع يد السارق، ويقتل القاتل، وغير ذلك، وما حصل في هذه البلاد من الأمن الاستقرار ورغد العيش إنما هو من الثواب المعجل على القيام بالدين زادها الله من كل خير، وحماها من كل شر، ووفق المسلمين جميعاً في سائر أنحاء الأرض لما فيه عزهم وسعادتهم في دنياهم وأخراهم. لا علاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها المؤلفون، وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم من الأشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك، هي: حصول مقتضاها في آخر الزمان، ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند أهل السنة بالعقيدة الشيعية؛ فإن ما يعتقده الشيعة من خروج مهدي منتظر يسمى محمد بن الحسن العسكري من نسل الحسين رضي الله عنه لا حقيقة له ولا أصل، وعقيدتهم بالنسبة لمهديهم في الحقيقة عقيدة وهمية كما أن إمامة الأئمة الماضين عندهم في الحقيقة إمامة وهمية لا حقيقة لها ولا وجود إلا إمامة علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما، وهما بريئان منهم ومن اعتقادهم بلا شك، وأما أهل السنة ومعتقدهم في الماضي فهو حقيقة موجودة، وسادات الأئمة عندهم هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، وقد تولوا الإمامة حقاً وكانوا أحق بها وأهلها، ومعتقدهم في المستقبل عند نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم حقيقة ثابتة بلا شك أيضاً؛ فلا عبرة بقول من ليس له به علم، وقال: إن الأحاديث في المهدي لا تصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من وضع الشيعة كما تقدمت الإشارة إلى هذا. إذاً فأحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السنة يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها إلا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المحتج بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من الإيمان به صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3]، وداخل في الإيمان بالقدر فإن سبيل علم ما قدره الله أمران: أحدهما: وقوع الشيء: فكل ما ووقع علمنا أن الله قد شاءه؛ لأنه لا يكون ولا يقع إلا ما شاءه الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الثاني: الإخبار بالشيء الماضي الذي وقع، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل ما ثبت إخباره به من الأخبار في الماضي علمنا بأنه كان على خبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل ما ثبت إخباره عنه مما يقع في المستقبل نعلم بأن الله قد شاءه، وأنه لابد وأن يقع على وفق خبره، كإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وإخباره بخروج المهدي وبخروج الدجال، وغير ذلك من الأخبار. فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير نسأل الله السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. تعقيب لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى حول المهدي المنتظر الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فإنا نشكر محاضرنا الأستاذ الفاضل الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد على هذه المحاضرة القيمة الواسعة، فلقد أجاد فيها وأفاد، واستوفى المقام حقه فيما يتعلق بالمهدي المنتظر مهدي الحق، ولا مزيد على ما بسطه من الكلام، فقد بسط واعتنى وذكر الأحاديث، وذكر كلام أهل العلم في هذا الباب، وقد وفق للصواب، وهدي إلى الحق، فجزاه الله عن محاضرته خيراً، وجزاه الله عن جهوده خيراً، وضاعف له المثوبة وأعانه على التكميل والإتمام لرسالته في هذا الموضوع، وسوف نقوم إن شاء الله بطبعها بعد انتهائه منها؛ لعظم فائدتها، ومسيس الحاجة إليها. والخلاصة التي أعلقها على هذه المحاضرة القيمة أن أقول: إن الحق والصواب هو ما أبداه فضيلته في هذه المحاضرة كما بينه أهل العلم، فأمر المهدي أمر معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها كما حكاه الأستاذ في هذه المحاضرة، وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الموعود به أمره ثابت وخروجه حق، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، فإنه يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهداية وتوفيقاً وإرشاداً للناس، وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره وكما قال ابن القيم وغيره: فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها أخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده سواء كان صحيحاً لذاته أو لغيره، وسواء كان حسناً لذاته أو لغيره، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضاً فإنها حجة عند أهل العلم، فإن المقبول عندهم أربعة أقسام: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره، هذا ما عدا المتواتر، أما المتواتر فكله مقبول سواء كان تواتره لفظياً أو معنوياً، فأحاديث المهدي من هذا الباب متواترة تواتراً معنوياً فتقبل بتواترها من جهة اختلاف ألفاظها ومعانيها، وكثرة طرقها، وتعدد مخارجها. وقد نص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها وتواترها، وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك، والحق أن جمهور أهل العلم بل هو كالاتفاق على ثبوت أمر المهدي ، وأنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان، وأما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامهم في ذلك. وأما ما قاله الحافظ إسماعيل بن كثير رحمه الله في كتابه التفسير في سورة المائدة عند ذكر النقباء، وأن المهدي يمكن أن يكون أحد الأئمة الاثني عشر فهذا محل نظر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أمر هذه الأمة قائماً ما ولي عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، فقوله: (لا يزال أمر هذه الأمة قائماً)، يدل على أن الدين في زمانهم قائم، والأمر نافذ، والحق ظاهر، ومعلوم أن هذا إنما كان قبل انقراض دولة بني أمية، وقد جرى في آخرها اختلاف تفرق بسببه الناس، وحصل به نكبة على المسلمين، وانقسم أمر المسلمين إلى خلافتين: خلافة في الأندلس وخلافة في العراق، وجرى من الخطوب والشرور ما هو معلوم. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يزال أمر هذه الأمة قائماً)، ثم جرت بعد ذلك أمور عظيمة حتى اختل نظام الخلافة، وصار على كل جهة من جهات المسلمين أمير وحاكم، وصارت دويلات كثيرة، وفي زماننا هذا أعظم وأكثر، و المهدي حتى الآن لم يخرج فكيف يصح أن يقال: إن الأمر قائم إلى خروج المهدي، فهذا لا يمكن أن يقوله من تأمل ونظر، والأقرب في هذا كما قاله جماعة من أهل العلم: إن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث: (لا يزال أمر هذه الأمة قائماً ما ولي عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، مراده من ذلك الخلفاء الأربعة و معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد ، ثم عبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة و عمر بن عبد العزيز ، وهؤلاء اثنا عشر خليفة. والمقصود: أن الأئمة الاثني عشر في الأقرب والأصوب ينتهي عددهم بهشام بن عبد الملك ، فإن الدين في زمانهم قائم، والإسلام منتشر، والحق ظاهر، والجهاد قائم، وما وقع بعد موت يزيد من الاختلاف والانشقاق في الخلافة وتولي مروان في الشام وابن الزبير في الحجاز لم يضر المسلمين في ظهور دينهم؛ فدينهم ظاهر، وأمرهم قائم، وعدوهم مكبوت، مع وجود هذا الخلاف الذي جرى، ثم زال بحمد الله بتمام البيعة لعبد الملك واجتماع الناس بعدما جرى من الخطوب ما جرى على يد الحجاج وغيره، وبهذا يتبين أن هذا الأمر الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وقع ومضى وانتهى، وأما أمر المهدي فيكون في آخر الزمان، وليس له تعلق بحديث جابر بن سمرة . وأما كون المهدي يكون عند نزول عيسى فقد قال ابن كثير في الفتن والملاحم: أظنه يكون عند نزول المسيح، والحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة يرشد ويدل على هذا؛ لأنه قال: (أميرهم المهدي) فهو يرشد إلى أنه يكون عند نزول عيسى بن مريم كما يرشد إليه بعض روايات مسلم وبعض الروايات الأخرى، لكن ليست بالصريحة، فهذا هو الأقوم والأظهر، ولكنه ليس بالأمر القطعي. وأما كونه سيخرج ويوجد في آخر الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أمر معلوم، والأحاديث ظاهرة في ذلك، والحق كما قاله الأئمة والعلماء في ذلك: أنه لابد من خروجه وظهوره، وأما أمر المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام وأمر المسيح الدجال فأمرهما أظهر وأظهر، فالأمر فيهما قطعي, وقد أجمع على ذلك علماء الأمة، وبينوا للناس أن المسيح نازل في آخر الزمان، كما أن الدجال خارج في آخر الزمان، وقد تواترت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها صحيحة متواترة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وحكمه بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وقتله الدجال مسيح الضلالة، فهذا حق، وهكذا خروج الدجال حق. وأما من أنكر ذلك وزعم أن نزول المسيح بن مريم ووجود المهدي إشارة إلى ظهور الخير، وأن وجود الدجال ويأجوج ومأجوج وما أشبه ذلك إشارة إلى ظهور الشر، فهذه أقوال فاسدة بل باطلة في الحقيقة لا ينبغي أن تذكر، فأهلها قد حادوا عن الصواب وقالوا أمراً منكراً وخطيراً لا وجه له في الشرع، ولا وجه له في الأثر ولا في النظر، والواجب تلقي ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بالقبول والإيمان به والتسليم، فمتى صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم، كما قال الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر عن الدجال، وعن المهدي، وعن عيسى المسيح بن مريم، فوجب تلقي ما قاله بالقبول، والإيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة. أسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه، والثبات على الحق حتى نلقى ربنا سبحانه وتعالى. وأعود أيضاً فأشكر فضيلة الأستاذ على محاضرته القيمة الواسعة، وأسأل الله له المعونة على الإتمام والإكمال حتى تطبع وتنتشر فينتفع بها الناس، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. هذه كلمة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله التي علق بها على المحاضرة بعد إلقائها، وهي واضحة في بيان و إيضاح ما ذكره العلماء من أن أحاديث المهدي متواترة تواتراً معنوياً، وأن القول بخلاف ذلك أنه من الشذوذ، وأنه قول شاذ مخالف لما عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [483] الحلقة (514) شرح سنن أبي داود [483] أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون من الملاحم والفتن العظيمة في آخر الزمان، وذكر طريق النجاة من هذه الفتن، وهذا من نصحه لأمته، حيث لم يترك آخرها من النصح والهداية لما فيه خيرهم وعزهم في الدنيا والآخره. ما يذكر في قرن المائة شرح حديث: ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الملاحم. باب ما يذكر في قرن المائة. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري عن أبي علقمة عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). قال أبو داود : رواه عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني لم يجز به شراحيل ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الملاحم، والملاحم جمع ملحمة وهي المقتلة الكبيرة، والمراد به الاقتتال الذي يكون بين المسلمين وبين أعدائهم من الروم وغيرهم، وسميت ملاحم لالتحام الناس فيها بعضهم ببعض في الاقتتال، وكثرة القتل، فلهذا قيل لها الملاحم. وأورد أبو داود بعد ذلك باباً في قرن المائة، يعني ما جاءت به السنة من بيان أن الدين يكون تجديده على رأس كل مائة سنة، وأن الله يهيئ لهذه الأمة من يجدد لها دينها، وذلك ببيان الحق، ودفع الباطل، ونصر الحق وأهله، والدفاع عن السنة وأهلها. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أي: أن الله يهيئ العلماء والولاة الذين يقومون بإظهار الحق ونشره وبيانه، ودحض الباطل والقضاء عليه، والمقصود بذلك تجديد ما اندرس من الدين، وإلا فإن الدين وافٍ وكامل، فالمقصود تجديد ما اندرس منه بسبب ما حصل من فتن وضلالات وانحراف عن الجادة، فيهيئ الله من أهل العلم من يقوم ببيان الحق ونصرته والذب عنه، ومن يقوم ببيان الباطل والتحذير منه وبيان ضرره وخطره، وهذا من فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن يهيئ لها من يقوم بنصرة الدين، فلا يمضي قرن من القرون إلا ويهيئ الله من يقوم بنصرة الدين، وهذا يدل على أن الأرض لا تخلو لله من قائم بحجته، وأن هذا الدين منصور وأهله منصورون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله). ولا شك أن المجددين موجودون، وهم على علم بالكتاب والسنة، وعلى بصيرة بالحق والهدى، وليس عندهم انحراف في العقيدة ولا في مخالفة السنة والعدول عنها، فهم متمسكون بها وداعون إليها، وليس كل من يدعى أنه من المجددين يسلم له، وبعضهم لا شك أنه مسلم به مثل عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، و الشافعي على رأس المائة الثانية، ولكن لا يسلم بكل من يدعى أنه من المجددين، فإن بعض الناس يذكر مجددين على مشربه وعلى طريقته ولو كانوا من أهل البدع والانحراف، أو كانوا معروفين بعدم التوفيق للحق في باب أسماء الله وصفاته، وذلك من المشتغلين بعلم الكلام، فمثلاً أبو الأعلى المودودي له كتاب اسمه (المجددون في الإسلام) وجعل من المجددين الجويني و الرازي و الباقلاني! فهؤلاء هم المجددون عنده، ولم يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ولا ابن القيم ولا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مع أنه لم يذكر المجددين في كل سنة، فقد ذكر المجددين في رأس المائة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ثم انتقل إلى التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرةَ والثالثة عشرة، ولا شك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه مجدد في زمانه، وقد نفع الله به، وأظهر الله الحق على يديه، ولا تزال آثار دعوته ونصحه وتجديده لما درس من الدين موجودة، وقد مضى على موته أكثر من مائتين سنة. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب وقبله وشيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم من أعلام الهدى، ومن أئمة الهدى، وممن أظهر الله بهم الحق، وقمع بهم البدع، ولا تزال آثارهم ماثلة وموجودة نراها ونشاهدها في تلك المؤلفات الواسعة التي فيها بيان الحق وتوضيحه، وقمع الباطل ودحضه. هذا ولا مانع من وجود أكثر من مجدد في رأس كل مائة سنة. [ قال أبو داود : رواه عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني لم يجز به شراحيل ]. معناه أنه حذف واسطتين وهما أبو علقمة و أبو هريرة، وهذا الإسناد يسمى معضلاً؛ فسقوط اثنين فأكثر من الإسناد بشرط التوالي يقال له: معضل. تراجم رجال إسناد حديث ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شراحيل بن يزيد المعافري ]. شراحيل بن يزيد المعافري صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم في المقدمة و أبو داود. [ عن أبي علقمة ]. ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة, وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. [ قال أبو داود : رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ]. عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. علامات المجددين المجددون يتميزون ويبرزون ويتقدمون ويتفوقون على غيرهم، ويشار إليهم بالبنان بتفوقهم، ويرجع الناس إليهم لكثرة علمهم وبذلهم العلم وإفادتهم لغيرهم، ومعلوم أنهم في كل زمان قليلون، وإن كان المشتغلون بالعلم كثيرين، فإن التميز على الغير لا يتحقق لكل أحد، فمثلاً شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه متميز في هذا الزمان عن غيره، ولا يبارى ولا يجارى في اشتغاله بالعلم والنصح وبذل العلم ونشره والحرص على الدعوة وهداية الخلق ودلالتهم على الصراط المستقيم، وكما تميز الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه في هذا الزمان تميز كذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، والشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله عليه، فالذين يتميزون قليلون بالنسبة لغيرهم، وإن كان الخير كثيراً، والمشتغلون بالعلم كثيرين، ولكن الذين لهم تميز على غيرهم ليسوا بكثيرين. فهؤلاء الأئمة الثلاثة: ابن باز و ابن عثيمين و الألباني رحمهم الله يعتبرون مجددي هذا القرن، فهم خير من نعلم وأعلم من نعلم من الموجودين في هذا الزمان، وقد ماتوا قبل سنتين رحمهم الله. وأما من يقول: إن مجدد القرن الماضي هو حسن البنا و سيد قطب فهذا غير صحيح. وليس كل من أحيا سنة من السنن قد اندثرت ونسيت يعد مجدداً؛ لأنه قد يوجد في بلد من البلدان سنن اندثرت فيحييها عالم، ولا يقال: إنه هو المجدد الذي ينطبق عليه الحديث؛ لأن المجدد لا يكون مجدداً لمسألة واحدة أو لقضية واحدة اندثرت، وإنما المقصود أن يتميز بكثرة النفع وكثرة الخير والتبصير بالحق والهدى والتحذير من طرق ومسالك الردى. وهذا الحديث فيه دلالة على عدم خلو الأرض من مجتهد وقائم لله بحجته، ولا بأس أن يوجد من عالم تجديد جزئي، فيقال: مجدد في المنطقة الفلانية أو البلد الفلاني. ملاحم الروم شرح حديث ( ستصالحون الروم صلحاً آمناً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يذكر من ملاحم الروم. حدثنا النفيلي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: مال مكحول و ابن أبي زكريا إلى خالد بن معدان وملت معهم فحدثنا عن جبير بن نفير عن الهدنة قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مخبر رضي الله عنه -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-، فأتيناه فسأله جبير عن الهدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة) ]. أورد أبو داود باب ما يذكر من ملاحم الروم، يعني: الملاحم التي تكون بين المسلمين وبين الروم، وأورد أبو داود حديث ذي مخبر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن صلح بين المسلمين وبين الروم، فيقاتل المسلمون والروم عدواً، فينتصرون على ذلك العدو ويغنمون ويرجعون، وبينما هم نازلون في مكان يقول أحد النصارى: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدق الصليب ويكسره، فعند ذلك تغدر الروم وتنقض الهدنة، ويجمعون لقتال المسلمين. قوله: [ (ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول) ]. المرج هو: المكان الذي فيه العشب وفيه الخصب، والتلول هي: أماكن مرتفعة عن وجه الأرض، فقوله: (ذي تلول) جمع تل. قوله: [ (فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب) ]. يرفع رجل من النصارى الصليب الذي يعبده، وهو رمز للنصارى على عيسى الذي هو معبودهم مع الله، ويجعلونه ثالث ثلاثة، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدق ذلك الصليب الذي رفعه ويكسره، فعند ذلك تغضب الروم ويغدرون ويتركون العهد الذي بينهم وبين المسلمين. قوله: [ (وتجمع للملحمة) ]. يعني: للاقتتال بينهم وبين المسلمين. تراجم رجال إسناد حديث ( ستصالحون الروم صلحاً آمناً...) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرجه له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عيسى بن يونس ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسان بن عطية ]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن معدان ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ذي مخبر ]. صحابي أخرج له أبو داود و ابن ماجة . وهذا الحديث لا يدل على جواز الاستعانة بالكفار في القتال؛ لأنه إخبار عن أمر سيكون، وليس كل ما يخبر عن حصوله في المستقبل يكون مأذوناً فيه أو مشروعاً، وإنما هذا إخبار بالواقع. شرح حديث: ( ستصالحون الروم صلحاً آمناً...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو عن حسان بن عطية بهذا الحديث وزاد فيه: (ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون؛ فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة)، إلا أن الوليد جعل الحديث عن جبير عن ذي مخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: (أنه يثور المسلمون فيقتتلون هم والروم في تلك الملحمة، ويكرم الله تلك العصابة بالشهادة). قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ]. مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عمرو عن حسان بن عطية بهذا الحديث ]. أبو عمرو هو الأوزاعي جاء هنا بكنيته، وقد مر بنسبته، و حسان بن عطية مر ذكره. [ إلا أن الوليد جعل الحديث عن جبير عن ذي مخبر ]. أي: جعله عن جبير عن ذي مخبر وليس عن أبيه. [ قال أبو داود : ورواه روح و يحيى بن حمزة و بشر بن بكر عن الأوزاعي كما قال عيسى ]. أي: كما قال عيسى في الطريق الأولى. وروح بن عبادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. أمارات الملاحم شرح حديث ( عمران بيت المقدس خراب يثرب ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أمارات الملاحم. حدثنا عباس العنبري حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال، ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ثم قال: إن هذا لحق كما أنك هاهنا أو كما أنك قاعد) يعني: معاذ بن جبل ]. أورد أبو داود باب أمارات الملاحم، والأمارات هي: العلامات، وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمران بيت المقدس خراب يثرب) يعني: حصول العمران لبيت المقدس يكون علامة على خراب المدينة في آخر الزمان. قوله: (وخراب يثرب خروج الملحمة) يعني: علامة على الملحمة، وهي الاقتتال الذي يكون بين المسلمين والكفار، وهذا هو محل الشاهد. قوله: (وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال) يعني: كل علامة هي علامة للتي وراءها، فعمران بيت المقدس علامة على خراب المدينة، وخراب المدينة علامة على خروج الملحمة، وخروج الملحمة علامة على فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية علامة على خروج الدجال، وقد جاء في الأحاديث أن المسلمين عندما يغزون القسطنطينية ويعلقون سيوفهم في الزيتون يأتيهم آت فيقول: إن الدجال خلفكم في أهليكم فيرجعون ويكون كذباً، ثم يأتيهم الخبر بعد ذلك ويكون صدقاً. قوله: [ (ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه) ]. (ثم ضرب بيده) يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم (على فخذ الذي حدثه)، وهو معاذ ، أو معاذ ضرب على فخذ الذي حدثه به، وهو مالك بن يخامر الراوي عنه. قوله: [ ثم قال: (إن هذا لحق كما أنك ههنا أو كما أنك قاعد) ]. هذا تأكيد لحصول هذا الخبر، وأنه كما أن وجودك لا شك فيه، فإن هذا الخبر حق، وهذا مثل قوله تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23]. تراجم رجال إسناد حديث: ( عمران بيت المقدس خراب يثرب ...) قوله: [ حدثنا عباس العنبري ]. عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ]. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن مكحول ]. مكحول الشامي وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مالك بن يخامر ]. مالك بن يخامر مخضرم، ويقال: له صحبة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: (عمران بيت المقدس خراب يثرب) المراد بالعمران العمارات بتشييد بنيانها وكونها آهلة بالسكان، وليس المراد بخراب يثرب كثرة الفساد فيها، فإذا كان المقصود بالعمران حقيقته بتشييد البناء وكثرة السكان فيكون مقابله إهمال المدينة وقلة ساكنيها. والمدينة كانت تسمى يثرب، ولكن الرسول كره تسميتها بذلك لأن فيه ما يدل على معنى التثريب. والقسطنطينة قد فتحت، وهي اسطنبول، وهذا الذي في الحديث فتح آخر؛ لأنه في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن المسلمين بعد أن يفتحوها يعلقون سيوفهم بالزيتون، فيأتيهم آت فيقول: إن الدجال خلفكم في أهليكم، فيرسلون عشرة فوارس يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، فيكون ذلك كذباً، ثم يأتي الخبر بعد ذلك ويكون صدقاً). والمدينة يأرز الإيمان إليها، وخرابها يكون في آخر الزمان، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء لابد أن يكون، وكوننا ندعو بحراسة المدينة وحفظها لا يخالف ما يحصل في آخر الزمان من خلل ونقص فيها، وإذا كان الخراب من ناحية العمران فالأمر لا إشكال فيه. تواتر الملاحم شرح حديث: ( الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تواتر الملاحم. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عيسى بن يونس عن أبي بكر بن أبي مريم عن الوليد بن سفيان الغساني عن يزيد بن قطيب السكوني عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الملحمة الكبرى، وفتح القسطنطينية، وخروج الدجال في سبعة أشهر) ]. قوله: باب تواتر الملاحم يعني: تتابع الملاحم وكثرتها، وقد أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر)، ومحل الشاهد كون الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية فيهما قتال، فهما ملحمتان في سبعة أشهر، وهي مدة وجيزة، ولكن هذا الحديث ضعيف، ففي سنده ضعيف ومجهول ومقبول. وكأن الملحمة الكبرى هي غير فتح القسطنطينية. تراجم رجال إسناد حديث ( الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. مر ذكره. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. مر ذكره. [ عن أبي بكر بن أبي مريم ]. أبو بكر بن أبي مريم ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن الوليد بن سفيان الغساني ]. مجهول أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن يزيد بن قطيب السكوني ]. مقبول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي بحرية ]. أبو بحرية هو عبد الله بن قيس ، ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن معاذ بن جبل ]. مر ذكره. شرح حديث ( بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح المصري الحمصي حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن ابن أبي بلال عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج المسيح الدجال في السابعة). قال أبو داود هذا أصح من حديث عيسى ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الملحمة وفتح المدينة -أي: فتح القسطنطينية- ست سنين، وفي السنة السابعة يخرج الدجال)، وهذا يخالف الحديث المتقدم الذي فيه أنها في سبعة أشهر، وهذا الحديث أصح من حديث عيسى المتقدم. تراجم رجال إسناد حديث ( بين الملحمة وفتح المدينة سبع سنين ) قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ]. حيوة بن شريح الحمصي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ حدثنا بقية ]. بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن بحير ]. بحير بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن خالد ]. خالد بن معدان مر ذكره. [ عن ابن أبي بلال ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن بسر ]. عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه بقية وهو مدلس وقد عنعن، وفيه أيضاً هذا المقبول وهو ابن أبي بلال ، لكن لاشك أنه أصح من الحديث المتقدم من حيث الإسناد، ولا يعني ذلك أنه يكون صحيحاً، لكن هو أحسن، وكما يقال: بعض الشر أهون من بعض، وكلا الحديثين ضعفهما الألباني . تداعي الأمم على الإسلام شرح حديث: ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تداعي الأمم على الإسلام. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر قال: حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟! قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) ]. أورد أبو داود : باب تداعي الأمم على الإسلام، يعني: على أهل الإسلام، والمقصود من ذلك أن الكفار يتداعون على المسلمين، ويكون لهم القوة والغلبة، ويكون المسلمون معهم كالطعام الذي يتداعى عليه الأكلة من كل جانب. أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)، الأكلة جمع آكل ككاتب وكتبة، (على قصعتها) أي: على الطعام الذي يحيط به الأكلة ويتناولونه، ويكون شأن المسلمين مثل ذلك الطعام الذي تداعى عليه أكلته. قوله: (قال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟) يعني: هل يتداعون علينا لقلتنا؟ (قال لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل) يعني: هذه الكثرة لا قيمة لها والسبب في ذلك هو عدم القيام بما أوجب الله عز وجل على المسلمين من إظهار الدين، فتغلب عليهم الأعداء، وأصاب المسلمين من أعدائهم الذل بعد أن كان الكفار يهابون المسلمين، وهذا الحديث منطبق تماماً على هذا الزمان، والمسلمون اليوم عددهم كثير جداً، ولكنهم مشتغلون بالدنيا، وحريصون على الدنيا، وخائفون من الموت، فصاروا يخافون من أعدائهم، وأعداؤهم لا يخافون منهم. لكن لا يعني هذا أنه ما حصل إلا في هذا الزمان، فقد يكون حصل في الماضي وكذلك يحصل في المستقبل، لكن المشاهد المعاين اليوم أنه حاصل. قوله: [ (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) ]. يعني: لا يكون لكم هيبة. تراجم رجال إسناد حديث: ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ]. عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو الملقب دحيم ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر ]. بشر بن بكر مر ذكره. وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو عبد السلام ]. قال الحافظ : لا يعرف اسمه مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. والحديث صححه الألباني، ولعله لمجيئه من طرق، ومعناه مشاهد معاين كوضوح الشمس في رابعة النهار. المعقل من الملاحم شرح حديث: ( فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المعقل من الملاحم. حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ابن جابر قال: حدثني زيد بن أرطأة قال: سمعت جبير بن نفير يحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام) ]. ذكر أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب في المعقل من الملاحم، يعني: المكان الذي فيه المعتصم وفيه الأمن والسلامة من الملاحم. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء مرفوعاً: (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام). قوله: (فسطاط المسلمين) كأن قوة المسلمين في ذلك الوقت تكون في الشام، والغوطة في دمشق موجودة بهذا الاسم إلى الآن. تراجم رجال إسناد حديث: ( فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة ) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن حمزة ]. يحيى بن حمزة مر ذكره. [ عن ابن جابر حدثني زيد بن أرطأة ]. زيد بن أرطأة ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ سمعت جبير بن نفير عن أبي الدرداء ]. جبير بن نفير مر ذكره، و أبو الدرداء هو عويمر صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة ) [ قال أبو داود : حدثت عن ابن وهب قال: حدثنا جرير بن حازم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح)، وهذا الحديث إسناده هنا منقطع، وقد رواه الحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في تخريج المشكاة، ولعله صححه من إسناد الحاكم المتصل. تراجم رجال إسناد حديث: ( يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة ) قوله: [ حدثت عن ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمر ]. هو العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس عن الزهري قال: وسلاح قريب من خيبر ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن عنبسة ]. عنبسة بن خالد صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود. [ عن يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الأثر مقطوع. ارتفاع الفتنة في الملاحم شرح حديث: ( لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ارتفاع الفتنة في الملاحم. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا إسماعيل قال: ح وحدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن سوار حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر الطائي -قال هارون في حديثه- عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين: سيفاً منها، وسيفاً من عدوها) ]. أورد المصنف باب في ارتفاع الفتنة في الملاحم، ولعل المقصود من ذلك أنه لا يحصل للمسلمين بسبب الملاحم الانقراض أو الضرر الذي يحدق بهم ويحيط بهم، وإنما يحصل لهم فتنة وضرر جزئي، ومن قتل منهم يكون شهيداً، ومن بقي منهم فإنه يبقى ويعيش على خير. والحديث الذي أورده أبو داود هو حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين: سيفاً منها) يعني: من المسلمين (وسيفاً من عدوها) أي: من الكفار، والمقصود بسيف الكفار الاستئصال، وهو الذي سبق بيانه في الحديث: (سألت الله عز وجل ألا يهلك أمتي بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً) وهذا السيف قد وجد، والسيف الذي من الكفار هو كونهم يغزون المسلمين ويتسلطون عليهم، فهذا ليس هو المنفي، وإنما المنفي هو الاستئصال كما جاء في الحديث المتقدم: (ألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم)، فالإسلام باق ولن يندثر ولن ينتهي، بل هو مستمر إلى أن تخرج الريح اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ويبقى شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، حتى لا يقال فيهم: الله، فعند ذلك تقوم عليهم الساعة، وهم شرار الخلق، وأما قبل ذلك فإن الحق باق، وأهله موجودون، ولن يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وأمر الله هو تلك الريح التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة. تراجم رجال إسناد حديث: ( لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين... ) قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو ابن عياش ، وهو صدوق في روايته عن الشاميين، وضعيف في غيرهم، أخرج له البخاري في جزء رفع اليدين وأصحاب السنن. [ قال: ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الحسن بن سوار ]. الحسن بن سوار صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن سليم ]. سليمان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن جابر الطائي ]. يحيى بن جابر الطائي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال هارون في حديثه: عن عوف بن مالك ]. عوف بن مالك رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [484] الحلقة (515) شرح سنن أبي داود [484] لقد نهى الشرع الحكيم عن تهييج بعض الأقوام الذين يكون في تهييجهم شراً على الإسلام والمسلمين كالترك والحبشة، فهلاك الكعبة وضياع كنزها يكون على يدي رجل من الحبشة يقال له: ذو السويقتين، وذلك في آخر الزمان. وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة لن تقوم حتى تظهر آيات قبلها، ومن هذه الآيات ما هي مألوفة للبشر كالدجال وعيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج؛ لأن هؤلاء بشر، ومنها ما هو غريب ولا عهد للناس بها، وهناك خلاف بين العلماء في ترتيب وقوع هذه الآيات. النهي عن تهييج الترك والحبشة شرح حديث: (دعوا الحبشة ما ودعوكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة. حدثنا عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن السيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا التُّرْك ما تركوكم) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة، والترك هم: جيل من الناس في الجهة الشرقية، وقد وردت الأحاديث في ذكر صفاتهم وأنهم عراض الوجوه، صغار العيون، دلف الأنوف، وجوههم كأنها المجان المطرقة، وليس المقصود بهم ما اشتهر في هذا الزمان من الأتراك في تركيا، وقد يكون هؤلاء من جملتهم، ولكن المقصود بهم خلق من الناس هذه صفاتهم وهم في الشرق، ويذكرون في بعض التراجم: وهو من الترك، أو: وهو من بلاد الترك. والحبشة هم: جيل من الناس في إفريقيا، وهي بلد النجاشي . وقوله في الترجمة: تهييج، التهييج: هو الإثارة، وقد نهي عن تهييج الترك والحبشة. ثم أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم)، والتَّرْك والودع بمعنى واحد، وقد ذكر التَرْك مع التُرك، ومعناه: اتركوهم ما تركوكم، وودع: فعل ماض، ومضارعه يدع، وأمره دع، وهو قليل الاستعمال في الماضي، وأما المضارع والأمر منه فكثير. وقد جاء في القرآن والسنة الأمر بقتال الكفار مطلقاً، وهذا الحديث فيه الأمر بتركهم مدة تركهم، أي: اتركوهم ما داموا تاركين لكم، وإذا اعتدوا عليكم فالدفاع أمر مطلوب، قال بعض أهل العلم: إن هذا مخصص للنصوص الدالة على قتال الكفار مطلقاً؛ وذلك لشدة بأسهم وقوتهم وحقدهم الشديد على المسلمين. تراجم رجال إسناد حديث: (دعوا الحبشة ما ودعوكم...) قوله: [ حدثنا عيسى بن محمد الرملي ]. عيسى بن محمد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا ضمرة ]. هو ضمرة بن ربيعة ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن السيباني ]. هو يحيى بن أبي عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن أبي سكينة ]. مختلف في صحبته، وقد ذكر الشيخ الألباني أنه روى عنه ثلاثة من التابعين، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. هو مبهم غير معين، ومعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم المجهول فيهم في حكم المعلوم، وليسوا كغيرهم يحتاجون إلى معرفة أحوالهم وثقتهم وعدالتهم أو ضعفهم؛ لأن الله تعالى أثنى عليهم، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم لا يحتاجون مع ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين؛ ولهذا أشار العلماء إلى أن الشخص إذا كان معروفاً بالصحبة فيكتفي بأن يقال عنه: إنه صحابي، فلا يتكلمون عنه، ولا يبينون شيئاً عن حاله، بل يكفيه شرفاً أن يقال عنه: صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان له منقبة وفضيلة خاصة كأن يكون بدرياً أو من أهل بيعة الرضوان أو أي صفة من الصفات التي فيها زيادة فضل فإنهم يضيفون إلى الصحبة ما يوضح ذلك بأن يقولوا: صحابي شهد بدراً، أو صحابي من أهل بيعة الرضوان، ونحو ذلك، وأما أن يقال عنه: ثقة أو نحو هذا، فهذا لا يوجد، وليس من دأب العلماء المصنفين في الرجال أن يقولوا عن صحابي: ثقة؛ لأن من وثقه الله ورسوله وأثنى عليه الله ورسوله لا يحتاج إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين بعد الثناء العظيم من الله عز وجل ومن رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا لا تضر الجهالة فيهم، فإذا قيل: عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، أو عن رجل صحب النبي عليه الصلاة والسلام فإن ذلك كافٍ في الاعتماد على ذلك القول إذا كان الإسناد إليه صحيحاً، وأما من دون الصحابي فجهالته تؤثر، وقد ذكر الخطيب البغدادي في (الكفاية) أن كل راوٍ من رواه الإسناد لابد من معرفة حاله وصفته وعدالته أو ضعفه إلا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يحتاجون إلى ذلك. وهذا الحديث صححه الألباني ، وله شواهد. قتال التُّرْك شرح حديث: ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتال الترك. حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - عن سهيل -يعني: ابن أبي صالح - عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر) ]. وقد أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في قتال الترك، يعني: أن المسلمين يقاتلون هؤلاء الترك، وقد أورده المصنف في كتاب الملاحم؛ لأن هذا من جملة ما يكون من الاقتتال بين المسلمين وبين أعدائهم الكفار. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك)، ثم ذكر صفاتهم فقال: (قوماً وجوههم كالمجان المطرقة) يعني: عراض فيها نتوء، والمجن هو الترس الذي يصنع للوقاية من السهام، وسمي المجن مجناً من الجُنّة وهي الوقاية؛ لأن الإنسان يستخدمه ليتقي به وصول السهام إليه أو إلى رأسه أو وجهه. وقوله: (المطرقة) قيل: إنه يضاف إلى المجن جلد، فيكون ذلك المجن عريضاً مع وجود الجلود التي يغطيه، والمراد تشبيه نتوء وجناتهم بهذا المجان المطرقة. قوله: [ (يلبسون الشعر) ]. قيل: هي النعال التي فيها الشعر، وكذلك يلبسون الثياب التي من الشعر؛ لأن بلادهم باردة فهم بحاجة إلى استعمال الصوف والشعر من أجل الدفء. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ...) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلْخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني ]. هو يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري عنه مقرونة. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح السمان ، اسمه: ذكوان ولقبه السمان ، ويقال له أيضاً: الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن، و السمان نسبة إلى مهنة بيع السمن والزيت، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الاطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (لا تقوم الساعة حتى لا يقاتل المسلمون الترك) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة و ابن السرح وغيرهما قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية، -قال ابن السرح : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال- (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين، ذلف الأنف، كأن وجوههم المجان المطرقة) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلون قوماً نعالهم الشعر) يعني: أنهم يتخذون النعال من الجلود وشعرها عليها. [ (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين، دلف الأنف) ]. يعني: أن صفة هؤلاء أن نعالهم الشعر، وهم صغار الأعين، وذلف الأنف، فهؤلاء هم هؤلاء، فقد سبق في الحديث السابق أن وجوههم كالمجان المطرقة، وأن لباسهم الشعر، فقوله: (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين) ليسوا صنفاً آخر، ولكنه ذكرهم أولاً بتلك الصفة وهي لبس النعال من الشعر، ثم ذكرهم بقوله: (صغار الأعين). وقوله: (ذلف الأنف) قيل: فيها غلظ مع انبطاح، فليست بارزة وإنما فيها انبطاح، وهذه غير حسنة في الأنوف. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا قتيبة و ابن السرح ]. قتيبة مر ذكره ، و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. مر ذكره. قال أحد الشيخين -وهو قتيبة - رواية، أي: أنه لم يذكر صيغة تحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يذكر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، وإنما قال: رواية، وهي محتملة لوجوه متعددة، فيحتمل أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. ثم ذكر المصنف أن ابن السرح قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال، أي: ذكر الصيغة التي جاءت عن أبي هريرة في تحديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من عناية المحدثين ودقتهم في المحافظة على الألفاظ. ومن أمثلة ذلك ما يذكره أبو داود رحمه الله من ذكر الفرق بين التعبير بالنبي والرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قال أحد الشيوخ في إسناده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقال الثاني: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، فإنه يبين ذلك، مع أنه لا فرق بين النبي والرسول هنا؛ لأن المقصود به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام. شرح حديث: ( يقاتلكم قوم صغار الأعين ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث: (يقاتلكم قوم صغار الأعين -يعني: الترك-، قال: تسوقونهم ثلاث مرار حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، فأما في السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون) أو كما قال ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث قتال الترك: (تسوقونهم ثلاث مرار) يعني: أن المسلمين يسوقون الترك ثلاث مرار إلى جزيرة العرب، وكل واحدة مستقلة عن الثانية، ثم في الثالثة يصطلمون يعني: يستأصلون، ومعناه: يقضى عليهم. ثم قال الراوي: أو كما قال، وهذا يشعر بأن الحديث ليس متحققاً منه بهذه الألفاظ، وإنما هو بالمعنى، ولهذا قال: أو كما قال، وهذه العبارة يؤتى بها عندما يكون الإنسان غير جازم باللفظ، ولكنه يفهم المعنى وأتى بالمعنى. وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث بعكس ما ذكر هنا، وهو أن الترك هم الذين يسوقون المسلمين، ولعله هو الأقرب، من جهة أن الترك يأتون من خارج الجزيرة، ويسوقون المسلمين إلى الجزيرة، فاللفظ الذي جاء في مسند الإمام أحمد هو بعكس هذا، وهو الأقرب والأظهر. وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا قد وقع، وإن المقصود بهم التتار الذين حصل منهم ما حصل من الفتن والفساد في سنة 656هـ التي حصل فيها سقوط بغداد، وقتل فيها خلق كثير من المسلمين، ومعلوم أن التتار من الترك، وقد جاءوا من الجهة الشرقية، فيحتمل أن التتار هم المعنيون في الحديث، ويحتمل أن يكون شيئاً آخر في آخر الزمان، والله تعالى أعلم. وهذه الصفات تنطبق الآن على شعوب الصين واليابان، ويعتبرون من الترك لكونهم من الجهة الشرقية. تراجم رجال إسناد حديث: ( يقاتلكم قوم صغار الأعين ) قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي ]. جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا خلاد بن يحيى ]. خلاد بن يحيى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي. [ حدثنا بشير بن المهاجر ]. بشير بن المهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. بريدة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولعله بسبب الراوي الذي قيل عنه: لين الحديث. ذكر البصرة شرح حديث: ( ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ذكر البصرة. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي حدثنا سعيد بن جمهان حدثنا مسلم بن أبي بكرة قال: سمعت أبي رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة، عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر، يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين). قال ابن يحيى : قال أبو معمر : (وتكون من أمصار المسلمين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر، فيتفرق أهلها ثلاث فرق: فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم، وهم الشهداء) ]. أورد أبو داود باب في ذكر البصرة، والبصرة المقصود بها هذه المدينة المشهورة التي أسسها عتبة بن غزوان رضي الله عنه ومصّرها وجعلها مصراً من أمصار المسلمين، وذلك في خلافة عمر ، وسميت البصرة لأنها كانت أرضاً فيها حصباء، والأرض الحصبة يقال لها: بصرة بتثليث الباء، ولكن المشهور هو الفتح، والنسبة إليها بَِصري بفتح الباء وكسرها، وقيل: المقصود بها بغداد، ففيها مكان قريب. منها يقال له: البصرة، وبغداد هي التي حصل مجيء التتار إليها، وكل من بغداد والبصرة لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فأما البصرة فقد وجدت في زمن عمر ، وأما بغداد فقد وجدت في زمن العباسيين، وهم الذين أسسوها وجعلوها مقراً للخلافة بعد دمشق في الشام. وهذا الحديث إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عما سيكون؛ لأن كلاً من المدينتين سواء كانت هذه أو هذه لم تكن موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة) ]، الغائط هو: المكان المطمئن من الأرض. قوله: (يكون عليه جسر، يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين) ]. يعني: تلك المدينة تكون من أمصار المهاجرين، وفي الرواية الأخرى: (المسلمين). قوله: [ (فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء) ]. (بنو قنطوراء) هم الترك، وقد ذكر صفاتهم التي مرت في الأحاديث السابقة. قوله: [ (فيتفرق أهلها ثلاث فرق) ]. يعني: أهل البصرة يتفرقون ثلاث فرق. قوله: [ (فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية) ]. يعني: يذهبون إلى البراري يرعون الغنم والإبل، ويبحثون عن العيش وعن الربح، ويتركون الجهاد ومقاتلة الأعداء. قوله: [ (وفرقه يأخذون لأنفسهم وكفروا) ]. أي: يقبلون الأمان من بني قنطوراء. قوله: [ (وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون، وهم الشهداء) ]. يعني: يجعلون ذراريهم وراءهم ويقاتلون بأنفسهم حتى يحموا ذراريهم، وهؤلاء هم الشهداء، يعني: من قتل منهم فهو شهيد. والأتراك الموجودين الآن في تركيا اشتهروا بهذه النسبة (أتراك)، والنسبة إليهم تركي، وليسوا هم المقصودين في هذه الأحاديث، فالمقصود الأتراك الذين في الجهات الشرقية، وقد يكون هؤلاء الذين في تركيا أصلهم منهم، فيكونون قد جاءوا من الجهة الشرقية واستقروا في هذا المكان. وقد حصل الاقتتال بين المسلمين والتتار في سنة 656هـ، وقد يحصل أيضاً في آخر الزمان. وبصرى الشام هي غير البصرة، فبصرى هي من الشام، وأما البصرة فهي من العراق. تراجم رجال إسناد حديث: ( ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة... ) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الدهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن جمهان ]. سعيد بن جمهان صدوق له أفراد، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا مسلم بن أبي بكرة ]. مسلم بن أبي بكرة صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ سمعت أبي ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث الصحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( يا أنس! إن الناس يمصرون أمصاراً، وإن مصراً منها يقال له البصرة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الصباح حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا موسى الحناط لا أعلمه إلا ذكره عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (يا أنس ! إن الناس يمصرون أمصاراً، وإن مصراً منها يقال له: البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أنس ! إن الناس يمصرون أمصاراً) يعني: أنهم ينشئونها وتكون أمصاراً، وهي جمع مصر، وهو محل سكنى ومدن وقرى، وأما مصر الذي هي علم على البلاد المعروفة، فيقال لها: مصر، وأما هذه فيقال لها: أمصار والمفرد مصر، وقوله: (يمصرون) يعني: يجعلونها بلاداً، وتكون أمصاراً. قوله: [ (وإن مصراً منها يقال له: البصرة أو البصيرة) ]. يعني: مكبر ومصغر. قوله: [ (فإن أنت مررت بها، أو دخلتها فإياك وسباخها، وكلاءها وسوقها، وباب أمرائها)]. السباخ هي: الأماكن التي تكون فيها ملوحة ولا تمسك الماء، والكلاء على وزن كتاب، والمقصود بذلك ما كان على شاطئ النهر، وهو الموضع التي تربط فيه السفن. قوله: [ (وسوقها) ]. يعني مكان البيع والشراء فيها. قوله: [ (وباب أمرائها) ]. يعني: لا يتبع الأمراء ولا يكون معهم، وذلك إشارة إلى ما عندهم من الظلم والجور. قوله: [ (وعليك بضواحيها) ]. يعني: أطرافها، وقيل: المقصود من ذلك العزلة، فالإنسان لا يكون مع أهلها وإنما يكون في ضواحيها في عزلة، كأن يكون في البراري التي حولها. قوله: [ (فإنه يكون خسف وقذف ورجف) ]. الخسف هو سقوط أو هبوط شيء في الأرض، فيدخل من كان على ظهرها في بطنها؛ بسبب ذلك الخسف والهبوط. والقذف قيل: المقصود به قذف بالحجارة أو نحوها تأتي من السماء. والرجف: هو الزلزلة شديدة. تراجم رجال إسناد حديث: ( يا أنس! إن الناس يمصرون أمصاراً، وإن مصراً منها يقال لها: البصرة ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن الصباح ]. عبد الله بن الصباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ]. عبد العزيز بن عبد الصمد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا موسى الحناط ]. موسى الحناط ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن موسى بن أنس ]. موسى بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: ( إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم قال: سمعت أبي يقول: انطلقنا حاجين فإذا رجل، فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها: الأبلة؟ قلنا: نعم، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول: هذه لأبي هريرة ؛ سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم). قال أبو داود : هذا المسجد مما يلي النهر ]. قوله: [ انطلقنا حاجين، فإذا رجل ]. هذا الرحل هو أبو هريرة . قوله: [ فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها: الأبلة؟ قلنا: نعم، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول: هذه لأبي هريرة ]. فهذه قصة بين يدي الحديث. قوله: [ سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم) ]. هذا فيه عظيم شأن هؤلاء الذين يبعثون من هذا المسجد، ولكن هذا الحديث ضعيف، وفيه نكارة من جهة طلب الصلاة وإهداء ثوابها لأبي هريرة ، فهذا غير معروف عن السلف، ولم يثبت في الأحاديث شيء يدل عليه وخاصة فيما يتعلق بالصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: ( إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم ]. إبراهيم بن صالح بن درهم فيه ضعف، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. وثقه ابن معين ، وأخرج له أبو داود . [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي، وهو ضعيف. النهي عن تهييج الحبشة شرح حديث ( اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: النهي عن تهييج الحبشة . حدثنا القاسم بن أحمد البغدادي حدثنا أبو عامر عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه و على آله وسلم أنه قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم) وهذا مطابق لما تقدم في الحديث الأول: (اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم) ، فالودع والتَّرْك معناهما واحد. قوله: [ (اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) ] هذا إخبار عن شدة بأسهم، ففي آخر الزمان يكون هذا الرجل منهم، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ذو السويقتين ، وهو تثنية ساق بتصغير الساق، وهذا يدل على أن الساق مؤنثة؛ لأن التاء دخلت عليها في حال التصغير، وقد جاء في الحديث أن هذا الرجل يهدم الكعبة ويقلعها حجراً حجراً. تراجم رجال إسناد حديث ( اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين ... ) قوله: [ حدثنا القاسم بن أحمد البغدادي ]. القاسم بن أحمد البغدادي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو عامر ]. هو عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زهير بن محمد ]. زهير بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن جبير ]. موسى بن جبير مستور، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ]. اسمه أسعد ، قيل: له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو صحابي بن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعيف؛ فيه راو مستور وآخر مقبول، ولكن له شاهد فيما يتعلق بذكر ذي السويقتين من الحبشة في الصحيحين. وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: حَرَمًا آمِنًا [القصص:57]؛ حيث يستثنى منه هذه الصورة في آخر الزمان. أمارات القيامة شرح حديث: ( إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: أمارات القيامة. حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة قال: (جاء نفر إلى مروان بالمدينة فسمعوه يحدث في الآيات أن أولها الدجال، قال: فانصرفت إلى عبد الله بن عمرو فحدثته فقال عبد الله : لم يقل شيئاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، أو الدابة على الناس ضحىً، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها). قال عبد الله -وكان يقرأ الكتب-: وأظن أولهما خروجاً طلوع الشمس من مغربها ]. أورد أبو داود باب: أمارات الساعة، أي: العلامات القوية التي إذا جاءت فإن الساعة تكون على وشك القيام، وللساعة علامات كثيرة، فمنها ما هي قريبة من قيامها، ومنها ما هي بعيدة من قيامها ولكنها دليل على قربها، والعلامات التي هي قريبة منها هي العلامات الكبرى، والتي دونها يقال لها: العلامات الصغرى، ومنها ما مضى ومنها ما سيأتي. قوله: (فسمعوه يحدث في الآيات أن أولها الدجال) أي: آيات قيام الساعة، والآية هي العلامة، فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو فقال: لم يقل شيئاً، يعني: لم يقل شيئاً يعتد به، أو يعول عليه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، أو الدابة على الناس ضحى، فأيتهما خرجت فإن الأخرى على أثرها) أي: أنها قريبة منها، وقد شك هنا في أيتهما أول هذه أو هذه، ولكن آية واحدة منهما تأتي فإن الأخرى على أثرها، والذي يظهر من كلام عبد الله بن عمرو وقوله: أول الآيات، أن المقصود بها الآيات التي هي غريبة ولا عهد للناس بها، وأما الدجال، وعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويأجوج ومأجوج، فهي آيات مألوفة؛ لأن هؤلاء بشر، وأما الشيء الغريب الذي يكون خارجاً عن مألوفهم فهو خروج الشمس من مغربها، وكذلك الدابة التي لا عهد للناس بها تكلمهم، ويحصل منها ما جاء في الكتاب والسنة. إذاً: فالأولية التي جاءت في حديث عبد الله بن عمرو هي أولية بالنسبة للآيات الغريبة التي لا عهد للناس بنوعها وجنسها، وأما الدجال، ويأجوج ومأجوج، وعيسى عليه الصلاة والسلام، والمهدي ، فهؤلاء كلهم بشر من بني آدم، ويعرفون من جنس ما يعرفه الناس، وأما خروج الشمس من مغربها، وخروج الدابة فهذا شيء غير مألوف، وليس من جنس ما يشاهدون. ومعلوم أن الدجال وعيسى بن مريم و المهدي يكونون في زمن واحد، فقد جاء في الحديث: أن عيسى يصلي وراء المهدي ، ثم بعد ذلك يذهب إلى الدجال ويقتله بباب لدّ، ثم بعد ذلك يخرج يأجوج ومأجوج بعد قتل الدجال. قوله: [ قال عبد الله : وكان يقرأ الكتب ]. يعني أن عبد الله كان يقرأ من كتب بني إسرائيل؛ ولهذا قالوا عنه: إنه إذا جاء عنه شيء من الأخبار ولم يسندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكون لها حكم الرفع، فالصحابي إذا حدث وأخبر بشيء ليس للرأي فيه مجال، وهو من الأمور التي لا تقال بالرأي، ولم يكن معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فإنه يكون له حكم الرفع، وإن كان معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات فلا يكون له حكم الرفع؛ لأنه يحتمل أن يكون من هذا القبيل وليس مما تحمله من رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: ( إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها... ) قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حيان التيمي ]. هو يحيى بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي زرعة ]. هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. شرح حديث: ( لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و هناد المعنى، قال: مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا فرات القزاز عن عامر بن واثلة رضي الله عنه -وقال هناد : عن أبي الطفيل - عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: (كنا قعوداً نتحدث في ظل غرفة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرنا الساعة، فارتفعت أصواتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لن تكون أو لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال، وعيسى بن مريم، والدخان، وثلاثة خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك تخرج نار من اليمن من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أنهم قال: كنا في ظل حجرة من حجر النبي صلى الله عليه وسلم نتذاكر الساعة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنها لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها...) وهذا الترتيب في الحديث ليس هو الترتيب الفعلي، وقد بدأ بقوله: (طلوع الشمس من مغربها)، وهي ليست أول شيء من هذه العشرة ولكنها -كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو - أول الآيات الغريبة العجيبة التي ليست مما يألفه الناس. قوله: [ (وخروج الدابة) ]. وهي التي جاء ذكرها في القرآن: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]. قوله: [ (وخروج يأجوج ومأجوج) ]. وخروجهم يكون بعد خروج الدجال في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (والدجال وعيسى بن مريم) ]. عيسى بن مريم عليه السلام ينزل من السماء. قوله: [ (والدخان) ]. وهي علامة من العلامات. قوله: [ (وثلاثة خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب) ]. الخسف هو هبوط في الأرض، فيدخل من على ظهرها في جوفها؛ بسبب هذا الهبوط الذي حصل. قوله: (وآخر ذلك نار تخرج من اليمن من قعر عدن) ]. هي مدينة معروفة في اليمن، وهذه هي العلامة العاشرة. قوله: [ (تسوق الناس إلى المحشر) ]. أي: إلى الشام، وهو المكان الذي يجتمع فيه الناس في نهاية الدنيا، وهي أرض المحشر في الدنيا. تراجم رجال إسناد حديث ( لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات... ) قوله: [ حدثنا مسدد و هناد ]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ، و هناد بن السري ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ قال مسدد : حدثنا أبو الأحوص ]. هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا فرات القزاز ]. فرات القزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن واثلة ]. عامر بن واثلة أبو الطفيل صحابي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وقال هناد : عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد ]. أي: أن شيخ أبي داود الثاني وهو هناد عبر عن أبي الطفيل بكنيته، وأما مسدد فعبر عنه باسمه، فقال: عامر بن واثلة . [ عن حذيفة بن أسيد ]. حذيفة بن أسيد صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث: ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا محمد بن الفضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها فذاك حين: (لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها)؛ لأنهم رأوا شيئاً خرج عن المعتاد، بخلاف خروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج المهدي، ونزول عيسى بن مريم، فهذا الزمن يوجد فيه المسلمون والكفار، وأما إذا خرجت الشمس من مغربها فإن الناس سيعلمون بالحقيقة، فهم قد رأوا هذا الشيء الخارج عن المألوف، وهي من العلامات السماوية التي في السماء العلوية؛ فعند ذلك يؤمن الناس، وحينئذ في هذه الحالة لا ينفع الإيمان، ومثلها قبل نهاية الدنيا إذا بلغت الروح الحلقوم، ففي ذلك الوقت أيضاً لا تنفع التوبة ولا ينفع الإيمان كما حصل لفرعون، فإنه لما أدركه الغرق قال: أسلمت! تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. هو أحمد بن أبي شعيب الحراني أحمد بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن الفضيل ]. محمد بن الفضيل بن غزوان ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة ]. هو عمارة بن القعقاع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي زرعة ]. قد مر ذكره. [ عن أبي هريرة ] قد مر ذكره. حسر الفرات عن كنز شرح حديث: ( يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في حسر الفرات عن كنز. حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثني عقبة بن خالد السكوني حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب حسر الفرات عن كنز، يعني: انكشافه بحيث يظهر كنز فيه، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (يوشك أن يحسر الفرات عن كنز، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً)، وقد جاء في بعض الروايات: (جبل من ذهب) وهذا يدل على كثرته، وسمي كنزاً باعتبار أنه قد اندفن، ثم يظهر بعد ذلك فيؤمه الناس ويقتتلون عليه، وهذا من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور المستقبلة، ولا بد أن تقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يقع حتى الآن ولكنه لابد أن يقع، وما يظنه بعض المعاصرين من أن هذا الكنز هو البترول فهذا غير صحيح؛ لأن البترول ليس بذهب، وإن كان الناس في هذا الزمان يقولون عنه: الذهب الأسود، لنفاسته، ولأنه يأتي بالذهب، إلا أنه لا يقال له: ذهب؛ لأن الذهب شيء جامد أصفر، والبترول سائل، وليس بذهب، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كنز، وأن الفرات يحسر عنه، وأن الناس يقتتلون عليه، فيهلك تسعة وتسعون في المائة، وينجو واحد في المائة، ويكون عند الناس في ذلك الوقت شدة وحرص على الدنيا، فهم يعلمون بأن نسبة الهلاك تسعة وتسعون، ونسبة النجاة واحد في المائة، ومع ذلك يقدم أحدهم ويقول: لعلي أن أكون أنا الواحد في المائة! وهذا يدل على شدة الحرص على الدنيا في ذلك الوقت، ومعلوم أن هذا لم يقع، ولكنه لا بد أن يقع؛ لأن ما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام لا بد من وقوعه، وأما بترول العراق فإنه ما حصل اقتتال عليه، وما حصل أن الناس أموه ليأخذوه فهلك منهم تسعة وتسعون في المائة ونجا واحد في المائة، فلم يحصل شيء من هذا، فهذه الأدلة تدل على بطلان هذا القول الفاسد، وهو قول من قال: إن المقصود به بترول العراق! وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من حضره ألا يأخذ منه شيئاً. تراجم رجال إسناد حديث: ( يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب... ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ]. عبد الله بن سعيد الكندي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عقبة بن خالد السكوني ]. عقبة بن خالد السكوني صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله ]. هو عبيد الله العمري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب بن عبد الرحمن ]. خبيب بن عبد الرحمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفص بن عاصم ]. حفص بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً. شرح حديث: (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثني عقبة -يعني ابن خالد - قال: حدثني عبيد الله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله، إلا أنه قال: (يحسر عن جبل من ذهب) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي مثل ما تقدم إلا أنه قال: (يحسر الفرات عن جبل من ذهب)، وهناك قال: (عن كنز) ولا تنافي بينهما، فهو كنز من ذهب، وهو جبل، ووصفه بأنه جبل يدل على كثرته. وقد يكون على شكل جبل في هيئته، لكنه ليس جبلاً مثل الجبال الكبيرة؛ لأنه ينحسر عنه الفرات، فلعله يكون كوماً كبيراً من ذهب يشبه الجبل. تراجم رجال إسناد حديث: (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثني عقبة -يعني: ابن خالد - حدثني عبيد الله عن أبي الزناد عن الأعرج ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [485] الحلقة (516) شرح سنن أبي داود [485] إن من علامات الساعة الكبرى خروج المسيح الدجال، وهو أعظم فتنة عرفتها البشرية؛ لذا فما من نبي من الأنبياء إلا وحذر أمته هذه الفتنة العظيمة. وقد بين وأوضح لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوصافه غاية الإيضاح وأتم البيان، فذكر أوصافه الجسمية وعلاماته الخلقية، وذكر مدة بقاءه، ومكان خروجه، ونوع فتنته، وماذا يحمل معه، ومن يتبعه، وما هي الأمور التي تعصم منه، وكيف تكون نهايته، وكل هذا قد جاءت به الأحاديث الصحاح. فهذا البيان من الأنبياء لأممهم هو من غاية النصح والحب منهم صلوات الله وبركاته عليهم لأممهم. خروج الدجال شرح حديث ( إن مع الدجال بحراً من ماء ونهراً من نار ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب خروج الدجال. حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش قال: (اجتمع حذيفة و أبو مسعود رضي الله عنهما فقال حذيفة : لأنا بما مع الدجال أعلم منه إن معه بحراً من ماء ونهراً من نار، فالذي ترون أنه نار ماء، والذي ترون أنه ماء نار، فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يرى أنه نار فإنه سيجده ماء. قال أبو مسعود البدري : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول) ]. أورد أبو داود باب خروج الدجال، والدجال هو رجل من بني آدم، وقيل له: الدجال مبالغة في وصفه بالدجل والكذب والتمويه؛ ولهذا يقال عن الشخص الذي يعرف بالكذب: دجال؛ مبالغة في دجله وكذبه، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ويحصل به فتنة عظيمة هي من أعظم الفتن، ويسير في الدنيا بسرعة، ويكون معه أمور خارقة للعادة فيفتن بها الناس، فيعصم الله تعالى من يعصم، ويفتن من يفتن بذلك الرجل، وقد تواترت الأحاديث فيه في الصحيحين وفي غيرهما، وهي تدل على أنه لا بد أن يقع ذلك، ويكون خروجه قبل خروج يأجوج ومأجوج، وهو في زمن عيسى وزمن المهدي ، وقد جاء في الحديث أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلف المهدي ، ثم يخرج ويقتل الدجال بباب لد، فمسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل مسيح الضلالة المسيح الدجال، والأحاديث في ذلك ثابتة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وأورد أبو داود جملة من تلك الأحاديث أولها حديث حذيفة و أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنهما، يقول حذيفة : (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) والضمير في منه: يرجع إلى الدجال، وقد جاء في صحيح مسلم أن الذي قال ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله تعالى أعلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما يكون مع الدجال أكثر مما يعلم الدجال ما يكون معه، وذكر أنه يكون معه جنة وهي في الحقيقة نار، ونار وهي في الحقيقة جنة، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يقرب ماءه؛ لأنه نار، وليقرب النار فإنها ماء في باطن الأمر. وسياق الحديث هنا يدل على أن هذا لفظ حذيفة، ولكن جاء في صحيح مسلم أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو مسعود البدري في نفس هذا الحديث: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) وإذا كان حذيفة قاله كما في هذا الإسناد، فمعنى ذلك أنه يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك مبنياً على ما علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متحقق من أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، فهو يؤمن ويصدق به، وهو تابع للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العلم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم. وسمي عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح لأنه يمسح بيده على الأكمه والأبرص فيشفى بإذن الله، فهو مسيح بمعنى ماسح، وأما الدجال فهو مسيح بمعنى ممسوح، فهو ممسوح العين، أو لكونه يمسح الأرض بسرعته في أربعين يوماً كالغيث إذا استدبرته الريح، كما جاء في الحديث. وظاهر الحديث أن النار والماء يجتمعان معه ويسيران معه في كل مكان. تراجم رجال إسناد حديث ( إن مع الدجال بحراً من ماء ونهراً من نار ) قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. الحسن بن عمرو صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة و أبي مسعود ]. حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و أبو مسعود هو: عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. يطوف الدجال الأرض ويمسح الأرض، ويخرج من خلة بين الشام والعراق، ومعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان كما جاء في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم . شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب، ألا وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوباً كافر) ]. أورد أبو داود حديث أنس مرفوعاً: (ما من نبي إلا وقد أنذر أمته المسيح الدجال) يعني: أنه قد يخرج فيهم، فلم يكونوا يعلمون وقت خروجه، ولكنهم يعلمون أنه خارج، ولهذا أنذروا أممهم من ذلك، ومنهم نوح عليه الصلاة والسلام فقد أنذر أمته المسيح الدجال، والرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر كان يظن أنه سيكون في وقته، ثم بعد ذلك جاءت النصوص الدالة على تأخره عن وقته وعن زمانه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في أحاديث الدجال من أنه يكون في آخر الزمان، وأن عيسى بن مريم ينزل من السماء ويقتله مع ما جاء من إنذار الأنبياء أممهم، وتحذيرهم من فتنته، فإن هذا مبني على أنهم لم يكونوا يعلمون متى يكون خروجه، وكانوا يظنون أنه قد يخرج في زمانهم؛ ولهذا حذروا أممهم منه ومن فتنته. قوله: [ (إلا قد أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب) ]. فهو أعور، أي: أن إحدى عينيه عوراء، وهو دجال صاحب كذب. قوله: [ (ألا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) ]. فهو يأتي الناس بخوارق، فبعض الناس يسلب منه عقله فيتابع الدجال لما يرى معه من الشيء الذي أقدره الله عليه، ولما يظهر منه من التمويه والدجل، فيفتن الناس به، وهو يزعم أنه إله، وفي وجهه العلامة الدالة على أنه ناقص، فكيف يكون إلهاً وهو لا يقدر أن يكمل النقص الذي فيه؟!! فهو أعور ولا يستطيع أن يتخلص من هذا العور، والله عز وجل ليس بأعور. وبهذا الحديث استدل أهل السنة على أن لله عينين تليقان بكمال الله وجلاله كما في سائر الصفات، فكلها من باب واحد، فكون الله له عينان والمخلوق له عينيان لا يدل على التشابه والتماثل، بل الأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فكل صفة لله عز وجل تثبت له ويعتقد معها أنه: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]، فتثبت إثباتاً مع التنزيه، فأهل السنة مثبتة وليسوا معطلة، ومع إثباتهم ليسوا مشبهة، بل هم مثبتة منزهة، والإثبات والتنزيه قد جاءا في هذه الآية الكريمة من سورة الشورى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فله سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار، وكذلك يقال في جميع الصفات. قوله: [ (وإن بين عينيه مكتوباً كافر) ]. هذا يدل على بطلان ما معه وأن كل ما معه إنما هو تمويه على الناس، وأنه لا يكون إلهاً، وفيه ذلك النقص وتلك الكتابة التي على وجهه بأنه كافر، فكيف يكون مع ذلك إلهاً؟!! ومع ذلك فيصدقه بعض الناس بأنه إله؛ لما معه من الخوارق التي لم يألفها الناس!!. تراجم رجال إسناد حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال... ) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال ) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة : (ك ف ر) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه أنه مكتوب ك ف ر ، يعني: كاف فاء راء، أي: متفرقة، ومعناه أنه كافر، وهذا دليل على كفره. قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن البصري ، ثقة،أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر البصري الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. مر ذكره. قراءة المسلم القارئ وغير القارئ للكتابة التي بين عيني الدجال وغير المسلم لا تظهر له هذه الكتابة كما دل عليه هذا الحديث، يقول الحافظ : وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراها الكافر، فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون التعلم؛ لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات. ويقول النووي : الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك. شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال ) من طريق ثالثة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: (يقرؤه كل مسلم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه أن (كافر) المكتوب على وجهه (يقرؤه كل مسلم) أي: سواء كان قارئاً أو غير قارئ، فيمكن الله عز وجل غير القارئ من القراءة لتلك الكتابة التي على وجه الدجال. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . وعبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعيب بن الحبحاب ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن أنس ]. مر ذكره، وهذا الإسناد أيضاً رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. شرح حديث ( من سمع بالدجال فلينأ عنه ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثنا حميد بن هلال عن أبي الدهماء قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات) . هكذا قال ]. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه) أي: فليبتعد عنه وليهرب منه، ولا يقول: أنا مؤمن وعندي إيمان، فإنه يحصل بسبب ما معه من الفتن والخوارق شك وريبة، وقد يزول ما مع الإنسان من اليقين. وقد جاء أن الدجال ينزل إحدى السباخ التي حول المدينة، فترجف المدينة فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وأما المؤمنون فلا يذهبون إليه، فالابتعاد عن الفتنة أمر مطلوب. قوله: [ (فو الله! إن الرجل ليأته وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه لما يبعث به من الشبهات) ]. يعني: يظن الإنسان أنه يسلم من فتنته، ولكن إذا رأى تلك الأمور المهولة الخارقة للعادة تغير عما كان عليه من اليقين، ووقع في الفتنة، وإذا ابتعد عنه ولم يتصل به ولم يقربه، فإن ذلك أسلم له. ويستفاد من هذا الحديث الابتعاد عن أهل البدع ومجالستهم؛ لكونهم دجاجلة، وخوفاً من شبهاتهم، فالإنسان الذي ليس عنده بصيرة قد يتأثر بما عندهم من الفصاحة والبلاغة إلا من عصم الله، ولهذا فالابتعاد عنهم أمر مطلوب. والحكمة من خروج الدجال أن يتبين الموفق من المخذول، ويتبين من هو قوي الإيمان ممن هو ضعيف الإيمان. تراجم رجال إسناد حديث ( من سمع بالدجال فلينأ عنه ) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد مر ذكره. [ حدثنا حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الدهماء ]. وهو قرفة العدوي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( ...إن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج جعد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية قال: حدثني بحير عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليس بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) . قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ]. قوله: [ (إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا) ]. يعني: أنه أكثر من ذكره حتى خشي ألا يعوا كل الكلام الذي قاله لهم لكثرته، ثم إنه بين شيئاً من أخباره ومن صفاته في هذا الحديث. قوله: [ (إن مسيح الدجال رجل قصير) ]. هذا يدل على أنه رجل من بني آدم، وهو قصير ليس بالطويل، وهو مع قصره عظيم الخلقة كما في بعض الأحاديث. قوله: [ (أفحج) ]. أي: أن هناك تباعداً بين رجليه عند المشي. قوله: [ (جعد) ]. أي: أن شعره ليس بالسبط. قوله: [ (أعور مطموس العين) ]. أي: أنه فاقد إحدى العينين. قوله: [ (مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء) ]. أي: ليست بارزة ولا غائرة داخلة، وإنما هي بين ذلك. قوله: [ (فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) ]. يعني: أنه يدعي الألوهية فلا يفتنن أحداً بدعواه وبدجله وكذبه وتمويهه، والدليل على كذبه موجود في وجهه، وهو أنه أعور، وهذا نقص، ولو كان إلهاً لكمّل نفسه ولم يكن فيه هذا العيب والخلل. تراجم رجال إسناد حديث ( ...إن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج جعد...) قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ حدثني بحير ]. هو بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن خالد بن معدان ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الأسود ]. عمرو بن الأسود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جنادة بن أبي أمية ]. مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبادة بن الصامت ]. صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ]. هذا بيان شيء من أخبار هذا الرجل الذي في الإسناد، وهو أنه ولي القضاء. شرح حديث ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي المؤذن حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر قال: حدثني يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه أنه قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنها جواركم من فتنته، قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فقلنا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره، ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله) ]. أورد أبو داود حديث النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن يخرج الدجال وأنا فيكم فأنا حجيجه)، وهذا كان في أول الأمر، فإنه لم يكن يعلم الوقت الذي سيخرج فيه, وأنه آخر الزمان، فكان يحذر منه كما كان الأنبياء السابقون يحذرون منه أممهم، فلم يكونوا يعلمون متى خروجه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أُخبر بعد ذلك بأنه سيخرج في آخر الزمان، وأخبر عما سيكون بعده وما سيكون قبله في آخر الزمان. قوله: [ (وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه) ] أي: هو الذي يدافع عن نفسه، وهو الذي يسعى لإنقاذ نفسه. قوله: [ (والله تعالى خليفتي على كل مسلم) أي: أنه يدعو الله أن يحفظهم ويرعاهم ويكلؤهم. قوله: [ (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنها جواركم من فتنته) ]. يعني: أمان لكم من فتنته، ومعلوم أن الإنسان إذا صار في جوار فلان فإنه يأمن بجواره من أن يعتدي عليه أحد؛ لأنه نزل في جوار فلان، فيكون آمناً بسبب هذا الجوار، فلا يعتدي عليه أحد، فالمعنى من قرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها أمان من فتنته، أي: جوار من فتنته، قيل: ولعل ذلك لأن سورة الكهف فيها قصة أصحاب الكهف، وما أخبر الله عز وجل عنهم من تلك الأمور الخارقة للعادة، وأنهم مكثوا نياماً ولم تتغير أجسادهم ثلاثمائة وتسع سنين، والله تعالى على كل شيء قدير، فالإنسان إذا قرأ هذه القصة وتذكر معانيها يعرف حقيقة تلك الأمور التي تكون معه، ويسلم من فتنته بإذن الله. قوله: [ (قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً) ]. يعني: مدة بقائه في الأرض بعد خروجه أربعون يوماً، قال: (يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة) أي: والباقي وهي سبعة وثلاثون يوماً كأيامنا، وهذه أيضاً من الأمور الخارقة التي تكون في ذلك الزمان، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلاة: كيف نصلي؟ وهل يكفينا خمس صلوات في اليوم والليلة في هذا اليوم الذي طوله سنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (اقدروا له) يعني: صلوا الصلوات الخمس على الهيئة التي كنتم تصلون، بمعنى أنكم تصلون الفجر، ثم تقدرون مدة ما كنتم تصلون الظهر، وهكذا، فتكون هذه السنة بعدد الأيام إلا أنها بمثابة يوم واحد، فالشمس موجودة، والناس يشاهدونها، وتمكث سنة كاملة لا تغرب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يحصل منهم التقدير ليعرفوا مقدار ما بين كل صلاتين، فإذا صلوا الصلاة ينتظرون حتى يمضي مدة ما بينها وبين التي تليها ثم يصلونها، وهكذا حتى يمضي هذا اليوم الذي مقداره سنة، ومثله اليوم الذي كشهر، ومثله اليوم الذي كجمعة، فكلها على نفس التقدير، ويعمل مثل هذا أي إنسان محبوس في مكان لا يعرف فيه ليلاً ولا نهاراً، ولا يعرف شمساً ولا قمراً، فإنه يقيم صلاته بالتقدير على هذه الطريقة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك بعض الأماكن التي تكون الشمس فيها موجودة مدة طويلة من الزمان، فإنهم يعملون ما جاء في حديث الدجال. قوله: [ (ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيدركه عند باب لد فيقتله) ]، وهذا يدل على أن خروج الدجال قبل نزول عيسى، والمنارة البيضاء شرقي دمشق هو المكان الذي ينزل فيه عيسى من السماء، وكانت هذه المنارة موجودة منذ أزمان متباعدة، ولكن لا يعني هذا أن المنارة التي هي موجودة الآن هي التي سينزل عندها، بل قد تذهب هذه المنارة وتبنى منارة أخرى، فالله تعالى أعلم بما يكون في المستقبل، وهذه المنارة لا بد أن تكون موجودة، وإذا كانت غير موجودة الآن فلابد وأن توجد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد أنها بيضاء وليس لها لون آخر، وإنما تكون بيضاء على هذا الوصف الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في شرقي دمشق، فلا تكون في جهة أخرى من دمشق. تراجم رجال إسناد حديث ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ) قوله: [ حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ]. صفوان بن صالح الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا الوليد ]. الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن جابر الطائي ]. ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن النواس بن سمعان الكلابي ]. النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عيسى بن محمد حدثنا ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وذكر الصلوات مثل معناه ]. ذكر المصنف حديث النواس بن سمعان في خروج الدجال ثم أورد بعده حديث أبي أمامة وقال: إنه بمعناه، أي: بمعنى حديث النواس بن سمعان، وقال فيه: وذكر الصلوات مثل معناه، أي: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلوات في تلك الأيام التي فيها يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وكيف يصلون؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقدروا للصلوات بحيث يصلون الفجر ثم يمكثون مقدار المدة التي بين الفجر وبين الظهر ثم يصلون الظهر، ثم يحسبون المدة التي بين الظهر والعصر ثم يصلون العصر، ثم يحسبون المدة التي بين العصر والمغرب ثم يصلون المغرب، ثم يحسبون المدة التي بين المغرب والعشاء ثم يصلون العشاء، ثم يحسبون المدة التي بين العشاء إلى طلوع الفجر .. وهكذا، ففي ذلك اليوم الذي هو كسنة يصلي الناس على هذا التقدير، وليس المراد أن يصلوا خمس صلوات في ذلك اليوم الذي يعادل سنة. وسؤال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك يدل على حرصهم على معرفة الأحكام الشرعية، وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم، وما يحتاجون إليه، ويدل أيضاً على عظيم شأن الصلاة عندهم وحرصهم عليها واهتمامهم بها، فهم رضي الله عنهم وأرضاهم السباقون والحريصون على كل خير، وهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين. تراجم رجال إسناد حديث (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عيسى بن محمد ]. هو عيسى بن محمد الرملي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ضمرة ]. هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن السيباني ]. وهو يحيى بن أبي عمرو، ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن عبد الله ]. عمرو بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي أمامة ]. هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال). قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال). والحديث الذي مر فيه أنه يقرأ عليه فواتح سورة الكهف، ومعلوم أن الإنسان الحافظ يتمكن من القراءة حيث شاء ومتى أراد، بخلاف الذي لا يحفظ فإنه لا يتيسر له ذلك إلا أن يكون المصحف أمامه يقرأ فيه، وأما إذا كان الإنسان حافظاً فهو في أي وقت وفي أي حال يستطيع أن يقرأ القرآن، سواءً كان نائماً أو قائماً أو جالساً، وسواءً كان في ظلام أو في نور؛ لأنه حافظ للقرآن في صدره، فذكر الحفظ والقراءة، ومعلوم أن الحفظ يكون به التمكن من حصول القراءة متى شاء الإنسان ومتى أراد. إذاً: فالمراد من حفظها وقرأها، وقد مر أن من وجده أو أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإن ذلك جوار له، أي: أمان له من فتنة الدجال، كما سبق أن مر الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الروايات أنه يقرأ خواتيم سورة الكهف، ولكن الروايات التي في الفواتح أكثر وأصح، ومنها حديث النواس بن سمعان الذي مر قبل حديث أبي الدرداء . الأول لفظه: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، والآخر: (من حفظ من خواتيم)، والأول هو أرجح. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معدان بن أبي طلحة ]. معدان بن أبي طلحة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. هو عويمر رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) ]. هشام بن أبي عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الاختلاف في رواية هشام الدستوائي لحديث فواتح سورة الكهف ورد في صحيح مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه -وهو هشام الدستوائي- عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) . بينما نجد هنا عند أبي داود قال: وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) . فهشام الدستوائي و همام كلاهما اتفقا في إسناد هذا الحديث عن قتادة عن أبي الدرداء ، لكن اختلفا في متن الحديث، فقال همام في روايته: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، وقال هشام : (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وتابع هشاماً شعبة فقال: عن قتادة من آخر الكهف، هذا هو معنى كلام المؤلف، وهو مخالف لما في صحيح مسلم ، فإن مسلماً أخرجه في فضائل القرآن بقوله: حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) . وحدثنا محمد بن المثنى و ابن بشار قالا: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة ح وحدثنا زهير بن حرب أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا همام جميعاً عن قتادة بهذا الإسناد، قال شعبة : من آخر الكهف، وقال همام : من أول الكهف كما قال هشام ، فرواية مسلم هذه تنادي أن هماماً و هشاماً كليهما متفقان في الإسناد والمتن، وقالا: (عشر آيات من أول الكهف)، وأما شعبة فقال: من آخر الكهف. وأما برواية الترمذي في فضائل القرآن فقال محمد بن جعفر : أخبرنا شعبة عن قتادة بإسناده: (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف). وقال المزي في الأطراف: وأخرج النسائي -أي: في السنن الكبرى- في فضائل القرآن، وفي (عمل اليوم والليلة) عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة بإسناده وقال: (من قرأ عشر آيات من الكهف)، وقال في (عمل اليوم والليلة): (العشر الأواخر) . فعلى كل الذي جاء عن هشام في صحيح مسلم هو كراوية الأكثرين الذين رووا في فواتح سورة الكهف، فهذه الرواية التي ذكرها أبو داود إما أن يكون فيها وهم، أو أنها رواية مرجوحة. شرح حديث أبي هريرة في نزول عيسى آخر الزمان، وفيه: (... ويهلك المسيح الدجال...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى عليه السلام-، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ليس بينه وبينه نبي)، يعني: بينه وبين عيسى بن مريم نبي، فنبينا عليه الصلاة والسلام هو الذي يلي عيسى، وليس بينه وبينه نبي، وقد رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان كما صحت بذلك الأحاديث، ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزل عليه؛ لأن الشرائع كلها نسخت برسالته عليه الصلاة والسلام، وختمت بشريعته، فليس لها اعتبار ولا عليها عمل، فالعمل كله يكون بما جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعيسى إذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل متبعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، حاكماً بشريعته، فهو لا ينزل فيحكم بشرع غير شرع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا لا ينافي أن نبينا هو آخر الأنبياء؛ لأن نزول عيسى ليس مبعوثاً ولا نازلاً بشريعة جديدة، وإنما حاكماً بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى- وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه) ]. قوله: (وإنه نازل) يعني: من السماء في آخر الزمان، (فإذا رأيتموه فاعرفوه)، يعني: بهذه الأوصاف التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (رجل مربوع إلى الحمرة والبياض) ]. يعني: ربعة من الرجال، فليس بالطويل ولا بالقصير، أي: أنه كنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وإنما هو ربعة من الرجال، فكذلك عيسى عليه الصلاة والسلام مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير. قوله: [ (إلى الحمرة والبياض) ]. يعني: أن لونه بياض مشرب بحمرة. قوله: [ (بين ممصرتين) ]. يعني: ثياباً صفراً ليست صفرتها شديدة. قوله: [ (كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل) ]. يعني: يكاد يقطر بدون بلل؛ وذلك لنظافته ووضاءته عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (فيقاتل الناس على الإسلام) ]. أي: لا يقبل منهم إلا الإسلام، فلا يقبل الجزية، ولهذا فإنه يضع الجزية كما جاء في بعض الأحاديث ولا يقبلها، ولا يقبل إلا الإسلام. قوله: [ (فيدق الصليب) ]. أي: يكسره. قوله: [ (ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) ]. أي: فلا يقبلها من أحد، ولا يقبل إلا الإسلام. قوله: [ (ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام) ]. وليس معنى ذلك أن الكفر قد انتهى من الأرض، وأن الكفار قد هلكوا، لا بل الكفار موجودون، ولهذا من آمن عند طلوع الشمس من مغربها فلا ينفعه إيمانه، وهذا يعني أن الكفار موجودون، ولكن معنى ذلك أن الغلبة والعزة والقوة ستكون للإسلام، وأما أولئك فمقهورون مغلوبون، وليس معنى ذلك أن الأرض قد خلت من كل كافر وأنه لم يبق إلا الإسلام، فالهلاك ليس هلاك للأبدان، ولكن المقصود به القضاء على سلطة الكفر وقدرته وولايته، فتكون الولاية والقدرة لأهل الإسلام، ويكون الكفار مغمورين، ولهذا جاء في الأحاديث أنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وكذلك كما هو معلوم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولا يقال فيهم: الله، وأما المسلمون فينتهون قبل ذلك بخروج الريح اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، (ويهلك الله الملل كلها إلا الإسلام). قوله: [ (ويهلك المسيح الدجال) ]. أي: يقتله ويقضي عليه، فيتولى مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بنفسه قتل مسيح الضلالة الدجال. قوله: [ (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون) ]. أي: أنه رفع إلى السماء فهو حي، ثم ينزل ويبقى تلك المدة، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في نزول عيسى آخر الزمان، وفيه: (...