ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   خواطر الكلمة الطيبة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=297868)

ابوالوليد المسلم 18-12-2024 05:32 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم



  • محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعني أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم- على كل محبوب
  • حبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه
الناس تحب القرب من الآخرين من أجل مواصفات معينه، فقد يكون السبب الأخلاق الكريمة للشخص، وأحيانا يكون السبب أنه صاحب كلمة مؤثرة عند البيان والكلام، وأحيانا يكون السبب أن هذا الشخص صاحب أفعال كبيرة وجليلة؛ فالناس تنقسم في قضية القرب والالتفاف حول شخص ما بحكم ما لديه صفات وأخلاق جاذبه.
فما بالكم إذا اجتمعت هذه الصفات كلها في شخصية واحدة؟ نعم لقد اجتمعت تلك الصفات وأكثر منها في نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم-؛ فقد جمع الله له الكمالات كلها، كمال في الخلقة وجماله، وكمال في الخلق وآدابه، والكمال في الأقوال؛ فقد أٌوتي - صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، والكمال في الأفعال؛ فقد أوتي أحسن الأفعال وأطيبها. فتخيل الكمال في كل هذه الصفات كفيلة بألا تجذب أفرادا فحسب، بل تجذب العالم أجمع؛ فلذلك من يعرف النبي - صلى الله عليه وسلم- ينجذب إليه ويحب القرب منه، حتى قال - صلى الله عليه وسلم-: «من أَشَدِّ أُمَّتي حُبا لي ناسٌ يكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحدُهُمْ لَوْ يُعْطِي أَهْلهُ ومالهُ بِأنْ يَرَانِيَ». وهذا السر الذي من أجله جعل الله -عزوجل- الأنبياء والمرسلين فيهم هذه الصفات، ولكن كمال هذه الصفات كانت في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-، فقال: «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ»، أي: لا أفتخر عليكم، ولكن الله جعل فيه هذه الكمالات فيقولها من باب {وأما بنعمة ربك فحدث}، وليس من باب الافتخار، بل كان هو سيد المتواضعين - صلى الله عليه وسلم-، فكلما زاده الله بالفضائل زاد النبي - صلى الله عليه وسلم- بالتواضع أكثر؛ ولذلك ما عرفت الدنيا تواضعا مثل تواضعه - صلى الله عليه وسلم-.
ترجمة الحب للنبي - صلى الله عليه وسلم-
وهذه الصفات هي التي جعلت الصحابة -رضوان الله عليهم- يترجمون هذا الحب له وهذا الانجذاب له بأن كانوا يجهدون في سبيل الله -عزوجل- لإعلاء كلمة الله، وأيضًا لحمايته - صلى الله عليه وسلم- وحماية دينه وسنته. نحن لم يشرفنا الله -عزوجل- لأن نكون معهم في هذا الوقت حتى نكون سدًا منيعًا له - صلى الله عليه وسلم- وأن نكون دروعا بشرية له كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا أن نظهر ما في قلوبنا عمليا تجاه محبته والانجذاب له - صلى الله عليه وسلم-، والصحابه -رضوان الله عليهم- كل واحد عبر بطريقته عن هذا الانجذاب، وأكثر شيء يدل على محبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو: أن نعمل بسنته، وندعو لها، أن ندافعها، وأن نقرأ في سيرته ونتعرف على صفاته - صلى الله عليه وسلم-، فحقيقة المحبة هي الحرص على تطبيق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- والعمل بها، والدفاع عنها، ولهذا نرى أن الله -عزوجل- ما أظهر لنا كمالات محمد - صلى الله عليه وسلم- إلا من أجل ذلك، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- لا يتخلى يوم القيامة عمن أحبه وانجذب إليه.
أمتي أمتي
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَومَ القِيامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لذلكَ، وقالَ ابنُ عُبَيْدٍ: فيُلْهَمُونَ لذلكَ، فيَقولونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا علَى رَبِّنا حتَّى يُرِيحَنا مِن مَكانِنا هذا، قالَ: فَيَأْتُونَ آدَمَ - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولونَ: أنْتَ آدَمُ، أبو الخَلْقِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لنا عِنْدَ رَبِّكَ حتَّى يُرِيحَنا مِن مَكانِنا هذا، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أوَّلَ رَسولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ، قالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا إبْراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم- الذي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا، فَيَأْتُونَ إبْراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم-، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا مُوسَى - صلى الله عليه وسلم-، الذي كَلَّمَهُ اللَّهُ وأَعْطاهُ التَّوْراةَ، قالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى عليه السَّلامُ، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْها، ولَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللهِ وكَلِمَتَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى رُوحَ اللهِ وكَلِمَتَهُ، فيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ولَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم- عَبْدًا قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: فَيَأْتُونِي فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، فإذا أنا رَأَيْتُهُ وقَعْتُ ساجِدًا، فَيَدَعُنِي ما شاءَ اللَّهُ، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأحْمَدُ رَبِّي بتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أعُودُ فأقَعُ ساجِدًا، فَيَدَعُنِي ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ يا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأحْمَدُ رَبِّي بتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُخْرِجَهُمْ مِنَ النَّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، قالَ: فلا أدْرِي في الثَّالِثَةِ، أوْ في الرَّابِعَةِ، قالَ فأقُولُ: يا رَبِّ، ما بَقِيَ في النَّارِ إلَّا مَن حَبَسَهُ القُرْآنُ، أيْ وجَبَ عليه الخُلُودُ. قالَ ابنُ عُبَيْدٍ في رِوايَتِهِ: قالَ قَتادَةُ: أيْ وجَبَ عليه الخُلُودُ».
مفهوم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
محبة النبي - صلى الله عليه وسلم- تعني أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ميلاً يتجلَّى فيه إيثاره - صلى الله عليه وسلم- على كل محبوب من نفس ووالد وولدٍ، والناس أجمعين؛ وذلك لما خصه الله من كريم الخصال وعظيم الشمائل، وما أجراه على يديه من صنوف الخير والبركات لأُمته، وما امتنَّ الله على العباد ببعثته ورسالته.
أصل المحبة
وبالجملة، فأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المُحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحب الصورة والصوت، والطعام ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة، كحب الصالحين والعلماء، وأهل الفضل مطلقًا، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خصال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إيَّاهم إلى الصراط المستقيم، ودوَام النِّعم والإبعاد من الجحيم.
جوانب شتى
فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من جوانب شتى، في جانب العقل معرفةً وعلمًا، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه، وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها، ونحو ذلك، ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جيَّاشة، ومحبة متدفقة، وميلٌ عاصف تتعلق به النفس والقلب - صلى الله عليه وسلم-؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية.
محبة الجوارح
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتِّباع لسنته قولا وفعلا وتقريرا - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن أن نقول: إن المحبة اتِّباعٌ فحسب، فأين مشاعر القلب؟ ولا يصلح أن نقول: إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتِّباع؟ ولا ينفع هذا وهذا! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهدْيه وأحواله - صلى الله عليه وسلم؟، لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمُل حينئذٍ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- علينا.
عمل قلبي
وحبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه، وإن تفاوَتت درجة الشعور بهذا الحب؛ تبعًا لقوة الإيمان، أو ضَعفه.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 26-01-2025 08:10 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة {فَـلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَـا}


  • الحياة الدنيا لا تدوم على حال ولا تصفو لأحد تمام الصفاء وقد رُكبت على التقلب والتغير ما بين قبض وبسط وسعة وضيق وفرح وحزن
قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث والجزاء على الأعمال، {حَقٌّ} أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، وقد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.
وكما أنَّ الله -عزوجل- وعد وعودًا دنيوية تحققت، فهناك أيضًا وعود أخروية ستتحقق، وهي ما جاءت به الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -تعالى-، ولقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم - الدنيا فقال: «الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ، وإنَّ اللهَ مُستخلِفَكم فيها؛ فناظرٌ كيف تعملون»، فالدنيا تأخذ القلب بزينتها وشهواتها من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا، فكل هذه النعم قد يتعلق بها الإنسان تعلقا يفوق تعلقه بالآخرة؛ لذا يقول الله -عزوجل- {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
الحياة لا تدوم لأحد
إنَّ طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تدوم على حال، ولا تصفو لأحد تمام الصفاء، وقد ركبت على التقلب والتغير، ما بين قبض وبسط، ولقاء وفراق، وسعة وضيق، وفرح وحزن، وضحك وبكاء، وعافية وبلاء؛ لذلك قال الله -تعالى-: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، ثم قال الله -عزوجل- {لا يغرنكم بالله الغرور} أي لايمنيك أصحاب الأماني فيصدونك عن حقيقة هذه الحياة «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}
ثم قال الله -تعالى-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: الشيطان الذي هو عدوكم في الحقيقة لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت؛ فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائمًا لكم بالمرصاد.
{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد، إن شئت فانظر الى السابقين من الأمم السابقة بل من أجدادنا وأهلينا أين ذهبوا؟ بل كل يوم نحن نودع من يرحلون عنا إلى أين يذهبون؟ وكثير من الناس الذين يرحلون عنا؟! لذا فالوعد حق، والموت حق، والرحيل للدار الآخرة حق، فلا ننسى ذلك الوعد، كن مغتربا؛ لذلك يعجبني حال كثير من المغتربين، تراهم يتبسطون في أمورهم؛ لأنهم يوقنون بالعودة إلى بلادهم، فكذلك نحتاج أن نكون مع الآخرة أن نوقن بعودتنا لها وأن نعمل لذلك.
{ولا تنس نصيبك من الدنيا}
نحن لا ندعو إلى ترك الدنيا بالكلية فليس هذا أمر الله ، قال -سبحانه-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، قال الشيخ السعدي -رحمه الله- : أي قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند اللّه، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، أي: لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعًا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعًا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك، {وَأَحْسَنُ} إلى عباد اللّه {كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} بهذه الأموال.
كن في الدنيا كأنك غريب
عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بمنكِبي، فقال: «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ»، وكان ابنُ عمرَ - رضي الله عنه - يقولُ: إذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساءَ، وإذا أمسيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ، وخُذْ من صِحَّتِك لمرضِك، وفي حياتِك لموتِك.
وكان عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّهُمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم - فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ»، هذا الدعاء من الأدعية. العظيمة؛ لاشتماله على أعظم المقاصد، وأرجى المطالب، وأعلى الأماني في الدنيا والآخرة، في مرافقة سيد الأولين والآخرين في أعلى جنات النعيم، ولا شك أن هذا أعظم وأعلى المنازل؛ ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يلازم هذا الدعاء في خير الأعمال، وأفضلها، ألا وهي الصلاة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم - يقول: «قد صليت منذ كذا وكذا، ما صليت فريضة ولا تطوعًا إلا دعوت اللَّه به في دبر كل صلاة»، ويقول -صلى الله عليه وسلم -: «إنه من دعائي الذي لا أكاد أن أدع»، أي هذا الدعاء، وهذا يدل على كمال همّته، وشدّة حرصه لمطلوبه، وسبب هذا الدعاء، أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد وهو مع أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ (النساء)، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم - «اسأل تعطه، اسأل تعطه».
حقيقة الحياة الدنيا
قال الله -تعالى-: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنعام: 32)، قال ابن كثير: «أي إنما غالبها كذلك»، وقال -تعالى-: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 64)، قال ابن كثير: «يقول -تعالى- مخبراً عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها، وغاية ما فيها لهو ولعب {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي الحياة الدائمة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء بل هي مستمرة أبد الآباد»، وقال -تعالى-: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (الرعد: 26)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طه:131)، قال ابن كثير: «يقول -تعالى- لنبيه محمد -[-: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد (أزواجاً منهم) يعني الأغنياء، فقد آتاك خيراً مما آتاهم، وعن جابر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمرَّ بجدي أسكَّ ميِّتٍ، فتناوله بأذنه ثم قال: «أيّكم يحب أن هذا له بدرهم؟»، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟»، قالوا: والله لو كان حيَّاً لكان عيباً فيه، لأنه أسكَّ، فكيف وهو ميِّتٍ؟! فقال: «والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».


اعداد: د. خالد سلطان السلطان





ابوالوليد المسلم 31-01-2025 10:01 AM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ


  • كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» استغث برحمة الله عزوجل وكلما وقعت في معصية من المعاصي اعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم : «وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا»
  • التوبة وظيفة العمر والحاجة إليها ماسة فإن العبد مخلوق ضعيف يكتنفه في هذه الحياة أعداء يتسلطون عليه من شياطين الجن والإنس
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنَّا عندَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - فضحِك فقال: «هل تدرونَ ممَّا أضحَكُ»؟ قُلْنا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال: «مِن مُخاطَبةِ العبدِ ربَّه يقولُ: يا ربِّ ألَمْ تُجِرْني مِن الظُّلمِ؟ قال: يقولُ: بلى قال: فإنِّي لا أُجيزُ على نفسي إلَّا شاهدًا منِّي؛ فيقولُ: كفى بنفسِكَ اليومَ عليكَ شهيدًا وبالكرامِ الكاتبينَ عليكَ شهيدًا؛ فيُختَمُ على فيه ثمَّ يُقالُ لِأركانِه: انطِقي فتنطِقُ بأعمالِه، ثمَّ يُخلَّى بَيْنَه وبَيْنَ الكلامِ فيقولُ: بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ»، هذا عبدٌ يأتي يوم القيامة فيقرره الله -عزوجل- بذنوبه فينكرها، ويظن أن له مهربا من العليم الخبير.
فكل أحدٍ فينا يدري ماذا فعل؟ يدري ماذا قال؟ يدري ماذا أخطأ؟ يدري ماهي معاصيه؟ ويدري ماهي آثامه؟ يدري ما تجاوزاته حدود الله -عزوجل-؟ يدري كل شيء فعله سواء في ترك الأوامر أم فعل النواهي وأشياء كثيرة، نعم ليس على طريقة الإحصاء؛ لأن الله -عزوجل- فطرنا على النسيان، لكننا نعلم المواقف ونتذكر ذلك جيدًا.
ومع ذلك الله -عزوجل- من عدله ورحمته جعل لنا ملائكة وأمرها أن تكتب وتحصي ذلك كله لابن آدم: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، يسجلون بأمر الله -عزوجل- سيئاتك وحسناتك، واحد عن يمينك والآخر عن شمالك، فضلا عن علم الله -عزوجل- الذي يعلم ذلك كله ولايحتاج الى هذا أبدًا، ومع ذلك فالله -عزوجل- جعل لك من يحفظ أعمالك.
ومع هذا كله فهذا العبد -عافانا الله- يطلب هذا الطلب من الله -عزوجل- هل سيرده؟ أبدًا بل سيلبي له طلبه، فيختم على فاه فلا يستطيع أن يتكلم، عند ذلك يقول الله -عزوجل- لأعضائه (انطِقِي) فتتكلم اليد وتنطق بما فعلت واجترحت، وتتكلم الرجل وتنطق بما اقترفت، وتتكلم الأذن وتنطق بما استمعت واجترحت، وتتكلم العين وتنطق بما فعلت بها، وتتكلم البطن وتنطق بماذا فعلت بها، ويتكلم الفرج وينطق بماذا سويت به، كل شيء سيتكلم وينطق! نسأل الله العافية، ثم الله -عزوجل- يتركه ويأمره ليتكلم بعدما سمع الشهود من نفسه بالتواريخ والأرقام والأيام والتفاصيل والمواقف وبالأماكن والأزمنة وبكل اللحظات، بأدق تفاصيلها، فيطلق العنان للسانه لينطق فيقول أول ما يقول: «سُحقًا لكُنَّ فعنكُن كنت أناضل!» كنت أدافع عنكم لأنجيكم من النار.
محض فضل ورحمة
هذا الانسان لم يقدر الله حق قدره، فقد نسي أنه يتعامل مع رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالله -عزوجل- يعلم ما تفكر فيه، تخيل أنك الآن في دولة تراقب كل تحركاتك بتفاصيلها على مدار الساعة، هل تستطيع فعل شيء؟ لذا فتخيل أن هذا هو وضعك على مدار حياتك منذ أن خرجت من بطن أمك وإلى أن ينقضي أجلك؛ لذا قال الله -عزوجل- في هذا الأمر تلك الآيات: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ثم ذكر الله -عزوجل- أنه يوم القيامة يختم على افواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يعلمون.
اجعل عليك رقيبا من نفسك
إذا هذه قضية مهمة وعظيمة، اجعل عليك رقيبا من نفسك، اجعل الأمر بينك وبين الله -تعالى-، فكلما سلمت عقيدتك وكلما سلم توحيدك لله -عزوجل- عندئذ ستنضبط أمورك كافة، قال -تعالى-: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} فالله -عزوجل- اذا وحدته واتبعت هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاهدت نفسك في رضاه استقامت لك الأمور.
ولابد أن يعلم الإنسان أنه ليس معصومًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه»، فلذلك على الإنسان أن يجتهد دائمًا في المسارعة بالتوبة إلى الله -تعالى-، كلما وقع في الذنب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائين التَّوابُون»، وقال الله -صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ، واعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ. وفي روايةٍ بهذا الإسْنادِ، ولَمْ يَذْكُرْ: وأَبْشِرُوا»، فتعلق بتلك الرحمة فرحمة الله -تعالى- قد وسعت كل شيء.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث»، استغث برحمة الله -عزوجل-، وكلما وقعت في معصية من المعاصي اعمل بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم -: « وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا» إذا فعلت معصية وقد غلبك الشيطان ونفسك الأمارة بالسوء عليها فغالبهم بالعودة والتوبة تب وارجع واستغفر، توضأ وصل ركعتين واستغفر الله -عزوجل- تجد الله غفورا رحيما.
التوبة وظيفة العمر
التوبة وظيفة العمر، والحاجة إليها ماسة والضرورة إليها ملحة؛ فإن العبد مخلوق ضعيف يكتنفه في هذه الحياة أعداء، يتسلطون عليه من شياطين الجن والإنس، يُحسِّنون له القبيح، ويقبحون في نظره الحسن، إضافة إلى نفس بين جنبيه أمارة بالسوء ودنيا مليئة بالفتن والمغريات.
ولما كان الإنسان من شأنه الخطأ وكلّ بني آدم خطاء كما أخبر بذلك الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- كانت التوبة وظيفة العمر التي ينبغي ألا تفوت، والطاعة العظيمة التي ينبغي البدار إليها والمسارعة إلى أدائها قبل فوات الأوان وحلول الندم.
التوبة طاعة عظيمة
التوبة طاعة عظيمة يحبها الله -تعالى-، فالله -جل وعلا- يحب التوابين ويحب المتطهرين والله -جل وعلا- مع كمال غناه عن عباده يفرح بتوبة التائبين فرحا عظيما! جاء في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب من أحدكم أضل راحلته بفلاة، أي في الصحراء وعليها طعامه وشرابه، حتى إذا أيس منها استظل تحت ظل شجرة، ينتظر الموت، فبين هو كذلك إذا بخطام ناقته عند رأسه فأمسك بخطامها، وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك!»، تأملوا فرح هذا بناقته فالله -جل وعلا- أشد فرحا منه بتوبة عبده إذا تاب إليه مع أنه -جل وعلا- غني عن توبة التائبين وإنابة المنيبين فهو -جل وعلا- لا تنفعه طاعة من أطاع، ولا تضره معصية من عصاه، وهو -جل وعلا- القائل في الحديث القدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا».
والواجب على المسلم إذا عرف شأن التوبة ومقامها، أن يبادر إليها، وأن يعلم أن ربَّه -سبحانه- دعاه إلى التّوبة ورغّبه فيها مهما كان الذنب ومهما بلغ الجرم فالله -جلّ وعلا- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو القائل -سبحانه-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر: 53).


اعداد: د. خالد سلطان السلطان





ابوالوليد المسلم 10-02-2025 08:21 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – فضل المساجد


  • كلما غدوت أو رحت إلى المسجد أعد الله لك نزلاً في الجنة بعدد ذهابك إليه وإيابك ومعنى النزل هو ما أُعد للضيف من مكان وطعام ونحوه
  • عظَّم الله عزوجل شأن بيوته في الأرض وأمر برفعها وبنائها وعمارتها بذكره وجعلها خير بقاع الأرض
  • من تعلق قلبه بالمسجد جعله الله مع السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة وهذه منزلة عالية لا ينالها أي أحد
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتاني اللَّيلةَ ربِّي -تبارَكَ وتعالى- في أحسَنِ صورةٍ، قالَ أحسبُهُ قال في المَنامِ فقالَ: يا محمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قالَ: قلتُ: لا، قالَ: فوَضعَ يدَهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجَدتُ بَردَها بينَ ثدييَّ أو قالَ: في نحري، فعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قالَ: يا مُحمَّدُ، هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعَم، في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المسجدِ بعدَ الصَّلاةِ، والمَشيُ على الأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكارِهِ، ومن فَعلَ ذلِكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ، وَكانَ مِن خطيئتِهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ، وقالَ: يا محمَّدُ، إذا صلَّيتَ فقل: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وإذا أردتَ بعبادِكَ فتنةً فاقبِضني إليكَ غيرَ مَفتونٍ».
فضل المساجد
لقد عظَّم الله -عزوجل- شأن بيوته في الأرض، وأمر برفعها وبنائها وعمارتها بذكره، وجعلها خير بقاع الأرض، وإن حياة المسلم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسجد؛ لأنه يدخله في اليوم خمس مرات، فدعونا نأخذ جولة سريعة عن فضائل المساجد، وكيف رغَّب الله -عزوجل- عباده في الذهاب إلى المساجد؟ وما الأجور التي لا نجد ثوابها إلا في المسجد؟
تجلس في خير بقاع الأرض
من فضائل المساجد أنك تجلس في خير بقاع الأرض؛ فالمساجد أفضل البقاع التي يحبها الله -عز وجل-؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» (رواه مسلم).
تكفير السيئات ورفع الدرجات
إنك لا تخطو خطوة إلى بيت الله -عزوجل- إلا جعل الله لك بكل خطوة تخطوها درجة وتمسح عنك سيئة، ويزداد ثواب هذه الخطوة إلى عشر حسنات إذا ذهبت إلى المسجد مبكرًا لانتظار صلاة، فقد قال: - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تطهَّر الرجل ثم مر إلى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشرا» (رواه ابن خزيمة)، ويزداد هذا الأجر لو مشيت إلى صلاة الجمعة فيكتب الله لك بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها؛ حيث روى أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها» (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
سبع وعشرون درجة
إنك إذا صليت الفريضة في جماعة في أيّ مكان كتب لك ثواب سبع وعشرين درجة، أما إذا صليتها جماعة في المسجد، فإنك ستكسب ثوابًا إضافيًّا يعدل ثواب حجة كاملة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم» (أبو داود).
صلاة الضحى في المسجد
إنك لو صليت ركعتي الضحى في أيّ مكان فلك ثواب من تصدق بعدد سلامى جسمه والبالغ عددها ثلاثمائة وستين سُلامى، أما لو صليت الضحى في المسجد، فسيرتفع ثوابها إلى ثواب أداء عمرة، وهذه سُنة يغفل عنها كثير من الناس، وقد قال: - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر» (رواه أبو داود).
يكتب لك أجر الصلاة
إنه يكتب لك أجر الصلاة وأنك من المصلين منذ خروجك من بيتك إلى المسجد حتى رجوعك إليه؛ حيث روى عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «... والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويُكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه» (رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم).
الملائكة تستغفر لك
إنك إذا جلست في المسجد تنتظر الصلاة وكَّل الله لك ملائكة تستغفر لك ما دمت تنتظر الصلاة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث» (رواه مسلم).
يجعل الله لك نزلا في الجنة
إنك كلما غدوت أو رحت إلى المسجد أعد الله لك نزلاً في الجنة بعدد ذهابك إليه وإيابك، ومعنى النزل هو ما أعد للضيف من مكان وطعام ونحوه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح» متفق عليه.
يشهد الله لك بالإيمان
إن مَن عَمَرَ المسجد بذكر الله -عزوجل-، شهد الله له بالإيمان، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة: 18).
يجعلك الله مع السبعة الذين يظلهم في ظله
إن من تعلق قلبه بالمسجد، جعله الله مع السبعة الذين يظلهم الله -عز وجل- في ظل عرشه يوم القيامة، وهذه منزلة عالية الكل يرجوها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، -وذكر منهم-: ورجل قلبه معلق في المسجد» (رواه البخاري ومسلم).
يكتب لك ثواب الجماعة
فقد بلغ من كرم الله -عز وجل- وترغيبه لبيوت الله، أن من قصد المسجد يريد صلاة الجماعة، كتب الله له ثواب الجماعة، ولو رأى الناس قد صلوا عنه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» (رواه أبو داود والنسائي والحاكم)؛ فلذلك إذا فاتتك الصلاة فلا تكسل وتصلي في بيتك، وإنما اقصد بيت الله لتنال كل الأجور سابقة الذكر.
ثواب حجة وعمرة
إن من جلس في المسجد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، كتب الله له ثواب حجة وعمرة، وهذا لا يحصل إلا في المسجد، روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة « (رواه الترمذي).
يبني الله لك بيتًا في الجنة
إن من بنى مسجدًا أو ساهم في بنائه ولو كان صغيرًا، بنى الله له بيتًا في الجنة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتًا في الجنة» (رواه الإمام أحمد)، ولنعلم أن قصور الجنة تتفاضل، وأن من أفضل هذه القصور وأشرفها ما بُني ثوابا لمن بنى مسجدا، كما قال النووي -رحمه الله تعالى- استنادًا لما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله»، أي مثله في الشرف، فكما أن المساجد أشرف البيوت في الأرض، فكذلك فإن أشرف القصور في الجنة تلك التي بنيت ثوابًا لمن بنى مسجدًا، ولا غرابة في ذلك، فكل الأجور التي سيحصل عليها المصلون إذا ذهبوا للمسجد ستكون في صحيفة من بنى المسجد.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 26-03-2025 12:35 AM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – احذر هؤلاء الثلاثة!


  • المخلص هو الذي يقصد بعمله وجه الله وحده، والتقرب إليه سبحانه بصلاته وصومه وصدقاته وحجه وغير ذلك من العبادات لا رياء ولا سمعة ولا لقصد الدنيا
  • الرياء منكر ومن الشرك ويجب الحذر منه كون الإنسان يصلي أو يتصدق أو يقرأ القرآن حتى يمدح فهذا الرياء لا يجوز ويجب الحذر منه
احذر ثلاثة أشياء تفسد أعمالك! وهذه الثلاثة هي من جملة أشياء كثيرة قد تُفسد الأعمال، نسأل الله العفو والعافية، ولكن هؤلاء الثلاثة نبه عليها ابن رجب -رحمة الله عليه- بأنها من مفسدات الأعمال وأن الإنسان يجب عليه أن يحذرها.
وأخذ ذلك من حديث رواه الإمام الترمذي -رحمة الله تعالى عليه- برواية أم سلمه زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -عزوجل-: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}، فمن الأعمال التي كانت ملقاة على كاهل أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- أنهن يبلغن ما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس اختيارا وإنما يبلغن وجوبًا كل ما رأوه وسمعوه من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي مهمة عظيمة، في حين أن بعض الناس يظن أنهن كن زوجات للنبي - صلى الله عليه وسلم - وانتهى الأمر، وما يدري بأن عليهن واجب التبليغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقواله وأفعاله وأوامره ونواهيه التي هي بالأساس وحي من الله -تبارك وتعالى-. تقول أم سلمة -رضي الله عنها وأرضاها-: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من الصبح يقول: «اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ عِلمًا نافعًا، ورِزْقًا طيِّبًا، وعمَلًا مُتقَبَّلًا»، كان - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك الدعاء كل صباح بعدما يصلى الصبح، وبعدما يختم أذكار الصلاة ويشرع في أذكار الصباح، قال ابن رجب -رحمة الله عليه-: العلم النافع هو الذي قد خلا من ثلاثة أمور وكلها أمور دنيوية:
ألا يبتغي بهذا العلم رئاستها
قال: (ألا يبتغي بهذا العلم رئاستها) فلا تتعلم هذا العلم لكي تتصدر المجالس تقول لنفسك تلك مجالس الأكابر وهؤلاء التجار وهؤلاء وهؤلاء أما المجالس التي فيها فقراء مثلنا هؤلاء لا أجالسهم أو أمر عليهم، فسخر هذا العلم وهو العلم الشرعي؛ لأن العلم النافع هو الذي يوصل الإنسان إلى العمل الصالح وهذا ليس بعمل صالح.
وألا يبتغي بهذا العلم الشهرة
الأمر الثاني قال: (وألا يبتغي بهذا العلم الشهرة) بعض الناس ماذا يريدون من العلم؟ أن يشتهر بأنه قارئ، أو يشتهر بأنه حافظ، أن يشتهر بأنه متقن، أن يشتهر بأنه إنسان ما شاء الله في العلم بحر، هذا مبتغاه، وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطانا فيه مثالا حقيقيا وواقعيا، وهو حديث أبي هريرة، الذي كان إذا ذكر هذا الحديث يشهق ويغمى عليه من شدة الخوف أن يكون داخلا في هذا الحديث وهو ناج منه -رضي الله عنه وأرضاه- بشهادة الله وشهادة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم بالمغفرة والرحمة والتجاوز ودخول الجنة يقول: «حدَّثني رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ اللَّهَ -تبارَكَ وتعالى- إذا كانَ يومُ القيامةِ نزلَ إلى العبادِ ليَقضيَ بينَهم، وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ من يدعو بهِ رجلٌ جمعَ القرآنَ، ورجلٌ يُقتلُ في سبيلِ اللَّهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولِي؟ قالَ: بلى يا ربِّ قالَ: فماذا عمِلتَ فيما عُلِّمتَ؟ قالَ: كنتُ أقومُ بهِ أثناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، فيقولُ اللَّهُ لهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ، فقَد قيلَ، ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ: ألم أوسِّع عليْكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ؟ قالَ: بلَى قالَ: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قالَ: كنتُ أصلُ الرَّحمَ، وأتصدَّقُ؟ فيقولُ اللَّهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، فيقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوَّادٌ، فقد قيلَ ذاكَ، ويؤتى بالَّذي قتلَ في سبيلِ اللَّهِ، فيقالُ لهُ: فيمَ قُتلتَ؟ فيقولُ: أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِكَ، فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ، فيقولُ اللَّهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جَريءٌ: فقد قيلَ ذلِكَ، ثمَّ ضربَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى رُكبتيَّ، فقال: يا أبا هُريرةَ، أولئِكَ الثَّلاثةُ أوَّلُ خَلقِ اللَّهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامَةِ» فهذه الشهرة مصيبه.
وألا يبتغي بها المدح
الثالثة: أن يبتغي بها المدح، يعني يريد دائمًا الناس يثنون عليه وعلى علمه، فالذي يريد مدح الناس أخذ أجره من الناس، فالله -عز وجل- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما غير ذلك فهو مردود على صاحبه، لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه رجل وقال له: يا محمد إن مدحي زين وذمي شين، قال: ذاك رب العالمين». ومدح الناس لا ينافي الإخلاص، ولكن طلب هذا المدح هو الإشكال، فإن سمعت مثلاً من الناس مدح فهذا فضل الله عليك لأن مدح الناس يعتبر من شهادة وتزكية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما امتدح الناس رجل في جنازته وأثنوا عليها خيرا فقال: وجبت وجبت وجبت، فقالوا: ما وجبت يا رسول الله؟ فقال: وجبت لها الجنة، ثم قال: أنتم شهداء الله في خلقه، ولذلك العلم النافع الذي كان يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقصد به الرئاسة، ولا يقصد بها الشهرة، ولا يقصد به المدح، أعاذنا الله وإياكم من سائر الآفات التي تقطع الأعمال.
حقيقة الإخلاص
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: الإخلاص هو قصد الرب -جل وعلا- بالعمل، أن يقصد المسلم بعمله وجه الله، والدار الآخرة، قال الله -جل وعلا-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (البينة:5) وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (غافر:14)، فالمخلص هو الذي يقصد بعمله وجه الله، بصلاته، بصومه، بصدقاته، بحجه، بغير ذلك من العبادات، يقصد التقرب إلى الله لا لغيره، لا رياء ولا سمعة، ولا لقصد الدنيا، وإنما يفعل ما يفعل يرجو ثواب الله، ويرجو إحسانه -سبحانه وتعالى-، وأما الرياء كونه يفعل لأجل يرائي الناس لأجل يمدحه الناس هذا منكر، ومن الشرك، قال الله -جل وعلا-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء:142)، فالرياء منكر ومن الشرك يجب الحذر منه، كون الإنسان يصلي حتى يمدح، أو يتصدق حتى يمدح، أو يقرأ حتى يمدح هذا الرياء لا يجوز هذا، يجب الحذر من ذلك.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 16-04-2025 08:00 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – محبة الله للعبد


  • من علامات حب الله تعالى لعبده المؤمن شعوره بأنه يحب الله ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
  • من علامات محبة الله عز وجل لعبده المؤمن أن يوفق إلى الرفق واللين وحسن الخلق وترك العنف
  • إذا أردت أن يحبك الله عز وجل فعليك باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسة الصالحين وزيارتهم
هناك محاضرة للشيخ أبو بكر الجزائري عنوانها: (هل الشأن أن تُحِبّ أو أن تُحَبّ؟)، فالشأن أن تُحِبّ الله -عز وجل-؛ لأنك أنت المحتاج له -سبحانه-، فالله هو الغني عن العالمين، ولكن أن تُحَبّ ويذكر ذلك في الملأ الأعلى أنَّ الله يحبك، فهذا والله من الرحمة العظيمة؛ لأن مثل هذا يعين العبد على الثبات على الأمر والاستمرار في الطاعة والتسابق إليها والسير في الطريق الموصل إلى رحمة الله -تعالى-.
ولذلك جاء في بعض الآثار أنَّ عبدالله بن الحسن قال: كانت لي جارية رومية وضيئة، فالتمستها في إحدى الليالي فلم أجدها، فقمت أطلبها فإذا هي ساجدة، وهي تقول: «بحبك لي إلا غفرت لي ذنوبي»، فقلت لها: لا تقولي: «بحبك لي»، ولكن قولي: «بحبي لك». فقالت: لا يا مولاي، بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظ عيني وكثير من خلقه نيام.
كيف يعرف العبد أن الله يحبه؟
والسؤال المهم هو كيف يعرف العبد أن الله يحبه بعد ما يفعل الأسباب التي تنال بها محبة الله؟ فلا شك أن من علامات حب الله -تعالى- لعبده المؤمن شعوره بأنه يحب الله ورسوله، وأن يكونا أحب إليه مما سواهما، ومن نفسه التي بين جنبيه، وأن يكون مستقيمًا على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، مواليا للمؤمنين ومحبًا لهم ومتواضعا معهم، مبغضًا للمعصية والكفر والبدعة وأهلها، فمن توفرت فيه هذه الصفات فهو من أولياء الله وأحبائه. فقد كانت هذه صفات أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود} (الفتح:29)، وقال -تعالى-: (فسَوْف يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، ومن صفات أحباب الله ورسوله ما رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».
الحماية من فتن الدنيا وشهواتها
ومن علامات حب الله -عز وجل- للعبد المؤمن أن يحميه من فتن الدنيا وشهواتها، فالسعيد من جُنّب الفتن، فقد روى محمود بن لَبِيدٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ»، وفي رواية الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ»، وهذا لا يعني أن من أحبه الله أفقره ومن أبغضه أغناه؛ لكن المقصود أن الله يعصمه من التعلق بشهوات الدنيا ويصرف قلبه عن حبها والانشغال بها؛ لئلا يركن إليها وينسى همَّ الآخرة.
التوفيق إلى الرفق واللين
ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن، أن يوفق إلى الرفق واللين وترك العنف، فقد روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» رواه ابن أبي الدنيا، وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» رواه البخاري، فإذا رأيت الرجل ليناً لطيفاً رفيقاً مع الناس عامة، ومع زوجته وأهل بيته خاصة، فهذا من علامات حب الله له، وكم نسمع عن أناس يكثرون من إهانة زوجاتهم أمام أولادهم وأقاربهم! بل إن منهم من يتعمد إذلال زوجته ورفع صوته عليها أمام أهلها تحقيراً لها وتكديراً لخاطر أهلها الذين أكرموه وائتمنوه على فلذة كبدهم، وما هذا من أخلاق الرجال ولا من سنة سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم -، بل قد تكون علامة على عدم حب الله -تعالى- له.
الابتلاء في الدين أو الدنيا
ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن أن يبتليه في دينه أو دنياه، فقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»، فالله -عز وجل- يبتليك ليمتحنك، فقد يبتليك بالغنى أو الفقر، بالصحة أو المرض، بالفراغ أو الشغل، في المال أو النفس، فمن رضي وصبر محص الله ذنبه، ومن لم يرض خسر عظيم الثواب، ولن يستعيد ما فقده بعدم الرضا، قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وقال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
إعانة الناس وتفريج كربهم
من علامات محبة الله للعبد أن يوفق لخدمة الناس وإعانتهم وتفريج كربهم؛ حيث روى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا - يعني مسجد المدينة - ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام» رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا.
التوفيق إلى حسن الخلق
ومن علامات حب الله للعبد أن يوفق إلى حسن الخلق، فعن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم؛ إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله -تعالى-؟ قال: «أحسنهم خلقا».
ماذا أفعل ليرضى الله عني؟
إذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك باتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد قال الله -عز وجل- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك بمجالسة الصالحين وزيارتهم، فقد قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ»، وروى أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى؛ فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» رواه مسلم، وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل-، فالزم فرائض الله -تعالى- ولا تضيعها وبادر إلى الإكثار من النوافل بشتى أنواعها، من صلاة وصيام وصدقة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قال الله -عز وجل-: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..».


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 23-04-2025 04:08 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – سمات الداعية الصادق


  • الداعية صورة «متجسدة» لأعمال الإسلام وشرائعه في نفسه ونموذج صادق، وتطبيق واقعي، للأفكار والمبادئ السامية
لو سألك سائل كم عدد الناس الذين دعوتهم إلى الإسلام؟ كثير منا يجيب عن هذا السؤال ويقول: ما دعوت أحدا؛ لأنه ينصرف ذهنه لقضية واحدة وهي الخطابة والدروس، وكم عدد الأشخاص الذين أثرت فيهم فتحولوا من الكفر إلى الإسلام، أو تحولوا من المعصية إلى الطاعة، أو من الفسوق إلى الاستقامة والالتزام؟
وإذا كان هذا هو الظن فكثير من الأنبياء والمرسلين لن نجعلهم في صف الدعاة إلى الله -تعالى-؛ لأن هذا مفهوم خطأ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النبيَّ ومعهُ الرُّهَيْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنبيَّ ليسَ معهُ أحَدٌ»، والمدة الزمنية التي عاشها هذا النبي في أمته متفاوتة، قد تكون مئة سنة أو مئتين أو ثلاثمئة ولم يسلم معه إلا واحد، فهل هذا النبي الذي ليسه معه أحد لم يكن يحسن الدعوة إلى الله أو قصر في تلك الدعوة؟ والجواب حاشاه ذلك.
المعنى الحقيقي للدعوة
إذا فالدعوة إلى الله -عز وجل- ليست بالمفهوم الضيق الذي يفهمه كثير من الناس، لكن المعنى الحقيقي للدعوة هو أن يكون الداعي إلى الله صورة متجسدة لأعمال الإسلام وشرائعه في نفسه؛ حيث يكون الداعية صورة حية، ونموذجا صادقا، وتطبيقا واقعيا، للأفكار والمبادئ السامية، فإنه مهما عمل الداعية على توضيح منهج الإسلام المتكامل، أو رسم صورة مثالية للمسلم، فإن ذلك لن يحقق النتائج ذاتها ، ولن يغني عن وجود واقع حقيقي يمثله إنسان صادق، يحقق بعمله وسلوكه هذه الصورة. وعلى هذا يكون الإنسان داعية إلى الله بمجرد استقامته والتزامه بشرع الله -عزوجل-، فلو رأوه ملتحيا أو مقصرا إزاره فذلك تطبيق لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكم من الناس أثروا في غيرهم دون الدخول معهم في نقاش. والسؤال: هل لك أجر في ذلك؟ والجواب: نعم؛ لأن التزامك وتدينك الصادق يعد انعكاسًا لهذا الدين، فلابد أن تضع نصب عينيك أنك تمثل دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك إذا قصرت إزارك فوق الكعب بهذا تكون داعية إلى الله -عزوجل- بهذا السلوك وموجه من خلاله للآخرين، فالقدوة المؤثرة أن يكون الداعية صورة صحيحة وصادقة لكل ما يدعو إليه، ويريد غرسه في المدعو، وأن يكون فعله وسلوكه صادقاً قبل كلامه، ولا ريب أن الدعوة بالفعل والعمل، أقوى وأوقع في النفس، وأعون على الحفظ والفهم، وأدعى إلى الاقتداء والتأسي، من الدعوة بالقول والبيان، فالدعوة بأسلوب القدوة هو الأسلوب الملائم للفطرة، وقد كان ذلك من أعظم أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم -.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 04-06-2025 10:53 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. توقير المرأة لزوجها


  • من عِظَمِ حقِّ الزوج أن طاعته مقرونة بحق الله تعالى
  • اهتم الإسلام اهتمامًا عظيمًا بصلاح البيوت لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساسية في صرح الأمة
من ينظر في سيرة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، يجد بأن قضية تعليم الأمة وتوجيهها لا يأتي من الرجال فقط؛ بل يأتي كذلك من النساء؛ فقد كانت نساء الصحابة والتابعين يقدمون خلاصات عملية؛ حتى تفهم الأمة أهمية تطبيق هذه الآداب والأخلاق التي دعا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وامتثلها هذا الجيل العظيم في تلك القرون المباركة، فعظم الله شأن هذه القرون وجعل لها مكانة؛ بسبب تطبيقها لهذا الشرع الحكيم ولهذه الآداب التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم -.
إن تعلم الآداب والأخلاق أمر مهم، وتعليم الآخرين هذه الآداب والأخلاق أيضا أمر مهم، وأقصد بالآخرين أولا هم أهل بيتك: زوجك وأبناؤك، تعليمهم الآداب التي غفل عنها كثير من الناس، فيعلم أهل بيته، ويطبقون ما تعلموه داخل البيت مع بعضهم بعضا.
العقيدة آداب وأخلاق
العقيدة آداب وأخلاق، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - سلوك، والصلاة والعبادات حقوق ومعاملات، تعاملك مع نفسك آداب وأخلاق ومع الآخرين أيضا آداب وأخلاق؛ لذلك قال الله -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، بالأخلاق الكريمة وبهذا التشريع العظيم، ومن هذه الأشياء ما قالته زوجة سعيد بن المسيب -رحمه الله- تُعلّم بنات جيلها وانتقلت هذه الكلمة من ذلك الجيل في القرن الثاني إلى أن وصل إلى يومنا هذا في القرن الخامس عشر الهجري، قالت: «وكنا نتكلم مع أزواجنا كما يتكلم الرجال مع ملوكهم».
جواز تعظيم المرأة لزوجها
الإمام النووي -رحمة الله عليه- يقف عند إسناد حديث رواه الإمام مسلم عن أم الدرداء تقول حدثني سيدي (تقصد زوجها) أبو الدرداء أنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثله»، فيقف الإمام النووي على كلمة أم الدرداء حدثني سيدي قال: وفيه جواز تعظيم المرأة لزوجها وتوقيره ظاهرًا وباطنًا، فهذا الجيل وهو جيل الصحابة ومن بعده كان يعظم الرجل ويعطيه قدره.
مستوى راقٍ من الأخلاق
فنحن اليوم نقف على ما وصلت إليه أم الدرداء وزوجة سعيد بن المسيب لهذا المستوى، ولكن اليوم نرى ما خرَّج لنا هذا الجيل الحالي؛ حتى اضطرت الحكومات أن تفتح محاكم للأسرة تترك للمرأة التعبير كيفما شاءت لا الرجال، ولا تقولوا إني قاسٍ على المرأة! لا والله، ولكن بسبب المرأة اليوم فتحنا هذه المحاكم؛ لأن المرأة الآن صارت تطرق الأبواب المفتحة للمحامين، ثق تماما أنَّ 90% من الرجال لا يذهبون للمحامين، بل النساء هم من يذهبن للمحامين ويفصلن على مزاجهن، ويستصدرن أحكاما من القاضي بقدر ما يستطعن، حتى حدثت مشكلات كثيرة للرجال، فما عادوا يستطيعون الزواج بثانية، فالقضية قضية سلوك وأخلاق هذا الجيل وهذه المشكلات والقضايا {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} مطلوب منا أن تعرف الزوجة قيمة الزوج! ونذكرها بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك لكان على المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها».
شرع الله القوامة للرجال وعظم شأن الزوج، وعلم المرأة حقه، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه وأمهات المؤمنين، وعلم الصحابة كيف يتعامل معهم نساؤهم حتى قال في حاشية الأحناف: «ويكره أن تسمى المرأة زوجها باسمه بل تضع له تعظيما كسيدي ومولاي»، فهذا شرع ودين وآداب وأخلاق، وفي المقابل الله -عز وجل- خاطب الرجال فقال لهم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال -تعالى-: {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي: أيها الرجل لا تظلم فالله -عز وجل- علي كبير، فالله جعل لك حقوقا وللمرأة حقوقا، وعليكما واجبات، وعظم الله شأن الزوج؛ لما يقع عليه من مسؤوليات، وعلى المرأة أن تتعامل مع الزوج بما أمر الله ورسوله.
الأسرة ومقومات البيت المسلم
اهتم الإسلام اهتمامًا عظيمًا بصلاح البيوت؛ لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساسية في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع؛ فعلى قدر ما تكون اللبنة قويةً يكون البناء راسخًا منيعًا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيًا، آيلاً للانهيار والتصدع؛ فالبيت المسلم هو المدرسة الأولى التي يتخرج فيها الأعضاءُ الفاعلون في المجتمع، وموقع الأسرة من المجتمع كموقع القلب من الجسد؛ فصلاح المجتمع بصلاح الأسرة، وفساده بفسادها.
إنّ الأسرة في الإسلام بناءٌ متين الأساس، مترابط الأركان، أصله ثابت، وفرعه في السماء، يؤسس هذا البناء على تقوى من الله، واتباع لشريعته -سبحانه-، بالزواج الشرعي الذي هو الطريقة السوية المشروعة لتكوين الأسرة، تلك الطريقة التي تليق بكرامة الإنسان، وتتوافق مع فطرته السليمة.
وقد وضع الشرع أسسًا ومعايير يبنى عليها اختيار الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، قال الله -تعالى-: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور: 32)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»، «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»، وجاء رجل إلى الحسن بن علي يسأله قائلًا: قد خطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟ قال: ممن يتقي الله؛ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، وباجتماع الزوج الصالح والزوجة الصالحة، يُبنى البيتُ الصالح بإذن الله -تعالى-، فإذا تم الزواج.. فلتكن الحياة قائمة على السكينة والمودة والرحمة، فلهذا شرع الزواج، قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).



اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 04-06-2025 11:06 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. فضل ذكر الله -عزوجل-


  • قال ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله: «فاذكروني أذكركم» إن الله ذاكرُ من ذكره وزَائدُ من شكره ومعذِّبُ من كفَره
إخواني، لو قيل لأحد من الناس: هل يعجبك أن يذكر اسمك عند علية القوم وأكابر الناس؟ بالتأكيد كلنا يحب ذلك، لكن هناك أمر أعظم في نفوس المؤمنين، فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ مما تذكرون من جلالِ الله: التَّسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ، ينعطِفْنَ حولَ العرشِ، لهن دويٍّ كدويِّ النحلِ، تُذَكِّرُ بصاحبها، أما يحبُّ أحدُكم أن يكونَ له -أو لا يزالُ له- من يُذكِّرُ به».
في هذا الحديث يخبر النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن مما تذكرون من جلال الله»، أي: تعظيمه «التسبيح»، وهو قول: «سبحان الله»، وما شابه ذلك، «والتهليل» وهو قول: «لا إله إلا الله»، «والتحميد» وهو قول: «الحمد لله»، «ينعطفن حول العرش»، أي: هؤلاء الكلمات والجمل الأربع يمِلن ويدرن حوله، والمراد طوافهن حول العرش، «ولهن دويّ كدويّ النحل»، أي: صوت يشبه صوت النحل؛ من كثرة تكرار هذه الكلمات وترديدها، «تذكر بصاحبها»، أي: تذكر أن قائلها فلان، في المقام الأعلى، وفي هذا أعظم حض على الذكر بهذه الألفاظ، «أما يحب أحدكم أن يكون له - أو لا يزال له - من يذكر به»، أي: عند الله وحول عرشه.
وهذا من الحث على الإكثار من هذا الذكر؛ فالتسبيح: تنزيه لله عن كل ما لا يليق به، والتحميد: إثبات لأنواع الكمال لله في أسمائه وصفاته وأفعاله، والتهليل: إخلاص وتوحيد لله وبراءة من الشرك، والتكبير: إثبات لعظمة الله، وأنه لا شيء أكبر منه؛ فاشتملت هذه الجمل على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتوحيد والتمجيد، ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالًا. ولهذه الكلمات فضائل عظيمة أخرى، ومن ذلك: أنهن مكفرات للذنوب، وأنهن غرس الجنة تُغرس لقائلها.
قال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة:152) قال ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: «فاذكروني أذكركم»، إن الله ذاكرُ من ذكره، وزَائدُ من شكره، ومعذِّبُ من كفَره، وقال السدّي: « اذكروني أذكركم» قال: ليس من عبد يَذكر الله إلا ذكره الله.
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: كيف يكون ذكر الله للعبد؟ فقال: يثني عليه -سبحانه وتعالى-في الملأ الأعلى، «من ذكرني في ملأٍ ذكرتهُ في ملأٍ خير منهم» فالله - جلّ وعلا- يذكر من ذكرهُ في عبادتهِ؛ لأن ذكر الله يكون في الثناء على الله وبالتسبيحِ والتهليلِ والتكبيرِ وغير ذلك، ويكون أيضاً بسائر الطاعات من صلاةٍ وصيامٍ وغير ذلك من العبادات؛ فهي ذكرٌ لله -سبحانه وتعالى -فمن ذكر الله ذكرهُ الله؛ لأن الجزاء من جنس العمل {هَل جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.



اعداد: د. خالد سلطان السلطان


ابوالوليد المسلم 16-07-2025 08:15 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة – مسؤولية الدعاء وفضل القرآن


  • القرآن الكريم جاء تبيانًا لكل شيء، يهدي إلى الحق والرشد وإلى طريق مستقيم، يخرج الناس من الظلمات إلى النور
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لما رأيتُ مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - طِيبَ النَّفْسِ، قلتُ يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخَّرَ وما أسرَّتْ وما أعلنَتْ فضحكتْ عائشةُ حتى سقط رأسُها في حِجرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من الضَّحِكِ فقال أَيَسُرُّكِ دُعائي فقالتْ ومالي لا يَسُرُّني دُعاؤُكَ فقال واللهِ إنها لَدَعْوتي لأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ».
هذا الحديث يبين لنا أهمية الدعاء واهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمته ويظهر ذلك جليا في حرصه الشديد على الدعاء لهم، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي خوفًا على أمته وحرصًا على نجاتهم، وكان يدعو لهم في صلاته وفي كل وقت، كما ادخر دعوته المستجابة ليوم القيامة ليشفع بها لأمته.
الدعاء للجمعية
إنَّ إحساسي وشعوري بمسؤولية الدعاء للآخرين وأنا في عرفة، جعلني أدعو لجمعية إحياء التراث المباركة، ولكل القائمين عليها والعاملين فيها جميعًا ولإخواني الدعاة والعلماء وللمسلمين والمسلمات، هذا في الحقيقة مما هو واجب على أن أذكره لكم اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنا أذكره لإخواني وأصحابي وأحبابي أننا ما نسيناكم من الدعاء في ذلك المكان العظيم الذي يرجوه كل واحد منا؛ بل كل المسلمين يرجون أن لو يكونوا كلهم في عرفة في ذلك اليوم فيدعون الله -عزوجل-. إنَّ الله -عزوجل- برحمته وعلمه قدر أنه لا يأتي إلى هذا المكان إلا فئة قليلة من الناس، فيتنزل الله -عزوجل- في عشية عرفة، فيقول ويشهد الملائكة أني قد غفرت لكم ولمن شفعتم له، أنتم يا من حضرتم المشهد ومن تدعون لهم من الناس، فهذا والله من رحمة الله -عزوجل- فمن يعلم بهذا الحديث لا يقصر أبدا في الدعاء للآخرين سواء من الأقارب أو من الأحباب أو من المسلمين أو المسلمات، الأحياء منهم والأموات؛ فإن الله -عزوجل- يكتب لهذا الداعي عن كل مسلم ومسلمة حسنة، تكون في ميزان حسناته، أسأل الله -عزوجل- أن يثقل موازيننا وموازينكم.
فضل القرآن والانشغال به
هذه مقدمة بسيطة أردت أن أقدم بها قبل حديثي الأساسي، وهو قول سفيان الثوري - رحمه الله-؛ حيث قال في آخر حياته كلمة فيها الكثير من العبر قال: «يا ليتني اقتصرت على القرآن ولم يشغلني شيء عن معانيه»، تعرفون من سفيان الثوري -رحمه الله-؟ هذا رجل من كبار محدثي هذه الأمة، رجل تنقل في البلدان، حفظ وروى والتقى مع علماء ومشايخ أخذ منهم علم الحديث، وأصبح راويا من رواة الإسلام؛ بل حتى أهل القرآن رأوا أنهم يجب أن يذهبوا إليه حتى يأخذوا من علمه! نحن نعرف أن هناك رواية بالسند عن عاصم بن أبي النجود عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - عاصم هو شيخ سفيان الثوري -رحمهما الله-، ومن المواقف الجميلة التي حدثت بينهما أنه جاء يومًا ودخل على مجلس سفيان ففرح به ورحب به فقال عاصم: «يا سفيان جئتنا صغيرا فعلمناك، واليوم جئتك كبيرا لتعلمني»، الكلمة نفسها رويت عن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- قال: «ندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن».
موقف مؤثر
ومن المواقف التي أتذكرها هنا في آخر زيارة للشيخ أبي إسحق الحويني -رحمه الله- للكويت عندما كان يسجل برنامجه الأخير بقناة المعالي، استضفته عندي في البيت مع إخوة كثر من طلبة العلم، فماذا قال؟ أخبرنا أنه يدرس الآن رواية حمزة في القرآن، يريد أن يأخذ سندًا من الشيخ المعصراوي، فتذكرت موقف عاصم مع سفيان -رحمهم الله- وكان يقول ما أريد أن أنشغل الآن عن القرآن أريد أن أركز على القرآن.
استعن بالله ولا تعجز
فيا أخي الكريم، أنت الآن ما زلت في سعة من أمرك؛ فاجمع همك وعزمك ولا تقل كَبْر بي العُمر؛ فنحن نتذكر أن من خريجي الأترجة في الفيحاء كان منهم في ذلك اليوم رجل عمره 74 و72 و68 رجال أعمارهم من فوق الـ65 عاما إلى 75 عاما؛ فلا تقل أنا كبرت ولكن انظر إلى هؤلاء الشيبان الذين عندهم الهمة يريدون أن يعوضوا ما مضى بهم من أيام وسنين، فاستعن بالله ولا تعجز.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 29-07-2025 03:29 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة


هذه قصة ذكرها الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، يقول: حدثني من أثق به، أنَّ أحد الناس الذين يعرفهم، نهى زوجته أن تخرج أي شيء من بيته، والمرأة الصالحة هي التي تسمع وتطيع، وهذا مال الرجل وصاحب الحق فيه، الشاهد أنه مرت الأيام وطُرق الباب، فإذا المرأة تسأل من بالباب؟ فيقول: رجل مسكين جائع، لا أجد ما أستر به جسدي عن هذا البرد، والمرأة بطبعها عاطفية، فتأثرت بهذا الرجل فجاءت بثوب بال فيه خرق وثلاث تمرات.
دارت الأيام فإذا هذا الرجل ينادي زوجته -تعالى-، رأيت الليلة رؤيا رأيت شيئا غريبا عجيبا، وكأن القيامة قد قامت، وحُشر الناس والشمس تدنو من الخلائق، وإذا بثوب طائر في السماء يظلني، ولكن هذا الثوب فيه خرق يتخلله الشمس، ثم جاءت ثلاث تمرات فسدت هذه الخروق الثلاثة، يحكي لزوجته وهو مستغرب ويقول: والله ما أدري ما هذا الشيء الغريب؟ فلما سمعت هذا الكلام زوجته تخيلت الحادثة كلها بينها وبين هذا الفقير، فقالت له: أريد أن أقول لك شيئا، أنت نهيتني عن أن أتصدق، وذات يوم طرق الباب، وإذا برجل مسكين يريد ثوبا يستره من البرد، وجائع؛ فأعطيته ثوبا مخرقا، وأنت لا ترتديه، وكان عندي ثلاث تمرات أعطيته إياهم؛ فعلم الرجل أن هذا الفعل هو الذي ستره عند الله -تعالى-، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ) لم يقل شيئا أخر من العبادات، وإنما قال في ظل صدقته، فقال هذا الرجل لزوجته: لا تردين أحدا بعد اليوم حتى لو أعطيته تمره، فسبحان الله! الرجل انتقل من حال إلى حال، وعلم أن الله يجزي الأجر الكبير لصاحب الصدقة سواء علم أو لم يعلم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لا يَبْقى بَعدي منَ النُّبوةِ شيءٌ إلَّا المُبشِّراتُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما المُبشِّراتُ؟ قال: الرُّؤيا الصالحةُ، يَراها الرَّجلُ، أو تُرى له»، فأنت قد ترى رؤيا يثبتك الله -عزوجل- بها، أو يطمئنك بها أو ترى انفراجات، وقد ترى مكانك عند الله بها، أو ترى شرًا يصدك عنه الله -عزوجل-، أو عافية بعد مرض، أو تُرى له؛ فيأتي أحد ويروي لك رؤيا، وإذا كان هذا الرجل صالحا فرؤياه تكون حقا؛ لذلك الرؤيا من الصالحين هي من المبشرات، فصدق النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها من علامات النبوة، وهي من الصلة، ونحن عندنا صلتان:
  • الصلة الدائمة: صلة جعلها الله وصلا ما بين السماء والأرض، وهي كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
  • وهناك صلة مؤقتة: وهي مكرمة من الله -عزوجل- وهي (قضية الرؤيا) لنفسك أو لغيرك، فإذا رأيت شيئا عظيمًا لا تترد أن تقصها على عالم أو رجل معروف بهذا العلم وهذا الباب؛ ليبينها لك إن كان فيها تحذير أو ترغيب أو ترهيب حتى تسلم وتنال ثمرة هذه الرؤيا المباركة.



اعداد: د. خالد سلطان السلطان







ابوالوليد المسلم 14-08-2025 04:57 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. أثر الأخلاق في الدعوة إلى الله


  • الخلق الحسن من العوامل المهمة في جذب الناس إلى الداعية وتأثرهم به وقبولهم لدعوته فضلا عن أجره في الآخرة
  • من الصفات المهمة للداعية الثبات على الأخلاق الحسنة في كل حال فينبغي ألا يحيد عنها أو يميل إلى غيرها لأنها حق والثبات على الحق دين
  • الداعية إلى الله أحوج ما يكون إلى التخلق والاتصاف بالأمور المحببة إلى قلوب الناس فضلا عن أنها من واجبات المسلم
قال زيدُ بنُ سُعنةَ ما من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُها في وجهِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَينِ لم أُخبَرْهما منه: يَسْبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُه شدةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا؛ فكنتُ ألطف له إلى أن أخالطَه فأعرفَ حلمَه مِنْ جهلِهِ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فخرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومًا مِنَ الحُجُراتِ ومعه علي بنُ أبي طالبٍ، فأتاه رجلٌ على راحلتِهِ كالبدويِّ، فقال يا رسولَ اللهِ، إنَّ بقربي قريةَ بني فلانٍ قد أسلموا أو دخلوا في الإسلامِ، وكنتُ حدَّثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزقُ رغدًا وقد أصابتْهم سَنةٌ وشدَّةٌ وقحوطٌ مِنَ الغيثِ؛ فأنا أخشى يا رسولَ اللهِ، أن يخرجوا مِنَ الإسلامِ طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا! فإن رأيتَ أن ترسلَ إليهم بشيءٍ تعينُهم به فعلتَ.
فنظر إلى رجلٍ إلى جانِبِه أراه عليًّا، فقال يا رسولَ اللهِ، ما بقِيَ منه شيءٌ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فدنوتُ إليه فقلتُ يا محمد هل لك أن تبيعَني تمرًا معلومًا في حائطِ بني فلانٍ إلى أجلِ كذا وكذا؟ فقال لا يا يهوديُّ، ولكن أبيعُك تمرًا معلومًا إلى أجلِ كذا وكذا ولا تسمِّي حائطَ بني فلانٍ، قلتُ نعم، فبايعني؛ فأطلقتُ هِمْياني فأعطيتُه ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا، فأعطاه الرجلَ وقال اعدِلْ عليهم وأعِنهُم بها، قال زيدُ بنُ سُعنةَ: فلما كان قبلَ محلِّ الأجلِ بيومين أو ثلاثةٍ خرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ في نفرٍ مِنْ أصحابِه فلما صلَّى على الجنازةِ وَدَنا مِنْ جِدَارٍ ليجلِسَ أتيتُه فأخذتُ بمجامعِ قميصِه وردائِه، ونظرتُ إليه بوجهٍ غليظٍ فقلتُ له ألا تقضيني يا محمدُ حقِّي؟ فواللهِ ما علمتُكم بني عبدالمطلبِ لمُطلٌ ولقد كان لي بمخالطتِكم علمٌ. ونظرتُ إلى عمرَ وإذا عيناه تدورانِ في وجهِهِ كالفَلَكِ المستديرِ ثم رماني ببصرِه فقال يا عدوَّ اللهِ، أتقولُ لرسولِ اللهِ ما أسمعُ وتصنعُ به ما أرى! فوالذي بعثه بالحقِّ لولا ما أحاذرُ فوتَه لضربتُ بسيفي رأسَكَ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينظرُ إلى عمرَ في سكونٍ وتُؤَدَةٍ وتبسُّمٍ، ثم قال يا عمرُ، أنا وهو كنا أحوج إلى غيرِ هذا أن تأمرَني بحسنِ الأداءِ وتأمرَه بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذهبْ به يا عمرُ فأعطِه حقَّه وزِدهُ عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما رُعتَه. قال زيدٌ فذهب بي عمرُ فأعطاني حقِّي وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ؛ فقلتُ ما هذه الزيادةُ يا عمرُ؟ قال أمرني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن أزيدَك مكانَ ما رعتُكَ! قال: وتعرفُني يا عمرُ؟ قال لا؛ فما دعاك أن فعلتَ برسولِ اللهِ ما فعلتَ وقلتَ له ما قلتَ؟ قلتُ: يا عمرُ لم يكن من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُه في وجهِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَين لم أُخبَرْهما منه: يسبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُهُ شدَّةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتُهما فأُشهدُكَ يا عمرُ أني قد رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدُكَ أنَّ شطرَ مالي فإني أكثُرها مالًا صدقةٌ على أمةِ محمدٍ، قال عمرُ: أو على بعضِهم؛ فإنكَ لا تسعُهم، قلتُ: أو على بعضِهم؛ فرجع عمرُ وزيدٌ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال زيدٌ أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وآمن به وصدَّقه وتابعه وشهِد معه مشاهد َكثيرةً، ثم تُوُفيَ في غزوةِ تبوكَ مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ رحم اللهُ زيدًا.
أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -
فالشاهد من هذه القصة: أن زيد بن سعنة دخل في الإسلام؛ بسبب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، من هنا فإن قضية الأخلاق قضية عظيمة يجب الاهتمام بها، سواء على الجانب النظري من خلال القراءة في كتب الأدب والأخلاق، ككتاب الأدب في صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغيرها ككتاب رياض الصالحين وغيرها الكثير، ثم على الجانب العملي أن تتمثل هذه الأخلاق سواء بينك وبين الله -تعالى-، أو بينك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بينك وبين المسلمين وغير المسلمين. اتصل بي أحد المشايخ في حاجة معينة، فسألته كيف التزمت على السلفية؟ فقال: كنت رجلا عاميا، وكان أعز أصحابي أحد الإخوة الأفاضل، وكان عندنا حب للدين، لكن ما كنا نعرف الطريق، فذهبنا في يوم لدرس في أحد المخيمات، فكان الشيخ يذكر الأحاديث كلها في صحيح البخاري ويقول: من أراد أن يحفظ أحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعليه بالبخاري الذي أجمعت الأمة على صحته، ثم دعاني الإخوة عندهم في درس للمسجد ورأيت من أخلاقهم وحسن سمتهم ما شرح صدري، ثم حضرنا للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- فرأيت من أخلاقه أيضًا ما كان سببًا في التزامي.
أهمية الأخلاق في حياة الداعية
مما سبق يتبين لنا أن الخلق الحسن من أجمل ما يتحلى به الداعية، وهو أقصر طريق لقلوب الناس، وقد وصف الله -تعالى- به نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله -تعالى-، بطيب نفس وانشراح صدر».
جذب الناس
الخلق الحسن من العوامل المهمة في جذب الناس إلى الداعية وتأثرهم به وقبولهم لدعوته، إضافة إلى أجره في الآخرة؛ فالناس مفطورون على محبة الفضائل والانجذاب إليها، والنفور من القبائح والابتعاد عنها، والدعية إلى الله أحوج ما يكون إلى التخلق والاتصاف بالأمور المحببة إلى قلوب الناس، فضلا عن أنها من واجبات المسلم، قال أبو حاتم البستي -رحمه الله-: «الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل».
أضرار سوء الخلق
والناس إذا لاحظوا من الداعية سوءا في أخلاقه تبرموا منه، ونفروا من دعوته، خوفا من تضررهم بأخلاقه السيئة، وقد يميلون إلى تفضيل أهل الفسق والضلال ومجالستهم، إذا آنسوا منهم حسنا في الخلق ورفقا في المعاملة، وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: «إذا خالطت فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيء الخلق، إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه».
الثبات على الأخلاق
ومن الصفات المهمة للداعية، الثبات على الأخلاق الإسلامية في كل حال، فلا يحيد عنها أو يميل إلى غيرها، لأنها حق، والثبات على الحق دين، إضافة إلى أن تنازل الداعية عن أي خلق من الأخلاق الكريمة، تحت ضغط الظروف أو تبعا للحالة النفسية له، خسارة لذاته، حين يفقد تقديره واحترامه بين الناس، وخسارة للدعوة التي يمثلها وينصب من نفسه وخلقه نموذجا لها، وخسارة له في الآخرة حين يضع نفسه في الموضع المخالف لأمر الله.
أهمية الخلق الحسن
ومما يزيد من أهمية الخلق الحسن عند الداعية، أنه قد لا يتمكن من الإحسان إلى الناس بنفسه أو بماله، لكثرة في الناس أو قلة في المال،-فهذا غير داخل في مقدور البشر- فإذا كان ذا خلق حسن ولين جانب، وطلاقة وجه، ونحو ذلك فإن ذلك مما يجلب التحاب بين الناس، ولن يعدم حينئذ الوسيلة التي ينفذ بها إلى قلوب المدعوين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق».


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 27-08-2025 03:51 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. الإيمان بالقضاء والقدر بلسم القلوب


لا شك أن القلوب تمرّ بفترات من الجفاف، وتعتريها قسوةٌ من حينٍ إلى آخر، فتحتاج إلى ما يلينها ويحييها وقد أنزل الله -عزوجل- الوحي ليكون بلسمًا للقلوب، وشفاءً للصدور، وهدايةً للعقول، فكلام الله -تعالى- وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الدواء الذي يداوي الأرواح، ويعالج النفوس، ويهذب السلوك، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ((يونس:57).
وما من قضية إيمانية أو عقائدية، أو أمرٍ في العبادات والمعاملات، أو خلقٍ وسلوكٍ، إلا وهي بلسمٌ لهذا القلب، ورواءٌ لهذه الروح، ونورٌ لهذا العقل، يظهر أثرها في أقوال الإنسان وأفعاله وتصرفاته.
واليوم، أقف مع جزئية صغيرة في ظاهرها، عظيمة في معناها، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الاضطرابات النفسية، وتاهت فيه الأرواح، إنها قضية الإيمان بالقضاء والقدر، التي وصفها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- بأنها «البلسم الذي يمنح المسلم الطمأنينة»، وقد علّق -رحمه الله- على «متن الأصول الثلاثة» لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- حين تناول مسألة القضاء والقدر، فقال ما معناه: «لو آمن الكفار بعقيدة القضاء والقدر، لما انتحروا، ولا لجؤوا إلى مستشفيات الأمراض النفسية، فجلّ مشكلات الدنيا ناتجة من الجهل بهذه الجزئية من جزئيات العقيدة»، كلمةٌ عميقة، تدل على علمٍ وفهمٍ، قد تمرّ على بعضنا مرور الكرام، ولكن من تأملها وجد أن القضية ليست بالهينة.
إن الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبريل -عليه السلام- حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما الإيمان؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فهذا الإيمان يمنح الإنسان سكينةً في قلبه، وثباتًا في مواقفه، ورضًا في نفسه؛ لأنه يعلم أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير الله، وبعلمه، وبحكمته.
قال -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، وقال أيضًا: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22).
فإن لم يستقرّ في قلب الإنسان هذا الإيمان، فقد يضيق صدره بالحياة، ويقنط من رحمة الله، فيلجأ إلى الإلحاد أو الانتحار، والعياذ بالله، وقد أظهرت منظمة الصحة العالمية إحصائية مفزعة: كل أربعين ثانية، ينتحر شخصٌ في هذا العالم، ولو آمن هؤلاء بأن الله هو المدبر، وأنه كتب مقادير الخلق بعلمه، لما ضاقت صدورهم، ولما فقدوا الأمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».
إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام السلبي، بل هو يقينٌ بأن الله يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يقع شيءٌ إلا بإرادته، وهذا اليقين يمنح المؤمن قوةً في مواجهة البلاء، وصبرًا عند المحن، ورضًا في كل الأحوال، قال -تعالى-: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} ا(لأنعام:59).


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 03-09-2025 01:32 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. كُن كصاحب اللؤلؤة


  • إذا فقد الإنسان المنهج السلفي فقد ضاعت البوصلة الصحيحة التي ترشده إلى الحق وضاع منه المنهج القويم الذي رسمه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
  • الاستقامة على صراط الإسلام أعظم نعمة يُنعم الله بها على عباده ولذلك أمرنا الله أن نُكرِّر سؤالها في كل صلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
التقيت في سنة من السنوات في موسم الحج، مع أحد أثرياء الكويت، وفي تلك الرحلة المباركة ومع مرور الأيام صارت بيننا مودة وتعارف، وفي يوم من الأيام تكلم معي في موضوع يخصّه وهو شغفه وحبه لاقتناء أثمن الساعات؛ حيث يضعها في صندوق مخصص لذلك، ولا يستطيع أحد الاقتراب من هذا الصندوق، وأنه يقوم بفتحه مرة كل شهر أو شهرين ينظفها، يلبس منها ما يريد وقتا قليلا ثم ينظفها ويلمعها ويضعها في مكانها ويغلق عليها، ويقول: إنه لديه ساعة فاخرة مرصّعة باللؤلؤ يحبها جدا قيمتها «ثلاثمائة ألف دينار»، يقول: إنها موجودة في العالم مع عشرة أشخاص فقط، وسمى لي فلانا وفلانا من أناس مشهورين ومعروفين -بارك الله لهم.
الشاهد من قصة هذا الرجل عندما مررت على كلمة للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- في شريط عنوانه (شُبَه حول السلفية) ذكر فيه المنهج السلفي، ثم ذكر الشبه التي تثار عليه، ورد عليها ردودا حكيمة ومتقنة بأبسط العبارات، وتلك ميزة الشيخ السبت -رحمه الله-؛ لأنه يفهم جيدًا ما السلفية؟ ويفقه المنهج فقها عظيما، فعباراته سهلة وواضحة، ويستطيع أن ينقل معنى السلفية لأعلى الناس من المثقفين من أصحاب الشهادات العليا، وأيضا يستطيع إيصال تلك المعاني إلى البسطاء والعوام والصغار.
العلم يولد الحرص
وكان مما قاله في هذا الشريط: «العلم يولد الحرص على قيمة هذا الشيء، فلو علم الإنسان حقيقة هذا المنهج لحرص عليه»، فلو تعلمنا ما السلفية بصدق دون أن تكون هناك ضبابية في أي أمر، وتتضح كل التفاصيل والقواعد دون التحرك بالعاطفة، لحرصنا على بقاء هذا المنهج الصافي عندنا حرص صاحب اللؤلؤة كيف يتعامل معها؟ يحافظ عليها وينظفها من وقت لآخر ويخاف عليها فيُخفيها عن عيون الناس ويدافع عنها وهو أشد الحرص أن تبقى لديه سليمة مصانة.
الدين الحق
لذا عندما نتكلم عن السلفية فنحن نتكلم عن الدين الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأحسن عبارة في الحقيقة اختصرت تمسكك بالسلفية اليوم وتمسكك بالقضية الحق وتمسكك بالدين هو قول الإمام القحطاني عندما قال:
والدين رأس المال فاستمسك به
فضياعه من أعظم الخسران
فإذا ضاع المنهج السلفي فقد ضاعت البوصلة الصحيحة التي ترشد الإنسان، وضاع منه المنهج القويم الذي رسمه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسلكت سبيلاً غير سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبيل أصحابه -رضوان الله عليهم-، فصرت تتخبط ذات اليمين وذات الشمال. عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «خطَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خطًّا بيدِه ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ مستقيمًا، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال: هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ»› فلو أدرك العالم قيمة هذه الرسمة التي رسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخلدها ولكانت أغلى رسمة مرت على التاريخ.
طريقٌ نهايته الجنة
أين يذهب هؤلاء أهل الطرق التي على اليمين واليسار؟ مآلهم إلى النار عياذا بالله، أما الصراط المستقيم الذي رسمه نبينا - رضي الله عنه - فإن نهايته الجنة؛ فلذلك فإن علينا أن نتعلم لكي نعرف الحقائق جيدًا ونعلم المخالفين وكيف يمكرون بنا، تفرق شملهم إلا علينا فكنا كالفريسة للذئاب، هم أعداء بعض لكنهم عندما رأوا فريستهم انقضوا واجتمعوا عليها، هكذا حال الناس مع الإسلام، وهكذا حال الناس مع السلفية، قال - صلى الله عليه وسلم - : «يُوشَكُ أن تَداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكلةُ على قصعتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ أمِن قلةٍ بنا؟ قال: لا ولكنَّكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ تُنزَعُ المهابةُ من قلوبِ عدوِّكم منكم ويُوضعُ في قلوبِكم الوهنُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما الوهنُ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ»، هكذا الإسلام وهكذا السلفية التي هي المنهج الحق.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 18-09-2025 06:16 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. انتفاع العلماء وطلبة العلم بعضهم من بعض


كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على الانتفاع من بعضهم، ولا سيما العلماء؛ فالعالم مهما بلغ علمه يبقى محتاجًا إلى غيره، ولا يصل أحد إلى مرحلة يستغني فيها عن الآخرين، وقد ضرب لنا التاريخ نماذج عطرة من ذلك، ومن أبرزها ما روي عن الإمام سفيان الثوري -رحمه الله-؛ فقد أخذ سفيان العلم عن عاصم في بداية طلبه، ثم صار لاحقًا محدثًا بارزًا له مجلسه وتلاميذه، ودخل عليه عاصم يومًا وهو يُحدّث الناس، فقال له: «يا سفيان، أتيناك صغيرًا فعلّمناك، وجئناك كبيرًا لتعلّمنا، فأنا في علم القراءات فارس الميدان، وأنت في علم الحديث كذلك، فلا يعيبني أن آخذ العلم عنك.»
هذا الموقف يجسد تواضع العلماء، فالاستزادة من العلم تورث التواضع لا الكِبر، وهكذا كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما جاءه جبريل بالوحي ازداد تواضعًا ولينًا وقربًا من الناس؛ ولهذا نقول: من تعلّم ثم رأى نفسه فوق الآخرين ولم يثمر علمه تواضعًا، فليعلم أنه لم يذق طعم العلم الحقيقي.
أثر السند المبارك
ومما يرويه سفيان الثوري عن الإمام جعفر الصادق -رحمه الله- أن جعفر اشتهر بالصدق لكونه لم يُعرف عنه كذب، صغيرًا كان أو كبيرًا، وقد جمع الله له هذه الخصلة الكريمة من سلالة مباركة تمتد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجده علي وجدته فاطمة -رضي الله عنهما-، ثم الحسن والحسين-رضي الله عنهما-، حتى وصل إلى والده محمد بن علي بن الحسين. وقد عُرف عن علماء السلف دقة العبارة واختصار المعاني، حتى إن من يطالع المتون القديمة يلحظ فيها روح النبوة وجوامع الكلم؛ وهذا من بركة اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوتي جوامع الكلم، وانتقلت هذه الخصيصة إلى أصحابه والتابعين، ولا يزال أثرها ظاهرًا في كلام العلماء الكبار مثل الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألباني -رحمهم الله-؛ حيث نجد كلمات قليلة مشبعة بالخير.
وصايا إيمانية من كلام جعفر الصادق
من الأقوال النفيسة التي نقلها سفيان الثوري عن جعفر الصادق قوله: «إذا أتاك ما تحب فأكثر من الحمد لله». وليس المقصود بالشيء المحبوب المال وحده؛ فالدنيا متنوعة في مشتهياتها، فمن الناس من يطلب المال، وآخر يطلب المزارع أو الماشية، وكلٌّ له رغبة، ومع ذلك تبقى أعظم النعم هي نعمة الدين، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «الحمد لله إذ لم تكن في ديني»؛ فالمؤمن يستقبل الخير بالحمد، ويستقبل المكاره بلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذان جناحا المؤمن: الحمد عند السرّاء، والصبر عند الضرّاء، وقد لخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في قوله: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير...».
الاستغفار مفتاح الرزق
وكان جعفر الصادق يقول أيضًا: «إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار.» وقد جسد بعض الناس هذا المعنى، فذكر أحدهم أنه حُرم الذرية وطرق أبواب الأطباء بلا جدوى، ثم سمع خطيبًا يذكّر بقوله -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (نوح)؛ فعاد إلى زوجته وبشّرها بالفرج، وجعلا الاستغفار ديدنهما، فما مضى شهر حتى حملت زوجته ثم رُزقا المولود الأول، وتتابعت الذرية بعد ذلك، حتى وُهبوا سبعة أبناء؛ ببركة الاستغفار، وهكذا ختم سفيان الثوري روايته بقوله: «فنفعني الله بها»، ونحن نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والتواضع للحق.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان






ابوالوليد المسلم 26-09-2025 04:31 PM

رد: خواطر الكلمة الطيبة
 
خواطر الكلمة الطيبة .. دعاء عظيم وأثرٌ مبارك


  • هذا الدعاء شاهد على عمق إيمان الصحابة، وبصيرة يقينهم؛ فهو يجمع بين التسليم للقضاء والقدر، وبين اجتهاد العبد في دعاء ربه طلبًا لعفوه ورحمته
الدعاء سرّ العبودية ولبّها، به ينكسر العبد بين يدي مولاه، وبسبيله يتقرب من الرحمن فيمتثل لأمره وينال وعده: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:60). هو همس الروح وسلاح المؤمن، وهو رابطة الوصال بين الأرض والسماء.
وقد علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أجمل صيغ الدعاء وأكملها، فجاءت ألفاظه جامعة مانعة، تحمل بين طياتها رجاء الخير، وطلب المغفرة، والتماس الثبات، فهو ميراث النبوة الذي يهتدي به المؤمن في مسالك الحياة.
مناجاة الفاروق - رضي الله عنه -
وما أجمل ما حُفظ من مناجاة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو يطوف بالكعبة متضرعًا: «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليّ الذنب والشقوة فامحُني، وأثبتني في أهل السعادة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب».
الخوف والرجاء
إنها كلمات تفيض يقينًا وشعورًا عميقًا بقدر الله -تعالى-، وتكشف أثر الخوف والرجاء في قلب رجل ملأ الدنيا عدلًا وإيمانًا، لقد كان عمر - رضي الله عنه - على عظم شأنه، لا يأمن مكر الله، وإنما يلوذ بدعاء صادق يرجو به الثبات، ويستعيذ به من خاتمة السوء، مستمسكًا بقول الله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (آل عمران: 8).
إقرار بقدرة الله -تعالى-
في دعائه - رضي الله عنه - إقرار بأن السعادة لا تنال إلا بتوفيق الله -تعالى-، وأن الهداية لا تكمل إلا بالثبات، وفيه رجاء صادق أن يُمحى ما كُتب من ذنب أو شقاء؛ إذ يعلم أن الله -تعالى- بفضله يبدّل ويغير، وأن أبواب رحمته -سبحانه- مشرعة للتائبين ما داموا أحياء، وكيف لا؟ وهو القائل -جل وعلا-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد: 39).
عمق إيمان الصحابة
هذا الدعاء شاهد على عمق إيمان الصحابة، وقوة يقينهم بالله؛ فهو يجمع بين التسليم بالقضاء والقدر، وبين اجتهاد العبد في دعاء ربه طلبًا لعفوه ورحمته، فالدعاء لا يرد القدر المحتوم، ولكنه يغيّر القدر المعلق كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرد القضاء إلا الدعاء» (رواه الترمذي).
خلاصة القول
دعاء عمر - رضي الله عنه - صورة حيّة للتوحيد الخالص والافتقار إلى الله -تعالى-، يعلّمنا أن نجتهد في الطاعة ونكثر من الدعاء، نرجو رحمة الله ونخشى سوء الخاتمة. إنه يذكّر القلوب بأن السعادة الحقة لا تثبت إلا بفضل الله، وبأن أبواب الدعاء مفتوحة لكل خائف وطامع، حتى يحيا المؤمن بين جناحي الرجاء والخوف، مستمطرًا رحمة ربه الذي بيده المحو والإثبات.


اعداد: د. خالد سلطان السلطان







الساعة الآن : 07:10 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 111.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 110.57 كيلو بايت... تم توفير 0.77 كيلو بايت...بمعدل (0.69%)]