ويهلك المسيح الدجال...) قوله: [ حدثنا هدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود ، و البخاري يذكره بلفظ هدبة، وكذلك أبو داود ذكره بلفظ هدبة، وأما مسلم فيذكره أحياناً بقوله: هدبة وأحياناً بقوله: هدّاب، وقد قيل: إن هدبة اسم، و هداب لقب، ومعنى هذا أن هذا اللقب هو من الألقاب التي تكون منحوته من الأسماء، فمسلم يذكره أحياناً هداب ، وأحياناً يقول له: هدبة ، وأما البخاري فكان لا يذكره إلا بلفظ هدبة ، وكذلك أبو داود. [ حدثنا همام بن يحيى ]. هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم ]. قتادة مر ذكره، و عبد الرحمن بن آدم صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود ، وقيل: إن آدم ليس أباه، وأنه لا يعرف له أب، وإنما ينسب إلى آدم أبي البشر. قال في (عون المعبود): قال الدارقطني : عبد الرحمن بن آدم إنما نسب إلى آدم أبي البشر، ولم يكن له أب يعرف، انتهى كلام المنذري مختصراً ]. وقال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية، صدوق، وقال في (فتح الباري): إسناده صحيح. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً. الجمع بين رواية أنه يمكث أربعين سنة ورواية مسلم أنه يمكث سبع سنين قال في (عون المعبود) في الجمع بين ما ورد هنا من أنه يمكث أربعين سنة وما ورد في صحيح مسلم في أنه يمكث سبع سنين. قال الحافظ عماد الدين بن كثير : ويشكل في رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين، قال: اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، فيكون ذلك مضافاً لمكثه بها قبل رفعه إلى السماء، فعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة بالمشهور. انتهى. وهذا فيه نظر، أعني أن عمره كان ثلاثاً وثلاثين؛ لأن المعروف أن الأنبياء يبعثون لأربعين سنة. قراءة في رد الشيخ العباد على محمد فريد وجدي في إنكاره لأحاديث الدجال كتب الشيخ ابن محمود رحمه الله رسالة سماها: لا مهدي ينتظر بعد رسول خير البشر، وكان قد ألفها في أوائل عام ألف وأربعمائة عندما حصلت فتنة الحرم، وألف هذه الرسالة منكراً أنه لا مهدي، وأن الأحاديث فيه غير صحيحة، ورددت عليه في هذا الكتاب وهو: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، وكان من جملة الذين ذكرهم منكرين لأحاديث المهدي محمد فريد وجدي، وقد ذكرت أن هذا الذي قلده قد أنكر ما هو أعظم من أحاديث المهدي ، وهو أحاديث الدجال، حيث وصف أحاديث الدجال كلها بأنها موضوعة مختلقة مع أن الصحيحين فيهما الشيء الكثير من أحاديث الدجال، بل إن الدعاء الذي يدعو به الإنسان في آخر صلاته مشتمل على السلامة والاستعاذة من الدجال: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. فالأحاديث فيه كثيرة ومتواترة، وهذا الرجل وهو محمد فريد وجدي أنكر في كتابه: (دائرة معارف القرن العشرين) هذه الأحاديث وقال: إنها كلها موضوعة ملفقة مكذوبة، وهي في الصحيحين ورجالها ثقات ليس فيهم ضعيف فضلاً عن أن يكون فيهم كذاب أو وضاع، والآن سنقرأ ما كتبته رداً عليه؛ لأنه ذكر أربع شبه في رد أحاديث الدجال وأنها موضوعة ومختلقة، وكلها شبه عقلية، وقد رددت عليه فيها استطراداً في الكلام على المهدي. قلت: تقليده للكاتب محمد فريد وجدي في إنكار خروج المهدي ، ومناقشة مقلده فيما هو أخطر من ذلك وهو: زعمه أن كل ما ورد في المسيح الدجال موضوع ملفق: ذكر في صفحة عشرين أن محمد فريد وجدي صاحب (دائرة معارف القرن العشرين) ممن ضعف أحاديث المهدي ، ونقل كلامه في ذلك، وأحب أن يضيف الشيخ ابن محمود إلى معلوماته أن محمد فريد وجدي في كتابه المذكور في (8/788) اعتبر جميع الأحاديث الواردة في الدجال موضوعة، بناءً على شبه عقلية، وأكثر أحاديث الدجال في الصحيحين للبخاري و مسلم كما هو معلوم. ومادام أن أحاديث الدجال على كثرتها في الصحيحين وفي غيرهما حظها من محمد فريد وجدي أن يبطلها بجرة قلم، ويحكم عليها جميعها بأنها موضوعة ملفقة، فمن باب أولى إبطال أحاديث المهدي؛ لأنها دونها في الكثرة والصحة، وقد يكون من المناسب هنا أن أناقش بإيجاز محمد فريد وجدي في شبهه العقلية الأربع التي اعتمد عليها في توهين أحاديث الدجال، وقال عنها: إنها لا تقبل المناقشة. الشبهة الأولى: أن ما ورد بشأن الدجال أشبه بالأساطير الباطلة، فإن رجلاً يمشي على رجليه يطوف البلاد، يدعو الناس لعبادته، ويكون معه جنة ونار يلقي فيهما من يشاء، كل هذا من الأمور التي لا يستسيغها العقل، والنبي أجل من أن يأتي بشيء تنقضه بداهة النظر، وإلا فما هي جنته؟ وما هي ناره التي تتبعانه حيث سار؟ وهل هما مرئيان أو خياليان؟... إلى آخره. ويجاب عن هذه الشبهة: بأن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخبار الدجال يقبله العقل السليم ولا يرده، والعقل لا يتعارض مع النقل الصحيح، وإذا لم يحصل الاتفاق والتطابق بين العقل والنقل على أمر ما تعين اتهام العقل، كما ثبت في الصحيحين عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس! اتهموا رأيكم على دينكم. وكما جاء عن علي رضي الله عنه في سنن أبي داود -قال الحافظ في (الفتح): بسند حسن- أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى: العقول تتفاوت، فقد يقبل هذا ما لا يقبله هذا، وأحاديث الدجال الثابتة صدق بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وقبلتها عقولهم، وكذا التابعون لهم بإحسان، فالعقول التي لم تقبل ما قبلوه قد أصيبت بمرض لا شفاء لها منه إلا بالاعتصام بما جاء في الكتاب والسنة، والسير على ما درج عليه سلف الأمة. ومن جهة ثالثة: هذه الأمور التي يأتي بها الدجال هي من جملة فتنته التي هي أعظم فتنة في الحياة الدنيا، وهي تحصل منه بإذن الله ابتلاءً وامتحاناً للعباد في ذلك الزمان، وهي غير مستحيلة عقلاً، وأما كونها على خلاف ما هو معتاد ومألوف فنعم، ومن أجل هذا صارت فتنة، ومن عرف أن الله على كل شيء قدير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- الذي لا ينطق عن الهوى أخبر عن الدجال بهذه الأخبار التي منها: طوافه البلاد ودخولها ما عدا مكة والمدينة، ومعه جنة ونار، أقول: من عرف كمال قدرة الله وإخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور لم يتردد في التصديق بذلك، وأنه سيقع وفقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم. الشبهة الثانية: قوله كيف يعقل أن رجلاً أعور مكتوب على جبهته كافر يقرؤها الكاتب والأمي على السواء، يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته، فتروج له دعوة، أو تسمع له كلمة، أي إنسان يبلغ به الانحطاط العقلي إلى درجة يعتقد فيه بالألوهية؟! رجل مشوه الخلقة، مكتوب في وجهه كافر بالأحرف العريضة، وأي جيل من أجيال الناس تروج فيهم مثل هذه الدعوة.. إلى آخره. أقول: هذه إحدى شبهه التي اعتمد عليها في رد النصوص الصحيحة، ولا أدري كيف فات على هذا المسكين أن الأبصار لا تغني شيئاً إذا عميت البصائر، فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، وكيف ينكر النصوص المتواترة لأنه عقله استبعد أن تروج دعوة الدجال ويقبل قوله: وقد كتب على وجهه كافر يقرؤها الكاتب والأمي، مع وجود المثال المحسوس فيما نشاهد ونعاني في هذا العصر الذي نعيش فيه، فأكثر البلاد التي تنتمي إلى الإسلام لا تحكم بشريعة الإسلام، مع أن آيات القرآن ينادى بها بأعلى الأصوات، ومنها قول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]. وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]. وقوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. إلى غير ذلك من الآيات، فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في آخر الزمان فيتبعونه لعمى بصائرهم، مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرؤها الكاتب والأمي، هم من جنس الذين عميت بصائرهم في عصرنا، فلم يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القرآن، وفيه مثل هذه الآيات، وسماعهم لها في الإذاعات، وما أشبه الليلة بالبارحة، والله المستعان! الشبهة الثالثة: قوله: لماذا لم يذكر القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئاً مع خطورة أمره، وعظم فتنته كما تدل عليه الأحاديث الموضوعة؟ فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض، ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار، ويفتتن به الناس؟ والجواب عن هذه الشبهة: أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة، والسنة والقرآن متلازمان لا يفترقان، ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن، ومن زعم فصل السنة عن القرآن يقال له كما جاء عن بعض السلف: أين وجدت في القرآن أعداد الصلوات، وأعداد ركعاتها، وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القرآن، والموضحة والمبينة له؟ ولم تعدم السنة منذ أزمان من أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقرآن، يشككون فيها، ويحاولون فصلها عن القرآن، وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها، ويدحض شبه أعدائها، ومنهم الحافظ السيوطي رحمه الله، فقد ألف رسالة لطيفة سماها: (مفتاح الجنة بالاحتجاج بالسنة)، افتتحها بعد حمد الله بقوله: اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة، وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارساً بحمد الله منذ أزمان وهو أن قائلاً رافضياً زنديقاً أكثر في كلامه: أن السنة النبوية والأحاديث المروية -زادها الله علواً وشرفاً- لا يحتج بها، وأن الحجة في القرآن خاصة.. إلى أن قال: فاعلموا -رحمكم الله- أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة. روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوماً حديثاً وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله ؟ فاضطرب وقال: يا هذا! أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زناراً، أروي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟! ورسالة السيوطي هذه رسالة عظيمة مفيدة. الشبهة الرابعة: قوله: إن كون هذه الأحاديث موضوعة يعرف بالحس من الحديث الطويل الذي نسب إلى النواس بن سمعان ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الذي ينبئ أن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق، ويعمل الأعاجيب، ثم يدركه عيسى فيقتله، ثم يؤمر عيسى بأن يعتصم بالطور هرباً من قوم لا قدرة عليهم وهم يأجوج ومأجوج.. إلى أن قال: فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، فلنقتل من في السماء، فيرمون نشابهم إلى السم الأسئلة اهتمام الصحابة بالصلاة السؤال: لو أنكم تعلقون عن موقف الصحابة رضي الله عنهم لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث هذه المدة، وأن اليوم كسنة، فقالوا: كيف نصلي؟ فهذا يدل على اهتمامهم بالصلاة. الجواب: نعم، هذا من الأمور الدالة على عنايتهم بالصلاة وبأمور الدين، وتفقههم في دين الله عز وجل، فهم لما رأوا هذا الأمر غريباً خارجاً عما اعتادوه، وكانت الصلاة من أعظم ما يهتمون به سألوا هل يصلون فيه خمس صلوات على اعتبار أنه يوم واحد وإن كان مقداره سنة، أو عليهم شيء آخر؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لهم أنهم يقدرون الصلاة بمقدار اليوم والليلة التي يعرفونها بحيث يكون ذلك اليوم مقسماً على أوقات الصلوات في أيام السنة. كيفية قراءة فواتح سورة الكهف على الدجال السؤال: كيف يقرأ الإنسان على الدجال فواتح سورة الكهف؟ الجواب: المعنى أنه يقرؤها في ذلك الحال، وليس المعنى أنه ينفث عليه ويرقيه، فعلى الإنسان أن يحفظها؛ لأنه إذا كان غير حافظ لها فقد لا يكون معه مصحف يقرأ فيه، فإذا كان حافظاً تمكن من قراءتها. حكم بناء المنارة للمسجد السؤال: هل في الحديث الأخير دلالة على أن بناء المنارة للمسجد ليست ببدعة؛ لذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها وإقرارها؟ الجواب: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود منارة لا يستدل به على مشروعيتها، وقد مر بنا عند أبي داود باب الأذان على المنارة، وأتى بالحديث الذي فيه أنه كان يرقى المؤذن على أعلى البيوت عند المسجد، فاستدل به على المنارة، لكن هذا الإخبار بهذا الأمر الذي سيقع لا يدل على مشروعيتها. اقتتال الناس على الذهب الذي ينحسر عنه الفرات السؤال: هل نسبة نجاة واحد في المائة في الذهب الذي سينحسر عنه الفرات خاصة بأهل تلك المنطقة أم تشمل جميع المسلمين؟ الجواب: هي في الذين يحضرونه ويتنافسون عليه لأخذه، فيهلك منهم تسعة وتسعون وينجو واحد. علة النهي عن الأخذ من الذهب الذي ينحسر عنه الفرات السؤال: لماذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأخذ من ذلك الذهب الذي ينحسر عنه الفرات؟ الجواب: لما فيه من الهلاك فلا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للهلاك بسبب الحرص على الدنيا، فما دام أن نسبة الهلاك 99" |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [486] الحلقة (517) شرح سنن أبي داود [486] لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته فتنة المسيح الدجال، وما من نبي قبله إلا حذر أمته منه، ويعد خروج المسيح الدجال في الأمة من علامات يوم القيامة الكبرى. ما جاء في خبر الجساسة شرح حديث الجساسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خبر الجساسة. حدثنا النفيلي حدثنا عثمان بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال: إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر، فأتيته فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم، قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه، قال: ذاك خير لهم) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: في خبر الجساسة، أي: في خبر الحديث الذي جاء فيه ذكر الجساسة، وهو من جملة أحاديث الدجال إلا أنه اشتهر عند العلماء بحديث الجساسة؛ لأنه جاء في ذكر الجساسة، وهي الدابة أو المرأة التي تتجسس للدجال في تلك الجزيرة التي هو فيها، وقد ذكر خبره في ذلك تميم بن أوس الداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أورد أبو داود حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، أن في خبر تميماً الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل كان في جزيرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر عن أصحابه في صلاة العشاء، فأخبرهم بالذي شغله، وأن تميماً الداري كان يحدثه عن ذلك الخبر الذي شاهده وعرفه في تلك الجزيرة، وجاء فيه أن امرأة قالت: أنا الجساسة، اذهبوا إلى ذلك القصر فإن فيه رجلاً، فذهبوا إليه، فقال لهم: إنه الدجال، ثم سأله: هل خرج نبي الأميين؟ فقالوا: نعم، إنه قد خرج، فقال: أطاعوه أم عصوه؟ قال: بل أطاعوه، قال: ذاك خير لهم) ]. هذا الحديث يدل على وجود الدجال في تلك الجزيرة، وأنه سيخرج في آخر الزمان، وهو موثق بالأغلال، ورأوا ضخامته وعظم خلقه، وقد عرفنا فيما مضى أنه رجل قصير، وهذا لا ينافي كونه عظيم الخلقة، فهو عظيم وقصير وكان موثقاً، وينزو بين السماء والأرض، أي: أنه يضطرب ويتحرك من علو إلى سفل. قوله: [ (إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر عنهم عن الوقت المعتاد الذي كانوا قد اعتادوه، وأخبرهم بسبب تأخره، وأن تميماً الداري كان يحدثه بحديث ذلك الرجل الذي في الجزيرة، والرجل هو الدجال، وجاء في الحديث أنه يوجد في المشرق، وأشار إلى جهة المشرق وسيأتي في الحديث، لكن تحديد مكانه بالضبط فالله تعالى أعلم به. قوله: [ (فإذا أنا بامرأة تجر شعرها) ]. وهذه هي الجساسة، وفي بعض الأحاديث في صحيح مسلم (دابة تجر شعرها) . يعني: لكثافته وطوله. وهل هي دابة أو امرأة؟ أجاب بعض العلماء أن المرأة من جملة الدواب، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6]، وذكر في (عون المعبود) ثلاثة أوجه من وجوه الجمع، حيث قال: يحتمل أن للدجال جساستين: إحداهما دابة، والثانية امرأة، ويحتمل أن الجساسة كانت شيطانة تمثلت تارة في صورة دابة وأخرى في صورة امرأة، وللشيطان قدرة التشكل في أي تشكل يريد، ويحتمل أن تسمى المرأة دابة مجازاً كما في قوله تعالى: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )). فهذه ثلاثة وجوه، وكون الشيطان يتمثل على صورة الحيوان وعلى صورة الإنسان حاصل، فالشيطان الذي تحاور مع أبي هريرة وكان يأخذ من الطعام، هو شيطان من الجن جاء على صورة إنسان، وكذلك أيضاً الحديث الذي جاء عن قتل الحيات وأنهن عوامر البيوت، فيه أن الجن يتشكلون بها، ويأتون على صور الدواب، فيحصل منهم هذا، ويحصل منهم هذا. قوله: [ (قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة اذهب إلى ذلك القصر) ]. في بعض الروايات: الدير. قوله: [ (فأتيته فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض) ]. يعني: يتحرك ويضطرب، فيرتفع على الأرض وينزل، لكن ليس معنى ذلك أنه يرتفع إلى مسافة، وإنما كونه يتحرك من سفل إلى علو. قوله: [ (فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم، قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه) ]. الأميون: هم العرب، ويقال لهم الأميون؛ لأنهم في الغالب لا يقرءون ولا يكتبون، وإن كانت القراءة والكتابة موجودة فيهم، لكن الغالب هو عدم الكتابة والقراءة. قوله: [ (قلت: بل أطاعوه، قال: ذاك خير لهم) ]. يعني: إذا أطاعوه، وهذا كلام حق صدر من مبطل، وكما يقال: والحق ما شهدت به الأعداء. تراجم رجال إسناد حديث الجساسة قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عثمان بن عبد الرحمن ]. عثمان بن عبد الرحمن صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. وهو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فاطمة بنت قيس ]. فاطمة بنت قيس صحابية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث الجساسة من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي قال: سمعت حسيناً المعلم قال: حدثنا عبد الله بن بريدة حدثنا عامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: أن الصلاة جامعة؛ فخرجت فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، قال: ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني ما جمعتكم لرهبة ولا رغبة، ولكن جمعتكم أن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي حدثتكم عن الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، وأرفئوا إلى جزيرة حين مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، فذكر الحديث، وسألهم عن نخل بيسان، وعن عين زغر، وعن النبي الأمي قال: إني أنا المسيح، وإنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو مرتين، وأومأ يبده قبل المشرق، قالت: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث) ]. أورد أبو داود حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في قصة الدجال والجساسة، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمران ينادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وصلى بهم، ثم قام وجلس على المنبر وهو يضحك، فقال: إني ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة) ، يعني: لا تترغيب ولا لترهيب، لا لأمر يرغب فيه أو يرهب منه، وإنما للإخبار بشيء قد حصل، وهو أن تميماً الداري كان نصرانياً وأسلم، وأنه حدثه بحديث كان مماثلاً ومطابقاً لما كان قد حدثهم به، وذلك أنهم كانوا في البحر، فقذفت بهم الأمواج إلى جزيرة، فنزلوا فيها ورأوا دابة أهلب -يعني: كثيرة الشعر- وقالت: أنا الجساسة، اذهبوا إلى هذا رجل في ذلك الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق تعني: أنه شديد الشوق إليكم وإلى معرفة أخباركم- فذهبوا إليه ورأوه موثق بالحديد، وذكروا صفة توثيقه بالحديد، ثم بعد ذلك سألهم عن نخل بيسان، وعن عين زغر، ثم سألهم عن النبي وخروجه، فأخبروه بذلك فقال لهم: إنه هو الدجال، وأنه يوشك أن يؤذن له بالخروج، على الناس، فيحصل منه ذلك الشيء الذي جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث يدل على وجود الدجال وأنه موثق بتلك الجزيرة، وأنه يخرج في آخر الزمان عندما يؤذن له بالخروج، وهو مخصص لحديث: (أنه لن يأتي مائة سنة وهناك على ظهر الأرض نفس)، فيكون هذا الحديث مخصص للجساسة، والدجال من ذلك، وأنه موجود، وسيخرج في آخر الزمان، فيكون ما جاء في حديث الجساسة والدجال مستثنى من عموم ذلك الحديث. فإن قيل: ألا تدخل الجساسة والحور العين، والملائكة، والجن وأشياء كثيرة من خلق الله مما كتب الله لها البقاء ألا تدخل هذه كلها في هذا الحديث؟ فيقال: لا؛ لأن المقصود بهذا الحديث الإنس، ومعلوم أن الدجال من بني آدم، وأما الجن والملائكة فهم عالم آخر، فيعمرون ويبقون فترة طويلة، وهذا ما فيه إشكال بالنسبة للملائكة، وأما بالنسبة للجن الله أعلم لا نعلم يعني مدة أعمارهم، ولكن الكلام على بني آدم. وأما الجساسة فلا ندري هل تبقى أو ما تبقى؟! قوله: [ عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أن الصلاة جامعة فخرجت فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذه الصلاة التي نودي لها والله الذي يبدو أنها ليست فريضة، كأنها والله أعلم نافلة؛ لأن الفريضة لا ينادى لها الصلاة جامعة، وإنما ينادى بالأذان. قوله: [ (..فخرجت فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك..) ]. وليست هذه خطبة، وإنما حدثهم بهذه القصة وهو على المنبر، وكأن جلوسه على المنبر حتى يروه ويشاهدوه، وأما خطبة الجمعة فإنها لا تكون إلا عن قيام، وليس للإنسان أن يجلس فيها. قوله: [ (قال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ ) ]. وهذا يبين بأن هذه الصلاة ليست صلاة فريضة، فإنه قال: (ليلزم كل مصل مكانه، ثم قال: هل تدرون لماذا جمعتكم) أي: أنه جمعهم ليحدثهم بهذا الحديث. قوله: [ (.. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني ما جمعتكم لرهبة ولا رغبة، ولكن جمعتكم أن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي حدثتكم عن الدجال.) ]. وهذا يعني أن تميم الداري رأى هذا في حال كفره وقبل إسلامه، فيكون مما تحمله في كفره وأداه وحدث به بعد إسلامه. قوله: (..حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر) ]. أي: أن الأمواج تلعبت بهم حتى قذفتهم إلى الجزيرة. قوله: [ (وأرفئوا إلى جزيرة حين مغرب الشمس) ]. معناه: أنهم مالوا إليها ليربطوا السفينة حتى ينزلوا الأشياء الثقيلة التي تمسكها لئلا تذهب، ويكون ذلك قريباً من الجزيرة، ثم ركبوا القوارب الصغيرة التي ينتقلون بها من السفينة إلى البر. قوله: (فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر، قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت أنا الجساسة) ]. وهذ ليس فيه شيء يدل على أنا دابة الأرض التي تكلم الناس كما في سورة النمل، بل هي دابة من الدواب. قوله: (.. انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدير) ]. الدير: مكان عبادة عند النصارى واليهود. قوله: (.. فإنه إلى خبركم بالأشواق قال) ]. أي: أنه مشتاق إلى أخباركم. قوله: (.. قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة) ]. وهذا قد يفهم منه أنها امرأة، لأنها لو كانت على شكل آخر غريب لكان الخوف أشد، لكن قالوا: (فرقنا أن تكون شيطانة) الفرق هو الخوف. ومعلوم أن شياطين الجن يتشكلون على صور الإنس، كما أنهم يأتون على صور الحيوانات، وكذلك الملائكة يحصل منهم التشكل على صورة الإنسان، فالملائكة يأتون بصورة الإنسان، وصاحب أبي هريرة الذي كان يأخذ الطعام كان من الجن، وقد جاء على صورة إنسان، والملائكة الذين كانوا ضيوف إبراهيم جاءوا على صورة رجال حسان، وجبريل جاء إلى مريم بصورة بشر، وكذلك جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بصورة دحية بن خليفة الكلبي وجاء بصورة رجل غير معروف كما في حديث جبريل المشهور. قوله: (.. فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، فذكر الحديث وسألهم عن نخل بيسان، وعن عين زغر، وعن النبي الأمي) ]. (بيسان) هي مدينة في الأردن في الغور الشامي، يقال: هي لسان الأرض، وهي بين حوران وفلسطين بها عين الفلوس، وهي عين فيها ملوحة يسيرة، وتوصف بكثرة النخل، قال ياقوت : وقد رأيتها مراراً فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين، وهو من علامات خروج الدجال. (وعين زغر) قال ياقوت : حدثني الثقة أن زغر هذه في طرف البحيرة المنتنة في واد هناك، بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام، وهي من ناحية الحجاز، ولهم هناك زروع. قوله: (.. قال: إني أنا المسيح وإنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج، قال النبي صلى الله عليه وعلى وسلم: وإنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق ما هو مرتين، وأومأ يبده قبل المشرق، قالت: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق الحديث) ]. قال: إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، ثم قال: لا، بل الأقرب أنه إلى جهة المشرق، وأشار إليه مرتين: قوله: (من قبل المشرق ما هو) يعني: أنه أقرب إلى جهة المشرق، وأما حرف (ما) فإنهم يسمونه صلة، أي يؤتى به صلة في الكلام وليست نافية، وهي نظير ما جاء في القرآن، حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ)[فصلت:20] أي: حتى إذا جاءوها، حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ)[فصلت:20]. ومعناه هنا: إلى جهة الشرق هو، وتكون (ما) صلة زائدة وليست نافية. وقوله: (وإنه في بحر الشام أو بحر، اليمن لا) هذا إضراب، فكأنه قبل كان متردداً هل هو هنا أو هنا، ولكنه بعد ذلك أخبر بأنه في جهة الشرق. قوله: [ (لا، بل من قبل المشرق ما هو، مرتين) ]. حرف (ما) هنا جاء صلة، وهو من جنس: (( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ ))، ومن جنس: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد:29] حرف لا لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [الحديد:29] ومن جنس: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف:12] أي: أن تسجد، فحرف (ما) وحرف (لا) قد يأتيان صلة في الكلام. تراجم رجال إسناد حديث الجساسة من طريق ثانية قوله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ]. حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود. [ حدثنا عبد الصمد ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت حسيناً المعلم ]. حسين المعلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عامر بن شراحيل الشعبي ]. عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فاطمة بنت قيس ]. فاطمة بنت قيس مر ذكرها. الجمع بين بعض الألفاظ التي ظاهرها التعارض جاء في هذا الحديث أنه نادى مناد أن الصلاة جامعة، وفي الحديث الذي قبله: (أخر صلى الله عليه وسلم العشاء الآخر ذات ليلة ثم خرج فقال: إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري )]. فالله أعلم هل أدري هذه قصة واحدة أو قصتان، لكن في غالب الظن أنها قصة واحدة. وجاء في بعض الروايات أنه سأل عن بحيرة طبرية كما في صحيح مسلم ، فالله أعلم هل سأل عن هذه وهذه، أو أن هذه هي هذه؟ معنى قوله (ما جمعتكم لرهبة ولا رغبة) قوله: (إني ما جمعتكم لرهبة ولا رغبة) مع أن الدجال رهبة، وقد حذر من فتنته، ولكنه أراد أن يخبرهم بالشيء الذي قد حصل، وحدثه به تميم الداري مما شاهده وعاينه. المكان الذي يخرج منه الدجال جاء في الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدجال يخرج من أرض المشرق يقال لها: خراسان) صححه الألباني عن أنس رضي الله عنه. وجاء في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان : (يخرج من خلة بين الشام والعراق) ، وهذا من تلك الجهة، وأيضاً في نفس حديث النواس : (يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود) . قوله: (من يهودية) كأنه مكان فيه اليهود، ويكون عددهم سبعون ألفاً، في قصة ابن صياد حيث كان الرسول يخشى أن يكون هو الدجال؛ لأنه يهودي. قال ابن حجر : وأما من أين يخرج: فمن قبل المشرق جزماً. وهذا لا شك فيه؛ لأن في حديث النواس الطويل أنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، ويتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، كما في صحيح مسلم معناه: أنه يأتي ومعه هذا العدد وعليهم الطيالسة. قال ابن كثير : فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة يقال لها: اليهودية. شرح حديث الجساسة من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن صدران حدثنا المعتمر حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن مجالد بن سعيد عن عامر قال: حدثتني فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم صعد المنبر، وكان لا يصعد عليه إلا يوم جمعة قبل يومئذ.. ثم ذكر هذه القصة) ]. ثم ذكر حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وقال: إنه صلى الظهر وصعد المنبر، وكان لا يصعد إلا يوم الجمعة، والحديث في إسناده مجالد بن سعيد ، وقد ضعف هذا الحديث الألباني ؛ ولعله من جهة مجالد بن سعيد . تراجم رجال إسناد حديث الجساسة من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا محمد بن صدران ]. هو محمد بن إبراهيم بن صدران ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد بن سعيد ]. مجالد بن سعيد ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر عن فاطمة ]. عامر هو الشعبي ، و فاطمة بنت قيس مر ذكرهما. [قال أبو داود : و ابن صدران بصري غرق في البحر مع ابن مسور ، لم يسلم منهم غيره ]. كأن ابن مسور هذا كان كبيراً، ومعه جماعة ومنهم ابن صدران ، فهلكوا ولم ينج منهم إلا ابن صدران هذا، فهذا من أخبار ابن صدران . شرح حديث الجساسة من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا واصل بن عبد الأعلى أخبرنا ابن فضيل عن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر (إنه بينما أناس يسيرون في البحر فنفد طعامهم، فرفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبر، فلقيتهم الجساسة فقلت لأبي سلمة : وما الجساسة؟ قال امرأة تجر شعر جلدها ورأسها، قالت في هذا القصر.. فذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان وعن عين زغر، قال: هو المسيح فقال لي ابن أبي سلمة : إن في هذا الحديث شيئاً ما حفظته قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد ، قلت: فإنه قد مات قال: وإن مات، قلت: فإنه قد أسلم، قال: وإن أسلم، قلت: فإنه قد دخل المدينة، قال: وإن دخل المدينة) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهو يتعلق بقصة الجساسة والدجال. قوله: [ (إنه بينما أناس يسيرون في البحر فنفذ طعامهم، ورفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبر) ]. يعني: بدت وظهرت لهم جزيرة، فذهبوا إليها، وقوله: (يريدون الخبر) وفي بعض الألفاظ: (يريدون الخبز). قوله: [ (فلقيتهم الجساسة، قلت لأبي سلمة : وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها قالت: في هذا القصر.. فذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان وعن عين زغر)]. أي: أن المسيح سأل عن نخل بيسان وعين زغر. قوله: (فقال: هو المسيح) أي: هو أخبر عن نفسه بأنه هو المسيح، أي: الدجال. قوله: [ (وقال لي ابن أبي سلمة : إن في هذا الحديث شيء ما حفظته، قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد)]. أي: أن جابراً يقول: إن الدجال هو ابن صياد ، وهو رجل من اليهود، وكان أمره مشتبهاً، وبعد ذلك تبين أنه ليس هو الدجال، وإنما هو من جملة الدجاجلة الذين هم قبل الدجال الأكبر. و ابن صياد ستأتي الأحاديث المتعلقة به في الباب الذي بعد هذا. قوله: [ (شهد جابر أنه هو ابن صياد ، قلت: فإنه قد مات، قال: وإن مات. قلت: فإنه قل أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة! قال: وإن دخل المدينة) ]. ثم ذكر كلام جابر ومراجعته، وأنه قال: وإن كان أسلم.. وإن كان كذا.. وإن كان دخل المدينة، يعني: والمقصود من ذلك أنه لا يدخل المدينة بعد خروجه، وأما قبل ذلك فلا ينافي ما جاء في الأحاديث؛ لأن ذاك الدخول كان قبل الخروج، والحديث فيه كلام، فقد ضعفه و الألباني. تراجم رجال إسناد حديث الجساسة من طريق رابعة قوله: [ حدثنا واصل بن عبد الأعلى ]. واصل بن عبد الأعلى ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن . [ أخبرنا ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن عبد الله بن جميع ]. الوليد بن عبد الله بن جميع صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، مر ذكره. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ (وقال لي ابن أبي سلمة )]. قوله: [ وقال لي ابن أبي سلمة ] أي: قاله الوليد و ابن أبي سلمة هو عمر بن أبي سلمة . وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. قوله: [ (إن في هذا الحديث شيئاً ما حفظته)]. قاله عمر بن أبي سلمة . وقوله: [ (قال: شهد جابر) ] قاله: أبو سلمة ." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [487] الحلقة (518) شرح سنن أبي داود [487] لقد حدث شك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال، حتى وصل ذلك ببعض الصحابة إلى الجزم بأنه ابن صيام الموجود بينهم؛ وذلك لظهور بعض صفات الدجال عليه. ما جاء في خبر ابن صائد شرح حديث ابن عمر في خبر ابن صائد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خبر ابن صائد . حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن صائد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر : يا رسول الله ! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلط عليه -يعني: الدجال-، وإلا يكنه فلا خير في قتله)]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في خبر ابن صائد ، يقال له: ابن صائد ويقال له: ابن صياد ، وهو رجل من اليهود كان في المدينة، وقد اشتبه أمره بالدجال في بعض الصفات حتى كان يظن أنه الدجال، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم في أول الأمر أن الدجال سيأخر زمنه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث التي مرت، قال: (فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإلا فامرؤ حجيج نفسه)، يعني: كل امرئ يكون حجيج نفسه. ولكنه بعد ذلك جاء عنه أحاديث تدل على أنه يكون في آخر الزمان، وأن بين يديه أموراً، وبعده أموراً، وأنه لا يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام. وقد التبس أمر ابن صايد ، ولهذا جاء في نفس الحديث الذي أورده أبو داود هنا عن ابن عمر أنه قال لعمر : (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإلا يكن هو فلا حاجة لك في قتله). ومعنى ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم عنه، وأن أمره ملتبس ومشتبه. قوله: (عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن صائد في نفر في أصحابه فيهم عمر بن الخطاب ، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام). أي: مر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من أصحابه وفيهم عمر ، مروا بابن صياد وهو يلعب مع الصبيان في ذلك الأطم من أطم بني مغالة، فضرب على ظهر ابن صياد ، وقال له: (أتشهد أني رسول الله؟) فقال: أشهد أنك رسول الأميين) ، والأميون هم العرب، وكما عرفنا أن الغالب عليهم أنهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك جاء بهذا الكلام وبهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. قوله: [ (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسل) ]. قوله: (أتشهد أني رسول الله؟)، قاله ابن صياد ! فقال رسول الله: (آمنت بالله ورسله). وقد قيل: كيف يقول ابن صياد هذا الكلام وهذه الدعاوى ولا يتعرض له بشيء، بل يتركه، وقد أجيب عن ذلك بجوابين: أحدهما: أنه غير بالغ وغير مكلف، ولهذا قال في الحديث: (يلعب مع الصبيان)، والأمر الثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وهو من جملة اليهود. قوله: [ (فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب) ]. قوله: (ما يأتيك؟) يعني: من الأخبار، قال: (يأتيني صادق وكاذب)، يعني: تأتيه أشياء صدقاً وأشياء تكون كذباً، فأشياء تحصل مطابقة للواقع، وأشياء مخالفة للواقع، وهذا يدل على أنه دجال، وأنه من الكهان الذين تأتيهم الشياطين، ويأتيهم مسترق السمع، فيأتي بالكلمة من الحق فيكذبون معها مائة كذبة، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ) ]. قوله: (خبأت لك خبيئة، فقال: هو الدخ) فقال عليه السلام: (اخسأ فلن تعدو قدرك). أي: لن تتجاوز قدرك، وأنك من الكهان الذين يعتمدون على ما تلقيه عليهم الشياطين. قوله: [ (فقال عمر عمر : يا رسول الله! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو فلن تسلط عليه)]. أي: إن يكن هو الدجال فلن تسلط عليه. قوله: [ (وإلا يكنه فلا خير في قتله) أي: وإن لم يكن هو الدجال فلا خير لك في قتله. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في خبر ابن صائد قوله: [ حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم ]. أبو عاصم خشيش بن أصرم ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. التعليق على قول ابن صائد ( أشهد أنك رسول الأميين ) قول ابن صائد : (أشهد أنك رسول الأميين) لا يدل على أن من آمن إيمان تصديق دون إقرار وعمل لا ينفعه ذلك؟ هذا نفس الكلام الذي يقوله بعض اليهود والنصارى، أنه رسول إلى العرب، ولكن من علم أو من شهد بأنه رسول، فالرسول يجب تصديقه، ومن كذب الرسول فقد كفر؛ لأن كل خبر يخبر به الرسول لا بد من تصديقه، وما دام أنهم آمنوا بأنه رسول إلى العرب، وقد أخبر هو بأنه رسول إلى الناس كافة، وأنه رسول للإنس والجن فيجب تصديقه، ومن كذب بذلك فإنه يكون كافراً. البلوغ ليس شرطاً في تعلم الكهانة إذا قيل: كيف يكون كاهناً وهو لم يبلغ؟ فالجواب: أنه يمكن أن يكون كاهناً وإن لم يبلغ، فلا يلزم البلوغ في تعلم الكهانة، والكاهن قد يعلم أولاده الكهانة وإن لم يبلغوا، ويحتمل أيضاً أن يكون قد بلغ، وأنه كان يلعب مع الصبيان وهو بالغ، وعلى هذا فإنه يكون غير صغير، ويحتمل أنه لم يبلغ. شرح أثر ابن عمر (والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: ابن عبد الرحمن - عن موسى بن عقبة عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد ]. أورد أبو داود هذا الأثر الموقوف على عبد الله بن عمر ، وأنه كان يجزم بأن الدجال هو ابن صياد ، وذلك لما التبس عليهم أمره، فكانوا يظنون أنه هو، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في أول الأمر ملتبساً عليه، ولهذا قال في كلامه لعمر الذي مر: (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا لك في قتله)، وهذا يدل على أنه غير متبين لأمره. تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر ( والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد ) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ]. يعقوب بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. شرح أثر جابر في أن الدجال هو ابن صائد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال، فقلت: تحلف بالله؟! فقال: إني سمعت عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن جابر رضي الله عنه، أنه كان يحلف أن ابن صياد هو الدجال، ويستدل على ذلك بأن عمر رضي الله عنه كان يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. ولعل هذا -كما هو معلوم- كان على حسب ما ظهر لهم من صفاته، فأمره كان ملتبساً، وكانوا يظنون أنه الدجال، والرسول صلى الله عليه وسلم كان أمره ملتبساً عليه، ثم بعد ذلك تبين أنه إنما يأتي في آخر الزمان. وفي هذا دليل على أن للإنسان أن يحلف على غالب ظنه، فهذا ليس يقيناً ومع ذلك حلف عليه على غالب الظن. تراجم رجال إسناد أثر جابر أن الدجال هو ابن صائد قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو: عبيد الله بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شبعة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم ]. سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه، قد مر ذكره. شرح أثر جابر (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله -يعني: ابن موسى - حدثنا شيبان عن الأعمش عن سالم عن جابر رضي الله عنه قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة ]. أورد أبو داود أثر جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة، وذلك سنة ثلاثة وستين، وهي الفتنة التي وقعت في الحرة في المدينة، وحصل فيها ما حصل من البلاء، قال: ومعنى ذلك أنهم لا يدرون أين هو. قوله: (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) صحح ابن حجر هذه الرواية، وضعف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة، وأنهم كشفوا عن وجهه، وصلوا عليه، وهذا مذكور في الفتح، في الجزء الثالث عشر. تراجم رجال إسناد أثر جابر (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبيد الله يعني: ابن موسى ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شيبان ] هو شيبان بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن أبي الجعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله قد مر ذكره. شرح حديث ( لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله)]. سبق ذكر بعض الأحاديث التي أوردها أبو داود في سننه في خبر ابن صياد ، والذي كان أمره مشتبهاً هل هو الدجال أو غير الدجال، ولكنه لا شك من جملة الدجاجلة الذين أخبر عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون، كل يزعم أنه رسول الله). وهو وإن لم يكن الدجال الأعظم فهو من جملة الدجاجلة الذين جاءوا قبل الدجال الأعظم، والذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الساعة لا تقوم حتى يزعم كل واحد من هؤلاء الدجالين أنه رسول الله، ومحمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين لا نبي بعده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فإيراد أبي داود رحمه الله هذا الحديث في باب ابن صياد يفيد أن ابن صياد هو من جملة الدجاجلة وإن لم يكن هو الدجال الأعظم. تراجم رجال إسناد حديث ( لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد ]. عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء ]. هو العلاء بن عبد الرحمن الحرقي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً دجالاً كلهم يكذب على الله وعلى رسوله) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله بأنه: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً كذاباً، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله). تراجم رجال إسناد حديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً...) من طريق أخرى [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد يعني : ابن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة الوقاص الليثي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح أثر عبيدة السلماني في عد المختار الثقفي من الدجالين الثلاثين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني بهذا الخبر، قال: فذكر نحوه، فقلت له: أترى هذا منهم يعني المختار ؟ فقال عبيدة : أما إنه من الرءوس ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عبيدة السلماني أنه قيل له: أترى المختار -أي: المختار بن أبي عبيد الثقفي - منهم؟ أي: من هؤلاء الدجالين؛ قال: إنه من الرءوس، يعني: من رءوس الدجالين. و المختار بن أبي عبيد الثقفي هو الذي جاء فيه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يخرج من ثقيف كذاب ومبير)، وهذا هو الذي قالته أسماء بنت أبي بكر في الحجاج لما قتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، قالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا (أنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير)، فأما الكذاب فقد عرفناه، وهو المختار بن أبي عبيد هذا، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، تعني: فلا أظنه إلا أنت، والمبير هو المهلك. قوله: [ قال عبيدة : أما إنه من الرءوس ]. يعني: من رءوس الدجاجلة ومن كبارهم. تراجم رجال إسناد أثر عبيدة السلماني في عد المختار الثقفي من الدجالين الثلاثين قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ]. عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيدة ]. هو عبيدة بن عمر السلماني ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا من رواية المغيرة عن إبراهيم ، ومغيرة معروف بالتدليس ولاسيما عن إبراهيم ، وقد ضعف الألباني هذا، ولعله بسبب رواية مغيرة عن إبراهيم . الأسئلة عدم معرفة الجن للأشياء التي لم يمكنهم الله منها السؤال: هل في حديث الخبيئة دليل على عدم قدرة الجن على معرفة ما في نفس الإنسان؛ لأنه ما عرف الذي خبأه النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً؟ الجواب: الجن كما هو معلوم يعلمون الأشياء التي يقدرون عليها ويمكنهم الله منها، ولا يعلمون الشيء الذي لا يقدرون عليه، ولهذا جاء في القرآن ما يدل على ذلك في سورة سبأ، حيث قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14]. حكم من سمى نفسه ابن صياد السؤال: ما رأيكم فيمن يسمي نفسه ابن صياد، أو الصياد ؟ الجواب: التسمية بصياد ما فيها بأس. احتمال أن يكون ابن صياد هو الدجال السؤال: ما الذي يمنع أن يكون ابن صياد هو الدجال ، فقد يكون ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرج في آخر الزمان؟ الجواب: جاء عن أبي سعيد وغيره أنه مات والله أعلم، وأما إذا كان لم يمت، وأنه فقد فيحتمل أن يكون هو، ويحتمل أن يكون غيره. التوفيق بين خبر (أن الدجال موثق في جزيرة) وبين خبر (أنه يخرج من أصبهان) السؤال: جاء في قصة الدجال أنه في جزيرة، لكن ذكرنا أنه يخرج من أصبهان وهي ليست بجزيرة، فكيف التوفيق بين ذلك؟ الجواب: ربما إذا أطلق في آخر الزمان أن يذهب إلى ذلك المكان ويخرج منه. حكمة تسمية الجساسة بهذا الاسم السؤال: لماذا سميت الجساسة بهذا الاسم؟ الجواب: هي قالت عن نفسها أنها الجساسة، وقالوا عنها في تعليل ذلك أنها تتجسس للدجال، والله تعالى أعلم. نداء: (الصلاة جامعة) يكون بغير لفظ الأذان السؤال: ألا يمكن أن يقال في قول فاطمة : (نادى أن الصلاة جامعة) ليس المقصود نافلة، وإنما الإعلام بدخول الوقت ليجتمع الناس لصلاة العشاء، فيوفق بين الحديثين؟ الجواب: قولها: (نادى أن الصلاة جامعة)، هو غير لفظ الأذان، وهذا كما ينادى لصلاة الكسوف فيقال: الصلاة جامعة، ولا يقال: الله أكبر! الله أكبر! كما في الأذان. عجز التطور العلمي عن معرفة مكان الدجال السؤال: هل يمكن البحث الآن عن الدجال لرؤيته، لاسيما مع التطور العلمي؟ الجواب: إذا شاء الله عز وجل أن يعمي أمره على الناس عمى عليهم أمره ولم يهتدوا إليه، ولو حصل ذلك التطور العلمي، وهذا كما بقي بنو إسرائيل أربعين سنة يتيهون في الصحراء ومع ذلك ما اهتدوا هم، ولا علم بهم أحد مدة أربعين سنة. فكذلك بالنسبة للدجال، فيمكن أن الناس يعمى عليهم أمره فلا يهتدون إليه. هل قول ابن صياد (أشهد أنك رسول الأميين) يدل على أنه الدجال؟ السؤال: ألا يدل قول ابن صياد : (أشهد أنك رسول الأميين) أنه هو الدجال؛ لأنه نفس اللفظ الذي سأل عنه الدجال في قصة تميم بن أوس الداري حين قال: خرج نبي الأميين؟ الجواب: هذا ليس بلازم، فهذا دجال وهذا دجال، وكل واحد قال كلاماً. ادعاء ابن صياد أنه نبي السؤال: هل ادعى ابن صياد أنه رسول؟ الجواب: نعم، فإنه ورد عنه أنه قال: (أتشهد أني رسول الله؟ قال: آمنت بالله ورسله). الحكم إذا ثبت أن ابن صياد أسلم السؤال: إذا ثبت أن ابن صائد قد أسلم فكيف يسوغ لنا أن نقول عنه إنه دجال؟ الجواب: أقول: إذا ثبت أنه أسلم فهو دجال في زمانه، أي: في زمان دجله وكذبه، فليس بلازم أن يموت على الكفر وادعاء النبوة، لكن هل ثبت أن ابن صياد أسلم؟ الله أعلم. أكبر دجل ابن صياد السؤال: ما هو أكبر دجل ابن صياد؟ الجواب: أكبر دجل ابن صياد أنه ادعى النبوة. حكم من ادعى أن رسول الله أرسل إلى العرب خاصة السؤال: ما حكم من يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة، ولكل قوم نبي؟ الجواب: من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ليست رسالته عامة إلى الناس جميعاً فليس بمسلم، بل كافر، ومن قال: إن رسالته مقصورة على العرب دون غيرهم فهو كافر؛ لأنه مكذب بالقرآن، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، وقال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وقال في سورة الرحمن: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] أي: يتلو ذلك على الجن والإنس. فمن زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رسول للعرب خاصة فهو كافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وبعثت إلى الناس عامة). تقييد الدجالين بالعدد ثلاثين السؤال: قوله: (ثلاثون دجالاً) هل صفة العدد معتبرة؟ الجواب: في بعض الروايات (ثلاثين)، وفي بعضها (ثلاثون)، والعدد معتبر، لكن هل يزيد على ذلك؟ الظاهر أنه لا ينفي أن يوجد شيء أكثر من ذلك، لكن هذا العدد لا بد وأن يكون وقد كان، قال بعض أهل العلم: إن منهم مسيلمة الكذاب و الأسود العنسي ، وبعد ذلك ظهور المختار بن أبي عبيد ، وظهر جماعة. و المختار هذا هو أخو صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم. حكم إطلاق لفظ الدجال على رءوس المبتدعة السؤال: ما رأيكم في إطلاق لفظ الدجال في عصرنا على رءوس المبتدعة؟ الجواب: المبتدعة الذين يظهر منهم الكذب والافتراء، لاشك أن للفظ ينطبق عليهم، والمحدثون يذكرون أن من أشد صيغ التجريح هي: كذاب، ودجال، أو أكذب الناس، أو إليه المنتهى في الكذب، أو ركن الكذب، فكل هذه من أشد صيغ التجريح." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [488] الحلقة (519) شرح سنن أبي داود [488] لقد أمرنا الله عز وجل بإنكار المنكر وجعله على درجات حسب إيمان العبد واستطاعته، فبدأ التغيير باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب، ثم حذرنا الشارع من ترك هذا الركن العظيم؛ لأنه سبب رئيس لسخط الله وعقابه. ما جاء في الأمر والنهي شرح حديث (... لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأمر والنهي. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ))[المائدة:78]، إلى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:81]، ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الأمر والنهي. والمقصود بالأمر والنهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أورد أبو داود هذا الباب في كتاب الفتن والملاحم وذلك لأن من تلك الأمور التي هي فتن وملاحم أمور محرمة ومنكرة، فالفتن والنهي عنها والحث على الابتعاد منها هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلعل أبا داود رحمه الله أورده من أجل هذه الصلة التي بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتن والملاحم التي تجري والتي يكون المسلم فيها بعيداً عنها ولا يشارك فيها، وأن يكون حذراً ويقظاً وبعيداً عنها، فلعله من أجل ذلك أورد أبو داود هذا الترجمة تحت هذا الكتاب. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الواحد منهم كان يلقى أخاه، فيقول له -وقد ارتكب معصية-: يا هذا! اتق الله، ثم بعد ذلك لا يلبث حتى يلقاه من الغد، فيكون أكليه وشريبه وجليسه)، والأكيل والشريب والجليس بمعنى أنه يؤاكله ويجالسه ويشاربه، وينبسط معه، ولا يحصل منه شيء من التأثر، ولا يرى في وجهه شيئاً من التغير بسبب ما حصل منه من المنكر. ثم تلا قول الله عز وجل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79]. فبين أن هذا من أسباب ما حصل لبني إسرائيل من اللعن، وأنه كان بسبب تخليهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)]. الأطر الإلزام والمقصود به: إلزامه بالحق. قوله: (ولتقصرنه) أي: تحبسونه عليه بحيث لا يتعداه ولا يتجاوزه إلى ما هو منكر ومحرم، بل يكون واقفاً عند حدود ما هو معروف، وبعيداً عما هو منكر. تراجم رجال إسناد حديث: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يونس بن راشد ]. يونس بن راشد ، هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن علي بن بذيمة ]. علي بن بذيمة ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبيدة ]. أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو منقطع، ولهذا ضعف الألباني الحديث. إسناد حديث: ( ... لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ... ) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا خلف بن هشام حدثنا أبو شهاب الحناط عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن سالم عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، زاد : (أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وفيه زيادة قال: (أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم). قيل معناه: إنه يخلط هذه القلوب ويضرب بعضها ببعض، فلا يصل إليها خير، ولا تكون على هدى. قوله: [ (ثم ليلعنكم كما لعنهم) ] يعني: في قوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78]. أي: بسبب عدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر. تراجم رجال إسناد حديث: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر .. ) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا خلف بن هشام ]. خلف بن هشام ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا أبو شهاب الحناط ]. وهو: عبد ربه بن نافع، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي . [ عن العلاء بن المسيب ]. العلاء بن المسيب، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عجلان الأفطس ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي عبيدة عن ابن مسعود ]. وقد مر ذكرهما. [ قال أبو داود : رواه المحاربي عن العلاء بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن مرة عن سالم الأفطس عن أبي عبيدة عن عبد الله ، ورواه خالد الطحان عن العلاء عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ]. يعني: أن فيه اختلافاً قبل أبي عبيدة، فالطريق الأولى فيها: عمرو بن مرة ، والطريق الثانية فيها: المحاربي، قال: عبد الله بن عمرو بن مرة بدل عمرو بن مرة، والطريق الثالثة: خالد الطحان ، وليس فيها ذكر سالم . [ قال أبو داود : رواه المحاربي ]. وهو عبد الرحمن بن محمد لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن مرة ]. عبد الله بن عمرو بن مرة صدوق يخطئ، أخرج له ابن ماجة . [ عن سالم الأفطس عن أبي عبيدة عن عبد الله ]. وقد مر ذكرهم. [ ورواه خالد الطحان ]. خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ]. يعني: مثل الذي قبله، فليس فيه سالم . شرح حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم المعنى، عن إسماعيل عن قيس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: (( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))[المائدة:105]، قال عن خالد : وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وقال عمرو عن هشيم : وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكر رضي الله عنه، الذي قال فيه: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. وبعض الناس قد يفهم منها ترك الأمر والنهي، ولكن أبا بكر رضي الله عنه بين أن هذا وضع لها على غير موضعها، وأن هذا إنما يكون إذا حصل منه الأمر والنهي، وأدى الواجب الذي عليه، ثم بعد ذلك لا يضره من ضل. وأما ألا يحرك ساكناً، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر فإن ذلك يضره، ولهذا جاء في الآية قال تعالى: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، ولا شك أن من جملة الاهتداء أن يكون الإنسان يهدي ويرشد غيره إلى الصواب والحق والهدى، وذلك عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية تشعر وتشير إلى هذا الذي ذكره أبو بكر رضي الله عنه، وهو قوله: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، فإنه ليس المقصود بذلك أن الإنسان يكون على استقامة ولا يحرك ساكناً، ولا يعنى بهداية وإصلاح الناس، ويتركهم على ما هم عليه من المنكرات، بل إن مقتضى الاهتداء أن يكون أيضاً هادياً كما كان مهتدياً، وهذا من الاهتداء كونه يهدي غيره فتعود منفعته عليه، وذلك بأن يؤجر بمثل أجور من استفاد خيراً بسببه، ومن اهتدى بسببه فإن الله تعالى يثيب المهتدي الذي اهتدى على يديه ويثيب من كان سبباً في هدايته بمثل أجره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً). وعلى العكس من ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). وعلى هذا فالآية الكريمة لا تفهم على أن الناس يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم إذا كانوا مهتدين لا يضرهم ضلال من ضل، بل الأمر إنما هو مبني على أنهم إذا أمروا ونهوا فلم ينتفع بأمرهم ونهيهم فعند ذلك لا يضرهم ضلال من ضل إذا كانوا مهتدين. قوله: [قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: (( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))[المائدة:105]، قال عن خالد : وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) ]. وهذا يبين أن الآية ليس المقصود بها ترك الأمر والنهي، وإنما المقصود بها الأمر والنهي، وأنهم إذا تركوا الأمر والنهي فإنه يوشك أن يعمهم العقاب بسبب المعاصي، وذلك العقاب لا يخص من كان عاصياً، بل يصيب العاصي وغير العاصي، كما قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، فتصيب الظالم وغير الظالم، وكما في الحديث الذي فيه (أنه يخسف بهم، وقال: إنهم يبعثون على نياتهم). [ وقال عمرو عن هشيم : وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لايغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) ]. وهذا أيضاً يبين أن تكون المعاصي في قوم يقدرون على أن يغيروا ولم يغيروا، فإن الله يعمهم بعقاب أو بعذاب. إذاً: فقوله: (وهم يقدرون على أن يغيروا) ليس معنى ذلك أن الإنسان يترك الأمر والنهي ويقول: لا يضرني من ضل إذا اهتديت، فهذا هو الذي جعل أبا بكر رضي الله عنه يبين أن المقصود بها: لا يضره بعد قيامه بما أوجب الله عليه، أما وهو لم يقم بما أوجب الله عليه فإنه آثم، لتركه الأمر والنهي. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية الواسطي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. إسماعيل بن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس ]. قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكر ]. هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو أول الخلفاء الراشدين، خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. و قيس بن أبي حازم هذا من المخضرمين، وهو الذي قيل عنه إنه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنه متقدم وقد روى عن المتقدمين. [ قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: في رواية أبي بكر من طريق خالد. شرح حديث: (إن الناس إذا رأوا الظالم...) من طريق أخرى [ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، قال شعبة فيه: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمل) ]. هذا الذي جاء عن خالد جاء عن غيره، وقد جاء عن شعبة أنه قال: هم أكثر ممن يعمله؛ لأنه إذا كان الصالحون والمستقيمون أكثر فمعناه أنه يكون هناك قوة وقدرة على منعهم من فعل المنكر، وكونهم يتركون ذلك فإنهم يوشك أن يعمهم الله بعذاب؛ لأن القدرة موجودة، ولكونهم أكثر من أولئك المنحرفين الذين هم بحاجة إلى أن ينهوا عن المنكر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي، وقد يكون واجباً عينياً إذا لم يكن هناك غير هذا الإنسان ممن يقوم مقامه، فإنه يتعين عليه، وأما إذا وجد من يقوم بهذا الأمر فإنه يكون فرض كفاية. فإذا قام به من يكفيه سقط الفرض عن الباقين، ولكنه قد يتعين بحيث يكون في أناس لا يوجد فيهم من يقوم بذلك إلا هو، فيكون بذلك متعيناً عليه، لأنه ليس هناك من يقوم مقامه ويكفي عنه. [ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أبو إسحاق أظنه عن ابن جرير عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو) ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو). هذا مثل الذي قبله، وفيه أنه إذا كان قوم فيهم منكر وهم قادرون على تغييره ولم يغيروه، فإنه يصيبهم العذاب قبل أن يموتوا، أي: يعجل الله لهم العذاب في هذه الحياة الدنيا، والعذاب كما هو معلوم يكون بأنواع متعددة، فقد يكون عن طريق الهلاك، وقد يكون عن طريق المرض، أو عن طريق الابتلاء والفتن وما إلى ذلك، فيفتن الإنسان فيحصل له عذاب في الدنيا على عدم القيام بالأمر والنهي الذي هو واجب ومتعين عليه. وإذا غلب على الظن أن هذا الذي يفعل المنكر لا يستمع النصيحة فهل يترك فتكون الآية على ظاهرها: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ [المائدة:105] ؟ الظاهر أنه إذا كان سيحصل الفائدة ينصح، ولكن الإنسان كونه يبذل النصيحة هو على خير سواء قبلت النصيحة أم لم تقبل. تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جرير ]. ابن جرير قيل: هو المنذر . وقيل: عبيد الله بن جرير ، وكأنه عبيد الله . وعبيد الله بن جرير بن عبد الله البجلي ، مقبول، وفي الأسماء رمز له بـ(ق) يعني: في ابن ماجة، وفي الأبناء رمز له بـ(د). وكذلك المنذر بن جرير مقبول، لكن أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء و هناد بن السري قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده). وقطع هناد بقية الحديث، وفّاه ابن العلاء : (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمنان). وهذا لفظ مسلم ، و أبو داود هنا ذكره عن شيخين، أحد شيخيه هناد بن السري ذكره مختصراً، وقف عند قوله: (من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده). وأما شيخه الثاني وهو محمد بن العلاء فوفاه، يعني: أتى به وافياً وكاملاً حيث قال بعد ذلك: (فإلم يستطع فبلسانه، فإلم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). وهذا فيه بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على درجات: الدرجة الأولى: التغيير باليد التي يكون معها إزالة المنكر والقضاء عليه، وهذا يكون ممن يملكه كالسلطان ونوابه الذين يستطيعون أن يغيروا المنكر بأيديهم وبقوتهم، وكرب البيت فإنه قادر على التغيير بيده، فإن له ولاية على أهل البيت، فيستطيع أن يقضي على المنكر الذي يكون في بيته. فإن لم يستطع فلينتقل إلى الدرجة الثانية وهي: التغيير باللسان، وذلك أن يأمر وينهى، ويبين المنكر ويحذر منه، ويحذر من مغبته وعواقبه الوخيمة. فإن لم يستطع فيلنتقل بعد ذلك إلى الإنكار بالقلب، وليس أمامه إلا التغيير بالقلب، وذلك بأن يتأثر وأن يظهر ذلك عليه، وليس ذلك بمجرد كونه في قلبه أو أنكر بقلبه ولم يظهر ذلك التأثر على صفحات وجهه، بل يتأثر بحيث إن الإنسان إذا رئي يظهر عليه التأثر والاكتئاب وعدم الرضا، والكراهية لذلك المنكر الذي لم يستطع أن يغيره بلسانه، وذلك أضعف الأيمان، وهذا أقل شيء، فالإنسان ينكر بقلبه لأنه لا يستطيع ما هو أعلى من ذلك، والحديث من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقد اختاره النووي من جملة الأربعين التي جمعها، وهي تبلغ اثنين وأربعين حديثاً، وهي من جوامع الكلم، ولهذا أضاف إليه ابن رجب ثمانية أحاديث فأكملها الخمسين، وشرحها في مجلد سماه: (جامع العلوم والحكم في شرح الخمسين حديثاً من جوامع الكلم)، وهو كتاب نفيس مشتمل على الآثار عن السلف، كما هي عادة ابن رجب في أجزائه الحديثية ومؤلفاته الحديثية؛ لأنه يعنى بالنقول عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الآثار المتعلقة بموضوع الحديث الذي يشرحه، وهو كتاب نفيس وعظيم. تراجم رجال إسناد حديث: ( من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره ) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء أبو كريب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و مسلم وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا أبو معاوية ]. محمد خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن رجاء ]. إسماعيل بن رجاء بن ربيعة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وعن قيس بن مسلم ] قيس بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طارق بن شهاب ]. طارق بن شهاب رضي الله عنه صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. تعليق الإمام النووي على حديث: ( من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره فليغيره ) ويوجد كلام للنووي في (عون المعبود) حول هذا الحديث. قال في (عون المعبود): قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم : ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، والذي عليه الأمر والنهي لا القبول، ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟! وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. قال: وهذا الباب -أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيله رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم لاسيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]. وقال: ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته، وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها. وصديق الإنسان ومحبه هو من يسعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من سعى في ذهاب دينه أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. انتهى ملخصاً. الأسئلة لزوم مفارقة مكان المنكر بعد الإنكار بالقلب السؤال: هل يشترط في المرتبة الثالثة -الإنكار بالقلب- مفارقة المكان الذي حصل فيه المنكر؟ الجواب: أقول: لا شك أن مفارقة المكان هذا يؤثر ويفيد. هجران أماكن المنكرات فيه السلامة السؤال: هل يكفي الإنكار بالقلب فقط دون أن يخرج من مكان المنكر مع أنهم لا يزالون ماضين في منكرهم، وهو جالس معهم ويقول: أنا أنكر بقلبي؟ الجواب: الخروج من مشاركتهم وعدم مجالستهم لا شك أنه هو الذي فيه السلامة له. حكم الإنكار باليد على من ليس له عليه ولاية السؤال: هل لي أن أنكر المنكر بيدي إذا تحققت من أنه لا يحصل بذلك مضرة، وليس لي سلطان أصلاً على هذا المنكر؟ الجواب: ليس للإنسان أن ينكر بيده شيئاً لا يملكه وليس من أهله؛ لأن هذا وإن ظن أنه لا يضره فقد يكون الأمر بخلاف ظنه، فيترتب على ذلك مضرة عليه وعلى غيره. حكم الوقوف بعيداً عن النبي صلى الله عليه وسلم عند السلام عليه السؤال: نرى بعض الناس يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم من بعد، فهل يجب علينا أن نأمرهم وننهاهم، أم يكفي قيام هيئة الأمر بالمعروف بذلك؟ الجواب: قد تكون الهيئة والمسئولون ما رأوا هذا الشخص الذي رأيته، فكونك تنبهه وترشده إلى أن هذه الهيئة غير صحيحة لا بأس، وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يقول في آخر المنسك عند الكلام على زيارة المدينة: إن هذا أقرب إلى الجفا منه إلى المحبة والصفا، يعني: كون الإنسان يقف في مكان بعيد ويسلم، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما كان بين أظهرهم، ما كان الواحد منهم يقف في مكان بعيد ويستقبل المكان الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم -سواء في الحجرة أو في غير الحجرة- ويسلم هذا السلام، وإنما كان الواحد يمشي حتى يصل إليه، ويقول: السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته، وأما أن يقف في مكان بعيد ويسلم فهذا غير صحيح. حكم الأمر بالمعروف في وقت الفتن السؤال: نقل عن الشيخ عبد العزيز رحمة الله عليه أنه ذكر في مجلة الجامعة في أحد الأعداد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون فرض عين في زمن الفتن كهذا الزمان؟ الجواب: معلوم أنه في الفتن وغير الفتن إذا وجد من يقوم بهذا الأمر حصلت الكفاية كما يبدو بغض النظر عن هذا الكلام الذي نسب إليه هل صحيح أو غير صحيح. إنكار الأغاني ببيان أدلة التحريم السؤال: نحن نركب مع أصحاب السيارات فيفتحون الأغاني، ونقول لهم: نحن لا نحب أن نسمع هذا فهلا أغلقت هذا؟ فيفعل، فهل يكفي هذا أم لابد من بيان وجه التحريم والدليل؟ الجواب: يمكن أن يقول هذا أولاً، ثم بعد ذلك يبين له، فكونك تسمع فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، أنت بذلك تجني على نفسك وتجلب لها العذاب، وتسعى إلى إغراقها، فتبين له الأحاديث في ذلك. فلا يكفي أن يقول: نحن لا نحب هذا، يعني فيغلقه مادام أنهم موجودون وإذا ذهبوا يفتحه، وإنما عليه أن ينبهه حتى يتخلص من ذلك نهائياً، لا أن يتخلص منه مادام راكباً معه، فإذا نزل فتحه. حديث: ( من رأى منكراً ... ) وادعاء القلب فيه السؤال: إن المؤمن إذا رأى المنكر فإن أول ما يقع في نفسه الإنكار القلبي، ثم يتطور مع القدرة إلى الإنكار القولي، أو الإنكار الفعلي إن كان يستطيع ذلك، فصار الحديث كأنه فيه قلب؟ الجواب: لا ليس فيه قلب، فالمنكر موجود والمطلوب تغييره، فما هي الطرق المطلوبة لتغييره؟! إذا وجدت الطريق العليا التي فيها الخلاص منه انتهى الأمر، فلا يحتاج إلى القول ولا إلى إنكار القلب، ويتنزل فيها حسب المراحل، والإنكار بالقلب لابد منه، ومعلوم أنه لا يحصل التغيير باليد إلا مع التأثر بالقلب، وفيما قاله بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه شيء وقر في القلب وصدقته الأعمال. حكم الشخص إذا رأى آخر يشرب سيجارة فقام بكسرها السؤال: طالب رأى طالباً آخر يشرب الدخان فأخذ منه السجارة فكسرها، فهل عمله صحيح؟ الجواب: عمله ليس صحيحاً؛ لأنها في جيبه وسيخرج مكانها واحدة أخرى وثانية.. وثالثة.. ورابعة.. وعاشرة، ولكن العمل الصحيح أن ينبهه ويبين له خطأه وأضراره على جسمه وماله وعلى علاقته بالناس الآخرين، لأنه يؤذيهم، فيبين له ذلك. وأما كونه يستعمل هذا الدخان فكونك ضيعت عليه حبة من هذه الأشياء التي كان يستعملها ما استفاد شيئاً ولكن الفائدة كونه يبين له حتى يتخلص مما معه، وحتى يبتعد عن ذلك في المستقبل، وحتى يهتدي على يديه، فهذا هو الذي ينبغي له. علامة التأثر القلبي من المنكر تظهر على الوجه السؤال: قلتم أن التغيير بالقلب يلزم منه تغير الوجه، وأن ذلك أضعف الإيمان، السؤال، فإذا كان تغير قسمات الوجه عند تغييره بقلبه يجلب له السوء والضرر، أي: أن تمعر الوجه قد يسبب له ضرراً إذا رئي، فما الحكم؟ الجواب: هذا -كما هو معلوم- لا يحصل فيه تكلف، وإنما يحصل بالشيء الذي يكون في قلبه، فمن شدة التأثر يظهر ذلك على وجهه، وليس فيه تكلف. الفرق بين النصيحة والإنكار السؤال: هل هناك فرق بين النصيحة والإنكار؟ الجواب: النصيحة أعم، فهي تكون بالأمر والنهي، وأما الإنكار فيكون بالنهي، وتكون في الأمور المحرمة، وأما النصيحة فهي عامة تشمل الأوامر والنواهي، والدعوة إلى كل خير، والتحذير من كل شر، فهي أعم من الإنكار. ضعف إيمان من لا يغير المنكر بقلبه السؤال: الذي لا يستطيع تغيير المنكر إلا بالقلب، هل يدل هذا على أن إيمانه ضعيف؟ الجواب: لا شك أن ذاك الذي يغير بلسانه وبقلبه يكون أكمل وأقوى، فهو من جنس قوله: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير). يعني: كلهم في خير، ولكن بعضهم أحسن من بعض، وأقوى من بعض. علاقة التغيير بإنكار القلب السؤال: كيف يسمى إنكار المنكر بالقلب تغييراً مع أن المنكر باق على حاله؟ الجواب: كما هو معلوم حتى الإنكار باللسان فالمنكر يكون باق على حاله، مع وجود البيان بالقول، فقد يتكلم الإنسان بالقول ولا يحصل التغيير، وكونه يظهر عليه التأثر قد يكون ذلك سبباً في استفادة الشخص الواقع في المنكر، كما أن القول باللسان يمكن أنه يؤثر، فأيضاً ظهور ذلك على وجه الإنسان قد يكون مؤثراً ومفيداً. لا يلزم من إنكار المنكر الرؤية السؤال: هل يلزم رؤية المنكر للإنكار، أم يكفي مثلاً إذا سمعت أن فلاناً يعمل منكراً أذهب لأنكر عليه؟ الجواب: لا يلزم ذلك، فإذا كنت قد تحققت من هذا، وثبت لديك ذلك وإن لم تره فعليك أن تنصحه، وأن تبين له خطورة ذلك، إذا كان ذلك ثابتاً، فليس لازماً للإنسان ألا ينكر إلا شيئاً رآه وشاهده وعاينه، بل إذا شهد عنده ثقاة بأنه حصل من فلان كذا وكذا، فإنه ينصح ذلك الذي حصل منه وإن لم يكن شاهد ذلك وعاينه. العيش في مجتمعات المعاصي يضعف الإيمان السؤال: هل صحيح أن العيش في مجتمعات تعج بالمعاصي والمنكرات يفقد القلب إنكاره للمنكر، ويضعف الإيمان؟ الجواب: أقول: لاشك أنه إذا كثر الإمساس قل الإحساس، وقد تألف النفوس هذا الشيء بالسكوت عليه وعدم التأثر منه، فيصير شيئاً مألوفاً. حكم المشاركة في الانتخابات لأجل تغيير المنكر السؤال: هل المشاركة في الانتخابات من تغيير المنكر باليد، حيث إن الإنسان يختار الرجل الصالح ليكون حاكماً؟ الجواب: هذه الانتخابات ليست من الطرق الشرعية، وإنما هي من الطرق الوافدة على المسلمين من أعدائهم، والحكم فيها للغلبة ولو كانت الأغلبية من أفسد الناس، أو كان الذي ينتخبونه من أفسد الناس؛ لأنهم ينتخبون واحداً منهم، والحكم للغلبة، وحيث يكون الغلبة أشراراً فإنهم سيختارون شريراً منهم. والدخول في الانتخابات إذا لم يحصل من ورائه فائدة ومصلحة فلا يصلح، ولكن إذا كان سيترتب عليه مصلحة من أن الأمر يدور بين شخصين أحدهما سيء والثاني حسن، ولو لم يشارك في تأييد جانب ذلك الحسن فإنه تغلب كفة ذلك السيئ، فإنه لا بأس بالمشاركة من أجل تحصيل تلك المصلحة ودفع المضرة. بل لو كان الأمر يدور بين شخصين أحدهما شرير والثاني دونه في الشر كما يحصل في بعض البلاد التي فيها أقليات إسلامية والحكم فيها للكفار، فإذا صار الأمر يدور بين كافرين أحدهما شديد الحقد على المسلمين, وشديد المعاداة لهم، ويضيق عليهم، ولا يمكنهم من أداء شعائرهم، والثاني مسالم، ومتعاطف مع المسلمين، وليس عنده الحقد الشديد عليهم، فلا شك أن ترجيح جانب من يكون خفيفاً على المسلمين أولى من ترك الأمر بحيث يتغلب ذلك الكافر الشديد الحقد على المسلمين. ومعلوم أنه جاء في القرآن أن المسلمين يفرحون بانتصار الروم على الفرس، وهم كفار كلهم، لكن هؤلاء أخف؛ لأن هؤلاء ينتمون إلى دين، وأولئك يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين، وإن كان الجميع كفاراً، لكن بعض الشر أهون من بعض. ومن قواعد الشريعة ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، فإذا ارتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما فإن هذا أمر مطلوب. فالحاصل أن الانتخابات في الأصل هي وافدة على المسلمين وليست مما جاء به دينهم، والمشاركة فيها إذا كان سيترتب على ذلك ترجيح جانب من فيه خير على من فيه شر ولو ترك ترجح جانب من فيه شر، فلا بأس بذلك، وكذلك عندما يكون كل منهما شرير، ولكن أحدهما أخف، وأريد ترجيح جانب من كان أخف، كما ذكرت في حق الكافرين اللذين يرجح جانب أحدهما من أجل عدم حصول الضرر من ذلك الذي يكون أشد خبثاً وحقداً على المسلمين، فإنه والحالة هذه يسوغ الانتخاب لهذه القاعدة بارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما. فلا يجوز أن يشارك في الانتخابات إلا إذا كان الأمر يدور بين خير وشر، وإذا لم يشارك في تأييد الخير سيتقدّم الشرير على غيره، فيجوز الدخول في الانتخابات من أجل تحصيل هذه المصلحة، أو يكونا اثنين خبيثين لكن أحدهما أخف على المسلمين من الآخر، ويمكِّنهم من إقامة شعائرهم، فمثل هذا إذا رجح جانبه من قبل الأقليات الإسلامية لا بأس بذلك؛ لأنهم لا يختارون إماماً للمسلمين، وإنما يختارون واحداً متعاطفاً معهما، فهما شران لا بد منهما، وبعض الشر أهون من بعض، فمن كان أصلح لهم وأخف ضرراً عليهم فإن ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما أمر مطلوب. والحاصل: أن الدخول في الانتخابات ليس على إطلاقه، والأصل ألا يدخل فيها إلا إذا حصل في الدخول مصلحة بأن كان الأمر دائراً بين شرير وطيب، أو بين شريرين أحدهما أخف من الآخر، وكان ترك المشاركة يؤدي إلى تغلب من هو أخبث وأشد؛ ففي هذه الحالة لا بأس بذلك من أجل ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما. مناسبة عقد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب الفتن السؤال: ألا تكون المناسبة بين هذا الباب وبين كتاب الفتن: أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في الفتن؟ الجواب: بلى، فلا شك أن هذا من أسباب الفتن، وأيضاً فإن الفتن مع وجودها وحصولها يحتاج فيها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بعدم الدخول فيها. وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل وقت السؤال: ألا يمكن أن يقال: إنه لا حجة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمجرد حصول الفتن والملاحم، بل لا بد من ذلك في سائر الأوقات؟ الجواب: لاشك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوبان دائماً وأبداً، وليس ذلك في وقت دون وقت، أو حال دون حال. لزوم التدرج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال: هل يعارض هذا الحديث مسألة التدرج مع المدعو لتألفه وترغيبه؛ لأن الشدة والهجر له قد يزيد في غيه ومعصيته؟ الجواب: التدرج واللين أمران مطلوبان، أي: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكونان باللين والرفق ويكونان بالسر؛ حتى يكون هناك قبول. ولاشك أن الأخذ بالوسائل أمر مطلوب في الأمر والنهي، وهذه هي الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الأمر و النهي؛ لأن المقصود من الأمر والنهي هو حصول الفائدة، وكل شيء يكون به تحصيل الفائدة فلا شك أنه أولى ومطلوب، فالرفق واللين مطلوبان ويكون ذلك الأمر سراً، فلا شك أنه يفيد وتحصل من ورائه ثمرة، فلا تكون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علانية، ولا يكون بالشدة والغلظة، وإنما يكونان بالرفق واللين والسر. وكما أن الإنسان هو نفسه يعجبه أن ينصح سراً وأن يرفق به عند النصيحة، فعليه أن يعامل غيره أيضاً كما يحب أن يعامل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه). حال حديث: (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم) السؤال: ألا يوجد معارضة في قوله: (لتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً)، لأن فيه نوع من الشدة والقوة؟ الجواب: الحديث في إسناده أبو عبيدة عن أبيه، وهو لم يسمع منه، فالحديث إذاً غير صحيح، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكونان باللين، وإذا ما نفع فلابد من القوة ولا يترك الأمر والنهي، ولكن كما جاء في الحديث الذي سيأتي: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإلم يستطع فبلسانه، فإلم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على درجات، فمن الناس من يستطيع أن يغير بيده، ومنهم من يستطيع أن يغير بلسانه، ومنهم من لا يستطيع لا بهذا ولا بهذا، بل حظه ونصيبه أن يتأثر قلبه، ويظهر ذلك على وجهه بحيث يحصل منه التأثر، ويحصل منه التغيير الذي به يظهر الإنسان أمام من ينكر عليه بأنه منكر عليه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [489] الحلقة (520) شرح سنن أبي داود [489] إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع معرفة شروطه وبعض من أحكامه له أهمية كبيرة في حياة الناس عامة، وفي زمن الفتن وانتشار المعاصي خاصة، فهو سبيل النجاة للصالحين عند كثرة الأهواء، وتشعب الآراء، وطغيان الدنيا على القلوب والعياذ بالله! ولذا كان القائم بالأمر بالمعروف والصادع بالحق عند السلاطين الجائرين أعظم منزلة؛ وإن قتل فله أجر شهيد عند الله سبحانه وتعالى. تابع ما جاء في الأمر والنهي شرح حديث: (... بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي حدثنا ابن المبارك عن عتبة بن أبي حكيم قال: حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال: حدثني أبو أمية الشعباني قال: (سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة ! كيف تقول في هذه الآية: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105]؟! قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك -يعني: بنفسك- ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، وزادني غيره قال: يا رسول الله! أجر خمسين رجلاً منهم؟ قال: أجر خمسين منكم) ]. أوردها أبو داود رحمه الله في هذا الحديث، وهو حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً سأله عن قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. فالمقصود بالسؤال: أنه قد يفهم منها أن الإنسان إذا اهتدى لا يضره ضلال غيره إذا ضل، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس بالواجب، ولكن سبق أن مر حديث أبي بكر رضي الله عنه، حيث قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، ثم بين أن المقصود من ذلك بعد أن يأمر الإنسان وينهى، وليس معنى ذلك أنه يترك الأمر والنهي، ولكنه إذا أدى ما عليه فعند ذلك لا يضره ضلال من ضل إذا اهتدى. أما أن يترك الأمر والنهي ويكفيه أن يكون قد اهتدى، فهذا ليس بصحيح، ولهذا استنتج من قوله: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، أن الاهتداء يقتضي أن يهدي غيره، وأن يرشد غيره، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. فلما سأل هذا الرجل أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: لقد سألت خبيراً، يعني: عندي علم في هذه الآية. فيريد أن يؤكد له أن الجواب عنده، وأنه سأل من عنده علم، ثم أخبر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. قوله: [(بل ائتمروا بالمعروف)]. يعني: ليأمر بعضكم بعضاً بالمعروف، ولينه بعضكم بعضاً عن المنكر، ولا يمسك الإنسان عن الأمر والنهي، ويتعلل بأنه قد اهتدى، وأنه لا يضره من ضل إذا اهتدى، بل عليه أن يأمر وينهى، وبعد ذلك يكون قد أدى الذي عليه، ويكون مأجوراً على أمره ونهيه، وإن حصل أن استجيب له فذلك هو المطلوب، وذلك خير على خير، وإن لم يحصل أن استجيب له فإنه مأجور على نصحه وأمره ونهيه، وبذله الخير لغيره. قوله: [ (حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً) ]. يعني: أن الناس غلب عليهم الشح والحرص على المال، والتنافس في تحصيله، والشح: بمعنى البخل، بل هو أشد البخل؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. والبخل عام وخاص؛ لأنه يطلق على بعض أفراد البخل ويقال له: شح، وليست كل أفراد البخل شحاً، وإنما يقال للجميع بخل، ويقال لكل ما كان أشد من غيره شح. قوله: [ (وهوىً متبعاً) ]. يعني: أن الناس اتبعوا أهواءهم، ولم يتبعوا ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، بل أعرضوا عن كتاب الله وعن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (ودنياً مؤثرة)]. يعني: أن الناس يؤثرونها ويحرصون عليها، ويؤثرون العاجلة على الآجلة، ويحبون العاجلة ولا يهتمون بالآجلة، بل ترى الإنسان يؤثر الدنيا على الآخرة، ويحرص عليها ويغفل عن الآخرة. قوله: [ (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) ] أي: أن يعجب الإنسان برأيه ولا يعول على نصوص الكتاب والسنة، وإنما يعول على رأيه، والحق هو التعويل على ما جاء في الكتاب والسنة، واطراح الآراء إذا كانت مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة. قوله: [ (فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام). يعني: عند ذلك عليك أن تجتهد في خلاصك ونجاتك، وتدع عنك الناس، وذلك لقلة الجدوى والفائدة؛ لأنها حصلت هذه الأمور التي انشغلوا بها عن الاستجابة والالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فإن من ورائكم أيام الصبر)]. يعني: إن من ورائكم أياماً الصبر فيها عظيم، ومما يحصل من فتن في تلك الأيام فالقابض على دينه فيها كالقابض على الجمر، يعني: من شدة الأهوال والفتن، فالذي يكون على الجادة يكون غريباً بين الناس، والقابض على دينه فيها كالقابض على الجمر. قوله: [ (فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبضٍ على الجمر)]. الذي يقبض على الجمر تجده يتململ ولا يستطيع أن يبقي الجمر في يده، بل يريد أن يتخلص منه، فالذي يصبر على دينه في ذلك الزمان كالقابض على الجمر، ومعناه: أن فيه شدة، والجمر يحرقه ويؤلمه، ولكنه مع ذلك متمسك بدينه كصبر القابض على الجمر. قوله: [ (للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)]. (للعامل فيهم) يعني: في ذلك الوقت، (مثل أجر خمسين يعملون مثل عمله) وزاد أحد الرواة في الرواية: (قيل: منهم؟ قال: بل منكم)، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم أعمالهم أفضل من غيرهم، وأن أي شخص من الصحابة هو أفضل من أي شخص يجيء بعدهم من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم؛ لأنهم شرفوا بصحبة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وشرفهم الله بالنظر إلى طلعته، وبسماع حديثه من فمه الشريف، فسمعوا صوته عليه الصلاة والسلام، ونقلوا السنة إلى من بعدهم، فهم الحاملون لما جاء عن الله وعن رسوله من الكتاب والسنة، والذين أدوها إلى من بعدهم، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كل أحد من الرواة يحتاج إلى معرفة حاله، إلا الصحابة فإنه يكفي الواحد منهم شرفاً أن يقال: إنه صحابي، ولا يحتاج إلى أن يبحث عن حاله، وهل هو ثقة أو غير ثقة، هذا شيء لا يذكر عند الصحابة، ولهذا لا يوجد في كتب التراجم عند ذكر الصحابي أن يقال: ثقة أو هو كذا.. أو هو كذا.. وإنما يكفيه شرفاً أن يقال: صحابي، أو له صحبة، أو صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن المجهول فيهم في حكم المعلوم، ولهذا يكفي أن يقال: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما لو جاء لفظ (رجل) في أثناء الإسناد فإن الحديث يكون بذلك ضعيفاً، وأما الصحابة رضي الله عنهم فالجهالة فيهم لا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. إذاً: ففضلهم لا يدانيهم فيه أحد، والأجر الذي يحصلونه لا يساويه أجر أحد يجيء بعدهم، وذلك لأن العمل القليل منهم لا يعادله عمل الكثير من غيرهم، وذلك لأن الذي حصل منهم إنما هو مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الجهاد مع النبي عليه الصلاة والسلام، والذب عن النبي عليه الصلاة والسلام، والدفاع عنه عليه الصلاة والسلام، وكان الإسلام غريباً في أول الأمر، وأهله فيهم قلة، ومع ذلك كانوا يتنافسون في الذب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويتسابقون ويفدونه بأرواحهم وأجسادهم عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالأجر الذي يحصله من جاء بعدهم لا يساوي ما حصلوه من الأجر والثواب ولاسيما فيما يتعلق بتبليغهم السنن، فإنهم الذين بلغوا الكتاب والسنة، ومعلوم أن كل من جاء بعدهم وبلغ سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن ذلك الصحابي الذي بلغ هذه السنة وحفظها عن النبي عليه الصلاة والسلام يكون له مثل أجور كل من عمل بهذه السنة من حين تبليغ الصحابي وإرشاده إلى نهاية الدنيا. تراجم رجال إسناد حديث: (.. بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ...) قوله: [ حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع سليمان بن داود العتكي الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عتبة بن أبي حكيم ]. عتبة بن أبي حكيم صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [ حدثني عمرو بن جارية اللخمي ]. عمرو بن جارية اللخمي مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والترمذي وابن ماجة . [ حدثني أبو أمية الشعباني ]. حدثني أبو أمية الشعباني هو: يحمد ، وهو مقبول أيضاً، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ سألت أبا ثعلبة الخشني ]. هو جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد فيه مقبولان، وفيه ذلك الذي هو صدوق يخطئ كثيراً؛ فضعفه الألباني ولكنه قال: إن ما يتعلق بالصبر، والأيام التي فيها الصبر، والقابض على دينه كالقابض على الجمر هذا كله صحيح، وأما بقيته الذي جاء في هذا الإسناد فهو ضعيف. شرح حديث: ( .. يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي أن عبد العزيز بن أبي حازم حدثهم عن أبيه عن وعمارة بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كيف بكم وبزمان أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه - فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟! قال: تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم) قال أبو داود: هكذا روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة..). والغربلة: أنهم يفتنون فيتميز الصالحون من غيرهم وتبقى حثالة كالنخالة التي تكون في المنخل عندما يغربل فيه الحب أو الدقيق، فإنه يسقط الشيء الخالص، ويبقى الحثالة التي لا تدخل من ثقوب المنخل، فهؤلاء الذين يبقون هم مثل الحثالة التي تبقى في المنخل، والذين فيهم الخير يخرجون كما يتساقط الدقيق أو الحب من فتحات أو من خروق المنخل. قوله: (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه -)]. قد مرجت عهودهم وأماناتهم، يعني: اختلطت وذهب الوفاء بها فتذهب الأمانات ولا يوفى بالعهود. قوله: [ (قد مرجت عهودهم وأمانتهم، واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه) ]. شبك بين أصابعه يعني: كما تتداخل الأصابع مع بعضها عند التشبيك بحيث تختلط وتمتزج، يكون هذا شأن هؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم. قوله: [ (فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟! قال: تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون) ]. يعني: كيف بنا إذا كان في ذلك الوقت، قال: تأتون ما تعرفون يعني: ما هو معروف، وتدعون ما تنكرون يعني: ما هو منكر أي: ما عرفتم أنه حق فاعملوا به، وما أنكرتم شيئاً ولم تعرفوا أحقيته فاتركوه. قوله: [ (وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم) ]. وتقبلون على أمر خاصتكم، يعني: كل يسعى لسلامة نفسه وحفظها، وكونهم مرجت عهودهم وأماناتهم، وصاروا بهذه الأوصاف والهيئات معناه أن الإنسان يحرص على أن يبقى سالماً، وألا يصيبه ما أصابهم، وألا يحصل له ما حصل لهؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم، ومعلوم أن الأمانات عامة تشمل كل ما بين الإنسان وبين ربه، وكل ما بينه وبين الناس، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]. أي: كل ما أمر به الإنسان سواء كان حقاً لله أو حقاً للمخلوقين فإن عليه أن يؤديه، وبذلك يكون أدى الأمانة، وإذا كان بخلاف ذلك فإنه يكون قد خان الأمانة، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، وكل هذه أمانات، وحقوق الآدميين أمانة، وعلى الإنسان أن يؤدي الأمانات. تراجم رجال إسناد حديث: ( .. يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة ... ) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ أن عبد العزيز بن أبي حازم حدثهم ]. عبد العزيز بن أبي حازم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ] . سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمرو ]. عمارة بن عمرو ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن عمر بن الخطاب و عبد الله بن الزبير بن العوام و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين وعبد الله بن عمرو أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : هكذا روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ]. يعني: أنه جاء من وجوه أخرى غير هذا الوجه، وغير هذا الطريق. شرح حديث: ( ... يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة ... ) من طريق أخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا الفضل بن دكين حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن هلال بن خباب أبي العلاء قال: حدثني عكرمة قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمرو من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- ..) . فكون الناس تخف أماناتهم ولا يؤتمنون وكذلك العهود لا يوفون بها فهذه من فتنة المحيا. قوله: [(مرجت عهودهم)]. يعني: أنهم كلهم على عدم الوفاء بالعهود، وكذا عدم الأمانة، فكلهم اختلطوا وصاروا بهذه الطريقة. قوله: [ (قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك)]. يعني: ابتعد عن الفتن. قوله: [ (واملك عليك لسانك) ]. يعني: لا تتكلم بما لا ينبغي، فلا تكون سبباً في الفتنة لا بقول ولا بعمل. قوله: [ (وخذ بما تعرف ودع ما تنكر) ]. يعني: ما عرفت أنه حق فخذ به، وما عرفت أنه منكر فدعه وابتعد عنه. قوله: [ (وعليك بأمر خاصة نفسك) ]. يعني: اجتهد في خلاصك، ولا تهلك مع من هلك، كما جاء عن بعض أهل العلم أنه قال: لا يغتر الإنسان بطريق الشر ولو كثر السالكون لها، ولا يزهد عن طريق الخير وإن قل السالكون لها، فليس العجب ممن هلك كيف هلك وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، لأن الهالكين كثيرون، والله تعالى يقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]. فالهلاك هو الغالب، ولهذا لا يستغرب حصول الهلاك، وإنما العجب من النجاة؛ لأن الناجين قليلون بالنسبة للهالكين، فليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، فلا يزهد الإنسان في طريق الخير لقلة السالكين، ولا يغتر بطريق الشر لكثرة الهالكين، فالإنسان يحرص على أن يكون من القليل الناجي ويحذر أن يكون من الكثير الهالك. قوله: [ (وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة) ]. يعني: حيث لا يجدي ولا يفيد عملك معهم شيئاً، أما إذا كان مفيداً، وينتفع الناس بالنصح والأمر والنهي فلا يعدل عنه. قوله: [ (جعلني الله فداك) ]. الصحابة رضي الله عنهم يفدون الرسول صلى الله عليه وسلم بأرواحهم وبآبائهم وأمهاتهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وبالنسبة للتفدية بالآباء والأمهات -أي قول: فداك أبي وأمي- هذا ما يعرف أنه قيل إلا في حق الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعز من الآباء والأمهات، وأحب إلى الناس من آبائهم وأمهاتهم؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يديه أعظم وأجل نعمة، ولهذا كانت محبته يجب أن تكون فوق محبة الآباء والأمهات، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين). لكن كونه يفدي بنفسه لشخص آخر قد يكون جائزاً، لأن من الناس من يكون بقاؤه خيراً للإسلام والمسلمين، فذهاب من دونه وفقدانه أهون من ذهاب من كان في هذه المنزلة، لكن قضية التفدية بالآباء والأمهات هذه غير معروفة إلا في حق الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [(عليك بخاصة نفسك)] يعني: اجتهد في خلاص نفسك، فلا تهلك مع من هلك. يقول صاحب العون: وفي هذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثر الأشرار، وضعف الأخيار. لكن كثرة الأشرار وقلة الأخيار هذا هو الأصل، وسنة الله في خلقه أن الهالكين هم الكثيرون، وأن الناجين هم القليلون، فلو ترك الأمر لقلة الأخيار وكثرة الأشرار فمعناه أنه يترك نهائياً، ولكن المقصود: حيث لا يجدي الأمر والنهي، أو يحصل به مضرة على الإنسان. وقد ورد التشبيك بين الأصابع في مقام المدح والثناء في حديث المؤمن للمؤمن، وجاء هنا في جانب الذم، ففيه الإشارة إلى الاختلاط والامتزاج، وأنهم كلهم بهذه الطريقة، ففي جانب المدح كالبنيان: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)، وهؤلاء مرجت عهودهم وأماناتهم فصاروا هكذا في اختلاطهم وامتزاجهم، كما تمتزج الأصابع في بعضها البعض عند التشبيك، وهؤلاء كذلك تداخلوا وامتزج بعضهم ببعض، وصاروا على قلب رجل واحد، وعلى وجهة واحدة وهي عدم الوفاء بالعهود وعدم أداء الأمانات. تراجم رجال إسناد حديث: ( .. يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة ... ) من طريق أخرى. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن أبي إسحاق ]. هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن هلال بن خباب أبي العلاء ]. هلال بن خباب أبو العلاء صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ قال: حدثني عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو مر ذكره. شرح حديث: ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبادة الواسطي حدثنا يزيد -يعني ابن هارون - أخبرنا إسرائيل حدثنا محمد بن جحادة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر)، وذلك أن الجهاد فيه احتمال السلامة واحتمال الهلاك؛ لأنه يقتل، وقد ينتصر ويغلب، ويحصل الغنيمة والأجر والثواب من الله عز وجل، وأما السلطان الجائر فهو قاهر لمن بين يديه، فيبطش به، ويؤدي ذلك إلى هلاكه، ويكون هلاكه أقرب من هلاك من يجاهد في سبيل الله، فمن أجل ذلك كانت الكلمة التي تقال عنده بهذه المنزلة، والمقصود من ذلك: أنه عندما يقول كلاماً باطلاً في مجلسه لا يسكت عليه، وإنما يبين أن الحق هو كذا، ولا يقر الباطل ويسكت عليه، وإنما يبين الحق وأنه خلاف ما يقول، وأن الذي قاله ليس بصحيح وإنما الصحيح هو كذا وكذا، لأن هذا هو الذي جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، فكونه يكون عند سلطان جائر معناه: أنه يكون عرضة للهلاك، لاسيما إذا كان ذلك الجائر معروفاً بإزهاق النفوس وإتلافها بأي سبب من الأسباب ولو كان أمراً يسيراً. تراجم رجال إسناد حديث: ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن عبادة الواسطي ]. محمد بن عبادة الواسطي صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة. [ حدثنا يزيد -يعني ابن هارون- ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جحادة ]. محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطية العوفي ]. هو عطية بن سعد العوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، و عطية العوفي يخطئ كثيراً، والحديث صححه الألباني ولعل ذلك لشواهد. العلماء هم المعنيون ببيان الحق والجور في السلطان كونه يبطش بالناس، ومن السهل عليه إزهاق النفوس، مثل ما اشتهر به الحجاج من البطش والشدة والقسوة، وسهولة القتل عليه، ولهذا كان بعض العلماء يكره أن يحدث مثل الحجاج بالحديث الذي فيه قصة العرنيين، وأنهم حصل منهم كذا.. والرسول عمل فيهم كذا وكذا.. لأن هذا يجرئه على بطشه وجوره. والصدع بالحق يعني به العلماء الذين عندهم معرفة، وإلا فإن غير العالم يمكن أن ينكر ما هو معروف لجهله وعدم بصيرته، فليس كل واحد يقبل منه الأمر والنهي، ولهذا قالوا: لابد في الأمر والنهي من العلم والبصيرة، لقول الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]. وقد ذكرت الأثرة في بعض الأحاديث لكنها غير الجور، فالأثرة: الاستئثار بالمال، والاستئثار بحظوظ الدنيا، وأما الجور فهو العدوان على الناس بسفك دمائهم أو سلب أموالهم. وهذا الحديث لا يستفاد منه مشروعية الكلام على أخطاء الولاة على المنابر؛ لأن هذا تشهير وإيذاء، والإنسان لا يرضى لنفسه أن ينصح على المنابر، وأن يشهر به على المنابر وأن يتكلم معه بحضرة الناس، ولهذا قال الشافعي رحمة الله عليه: من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه. شرح حديث: ( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو بكر حدثنا مغيرة بن زياد الموصلي عن عدي بن عدي عن العرس بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرة: أنكرها- كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) ]. أورد أبو داود حديث العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه. قوله: [ (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها وأنكرها كمن غاب عنها) ] معناه: أنه كأنه لم يرها لأنه رأى شيئاً وأنكره، فهو مثل الذي لم ير؛ لأنه سلم بهذا الإنكار، وذاك سلم بكونه ما رأى. قوله: [ (ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) ]. يعني: إذا سمع بأمر قد حصل وهو غائب عنه ولكنه أعجبه كان كمن شهده، لأنه رضي بالأمر المنكر، ورضي بالأمر المحرم، فهو بهذا الرضا وبهذا الفرح والسرور لحصوله رغم غيبته كالذي حضر أو شهد. تراجم رجال إسناد حديث: ( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها... ) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ] هو محمد بن العلاء بن الكريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو بكر ]. هو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ حدثنا مغيرة بن زياد الموصلي ]. مغيرة بن زياد الموصلي صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عدي بن عدي ]. هو عدي بن عدي بن عميرة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن العرس بن عميرة الكندي ]. العرس بن عميرة رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي. شرح حديث: ( إذا عملت الخطيئة في الأرض ... ) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو شهاب عن مغيرة بن زياد عن عدي بن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (من شهدها فكرهها كان كمن غاب عنها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق آخر، وهو مثل الذي تقدم. قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو شهاب ]. أبو شهاب عبد ربه بن نافع الحناط، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن مغيرة بن زياد عن عدي بن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا مرسل. شرح حديث: ( لن يهلك الناس حتى يعذروا ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و حفص بن عمر قالا: حدثنا شعبة وهذا لفظه عن عمرو بن مرة عن أبي البختري، قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، وقال سليمان : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يهلك الناس حتى يعذروا أو يعذروا من أنفسهم) ]. أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: مبهم غير معروف، وقد عرفنا أن الجهالة للصحابة لا تؤثر، وأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (لن يهلك الناس حتى يعذروا أو يعذروا من أنفسهم) ]. يعني: فسر بأن المقصود بذلك أنها تكثر فيهم الخطايا والذنوب، وأنهم إنما حصل لهم الهلاك بعد أن قامت عليهم الحجة ولم يبق لهم عذر، بل الحق واضح أمامهم وقد عصوا وأقدموا على ما أقدموا عليه على بصيرة. تراجم رجال إسناد حديث: ( لن يهلك الناس حتى يعذروا ... ) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ قالا: حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي البختري ]. هو سعيد بن فيروز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: رجل من الصحابة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث. قوله: [(هذا لفظه)] يرجع إلى حفص بن عمر الذي هو الشيخ الثاني؛ لأن أبا داود له في الحديث شيخان: سليمان بن حرب وهو الشيخ الأول، و حفص بن عمر وهو الشيخ الثاني، وقد ساقه على لفظ حفص ، ولهذا قال: وقال سليمان : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ساقه على لفظ حفص بن عمر، وأشار إلى مخالفة سليمان بن حرب لحفص بن عمر. كلام الشنقيطي فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن انتهينا من هذا الباب الذي يتعلق بالأمر والنهي، وسمعنا الكلام الذي نقله صاحب عون المعبود عن الإمام النووي رحمه الله فيما يتعلق بالأمر والنهي، نريد أن نقرأ ما كتبه شيخنا الشيخ: محمد بن أمين الشنقيطي رحمة الله عليه فيما يتعلق بالأمر والنهي، وذلك في أضواء البيان عند قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، فإنه ذكر فوائد ومسائل تتعلق بالأمر والنهي فنحب أن نسمعها. يقول رحمه الله تعالى في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور وذلك في قوله: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )). لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة و سعيد بن المسيب ، كما نقله عنهم الألوسي في تفسيره و ابن جرير ، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب و أبي عبيد القاسم بن سلام ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر و ابن مسعود، فمن العلماء من قال: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، أي: أمرتم فلم يسمع منكم، ومنهم من قال: يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء بالآية، وهو ظاهر جداً، ولا ينبغي العدول عنه لمنصف، ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد أن الله تعالى أقسم أنه في خسر، في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]. فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل، وقد دلت الآيات كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده، فمن ذلك ما خرجه الشيخان في صحيحيهما عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً مرعوباً يقول: (لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسلفها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) أخرجه البخاري و الترمذي. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود و الترمذي بأسانيد صحيحة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81]. ثم قال: كلا والله! لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)، رواه أبو داود و الترمذي وقال: حسن، وهذا لفظ أبي داود. ولفظ الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال: لا والذي نفسي بيده حتى يأطروهم على الحق أطراً). ومعنى تأطروهم، أي: تعطفوهم، ومعنى تقصرونه: تحبسونه، والأحاديث في الباب كثيرة جداً، وفيها الدلالة الواضحة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في قوله: (( إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، ويؤيده كثرة الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]. وقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]. وقوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79]. وقوله: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]. وقوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]. وقوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165]. وقوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]. والتحقيق في معناها: أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره هي أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بالعذاب صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم، والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك كما قدمنا طرفاً منها. مسائل تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: المسألة الأولى: اعلم أن كلاً من الآمر والمأمور يجب عليه اتباع الحق المأمور به، وقد دلت السنة الصحيحة على أن من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله أنه حمار من حمر جهنم يجر أمعاءه فيها، وقد دل القرآن العظيم على أن المأمور المعرض عن التذكرة حمار أيضاً، أما السنة المذكورة فقوله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار، فيقولون: أي فلان ما أصابك؟! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه). أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. ومعنى (تندلق أقتابه) تتدلى أمعاؤه أعاذنا الله والمسلمين من كل سوء. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت رجعت، فقلت لجبريل: من هؤلاء، قال: هؤلاء خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون)، أخرجه الإمام أحمد و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و البزار و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو نعيم في الحلية و ابن حبان و ابن مردويه و البيهقي كما نقله عنهم الشوكاني وغيرهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن عباس - الظاهر إني أريد - إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال ابن عباس: أوبلغت ذلك؟ فقال: أرجو، قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ ال" |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [490] الحلقة (521) شرح سنن أبي داود [490] لابد لكل بداية من نهاية، ولكل مخلوق من فناء، وإن هذه الدنيا التي نعيش فيها سيأتي عليها يوم تنسف جبالها، وتسجر بحارها، ويفنى من عليها، لكن الله عز وجل يقدم لذلك بمقدمات، ويظهر أمارات أخبر بها الأنبياء أقوامهم، كالمسيح الدجال الذي ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شيء كتحذيره منه. هذا كله بالنسبة للقيامة الكبرى، أما الصغرى: فمن مات فقد قامت قيامته، ويكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. ما جاء في قيام الساعة شرح حديث: ( .. أرأيتم ليلتكم هذه... لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قيام الساعة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله و أبو بكر بن سليمان أن عبد الله بن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون عن هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) يريد أن ينخرم ذلك القرن ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب قيام الساعة، وهي نهاية الدنيا التي يحصل فيها النفخ في الصور؛ النفخة الأولى فيموت من كان حياً، فيستوي في الموت من كان مات في أول الزمان، ومن مات في نهاية الزمان، ويكون الإنس والجن قد انتهوا وماتوا، ثم يحصل البعث في النفخة الثانية، ويبعث الأموات الأولون والآخرون .. من مات في أول الدنيا، ومن مات في نهاية الدنيا، ومن مات قبل قيام الساعة فقد قامت قيامته وساعته، وانتهى من هذه الحياة الدنيا، ودخل في الحياة الآخرة أو الدار الآخرة، وقبل قيام الناس من قبورهم، الناس في حياة برزخية ولكنها تعتبر تابعة للدار الآخرة؛ لأن أحكامها من جنس أحكام الآخرة وليس من جنس أحكام الدنيا؛ لأن ما قبل الموت دار عمل، وما بعد الموت دار جزاء، سواء كان في القبر أو بعد الحشر وبعد البعث والنشور، ومن كان موفقاً فهو منعم في قبره ومن كان بخلاف ذلك فإنه معذب في قبره، والحد الفاصل هو الموت، وكل من مات قامت قيامته، والساعة متى تقوم لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل في الحديث المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (.. قال: أخبرني عن الساعة؟! قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل..)، يعني: علم جبريل وعلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سواء، فكلهم لا يعلمون متى تقوم، الله تعالى هو الذي يعلم متى تقوم، فلا يُعلم متى تقوم في أي سنة وفي أي يوم من أي شهر، ولكن بلا شك هي لا تقوم يوم السبت ولا الأحد ولا الإثنين ولا الثلاثاء ولا الأربعاء ولا الخميس، وإنما تقوم يوم الجمعة بالتحديد، لأنه ثبت بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن أي جمعة من أي شهر من أي سنة لا يعلم بذلك إلا الله سبحانه وتعالى، والنبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يسأل إما أن يجيب بالجواب الذي أجاب به جبريل: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، وإما أن يشير إلى شيء من أماراتها وعلاماتها، وإما أن يصرف نظر السائل إلى ما هو أهم من ذلك، فقد ثبت في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً في حلقة يحدث أصحابه، فجاء رجل ووقف على تلك الحلقة وقال: يا رسول الله! متى الساعة؟! فالنبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، واشتغل مع الناس الذين كان يحدثهم، ولما فرغ من تحديثه لهم قال: (أين السائل عن الساعة؟! فقام الرجل وقال: أنا يا رسول الله! فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وما إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). فأرشد إلى شيء من علاماتها وأماراتها، ولما سأله رجل فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ لفت نظره إلى الأمر المهم، وهو الاستعداد لما بعد قيام الساعة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (وماذا أعددت لها؟ فقال: حب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب)، وعند ذلك قال أنس بن مالك وهو راوي الحديث: فما فرحنا بشيء فرحنا بهذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء مع من أحب)، ثم قال أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر و عمر ، وأرجو من الله أن يلحقني بهم لحبي إياهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم، فعندما سأله أرشده إلى ما هو أهم، والساعة آتية وكل آت قريب، وليس المهم أن يعرف متى تقوم الساعة، ولكن المهم أن يعرف الإنسان ماذا قدم لنفسه إذا قامت الساعة، فهذا هو الأمر المهم؛ لأنه يحصل بذلك الثواب، وقد جاء عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري ، قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. كل يوم يمضي من عمر الإنسان يقربه من النهاية، ويقربه من الأجل، ويقربه من الموت، وبعد الموت لا يجد الإنسان إلا ما قدم، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). الحاصل أن الساعة تقوم على شرار الناس، وينفخ في الصور النفخة الأولى فيموت من كان حياً، ثم ينفخ النفخة الثانية فيبعث الجميع؛ الذين كانوا ماتوا في أول الدنيا، والذين ماتوا عند النفخة في الصور، ويتساوى الجميع، ومن مات قبل ذلك فقد قامت قيامته وساعته، وعندما تقوم الساعة تقوم على الذين كانوا أحياء فيموتون، وأما من مات فإنه قد انتهى، فيستوي الجميع في الموت، ثم ينفخ في الصور النفخة الثانية فيبعث الأولون والآخرون من قبورهم، وأول من ينشق عنه القبر نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، كما جاء في صحيح مسلم ، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس العشاء الآخرة، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قوله: [ (فإن على رأس مائة سنة منها) ] أي: إذا مضى مائة سنة من هذه الليلة لا يبقى على ظهر الأرض أحد ممن كان حياً. قوله: [ (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) ]. يعني: من كان في تلك الليلة موجوداً، لن تمر مائة سنة إلا وقد انتهى، فعند ذلك وهل الناس فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظن من ظن أن الساعة تقوم وأن الدنيا تنتهي، وقد بين ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد انخرام ذلك القرن، وليس المقصود من ذلك انتهاء الدنيا، وأن الساعة تقوم والدنيا تنتهي، وإنما المقصود من ذلك أن من كان موجوداً يموت، وهذا يدل على قصر أعمار هذه الأمة؛ فكل من كان على ظهر الأرض في تلك الليلة -وكانت قبل وفاته بقليل- التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مضى عليهم مائة سنة لا بد وأن ينتهوا، وأما الذين يولدون بعد ذلك اليوم فلا يدخلون في الحديث، لأنه قال: ممن كان في تلك الليلة، ومن يولد بعدها قد ينتهي قبل مائة سنة، وقد يعمر فيتجاوز تلك المائة التي بدايتها تلك الليلة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الكلام، و أبو داود أورده هنا لأنه له تعلق بقيام الساعة، وهو على حسب ما ظنه من ظن أن الساعة تقوم بعد نهاية مائة سنة، والذي فهمه ابن عمر وغيره أن المقصود بذلك انخرام العصر، ولكنها في الحقيقة كل من مات فقد قامت قيامته وساعته. قوله: [ أن عبد الله بن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون عن هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض )، يريد أن ينخرم ذلك القرن ]. وهذا تفسير ابن عمر رضي الله عنه، وأن المقصود بذلك انخرام ذلك القرن، وليس المقصود من ذلك نهاية الدنيا، ويستثنى من ذلك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فإنه حي ولكنه في السماء، ويستثنى من ذلك الدجال فإنه في جزيرة من الجزر كما مر في حديث الجساسة، وهو حديث ثابت في صحيح مسلم وغيره، وهو في تلك الجزيرة موثق بالحديد، فإذا أذن الله له بالخروج فإنه يخرج، فمسيح الهداية في السماء وسينزل في آخر الزمان، ومسيح الضلالة في الأرض، وستكون نهاية مسيح الضلالة على يدي مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. فاللفظ ذكر ممن هو على ظهر الأرض، ومعلوم أن الجن يكونون على ظهر الأرض، فيبدو والله أعلم أن الجن والإنس يكونون كذلك. لكن فيما يتعلق بالجن فإن الشيطان الذي هو إبليس ما زال معمراً يغوي الناس، وبقاؤه مستمر، وقد آلى على نفسه أن يغوي الناس، لكن فيما يتعلق بالإنس والجن يبدو والله تعالى أعلم أن قوله: (من هو على ظهر الأرض) يشمل الإنس والجن، لأنهم جميعاً مسكنهم الأرض. تراجم رجال إسناد حديث: ( .. أرأيتم ليلتكم هذه... لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضي الله عن عبد الله بن عمر ، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو بكر بن سليمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ أن عبد الله بن عمر قال ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن سهل حدثنا حجاج بن إبراهيم حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم)، ونصف اليوم هو خمسمائة سنة، قال تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، فنصفها خمسمائة سنة، فمن العلماء من قال: إن المقصود من ذلك أنه يؤخرها إلى خمسمائة سنة، ولذلك أورده أبو داود هذا الحديث في باب قيام الساعة، ومعناه: أن الساعة قد تقوم بعد خمسمائة سنة، ومن العلماء من قال: إن معناه يتعلق بالفقراء الذين لن يحاسبوا ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام والتي هي نصف يوم، فهو لن يعجز الله. قوله: [ (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) ]. المقصود بذلك: أن يؤخر الأغنياء عن دخول الجنة، وأن يمهلهم للحساب، ويدل عليه ما جاء في الحديث الذي فيه أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، فهو يبين معنى هذا الحديث، وأنه ليس المقصود بأن الدنيا تنتهي بعد خمسمائة سنة، لأنه مضى على هذا الحديث ألف وأربعمائة وزيادة، يعني: خمسمائة وخمسمائة والخمسمائة الثالثة هي الآن في خمسها الأخير، فإذاً: الذي يبدو أنه كما قال بعض أهل العلم: إن المقصود من ذلك تأخير الأغنياء في الحساب، فيتأخرون عن الفقراء الذين لا حساب عليهم، ويسبقونهم في دخول الجنة بهذه المدة التي هي خمسمائة سنة أو نصف يوم. تراجم رجال إسناد حديث: ( لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ). قوله: [ حدثنا موسى بن سهل ]. موسى بن سهل ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن إبراهيم ]. حجاج بن إبراهيم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن جبير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. هو أبو ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو المغيرة حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، قيل لسعد : وكم نصف ذلك اليوم؟ قال: خمسمائة سنة) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص ، وهو بمعنى ذلك الحديث المتقدم، وقد قال فيه: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم). يعني: الأغنياء منهم يؤخرهم في الحساب نصف يوم، وهو خمسمائة سنة، أي: أن الأغنياء يتأخر دخولهم عن الفقراء بنصف يوم؛ لأن هؤلاء الفقراء يدخلون قبلهم لأنه لا حساب عليهم، وأما الأغنياء فإنهم يحاسبون على أموالهم ما دخل وما خرج منها. تراجم رجال إسناد حديث: ( إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ... ) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا أبو المغيرة ] هو عبد القدوس بن حجاج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني صفوان ]. هو صفوان بن عمرو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شريح بن عبيد ]. شريح بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، الصحابي الجليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم ترك دعوة الناس أيام الفتن. السؤال: هل هذه الأوصاف التي في حديث أيام الصبر تنطبق الآن علينا، فندع العوام وننظر لأنفسنا؟! الجواب: لا، ليس للإنسان أن يدع الأمر والنهي؛ لأن الأمر والنهي يفيد وإن كثرت الفتن، وإن كانت هذه الصفات موجودة في كثير من الناس، لكن الحديث كما عرفنا ضعيف. الجمع بين حديث أيام الصبر وحديث: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً...) السؤال: كيف يكون للصابر أجر خمسين منهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). الجواب: لأن العمل الذي يحصلونه بسبب صبرهم أجره عظيم، ولكنه بمجموعه وبكل ما حصل فيه لا يمكن أن يساوي أجر الصحبة، ويماثله؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كل فرد منهم أفضل من كل فرد يجيء من بعدهم، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، ولا يعرف خلافه إلا عن أبي عمر بن عبد البر، فإنه قال: يجوز أن يجيء أحد بعد الصحابة أفضل من بعض الصحابة، ولكن هذا خلاف ما عليه العلماء قاطبة، من أن فضل الصحبة لا يعادله شيء، والقليل الذي يحصل من الصحابة لأنه في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي الدفاع عنه، وفي الذب عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه خير من الكثير من غيرهم. وقوله في الحديث (أجر خمسين منكم) قال في فتح الودود: هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام، لا مطلقاً. ومعناه: أنه ليس كل عمل يعملونه أنه ينطبق عليه هذا، وإنما هو في الأمور التي يشق فعلها، والتي يكون فيها وصفه أنه كالقابض على الجمر. قال في عون المعبود: وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ليس هذا على إطلاقه، بل هو مبني على قاعدتين إحداهما: أن الأعمال تشرف بثمراتها، والثاني: أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس، لقوله عليه الصلاة والسلام: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء من أمتي)، يريد المنفردين عن أهل زمانهم، إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أي: مد الحنطة، والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام، وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين؛ لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فجعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته، وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين، وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين؛ لعدم المعين، وكثرة المنكر فيهم، كالمنكر على السلطان الجائر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر)، لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسو كذلك؛ لكثرة المعين، وعدم المنكر، فعلى هذا ينزل الحديث. انتهى. وعلى كل فلا شك أن الغربة هي غربة في الأول وغربة في الآخر، لكن لا شك أن الغربة الأولى الذين فيها هم خير الناس وأفضلهم، وجهادهم إنما هو مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وعندهم شيء غير الجهاد، وهو تحمل الكتاب والسنة، وكونهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم من الأجور والفضائل ما يتفوقون به على غيرهم، ولا يمكن أن يدانيهم أحد بعدهم ولو فعل ما فعل، كما حصل في قصة خالد بن الوليد مع عبد الرحمن بن عوف ، حيث قال له صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، ومعنى ذلك: أن الكثير من المتأخرين من الصحابة لا يعادل القليل من عمل المتقدمين، وكذلك الذين يجيئون فيما بعد وإن كان أجرهم عظيماً، إلا أنه بمجموعه لا يعدل الشيء القليل من الذي حصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندهم زيادة على العمل الذي يعملون ويعمله غيرهم، وهو أنهم هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل صحابي يروي سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام له كل أجور من عمل بها من حين تكلم بها ذلك الصحابي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويدخل في ذلك هؤلاء الذين حصل لهم ما حصل، وأنهم يقبضون على دينهم كالقابض على الجمر. معنى قول ابن عمر: ( يريد أن ينخرم ذلك القرن ...) السؤال: ما معنى قول ابن عمر (يريد أن ينخرم ذلك القرن)؟ الجواب: (انخرم) يعني: انتهى وانقضى ذلك القرن أو ذلك الجيل، أو تلك الفئة من الناس الذين كانوا موجودين على قيد الحياة، سواء من كان منهم في أول عمره أو من كان في نهاية عمره، لأن من كان في نهاية عمره يموت في أول تلك المائة، ومن كان في بداية عمره وشاء الله تعالى أن يعمر وأن يصل إلى مائة سنة، فإنه لابد وأن ينتهي قبل المائة السنة، ومن كان قبل ذلك وعمر فإنه ينقضي ولو كان بلغ عمره مائة وعشرين أو مائة وثلاثين أو أكثر من ذلك، المهم أن من كان على قيد الحياة سواء كان كبيراً أو صغيراً لن يأتي مائة سنة من تلك الليلة إلا وقد فنيوا جميعاً. إثبات موت الخضر وعدم تعمره. السؤال: هل يستثنى الخضر من الحديث الدال على انتهاء الجيل على رأس المائة السنة؟ الجواب: الخضر ليس مستثنى؛ لأنه ما جاء شيء يدل على حياته وبقائه، فما من دليل ثابت يدل على أنه حي وموجود، وإن كان قاله جماعة كثيرة من العلماء، وإنما الأدلة تدل على أنه قد مات، ومنها قول الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، فإن هذه الآية عامة ولا يستثنى منها إلا إذا جاء دليل يدل على بقائه ووجوده كما تقدم في مسيح الهداية ومسيح الضلالة، ومنها هذا الحديث الذي معنا، فإن هذا يدل على أن من كان موجوداً في تلك الليلة لن تأتي عليه مائة سنة إلا وقد مات، فلو كان الخضر موجوداً فإنه سينتهي خلال هذه المدة، ولم يأت دليل يدل على استثنائه، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بدر، وكان سأل الله عز وجل ورفع يديه وألح على الله تعالى في الدعاء حتى سقط رداؤه وكان من دعائه قوله: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، ولو هلكت العصابة الموجودة، فإن الخضر موجود يعبد الله في الأرض إذا كان ما مات، وإذا كان على قيد الحياة. ثم أيضاً: لو كان الخضر موجوداً والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله للناس كافة -وهو كما يقول الناس: إنه يصول ويجول في الدنيا- ألا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف بصحبته ورؤيته ولقائه والجهاد معه، والذب عنه؟! كيف يكون حياً ثم لا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجاهد معه وهو ذو بأس، كما يظنه من يظنه من الصوفية والذين لهم فيه أحاديث، وكلام كثير حول وجوده؟! كيف يكون موجودا ًولا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)؟ فإذا كان الخضر حياً كيف لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي إليه يتبعه؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى إنه إذا نزل سيحكم بشريعته. فالقول الصحيح أنه غير موجود، وأنه قد مات، لما ذكرته من الأدلة التي ذكرها العلماء والدالة على موته وعدم حياته وبقائه. وقد جاء في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي يقتله الدجال ويقسمه قطعتين، ثم يعود، ذكر أحد الرواة أنه الخضر، وهذا في صحيح مسلم، وهو من زيادات الراوي عن الإمام مسلم ، وابن حجر رحمه الله ألف كتاباً سماه: الروض النضر في نبأ الخضر، وذكر أقوال الناس الذين قالوا بحياته ووفاته، والذين قالوا بنبوته أو عدم نبوته، وهو مطبوع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وكذلك ذكره أيضاً في الإصابة، ولكنه ألف فيه تلك الرسالة الخاصة المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، والقول الصحيح: أنه نبي وليس بولي فقط، ودعوى ولايته عول عليها كثير من الناس، حتى جعلوا للأولياء منازل وصفات كلها بناءً على أن الخضر ولي، ومعلوم أن الولي يأخذ من النبي ويتلقى منه، ومعلوماته إنما تأتي من النبي، وليس عنده معلومات من دون أن تأتي من النبي، بل الحق والهدى ما جاء عن الأنبياء، والأولياء هم تابعون للأنبياء، والقول الصحيح أنه نبي وليس بولي، وقصته في سورة الكهف تدل على أنه نبي، وقد ثبت أنه قال لموسى: (أنت على علم من الله لا أعلمه وأنا على علم من الله لا تعلمه) وقال في نفس القصة، في سورة الكهف عدة مواضع آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65]، وفي آخرها وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82]. فهذا كله يدل على أنه نبي وليس بولي وقوله لموسى: (أنا على علم من الله) معلوم أن العلم الذي يكون عند الناس إما ولي جاء علمه عن طريق الأنبياء أو نبي جاء علمه عن الله عز وجل." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [491] الحلقة (522) شرح سنن أبي داود [491] من أعظم الجرائم في الإسلام أن يرتد عنه صاحبه إلى الكفران، ولا يحدث هذا إلا من مخذول بالغ في السفه غايته، ولذا قررت الشريعة حداً لمرتكب هذه الجريمة النكراء لا مجاملة فيه ولا مداهنة وهو القتل، إلا أنه عند قتله يجتنب فيه ما حرمته الشريعة كالإحراق أو التمثيل، بل الأمر مبني على الإحسان في كل شيء، ومنه القتل، كما هو معلوم. الحكم فيمن ارتد شرح حديث: (من بدل دينه فاقتلوه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول منهج أهل السنة في إثبات الإرادة للإنسان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول النهي عن قتل الرجل حرقاً حتى وإن كان مستحقاً للقتل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول تراجم رجال إسناد حديث: (من بدل دينه فاقتلوه). قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، من أئمة المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حد الردة ليس من الحدود المكفرة. أورد الحديث هنا في كتاب الحدود من أجل الردة، لكن ليس معنى ذلك أنه يكون كفارة له، كالحدود التي هي كفارات؛ لأنه قتل كافراً، فانتهت حياته بهذه الوسيلة ومآله إلى النار ما دام أنه لم يتب، ولو تاب لم يقتل، فحد المرتد لا يكون من الحدود المكفرة؛ لأن صاحبه خالد مخلد في النار، فهو أورده أبو داود في كتاب الحدود، ولكنه ليس من الحدود التي تكون كفارات؛ لأن صاحبه خرج من الإسلام، ومات على الكفر والعياذ بالله! شرح حديث: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ومحل الشاهد هو هذا الأخير (التارك لدينه المفارق للجماعة) أي: المرتد الذي ارتد عن الإسلام، وفارق جماعة المسلمين، فإنه يقتل، وهؤلاء الثلاثة يقتلون، الثيب الزاني يقتل والوسيلة هي الرجم. قوله: [ (والنفس بالنفس) ]، إنسان قتل إنساناً عمداً فإنه يقتل به، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178]، قال بعد ذلك: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]. قوله: [ (والتارك لدينه المفارق للجماعة) ] التارك لدينه أي: الذي ارتد عن دين الإسلام، وفارق جماعة المسلمين بردته، فإن حكمه أن يقتل، فهذا الحديث عن عبد الله بن مسعود ، وهو متفق عليه، وقد ذكر أشياء يكون فيها القتل، مثل الصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل فإنه يقتل، وهذا يكون مما أذن فيه، ولكنه لا يقتل ابتداءً، بل الواجب هو الدرء ما استطاع بغير القتل، وأما هذه الأمور الثلاثة التي جاءت فإن القتل فيها يكون من أول وهلة. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مرة ]. عبد الله بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن عمير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها). ذكر هنا في هذا الحديث الرجل الزاني المحصن، وكذلك قتل القاتل قصاصاً، ولم يذكر الردة، ولكنه ذكر المحاربة، وهو سيذكر في باب المحاربة؛ لأنه يتعلق بأحكام المحاربة، وقد يكون أورده في باب الردة من جهة أن الذي يحارب الله ورسوله يحصل منه الردة، فيكون ذكره من هذه الناحية، والحديث الذي سبق أن مر وهو حديث ابن مسعود ذكر الثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، وهذا مثله فيما يتعلق بالزاني وفيما يتعلق بالنفس بالنفس، وأما ما يتعلق بالقسم الثالث الذي هو المحاربة، وإذا كان الذي حصل منه ذلك ارتد عن الإسلام، وفعل هذه الأمور فإنه يدخل تحت هذا الباب الذي هو: باب الحكم فيمن المرتد. قوله: [ (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ]، كلمة (مسلم) هذه فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لأنه لا يدخل الإسلام بدون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتكون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صفة كاشفة، يعني: أنها زيادة توضيح وبيان وأن شأن المسلم أن يكون كذلك، فالشهادتان تعتبر صفة كاشفة؛ لأن الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وبدون الشهادتين لا يدخل في الإسلام. قوله: [ (دم امرئ مسلم) ]. يعني: يدل على أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لا يقال: إنه مسلم، وعلى هذا تكون (يشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله) صفة كاشفة، وهي التي توضح وتبين. قوله: [ (رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم) ]. يعني: أنه محصن ولم يكن بكراً، فالبكر حكمه الجلد مائة والتغريب مدة عام، وأما الثيب فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت؛ لأن في رمي الحجارة عقوبة على سائر الجسد، وأن الحجارة تقع عليه هنا وهنا، لأن اللذة التي حصلت بالجماع هي في جميع الجسد، فكان حكمه أن يرجم وأن يقتل هذه القتلة؛ لأن العمل الذي عمله فيه خبث، ولأنه قد أعف نفسه بالحلال فأقدم على الحرام فصارت عقوبته أن يرجم. وأما ما يتعلق بالحرابة فقد جاء في القرآن الكريم بيان الأحوال التي يكون عليها معاملة الحرابة وذلك في قول الله عز وجل: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، هذه أحوال من أربع تكون للمحاربة، وقد اختلف العلماء فيها فمنهم من قال: إن الإمام مخير بين هذه الأمور وغيرها، يفعل ما فيه المصلحة، ومنهم من فصل وقال: إن قتل وأخذ المال صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً فإنه يقتل، ومن أخذ مالاً ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف كما جاء ذلك في القرآن، والذي جاء في الحديث ليس فيه ذكر ما جاء في القرآن فيكون فيه اختصار، وذكره لكلمة (رجل) لا مفهوم له في الحرابة. قوله: (ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض). لا يوجد فيه ذكر القطع للأيدي والأرجل من خلاف. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قوله: [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي ]. محمد بن سنان الباهلي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمير ]. عبيد الله بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديقة ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. لا يستدل بالحديث على إسلام تارك الصلاة. وهذا الحديث لا يدل على أن تارك الصلاة لا يكفر، وأنه يكفي في دخوله الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأن تارك الصلاة جاءت الأحاديث في كفره، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وقال في الولاة الذين سئل عن الخروج عليهم: (لا، ما صلوا) وقد جاء في الحديث الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فدل على أن ترك الصلاة هي من الكفر الذي عند الناس فيه من الله برهان، فالحديث وإن لم يأت بنص على كفر تارك الصلاة هنا إلا أنه جاءت نصوص أخرى دلت على أن تارك الصلاة من جملة الكفار. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد قال مسدد : حدثنا قرة بن خالد حدثنا حميد بن هلال حدثنا أبو بردة قال: قال أبو موسى : (أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فقال: ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ؟ قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، قال: لن نستعمل، أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ، فبعثه على اليمن، ثم اتبعه معاذ بن جبل قال: فلما قدم عليه معاذ قال: انزل وألقى إليه وسادة، وإذا رجل عنده موثق، قال ما هذا؟، قال: هذا كان يهودياً فأسلم ثم راجع دينه دين السوء، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، قال: اجلس نعم. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما معاذ بن جبل : أما أنا فأنام وأقوم، أو أقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان من الأشعريين أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، وكانا يريدان العمل، وأن يوليا ولم يشعرا أبا موسى بالذي في أنفسهما والذي يريدان أن يقولاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصلوا تكلموا وكلهم يطلب العمل، وأبو موسى الأشعري ساكت، فالرسول سأل أبا موسى ، قال: والله ما علمت بالشيء الذي أرادا، فما كان يدري عن قصدهما، فبرأ نفسه من أن يكون موافقاً لهما، وأن يكون طالباً هذا الذي يطلبانه، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك ولاه ولم يولهما، فقال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه) وذلك أن الإنسان إذا حرص على ولاية قد لا يوفق في القيام بها، ولكنه إذا لم يكن حريصاً ثم ابتلي بها فإنه تكون مظنة بأن يحصل له التوفيق في ذلك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنا لا نولى هذا الأمر أحداً طلبه) فولى أبا موسى ولم يولهما، وفيه أن النبي صلى عندما جاءوا إليه كان يستاك، وشفتاه قد ارتفعت بسبب السواك. ولذلك قال: (وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت). يعني: ارتفعت أو انحسرت بسبب السواك. قوله: [ (لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس) ]. هو شك من الراوي هل قال الرسول: يا أبا موسى أو قال عبد الله بن قيس ؟ أي: هل خاطبه بكنيته أو باسمه، ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم إياه في موضعين من الحديث، وكل ذلك بالشك من الراوي، هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا موسى أو قال يا عبد الله بن قيس ؟ فأرسله إلى اليمن وولاه عليها، ثم أتبعه بمعاذ ، وكان كل واحد منهما له مخلاف، أي: له مكان معين يكون والياً عليه، فكان يسير كل واحد منهما فيما هو تحت ولايته، فيلتقيان في على الحدود بين المخلافين، فلما جاء معاذ إلى أبي موسى وكان راكباً على دابته، أي: معاذ ، قال له: أنزل ووضع له وسادة ليجلس عليها، فقال: ما هذا الذي هو موثق؟ وكان عندهم رجل موثق بالحبال، فقالوا: هذا كان يهودياً فأسلم ثم ارتد عن الإسلام وراجع دينه دين السوء، أي: رجع إلى الكفر، فقال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، أي: هذا قضاء الله ورسوله، أو هذا حكم الله ورسوله، فكرر عليه، ثم بعد ذلك أمر به فقتل، فنزل، فصارا يتحدثان فيما بينهما، وكان من كلام معاذ رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بصلاة الليل أنه ينام ويقوم يعني: ليس كل ليله نوم، وليس كل ليله قيام، وإنما بعضه قيام وبعضه نوم، ويقول: أرجو في نومتي ما أرجوه في قومتي، يعني: أنه يقصد من وراء النوم التقوي على القيام، وفي هذا دليل على أن الأعمال المباحة إذا احتسب فيها العبد فإنه يؤجر عليها؛ لأنه قال: يرجو أن يحصل الأجر في حال نومته مثل ما يحصل في حال قومته؛ لأنه إنما نام ليتقوى ولينشط على القيام، ومحل الشاهد من الحديث: قتل ذلك اليهودي الذي ارتد عن الإسلام وقال: هذا قضاء الله ورسوله يعني: أنه يقتل كما مر في الحديث: (من بدل دينه فاقتلوه). تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ومسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال مسدد : حدثنا قرة بن خالد ]. قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال أبو موسى ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. فوائد من حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. والمرتد إذا تاب فإنه لا يقتل، واليهودي هنا قد استتيب ولم يتب. وأما بالنسبة لمدة الاستتابة فإنه يوجد خلاف بين العلماء فمنهم من قال: إنه يستتاب مدة ثلاثة أيام، ومنهم من يقول أقل أو أكثر، ومنهم من يقول: يكرر عليه في الحال، ثم يقتل في، ولا شك أنه يستتاب في هذه المدة فإن أصر على كفره ولم يعد إلى الإسلام فإنه يقتل. ويستفاد من هذا الحديث على إباحة الاستياك بحضرة الرعية، ولهذا بوب له بعض أهل العلم، فقال: باب استياك الإمام بحضرة رعيته، يعني: أنه ليس من الأشياء التي تستقذر ولا تفعل أمام الناس. وأما الاستياك باليد اليسرى أو اليمنى فالأمر في ذلك واسع. كذلك إذا كان الإنسان يرغب بالولاية في نفسه ولم يطلبها باللسان، ثم صارت إليه فإنه لا يدخل فيمن طلب الولاية. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثانية. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحماني -يعني عبد الحميد بن عبد الرحمن - عن طلحة بن يحيى و بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قدم عليّ معاذ وأنا باليمن، ورجل كان يهودياً فأسلم فارتد عن الإسلام، فلما قدم معاذ قال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل، فقتل) قال أحدهما: وكان قد استتيب قبل ذلك ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر قصة المرتد باختصار وقال أحدهما: أي: أحد الراويين اللذين هما: طلحة و بريد بن عبد الله بن أبي بردة . قال أحدهما: إنه استتيب قبل ذلك، يعني: هذا الذي قتل والذي جاء في قصة معاذ وأبي موسى استتيب، وأن قتله كان بعد استتابته. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثانية. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا الحماني -يعني عبد الحميد بن عبد الرحمن - ]. عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن طلحة بن يحيى ]. هو طلحة بن يحيى التيمي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ وبريد بن عبد الله بن أبي بردة ]. بريد بن عبد الله بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة عن أبي موسى ]. أبو بردة و أبو موسى قد مر ذكرهما. حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثالثة، وتراجم رجال إسناده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا الشيباني عن أبي بردة بهذه القصة، قال: فأتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة أو قريباً منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى، فضرب عنقه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله، وذكرها هنا أنه استتابه وأمهله مدة طويلة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الشيباني ]. هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بهذه القصة ]. أبو بردة مر ذكره. [ قال أبو داود : ورواه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. يعني: أنه ما ذكر أنه استتيب إذا كان ذكره من كان قبله، وكونه لم يذكر الاستتابة لا يدل على أنها ما حصلت، فهو ما نفى الاستتابة وإنما سكت عنها، فيكون ذكرها هو الثابت، وكونه لم يستتبه إما اكتفاء بالاستتابة السابقة، وأنه قد استتيب من قبل، كما جاء في بعض الروايات التي مرت أنه استتيب مدة عشرين ليلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن فضيل عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. ثم ذكر طريقاً أخرى. [ ورواه ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة ]. الشيباني مر ذكره، وسعيد بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. يعني: ما قال: ولم يستتبه، وإنما سكت عنها، وعدم الذكر لا يدل على عدمها، وإنما الشيء الذي يمكن أن يعتبر معارضاً هو إذا قالوا: ولم يستتبه، ولو قال ذلك يمكن أن يحمل على أنه في آخر العمر عند اللحظة التي قتل فيها وكان مستتاباً قبل ذلك. الأسانيد التي لم يذكر فيها الاستتابة في حديث قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا الشيباني عن أبي بردة بهذه القصة، قال: فأتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة أو قريباً منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى، فضرب عنقه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله، وذكرها هنا أنه استتابه وأمهله مدة طويلة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الشيباني ]. هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بهذه القصة ]. أبو بردة مر ذكره. [ قال أبو داود : ورواه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. يعني: أنه ما ذكر أنه استتيب إذا كان ذكره من كان قبله، وكونه لم يذكر الاستتابة لا يدل على أنها ما حصلت، فهو ما نفى الاستتابة وإنما سكت عنها، فيكون ذكرها هو الثابت، وكونه لم يستتبه إما اكتفاء بالاستتابة السابقة، وأنه قد استتيب من قبل، كما جاء في بعض الروايات التي مرت أنه استتيب مدة عشرين ليلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن فضيل عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. ثم ذكر طريقاً أخرى. [ ورواه ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة ]. الشيباني مر ذكره، وسعيد بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. يعني: ما قال: ولم يستتبه، وإنما سكت عنها، وعدم الذكر لا يدل على عدمها، وإنما الشيء الذي يمكن أن يعتبر معارضاً هو إذا قالوا: ولم يستتبه، ولو قال ذلك يمكن أن يحمل على أنه في آخر العمر عند اللحظة التي قتل فيها وكان مستتاباً قبل ذلك. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق رابعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا المسعودي عن القاسم بهذه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما استتابه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: وما استتابه، وهذا فيه النفي، وليس كالذي قبله والذي جاء بلفظ: (لم يذكر الاستتابة) لأنه سكت عنها، وهنا قال: وما استتابه، لكن هذا يحمل على أنه ما استتابه في الحال، اكتفاء بالاستتابة السابقة التي قد حصلت قبل ذلك. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط قبل موته، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن القاسم ]. هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. قوله: [ بهذه القصة ]. يعني: التي مرت وما استتابه، وهذا فيه نفي للاستتابة، وهذا كما هو معلوم جاء من طريق المسعودي ، وفيه ضعف، وهو مخالف للطرق الأخرى الكثيرة للحديث، والتي فيها التنصيص على الاستتابة، ولهذا ضعف الألباني هذه الطريق، ولكن لو صحت فإنها لا تنافي الروايات الأخرى، لأنه يمكن أن تحمل على أنه ما استتابه في الحال اكتفاء بالاستتابة السابقة. ويجوز للقاضي أن يؤخر المرتد مدة طويلة نحو عشرين يوماً لعله أن يراجع نفسه. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق رابعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا المسعودي عن القاسم بهذه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما استتابه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: وما استتابه، وهذا فيه النفي، وليس كالذي قبله والذي جاء بلفظ: (لم يذكر الاستتابة) لأنه سكت عنها، وهنا قال: وما استتابه، لكن هذا يحمل على أنه ما استتابه في الحال، اكتفاء بالاستتابة السابقة التي قد حصلت قبل ذلك. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط قبل موته، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن القاسم ]. هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. قوله: [ بهذه القصة ]. يعني: التي مرت وما استتابه، وهذا فيه نفي للاستتابة، وهذا كما هو معلوم جاء من طريق المسعودي ، وفيه ضعف، وهو مخالف للطرق الأخرى الكثيرة للحديث، والتي فيها التنصيص على الاستتابة، ولهذا ضعف الألباني هذه الطريق، ولكن لو صحت فإنها لا تنافي الروايات الأخرى، لأنه يمكن أن تحمل على أنه ما استتابه في الحال اكتفاء بالاستتابة السابقة. ويجوز للقاضي أن يؤخر المرتد مدة طويلة نحو عشرين يوماً لعله أن يراجع نفسه. شرح حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي السرح لردته. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: (كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان من كتبة الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، فأزله الشيطان وأغواه وأضله، فلحق بالكفار وهرب إلى مكة، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه). قوله: [ (فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح) ]. يوم فتح الله عليه مكة، وكان هو من كتبة الوحي ثم لحق بالكفار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل فصار في جوار عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم وتركه ولم يقتله. تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي سرح لردته. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد المروزي هو ابن ثابت بن شبويه ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا علي بن الحسين بن واقد ]. علي بن الحسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي السرح من طريق أخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن المفضل حدثنا أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد قال: (لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في قصة عبد الله بن أبي سرح ، وإجارة عثمان له يوم فتح مكة، ثم مجيئه به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبه منه أن يبايعه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ثم يعرض عنه ولا يمد يده، وبعدما حصل ذلك ثلاث مرات بايعه ومد يده إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أما منكم رجل رشيد! يقوم إليه فيقتله حين رآني كففت عنه)، يعني: رآني لم أبايعه، وكان هذا بناء على الأمر الأول الذي أمر بقتله، فكونه جاء والرسول لم يمد يده إليه، فهذا يستند إلى الأمر السابق، ولكن لما كان عثمان أجاره، والرسول قبل جواره، فقالوا: يا رسول الله ما أخبرتنا ما علمنا بما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ يعني: أشرت إشارة بعينك قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) بمعنى أنه يكون عنده في قلبه شيء ثم يظهر شيئاً آخر. تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي سرح من طريق أخرى. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أحمد بن المفضل ]. أحمد بن المفضل صدوق في حفظه شيء، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أسباط بن نصر ]. أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: زعم السدي ]. و السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. مسألة خائنة الأعين لغير النبي، وإجارة المرتد. وهذا الحديث فيه مسألة: هل تجوز خائنة الأعين لغير النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: الذي يبدو أن ذلك جائز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليهم ذلك، وإنما كونهم طلبوا منه هذا، ومعناه: أنه يجوز أن يحصل من الشخص إشارة، لكن الرسول نفى أن يكون ذلك حاصل للأنبياء. وكما هو معلوم فإن المرتد لا يجار، وإنما ذاك رجل أسلم وارتد فأهدر دمه صلى الله عليه وسلم، وكان كاتباً للوحي، فأسلم مع الناس يوم فتح مكة، والرسول أهدر دمه، فمن كان مرتداً فليس لأي إنسان أن يجيره، وليس من حقه أن يجيره، وإنما الحكم فيه: إن تاب ورجع وإلا قتل. شرح حديث: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق عن الشعبي عن جرير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه) ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). والمقصود من (أبق) أنه هرب ولحق بأهل الشرك (فقد حل دمه)، وفي بعض الروايات: (فقد برئت منه ذمة الله)، و الألباني ضعف هذا الحديث ولا أدري ما وجه تضعيفه، هل هو من جهة أبي إسحاق السبيعي أو غير ذلك؟ تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد بن عبد الرحمن ]. هو حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن عبد الله البجلي ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [492] الحلقة (523) شرح سنن أبي داود [492] لا نرى والذي رفع السماء بلا عمد حباً كحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وتفانيهم من أجله، وجعلهم نفوسهم وأموالهم فداءً له عليه الصلاة والسلام، وهناك نفوس عليلة، فلا تقدر للنبي قدره، ولا تنزله منزلته، فليس لهذه النفوس المريضة إلا السيف؛ ليزيل عنها وساوس الشيطان، فدمائهم هدر؛ لوقوعهم في سيد البشر، من عرف قدره الحجر قبل البشر. الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث هدر النبي لدم المرأة التي قتلت لأنها شتمته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا عباد بن موسى الختلي أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس : (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) ]. أورد أبو داود باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. يعني: حكمه إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم الكفر والردة عن الإسلام، وذلك أن الرسول الكريم عليه السلام هو الذي أرسله الله بالحق والهدى، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فمسبته والقدح فيه قدح فيما جاء به عليه الصلاة والسلام، وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس : أن رجلاً أعمى كان له أم ولد، وأم الولد هي الأمة التي ولدت له فصار يقال لها: أم ولد، يعني: تبقى حتى يموت وتعتق بموته، وكان له منها ولدان كاللؤلؤتين، وكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينصحها فلا تنتصح ولا تنتهي، وكانت به رفيقة، يعني: كانت معاملتها له طيبة، ولكن كونها تسب الرسول صلى الله عليه وسلم غضب للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينظر إلى حظ نفسه، فلم ينظر إلى إحسانها إليه، ورفقها به، ومعاملتها له معاملة طيبة، وإنما ساءه وأغضبه هذا الجرم الذي يحصل منها وهو شتم الرسول صلى الله عليه وسلم وسبه، فذات ليلة حصل منها أنها شتمته فقام وأخذ المغول وهو كالسيف الصغير يجعله الإنسان بين ثيابه، وهو ليس كبيراً بحيث يظهر، ولكنه شبيه بالسيف إلا أنه صغير، فجاء فوضعه على بطنها واتكأ عليها حتى ماتت، ولطخت ما حولها من الدم، ووقع بين يديها صبي، يعني: أنه أحد أولادها، لعله وقع بين رجليها أو جاء بين رجليها، ولكن ليس معناه أنه أصابه قتل، أو أصابه هلاك، وإنما يمكن أنه لما رآها جاء ووقع بين رجليها، فالرجل أخفى نفسه ولم يظهر الأمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فجمع الناس، وأنشدهم بالله عز وجل أن الذي حصل منه ذلك أن يبين نفسه، فقام رجل أعمى يتخطى الناس حتى جاء وقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا صاحبها، قال: ما لك؟ قال: إنها كانت تشتمك، وإنها كانت بي رفيقة، وإني نصحتها فلم تستجب، وإنها البارحة حصل منها ذلك فقمت وفعلت بها كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا اشهدوا أن دمها هدر) يعني: أنه قتل بحق. تراجم رجال إسناد حديث هدر النبي لدم المرأة التي قتلت لأنها شتمته قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي ]. عباد بن موسى الختلي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني ]. إسماعيل بن جعفر المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان الشحام ]. عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح عن جرير عن مغيرة عن الشعبي عن علي رضي الله عنه (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها)]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فخنقها رجل حتى ماتت، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها)، وهذا مثل الذي قبله، والذي فيه قصة الأعمى الذي قتل الجارية التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خنق هذه اليهودية التي كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتبر دمها هدراً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت..) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وعبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل مر ذكره. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه صححه في إرواء الغليل، ثم أيضاً الحديث الذي قبله شاهد له وهو بمعناه. شرح حديث: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن يونس عن حميد بن هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم، ح وحدثنا هارون بن عبد الله ونصير بن الفرج قالا: حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال: كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجل فاشتد عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إلي، فقال: ما الذي قلت آنفاً؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلاً لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان عنده رجل فتغيظ عليه أبو بكر رضي الله عنه، فقال له أبو برزة : ائذن لي أن أقتله، فخفف ذلك من غضبه، ودخل منزله، فدعا أبا برزة ، وقال: ماذا قلت؟ قال: قلت كذا وكذا، قال: أكنت قاتله؟، قال: نعم، قال: ما كان هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الذي بعد الرسول ليس له إلا ينفذ ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقتل أحداً من غير أساس، وإنما قتله يكون على أساس من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). وهذا لا يعارض القول بأن الإمام إذا رأى أن يعزر أحداً بالقتل فإن له أن يقتله؛ لأن الإمام لا يقتله إلا إذا كان مستحقاً بأن حصل منه جرم أو ذنب يقتضي ذلك، أما إذا لم يحصل منه شيء، فإنه ليس له أن يقتله، وليس عنده ما يوجب القتل. وهذا الرجل سب أبا بكر ولكن ليس حكمه كسب النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يونس بن عبيد ]. هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وحميد بن هلال من الطبقة الثالثة من صغار التابعين فيكون الحديث مرسلاً. [ ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ ونصير بن الفرج ]. نصير بن الفرج ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف ]. يونس بن عبيد مر ذكره، وحميد بن هلال مر ذكره وعبد الله بن مطرف صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي برزة ]. أبو برزة رضي الله عنه صحابي، اسمه نضلة بن عبيد ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال كنت عند أبي بكر ]. وهذا يدل على أن الإسناد الأول سقط منه واسطتان هما: تابعي وصحابي، وهما عبد الله بن مطرف عن أبي برزة . وهذا كلام أبي بكر رضي الله عنه، وليس فيه شيء مرفوع إلا فيما يتعلق بقوله: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم) فهذا الذي يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه ليس لأحد من بعد الرسول لأنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود هذا لفظ يزيد ]. يعني: في الإسناد الثاني. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أحمد بن حنبل : أي: لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلاً إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفر بعد إيمان، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل ]. يعني: من سبه له أن يقتله وله أن يتركه. الأسئلة حكم الاستدلال بقوله: (ولا يحل دم رجل مسلم) على أن المرأة لا تدخل في الحكم) السؤال: قوله: (لا يحل دم رجل مسلم) هل هذا يمكن أن يستدل به على أن المرأة لا تقتل؟ الجواب: لا مفهوم لها، لأنه كما عرفنا مراراً وتكراراً أنه يأتي كثيراً في الأحاديث ذكر الرجال، وليس لذكرهم مفهوم، وإنما لكون الغالب أن الخطاب مع الرجال، وله نظائر كثيرة، بل أحياناً يأتي في التراجم عند أبي داود ، التعبير بالرجل، وليس المقصود الاقتصار على الرجل، وإنما ما يشمل الرجل والمرأة، ومن أمثلة الأحاديث التي فيها ذكر الرجال -وهو يشمل الرجال والنساء- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فإن كلمة (رجل) هذه ليس لها مفهوم؛ لأن المرأة كذلك إذا كانت تصوم صوماً فهي مثل الرجل، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، كذلك لو وجده عند امرأة، يعني: لا فرق بين الرجال والنساء، وإنما ذكر الرجال يأتي لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، والنساء تبع لهم. ثم الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، ولا يستثنى من ذلك إلا ما دل عليه الدليل، وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة جملة من الأمثلة التي فيها التفريق بين الرجال والنساء في الأحكام، وهذه الفائدة هي الفائدة الوحيدة التي لم أذكر لها مرجعاً ولا مصدراً؛ لأنها فوائد جمعتها في مناسبات مختلفة، يعني: في عدة مسائل متعددة، والأدلة عليها واضحة مثل النضح من بول الغلام، والغسل من بول الجارية، ومثل كون الإمام يقف عند وسط المرأة، وعند رأس الرجل في صلاة الجنازة، ومسائل عديدة جمعتها، وهي من أمثلة ذلك، وهي خارجة عن الأصل الذي هو التساوي، ولا يصار إلى التفريق إلا بدليل. موقف المرجئة من الحدود السؤال: ما هو موقف المرجئة من الحدود؟ الجواب: المرجئة عندهم لا يقام الحد على مستحقه لأنه مؤمن كامل الإيمان. يعني: الحدود عندهم ليست زواجر ولا جوابر والله أعلم؛ لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. حكم المرتد في الدول التي لا تحكم الشريعة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، في الدول التي لا تحكم بالشريعة من يقتله؟ وهل لبعض الجماعات الإسلامية أن تقوم بقتل من ارتد؟ الجواب: لا، ليس لهم ذلك؛ لأنه لا يقيم الحدود إلا السلطان، ثم هذا الرجل الذي قد ارتد يمكن أن يتوب، فلا يجوز لأحد أن يتسرع إلى قتله، بل هذا للسلطان، وكونهم يقتلونه -يعني: يغتالونه- ليس لهم ذلك. حكم الردة بالقول أو العمل السؤال: الردة تكون بالقول والعمل والقلب، فإذا كانت بالعمل أو القول، هل يشترط أن يكون قاصداً لذلك؟ الجواب: معلوم أن الجوارح إنما هي تابعة للقلوب، كما جاء عن بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقة العمل، فالإنسان عندما يقول قولاً وهو واضح أنه ردة وكفر بالله عز وجل، وليس فيه شبهة، وإنما المسألة في غاية الوضوح مثل سب الله وسب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا ردة عن الإسلام، ولا يعذر الإنسان إلا إذا كان سبق لسان، فيكون معذوراً؛ لأنه قد يسبق لسانه إلى شيء لا يريده، كقصة الرجل الذي قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فهذا ظاهره ردة وكفر، لكن وقع عن سبق لسان، وما أراده الرجل الذي كان في فلاة، ومعه دابته وعليها متاعه، ثم بعد ذلك نام واستيقظ وهي ليست عنده، لا دابة ولا متاع، فبقي في ظل شجرة ينتظر الموت، فنعس وقام وإذا دابته واقفة وعليها متاعه، ففرح وقال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، وهو عكس ما كان يريد، فأخطأ من شدة الفرح، هذا سبق لسان، وأما الشيء المقصود والمتعمد كأن يسب الله ويسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ردة والعياذ بالله. حكم من أقيم عليه الحد ولم يتب في الآخرة السؤال: من أقيم عليه الحد ولم يتب فهل يكون ذلك الحد جبراً من التوبة؟ الجواب: نعم، هو جبر له وإن لم يتب؛ لأنه لو تاب من كل ذنب يتاب منه فإنه يتوب الله عليه، ولكن هذا في حق من لم يتب، لأنه حصلت عقوبته في الدنيا، وأما من تاب فإن الذي يتوب من ذنب لا يعاقب عليه في الآخرة، ولكن من أذنب ذنباً وأقيم عليه الحد في الدنيا، ولم يتب من ذلك الذنب، فقد حصل جزاءً في الدنيا، ولن يعاقب عليه مرة أخرى. حال حديث: (الدنيا سبعة آلاف سنة...) السؤال: ما صحة الحديث الذي رواه ابن ماجة : (الدنيا سبعة آلاف سنة، وبعث في الألف الأخيرة)؟ الجواب: ما ثبت في هذا شيء. حكم قتل الرجل تعزيراً السؤال: هل يقتل الرجل في غير حد أي: تعزيراً؟ الجواب: نعم يمكن، إذا رأى الإمام أن قتل الإنسان تعزيراً يكون فيه مصلحة وفائدة، مثل ما جاء في شارب الخمر فإن قتله في الرابعة هو تعزير وليس حداً. حكم الاستعاذة عند التثاؤب السؤال: ما هو حكم الاستعاذة عند التثاؤب؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولكن جاء في الحديث أن التثاؤب من الشيطان، فالإنسان إذا تعوذ بالله من الشيطان على اعتبار أن التثاؤب من الشيطان، ولم يعتقد أن في ذلك سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليس فيه بأس، ولكن كونه يعتقد أن هذه سنة أو يقول: إن الإنسان يشرع له عند التثاؤب أن يقول كذا وكذا، فهذا غير صحيح، ولكن كونه يتذكر بأن التثاؤب من الشيطان فيتعوذ بالله من الشيطان بسبب ذلك دون أن يعتقد أن هذه سنة لا بأس بذلك. حكم الصلاة على النبي عند شم الرائحة الطيبة السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند شم الرائحة الطيبة؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل عليه، لكن الرسول كان يحب الطيب، فالإنسان الذي يصلي على النبي من أجل أنه كان يحب الطيب، وتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه فلا بأس بذلك، لكن كونه يعتقد أنه عند شم الطيب يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليس هناك ما يدل على هذا. حكم الحمد عند الجشاء السؤال: ما حكم الحمد عند التجشؤ؟ الجواب: لا يوجد شيء يدل عليه، لكن كون الإنسان يحمد الله على كل حال، وأن هذا الشبع الذي حصل له من نعمة الله عز وجل لا بأس بذلك، لكن كونه يعتقد أن هذا أمر مشروع في هذه المناسبة، فليس هناك شيء يدل عليه فيما أعلم. معنى قوله في الحديث: (فوقع بين رجليها طفل) السؤال: قوله: (فوقع بين رجليها طفل) ألا يدل على أنها كانت حاملاً؟ الجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن كونه وقع بين رجليها، يعني: سقط بين رجليها، كأنه رآها بهذه الحال، فجاء يبكي وسقط بين رجليها. حكم من سمع رجلاً يسب الرسول فقتله في الحال السؤال: هل في هذا دليل على أن المرتد أو ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتله من سمعه؟ الجواب: لا. ليس له قتله؛ لأن القتل هو للإمام، لكن لو وقع فإن الدم هدر، وليس فيه قصاص. الفرق بين إجارة الكافر والمرتد السؤال: هل يفرق في الإجارة بين الكافر والمرتد؟ الجواب: من كفر مرتداً بعد إسلامه هو أشد من الكافر الأصلي. حكم اغتيالات أئمة الكفر السؤال: هل في حديث الأعمى دليل على جواز اغتيالات أئمة الكفر كما فعل بكعب بن الأشرف ؟ الجواب: إذا كان سيترتب على ذلك أضرار بالمسلمين فليس هناك مصلحة في الإقدام على هذه الأعمال. حكم استتابة ساب الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: هل يستتاب ساب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم يستتاب. حكم من طلب الولاية من أجل الدعوة إلى الله السؤال: هل للإنسان أن يطلب لنفسه ولاية أمر حتى يدعو إلى الله تبارك وتعالى؟ الجواب: يسأل الله عز وجل أن يوفقه لما فيه خير الدنيا والآخرة، ولا يسأل ولاية أو يتمنى ولاية، وإنما يسأل الله عز وجل أن يوفقه لما فيه سعادة الدنيا والآخرة ونفع المسلمين؛ لأن الإنسان لا يدري ماذا سيكون حاله إذا حصلت له الولاية، فقد يتغير وقد يحصل له ضرر بسبب الولاية. فلا يقوم بالواجب، والشيء الذي كان يريده قد لا يهتم به، أو لا يحسب له حساباً بعدما يصل للولاية. حكم من سأل مناصب دينية السؤال: ما حكم من سأل مناصب دينية كالإمامة أو الأذان أو التدريس؟ الجواب: هذا ما فيه بأس؛ لأن هذه أمور طيبة، ولا بد للناس منها، والإنسان إذا قصد من كونه يصير مؤذناً أن يكون محافظاً على الصلاة ولا تفوته الصلاة، وكونه يتمكن من حفظ القرآن وإثبات محفوظه؛ فهذه كلها مقاصد طيبة. كذلك كونه يطلب التدريس ليقوم بإيصال الحق وإرشاد الناس إلى الخير فهذا من المقاصد الطيبة. حكم من وقف بعض ماله في نيته فقط السؤال: شخص نوى أن يوقف بعض ماله وكذلك كتبه، لكن لم يثبت ذلك في المحكمة، فهل هذا الوقف يعتبر وقفاً شرعياً؟ الجواب: مجرد النية لا يثبت بها شيء، ولكنه لا يتوقف الأمر على المحكمة، ولو كتب أو أشهد على أن هذا وقف، فإنه يكون بذلك وقفاً، وأما مجرد أن يكون ذلك في قلبه ونيته فهذا لا يثبت، فمن نوى أن يفعل شيئاً ولم يفعله فلا يعتبر، ومجرد النية لا يترتب عليها شيء. حكم من قال: لم يحلق الرسول لحيته لعدم وجود الموسى السؤال: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلق لحيته؛ لعدم وجود الموس، بينما نحن نجده في زماننا، فهل يعتبر هذا ساباً للرسول؟ الجواب: سبحان الله! هذا ليس من كلام العقلاء، هذا من كلام المجانين، فقد كان الناس يحلقون عند المروة وعند الجمرة بالموسى. فهذا الكلام فيه سفه، أقول: هذا سفه وإضافة شيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيفعل كذا وكذا، يعني: تقويله ما لم يقله، وهو كذب عليه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [493] الحلقة (524) شرح سنن أبي داود [493] لقد أنزل الله عز وجل آيات مبينات في حق كل من تمرد عن طاعته وارتد عن دينه، وسفك دماء المسلمين، وأخذ حقوقهم بالقوة والعنف، وهم المحاربون الذين خلعوا يداً من طاعة، وأخذوا حقوق الناس عنوة، فهؤلاء جزاؤهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، وإن أخذوا المال خفية فإنه لا تنفذ عليهم أحكام الحرابة، وإنما يقام عليهم حد السرقة فتقطع أيديهم. ما جاء في المحاربة شرح حديث قتل العرنيين حرابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المحاربة. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك : (أن قوماً من عكل أو قال: من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم من أول النهار، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون). قال أبو قلابة : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المحاربة ] والمقصود بالمحاربة: إخافة الناس والاعتداء عليهم جهراً وعلانية، وهو يخالف السرقة، لأن السرقة فيها خفاء، وعدم بروز وظهور، وأما هذا ففيه ظهور وبروز وإظهار قوة وبطش، وقد يترتب على ذلك قتل، وقد يترتب على ذلك أخذ مال، وقد يترتب على ذلك الإخافة والذعر وعدم أمن الناس على أنفسهم وأموالهم، فجاءت هذه الشريعة ببيان أحكام ذلك كما جاءت ببيان أحكام السرقة، وهو: ما يكون في الخفاء. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في قصة العرنيين، الذين قدموا إلى المدينة واجتووها يعني: أصابهم فيها وباء، فسقمت بطونهم، واصفرت ألوانهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة، ويشربون من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ذلك حتى صحوا، يعني: ذهب ما بهم من المرض وحصلت لهم الصحة والعافية، وحسنت أجسامهم وألوانهم، ولكنهم قابلوا هذا الإحسان إليهم بالإساءة، فقتلوا الراعي واستاقوا النعم، يعني: ذهبوا بالإبل التي كان يرعاها، فبلغ خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول النهار، فأرسل في طلبهم، فأتي بهم بعدما ارتفع النهار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. والذي حصل منهم أولاً: أنهم ارتدوا وقتلوا وسرقوا، يعني: جمعوا بين هذه الخصال الثلاث، وقد جاءت، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم مثل الذي فعلوا بالراعي فعاقبهم، ونزلت بعد ذلك آية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ .. [المائدة:33] الآية. قوله: [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن قوماً من عكل أو قال: من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قال: هم من عكل وهي قبيلة، أو عرينة وهي قبيلة، وقيل هم من عكل وعرينة، لأنهم مختلطون، وفيهم من هو من هذه القبيلة، وفيهم من هو من هذه القبيلة، وفي بعض الروايات: أنهم ثلاثة من عكل وأربعة من عرينة، أي: أنهم مختلطون. قوله: [ (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة) ]. يعني: أصابهم الجواء وهو: الوباء والضرر الذي حصل لهم فيها، فاصفرت ألوانهم وسقمت بطونهم. قوله: [ (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح) ]. وهي: الإبل التي فيها در، فأمرهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة وهي ترعى في البر ومعها راع يقوم برعايتها ورعيها، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وفي هذا دليل على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر، وليس بنجس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يشربوا من الأبوال والألبان، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يرشدهم إلى أن يتداووا بنجاسة، وهذا من الأدلة التي يستدل بها من قال بطهارة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه، ويستدلون لذلك أيضاً بقصة ركوب النبي عليه الصلاة والسلام وطوافه على بعير، ولا يؤمن البعير أن يبول وأن يحصل منه الروث وأن يصيب الأرض من ذلك، فهو دائماً على طهارته، لأن تعريض المسجد للنجاسة غير سائغ، فلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عرف أن بول ما يؤكل لحمه ليس بنجس. قوله: [ (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها) ] وهذا فيه علاج وغذاء فيما يتعلق بالألبان، وكذلك هو علاج فيما يتعلق بالأبوال، ففعلوا ذلك، وفي هذا دليل على أن ابن السبيل له أن يستفيد من مثل هذه الإبل التي هي من إبل الصدقة، وقد جاء في القرآن أن من مصارف الصدقات ابن السبيل قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] فإعطاء اللبان لمن يكون ابن سبيل ذلك سائغ، كما أن إعطاء ذوات الأنعام؛ كالإبل والبقر والغنم لمن هم من أهل الزكاة ومن جملتهم ابن السبيل هذا هو الذي يدل عليه القرآن، والسنة دلت على إعطاء الألبان لمن كان ابن سبيل، وكذلك لمن كان محتاجاً إليها لاستشفائه، ولحصول المرض الذي حصل له، وعلاجه يكون بألبانها وأبوالها. قوله: [ (فلما صحوا)] يعني: حصلت لهم الصحة، وذهب المرض، وحسنت الأجسام، وذهب اصفرارها. قوله: [ (قتلوا الراعي، واستاقوا النعم) ]، يعني: ذاهبين بها وهاربين، فبلغ خبرهم إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فأرسل في طلبهم، وكان بلوغ الخبر في أول النهار، فذهب بعض الشجعان الفرسان، وأتوا بهم بعدما ارتفع النهار في وقت قصير، وكأن الخبر حصل في وقت قريب، والمسافة أيضاً ليست بعيدة، وقد ذهبوا هاربين شاردين بها، فأتي بهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعدما ارتفع النهار. قوله: [ (فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم من أول النهار، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون) ]. قيل: إن المقصود بأنه سمر أعينهم بمسامير من حديد، يعني: تفقأ بها عيونهم، وذلك أنهم فقئوا عيني الراعي، ومثلوا به هذا التمثيل، ففعل بهم كما فعلوا بالراعي، وهذا يدل على أن القتل يكون على هيئة القتل في القصاص، بمعنى: أنه إذا قتل بطريقة ما فإنه يقتل بتلك الطريقة، إلا إذا كانت الطريقة فيها أمر منكر لا يسوغ فعله، فإنه لا يقتل بالطريقة المحرمة التي لا يجوز الإقدام عليها في أي حال من الأحوال، ومن أمثلة ذلك قصة الجارية التي رض اليهودي رأسها بين حجرين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يفعل باليهودي مثل ما فعل بها، حيث إن الذي قتلها هو من اليهود وقد رض رأسها بين حجرين، فإن القتل يكون على الهيئة التي يكون عليها القتل من الجاني، وهذا هو الذي يدل عليه لفظ القصاص، والله تعالى يقول: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]؛ لأن لفظ القصاص يشعر بالمقاصة، وأنه يكون على الهيئة التي حصل بها القتل، فإذا كان بتمثيل فإنه يعمل به كما عمل بغيره، ويجازى عند العقوبة كما فعل هو بغيره: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، وجاء في بعض الألفاظ: (سمر)، وفي بعض الألفاظ: (سمل أعينهم)، قيل: فقأها، وقيل: سمرها بالمخراز أو الإبر التي أحميت في النار، ثم وضعت على العيون حتى تفقأت. قوله: [ قال أبو قلابة : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله]. قال أبو قلابة وهو أحد الرواة: (فهؤلاء قوم كفروا) يعني: ارتدوا عن الإسلام، وسرقوا، وقتلوا، وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره، وهذا سند رباعي، لأن الثلاثة الذين فيه في طبقة واحدة، وهم قتادة و حميد و ثابت ، وكلهم يروي عنهم حماد بن سلمة ، وكلهم يروي عن أنس بن مالك ، إذاً: هذا إسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب بإسناده بهذا الحديث قال فيه: (فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: (أنه أمر بمسامير فأحميت، فكحل بها أعينهم) يعني: وضعها على أعينهم كهيئة ميل الكحل حتى ذهبت أعينهم، وهذا جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، لأنهم فعلوا بالراعي هذا الفعل. قوله: [ (فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) ]. يعني: ما حسم موضع القطع؛ لأن المقصود هو الهلاك، وليس المقصود الحياة، أما فيما يتعلق بقطع اليد فإنها تحسم؛ لأن المطلوب هو قطع اليد، وليس المقصود إماتة السارق بقطع يده، وإنما المقصود: قطع هذا العضو الذي حصل به السرقة، فلا يترك الدم ينزف حتى يموت، أو يحصل له ضرر بالغ بسبب خروج دمه، بل يحسم وذلك بأن توضع يده في زيت أو في شيء، ليتقلص مكان خروج الدم، يعني: من العروق بحيث تسدد تلك المنافذ التي يجري منها الدم بسبب وضع اليد في زيت حار أو في ماء حار، فيحصل به تقلص تلك العروق وانسدادها ووقف النزف، أما هؤلاء المحاربون فيراد قتلهم كما قتلوا الراعي. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثانية قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بإسناده]. وقد مر ذكره، بإسناده المتقدم. شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان قال: أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال فيه: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا .. [المائدة:33] الآية ]). أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في طلبهم قافة، والقافة: هم الذين يعرفون الآثار، فالأول أرسل في طلبهم، والذين أرسلوا لم يذكر اختصاصهم، وأنهم من صنف معين، وفي هذه الرواية بيان أنهم قافة، وهم الذين يعرفون الآثار، وهذا دليل على استعمال القافة، وأن ذلك سائغ، وقد جاء في ذلك أحاديث، ومنها قصة مجزز المدلجي الذي جاء في الصحيحين، وأنه رأى أسامة بن زيد وأباه في لحاف وقد بانت أرجلهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وذلك أن كل واحد منهما لونه يختلف عن الآخر، فالرسول عليه الصلاة والسلام فرح بقول هذا القائف الذي رأى الأقدام، وقال: إن بعضها من بعض، فالحديث الذي معنا ومع هذا الحديث وغيره من الأحاديث فيه دليل على الأخذ بالقافة، وعلى الاستفادة منهم فيما أقدرهم الله عز وجل عليه من معرفة الآثار. قوله: [ قال: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا.. [المائدة:33] الآية) ]. أنزل الله عز وجل هذه الآية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، وهذه الآية الكريمة فيها حكم المحاربة, وبعض أهل العلم قال: إنما هي للتخيير، وأن هذا يرجع إلى الإمام، وأنه يفعل الذي يرى فيه المصلحة، فإذا رأى القتل قتل، وإذا رأى القطع قطع، وإذا رأى النفي نفى، وإذا رأى الصلب صلب، فالأمر يرجع إلى اختيار الإمام فيختار ما فيه الأصلح. ومن العلماء من قال: إن هذا يرجع إلى أحوالهم وما يجري منهم، فإذا كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلوا، وإذا كانوا قتلوا وأخذوا مالاً قتلوا وصلبوا, وإذا كانوا أخذوا مالاً ولم يقتلوا فإنهم تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا لم يحصل منهم شيء من ذلك وإنما حصل منهم إخافة فإنهم ينفون من الأرض. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو الحمصي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. وهنا أتى بحاء التحويل من أجل الصيغة التي أتى بها كل من الشيخين لأبي داود ، لأن الأول قال: أخبرنا، والثاني قال: حدثنا، والكل يروي عن الوليد بن مسلم ، وهذا يدل على عناية المحدثين الفائقة في الرواية واهتمامهم بألفاظ الرواة، فإن هذا التحويل إنما أتى من أجل الصيغة فقط، وليس من أجل أن فيه عدة أشخاص، وإنما هو شخص واحد عن شيخين، إلا أن واحداً من الشيخين عبر بأخبرنا وهو الشيخ الأول، والشيخ الثاني عبر بحدثنا، وقد اشتركا في الرواية عن الوليد . ثم كثير من العلماء لا يميزون بين: (حدثنا) و(أخبرنا)، فيأتون بها في الرواية سواء فيما سمع من الشيخ أو فيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من يجعل (حدثنا) فيما سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرنا) فيما قرئ على الشيخ، وذلك التلميذ يسمع، لكن بعض العلماء يستعمل هذه مكان هذه، وهذه مكان هذه، ولكن كما أشرت: إن هذا التحويل يدل على العناية الفائقة التي يكون عليها المحدثون والأئمة الذين يؤلفون كما صنع أبو داود رحمه الله في ذكر التحويل من أجل أن أحد الشيخين عبر بأخبرنا والشيخ الثاني عبر بحدثنا. والوليد هو: الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ، وهو ثقة فقيه، وهو فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة عن أنس ]. أبو قلابة و أنس قد مر ذكرهما. شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت و قتادة و حميد عن أنس بن مالك ذكر هذا الحديث قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً حتى ماتوا ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة أن أنساً قال: (رأيت أحدهم يكدم الأرض)، يعني: يعض الحصى من العطش، (حتى ماتوا) يعني: ولم يسقوا ولم يطعموا؛ لأنهم عوقبوا بمثل ما حصل منهم للراعي، والمراد هو: إماتتهم والقضاء عليهم، ولكن بهذه الطريقة التي فعلوها مع الراعي، فجوزوا بنظير ما فعلوا قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق رابعة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره، وهذا سند رباعي، لأن الثلاثة الذين فيه في طبقة واحدة، وهم قتادة و حميد و ثابت ، وكلهم يروي عنهم حماد بن سلمة ، وكلهم يروي عن أنس بن مالك ، إذاً: هذا إسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . طرق أخرى لحديث قتل العرنيين حرابة وفيها بعض الاختلاف في الألفاظ، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام عن قتادة عن أنس بن مالك بهذا الحديث نحوه، زاد: ثم نهي عن المثلة ولم يذكر (من خلاف). ورواه شعبة عن قتادة و سلام بن مسكين عن ثابت جميعاً عن أنس لم يذكرا: (من خلاف) ولم أجد في حديث أحد: (قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) إلا في حديث حماد بن سلمة ]. أورد أبو داود طرقاً أخرى، وفيها ذكر بعض الاختلاف في ألفاظ الرواة، بعضهم قال كذا وبعضهم قال كذا. قوله: [ (نهي عن المثلة) ] وهي تقطيع شيء من المقتول وتشويه منظره، وهذا لا يجوز، لكن إذا كان على سبيل القصاص فإن ذلك سائغ؛ لأنه يفعل به كما فعل بغيره، فإذا حصل منه قتل وتمثيل فيقتل بالطريقة التي فعل قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب: بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة و أنس قد مر ذكرهما. [ ورواه شعبة عن قتادة ]. شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام بن مسكين عن ثابت جميعاً]. سلام بن مسكين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . شرح حديث: (أن ناساً أغاروا على إبل النبي فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الزناد عن عبد الله بن عبيد الله قال أحمد : هو -يعني- عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب عن ابن عمر : (أن أناساً أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة)، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (إن أناساً أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم). قوله: [ (فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام) ]. أي: أخذوها وهربوا بها، وارتدوا عن الإسلام، يعني: أنهم كانوا جاءوا مسلمين ثم ارتدوا، يعني: كفروا بعد إسلامهم، فجمعوا بين هذه الخصال الذميمة، وهي الردة والقتل والعدوان. قوله: [ (وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة)، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله ]. هذا مثل ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه، وهؤلاء هم الذين أخبر بهم أنس بن مالك الحجاج لما سأله عن أغلظ عقوبة حصلت من النبي صلى الله عليه وسلم، فحدث بهذا الحديث، وجاء أنه ندم على إخباره بذلك؛ لأن الحجاج سيتخذه ذريعة إلى البطش؛ لأنه كان جائراً وظالماً، فندم على كونه أخبره بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (أن ناساً أغاروا على إبل النبي فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام..) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو ابن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي هلال ]. هو سعيد بن أبي هلال المصري ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبيد الله قال أحمد : هو -يعني-: عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ]. عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكلهم من صغار الصحابة وأبناء صحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن محمد بن العجلان عن أبي الزناد : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله تعالى في ذلك، فأنزل الله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا .. [المائدة:33] الآية) ]. أورد أبو داود هذا الحديث المرسل أو المعضل، لأن أبا الزناد -وهو معروف بالرواية عن الأعرج عن أبي هريرة- أضاف ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل أو معضل. وأبو الزناد هو من الطبقة الخامسة التي هي طبقة صغار التابعين، يعني: من طبقة الأعمش و الزهري و قتادة ، وذكر هنا أنه لما حصل منه ما حصل للذين استاقوا الإبل وسملوا أعين الراعي عاتبه الله فأنزل الآية، فهو ذكر المعاتبة في هذه الطريقة، وأما قضية إنزال آية المحاربة فقد مر في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك، وأما ذكر العتاب فهذا هو الذي جاء من هذه الطريق التي فيها الانقطاع، وهو غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد ]. ابن وهب مر ذكره، والليث بن سعد هو المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر محمد بن سيرين في قصة العرنيين، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن قتادة عن محمد بن سيرين قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدود يعني: حديث أنس ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن محمد بن سيرين قال: هذا كان قبل أن تنزل الحدود، يعني: هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة العرنيين كان قبل أن تنزل الحدود. قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا همام ]. هذا الحديث مثل الذي قبله من حيث تحويل السند بعد ذكر شيخه الأول وبعد ذكر الصيغة، لأن الأول عبر بأخبرنا، والثاني عبر بحدثنا، مثل الذي مر في الحديث السابق. [ عن همام عن قتادة ]. همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة مر ذكره. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدود ]. يعني: التفاصيل الواردة فيما يتعلق بالحرابة. ولعله يقصد أن هذا قبل أن تأتي التفاصيل التي فيها ذكر ما يتعلق بالقصاص والسرقة. لكن هذا حد خاص بالحرابة، وليس له علاقة بالحدود، يعني: سواء نزلت قبل أو نزلت بعد فهذا شيء آخر. شرح حديث ابن عباس في سبب نزول آيات الحرابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ.. [المائدة:33] إلى قوله: .. غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المشركين، وهي في المشركين وكذلك تشمل المسلمين الذين يحصل منهم قطع الطريق، وإيذاء الناس، والاعتداء عليهم في أموالهم علناً، ولكن الذي يبين ويوضح أنها في المشركين، قوله في آخر الآية: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] ومعلوم أن الحدود إذا أقيمت على المسلمين فهي كفارات، وأما بالنسبة للمشركين فإنهم إذا تابوا يتوب الله عليهم وكل شيء يغفره الله عز وجل قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وهم الذين لهم الخزي في الدنيا ولهم العذاب العظيم في الآخرة إذا أقيم عليهم ذلك الحد؛ لأن الحدود لا تكفر عن المشركين شيئاً؛ لأنه ما دام الشرك موجوداً فلا بد من دخول النار، ولا بد من الخلود فيها، ولكن المسلم هو الذي تكفر الحدود ذنبه، ولا يؤاخذ عليه في الآخرة، وأما الكفار فيؤاخذون في الدنيا والآخرة ما دام أنهم باقون على الشرك؛ لأنهم حصلوا عقاباً في الدنيا وهذا خزي، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، أما المسلمون فلهم خزي في الدنيا، ولكن هذا الحد الذي أقيم عليهم هو كفارة لهم، ولا يؤاخذون عليه في الآخرة؛ لأنه جاء في حديث عبادة بن الصامت : (أن الحدود كفارات) وهذا إنما هو في حق المسلمين. فإذاً: هذا الذي جاء عن ابن عباس يوضح معنى قوله: (( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))، وفي حق المسلمين إذا لم يحصل توبة، وحصل إصرار على ذلك الشيء فإن أمره إلى الله عز وجل في الآخرة إذا لم يتب، وأما الكافر فإنه لا بد من عقوبة له في الآخرة، ولا بد من خلوده في النار، وأنه لا يمكن أن يخرج منها في حال من الأحوال. فإذاً: هذا الأثر عن ابن عباس يبين معنى قوله: (( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))؛ لأن هذا إنما يكون واضحاً في حق المشركين. قوله: [ نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ]. يعني: إذا كان يتعلق بحقوق الناس، لأن الإسلام يهدم ما كان قبله فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل، وأما إذا كان الكافر أسلم وهو عنده حقوق للناس، وقد اعتدى عليهم وهم يطالبون بحقوقهم فإن ذلك لا يمنع من إقامة الحد عليه، ومن أخذ الحق منه وإيصاله إلى من يستحقه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في سبب نزول آيات الحرابة قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي المشهور بابن شبويه ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد النحوي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [494] الحلقة (525) شرح سنن أبي داود [494] جاء الإسلام بالعدل في الثواب والعقاب بين الشريف والوضيع فالكل تحت مظلة الإسلام لا فرق بينهم، من أتى حداً من حدود الله تعالى أقيم عليه الحد ولو كان أشرف الشرفاء أو أغنى الأغنياء لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا شريف ولا وضيع إلا بالتقوى. ما جاء في الحد يشفع فيه شرح حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد يشفع فيه. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة ! أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [باب في الحد يشفع فيه]. يعني: حكم ذلك، وهو أنه لا يجوز إذا بلغ السلطان، وأما إذا كان لم يبلغ السلطان فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو فيما إذا بلغ السلطان، فإنه لا تجوز الشفاعة فيه. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وأن قريشاً همهم شأنها؛ لأن بني مخزوم قبيلة مشهورة، ولها منزلة وشرف عند الناس، فهم أهمهم كون امرأة تسرق منهم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا جنى وحصل منه شيء فإنه يؤثر على من ينسب إليه، وعلى من هو منه، وأن هذا يعتبر فيه نسبة إلى تلك القبيلة، ولهذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: محبوبه، والحب: هو المحبوب، فكلمه أسامة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار، ثم قال: (إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وهنا قوله: (الشريف) معنى هذا أن الشفاعة من أجل أنها شريفة، وأن قبيلتها لها شرف ومنزلة، ومن أجل ذلك أهمهم وطلبوا الشفاعة حتى لا يقام الحد ويكون في ذلك سبة على هذه القبيلة، ومعلوم أن الجاني لا تحمل وزره القبيلة قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن من يكون لهم شرف أو منزلة فقد يحصل فيهم من يكون ساقطاً أو يكون عنده شيء من الخطأ أو الخلال، والمخزومية حصل منها هذه السرقة كما يحصل من سائر الناس، ولكن الذي أهمهم كونها شريفة، ولكن جناية الجاني لا تتعداه إلى غيره، وإن كان ذلك قد يؤثر على الناس من جهة أنهم لا يحبون أن ينسب إليهم من يكون سارقاً أو يكون فيه صفات ذميمة، وإن كان من الناس من قد يحصل منه ذلك ولو كان أهله من أحسن وأفضل وأشرف الناس. قوله: [ (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. إن الناس الذين يكون فيهم شرف، ولهم منزلة ومكانة قد يحصل من أحد منهم شيء من الأشياء التي قد يستصعبون نسبتها إليهم، وأنه قد يكون فيهم ساقط، لكن بالنسبة لهذه المرأة التي هي المخزومية لا يقال عنها: إنها ساقطة، ولكن نقول في الجملة: إن من الناس من يكون فيهم شرف وقد يحصل من أحدهم هذا الفعل، وأما بالنسبة للصحابة إذا حصل من أحدهم شيء وأقيم عليه الحد كان كفارة له، وكذلك غيرهم، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يذموا ويعابوا وأن ينسب إليهم شيء لا يليق، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وقد حصل له الشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولو حصل منه ذنب وأقيم عليه الحد فإنه يكون كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد وستره الله عز وجل فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنه وتجاوز، وإن شاء عذبه، وهذا في كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: [ ومن يجترئ ]، يعني: كونه يتقدم ليشفع إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فأنكر عليه وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) ثم خطب الناس وبين لهم هذا الحكم، وأن الأمم السابقة كان من أسباب هلاكهم: (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ثم ضرب مثلاً بابنته فاطمة التي هي سيدة نساء أهل الجنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بضعة منه فقال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رغم أن لها ذلك الشرف العظيم، وهو نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكونها ابنته، فلو حصل منها ذلك فإن الحكم واحد، ولا فرق بين شريف ووضيع. تراجم رجال إسناد حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...) قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ]. قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و(حدثنا) هنا عامل التحويل بين الإسنادين، والصيغة واحدة وهي صيغة التحديث إلا أن الفرق أن الأول أتى بضمير الإفراد، والثاني أتى بضمير الجمع، ففي الأول قال: حدثني، وفي الثاني قال: حدثنا، قالوا: والفرق بين التعبيرين أن الراوي إذا حدثه الشيخ وحده عبر بقول: حدثني، وإما إذا حدثه ومعه غيره عبر بحدثنا، يعني: هو وغيره، ولم يحدثه وحده، والفرق هنا ليس كالذي مر بين أخبرنا وحدثنا، وهذا كما ذكرت من دقة المحدثين وعنايتهم بذكر ألفاظ الرواة على هيئتها وكيفيتها سواء كان للفرق بين كلمتين كحدثنا وأخبرنا، أو للضمير، وإن كانت الكلمة واحدة وهي حدثنا وحدثني. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري مر ذكره. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير بن العوام ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث الليث قال: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنها كانت تستعير المتاع وتجحده، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها، والحديث الأول ذكر السرقة، ولعلها كانت جمعت بين الأمرين. تراجم رجال إسناد حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. الزهري و عروة و عائشة قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. طرق أخرى لحديث: (أتشفع في حد من حدود الله) وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : روى ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث : إن امرأة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ]. وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر السرقة، وأن ذلك في غزوة الفتح يعني: عام الفتح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى مسعود بن الأسود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وروي هذا الحديث معلقاً وهو عن مسعود بن الأسود الصحابي رضي الله عنه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. و[ مسعود بن الأسود صحابي أخرج له ابن ماجة ، وهنا ما ذكر أبو داود أنه معلق وليس متصلاً؛ لأنه ليس له ذكر عند أبي داود في المتصلات، وإنما هو في المعلقات. [ قال أبو داود ورواه أبو الزبير عن جابر : (أن امرأة سرقت فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ]. ذكر طريقاً أخرى عن أبي الزبير ، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي، وأنها سرقت واستعاذت بزينب يعني: طلبت منها أن تعيذها وأن تكون عوناً لها على التخلص من مغبة ما حصل لها. شرح حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر و محمد بن سليمان الأنباري قالا: أخبرنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وهذا يدل على أن الحدود لا يشفع فيها، وأنه لابد أن ينفذ الحد إذا بلغ السلطان، وأما العثرات التي ليس فيها حدود وكان الشخص الذي حصل منه ذلك ليس له سوابق، أو أنه معروف بالسلامة والصلاح ولكنه حصل منه خطأ عارض فإنه يمكن مسامحته وإقالة عثرته، وأما من كان معروفاً بالتساهل في هذه الأمور التي ليس فيها حد ولكن فيها تعزير، فإن هذا يردع بما يمنعه حتى لا يعود، وأما إذا حصل ممن له منزلة ومكانة وهو معروف بالصلاح، وهو غير متكرر منه، فإنه تقال عثرته، وهذا هو مقتضى هذا الحديث، وهو يدل على أن غير الحدود ليست كالحدود، وأنه يمكن أن يشفع فيها ويمكن أن يعفى عنها في حق من يكون كذلك من ذوي الهيئات. تراجم رجال إسناد حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ]. جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ قال: أخبرنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ]. عبد الملك بن زيد ذكره أحد الرواة، وهو محمد بن سليمان وقال: عبد الملك بن زيد ، ووقف عندها، أما جعفر الذي هو الشيخ الأول فنسبه إلى جده وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي هو أحد المبشرين بالجنة. و عبد الملك بن زيد قال عنه النسائي : لا بأس به، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن أبي بكر ]. هو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها. الأسئلة حكم من به مرض نفسي السؤال: هل المريض مرضاً نفسياً يعتبر مرفوعاً عنه القلم؟ الجواب: القلم مرفوع عمن يغيب عقله، وأما من كان عقله حاضراً وعنده اكتئاب وأمراض نفسيه فهذا لا يكون مرفوعاً عنه القلم، وإنما يرفع القلم عن فاقد العقل، كما جاء في الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ). كيفية قضاء الصلوات الفائتة في عمر العبد السؤال: ما هي كيفية قضاء الصلوات المكتوبة الفائتة في العمر السابق؟ ومتى؟ وهل تكون بنية جهرية بين العبد وربه؟ الجواب: إذا كان الإنسان تاركاً للصلاة فيما مضى من حياته فيتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، ويحرص في المستقبل على أن يستقيم، وأن يلتزم بالطاعة، والبعد عن المعصية، ومن تاب تاب الله عليه، والإنسان إذا كان عليه شيء من الصلاة فبعض أهل العلم يقول: إنه كافر، والشيء الذي يحصل في الكفر لا يقضى، وإنما يتوب منه، ومن تاب تاب الله عليه. ما جاء في العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان شرح حديث: (تعافوا الحدود فيما بينكم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان ]. أي: أن التسامح في الحدود والأعراض هذا قبل أن تصل إلى السلطان سائغ، وأن المحظور والممنوع فيما إذا بلغت السلطان، فإنه ليس لأحد أن يعفو بعد بلوغ السلطان, وليس لأحد أن يشفع، وليس للسلطان أن يعفو، بل الواجب هو إقامة الحدود، وقبل بلوغها السلطان يمكن المسامحة، ويمكن الإعراض عنها وعدم المطالبة بها إلا إذا أراد الإنسان الذي حصلت له الجناية أو عليه الجناية، وأما إذا بلغت السلطان فإنه ليس هناك إلا التنفيذ. وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) أي: هذا أمر لغير الولاة، وهو للجاني والمجني عليه، فالتسامح والتعافي يكون فيما بينهم قبل أن تبلغ السلطان، فإذا وصلت إلى السلطان فإنه لا مجال لعفو صاحب المجني عليه، ولا مجال للشفاعة أيضاً في ترك الحد، وليس للسلطان أن يترك ذلك بعد ثبوته، وإنما عليه أن يقيم الحد، ولهذا قال: (ما بلغني من حد فقد وجب) يعني: وجب تنفيذه، والتسامح والتعافي إنما هو قبل بلوغه السلطان. تراجم رجال إسناد حديث: (تعافوا الحدود فيما بينكم..) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان الراوي عن المرء الذي روى عنه شعيب بن محمد ، فإن روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فكثير من الروايات يأتي فيها: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا فيه بيان للجد، وأنه جد شعيب ، و شعيب يروي عن جده وقد ثبت سماعه منه، وهو متصل، وهذا الإسناد فيه تسمية الجد، وأنه عبد الله بن عمرو بن العاص ، أي: أن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما. و عبد الله بن عمرو بن العاص حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الستر على أهل الحدود شرح حديث: (... لو سترته بثوبك كان خيراً لك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الستر على أهل الحدود. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه : (أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه وقال لهزال : لو سترته بثوبك كان خيراً لك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب الستر على أهل الحدود ]. والمقصود بالستر عليهم هو: عدم إظهار أمرهم، ورفع دعواهم وأنه يستر عليهم، ولكن هذا فيه تفصيل؛ لأنه إذا كان قبل أن يصل إلى السلطان فقد مر بنا حديث التعافي، وأن التسامح في ذلك ممكن، وإنما المحذور إذا بلغت السلطان. والستر على أصحاب الحدود إذا كان الشخص معروفاً بالفسق والفجور أو معروفاً بأمور محرمة والإقدام عليها، وكونه لم تحصل له عقوبة تردعه فإن عدم الستر في هذه الحالة أولى؛ لأنه يترتب على ذلك كون شره ينتشر، وأنه يحصل منه هذا العمل المنكر باستمرار، ويحصل الإضرار بالناس، وأما إذا كان لم يحصل منه هذا التكرار، وإنما حصل منه هفوة أو زلة أو ما إلى ذلك، فهذا يمكن أن يفرق بينه وبين من يكون معروفاً بالسوابق وتكرار تلك الأمور المحرمة، وإنما الستر فيه تفصيل. و أبو داود رحمه الله أورد حديثاً ضعيفاً، لكن الحديث الذي مر والأمر بالتعافي يدل على الستر، ولكن كما أشرت ليس كل صاحب حد يستر عليه. أورد أبو داود حديث نعيم بن هزال رضي الله تعالى عنه: أن ماعزاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بالزنا، فقال لهزال الذي هو والد نعيم : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) وذلك أن هزالاً كان ولي أمر ماعز ، وقد أوصاه به والده مالك والد ماعز ، وكان نشأ في حجره، ولما حصل له ذلك قال له: لو ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالذي حصل من الزنا، فالرسول قال له: (لو سترته) يعني: لو أخفيت عنه وما قلت له يأتي إلي، هذا هو المقصود بمحل الشاهد للترجمة في قوله: (الستر على أهل الحدود) لأنه قال: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يأتي إلي ويعترف بالزنا، والإنسان إذا استتر بستر الله وتاب إلى الله عز وجل، وأحسن في المستقبل، فالتوبة تجب ما قبله، والله تعالى يتوب على من تاب. شرح حديث: (... لو سترته بثوبك كان خيراً لك) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى عن ابن المنكدر : أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ]. وهذا فيه بيان وجه كون النبي قال لهزال : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) لأنه هو الذي أمر ماعزاً أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل منه. فالثاني فيه بيان أن هزالاً هو الذي أمره، وذلك فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهزال وهو الذي أمره بأن يبلغ النبي عليه السلام بما حصل منه: (لو سترته بثوبك كان خيراً لك). تراجم رجال إسنادي حديث: (...لو سترته بثوبك كان خيراً لك) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد بن القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن نعيم ]. يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه]. هو نعيم بن هزال ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي . وقوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المنكدر ]. هو محمد بن المنكدر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هزالاً ]. هزال مر ذكره، وهذا مرسل؛ لأنه يخبر عن شيء حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. ما جاء في صاحب الحد يجيء فيقر شرح حديث الرجل الذي وقع على المرأة وهي ذاهبة إلى المسجد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الفريابي حدثنا إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: (أن امرأة خرجت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، وانطلق، فمر عليها رجل فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولاً حسناً). قال أبو داود : يعني الرجل المأخوذ، وقال للرجل الذي وقع عليها: (ارجموه) فقال: (لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم). قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر ]. يعني: يقر ويعترف بالجناية التي حصلت منه أو الأمر المحرم الذي يكون عليه حد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، أن امرأة خرجت إلى المسجد فتجللها رجل وقضى حاجته منها، يعني: معناه أنه غشيها وحصل منها ما يحصل الرجل مع أهله وهرب، فاستنجدت، فلحق به واحد ليغيثها وليقبض على ذلك الذي اعتدى عليها، فجاءه أناس بعده، وهم جماعة من الأنصار فأخبرتهم، فلحقوا به، فوجدوا الرجل الذي ذهب ليغيثها في الأول، فأتوا به، وقالت: إنه صاحبها، وهو ليس بصاحبها، ولعل ذلك كان في الليل وفي الظلام، ولم تكن يتضح لها ذلك، فظنت أن هذا الشخص الذي أتي به -وهو الذي كان ذهب ليغيثها- هو الذي تجللها وغشيها، فعندما حصل ما حصل وحول إقامة الحد عليه، جاء الذي فعل بها الأمر المنكر وقال: أنا صاحبها، يعني: أراد ألا يجمع بين مصيبتين، ويكون فعل أمراً محرماً، ثم يقتل بسببه شخص آخر وهو بريء، فأخبر بأنه هو الذي حصل منه الجناية ووقع في الأمر المحرم، فلما اجتمع الثلاثة: المرأة، والرجل الذي أخذ وهو سليم، والرجل الذي فعل الأمر المنكر وأقر به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك)؛ لأنها مكرهة والمكره معذور، (وقال للثاني قولاً حسناً) أي: الذي أخذ، والذي اتهم وهو بريء، يعني: ما ذكر كيفية ذلك القول، ولكنه وصف بأنه حسن، يعني: تلطف له وخاطبه بكلام حسن لإنهاء ما قد جرى، وقال في حق ذلك المقر: (ارجموه)، وقد جاء ذكر الرجل من هذه الطريق. وذكر الشيخ الألباني رحمه الله خلافاً في قصة الرجم التي رواها أن الفريابي في هذا الحديث، وبين أنه رواه غيره ولم يذكر الرجم، وذلك أنه أقر وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وأراد أن ينقذ نفسه من تبعتين: تبعة فعل الأمر المنكر مع المرأة، وتبعة كون إنسان سليم يؤخذ بجريرة غيره، فاعترف بذلك، فلم يذكر غير الفريابي الرجم، وأتى بعده بأنه تاب توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم، فيكون في ذلك فائدة ومصلحة، وهي: أن من يكون عليه الحد لا يترك غيره يقام عليه الحد، وإن كان إقامة الحد كما هو معلوم مشكل في الحديث فيما يتعلق بالرجل الذي أخذ؛ لأن الحد لا يقام إلا باعتراف منه، أو بشهود يشهدون، وأما مجرد ادعاء المرأة مع عدم اعترافه وعدم الشهود فإنه لا يترتب عليه الحد، ولكن لعل الأمر في ذلك أنه لما رأى أن الأمر قد بلغ إلى محاكمة غيره، وأنه قد يحصل له ذلك، جاء وأخبر بالذي قد حصل حتى لا يقع شيء في حق ذلك الرجل وهو لا يستحقه، وإلا فإن مجرد ما حصل من ادعاء المرأة بأنه هو الذي فعل بها ما فعل فإنه لا يكفي، فإقامة الحد لا بد فيه من شهود أو اعتراف من المدعى عليه، والمدعى عليه لم يعترف، وجاء في الحديث: (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه). وعلى هذا فاختلفت الروايات هل رجم أو لم يرجم؟ و الألباني يقول: الأرجح أنه لم يرجم، وأن الذين رووا الحديث وهم غير محمد بن يوسف الفريابي ما ذكروا الرجم، وهو الذي يناسب اعترافه، وكونه أراد أن ينقذ غيره فالحكم في ذلك مشكل، وأنا لا أدري ما الراجح في هذه المسألة، هل يرجم باعترافه، أم أنه لا يرجم لكونه حصل منه هذا الذي حصل؟ وهذا فيه تشجيع للذين يحصل منهم شيء، ويؤدي الأمر إلى إتلاف غيرهم، فصنيعهم هذا فيه إنقاذ لغيرهم، فيكون في ذلك مسوغ لترك إقامة الحد عليهم، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي وقع على المرأة وهي ذاهبة إلى المسجد قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا الفريابي ]. هو محمد بن يوسف الفريابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سماك بن حرب ]. سماك بن حرب ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. هو وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، و علقمة بن وائل سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار ، و عبد الجبار لم يسمع من أبيه، وأما علقمة فقد سمع من أبيه، وفي التقريب قال: إنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه سمع من أبيه، وفي صحيح مسلم بعض أحاديث من روايته عن أبيه. [ قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ]. أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك ]. سماك بن حرب مر ذكره. ما جاء في التلقين في الحد شرح حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف ... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التلقين في الحد. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت، قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع وجيء به، فقال: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: اللهم تب عليه، ثلاثاً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في التلقين في الحد ]، يعني: تلقين المعترف شيئاً يخلصه من إقامة الحد عليه، وهذا إنما يكون في أمر مشتبه ومحتمل، ومن شخص قد يكون لا يعرف السرقة من غير السرقة، وما يوجب القطع مما لا يوجب القطع، وقد يظن أن كل شيء يوجب القطع، ومن المعلوم أن القطع لا بد له من شروط: ومنها الحرز، والنصاب.. وما إلى ذلك، وقد يكون الشخص عنده شيء من التغفيل وعدم المعرفة، فما جاء من التلقين فهو في مثل هذا. والحديث الذي أورده أبو داود عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بلص اعترف أنه سرق، فقال: ما إخالك سرقت! قال: بلى) يعني: ما أظنك سرقت، قال: بلى، وقوله: (ما إخالك سرقت) هذا المقصود من الترجمة، وهو التلقين، يعني: ما أظنك سرقت، لكنه أكد أنه قد سرق، فأمر به فقطعت يده لما حصل منه الاعتراف بالسرقة، ثم بعد ذلك أتي به فقال: (استغفر الله وتب إليه) فاستغفر فقال: (اللهم اغفر له وتب عليه، ثلاثاً) قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحديث في إسناده أبو المنذر وهو مقبول. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف ... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المنذر مولى أبي ذر ]. أبو المنذر مولى أبي ذر مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي أمية المخزومي ]. أبو أمية المخزومي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . إسناد حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) من طريق أخرى [ قال أبو داود : رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد الله قال: عن أبي أمية رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى للحديث. قوله: [ رواه عمرو بن عاصم ]. هو صدوق في حفظه شيء، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله عن أبي أمية ]. إسحاق بن عبد الله , وأبو أمية مر ذكرهما، وهنا قال: رجل من الأنصار، وهناك قال: المخزومي، ومعلوم أن بني مخزوم غير الأنصار، يعني: هو شك في هذه النسبة. وهنا لم يذكر أبا المنذر بين إسحاق بن عبد الله و أبي أمية ، ولا أدري هل سمع إسحاق بن عبد الله من أبي أمية أو لا؟! والإسناد الأول فيه أبو المنذر و الألباني ضعف الحديث، ولعله بسبب هذا. ما جاء في الرجل يعترف بحد ولا يسميه شرح حديث: (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليَّ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه. حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار حدثني أبو أمامة رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي قال: توضأت حين أقبلت؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا حين صلينا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله تعالى قد عفا عنك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه ]، يعني لا يسمي الحد الذي فعله، وقد يكون حداً وقد يكون غير حد، ومعناه: أنه عمل ذنباً، وهذا الذنب قد يكون من الكبائر التي يكون فيها حد، وقد يكون من الصغائر وهو يستعظمه ويظن أن فيه حداً، وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني أصبت حداً، فأقمه علي قال: هل توضأت حين قدمت أو أتيت إلى المسجد؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله قد عفا عنك) وهذا محمول على أنها من الصغائر، وليست المعصية من الكبائر التي فيها حدود، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، والحسنات تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا يكفرها إلى التوبة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] وقال صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، فالصغائر تكفر بالأعمال الصالحة وتكفر بالصلاة، وما جاء في أن الحسنات يذهبن السيئات، إنما يكون ذلك في الصغائر وليس في الكبائر. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليَّ...) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر بن عبد الواحد ]. عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني أبو عمار ]. هو شداد بن عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أمامة ]. هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الامتحان بالضرب حديث النعمان بن بشير في حبس المتهم دون ضربه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الامتحان بالضرب. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية حدثنا صفوان حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي (أن قوماً من الكلاعيين سرق لهم متاع فاتهموا أناساً من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فحبسهم أياماً ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان؟ فقال النعمان : ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم فإن خرج متاعكم فذاك، وإلا أخذت من ظهوركم مثلما أخذت من ظهورهم، فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم) قال أبو داود : إنما أرهبهم بهذا القول، أي: لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الامتحان بالضرب ]، يعني: المتهم هل يمتحن بالضرب ليعرف ما عنده، وليقر أو لا يضرب؟ وهل يحبس أو لا يحبس؟ أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي فيه الحبس في التهمة دون الضرب، وأنه جاء جماعة من الكلاعيين إلى النعمان بن بشير رضي الله عنه، واتهموا رجالاً من الحاكة، والحاكة: جمع حائك، وهم الذين يحيكون الثياب، فحبسهم مدة بالتهمة ثم خلى سبيلهم، فقالوا: خليت سبيلهم دون أن تضربهم؟ قال: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم، وإذا لم يظهر شيء بسبب الضرب، أضربكم كما ضربتهم، قالوا: هذا حكمك؟ قال: هذا حكم الله ورسوله، يعني: دل على أن الحكم هو الحبس، وأنه لا يضرب، وأن الضرب إنما يكون بعد الاعتراف، وأما قبل الاعتراف فقد يضرب البريء وهو سليم، فحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يدل على جواز الحبس دون الضرب، وأخبر بأن هذا حكم الله ورسوله وليس حكمه، وهو إنما حكم بالحبس دون الضرب، وأخبرهم أنهم إن أردوا أن يضربوا، فإذا لم يثبت الذي عليهم بالضرب ولم يعترفوا، فإنه يؤخذ من هؤلاء كما أخذ من أولئك، فيكون قصاصاً؛ لأنهم لا يستحقون الضرب، فإذا ضربوا ولم يترتب على ذلك فائدة، فإن هؤلاء الذين طلبوا ضربهم أيضاً يضربون، وأما الحبس فإنه سائغ، وقد جاء في هذا الحديث أن النعمان حبسهم ولم يضربهم، وقال: إن هذا حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : إنما أرهبهم بهذا القول ]. يعني: بين أن الضرب إيذاء لهم، وإلحاق الضرر بهم، وإنما أرهبهم بهذا الضرب. قوله: [ أي: لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف ]. يعني: أنه لا يستحق الضرب إلا بعد الاعتراف وكون الاعتراف يستوجب ضرباً أو يترتب عليه ضرب. والمقصود به والله أعلم أن المعاقبة إنما تكون بعد الاعتراف. وأبو داود فهم من ذلك أنه يكون من قبيل التعزير، لكن معلوم أن الإنسان السارق لا يضرب إذا ثبت عليه بالاعتراف وإنما يقام عليه الحد. تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير في حبس المتهم دون ضربه قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا صفوان ]. هو صفوان بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي ]. الأزهر بن عبد الله الحرازي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [495] الحلقة (526) شرح سنن أبي داود [495] من حكمة الله سبحانه وتعالى أن فرض الحدود حفاظاً على أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، وجعل لهذه الحدود مقادير تراعى عند إقامة الحد، وندب إلى تعافي الناس للحدود فيما بينهم، كما ندب إلى ستر المسلم إذا أتى حداً من حدود الله إذا كان ممن يعرف عنه الصلاح والمروءة. ما يقطع فيه السارق شرح حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقطع فيه السارق. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري قال سمعته منه عن عمرة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب ما يقطع فيه السارق ]، يعني: النصاب الذي يقطع به في السرقة إذا بلغه المسروق، وإذا كان دونه فإنه لا يقطع به؛ لكونه شيئاً يسيراً لم يبلغ الحد الذي يستحق معه القطع، أي: أن الترجمة معقودة لبيان المقدار الذي إذا بلغه المسروق فإنه تقطع به يد السارق، وإذا نقص وقل عنه فإن اليد لا تقطع. وقد اختلف العلماء في مقدار ما تقطع به اليد، فمن العلماء من ذهب إلى القطع بالكثير والقليل، وأخذوا بعموم ما جاء في القرآن من قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولم يذكروا فيه مقداراً لما يقطع به. ومن العلماء من أخذ بالتحديد بربع دينار فما زاد على ذلك والثلاثة الدراهم تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار كان في ذلك الوقت يعادل اثنا عشر درهماً، ولهذا كان نصاب الذهب يقدر بألف دينار، والدية قدرت بألف دينار وقدرت دية الحر باثني عشر ألف درهم على حساب أن الدينار يعادل اثنا عشر درهماً، ومنهم من قال غير ذلك. والصحيح هو ما جاءت به الأحاديث الصحيحة الثابتة من القطع في ربع دينار فما زاد على ذلك، وما نقص عنه فإنه لا قطع فيه، فيكون المعتبر في ذلك ربع الدينار. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار) ]. هذا فيه بيان للتحديد، أي: أنه ما كان يقطع في أقل من ربع دينار، وإنما كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه. قوله: [ (فصاعداً) ]. يعني: فما زاد على ربع الدينار يقطع فيه، وما نقص عن ربع الدينار فإنه لا قطع فيه، فهذا فيه الحد أو التفصيل، وما جاء في القرآن من الإطلاق بينته السنة بهذا الحديث الصحيح وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على أن هناك نصاباً يكون القطع به إذا بلغه المسروق، وإذا نقص عنه فإنه لا يقطع به. قوله: [ عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. وهذا يبين الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه، ومعناه أن ما نقص على ذلك أنه لا قطع فيه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعته منه عن عمرة ]. يعني: سفيان يقول: إنه سمعه من الزهري عن عمرة ؛ ليرفع تهمه التدليس، والزهري تدليسه قليل ونادر، وأما سفيان فمعروف بالتدليس، وهذا فيه بيان رفع تهمة التدليس عن سفيان . [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و وهب بن بيان قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وهو قوله: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) وهذا أيضاً فيه بيان من قوله صلى الله عليه وسلم، والأول فيه بيان من فعله (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) وهنا قال: (تقطع) يعني: كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن القطع يكون في ربع دينار فما زاد عليه، وأن ما نقص عليه فإنه لا قطع فيه، ويكون دل على التحديد بربع الدينا ربقوله وفعله، وأن ما زاد عليه يقطع به، وما نقص منه فإنه لا يقطع به، وهذا التحديد من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على بطلان القول بالقطع في الكثير والقليل ولو كان تافهاً يسيراً. تراجم رجال إسناد حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ]. وهؤلاء الثلاثة شيوخ لأبي داود اثنان منهم عبروا بحدثنا في الرواية عن ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه عبر بأخبرنا، وهذا هو سبب التحويل بعد الصيغة لبيان الاختلاف في الصيغة، وأن الشيخين الأولين كل منهما يقول: حدثنا ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه لم يقل: حدثنا وإنما قال: أخبرنا ابن وهب . [ وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة ]. ابن الشهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عمرة مر ذكرها و عائشة مر ذكرها. [ قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. قال أحمد بن صالح -يعني: في روايته-: (القطع في ربع دينار فصاعداً)، وأما وهب بن بيان و ابن السرح فقالا: تقطع. شرح حديث: (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم). والمجن هو: الترس الذي يجعل وقاية في الحرب، وقيمته ثلاثة دراهم، وهي تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار اثنا عشر درهماً. وهنا اختلف العلماء هل يرجع إلى الذهب أو إلى الفضة؟ والذي جاء في حديث عائشة يدل على أن الذهب هو الذي يعتبر؛ لأنه قال: (تقطع في ربع دينار فصاعداً) وأما هذا الذي حصل أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم فهذا مخصوص، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القطع يكون في ربع دينار، إذاً: المرجع في ذلك هو القيمة بالذهب، وأن الدينار سواء نقصت قيمته أو زادت فإن المعتبر هو الربع، وقد يزيد من حيث التفاوت بين الذهب والفضة فإذا اعتبر ربع الدينار فإن المرجع يكون إليه. ثم أيضاً هذه قضية معينة، وأما ذاك ففيه تشريع وبيان؛ لأن المعتبر هو القطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا فيكون ذلك ثلاثة دراهم تعادل ربع دينار. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث (أن النبي قطع في مجن فيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه التعبير بالترس، وبيان أنه من صفة النساء، وهو مكان في مسجد خاص بالنساء، والترس: هو المجن، فيكون مطابقاً لما تقدم في الرواية السابقة. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية ]. ابن جريج مر ذكره، وإسماعيل بن أمية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. شرح حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن أبي السري العسقلاني وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) وهذا يخالف ما تقدم، ولكن يمكن أن يحمل على أنه اتفق أن ذلك حصل في مجن قيمته كذا، فلا يكون مقياساً، ولا يكون حداً فاصلاً، يعني: ما زاد عنه يعتبر نصاباً، وما نقص عنه لا يكون نصاباً؛ لأنه جاء التنصيص أنه تقطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا لا تنافي بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث الدالة على التحديد؛ لأن هذا الحديث ما ذكر تحديداً، وإنما أخبر بأنه اتفق أن المجن يساوي عشرة دراهم أو يساوي ديناراً، فإذاً لا تعارض؛ لأنه لا يوجد تحديد على أنه النصاب، وإنما هذا من جملة ما يقطع به؛ لأن ربع الدينار يقطع به، ونصف الدينار يقطع به، وثلاثة أرباع الدينار يقطع بها، والدينار يقطع به من باب أولى. فلا يعارض ما تقدم من الأحاديث الدالة على أن القطع يكون بالربع وما زاد عليه؛ لأن هذا من جملة ما هو داخل في الزيادة، فإذاً لا يعتبر حداً، ولا يعتبر مقياساً يصار إليه بالتحديد في النصاب في القطع بالسرقة، وإنما التحديد يكون بربع دينار، والشيخ الألباني قال: إنه شاذ، ولكن الشذوذ ليس واضحاً؛ لأنه يكون صحيحاً، ويكون القطع حصل بذلك اتفاقاً بأنه كان يساوي كذا وكذا، وهو لا يعارض الأحاديث السابقة بأن يقال: إن النصاب هو ربع دينار، وإنما اتفق أنه مما زاد على ربع الدينار الذي يكون القطع به، فالقول بشذوذه هذا لو كان يتعلق بتحديد النصاب، والقول بالشذوذ لأنه مخالف للأحاديث لا يصح، فهو لا يخالف الأحاديث الأخرى على ما هي عليه، وإنما اتفق أن قيمة المجن دينار. تراجم رجال إسناد حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و محمد بن أبي السري العسقلاني ]. محمد بن أبي السري العسقلاني هو محمد بن المتوكل ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس وقد روى بالعنعنة، لكنه لو ثبت فلا يعارض الأحاديث السابقة، والشاذ: هو ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه. [ قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. محمد بن سلمة هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ و سعدان بن يحيى ]. هو سعدان بن يحيي اللخمي ، وهو صدوق وسط، أخرج له البخاري و النسائي و ابن ماجة . الأسئلة حكم قتل القاتل في بلاد غير إسلامية السؤال: نحن في بلاد أوروبية فهل يجوز لنا إذا قتل أحد أقاربنا أن نقتل القاتل؟ الجواب: أولاً القتل للقاتل لا يجب إلا إذا ثبت أنه هو القاتل، والقتل يكون من السلطان في بلاد فيها سلطان ينفذ الحدود، وإذا كان قتلهم له سيترتب عليه أضرار لهم ولغيرهم فلا ينبغي لهم أن يقدموا على القتل الذي قد ينتج عنه ما هو أكثر من قتيلهم الذي قتل، فإذا كان سيترتب على ذلك أضرار أكثر من ذهاب ذلك القتيل فلا يقدموا. من ينوب السلطان في الحدود السؤال: في باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان، من ينوب السلطان في هذا الزمان؟ الجواب: الذي ينوب السلطان كما هو معلوم القضاة، وكذلك الأمراء الذين تصل إليهم الأمور أولاً، ثم يرفعونها للقضاة ليحكموا فيها فهم نواب للسلطان. دخول الشرطة في نواب السلطان السؤال: هل يدخل في نواب السلطان الشرطة؟ الجواب: الظاهر أنهم يدخلون. حكم إقامة الرجل الصالح الحدود دون السلطان السؤال: ذكر لنا أن من ارتكب حداً فله أن يتصل برجل صالح فيقيم عليه الحد ويشهد عليه الناس، وهذا فيما إذا كان الحد دون القتل فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا. حكم العفو في الحدود إذا بلغت السلطان السؤال: إذا بلغت الحدود السلطان فهل للمجني عليه أن يعفو؟ الجواب: لا؛ لأن الحديث الذي سبق فيه: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب). ويشكل هذا في قضية القتل إذا جاء وقت القصاص وعفا أصحاب الحق عن القاتل، لكن نقول: إن مسألة القصاص غير مسألة الحدود؛ لأن هذه حقوق للناس، وأما الحدود فهي حقوق لله، والناس لهم أن يعفوا، بل هم مرغبون في العفو، ولهم أن يعفوا بالدية، وأن يأخذوا أكثر من الدية إذا أردوا. حكم عفو المقذوف عن القاذف إذا بلغ السلطان السؤال: هل يسقط حد القذف إذا بلغ السلطان وعفا المقذوف؟ الجواب: هو حق للمقذوف. المقصود بقوله (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) السؤال: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال : (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك)؟ الجواب: المقصود به: كونه هو الذي أخبره بأن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان هو وليه، وكان قد وصى به أبوه إليه، ولكونه هو الذي يقوم بأموره، وكان وليه في الصغر، فقال له: اذهب واعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل، وقوله: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يفعل هذا الشيء. حكم الستر على الجاني والمذنب في الحرم السؤال: هل يستحب الستر على الجاني والمذنب في الحرم؟ الجواب: أنا ذكرت في هذا تفصيلاً، وهو أنه إذا كان الإنسان ليس معروفاً بالسوابق، فهذا الستر عليه لا بأس به، وأما إذا كان الإنسان معروفاً بالفسق والفجور والسوابق فهذا لا يستر عليه؛ لأن هذا يمكنه، وأما إذا كانت زلة من هذا الإنسان، ولا يعرف عنه هذا الفعل فهذا من جنس ما تقدم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) هذا فيما بين الناس، وأما إذا وصلت إلى السلطان فالحد لابد أن يقام. حكم من عمل كبيرة وتاب منها قبل أن تبلغ السلطان السؤال: شخص قام بكبيرة من الكبائر حدها القتل، ولم يعلم به أحد إلا الله عز وجل، وهو الآن تائب فهل يذهب للسلطان ويظهر نفسه؟ الجواب: لا أبداً، إن الله يتوب على من تاب. المراد من قول النبي للمرأة (اذهبي فقد غفر الله لك) السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك) ألا يكون ذلك لأنها اتهمت رجلاً وهو بريء؟ الجواب: لعل هذا هو السبب؛ لأن فعل الزنا منها ليس بذنب لأنها مكرهة عليه، ولكن الذنب الذي حصل منها هو اتهام البريء. حكم سؤال القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها السؤال: هل يسأل القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها حتى يقام عليها الحد؟ الجواب: ليس بلازم مادام أنه اعترف بالزنا، وحتى لو أقر على امرأة فاعترافه وإقراره لا يكفي بالنسبة لها حتى تعترف هي. توجيه حول استخدام الجوال وقت الدرس السؤال: نريد منكم توجيهاً حول استخدام الجوال في وقت الدرس، مما يزعج الإخوة والحاضرين. الجواب: ينبغي أن يغلق في المساجد، والإنسان عليه أن ينتهز هذه الفرصة أو هذا الوقت القصير وهو جلوسه في المسجد، ويكون بعيداً عن الاشتغال مع الناس والاتصالات بالناس، فإذا دخل المسجد يغلق الجوال ولا يزعج أحداً ولا يزعجه هو أو يشغله عن ما هو خير، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان، وليس هذا عند الدرس فقط، بل حتى لو ما كان عنده أحد، ينبغي أن يكون في المسجد مغلقاً. معنى التلقين في الحد السؤال: مسألة التلقين في الحد ألا يمكن أن يكون المراد بالتلقين: تلقينه الاستغفار والتوبة مثلما قال له: تب واستغفر الله؟ الجواب: لا، التلقين هو قول: ما أظنك فعلت. ما لا قطع فيه شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان : أن عبداً سرق ودياً من حائط رجل فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ، فسجن مروان العبد وأراد قطع يده، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك، فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فقال الرجل: إن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده، وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان بن الحكم ، فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فأمر مروان بالعبد فأرسل، قال أبو داود الكثر: الجمار ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه ]، أي: فيما إذا أخذ لا تقطع به اليد، لأنه لا يعتبر سرقة. أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وذلك أن عبداً لرجل أخذ ودياً لإنسان، فغرسه في بستان سيده، ففقد صاحب البستان ذلك الودي فأخذ يلتمسه فوجده في بستان ذلك الرجل، فاستعدى على ذلك العبد صاحب البستان المأخوذ وديه مروان بن الحكم ، وكان أمير المدينة في ذلك الوقت أي: أنه استعان به عليه، فأخذه مروان وحبسه وأراد أن يقطعه، فذهب سيد ذلك العبد إلى رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه يسأله عن هذا الذي فعله عبده، فروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فطلب منه أن يمشي معه، أي: طلب صاحب البستان -الذي هو سيد العبد الذي أخذ الودي وغرسه في بستانه- أن يمشي معه إلى مروان بن الحكم ، ويخبره بالذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مشى معه وحدثه بالحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعند ذلك أرسله أي: أطلقه من الحبس، والحديث يدل على أن الثمر الذي في النخل إذا كان الإنسان جاء وأخذ منه وأكل فإنه لا قطع عليه؛ لأن هذا مما يحتاج إليه ولاسيما إذا كان في طريق ومر عابر سبيل أو ابن سبيل فوجد ذلك الثمر في نخل ورقى وأكل منه ولم يتخذ معه شيئاً يصحبه معه، فإنه لا قطع عليه في ذلك. وكذلك أيضاً الكثر الذي هو: الجمار، فإنه لا يكون فيه قطع، بمعنى: أنه لو أخذ ودياً وغرسه أو أكل شحمه -الذي هو الجمار، وهو الذي يكون في أصول العسب ويكون ليناً وحلواً- فلا يقطع فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أكل الجمار كما جاء في حديث: (أنه أتي بجمار نخلة فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها أخبرونا ما هي؟) ففكر الناس في شجر البر، ولم يقع في أذهانهم الشجر الذي يكون في البلد، وفهم ذلك عبد الله بن عمر ومنعه من أن يتكلم أنه رأى أباه وغيره من الصحابة الكبار لم يتكلموا، وبعد ذلك أخبر ابن عمر أباه؛ فسر وفرح فرحاً شديداً بهذا الذكاء الذي حصل لابنه. الحاصل: أن الجمار هو الذي يكون في أصول العسب، وهو حلو أبيض لين رقيق، فهو يؤكل ويستفاد منه في النخل الذي يقطع أو الذي ليس له حاجة، وأما إذا كان إليه حاجة فإنه ينقل من مكانه ويغرس في مكان آخر حتى يكون نخلاً. والحاصل: أن الثمر والأخذ منه مما هو على رءوس النخل، وكذلك الكثر الذي هو الجمار فإنه لا قطع فيه، ولكنه إذا أفسد نخلاً على أهله بأن خربه وأخذ جماره فإنه يغرم ويعاقب على ذلك؛ لأنه أفسد مال الغير بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك بن أنس ]. مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجاء في بعض الروايات أن محمد بن يحيى بن حبان يروي عن عمه واسع بن حبان ، وإلا فإن محمد بن يحيى بن حبان روايته مرسلة أي: يوجد انقطاع بينه وبين رافع بن خديج . شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث قال: فجلده مروان جلدات وخلى سبيله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه جلده جلدات وخلى سبيله يعني: تعزيراً على اعتدائه على مال الغير بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث ]. يحيى و محمد بن يحيى بن حبان مر ذكرهما. شرح حديث الأخذ من الثمر المعلق والمحرز قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً من بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة). قال: أبو داود : الجرين الجوخان ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي سئل عن الثمر المعلق، أي: المعلق على رءوس النخل الذي لم يقطع، ولم يؤخذ إلى المكان الذي يحفظ فيه أو يخزن فيه أو ييبس فيه، فقال: من أخذ بفيه، يعني: أنه أكل طعاماً سد به جوعته فليس عليه شيء؛ لأن هذا شيء قد يحتاج الناس إليه ولاسيما عابرو السبيل عندما يمرون بنخل فيه ثمر فيأكلون بأفواههم ولا يحملون شيئاً، فإذا اقتصر على الأكل منه بنفسه دون أن يحمل شيئاً فإنه لا شيء عليه، فقد رخص له في ذلك، وإن اتخذ خبنة، يعني: حمل معه شيئاً في ثيابه أو في غير ثيابه فإن عليه غرامة مثليه والعقوبة، والعقوبة: هي جلدات نكالاً؛ لأنه أخذ شيئاً لا يستحقه، ولكنه لا يقطع به؛ لأنه أبيح الأكل منه في حال الحاجة إليه، فمن أخذ شيئاً زائداً على ذلك وفوق ما أذن له فيه فيؤاخذ بغرامة مثليه والعقوبة جلدات نكالاً. قوله: [ (من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) ]. أي: بعدما جذ ووضع في الجرين، وهو المكان المخصص له والذي يحفظ فيه وييبس فيه، فإنه يكون أخذه من حرزه، فإذا كان بلغ ثمن المجن فعليه القطع؛ لأنه سرق مالاً من حرزه، فإن كان لم يبلغ النصاب فإنه يغرم مثليه والعقوبة، يعني: كالذي أخذ منه وهو معلق، فإنه يعاقب بمثليه والعقوبة أي: الجلد؛ لأنه لم يصل إلى حد القطع، وإذا وصل إلى حد القطع بأن كان نصاباً فأكثر فإنه يقطع، وإذا كان لم يبلغ نصاباً فإنه يغرم مثليه ويكون أيضاً عليه العقوبة مع ذلك. قوله: [ (ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) ]. يعني: دون النصاب الذي يقطع به في السرقة، فعليه غرامة مثليه والعقوبة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث الأخذ من الثمر المعلق والمحرز قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة. وهذا الحديث فيه التصريح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو ، فيكون عندما يأتي: عن شعيب عن أبيه عن جده أن المقصود: عبد الله بن عمرو ؛ لأنه هنا ذكر الجد وسماه، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو فهو متصل. القطع في الخلسة والخيانة شرح حديث (ليس على المنتهب قطع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القطع في الخلسة والخيانة. حدثنا نصر بن علي أخبرنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال: قال أبو الزبير : قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب القطع في الخلسة والخيانة ]. والخلسة: هي أخذ الشيء من المكان الظاهر الذي ليس في حرز بخفية، فيأتي الإنسان ويأخذه خلسة، والانتهاب: كونه ينهبه من صاحبه نهباً، فكل هذا لا قطع فيه؛ لأن القطع إنما جاء في السرقة، والسرقة هي أخذ الشيء من حرزه؛ لأن هذا شيء صعب الوصول إليه، أما إذا كان منتهباً فالذي انتهب يمكن أن يعرف فيطالب أو يتابع حتى يوصل إلى الحق الذي أخذه، وكذلك الذي أخذ خلسة إذا كان أمراً ظاهراً فإنه قد يطلع عليه وقد يظهر، بخلاف الذي يأخذ من حرز خفية، فإنه في الغالب لا يطلع عليه؛ ولهذا جاء القطع فيه بالسرقة، وجاء أنه لا قطع على المنتهب، وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله قال: (ليس على المنتهب قطع…)، والمنتهب: هو الذي ينتهب الشيء من صاحبه علانية. ومعلوم أن هذا يمكن أخذ الحق منه برفع أمره إلى السلطان مادام أنه أخذه علانية وهو معروف عنده، فيستطيع أن يتابعه وأن يرفع أمره إلى السلطان فيحصل على حقه، فلا يكون في ذلك قطع، وإنما القطع يكون في السرقة التي فيها خفاء. قوله: [ (ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا) ]. يعني: من انتهب نهبة مشهورة لها شأن وقيمة، ويرفع الناس إليها أبصارهم؛ لأنها لها منزلة وقيمة عندهم، (فليس منا) يعني: فيه تحذير ووعيد شديد في حق من يكون كذلك. تراجم رجال إسناد حديث (ليس على المنتهب قطع...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ليس على الخائن قطع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على الخائن قطع) ]. أورد أبو داود الحديث من نفس الطريق فقال: وبهذا الإسناد، أي: الذي تقدم، وبالصفة التي ذكرت قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس على الخائن قطع) والخائن: هو الذي يؤتمن على شيء فيجحده أو يخون فيه أو يخفيه أو يأكله، فالخيانة تكون مع الائتمان؛ لأنه أمين خان وجحد الشيء الذي في حوزته والذي اؤتمن عليه، فليس عليه قطع؛ لأن هذا من جمله الأشياء التي يمكن أن يحاكم بها ويرفع الأمر إلى السلطان، وعند ذلك يحكم القاضي بالشيء الذي يراه، وليس من جنس السرقة التي فيها خفاء والتي يكون فيها أخذ الأموال من غير أن يعرف ذلك الآخذ، إذ إن هذا رجل معروف ائتمن ولكنه خان في أمانته. قوله: [ وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله ]. يعني: الذي هو موجود قبله، دون أن يكرر الإسناد ويأتي به، بل أتى بالمتن فقط، واختصر أو أشار إلى الإسناد بقوله: وبهذا الإسناد، الذي مر قبل ذلك، وهذا نادر من فعل أبي داود ، كونه يقول: وبهذا الإسناد. فإن من عادته أن يكرر الأسانيد، ولكنه هنا اكتفى بهذه العبارة عن أن يسوق الإسناد من أوله إلى آخره. وبوب أبو داود فقال: [ باب القطع في الخلسة والخيانة ] فعبر بالقطع، يعني: حكم القطع وهل يقطع أو لا يقطع؟ والجواب: أنه لا يقطع. شرح حديث (... ولا على المختلس قطع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله زاد: (ولا على المختلس قطع) ]. قوله: [ بمثله ]، الذي هو الخيانة، وهو حديث: (ليس على الخائن قطع) ثم قال: وفيه زيادة: (وليس على المختلس قطع)، والمختلس -كما عرفنا- هو الذي يأخذ الشيء الظاهر خفية، والسرقة: هي أخذ الشيء من حرزه، والخائن: هو الذي يكون عنده شيء يؤتمن عليه فيخون فيه ويجحده، ويزعم بأنه ليس عنده. تراجم رجال إسناد حديث (... ولا على المختلس قطع) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي مر ذكره. [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج و أبو الزبير و جابر قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير ، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات ]. قال أبو داود : إن هذين الحديثين لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير ، وهو مدلس، والمدلس إذا لم يصرح بالتحديث يحتمل أن يكون هناك واسطة محذوفة بينه وبين من دلس عنه، وقال هنا: إنه لم يسمعهما، وقال: بلغني عن أحمد بن حنبل أن بين ابن جريج وبين أبي الزبير ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف ليس بثقة، يعني: توجد واسطة. [ قال أبو داود : وقد رواهما المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذه طريق أخرى معلقة، وذكر فيها أنه قد رواه عن أبي الزبير غير ياسين الزيات الذي أشار إليه أبو داود فيما بلغه عن الإمام أحمد ، يعني: طريق أخرى. وعلى هذا: فهذا الذي جاء من طريق ابن جريج عن أبي الزبير بالعنعنة قد جاء ما يعضده ويؤيده، فارتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه حجة معمولاً به؛ لأنه جاء ما يؤيده. و ياسين بن معاذ الزيات هذا ضعيف، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه: تهذيب التهذيب في حديث أظنه حديث المهدي قال: وكان هناك ياسين العجلي قال الحافظ ابن حجر : وقد جاء ذكر ياسين غير منسوب عند ابن ماجة فظنه بعض المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به ولم يصنع شيئاً، وإنما هو ياسين العجلي ، وهذا يبين لنا أن التضعيف أو أن الاختلاف في التضعيف والتصحيح تكون بالاختلاف في الأشخاص، وأن من ضعف حديثاً قد يظن أنه يأتي الرجل مهملاً غير منسوب فيظن أنه ذلك الضعيف فيضعف الحديث به، ويكون الواقع أنه ليس هو؛ لأنه جاء من طريق أخرى منسوباً وأنه غير ذلك الضعيف. قوله: [ قال أبو داود : وقد رواهما المغيرة بن مسلم ]. المغيرة بن مسلم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . وما ذكره أبو داود ؛ لأنه جاء هنا معلقاً، ولم يأت في المسندات، وكان الإتيان بمن روى له أبو داود في المسندات لا في المعلقات. ما جاء فيمن سرق من حرز شرح حديث قطع النبي ليد سارق خميصة صفوان بن أمية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من سرق من حرز. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عمرو بن حمال بن طلحة حدثنا أسباط عن سماك بن حرب عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً فجاء رجل فاختلسها مني، فأخذ الرجل فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به ليقطع، قال: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهماً؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب من سرق من حرز ]. يعني: أن القطع يكون فيما سرق من حرز، والحرز يكون مثل البيوت والصناديق والمخابئ أو الجيوب كجيب الإنسان وغيرها من الأحراز التي يحفظ فيها المال، وكذلك هنا في كون الإنسان توسده وجعله وسادة له، واستله من تحته وأخذه فإنه في حرز، وكذلك أيضاً هو في المسجد، ولكن كونه في المسجد هذا لا يعتبر حرزاً؛ لأن المسجد عام للناس، فيكون فيه من الأمور الظاهرة، ولكن كونه قد توسده وجعله له وسادة فهذا هو حرز. قوله: [ (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً فجاء رجل فاختلسها مني) ]. جاء في بعض الروايات أنه توسدها، ومعنى ذلك: أنها كانت في حرز، ومحل الشاهد أنه كان قد توسدها. قوله: [ (فأخذ الرجل فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع) ]. لأنه أخذها من حرز فقال: (أنا أبيعه إياه وأنسئه ثمنها) يعني: أصبر عليه في القيمة، فأنا أملكه إياها وقيمتها ثلاثون درهماً، فأنا أطالبه بها وأجعلها نسيئة، يعني لا آخذ منه ثمنها الآن، وإنما أمهله وآخذ منه ذلك في المستقبل، قال: (فهلا كان ذلك قبل أن تأتيني)، وهذا يبين أن الأمور إذا وصلت إلى السلطان فليس هناك إلا التنفيذ، ولا مجال للشفاعة فيها أو التنازل من صاحب الحق في ذلك، وإنما كان هذا قبل أن تصل إلى السلطان، فإذا وصلت إليه فليس لصاحبه أن يتنازل، وليس لأحد أن يشفع عند السلطان، وليس للسلطان أن يعفو ويسامح. تراجم رجال إسناد حديث قطع النبي ليد سارق خميصة صفوان بن أمية قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عمرو بن حمال بن طلحة ]. عمرو بن حمال بن طلحة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا أسباط ]. هو أسباط بن نصر ، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد بن أخت صفوان ]. حميد بن أخت صفوان مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن صفوان بن أمية ]. صفوان بن أمية رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. حديث قطع النبي ليد سارق الخميصة من طرق أخرى وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : ورواه زائدة عن سماك عن جعيد بن حجير قال: نام صفوان . ورواه مجاهد و طاوس : (أنه كان نائماً فجاء سارق فسرق خميصة من تحت رأسه). ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: (فاستله من تحت رأسه؛ فاستيقظ فصاح به فأخذ). ورواه الزهري عن صفوان بن عبد الله قال: (فنام في المسجد وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ السارق فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الطرق في هذا الحديث، وفيها: أنه كان متوسداً له، وأنه استله منه، وهذا هو الحرز، وهو الذي أورده من أجله أبو داود . أما لو كان لم يتوسده فإنه يكون من قبيل الاختلاس، يعني: أخذ الشيء الظاهر بخفية، ولكن كونه يأخذه من تحت رأسه أو يأخذ من جيبه شيئاً فإن هذا أخذ من الحرز فيستحق به القطع. قوله: [ ورواه زائدة عن سماك ]. زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسماك مر ذكره. [ عن جعيد بن حجير ]. هو حميد بن أخت صفوان . [ ورواه مجاهد و طاوس ]. مجاهد بن جبر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه الزهري عن صفوان بن عبد الله ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و صفوان بن عبد الله ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و النسائي و ابن ماجة . وهذا الأخير عن الزهري عن صفوان بن عبد الله قال: (فنام في المسجد). يعني: هذا مرسل فيه انقطاع، لكن هذه الطرق بمجموعها تدل على ثبوت الحديث. ما جاء في القطع في العارية إذا جحدت شرح حديث (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القطع في العارية إذا جحدت. حدثنا الحسن بن علي و مخلد بن خالد المعنى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال مخلد : عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فقطعت يدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب القطع في العارية إذا جحدت ]، يعني: حكم القطع، هل تقطع أو لا تقطع؟ وأورد أبو داود رحمه الله بعض الأحاديث في ذلك، وفيها ذكر القطع، وقد جاءت أو أكثر الروايات التي فيها القطع في العارية تدل على أنها سرقت، وأنها متصفة بالسرقة وبجحد العارية، فيكون قطعها بسبب السرقة، وليس بجحد العارية؛ لأن جحد العارية داخل في الخيانة، فقد ثبت أنه لا قطع على خائن؛ لأن الخائن يمكن أن يتوصل إلى ما عنده عن طريق السلطان والوالي، وأما السرقة فهي التي يكون فيها خفاء، فكانت عقوبتها أن تقطع اليد بسبب تلك الجناية. وجاء في بعض الأحاديث ذكر الجحد والقطع، وجاء في بعضها -وهي أكثر الروايات- أنها سرقت وقطعت، وذكر جحد العارية إنما كان من باب التعريف وأنها قد اشتهرت بذلك، فلم يكن القطع لهذا، وإنما كان القطع للسرقة. وقد مر الحديث الذي فيه شفاعة أسامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) قال: (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وجاء فيه أن المخزومية كانت سارقة، فدل على أن القطع إنما هو بسبب السرقة، والعارية جاءت من باب التعريف، وقد جاءت الأحاديث التي تدل على عدم القطع بالخيانة وهذا من هذا القبيل. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال مخلد : عن معمر ]. ومخلد بن خالد قال: عن معمر ، يعني: روى بالعنعنة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث المخزومية التي سرقت من طرق أخرى [ قال أبو داود : رواه جويرية عن نافع عن ابن عمر ، أو عن صفية بنت أبي عبيد زاد فيه (وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟ ثلاث مرات وتلك شاهدة فلم تقم ولم تتكلم)، ورواه ابن غنج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه: (فشهد عليها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه أنه قال: عن ابن عمر أو صفية بنت أبي عبيد و صفية بنت أبي عبيد هي زوجة ابن عمر ، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟). يعني: مما حصل منها من الجناية، وكانت تلك المرأة حاضرة -أي: المخزومية- فلم تقم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن غنج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه: (فشهد عليها) ]. يعني: أنها ما تابت ولا حصل لها أن تابت أو اعترفت، فشهد عليها بالسرقة، والقطع لا يكون إلا بالاعتراف أو الشهادة. تراجم رجال إسناد حديث المخزومية التي سرقت من طرق أخرى قوله: [ رواه جويرية ]. هو جويرية بن أسماء الضبعي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن نافع عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد ]. يعني: شك هل هو عن ابن عمر أو عن صفية ، و صفية بنت أبي عبيد ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وقيل لها رؤية، وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة. [ ورواه ابن غنج ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن غنج ، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد ]. نافع و صفية بنت أبي عبيد مر ذكرهما. شرح حديث (استعارت امرأة -يعني حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو صالح عن الليث قال: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة قالت: (استعارت امرأة -تعني: حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، فباعته، فأخذت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت تستعير المتاع بأسماء أناس يعرفون ولا تعرف، أي: تأتي وتقول: إن آل فلان يريدون منكم كذا وكذا، وهي كاذبة، فتأخذه وتبيعه وتستفيد منه، وأولئك الذين سمتهم هم معروفون للذين استعير منهم، وهم ما طلبوا منها ولا أرسلوها، وإنما هو كذب منها عليهم. قوله: [ (استعارت امرأة -تعني: حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي) ]. يعني: تقول إن أولئك يريدون منكم كذا وكذا فكأنها مندوبة لهم. قوله: [ (فباعته، فأخذت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال) ]. يعني: قال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها..) وجاء في تلك الرواية السابقة أنها سرقت. فإذاً: القصة واحدة، وجاء فيها التعبير بالسرقة، وجاء التعبير بالاستعارة والخيانة، فهي متصفة بهذا وهذا، والقطع إنما كان للسرقة ولم يكن من أجل جحد المتاع. تراجم رجال إسناد حديث (استعارت امراة -يعني حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته..) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو صالح ]. محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره و أبو صالح هو عبد الله بن صالح ، وهو صدوق كثير الغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كان عروة يحدث أن عائشة ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديث: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي بقطع يدها) من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن يحيى قالا:حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث قتيبة عن الليث عن ابن شهاب زاد: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. الأسئلة حكم تنزيل الآيات القرآنية على يهود ونصارى اليوم السؤال: يهود اليوم هل تنزل عليهم الآيات القرآنية التي تخص اليهود أم يقال: إن هؤلاء يهود بالاسم فقط وهم علمانيون لا دين لهم، ولا تشملهم الآيات التي تتحدث عن اليهود؟ الجواب: اليهود والنصارى منذ قديم الزمان وإلى الآن هم يهود ونصارى، وهم أهل كتاب، يعني: اليهود ينتمون إلى موسى، والنصارى ينتمون إلى عيسى، ومعلوم أن الشرك والكفر كان موجوداً فيهم؛ وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن نزل في بيان ما عندهم، وأن النصارى قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، واليهود قالوا: عزير ابن الله، وأنهم مشركون وكفار، فالأحكام السابقة تجري فيهم الآن، وهي أنهم أهل الكتاب وهم يهود ونصارى، وغير ذلك. حكم نسخ الأقراص المشتملة على العلوم الشرعية المشروطة بالحلف على أنها نسخ أصلية السؤال: ما رأيكم في نسخ الأقراص التي تحتوي على كتب شرعية علماً بأن بعض الأقراص نسخها يحتاج إلى أن يحلف الناسخ بأن هذه النسخة هي النسخة الأصلية؟ الجواب: إذا كان الأمر كذلك، وأنه لابد من حلف، فلا يجوز له أن يحلف كاذباً، وإنما عليه أن يكون صادقاً. حكم جلوس العروسين أمام النساء السؤال: نحن مؤسسة نعمل في الزينة، ويوجد عندنا عمل (كوش) أفراح، وهي تستعمل في قصور الأفراح غالباً، وقد يجلس على هذه (الكوشة) العروسة فقط، وقد يجلس عليها العروسان أمام الحضور من النساء، فهل يجوز عمل مثل هذه (الكوش)؟ الجواب: هذه أشياء غريبة وأسماؤها غريبة، فالاسم والمسمى غريبان، وكون العروس والعروسة يكونان أمام النساء هذا سفه! حكم من خرج للجهاد من غير إذن الوالدين فقتل السؤال: من خرج للجهاد من غير إذن الوالدين فقتل هل يعتبر شهيداً؟ الجواب: أمره إلى الله. حكم من فر أثناء القتال فقتل السؤال: من فر أثناء القتال فقتل هل يعتبر شهيداً؟ الجواب: الفرار من الزحف من الكبائر إذا لم يكن متحيزاً إلى فئة، وهو من السبع الموبقات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، فكون الإنسان يفر ويقتل وهو في حال فراره فإنه يعتبر مرتكباً هذه الكبيرة، ولا يكون شهيداً. العلاقة بين قول أبي داود: باب ما لا قطع فيه، وقوله: باب القطع في الخلسة والخيانة السؤال: في الباب السابق الذي درسناه قال: باب ما لا قطع فيه، وذكر حديث الثمر والكثر، ثم قال: باب القطع في الخلسة والخيانة، وقلتم: إن المراد أنه لا يقطع، فلماذا ما ذكره في الباب الأول الذي هو: باب ما لا قطع فيه؟ الجواب: كأن ذاك عام وهذا خاص، ولو ذكره تحت ذلك الباب لصار دخوله مناسباً، فكأنه أراد أن يقصر ذلك على الشيء الذي يتعلق بالثمر والكثر والشجر، وأما الخلسة فلكون لها هيئات تخصها فذكرها ونص عليها بأسمائها، وأما من ناحية العموم فإنه يشمل هذا وهذا؛ لأن الكل لا قطع فيه، وإنما أراد أن يجعل العام لوحده والخاص لوحده. إعراب حديث (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً) السؤال: حديث: (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً) فهل يوجه جر (ثلاثين) على الجر بالمجاورة؛ لأن (ثلاثين) جاورت الهاء المجرورة، أو نخرجها على أنها مضافة لشيء محذوف تقديره: بقيمة ثلاثين؟ الجواب: مادام أنه موجود في بعض النسخ (ثلاثين) فقد اتضح المقصود، يعني: كأن الهاء زائدة من ثمنها، والأصل ثمن ثلاثين. ذكر التعزير في حديث العبد الذي أخذ ودياً فأدبه مروان السؤال: حديث العبد الذي أرسله مروان بعدما جاء رافع بن خديج وحدثه، كيف أرسله ومثل هذا عليه تعزير حتى يؤدب وينزجر عن هذا الفعل؟ الجواب: قد جاء ذكر التعزير في الرواية الثانية وفيها أنه جلده. حكم الأخذ من ثمر النخيل الذي في الشوارع العامة السؤال: هل يجوز للإنسان أن يأكل من ثمر النخل الذي يكون في طريق عامة، وهو غير مملوك؟ الجواب: نعم يجوز، ولكن لا يحمل شيئاً منه؛ لأن هذا فيه جهة مسئولة عنه، وهي البلديات، ولكن كون الإنسان يحتاج إلى أن يأكل منه فإن وله ذلك، ولكن كونه يجذه ويذهب يبيعه فلا يمكن. وإذا كانوا يتركونه حتى يتساقط، فليذهب إلى البلدية ويستأذنهم، ويأتي الطرق من أبوابها. حكم التيمم في ساحة الحرم الخارجي السؤال: هل يجوز التيمم في ساحة الحرم الخارجي؟ الجواب: يجوز للإنسان أن يتيمم في الساحات وعلى الجدران، كل ذلك جائز، والرسول تيمم على جدار." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [496] الحلقة (527) شرح سنن أبي داود [496] إن الحدود في الإسلام إنما شرعت جبراً للنقص الذي طرأ على المسلم نتيجة مقارفته لهذا الحد، وزجراً له ولغيره من الناس عن الوقوع في هذا الحد، ولما كان هذا الأمر يستلزم حضور العقل فقد عفي عن كل من لم يحضر عقله وإدراكه عند ذلك كالمجنون والصبي. ما جاء في المجنون يسرق أو يصيب حداً شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟ والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف. فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ. ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه. وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر). تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم الليلة. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد بن سلمة ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حماد ]. هو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: (أُتي عمر رضي الله عنه بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين!أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بمجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فلما ذُهِب بها لترجم مُر بها على علي فسأل عنها وأُخبر، فجاء إلى عمر وقال له: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟ قال: بلى، فقال: فما بالها؟ قال: لا شيء) يعني: أنه لا شيء عليها يعني: أنه رجع عن اجتهاده إلى أنه لا يقام عليها حد. ومن المعلوم أن عمر رضي الله عنه لا يعقل أن يكون أمر برجمها وهي قد أتت ذلك في حال جنونها؛ لأنه لا مؤاخذة على مجنون، وإنما يكون الأمر أنها تصحو ويحصل لها الجنون في فترات متقطعة، فيكون ذلك على اعتبار أنه قد حصل منها في حال صحوها، وهذا هو الذي يُستحق به إقامة الحد، وأما إن كان في حال الجنون ممن يصحو ويحصل له الجنون، فإنه لا يقام عليه الحد إذا حصل فعل المنكر في حال جنونه؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم؛ ولكنه إذا كان في حال سلامته من الجنون في بعض الأوقات، ثم أتى الأمر المنكر، فإن هذا هو الذي يقام عليه الحد، فعمر رضي الله عنه لعله رأى أن هذا كان في حال صحوها، وفي حال سلامتها من الجنون، وأنه لما جيء بها، أو كلمه علي رضي الله عنه في شأنها فقال: إن القلم رفع، معناه: أن ذلك قد حصل منها حال جنونها، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة، فعند ذلك عمر رضي الله عنه قال: لا شيء عليها، ثم أرسلها وتركها ولم يحدّها. وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء عن عمر ، فلما ذكر علي له ذلك، رأى أن هذا مما تدرأ به الحدود، وترك إقامة الحد عليها. قوله: [ عن ابن عباس قال: (أُتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم فمُر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت: أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلْها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ]. وعلى هذا فيكون عمر رضي الله عنه إنما كان فعل ذلك لأنه رأى أن ذلك في حال صحوها أو في حال مقاربتها للصحو، وقد استشار بعض الناس في ذلك، ولعله أشير عليه بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يستشير فيما لا نص فيه؛ ولكن لما كانت المسألة فيها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات أشار عليه علي بذلك، فإنه قال: لا شيء، أي: لا شيء عليها. فكان تغير اجتهاده من كونه يرجمها إلى كونه لا يرجمها، وأن ذلك من الشبهات التي تدرأ بها الحدود. وفي مخاطبة علي رضي الله عنه لعمر بقوله: (يا أمير المؤمنين!) دليل على ما كان عليه علي رضي الله عنه من رضا بولاية الشيخين قبله؛ وكذلك ولاية عثمان قبله، وأنه كان يخاطبهم بإمرة المؤمنين، وأنه لم يحصل منه شيء يخالف ما هم عليه، وأنه قد أخذ منه شيء، وأن الحق كان له، فلم يحصل شيء من ذلك، ولم يطالب علي رضي الله عنه بشيء أخذ منه، بل كان يتابعهم ويصلي وراءهم، ويغزو معهم ويقوم بالشيء الذي يطلب منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالقول بأن الحق له، وأن أولئك -أي: الصحابة الذين قبله أبو بكر و عمر و عثمان - إنما هم مغتصبون هذا من البهتان، وهذا من الكذب، و علي رضي الله عنه من أشجع الناس، ولو كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحق له ما كان يخفيه، ولو كان عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم علم بأن الحق لعلي ما كان أحد منهم يقدم على ترك شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الذي حصل من علي يدل على أنه ليس عنده تأثر وتألم، وأنه حيل بينه وبين ما يستحق، فالذي حصل من مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي هذا هو الذي أراده الله شرعاً وقدراً، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وجاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء). قوله: [ (أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء) ]. قوله: (لا شيء) لأنه تغير اجتهاده عما كان من قبل من أجل درء الحدود بالشبهات. قوله: [ (قال: فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر) ]. يعني: يقول: الله أكبر، وقد كانوا يكبرون عند الأمور العظيمة والمستحسنة، بينما الناس في هذا الزمان يصفقون، وفيما مضى كانوا يكبرون، والتكبير ذكر، والتصفيق ليس مما شرع، وليس مما جاء شيء يدل عليه، فالسنة عند ذكر الأمور المستحسنة هو التكبير كما جاء في هذا الأثر عن عمر ، وكما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة -أو ثلث أهل الجنة- فكبروا وقالوا: الله أكبر)، يعني: أنه أعجبهم وفرحوا وسروا فصاروا يكبرون. تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ظبيان ]. هو الحصين بن جندب الجنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكثر من الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن العجيب الغريب: أنه ظهر في هذا الزمان شخص ابتلي بالنيل من الصحابة والكلام عليهم، فزعم أن العباس بن عبد المطلب ليس بصحابي، وأن ابنه عبد الله بن عباس ليس بصحابي، وهذا من عجائب الزمان كون إنسان يتفوه بمثل هذا الكلام ويقوله، فإن هذا من أبطل الباطل، وقد نادى على نفسه بالخزي في هذه الحياة الدنيا، فإن القول بأن العباس ليس بصحابي خزي على من يقوله. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: أتي عمر ]. هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع عن الأعمش نحوه، وقال أيضاً: (حتى يعقل)، وقال: (وعن المجنون: حتى يفيق)، قال: فجعل عمر رضي الله عنه يكبر ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع اختلاف في بعض العبارات من حيث الترادف. قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وقد مر ذكره. حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق رابعة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى عثمان ، قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت، قال: فخلى عنها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن مهران ]. سليمان بن مهران هو الأعمش ، وهنا ذكر باسمه، وفيما مضى ذكر بلقبه، ومن أنواع علوم الحديث معرفة الألقاب للمحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى، فيظن أن سليمان بن مهران غير الأعمش ، ومن عرف أن الأعمش لقب لسليمان بن مهران فسواء جاء ذكر الأعمش أو جاء ذكر سليمان بن مهران عرف أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه. [ عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي الأحوص ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي قال: أُتي عمر رضي الله عنه بامرأة قد فجرت فأمر برجمها فمر علي رضي الله عنه فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر قال: ادعوا لي علياً ، فجاء علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ)، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها قال: فقال عمر : لا أدري، فقال: علي رضي الله عنه: وأنا لا أدري ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى في قصة المرأة المجنونة التي زنت، وفيه: أن علياً رضي الله عنه قال: لعل التي أتاها أتاها في حال بلائها، يعني: في حال جنونها، وكونها مبتلاة؛ لأنها تجن وتصحو، فلعله حصل ذلك في حال جنونها، ومعنى ذلك: أنها غير مكلفة، فقال عمر : لا أدري، أنه حصل في حال جنونها، ثم قال علي : لا أدري أنه حصل في حال صحوها، إذاً: فالمسألة محتملة، والحدود تدرأ بالشبهات، فترك عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليها. تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب ]. عثمان بن أبي شيبة و جرير مر ذكرهما، و عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، و جرير ممن روى عنه بعد الاختلاط، ولكنه كما هو معلوم موافق للروايات الأخرى، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح إلا قوله: (لعل الذي أتاها أتاها في حال بلائها) يعني: إن هذا مما انفرد به عطاء بن السائب في هذه الطريق، وأما ما عدا ذلك فهو موجود في الطريق الأخرى، ولا إشكال في هذه الجملة أيضاً من ناحية أن علياً رضي الله عنه ذكر الاحتمال وأشار إليه، و عمر رضي الله عنه لو علم أن الذي حصل هو في حال البلاء لا يمكن أن يقيم عليها حداً وهي فاقدة العقل، ولكن لعله ظن أو علم بأنه حصل في حال صحوها؛ ولهذا قال: (لا أدري) يعني: أنه حصل في حال كذا، ثم قال علي : لا أدري أنه إنما حصل في حال صحوها، وما دام الأمر فيه اشتباه: فإن الحدود تدرأ بالشبهات. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي ]. أبو ظبيان مر ذكره، وهناد -وهو أحد الشيخين- زاد الجنبي ، أي: زيادة على أبي ظبيان ، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: أبو ظبيان فقط، ولم يقل: الجنبي ، يعني: هذا فيه إشارة إلى الفرق بين ما جاء عن شيخي أبي داود أحدهما قال: أبو ظبيان الجنبي ، والثاني قال: أبو ظبيان فقط، ولم يأت بزيادة الجنبي . معنى قوله (فخلى سبيلها) الواردة في الحديث قوله: [ فخلى سبيلها ]، لعل المقصود -على ما جاء في الروايات السابقة- أنه حال بينها وبين القتل، ويمكن أنه قال: اتركوها ولا ترجموها، وإذا كان المقصود أنه أمر بإطلاقها، ففيه نكارة؛ لأن معناه: أنه تصرف دون الرجوع إلى الإمام، ولكن الذي مر في الروايات السابقة: أنه جيء بها، أو أنه قال: لا ترجموها، فيمكن أن يكون أنه أرسلها، ويمكن أن يكون المقصود بذلك كونه قال: لا ترجموها، وأنه حال بينها وبين الرجم، فيمكن أن يكون هذا هو الإرسال، وإذا كان الأمر كذلك فلا إشكال، وإن كان المقصود أنه أطلقها وتركها دون مراجعة الإمام، نقول: هذا لا شك أن فيه نكارة؛ لكن الألباني الذي أنكره هو الكلام الأخير وهو قوله: (لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها) أي: في حال جنونها. ذكر من روى عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه الذين عرفت روايتهم عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم سبعة، وقد سبق أن عرفنا أن الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب، ذكر أن هؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط، ومنهم سفيان الثوري و شعبة ، و حماد بن زيد ، وذكر ستة، وذكر الشيخ الألباني السابع وهو الأعمش. وأما أبو الأحوص و جرير فليسا من هؤلاء الذين عرف أنهم رووا قبل الاختلاط، والمختلط تعتبر رواية من روى عنه قبل الاختلاط. قوله: [ عن أبي ظبيان قال: هناد : الجنبي ، قال: أُتي عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها.. ]. وهو مرسل ولكنه مطابق لما تقدم إلا في بعض الألفاظ الجديدة. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة..) من طريق سادسة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، وهو مثل ما تقدم، وهو الذي جاء عن علي رضي الله عنه، وتذكيره لعمر به. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ] . هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الضحى ]. هو مسلم بن صبيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي رضي الله عنه قد مر ذكره. وأبو الضحى لم يدرك علياً ، وألفاظ الحديث مرت في الأحاديث السابقة. حديث (رفع القلم عن ثلاثة..) من طريق أخرى معلقة، وتراجم رجال إسناده [ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد فيه: (والخرف) ]. أورد أبو داود طريقاً معلقة زاد فيها: (والخرف)، يعني: الذي بلغ من الكبر ما حصل منه التخريف، فهو بسبب الهرم والكبر صار لا يعقل من غير أن يكون به جنون، فإذاً: حكمه حكم المجنون، وهو مماثل له، فإذا حصل منه شيء فهو في حال خرفه لا يقام عليه الحد كالمجنون، وإن كان تحصل له الإفاقة أحياناً، ويحصل له البلاء أحياناً أخرى، فما كان في حال خرفه لا يؤاخذ عليه، وما كان في حال رجوع عقله وذاكرته فإنه يؤاخذ كما يؤاخذ المجنون لو ثبت أنه حصل في حال صحوه. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن يزيد ]. القاسم بن يزيد مجهول، أخرج له ابن ماجة . [ عن علي ]. علي رضي الله عنه. وهذا سند منقطع، وفيه راو مجهول أيضاً. ما جاء في الغلام يصيب الحد شرح حديث عطية القرظي (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغلام يصيب الحد. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا عبد الملك بن عمير حدثني عطية القرظي، قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الغلام يصيب حداً]. الغلام الصغير الذي لم يبلغ لا يقام عليه الحد كما سبق أن مر في المجنون؛ لأنه داخل في حديث الثلاثة الذين رفع عنهم القلم، وهو غير مكلف، ولا يؤاخذ فلا يقام عليه الحد، وإنما يقام الحد على البالغ، والبلوغ يحصل بالنسبة للذكور بثلاثة أمور: أولها: الاحتلام، فلو احتلم في سن مبكرة، فإن احتلامه يدل على بلوغه، وأنه قد بلغ بذلك، وبعض الصغار يحتلمون في سن مبكرة كما جاء عن المغيرة بن مقسم الضبي أنه احتلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: عمرو بن العاص أكبر من ابنه عبد الله بثلاث عشرة سنة. وذكر أيضاً عن الشافعي أنه قال: هناك جدة عمرها واحد وعشرون سنة، فيحصل الاحتلام قبل سن الخامسة عشرة، فإذا وجد الاحتلام قبل هذه السن فإنه يكون بالغاً بذلك، وكذلك إذا نبت شعر خشن عند القبل فإنه يكون علامة على البلوغ. الأمر الثالث: إذا لم يحصل منه احتلام، ولم يحصل منه إنبات شعر، فإنه بتمام خمس عشرة سنة يكون قد بلغ الحلم، وحصل البلوغ وتجاوز سن الصغر، والمرأة تزيد على هذه الأمور الثلاثة بالحيض، فإذا حصل لها الحيض قبل أن تبلغ سن الخامسة عشرة فإنها تكون قد بلغت بذلك. أورد أبو داود حديث عطية القرظي رضي الله عنه، وكان في سبي بني قريظة، ومعلوم أن بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك) يعني: بحكم الله، ولمعرفة من بلغ ومن لم يبلغ لا يسألونهم عن السن؛ لأنهم غير مأمونين على بيان السن، فاليهود يكذبون لو سئلوا، وقد يدعون صغر السن ويقولون هذه المقالة من أجل أن يسلموا من القتل، فكانوا يفتشون عن عوراتهم، فإذا وجدوا الشعر قد نبت اعتبروه من المقاتلة فقتل، وإذا كان لم ينبت اعتبروه من الذرية فصار سبياً، فعطية رضي الله عنه فتشوه ووجدوا أنه لم ينبت، فتركوه ولم يقتلوه فصار من السبي، وقد أورد أبو داود حديث عطية وهو يدل على أن البلوغ يحصل بنبات الشعر الخشن الذي يكون حول القبل. تراجم رجال إسناد حديث عطية القرظي (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبد الملك بن عمير ]. هو عبد الملك بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عطية القرظي ]. عطية القرظي رضي الله عنه، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب السنن، وهذا رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود . إسناد حديث (كنت من سبي بني قريظة...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير بهذا الحديث، قال: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي ]. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير مر ذكره. شرح حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) ]. وهذا يدل على أن بلوغ خمس عشرة سنة يكون معها البلوغ، ويدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على الجهاد في سبيل الله، فالصغير يرغب في الجهاد؛ ولكنه إذا لم يبلغ لا يمكنونه من ذلك، فقد عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وعمره أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه وعمره خمس عشرة سنة فأجازه، فدل على أن البلوغ يكون ببلوغ خمس عشرة سنة، فالحديث الأول يدل على أن البلوغ يكون بالإنبات، وهذا يدل على أن البلوغ يكون بهذه السن. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغزوة أحد يقال: إنها في السنة الثالثة، والخندق كانت في السنة الخامسة، ولعلّ ذلك كان في أول هذه وفي آخر هذه، فكان الفرق سنة واحدة، يكون بها بلغ خمس عشرة سنة. حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله بن عمر قال: قال نافع : حَدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أن نافعاً حدث به عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، يعني: بلوغه خمس عشرة سنة. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمر قال: قال نافع ]. عبيد الله بن عمر و نافع قد مر ذكرهما. ما جاء في الرجل يسرق في الغزو أيقطع شرح حديث (لا تقطع الأيدي في السفر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن عياش بن عباس القتباني عن شييم بن بيتان و يزيد بن صبح الأصبحي عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتي بسارق يقال: له مصدر قد سرق بختية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. قال أبو داود : [باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟]. وهذه الترجمة معقودة لبيان من حصل منه ذلك هل يقطع أو لا يقطع؟ ولهذا أتى بها على الاستفهام، أيقطع أو لا يقطع؟ وكونه في الغزو جاء الحديث بأنه لا يقطع، وعدم القطع فيه لاحتمالين: أنه توجد شبهة؛ وذلك أنه قد تكون السرقة من الغنيمة، والغنيمة للإنسان فيها نصيب، والحدود تدرأ بالشبهات. الاحتمال الثاني: أن قطعه قد يلحقه بالكفار، فربما يغره الشيطان ويلعب عليه فيلحق بالكفار، فيكون ذلك سبباً في ارتداده وبعده وإلحاقه بالكفار، فمن أجل ذلك جاء ما يدل على أنه لا يقطع لهذه الاحتمالات. قوله: [ عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع بسر بن أرطأة رضي الله عنه في البحر فأُتي بسارق يقال: له مصدر قد سرق بختية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. وهذا مبني على أنه لعله كان في غزو، والترجمة كما هو معلوم في الغزو، ومعلوم أن الغزو لا يكون إلا في السفر، وهنا جاء ذكر السفر، فيحتمل أن يكون ذلك في غزو، وفيه أن بسر بن أرطأة رضي الله عنه أُتي برجل قد سرق بختية، والبختية: نوع من أنواع الإبل، وهي البخت التي تأتي من العجم، ومنهم من قال: من خراسان. قوله: [ (لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. ولعل ذلك -كما عرفنا- كان في الغزو، وأما ما يتعلق بالسفر فإن الحدود تقام على من كان حاضراً أو من كان مسافراً، ولكن فيما يتعلق بالغزو فإنه تكون فيه تلك الاحتمالات، فقد يكون سرق من الغنيمة وله فيها نصيب، والحدود فيها شبهات، أو أنه يلحق بالكفار، والناس قد غزو الكفار وذهبوا إليهم، وقد يكون ذلك القطع سبباً في لحوقه بهم. تراجم رجال إسناد حديث (لا تقطع الأيدي في السفر...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان، أحدهما حمصي والثاني مصري ، والحمصي هو من شيوخ أبي داود ، فعندما يأتي في شيوخ أبي داود : حدثنا حيوة بن شريح ، فالمقصود به الحمصي، وعندما يأتي بينه وبينه واسطتان، أو واسطة فالمراد بها المصري، الذي هو حيوة بن شريح هذا. [ عن عياش بن عباس القتباني ]. عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شييم بن بيتان ]. شييم بن بيتان ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و يزيد بن صبح الأصبحي ]. يزيد بن صبح الأصبحي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جنادة بن أبي أمية ]. جنادة بن أبي أمية مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا مع بسر بن أرطأة ]. بسر بن أرطأة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. الأسئلة التعليق على كلام الخطابي في علة عدم قطع السارق في الغزو السؤال: يقول الخطابي : هو يشبه أن يكون إنما أسقط عنه الحد؛ لأنه لم يكن إماماً وإنما كان أميراً أو صاحب جيش، وأمير الجيش لا يقيم الحدود في أرض الحرب على مذاهب بعض الفقهاء إلا أن يكون الإمام أو يكون أميراً واسع المملكة. الجواب: لكن قوله: (لولا أنه في سفر لقطعته) يفيد بأن الذي منعه من قطعه كونه في سفر أو كونه في غزو، ولكن لا شك أن الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو من ينيبه. الحكم إذا عاد السارق من الغزو السؤال: لا تقطع الأيدي في السفر فإذا رجعوا من السفر فما الحكم؟ الجواب: معلوم أنها تقطع في السفر في غير الغزو، وأما الغزو فإن فيه الشبهة وفيه الاحتمال المعلوم، وإذا كانت المسألة لا شبهة فيها، وقد يكون أنه ما سرق من الغنيمة، وإنما سرق من رفقائه، ومن حرز في حقائب رفقائه، وهذا هو الذي يستبعد ما يتعلق بأن السرقة أنها تكون من الغنيمة، يبقى بعد ذلك شبهة احتمال لحوقه بالكفار. وإذا عاد من الغزو ولم تكن هناك شبهة كأن تكون من الغنيمة فإنه يقطع، والجمهور على أنه يقطع في الحضر والسفر، لكن فيما يتعلق بالغزو إذا كان فيه احتمال السرقة هي الغنيمة فإنها شبهة تدرأ بها الحدود، وإن كان ليس كذلك، وقطعه في الغزو قد يؤدي إلى ضرر أكبر فإنه يؤجل ويؤخر. ما جاء في قطع النباش شرح حديث أبي ذر (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قطع النباش. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف -يعني: القبر- ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو ما خار الله ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر). قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في قطع النباش ]، والنباش: هو الذي ينبش القبور، ويسرق الأكفان من الموتى، وكثير من العلماء اعتبروا القبر حرزاً، وكونه يفتح القبر ويستخرج منه الكفن فيكون سرق من حرز، وقد أورد أبو داود الحديث هنا؛ لأنه سمى القبر بيتاً، ومعنى ذلك: أن من نبش القبر واستخرج ما فيه فقد استخرج شيئاً من حرز فيقطع بسبب ذلك؛ ولهذا أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب في قطع النباش، وأورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه. قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟) ]. البيت: الذي هو القبر، بالوصيف: يعني: أنه يشترى بالعبد، أو أنه يحفر القبر وأجرته عبد يدفع له، وذلك لكثرة الموتى، ولحاجة الناس إلى اتخاذ القبور، وأنهم مضطرون إلى أن يدفعوا في مقابل ذلك الوصيف، أو أن الأراضي تضيق على الناس ولا يكون هناك أماكن يدفن بها، فيحتاجون إلى شراء أماكن القبور، أو البقعة التي يدفن فيها الميت ويحفر له فيها قبر يدفن فيه، فتكون قيمتها بالوصيف أي: بالعبد. و أبو داود رحمه الله أورد هذا الحديث؛ لأنه سمى القبر: بيتاً، ومعنى ذلك: أن من فتح القبر فهو مثل الذي فتح الباب أو كسر ودخل البيت وأخرج ما فيه، فهذا بيت وهذا بيت، هذا بيت للحي، وهذا بيت للميت. تراجم رجال إسناد حديث (.. كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران ]. مسدد و حماد بن زيد مر ذكرهما، وأبو عمران هو الجوني ، وهو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المشعث بن طريف ]. المشعث بن طريف مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن الصامت ]. عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحديث سبق أن مر بنا في كتاب الفتن. والذي ينبش القبور من أجل أن يحصل على الأكفان هذا يدل على قساوة قلبه والعياذ بالله! والحديث سبق أن مر بنا أنه صحيح، و الألباني صححه. [ قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ]. يعني: دخل على الميت بيته فأخذ كفنه، فالقبر هو بيت الميت، كما أن القصر أو البنيان الذي يسكنه الإنسان بيت الحي، وقد سبق أن ذكرت في تلك المناسبة الكلام الذي ذكره بعض العلماء ناصحاً بعض الولاة، حيث قال له: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. فقوله العالم الناصح لذلك الوالي: اعمر قبرك كما عمرت قصرك أي: اعمره بالأعمال الصالحة التي تفعلها حتى تلقاها بعد الموت، فهذه عمارة القبور، كما جاء في الحديث: (.. يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله)، فيرجع اثنان ويبقى عمله، ويجد الثواب على ذلك في قبره قبل يوم البعث والنشور، كما جاء في حديث البراء أنه إذا كان من الموفقين: (.. يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، فيكون كذلك حتى تقوم الساعة ..). الأسئلة حكم أخذ جثة الميت وبيعها لطلبة كلية الطب السؤال: بعض الناس في بلادنا يسرق الجثة كاملة ويبيعها لطلبة كلية الطب فهل حده القطع؟ الجواب: هذا أسوأ من النباش، الذي يريد الكفن يجني على الميت، أما الذي يفعل هذا الفعل فهو أسوأ منه بلا شك؛ لأنه أخذ الرجل وكفنه. حكم نبش قبور الكفار لأجل أخذ الحلي منهم السؤال: في بلادنا قبور للنصارى يدفنون موتاهم بحليهم، فيعمد بعض المسلمين فينبشونها ويأخذون ما فيها، فهل تقطع أيديهم؟ وهل صحيح أن قبر الكافر لا حرمة له؟ الجواب: الكافر لا حرمة له، ولكن إذا كان يترتب على الفاعلين مضرة فلا يجوز لهم أن يقدموا على ذلك، ولكن لا تقطع أيديهم؛ لأن هذا مال مضيع، أما الكفن فنعم هذا مكانه، ولا بد منه، وأما المال والذهب فلا تكون في القبور، فإذا كان لا يترتب عليه مضرة وأمكن أخذه فلا بأس، ولا يقال: إنه مال محفوظ في حرز. علة عدم القطع في السفر السؤال: ألا تكون العلة في عدم القطع في حالة السفر هي كون الرجل في السفر يحتاج إلى ذلك كاضطرار الأكل من البستان؛ لأن الإنسان في السفر قد يكون مضطراً إلى الأخذ للأكل كما اضطر من يدخل البستان ليأكل منه، فلا قطع في ثمر ولا كثر؟ الجواب: هذا ليس بواضح؛ لأن الإنسان قد يضطر حتى في البلد، ومسألة الاضطرار لا تكون مسوغاً، والإنسان يمكن أن يأتي الأمور من أبوابها، ويطلب أو يستقرض أو يسأل، ولكن هذا يمكن أن يكون جشعاً وطمعاً ويريد أن يحصل المال بأي وسيلة. ضابط إدراك الركوع بعد الإمام للمسبوق السؤال: من جاء والإمام راكع، هل يدرك الركعة بأن يسبح ولو تسبيحة واحدة أم أن الإدراك يكون بالطمأنينة؟ الجواب: إذا استقر المأموم المسبوق في الركوع قبل أن يسمع: سمع الله لمن حمده من الإمام، فقد أدرك الركوع. معنى قول النبي (هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟) السؤال: جاء في الحديث: (هل من امرأة تائبة إلى الله عزّ وجل ورسوله؟) ومن المعلوم أن التوبة عبادة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ورسوله؟). الجواب: المراد من ذكر الرسول أنها تتوب إلى الله عز وجل؛ ولكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه هو المقيم لشرع الله، وهو المنفذ لحدود الله. حكم التكبير بصوت جماعي عند الإعجاب بالموعظة السؤال: في بلادنا إذا سُرّ الناس بما يقوله الواعظ، يقول أحدهم: تكبير، فيقول الباقون: الله أكبر، فما الحكم؟ الجواب: ما يحتاج إلى أن يقال: تكبير، ولكن إذا أعجبهم شيء يقولون: الله أكبر مباشرة، دون أن يلقنهم أحد؛ لأنه قد يكون هناك شيء لا يحتاج إلى تكبير ولا يستحق ذلك. حكم المسحور يعمل المحرمات السؤال: هل المسحور أو الذي به صرع له حكم المعذورين؟ وهل إذا فعل إثماً ثم عُلم أنه مسحور وفعل هذا بغير إرادته لا يقام عليه الحد؟ الجواب: إذا كان فاقد العقل فإنه لا يقام عليه الحد، وأما إذا لم يكن فاقد العقل، وإنما يحصل له شيء من تلك العوارض وعقله موجود معه فإنه يقام عليه الحد، حتى لو كان عنده ألم أو اكتئاب وعدم ارتياح، لكن الشيء الذي يعذر فيه هو فقدان العقل. حكم تأديب السارق بالضرب قبل تسليمه الشرطة السؤال: هل للذي سرق منه أن يقوم بتأديب السارق بالضرب قبل تسليمه للشرطة في البلاد التي لا تطبق الشرع؟ الجواب: ليس للإنسان أن يضربه؛ لأنه لو ضربه يمكن أن يبادله ذاك بضرب أشد، وقد يحصل ضرر أكبر من ضرر السرقة. حكم مناداة الشخص برموز لا تدل على اسمه السؤال: نحن في أندونيسيا من عادتنا أن ننادي إخواننا بأسمائهم مختصرة -فمثلاً- إذا كان الرجل اسمه عبد الرحمن، نناديه: (من!)، وإذا كان عبد الله نناديه (دل) فهل يجوز هذا؟ الجواب: ليس هناك تناسق بين (من) و(عبد الرحمن) لو كان الاسم (منصور) فيمكن يناديه: (من) لأنه بعض (منصور)، فأقول: نادوا بالأسماء كاملة خير لكم. حكم الصبي إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام السؤال: الصبي إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام في الحج أو في العمرة، هل يجب عليه ما يجب على المكلف أو يجب على وليه؟ الجواب: يجب على وليه أن يقوم بما يلزم عليه، كما يقوم بما يلزم على نفسه؛ لأنه هو الذي جعله يدخل في هذا النسك أو مكنه من الدخول في النسك. ما جاء في السارق يسرق مراراً شرح حديث (جيء بسارق إلى النبي فقال اقتلوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السارق يسرق مراراً. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: (جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، ثم أُتي به الرابعة فقال: اقتلوه فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق قال: اقطعوه فأتي به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في السارق يسرق مراراً ]، يعني: يتكرر منه السرقة، وإذا تكررت السرقة من السارق في المرة الأولى تقطع يده اليمنى، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى، وبعد ذلك قال بعض أهل العلم: إنه يحبس ويسجن، وبعضهم قال: إنه إذا عاد الثالثة تقطع اليد اليسرى، وإذا عاد الرابعة قطعت رجله اليمنى، ثم إن عاد فإنه يسجن أو يجلد. فأبو داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: أُتي بسارق فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطعوا يده اليمنى، ثم سرق مرة أخرى فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطع، حتى جاء الرابعة وقطع، وفي الخامسة قال: اقتلوه، قال: فقتلوه وسحبوه ورموه في بئر وألقوا عليه الحجارة. وهذا الحديث في متنه نكارة، وفي إسناده ضعف، أما الضعف الذي في إسناده: فإن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث. والنكارة فيه من جهة: أنه من أول وهلة قال: (اقتلوه، ثم قيل: إنما سرق، قال: اقطعوه)، ثم تكرر ذلك أربع مرات، وفي كلها يأمر بالقتل، فيقولون: إنما سرق، ثم بعد ذلك يأمر بالقطع، وفي الأخيرة قال: اقتلوه؛ لأنه ما بقي مجال للقطع، فعند ذلك قتلوه وألقوه في بئر، وألقوا عليه الحجارة. والنكارة الثانية: من جهة أنهم ألقوه في البئر، ورموا عليه الحجارة، ومعلوم أنه إن كان مسلماً فإنه لا يعامل هذه المعاملة ولا يهان هذه الإهانة. وكثير من العلماء قالوا بعدم ثبوت الحديث وأنه ضعيف، وأنه لو صح يُحمل على أنه تعزير، وأن للإمام أن يعزر فيما إذا كان الشخص من المفسدين في الأرض، وأن التخلص منه يكون بقتله دفعاً لإفساده وضرره. ومنهم من قال: إن هذه المعاملة -وهي كونه يلقى، ويهان هذه الإهانة- أنه يكون مع سرقته مرتداً، ويكون ذلك مثل ما حصل للعرنيين الذين ارتدوا وساقوا النعم، وقتلوا الراعي ومثّلوا به، فالنبي صلى الله عليه وسلم عاملهم تلك المعاملة. لكن يبقى الإشكال في قضية قوله: (اقتلوه) فقالوا: إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، ثم في المرة الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة .. وهكذا. ولهذا فالذي يبدو والله أعلم أن الحديث ضعيف، والسبب في ذلك ما في متنه من النكارة، وما في إسناده من الضعف، و النسائي لما أورده في سننه قال: هذا حديث منكر. و الألباني حسنه في سنن أبي داود ؛ ولكنه لم يذكره في صحيح سنن النسائي ، ولم يذكره في ضعيفه، بل ذكر الباب الذي هو فيه، وهو قطع اليدين والرجلين، ولم يذكر تحته حديثاً لا في الصحيح ولا في الضعيف، فالذي يبدو أنه حديث منكر في متنه، وضعيف في سنده، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث (جيء بسارق إلى النبي فقال اقتلوه..) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي ]. محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جدي ]. هو عبيد بن عقيل ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ]. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث كما قلت: إن صح فهو محمول على التعزير، فيكون مثل شارب الخمر بعد المرة الثالثة، فإن قتله من باب التعزير. ما جاء في تعليق يد السارق في عنقه شرح حديث (أتي رسول الله بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعليق يد السارق في عنقه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عمر بن علي حدثنا الحجاج عن مكحول عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق أمن السنة هو؟ قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في تعليق يد السارق في عنقه ]، يعني: هل يشرع أو لا يشرع؟ أورد أبو داود حديثاً ضعيفاً، وهو حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فأمر بقطع يده، ثم أمر بتعليق يده في عنقه). ومعلوم أن تعليقها في العنق من أجل الزجر والردع، ومعلوم أن مجرد رؤية اليد المقطوعة يكفي في الزجر والردع، بالنسبة له وبالنسبة لغيره، أما هو فقد قطعت يده، وخسرها بسبب السرقة، فذلك يكون سبباً في عدم تكرار ذلك منه، وغيره إذا رأى يده المقطوعة فإنه يبتعد ويحذر أن يقع في السرقة، حتى لا يعامل هذه المعاملة، ومعلوم أن هذه العلامة مستمرة وليست مؤقتة، بخلاف تعليق اليد، فإنها تعلق مدة يوم أو يومين وإلا فإنها تنتن ولا تبقى، ولكن مشاهدة اليد المقطوعة هذا مستمر، والمقصود: أن يحصل الزجر بمشاهدة تلك اليد التي قطعت. ومعلوم أن الحدود هي جوابر وزواجر، فهي جوابر للنقص الذي قد حصل من الذي أقيم عليه الحد، حتى لا يعاقب عليه في الآخرة، وإنما يعاقب عليه في الدنيا بهذا الحد، ويكفيه ذلك ولا تتكرر عليه العقوبة، وزواجر أيضاً له ولغيره، فهو لا يعود ولا يتكرر منه ذلك لئلا يزاد في عقوبته، وغيره كذلك ينزجر حتى لا يعامل بهذه المعاملة. قوله: [ عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق أمن السنة هو؟ قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) ]. يعني: أنه لما سئل فضالة بن عبيد ، هل ذلك من السنة؟ ذكر الحديث، وأن الرسول أمر بتعليقها في عنقه؛ لكن الحديث ضعيف بسبب الحجاج بن أرطأة . تراجم رجال إسناد حديث (أتي رسول الله بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمر بن علي ]. هو عمر بن علي بن عطاء بن المقدم ، وهو ثقة وكان يدلس شديداً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وهنا مع كونه كثير الخطأ روى بالعنعنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. هو مكحول الشامي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وهذا أيضاً روى بالعنعنة، فهذه أيضاً علة أخرى، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن محيريز ]. عبد الرحمن بن محيريز ثقة، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن فضالة بن عبيد ]. فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. ما جاء في بيع المملوك إذا سرق شرح حديث (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيع المملوك إذا سرق. حدثنا موسى -يعني ابن إسماعيل - حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في المملوك إذا سرق ]، والمملوك إذا سرق يعامل معاملة غيره من السراق، فإذا سرق من حرز وبلغ ما يسرقه نصاباً فأكثر فإنه يعامل كغيره من السراق الأحرار، فتقطع يده، وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش). والنش: عشرون درهماً، ومقداره نصف أوقية؛ لأن نصاب الفضة (200) درهم، والنصاب (5) أواق، والأوقية (40) درهماً، أي: (40 × 5 ) والألباني ضعف الحديث، ولكن يبدو أنه ليس بضعيف؛ وذلك لأن رجاله لا بأس بهم، وأيضاً يشهد له الحديث الذي قال: (بعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه، قوله: (ولو بحبل من شعر) فيه تزهيد فيها، وأنها تباع برخص، كما جاء في هذا الحديث أنه يباع ولو بنش، وهو عشرون درهماً. تراجم رجال إسناد حديث (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) قوله: [ حدثنا موسى -يعني ابن إسماعيل- ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن أبي سلمة ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق. والسبعة هم: أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو سعيد الخدري ، و جابر بن عبد الله ، و أنس بن مالك ، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة. والكلام عند أهل العلم على عمر بن أبي سلمة ؛ لأنه تضعيف من قبل أهل العلم، وإذا أخذنا بكلمة الحافظ فهو الذي يمشي مع الحديث، أما إذا أخذنا بكلام المتقدمين فإن فيه تضعيفاً." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [497] الحلقة (528) شرح سنن أبي داود [497] بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الحدود ردعاً لمن تسول له نفسه العصيان، ودفعاً لمن يوسوس له شيطانه الكبائر والآثام، والحدود في كتاب الله تعالى منها ما هو مثبت تلاوة وحكماً ومنها ما هو منسوخ تلاوة وحكماً ومنها ما هو منسوخ تلاوة ومثبت حكماً، ومثال الأخير رجم الزاني المحصن. ما جاء في الرجم أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجم. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجم]، والرجم يكون للمحصن، وهو الذي قد تزوج وحصّل الفائدة عن طريق حلال، ثم بعد ذلك يقع في الحرام، فتكون عقوبته تختلف عن عقوبة البكر الذي لم يذق ولم يستمتع بالحلال، فصارت عقوبة البكر الجلد مائة جلدة وتغريب عام، وأما من كان محصناً سواء كان رجلاً أو امرأة فإنه يرجم. وكان نزل في القرآن آية الرجم ثم نسخ لفظها وتلاوتها وبقي حكمها، وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). وقد جاء بيان أن هذه الآية كانت موجودة وأنها نسخت، وجاء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم في أحاديث كثيرة كما رجم ماعزاً و الغامدية ، وكما حصل في قصة والد العسيف الذي قال فيه: سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، ثم في آخر الحديث قال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها). فالرجم جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في الحديث الذي فيه إضافة الجلد إلى الرجم، من حديث عبادة بن الصامت : (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد)، وجاء في القرآن مما بقي حكمه ونسخت تلاوته، ومعلوم أنه قد ينسخ الحكم والتلاوة، وينسخ الحكم دون التلاوة، وتنسخ التلاوة دون الحكم، والذي معنا هو شاهد لنسخ التلاوة دون الحكم، فالحكم موجود والرجم ثابت ومستقر، والتلاوة منسوخة. وعكسها نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ومثاله: قصة اعتداد المتوفى عنها زوجها، فاللاتي يتوفى عنهن أزواجهن كن يتربصن سنة، فنسخت بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر. وأما نسخ الاثنين الذي هو الحكم والتلاوة، فذلك في العشر الرضعات التي جاءت في الحديث: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات)، فإن الخمس المعلومات منسوخة التلاوة باقية الحكم، والعشر الرضعات منسوخة التلاوة والحكم، وهذا الذي معنا: هو من جنس الخمس الرضعات، حيث نسخت التلاوة مع بقاء الحكم. أورد أبو داود حديث ابن عباس في قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، ثم قال: نسختها آية النور: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )) ]؛ وذلك أنه كما جاء في هذه الآيات: (( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ))، فقد جاء أيضاً بيان ذلك في السنة، وأن الله تعالى قد جعل لهن السبيل، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصول الجلد والرجم كما جاء في حديث عبادة بن الصامت ، والجلد وتغريب سنة في حق البكر. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ )) ]. الفاحشة: الزنا والعياذ بالله (( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ )) يعني: أنه لا بد من أربعة شهود لثبوت الزنا، ولا يكفي شاهد أو شاهدان أو ثلاثة، بل لا بد من أربعة، وأن يكون هناك جماع صحيح، فلا بد من توافر هذه الشروط؛ وذلك لخطورة هذه الجريمة وصعوبتها، فجاءت الشريعة باشتراط هؤلاء الشهود الأربعة الذين يشهدون؛ ليثبت في ذلك حد الزنا، فإما هذا كله أو الاعتراف كما سيأتي في حديث عمر رضي الله عنه ما يتعلق بالاعتراف والحبل والشهود. قوله: [ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15] ]. يعني: هذه الآية جاءت في حكم النساء: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، ثم أتى بالحكم الذي يشمل الرجال والنساء وهو قوله: (( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا )). قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال ]. الرجل ما له ذكر منصوص عليه كما نص على النساء؛ ولكنه ذكر بعد ذلك فيما يتعلق بالجمع، حيث قال: (( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ))، يعني: من الرجال والنساء. وجاء أيضاً ذكر المرأة ثم ذكر الرجل في سورة النور: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا )) ] ذكرت الآية الزانية ثم الزاني؛ لكن هنا فيما يتعلق بالرجال ما ذكر رجلاً على سبيل الانفراد؛ ولكنه جاء مندرجاً في حال الجمع بين الذكور والإناث. قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16] ]. (اللذان) يعني الرجل والمرأة. (يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) يأتيان الفاحشة. (فآذوهما) يعني بالإيذاء: العقوبة، لكن لا أدري ما نوعها. (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) يعني: إن تابا وأصلحا ولم يرفع أمرهما إلى السلطان فإنه يعرض عنهما، وأما إذا بلغ أمرهما إلى السلطان فإنه لا بد من إقامة الحد حيث يكون ثابتاً بالبينة أو بالاعتراف والإقرار. وجاء في أحد حواشي مخطوطات السنن، يقول في حاشية: (ك) زيادة: قال سفيان : (( فَآذُوهُمَا )) البكران، (( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ )): الثيبان. يعني: أنه يرجع إلى الثيبات، لكن معلوم أن الإمساك في البيوت إنما هو للنساء وليس للرجال. قوله: [ قال: فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ]. وهذا في حق البكرين، فيجلد كل منهما مائة جلدة كما جاء في القرآن، ويغرب كما جاء في السنة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثني علي بن الحسين ]. هو علي بن الحسين بن واقد، وهو صدوق، يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد النحوي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبعض العلماء قال: إن الآية جاءت ناسخة، وبعضهم قال: إنهاجاءت لتفسير مبهم؛ لأنه قال: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ))، فالسبيل هو كذا وكذا. وكذلك من قال: إن الإيذاء يمكن أن يكون بالتقريع بالكلام والزجر فنقول: الحكم هو كما جاء في الكتاب والسنة: الجلد والنفي والرجم وحده أو معه الجلد على خلاف في ذلك وفقاً لما جاءت به النصوص. أثر مجاهد في تفسير قوله تعالى: (أو يجعل الله لهن سبيلاً)، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني ابن مسعود - عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السبيل الحد ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مجاهد ، وفيه تفسير السبيل في قوله: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )) بأنه الحد، والحد هو الرجم في حق المحصنين، والجلد والتغريب في حق الأبكار. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني: ابن مسعود- ]. أحمد بن محمد بن ثابت مر ذكره، وموسى بن مسعود صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن شبل ]. هو ابن عباد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا يقال له: مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي إسناده إلى التابعي ومن دونه يقال له: مقطوع، كما يقال للمتن الذي ينتهي إسناده إلى الصحابي: موقوف، والمتن الذي ينتهي إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون، والمنقطع من صفات الأسانيد، فيسقط واحد أو اثنان أو ثلاثة، فهذا يقال له: انقطاع، وأما الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي فإن اسمه المقطوع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال سفيان : (فآذوهما) البكران (فأمسكوهن في البيوت) الثيبات ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وفيه بيان تفسير السنة للقرآن حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً)، يفسر قول الله عز وجل: (( حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )). قوله: [ (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) ] معناه: أن الجلد يكون للجميع، فمن كان بكراً ومن كان ثيباً فإنه يجلد إلا أن الثيب يضاف إليه الرجم، والبكر يضاف إليه التغريب لمدة سنة، وهذا الذي جاء في حديث عبادة رضي الله عنه فيه زيادة التغريب على ما جاء في القرآن في حق الأبكار؛ لأن الذي جاء في القرآن: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وجاءت السنة بإضافة التغريب لمدة سنة. وجاء في هذا الحديث -حديث عبادة بن الصامت - أن الرجم يضاف إليه جلد مائة جلدة. وقد اختلف العلماء في جلد الثيب مع الرجم، والرجم متفق عليه ولم يخالف فيه إلا بعض الخوارج، وخلافهم لا عبرة به، وكذلك سيأتي أن عمر رضي الله عنه قال: أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، وقد حصل هذا الذي خشيه عمر ، فقد وجد في الخوارج من يقول بذلك، وقال: إن الرجم ليس في كتاب الله فأنكروه. وإنما اختلف العلماء في الثيب هل يجلد مع الرجم أو أنه يكتفى بالرجم؟ فمن العلماء من ذهب إلى ما جاء في حديث عبادة من الجمع بينهما بأنه يجلد أولاً ثم يأتي بعد ذلك الرجم. ومنهم من قال: إنه يرجم فقط بدون جلد؛ وذلك لأنه جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها الرجم بدون جلد، كما جاء في آية الرجم، وجاء في قصة العسيف في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، وكذلك فعله حيث أمر برجم ماعز و الغامدية ، فبعض أهل العلم أخذ بهذا، وبعضهم أخذ بهذا، والحقيقة المسألة مشكلة، ولهذا لما ذكر صاحب سبل السلام الصنعاني رحمه الله هذه المسألة مال إلى أحد القولين ثم رجع عنه وقال: إني أتوقف حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين. قوله: (الثيب بالثيب)، ليس المقصود من ذلك أنه لا يكون الحد إلا إذا كان ثيباً مع ثيب، وإنما المقصود أن الثيب يرجم سواءً كان زناه بثيب أو ببكر، وكذلك المرأة إذا كانت ثيبة لا ينظر إلى الرجل الذي زنى بها أهو بكر أم ثيب، فمع أنه ذكر الثيب مع الثيب والبكر مع البكر إلا أنه لو زنى بكر بثيب أو ثيب ببكر فإن من كان محصناً يرجم سواءً كان رجلاً أو امرأة، ومن كان بكراً فإنه يجلد مائة ويغرب سنة. فإذاً: قوله: (الثيب بالثيب والبكر بالبكر)، لا يكون خاصاً فيما إذا كان بين بكرين وبين ثيبين بل الرجم مناط بالثيب سواءً كان مع ثيب أو بكر، وكذلك البكر الجلد مناط به مع التغريب، سواءً كان مع بكر أو ثيب. تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حطان بن عبد الله الرقاشي ]. حطان بن عبد الله الرقاشي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم وأصحاب السنن. مسلم . [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية و محمد بن الصباح بن سفيان قالا: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن بإسناد يحيى ومعناه قال: (جلد مائة والرجم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال فيه: (جلد مائة والرجم)، وهو مثل الذي قبله؛ لأنه قال في الأول: (رمي بالحجارة) وهنا قال: (الرجم)، ومعلوم أن الرجم يكون بالحجارة، يعني: الفرق في العبارة وإلا فالمعنى واحد، وإنما فرق بين الثيب والبكر بأن الثيب يرجم بالحجارة ؛ لأنه كما عرفنا قد حصل المتعة بطريق مشروع، فصارت عقوبته أشد، وكان ذلك رمياً بالحجارة؛ حتى يصيبه العقاب من جميع الجوانب؛ لأن اللذة حصلت لجميع الجسد، فتكون العقوبة لجميع الجسد بحيث تأتي الحجارة من كل جانب، فيكون موته بهذه الطريقة، أما من كان بكراً ولم يتمتع بالنكاح فإن عقوبته مخففة، وذلك بأن يجلد مائة جلدة ويغرب مدة سنة. تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بإسناد يحيى ]. الحسن مر ذكره، ويحيى القطان ، وقوله: [ بإسناد يحيى ] يعني: الذي تقدم قبل هذا. شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الربيع بن روح بن خليد حدثنا محمد بن خالد -يعني: الوهبي - حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث: (فقال ناس لسعد بن عبادة : يا أبا ثابت ! قد نزلت الحدود، لو أنك وجدت مع امرأتك رجلاً كيف كنت صانعاً؟ قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا، أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء؟! فإلى ذلك قد قضى الحاجة، فانطلقوا فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ألم تر إلى أبي ثابت قال كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالسيف شاهداً، ثم قال: لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وفيه زيادة، وهي أن سعد بن عبادة قيل له: لو أنه وجد رجلاً مع امرأته كيف يصنع؟ فقال: إنه يقطعهما بالسيف حتى يسكتا يعني: حتى يموتا، ولا يتركهما حتى يأتي بأربعة شهود يرون ويشاهدون، فيكون قضى حاجته وهرب، فجاء هؤلاء الذين تحدثوا بهذا الحديث بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كفى بالسيف شاهداً)، يعني: هذا الذي قاله سعد بن عبادة هو الشاهد، ولا يحتاج إلى أن يبحث عن أربعة شهود بل يحصل القتل، ثم قال: (لا لا حتى لا يتتايع فيها) يعني: يتتابع الناس فيستسهلون القتل أو يقدمون على القتل وقد يكون لا يستحق القتل بأن يكون ليس هناك جماع، وأن الزنا ما ثبت، وإنما هو مقدمات تسبق الجماع لا يستحق معها القتل. قوله: [ (لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ]. السكران: هو الغضبان، وليس المقصود به السكران الذي فقد وعيه بسبب السكر؛ لأن هذا كما هو معلوم ليس هو المقصود، وإنما المقصود الذي عنده شدة الغضب فيقدم على قتل الإنسان وهو لا يستحق القتل، والغيران: صاحب الغيرة الشديدة الذي قد يقدم على القتل بينما الذي حصل دون ما يستحق به القتل، ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ابن دلهم هذا وهو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا الربيع بن روح بن خليد ]. الربيع بن روح بن خليد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن خالد -يعني الوهبي- ]. محمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الفضل بن دلهم ]. الفضل بن دلهم لين، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الحسن عن سلمة بن المحبق ]. الحسن مر ذكره، و سلمة بن المحبق رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله عنه قد مر ذكره. الوهم من وكيع في إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...)، وتراجم رجال ذلك الإسناد [ قال أبو داود : روى وكيع أول هذا الحديث عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا إسناد حديث ابن المحبق : (أن رجلاً وقع على جارية امرأته) ]. ذكر أن وكيعاً رواه بإسناد وقال: إنه وهم، وإنما هذا إسناد لحديث آخر، وهو قصة الرجل الذي وقع على جارية امرأته. [ قال أبو داود : روى وكيع أول هذا الحديث عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحسن مر ذكره، وقبيصة هو قبيصة بن حريث ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو داود : الفضل بن دلهم ليس بالحافظ كان قصاباً بواسط ]. قال أبو داود : الفضل بن دلهم ليس بالحافظ كان قصاباً بواسط، يعني: هذا تعريف به، وقصاب يعني: جزار. شرح حديث عمر بن الخطاب في رجم الزاني المحصن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا هشيم حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس : (أن عمر -يعني ابن الخطاب رضي الله عنه- خطب فقال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده، وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً، إذا قامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف، وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن عمر خطب الناس. قوله: [ (إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب) ]. الحق الذي فيه إخراج الناس من الظلمات إلى النور، والسير إلى الله عز وجل على بصيرة، وذلك في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، ثم قال: وأنزل عليه الكتاب. قوله: [ (فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها) ]. (فقرأناها) يعني: إنا كنا تلوناها كما نتلو القرآن. وآية القرآن هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). قوله: [ (فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده) ]. رجم النبي صلى الله عليه وسلم حصل لماعز و للغامدية ، وأمر برجم امرأة صاحب العسيف قال: (اغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، (ورجمنا من بعده)، يعني: هذا شيء فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ونفذه الخلفاء الراشدون من بعده. قوله: [ (وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى) ]. فهو أعلن هذا في خطبته رضي الله تعالى عنه حتى يسمعها من يسمعها من الناس، وحتى يكثر السامعون لها، ويتناقلوها ويعرفوها، ويرويها بعضهم ويبينوها للناس، قال: (أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله)، وهذا من إلهام عمر رضي الله عنه فإنه كان ملهماً، وكان يقول الشيء فيجري الحق على لسانه في كثير من الأمور، وموافقات عمر في الأشياء التي يشير بها على رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم ينزل القرآن بها معروفة وعديدة، منها ما يتعلق بالحجاب، ومنها ما يتعلق بالصلاة خلف المقام، ومنها ما يتعلق بأسارى بدر، وكذلك ما جاء عنه في قصة الطاعون الذي حصل في الشام، وأنه استشار الصحابة المهاجرين، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح، وكل منهم ليست عنده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم إنه اجتهد ورأى أن ينصرف وألا يدخل على الطاعون، ثم بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الذي رآه عمر مطابقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر، وهنا قال: (أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل) وقد قال قائل، فإنه نقل عن بعض الخوارج أنهم كانوا لا يقولون بالرجم ويقولون: إنه لا يوجد في كتاب الله. قوله: [ (أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى) ]. وهذا فيه أن ترك ما أنزله الله، وترك ما جاء عن الله وعن رسوله ضلال؛ لأنه قال: (فيضلوا بترك فريضة). وفيه: أن الضلال يكون في الجزئيات وليس بلازم أن يكون الضلال في الكليات، بل القضية الواحدة يحصل بها الضلال؛ لأن فيه انحرافاً عن الجادة، وهذا من جملة الضلال الكثير الذي حصل للخوارج، فإنهم ضلوا في هذا الجانب وفي غير هذا الجانب. قوله: [ (فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً، إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف) ]. فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء وكان محصناً إذا قامت البينة، يعني: حق يجب تنفيذه إذا قامت البينة، والبينة هي أربعة شهود كما جاء ذلك مبيناً في القرآن، أو كان الحمل؛ لأن الحمل إذا كان من غير ذات زوج فإنه لا يكون إلا بغير طريق مشروع، لكن إذا لم تدع شيئاً أو تذكر شبهة، أو تذكر شيئاً يمنع من إقامة الحد عليها مما تدرأ به الحدود، كإخبارها بأنها كانت مكرهة، أو اغتصبت، أو أنه حصل لها كذا وكذا، فعند ذلك يقبل قولها، وتدرأ الحدود بالشبهات. قوله: [ أو الاعتراف ]، يعني: يحصل الاعتراف بالزنا. قوله: [ (وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها) ]. وهذا تأكيد من عمر رضي الله عنه لنزول هذه الآية، وأنهم تلوها، وأنها موجودة في كتاب الله ولكنها نسخت، ومعلوم أن القرآن جمع جمعتين: جمعة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكان ذلك في صحف ولم يكن مرتباً ولا مميزاً، بل كل ما جاء ونقل أثبتوه في صحف، وكان مشتملاً على الأحرف السبعة كلها؛ لأن كل ما هو قرآن جمعوه في صحف، وذلك في عهد أبي بكر وحصل ذلك لما قتل جمع من القراء في بعض الغزوات، وأشير على أبي بكر بجمع القرآن فكان متردداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولكن بعد ذلك شرح الله صدره له فأمر بجمعه، فجمع في صحف، وذلك الذي جمع مشتمل على الأحرف السبعة، وبقيت تلك الصحف عند حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولما كان في عهد عثمان جمع القرآن في مصحف على حرف واحد، فصار هذا الذي هو بأيدي الناس، والذي هو من جمع عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان جمع الناس على حرف واحد، وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف، وهذا من حسنات عثمان رضي الله عنه، كما أن الذي حصل في عهد أبي بكر من حسنات أبي بكر رضي الله عنه، ومن حسنات عثمان جمعه للقرآن، وكونه ممن حفظ الله به القرآن، وكان ذلك مما تحقق به قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب: اعلام الموقعين تسعة وتسعين على أن الشريعة جاءت بسد الذرائع، وختم ابن القيم رحمه الله الأدلة التسعة والتسعين بجمع عثمان رضي الله عنه القرآن على حرف واحد، وقال: إن ذلك فيه السلامة من الاختلاف، وقطع دابر الاختلاف الذي يكون بسبب وجود الأحرف، فجمعها على حرف واحد رضي الله عنه، وكان ذلك سداً للذريعة، فهو من جملة الأدلة التي استدل بها ابن القيم على سد الذرائع، وقد ذكر تسعة وتسعين دليلاً بعدد الأسماء الحسنى التي جاءت في الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، وختمها بهذا الدليل الذي هو جمع عثمان القرآن على حرف واحد. فقول عمر رضي الله عنه: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها. يعني: يريد أن يحقق ثبوتها، وأن هذا شيء ثابت. تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في رجم الزاني المحصن قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن هشيم ]. هشيم مر ذكره. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد مر ذكره. [ عن عمر ]. عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، أحاديثه عند أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حد الزاني الذي تزوج أمة السؤال: ذكر صاحب العون نقلاً عن الحافظ يقول: المحصن إذا كان محصناً أي بالغاً عاقلاً قد تزوج حرة تزويجاً صحيحاً وجامعها. فلماذا التقييد بالحرة هنا، وهل إذا تزوج أمة لا يقال له: محصن؟ الجواب: الذي يبدو أنه محصن؛ لأن الفائدة والمتعة حصلت، فإنها تحصل بهذه وبهذه، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فيحصل الإحصان بالتسري ويثبت، لكن هل يعتبر ذلك إحصاناً يكون معه استحقاق الرجم أو لا؟ لا أدري. ضابط الإحصان في الشرع السؤال: هل المراد بالإحصان العقد أو الدخول حتى يعتبر محصناً؟ الجواب: الذي يبدو أن المقصود به الدخول؛ لأن هذا هو الذي يكون به الاستمتاع، وأما مجرد العقد ثم حصلت فرقة أو المرأة ما مكنته من نفسها أو أبت أن تدخل عليه بعد العقد، وما وجدت منه تلك المتعة والفائدة التي بها خرج من كونه بكراً إلى كونه ثيباً فلا يكون إحصاناً. الجمع بين حديث قتل شارب الخمر في الرابعة وبين حديث (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به) السؤال: ذكرتم أن قتل شارب الخمر يكون في الرابعة، فما نقول في حديث: (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به)؟ الجواب: هذا يدل على أن المعين لعنه لا يجوز، وأما قول: (ما أكثر ما يؤتى به)، فيدل على الإتيان به كثيراً، وكونه لم يقتل لأن القتل محمول على التعزير في الحديث الآخر، وهو حديث ثابت." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [498] الحلقة (529) شرح سنن أبي داود [498] ماعز بن مالك الأسلمي صحابي من صحابة رسول الله، زلت قدمه في معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، وهي الزنا، ولكنه لم تهدأ نفسه حتى جاء إلى رسول الله تائباً معترفاً بجريرته، وأبى إلا أن يطهره رسول الله بإقامة الحد عليه، فأمر به رسول الله فرجم فمات تائباً رضي الله تعالى عنه. ما جاء في رجم ماعز بن مالك شرح حديث رجم ماعز بن مالك قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رجم ماعز بن مالك. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن هشام بن سعد قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: (كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً، فأتاه فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، حتى قالها أربع مرار، قال صلى الله عليه وسلم: إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة، فقال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم. قال: هل باشرتها؟ قال: نعم. قال: هل جامعتها؟ قال: نعم. قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة، فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه) ]. سبق لأبي داود رحمه الله أن أورد قبل هذا باب الرجم، وأورد جملة من الأحاديث المختلفة المتعددة عن جماعة من الصحابة في بيان الرجم وحكمه، وأنه ثابت في كتاب الله في القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه، وكذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله في قضايا متعددة، ولما كان من جملة من اشتهر في الرجم ماعز رضي الله عنه وكذلك الغامدية رضي الله عنها، فقد أفرد كلاً منهما بترجمة، وأورد الأحاديث المختلفة المتعلقة بما حصل منهما وكذلك رجمهما، وما جرى من الأمور التي حصلت قبل ذلك وبعد ذلك. فقال: [ باب رجم ماعز بن مالك ] أي: ما ورد فيه من الأحاديث، وقد أورد أبو داود عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة كلها تحكي قصة رجم ماعز رضي الله تعالى عنه، وما جرى قبل رجمه من اعترافه وطلب تطهيره، وما جرى في رجمه، وكيف انتهى أمره! فأورد أبو داود حديث نعيم بن هزال رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن ماعزاً كان يتيماً في حجر أبي وأنه زنى بجارية من الحي أي: أمة من الحي أو من القبيلة فقال له هزال رضي الله عنه: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالذي حصل، وكان يريد من وراء ذلك رجاء أن يكون له مخرج مما قد حصل له، فجاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخبره بالذي حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عدة أسئلة للتحقق من حصول الجماع، وحصول الزنا حقيقة، وأنه في الفرج، وأنه ليس مجرد لمس ولا نظر، وإنما هو الجماع الحقيقي، فعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجمه، وذهبوا يرجمونه، ولما أصابته الحجارة وحصل له الوجع من الرمي بها جزع وهرب، ولقيه عبد الله بن أنيس وأخذ وظيفاً -أي: عظماً- من ساق بعير أو حيوان فرماه به فقتله. قوله: [ عن نعيم بن هزال قال: (كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر ذلك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً) ]. هذه كلمة: (أن يكون له مخرجاً) الأصل: أن يكون له مخرج؛ لأن كان وأخواتها إذا جاء الخبر جاراً ومجروراً فإنه يكون الاسم الذي بعده مرفوعاً، على عكس إن وأخواتها فإنه إذا جاء الجار والمجرور يكون الاسم بعد ذلك منصوباً، وهنا جاء مخرجاً منصوباً، والأصل أن يكون مرفوعاً، وسواءً قيل: إن كان تامة أو ناقصة؛ لأنها إن كانت تامة فيكون مخرج هو الفاعل، وإن كانت ناقصة يكون اسمها مؤخر وخبرها جار ومجرور مقدم. وقال الطيبي : اسم كان يرجع إلى المذكور وخبره مخرجاً. و(له) ظرف لغو كما في قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، والمعنى: يكون إتيانك وإخبارك رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجاً لك. فإذا كان المقصود به شيء مقدر بمعنى: يكون إتيانك مخرجاً فهو سائغ. قوله: [ (فأتاه فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله حتى قالها أربع مرار) ]. ذكر أنه قال ذلك أربع مرات، وجاء في بعضها مرتين، وفي بعضها ثلاث مرات، وأعلى ما جاء هو أربع مرات، ولهذا اختلف العلماء هل لابد من الاعتراف أربع مرات، كما أن الشهود يكونون أربعة، فإذا لم يوجد شهود يكون الاعتراف أربع مرات؟ فمن العلماء من قال بذلك، وأن الروايات جاءت متعددة، وكلها فيها أربع مرات، وفي بعضها أنه شهد على نفسه أربع مرات، قالوا: فيكون الإقرار أربع مرات، وذهب إلى هذا كثير من أهل العلم، وبعضهم قال: إنه يكفي الاعتراف مرة واحدة، وإنما حصل التكرار من أجل التحقق والاستثبات، وليس المقصود من ذلك أنه لابد من الاعتراف أربع مرات، ولا شك أن القول بحصول التكرار أو اعتبار ذلك أربع مرات هو الأحوط؛ لأنه سواءً كان أريد به التحقق أو أريد به أنه مقصود، فالإتيان به أربع مرات لا شك أن هذا فيه الاحتياط والسلامة وقطع الشك باليقين. قوله: [ قال صلى الله عليه وسلم: (إنك قد قلتها أربع مرار فبمن؟ قال: بفلانة) ]. قالوا: ويؤيد ذلك أنه قال: إنك قد قلتها أربع مرات، فكونه ذكر أربع مرات وكرر أربع مرات وقال: قلت أربع مرات، عند ذلك أراد أن يزداد تحققاً قال: بمن؟ يعني: حصل الزنا بمن؟ وهذا يدل على أنه لا بأس بالسؤال عن المزني بها، وهذا للتحقق، ولكن اعتراف الزاني لا يثبت حقاً عليها، بل لابد من اعترافها، ولهذا كما جاء في أحاديث صاحب العسيف الذي قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، ثم بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها). قوله: [ (بفلانة) ]. يعني: فيه إبهام وعدم تسمية في الرواية، وإلا فإنها قد سميت وقد سماها فلانة، ولكن في الرواية أتوا بها مكناة دون أن يفصح عن اسمها. قوله: [ (قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم) ]. يعني: أنت كنت وإياها في فراش وصرت ضجيعاً لها، والضجيع: هو الذي ينام بجوار من يضاجعه ومن يبيت معه، فيكون معه في فراش واحد فيكون قريباً منه، وقد يلتصق به، ثم زاد فقال: (هل باشرتها؟) يعني: مست بشرتك بشرتها، ثم بعد ذلك قال: نعم. قال: (هل جامعتها؟) يعني: حصل الجماع، قال: نعم. وسؤاله له هذه الأسئلة لأنه خشي أن يكون ظن ما ليس بزنا زنا كما جاء في الحديث: (العين تزني وزناها النظر) وهكذا، فقد يظن أن مثل ذلك يعتبر زنا، وأنه يستحق عليه إقامة الحد، فأراد أن يتبين أن ما حصل منه أنه الجماع الذي يستحق عليه إقامة الحد، وأنه ليس شيئاً مما هو دون الزنا الذي لا يستحق معه حداً كأن يكون قبلها أو باشرها ولم يحصل منه جماع، أو استمتع بها فيما دون الفرج، فإن هذا لا يوجب حداً، وإنما يوجب تعزيراً وعقوبة. قوله: [ (فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة ) ]. فأمر به فأخرج إلى الحرة، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه إلى المصلى، وفي بعضها إلى البقيع، والمقصود بذلك المصلى الذي عند البقيع، وهو مصلى الجنائز الذي كانوا يصلون فيه على الجنازة يعني: بين المسجد وبين البقيع، وهنا جاء ذكر الحرة، ويجمع بينها أنه ذهب به المصلى وأنه هرب، وأنهم لحقوه فيكون ذكر الحرة ليس ابتداء في الرجم، وإنما هو في المكان الذي جاءت الأحاديث بذكره وهو المصلى أو البقيع، وذكر الحرة فيما آل إليه الأمر، وأنه هرب والناس تبعوه حتى وصل إلى الحرة. قوله: [ (فلما وجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد) ]. يعني: شدتها وألم الرمي بالحجارة عليه هرب يشتد، يعني: يجري ويركض بسرعة هارباً، وهذا يفيد بأنهم ما ربطوه ولا حفروا له حفرة؛ لأنه لو كان مربوطاً ما استطاع أن يهرب، ولو كان لما استطاع أن يهرب. قوله: [ (فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير) ]. وقد عجز أصحابه أي: الذين لحقوه أن يدركوه. قوله: [ (فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله) ]. يعني: عظم ساق البعير، فرماه به أو حذفه به فأصابه وقتله. قوله: [ (ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه؟) ]. يعني: أنه إذا كان هرب أو اعتذر بشيء أنه يترك، ولعله حصلت عنده شبهة تدرأ الحد بأن يبينها ثم بينها فيما بعد. قوله: [ (فيتوب الله عليه) ]. يعني: معلوم أنه جاء تائباً وطلب التطهير، فالتوبة موجودة. قوله: [ (لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)]، يعني: كونه يتوب فيتوب الله عليه سيأتي في بعض الأحاديث ما يدل على أنه حصل على خير، ومعلوم أن الحد كفارة وأن من حصل له الحد في الدنيا لا يعاقب على هذه الجريمة في الآخرة، وإنما إذا لم يحد في الدنيا وستره الله عز وجل ولم يتب فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. وعلى هذا فيكون قوله: (يتوب فيتوب الله عليه) معناه: أنه يحصل له سلامة من القتل بالتوبة فالتوبة موجودة من قبل، وهو الذي طلب أن يرجم، وطلب أن يقام عليه حكم الله، وأن يحصل له التطهير بذلك، فتكون هذه الجملة فيها نكارة من جهة أن التوبة موجودة وأنه قد حصل على السلامة من مغبة هذه الجريمة بإقامة الحد عليه، ولكن لعل المقصود من ذلك أنه يحصل له شيء يسلم به من القتل. ومعلوم أن من أخذ ثم قال: إنه تائب ما ي تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال ]. يزيد بن نعيم بن هزال مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو نعيم بن هزال ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي . شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه؟ من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولم أعرف هذا الحديث قال: فجئت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقلت: إن رجالاً من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: ألا تركتموه؟! وما أعرف الحديث قال: يا ابن أخي! أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني به، ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة رجم ماعز ، وأن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب المشهور بابن الحنفية قال: إنه حدثني من لا أتهم من أسلم الذين هم قوم ماعز أنه جاء في الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: (ألا تركتموه؟) وأنه ما عرف وجه الحديث فقال له جابر : (أنا عندي العلم في هذا، وإنني كنت فيمن رجمه، وإننا لما رجمناه صرخ وقال: ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي عملوا كذا وكذا فقتلناه، فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألا تركتموه؟) ثم بين جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: (ألا تركتموه؟) يقصد من وراء ذلك الاستثبات والتحقق من أمره، أو يذكر شيئاً يعذر به، ويدرأ به الحد، (أما لترك الحد فلا) يعني: أن يقول الرسول: (هلا تركتموه؟) معناه: بدون حد وأنه لا يقام عليه حد، فهذا ليس بمقصود، وإنما الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (ألا تركتموه؟) أي: حتى يتحقق من أمره ويستثبت وأنه ربما يرجع عن إقراره أو يذكر شيئاً يكون عذراً له في عدم إقامة الحد عليه. أما كونه يترك ولا يقام عليه حد فهذا لا يكون، وهذا هو الذي فهمه جابر بن عبد الله رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تركتموه؟)، حيث فهم أن المقصود الاستثبات، وليس المقصود من ذلك ترك الحد. قوله: [ عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه) ]. ولم يعرف وجه الحديث، فجاء حسن بن محمد بن علي إلى جابر وأخبره فقال: أنا الذي كنت شاهداً، فصار الحديث عن جابر رضي الله عنه، وهو الذي يحدث بهذا الحديث وبهذا الذي ذكر أنه سمعه ممن لا يتهم من أسلم الذين هم قوم وقبيلة ماعز ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك، وقال: (ألا تركتموه؟) وأنه يقصد من وراء ذلك الاستثبات، لا ترك الحد؛ لأنه هرب أو قال: اتركوني. قوله: [ قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه؟ من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم) ]. (من شئتم) هذا فاعل حدثني، يعني: من تريدون ممن هو من أهل الثقة والعدالة ممن لا يتهمون، ولكنه ما وقف عند هذا، وإنما ذهب إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه وحدثه بالحديث فصار الحديث متصلاً عن جابر رضي الله عنه وفيه وجه الترك. قوله: [ (قال: ولم أعرف هذا الحديث قال: فجئت جابر بن عبد الله فقلت: إن رجالاً من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: ألا تركتموه؟) ]. المقصود هذه الجملة: (ألا تركتموه؟) ولهذا قال في الأول: (من لا أتهم) في الحديث أنه قال: (ألا تركتموه؟). قوله: [ (وما أعرف الحديث، قال: يا ابن أخي! أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي) ]. معناه: أنه فهم هذا من قولهم: (لعله يستغفر لك) كما مر في حديث ابن هزال الذي قيل له فيه: اذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني به؟ ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث) ]. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن مسيرة القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة ]. هو عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسن بن محمد بن علي ]. حسن بن محمد بن علي أبوه محمد بن علي بن أبي طالب المشهور بابن الحنفية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد -يعني الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس : (أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى فأعرض عنه، فأعاد عليه مراراً فأعرض عنه، فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس به بأس، قال: أفعلت بها؟ قال: نعم. فأمر به أن يرجم، فانطلق به فرجم، ولم يصل عليه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ماعزاً جاء واعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنه زنى، وأنه أعرض عنه، وأن ماعزاً كرر قوله مراراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما كرر ذلك عليه سأل قومه وقال: (هل تعلمون به جنون؟) بمعنى: أنه في عقله خلل، وأن هذا الذي حصل منه لكونه غير سليم العقل، وأنه فاقد الوعي، فقالوا: إنهم لا يعلمون بشيء من ذلك، ثم فقال له في الأخير: أفعلت؟ قوله: [ (فقال: إنه زنى فأعرض عنه، فأعاد عليه مراراً فأعرض عنه، فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس به بأس، قال: أفعلت بها؟ قال: نعم) ]. يعني: أزنيت بها؟ وهذا إجمال للفعل، ولكنه جاء توضيحه بأنه جامعها كما ذكر في الحديث الأول: هل ضاجعتها؟ هل باشرتها؟ هل جامعتها؟ قوله: [ (قال: فانطلق به فرجم ولم يصل عليه) ]. لم تترك الصلاة عليه مطلقاً، ولكنه صلى الله عليه وسلم هو الذي ترك الصلاة عليه، فلم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، ولكن جاء في بعض الروايات أنه صلى عليه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد ]. يزيد بن زريع مر ذكره. و خالد هو ابن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل، ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر، قال: فرجمه ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في قصة ماعز رضي الله عنه، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف مراراً بأنه قد زنى. قوله: [ (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل ليس عليه رداء) ]. يعني: هذا وصف لماعز أنه رجل قصير، ليس بالطويل، أعضل يعني: مشتد العضلات، أو عنده عضلات قوية، فهذا هو المقصود بالأعضل. قوله: [ (ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى) ]. يعني: شهد على نفسه بأن قال: إني زنيت ويكررها أربع مرات. قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر) ]. يعني: اعتبر أن التقبيل زنى، أي: خشي أن يكون اعتبر ما ليس بزنى أنه زنى، كالتقبيل أو المباشرة أو اللمس أو ما إلى ذلك، ومعلوم أن الحد إنما يكون إذا حصل الجماع الذي لا خفاء فيه، والذي فيه الإيلاج، وأما ما يتعلق بالمباشرة فإن ذلك لا يكون فيه الحد، وإنما يكون فيه التعزير، ثم قال: إنه قد زنى الآخر يعني: يذم نفسه. قوله: [ (قال: فرجمه ثم خطب) ]. يعني: أمر برجمه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما باشر رجمه ولكنه أمر برجمه، ولهذا ينسب الفعل إليه؛ لكونه الآمر به وليس لكونه المباشر له، ولهذا الرسول قال: (ارجموه)، وهم ذهبوا به ورجموه، وقد مر أنه قال: ردوني إلى رسول الله، فإذاً: قوله: (رجمه) أي: أمر برجمه. قوله: [ (ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. خطب عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال الرجل إذا سافر للجهاد في سبيل الله ويخلف بعض الأشخاص الذين يوصونهم بأهاليهم فتحدثه نفسه بالسوء فيعطي الواحدة من نساء من سافروا للجهاد واستخلفوا ذلك الشخص الذي يكون قائماً بشئونهن ومشرفاً عليهن، وقاضياً لحوائجهن، يمنحها الكثبة يعني: المقدار من اللبن أو غيره، ثم يفعل بها الفاحشة ثم إنه قال: إن مكنني الله من أحد منهم لأجعلنه نكالاً لغيره، يعني: من حصل منه شيء من ذلك، وهذا فيه تهديد وتخويف حتى لا يقدم من تحدثه نفسه بسوء إلى فعل تلك الفاحشة التي هي من أعظم الفواحش وهي الزنا. قوله: [ (ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس) ]. خلف أحدهم يعني: غيره في أهله، ولهذا جاء في الحديث: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) معناه: أنه يقوم بالنيابة عنه في قضاء حوائجهم، والمحافظة عليهم، ودفع الشر عنهم، فيكون وكيلاً له يقوم مقامه، (يكون له نبيب كنبيب التيس) وهو الصوت الذي يحصل له من شدة الشهوة والرغبة في الجماع. قوله: [ (له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. يعني: جعلته نكالاً لغيره. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة بهذا الحديث، والأول أتم، قال: (فرده مرتين) قال سماك : فحدثت به سعيد بن جبير فقال: (إنه رده أربع مرات) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: أنه رده مرتين، وعن سعيد بن جبير قال: أربع مرات، ولعل المقصود من ذلك أن مرتين صارت مع بعض، ومرتين مع بعض، فتكون أربع مرات، فيكون الأول فيه اختصار بمعنى: أنه ذكر المرتين الأوليين دون المرتين الأخريين، فلا ينافي ما جاء من أنه رده أربع مرات، فيكون جاء بعض الرواة فذكر المرتين الأوليين وترك ذكر المرتين الأخيرتين، وبعضهم ذكر الأربع. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ، وهو مشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره عند الحافظ ابن حجر عندما يذكر الشيوخ والتلاميذ يقول: و أبو موسى ولا يقول: محمد المثنى وإنما يذكر روى عن فلان وفلان و أبي موسى ، فأبو موسى المراد به محمد بن المثنى ؛ لأنه مشهور بكنيته، ولهذا يذكر بها اختصاراً عن الاسم واسم الأب ولقبه الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين و محمد بن المثنى توفي سنة مائتين واثنتين وخمسين ومثله في ذلك محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فإن هؤلاء الثلاثة محمد بن المثنى و محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي من شيوخ أصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة، وهم من صغار شيوخ البخاري الذي هو أول أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر وهو الملقب بغندر البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة ]. سماك و جابر بن سمرة قد مر ذكرهما. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. أثر سماك في تعريف الكثبة الواردة في حديث رجم ماعز، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري حدثنا خالد -يعني ابن عبد الرحمن - قال: قال شعبة : فسألت سماكاً عن الكثبة فقال: اللبن القليل ]. أورد أبو داود هذا الأثر المقطوع عن سماك بن حرب وأن شعبة الذي روى عنه سأله عن الكثبة ما معناها؟ فقال: اللبن القليل، وهذا يقال له: مقطوع؛ لأنه متن انتهى إلى من دون الصحابي، وكل متن ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع وهو غير المنقطع، فإن المنقطع من صفات الأسانيد، والمقطوع من صفات المتون، فسقوط بعض الرواة من الإسناد يقال له: منقطع، وأما المقطوع فهو: أن يكون الإسناد متصلاً وقد يكون منقطعاً، ولكن المقصود أنه انتهى إلى من دون الصحابي. قوله: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري ]. عبد الغني بن أبي عقيل المصري ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن خالد -يعني ابن عبد الرحمن - ]. خالد بن عبد الرحمن صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعبة عن سماك ]. شعبة و سماك قد مر ذكرهما. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سادسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لماعز بن مالك : (أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أنك وقعت على جارية بني فلان؟ قال: نعم. فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وأنه بلغه أنه حصل منه كذا وكذا، وقد جاء هو بنفسه، يعني: يكون هو جاء بنفسه فاستوضح صلى الله عليه وسلم منه، وأن هذا الذي بلغني عنك أنه صحيح فقال: نعم، وكرر ذلك أربع مرات يطلب منه أن يطهره، فأمر برجمه عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. ويكون الجمع بين الإتيان وأنه بلغه عنه: كأنه جاء والرسول قد بلغه ذلك من قبل فقال: أحق؟ قال: نعم، وكرر ذلك يطلب منه أن يطهره، فيكون معنى ذلك أن الرسول بلغه الخبر من قبل، ولم يطلبه، ولكنه جاء بنفسه يطلب إقامة الحد عليه ويطلب تطهيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، ثم بعد ذلك شهد على نفسه أربع شهادات فأمر برجمه. قوله: [ حدثنا مسدد عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الإسناد. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، فقال: شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا به فارجموه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه تفصيل المرات، وهناك سبق أن مر وقال: مرتين، وهنا قال: مرتين، ثم مرتين، فمعنى ذلك أنه جاءت مرتين على حدة مع بعض، ثم جاءت مرتين بعدها، فصار المجموع أربعاً، فلا ينافي ما جاء في بعض الروايات أنها مرتين، وفي بعضها أنها أربع؛ لأنه ذكر المرتين فيه اختصار، فلا تنافي بين ما جاء من ذكر المرتين وما جاء من ذكر الأربع، فإن بعضها ذكرت فيها الأربع مع بعض، وفي بعضها ذكرت الأربع مفرقة ثنتين ثنتين، وفي بعضها ذكرت الثنتين مختصرة، يعني: باختصار دون أن يضاف إليها المرتان الأخريان. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثني يعلى عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ح وحدثنا زهير بن حرب و عقبة بن مكرم قالا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلى -يعني: ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا. قال: أفنكتها؟ قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه) ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، فذكر طريقين: إحداهما مرسلة، عكرمة يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، والطريق الثانية: متصلة فيها ذكر عكرمة عن ابن عباس والتحويل جاء بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى الإسناد الثاني من أوله. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟) ]. لما جاء إليه وقال: إنه زنى قال: (لعلك قبلت أو نظرت أو غمزت؟) يعني: لعله فهم أن ما ليس بزنا زنا، وظن أن التقبيل يكون زنا، وظن أن كونه نظر بشهوة زنا، أو كونه لمسها يكون زنا، وأنه يستحق عليه إقامة الحد، فكل ذلك يقول: لا، ثم بعد ذلك أفصح فقال: (أنكتها؟) والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان من عادته أن يفصح، ولكنه كان يكني، ولكن لما كان الأمر فيه خطورة وشدة، والأمر ليس بالهين ذكره بالاسم الصريح، كل ذلك من أجل التحقق من أن الذنب الذي حصل يستحق عليه الرجم، وهو الزنا الحقيقي، فلهذا أمر برجمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى ]. هو يعلى بن حكيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. عكرمة عن النبي، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا أضاف الشيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يقال له: مرسل، وهذا اصطلاح المحدثين، وليس كما جاء في البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط. فلو كان الساقط صحابياً فلا يضر؛ لأنه لو ذكر الصحابي وهو مبهم فهو معتبر وحجة؛ لأن الصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، والمرسل من قبيل المردود ليس من أجل أن الساقط صحابي؛ لأنه لو كان ما سقط إلا الصحابي ما فيه إشكال، ولكن كان ضعيفاً أو مردوداً أو من قبيل المردود؛ لأن الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي يحتمل أن يكون ضعيفاً وأن يكون ثقة، فمن أجل ذلك رد المرسل، وأما لو كان السقوط للصحابي فقط فهذا لا يؤثر. وهنا الطريق الثانية بينت أن الساقط هو صحابي، وهو عبد الله بن عباس ، فإذاً: هذه الطريق المرسلة عرف الواسطة فيها، وأنه صحابي، وعلى هذا فتعريف صاحب البيقونية في أن المرسل ما سقط منه الصحابي هذا تعبير غير دقيق؛ لأن المرسل في اصطلاح المحدثين هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويحتمل أن يكون واسطته صحابياً أو تابعياً، وإذا كان تابعياً يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً, وأما الصحابي فلا يحتاج إلى أن يضاف إليه كلام، وإنما الكلام والتعديل والتجريح يكون لغير الصحابة، أما الصحابي فيكفيه شرفاً أن يقال: أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن له صحبة. وأما المرسل باصطلاح الفقهاء أو الاصطلاح العام فإنه يطلق على السقوط في الإسناد؛ لكون الراوي يروي عمن لم يعاصره أو من عاصره ولم يعرف أنه لقيه، وهذا يسمى المرسل الخفي. وأما إن روى عمن لم يعاصره فإنه يكون مرسلاً واضحاً، فهو السقوط وهو أعم، ولهذا يأتي في بعض تراجم الرجال وهم متأخرون ليسوا من التابعين يقال: يرسل، أو أرسل عن فلان، معناه: أنه يطلق الإرسال على الانقطاع. [ ح وحدثنا زهير بن حرب ]. ح التحويل أتى بها بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى إسناد جديد. وزهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وهو من الذين أكثر عنهم الإمام مسلم رحمه الله؛ لأنه روى عنه ألفاً ومائتي حديث، وأكثر منه عند مسلم أبو بكر بن أبي شيبة ؛ لأنه روى عنه ألفاً وخمسمائة وزيادة، فيعتبر أبو خيثمة زهير بن حرب ممن أكثر عنهم الإمام مسلم ، حيث روى عنه ألفاً ومائتي حديث وزيادة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت يعلى -يعني ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس ]. يعلى بن حكيم و عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهم. [ قالا: ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. ولم يذكر موسى عن ابن عباس الذي هو الإسناد الأول. وهذا لفظ وهب أي: الذي فيه الاتصال، وهو أعرف بحديث أبيه من غيره؛ لأنه يروي عن أبيه جرير . شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول: (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم. قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا نبي الله! من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الأسلمي -وهو ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه ذكره هنا بنسبته، ولم يذكر اسمه ولا اسم أبيه - جاء نبي الله وقال: إنه زنى أربع مرات، يعني: ليس المقصود أنه زنى أربع مرات، وإنما المقصود من ذلك أنه شهد على نفسه أربع مرات، إذاً: المرات ترجع إلى الإخبار عن نفسه كما جاء ذلك مبيناً في الروايات، ولا يرجع إلى تكرار وتعدد الزنا. قوله: [ (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات) ]. يعني: شهد أربع مرات، وكلمة: (أربع مرات) ترجع إلى: شهد ولا ترجع إلى أصاب أو أتى. قوله: [ (كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم.) ]. يعني: صرح باسم الجماع الذي لا يحتمل شيئاً آخر سواه، وكل هذا كما عرفنا من أجل التحقق من أن الذي حصل منه شيء يستحق عليه الحد، وأنه ليس شيئاً دون الحد مما يكون حكمه التعزير كالتقبيل واللمس والمباشرة بدون جماع، ثم أراد أن يستوضح من أن الجماع تم وأنه بالإيلاج، وأنه كما يدخل الميل في المكحلة وكذلك الرشا في البئر، أي: أنه حصل الإيلاج والجماع، ولم يكن ذلك مباشرة بحيث تمس البشرة البشرة. قوله: [ (قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً) ]. وهذا اللفظ ليس مثل ما تقدم من ذكر الرشا والمكحلة؛ لأن الإنسان يمكن أن يأتي من امرأته شيئاً دون الفرج ودون الإيلاج، وهو حرام على غير الزوج، وهذا اللفظ محتمل، ولكن الشيء الذي لا يحتمل قوله: (أنكتها؟) وقوله: (كما يدخل الميل في المكحلة)، أو يدخل الرشا في البئر. قوله: [ (فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) ]. وهذا كلام سيئ، كونهما يصفان الشخص بهذا الوصف الذي لا ينبغي، ولهذا اعتبر الرسول هذا غيبة، وأن هذا كلاماً يسوء من يقال فيه، فالرسول صلى الله عليه سكت حتى مروا بجيفة حمار قد ارتفعت يده من الانتفاخ والنتن، والميتة إذا انتفخت ترتفع القوائم؛ بخلاف ما إذا كانت لم يحصل منها الانتفاخ فإن الأرجل تكون منضمة بعضها إلى بعض، ولكن مع الانتفاخ وصل إلى هذا الحد، فقال: (أين فلان وفلان؟ قالوا: ها نحن، قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالوا: ومن يأكل من هذه؟ قال: ما نلتما من عرض أخيكما أعظم من هذا)، وهذا مثلما قال الله عز وجل: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، أي: أنه مثل أكل الميتة. قوله: [ (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. ينقمس وينغمس بمعنى واحد، وهي بمعنى الغوص أو الاستمتاع والاستفادة من تلك الأنهار. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن الصامت ]. عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ أنه سمع أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [499] الحلقة (530) شرح سنن أبي داود [499] إن الإنسان مفطور على الخطأ لقول النبي عليه الصلاة والسلام :(كل ابن آدم خطاء) ولكن المطلوب منه أن يبادر بالتوبة من ذلك الخطأ ولا يستأنس له أو يتمادى فيه، بل يثوب، وذلك الذي قال فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وخير الخطائين التوابون). وماعز بن مالك والغامدية ضربا مثلا أعلى للبشرية حين أتيا إلى النبي عليه الصلاة والسلام تائبين مستغفرين طالبين إقامة الحد عليهما وتطهيرهما من جريمة الزنا. تابع ما جاء في رجم ماعز بن مالك شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق عاشرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه زاد: واختلفوا علي، فقال بعضهم: ربط إلى شجرة، وقال بعضهم: وقف ]. أورد أبو داود هذه الطريق لحديث رجم ماعز وهي والطريق التي قبلها فيهما عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، وهو ضعيف، فما كان من حديثه جاء متفقاً مع أحاديث أخرى فيكون له شواهد، وما كان منفرداً به فإنه يضعف به. وقد مر في الحديث السابق ذكر القصة التي ساق متنها مطولاً، وبقي منه ما يتعلق بالطريق الثانية التي فيها ذكر الاختلاف، وأنهم اختلفوا في الهيئة التي كان عليها ماعز بن مالك حين رجم، هل هو قد ربط أو حفر له، أو أنه لم يحصل ربطه؟ وقد سبق أن مر أنه لم يكن مربوطاً ولا محفوراً له، وإنما كان مطلقاً، ولهذا هرب، ولو كان مربوطاً أو محفوراً له لم يتمكن من الهرب، فالصحيح في ذلك أنه كان مطلقاً وأنهم احتوشوه من جميع الجهات يرجمونه بالحجارة وغيرها، وأنه هرب منهم وكان ذلك بالمصلى الذي هو عند البقيع بين المسجد النبوي والبقيع، وهو مصلى الجنائز، وأنه هرب حتى أدركوه بالحرة فتم قتله برميه في الحرة، وقد كان رمي بالمصلى الذي هو عند البقيع، فالبداية كانت عند البقيع والنهاية التي كان بها موته وانتهاء حياته كانت بالحرة، وهنا ذكر أنه حصل الاختلاف في حاله وقت الرجم هل ربط أو وقف؟ والصحيح أنه لم يربط ولم يحفر له، وإنما كان واقفاً ورموه بالحجارة حتى قتلوه في آخر الأمر في الحرة. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق عاشرة قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، كنيته: أبو عاصم ، ولقبه: النبيل ، واسمه: الضحاك بن مخلد ، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات؛ لأن الثلاثيات رواها عن بعض شيوخه وفيهم هذا الذي هو أبو عاصم ، و مكي بن إبراهيم و محمد بن عبد الله المثنى هؤلاء هم الذين روى عنهم الثلاثيات، وإذاً فهو من كبار شيوخه، ولهذا يروي عنه أبو داود بواسطة، ولا يروي عنه مباشرة، وأما البخاري فيروي عنه بلا واسطة، وهو من أتباع التابعين الذين أدركوا التابعين؛ لأن الإسناد الثلاثي الذي عند البخاري صحابي وتابعي وتابع تابعي فأبو عاصم النبيل هو من أتباع التابعين. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عم أبي هريرة ]. ابن عم أبي هريرة هو عبد الرحمن بن الصامت، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . وفيه هذا المقبول، وفيه عنعنة أبي الزبير . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق حادية عشرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني و الحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله : (أن رجلاً من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أبك جنون؟ قال: لا. قال: أحصنت؟ قال: نعم. قال: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم في المصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، ولم يصل عليه) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، أن رجلاً من أسلم -وهو ماعز بن مالك الأسلمي - جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع شهادات، يعني: كرر ذلك أربع مرات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أبك جنون؟) يعني: يريد أن يعرف هل هو سليم العقل؟ وأن هذا الاعتراف الذي حصل منه وهو في سلامة من عقله أو أن به جنوناً؟ وهذا من الاحتياط والتوثيق والاطمئنان، ولهذا جاء هنا أنه سأله: (أبك جنون؟)، وسأل قومه عنه: (هل به جنون؟)، وفي بعض الروايات سيأتي أمر من يستنكهه، يعني: يشمه هل فيه رائحة خمر؟ فكونه يسأله: هل به جنون؟ وكونه يستنكهه، وكونه يسأل عنه من يعرفه من قومه: هل به جنون؟ كل ذلك إنما هو احتياط منه؛ لأن الأمر خطير؛ ولأن الأمر يتعلق به رجم، وهي عقوبة من أكبر العقوبات التي جاءت بها الشريعة، وهي الرجم فيمن زنى وهو محصن. ثم إنه بعد ذلك قال: (أحصنت؟) يعني: هل حصل الإحصان؟ وهل أنت متزوج؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم؛ لأنه كان أقر على نفسه وهو محصن، فحده الرجم، ومعلوم أن الذي لم يحصن حده جلد مائة وتغريب سنة، والجلد جاء في القرآن في أول سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والتغريب جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصل عليه) ]. يعني: فلما أصابته الحجارة بحدها وشعر بالألم هرب من شدة ما أصابه من هذه الحجارة، فأدركوه فقتلوه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه خيراً ولم يصل عليه، وجاء في عدة روايات أنه لم يصل عليه، لكنه ما منع الصلاة عليه، ومعلوم أن ترك الصلاة على من ارتكب أمراً محرماً من أجل التخويف، ومن أجل زجر غيره، بحيث يعرف أن من له شأن ومكانة ومنزلة يتخلف عن الصلاة عليه؛ فيفوته شفاعته والصلاة عليه، يعني: هذا أمر خطير وليس بالهين، فيحرص الناس على ألا يقعوا في مثل هذا الذي وقع فيه؛ حتى لا تفوتهم تلك الشفاعة التي هي شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك غيره ممن يحرص على أن يكون من المصلين على الجنازة، فإذا امتنع أمثال هؤلاء عن الصلاة على العاصي من أجل أن يكون في ذلك ردع وزجر وتخويف، فذلك فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. وجاء في بعضها أنه صلى عليه، وقد صلى على المرأة فيكون معنى ذلك أن الإمام له أن يصلي وله ألا يصلي، والذي له منزلة له أن يصلي وله ألا يصلي، ولكن حيث يترتب على ذلك مصلحة وفائدة، وهو أن الناس يحذرون من الوقوع في الأمر المحرم. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق حادية عشرة قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني هو ابن أبي السري ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ و الحسن بن علي ]. الحسن بن علي مر ذكره، وهو قرين لهذا العسقلاني ؛ لأن كلاً منهما شيخ لأبي داود . [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية عشرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - قال: ح وحدثنا أحمد بن منيع عن يحيى بن زكريا وهذا لفظه عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع، فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له، ولكنه قام لنا. قال أبو كامل قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت قال: فما استغفر له ولا سبه) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن ماعز بن مالك رضي الله عنه لما زنى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه خرجوا به إلى البقيع، وقد جاء في بعض الروايات أنه المصلى، ولا تنافي بين ذلك كما أشرت لذلك من قبل؛ لأن البقيع المقصود به قرب البقيع وليس في المقبرة، وإنما هو في المصلى، ومعلوم أنه قد يطلق على الشيء اسم ما يكون عنده وإن لم يكن فيه، واللفظ الآخر جاء في المصلى الذي هو ليس في البقيع وإنما هو دون البقيع، فرجموه هناك؛ فهرب. قوله: [ (فرميناه بالعظام والمدر والخزف) ]. وهذا يدل على أن الرمي بالحجارة ليس بمتعين، وأنه لا يرمى إلا بها، بل يمكن أن يرمى بغير ذلك، كما رموه بالحجارة وبالخزف -وهو: الطين المتحجر الذي أحرق حتى صار فخاراً- وكذلك رموه بالمدر الذي هو عبارة عن طين يابس، فيرمونه بما أمكنهم، فتعين على أن الرمي لا يكون خاصاً بالحجارة بل يكون بالعظام وغيرها. قوله: [ (فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا) ]. (فاشتد) يعني: أسرع هارباً (واشتدوا خلفه) يعني: أسرعوا وراءه يتبعونه حتى أدركوه بالحرة (فانتصب لهم) يعني: وقف فرموه بأحجار الحرة (حتى سكت) يعني: حتى مات، وبهذا يتبين أن ما جاء في بعض الروايات من ذكر المصلى، والبقيع، والحرة، أنه لا تنافي بين ذلك، فبالنسبة للبقيع والمصلى المعنى واحد؛ لأن المصلى بجوار البقيع، وبالنسبة للحرة لم يكن بدئ الرمي بالحرة وإنما هرب إلى الحرة فأدركوه بها، فكان بدء الرمي في المصلى، ونهايته في الحرة، فما جاء بأنه كان بالحرة العبرة بالنهاية، وما كان في المصلى فالمعتبر البداية. تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية عشرة قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن منيع ]. أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظه عن داود ]. (وهذا لفظه) يعني: الطريق الثاني هو لفظ يحيى بن زكريا . و داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه: سعد بن مالك بن سنان ، صحابي جليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة عشرة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وليس بتمامه، قال: ذهبوا يسبونه فنهاهم، قال: ذهبوا يستغفرون له فنهاهم، قال: هو رجل أصاب ذنباً حسيبه الله) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مرسل، وفيه: (ذهبوا يسبونه فنهاهم، وذهبوا يستغفرون له فنهاهم وقال: إنه أصاب ذنباً حسيبه الله)، ولكن هذا مرسل ليس بمتصل؛ لأن أبا نضرة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا زيادة بطريق مرسلة. قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة قد مر ذكره. شرح حديث (أن النبي استنكه ماعزاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث حدثنا أبي عن غيلان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزاً ) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزاً) يعني: أنه أمر من يستنكهه ويشمه ليعرف هل شرب خمراً؟ لأنه سبق وأن سأله: هل هو مجنون؟ ثم سأل قرابته وقومه: هل هو مجنون؟ وكل ذلك للتحقق من سلامته، وصحة عقله، وأن هذا الاعتراف حصل مع صحة عقل وليس باختلال العقل. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي استنكه ماعزاً) قوله: [ حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ]. هو محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود ، والحافظ ابن حجر ما حكم عليه، ولكن أبو الأشبال وضعها بين قوسين وزادها وقال: كان في أمنية الحافظ أن يكتب ترجمته فقال في ترجمته: يأتي، ولكن نسي أن يكتبها فكتبناها حسب أمنيته، وقال محمد عوامة : محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ، وهو الذي في التحفة، وهو الذي يساعد عليه رموز المزي في ترجمته محمد هذا، وترجمة يحيى بن يعلى في التهذيب، بل هو الذي يستفاد من ترجمتهما في تهذيب التهذيب أيضاً، و محمد بن أبي بكر هذا قال عنه في الكاشف: لا يكاد يعرف، وكون أبي داود لا يروي إلا عن ثقة لا يسمح بتوثيقه كما فعل من عبث بتقريب التهذيب، وانظر ما كتبته في دراسات الكاشف، أما قول صاحب الخلاصة: موثق فقد يقبل منه على تجوز أيضاً. لأنه لا يوجد لا في تهذيب الكمال ولا في تهذيب التهذيب شيء يفيد التوثيق. وعلى كل: الشيخ ناصر صحح الحديث، لكن الاستنكاه لعله له شواهد، وجاء في مسلم بطوله وفيه: (فقام رجل فاستنكهه). [ حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث ]. يحيى بن يعلى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبي ]. هو يعلى بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن غيلان ]. هو ابن جامع ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن بريدة ]. هو سليمان بن بريدة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وما له إلا حديث واحد عند أبي داود . شرح حديث بريدة (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي حدثنا أبو أحمد حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية و ماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما، أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما عند الرابعة) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، قال: (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية و ماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما) ]. يعني: شك في أنهما لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، يعني: هذا مثلما تقدم فيما مضى أن الرسول قال: (هلا تركتموه)، وليس المقصود من ذلك أنه يخلى سبيله، وإنما المقصود من ذلك أنه إن رجع عن اعترافه فإنه يقبل رجوعه، وكذلك أيضاً قد يكون عنده شبهة يذكرها فيعول على ذلك كما سبق أن مر، وقد سبق كلام الصحابي الذي قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: (هلا تركتموه؟) من أجل الاستثبات، وأما في ترك الحد فلا، يعني: ليس معنى ذلك أنه ليس عليه حد، وإنما المقصود من ذلك أنه إن رجع عن اعترافه أو ذكر شبهة تدرأ عنه الحد فيقبل منه ذلك. قوله: [ (وإنما رجمهما عند الرابعة) ]. يعني: بعد الاعتراف في المرة الرابعة، وهذا ضعفه الألباني ولعله بسبب بشير بن المهاجر الذي في إسناده. والغامدية سيأتي أنها قالت له: (لا ترددني كما رددت ماعزاً فإني حبلى). فالترداد بالنسبة لها قد حصل، ولكنها طلبت منه ألا يفعل كما فعل بماعز لكن هل بلغت أربعاً؟ لا ندري! تراجم رجال إسناد حديث بريدة (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما...) قوله: [ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ]. أحمد بن إسحاق الأهوازي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو أحمد ]. هو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بشير بن مهاجر ]. بشير بن مهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه ]. عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه مر ذكره. شرح حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله و محمد بن داود بن صبيح قال عبدة : أخبرنا حرمي بن حفص قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن خالد بن اللجلاج حدثه: أن اللجلاج أباه أخبره : (أنه كان قاعداً يعتمل في السوق فمرت امرأة تحمل صبياً فثار الناس معها وثرت فيمن ثار، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أبو هذا معك؟ فسكتت فقال شاب حذوها: أنا أبوه يا رسول الله! فأقبل عليها فقال: من أبو هذا معك؟ قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله! فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا، ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهو أطيب عند الله من ريح المسك، فإذا هو أبوه فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا؟) وهذا حديث عبدة وهو أتم ]. أورد أبو داود حديث اللجلاج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في السوق، وأنه مرت امرأة فثار الناس وثار معهم -يعني: تبعوها- فلما جاءوا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (من أبو هذا معك؟ فسكتت) فسكتت ولم تجب شيئاً، فقام فتى وقال: أنا، يعني: هو الذي فعل ذلك، ثم أعاد السؤال مرة أخرى فأعاد ذلك الفتى الجواب، وأنه هو أبوه، وهنا ليس المقصود من ذلك الأبوة الشرعية، وإنما معناه أنه متخلق من مائه، فليست أبوة شرعية؛ لأن الزاني لا يكون أباً للولد من الزنا، وإنما يتخير له نسباً بأن يقال: فلان ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن أو ابن عبد العزيز أو غير ذلك، وإلا فإنه لا ينسب إليه، ولا يحصل الزاني ولداً بزناه، وإنما يحصل الخيبة ويحصل الحجر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وللعاهر الحجر). قوله: [ (فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيراً) ]. يعني: المقصود به الاستثبات أبه جنون أو كذا؟ قالوا: ما علمنا به إلا خيراً. قوله: [ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم) ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (أحصنت؟)، قال: نعم فأمر به فرجم. قوله: [ (فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا) ]. (حتى أمكنا) يعني: أمكنا رميه، وهذا يخالف ما جاء فيما تقدم في قصة ماعز أنه قال: (والله ما حفرنا له وإنما قام لنا فضربناه بالخزف وكذا حتى أذلقته الحجارة فهرب فأدركناه بالحرة) فهذا فيه أنهم حفروا له، والمعروف أن الحفر يكون للنساء؛ لأنهن يحتجن إلى الستر بخلاف الرجل فإنه لا يحتاج إلى ذلك. قوله: [ (ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ) ]. يعني: حتى مات. قوله: [ (فجاء رجل يسأل عن المرجوم؟ فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث) ]. فجاء رجل يسأل عن المرجوم، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: جاء يسأل عن الخبيث، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم قولهم ذلك وقال: إنه عند الله ريحه كريح المسك. قوله: [ (لهو أطيب عند الله من ريح المسك) ]. يعني: إن تلك الجناية التي قد حصلت منه قد سلم منها، وأنه قد طهر من ذلك الذي وقع فيه فلا يؤاخذ عليه مرة أخرى، وهذا ثناء عليه. قوله: [ (فإذا هو أبوه) ]. يعني: كان ذلك الرجل الذي يسأل عنه هو أبوه. قوله: [ (فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا؟) ]. يعني: قاموا مع أبيه بهذه الأمور التي هي غسله وتكفينه ودفنه، والصلاة عليه مشكوك فيها، ولكن كما هو معلوم كل من مات مسلماً فإنه يصلى عليه، ولكن ترك الصلاة عليه من بعض الناس الذين يؤثر تركهم للصلاة عليه ينبغي أن يحصل في بعض الأحيان؛ لما في ذلك من الزجر اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يترك الصلاة أحياناً على بعض أصحاب المعاصي، وذلك للزجر من الوقوع في مثل تلك المعصية. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. هو عبدة بن عبد الله الصفار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و محمد بن داود بن صبيح ]. محمد بن داود بن صبيح ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال عبدة : أخبرنا حرمي بن حفص ]. حرمي بن حفص ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة ]. محمد بن عبد الله بن علاثة صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ]. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن خالد بن اللجلاج حدثه ]. خالد بن اللجلاج صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو اللجلاج، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . قوله: [ وهذا حديث عبدة وهو أتم ]. يعني: ليس حديث الشيخ الثاني الذي هو محمد بن داود ، وهو في أول الإسناد قال عبدة : كذا. إيراد حديث الغامدية وماعز من صحيح مسلم وهذا الحديث في صحيح مسلم ، يقول الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن العلاء الهمداني حدثنا يحيى بن يعلى -وهو ابن الحارث المحاربي - عن غيلان -وهو ابن جامع المحاربي - عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: (جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! طهرني فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك؟ قال: من الزنا قال: فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال: أشرب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ فقال: نعم. فأمر به فرجم، وكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز ، إنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا في ذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم، قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله! طهرني فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنا فقال: آنت؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية فقال: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها). وهذا ليس فيه ذكر أنه حصل التكرار معها، وإنما الاعتراف الذي هو إخبار عن الحبل من الزنا. شرح حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه من طريق ثانية، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد ح وحدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد جميعاً قالا: حدثنا محمد ، وقال هشام : محمد بن عبد الله الشعيثي عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن خالد بن اللجلاج عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم ببعض هذا الحديث ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى أن الحديث من هذه الطريق الثانية كان ببعض لفظ الحديث الأول، ومعناه أن الطريق الأولى التي ساقها أتم. قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا صدقة بن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ ح وحدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً قالا: حدثنا محمد وقال هشام : محمد بن عبد الله الشعيثي ]. محمد بن عبد الله الشعيثي صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مسلمة بن عبد الله الجهني ]. مسلمة بن عبد الله الجهني مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن خالد بن اللجلاج عن أبيه ]. خالد بن اللجلاج وأبوه قد مر ذكرهما. شرح حديث (أن رجلاً أتى النبي فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حفص حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد : (عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. قوله: [ (أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له) ]. أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر أنه زنى بامرأة سماها له، فالرسول أرسل إليها فأنكرت فجلده وتركها. قوله: [ (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت؛ فجلده الحد وتركها) ]. يعني: جلده الحد لأنه بكر وليس ثيباً فكان حده الجلد، ومعلوم أن التغريب يكون معه أيضاً، وتركها لأنها لم تعترف، ولم يكن هناك شهود. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن طلق بن غنام ]. طلق بن غنام ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد السلام بن حفص ]. عبد السلام بن حفص وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو حازم ]. هو سلمة بن دينار الأعرج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح المعنى قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه زنى، فجلده، ثم أخبر بأنه أحصن فرجمه)، معناه: أنه جلده أولاً ورجمه ثانياً، وهذا فيه أبو الزبير عن جابر وهو مدلس، وفيه نكارة من جهة أن كونه جلده، وبعد ذلك أخبر أنه رجمه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقيم الحد إلا بعد معرفة حال الشخص؛ لأنه كما سبق في بعض الأحاديث يسأل الشخص: هل أحصنت؟ يعني: إذا أخبر بأنه زنى فإنه لا يحكم فيه حتى يعرف أن حده الجلد أو الرجم، وإنما ذلك يمكن أن يصح إذا كان هو كذب وزعم أنه غير محصن، ثم بعد ذلك أخبر بأنه محصن أو ثبت أنه محصن فيتصور هذا، أما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتصور أنه يقيم عليه الحد وهو لا يعرف حاله، وإنما كما عرف من طريقته صلى الله عليه وسلم أنه يسأل عن الشخص هل هو محصن أو غير محصن؟ فإن كان محصناً أمر برجمه، وإن كان غير محصن أمر بجلده، والحديث ضعفه الألباني ، ولعل ذلك بسبب أبي الزبير عن جابر ، فهو مدلس وقد رواه بالعنعنة. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهنا ذكر التحويل مع أنه ما ذكر إلا شيخين لاختلاف الصيغة، فإن قتيبة عبر بحدثنا و ابن السرح عبر بأخبرنا، ولهذا أتى بحاء التحويل، وهذا كما عرفنا قد مر له نظائر كثيرة، وهو يدل على عناية المحدثين ودقتهم وحرصهم على الإتيان بالصيغ التي يأتي بها الرواة. [ أخبرنا عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج عن أبي الزبير ]. عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مر ذكره. [ عن جابر ]. جابر مر ذكره، وفيه عنعنة أبي الزبير و ابن جريج . شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...) موقوفاً من طرق أخرى، وتراجم رجال إسناده [ قال أبو داود : روى هذا الحديث محمد بن بكر البرساني عن ابن جريج موقوفاً على جابر ]. ثم ذكر أنه روي من طرق أخرى وفيها اختلاف، يعني: الذي مر جاء مرفوعاً، وهنا جاء موقوفاً على جابر . [ ورواه أبو عاصم عن ابن جريج بنحو ابن وهب لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلاً زنى فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) ]. وهذا أيضاً فيه وقف. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث محمد بن بكر البرساني ]. محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه أبو عاصم عن ابن جريج ]. أبو عاصم مر ذكره ، و ابن جريج مر ذكره. شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه، فجلد ثم علم بإحصانه فرجم) ]. أورد الحديث من طريق أخرى، قال: (لم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) وهذا كما قلت: لعله كذب بزعمه أنه غير محصن، فأقيم عليه الحد الأول، ثم لما علم إحصانه أقيم عليه الحد الثاني، ولكن الإسناد هو نفس الإسناد الأول، ففيه ابن جريج و أبو الزبير ، وكل منهما قد عنعن. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز الملقب: صاعقة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. الأسئلة سبب ذكر أحاديث في ترجمة ماعز بن مالك لم يرد ذكره فيها السؤال: ذكر المصنف: باب رجم ماعز بن مالك بينما الأحاديث الأخيرة لم ترد في ذكره؟ الجواب: كأنه أتى بها تبعاً؛ لأن أكثر الأحاديث جاءت في ماعز وتلك جاءت تبعاً. ذكر شواهد حديث (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) السؤال: هل وردت شواهد للحديث الأول الذي فيه عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة في قوله: (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ؟ الجواب: بعض الحديث له شواهد، فالذي له شواهد العبرة بالشواهد، والذي ليس له شواهد يكون جاء عن طريق هذا الشخص الذي هو مقبول. جواز الاستدلال بحديث (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار...) على ذم الغيبة السؤال: هل يجوز الاستدلال على ذم الغيبة بحديث: (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه)؟ الجواب: كما هو معلوم الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن جاء في القرآن: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] يعني: ذم الغيبة جاء في القرآن، وهذا المعنى الذي جاء فيه موجود في القرآن، إلا أن هذا جيفة حمار، وذاك أكل الميت. كيفية تغريب المرأة البكر إذا زنت السؤال: الزانية غير المحصنة هل تغرب عاماً بعد جلدها؟ الجواب: أي نعم، تغرب ومعها وليها. حكم تعدد ألفاظ أحاديث ماعز بن مالك السؤال: وردت أحاديث متعددة في ماعز بن مالك ، فهل كل هذه الألفاظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو لفظ واحد؟ الجواب: معلوم أنه كغيره من الأحاديث الكثيرة يختلف باختلاف الرواة، فبعضها روي بالمعنى، وبعضها باللفظ، فكل أتى بما عنده، وهذا له شواهد كثيرة مثل قصة جابر ، وما جاء فيها من اختلاف كثير، وكل ذلك على اختلاف الرواة، وأيضاً من حيث الرواية بالمعنى، فمعلوم أن الرواية بالمعنى سائغة، وإن كان الإتيان باللفظ هو المطلوب الذي لا ينبغي العدول عنه؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عرف على حقيقته ولفظه فيعض عليه بالنواجذ، وتعقد عليه الخناصر، ويحرص عليه ويحافظ عليه، ولكن إذا تمكن الإنسان من معرفة المعنى ولم يتمكن من حفظ اللفظ فإنه يروي بالمعنى؛ لأن المقصود هو إثبات الشريعة وإثبات ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي لم يتمكن من حفظ لفظه وعرف معناه وأتقنه فإنه يؤتى به بالرواية بالمعنى. ترجيح عدم صلاة النبي على ماعز بن مالك السؤال: ذكرتم أنه جاءت الرواية بالصلاة على ماعز والرواية بعدم الصلاة عليه، فما الراجح؟ الجواب: الألباني ذكر أن رواية الصلاة عليه جاءت في البخاري وقال: إنها شاذة، وكأن رواية الذين ذكروا أنه لم يصل عليه أكثر. وما جاء في البخاري هو قوله: (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلى عليه) ثم قال بعدها: ولم يقل يونس و ابن جريج عن الزهري : وصلى عليه، سئل أبو عبد الله هل قوله: فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر ، قيل له: هل رواه غير معمر ؟ قال: لا. انتهى. وقال الألباني رحمه الله: رواه البخاري و مسلم ، إلا أن البخاري قال: (وصلى عليه) وهي شاذة، فهل معمر لا يقوى على تحمل هذه الزيادة؟ لا أدري، ولكن لعله لكثرة الذين نفوا الصلاة عليه، وفي الجملة فالصلاة غير منفية؛ لأن كل مسلم يصلى عليه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة في بعض الأحيان على بعض أصحاب المعاصي، بل وعلى صاحب الدين. ورود الصلاة على الغامدية في بعض الروايات السؤال: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية ؟ الجواب: ورد في الحديث: (ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) فإذاً: هو صلى عليها. الحكمة في الصلاة على الغامدية دون ماعز بن مالك السؤال: ورد أن ماعزاً محصن والغامدية محصنة، فلماذا صلى عليها وترك الصلاة على ماعز ؟ الجواب: لعله والله أعلم أنه في بعض الأحيان يترك من أجل الزجر. التعليق على ما ذكره صاحب عون المعبود من إثبات رواية الصلاة على ماعز السؤال: ذكر صاحب العون رواية في إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه في اليوم الثاني يقول: وفي رواية البخاري : (وصلى عليه)، وقد أخرجه عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قيل: (يا رسول الله! أتصلي عليه؟ قال: لا. قال: فلما كان من الغد قال: صلوا على صاحبكم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس). فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم؟ الجواب: إذا ثبت الإسناد عند عبد الرزاق فيمكن أن يصير هناك جمع بين النفي والإثبات. وهو يقول: وقد أخرجه عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز . ولا أدري ما المقصود بالسنن هذه؟ وأبو قرة موسى بن طارق الزبيدي بفتح الزاي القاضي، ثقة يغرب، من التاسعة، أخرج له النسائي ، فهو متأخر، فلا ندري هل حديثه موجود عند النسائي أو عند الترمذي لكن هذا أو هذا، أو أنه له مؤلف السنن؟! حكم اليتيم بعد الاحتلام السؤال: في الحديث أن ماعزاً كان في حجر رجل من الصحابة فهل كان يتيماً؟ الجواب: كأنه كان في حجره في صغره ثم كبر وصار الوصف باعتبار ما مضى، وأما إذا بلغ فلا يتم بعد احتلام. حكم إقامة الحد على المحصن برميه بالرصاص السؤال: الزاني المحصن لابد أن يقام عليه الحد بالرمي بالحجارة فلو قتله الحاكم بالسيف أو بالرصاص ألا يكون قد أقام عليه الحد؟ الجواب: الواجب هو فعل ما جاء في الكتاب من الآية المنسوخة، وجاء في السنة الثابتة من وجوه كثيرة أنه إنما يقتل بطريقة معينة، فيجب أن يؤتى بالطريقة المعنية الواردة. حكم سب من فعل كبيرة من الكبائر السؤال: هل في الحديث دليل على أنه لا يجوز سب من ارتكب الكبائر؟ الجواب: الذي أقيم عليه الحد لا يسب بتلك المعصية التي أقيم عليه فيها الحد؛ لأن الحد كفرها وصار كأنه لم يفعلها، وأما من كان مرتكباً للكبائر وذكر من أجل التحذير منه أو من أجل بيان حاله في أمر من الأمور فلا بأس بذلك، والحدود -كما عرفنا- عند أهل السنة جوابر وزواجر، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت : (من فعل شيئاً من ذلك فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فكان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه). حكم المرأة التي فعل بها الزنا السؤال: في الحديث أن ماعزاً أقيم عليه الحد، والمرأة التي فعل بها ذلك هل يقام عليها الحد؟ الجواب: إذا اعترفت يقام عليها الحد، وأما إذا أنكرت فلا يقام عليها الحد، مثل ما مر بنا في قصة الرجل الذي قال: إنه زنى فقال: بمن زنيت؟ فقال: بفلانة، فأرسل إليها فأنكرت، فجلده وتركها، فهي إذا اعترفت أقيم عليها الحد وإن أنكرت يؤاخذ هو باعترافه وهي يعمل بإنكارها حيث لا بينة ولا اعتراف. حكم ربط الزاني المحصن عند الرجم السؤال: هل يربط الرجل عند الرجم؟ الجواب: الذي يظهر أنه لا يربط؛ لأنه كما جاء في الحديث أنهم ما ربطوه وإنما حفروا له حفرة، فرموه وهرب، وإنما الحفر خاص بالمرأة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [500] الحلقة (530) شرح سنن أبي داود [500] إن الزنا معصية خطيرة وجرم شنيع، وقد سوى الشرع بين الرجل والمرأة في العقوبة، لكن فرق بين الزاني المحصن وبين البكر فجعل عقوبة البكر الجلد والتغريب، وجعل عقوبة المحصن الرجم حتى الموت، إلا أن المرأة عند الرجم تشد عليها ثيابها وتحفر لها حفرة؛ حتى لا تتكشف عندما ترجم. ما جاء في المرأة التي أمر النبي برجمها من جهينة شرح حديث رجم المرأة الغامدية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة. حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشاماً الدستوائي و أبان بن يزيد حدثاهم المعنى عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين : (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولياً لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها، فإذا وضعت فجئ بها، فلما أن وضعت جاء بها، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟) لم يقل عن أبان : فشكت عليها ثيابها ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة ]، أي: المرأة الجهنية التي زنت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها، ومعلوم أن الأحاديث التي جاءت في الرجم متعددة، ومنها ما جاء في قصة ماعز وما جاء في غيره، وما جاء في قصة الجهنية وهي الغامدية ، وما جاء في قصة امرأة الذي كان عنده العسيف، وكذلك أيضاً حديث عمر الذي فيه أنها جاءت في كتاب الله، وكذلك الحديث الذي فيه الجمع بين الجلد والرجم، فقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على رجم المحصن. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها زنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أوليائها أن يحسن إليها، فلما وضعت أمر بها فشكت عليها ثيابها ورجمت)، والحديث فيه اختصار؛ لأنه جاء في غيره أنها كانت حبلى، وأنه أمر أن يحسن إليها، وأنها لما ولدت أمرها بأن تبقى حتى تفطم ولدها، ثم بعد ذلك أمر بها فرجمت. فحديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على رجم المحصن، وأن الرجم إذا كان هناك ما يمنع من إقامته في وقت معين فإنه ينتظر الوقت الذي يمكن إقامته فيه، كأن تكون المرأة حاملاً، سواءً كان حملها من زنا أو حملها من نكاح، فإنه ينتظر في رجمها الولادة، وإرضاع الطفل وفطمه، ثم بعد ذلك يقام عليها الحد، وذلك لئلا يجنى على من كان بريئاً وهو الجنين الذي في بطنها، فإن رجمها أو جلدها يؤثر على جنينها؛ ولهذا يؤخر إقامة الحد عليها حتى لا يتعدى إقامة الحد عليها إلى شخص آخر ألا وهو الجنين. قوله: [ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى) ]. يعني: اعترفت بأنها زنت، وأنها حبلى، وهي بالإضافة إلى اعترافها هناك شيء زائد يدل على ذلك الاعتراف، وهو وقوع الحمل وأنه كان من زنا. قوله: [ (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ولياً لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها) ]. أحسن إليها يعني: في القيام بها، وصد العدوان عنها لو أراد أحد من قبيلتها أن يعتدي عليها؛ لأنه قد يعتدي عليها أحد من قبيلتها لما في فعلها من العار عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصيانتها والمحافظة عليها حتى تلد وحتى تفطم ولدها، وبعد ذلك يقام عليها الحد. قوله: [ (فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها) ]. وقد جاء بيان ذلك في بعض الروايات الأخرى التي فيها أنه أخر ذلك حتى تفطم ولدها؛ لأنه بحاجة إليها، وإذا كان محتاجاً إلى رضاعها ولا سبيل له إلى عيشه إلا بذلك فإنها تبقى ويؤخر رجمها حتى تفطمه وحتى يستغني عن رضاعها وعن لبنها. قوله: [ (فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها) ]. يعني: شدت عليها ثيابها حتى لا يحصل لها تكشف عند الرجم، وعند اضطرابها نتيجة ذلك، فهذه هي فائدة كونها تشد عليها ثيابها، ثم أمرهم فصلوا عليها، فدل هذا على أن الذي يقام عليه الحد أنه يصلى عليه، وكل مسلم يموت فإنه يصلى عليه سواءً كان عليه حد أو ليس عليه حد، ولو كان من العصاة، ولكن يمكن أن يتأخر الإمام أو من له أهمية ومنزلة إذا كان في ذلك ردع للناس عن الوقوع في مثل ذلك العمل الذي تركت الصلاة عليه من أجله من بعض من لهم شأن ومنزلة. قوله: [ (فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟! قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟!) ]. ثم إن عمر رضي الله عنه لما صلوا عليها وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتصلي عليها وقد زنت؟ وذلك لاستعظامهم الزنا وأنه أمر خطير وعظيم، فحصل منهم استغراب من أن الرسول يصلي عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، ثم قال: (وهل رأيت أفضل من أن جادت بنفسها؟ ) معناه: أرخصت نفسها وبذلتها لله من أجل أن تطهر من الجرم الذي وقعت فيه، ومن الذنب الذي حصل لها، وكان بإمكانها أن تستتر بستر الله، ولكنها أرادت أن يحصل لها تطهير من هذا الذنب الذي قد حصل لها؛ فإذاً: دل هذا على أنه يصلى على من أقيم عليه الحد، ويصلى على كل مسلم، ثم عرفنا فيما مضى أن الحدود جوابر تجبر النقص، وأن الإنسان إذا عذب في الدنيا بعقوبة فيها حد فإنه لا يعذب على ذلك في الآخرة، بل هذا هو نصيبه من العذاب بهذه الجناية، أو بهذه الجريمة التي حصلت منه؛ لأن الحدود كفارات كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هشاماً الدستوائي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبان بن يزيد ]. هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبو المهلب ]. وهو عم أبي قلابة ، وهو أبو المهلب الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين أبي نجيد رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ لم يقل: عن أبان فشكت عليها ثيابها ]. يعني: طريق أبان ليس فيها فشكت عليها ثيابها وإنما هي من طريق رفيقه وقرينه هشام الدستوائي . أثر الأوزاعي في تفسير (فشكت عليها ثيابها) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال: (فشكت عليها ثيابها) يعني: فشدت ]. وهذا أثر مقطوع ينتهي إلى الأوزاعي ، وهو تفسير لشكت، وأن المقصود بذلك ربطت وشدت، والمقطوع هو المتن الذي ينتهي إسناده إلى من دون الصحابي، فيقال له: مقطوع. قوله: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ]. محمد بن الوزير الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن امرأة -يعني: من غامد- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت، فقال: ارجعي، فرجعت، فلما أن كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى، فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت، وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: أن امرأة من غامد، وفي رواية: من جهينة قال بعض أهل العلم: إنهما قصتان، فقصة الغامدية غير قصة الجهنية، وبعضهم قال: إنها قصة واحدة، والمرأة هي واحدة نسبت إلى جهينة في بعض الأحاديث، ونسبت إلى غامد في بعض الأحاديث، وكل من غامد وجهينة من قحطان، أي: من القبائل اليمنية، وليسوا من القبائل العدنانية، وبعضهم قال: إن غامداً هم من جهينة. وقد قال أبو داود بعد تخريج الحديث: غامد وجهينة وبارق شيء واحد، يعني: أن المرأة هي واحدة، وهي جهنية وغامدية؛ لأن جهينة وغامداً شيء واحد، فهم من أصل واحد ومن قبيلة واحدة، ومنهم من يقول: إن غامداً من جهينة. قوله: [ (أن امرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت فقال: ارجعي فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك) ]. يعني: هذه المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها فجرت يعني: زنت فقال لها: ارجعي فلما رجعت وجاءت من الغد قالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً ؟ ومرادها من ذلك أنها تختلف عن ماعز لأن في بطنها ولداً، وأنها قد حملت من الزنا، وهذا بخلاف الرجل، فإنه ما عنده إلا الاعتراف، وأما هي فإن عندها اعترافاً وشيئاً آخر وراء الاعتراف، وهو أن في بطنها ولداً بسبب الزنا، فقالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً . ثم ينبغي أن يعلم أنه لا علاقة لماعز بالغامدية ، وأن قولها: كما رددت ماعزاً لا يدل أنه هو الذي زنى بها، فقد عرفنا أن ماعزاً زنى بجارية من الحي من قبيلته التي هي أسلم، فلا يقال: إن قولها: كما رددت ماعزاً يدل على أن مسألتهما واحدة، بل قصته غير قصتها، وليس زناه بها، وإنما زنى ماعز بن مالك بجارية من حيه وقبيلته. وأما الغامدية فإنما أرادت أن تذكر أن ماعزاً يختلف عنها؛ لأن ماعزاً رجل ليس عنده إلا الاعتراف، وأما هي فعندها الاعتراف، وعندها شيء أكثر من الاعتراف، وهو الولد الذي في بطنها من الزنا، ومعلوم أن الولد لا يأتي إلا من نكاح أو سفاح، وهو لم يأت هنا من نكاح، فإذاً: هو سفاح، فاعترفت أنها زنت وأنها حامل من الزنا. قوله: [ قالت: (لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى! فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها) ]. ثم إن المرأة لما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنها حبلى فقال لها: (ارجعي حتى تلدي) يعني: انتظري حتى تلدي، لأنه لا يقام الحد عليها وهي حامل؛ لأن إقامة الحد عليها يتعدى إلى الجنين فيموت تبعاً لها، وهي نفس أخرى لا علاقة لها بالجريمة، وإن كانت هي نتيجة للجريمة؛ لكن لا علاقة لها من حيث الجرم، وإنما الذي حصل منه الجرم هو الذي يعاقب، والذي ما حصل منه جرم لا عقاب عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتظر حتى تلد ما في بطنها، ولما جاءت إليه بعد أن ولدته قالت: هذا الولد أتيت به، قال: ارجعي حتى تفطميه، فرجعت وأرضعته، ثم جاءت به وبيده شيء يأكله، يعني: إشارة إلى أنه قد استغنى عن اللبن، وأنه يأكل الطعام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يحفر لها حفرة، وهذا يدل على أن المرأة يحفر لها حفرة، حتى يكون أستر لها، فأمر بها فرجمت وهي في حفرتها حتى ماتت، ثم أمر بالصلاة عليها وصلى عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وأمر بها فرجمت وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها) ]. وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه من جملة الذين رجموها، ولما رجمها وقعت قطرة من دمها على وجنته يعني: طار الدم وانتشر حتى وصل إليه ووقع على وجنته فسبها. قوله: [ (فقال: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ]. يعني: لا تسبها فإنها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وهذا يدلنا على خطورة المكس، وعلى خطورة عقوبة صاحب المكس، وهو الذي يأخذ الضرائب من الناس في غير حق، فإنه يكثر خصومه يوم القيامة، ويكثر الآخذون من حسناته يوم القيامة؛ لكونه قد ظلمهم، وقد جاء في حديث المفلس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس الذي لا درهم عنده ولا متاع)، أرادوا مفلس الدنيا، وهو عليه الصلاة والسلام أراد مفلس الآخرة، فقال: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، فهو يدل على شدة عقوبته، وعلى عظم جرمه، وذلك لكثرة خصومه وكثرة من ظلمهم، وأنهم يخاصمونه يوم القيامة ويأخذون من حسناته أو يطرح عليه من سيئاتهم، ولهذا مثل به النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (مهلاً يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ]. يعني: هو صلى عليها ودفنت، وهذا يدل على جواز الصلاة على مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد أو لم يقم عليه الحد، كل ذلك يصلى عليه، وكل مسلم يصلى عليه، وإنما يمكن أن يتأخر بعض الناس الذين تأخرهم يؤثر على الناس، ويكون سبباً في بعدهم عن الوقوع في مثل ذلك الذنب. تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن المهاجر ]. بشير بن المهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن زكريا أبي عمران قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة). قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان . قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ]. أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) يعني: إلى ثديها، وهو يدل على الحفر، والحفر دل عليه الحديث السابق؛ وذلك لأنه يكون أستر لها وأمكن في عدم هروبها أو تكشفها. وقد تكون شدت عليها ثيابها، يعني: ربطت عليها، ووضعت في حفرة، ولكنها ما دفنت فيها، والمقصود من ذلك حتى لا تتمكن من الفرار؛ لأنها لو وضعت في حفرة إلى ثديها فإنها لن تستطيع الخروج. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع بن الجراح ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا أبي عمران ]. زكريا أبو عمران هو زكريا بن سليم ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة ]. شيخ يحدث عن ابن أبي بكرة وهذا الشيخ مبهم. و ابن أبي بكرة هو عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو نفيع بن الحارث ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان ]. يعني: كأنه ما أتقن اللفظ من عثمان ، ولكنه أفهمه رجل عنه، بحيث إنه كان الأمر ملتبساً عليه، فاستفهم من شخص آخر سمع منه عن عثمان ، يعني: أن ما سمعه من عثمان ليس متحققاً منه، وإنما فيه شيء من الخفاء فأوضحه له رجل آخر. فلفظ (الرجل) مبهم، ثم أيضاً الرجل المبهم الذي هو الشيخ الذي يروي عن ابن أبي بكرة ، ولكن لفظ الحفر جاء في الحديث الذي قبله فهو شاهد له. [ قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ]. يعني: أنها قبيلة واحدة، وأنهم يرجعون إلى أصل واحد، وهذا يريد أن يبين أن قصة الغامدية وقصة الجهنية لا فرق بينهما وهما قصة واحدة، فوصفت بأنها جهنية في بعض الأحاديث، ووصفت بأنها غامدية في بعض الأحاديث، وبارق ليس لها علاقة فيما يتعلق بحديث المرجومة هذه، ولكن أراد أن يبين أن هذه القبائل الثلاث كلها ترجع إلى قبيلة واحدة. والغساني هو أبو بكر بن أبي مريم ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) من طريق أخرى [ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث أنه قال: حدثنا زكريا بن سليم بإسناده نحوه زاد: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال: ارموا واتقوا الوجه، فلما طفئت أخرجها فصلى عليها) وقال في التوبة نحو حديث بريدة) ]. أورد أبو داود حديث ابن أبي بكرة من طريق أخرى وفيه: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة). يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ برميها، وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فبدأ بالرمي وهم رموا وراءه، ولكن هذا غير ثابت، والإمام ليس بلازم أنه يباشر الرمي وإنما يأمر به، وإن كان بعض أهل العلم قال: إنه يستحب له أن يباشر وأن يشارك فيه، ولكن الأمر في ذلك واسع، إن شارك شارك، وإن لم يشارك فالأمر ليس بلازم، ولكن كون الرسول شارك وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فإن هذه الحجرة الصغيرة التي تساوي هذه الحبة الصغيرة التي يقال لها الحمصة لا تؤثر، فالحديث ضعيف وليس هناك ما يشهد له، والذي حدث أبا داود مجهول غير معروف؛ لأنه قال: حدثت، ففيه انقطاع، وفيه أيضاً ذلك الشخص المقبول الذي هو زكريا أبو عمران الذي سبق أن مر وهو زكريا بن سليم ، وفيه أيضاً الشيخ المبهم، يعني: فيه ثلاث علل وليس له شواهد. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ) من طريق أخرى [ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا بن سليم بإسناده نحوه ]. زكريا بن سليم مر ذكره وهو زكريا أبو عمران . الجمع بين قوله: (فحفر لها إلى الثندوة) وقوله: (ارموا واتقوا الوجه) قال في هذا الحديث: (ارموا واتقوا الوجه)، وفي الحديث السابق: (فحفر لها إلى الثندوة)، ومن المعلوم أنه إذا حفر لها إلى الثدي لم يبق إلا الرأس بما فيه من الوجه. على كل: ما دام أنه إلى الثندوة ففيه الرقبة، وفيه الظهر، وفيه قفاء الرأس، ثم أيضاً هذا اللفظ (ارموا واتقوا الوجه) ما جاء إلا من هذه الطريق التي فيها ضعف، فهذه الرواية ضعيفة؛ ولأن المقصود في هذا أنه ينتهي بالقتل، وسواءً جاء الرجم من قبل الوجه أو جاء من جميع الجهات، ثم أيضاً يصعب اتقاء الوجه للذي يرجم من جهات مختلفة، والإسناد كما عرفنا ضعيف. شرح حديث العسيف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه: (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله! فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم قال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -والعسيف الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد إليك، وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما، وأنهما قالا: إن رجلين جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عند هذا الرجل الذي هو خصمه- وأنه زنى بامرأته، وأنه أخبر بأن ابنه عليه الرجم، فأراد أن يخلص ابنه فدفع إلى ذلك الرجل الذي هو زوج المرأة مائة من الغنم ووليدة أي: جارية، ثم بعد ذلك سأل أهل العلم وقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً وقال: اغد يا أنيس -وهو رجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها). هذا الحديث فيه إثبات الرجم على من كان محصناً، وإثبات الجلد مائة وتغريب عام لمن كان غير محصن، والحديث مشهور بحديث العسيف؛ لأنه جاء فيه: (إن ابني كان عسيفاً على هذا) وجاء بعض الرواة ففسر العسيف بأنه الأجير؛ لأن قوله: والعسيف: الأجير، هذا تفسير من بعض الرواة وبيان أن العسيف هو الأجير وزناً ومعنى. فقال زوج المرأة: اقض بيننا بكتاب الله، والثاني قال: اقض بيننا بكتاب الله يعني: كما قال صاحبي، وائذن لي أن أتكلم، ثم إنهما قالا: (اقض بيننا بكتاب الله)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقضي إلا بكتاب الله، فكيف خاطباه بهذا الخطاب؟ قيل: إن المقصود من ذلك: أنه لا يقضي بينهما بشيء فيه صلح أو فيه رفق بهما جميعاً ويكون ذلك عن طريق التراضي بينهما، وإنما يريدان حكماً جازماً فاصلاً فيما لهما وما عليهما؛ ومعلوم أن القاضي قد يصلح بين المتخاصمين فيتفقان على شيء، وإذا حصل ذلك ولم ينته إلى حكم فإن ذلك سائغ، لكن لابد أن يكون برضا الطرفين، يعني: الحق لا يعدوهما، فإذا اصطلحا واتفقا فإن النتيجة أن كلاً منهما سيذهب مسروراً بسبب الصلح، وأما القضاء فإن واحداً منهما يكون مسروراً والثاني غير مسرور؛ لأنه قد حكم عليه، فهما أرادا أن يكون الحكم إنما هو بشيء يفصل بينهما، فصاحب الحق يأخذ حقه، والذي ليس له حق لا يكون له شيء. قوله: [ (اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ] قيل: إن مما يشير إلى فقهه أدبه وكونه استأذن في الكلام؛ لأنه قال مثل ما قال صاحبه، وأنه وافق صاحبه على ما قال، ولكنه طلب أن يؤذن له في الكلام، فالرسول أذن له أن يتكلم فقال الرجل: إن ابني كان عسيفاً على هذا -كان أجيراً عند هذا- فزنى بامرأته، يعني: أن الزنا سببه كونه أجيراً عندهم، وهذا يدلنا على خطورة وجود الأجانب بين النساء في البيوت مثلما هو منتشر في هذا الزمان من التوسع في استقدام الخدم والخادمات، ووجود السائق مع البنات والنساء، والخادمة تكون مع البنين والرجال في البيت فيخلون بها؛ فيترتب على ذلك فساد، ويترتب على ذلك فتن، وإذا كان هذا حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا العسيف الذي كان عند امرأة ذلك الرجل، وأنه زنى بها بسبب الاتصال والاحتكاك الذي يكون بينهما فكيف بزماننا؟! فالواجب هو الاستغناء عنهم ما أمكن، وإذا اضطر الإنسان فليتخذ الحيطة لذلك بحيث لا يخلو ولا يتصل بالنساء، ولا يخاطب النساء، ولا تكون له أية علاقة بالنساء، وإنما علاقته تكون بالرجال، وإذا احتيج إلى أن يذهب بهن أو يذهب بالمرأة أو بالفتاة فيكون معها محرمها، وإذا كان أيضاً أمكن أن يكون الخادم معه زوجته فيركب هو وزوجته، ومعهم بنات أو نساء الرجل المستأجر فإن هذا يكون أسلم، أما حصول الاختلاط فإنه يترتب على ذلك الأضرار الكثيرة العريضة، ولهذا نسمع كثيراً من الحوادث التي تجري وما يحصل من إقامة الحدود بسبب تلك الجنايات التي تكون في البيوت من الخدم والخادمات، فإن الأضرار في ذلك كثيرة وعظيمة، ولهذا ينبغي أن يحذر التوسع أو الإقدام على استقدام الخدم إلا لضرورة، ومع الضرورة يكون الاحتياط، بحيث لا تقترب المرأة الخادمة من الرجال، ولا تخالطهم، والسائق أو الخادم لا يخالط النساء ولا يتصل بهن، وإنما يكون في معزل عنهن، فهن في جانب وهو في جانب. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته) ] هذا فيه بيان سبب الزنا، وهو كونه عسيفاً عنده، فزنى بامرأته، والزنا -كما هو معلوم- يكون سهلاً فيما إذا كان الشخص في البيوت أو له علاقة واتصال بالنساء، وليس مثل الرجل الذي ليس له علاقة؛ لأن هذا يتسور الجدران أو يكسر الأبواب، وأما الأول فيدخل ويخرج بسهولة ويسر، فهو ليس أجنبياً بحيث يستغرب دخوله عليهن، وإنما يدخل ويخرج كأهل البيت، فإذا حصل الاختلاط بين الخادم ونساء البيت، أو بين الرجال من أهل البيت مع الخادمات فإنه يحصل بذلك الفتن، ويحصل بذلك الزنا، ويحصل بذلك الشرور التي لا حد لها. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم) ] معناه: أنه يموت رجماً بالحجارة، فأراد أن يتخلص من الرجم، وألا يظهر أمره لئلا يرجم ولده، فاتفق مع زوج المرأة على أن يعطيه مائة من الغنم ووليدة، ويسلم من تبعة ذلك، ثم إنه سأل أهل العلم فأخبروه بأن ابنه ليس عليه رجم، وإنما عليه جلد وتغريب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضى مع خصمه الذي أخذ منه الغنم والوليدة فقال والد العسيف: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله)، وكتاب الله عز وجل قيل: إن المراد به: حكم الله، ومعلوم أن كل ما جاء عن الله وعن رسوله فهو حكم الله سواء كان كتاباً أو سنة؛ لأن كلام الرسول هو من الله، وقد قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالسنة هي من الله عز وجل وليست من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلها أحكام الله وكلها من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن. وقيل: إن كتاب الله المقصود به: القرآن، وإن الرجم موجود فيه، وكذلك الجلد موجود فيه؛ لأن الجلد موجود في سورة النور، والرجم موجود في الآية التي نسخت وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). فإذاً: إن أريد بالكتاب القرآن فإن ذلك موجود فيه، وإن أريد بذلك الحكم مطلقاً فإن الكتاب والسنة كلها حكم الله وكلها في كتاب الله، ولهذا جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، وكانت امرأة سمعت ذلك الكلام فجاءت إليه وقالت: يا أبا عبد الرحمن ! إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره ما وجدت فيه هذا الذي تقول، قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالسنة هي من الله، وهي حكم الله عز وجل. قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قال: الوليدة والغنم رد عليك) مردودة عليك، يعني: هذا الصلح الذي حصل على باطل وعلى أمر محرم فإنه مردود ومنقوض، والغنم ترد على صاحبها، والوليدة ترد على صاحبها؛ لأن ذلك مبني على باطل ولم يكن مبنياً على حق. وهذا يدل على أن الصلح إذا كان مخالفاً للكتاب والسنة فإنه ينقض ويرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والوليدة والغنم رد عليك)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا لفظ مسلم ، وفي لفظ الصحيحين: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). قوله: [ (وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً) ]؛ لأن هذا هو حده وهذا حكمه في الكتاب قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والتغريب في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمر أنيساً الأسلمي أن يذهب إلى امرأة ذلك الرجل التي ادعي أنه زنى بها قال: (إن اعترفت فارجمها)، وهذا يدلنا على أن اعتراف شخص لا علاقة له بالشخص الآخر إلا أن يعترف، فلو أنكرت لا تؤاخذ ولا يقبل قوله عليها، وإنما تؤاخذ باعترافها أو بشهادة أربعة شهود، هذا هو الذي يك تراجم رجال إسناد حديث العسيف قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكأن أبا داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث العسيف؛ لأن فيه رجم المرأة، فكأنه لما ترجم للجهنية أورد بعد ذلك ما يتعلق بالمرأة كما أنه فيما يتعلق بماعز ذكر قصة الرجال الذين أقيم عليهم الحد فذكرهم في باب ما يتعلق بماعز بن مالك ، وذكر فيما يتعلق بالمرأة الجهنية قصة المرأة الأخرى التي هي صاحبة العسيف. الأسئلة سبب حضانة رجل من المسلمين لولد الغامدية دون زوجها السؤال: لماذا دفع بالولد إلى رجل من المسلمين، أليس زوجها أحق بهذا الولد؛ لأنه ولد على فراشه؟ الجواب: لا يدرى هل لها زوج أو ليس لها زوج؟ لأنها لو كانت فراشاً لكان الولد للفراش، ولكن الذي يبدو أنها ليست ذات زوج، وإلا فإن الشرع يحافظ على الأنساب، ولهذا جاء في الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، كل ذلك محافظة على الأنساب وعدم ضياعها ما دام أن ذلك ممكن. وقوله: (رجل من المسلمين) هذا لفظ عام قد يكون من أقرباء المرأة وقد يكون من غير أقربائها. توجيه اختلاف الروايات في حديث الغامدية السؤال: في حديث رجم الغامدية ذكر في طريق أنها شدت عليها ثيابها ولم يذكر الحفر، وفي طريق أخرى ذكر الحفر ولم يذكر أنها شدت عليها ثيابها، وفي الحديث الأول قال: (والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة) وفي الحديث الثاني قال: (لو تابها صاحب مكس) هل يدل هذا على أن الوقائع متعددة؟ الجواب: يحتمل، ولكن ليس بعيداً أن تكون القصة واحدة ويكون الرسول قال هذا، وقال هذا، وكل أتى بما حفظ. جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل السؤال: هل يستفاد من حديث العسيف جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل لأنه سأل الصحابة مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: يمكن ذلك، وهذا لعله كان في مكان آخر، وأنه لم يكن متمكناً من الوصول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس بلازم أن يكونوا كلهم معه في بلد واحد، يعني: بلدهم غير البلد الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل من كان حوله، فالذي يظهر أن هذا هو السبب والله أعلم، وإلا فإنه إذا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في البلد الذي هو فيه فهو المرجع للجميع. مشروعية الإجارة شرعاً وعقلاً السؤال: يقول الخطابي : وفيه إثبات الإجارة والخلاف فيها قليل، وقد أبطلها قوم؛ لأنهم زعموا أنها ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة؟ الجواب: نعم، الإجارة أجمع عليها العلماء، والذي يخالف فيها هم شُذاذ من أهل البدع، لا يعول على شذوذهم ولا على قولهم، وقد ذكر ذلك ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد قال: إنه خالف فيها أبو بكر بن الأصم و ابن علية وقالوا: إن المعقود عليه المنفعة، والمنفعة ليست موجودة عند العقد، وأن المنفعة توجد شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن هذا قول باطل، والناس لا يستغنون عن الإجارة، ومن الذي يستغني عن الإجارة؟! فلو كانت الإجارة ممنوعة لا تجوز فمعنى ذلك أن الإنسان لابد أن يصير عارفاً لكل المهن، وأنه لا يحتاج إلى غيره، فيكون خبازاً ويكون حداداً ويكون نجاراً ويخدم نفسه بنفسه، والناس إما أن يحسنوا إليه وأما أن يشتغلوا به بالمجان، وأما هو فيتعلم المهن كلها حتى لا يحتاج إلى الناس، وهذا غير ممكن وغير معقول، بل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ويكون عند هذا ما يحتاج إليه هذا، وعند هذا ما يحتاج إليه هذا، والإجارة إنما هي على المنفعة، والمنفعة توجد شيئاً فشيئاً؛ لأن المنفعة لو كانت موجودة لصار بيعاً؛ لأن البيع يكون على الأعيان الموجودة ويتم تسليمها، وأما الإجارة فإنما تسلم العين للاستفادة منها، وبعد انتهاء الأجل ترجع إلى صاحبها. فالذين قالوا بعدم جواز الإجارة من المبتدعة: أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي و إبراهيم بن إسماعيل بن علية وليس ابن علية الإمام الذي هو إسماعيل ، وإنما ابنه إبراهيم ، وقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، الذي هو إبراهيم ، ولهذا عندما يأتي في مسائل الفقه في الأمور الشاذة ذكر ابن علية فالمقصود به إبراهيم الذي هو ابن إسماعيل ، وأبوه إسماعيل إمام محدث مشهور، كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، وأما ابنه إبراهيم فهذا هو المبتدع الذي قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك. سبب الذهاب إلى المرأة وسؤالها في حديث العسيف السؤال: في الحديث أن المرأة لم تأت ولم تعترف، وإنما ذهبوا إليها وسألوها حتى اعترفت، وهذا بخلاف الأحاديث السابقة في التخفيف عن الناس والستر عليهم؟ الجواب: لكن هذا الأمر ظهر وانتشر، وأن هذا اعترف بأنه زنى، والأمر متوجه إليها فهي إما أن تكون متهمة أو بريئة، فإن كانت بريئة فإنه يقام عليه حد القذف؛ لأنه لم يثبت ذلك؛ لأنه لو اعترف أن فلاناً زنى بامرأة وهي منكرة، ولم يكن هناك شهود فإنه يقام عليه حد القذف وحد الزنا، فلما كان الأمر يتعلق بأمر أنيط بها، والحد أقيم عليه وهي معروفة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها لتسأل وتخبر بالذي حصل وهو قذفها، فإن كانت بريئة فإنها تطالب بحد القذف، وإن كانت ليست بريئة واعترفت فإنه يقام عليها الحد كما أقيم على الذي زنى بها. أمر الغامدية بالانتظار حتى تضع حملها مطلق وليس مقيداً السؤال: المرأة التي زنت وأمرت بالانتظار إلى أن تضع حملها هل هذا مطلق، أم أنه مقيد بما إذا كان الحمل ظاهراً وقد قربت الولادة؟ الجواب: الذي يبدو أنه مطلق؛ لأنه ما جاء شيء يدل على أن الحمل كبير أو صغير، وإنما أخبرت بأنها حبلى من الزنا، والحبل كما هو معلوم يكون بوجوده وبحصوله ولو كان في أول الأمر يقال: إنه حبل. جواز تأخير الحد عن المرأة الحامل إذا كان ذلك يؤثر عليها السؤال: هل تؤخر إقامة الحدود على المرأة الحامل غير الرجم مثل الجلد أو قطع اليد؛ لأنه قد يؤثر على الجنين؟ الجواب: نعم، الشيء الذي فيه تأثير عليها فإنه يؤخر لئلا تحصل الجناية على شخص آخر. مطالبة الزاني بمبلغ مالي دون إقامة الحد عليه السؤال: الآن لدينا بعض القبائل لا تقوم بحد الجلد أو الرجم، ولكن يطالبون الزاني أو وليه بمبلغ من المال فيكون كالردع عن قيامه بهذه الفاحشة؟ الجواب: هذا هو نفسه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (الغنم والوليدة رد عليك). حكم الجمارك في الشرع السؤال: هل ما يؤخذ في الجمارك يعتبر من المكس؟ الجواب: نعم، الجمارك هي من المكس، والإنسان لا يعرض نفسه للمخاطر بالتحايل عليها؛ لأنه لو تحايل ربما يعرض نفسه للإهانة، وإذا دفع شيئاً وهو مظلوم فهو إذا لم يحصله في الدنيا يحصله في الآخرة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [501] الحلقة (531) شرح سنن أبي داود [501] الزنا محرم في جميع الأديان، وكبيرة من كبائر الذنوب، وحده الرجم على المحصن، والجلد على البكر، وقد جاء اليهود إلى رسول الله بيهوديين زنيا يريدون من رسول الله أن يحكم فيهما ظناً منهم أنه سيكون حكماً خفيفاً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم فيهما بحكم الله الوارد في شريعة الإسلام، والذي وافق ما عندهم في التوراة، فأمر بهما فرجما. ما جاء في رجم اليهوديين شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رجم اليهوديين. حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفعها فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: [ باب في رجم اليهوديين ]، و(أل) للعهد الذهني، يعني: اليهوديين المعهودين في الأذهان، وهما اللذان حصل لهما الرجم وجاءت بذلك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، وكانوا يريدون أن يحكم عليهما بحكم خفيف دون ذلك الذي في كتابهم وهو الرجم، فالرسول صلى الله عليه وسلم سألهم: (ما تجدون في التوراة؟) يعني: ما هو الحكم الذي جاء في التوراة في حق من زنى وكان محصناً؟ فقالوا: إنهم يجلدونهم ويفضحونهم، أي: الجلد والفضيحة، والفضيحة: كونهم يطاف بهم على حمر، بحيث يركب الحمار ويجعل وجهه مما يلي دبر الحمار ويسود وجهه، ويعلنون ذلك فيكون فضيحة. فقال عبد الله بن سلام -وهو من اليهود وقد أسلم رضي الله عنه وأرضاه-: كذبتم، إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة -جاءوا بالتوراة- فجعل واحد منهم يقرأ من التوراة ووضع يده على آية الرجم، ولما جاء إلى الصفحة التي فيها آية الرجم وضع يده عليها فكان يقرأ ما قبلها وما بعدها، يعني: ما قبل الذي عليه يده وما بعده فقال له: ارفع يدك وإذا تحتها آية الرجم فقالوا: صدق، فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برجمهما فرجما، قال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة؛ أي: الرجل الزاني الذي زنى بها يحني عليها فتقع عليه الحجارة ولا تقع عليها. فهذا الحديث يدل على أن الحكم في التوراة هو الرجم، كما أن الحكم الذي جاء في السنة وفي هذه الشريعة هو الرجم في حق من كان محصناً، والقرآن فيه ذلك الحكم في الآية المنسوخة، وفي الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن حد الزاني المحصن هو الرجم. وفيه دليل على أن اليهود إذا تحاكموا إلى المسلمين فإنهم يحكمون فيهم بحكم الله عز وجل، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم بهذه الشريعة ولم يحكم بالتوراة، ولكن حكم التوراة مطابق لحكم الشريعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين ما هم عليه من إخفاء الحق وإظهار الباطل، وأنهم يغيرون ويبدلون، وكان ذلك الحكم الذي هو الرجم موجوداً في التوراة ولم يحصل فيه التغيير والتبديل، ولكنهم جحدوه وأنكروه وقالوا: إنه لا يوجد -أي: ذلك الحكم- مع أنه موجود، ثم بعد ذلك تبين وجوده وتبين كذبهم، وأنهم يحرفون الكلم ويبدلون شرع الله، وأنهم يأتون بأحكام من عند أنفسهم ويتركون ما أنزل الله عز وجل عليهم في كتابهم الذي هو التوراة المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام. قوله: [ عن ابن عمر قال: (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفعها فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة) ]. وهنا مسألة وهي: هل شرع من قبلنا هو شرع لنا؟ فنقول: هذه المسألة فيها تفصيل: فما كان في شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لنا فهو شرع لنا من أجل أن شرعنا جاء به، وليس من أجل أنه موجود في التوراة أو في الإنجيل، ولكن من أجل أن شرعنا جاء به، فيكون ذلك الحكم الذي في شرع من قبلنا هو أيضاً موجود في شرعنا، فهو لنا بحكم شرعنا كما في الرجم، فإنه شرع من قبلنا وهو في شرعنا، وكذلك القصاص: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، فهذا موجود في شرع من قبلنا وقد جاء في شرعنا أنه لنا، فإذاً: ما كان في شرع من قبلنا إن جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لنا فهو شرع لنا، وإن جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لهم وليس شرعاً لنا فإنه لا يكون لنا، وإن كان سكت عن ذلك فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: بأنه يكون شرعاً لنا؛ لأنه ما ذكر في شرعنا إلا لنعتبر به ولنأخذ به ونستفيد منه. ومنهم من قال: إنه لا يكون شرعاً لنا ما دام أنه ما جاء التنصيص على أنه لنا. فإذاً: المسألة فيها تفصيل، أمران متفق عليهما والثالث فيه الخلاف؛ فالمتفق عليه ما جاء في شرعنا أنه شرع لنا، وما جاء في شرعنا أنه ليس شرعاً لنا فهو ليس لنا، وما سكت عنه في شرعنا أنه لنا أو ليس لنا ففيه الخلاف، وجمهور أهل العلم على أنه لنا، وبعضهم قال: إنه ليس لنا. تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال: قرأت على مالك بن أنس ]. مالك بن أنس ، وهو المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . قوله: [ قرأت على مالك ] هذا يسمى في علم المصطلح العرض، يعني: كون التلميذ يقرأ على الشيخ هذا يسمى: عرضاً، والغالب أنه يعبر عن ما قرئ على الشيخ بـ(أخبرنا)، أما ما سمع من لفظ الشيخ فيقال فيه: حدثنا، ولكنه يأتي (حدثنا) في مكان (أخبرنا)، ويأتي (أخبرنا) في مكان (حدثنا). شرح حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي قد حمم وجهه وهو يطاف به فناشدهم: ما حد الزاني في كتابهم؟ قال: فأحالوه على رجل منهم فنشده النبي صلى الله عليه وسلم: ما حد الزاني في كتابكم؟ فقال: الرجم، ولكن ظهر الزنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف ويقام على من دونه فوضعنا هذا عنا، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم ثم قال: اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: أنهم مروا على النبي صلى الله عليه وسلم -أي: اليهود- برجل يطاف به -يعني: أنه على حمار- وقد حمم، يعني: سود وجهه بالفحم وهذا يعتبرونه فضيحة وخزياً، وأن هذه هي العقوبة، وقد مر في حديث ابن عمر أنهم قالوا: (نفضحهم ويجلدون)، وكونه يركب على حمار ويكون وجهه إلى مؤخر الحمار ويسود وجهه بالفحم، فهذا هو الفضح عندهم، وهذه هي العقوبة التي أتوا بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ناشدهم. قوله: [ (فناشدهم: ما حد الزنا في كتابهم؟) ]. يعني: في التوراة، فالكتاب هو التوراة التي أنزلت على موسى عليه الصلاة والسلام، فذكروا أنه الرجم، ولكنه ظهر الزنا في أشرافهم فتركوا إقامة الحد عليهم، ثم رأوا أنه يسوى بين الشريف والوضيع، وذلك بأن يتفقوا على طريقة وهي أنه يفضح ويجلد ويركب على حمار ويكون وجهه مما يلي مؤخرة الحمار، فهذا الشيء الذي تواطئوا عليه وغيروا به حكم الله، والسبب في ذلك كما جاء في هذا الحديث أن الزنا وقع في أشرافهم، وأن الحد لم يقم على الأشراف، فرأوا أن الحكم يغير ويبدل من الرجم إلى الفضيحة والجلد، وبالكيفية التي جاءت في بعض هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فوضعنا هذا عنا) ]. فوضعنا هذا عنا الذي هو الرجم، يعني: وضعوه عن الشريف والوضيع؛ لأنهم ما دام أنهم تركوه في حق الشريف فأرادوا أن يتركوه في حق الوضيع وفي حق غير الشريف فيسوى بين الناس. قوله: [ (فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم) ] الذي هو حكم الله عز وجل، والذي جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أيضاً موجود في شريعة موسى كما هو موجود في التوراة. قوله: [ (ثم قال: اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) ]. الكتاب المقصود به التوراة التي كان فيها الرجم، وهم أماتوه بمعنى أنهم تركوه وبدلوه بما سموه فضيحة وجلداً. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة في حديثه إلا عن الأعمش ففيه مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مرة ]. عبد الله بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الجمع بين حديث رجم اليهوديين وحديث مناشدة النبي لليهود في حكم رجم الرجل اليهودي وفي هذا الحديث أنهم مروا بشخص فلا أدري هل لأن الحديث فيه اختصار وأنه فيه الترافع، وأن هذا هو الشيء الذي كانوا يطبقونه بدل الرجم وأنه سأل ونشد؟ ويحتمل ألا يكون فيه اختصار، وأن تكون هذه قضية أخرى ليس فيها تحاكم، وإنما لكونهم موجودين في المدينة وهم خاضعون لحكم الإسلام فهنا يطبق عليهم حكم الإسلام كما يطبق على غيرهم. والمناشدة هنا هي السؤال بإلحاح، يعني: كونه يلح ويشدد في السؤال؛ لأنه يهتم به ويريد أن يحصل على الجواب. إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: (مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزنا؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41] إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]: في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]: في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة على ذلك، وفيه أنه نزلت الآية، وهو يدل على أنهم تحاكموا إليه؛ وذلك لأن في قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41]، يعني: إن أوتوا الشيء الذي يناسبهم والذي هو التخفيف أخذوا به، وإن لم يؤتوه فإنهم لا يأخذون بالرجم الذي هو موجود عندهم، وهذا يدل على حصول التحاكم في هذه القصة، ولكنهم يريدون شيئاً يناسب أهواءهم وأغراضهم، ويناسب الشيء الذي وضعوه لأنفسهم وجعلوه بديلاً عن حكم الله الذي أنزله الله تعالى على موسى، فإن جاء شيء مثل الذي وضعوه لأنفسهم كالجلد والتحميم أخذوه، وإن لم يؤتوه فإنهم يحذرون أن يقعوا أو تحصل لهم تلك العقوبة التي هي موجودة عندهم، والتي هم فروا منها، وفيه أيضاً بيان أنهم كانوا في أول الأمر تركوا إقامة الرجم على الأشراف وأنهم يقيمونه على غيرهم، وبعد ذلك رأوا أن يتركوا ذلك الحكم ويستبدلونه بحكم من تلقاء أنفسهم، فاجتمع علماؤهم واتفقوا على هذا الحكم الذي هو كونهم يجلدون ويحممون بتسود وجوههم بالفحم. وما جاء في هذا الحديث يبين معنى ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سبق أن مر، والذي فيه قال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، فإن هذا الذي ذكروه في هذا الحديث من أنهم كانوا يتركون إقامة الحد -وهو الرجم- على الشريف ويقيمونه على الوضيع، ثم بعد ذلك رأوا أن يبدلوه بحكم يطبقونه على كل أحد وهو غير الرجم. قوله: [ (مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم) ]. معناه: أنه قد حصل له الجلد والتحميم ثم الطواف به على حمار ووجهه مما يلي مؤخرة الحمار، على خلاف المعتاد الذي اعتاده الناس من أن الراكب يكون وجهه إلى وجه المركوب، وهذا علامة على الفضيحة والخزي. قوله: [ (فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني؟ فقالوا: نعم) ]. فقالوا: نعم يعني: وهم كاذبون! قوله: [ (فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41]) ]. وهذا هو المقصود من إيراد الآية، يعني: أنهم يتحاكمون من أجل أن يحصلوا على ما يناسبهم، وإن لم يحصلوا عليه فإنهم يبقون على ما هم عليه، وهذا يدل على أن القضية فيها تحاكم وأنهم جاءوا متحاكمين، وأنهم يريدون الأخذ بالحكم إن جاء بما يناسبهم، وإن لم يأت بشيء يناسبهم فإنهم لا يأخذون به. قوله: [ (إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. ثم ذكر الآيات التي نزلت في الحكم بغير ما أنزل الله، والآية الأولى فيها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، والآية الثانية ختامها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، والآية الثالثة ختامها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، ومعلوم أن الكفر والظلم والفسق كل منهما يكون أكبر ويكون أصغر، يعني: يكون كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، فالفسق يطلق على الكفر ويطلق على ما دون الكفر، والظلم يطلق على الكفر وعلى ما دون الكفر، والكفر يطلق على الكفر المخرج من الملة والكفر الذي هو دونه. فقال: إن الآية الأولى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، والثانية التي هي: (( الظَّالِمُونَ )) في اليهود، والثالثة التي هي: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] هذه في الكفار جميعاً. وبعض أهل العلم يقول: إن الآيات كلها في الكفار جميعاً، وإن كان أصلها أنها جاءت في حق اليهود إلا أن الحكم عام للجميع، وليس خاصاً باليهود والنصارى وإنما هو للعموم. قوله: [ (فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41] إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. لا أدري هل هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أم أن الذي قاله هو البراء ؟ فهنا لم يتبين. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب ]. وقد مر ذكرهم. حد الزاني في التوراة وهنا قوله: (نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم)، فهنا ذكره دون تفريق بين المحصن والبكر، يقول في عون المعبود: وفي قولهم: وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر، لما وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم، وفي رواية أبي هريرة ولفظه: (المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها) رواه الطبراني وغيره. وقالوا: الحديث فيه دليل على أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان وإلا لم يرجم اليهوديين، وإليه ذهب الشافعي و أحمد ، وقال المالكية ومعظم الحنفية: شرط الإحصان الإسلام، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة، وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن. وأجيب: بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى: (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ))، وفي قولهم: وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر، لما وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه: (المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها) رواه الطبراني وغيره كذا في إرشاد الساري والفتح. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: (أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف، فأتاهم في بيت المدراس فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك، ثم قال: ائتوني بأعلمكم، فأتي بفتى شاب، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في رجم اليهوديين. قوله: [ (أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدراس) ]. أتى نفر من اليهود إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعوه إلى القف، والقف: هو وادٍ في المدينة وفيه ذلك المكان الذي هو المدراس، وهو: المكان الذي يقرءون فيه، فجاء إليهم في ذلك المكان الذي يجتمعون فيه والذي هو محل قرءتهم ودراستهم. قوله: [ (فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها) ]. يعني: أخبروه بأن رجلاً وامرأة منهم زنيا، وأنهم يطلبون الحكم فيهما، والرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يحضروا التوراة فأتوا بها، وكانوا قد وضعوا له وسادة يجلس عليها، فنزعها ووضع التوراة عليها وقال: (آمنت بك وبمن أنزلك)، وهذا يدل على احترام الكتاب المنزل وتوقيره؛ وذلك أنه وضعه فوق الوسادة وهو مكان مرتفع يرفعه عليه، ومعلوم أن أفضل هذه الكتب وخير هذه الكتب هو القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي أن يكون وضعه في مجامع الناس على مكان مرتفع حتى يتنبه له، وحتى لا يتجاوزه أحد ويمشي من فوقه، وأما إذا كان المكان ليس محلاً للاستطراق ولا لتجاوز الناس، وأريد تخزين جملة من المصاحف فإنها توضع على الأرض ولا بأس بذلك؛ لأن المكان الطاهر يمكن أن يوضع فيه المصحف ولو لم يكن على شيء. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الإيمان بالكتب المنزلة غير المحرفة، وحفظ الله عز وجل للقرآن الكريم ومعلوم أن الإيمان بالكتب المنزلة السابقة إنما هو ما أنزل وليس بالكتب المبدلة، وإنما المقصود من ذلك أن التوراة فيها تحريف وتبديل، ولكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أصلها الذي نزل من عند الله عز وجل، وإلا فإنه قد حصل فيها تحريف وتبديل، ولم تكن كما أنزلها الله عز وجل، فالتحريف حاصل لها قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحاصل لها بعد ذلك، ولا يزال التغيير والتبديل في الكتب المنزلة على مر الدهور والعصور إلا القرآن فإنه محفوظ بحفظ الله، فلا يدخله تغيير ولا تبديل، ولهذا حفظه الله تعالى أولاً بتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من حفظه واستيعابه من جبريل، وأنه لا يفوته شيء، وكان عليه الصلاة والسلام في أول الأمر عندما يلقي عليه جبريل القرآن يحرك لسانه به حتى لا يفوته منه شيء، فأمره الله عز وجل بألا يحرك لسانه به، وأخبره أن عليه جمعه وقرآنه، وأن عليه أن يصغي لتلاوة جبريل إياه عند إلقائه عليه، ثم إنه يكون محفوظاً له بحيث لا يفوته منه شيء، فكان بعد ذلك يصغي ولا يحرك لسانه، وإذا انتهى وإذا هو محفوظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوه واعتنوا به حتى جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله أنه قال: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن. ثم أيضاً القرآن نزل منجماً ومفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، ولم ينزل دفعة واحدة كالكتب السابقة؛ وذلك فيه تسهيل لحفظه؛ لأنهم كلما نزل عليهم آيات اشتغلوا بحفظها، فإذا جاءت الآيات التي بعدها وإذا هم قد حفظوا ما مضى، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم مع حفظه إياه كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، يعني: جبريل يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والرسول يسمع، والعكس الرسول يقرأ وجبريل يسمع، فيعارضه القرآن، وفي العام الذي قبض فيه عارضه إياه مرتين، والمعارضة كانت لكل ما نزل قبل ما مضى، وكل هذا من حفظ الله عز وجل للكتاب. ثم أيضاً ما وفق الله عز وجل له الصحابة من كونهم حفظوه في الصدور، ثم قاموا بحفظه في السطور، حيث جمعه أبو بكر الجمعة الأولى في صحف، ثم جمعه عثمان رضي الله عنه في مصحف، ومصحف عثمان رضي الله عنه هو الذي بين أيدي الناس، والذي يتوارثه الناس عصراً بعد عصر، هذا هو الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه. ثم ما وفق الله عز وجل من حصول الحفظ للملايين من المسلمين للقرآن عن ظهر قلب، ولو حصل خطأ في حرف من الحروف لتنبه لذلك الملايين من الناس الذين يبينون الخطأ، وأذكر من الأمثلة التي تذكر بهذه المناسبة أن الجامعة الإسلامية كانت فيما مضى ولا تزال ترسل طلاباً في أوائل شهر رمضان أو قرب شهر رمضان إلى البلاد المختلفة في أوروبا وغيرها ليقوموا بصلاة التراويح ببعض الجماعات الإسلامية هناك، فكان منهم طالب منذ زمن بعيد ذهب وهو من حفاظ القرآن، وكان ليست معه الورقة الصفراء التي هي الورقة الصحية، فجعلوه في مكان يسمونه: محجراً صحياً، فجلس فيه ثلاثة أيام ولما جاء إلى ذلك المكان وجد مصحفاً فيه تحريف وتبديل وتقديم وتأخير وكان حافظاً لكتاب الله، فقرأ ذلك المصحف وصححه بخط يده من أوله إلى آخره، ثم تركه في مكانه، فهذا الحافظ لكتاب الله لما وجد التحريف والتبديل والتغيير في ذلك المصحف صححه بخطه وجعله على الصواب، فهذا من حفظ الله عز وجل لكتابه، كون الملايين من المسلمين يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ولو حصل أي خطأ لتنبه له الحفاظ، فلا سبيل إلى تحريفه وتغييره، ولا سبيل إلى تبديله، بل هو محفوظ بحفظ الله؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. قوله: [ (فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال: ائتوني بأعلمكم) ]. معلوم أن الذي يؤمن به ويقال: إنه من عند الله هو المنزل وليس المبدل، ولهذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) فنحن نؤمن بالمنزل، ولا نؤمن بالذي عندهم والذي بين أيديهم والذي قالوا: إنه من عند الله، مع أنهم غيروا وبدلوا، ولكننا لا نصدق بكل ما يقولون، ولا نكذب بكل ما يقولون، فإذا كان الشيء الذي يقولونه لا يليق بالله عز وجل ولا بالرسل فإن هذا يكذب ولا يكون هذا من عند الله، كونه لا يليق برسل الله ولا يليق بنسبته إلى الله عز وجل، وكونه من الأمور القبيحة، فمثل هذا يكذب، ولكن إذا كان الشيء له معنى صحيح وحكم وكلام جميل، ولا يدرى هل هو من كلام الله المنزل أو ليس من كلام الله المنزل؟ فهذا هو الذي لا يصدق ولا يكذب؛ لأنه ليس كل كلام جميل يكون من عند الله حتى يقال: إن هذا صدق، بل ما كان من عند الله هو الذي نزله على رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال الرسول: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم)؛ لأنهم لو كذبوا بكل شيء أمكن أن يكذبوا بالحق الذي فيه، ولو صدقوا بكل شيء أمكن أن يصدقوا بباطل، ولكن إذا سكتوا وأمسكوا وقالوا: (( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ))، فعند ذلك يكونون قد أخذوا بما فيه السلامة وما هو الحق الذي لا إشكال فيه وهو إيماننا بالمنزل: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت:46]. قوله: [ (ثم قال: ائتوني بأعلمكم، فأتي بفتى شاب..) ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع ]. حديث مالك عن نافع الذي هو الأول، وهو الطريق الرباعي، والذي هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني هشام بن سعد ]. هشام بن سعد ، صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن زيد بن أسلم حدثه ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثنا رجل من مزينة ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم : سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتم قال: (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قالوا: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأَخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما). قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]. كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجم اليهوديين. قوله: [ (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف) ]. وهم يريدوا أن يحصلوا عقوبة أخف من العقوبة التي عندهم في التوراة وهي الرجم، وهذا يدل على أن تحاكمهم ليس بحثاً عن الحق، وإنما يريدون شيئاً يوافق أهواءهم وما يشتهونه، فهذا هو، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه خير بين الحكم فيهم وعدم الحكم؛ لأنهم ما جاءوا يقصدون الحق أو يريدونه، ولكنه أمر بأن يحكم بينهم بالعدل والقسط، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله. قوله: [ (فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك) ]. يعني: أنهم عولوا على ما جاء عن نبي من أنبياء الله، وهم لا يريدون الحق، ولكن إن حكم بما يناسبهم قبلوه، وإن حكم بما لا يناسبهم ردوه. قوله: [ (قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب) ]. يعني: أنهم جاءوا إليه وهو في المسجد وسألوه هذا السؤال، فلم يكلمهم وإنما ذهب إلى بيت مدراسهم أي: المكان الذي يجتمعون فيه للدراسة والقراءة فوقف على الباب وسألهم. قوله: [ (فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد) ]. يحمم يعني: يسود وجهه بالفحم، ويجبه بمعنى: أنه يركب على دابة ويكون وجهه إلى مؤخرها، وإذا كانوا اثنين فإنها تتقابل ظهورهما، يعني: لا يجعلان في اتجاه الدابة، بل يجعل واحد إلى اتجاه الدابة والثاني إلى خلفها، وذلك يدل على أن هذه فضيحة؛ لأن هذه هيئة غريبة، وهي التي تسمى: التجبيه. قوله: [ (والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: الموجودون تكلموا بهذا الكلام وسكت واحد منهم، فلما رآه سكت قصده بالسؤال وقال: أنشدك! قوله: [ (فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة) ]. يعني: ألح عليه في السؤال بأن يجيبه فيما يجدونه في كتابهم فيمن زنى وهو محصن. قوله: [ (فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟) ]. ما أول شيء تركتم فيه أمر الله وتحولتم إلى هذا الشيء الذي تفعلونه من التحميم والتجبيه والجلد؟ قوله: [ (قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم) ]. يعني: قريب الملك زنى فلم يقم عليه الرجم، فترك الرجم وأخر، ثم زنى رجل من أسرة فأراد أن يرجمه فقالوا: لا حتى يرجم ذلك الذي من أسرتك. قوله: [ (ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم) ]. يعني: فاتفقوا على هذه العقوبة التي يقيمونها على كل أحد سواءً كان شريفاً أو ضعيفاً. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما) ]. حكم عليهما بما في القرآن وبما في السنة، وهو أيضاً مطابق لحكم التوراة. قوله: [ قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. هذا الذي ذكره عن الزهري قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأنبياء الذين يحكمون بالتوراة، وإنما المقصود بالأنبياء الذين يحكمون بالتوراة هم أنبياء بني إسرائيل، وهم كثيرون من بعد موسى وكانوا يحكمون بالتوراة، ومعلوم أن الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول: هو الذي تنزل عليه شريعة ابتداءً ويحكم بها، وأما الأنبياء فإنهم يؤمرون بأن يحكموا بشرائع سابقة ولم ينزل عليهم كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين أمروا بأن يحكموا بالتوراة وهي لم تنزل عليهم، وإنما نزلت على موسى، فإذاً: النبي هو الذي أمر بأن يحكم بشريعة سابقة والرسول هو الذي أنزل عليه شرع ابتداءً. تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من مزينة ]. رجل من مزينة وهذا مبهم. [ ح وحدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد المصري ، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال محمد بن مسلم ]. محمد بن مسلم هو ابن شهاب ، وهناك جاء بلفظ الزهري ، وفي هذا الطريق جاء بلفظ محمد بن مسلم ولهذا معرفة الكنى والألقاب والأنساب مهمة، وذلك أن الشخص إذا ذكر باسمه في موضع وبنسبه في موضع أو ذكر بكنيته في موضع يعرف أنه شخص واحد وليس شخصين. [ عن رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ]. هذا من الكلام من الطريق الثاني وهو طريق أحمد بن صالح . [ ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وهذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ؛ ولعله من جهة الرجل المزني المبهم، ولكن كثيراً منه متفق مع ما جاء في الأحاديث. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه، يضرب مائة بحبل مطلي بقار، ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه فيحكم بينهم، فخير في ذلك قال: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة:42]) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله وفيه بعض الفروق. قوله: [ (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) ]. وهذا فيه ذكر الإحصان. قوله: [ (وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه) ]. التجبيه مر ذكره. قوله: [ (يضرب مائة بحبل) ]. وهذا بيان طريقة الجلد عندهم، وأنه يضرب مائة بحبل مطلي بالقار. قوله: [ (ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار) ]. فهذا هو التجبيه. قوله: [ (فاجتمع أحبار من أحبارهم بعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه) ]. يعني: دين النبي صلى الله عليه وسلم، فخير بالحكم فيهم، وكما أشرت لعل من أسباب تخييره لكونهم لا يريدون الحق، وإنما يأتون يبحثون عن شيء يتابع أهواءهم، ولهذا قال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:49]. تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب ]. يحدث سعيد بن المسيب يعني: هو مثل الذي قبله، فسعيد المسيب محدَّث وليس بمحدِّث في هذا الإسناد، فيكون مثل الذي قبله فيه الرجل المبهم. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا أبو أسامة قال مجالد أخبرنا عن عامر عن جابر بن عبد الله قال: (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجمهما) ]. قوله: [ (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فنشدهما) ]. جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: (ائتوني برجلين من علمائكم) فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما ماذا يجدون في التوراة في أمرهما! قوله: [ (قالوا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل) ]. قالوا: إن في كتابهم أنه إذا شهد أربعة منهم بأن ذكره في فرجها كالميل في المكحلة فإنهما يرجمان فقال: فما بالكم لم تفعلوا، يعني: ذلك الذي هو موجود في التوراة؟ قالوا: إنه ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وأرادوا أن يكثر نسلهم وألا ينقرضوا، وأن يكون الإبقاء عليهم وعدم قتلهم زيادة في عددهم، وأن القتل يكون فيه نقص لهم، فأرادوا ألا يكون القتل فغيروه وبدلوه إلى شيء آخر لا قتل فيه. قوله: [ (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما) ]. فدعا بالشهود، فأتي بأربعة فشهدوا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما، وهذا يدل على أن الذي هو موجود في التوراة هو نظير ما هو موجود في هذه الشريعة من أن الشهود أربعة، وكذلك الاعتراف، وأن الحكم هو الرجم في حق من كان محصناً. تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة قوله: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد ]. مجالد هو ابن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الإسناد فيه: (قال: مجالد أخبرنا) وهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، يعني: الذي قبله قال: أخبرنا مجالد ، وهو أبو أسامة يعني: بدل ما قال أبو أسامة : أخبرنا مجالد ، قال أبو أسامة : مجالد أخبرنا، فهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، وهذا يأتي استعماله ولكنه قليل، والأصل والأكثر هو أن الصيغة تقدم على الاسم، فيقال: أخبرنا فلان، فعل وفاعل، وأما كونه يكون مبتدأ وخبراً والخبر هو الجملة (أخبرنا) فإن هذا قليل في الاستعمال، وممن يستعمله شعبة ، فإنه يأتي في بعض الأسانيد عن شعبة بن الحجاج أنه يقول: فلان أخبرنا، وهنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال: مجالد أخبرنا، وهو من قبيل تقديم اسم الراوي على الصيغة التي أسند إليه من روى عنه بها. شرح حديث رجم اليهوديين من طريق سادسة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه لم يذكر: (فدعا بالشهود فشهدوا) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنه مرسل، وأنه مثل الذي قبله إلا أنه لم يذكر في آخره أنه دعا بالشهود فشهدوا، وهو مثل الذي قبله في كونه موجود في التوراة كذا وكذا. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الشعبي مر ذكره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، يعني: كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كذا، فهذا من قبيل المرسل، ولكنه يعتضد بالمتصل الذي قبله. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق سابعة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن ابن شبرمة عن الشعبي بنحو منه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مرسل كالذي قبله. وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الشعبي بنحو منه ]. الشعبي بنحو منه يعني: بلفظ قريب منه. شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثامنة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج بن محمد قال ابن جريج : إنه سمع أبا الزبير ، سمع جابر بن عبد الله يقول: (رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا) ]. أورد أبو داود حديث جابر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا)، يعني: رجمهما بسب الزنا. قوله: [ حدثنا إبراهيم بن حسن المصيصي ]. إبراهيم بن حسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنا سمع أبا الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره. الأسئلة حكمة سؤال النبي اليهود عن حكم الزاني في التوراة السؤال: لماذا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحد في شريعتهم؟ أما كان له الحق أن يقيم عليهم الحد المشروع في الإسلام ابتداءً؟ الجواب: الحكم إنما هو بشريعة الإسلام، ولكن فيه بيان معرفة الحكم عندهم وأنهم كذبة محرفون ومبدلون، ويظهر بذلك ما كانوا عليه من الباطل؛ لأنه بهذا السؤال تبين هذا الباطل الذي هم عليه، وأنهم أهل مكر وكيد وخبث، وأنهم يريدون ما يوافق الأهواء، وما يخالفها لا يريدونه ولو كان من عند الله، سواء كان في التوراة أو من عند النبي صلى الله عليه وسلم. حكم العقد بين الزاني والزانية خصوصاً إذا كانت حاملاً السؤال: من المعلوم أن في بعض بلاد المسلمين بعض العادات أنه إذا علم بأن أحداً قد زنى بامرأة فإن القاضي يقوم بعقد النكاح بين الزاني والمزني بها حتى ولو كانت امرأة حاملاً؟ الجواب: إذا كانت المرأة حاملاً فالذي في بطنها ولد زنى، ولا يجمع بين النكاح والسفاح، فالزواج أو العقد عليها إنما يكون إذا خلا بطنها مما فيه من الحمل، وكونه يزوج بها ثم بعد ذلك ينتسب الولد إليه وقد حصل بزنا فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ولد من سفاح، والنسب إنما يكون فيما ولد من نكاح، لهذا فهم يتخذونه طريقة إلى إخفاء الجريمة، وأن ذلك الذي جاء من زنا ينسب إليه وهو لا ينسب إليه، فالزاني ليس له ولد، وإنما له الخيبة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). حكم الدعاء على النفس السؤال: هل يجوز أن ندعو على أنفسنا مثل دعوة أبي بن كعب حيث دعا على نفسه بأن يصاب بالحمى، فإني مبتلى ولا أستطيع القيام، أتمنى الجهاد في سبيل الله؟ الجواب: الإنسان يسأل الله العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)؛ لأن من الناس من يتمنى شيئاً ويريده ولكنه إذا وصل إليه تغير وضعه فيلحقه ضرر من هذا الشيء الذي تمناه، يعني: حصل منه مخالفة في أمر ما كان ينبغي أن يخالف فيه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود [502] لقد حد الله عز وجل حدوداً ونهانا عن الاقتراب منها، وجعل عقاباً محدداً لكل ضعيف إيمان سولت له نفسه ارتكاب هذه الحدود والمعاصي، ومن ذلك تحريم الزنا، وجعل الجلد والتعذيب عقوبة الزاني البكر، وجعل الرجم عقوبة الزاني، أما من أتى زوجة أبيه فإنه يقتل على كل حال؛ لشناعة هذا الفعل وقبحه، ومثله من أتى بهيمة أو فعل فعل قوم لوط؛ فإنه يقتل لما في هذا الفعل من انتكاس للفطرة وشذوذ عن المألوف. ما جاء في الرجل يزني بحريمه شرح حديث قتل الرجل الذي أعرس بامرأة أبيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يزني بحريمه. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال: (بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلاً فضربوا عنقه، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الرجل يزني بحريمه]، وحريمه يعني: ذوات محارمه اللاتي لا يحل له الزواج بهن، ولا شك أن من تكون كذلك فالزنا بها أخطر وأشد وأعظم؛ لأن النكاح لا يجوز لمثلها، بخلاف الأجنبيات فإن النكاح سائغ والزنا هو الحرام، وأما هنا فالنكاح غير سائغ، فلو حصل النكاح فهو خطير، ولو حصل الزنا فهو أيضاً خطير، وهو أخطر من الزنا بالبعيدات والأجنبيات؛ لأن هذا يدل على قلة الحياء، وقلة المبالاة، وعدم خوف الله عز وجل، والاحتكاك بذوات المحارم والاختلاط بهن حاصل ومستمر، والخلوة بهن حاصلة، فكونه يوجد والعياذ بالله فعل الفاحشة معهن فإنه يكون الأمر أخطر وأشد، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دخول الرجال على النساء حذر منه ولما قيل له: (أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)؛ لأنه لا يفطن له ولا يحترز منه، ودخوله وخروجه غير مستغرب، بخلاف الأجنبي الذي يكون دخوله وخروجه في البيت مستغرباً، ولكن الذي له علاقة بالبيت لا يكون مستغرباً، فيكون أخطر وأشد من حيث الخلوة، وإذا كان هذا حصل في حال الحمو فكيف يكون بالمحرم والعياذ بالله؟! فالإنسان الذي يزني بمحارمه يكون أمره أخطر وأشد. وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث فيمن نكح ذات محرم، يعني: بنكاح وليس بزنا، ومعلوم أنه إذا صار النكاح خطيراً فإن الزنا يكون أخطر وأخطر، فهو عقد الترجمة للزنا وهي في النكاح. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: أنه كان يطيف في إبل له ضلت، وأنه جاء جماعة معهم لواء، وهم مبعوثون من النبي صلى الله عليه وسلم، وعقد لهم حتى يعرف بأنهم مبعوثون منه، ومهمتهم أن يقتلوا رجلاً أعرس بامرأة أبيه، يعني: نكح امرأة أبيه وتزوجها، فيحتمل أن يكون ذلك عن طريق الوطء بدون عقد، وهذا هو الذي يكون مطابقاً للترجمة لأنه زنا، ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك الزواج وأنه بعقد، ولكنه فعل محرم، والله عز وجل وصفه بأنه فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، حيث قال: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، فهو يدل على خطورته في النكاح، فهو أخطر أيضاً فيما يتعلق بالسفاح، فقتلوه بأمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم. وهو يدل على أن نكاح ذوات المحارم إذا كان مقصوداً وليس فيه شبهة؛ لأن الشبهة قد تحصل، فالرضاعة مثلاً قد يكون فيها شبهة، وقد لا يكتشف أن هناك محرمية إلا بعد مدة، فعند ذلك يفرق بينهما، وهذا لا يترتب عليه شيء؛ لأنه نكاح شبهة، والأولاد هم أولاده، ولكن كونه يتزوج امرأة أبيه أو يتزوج امرأة هو عالم بأنها محرم له فعقوبته أن يقتل كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كان هناك مجال للشبهة كما ذكرنا فيما مضى فإن هذا يفرق بينهما، ويكون نكاح شبهة. قوله: [ عن البراء بن عازب قال: (بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم) ]. فجعل الأعراب يطيفون به لكونه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: يتصلون به ويجتمعون به؛ وذلك لمنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على حرص الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبته ومرافقته، وعلى ملاقاة من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكونون ممن لقي النبي وصحبه ولكن يكون غيرهم أكثر منهم صحبة ومخالطة، فتكون له ميزة عليهم حتى ولو كانوا من الصحابة، فإن من يكون مخالطاً له وملازماً له تكون له منزلة أكبر ممن رآه مجرد رؤية أو التقى به مجرد لقاء، وإن كان الكل قد تشرف بصحبة النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن من طالت صحبته وكثرت ملازمته لا شك أن له ميزة على غيره. قوله: [ فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: يتبركون به، وهذا ليس فيه دلالة على التبرك، وإنما يدل على كونهم يحتفون به ويهتمون به، وإلا فإنه لا يتبرك بأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكونهم يتمسحون به أو يتبركون به وما إلى ذلك فهذا لا يكون، ولا يوجد شيء يدل على هذا، وإنما المراد أنهم يطيفون به ويأتون حوله ويتصلون به ويلتقون به، ويلازمونه، وذلك لمنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان الصحابة يتبركون بشعر الرسول عليه الصلاة والسلام ومخاطه وعرقه وفضل وضوئه وما كانوا يفعلون ذلك مع أحد بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما فعلوا ذلك مع أبي بكر و عمر و عثمان و علي وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، فالخلفاء الراشدون المهديون ما كان الصحابة يعاملونهم كما يعاملون النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يتبركون بهم كما كانوا يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يأخذون شعورهم ولا يمسحون عرقهم، ولا يأخذون مخاطهم وبصاقهم، وإنما هذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا ذكر الشاطبي إجماع الصحابة على أن ذلك إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم ما فعلوا ذلك مع خيار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قتل الرجل الذي أعرس بامرأة أبيه قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا خالد بن عبد الله ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مطرف ]. هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الجهم ]. هو سليمان بن الجهم ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (...بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال: (لقيت عمي ومعه راية فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله) ]. أورد أبو داود حديث عم البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو أنه أخبر البراء أن الرسول بعثه ومعه راية، وأن مهمته أن يضرب عنق رجل نكح امرأة أبيه ويأخذ ماله، فقيل -يعني: في هذا-: كونه يأخذ ماله فيه احتمال أن يكون مرتداً، وأن يكون ماله فيئاً، وأنه يقتل ويؤخذ ماله؛ وذلك لأنه فعل هذا الأمر الذي هو في غاية الحرمة والقبح، وقد وصفه الله تعالى أنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وهو من أخطر الجرائم، ويحتمل أن يكون أخذ ماله من باب العقوبة. تراجم رجال إسناد حديث: (...بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه...) قوله: [ حدثنا عمرو بن قسيط الرقي ]. عمرو بن قسيط الرقي ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبيد الله بن عمرو ]. هو عبيد الله بن عمرو الرقي ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن البراء ]. يزيد بن البراء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه البراء رضي الله عنه. [ قال: لقيت عمي ومعه راية ]. قال الحافظ : إن عمه لم يسم ولا يعرف، وقد جاء في بعض الروايات أنه خاله وقال: إن خاله هو أبو بردة بن نيار . الأسئلة عدم التفريق بين البكر والمحصن في نكاح المحارم السؤال: هل يفرق بين المحصن والبكر في نكاح المحارم؟ الجواب: لا يفرق في قتلهما. حكم رواية أنه يخمس مال من أعرس بأحد محارمه السؤال: جاءت رواية أنه يخمس ماله فما حكمها؟ الجواب: جاءت لكن ما أدري عن صحتها شيئاً، قال في عون المعبود: وذكر النسائي في سننه من حديث عبد الله بن إدريس حدثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله). وهذا يدل على أنه فيء، يعني: الذي مر في الرواية السابقة عند أبي داود أنه قتله وأخذ ماله يعني: أنه كان فيئاً، ومعنى هذا: أنه ردة. تخميس مال الناكح امرأة أبيه يدل على الاستحلال السؤال: هل هذا الفعل يعتبر كفراً مخرجاً من الملة إذ التخميس يدل على استحلال الشيء؟ الجواب: نعم، التخميس يدل على أن هذا القتل إنما هو لكفره؛ لأن كونه يخمس ماله كما يخمس الفيء، والفيء: هو ما يحصل من الكفار ولا يحصل من المسلمين. دلالة الحديث على كفر الناكح محارمه بالفعل السؤال: هل حكم عليه بالتكفير بالفعل فقط؟ الجواب: الظاهر أنه كفر بالفعل، ويمكن أن يكون الاستحلال موجوداً، كونه عقد على شيء معلوم ومعروف أنه لا يحل، وأن هذا شيء ليس من الأمور التي تخفى، وهي واضحة جلية فيكون ذلك يدل على استحلاله. ما جاء في الرجل يزني بجارية امرأته شرح حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يزني بجارية امرأته. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم: (أن رجلاً يقال له: عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال: لأقضين فيك بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدوه قد أحلتها له فجلده مائة). قال قتادة : كتبت إلى حبيب بن سالم فكتب إلي بهذا ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل يزني بجارية امرأته]، والزنا حصل منه بمملوكة لزوجته وليست ملكاً له، فوطئ ما لا يحل له وطؤه وهو أمة زوجته، وقد أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: (أنه جيء برجل يقال له: عبد الرحمن بن حنين وطئ جارية زوجته فقال له: لأقضين فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). قوله: [ (إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة) ]. لأنه محصن، والمحصن حكمه الرجم بالحجارة؛ لأنه قد زنى، وقال: إنها إن أذنت له وأحلتها له فإنه يجلده مائة جلدة يعني: عقوبة ونكالاً، لكن الحديث ضعيف وغير ثابت، والحكم فيمن يزني بأمة زوجته أنه كزناه بغيرها؛ لأن كل زنا رجل محصن فحده الرجم، وإن كان بكراً جلد، لكنه هنا قال: زوجته، وهذا يتصور فيما لو كان عقد على زوجته ولم يدخل بها ولها أمة فوطئها. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرجه له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن عرفطة ]. خالد بن عرفطة ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ عن حبيب بن سالم ]. حبيب بن سالم لا بأس به، وهو بمعنى صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته من طريق ثانية، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير: (عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل يأتي جارية امرأته قال: إن كانت أحلتها له جلد مائة، وإن لم تكن أحلتها له رجمته) ]. أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب غندر البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو ابن أبي وحشية جعفر بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته، إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها، فإن كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن المحبق رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل وقع على جارية زوجته: إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها) أي: هي تعتق وعليه أن يعوض سيدتها التي هي زوجته بمثلها. وإن كانت طاوعته فهي له ولسيدتها عليه مثلها. معناه: أنها خرجت من ملك زوجته في الحالتين، إلا أنها في الحالة الأولى صارت حرة، وفي الحالة الثانية صارت ملكاً له، ويعوض زوجته عنها في كلا الحالتين، والحديث غير صحيح؛ لأن فيه رواية قتادة عن الحسن ، وكل منهما مدلس. تراجم رجال إسناد حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن الحسن ]. قتادة مر ذكره. و الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن حريث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سلمة بن المحبق ]. سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد و عمرو بن دينار و منصور بن زاذان و سلام عن الحسن هذا الحديث بمعناه، لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. أورد أبو داود هذا السند المعلق، أن هؤلاء الأربعة رووه عن الحسن بمعناه ولم يذكروا قبيصة كما في الإسناد الأول، وإنما ذكروا الحسن عن سلمة بن المحبق . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومنصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام ]. هو سلام بن مسكين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الحسن هذا الحديث بمعناه لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. يعني: والآخران ذكروه وهما: عمرو بن دينار و سلام بن مسكين. حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثانية، وتراجم رجاله قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن الحسن ]. قتادة مر ذكره. و الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن حريث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سلمة بن المحبق ]. سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد و عمرو بن دينار و منصور بن زاذان و سلام عن الحسن هذا الحديث بمعناه، لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. أورد أبو داود هذا السند المعلق، أن هؤلاء الأربعة رووه عن الحسن بمعناه ولم يذكروا قبيصة كما في الإسناد الأول، وإنما ذكروا الحسن عن سلمة بن المحبق . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومنصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام ]. هو سلام بن مسكين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الحسن هذا الحديث بمعناه لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. يعني: والآخران ذكروه وهما: عمرو بن دينار و سلام بن مسكين. شرح حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن حسين الدرهمي حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه إلا أنه قال: (وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنها إن طاوعته فهي ومثلها لسيدتها. قوله: [ (فهي ومثلها من ماله لسيدتها) ]. فهي ومثلها من ماله يعني: مثلها تشترى من ماله، ومعناه: أنها باقية لسيدتها ومثلها أيضاً لسيدتها، يعني: أمتها في ملكها وحصل لها زيادة أمة أخرى ألزم بها زوجها بسبب هذا العمل، وكل ما ورد في هذا الباب غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا علي بن حسين الدرهمي ]. علي بن حسين الدرهمي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد عن قتادة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و قتادة مر ذكره. [ عن الحسن عن سلمة بن المحبق ]. الحسن و سلمة بن المحبق قد مر ذكرهما. ما يترتب على من وقع على جارية امرأته إذا وقع الرجل على جارية زوجته فإنه كالوقوع على امرأة أجنبية إما أن يرجم أو يجلد إذا كان عقد على زوجته ولم يدخل بها والجارية هي أجنبية ليست ملكه ولا زوجة له، وهذه تعتبر شبهة لكن ليست شبهة قوية حتى تدرأ الحد، يقول الخطابي : وقد روي عن عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إيجاب الرجم على من وطئ جارية امرأته، وبه قال عطاء بن أبي رباح و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق. وهذا بناء على أنه كالزنا بأي امرأة، يعني: باعتباره متزوج ووقع على جارية امرأته والغالب ما دام أن له زوجة أنه يكون محصناً؛ لأنه يندر أن يكون عقد عقداً ولم يحصل دخول على أثره، فالعلماء ذكروا المسألة على اعتبار أنه محصن، ولكنه يتصور بأن يكون غير محصن؛ لأنه لم يتزوج من قبل، وهذا أول زواج له ولم يطأ زوجته ولم يستمتع بها. ما جاء فيمن عمل عمل قوم لوط شرح حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن عمل عمل قوم لوط. حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) ]. وهذه الترجمة تتعلق بعمل قوم لوط، وهو من أعظم الفواحش وأخطرها، والله عز وجل عاقب تلك الأمة التي ابتليت بذلك البلاء بعقوبة شديدة وعظيمة، وهي أنه رفعت أرضهم وقلبت، وجعل عاليها سافلها، وأهلكهم الله بذلك، فهو جرم من أعظم الجرائم وأكبر المعاصي. وحكمه أنه يقتل كما جاء في حديث ابن عباس : (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، والقتل للاثنين يكون إذا كانا متطاوعين، وأما إذا كان المفعول به مكرهاً فإنه معذور ولا شيء عليه. واللفظ جاء فيه الأمر بالقتل وهو مطلق، فيقتل بأي قتلة، وبعض العلماء قال: إن الله عاقب أولئك بتلك العقوبة فإنه يعاقب بمثل هذا، وعلى كل الحديث جاء بالأمر بالقتل وأنه تنهى حياته وهو لفظ مطلق. تراجم رجال إسناد حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي ]. عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يقاس السحاق على اللواط؛ لأن اللواط لو حصل شيء منه بدون إيلاج وإنما بمس ومباشرة فصاحبه يعزر، ولكن لا يصير التعزير إلى القتل، والسحاق كما هو معلوم ليس فيه شيء من هذا، كما أن الاستمتاع بما دون الفرج ليس فيه حد، وإنما فيه التعزير. حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) [ قال أبو داود : رواه سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو مثله ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عمرو بن أبي عمرو مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رفعه ]. عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وقوله: (رفعه) يعني: أتى بلفظ رفعه، ولم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهما معناهما واحد، ولكن هذا من الدقة في العناية بالألفاظ، وقد يكون أنه يؤتى بكلمة (رفعه) من أجل أنه غير متحقق من الصيغة هل هي (سمعت)، أو (قال)، أو (عن)؟ فيأتي بلفظ يشمل ويصدق على الجميع وهي كلمة: (رفعه)؛ لأنه قد يكون المقصود الاختصار، وقد يكون المقصود هو عدم ضبط الصيغة التي حصلت في نسبة ذلك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن كلمة (رفعه) تصدق على جميع الصيغ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن جريج عن إبراهيم عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رفعه ]. عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن محمد بن يحيى الأسلمي ، وهو متروك، أخرج له ابن ماجة . [ عن داود بن الحصين ]. داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس مر ذكرهما. شرح أثر ابن عباس في رجم البكر الذي يؤخذ على اللوطية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن خثيم قال: سمعت سعيد بن جبير و مجاهداً يحدثان عن ابن عباس رضي الله عنهما: في البكر يؤخذ على اللوطية قال: يرجم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس أنه سئل في البكر يؤخذ على اللوطية؟ يعني: أنه ليس بثيب وإنما هو بكر فقال: يرجم، يعني: يعامل البكر والثيب معاملة واحدة؛ لأن هذه فاحشة عظيمة، وهذا يوضح أن قوله: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط) أن المقصود بذلك عدم التفريق بين البكر والثيب، وأنهم كلهم يعاملون هذه المعاملة الواحدة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في رجم البكر الذي يؤخذ على اللوطية قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ]. هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بابن راهويه ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . وكلمة (راهويه) المحدثون يأتون بالواو ساكنة والياء مفتوحة: راهُوْيَه وأهل اللغة يقولون: رَاهَوَيه يعني: مختوم بكلمة: (ويه)، يعني: ذاك استعمال المحدثين وهذا استعمال أهل اللغة. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن خثيم ]. عبد الرزاق و ابن جريج مر ذكرهما، وابن خثيم هو عبد الله بن خثيم ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سمعت سعيد بن جبير و مجاهداً ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و مجاهد بن جبر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. قد مر ذكره. ما جاء فيمن أتى بهيمة شرح حديث (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أتى بهيمة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)، قال: قلت له: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها، وقد عمل بها ذلك العمل. قال أبو داود : ليس هذا بالقوي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب فيمن أتى بهيمة]، أي: ما هي عقوبته؟ وعقوبته قال بعض أهل العلم: أنه يقتل كما جاء في الحديث، وأكثر أهل العلم قالوا: يعزر ولا يقتل، ويستدلون على ذلك بما جاء بعده عن ابن عباس نفسه أنه قال: (ليس عليه حد) فيكون المقصود بذلك أنه لو كان ثابتاً عن ابن عباس أن حد من أتى البهيمة يقتل لما قال هذا الأثر الذي ثبت عنه، وهو أنه ليس عليه حد، فيحتمل أن يكون هذا القتل إنما هو من باب التعزير، وأنه إذا رؤي يفعل ذلك فيعزر ولو وصل التعزير إلى القتل فإنه يعزر بذلك، ومعلوم أن التعزير قد يصل إلى القتل وقد يكون دونه، فيكون ما جاء عن ابن عباس من قوله: (ليس عليه حد) معناه: أن القتل، لا حداً وإنما تعزيراً، فيجمع بين ما جاء عن ابن عباس من أنه ليس هناك حد وبين ما جاء عنه في هذا الحديث الذي فيه الرفع، وأنه يقتل وتقتل البهيمة معه، أن المقصود بذلك تعزيراً وليس من قبيل الحد، والحد قد يصل إلى التعزير وقد يقل عن التعزير كما قيل فيما يتعلق بشارب الخمر، وأنه يقتل في المرة الرابعة ويكون قتله من قبيل التعزير. قوله: [ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) قال: قلت له: ما شأن البهيمة؟ ]. يعني: هذا شأنه واضح، وأما البهيمة فهي غير عاقلة، وغير مكلفة، والذي فعل بها هو الذي حصلت منه الجناية فما ذنبها؟ قال: ما أراه إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد فعل بها هذا الفعل، وبعض أهل العلم قال: لئلا يحصل حمل بسببه فيكون على هيئة أخرى وعلى شكل آخر يعني: متولداً من آدمي وبهيمة، كما يحصل التوالد بين الحيوان والحيوان فيكون جنساً آخر، كما في البغل، فذكر في التعليل ما ذكر، وقيل بذلك التعليل الآخر الذي ذكره بعض أهل العلم. رجال إسناد حديث (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. هذا الإسناد هو نفس الإسناد الذي مر تماماً في الباب الذي قبله عن محمد النفيلي عن عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس ، هو نفس هذا الإسناد. [ قال أبو داود : ليس هذا بالقوي ]. ما أدري هل يقصد أبو داود بقوله: ليس هذا بالقوي التعليل الذي جاء في الآخر، أم أنه يقصد الحديث نفسه، وأن سبب ذلك ما جاء من كون ابن عباس قال: (ليس عليه حد)، وقال أيضاً: إن حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو الذي هو هذا، وحديث عاصم الذي سيأتي بعد هذا أنه ليس عليه حد يعني: كون ابن عباس قال: (ليس عليه الحد) وهو الذي روى هذا الحديث، فيدل على أنه ليس عليه حد وأنه يمكن أن يحمل على التعزير، وسواءً بلغ القتل أو دون القتل فهو يكون تعزيراً للفاعل. وأما البهيمة فمن هذا التعليل الذي ذكروه أنه لئلا يؤكل لحمها وهي قد فعل بها ذلك، أو لئلا يحصل بسبب ذلك نسل يختلف شكله عن شكل الآدمي. أما التعليل الأول فهو خاص بمأكول اللحم، وأما غير مأكول اللحم فإنه لا يؤكل كالأتان وغيرها من الأشياء التي لا تؤكل. شرح أثر (ليس على الذي يأتي البهيمة حد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس أن شريكاً و أبا الأحوص و أبا بكر بن عياش حدثوهم عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد ]. ورد هذا الأثر عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد، ومعنى ذلك: أنه يكون عليه التعزير. تراجم رجال إسناد أثر (ليس على الذي يأتي البهيمة حد) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن شريكاً ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و أبا الأحوص ]. هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبا بكر بن عياش ]. أبو بكر بن عياش ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقبولة. [ عن أبي رزين ]. هو مسعود بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره رضي الله عنه. أقوال بعض التابعين فيمن يأتي البهيمة [ قال أبو داود : وكذا قال عطاء ]. يعني: أنه ليس عليه حد. قوله: [ وقال الحكم : أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد ]. ولا يبلغ به الحد الذي هو القتل، ولكن -كما عرفنا- التعزير قد يوصل به إلى القتل. قوله: [ وقال الحسن : هو بمنزلة الزاني ]. يعني: يعامل معاملة الزاني، معناه: إذا كان بكراً يجلد، وإذا كان محصناً يرجم. التعليق على قول أبي داود بتضعيف حديث عاصم لحديث ابن أبي عمرو في إتيان البهيمة [ قال أبو داود : حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو ]. حديث عاصم هذا الذي هو موقوف يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو المرفوع؛ لأنه لو كان ذلك ثابتاً ما كان لابن عباس أن يقول: ليس على الذي يأتي البهيمة حد؛ ولكن يمكن أن يكون أنه ثابت وباق وأن القتل يكون تعزيراً لا حداً. وهذا الأمر يرجع إلى اجتهاد القاضي؛ لأن الناس يكونون متفاوتين في هذا، فقد يكون هناك إنسان حصلت منه مرة واحدة، وقد يكون هناك إنسان معروف بكثرة الفساد وكثرة فعل هذه المعصية، وما دام أن القضية تعزير فالتعزير يتفاوت، وليس الناس على حد سواء في التعزير. وأما البهيمة فإذا كان الحديث ثابتاً فإن البهيمة تقتل من أجل السلامة مما ذكر، ولئلا تبقى وهي قد فعل بها هذه الفاحشة، وإن كان على ما ذكر أبو داود أنه يضعفه فتبقى، لكنه من حيث الإسناد هو صحيح، وكل أحاديث الباب صححها الألباني رحمه الله." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود [503] من الحدود التي شرعها الله تعالى وأمر بإقامتها حد الزنا، وهناك حالات لا يقام فيها الحد كما لو اعترف الرجل بأنه زنى بامرأة ولم تعترف المرأة فيقام عليه دونها، وكذلك لو كان الذي سيقام عليه الحد مريضاً فينتظر حتى يبرأ، فإن كان لا يرجى برؤه أقيم عليه بما لا يؤدي إلى موته. ومن الحدود حد القذف، وهو ثمانون جلدة بنص القرآن. إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة شرح حديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حفص حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها) ]. قوله: [باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة]، أي: ما حكم ذلك؟ ومعلوم أن الرجل إذا أقر بالزنا فإنه يؤاخذ بإقراره، وأما المرأة التي زعم أنه زنى بها فلا تؤاخذ بإقراره؛ لأن هذه دعوى منه عليها، ولا يعول على تلك الدعوى إلا إذا أقرت أو وجد شهود أربعة يشهدون بذلك، فتكون البينة قامت عليها، وقد أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه [ (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها) ]. فهذا رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف بأنه زنى بامرأة وسماها، فأرسل إليها فأنكرت، فجلده الحد وتركها؛ لأنها ما ثبت عليها زنا لا بإقرار ولا بشهادة، وعلى هذا فتكون دعوى الزاني بأنه زنى بامرأة معينة غير مقبولة، ولا يقبل اتهامه لها، ولا يثبت عليها ذلك إلا إذا اعترفت أو شهد الشهود، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحد وتركها، فلم يقم عليها الحد؛ لأنه لم يثبت عليها الزنا، وأما هو فقد ثبت عليه الزنا بإقراره فأخذ بذلك وعوقب عليه. وقد سبق فيما يتعلق بقصة العسيف ما يدل على ذلك؛ لأنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته)، فحكم عليه بجلد مائة وتغريب عام، وأما هي فلم يعتبر ذلك الشيء الذي نسب إليها، وإنما أرسل أنيساً الأسلمي ليسألها عما نسب إليها، فإن اعترفت أقام عليها الحد، فذهب إليها فأقرت، فرجمها، حيث قال: (واغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، إذاً: مجرد حصول التهمة من شخص لامرأة لا يثبت عليها ذلك إلا بحصول البينة أو الإقرار منها. وأما مسألة أنه قذفها فهل يقام عليه حد؟ نعم هو قذفها، فإذا طلبت فإنه يقام عليه حد القذف مع حد الزنا، وإن لم تطالب فإنه لا يقام عليه شيء؛ لأنهذا حق لها. ويعتبر حد الزنا شيئاً وحد القذف شيئاً آخر، وكل واحد مستقل فلا يدخل واحد في الآخر، فلو أن إنساناً زنى وهو بكر وقذف امرأة ووجب عليه حدان، فلا يقال: إنه يجلد مائة وتغني عن الثمانين، وإنما هذه مستقلة وهذه مستقلة. وهل يندب لمن أقر بالزنا ذكر من زنى بها أو الستر عليها؟ الجواب: لا يندب له ذلك، ولكنه إذا سئل يجيب. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا طلق بن غنام ]. طلق بن غنام ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد السلام بن حفص ]. عبد السلام بن حفص ، صدوق، وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو حازم ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا موسى بن هارون البردي حدثنا هشام بن يوسف عن القاسم بن فياض الأبناوي عن خلاد بن عبد الرحمن عن ابن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة وكان بكراً، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب والله يا رسول الله! فجلده حد الفرية ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : أن رجلاً من بكر بن ليث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، وهذه الأربع مرات ترجع إلى الإقرار وليس إلى الزنا، أي: أنه حصل منه الإقرار أربع مرات، وليس معناه أنه زنى بها أربع مرات. قوله: [ (فجلده مائة وكان بكراً) ]. البكر حده الجلد مائة، كما قال عليه السلام: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام). قوله: [ (ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب والله يا رسول الله! فجلده حد الفرية ثمانين) ]. وهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه القاسم بن فياض وهو مجهول، فهو غير ثابت، ثم إن حد القذف حق للمرأة؛ فهي إذا طالبت ولم يمكنه إقامة البينة فإنه يقام عليه حد القذف، وإن لم تطالب فإنه لا حد عليه؛ لأن هذا حق للغير، فإذا طالب به نفذ وإن لم يطالب به فإنه لا يقام عليه. وكذلك المرأة إذا اعترفت أنها زنت وأنه زنى بها فلان وهو منكر، فإنه يقام عليها الحد باعترافها، وإن طالب بحد القذف أقيم عليها كما يحصل بالنسبة للرجل. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النبي فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا موسى بن هارون البردي ]. موسى بن هارون البردي صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن القاسم بن فياض الأبناوي ]. القاسم بن فياض الأبناوي مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن خلاد بن عبد الرحمن ]. خلاد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن المسيب ]. هو سعيد بن المسيب ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يحذف ما جاء في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام شرح حديث (جاء رجل إلى النبي فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن إبراهيم عن علقمة و الأسود قالا: قال عبد الله رضي الله عنه: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فأقم علي ما شئت، فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه، فتلا عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ.. [هود:114] إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: للناس كافة) ]. قوله: [باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام] معلوم أنه إذا أخذه الإمام فعقوبته التعزير؛ لأنه ليس هناك حد في هذا؛ لأنه ما وقع في الزنا، فعليه التعزير، ولكن إذا جاء تائباً وأخبر بحصول الشيء منه وأنه قد تاب منه، فإنه يسقط عنه التعزير، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها..) إلى آخر الحديث. فقوله: [ (إني عالجت امرأة فأصبت منها ما لم أمسها..) ] أي: أنه حصل منه شيء غير الجماع، (فأنا هذا قائم) أي: افعل بي ما تشاء لأجل هذا الذنب الذي قد حصل مني. قوله: [ (فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك) ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئاً، وذهب الرجل، فأنزل الله عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فدعا بالرجل فأتي به وتلا عليه هذه الآية، فدل ذلك على أن الصغائر التي ليس فيها حد تكفرها الصلوات والأعمال الصالحة، ولهذا قال: (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) أي: الصغائر، أما الكبائر فلا تذهبها الحسنات ولابد لها من التوبة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. قوله: [ (فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ قال: بل للناس كافة) ]. أي: هذا الحكم الذي نزلت الآية من أجله وبسببه ليس خاصاً بهذا الذي حصل منه السبب، وإنما هو عام، ولهذا فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالحكم وإن كان سببه قصة معينة فإنه تشريع للأمة، ولا يختص الحكم بأحد إلا إذا جاء ما يدل على اختصاصه به، مثل خزيمة بن ثابت الذي شهادته تعدل شهادة رجلين، وكذلك الذي ضحى قبل الصلاة ثم رخص له بالعناق وقال: (إنها لن تجزي عن أحد بعدك)، فإذا جاء شيء يدل على تخصيصه دل على تخصيصه، وإلا فإن الأصل هو تعميم الحكم للأمة، ولهذا فإن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للأمة كلها، ولا يختص به الحكم إلا إذا وجد ما يدل على الاختصاص. تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل إلى النبي فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأسود ]. هو ابن يزيد بن قيس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الأمة تزني ولم تحصن شرح حديث (إن زنت الأمة فاجلدوها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأمة تزني ولم تحصن. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير). قال ابن شهاب : لا أدري في الثالثة أو الرابعة، والضفير: الحبل ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في الأمة تزني ولم تحصن]، والأمة: هي المملوكة، وذكر الإحصان في قوله: (لم تحصن)؛ لأن الأحاديث جاءت في التنصيص على عدم الإحصان، ولا يعني ذكر عدم الإحصان أن الحكم يختلف في المحصن وغير المحصن، بل الحكم واحد في جميع الإماء، وهو الجلد وليس الرجم؛ لأنه هو الذي يتنصف، وقد جاءت السنة في بيان حد الأمة إذا زنت ولم تحصن، وهو الجلد، وجاء في القرآن حدها إذا أحصنت، قال تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فقد جاء بيان التنصيف في حق من أحصنت في القرآن، وجاء بيان الحد في التي لم تحصن في السنة، فيكون حكم الإماء واحداً وهو الجلد بالتنصيف، فإذا كان قذفاً فيكون الحد أربعين، أي: نصف الثمانين، وإذا كان زنا سواء كانت بكراً أو ثيباً فحدها خمسون جلدة؛ لأن الجلد هو الذي ينصف أما الرجم فلا ينصف. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟) فالسؤال جاء بهذه الطريقة: إذا زنت الأمة ولم تحصن، فما حكمها؟ قال: [ (إن زنت فاجلدوها) ]. ومعلوم أن الجلد في حق الأحرار في الزنا مائة جلدة، إذاً الجلد في حق العبيد يكون خمسين، سواء كان الزاني ذكراً أو أنثى، وسواء كان محصناً أو غير محصن، والتنصيف جاء ذكره في القرآن. قوله: [ (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير) ]. أي: أنه يكرر عليها الحد، وإذا زنت بعد ذلك فإنه يتخلص منها بالبيع ولو بأبخس الأثمان، ولهذا قال له: (ولو بضفير)، والضفير: هو الحبل، وفي بعض الروايات: (ولو بحبل من شعر)، وهذا فيه بيان التخلص منها ولو بثمن بخس. وإنما جاءت الشريعة ببيعها لأن تغيير المحل يمكن أن يتغير معه الحال، فقد تذهب إلى سيد جديد يحقق رغبتها ويقضي شهوتها، أو يزوجها بمن يحقق لها ذلك، فربما أن السيد الأول ما زوجها، أو أنه ما حقق لها رغبتها بالاستمتاع بها، فقد تضطر إلى الزنا، ولكنها إذا انتقلت من ملك إلى ملك، وانتقلت من محل إلى محل فقد يتغير الحال بتغير المحل؛ لأنها قد تجد سيداً متمكناً من تحقيق رغبتها إما بنفسه أو بغيره بأن يزوجها بمن يحقق لها الرغبة. وأيضاً: تغير المحل قد يحصل معه تغير الحال من حال الحاجة إلى حال عدم الحاجة؛ بسبب ما تحصله عند السيد الجديد. تراجم رجال إسناد حديث (إن زنت الأمة فاجلدوها) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً، و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وإذا باع السيد الأمة فإنه لا يعتبر غشاً، وكونها تباع ولو بحبل من شعر هذا فيه تنبيه إلى أنها بيعت برخص بسبب هذا العيب، فإن الأمة لها قيمة، ولعل الشخص الذي ستنتقل الأمة إليه تعف عنده، فلا تقع في الزنا مرة أخرى. شرح حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها بضفير، أو بحبل من شعر) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها) أي: يقيم عليها الحد، وهذا فيه دليل على أن السيد له أن يقيم الحد على أمته إذا زنت بأن يجلدها خمسين. قوله: [ (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها) ] أي: لا يجمع لها بين الحد والتعيير؛ لأن الحد يكفر الذنب، ولا يعيرها أيضاً فقط بدون أن يقيم عليها الحد، فلا يكتفى بالتعيير عن الحد، ولا يضاف التعيير إلى الحد؛ لأنه إذا أقيم الحد حصلت الكفارة من ذلك الذنب بإقامة الحد عليها، فلا مسوغ ولا وجه للتعيير، وكذلك أيضاً لا يكتفى بالتعيير دون أن يقام الحد، بل يقام الحد ولا يضاف إليه التعيير. قوله: [ (فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها بضفير، أو بحبل من شعر) ]. هذا شك من الراوي: هل قال: ضفير، أو قال: حبل من شعر، والضفير: هو الحبل. تراجم رجال إسناد حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، و يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مرار...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن نفيل حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال: (في كل مرة فليضربها كتاب الله ولا يثرب عليها، وقال في الرابعة: فإن عادت فليضربها كتاب الله ثم ليبعها ولو بحبل من شعر) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قال: (إذا زنت فليضربها كتاب الله) وهو الحد، وليس ضرب تأديب أو تعزير، أو ضربات أو أسواط من عند نفسه، وإنما يضربها كتاب الله الذي هو الحد، وهو قوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فالذي في كتاب الله هو نصف حد الأحرار، فقوله: (فليضربها كتاب الله) أي: الحد، وليس المقصود أنه ترخيص له بأن يضربها تأديباً أو تعزيراً، وإنما يضربها الحد الذي جاء في كتاب الله وهو نصف حد الأحرار. قوله: [ (ولا يثرب عليها) ]. التثريب هو التعيير واللوم والعتب، فعليه أن يحدها ولا يثرب عليها ولا يعيرها. قوله: [ (وقال في الرابعة: فإن عادت فليضربها كتاب الله ثم ليبعها ولو بحبل من شعر) ]. إذا عادت في المرة الرابعة فليضربها الحد، ثم ليبعها ولو بحبل من شعر، ولا يبقيها بعد الرابعة عنده، وإنما يبيعها ولو بأبخس الأثمان. والحدود الأصل أنه لا يقيمها إلا السلطان إلا هذا فإنه مستثنى. تراجم رجال إسناد حديث (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعيرها ثلاث مررار...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا ابن نفيل ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، يقال له أحياناً: النفيلي، ويقال أحياناً: ابن نفيل ، وهو شخص واحد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه ]. سعيد بن أبي سعيد مر ذكره، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره. وفي الحديث السابق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، وهنا: عن أبيه عن أبي هريرة، فقد روى عن أبي هريرة الأب والابن، فكل منهما روى عن أبي هريرة ، وسواءً جاء فيه واسطة أو بغير واسطة فأبو هريرة شيخ لهما جميعاً. حكم بيع الأمة بعد الرابعة من زناها وهل يعتبر بيعها بعد الرابعة واجباً؟ هناك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بوجوبه، ومنهم من قال: إنه مستحب، ولكن كونها يحصل منها هذا الأمر مراراً وتبقى فقد تستمر على ذلك، ولابد أن تغير الحال. قال أبو ثور : في هذا الحديث إيجاب الحد، وإيجاب للبيع أيضاً لا يمسكها إذا زنت أربعاً. وهذا في كلام الخطابي . وقال النووي : هذا البيع المأمور به مستحب عندنا وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر: هو واجب بضفير وحبل من شعر. فكونها تبقى وقد تكرر منها الزنا إلى هذا الحد فهذا غير لائق، ولهذا فإن التخلص منها أو تغيير الحال معها إذا كان مقصراً معها يغنيها بالحلال عن الحرام. ما جاء في إقامة الحد على المريض شرح حديث (... فأمر رسول الله أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إقامة الحد على المريض. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار: (أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد وقعت على جارية دخلت علي، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) ]. قوله: [باب إقامة الحد على المريض]، المريض نوعان: مريض مرضاً لا يرجى برؤه، ومريض مرضاً يرجى برؤه، فالذي يرجى برؤه ينتظر حتى يشفى ويقام عليه الحد الذي هو الجلد إذا كان الحد جلداً، وأما إذا كان الحد رجماً أو قتلاً فإنه يقتل؛ لأن العلة من عدم إقامة الحد على المريض حتى لا يؤدي ذلك إلى هلاكه، لكن إذا كان هلاكه حكماً شرعياً كأن يكون رجماً أو قتلاً فإنه يقام عليه الحد، سواء كان مريضاً أو غير مريض؛ لأن الحكم هو إهلاكه والقضاء عليه، وأما إذا كان الحد جلداً، والجلد قد يؤدي إلى الوفاة في حق المريض فيكون قد عوقب بعقوبة لا يستحقها وهي أنه قتل، إذاً: لا يقام عليه الحد في حال مرضه إذا كان مرضه يرجى برؤه، بل يؤخر حتى يبرأ ثم يقام عليه الحد، ولا يقام عليه الحد في مكان المرض؛ لأنه قد يؤدي إلى الهلاك، والحد ليس المقصود منه الهلاك، وإنما هو شيء دون الهلاك. أما إذا كان لا يرجى برؤه فإنه كما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة هذا الرجل، وأنه أمر بأن يؤخذ مائة شمراخ -وهي أغصان القنو التي يعلق فيها التمر- فيضرب بها ضربة واحدة، ومن العلماء من قال: إنها تنشر عليه نشراً بحيث يمس كل شمراخ منها جسده، ومنهم من قال: إنه يضرب ضربة واحدة ويكون بعضها بالملامسة وبعضها بالثقل؛ لأنه لو ضرب بشمراخ أو شمراخين فليس مثل ما لو ضرب بمائة شمراخ متصل بعضها ببعض، فإن قوته وتأثيره أكثر من تأثير الشمراخ الواحد أو الشمراخين، إذاً: تكون العقوبة بالثقل بحيث يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ، وتكون هذه المائة في مقابل المائة جلدة؛ وذلك لأنه لا يتحمل أن يقام عليه مائة جلدة كل جلدة على حدة؛ لأن ذلك يؤدي إلى هلاكه، وحكمه هو الجلد وليس الهلاك، ولهذا جاءت الشريعة بالتخفيف عنه. وفي هذا دليل على أن الحدود لا تسقط؛ لأنها لو كانت تسقط لسقطت عن مثل هذا، ولم يحتج إلى أن يضرب بمائة شمراخ، ولكن لابد من العقوبة، ولابد من إقامة الحد، فهو دليل على أن الحدود لا تسقط وإنما تقام حيث ثبتت أو ثبت الفعل المقتضي للحد. قوله: [ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار (أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم) ]. أي: أنهكه المرض، حتى صار جلداً على عظم ليس فيه لحم من شدة إنهاك المرض. قوله: [ (فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها) ]. يعني: تحرك لها وهش فوقع عليها، وهذا يبين لنا أن ما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالنساء وأنهن فتنة، وأن أضر فتنة على الرجال هي النساء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وهذا أيضاً دليل على أن المريض والشيخ الكبير لا يتهاون أو يتساهل معه؛ لأنه كما يقولون: لكل ساقطة لاقطة، والناس يتفاوتون، فإذا كان هذا الشخص الذي مرض مرضاً شديداً تحرك لهذه الجارية ووقع عليها وهو جلد على عظم، فهذا يبين مدى عظم المصيبة، ومدى عظم فتنة الرجال بالنساء، وأن الواجب هو الاحتراز والابتعاد، ولهذا جاء تغليظ العقوبة في حق من يقدم على ذلك وقد ذهب وقت نشاطه وشبابه، كما جاء في الحديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، وملك كذاب)، وقوله: (أشيمط) تصغير أشمط، أي: أنه هرم وكبر، وذهب شبابه، وكونه يزني وهو بهذا الوصف فإنه يدل على زيادة خبث، ولو كان شاباً فأمره يختلف عنه؛ لأن عنده قوة الغريزة والحاجة، وأما هذا فقد ولى وذهب ومع ذلك يتعلق بالنساء، وكذلك العائل المستكبر؛ لأن الاستكبار غالباً لا يأتي إلا مع الغنى، وأما العائل الذي ليس عنده أسباب الكبر فهذا يدل على خبثه، وكذلك الملك الكذاب ليس بحاجة إلى أن يكذب؛ لأنه يستطيع أن يقول الذي يقع على حقيقته ولا يخاف من أحد، وإنما الذي يكذب هو الذي يخاف لأنه ضعيف، وأما من كان في قمة المسئولية فإنه لا يحتاج إلى أن يكذب، فهؤلاء وقعت منهم أمور لا وجه لحصولها منهم، فهو يدل على سوء وخبث. ومن البلاء الموجود الآن أن المستشفيات تعج بالممرضات، والبيوت تعج بالخادمات، وهن أشد فتنة من الممرضات، وبقاؤهن في البيت أعظم فتنة وأشد خطراً. قوله: [ (فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد وقعت على جارية دخلت علي، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذا أيضاً يدل على خطورة الخلوة، حتى لو كان الذي حصلت معه الخلوة في غاية الكبر أو في غاية الضعف. قوله: [ (فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم) ]. يعني: ما يستطيع أن يتحرك ولا يحرك. قوله: [ (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) ]. وهذا -كما ذكرنا- إذا كان غير مرجو البرؤ، أما إذا كان يرجى برؤه وكان مرضه مرضاً عارضاً فإنه يؤجل إلى أن يشفى، وأما إذا كان كذلك فإنه يعمل معه هذا العمل بحيث لا تسقط عنه العقوبة، ولا يعاقب بالعقوبة التي يستحقها شرعاً، وهي الجلد مائة كل جلدة على حدة؛ لأن هذا يؤدي إلى قتله، أما إن كان محصناً فإنه يقتل، ولو كان بهذه المنزلة؛ لأن المقصود هو إهلاكه سواء كان في غاية الصحة أو في غاية السقم إذا كان محصناً. تراجم رجال إسناد حديث (.. فأمر رسول الله أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة) قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ]. اسمه: أسعد، وله رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار ]. وهذا فيه جهالة الصحابي، وجهالة الصحابة ذكرنا مراراً أنها لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم. حكم تجزئة الجلد على الأيام إذا كان الزاني مريضاً وهل يجوز تجزئة الجلد بحيث يكون في كل يوم عدد معين حتى تتم المائة؟ لم يأت شيء يدل عليه، ولو كان ذلك سائغاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يجلد هذا كل يوم جلدة واحدة. وأما التعزير إذا حكم بجلدات كثيرة تعزيراً فيمكن أن تقسم. شرح حديث (... دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي رضي الله عنه قال: (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا علي ! انطلق فأقم عليها الحد، فانطلقت فإذا بها دم يسيل لم ينقطع، فأتيته فقال: يا علي! أفرغت؟ قلت: أتيتها ودمها يسيل، فقال: دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم). قال أبو داود : وكذلك رواه أبو الأحوص عن عبد الأعلى ، ورواه شعبة عن عبد الأعلى فقال فيه: قال: (لا تضربها حتى تضع)، والأول أصح ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن جارية من آل النبي صلى الله عليه وسلم فجرت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يقيم عليها الحد، فوجد بها أثر دم، كأنه كان فيها نفاس أو مرض، فلم يقم عليها الحد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرغت؟ يعني: أقمت الحد عليها؟ فأخبره بالذي منعه من الإقامة، فقال: أحسنت، يعني: في كونك لم تقم عليها الحد وهي مريضة، وهذا يدل على أن المريض إذا كان يرجى برؤه فإنه يؤخر عنه الحد كما جاء في هذا الحديث، وإذا كان لا يرجى برؤه فإنه يقام عليه الحد بالطريقة التي مر ذكرها في الحديث السابق، فإذا كانت إقامة الحد بالطريقة المشروعة سوف تؤدي إلى هلاكه فإنه يقام عليه الحد بتلك الطريقة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن يضرب بمائة شمراخ وهي تقوم مقام مائة جلدة. قوله: [ (قال: أتيتها ودمها يسيل، فقال: دعها حتى ينقطع دمها، ثم أقم عليها الحد) ]. يعني: حتى تنتهي من نفاسها ثم أقم عليها الحد. قوله: [ (وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ]. هذا يدل على أن الولي أو السيد يقيم الحد على ملك يمينه، وقد مر في الحديث السابق ما يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث (...دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي جميلة ]. هو ميسرة الطهوي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن علي ]. علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وكذلك رواه أبو الأحوص عن عبد الأعلى ]. أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي، وقد مر ذكره. [ ورواه شعبة عن عبد الأعلى ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال فيه: (لا تضربها حتى تضع) والأول أصح ]. الأول أصح؛ لأنه لم يخبر أنها نفساء، يعني: فيها دم. ما جاء في حد القذف شرح حديث عائشة (لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذلك وتلا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حد القذف. حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي و مالك بن عبد الواحد المسمعي وهذا حديثه أن ابن أبي عدي حدثهم عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك وتلا -تعني: القرآن- فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم) ]. قوله: [باب في حد القذف]، القذف: هو الرمي بفاحشة الزنا، وحده كما جاء في القرآن ثمانون جلدة إذا لم تقم البينة على ثبوت الزنا، وإذا أقيمت البينة أقيم الحد على المتهم، فإن لم تقم البينة فإنه يحد، وذلك كله لأجل حفظ الأعراض وعدم التهاون فيها، وأن الإنسان لا يطلق لسانه في كلام قبيح يضيفه إلى الناس وهم برآء منه، فإن فعل فعقوبته أن يجلد ثمانين جلدة كما جاء ذلك في القرآن. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك وتلا -تعني: القرآن-) ]. أي: الآيات التي بين الله عز وجل فيها أنها مبرأة، وأنه لم يقع منها ما اتهمت به، والنبي صلى الله عليه وسلم كان متردداً في أمرها ولم يجزم في أمرها بشيء، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى نزل القرآن، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأنه لا يطلع من الغيوب إلا على ما أطلعه الله عليه؛ لأنه بقي مدة طويلة وهو متألم متأثر من هذا الذي نسب إلى أهله، فلو كان يعلم الغيب من أول وهلة لقال: أنا أعلم الغيب، هي لم يقع منها شيء، ولكنه بقي متأثراً متألماً من رمي أهله بما رموا به، ثم بعد ذلك أنزل الله آيات تتلى في سورة النور فيها براءتها مما نسب إليها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. فقصة الإفك هي من أوضح الأدلة على بطلان قول من يغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه يعلم الغيوب، وأنه لا يخفى عليه شيء، فإن هذا من أبطل الباطل، فإن الذي اختص بعلم الغيب على الإطلاق هو الله، وغير الله لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، والله لم يطلع نبيه على كل غيب، وإنما أطلعه على بعض الغيوب، وأخفى عليه ما شاء من الغيوب، وهذا مما يوضح ذلك، فقد حصل ما حصل والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحقيقة، وبعد ذلك أنزل الله تعالى البراءة، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري). ومع أن عائشة رضي الله عنها في القمة وفي المنزلة الرفيعة وفي علو السؤدد والفضل؛ لكونها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين، وهي أوعى امرأة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله تعالى براءتها بآيات تتلى، ومع ذلك تتواضع لله عز وجل، ولا يحصل لها عجب بذلك، بل تستهون نفسها، وتقول كما جاء في الصحيح: (فلشأني في نفسي أهون من أن ينزل في آيات تتلى)، فقد: كانت تؤمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئها الله تعالى بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رؤيا الأنبياء وحي)، وكانت تعتقد أن نفسها أهون من أن ينزل الله فيها آيات تتلى، وهذا من التواضع، فهذا شأن أولياء الله يبلغون الكمال، ويتواضعون لله عز وجل. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه: جلاء الأفهام ترجمة مختصرة لأمهات المؤمنين جميعاً، وذكر بعض الأحاديث التي تتعلق ببعضهن وهي مشكلة وأجاب عنها، مثل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بميمونة وهي محرمة، ومثل زواجه من أم حبيبة ومن هو وليها؟ والإشكال هو أن أبا سفيان قال: أزوجك فلانة، مع أن الرسول تزوجها في حال كفر أبي سفيان ، فابن القيم رحمه الله أورد تراجم أمهات المؤمنين وذكر من تواضع عائشة وقال: إنها مع ما وصلت إليه من المنزلة تقول: (لشأني في نفسي أهون من أن ينزل فيّ أيات تتلى)، ثم قال: أين هذا ممن يصوم بضعة أيام ويقول: أنا كذا وكذا، أو يصلي ركعتين من الليل أو أكثر ويقول: أنا كذا وكذا؟! فهي في القمة ومع ذلك ينزل فيها القرآن وتستهون نفسها، وترى أنها لا تستحق ذلك، وهذا كما قال الله عز وجل عن أوليائه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]. قولها: [ (لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذاك) ]. أي: ذكر الذي حصل، وهو نزول القرآن في براءتها، الآيات التي أولها: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]. قوله: [ (وتلا -تعني: القرآن- فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم) ]. وهم: حسان و مسطح، والمرأة هي حمنة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذلك وتلا...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مالك بن عبد الواحد المسمعي ]. مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ وهذا حديثه أن ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. [ عن عبد الله بن أبي بكر ]. هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عائشة من طريق أخرى، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بهذا الحديث ولم يذكر عائشة ، قال: فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة رضي الله عنهما، قال النفيلي : ويقولون: المرأة حمنة بنت جحش رضي الله عنها ]. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بهذا الحديث ]. هؤلاء مر ذكرهم جميعاً. الأسئلة تصحيح حديث (أقيموا الحدود على إمائكم) لشواهده أخرى السؤال: قوله: (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي! انطلق فأقم عليها الحد)، فيه أبو جميلة وقد ذكرتم أنه مقبول، فما وجه تصحيح الشيخ الألباني له؟ الجواب: أبو جميلة أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة ، والحديث نسبه المنذري كذلك للنسائي . وأما عن تصحيح الألباني له فلا أدري، ولعله صححه لشواهد، وفيه لفظ ذكره في نفس الحديث، وفيه: (أقيموا الحدود على إمائكم)، وهذا اللفظ في صحيح مسلم : (أقيموا الحدود على إمائكم من أحصن ومن لم يحصن)، عن علي رضي الله عنه. وذكر في عون المعبود شاهد آخر من حديث عبد الله بن حبيب قال: (خطب علي رضي الله عنه فقال: أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس..). هذا هو الشاهد؛ لأن هذا من طريق أخرى غير طريق أبي جميلة ، فهذه متابعة؛ لأن الصحابي واحد؛ فالشواهد غالباً تكون باختلاف الصحابة، وأما المتابعات فالصحابي فيها واحد. حكم من قال بانزلاق حسان بن ثابت مع المنافقين في قصة الإفك السؤال: ما رأيكم في قول: إن حسان بن ثابت رضي الله عنه انزلق مع المنافقين في قصة الإفك؟ الجواب: لا يقال: انزلق مع المنافقين، أو يوصف بأن عنده نفاقاً، ولكنه حصل منه ما حصل، وقد أقيم عليه الحد وهو كفارة له، فكأنه لم يحصل شيء، فقد طهره الله من الذي وقع منه بإقامة الحد، فإن الحدود كفارات. حكم القذف بفاحشة اللواط السؤال: ما حكم القذف بفاحشة اللواط هل يقال عنه قذف كالقذف بالزنا؟ الجواب: لا فرق بينهما، بل هذا أخبث. هل طالبت عائشة رضي الله عنها بجلد من قذفها؟ السؤال: لم يرد في أحاديث الإفك أن عائشة رضي الله عنها طالبت بحقها في إقامة الحد على من رماها، فلماذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد؟ الجواب: القصة اشتهرت، والرسول تألم، وكانت المدة نحو خمسين يوماً وهو متألم ومتأثر؛ بسبب هذا الذي قد حصل، وأهلها كانوا متأثرين كلهم، ومعلوم قصة الآية التي نزلت في أبي بكر : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ؛ لأنه كان يحسن إلى مسطح وينفق عليه، ولما حصل منه ما حصل حلف ألا يعطيه شيئاً؛ فأنزل الله هذه الآية: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22]، وقال في آخرها: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، فعدل عما عزم عليه، وأعطاه ما كان يعطيه من قبل. حكم المرأة إذا كانت مطاوعة في زنا أحد المحارم بها السؤال: ذكرتم في حكم الرجل الذي يأتي محارمه إما بالعقد أو بوقوع الزنا أنه يقتل، فإذا كانت المرأة مطاوعة أو مكرهة فما الحكم؟ الجواب: إذا زنى بها وهي مكرهة فمعلوم أن المكرهة معذورة، سواء كان الذي فعل بها من المحارم أو من غير المحارم، وأما إن كانت مطاوعة وموافقة فالذي يبدو أن الحكم واحد ولا فرق بين هذا وهذا. حكم توزيع الأب تركته على أولاده وهو حي السؤال: رجل لديه زوجتان الأولى لها منه عشرة أولاد، والثانية خمسة، فهل يجوز له أن يوزع تركته في حياته على هؤلاء الأولاد؟ الجواب: ليس له أن يوزع التركة، ولكن إذا أراد أن يعطيهم عطية في الحياة فيعطيهم على قدر إرثهم، وأما توزيع التركة فلا يوزعها، وإنما يترك المال، وإذا انتهى من هذه الحياة سيقسم عليهم كما قسم الله عز وجل. لا يجب على ولي المرأة أن يخبر الرجل المتقدم أنها زنت إذا تابت السؤال: إذا زنت المرأة وتقدم لها رجل للزواج، فهل يجب على وليها أن يخبره بما فعلت؟ الجواب: لا يجب عليه، فإذا تابت فليس له أن يخبره؛ لأن الستر مطلوب، والتوبة تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، ولا يعتبر هذا غشاً، لاسيما إذا كانت مكرهة فهي معذورة. حكم قطع يد السارق إذا خيف موته لمرضه السؤال: إذا سرق السارق وكان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه وخيف عليه الموت إن قطعت يده، فهل يسقط عنه الحد؟ الجواب: إذا كان القطع يؤدي إلى هلاكه بسبب مرضه فإنه يسقط عنه الحد، لكن كونه يقام عليه الحد ثم يموت بسبب ذلك، فإن سراية الحد هدر لا تضمن." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [502] الحلقة (532) شرح سنن أبي داود [504] شرب الخمر من كبائر الذنوب، وحده أربعون جلدة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جلد أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، فلما تساهل الناس في عهد عمر جلد ثمانين، ومن تكرر منه شرب الخمر فقد ورد أنه يقتل في الرابعة، وهذا محمول على التعزير. ما جاء في الحد في الخمر شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الحمر حداً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد في الخمر. حدثنا الحسن بن علي و محمد بن المثنى وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن محمد بن علي بن ركانة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الخمر حداً). وقال ابن عباس : (شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء). قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل المدينة حديث الحسن بن علي هذا ]. ذكر الإمام أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب في الحد في الخمر ]، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحديد في حد الخمر بأربعين، وجاء عن عمر رضي الله عنه بمشورة الصحابة أنه جعله ثمانين، وهو ما يعادل أخف وأسهل الحدود غير الخمر، وهو القذف الذي يكون الجلد فيه ثمانين، وقد جاء في بعض الأحاديث عدم التحديد، وإنما ذكر فيها جلد وضرب، وأن كلاً يضرب من جهته، وجاء في بعضها التحديد بأربعين وقد ذكر بعضها المصنف هنا، فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، و أبا بكر جلد أربعين، و عمر جلد أربعين ثم جعلها ثمانين، وعلى هذا فحد الخمر أربعون كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم قال: حده ثمانون جلدة، وبعضهم قال: ما زاد على الأربعين إنما هو تعزير، ويرجع فيه إلى الإمام، ولا شك أن الذي ثبتت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أربعون، فمن أخذ بذلك فقد أخذ بالسنة، ومن أخذ بالثمانين فقد أخذ بما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقت للخمر حداً) أي: أنه لم يوقت ولم يجعل لها حداً، وذكر أيضاً: أن رجلاً سكر وأنه رؤي يميل في الفج -أي: في الطريق- فعرف أنه سكران فهرب ودخل في بيت العباس والتزمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل فقال: (أفعلها؟) فجعل يتبسم ويضحك ويقول: (أفعلها؟) ولم يأمر فيه بشيء، لكن الحديث في إسناده ابن جريج ، وقد روى بالعنعنة، ولو ثبت فإنه يكون محمولاً على أنه لم يحصل فيه ثبوت شيء لا بالاعتراف ولا بالشهادة، وإنما رؤي يتمايل فظن أنه شرب خمراً، وأنه لما دخل على العباس والتزمه معناه أنه: ملتجئ إليه وطالب تخليصه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشيء، ولكنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد في الخمر أربعين، كما جاء في حديث علي رضي الله عنه وأرضاه الذي ذكره أبو داود، وهو عند مسلم وغيره كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الخمر حداً) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و محمد بن المثنى ]. هو الزمن أبو موسى العنزي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن علي بن ركانة ]. محمد بن علي بن ركانة صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى ا لله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو ضمرة عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي برجل قد شرب الخمر، فأمر بضربه فضربوه، فكان منهم الضارب بنعله، والضارب بسوطه، والضارب بثوبه، وبعد ذلك قال رجل من القوم: أخزاك الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان)، وهذا ليس فيه ذكر التحديد بأربعين، ولكنه جاء في بعض الأحاديث الأخرى التحديد بالأربعين. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه..) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو ضمرة ]. هو أنس بن عياض ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن الهاد ]. يزيد بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال اضربوه...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب و حيوة بن شريح و ابن لهيعة عن ابن الهاد بإسناده ومعناه، قال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (بكتوه، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله! ما خشيت الله! وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم أرسلوه، وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وبعضهم يزيد الكلمة ونحوها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله أو نحوه، وقال فيه: (بكتوه) أي: أنبوه بدون سب وشتم، فجعلوا يقولون له: ما اتقيت الله، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك قال: (قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه). قوله: [ (وبعضهم يزيد الكلمة ونحوها) ]. أي: في الدعاء له، وهذا فيه ورود اللوم ولكن بدون سب؛ لأن قولهم له: ما اتقيت الله، أي: مما حصل منك، فهذا تأنيب وتبكيت، ولكن ليس فيه سب ولا دعاء عليه، بل في آخر ذلك أمر بالدعاء له. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أتي برجل قد شرب فقال اضربوه...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني ]. محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن لهيعة ]. ابن لهيعة صدوق اختلط، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وهو هنا مقرون باثنين من الثقات، وأيضاً الراوي عنه عبد الله بن وهب ، وحتى لو لم يكن معه قرين أو قرناء فإن رواية عبد الله بن وهب مما سمع منه قبل الاختلاط، والعبادلة الأربعة: عبد الله بن وهب و عبد الله بن يزيد المكي و عبد الله بن المبارك و عبد الله بن مسلمة القعنبي . شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام المعنى عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما ولي عمر رضي الله عنه دعا الناس فقال لهم: إن الناس قد دنوا من الريف -وقال مسدد : من القرى والريف- فما ترون في حد الخمر؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: نرى أن تجعله كأخف الحدود، فجلد فيه ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: أنهم جلدوا بالجريد والنعال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر أربعين، وأن عمر رضي الله عنه لما حصل الريف وحصلت الخيرات، وكثرت الثمرات، استسهل بعض الناس صنع الخمر واستعمالها، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في الإتيان بعقوبة تردع عن هذا العمل، فرأوا أن الذي يحصل به المقصود ثمانون وهي المماثلة لحد القذف الذي هو أقل الحدود؛ لأن الزنا فيه مائة جلدة، والسرقة فيها قطع اليد، وأخفها حد القذف الذي هو ثمانون، فعند ذلك رأى عمر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة ذلك، وكان فيهم علي و عبد الرحمن بن عوف ، فصار يجلد ثمانين رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام المعنى عن قتادة ]. هشام مر ذكره، و قتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. مرسل قتادة أن النبي جلد بالجريد والنعال أربعين [ قال أبو داود : رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جلد بالجريد والنعال أربعين) ]. أورد أبو داود الحديث ولكنه مرسل؛ لأنه من رواية قتادة ولم يذكر فيه أنساً ، وفيه أنه جلد بالجريد والنعال أربعين. قوله: [ رواه ابن أبي عروبة ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. شرح حديث (ضرب بجريدتين نحو الأربعين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ضرب بجريدتين نحو الأربعين) ]. ذكر طريقاً أخرى وهي عن شعبة بن الحجاج الوسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بجريدتين نحو الأربعين) وليس فيه ذكر التحديد بالأربعين، وفيه ذكر الجريدتين، ومعنى ذلك أنه ضرب بكل واحدة قريباً من نصف هذا العدد، وفي الثانية مثلها، فصار مجموع ذلك قريباً من الأربعين، بمعنى: ضرب عشرين بجريدة، وعشرين بجريدة أو قريباً من ذلك، فيكون نحواً من أربعين. شرح حديث علي (جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و موسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني حضين بن المنذر الرقاشي -هو أبو ساسان - قال: (شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه شربها -يعني: الخمر- وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها، فقال لعلي رضي الله عنه: أقم عليه الحد، فقال علي للحسن رضي الله عنه: أقم عليه الحد، فقال الحسن : ول حارها من تولى قارها، فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد، قال: فأخذ السوط فجلده و علي يعد، فلما بلغ أربعين قال: حسبك، جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، أحسبه قال: وجلد أبو بكر أربعين، و عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة جلد الوليد بن عقبة وقد شهد عليه حمران مولى عثمان أنه رآه شرب الخمر، وشهد رجل آخر أنه رآه يتقيؤها، ومعلوم أنه لم يتقيأها إلا لكونه شربها؛ لأن من تقيأ شيئاً فهو قد شربه، فعثمان رضي الله عنه أقام عليه الحد، وأسند إلى علي القيام بهذه المهمة، أي: أنه هو المنفذ، ويعين من يرى ليباشر الجلد، فأمر الحسن بأن يجلد فقال: ول حارها من تولى قارها، أي: أن من تولى الشيء السهل هو الذي يتولى الشيء الصعب، والمقصود من ذلك: من تولى قار الخلافة هو الذي يتولى حارها، فالذي يحصل السهولة واليسر والمال هو الذي يكلف بمثل هذه الأعمال، فصرف علي رضي الله عنه النظر عنه وأمر عبد الله بن جعفر أن يجلده، فباشر جلده، فجعل يجلده و علي يعد حتى وصل إلى أربعين فقال له: أمسك، ثم قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي، أي: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه سنة عمر رضي الله عنه، قال: وكل سنة، أي: وكل ذلك حق، ولكن هذا أحب إلي؛ لأنه هو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و عمر رضي الله عنه اجتهد في شيء رأى فيه المصلحة بردع الناس؛ لكونهم تتابعوا على شرب الخمر وكثر فيهم الشرب، فأراد أن تكون هناك عقوبة تردعهم وتمنعهم من الوقوع في ذلك الذي أقدموا عليه. تراجم رجال إسناد حديث علي (جلد النبي أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و موسى بن إسماعيل ]. مسدد مر ذكره، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا عبد العزيز بن المختار ]. عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله الداناج ]. عبد الله الداناج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثني حضين بن المنذر ]. هو حضين بن المنذر أبو ساسان ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه أرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (جلد رسول الله في الخمر وأبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين...) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن الداناج عن حضين بن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: (جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر و أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وكملها عمر رضي الله عنه ثمانين، وكل سنة) ]. أي: أوصلها إلى ثمانين، كأدنى الحدود الذي هو حد القذف، وقال: (وكل سنة) فمن أخذ بهذا فقد أخذ بسنة، ومن أخذ بهذا فقد أخذ بسنة. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن الداناج عن حضين بن المنذر عن علي ]. قد مر ذكرهم جميعاً. تفسير الأصمعي لقول الحسن (ول حارها من تولى قارها) [ قال أبو داود : وقال الأصمعي : ول حارها من تولى قارها: ول شديدها من تولى هينها ]. ذكر هذا الأثر عن الأصمعي في تفسيره: (ول حارها من تولى قارها) أي: ول شديدها من تولى هينها. والقار قيل: هو البارد وهو مقابل الحار، والقر: هو البرد، والمقصود أنه يتولى الشديد من تولى اللين. ويقال في أيام النحر: يوم العيد يوم النحر، ويوم الحادي عشر: يوم القر، الذي هو الاستقرار، وهذا ليس من المعنى الذي نحن فيه. [ قوله: وقال الأصمعي ]. هو: عبد الملك بن قريب ، وهو صدوق سني، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. وقوله: (سني) سبق أن مر بنا ذكر الأصمعي ، وعرفنا أن الحافظ ابن حجر في ترجمته له في تهذيب التهذيب ذكر أن أربعة من علماء اللغة في البصرة هم أهل سنة ومنهم الأصمعي . [ قال أبو داود : هذا كان سيد قومه حضين بن المنذر أبو ساسان ]. هذا تعريف بهذا الرجل الذي يروي عن علي وهو حضين بن المنذر أبو ساسان وأنه كان سيد قومه. إذا تتابع في شرب الخمر شرح حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا تتابع في شرب الخمر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عاصم عن أبي صالح ذكوان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب إذا تتابع في شرب الخمر ]، أي: إذا شرب الخمر مراراً وحصل الجلد في كل مرة فإنه في المرة الرابعة يقتل، وقد جاء عن معاوية وغيره هذا الحكم الذي هو: الجلد في المرات الثلاث الأولى، ثم في الرابعة يقتل، وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل، ولهذا ذكر الترمذي رحمه الله في العلل أن كل ما في كتابه السنن قد عمل به إلا أحاديث ثلاثة، ومنها هذا الحديث الذي هو حديث قتل شارب الخمر، ولكنه حديث واضح وصريح، وقد جاء عن بعض أهل العلم أنه قال بقتله، ويكون هذا من قبيل التعزير، وأنه يمكن أن يحصل التعزير بقتله إذا لم يحصل الانكفاف إلا بذلك. وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله رسالة في هذا اسمها: القول الفصل في قتل مدمن الخمر. تراجم رجال إسناد حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، وأبان هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقرون. [ عن أبي صالح ذكوان ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي سفيان ]. معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كلام الخطابي في المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم إن شربوا فاقتلوهم) قال الخطابي : قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل. وهذا ليس بواضح، فكيف يقول: اقتلوه وهو لا يريد قتله؟! واستدلاله بحديث: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه) حيث قال: وهو لو قتل عبده لم يقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جدعه لم يجدع بالاتفاق، فالحديث جاء عن جماعة من الصحابة وفيه ذكر القتل، وهو من باب التعزير، فيحصل القتل إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ويكون تعزيراً. شرح حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: إن شربها فاقتلوه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر ، وهو بمعنى حديث معاوية قال: أحسبه قال في الخامسة: (إن شربها فاقتلوه)، وفي الحديث الأول قال ذلك في المرة الرابعة ولكنه شك، والذي ثبت هو في الرابعة. تراجم رجال إسناد حديث (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد بن يزيد ]. حميد بن يزيد مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : وكذا في حديث أبي غطيف: في الخامسة ]. أي: أنه مثل الذي قبله، قال: أحسبه قال في الخامسة، و أبو غظيف لا يعرف اسمه، وهو هذلي مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . شرح حديث (إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا يزيد بن هارون الواسطي حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو بمعنى حديث معاوية الذي تقدم. قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يزيد بن هارون الواسطي ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث بن عبد الرحمن ]. الحارث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث (إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه) وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وكذا حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه) ]. هذا أيضاً طريق آخر عن أبي هريرة وفيه أنه في الرابعة يقتل. قوله: [ وكذا حديث عمر بن أبي سلمة ]. عمر بن أبي سلمة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه عن أبي هريرة ]. أبوه هو أبو سلمة ، وأبو هريرة مر ذكره. شرح حديث (إن شربوا الرابعة فاقتلوهم) من طرق أخرى، وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وكذا حديث سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شربوا الرابعة فاقتلوهم) ]. وهذا أيضاً مثلما تقدم، و سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة وروايته مقرونة عند البخاري . قوله: [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. مر ذكرهما. [ وكذا حديث ابن أبي نعم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: أن فيه القتل في الرابعة. و ابن أبي نعم هو عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وكذا حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. كذلك فيه القتل في الرابعة. [ و الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الشريد بن سويد صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ وفي حديث الجدلي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه) ]. هذا شك، والرواية التي تقدمت نص في الرابعة. و الجدلي هو أبو عبد الله الجدلي واسمه: عبد بن عبد ويقال: عبد الرحمن بن عبد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا سفيان قال الزهري : أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتى به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة) ]. قوله: [ (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه) ]. هذا كالذي قبله إلا أن فيه شكاً في القتل هل هو في الثالثة أو الرابعة. قوله: [ (فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة) ]. ذكر أنه أتي بشارب، وأنه جلده ثلاث مرات، ثم بعد ذلك تركه ولم يقتله، فكانت رخصة، أي: أن القتل ليس لازماً ولا حتماً، ولكن كما عرفنا هذا يدل على أن الأمر فيه سعة، وأنه إذا لزم الأمر أن يقتل تعزيراً فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه، وإن ترك فكذلك. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ]. أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سفيان ]. هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة بن ذؤيب ]. قبيصة بن ذؤيب له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو رباعي، لكن قالوا: إنه صغير وفيه كلام حول سنه، فيكون مرسل صحابي، وهو حجة ومقبول. وغالباً في مراسيل صغار الصحابة أنهم يروون عن الصحابة الكبار. [ قال سفيان : حدث الزهري بهذا الحديث وعنده منصور بن المعتمر و مخول بن راشد فقال لهما: كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث ]. أي: انقلا هذا الحديث إلى أهل العراق، وأبلغاه إليهم؛ لأنهما من العراق وهو في المدينة. ومنصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و مخول بن راشد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث الشريد بن سويد رضي الله عنه و شرحبيل بن أوس و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما و أبو غطيف الكندي و أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. وكلهم قد مر ذكرهم. شرح أثر علي (ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن أبي حصين عن عمير بن سعيد عن علي رضي الله عنه قال: (لا أدي، أو ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئاً، إنما هو شيء قلناه نحن) ]. أورد أبو داود أثر علي رضي الله عنه أنه قال: لا أدي أو ما كن لأدي، وهذا شك من الراوي هل قال: لا أدي أو ما كنت لأدي، والمقصود: أنه لا يدفع دية؛ لأن الحدود إذا حصلت لها سراية فهي هدر، فسراية الحدود هدر، فلو أن إنساناً قطعت يده من أجل سرقة ثم حصلت سراية ومضاعفات وهلك بسبب ذلك فإنه موته هدر وليس فيه دية؛ لأن هذه سراية حد ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الخمر فإنه يديه، وهذا يحمل على ما كان فوق الأربعين جلدة، أما الأربعون فإنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقوله هنا فيما يتعلق بالزيادة على الأربعين، وهي التي زادوها واجتهدوا فيها، وقاسوا حد الخمر على حد القذف، وقالوا: إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فيحصل منه القذف، إذاً: يوصل إلى حد القذف حتى يرتدع الناس عن ذلك، فلما لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه الزيادة شيء فإنه لو حصل موت بسبب الجلد بهذا المقدار الزائد فإنه يُدى. تراجم رجال أثر علي (ما كنت لأدي من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر...) قوله: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ]. إسماعيل بن موسى الفزاري ، هو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حصين ]. هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمير بن سعيد ]. عمير بن سعيد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن علي رضي الله عنه ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث (... إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد أخبرنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة -وقال ابن وهب : الجريدة الرطبة- ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً من الأرض فرمى به في وجهه) ]. قوله: [ (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد) ]. هذا يبين تحققه من ذلك، وكأنه بين يديه يشاهده ويعاينه ويتخيل صورته. قوله: [ (فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة) ]. الميتخة: هي الجريدة الرطبة اللينة، والتي تنبسط على الجلد؛ لأن الشيء اللين ينثني عند الضرب به مثل السوط، بخلاف الشيء المستقيم الذي لا يلين فإنه يصيب ما يصيب منه وهو على امتداده لا ينعطف. قوله: [ وقال ابن وهب : الجريدة الرطبة ]. هذا تفسير للميتخة بأنها الجريدة الرطبة اللينة. تراجم رجال إسناد حديث (..إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد ]. سليمان بن داود المهري المصري ابن أخي رشدين بن سعد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . وهنا قال: ابن أخي رشدين، وهذا تعريف، و رشدين ضعيف، وكان الأصل أن تكون الإضافة إلى شخص مشهور، وهذا مشهور ولكنه ليس ثقة وإنما هو ضعيف، ورشدين بن سعد المصري هو راوي حديث: (إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)، فهذه الزيادة ضعيفة لأنها من رواية هذا الشخص، ولكن أجمع العلماء عليها، أي: إن تغير الماء بطعم أو لون أو ريح فإنه يعتبر نجساً، ومثل ذلك حديث: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) فهو حديث ضعيف جداً، قال عنه الحافظ رحمه الله: إسناده ساقط، ولكن معناه أجمع عليه أهل العلم. [ أخبرني أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد الليثي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبد الرحمن بن أزهر صحابي صغير، أخرج له أبو داود و النسائي . شرح حديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين فحثا في وجهه التراب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح قال: وجدت في كتاب خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد عن عقيل عن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر أخبره عن أبيه رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين، فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم: ارفعوا فرفعوا، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر رضي الله عنه أربعين صدراً من إمارته، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان رضي الله عنه الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية رضي الله عنه الحد ثمانين) ]. أورد أبو داود حديث ابن الأزهر وهو مثل الذي قبله، وفيه ذكر أنه حصل الجلد من رسول الله عليه السلام و أبي بكر أربعين، وأن عمر جلد في صدر خلافته أربعين ثم زادها إلى ثمانين، و عثمان جلد الحدين، أي: جلد ثمانين وجلد أربعين، ثم أثبت معاوية رضي الله عنه الحد ثمانين، أي: أنه كان يجلد ثمانين فقط. تراجم رجال إسناد حديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين فحثا في وجهه التراب...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و النسائي و ابن ماجة . [ قال: وجدت في كتاب خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد ]. عبد الرحمن بن عبد الحميد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر ]. عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه عبد الرحمن قد مر ذكره. شرح حديث (... فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، فأتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر رضي الله عنه أتي بشارب، فسألهم عن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ضربه فحرزوه أربعين، فضرب أبو بكر رضي الله عنه أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد : إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون، فسألهم، فأجمعوا على أن يضرب ثمانين، قال: وقال علي : إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية). قال أبو داود : أدخل عقيل بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر عن أبيه ]. أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أزهر وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه زيادة، وهي قوله: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلل الناس) ]. فالأول ذكر أنه في حنين، وهنا ذكر أنه في الفتح. قوله: [ (يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أتي بشارب فسألهم عن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ضربه فحرزوه أربعين) ]. وهذا فيه أن أبا بكر رضي الله عنه سأل عن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فحرزوه أربعين، أي: أنه في حدود أربعين ضربة. قوله: [ (فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد : إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم) ]. انهمكوا في الشرب أي: أقدموا عليه وتساهلوا فيه؛ لأن العقوبة أربعين جلدة أمر سهل ويسير. قوله: [ (قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون، فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين، قال: وقال علي : إن الرجل إذا شرب افترى، فأرى أن يجعله كحد الفرية) ]. كان علي رضي الله عنه معهم، وبين وجه الاستدلال في كونه وصل إلى الثمانين حيث قال: إن الرجل إذا سكر افترى، أي: حصل منه القذف، فأرى أن يجلد حد الفرية الذي هو حد القذف. [ قال أبو داود : أدخل عقيل بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر عن أبيه ]. وقد مر أنه مقبول. تراجم رجال إسناد حديث (... فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي مر ذكره. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر ]. هؤلاء مر ذكرهم. وقد صحح الألباني هذا الحديث، وقد قال ابن أبي حاتم : سألت أبي و أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: لم يسمعه الزهري من عبد الرحمن بن أزهر . أي: أن فيه واسطة، و الزهري يدلس قليلاً ونادراً. إقامة الحد في المسجد شرح حديث (نهى رسول الله أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إقامة الحد في المسجد. حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة -يعني ابن خالد - حدثنا الشعيثي عن زفر بن وثيمة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود) ]. قوله: [ باب في إقامة الحد في المسجد ]، أي: أنه لا يقام الحد في المسجد؛ وذلك لأن من الحدود ما يكون فيه قتل أو قطع، فإذا أقيمت في المسجد توسخ وتقذر بالدماء، وقد يحصل فيه لغط وأصوات، وقد يحصل من الشخص الذي يقام عليه الحد أصوات منكرة، والمساجد إنما بنيت لذكر الله عز وجل، وإقامة الصلاة، ولم تبن لمثل هذا العمل، فالحدود تقام في غير المسجد، ولهذا جاء الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود). والنهي عن إنشاد الأشعار المقصود منه: ألا تصير محلاً لمثل هذا، وأما مجرد إنشاد الشعر، أو أن يتلو الإنسان شعراً أو يذكره أو يستنشد فلا بأس بذلك؛ لأن حسان رضي الله عنه لما أنكر عليه عمر قال: (كنت أنشده وفيه من هو خير منك) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أن تصير مكاناً لإلقاء الأشعار والمقابلة بها فهذا لا يصلح، وأما مجرد أن يذكر فيه شيئاً من الشعر، أو يؤتى بشيء من الشعر الجميل، أو يقرأ أحد شيئاً فيه شعر على أحد من الناس في المسجد فلا بأس، وإنما المقصود من ذلك أن يصير كالأماكن التي هي محل لإنشاد الأشعار، كالأسواق التي كانوا يتخذونها في الجاهلية، فلا يجوز أن تجعل المساجد كتلك الأسواق التي هي محل لإنشاد الأشعار. تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار...) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا صدقة يعني ابن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الشعيثي ]. هو محمد بن عبد الله بن المهاجر ، وهو صدوق ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن زفر بن وثيمة ]. زفر بن وثيمة مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حكيم بن حزام ]. حكيم بن حزام رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني وفيه هذا المقبول، لكن لعل له شواهد يتقوى بها. التعزير شرح حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التعزير. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) ]. قوله: [ باب في التعزير ]، التعزير: هو العقوبة التي ليس فيها حد؛ لأن الحد عقوبة مقدرة في الشرع، والتعزير عقوبة غير مقدرة، والحدود كقطع يد، وجلد ثمانين جلدة، ومائة جلدة، فهذا شيء مقدر، وأما التعزير فإنه غير مقدر، هذا هو الفرق بين التعزير والحد. قوله: [ (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله) ]. مقتضى هذا الحديث أن التعزير يكون في عشر جلدات فأقل، ومن أهل العلم من قال: إنه يجلد لكن لا يبلغ به إلى حد أدنى الحدود وهو أربعون في الخمر أو عشرون، على اعتبار أنها تنصف في حق الرقيق؛ لأن الحد على الرقيق هو نصف ما على الأحرار، فالتعزير إما ألا يبلغ العشرين التي هي الحد الأدنى في عقوبة العبيد والأرقاء، أو لا يبلغ الأربعين التي هي الحد الأدنى في عقوبة الأحرار. وقد اختلف العلماء في ذلك: فمنهم من أخذ بالحديث، ومنهم من قال: إن التعزير يمكن أن يصل إلى حد القتل إذا اتضح أن الأمر لا يردع فيه إلا بمثل ذلك، ولا يترك الناس ذلك العمل إلا بالقتل، كما جاء فيما يتعلق بالخمر، فإنه يمكن أن يصل إلى حد القتل، ولكن هذا فيما يتعلق بالجلد. وهل يزاد على عشر جلدات؟ قال في عون المعبود: قال في الفتح: ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة، والمتفق عليه من ذلك حد الزنا والسرقة وشرب المسكر والحرابة، والقذف بالزنا، والقتل، والقصاص في النفس والأطراف، والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الأخيرين حداً. واختلف في مدلول هذا الحديث، فأخذ بظاهره الإمام أحمد في المشهور عنه وبعض الشافعية، وقال مالك و الشافعي وصاحبا أبي حنيفة : تجوز الزيادة على عشر، ثم اختلفوا، فقال الشافعي : لا يبلغ أدنى الحدود، وهل الاعتبار بحد الحر أو العبد؟ قولان، وقال الآخرون: هو إلى رأي الإمام بالغاً ما بلغ، وأجابوا عن ظاهر الحديث بوجوه، منها: الطعن فيه، وتعقب بأنه اتفق الشيخان على تصحيحه، وهما العمدة في التصحيح. ومن الأجوبة: أن عمل الصحابة جاء بخلافه، فيقتضي نسخه، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: ألا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطاً، وعن عثمان: ثلاثين، وضرب عمر أكثر من مائة وأقره الصحابة، وأجيب بأنه لا يلزم في مثل ذلك النسخ. ومن الأجوبة: حمل الحديث على واقعة عين بذنب معين أو رجل معين قاله الماوردي، وفيه نظر ذكره القسطلاني . قلت: ومن أوجه الجواب: قصره على الجلد، وأما الضرب بالعصا مثلاً وباليد فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية. قال الحافظ: كأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب. انتهى. وليس عند الذين لم يقولوا بظاهر الحديث جواب شاف، قال في النيل: قال البيهقي: عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير، وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور. قال الحافظ: فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك، فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان؟ انتهى. أقول: الخلاف واضح، لكن كونهم اختلفوا وقد حصلت الزيادة، فإنه يدل على أن الزيادة سائغة عند الحاجة، وليس بلازم أن يكون في ذلك اتفاق. قوله: (إلا في حد من حدود الله). ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المراد بالحدود هنا المعاصي والذنوب، وليس المقصود بها الحدود المقدرة كحد السرقة وحد القذف وحد الزنا، وإنما المراد بها الذنوب والمعاصي. ومعنى ذلك: أنه لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله، يعني: في ذنب من الذنوب، فيكون المقصود بالحد المعاصي التي حرمها الله عز وجل كما قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]، وقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229]أي: الأمور التي حدها وحرمها. وعليه: فتجوز الزيادة على عشرة أسواط في العقوبة على معصية الله عز وجل، لكن ما كان من أجل التأديب تأديب الأولاد أو كتأديب الرجل امرأته، مما لا يتعلق بمعصية، فلا يزاد فيه على عشرة أسواط. تراجم رجال إسناد حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ]. عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. أبو بردة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل) من طريق أخرى، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكير بن الأشج حدثه عن سليمان بن يسار قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر معناه ]. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو ]. ابن وهب مر ذكره، وعمرو هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. أن بكير بن الأشج حدثه عن سليمان بن يسار قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه ]. بكير بن الأشج و سليمان بن يسار و عبد الرحمن بن جابر مر ذكرهم، وأبو عبد الرحمن بن جابر هو: جابر بن عبد الله الأنصاري ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أبا بردة الأنصاري ]. أبو بردة مر ذكره. ما جاء في ضرب الوجه في الحد شرح حديث (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ضرب الوجه في الحد. حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن عمر -يعني ابن أبي سلمة - عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) ]. قوله: [ باب في ضرب الوجه في الحد ]، أي: أنه لا يضرب الوجه في الحدود، فإذا كان هناك جلد أو ضرب فإن الضرب يكون لغير الوجه؛ وذلك أن الوجه هو مجمع المحاسن، وفيه المنافذ التي هي ضرورية للإنسان، كالبصر، والشم، والتنفس، والأسنان، واللسان، ومحل الحديث، كل هذه موجودة في الوجه، فالضرب يؤدي إلى تلفها، والعقوبة ليست هي تلفها، لكن إذا كان الحد رجماً، فإنه لا بأس بالرجم من جميع الجهات حتى الوجه؛ لأن المقصود هو قتله وإهلاكه، أما إذا كانت عقوبة ضرب، فإنه لا يضرب الوجه؛ لأن العقوبة هي تلك الجلدات المعلومة، وإذا ضرب وجهه أدى ذلك إلى أن يفقد هذه الحواس التي لا يجوز إتلافها بغير حق، أما فيما يتعلق بالرجم فإنه يمكن أن يرمى من جميع الجهات ولو وافق الوجه؛ لأن المقصود هو إهلاكه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الفضيل بن الحسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر يعني ابن أبي سلمة عن أبيه ]. عمر بن أبي سلمة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وأبوه هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. الأسئلة الحكم على لفظة (أحسبه قال في الخامسة) السؤال: الشيخ الألباني رحمه الله تعالى قال عما رواه موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: (إن شربها فاقتلوه)، قلتم: الثابت أنها الرابعة وأما الخامسة فهي ضعيفة، ولذلك قال الشيخ: ضعيف الإسناد، فهل تكون شاذة كذلك لأن فيها ضعيفاً خالف الثقات؟ الجواب: الحديث ضعفه الألباني من أجل ابن يزيد ؛ لأنه ضعيف فلا تثبت به الرواية، ورواية الضعيف مخالفة للثقة هو المنكر. الصحيح والحسن مقبولان السؤال: حديث حكيم بن حزام : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود)، حسنه الشيخ الألباني ولم يصححه؟ الجواب: نعم، والمقصود بالتصحيح أنه مقبول وثابت؛ لأنه إما مقبول، وإما مردود، والمقبول صحيح وحسن، وحتى التحسين فإنه يحتاج إلى شيء يشهد له، سواء كان تصحيحاً أو تحسيناً، وفيه المقبول. تحريم ضرب الوجه في الحدود وغيرها السؤال: تبويب أبي داود رحمه الله في الحديث الأخير: باب في ضرب الوجه في الحد، هل يفهم منه أنه في غير الحدود يمكن أن يضرب؟ الجواب: لا، ولكنه لما كان الكتاب: كتاب الحدود، وأن الحدود تقام، والضرب مأذون فيه، فبين أنه لا يجوز أن يكون الضرب في الوجه في الحدود، وهو كذلك في غير الحدود، فالوجه لا يضرب مطلقاً؛ لأنه يؤدي إلى إتلاف هذه المنافع الضرورية للإنسان. وأما ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أخذ تراباً من الأرض فرمى به في وجه شارب الخمر كما في حديث عبد الرحمن بن أزهر، فهذا لا يلزم أنه أصاب به وجهه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، معناه: أنه يحثا إلى جهة وجهه. حكم الزيادة على ثمانين في حد الخمر السؤال: هل لأحد الآن أن يجتهد فيزيد على الثمانين في حد الخمر؟ الجواب: ليس له ذلك، ولكن إذا حصل تكرار فإنه يمكن أن يقتل، كما جاء في الأحاديث التي ستأتي، ويكون ذلك من باب التعزير، لكن كونه يزيد مائة جلدة أو أكثر ليس له ذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه فعل ذلك بمشورة الصحابة، وقاسوه على أقل الحدود الذي هو حد القذف. وهل له أن ينقص عن الثمانين؟ له أن ينقص عن الثمانين، ويمكن أن يزيد على أربعين إلى سبعين بناء على أن الزيادة تكون تعزيراً." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [503] الحلقة (533) شرح سنن أبي داود [505] اعتبرت الشريعة الغراء الحفاظ على النفس من مقاصدها العظيمة، لذا فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة. فمن قتل قتيلاً متعمداً دفع إلى أولياء الدم، وهم بالخيار بين: القصاص، العفو لا إلى بدل، العفو إلى بدل (الدية)، وللإمام أن يأمر بالعفو لا على جهة الإلزام، ولا يؤخذ أحد بجريرة أحد. النفس بالنفس شرح حديث ابن عباس الذي فيه تحاكم بني النضير وبني قريظة إلى النبي في قتيل بينهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الديات. باب النفس بالنفس. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله -يعني ابن موسى - عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فودي بمائة وسق من تمر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتوه فنزلت: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50]). قال أبو داود : قريظة والنضير جميعا ًمن ولد هارون النبي عليه الصلاة السلام ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الديات ]. الديات: جمع دية، والدية: هي ما يدفع من المال مقابل قتل نفس، سواءً كانت الدية عن خطأ وهي مقدرة، أو كانت عن عمد إذا تنازل أهل القتيل عن القصاص وطلبوا الدية. والمقصود من هذا الكتاب ما يتعلق بالديات وهي الأموال التي تكون مقابل النفس، وما يتعلق بالقصاص الذي هو النفس بالنفس. وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأبواب، منها ما يتعلق بالقصاص، ومنها ما يتعلق بالديات. وأول باب أورده: [ باب: النفس بالنفس ]. أي: أن النفس تقتل بالنفس قصاصاً. وإذا أراد أولياء القتيل التنازل عن القتل وأرادوا أن يأخذوا الدية، فلهم أن يأخذوا الدية، ولهم أن يأخذوا أكثر من الدية المقدرة في مقابل تنازلهم عن القتل، ولهم أن يعفوا، كل ذلك لهم، وأما الدية في قتل الخطأ فإنها محددة ومقدرة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن بني النضير وقريظة من اليهود، وكان بنو النضير أشرف من بني قريظة، وكانوا إذا قتل نضيري قرظياً فإنه لا يقتل النضيري بالقرظي، والقرظي يقتل بالنضيري، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة، طلب بنو قريظة النضيري من أجل أن يقتلوه في مقابل قتيلهم، فامتنع بنو النضير من ذلك بناءً على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن هؤلاء أشرف من هؤلاء، وأن هؤلاء لا يقتلون بأولئك وأولئك يقتلون بهؤلاء، فأبوا أن يسلموه، ولما امتنع بنو النضير من تسليم القاتل لبني قريظة ليقتلوه، قالوا: بيننا وبينكم محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إليه. وكانت الطريقة كما قال ابن عباس : أن القرظي يقتل بالنضيري والنضيري لا يقتل بالقرظي، وإنما يودى أو يدفع عنه مائة وسق من التمر في مقابل قتله إياه، ولا يقتل به. فترافع بنو النضير وبنو قريظة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءوا إليه وأخبروه، وطلبوا منه أن يحكم بينهم، وقد جاء في القرآن: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42] والقسط: هو العدل، الذي هو النفس بالنفس، وأنزل الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50] أي: أيريدون أن يبقوا على ما كانوا عليه في الجاهلية من أن الشريف لا يقتل بمن دونه، والذي هو دونه يقتل به، ولا يريدون حكم الله سبحانه وتعالى؟! تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس الذي فيه تحاكم بني النضير وبني قريظة إلى النبي في قتيل بينهم قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله - يعني ابن موسى - ]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن صالح ]. هو علي بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : قريظة والنضير جميعاً من ولد هارون النبي عليه الصلاة والسلام ] أي: أن قريظة والنضير، هم من ولد هارون النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أخو موسى عليه الصلاة والسلام. لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه وأبيه شرح حديث أبي رمثة (... أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبيد الله -يعني ابن إياد - حدثنا إياد عن أبي رمثة قال: (انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكاً من ثبت شبهي في أبي ومن حلف أبي علي، ثم قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164])]. يقول المصنف رحمه الله: [ باب لا يؤخذ بجريرة أخيه أو أبيه ]. أي: أنه لا يؤخذ أحد بذنب الآخر، ولا يعاقب أحد من أجل أن غيره جنى، بل العقوبة على الجاني والعاصي، وأما الذي لم يحصل منه جناية ولا معصية؛ فإنه لا يعاقب ولا يؤخذ البريء بجريرة المذنب العاصي الجاني، وقد كان في الجاهلية يؤخذ الشخص بجريرة غيره. وقد أورد أبو داود حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه: أنه جاء مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قوي الشبه بأبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لوالد أبي رمثة : [ (ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: حقاً؟ قال: أشهد به)]. قوله: [ (قال: حقاً) ] أي: أنه ولدك؟ قوله: [ (قال: أشهد به) ] أي: أشهد على ذلك، أو اشهد بذلك أنت يا رسول الله! والرسول صلى الله عليه وسلم رأى قوة الشبه بينه وبينه. قوله: [ (أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)]. أي: لا يؤخذ بجنايتك ولا تؤخذ بجنايته. وليس معنى ذلك عدم حصول الجناية من الولد للوالد أو من الوالد للولد، فقد يجني الوالد على الولد وقد يجني الولد على الوالد؛ ولكن المقصود المؤاخذة، وأن الواحد لا يؤاخذ بذنب الثاني، وإنما كل يؤاخذ بذنبه. فالمذنب هو الذي يؤاخذ بما ارتكبه من جناية أو معصية، ولا يؤاخذ به ولده ولا والده، وهكذا لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. قوله: [ (وقرأ: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]) ] أي: لا يعاقب شخص بجناية غيره أو بوزر غيره؛ وإنما المذنب والجاني هو الذي يعاقب، والبريء لا عقوبة عليه. تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة (... أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله يعني ابن إياد ]. عبيد الله بن إياد صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إياد ]. إياد هو أبوه، وهو ثقة، أخرج له الذين أخرجوا لابنه. [ عن أبي رمثة ]. هو رفاعة بن يثربي، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي ، وهذا يعتبر من أعلى الإسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي. الإمام يأمر بالعفو في الدم شرح حديث (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)]. قوله: [ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم ] أي: أنه يشفع إلى أولياء القتيل من أجل أن يعفوا عن القاتل. وهذا يبين أن القصاص ليس كالحدود التي لابد من تنفيذها، وأنه لا يشفع فيها لا من جهة الإمام ولا من جهة غيره، فإذا وصلت إلى الإمام فلا شفاعة في الحدود؛ ولهذا جاء في الحديث الذي سبق في حق أسامة بن زيد : (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار. فهذا يبين أن القصاص ليس من هذا القبيل؛ وذلك أن الحق في القصاص للمخلوق، فله أن يتركه ويتنازل عنه، ولغيره أن يشفع عنده حتى يتنازل عنه. ولهذا اختلف العلماء هل يقال له: حد أو لا؟ ولو قيل: إنه من الحدود، فإنه مستثنى من منع الشفاعة فيه، بل الشفاعة فيه سائغة، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الترغيب في ذلك. وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (من أصيب بقتل) ] وهو إزهاق النفس. قوله: [ (أو خبل) ] الخبل هو الجرح. قوله: [ (فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية) ] يعني: إذا كان القاتل قتل عمداً فيقتص أولياء القتيل من القاتل فيقتل، أو يحصل العفو منهم فيتركونه دون أن يقتلوه ودون أن يأخذوا منه دية، أو يأخذوا منه دية. وسواءً كانت تلك الدية هي المقدرة أو أكثر منها؛ لأن أخذهم للدية هو مقابل تنازلهم عن حق لهم، وإذا لم يعطوا ما يريدون فلهم أن يقتلوا القاتل قصاصاً، وإذا طلبوا شيئاً وأعطوا إياه فإنه يسقط حقهم في القتل قصاصاً. قوله: [ (فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه) ] أي: إذا طلب شيئاً أكثر مما حدد له وقدر، وهو أحد هذه الأمور الثلاثة، أو حصل منه اعتداء أو شيء لا يجوز الإقدام عليه، فيؤخذ على يده ويمنع، وليس إلا أحد هذه الأمور الثلاثة فقط. قوله: [ (ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) ] أي: بعدما يأخذ حقه أو يتنازل عن حقه، سواء القصاص أو الدية، أو عفا عنهما، ثم عاقب فإنه يكون معتدياً، وللمعتدي عذاب أليم. تراجم رجال إسناد حديث (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحارث بن فضيل ]. الحارث بن فضيل ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن سفيان بن أبي العوجاء ]. سفيان بن أبي العوجاء ضعيف، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي شريح الخزاعي ]. أبو شريح الخزاعي رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعيف الإسناد؛ لأن فيه سفيان بن أبي العوجاء ، وهو ضعيف، ولكن معناه صحيح من جهة أن هناك قصاصاً، أو عفواً مطلقاً عن القصاص والدية، أو عفواً عن القتل مع أخذ الدية. شرح حديث (ما رأيت رسول الله رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [ (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) ] يعني: أمر بالعفو أمر إرشاد وترغيب، وليس أمر إيجاب؛ لأن هذا حق لهم، ولكن يرغبون في العفو. فأنس رضي الله عما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه كان يأمر ويرغب ولي القتيل بالعفو عن القصاص مطلقاً، أو العفو عن القتل مع أخذ الدية. تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني ]. عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء بن أبي ميمونة ]. عطاء بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث (قتل رجل على عهد النبي فرفع ذلك إليه، فدفعه إلى ولي المقتول ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله! والله ما أردت قتله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته دخلت النار، قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قتل رجلاً فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه لولي القتيل ليقتله، فقال القاتل: [ (يا رسول الله والله ما أردت قتله)] أي: أنه لم يقتله عمداً وإنما قتله خطأً. قوله: [ (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للولي: أما إنه إن كان صادقاً) ] أي: إن كان صادقاً في أنه لم يكن متعمداً. قوله: [ (ثم قتلته دخلت النار) ] لأنك قتلت معصوماً لا يستحق القتل. فما دام الأمر دائراً بين أن يكون عمداً وأن يكون خطأً، فهذه شبهة يدرأ بها الحكم، ولا يصار للحكم الأشد مع احتمال ذلك. ودفع النبي صلى الله عليه وسلم القاتل لولي المقتول على اعتبار أنه اعترف بالقتل، ولكنه قال بعد ذلك: إني ما أردت قتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد هذا الولي إلى أن يتركه، وذلك أولى من أن يقتله. ولكن لو أراد أن يأخذ الدية فله ذلك، وإذا أراد أن يعفو عن هذا وهذا فهذا من الأمور المحمودة الطيبة. قوله: [ (قال: فخلى سبيله، قال: وكان مكتوفاً بنسعة، فخرج يجر نسعته، فسمي ذا النسعة)]. النسعة سير كان مربوطاً به. وهذا فيه دليل على أن الشخص الذي يخشى انفلاته فإنه يوثق ويمسك حتى لا يهرب. تراجم رجال إسناد حديث (قتل رجل على عهد النبي فرفع ذلك إليه، فدفعه إلى ولي المقتول ...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ أخبرنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وهذا يدخل تحت القاعدة المشهورة: الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، أي: إذا كان هذا وهذا محتملاً فالخطأ في العفو أحسن من الخطأ في العقوبة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث وائل بن حجر (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا يحيى بن سعيد عن عوف حدثنا حمزة أبو عمر العائذي حدثني علقمة بن وائل حدثني وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة، قال: فدعا ولي المقتول فقال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما ولى قال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته يجر النسعة)]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه: أن رجلاً قاتلاً جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إلى ولي القتيل، فأراد أن يقتله، فذهب به، فلما ولى قال: (أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به)] أي: أنه لما ولى عرض عليه العفو أو أخذ الدية، لكنه أبى أن يأخذ الدية أو يعفو، بل أراد أن يقتل، ثم كرر عليه ذلك مراراً، ثم قال: [ (أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه) ]. هذا فيه ترغيب في العفو، وأن الإنسان إذا عفا فإنه يبقى حق القتيل في ذمة القاتل؛ لأنه لم يقم عليه الحد الذي يكون كفارة له، على القول بأن القصاص هو من جملة الحدود التي هي كفارات؛ فيبوء ذلك القاتل الذي عفي عنه بإثمه وكذلك بإثم صاحبه الذي قتله. والمقصود بذلك الذنب هو القتل، أما لو أنه أقيم الحد، فمعنى ذلك أنه أخذ حقه وصار القصاص كفارة، وتبقى على القاتل خطاياه وذنوبه من غير هذه الجناية، فالتكفير إنما هو لذنب القتل فقط، وإذا عفا عنه فإن ذنب هذه الجناية يبقى عليه، فيأخذ المقتول حقه منه يوم القيامة، وتبقى عليه ذنوبه الأخرى أيضاً. تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة ...) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف ]. هو عوف الأعرابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حمزة أبو عمر العائذي ]. حمزة أبو عمر العائذي صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني علقمة بن وائل ]. هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني وائل بن حجر ]. وائل بن حجر صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. سماع علقمة بن وائل بن حجر من أبيه هذا فيه أن علقمة بن وائل قد سمع من أبيه؛ لأنه يروي بالتحديث، حيث قال: حدثني وائل بن حجر، وقد خرج له مسلم ، وهذا مما خرجه مسلم ، فروايته ثابتة عنه، و ابن حجر في التقريب قال: إنه لم يسمع من أبيه، والصحيح أنه قد سمع، وإنما الذي لم يسمع من أبيه هو عبد الجبار بن وائل وأما علقمة فإنه قد سمع، وهذا مما سمعه من أبيه، وقد روى عنه مسلم بعض أحاد يث، ومعلوم أن مسلماً لا يروي إلا أحاديث متصلة. طريق أخرى لحديث وائل بن حجر وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثني جامع بن مطر حدثني علقمة بن وائل بإسناده ومعناه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثني جامع بن مطر ]. جامع بن مطر صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي . شرح حديث (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحبشي، فقال: إن هذا قتل ابن أخي، قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله، قال: هل لك مال تؤدي ديته؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال: لا، قال: فمواليك يعطونك ديته؟ قال: لا، قال للرجل: خذه، فخرج به ليقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما إنه إن قتله كان مثله، فبلغ به الرجل حيث يسمع قوله، فقال: هو ذا فمر فيه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، وقال مرة: دعه يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار، قال: فأرسله)]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه شيئاً من التفصيل، فالأول فيه إجمال، وهذا فيه تفصيل. قوله: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي)]. يعني: أتى برجل من الحبشة وهو عبد. قوله: [ (فقال: إن هذا قتل ابن أخي، قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله)]. يبدو أنه الذي مر في الحديث السابق الذي قال: ما أردت قتله. ولكن الفأس أداة قتل، وليس هناك احتمال غير القتل؛ لأنه ضرب رأسه بالفأس، وما دام أنه حصل الضرب بالفأس عمداً وهو شيء يقتل، فقوله: (ولم أرد قتله) لا ينفعه وكذلك لو ضرب شخص بسكين وهي من الأشياء القاتلة وقال: لم أرد قتله، فلا ينفعه هذا الكلام، وإلا لذهب كل شخص يجني على غيره ويقول: لم أرد قتله. قوله: [ (قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله، قال: هل لك مال تؤدي ديته؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال: لا، قال: فمواليك يعطونك ديته؟ قال: لا، قال للرجل: خذه، فخرج به ليقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه إن قتله كان مثله)]. أي: كان مثله جانياً، على اعتبار أن استحقاق القتل ليس متيقناً. قوله: [ (فبلغ به الرجل حيث يسمع قوله، فقال: هو ذا فمر فيه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، وقال مرة: دعه يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار، قال: فأرسله)]. أي: أنه يستحق العقوبة، وكما هو معلوم بالنسبة لحقوق الآدميين فإنه يقتص بعضهم من بعض يوم القيامة، وليس هناك إلا الحسنات والسيئات، فإذا كان مع المقتص منه حسنات أخذ منها وأعطيت للمجني عليه، وإذا لم يكن معه منه حسنات، فإنه يؤخذ من سيئات المجني عليه وتلقى على الجاني ثم يلقى في النار، ولكن كل ما كان دون الشرك فإنه يحتمل شفاعة الله عز وجل، وإذا عذب فلابد من خروجه من النار وإدخاله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلوها. تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحبشي فقال: إن هذا قتل ابن أخي ...) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا عبد القدوس بن الحجاج ]. هو عبد القدوس بن الحجاج أبو المغيرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي ]. يزيد بن عطاء الواسطي لين الحديث، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و أبو داود . [ عن سماك عن علقمة عن أبيه ]. وقد مر ذكر الثلاثة. والحديث صححه الشيخ الألباني ؛ لأنه كما هو معلوم مثل الذي قبله. شرح حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه قال: (كنا مع عثمان رضي الله عنه وهو محصور في الدار، وكان في الدار مدخل من دخله سمع كلام من على البلاط، فدخله عثمان فخرج إلينا وهو متغير لونه، فقال: إنهم ليتواعدونني بالقتل آنفاً، قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين! قال: ولم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط، ولا أحببت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفساً، فبم يقتلونني؟). قال أبو داود : عثمان و أبو بكر رضي الله عنهما تركا الخمر في الجاهلية ]. أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه لما توعده الخارجون عليه الذين حاصروه في داره بالقتل، وآل الأمر إلى قتله رضي الله عنه وأرضاه، قال: [ (ولم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس) ] ثم أخبر أنه ما زنى في الجاهلية ولا في الإسلام، يعني: أن الله قد حفظه في جاهليته وفي إسلامه رضي الله عنه وأرضاه فلم يقع منه الزنا، وكذلك لم يقتل أحداً، وكذلك لم يرض بدينه بديلاً، ولن يصير منه ذلك، ومعنى ذلك أن قتلهم له كان بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أمامة بن سهل ]. هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا مع عثمان رضي الله عنه ]. هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث قصة قتل محلم الليثي لرجل من أشجع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: سمعت زياد بن ضميرة الضمري (ح) وحدثنا وهب بن بيان وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي -وهذا حديث وهب وهو أتم- يحدث عروة بن الزبير عن أبيه، قال موسى : وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً، ثم رجعنا إلى حديث وهب : (أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلاً من أشجع في الإسلام، وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتكلم عيينة في قتل الأشجعي، لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم ؛ لأنه من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة : لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل عليه شكة وفي يده درقة، فقال: يا رسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها، اسنن اليوم وغير غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خمسون في فورنا هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره، و محلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى، فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم ، بصوت عال، زاد أبو سلمة : فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق : فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك). قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ]. أورد أبو داود حديث سعد بن ضميرة رضي الله عنه: [ (أن محلم بن جثامة قتل رجلاً من أشجع في الإسلام)]. أي: في أول الإسلام. قوله: [ (وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. يعني: أول دية قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فتكلم عيينة في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم ؛ لأنه من خندف)]. يعني: واحد تكلم في القتيل، والثاني تكلم في القاتل. قوله: [ (فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟)]. عيينة هو الذي يحاج عن الأشجعي. قوله: [ فقال (عيينة : لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي)]. الحرب قيل: هو نهب المال، وقيل: إن المقصود بها الحرب بالسكون، أي: لا بد أن يصير هناك إخافة وقتل مثلما حصل القتل والإخافة وفي عون المعبود: الحرب: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، أي: المقاتل. قوله: [ (قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة ! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل عليه شكة وفي يده درقة)]. الشكة: السلاح، والدرقة: هي الترس من الجلد ليس بها خشب ولا عصب. قوله: [ (فقال: يا رسول الله! إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها)]. يعني: لا أجد لهذا مثلاً إلا الغنم التي رمي أولها فحصل النفار في آخرها. ومكيتل ليثي من قبيلة محلم فهو يقصد بهذا المثل عيينة ؛ لأنه مقابله وهو غطفاني. قوله: [ (اسنن اليوم وغير غداً)]. هذا مثل ضربه لترك القتل، كما أن الأول ضربه للقتل؛ ولذلك ترك العطف. ومعناه: قرر حكمك اليوم وغيره غداً؛ لأنك إذا تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد فإنه يصير ذلك كهذا المثل. وقال ابن الأثير في النهاية: اسنن اليوم وغير غداً، أي: اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير ما سننت، وقيل: غير من أخذ الغير وهي الدية . وقال الخطابي : هذا مثل يقول: إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غداً، ولم ينفذ حكمك بعدك، وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلاً إلى أن يقول مثل هذا القول، أعني قوله: اسنن اليوم وغير غداً، فتتغير لذلك سنتك وتتبدل أحكامها. وقال السيوطي في مرقاة الصعود: إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه ألا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة. يعني: إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام لمعرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض، خصوصاً وهم حراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: اسنن اليوم وغير غداً، يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب، ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره)]. وهذه هي الدية تسلم خمسون، وتؤجل خمسون إلى الرجوع إلى المدينة، وكان هذا في سفر. قوله: [ (و محلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس)]. يعني فيه سمرة . قوله: [ (فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال، زاد أبو سلمة : فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق : فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك) ]. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مقبولاً، والمقبول ليس بحجة. تراجم رجال إسناد حديث قصة قتل محلم الليثي لرجل من أشجع قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا محمد بن إسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ]. محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت زياد بن ضميرة ]. زياد بن ضميرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ ح وحدثنا وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ و أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن الحارث ]. عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ]. أبوه هو سعد بن ضميرة السلمي وهو صحابي، وجد زياد صحابي، أخرج له أبو داود . وجد زياد أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قال أبو داود : قال النضر بن شميل : الغير: الدية ]. هذا تفسير للغير بأنها الدية." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود [506] جاء الإسلام داعياً إلى حرمة دم المسلم، فمن قتل قتيلاً دفع إلى أولياء المني عليه، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا على عوض أو بدون عوض، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا حر بعبد، ولا يعفى من العقوبة من قتل بعد أخذ الدية، ومن سقى غيره سماً قتل به، ومن قتل عبده قتل به، ومن جدع أنف عبده جدع به، ومن خصى عبده خُصى به. ولي العمد يرضى بالدية شرح حديث (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ولي العمد يرضى بالدية. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن أبي ذئب حدثني سعيد بن أبي سعيد قال: سمعت أبا شريح الكعبي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين: بين أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا)]. قوله: [ باب ولي العمد يرضى بالدية ]. أي: أن من حقه أن يقتص، ومن حقه أن يأخذ الدية، ومن حقه أن يعفو عن القصاص وعن الدية. فكل هذه الأمور الثلاثة لولي الدم أن يأخذ بأي شيء منها، فإن اختار ولي العمد القود اقتص من القاتل، وإن عفا عن القتل وأخذ الدية أخذها، وإن عفا عن القتل والدية فله ذلك. وقد أورد أبو داود حديث أبي شريح الخزاعي الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله) ]. أي: وإني دافع الدية، والعقل هو الدية. قوله: [ (فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا) ]. الذي يبدو أنه قتل عمد؛ لأن قتل الخطأ ليس فيه إلا أخذ الدية، وهو حكم مستمر، وقوله: [ (بعد مقالتي هذه) ] يعني: أن صاحب الدم هو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يأخذ الدية . فالذي يفهم من الحديث: أن هذا قتل عمد وليس خطأ؛ لأنه قال: [ (بعد مقالتي هذه) ] وكأن هذا حكم انتهى وأنه في المستقبل من قتل عمداً فإن صاحب الدم الذي هو ولي القتيل مخير بين شيئين: إما أن يقتص وإما أن يأخذ الدية. تراجم رجال إسناد حديث (ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله ...) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا شريح الكعبي ]. أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى أو يقاد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى (ح) وحدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني أبو داود حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: (لما فتحت مكة قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى، أو يقاد، فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتب لي، قال عباس بن مزيد : اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه) وهذا لفظ حديث أحمد . قال أبو داود : (اكتبوا لي) يعني: خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل حديث أبي شريح . فالحديثان مؤداهما واحد، وهو أن ولي القتيل مخير بين هذا وهذا، وهو: إما أن يقتص، أو يترك القصاص ويتحول إلى الدية. وفيه: أن رجلاً من أهل اليمن يقال له: أبو شاه قال: (اكتبوا لي) أي: اكتبوا لي هذه الخطبة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على جواز كتابة العلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكتب لأبي شاه ذلك الشيء الذي طلبه، وهي هذه الخطبة المشتملة على هذه الأحكام. تراجم رجال إسناد حديث (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى أو يقاد...) قوله: [ حدثنا عباس بن الوليد بن مزيد ]. عباس بن الوليد بن مزيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرني أبي ] أبوه الوليد بن مزيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثني أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حرب بن شداد ]. حرب بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. قوله: [ قال العباس ]. هو العباس بن الوليد . شرح حديث (لا يقتل مؤمن بكافر، ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يقتل مؤمن بكافر، ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا أخذوا الدية)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يقتل مؤمن بكافر) ] أي: أنه لا يقاد مؤمن بكافر، ثم ذكر محل الشاهد من الترجمة الذي فيه: [ (ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول)]. يعني: يدفع إلى أولياء المقتول ليقتلوه، أو يأخذوا الدية، وهو مثل حديث أبي شريح وحديث أبي هريرة المتقدمين. تراجم رجال إسناد حديث (لا يقتل مؤمن بكافر ومن قتل مؤمناً متعمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية) قوله: [ حدثنا مسلم ]. هو مسلم بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة، وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم من قتل بعد أخذ الدية شرح حديث (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل بعد أخذ الدية. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا مطر الوراق وأحسبه عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية)]. قوله: [ باب من قتل بعد أخذ الدية ]. أي: أنه تجاوز الحد؛ لأن الذي له: إما القتل أو الدية، فإذا تنازل عن القتل سقط حقه فيه، فلا سبيل إلى القتل، وإنما الذي له هو هذا الذي انتهى إليه من أخذ الدية. قوله: [ (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية)]. لأنه حصلت منه الجناية، وحقه من القتل سقط، بل لو تنازل واحد من ورثة القتيل فإن القود والقصاص يسقط، ويكون الأمر راجعاً إلى أخذ الدية فقط، فمن اعتدى بعد أخذه الدية فمعناه أنه تجاوز الحد. والحديث في إسناده انقطاع؛ لأن الحسن لم يسمع من جابر رضي الله تعالى عنه. تراجم رجال إسناد حديث (لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا مطر الوراق ]. مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ وأحسبه عن الحسن ]. يعني: فيه شك. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله صحابي جليل، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات شرح حديث (أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)]. قوله: [ باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ ]. ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فالمرأة كذلك، سواء كانت ساقية أو مسقية، وإنما يخاطب الرجال بالأحكام في الغالب، ولهذا يأتي ذكر الرجال أو الرجل دون النساء في تراجم الأبواب وفي كلام العلماء، والحكم لا يختص بالرجل دون المرأة، وكذلك يأتي في الأحاديث ذكر الحكم مضافاً إلى الرجل وهو لا يختص بالرجل، بل الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاء دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم دون النساء فإنه يختص بهم، أو جاء دليل يختص بالنساء دون الرجال فإنه يختص بهن. وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ومن قتل غيره بسم سقاه إياه أو أطعمه إياه ومات بسبب ذلك، فإنه يقاد منه، بل إن القود يكون بالمماثلة فيقتل بما قتل به، فإذا قتل بسم قتل بسم، وإذا ألقى المقتول من شاهق ألقي القاتل من شاهق، وإذا قتل بأي شيء قتل به، إلا أن يكون ذلك الفعل محرماً لا يجوز فعله في حق الرجل أو المرأة، فإنه لا يفعل به الفعل المحرم الذي فعله بغيره. ومن الأدلة على ذلك: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهودي الذي رض الجارية بين حجرين فأمر صلى الله عليه وسلم أن يرض بين حجرين؛ لأن هذه مماثلة، والقصاص يكون بالمماثلة، وإذا أراد أن يقتص بشيء آخر أقل منه فإنه لا بأس بذلك، ولكن القتل بالمماثلة سائغ وجائز. وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)]. هذه امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام شاة مشوية ووضعت فيها سماً، وجعلت قسطاً كبيراً من السم في الذراع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الذراع، ولما أكل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه بعض أصحابه تكلمت الذراع، أنطقها الله عز وجل وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة، فامتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأكل وأمر الذين معه أن يمتنعوا عن الأكل، ثم دعا بالمرأة فسألها عن ذلك، فقالت: أردت أن أقتلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي) ] شك من الراوي. [ (فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا) ]. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينتقم لنفسه، ولكنه جاء في بعض الروايات أنه أمر بقتلها؛ لأنه مات بسببها بعض أصحابه. إذاً: التوفيق بين ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قتلها لما استأذنوه، وبين أنه أمر بقتلها كما جاء في بعض الروايات: أن نهيه عن قتلها كان فيما يتعلق به، فهي قد سمته فلم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما مات بعض أصحابه بسبب ذلك السم أمر بقتلها فقتلت. قال أنس : [ (فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: كأنها علامة سواد أو شيء من التغير في لهواته صلى الله عليه وسلم. أما كيف قتلها فلا نعلم أقتلها بالسم أو غيره، لكن كما عرفنا أن من قتل بشيء قتل به، ويجوز أن يقتل بغير ما قتل به. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها ...) قوله: [ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ]. يحيى بن حبيب بن عربي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خالد بن الحارث ]. هو خالد بن الحارث الهجيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن زيد ]. هشام بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فما عرض لها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن رشيد حدثنا عباد بن العوام (ح) وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد و أبي سلمة قال هارون : عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة مسمومة، قال: فما عرض لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم). قال أبو داود : هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (أن امرأة من اليهود أهدت شاة مسمومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما عرض لها رسول الله عليه الصلاة والسلام) ] أي: لم يعاقبها عليه الصلاة والسلام على ذلك الفعل الذي حصل منها؛ لأنه لم ينتقم لنفسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفيه: قبول الهدايا من الكفار، وأن ذلك سائغ، لاسيما إذا كان في ذلك القبول مصلحة وفائدة، وهي كونهم يميلون إلى الإسلام ويتجهون إليه، فإن مثل ذلك أمر مطلوب، وكذلك إذا كانوا جيراناً فإنه يتعامل معهم بالإحسان إليهم؛ لأن ذلك من أسباب هدايتهم ودخولهم في الإسلام. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فما عرض لها) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عباد بن العوام ]. عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وهارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباد عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين ثقة في غير الزهري ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد]. هو سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين باتفاق. [ وأبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على اختلاف في السابع منهم. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. و الألباني ضعف الحديث، ولعله لأن سفيان بن حسين يروي عن الزهري ، وهو ضعيف في روايته عن الزهري ، لكن معناه مستقيم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قالوا له: (أنقتلها؟ قال: لا) فهذا متفق مع ذلك من ناحية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قتلها انتقاماً لنفسه، ولكنه بعد ذلك قتلها لما مات بسبب سمها بعض أصحابه. [ قال أبو داود : هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: هذه المرأة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم هي أخت مرحب اليهودي. شرح حديث جابر (أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: (كان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذراع، فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟! قال: أخبرتني هذه في يدي، للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت: إن كان نبياً فلن يضره، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار)]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأكل منها رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه رهط من أصحابه، ثم أمرهم أن يرفعوا أيديهم وأن يمتنعوا من الأكل؛ لأنها مسمومة، وبعد ذلك دعا باليهودية وسألها: أسممت هذه الشاة؟ قالت: نعم، قال: وما حملك على ذلك؟ قالت: إن كنت نبياً فلن يضرك وإن كنت غير نبي استرحنا منك. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبها ولم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ لكن لما توفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة بسبب سمها، بعد ذلك أمر بقتلها؛ من أجل أنها قتلت بعض أصحابه. قوله: [ (واحتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة)]. الكاهل: هو أعلى الظهر من جهة الرقبة. قوله: [ (حجمه أبو هند بالقرن والشفرة)]. قيل: إن القرن مكان، وقيل: إنه قرن يستعمل بدل آلة الحجامة، والشفرة هي السكين. تراجم رجال إسناد حديث جابر (أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد الله ]. ابن شهاب و جابر مر ذكرهما. وهذا الحديث فيه انقطاع بين ابن شهاب وبين جابر رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (أن رسول الله أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية، نحو حديث جابر، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ فذكر نحو حديث جابر ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سلمة مرسلاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قصة اليهودية، وهو قريب من الذي قبله حديث جابر ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها لما مات بسببها بشر بن البراء بن معرور الأنصاري رضي الله عنه. وفيه: أنه لم يذكر الحجامة التي جاءت في الحديث الأول وهو مرسل، لكن جاء ما يشهد له. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ...) قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي [ حدثنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقد مر ذكره. شرح حديث (كان رسول الله يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة) [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة)]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة) ]. لما ذكر في الحديث السابق أن الشاة قد أهديت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أتى بهذا الحديث ليبين أنه كان يقبل الهدية من المسلمين وغير المسلمين، ولكنه كان يأخذ الهدية ويكافئ عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقبوله للهدية تطييباً لخواطر من يهدي من المسلمين، وكذلك من غير المسلمين تأليفاً واستجلاباً ممن يؤمل أن يدخل في الإسلام. وهذا كما هو معلوم فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية، أما أصحاب الأعمال كالموظفين وغيرهم فلا يجوز لهم قبول الهدايا، وبعض الناس قد يستدل لجواز قبول الهدايا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، ولكن غيره ليس مثله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم وغيره ليس بمعصوم، ثم أيضاً جاءت أحاديث تدل على منع قبول الهدايا منها حديث: (هدايا العمال غلول) كما سبق أن مر بنا. إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وكان يكافئ على الهدية، وغيره ليس مثله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يأكل الصدقة؛ لأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وإسناد هذا الحديث هو نفس الإسناد السابق. شرح حديث (كان رسول الله يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأهدت له يهودية بخيبر شاة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية في موضع آخر عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ولم يذكر أبا هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، زاد: فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم؛ فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري ، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري)]. أورد أبو داود حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو مرسل، وقد ذكر ما في الحديث السابق المتصل عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، وزاد أنه أهدت له امرأة يهودية شاة مشوية، وجعلت فيها سماً فأكل منها، فكلمته الذراع التي أكل منها رسول الله والتي نهس منها عليه الصلاة والسلام بأن فيها سماً. وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث حصل أمر خارق للعادة، فقد أطلعه الله عز وجل عليها فأخبر بها. وفي هذا وأمثاله دليل على أن الكلام قد يكون بغير لسان وحنجرة ومخارج حروف، ليس كما يقوله بعض الفرق الضالة: إنه لا بد في الكلام من لهاة ولسان وحنجرة ومخارج حروف، ولهذا يؤولون كلام الله عز وجل، ويقولون: إن الله لا يتكلم بصوت يسمع؛ قالوا: لأننا لو أثبتنا أنه يتكلم بصوت يسمع للزم أن يكون له لهاة وحنجرة ولسان وشفتان ومخارج حروف، فيكون هناك مشابهة للمخلوقين، وهذا كلام باطل؛ لأن الكلام يثبت لله عز وجل على وجه يليق به، ولا يلزم من الإثبات التشابه بينه وبين المخلوقين، وهناك إثبات مع تشبيه وهذا باطل لاشك فيه، وهناك إثبات مع تنزيه وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه. فهذا الحديث وأمثاله يدل على بطلان هذا الذي قالوه: أن الكلام لا يتصور إلا بحنجرة ولهاة ولسان ومخارج حروف، فهذه الذراع من تلك الشاة أنطقها الله عز وجل وتكلمت، وكذلك الحجر الذي كان بمكة، كان يسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا مر به ويقول: (السلام عليك يا محمد) . فالله تعالى أنطق الحجر وأنطق الذراع ولم يكن ذلك بالصورة أو بالكيفية التي يتخيلونها ويتصورونها، فإذا كانت هذه المخلوقات وجد منها الكلام على وجه لا يشبه ما هو موجود في المخلوقين، فالله عز وجل يتكلم كلاماً يليق بجلاله ولا يكون مشابهاً لخلقه. فقولهم: إنه لا يتصور الكلام إلا بكذا وكذا وكذا، هذا كلام غير صحيح؛ لأنه وجد الكلام من بعض المخلوقات على وجه يخالف ما هو معلوم ومشاهد في المخلوقين. إذاً: الله عز وجل يتكلم وكلامه يليق به، ولا يلزم من إثبات الكلام التشبيه؛ لأننا عرفنا أن هذه المخلوقات التي وجد منها الكلام لم يكن بهذه الطريقة التي يقولون: إنه لا يتصور الكلام إلا بكذا وكذا وكذا إلى آخره. قوله: [ (قالت: وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت)]. اليهود كانوا يعرفون أنه رسول الله وأنه نبي، وهم يعرفون ذلك من كتبهم، ولكن الحسد والبغي حملهم على ذلك، فقولها: إن كنت نبياً وإن كنت ملكاً، هذا كلام غير صحيح، فهم يعلمون ويعرفون أنه نبي، وقد جاءت صفاته وصفات أصحابه في كتبهم، كما جاء في آخر سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح:29]الآية. فالرسول صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة والإنجيل، وكذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ذكروا في التوراة والإنجيل. قوله: [ (ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري)]. الأبهر: هو العرق الذي به الحياة، بحيث إذا انقطع مات صاحبه، والمقصود من ذلك أن أثر ذلك السم كان موجوداً معه صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، فقد كان يجد أثر ذلك السم بين حين وآخر، حتى جاء الأجل وقبض الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورفعه إلى الرفيق الأعلى. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ] هو نفس الإسناد السابق. شرح حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه: (أن أم مبشر رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: ما يتهم بك يا رسول الله؟ فإني لا أتهم بابني شيئاً إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطع أبهري)]. أورد حديث أم مبشر الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: [ (ما يتهم بك؟) ] أي: ذلك الأثر الذي كان معه، وأنه كان يحس بالأثر. قولها: [ (فإني لا أتهم بابني شيئاً إلا الشاة) ]؛ لأن ابنها الذي هو بشر بن البراء بن معرور مات من تلك الشاة المسمومة. قوله: [ (وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطع أبهري) ] هذا مثل الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن ابن كعب بن مالك ]. هو عبد الله بن كعب بن مالك، وهو ثقة، ويقال: له رؤية أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه ]. هو كعب بن مالك رضي الله عنه الصحابي الجليل، أحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم وأنزل فيهم قرآناً يتلى، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن أم مبشر ]. هي أم مبشر الأنصارية، وهي صحابية. [ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أنه مرفوع. [ قال أبو داود : وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلاً عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: أنه أحياناً يأتي بالمرسل وأحياناً يأتي بالمتصل. [ وربما حدث به عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، وذكر عبد الرزاق أن معمراً كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلاً فيكتبونه ويحدثهم مرة به فيسنده فيكتبونه، وكل صحيح عندنا. قال عبد الرزاق : فلما قدم ابن المبارك على معمر أسند له معمر أحاديث كان يوقفها ]. قوله: [ فلما قدم ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أمه أم مبشر ، قال أبو سعيد بن الأعرابي : كذا قال: عن أمه، والصواب عن أبيه عن أم مبشر رضي الله عنها: (دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر معنى حديث مخلد بن خالد نحو حديث جابر رضي الله عنه، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى اليهودية فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ -فذكر نحو حديث جابر - فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر الحجامة) ]. أورد أبو داود حديث أم مبشر رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم، ليس فيه شيء جديد. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أم مبشر في الشاة المسمومة التي أهدتها اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن خالد ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا رباح ]. هو رباح بن زيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر عن الزهري ]. قد مر ذكرهما. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ عن أمه أم مبشر قال أبو سعيد بن الأعرابي : كذا قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه عن أم مبشر ] يعني: قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه عن أم مبشر ، ويكون المقصود بأبيه هو جده كعب؛ لأن الجد يقال له: أب. وأم مبشر هي حميمة بنت صيفي صحابية، أخرج لها مسلم و النسائي و ابن ماجة . وهي راوية الحديث الذي عند مسلم : (لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة). من قتل عبده أو مثل به شرح حديث (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟ حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه)]. قوله: [ باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟ ] هذا الترجمة مقصود بها قتل الرجل عبده، وكما عرفنا أن ذكر الرجل لا مفهوم له، فكذلك المرأة لو قتلت عبدها أو أمتها فإن النتيجة واحدة، وإنما ذكر الرجال لأن الخطاب في الغالب لهم، والحر لا يقتل بالعبد، إلا إذا حصل هناك تساهل وتهاون فيكون القتل تعزيراً من أجل أن يرتدع الناس وألا يقدموا على ذلك، وإلا فإن الحر لا يقتل بالعبد؛ لأن العبد له قيمة مالية يباع ويشترى بخلاف الحر، والأحاديث التي أوردها أبو داود هنا ضعيفة غير ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التي فيها: [ (من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه) ] أي: من مثل به بأن قطع أنفه أو شيئاً من أعضائه، وغالباً أن الجدع يكون في الأنف؛ لأن مقطوع الأنف يقال له: مجدوع. لكن الحديث ضعيف غير صحيح؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة . تراجم رجال إسناد حديث (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع أنفه جدعناه) قوله: [ حدثنا علي بن الجعد ]. علي بن الجعد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي وقد مر ذكره. [ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. سماع الحسن من سمرة الحسن عن سمرة الذي صح عنه سماعه حديث العقيقة، وما عدا ذلك فإنه لم يصح، وفي ذلك خلاف، فمنهم من قال: يقبل ويصح حديثه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه يرد مطلقاً، ومنهم من قال: يفصل بين حديث العقيقة وغير حديث العقيقة، والمشهور والأصح أن حديث العقيقة ثابت وغيره يحتاج إلى ما يؤيده، وإن كان لم يأت إلا من تلك الطريق فإنه لا يعول عليه. شرح حديث (من خصى عبده خصيناه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة بإسناده مثله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من خصى عبده خصيناه) ثم ذكر مثل حديث شعبة و حماد ]. وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه: [ (من خصى عبده خصيناه) ] أي: من قطع خصيتي عبده قطعنا خصيتيه، لكن كما سيأتي في الحديث الذي هو صحيح أو حسن: (أن رجلاً جب مذاكير عبد له، فجعله الرسول صلى الله عليه وسلم حراً وأعتقه عليه، ولم يفعل به ذلك الفعل). ترجمة رجال إسناد حديث (من خصى عبده خصيناه) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة بإسناده مثله ]. قتادة بإسناده مثله وقد تقدم. [ قال أبو داود : ورواه أبو داود الطيالسي عن هشام مثل حديث معاذ ]. أبو داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. شرح حديث (لا يقتل حر بعبد) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا سعيد بن عامر عن ابن أبي عروبة عن قتادة بإسناد شعبة مثله، زاد: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول: (لا يقتل حر بعبد) ]. هذه طريق أخرى وفيها: أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول: [ (لا يقتل حر بعبد) ]. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [ حدثنا سعيد بن عامر ]. سعيد بن عامر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن ابن أبي عروبة ]. هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة بإسناد شعبة مثله ]. شرح أثر الحسن (لا يقاد الحر بالعبد) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن قال: لا يقاد الحر بالعبد ]. أورد المصنف رحمه الله هذا الأثر الذي ينتهي إلى الحسن وفيه: [ لا يقاد الحر بالعبد ]. قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن قتادة عن الحسن ]. مر ذكرهم . شرح حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم للعبد الذي جب مذاكيره سيده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي حدثنا محمد بن بكر أخبرنا سوار أبو حمزة حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جارية له يا رسول الله. فقال: ويحك ما لك؟ قال: شر، أبصر لسيده جارية له فغار فجب مذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي بالرجل، فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فأنت حر، فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: على كل مؤمن أو قال: كل مسلم) قال أبو داود : الذي عتق كان اسمه روح بن دينار . قال أبو داود : الذي جبه زنباع . قال أبو داود : هذا زنباع أبو روح كان مولى العبد ]. أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: [ (جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جارية له يا رسول الله) ]. يعني: جارية لسيده نظر إليها فغار السيد من نظر العبد إليها؛ فجب مذاكير ذلك العبد عقوبة له على نظره إلى تلك الجارية. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالرجل فطلب فلم يقدر عليه) ]. كأنه هرب. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فأنت حر، فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: على كل مؤمن، أو كل مسلم) ]. الأصل أن العتيق نصرته على مواليه الذين يعتقونه، وهذا ليس له مولى أعتقه، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أعتقه فقال له: [ (اذهب فأنت حر) ] أعتقه على سيده، فقال: [ (على من نصرتي؟) ] والأصل أن المولى نصرته على مواليه الذين أعتقوه وهم يرثونه، فقال: [ (على كل مؤمن) ] يعني: هم الذين ينصرونه بدلاً من مواليه. تراجم رجال إسناد حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم للعبد الذي جب مذاكيره سيده قوله: [ حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي ]. محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي هو صدوق يغرب، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سوار أبو حمزة ]. سوار أبو حمزة صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] هو شعيب وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ] هو عبد الله بن عمرو وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد العبادلة الأربعة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [507] الحلقة (537) شرح سنن أبي داود [507] الأصل أن من قتل قتيلاً قتل به، إلا أن يعفو أولياء الدم، فإن وجد قتيلاً بين قوم ولم يعرف قاتله حلف أولياؤه خمسين يميناً على رجل منهم فيدفع إليهم برمته ليقتصوا منه، وإذا لم يحلفوا حلف المتهمون خمسين يميناً أنهم ما قتلوه فتبرأ ساحتهم، لأنه ليس هناك في الشريعة الإسلامية دم هدر، وهذا هو ما يسمى بالقسامة. القتل بالقسامة شرح حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج في القسامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القتل بالقسامة. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة و محمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة و رافع بن خديج رضي الله عنهما: (أن محيصة بن مسعود و عبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه حويصة و محيصة، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الكبر الكبر، أو قال: ليبدأ الأكبر، فتكلما في أمر صاحبهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فقالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله! قوم كفار، قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبله. قال: قال سهل : دخلت مربداً لهم يوماً فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) قال حماد هذا أو نحوه. قال أبو داود : رواه بشر بن المفضل و مالك عن يحيى بن سعيد قال فيه: (أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟) ولم يذكر بشر دماً، وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد ، ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: (تبرئكم يهود بخمسين يميناً يحلفون) ولم يذكر الاستحقاق. قال أبو داود : وهذا وهم من ابن عيينة ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القتل بالقسامة ]. القسامة: هي أن يقتل قتيل بين جماعة يتهمون فيه ولا يعرف قاتله؛ هذه يقال لها: قسامة؛ لأن المدعين أو أصحاب الدم يطلب منهم أن يحلف منهم خمسون رجلاً على شخص أنه قتله فيدفع لهم ليقتلوه، فإذا لم يحلف المدعون جعلت اليمين على المدعى عليهم بأن يحلف منهم خمسون بأنهم بريئون من ذلك، فإذا حلف أولئك المدعون على شخص معين فإنه يقتل ذلك الشخص أو يدفع لهم ذلك الشخص ليقتلوه، وإذا لم يفعلوا فإنه توجه اليمين لخمسين من المدعى عليهم فتبرأ ساحتهم بذلك، ولهذا قيل لها: قسامة؛ لأن فيها أيماناً كثيرة. وقد أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج: أن عبد الله بن سهل و محيصة بن مسعود -وهما أبناء عم- ذهبا إلى خيبر فتفرقا، ثم وجد عبد الله بن سهل قتيلاً، فجاء أولياؤه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالوا: إن اليهود قتلوا عبد الله بن سهل ، وكان الذي تكلم هو عبد الرحمن وهو أخو القتيل وكان أصغر القوم، فقال عليه السلام: [ (الكبر الكبر) ] أو قال: [ (ليبدأ الأكبر) ] وهذا فيه تنبيه إلى أدب وهو أن الجماعة إذا جاءوا لحاجة وكانت مهمتهم واحدة فإن الكلام يكون للأكبر، إلا إذا اتفقوا على أن يتكلم واحد منهم؛ لأنه قد يكون الأكبر لا يجيد الكلام، أو لا يتمكن من أن يتكلم بالشيء الذي يريدونه، فإذا اختاروا واحداً منهم وهو أصغرهم فإنه لا بأس بذلك، وإلا فإن السنة أن يبدأ الكبير كما أرشد إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث. فتكلم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه فقال: [ (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته) ] يعني: أنه يسلم لهم ليتولوا قتله إذا حلفوا على أن هذا هو القاتل. قوله: [ (فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟) ] يعني: ما شاهدنا ولا رأينا. قوله: [ (قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله! قوم كفار)] أي: كيف نقبل أيمانهم وهم كفار يكذبون. [ (فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله) ] يعني: لم يضيع دمه، بل وداه من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فدل هذا على ثبوت القسامة، وأنه يبدأ فيها بأيمان المدعين؛ لأن المدعي إذا كان معه شيء يقوي جانبه فإنه يحلف، كما لو كان معه شاهد واحد والمطلوب شاهدان، فيقوى جانبه لوجود شاهد عنده، فيضاف إلى ذلك يمين المدعي، ولهذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين؛ لأنه وجد قوة مع المدعي فيضاف إليها شيئاً آخر وهو اليمين، فيحكم له حيث لا يوجد عنده شاهدان. وهنا لما وجد ما يسمى باللوث وهو محل التهمة، وهو أنه كان موجوداً بينهم وأنه قتل بينهم وفي أرضهم وليس فيها مسلمون وإنما الذين فيها هم كفار، فالتهمة قوية في أنهم هم الذين قتلوه أو قتله واحد منهم، فهذا هو اللوث الذي يقوي جانب المدعين فيبدأ بهم في الأيمان لا بالمدعى عليهم، ولا تحال اليمين إلى المدعى عليهم؛ لأنه وجد مع المدعين شيء يقوي جانبهم وهو اللوث، فيبدأ بالأيمان على المدعين. والله تعالى أعلم ما حكمة اختيار خمسين شخصاً لليمين، لكن إذا وجد فيهم من يكذب أو يستسهل الكذب، فإنه قد يوجد فيهم أحد يمتنع ويخاف من العواقب، وقد يوجد فيهم من عنده صدق. قوله: [ (قال سهل: دخلت مربداً لهم يوماً فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) ]. يعني: أن هذه الإبل التي وداه الرسول صلى الله عليه وسلم بها جعلوها في مكان معين يقال له: المربد، فدخل سهل رضي الله عنه فركضته ناقه من تلك الإبل ركضة، فهو يتذكر الذي حصل في هذه الحادثة، حيث إنه رأى تلك الإبل التي دفعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دية لعبد الله بن سهل . تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج في القسامة قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورافع بن خديج ]. رافع بن خديج صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه بشر بن المفضل و مالك عن يحيى بن سعيد ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مالك ]. مالك ثقة فقيه، أحد أئمة المذاهب الأربعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن يحيى بن سعيد قال فيه: [ (أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟) ولم يذكر بشر دماً، وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد ، ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: (تبرئكم يهود بخمسين يميناً يحلفون) ولم يذكر الاستحقاق ]. أي أنه رواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: [ (تبرئكم يهود بخمسين) ] فبدأ باليهود، وهذا وهم من ابن عيينة كما قال أبو داود ؛ لأن الذين رووه كلهم ذكروا أنه يبدأ بالمدعين وليس بالمدعى عليهم. شرح حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه (أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل و محيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين، فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه و عبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كبر كبر يريد السن، فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحويصة و محيصة و عبد الرحمن : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا مسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عنده، فبعث إليهم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حمراء) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة من طريق أخرى، وفيه أن عبد الله بن سهل و محيصة بن مسعود ذهبا إلى خيبر من فقر، يريدان أن يحصلا شيئاً في تلك البلاد من الحرث والزرع والنخل ليقتاتا به، فتفرقا، فعند ذلك أُخبر محيصة بأن عبد الله بن سهل قتل، فقال: إنكم قتلتموه يا معشر اليهود. فقالوا: إنا ما قتلناه، ثم وصل الخبر إلى المدينة، فقام أصحابه وأولياؤه وجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكتب إلى اليهود: إما أن تدوه وإما أن تؤذنوا بحرب، هذا على اعتبار أنهم هم الذين قتلوه، وأن القتل حاصل منهم، فكتبوا أنهم ما قتلوه ولا حصل منهم شيء من ذلك، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أولياء القتيل أن يحلف خمسون منهم فامتنعوا وقالوا: كيف نحلف؟ ثم قال: تبرئكم يهود، فقالوا كما قالوا فيما مضى، فوداه الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة من الإبل، كما تقدم فسهل يخبر عن الذي حصل له من واحدة من تلك الإبل، وهنا يقول: إنها ناقة حمراء ركضته برجلها، فهو يذكر تلك الحادثة والواقعة التي قد حصلت له، والحديث بمعنى الحديث الذي قبله إلا أن فيه زيادة: [ (إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب) ] ولعل هذا كان قبل أن يعلم إنكارهم. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل ]. مالك مر ذكره، وأبو ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة مر ذكره. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد و كثير بن عبيد قالا: حدثنا (ح) وحدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا الوليد عن أبي عمرو عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء على شط لية البحرة، قال: القاتل والمقتول منهم) وهذا لفظ محمود : ببحرة أقامه محمود وحده على شط لية ]. أورد أبو داود هذا الحديث المعضل الذي قال فيه عمرو بن شعيب [ (عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلاً) ]. وهذا معضل؛ لأنه سقط منه واسطتان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعضل هو الذي يسقط منه اثنان على التوالي، فإذا كانا بدون توالٍ فيقال له: منقطع . قوله: [ (أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء) ]. البحرة قيل: هي القرية والمدينة، ويقال: بحيرة تصغير بحرة، والمدينة يقال لها: بحيرة أو بحرة، وفي الحديث: (اعمل من وراء البحار فلن يترك الله من عملك شيئاً) والمقصود: من وراء المدن، وليس المقصود البحار الزاخرة بالماء. قوله: [ (قال: القاتل والمقتول منهم) ]. أي: أنهما من تلك القبيلة. والحديث ضعيف؛ لأنه معضل، وليس فيه ذكر الواسطة بين عمرو بن شعيب وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلاً من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء ...) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وكثير بن عبيد ]. كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا (ح) وحدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا ]. هذا التحويل لأجل الاختلاف في الصيغة؛ لأن الأولين قالا: حدثنا، وأما الآخر فقال: أخبرنا؛ فالتحويل من أجل الاختلاف في الصيغة. ومحمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ أخبرنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمرو ]. هو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب مر ذكره. ترك القود بالقسامة شرح حديث قصة قتل عبد الله بن سهل بخيبر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك القود بالقسامة. حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار ، زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أخبره: (أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلاً، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا، فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً، فانطلقنا إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقال لهم: تأتوني بالبينة على من قتل هذا؟ قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون لكم، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة) ]. قوله: [ باب في ترك القود بالقسامة ]. يعني: ترك القود بالقسامة لعدم معرفة القاتل، ولهذا صير إلى الدية وعدم إهدار الدم. وقد أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه، وهو في قصة ذهاب عبد الله بن سهل وحويصة و محيصة إلى خيبر، ثم إن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً فقالوا لليهود: إنكم قتلتم صاحبنا، فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا من قتله، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأتون بشاهدين يشهدون على أن القتل حصل منهم؟ فأخبروه أنه ليس عندهم شهود. وهنا لم يذكر الأيمان في القسامة على المدعين، وإنما ذكر أن اليهود يبرئون بأن يحلف خمسون منهم، فقالوا: إنهم قوم كفار، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدر دمه فوداه من إبل الصدقة. والأحاديث التي مرت فيها أنه حصل البدء بأيمان المدعين وأنهم طولبوا باليمين، فيمكن أن يكون هذا الحديث فيه اختصار، وأنه طلبت منهم البينة وعند عدم وجود البينة طلب منهم أيمان خمسين، وأنهم لما لم يجيبوا إلى ذلك؛ لأنهم ما شاهدوا ولا عاينوا، أخبر بأن اليهود يحلفون خمسين يميناً، فقالوا: إنهم قوم كفار، فكيف نقبل أيمانهم؟ فكره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهدر دمه فوداه من إبل الصدقة، وقد سبق أن مر في بعض الأحاديث أنه وداه من عنده، ومعلوم أنه ليس من مصارف الصدقة إعطاء الديات، فيحمل ما جاء في هذا الحديث على أن الإبل اشتريت من إبل الصدقة، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها من إبل الصدقة، فتكون الدية إنما هي المال الذي دفع في مقابل الصدقة، ثم قدمت المائة الإبل، فبهذا يوفق بين الحديثين: الحديث الذي فيه أنه وداه من عنده، والحديث الذي فيه أنه وداه من إبل الصدقة، فإنه يحمل على أنه اشترى الدية من إبل الصدقة، وتكون الدية من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث قصة قتل عبد الله بن سهل بخيبر قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ]. الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو نعيم ]. هو الفضل بن دكين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عبيد الطائي ]. سعيد بن عبيد الطائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن بشير بن يسار ]. بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة . شرح حديث (أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي بن راشد أخبرنا هشيم عن أبي حيان التيمي حدثنا عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له، فقال: لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود، وقد يجترئون على أعظم من هذا، قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم، فأبوا، فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده) ]. أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه من عنده، والبقية مثل ما تقدم عن سهل بن أبي حثمة . تراجم رجال إسناد حديث (أصبح رجلاً من الأنصار مقتولاً في خيبر...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي بن راشد ]. الحسن بن علي بن راشد صدوق، أخرج له أبو داود . وهذا يأتي ذكره قليلاً بخلاف الحسن بن علي الذي يأتي ذكره كثيراً وهو الحلواني الذي أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، وأما هذا فيأتي ذكره قليلاً؛ ولهذا سماه وذكر جده الحسن بن علي بن راشد. [ أخبرنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حيان التيمي ]. هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عباية بن رفاعة ]. عباية بن رفاعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ذكر من اشتهروا من الرواة باسم يحيى بن سعيد أبو حيان التيمي الذي هو يحيى بن سعيد هو في طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري . والمشهورون بهذا الاسم أربعة: اثنان في طبقة متقدمة، واثنان في طبقة متأخرة، فاللذان في الطبقة المتقدمة هما: يحيى بن سعيد الأنصاري ، و يحيى بن سعيد التيمي أبو حيان هذا، واللذان في الطبقة المتأخرة هما: يحيى بن سعيد القطان ، و يحيى بن سعيد الأموي ، وهذان الأخيران من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود . وهذا الاتفاق في الأسماء وأسماء الآباء والاختلاف في الأشخاص هو الذي يسمونه في علم المصطلح: المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم وتختلف أشخاصهم، ويعرف ذلك بالتلاميذ، أو بالتنصيص على ذلك في بعض الطرق؛ لأن بعض الطرق تأتي بما يعين ويبين من هو المقصود. شرح حديث: (أن رسول الله كتب إلى يهود أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن بجيد قال: (إن سهلاً رضي الله عنه والله أوهم الحديث، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى يهود: أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه، فكتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلناه وما علمنا قاتلاً، قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عنده بمائة ناقة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث الذي قيل: إنه مرسل، وهو من رواية عبد الرحمن بن بجيد قال: [ (إن سهلاً أوهم الحديث، إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود: أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه) ]. أي: ادفعوا ديته، فهذا أمر من ودى يدي، وفعله يكون حرفاً واحداً؛ لأن أوله واو وآخره ياء، فعند الأمر يحذف الأول والآخر ويبقى الوسط الذي هو الدال فيقال: (دِ) كذا مثل: (قِ) في قوله عز وجل وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ [غافر:9] (وقهم)؛ لأن الواو هذه واو العطف، وفعل الأمر هو القاف وحدها (قِ)، فـ (دِ) هو فعل أمر مكون من حرف واحد؛ لأن أوله حرف علة وآخره حرف علة، وعند وجود الأمر منه يحذف الأول والآخر ويبقى الوسط فيكون الفعل مكوناً من حرف واحد إذا كان المخاطب واحداً فيقال له: (دِ) كما يقال له: (قِ). قوله: [ (فكتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً) ]. كتبوا يحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا علموا قاتله، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة. وحديث سهل بن أبي حثمة كما هو معلوم صحيح وفيه تفصيل، ففيه: أن المدعين يبدأ بأيمانهم، ثم بأيمان المدعى عليهم إن نكل المدعون عن اليمين، وهي أحاديث صحيحة ثابتة موجودة في الصحيحين وفي غيرهما، ولا يعول على ما جاء في هذا من التوهيم، وفي هذا الإسناد محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، وعبد الرحمن بن بجيد مختلف في صحبته، وقيل: إن حديثه هذا مرسل، وقد ضعفه الألباني ، ومعلوم أن الأحاديث التي مرت ثابتة في الصحيحين، وهي عن سهل بن أبي حثمة وغيره، وفيها التفصيل وليس فيها أن اليهود حلفوا، وإنما فيها أنه طلب من المدعين أن يحلفوا خمسين يميناً، وقالوا: كيف نحلف ونحن لم نر ولم نشاهد؟ فقال: تبرئكم يهود بأن يحلفوا خمسين يميناً، فقالوا: إنهم قوم كفار، فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن يهدر دمه، فوداه من عنده بمائة من الإبل. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كتب إلى يهود أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد يعني ابن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن بجيد ]. عبد الرحمن بن بجيد مختلف في صحبته، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث: (أن النبي قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و سليمان بن يسار عن رجال من الأنصار: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهود وبدأ بهم: يحلف منكم خمسون رجلاً فأبوا، فقال للأنصار: استحقوا، قالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجال من الأنصار مبهمين غير معينين، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر سواء كانوا جماعة أو واحداً، فالمجهول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، بعد أن أثنى الله عليهم ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بل أثنى الله عليهم في التوراة والإنجيل قبل أن يوجدوا وقبل أن يأتي زمانهم، كما جاء في آخر سورة الفتح، وهذا دال على فضلهم ونبلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم أيضاً حملة الشريعة وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وهذا الحديث فيه قصة القتيل الذي قتل من الأنصار في خيبر، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود وأمرهم أن يحلفوا خمسين يميناً، لكن أهل القتيل لم يقبلوا، وقالوا: إن اليهود قوم كفار، فقال لهم: تحلفون خمسين يميناً، فلم يفعلوا، وبعد ذلك أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم الدية على اليهود، ولم يذكر أنه وداه من عنده. وهذا الحديث كما قال الشيخ الألباني : إنه شاذ؛ لأن أسانيده رجال ثقات، ولكن فيه ذكر المخالفة من جهتين: من جهة التنصيص على أنه بدأ باليهود أن يحلفوا، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي سبق أن مرت، وفيها أنه بدأ بالمدعين لأن معهم قوة وهي اللوث التي هي بمنزلة الشاهد. ومن جهة أن الرسول ألزم اليهود بديته، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة جاءت بأنه هو الذي وداه من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: الإسناد صحيح ورجاله ثقات، ولكنه مخالف لما تقدم في الأحاديث الصحيحة الدالة على أن البدء كان بالمدعين وأيمان المدعين، وأن الدية إنما هي من عنده صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قال لليهود وبدأ بهم يحلف منكم خمسون رجلاً) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجال من الأنصار ]. وقد عرفنا أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر. الأسئلة إذا نكل أولياء المقتول عن الحلف ولم يرضوا بحلف المتهمين السؤال: إذا قتل قتيل ونكل أولياء المقتول عن الحلف، ولم يرضوا بحلف المتهمين فما العمل؟ الجواب: هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أنه وداه من عنده ولم يبطل دمه، ولكن لو كان معلوماً أن الذين قتلوه هم الذين وجد بين أظهرهم وأن ذلك متحقق لزمتهم الدية، ويقومون بدفعها، ولكن هناك احتمال آخر وهو أن يكونوا ما فعلوا ذلك وإنما بلوا به، كأن يقتله إنسان ثم يأتي به ويرميه عند أناس فيتهمون به وهم برآء من ذلك، لاسيما في مثل هذا الزمان الذي سهلت فيه وسائل المواصلات، فإنه قد يقتل في مكان ثم ينقل ويرمى المقتول في جهة معينة، فالقول بأن هؤلاء الذين وجد فيهم هم قتلوه غير محقق، وإن كان هذا لوثاً كما هو معلوم، ففي هذه الحالة يودى من بيت المال مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو وجهه، وأما إلزام أولئك بأن يدفعوا الدية وقد يكونون برآء فهذا فيه إشكال. حكم تسليم من حلف عليه أولياء المقتول خمسين يميناً إليهم ليقتلوه السؤال: إذا حلف أولياء المقتول خمسين يميناً على شخص معين فهل يسلم إليهم ليقتلوه؟ الجواب: نعم، إذا حلفوا على شخص معين على اعتبار أن هناك تهمة قوية، وأنهم يعلمون العداوة الشديدة بينه وبينه، ويستحقون الدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيدفع برمته) كما في الحديث الأول. أما تأويل الخطابي حيث قال: (دم صاحبكم) أي: دية صاحبكم، فهذا غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيدفع برمته) أي: يسلم لهم القاتل ولا يسلم المال في مقابله." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [508] الحلقة (538) شرح سنن أبي داود [508] من قتل قتيلاً قتل بما قتله به، والمؤمنون تتكافأ دماؤهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ومن وجد مع أهله رجلاً فليس له قتله، وإذا عفا أولياء الدم عن القتل انتقلوا إلى الدية ، وحكم النساء في العفو كالرجال، ومن قتل في عميا بين قوم لا يدرى من قتله فهو قتل خطأ، وديته على العاقلة. كيف يقاد من القاتل شرح حديث أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب يقاد من القاتل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ]. قوله: [ باب: يقاد من القاتل ]. هذه ترجمة لهذا الباب، وقد جاء في بعض النسخ: [ باب يقاد من القاتل بحجر أو غيره أو نحوه ]. والمقصود من ذلك هو قتل القاتل بمثل ما قتل به، وليس المقصود من ذلك إثبات القود، فالقود ثابت وإنما المقصود القود بالمماثلة. وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به، إلا أن يكون ذلك الذي قتل به أمراً محرماً لا يجوز فعله، كإسقاء الخمر، أو فعل الفاحشة؛ فإنه لا يقاد بالطريقة المحرمة وإنما يقاد بالسيف في مثل ذلك، وأما إذا كان رضه بحجارة أو ألقاه من شاهق أو سقاه سماً، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن المماثلة فيها وليست محرمة، فإنه يقاد بهذه الطريقة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن كل قتل إنما يقاد بالسيف، ولكن الأحاديث التي وردت في هذا الباب دالة على أنه يقتل بمثل ما قتل به، وأن الطريقة التي قتل بها يقتل بها، ولا يقال: إن هذا فيه مثلة؛ لأن هذا التمثيل فيما يحصل ابتداء، أما إذا كان من باب العقوبة ومن باب المقابلة فهذا سائغ وجائز، ولكن يستثنى من ذلك ما أشرت إليه، وهو إذا كان الفعل محرماً فلا يجوز فعله ابتداء ولا انتهاء. قوله: [ (أن جارية وجدت قد رض رأسها) ]. يعني: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، وكان بها رمق -أي: بقية حياة- فكانوا يسألونها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ ممن هم متهمون، وهي تومئ برأسها: أن لا، ولما عرضوا عليها اسم من باشر قتلها أشارت: أن نعم، وعند ذلك أحضروه فاعترف فرض رأسه بين حجرين. وهذا السؤال لا يعتبر بينة، ولكنه يعتبر قرينة وحصراً للتهمة في جهة معينة، بدلاً من أن تكون موزعة ومنتشرة فإنها تحصر التهمة في جهة معينة، فلما انحصرت التهمة به سألوه فاعترف فقتل باعترافه، أما مجرد دعوى من يدعي بأن فلاناً قتله وليس هناك بينة فإنه لا يصار إلى ذلك، ولكن العمل إنما هو بالاعتراف الذي حصل من الجاني. وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، أما الدية فتختلف دية المرأة عن الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها، ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأخذ، فأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أنه قتلها من أجل حلي أخذه منها، فقتلها حتى لا يعلم به، وألقاها في بئر ورمى عليها بالحجارة، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلبه وأمر بأن يرمى بالحجارة حتى يموت. والمقصود من ذلك أنه قتل مماثلة؛ لأنه قتل بالحجارة فيقتل كذلك بالحجارة، وقد جاء أنه رض رأسه بين حجرين، فيكون معناه: أن الحجر الأعلى رمي به عدة مرات. تراجم رجال إسناد حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني وقد مر ذكره. [ عن معمر عن أيوب ]. معمر مر ذكره، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن أيوب نحوه ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن هشام بن زيد عن جده أنس رضي الله عنه: (أن جارية كان عليها أوضاح لها، فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟ فقالت: لا، برأسها، قال: من قتلك؟ فلان قتلك؟ قالت: لا، برأسها، قال: فلان قتلك؟ قالت: نعم، برأسها، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل بين حجرين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن جارية كان عليها أوضاح لها) ]. الأوضاح هي حلي، قيل: إنه من الفضة؛ لأنه وضحه البياض. قوله: [ (فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق) ]. يعني: دخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وبها رمق فسألها، والظاهر أنها أخرجت من القليب وبها حياة. [ (فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟) ] هنا أطلق القتل على من لم يمت بالفعل، ولكنه وجدت أسبابه، كما أن الموت يذكر ويطلق على من قاربه، كما جاء في حديث: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق الموت على من لم يمت؛ لأنه على وشك الموت، وهنا أطلق القتل على من من حصلت به أسباب القتل. فهو سألها: من قتلك؟ فلان فلان؟ حتى أشارت إلى الشخص الذي قتلها، فأتي به فرمي بحجر حتى مات. تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن زيد ]. هو هشام بن زيد بن أنس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده أنس ] أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. حكم قتل المسلم بالكافر شرح حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال: (انطلقت أنا و الأشتر إلى علي رضي الله عنه، فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد : قال: فأخرج كتاباً، وقال أحمد : كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ]. يقول المصنف رحمه الله: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟ ] أي: إذا قتل المسلم كافراً فهل يقتل المسلم أو لا يقتل؟ أورد أبو داود الحديث الذي فيه أنه لا يقتل مسلم بكافر، وقالوا: إن هذا يدل على أنه لا يقتل مطلقاً، حتى ولو كان الكافر معاهداً أو ذمياً فإنه لا يقتل المسلم به، وقالوا: إن هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أي: أنه لا توارث بين المسلمين والكفار، ولا بين الكفار والمسلمين، وهنا إذا قتل المسلم كافراً فإنه لا يقتل به، هذا هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومن أهل العلم من قال: إنه يقتل بالذمي والمعاهد. وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قيل له: [ (أعهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا، إلا ما في هذه الصحيفة، وأخرج صحيفة من قراب سيفه، وإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ]. قوله: [ (ولا ذو عهد في عهده) ] قيل: ليس المقصود من ذلك النهي عن أن يقتل المعاهد في حال عهده؛ لأن هذا من الأمور المعلومة أنه إذا كان عنده أمان وعهد فلا يجوز قتله، وإنما معنى ذلك: أنه لما ذكر أنه لا يقتل مؤمن بكافر قال هذه الجملة لئلا يستهين الناس بقتل المعاهدين، وأن يحافظ على دمائهم، وألا يقتلوا، ويكون المقصود من ذلك دفع من يتوهم أن أمر قتلهم سهل وهين، فجاءت هذه الجملة لتبين المنع من ذلك بهذه المناسبة: [ (لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده) ]. والذمي والمستأمن حكمه حكم المعاهد؛ لأن الذمي أُخذ منه الجزية وبقي تحت الأمان، وكذلك المستأمن الذي أذن له وأعطي الأمان فإنه يبقى آمناً. قوله: [ (من أحدث حدثاً فعلى نفسه) ] أي: أن جنايته على نفسه وليست على غيره، فقد سبق أن مر أنه لا يقتل أحد بجريرة غيره، وأن الجاني جنايته على نفسه فلا يعاقب غيره، قال عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. قوله: [ (من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] أي: من فعل أمراً محدثاً في الدين، أو آوى محدثاً في الدين، أو من كان عليه حق وهرب فحماه رجل دون أن يوصله إلى أخذ الحق منه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وهذا يدل على خطورة هذا العمل. وقوله في أول الحديث: [ (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) ] أي: أن المسلم يقتل بالمسلم، وأن دماءهم متكافئة، وأنه لا فرق بين الشريف والوضيع، بل يقتل الشريف إذا قتل الوضيع؛ لأن اسم الإسلام هو الذي يجمع بينهم، ويقتل الرجل بالمرأة، ويقتل الكبير بالصغير، وهكذا. قوله: [ (وهم يد على من سواهم) ] أي: يتعاونون على غيرهم من أعدائهم. قوله: [ (ويسعى بذمتهم أدناهم) ] أي: أنه إذا أجار المسلم أحداً فإنه لا يخفر جواره، بل يعطى الأمان لمن أمنه، ولو كان هو من أدناهم، ولا يقال: إنه لا يكون إلا في حق من كان كبيراً أو كان رجلاً أو ما إلى ذلك، وقد جاء في حديث أم هانئ رضي الله عنها عام الفتح أنها أجارت رجلاً، وأن علياً رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت تخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ). تراجم رجال إسناد حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة وقد مر ذكره. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن عباد ]. قيس بن عباد ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: انطلقت أنا و الأشتر إلى علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ]. ذكر فروقاً بين مسدد وبين أحمد ، فقال مسدد : عن ابن أبي عروبة [ (فأخرج كتاباً) ] أي: فأخرج علي كتاباً من القراب. [ وقال أحمد : (كتاباً من قراب سيفه) ]. أي: أخرج كتاباً من قراب سيفه. والقراب: هو وعاء من جلد يوضع فيه السيف وغيره. شرح حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر نحو حديث علي ، زاد فيه: (ويجير عليهم أقصاهم، ويرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بمعنى حديث علي رضي الله، وفيه زيادة: [ (ويجير عليهم أقصاهم) ] أي: أن من أجار وهو من أدناهم وأقلهم فإنه تعتبر إجارته، وهو من جنس قوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم). قوله: [ (ويرد مشدهم على مضعفهم) ]. أي: القوي الذي عنده إبل قوية يساعد من كان عنده إبل ضعيفة ويعينه. قوله: [ (ومتسريهم على قاعدهم) ] المتسرون هم الذين يذهبون في السرايا في الجيش، والسرية فرقة من الجيش تذهب، وما غنموا من الغنائم فهي لهم ولأصل الجيش؛ لأن الجيش هو ردء لهم وهو قوة لهم، فما يحصلونه لا يختصون به، إلا النفل الذي يعطيهم إياه الإمام أو الوالي فإنهم يأخذون ذلك النفل، وأما أصل الغنيمة التي يحصلونها فليست خاصة بهم، بل هي لهم وللجيش الذي كان باقياً في المكان الذي انطلقت منه تلك السرية. تراجم رجال إسناد حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم قتل الرجل من وجده مع أهله شرح حديثي أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن وجد مع أهله رجلاً أيقتله؟ حدثنا قتيبة بن سعيد و عبد الوهاب بن نجدة الحوطي المعنى واحد قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال سعد : بلى، والذي أكرمك بالحق، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، قال عبد الوهاب : إلى ما يقول سعد). حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم) ]. قوله: [ باب فيمن وجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ ]. المقصود من ذلك كما جاء في الحديث أنه لا يقتله؛ لأن القتل إنما يجب بالزنا المحقق، ويكون ذلك بفعل الإمام، وأيضاً ليس كل زان يرجم ويقتل؛ لأن من كان بكراً فإن حده الجلد والتغريب. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، و سعد بن معاذ سيد الأوس، وهو الذي جرح في الخندق ومات بسبب ذلك الجرح، وأما سعد بن عبادة فقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسعد بن معاذ و سعد بن عبادة هما سيد الأوس والخزرج، وهما القبيلتان المشهورتان من الأنصار رضي الله تعالى عنهم. قوله: (أن سعد بن عبادة قال: الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال سعد : بلى والذي أكرمك بالحق) . يعني: أنه يريد أن يقتله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) ]. يخاطب الأنصار، فهو سيد الخزرج، وأحد الرواة قال: [ (اسمعوا إلى ما يقول سعد) ] فأحدهما قال: سيدكم، يخاطب الأنصار، والثاني قال: ما يقول سعد. وهذا الذي قاله سعد بن عبادة ليس اعتراضاً على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما هو رجاء أن يكون في ذلك رخصة، وأن يكون هناك حكم غير هذا الحكم؛ لأن الزمن زمن تشريع، وهذا قاله بسبب شدة الغيرة والحمية على الأهل. قوله: [ (أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم) ] أي: أنه لا يقتله؛ لأن الزنا أمره خطير، ولا يتم ثبوته إلا بالشهداء الأربعة، أو بالاعتراف من الزاني نفسه، وأما مجرد الدعاوى والاتهامات فهذه لا يعول عليها. وقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال: لو قتله وكان في بيته فإنه لا يقتل به، ولكن الأحاديث واضحة في أنه لا يجوز قتله، وذلك أن القتل قد لا يكون مستحقاً، إما لكونه ما وجد الجماع، أو أنه وجد ولكنه لا يستحل به القتل، بل عقوبته الجلد والتغريب. تراجم رجال إسناد حديثي أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ]. عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وروايته في صحيح البخاري مقرونة. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح ذكوان السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً. وقوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
حكم العامل يصاب على يديه خطأ شرح حديث: (أن النبي بعث أبا جهم مصدقاً فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العامل يصاب على يديه خطأً. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة رضي الله عنه مصدقاً، فلاجَّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: القود يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا: نعم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فهم المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: أرضيتم، فقالوا: نعم، قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم، قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم) ]. قوله: [ باب العامل يصاب على يديه خطأ ]. أي: أن العامل يصيب أحداً بيده هل يقتص منه أو لا يقتص منه؟ وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً يقال له: أبو جهم على الصدقة، فتلاحى وإياه رجل، فضربه بعصا فشج رأسه، فجاء أولئك الذين شج رأس صاحبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا القود الذي هو القصاص، وأن يشج كما شج، فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم مالاً بدل القصاص، فعرض عليهم مالاً فامتنعوا، ثم عرض مالاً فامتنعوا، ثم في المرة الثالثة عرض عليهم مالاً فوافقوا ورضوا، فقال: إني خاطب الليلة ومخبر برضاكم، فقالوا: نعم، فلما خطب الناس وقال: إن هؤلاء الليثيين طلبوا أن يقتص من العامل وإني عرضت عليهم كذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فكأنهم يريدون أن يحصلوا شيئاً من الزيادة، فهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم رضوا، وهم قالوا: ما رضينا، وأنكروا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الرسول أصحابه أن يكفوا عنهم وألا يفعلوا بهم شيئاً، ثم إنه أعاد المفاوضة معهم وزادهم حتى رضوا، فقال: إني خاطب بذلك، فقالوا: نعم، فخطب وقالوا: رضينا. ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وأعلن ذلك على رءوس الأشهاد حتى لا تحدثهم أنفسهم بسوء بعد أن يأخذوا المال؛ لأن من الناس من يأخذ المال بدل القود ثم بعد ذلك يكون في نفسه شيء فيعتدي بعد أخذ المال عوضاً عن الجناية التي حصلت له، فلعل هذا هو الوجه الذي جعله يقول ذلك أمام الناس، حتى يعرفوا أن هذا أو انتشر وظهر، وأنه لو حصل منهم شيء فإن الناس يعلمون أنهم أقدموا على شيء هم مخطئون فيه، وأنه لو حصل من أحد منهم شيء فيكون القصاص؛ لأنهم قد أخذوا حقهم فتنازلوا عن القصاص. وهذا يدل على أن من وجب عليه قود وأراد أن يتحول إلى غيره فإنه يؤخذ منه أكثر من الدية المقررة، بخلاف الشيء الثابت الذي لا يحتاج إلى مفاوضة، فإن الدية ثابتة ومقدارها معروف، ولكن إذا كان هناك قصاص سواء كان عن طريق القتل أو عن طريق قطع عضو أو شجة أو ما إلى ذلك، فإنه يعطى أكثر من الدية المقررة؛ لأن هذا بدل عن القتل أو بدل عن العقوبة التي تكون في الجسد. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي بعث أبا جهم مصدقاً فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه ...) قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ]. عبد الرزاق و معمر و الزهري مر ذكرهم. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. القود بغير حديد شرح حديث: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين ....) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القود بغير حديد. حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ]. قوله: [ باب القود بغير الحديد ]، أي: أنه لا يكون بالسيف فقط وإنما يكون به وبغيره، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يرض رأس اليهودي بالحجارة؛ لأنه رض رأس الجارية فيقتص منه بمثل ما قتل به، وقد عرفنا الكلام على هذه المسألة في [ باب يقاد من القاتل ] أي: إذا قتل بحجر أو غيره. قوله: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا همام عن قتادة عن أنس ] . هؤلاء مر ذكرهم جميعاً . القود من الضربة وقص الأمير من نفسه شرح حديث: (بينما رسول الله يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله بعرجون كان معه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو -يعني ابن الحارث - عن بكير بن الأشج عن عبيدة بن مسافع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرجون كان معه فجرح بوجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعال فاستقد، فقال: بل عفوت يا رسول الله) ]. قوله: [ باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه ]. أي: كون الأمير يجعل غيره يقتص منه إذا حصل منه شيء على غيره عن طريق الخطأ، هذا هو المقصود بالترجمة، والحديث الذي مر في العامل سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يتنازلوا عن القصاص مقابل المال، لكن لو ألحوا على أن يقتصوا لمكنوا من ذلك؛ لأن من كان له حق القصاص فله أن يقتص، إلا أن يعفو أو يتنازل إلى ما هو دونه كالدية. وقد أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري : (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه) ]. العرجون: هو القنو الذي فيه شماريخ. قوله: [ (فجرح بوجهه، فقال له رسول الله: تعال فاستقد) ] أي: خذ حقك (فقال: بل عفوت يا رسول الله). والحديث في إسناده ضعف، لكن من ناحية ثبوت القصاص فهو ثابت، كما جاء في قصة العامل الذي مر في الحديث السابق. تراجم رجال إسناد حديث: (بينما رسول الله يقسم قسماً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله بعرجون كان معه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح مر ذكره . [ حدثنا ابن وهب ]. مر ذكره . [ عن عمرو يعني ابن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. هو بكير بن الأشج المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيدة بن مسافع ]. عبيدة بن مسافع مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (خطبنا عمر فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال: (خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده أقصه؛ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقص من نفسه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: [ (إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم)]. أي: جلودكم. قوله: [ (ولا ليأخذوا أموالكم)] أي: إنما بعثتهم ليقوموا بالواجب فيكم من إقامة أمر الله والعدل فيكم. قوله: [ (فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه) ]. أي: فمن فعل به شيء من ذلك بأن أخذ منه مال أو ضرب بغير حق، فليرفعه إلي أقصه من العامل الذي فعل به ذلك. قوله: [ (فقال عمرو بن العاص : لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه؟) ]. يعني: لو أن أميراً من الأمراء أو والياً من الولاة على منطقة معينة أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال عمر رضي الله عنه: [ (إي والذي نفسي بيده أقصه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه) ] وهذا الحديث في إسناده أبو فراس النهدي وهو مقبول، ولكنه مثل الحديث الذي مر فيما يتعلق بالعامل الذي شج رجلاً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاهم من المال حتى رضوا في مقابل شجته، فهذا وإن كان في إسناده ضعف إلا أنه صحيح من حيث المعنى، وفيه تحقيق العدل ومنع العمال من أن يقدموا على شيء لا يجوز لهم الإقدام عليه، أما إذا عاقبوا أحداً بعقوبة يستحقها فإن هذا حق لا يؤاخذون عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا عمر فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم... ) قوله: [ حدثنا أبو صالح ]. هو أبو صالح محبوب بن موسى ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي فراس ]. هو أبو فراس النهدي وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: خطبنا عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. عفو النساء عن الدم شرح حديث: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عفو النساء عن الدم. حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن الأوزاعي أنه سمع حصناً أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول، وإن كانت امرأة) . قال أبو داود : بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء، وبلغني عن أبي عبيد في قوله: (ينحجزوا) يكفوا عن القود ]. قوله: [ باب عفو النساء عن الدم ] أي: هل يعتبر أو أنه لا يعتبر إلا عفو الرجال؟ ويدخل في النساء الزوجات، والمقصود من هذا أن أصحاب المطالبة بالقود هم الورثة، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وأنه إذا تنازل واحد منهم فإنه يسقط القود، ولا يكون القود إلا باتفاق الورثة أولياء الدم، فإذا عفا واحد منهم سواء كان رجلاً أو امرأة، فإنه لا يقع القصاص وإنما يتحول إلى الدية، ولكن كما هو معلوم ليس بلازم أن تكون الدية المقدرة، بل لهم أن يطالبوا بشيء أكثر من الدية. فالحاصل: أن هذه الترجمة تتعلق بالعفو للنساء، وهو معتبر، وكل وارث فإن عفوه معتبر. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (على المقتتلين أن ينحجزوا) ] أي: يكفوا عن القود. قوله: [ (الأول فالأول) ] أي: واحداً تلو الآخر، فلو حصل أن واحداً منهم لم يطالب بالقود بل عفا أو أراد أن يأخذ الدية، فإنه يسقط القصاص في هذه الحال. وقوله: [ (على المقتتلين) ] المقصود بذلك أصحاب الحق في القتل، الذين إذا اتفقوا على القتل قتل القاتل وإذا لم يتفقوا فإنه لا يقتل، وذلك بمخالفة واحد منهم ولو كان المخالف امرأة. قوله: [ (وإن كانت امرأة) ]. أي: إذا امتنعت أو عفت أو أرادت التحول إلى الدية فإن ذلك معتبر حتى ولو كانت زوجة، وإن كانت الزوجات قد تختلف أحوالهن عن القبائل إذا كانت من قبيلة أخرى؛ لأنها قد لا تبالي بما يحصل من حمية القبيلة، ولهذا يقول الشاعر: وما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم لأن بنت العم هي من القبيلة، فطريقها طريق القبيلة ولا تخالف، أما إذا كانت من قبيلة أخرى فإنها قد تفشي الأسرار من قبيلة زوجها إلى قبيلتها. إذاً: لو أن امرأة عفت أو أي إنسان من الورثة فإنه لا يقاد الجاني. والأولياء هم الورثة الذين تقسم عليهم الدية وغيرها، وهم الذين يطالبون بالقصاص. تراجم رجال إسناد حديث: (على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ أنه سمع حصناً ]. هو حصن بن عبد الرحمن وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن وعائشة قد مر ذكرهما . [ قال أبو داود : بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء. وبلغني عن أبي عبيد في قوله: (ينحجزوا): يكفوا عن القود ]. يعني: أن عفو المرأة جائز إذا كانت من الأولياء. والأولياء يراد بها ولاية النسب، ويراد بها الولاية العامة التي تدخل فيها الزوجة. وأبو عبيد هو القاسم بن سلام وهو من أئمة اللغة، قال في قوله: (ينحجزوا): يكفوا عن القود. و أبو عبيد القاسم بن سلام ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة، و أبو داود . من قتل في عميا بين قوم شرح حديث: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ...) مرسلاً ومتصلاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل في عميا بين قوم. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد ح وحدثنا ابن السرح حدثنا سفيان وهذا حديثه عن عمرو عن طاوس قال: من قتل، وقال ابن عبيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ، وعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قود، قال ابن عبيد : قود يد، ثم اتفقا: ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل) وحديث سفيان أتم. حدثنا محمد بن أبي غالب حدثنا سعيد بن سليمان عن سليمان بن كثير حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. فذكر معنى حديث سفيان ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قتل في عميا بين قوم ]. أي: على من يكون عقله وديته؟ والمقصود بالعميا: أن يكون هناك تضارب أو تقاتل أو تخاصم بين أناس، فيضرب بعضهم بعضاً فيموت واحد منهم بينهم، فيعمى أمره ولا يدرى من الذي قتله، ولهذا قيل لها عميا؛ لأنه قد عمي أمره. وعميا: من العمى وهو الخفاء وعدم معرفة الشخص الذي تولى القتل وباشر القتل حتى يُطَالبُ بالدية، وحتى يتعين عليه الحق لأولياء المجني عليه، فهذا هو المقصود به، وهو مأخوذ من عمي أمره وخفي ولم يعرف من قتله، ولكنه عرف أن القتل كان في هذه المجموعة، وأنه ليس خارجاً عن هذه المجموعة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس فذكره أولاً مرسلاً ثم ذكره متصلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً) ]. يعني: أن يرمي بعضهم بعضاً بالحجارة أو بالسياط أو بالخشب أو ما إلى ذلك، فمات بينهم شخص ولم يعرف من قتله، فمن العلماء من قال: إنه يكون على عاقلة المقابلين، أي: إذا كان التخاصم بين مجموعتين والقتيل وجد في مجموعة، فإن المجموعة الثانية التي لم يقتل منها أحد هي التي تكون الدية عليها؛ لأنه لم يعلم القاتل، ولكن إذا علم أو حصل قسامة على شخص بعينه فعند ذلك يكون الحلف وهو القسامة، وأما إذا لم يتهم شخص معين ولم يحلف عليه؛ فإنه يكون أمره مشتبهاً، فتكون الدية على عاقلة الجماعة التي لم يقتل منها القتيل فيدفعونها إلى أولياء ذلك القتيل. ومن العلماء من قال: إن الدية تكون على العاقلة من الجهتين؛ لأنه قد يكون قتله أصحابه خطأً، كما حصل لليمان والد حذيفة ، فإنه قتل في غزوة أحد والذين قتلوه هم أصحابه خطأً، فهو لم يقتل من المشركين وإنما قتله المسلمون خطأً، فقد يكون التقابل بين جهتين، ولا يلزم أن يكون القتل من الجهة المقابلة، ولكنه في الغالب يكون منها؛ لأنهم هم الذين يقابلون بالضرب ويحاولون التمكن والإصابة للجهة المقابلة، فالغالب أنه يكون منهم، ولكن قد يكون القتل من أصحابه كما حصل لليمان والد حذيفة رضي الله تعالى عنهما الذي استشهد يوم أحد. قوله: [ (فهو خطأ) ] أي: ليس بعمد؛ لأنه لم يعرف الشخص الذي قتله، فقد يكون من الجهة المخالفة وقد يكون حصل خطأً من قومه، ولكنه إذا حصلت التهمة على شخص واحد وحصلت القسامة فإنه يدفع ذلك الشخص المتهم للحالفين الذين هم أولياء القتيل، أما إذا لم يعلم فإنه يكون خطأً وتتحمل ديته الجهة المقابلة للجماعة الذين فيهم الشخص القتيل. قوله: [ (وعقله عقل الخطأ) ]. أي: ديته دية خطأ. قوله: [ (ومن قتل عمداً فهو قود) ]. أي: إذا حصل أنه قتل عمداً وعرف قاتله؛ فإنه يقاد من القاتل، إلا أن يعفو أولياء القتيل عفواً نهائياً ليس معه دية، أو يتحولوا إلى أخذ الدية. قوله: [ (ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه) ]. أي: من حال دون هذا القاتل أن يقتص منه فعليه لعنة الله وغضبه، ويدخل في جملة من آوى محدثاً، بأن يكون الشخص مستحقاً للقتل ثم يحمى من القتل ويحال بينه وبين القتل، فعليه لعنة الله وغضبه؛ لأنه حال بين ذلك الجاني المستحق للقتل قصاصاً وبين أولياء القتيل، أو أخفاه ولم يظهره ولم يمكن من قتله قصاصاً. قوله: [ (لا يقبل منه صرف ولا عدل) ]. قيل: المقصود بالصرف الفريضة، والعدل النافلة. وقيل: إن المقصود بالصرف التوبة، والعدل الفدية. تراجم رجال إسناد حديث: (من قتل في عميا في رميا يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصاً فهو خطأ...) مرسلاً ومتصلاً قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: من قتل وقال: ابن عبيد : قال رسول الله ]. يعني: هذا الذي من طريق سفيان قال: من قتل، ولم يذكر رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره من قول طاوس ، ولكن الذي جاء في آخره: [ (وعليه لعنة الله وغضبه) ] هذا لا يقوله أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون من قول صحابي له حكم الرفع، وإلا فإنه منقطع، ولكن الحديث جاء من طريق أخرى وفيها تعيين الصحابي ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا الذي جاء مرسلاً جاء متصلاً كما في الطريق الأخيرة التي أوردها أبو داود بعد ذكر الحديث بإسناده ومتنه. [ حدثنا محمد بن أبي غالب ]. محمد بن أبي غالب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن كثير ]. سليمان بن كثير لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ]. يعني: عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [509] الحلقة (539) شرح سنن أبي داود [509] جعلت الشريعة الدية عقوبة أصلية للقتل والجرح في شبه العمد والخطأ، وقد جاءت الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة ببيان مقدار الديات على القتل سواء كان قتلاً خطأ أو شبه عمد أو عمد، وقد قدرت الدية في هذه الأصناف بالإبل على اختلاف أسنانها حسب نوع القتل الذي وقع، فإن لم توجد الإبل صير إلى ما يعادلها من بهيمة الأنعام أو النقد. مقدار الدية شرح حديث (أن رسول الله قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الدية كم هي؟ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا محمد بن راشد ح وحدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكر) ]. قوله: [ باب: الدية كم هي؟ ] أي: ما مقدارها؟ والمقصود بذلك دية النفس؛ لأنه سيذكر بعد ذلك: (باب دية الأعضاء)، وهذا يتعلق بدية النفس، والأحاديث الصحيحة جاءت بأنها مائة، ولكن جاءت مختلفة في بيان مقادير تلك المائة وتوزيعها على الأسنان. ولهذا اختلف العلماء في بيان تلك المقادير تبعاً لما جاء في تلك الأحاديث، وما جاء عن الصحابة في ذلك، وقد مر في القسامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ودى عبد الله بن سهل بمائة من الإبل من عنده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكونها مائة هذا لا خلاف فيه، إذ ليس هناك أحد يقول: إنها ثمانون أو تسعون أو مائة وعشرة أو مائة وعشرون، ولكن اختلفوا في أسنان هذه المائة من مخاض ولبون وجذعة وحقة. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية الخطأ مائة من الإبل)، ثم ذكر توزيع هذه المائة فقال: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة وعشرة بني لبون). معنى ذلك: أن الأسنان الثلاثة الأولى التي هي المخاض واللبون والحقة يكون منها تسعون، من كل صنف ثلاثون، وتكمل المائة بعشرة من بني لبون، وبنت مخاض هي التي أكملت سنة ودخلت في الثانية، وبنت لبون أو ابن لبون هي التي أكملت سنتين ودخلت في الثالثة، والحقة هي التي أكملت ثلاث سنوات ودخلت في الرابعة، فثلاثون من بنات مخاض، وثلاثون من بنات لبون، وثلاثون حقة، ويقال: لها بنت مخاض؛ لأن أمها بعد ولادتها صارت حاملاً، وأما بنت لبون فلأن أمها صارت ذات لبن بكونها ولدت، وأما حقة فهي التي استحقت أن يحمل عليها وأن تستخدم وأن يركب عليها وأن يطرقها الجمل؛ لأنها وصلت إلى ذلك السن الذي استحقت به ذلك، وكونها أكملت الثالثة ودخلت في الرابعة، وعشرة ذكور من بني لبون وهو السن الثاني بعد بنت المخاض. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ ح وحدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ] أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. يقول الخطابي : إنه ما وجد أحداً من الفقهاء يقول بهذا التقسيم الذي جاء في هذا الحديث، ولعله لم يصح عند أحد منهم؛ وذلك لأن فيه بعض هؤلاء المتكلم فيهم مثل: صدوق يهم، وصدوق في حديثه بعض لين. شرح حديث (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمرو قال: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم). أي: أن الإبل كانت هي الأصل، وكانت قيمتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار من الذهب وثمانية آلاف من الدراهم. قوله: [ (ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين) ]. يعني: ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. قوله: [ (فلما استخلف عمر قام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت) ]. يعني: عندما صار عمر رضي الله عنه خليفة خطب الناس وقال: إن الإبل قد غلت وهي التي يرجع إليها في التقدير؛ لأنها مائة من الإبل، فلما زادت أسعارها زادها عن ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم إلى ألف دينار وإلى اثني عشر ألف درهم. قوله: [ (قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) ]. والحلة هي الثياب المكونة من إزار ورداء، وقيل: الحلل هي برود من اليمن، ولكن المشهور أن الحلة هي إزار ورداء، أي: مكون من قطعتين وليس من قطعة واحدة. قوله: [ (قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية) ]. يعني: رجعت وصارت في النهاية تعادل الثلث؛ لأنها كانت أربعة آلاف من ثمانية آلاف فصارت أربعة آلاف من اثني عشر ألفاً فصارت الثلث. تراجم رجال إسناد حديث (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم...) قوله: [ حدثنا يحيى بن حكيم ]. يحيى بن حكيم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحمن بن عثمان ]. عبد الرحمن بن عثمان ضعيف، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا حسين المعلم ]. هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم جميعاً. والحديث ضعفه الشيخ الألباني . شرح حديثي جابر وعطاء (أن رسول الله قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا محمد بن إسحاق عن عطاء بن أبي رباح : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد) قال أبو داود : قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا أبو تميلة حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثل حديث موسى وقال: وعلى أهل الطعام شيئاً لا أحفظه) ]. ذكر بعد ذلك حديثاً مرسلاً عن عطاء وحديثاً عن جابر وفيه انقطاع، يعني: الأول مرسل لم يذكر فيه من فوق عطاء بن أبي رباح ، وأما الثاني ففيه الانقطاع بين محمد بن إسحاق وبين عطاء ، وهذا الحديث الثاني مثل الذي قبله إلا أنه مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد). هذا مطابق لما جاء في حديث عمر الذي تقدم، وكل منهما غير ثابت. تراجم رجال إسناد حديثي جابر وعطاء (أن رسول الله قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني ]. سعيد بن يعقوب الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو تميلة ]. هو يحيى بن واضح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله ]. محمد بن إسحاق و عطاء و جابر بن عبد الله مر ذكرهم. قوله: [ قال: ذكر عطاء ] فيه تدليس لأن ابن إسحاق مدلس. [ عن جابر بن عبد الله ]. وهذا يكون مرفوعاً. شرح حديث (في دية الخطأ عشرون حقة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا الحجاج عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض ذكر) وهو قول عبد الله . ] أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بني مخاض ذكر) ] يعني: أنها أخماس، كل خمس منها عشرون، ويكون الزائد بعد هذه الأصناف الأربعة عشرين من بني مخاض الذي هو الحد الأدنى. وذكر الحافظ في بلوغ المرام هذه الرواية التي عند أبي داود وذكر الرواية الأخرى التي عند الدارقطني وفيها: (عشرون بني لبون) بدل عشرين بني مخاض قال: وإسناد الأول أقوى، الذي فيه ذكر بني لبون بدل بني مخاض التي هي عند أبي داود . تراجم رجال إسناد حديث (في دية الخطأ عشرون حقة...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد ]. هو عبد الواحد بن زياد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن جبير ]. زيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خشف بن مالك الطائي ]. خشف بن مالك الطائي وثقه النسائي ، وأخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولكن الحافظ في البلوغ ذكره من طريقين هذه الطريق والطريق الثانية، وقال: إن تلك إسنادها أقوى، و ابن القيم قوى حديث ابن مسعود في حاشية السنن. شرح حديث (أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي ديته اثني عشر ألفاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رجلاً من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديته اثني عشر ألفاً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن رجلاً من بني عدي قتل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفاً). يعني: جعل ديته اثني عشر ألفاً من الدراهم. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل النبي ديته اثني عشر الفاً) قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا زيد بن حباب ]. زيد بن حباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن مسلم ]. هو محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ من حفظه، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن دينار عن عكرمة ]. عمرو بن دينار مر ذكره و عكرمة هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن عباس ]. يعني: أنه مرسل. [ رواه ابن عيينة عن عمرو ]. سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعمرو هو ابن دينار . وقد اختلف العلماء في هذه التقادير، فمنهم من قال بهذا التقدير الذي ذكره أبو داود هنا عن عبد الله بن مسعود ، والذي فيه ذكر الخمس الخامس أنه بنو مخاض، ومنهم من جعله أثلاثاً: ثلاثين وثلاثين وأربعين، وكلها لا تخلو من مقال، ولكن بعضهم صحح بعضها وأخذ به، ولم يصحح غيرها فلم يأخذ به. وحديث ابن عباس ضعفه الألباني وقال: إنه مرسل. ما جاء في دية الخطأ شبه العمد شرح حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دية الخطأ شبه العمد. حدثنا سليمان بن حرب و مسدد المعنى قالا: حدثنا حماد عن خالد عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو : (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال مسدد : خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) إلى هاهنا حفظته عن مسدد ثم اتفقا (ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت، ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها) وحديث مسدد أتم ]. قوله: [ باب: فيه دية الخطأ شبه العمد ] القتل له أحوال ثلاث وهي: العمد، والخطأ، وشبه العمد. والعمد: هو أن يقصد الإنسان قتل غيره بوسيلة تقتل أو بأداة تقتل كالسكين أو كالبندقية أو السيف أو ما إلى ذلك مما له حد. وشبه العمد: هو الذي يقتله بآلة لا تقتل غالباً، ولكنه تعمد ضربه بها وحصل بها القتل، ولا يحصل به القصاص، وإنما يكون فيه الدية، ولكنها دية مغلظة. والخطأ: هو أن الإنسان ما أراد قتله وإنما رمى مثلاً غزالاً أو رمى طيراً فأخطأ وقتل إنساناً. إذاً: العمد وشبه العمد مقصود إلا أن ذاك بآلة تقتل وهذا بآلة لا تقتل، ولكنه حصل بها القتل فصار شبه عمد، وأما الخطأ فهو لم يرد القتل أبداً، وإنما أراد أن يصيد شيئاً فأخطأ ذلك الذي أراده وأصاب إنساناً ومات. أورد أبو داود تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثاً). يعني: خطب فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ثلاثاً. قوله: [ (ثم قال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ]. يعني: قاله في مكة وقد حصل ذلك النصر المبين لرسوله صلى الله عليه وسلم وهزم أعداءه ونصره عليهم، وفتح الله عليه مكة فخطب هذه الخطبة التي فيها هذا التكبير وهذا الثناء على الله عز وجل. قوله: [ (ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت) ]. يعني: أن ما حصل من أمور بين الناس في الجاهلية ثم أسلموا فإنها مهدرة ومطرحة، وكذلك المأثرة التي لها مكانة أو لها منزلة أو ذات شأن وتدعى فإنها ملغاة ومتروكة، إلا ما كان من السقاية والحجابة، فإن السقاية كانت في بني هاشم والحجابة كانت في بني عبد الدار، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر هاتين المأثرتين في هاتين الجهتين، فالحجابة كانت في الجاهلية في بني عبد الدار بقيت فيهم في الإسلام، والسقاية كانت في بني هاشم في الجاهلية فبقيت فيهم في الإسلام، وكانت في العباس وبني العباس . يعني: السقاية والحجابة أقرت مما كان في الجاهلية، وما سوى ذلك لا يعول عليه. والحجابة هي السدانة، يعني: كونهم سدنة البيت ومعهم المفتاح وهم الذين يحافظون عليه ومسئولون عنه. قوله: [ (ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل) ]. وهذا فيه بيان أن شبه العمد ما يكون بالسوط والعصا وهي لا تقتل غالباً، لكن قد يكون هناك شيء يقتل كما لو كانت خشبة كبيرة فإن هذه تقتل في الغالب، ولكن العصا والسوط لا تقتل في الغالب، فإذا حصل بها قتل فإنه يكون شبه عمد، وتكون الدية مغلظة؛ لأن الضرب والسبب حصل بإرادة وقصد، ولم يكن القتل مقصوداً، ولكنه أدى إلى القتل فتكون فيه الدية مغلظة؛ حتى لا يقدم الناس على فعل شيء يتعمدونه يؤدي إلى القتل. قوله: [ (منها أربعون في بطونها أولادها) ] يعني: منها أربعون حوامل، بخلاف دية الخطأ التي سبق أن مرت، فإنه ليس فيها هذه الزيادة وليس فيها هذا التغليظ، من أنها أربعون حوامل، فتلد ويكون من الأربعين أربعون، ثم لم يذكر بعد ذلك الشيء تفصيل ما هو زائد على الأربعين. |
| الساعة الآن : 06:07 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour