رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ13 الحلقة (41) شرح سنن أبي داود [020] لقد بين لنا الصحابة رضوان الله عليهم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى كل مسلم ومسلمة أن يعرفها حتى تكون طهارته صحيحة كاملة، ومن أجمع من روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه في حديثه المعروف. صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم [شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان أنه قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)]. أورد أبو داود رحمه الله بابا في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضبط كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم وبينوها للناس بالأقوال وبالأفعال، وقد جاء عن عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما روايات متعددة في وصفهم لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل، وأنهم توضئوا والناس يرونهم وقالوا: إن هذه صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان السنن بالقول والفعل.أورد أبو داود رحمه الله روايات عديدة عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفة تتعلق ببيان الكيفية من أول الوضوء إلى آخره، وحاصل ما ورد في ذلك: المضمضة والاستنشاق ثلاثا أولا، ثم غسل الوجه ثلاثا، ثم غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح الرأس مرة واحدة، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين ثلاثا، هذا هو الحد الأعلى الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي لا يجوز الزيادة عليه وهو التثليث، وجاء عنه ما يدل على الاكتفاء بأقل من ذلك، فجاء الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وسيعقد أبو داود رحمه الله أبوابا لهذه الأعداد، وقد جاءت في حديث عثمان وحديث علي وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(رأيت عثمان بن عفان توضأ)]. يعني: حصل منه الوضوء وهو يراه ثم فصل ذلك الوضوء الذي رآه يفعله. قوله: [(فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما)]. يعني: لم يغمس يده في الإناء، وهذا يدلنا على استحباب غسل اليدين قبل غمسهما في الإناء عندما يريد الإنسان أن يتوضأ في أي وقت، إلا ما تقدم عند القيام من الليل فإنه يتعين الغسل وفي غير ذلك يستحب، وهذا الذي جاء في حديث عثمان رضي الله عنه يدل على أنه مستحب وليس بواجب.والذي جاء في القرآن كما هو معلوم هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، هذه هي الفروض التي جاءت في القرآن، وليس فيه ذكر غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، ولكن جاء ذلك في السنة.إذا: هو من قبيل المستحبات وليس أمرا متحتما وليس أمرا لازما إلا عند القيام من نوم الليل. قوله: [(ثم تمضمض واستنثر)]. يعني: استنشق؛ لأن الاستنثار هو إخراج الماء بعد إدخاله في الأنف، وإدخاله في الأنف استنشاق، يعني: أنه وجد منه الاستنثار بعد أن وجد الاستنشاق، وفي بعض الروايات ذكر الاستنشاق ولم يذكر الاستنثار، ومن المعلوم أن واحدا منهما يكفي عن الآخر.فيأتي ذكر الاستنشاق وحده ويأتي ذكر الاستنثار وحده والمقصود به إدخال الماء إلى الأنف وجذبه بقوة النفس ثم إخراجه بعد أن دخل في الأنف. فقوله: (ثم تمضمض واستنثر) يعني: أدخل الماء في فمه وأداره فيه ثم مجه وأخرجه، وكذلك أدخل الماء في أنفه وجذبه بالاستنشاق ثم استنثره، أي: أخرجه، وقد جاء في الحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) لأن الإنسان إذا كان صائما وبالغ في الاستنشاق فقد يدخل الماء إلى جوفه عن طريق أنفه.جاء في بعض الأحاديث وبعض الروايات ذكر العدد وأنه تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا. قوله: [(ثم غسل وجهه ثلاثا)].وهذا ظاهر. قوله: [(وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا)].(إلى) هي بمعنى (مع) يعني: أن الغاية داخلة في المغيا، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (حتى شرع في العضد) يعني: غسل ذراعه حتى تجاوز المرفقين، فالغاية داخلة في المغيا وليست خارجة عنه، فالمرفقان مغسولان تبعا لليدين.قوله: [(ثم اليسرى مثل ذلك)]. يعني: غسلها ثلاثا. قوله: [(ثم مسح رأسه)]. يعني: لم يذكر عددا بل أطلق، وقد جاء في بعض الروايات: (مرة واحدة) وهذا هو الذي يناسب بالنسبة للرأس، أي: المسح وليس الغسل بدون تكرار؛ لأن تكرار المسح هو بمثابة الغسل؛ فإذا كرر المسح فكأنه غسله، والرأس حكمه المسح وليس الغسل، والمسح يبدأ من مقدمة رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهذه تكون مسحة واحدة. قوله: [(ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا، ثم اليسرى مثل ذلك)]. يعني: إلى الكعبين ثم اليسرى فعل فيها مثل ما فعل في اليمنى. قوله: [(ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا)].توضأ والناس يرون، ثم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئه، وهو إنما فعل ذلك ليبين لهم كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم.قوله: [(ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)]. يعني: ركعتين بعد الوضوء، يعني: أنه إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه فإن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه، والمقصود من ذلك الصغائر، أما الكبائر فإنه لابد فيها من التوبة؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن التكفير بالأعمال الصالحة إنما يكون للصغائر وأما الكبائر فإنه لابد فيها من التوبة حتى تغفر، فإذا توضأ وضوءا على هذه الهيئة وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه وهو مصر على كبيرة من الكبائر فإن ذلك لا يكفرها وإنما تكفرها التوبة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث ما يدل على التقييد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر) ويقول الله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء:31]. وقوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المقصود بحديث النفس هو أن يحدث نفسه بأمور الدنيا، يكون شغله وتفكيره في أمور الدنيا، أما لو حصل هجوم خاطر على الإنسان ثم دفعه وانصرف عنه وأقبل على صلاته، فإن ذلك يكون معفوا عنه إن شاء الله ويحصل ذلك الأجر. [تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا عبد الرزاق]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء بن يزيد الليثي]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حمران بن أبان]. حمران بن أبان مولى عثمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عثمان]. عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين ذو النورين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: (رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، ومسح رأسه ثلاثا، ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه، ولم يذكر الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه قال: (فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق) يعني: نحو ما تقدم من حديث عطاء بن يزيد الليثي عن حمران، لكن عطاء بن يزيد ذكر المضمضة والاستنشاق ولم يذكر عددا، وهنا في الرواية الثانية التي هي رواية عبد الرحمن بن وردان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمران ولم يذكر المضمضة والاستنشاق التي ذكرها في الإسناد الأول. قوله: (ومسح رأسه ثلاثا).في الرواية الأولى ذكر أنه مسح رأسه ولم يذكر عددا، وهذه زيادة فيها ذكر العدد، ولكن أكثر الرواة الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكروا العدد، وكما هو معلوم هذا الحديث في إسناده من تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن وردان.قوله: (ثم غسل رجليه ثلاثا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) يعني: دون الثلاث، وهذا معناه: أن الثلاث هي حد الكمال ونهاية الكمال، ولكن لو أن إنسانا توضأ دون ذلك، بمعنى أنه توضأ مرتين أو مرة واحدة، فإن ذلك يكفي، لكن المرة الواحدة لا بد فيها من استيعاب الأعضاء كلها، بحيث تكون كافية لا بد من مرور الماء على جميع أعضاء الوضوء.فإذا: من توضأ دون الثلاث بأن غسل مرتين أو غسل مرة واحدة أو بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين، فإن كل ذلك سائغ، فله أن يغسل ثلاثا وله أن يغسل اثنتين وله أن يغسل واحدة، وله أن يخالف أيضا في العدد بين أعضاء الوضوء، بأن يغسل بعضها اثنتين وبعضها ثلاثا وبعضها مرة واحدة، كل ذلك لا بأس به. قوله: (ولم يذكر الصلاة) يعني: لم يقل: (ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) فهذا اللفظ لم يأت في رواية عبد الرحمن بن وردان عن أبي سلمة. [تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قوله: [حدثنا محمد بن المثنى]. هو محمد بن المثنى العنزي البصري أبو موسى الملقب ب الزمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فإنهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [حدثنا الضحاك بن مخلد]. الضحاك بن مخلد هو أبو عاصم النبيل مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه ونسبه كما هنا؛ لأنه قال هنا: الضحاك بن مخلد، ويأتي في بعض الروايات أبو عاصم، فيذكر بكنيته أحيانا ويذكر باسمه أحيانا، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة الكنى من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث، وفائدة ذلك ألا يظن الشخص الواحد شخصين، بحيث لو ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته فإن الذي لا يعرف أن صاحب الكنية هو صاحب هذا الاسم يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكن من عرف لا يلتبس عليه الأمر، فإن جاءه أبو عاصم عرف أنه الضحاك بن مخلد، وإن جاء الضحاك بن مخلد عرف أنه أبو عاصم. [حدثنا عبد الرحمن بن وردان]. عبد الرحمن بن وردان مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان]. حمران وعثمان قد مر ذكرهما. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ13 الحلقة (42) [شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء فدعا بماء، فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا، واستنثر ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده اليسرى ثلاثا، ثم أدخل يده فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورها مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ).أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان رضي الله عنه من طريق ابن أبي مليكة، وفيه التنصيص على أعداد لم يأت ذكرها في الروايات السابقة، مثل المضمضة والاستنشاق جاء أنه تمضمض واستنشق ثلاثا، وفيه مسح الرأس، وفيه ذكر غسل بطون الأذنين وظهورهما مرة واحدة. قوله: [قال ابن أبي مليكة: (رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميضأة). يعني: سئل عن كيفية الوضوء فأراد أن يبينه بالفعل من أجل أن الناس يشاهدونه ويعاينونه، ويعرفون الهيئة والكيفية التي يكون عليه الوضوء، والميضأة: هي إناء فيه ماء يكفي للوضوء، أو ماء على قدر الوضوء، ولهذا قال: ميضأة، يعني: فيها ماء وضوء.قوله: [(فأصغاها على يده اليمنى)]. يعني: أنه لم يغمس يده في الإناء، بل أصغى الإناء حتى أفرغ على يده اليمنى ثم غسل يديه. قوله: [(ثم أدخلها في الماء)]. يعني: بعدما غسل يديه خارج الإناء صار يدخل يديه بعد ذلك ويغرف. قوله: [(فتمضمض ثلاثا، واستنثر ثلاثا)].وهذا فيه بيان كون المضمضة ثلاثا والاستنشاق ثلاثا. قوله: [(وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده اليسرى ثلاثا، ثم أدخل يده فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة)]. يعني: أنه أخذ ماء وجعله في يديه ومسح به على رأسه ومسح به أذنيه بطونهما وظهورهما؛ وذلك بأن تكون السبابة في داخل الأذنين والإبهام على ظهور الأذنين في وقت واحد فيمسح عليهما، وهذا فيه دليل على أن الأذنين حكمهما حكم الرأس، وليس حكمهما حكم الوجه، فحكمهما المسح تبعا للرأس، وليس حكمهما الغسل تبعا للوجه، فهما ممسوحتان لا مغسولتان، كما في الحديث: (الأذنان من الرأس)، يعني: أن حكمهما حكم الرأس في الوضوء يمسحان ولا يغسلان. قوله: [(ثم غسل رجليه)].لم يذكر العدد، ولكنه جاء في الرواية الأخرى ذكر أنه غسلهما ثلاثا. قوله: [(ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ)].وهذا فيه بيان الوضوء بالفعل ثم بالقول؛ لأنه توضأ ثم قال: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ). [تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قوله: [حدثنا محمد بن داود الإسكندراني]. هو محمد بن داود الإسكندراني المصري وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي. [حدثنا زياد بن يونس]. زياد بن يونس ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة. [حدثني سعيد بن زياد المؤذن]. سعيد بن زياد المؤذن مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة. [عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي]. عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي. [قال سئل ابن أبي مليكة]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [رأيت عثمان بن عفان]. عثمان بن عفان رضي الله عنه قد مر ذكره. [ترجيح أبي داود لروايات الاقتصار على مسح الرأس مرة واحدة] [قال أبو داود رحمه الله: أحاديث عثمان رضي الله عنه الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا، وقالوا فيها: ومسح رأسه، ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره]. وهذا الكلام من أبي داود رحمه الله فيه أن الذين ذكروا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يذكروا العدد، ولكن يستثنى من ذلك عند أبي داود نفسه ما نص عليه، كما مر في رواية عبد الرحمن بن وردان عن أبي سلمة، وكما سيأتي أيضا في رواية أخرى فيها ذكر المسح ثلاثا، ولكن كلام أبي داود رحمه الله هنا يشير إلى ترجيح الروايات التي فيها الاقتصار على المرة الواحدة، وقوله: ما ذكروا العدد غير ما استثني، يقصد بذلك غير ما ذكره هو نفسه. ورواية: (ثلاثا) إما أن تكون ضعيفة وإما شاذة. [شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق رابعة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى أخبرنا عبيد الله -يعني ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة: (أن عثمان دعا بماء فتوضأ، فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثا، وذكر الوضوء ثلاثا، قال: ومسح برأسه ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت)، ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم].أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وفيه ذكر بعض ألفاظه وإحالة إلى حديث متقدم، وهو حديث الزهري. قوله: (أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء فتوضأ، فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين)]. يعني: أنه أفرغ من الإناء خارج الإناء وغسل يديه إلى الكوعين، والمقصود غسل الكف فقط، والذراع لا تدخل في ذلك، يعني: أن الكف قبل الوضوء لا تدخل في الغسل وإنما تغسل الكف فقط إلى الكوعين، والكوع: هو العظم الذي في طرف الذراع مما يلي الإبهام، والطرف الثاني الذي يلي الخنصر يقال له: الكرسوع، فهما عظمان في طرف الذراع، فالذي يلي الإبهام يقال له: الكوع، والذي يلي الخنصر يقال له: الكرسوع، ولهذا يقول العوام في المثل على الشخص الذي لا يعرف شيئا: لا يعرف كوعه من كرسوعه، يعني: لا يميز بين الكوع والكرسوع. قوله: [(ثم مضمض واستنشق ثلاثا)].وهذا فيه مثل ما تقدم في حديث ابن أبي مليكة، يعني: أنه استنشق واستنثر، وهنا عبر بالاستنشاق بدل الاستنثار وهما متلازمان، فالاستنشاق: هو إدخال الماء في الأنف، والاستنثار: هو إخراجه، وكل واحد منهما يستلزم الآخر، فالاستنشاق يعقبه استنثار والاستنثار يسبقه استنشاق.قوله: [(وذكر الوضوء ثلاثا)]. يعني: أنه غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا. قوله: [(ومسح برأسه ثم غسل رجليه)].ولم يذكر العدد، وهذا يحمل على أنه مرة واحدة، لأن تكرار المسح يصير بمثابة الغسل، والحكم هو المسح وليس الغسل.قوله: [(ثم غسل رجليه)]. يعني: غسل رجليه ثلاثا. قوله: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت)، ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم]. يعني: حديث الزهري الذي تقدم. [تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق رابعة] قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى]. هو إبراهيم بن موسى الرازي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا عيسى]. هو عيسى بن يونس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا عبيد الله يعني ابن أبي زياد]. عبيد الله بن أبي زياد ليس بالقوي، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن عبد الله بن عبيد بن عمير]. عبد الله بن عبيد بن عمير ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن أبي علقمة]. هو أبي علقمة المصري مولى بني هاشم وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.[أن عثمان].عثمان مر ذكره. [شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ومسح رأسه ثلاثا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا).قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: (توضأ ثلاثا فقط)].أورد أبو داود حديث عثمان رضي الله عنه من طريق أخرى مختصرا وفيه أنه غسل ذراعيه ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا، وهذه هي الرواية الثانية عند أبي داود التي فيها ذكر المسح للرأس ثلاثا، والرواية الأولى هي التي فيها عبد الرحمن بن وردان، وهو مقبول، وهذه الرواية فيها شخص ضعيف. قوله: (رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا، وقال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا)].هذا فيه اختصار فليس فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو هذا فقط، وإنما ذكر الوضوء كاملا ولكنه اختصره هنا. [تراجم رجال إسناد حديث عثمان في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، والحمال لقب، وهو بغدادي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا يحيى بن آدم]. يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسرائيل]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عامر بن شقيق بن جمرة]. عامر بن شقيق بن جمرة لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن شقيق بن سلمة]. شقيق بن سلمة هو أبو وائل، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، فيأتي كثيرا أبو وائل ويأتي في بعض الأحيان شقيق بن سلمة كما هنا، وهذا من قبيل معرفة الكنى والأسماء، وفائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، بحيث لو جاء أبو وائل مرة في إسناد وجاء في إسناد آخر شقيق بن سلمة فإن الذي لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف أن شقيق بن سلمة كنيته أبو وائل لا يلتبس عليه الأمر، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: رأيت عثمان بن عفان]. عثمان رضي الله عنه قد مر ذكره.[قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: (توضأ ثلاثا فقط)]. يعني: ذكر أبو داود رحمه الله أن وكيعا رواه عن إسرائيل وقال: (توضأ ثلاثا فقط)، يعني: أنه غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا وهكذا. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (43) شرح سنن أبي داود [021] لقد روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الصحابة، فذكروا أن أعضاء الوضوء منها المغسول ومنها الممسوح، ومنها ما فيه التثليث والتثنية والإفراد، فأعلى الكمال التثليث وأوسطه التثنية وأدناه الإفراد، بخلاف الرأس، فإن الراجح أن المسح مرة واحدة فقط، وذكر العدد فيه غير صحيح. تابع صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثا، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده الشمال ثلاثا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا، ورجله الشمال ثلاثا، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا)]. سبق أن مر ذكر جملة من الطرق للأحاديث الواردة عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد هذا بدأ الإمام أبو داود رحمه الله بذكر الطرق الواردة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهذه أول طريق من تلك الطرق الواردة عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي كغيرها من الطرق المتقدمة عن عثمان رضي الله عنه، وكذلك الطرق التي ستأتي عن جماعة من الصحابة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات، وقد ذكرنا أن هذا مستحب، لأنه يجب عند القيام من نوم الليل، أي: غسل اليدين قبل إدخالها في الإناء ثلاثا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنثر ثلاثا، وعرفنا أن المضمضة هي إدخال الماء في الماء وتحريكه فيه ثم مجه، وأن الاستنثار والاستنشاق لفظان متلازمان؛ لأن الاستنشاق يعقبه الاستنثار، والاستنثار يسبقه استنشاق، فمن ذكر الاستنثار اقتصر على ما يكون في آخر الأمر، وهو إخراج الماء من الأنف بعد إدخاله فيه بالاستنشاق، ومن ذكر الاستنشاق اقتصر على ما يكون في أول الأمر، وهو إدخال الماء في الأنف.والمقصود من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل الماء في أنفه ثلاث مرات وأخرجه ثلاث مرات، كل مرة يستنشق ثم يستنثر، وهذا يدل على ما دلت عليه الأحاديث أو الطرق المتعددة بأن المضمضة والاستنشاق مطلوبان. وقد اختلف العلماء في حكمهما: فمنهم من قال بوجوبهما تبعا للوجه، ومنهم من قال باستحبابهما. قوله: (ثم غسل وجهه ثلاث مرات)، أي: أن الغسل للوجه يكون ثلاث مرات، ثم الغسل لليد اليمنى إلى المرفقين أي: مع المرفقين ثلاث مرات، واليسرى كذلك، ثم المسح على الرأس مرة واحدة، ثم غسل الرجل اليمنى ثلاثا، ثم غسل الرجل اليسرى ثلاثا، وهذا هو الحد الأكمل لصفة الوضوء، وذلك بأن يغسل الإنسان ثلاث مرات عدا الرأس فإنه يمسح مرة واحدة، ولا يجوز الزيادة على ذلك، بل هذا هوا لحد الأعلى، وإن غسل مرتين مرتين، أو مرة واحدة أو غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثا، فإن ذلك كله سائغ، والحد الأدنى هو غسلة مستوعبة للأعضاء، بحيث لا يترك شيئا من فروض الوضوء إلا وقد استوعبته، وإن فعل ثانية مع الواحدة فهو حسن، وإن فعل ثالثة مع الاثنتين فهو حسن، ولكنه لا يجوز الزيادة على ذلك.وحديث علي رضي الله عنه هو كالأحاديث المتقدمة التي فيها بيان هذا الوصف لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله عنه وأرضاه جاءهم بعدما صلى، ودعا بطهور، والطهور هو الماء الذي يتوضأ به، وهو بفتح الطاء، كالوضوء، أي: الماء الذي يتطهر به ويتوضأ به، والطهور بالضم هو فعل الوضوء وفعل التطهر، ولما طلب ماء ليتوضأ وقد صلى فهموا أنه ما أراد إلا أن يعلمهم الوضوء، وأنه أراد أن يتوضأ والناس يرونه ويشاهدونه؛ حتى يعرفوا كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على بيان السنن وكمال النصح للأمة، وأنهم قد أدوا الشيء الذي تلقوه من رسول الله عليه الصلاة والسلام على التمام والكمال، فهم رضي الله عنهم أرضاهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس حقا وهدى إلا عن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم. فكونه رضي الله عنه يطلب ماء ليتوضأ وقد فرغ من الصلاة والناس يشاهدونه ويعاينونه فهم فهموا هذا الفهم وقالوا: ما يريد إلا ليعلمنا، ثم إنه أفرغ على يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، وهذا يدلنا على استحباب هذا الفعل حتى ولو كانت اليد طاهرة ولا نجاسة فيها، إلا أن هذا مستحب، ولكن إذا علم فيها نجاسة فيجب غسلها خارج الإناء، وألا تدخل في الإناء إلا وهي نظيفة، ويدخل في ذلك القيام من نوم الليل كما ذكرنا قبل أنه يجب غسلها قبل إدخالها الإناء. قوله: [قال عبد خير: (أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا)].يعني: أنهم قالوا هذا إما في أنفسهم أو أنه أسر بعضهم إلى بعض وتحدث بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ثم قالوا: ما يريد إلا أن يعلمنا. قوله: [(فأتي بإناء فيه ماء وطست)]. الطست هو: إناء، وفي الغالب أنه يكون واسعا. وعطف الطست على الإناء قيل: إنه من عطف الترادف، وأن المقصود بذلك أن الطست هو الذي فيه الماء، وقد جاء في بعض الروايات: (أن الطست فيه ماء). وقيل: عطف الطست على الإناء؛ لأن الإناء فيه ماء وهو يريد أن يتوضأ بحيث تتساقط قطرات الماء من الأعضاء في الطست.لكن القول الأول هو الأظهر من جهة أن ذكر الطست قد جاء في بعض الروايات أنه كان فيه الماء، فيكون المقصود أنه أتي بإناء هو طست، وفيه ماء للوضوء فتوضأ به. قوله: [(فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثا، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه)].وهذا فيه أن المضمضة والاستنشاق تكون من كف واحدة، بحيث يأخذ غرفة من ماء فيجعل بعضها في فمه للمضمضة والباقي يستنشقه في أنفه ويخرجه، فيتمضمض ويستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاث مرات بثلاث غرفات. قوله: [(ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى ثلاثا، وغسل يده الشمال ثلاثا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا)]. وهذا بيان صفة الوضوء الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو غسل جميع الأعضاء ثلاثا إلا الرأس، فإنه يمسح مرة واحدة ولا يغسل ولا يكرر؛ لأن المقصود هو المسح، ولو كرر لكان التكرار غسلا وفرضه المسح، ويكون المسح مرة واحدة. قوله: [(ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا)]. أي: الذي فعلته وأنتم تنظرون، وهذه الكلمة التي قالها في آخر الحديث وفي آخر العمل تبين الذي فهموه من فعله وأنه أراد أن يعلمهم.والمضمضة والاستنشاق من الواجبات، وقد جاء تخصيصهما والتنصيص عليهما. [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا مسدد]. هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا أبو عوانة]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي عوانة، وهو غير أبي عوانة المتأخر الذي استخرج على صحيح مسلم. والذي له الكتاب الذي يقال له: (صحيح أبي عوانة)، ويقال له: (مستخرج أبي عوانة)، ويقال له: (مسند أبي عوانة) وهو كتاب واحد، فهو مسند؛ لأنه أتى بالأسانيد قال: حدثنا فلان، وهو مستخرج؛ لأنه بناه على صحيح مسلم، والمستخرج هو الذي يأتي به الراوي أو المحدث ويلتقي مع صاحب الكتاب في شيوخه ومن فوقهم، ولا يمر بصاحب الكتاب، هذا هو المستخرج، ويقال له: (صحيح أبي عوانة)؛ لأنه مستخرج على الصحيح.فـ أبو عوانة اليشكري متقدم، وذاك متأخر. [عن خالد بن علقمة]. خالد بن علقمة وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة وعلق له الترمذي في الطهارة في باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان.ومجرد التعليق بالنسبة لصحيح البخاري لم يكونوا يذكرونه في الرجال، وذلك باعتبار أنه روى له تعليقا، ولم يرو له في الأصول، ويميز بين من يعلق عنه البخاري ومن روى له في الأصول، فيرمز بـ (خ) لمن روى له في الأصول، ويرمز لمن روى له تعليقا بـ (خت)، أما غيره فالذي يظهر أنهم ما كانوا يرمزون لهذا، وقد سبق أن مر بنا بعض الإضافات أو الإشارات التي ذكرها أبو داود عن بعض الرواة الذين لم يرو لهم في الأصول. [عن عبد خير]. هو عبد خير بن يزيد الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [قال: أتانا علي]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين أبو الحسنين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حكم التعبيد لغير الله عز وجل] وعبد خير الهمداني اسمه عبد خير، والتعبيد إنما يكون لله عز وجل، وقد أجمع أهل العلم على تحريم كل اسم معبد لغير الله، قال ابن حزم: حاشا عبد المطلب؛ لأنه جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (أنا ابن عبد المطلب).ومن المعلوم أن هذا شيء كان متقدما ولا يمكن تغييره، لكن جاء في بعض الصحابة من اسمه عبد المطلب ولم يغير الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه، كما غير بعض الأسماء التي هي معبدة لغير الله، قالوا: فدل هذا على أن اسم عبد المطلب مستثنى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغيره، ولكن كما هو معلوم عند التسمية يختار الاسم الذي لا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، كيف وقد جاء فيه أنه معبد لغير الله؟ لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم أقره وكان في بعض أقاربه من يسمى عبد المطلب ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه، فدل على أن التسمية في ذلك جائزة، لكن الأولى خلافها، وذلك بأن يكون التعبيد لله عز وجل فقط. [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة ثم دخل الرحبة، فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثا، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا)، ثم ساق قريبا من حديث أبي عوانة، قال: (ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره مرة) ثم ساق الحديث نحوه]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال فيها على الطريق المتقدمة، إلا أن فيها بعض الفروق، فمن الفروق التي فيها: أنه بين كيفية مسح الرأس، وأن المسح يكون للرأس كله المقدم والمؤخر، وجاء بيان ذلك بأنه يقبل ويدبر يبدأ من مقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه، ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه مرة واحدة. قوله: [عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة)]. الغداة: هي الفجر، يعني: أنه صلى بالناس الفجر ثم جاء إلى الرحبة، والرحبة مكان بالكوفة. قوله: (ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثا)].وهذا فيه مثل ما في الذي قبله، يعني: أنه غسل كفيه ثلاثا إلا أنه أخذ الإناء باليمنى ووضع الماء في اليسرى، ثم استعمل اليدين بحيث غسلهما بتلك الكف أو ذلك الماء الذي صبه في الكف اليسرى. قوله: (ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثا). يعني: أنه بعدما غسل يديه ثلاثا خارج الإناء أدخل يده اليمنى في الإناء؛ لأنها بعدما حصلت لها النظافة بغسلها غمسها، واستخرج ماء ليتمضمض منه فتمضمض ثلاثا. قوله: [ثم ساق قريبا من حديث أبي عوانة]. أي: المتقدم في الطريق السابقة. قوله: [(ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره مرة)].هذا فيه بيان أن المسح مرة واحدة، وأنه يكون لجميع الرأس وليس لبعضه دون بعضه، بل له كله مقدمه ومؤخره. قوله: [ثم ساق الحديث نحوه]. يعني: نحو حديث أبي عوانة المتقدم. [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قوله: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني]. الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا الحسين بن علي الجعفي]. الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن زائدة]. هو زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: صلى علي]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (44) [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثني شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة سمعت عبد خير قال: (رأيت عليا رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد) وذكر الحديث]. أورد أبو داود حديث علي من طريق أخرى واختصره بحيث أشار إلى أوله وأنه غسل يديه ثلاثا، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد، فهو مثل ما تقدم أنه يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، وذكر الحديث على نحو ما تقدم في رواية أبي عوانة المتقدمة. قوله: (ثم أتي بكوز من ماء) الكوز قيل: هو الإناء الذي له عروة، قالوا: وإذا كان ليس له عروة يقال له: كوب، يعني: فتوضأ من ذلك الإناء، وهذا يبين أن ما تقدم في الرواية من ذكره الإناء والطست أنهما شيء واحد، لأنه هنا قال: كوز، يعني: إناء. [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قوله: [حدثنا محمد بن المثنى]. محمد بن المثنى هو الملقب بـ الزمن وكنيته أبو موسى وهو: العنزي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فإنهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ماتوا في سنة واحدة، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، حيث توفوا جميعا سنة (252هـ) وكانت وفاة البخاري سنة (256هـ) وهم من صغار شيوخ البخاري، وهم من رجال الكتب الستة. [حدثنا محمد بن جعفر]. محمد بن جعفر وهو الملقب غندر وهو كثير الرواية عن شعبة ويروي عنه محمد بن المثنى ومحمد بن بشار كثيرا، هو محمد بن جعفر ولقبه غندر البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني شعبة]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال: سمعت مالك بن عرفطة]. هذا وهم من شعبة؛ فإنه وهم في خالد بن علقمة فقال عنه: مالك بن عرفطة، وليس هناك شخص يقال له: مالك بن عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة، وقد جاء أيضا عن أبي عوانة أنه كان يقول ذلك، وجاء عنه خلاف ذلك، فكان أولا يهم فيه ويقول: مالك بن عرفطة وأخيرا كان يقول: خالد بن علقمة كما سبق أن مر بنا، وقد ذكر ذلك الحافظ في التقريب، وقال: إن شعبة يخطئ في اسمه واسم أبيه، وإن أبا عوانة حصل له ذلك ورجع عنه، وعلى هذا فالمقصود به خالد بن علقمة الذي سبق أن مر في الإسناد المتقدم.وفي بعض الزيادات في بعض النسخ أن أبا داود نبه إلى هذا الوهم، لكنها ليست من روايته، وهكذا النسائي ذكر في السنن وكذلك الترمذي ذكر أيضا: أن شعبة وهم في اسمه واسم أبيه فكان يقول: مالك بن عرفطة وهو خالد بن علقمة. [سمعت عبد خير قال: رأيت عليا]. عبد خير وعلي قد مر ذكرهما. [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق رابعة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو نعيم حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع عليا رضي الله عنه وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (ومسح على رأسه حتى الماء يقطر، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله من طريق أخرى وفيه الإحالة على ما تقدم. قوله: [(ومسح على رأسه حتى الماء يقطر)]. يعني: مسح على رأسه مرة واحدة، وليس معنى ذلك أنه غسله حتى تقاطر الماء من رأسه لأنه مغسول، ولكنه وجد البلل في الرأس من هذه المسحة، لكون اليد كان فيها ماء فيمكن أنه تقاطر منها، وفي بعض النسخ: (حتى لما يقطر) يعني: أنه لم يحصل التقاطر، وهذا هو الذي يتوافق مع المسح، والرواية التي فيها: (حتى الماء يقطر) قد تكون مصحفة عن (لما) فإن الرسم متقارب.قوله: [(وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم)].يعني: أنه غسل كل رجل ثلاث مرات، وقال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق رابعة] قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا أبو نعيم]. هو أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ربيعة الكناني]. هو ربيعة بن عتبة الكناني وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي. [عن المنهال بن عمرو]. المنهال بن عمرو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.والبخاري إنما روى عنه في تفسير سورة فصلت أثرا عن ابن عباس، وهو أثر طويل فيه أن شخصا سأله عن أسئلة، وقد أتى به البخاري على طريقة تخالف طريقته، وهي أنه أورد المتن ثم أتى بالإسناد فقال: حدثناه فلان عن فلان، وفيه المنهال بن عمرو، وذكر الحافظ في الشرح أنه ما روى له إلا هذا الحديث. [عن زر بن حبيش]. زر بن حبيش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع عليا]. علي رضي الله عنه قد مر ذكره. [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب الطوسي حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا فطر عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (رأيت عليا رضي الله عنه توضأ فغسل وجهه ثلاثا، وغسل ذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه: أنه (غسل وجهه ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا) يعني: أنه غسل يديه ثلاثا، ومما ينبغي أن يعلم أن غسل اليدين يكون من أطراف الأنامل مع المرفقين، يعني: لا يكتفي فيهما بالغسل الأول الذي كان قبل غسل الوجه، بمعنى أن غسلهما في الأول أمر مستحب، ولو لم يوجد لم يكن هناك محذور ويكون الأفضل أن يوجد، أما في الوضوء فعلى على الإنسان أن يغسل اليدين من أطراف الأصابع ولا يكتفي بالغسل الأول الذي حصل؛ لأن ذلك خارج عن فروض الوضوء ولا يدخل فيه، وإنما الذي يدخل في فروض الوضوء هو ما يكون بدءا من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه، ثم يأتي غسل اليدين بكاملهما؛ لأن غسل اليدين يأتي عقب غسل الوجه، والغسل لليدين يكون من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق بحيث تدخل المرافق مع الذراعين في الغسل. [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قوله: [حدثنا زياد بن أيوب الطوسي]. زياد بن أيوب الطوسي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عبيد الله بن موسى]. هو عبيد الله بن موسى الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا فطر]. هو فطر بن خليفة وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [عن أبي فروة]. هو مسلم بن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي ويقال له: الجهني مشهور بكنيته، وهو صدوق من السادسة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: رأيت عليا]. علي رضي الله عنه قد مر ذكره. [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق سادسة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت عليا رضي الله عنه توضأ، فذكر وضوءه كله ثلاثا ثلاثا، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي من طريق أخرى، وفيه: (أنه توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح رأسه) يعني: مرة واحدة.قوله: (وغسل رجليه) وليس فيه ذكر العدد، ولكنه جاء مبينا في الروايات الكثيرة التي فيها: (أنه غسل رجليه ثلاثا)، أي: يغسل اليمنى ثلاثا ثم يغسل اليسرى ثلاثا. وقوله: (إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم). [تراجم رجال إسناد حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق سادسة] قوله: [حدثنا مسدد وأبو توبة]. مسدد مر ذكره وأبو توبة هو الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [قالا: حدثنا أبو الأحوص].هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا عمرو بن عون]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا أبو الأحوص عن إبي إسحاق]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي حية]. هو أبو حية بن قيس الوادعي الهمداني وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [قال: رأيت عليا]. علي رضي الله عنه وقد مر ذكره.وهنا قال: (فغسل رجليه إلى الكعبين) وجاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أنه قال: (غسل رجليه حتى أشرع في الساق) ولا تنافي بينهما؛ لأنه غسل الكعبين وأشرع في الساق، يعني: أنه دخل في الساق، مثلما أشرع في العضد، يعني: أن نهاية ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإشراع في العضد أو الساق، وهذا هو التحجيل، والسنة أن الإنسان يستوعب الكعبين بحيث يدخلان، وإذا شرع في الساق فهذا هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه التحقق من استيعاب الكعبين. [شرح حديث علي في صفة وضوء النبي من طريق سابعة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دخل علي علي -يعني ابن أبي طالب - وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى.قال: فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بها حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو يختلف عن الطرق المتقدمة في بعض الألفاظ وفي بعض الصفات لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف عنها من جهة أنه جعل مسح الأذن بعضه يكون مع الوجه وبعضه يكون مع الرأس، ويحتمل أن يكون المقصود بما أقبل من أذنه ما دون الأذن، وأنه اعتبر ذلك تابعا للوجه، وحكمه الغسل، وأما الأذن فإن حكمها المسح سواء كان داخلها أو ظاهرها، وكذلك كونه أخذ حفنة من ماء وضرب بها وجهه وفعل ذلك ثلاث مرات، ثم أخذ ماء ووضعه على ناصيته حتى سال على وجهه بعد الثلاث الأولى، وهذا فيه إشكال من ناحية أن فيه زيادة على الغسلات الثلاث، ثم بعد ذلك غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، مع أن الذي تقدم معناه أن داخل الأذنين يكون مع الوجه، والذي جاء في الروايات أنه مسح داخلهما وظاهرهما مع مسح الرأس، وقد جاء في الحديث: (الأذنان من الرأس)، يعني: أنهما يمسحان تبعا للرأس ولا يغسلان تبعا للوجه، فهذا من الألفاظ التي فيها مخالفة هذه الرواية لغيرها من الروايات عن علي رضي الله عنه. ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها وفي بعض النسخ: فغسلها، يعني: فغسلها بهذه الحفنة.ثم الأخرى مثل ذلك أخذ حفنة من ماء وضرب بها عليها، وهذا أيضا مشكل إلا إذا كان المقصود بأن هذه الحفنة استوعبت الرجل غسلا داخلها وظاهرها، وكذلك ما يكون في النعل منها بحيث يأتي عليها الماء، أما إذا كان المقصود بذلك المسح، فإن هذا يخالف الروايات الكثيرة التي جاءت عن علي وعن غيره، والتي فيها: (أنه كان يغسل رجليه ثلاثا)، يعني: غسل وليس مسحا، وكذلك أيضا ما جاء في الحديث الذي سبق أن مر حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار) وذلك لما رأى أعقابهم تلوح فيها مواضع لم يصبها الماء، فلو كان المسح مجزئا كيف يكون الوعيد الشديد على من يترك شيئا من عقبيه وهو مؤخر القدم لا يصيبها الماء؟! إذا: فإن كان المقصود من ذلك أنه غسل رجله وهي في النعل وقد استوعب الغسل الرجل كلها فلا إشكال، وإن كان المقصود به المسح فإن هذا يخالف ما ثبت عن علي رضي الله عنه وعن غيره من الصحابة الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يغسل رجليه ثلاثا ويستوعبهما بالغسل ولا يمسحهما مسحا.وقد أجاب العلماء عما في هذا الحديث من الإشكال، فذكروا أن هذا مما تفرد به بعض الرواة وأنه مخالف للروايات الأخرى، فهو إما أن يكون ضعيفا وإما أن يكون شاذا.وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في حاشيته على السنن وتعليقه على تلخيص المنذري وجوها عدة ومسالك عديدة للإجابة عن الإشكال الذي ورد في هذا الحديث، وكلها تدور على أن الفرض هو الغسل وليس المسح، وأن الحديث إن صح فإنه يحمل على أنه غسل كل رجل بالحفنة التي ضرب بها رجله وفيها النعل، أي: أنه قد استوعبها غسلا، وليس فيه دليل للرافضة الذين يقولون: إن الرجل فرضها المسح وليس الغسل؛ لأن عليا رضي الله عنه وغيره من الصحابة كلهم رووا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نصوا على غسل الرجلين ثلاثا، فهذه الرواية المشكلة إما أن تكون محمولة على الغسل مرة واحدة كافية، أو تكون شاذة ضعيفة لا يحتج بها لمخالفتها الروايات الكثيرة التي جاءت عن علي وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما جاء عن بعض العلماء من أن الرجلين يمسحان وأن ذلك نسب إلى ابن جرير الطبري أنكره بعض أهل العلم ومنهم ابن القيم حيث قال: إن كتبه وتفسيره واضح في خلاف ما قيل عنه، ولكن الذي جاء عنه القول بالمسح هو رافضي يوافق ابن جرير في اسمه واسم أبيه، وكل منهما يقال له: محمد بن جرير، قال ابن القيم: وقد اطلعت على بعض كتبه -يعني: ذلك الرافضي- وهو محمد بن جرير بن رستم.وقد ذكر الحافظ ابن حجر ترجمته في لسان الميزان بعدما ذكر ترجمة ابن جرير الطبري، وقال: إن ما نسب إلى ابن جرير الطبري من مسح الرجلين لا يصح، وإن الذي حصل منه ذلك هو هذا الرافضي الذي هو محمد بن جرير بن رستم. ومن المعلوم أن الرافضة خالفوا المسلمين في هذا العمل حيث يمسحون ظهور أقدامهم ويقولون: إن في الرجل الواحدة كعب واحد وهو العظم الناتئ في ظهر القدم، مع أن كل رجل فيها كعبان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غسل رجله إلى الكعبين، كما جاء في بعض الروايات: (غسل رجله اليمنى إلى الكعبين، وغسل الرجل الأخرى إلى الكعبين) فلكل رجل كعبان؛ وهما العظمان الناتئان في مفصل الساق من القدم، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الوعيد في حق الذين لم يغسلوا أعقابهم حيث قال: (ويل للأعقاب من النار) يوضح ذلك، بالإضافة إلى الأحاديث الكثيرة في بيان صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم، وما جاء في القرآن من القراءة: (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم) فإنه لا يكون حكم الرجلين المسح الذي للرأس، بل قيل: إن المقصود بذلك على هذه القراءة هو الغسل الخفيف، والغسل الخفيف يقال له: مسح، ويقال له: رش، وقالوا: إن كون الرجلين يمسحان أو يغسلان غسلا خفيفا إنما هو لأن الرجلين هي آخر الأعضاء، فقد يكون في ذلك مظنة الإسراف في غسلهما، فجاء على إحدى القراءتين ذكر المسح معطوفا على الرأس فيكون المقصود به الغسل الخفيف وليس المسح الذي هو مثل مسح الرأس، أو أنه مجرور بالمجاورة، فيكون الحكم الغسل ولكنه عطف على الرأس وجر عطفا عليه؛ لأنه مجاور له، وإلا فإن حكمه الغسل كما بينته القراءة الأخرى التي هي بفتح اللام: {وأرجلكم} [المائدة:6] وكما بينته الأحاديث الكثيرة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تبين القرآن وتوضحه وتدل عليه. والحاصل: أن الرافضة بعدوا عن الحق والهدى ولم يوفقوا لاتباع ما جاء في الكتاب والسنة من غسل الرجلين، فصاروا بذلك لا حظ لهم فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يعرف أمته غرا محجلين من أثر الوضوء؛ لأنهم لا يغسلون أرجلهم، فليست فيهم هذه العلامة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يعرف بها أمته، وهذا يدل على خذلانهم وبعدهم عن الحق والهدى. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ31 الحلقة (46) شرح سنن أبي داود [022] من الأمور المهمة والواجبة على كل مسلم معرفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم المقدام بن معد يكرب ومعاوية بن أبي سفيان والربيع بنت معوذ وأبو أمامة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين. تابع صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم [شرح حديث المقدام بن معد يكرب في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي سمعت المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ: فغسل كفيه ثلاثا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)].أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث من طريق المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، وذلك أنه بعدما فرغ من الأحاديث التي جاءت عن طريق عبد الله بن زيد بن عاصم أتى بالأحاديث التي جاءت من رواية المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه. وفي هذا الحديث قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ: فغسل يديه ثلاثا، وتمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا -أي: كل يد ثلاثا ثلاثا- ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما)، يعني: مرة واحدة وانتهى عند هذا الحد، ولم يذكر غسل الرجلين، أي: أنه ذكر الحديث مختصرا.وذكر في المسح أنه مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، يعني: مرة واحدة، ومسح الأذنين يكون مع الرأس؛ لأن الأذنين من الرأس، فيمسحان ولا يغسلان، وقد جاء بيان كيفية مسحهما، وأنه يضع السبابة في داخل الأذنين والإبهام على ظهر الأذنين فيمسح بهما باطن الأذنين وظاهرهما، باطنهما بالسبابة وظاهرهما بالإبهام، كما جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبين أنه توضع السبابة في داخل الأذنين والإبهام في خارج الأذنين، ومسحهما يكون مع مسح الرأس. [تراجم رجال إسناد حديث المقدام بن معد يكرب في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو المغيرة]. أبو المغيرة هو عبد القدوس بن حجاج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حريز]. هو حريز بن عثمان الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة. [حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي]. عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة. [سمعت المقدام بن معد يكرب الكندي]. المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن. [شرح حديث المقدام في صفة وضوء النبي من طريقة ثانية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي لفظه قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، وفيه: (أنه توضأ حتى وصل إلى رأسه فوضع كفيه على مقدم رأسه وأمرهما إلى آخره، ثم رجع إلى المكان الذي منه بدأ) وهذا يتفق مع ما تقدم في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم في قوله: (بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى إلى قفاه ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه) ففيه بيان كيفية مسح الرأس، وأنه يكون له كله بحيث يستوعب في المسح، فلا يسمح بعضه ويترك بعضه، وأن طريقة المسح أن يبدأ بالمقدم حتى ينتهي إلى الآخر ويرجع إلى المكان الذي بدأ منه مرة واحدة. [تراجم رجال إسناد حديث المقدام من طريقة ثانية] قوله: [حدثنا محمود بن خالد]. هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة. [ويعقوب بن كعب الأنطاكي]. يعقوب بن كعب الأنطاكي ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده. [لفظه]. يعني: أن اللفظ الموجود هو للشيخ الثاني الذي هو يعقوب بن كعب الأنطاكي، فالضمير يرجع إلى يعقوب بن كعب الأنطاكي، يعني: أن اللفظ لفظه، وليس لفظ الشيخ الأول الذي هو محمود. [قالا: حدثنا الوليد بن مسلم]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن المقدام بن معد يكرب]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال محمود: قال: أخبرني حريز]. لما قال أبو داود رحمه الله تعالى: إن اللفظ لفظ يعقوب أشار إلى شيء عند محمود الذي لم يسق لفظه وهو تصريح الوليد بن مسلم بالإخبار عن حريز بن عثمان، وعلى هذا فيكون التدليس الذي يخشى من الوليد بن مسلم -لأنه مدلس- قد زال بتصريحه بالإخبار الذي جاء من طريق محمود بن خالد الذي هو شيخ المصنف الأول؛ لأنه ساقه على لفظ الشيخ الثاني وفيه الرواية بالعنعنة؛ لأن طريق يعقوب بن كعب الأنطاكي فيها: الوليد عن حريز، لكن لفظ محمود: أخبرني حريز، فقوله: أخبرني حريز هذه تصريح بالسماع، فينتفي احتمال التدليس، ولهذا أشار أبو داود رحمه الله إلى لفظ محمود بن خالد وأن فيه تصريح الوليد بن مسلم بالسماع من حريز بن عثمان، فاحتمال كونه دلس في هذا الحديث قد زال بالتصريح بالسماع.فـ الوليد صرح بينه وبين شيخه بالتحديث، لكن بقي بعد ذلك تدليس التسوية؛ لأنه يدلس ويسوي، يعني: أن عنده تدليس إسناد وتدليس تسوية. [شرح حديث المقدام في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد المعنى قالا: حدثنا الوليد بهذا الإسناد قال: (ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما) زاد هشام: (وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه)]. أورد أبو داود حديث المقدام بن معد يكرب من طريق أخرى وفيه: (ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما) وزاد هشام الذي هو الشيخ الثاني: (وأدخل أصابعه -يعني: السبابتين- في صماخ أذنيه) يعني: في الثقب أو في شق الأذن، وقد جاء في بعض الروايات: (أنه يجعل السبابة في داخلهما والإبهام في خارجهما)، وهنا فيه الإشارة إلى أنه أدخل الأصابع -أي: السبابتين- في صماخهما، يعني: في شق الأذنين. [تراجم رجال إسناد حديث المقدام من طريق ثالثة] قوله: [حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد]. محمود بن خالد مر ذكره، وهشام بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [المعنى]. يعني: أن هذين الشيخين لم يتفقا في الألفاظ في حديثهما، ولكنهما اتفقا في المعنى، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله، وقد سبق في موضع أنه ذكر ثلاثة من شيوخه، ثم قال: المعنى، يعني: أنهم متفقون في المعنى مع اختلافهم في الألفاظ، وهنا ذكر شيخين وقال: المعنى.أي: أنهما متفقان في المعنى مع اختلافهما في بعض الألفاظ. [قالا: حدثنا الوليد بهذا الإسناد]. أي: بالإسناد الذي تقدم. [شرح حديث معاوية في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة، ويزيد بن أبي مالك: (أن معاوية رضي الله عنه توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه)]. بعدما ذكر أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب أتى بحديث معاوية رضي الله عنه، وأنه توضأ للناس، يعني: أنه أراد أن يريهم الوضوء وكيفية الوضوء، وهذا كما ذكرت من كمال نصح الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وحرصهم على بيان السنن للناس، بالقول والفعل، فإن عثمان رضي الله عنه توضأ للناس، وعلي رضي الله توضأ وكان قد صلى، فقالوا: إنما يريد أن يعلمنا.ومعاوية رضي الله عنه توضأ للناس يريد أن يريهم كيفية وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى رأسه أخذ بيده اليمنى غرفة من ماء وجعلها في يده اليسرى، ثم وضعها على وسط رأسه، ثم مسح بمقدم رأسه إلى قفاه.وهذا فيه بيان أن الرأس يمسح بماء جديد، يعني: غير فضل اليدين الذي يبقى بعد غسل اليدين إلى المرفقين، وإنما مسحه بماء جديد فوضع ذلك على رأسه ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه.يعني: أنه بدأ بالمقدم حتى انتهى بالمؤخر ورجع إلى المكان الذي بدأ منه. [تراجم رجال إسناد حديث معاوية في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني]. هو مؤمل بن الفضل الحراني الجزري صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي. [حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء]. الوليد بن مسلم قد مر ذكره، وعبد الله بن العلاء ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة]. أبو الأزهر المغيرة بن فروة مقبول، أخرج له أبو داود. [ويزيد بن أبي مالك]. هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [أن معاوية]. هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه أمير المؤمنين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ31 الحلقة (47) [حكم أخذ ماء جديد لمسح الرأس والأذنين] أما أخذ ماء جديد للأذنين هل هو على الوجوب أو الاستحباب؟ فلا أعلم فيه شيئا يفيد الأخذ، وإنما فيه أنه صلى الله عليه وسلم مسحهما بماء الرأس، فلا أعرف شيئا يدل على أنه يأخذ ماء جديدا لهما.وأخذ ماء جديد للرأس الذي يبدو أنه يجب؛ لأنه جاءت الأحاديث بأنه صلوات الله وسلامه عليه لم يمسحهما بالماء المتبقي بعد غسل اليدين إلى المرفقين، بل أخذ ماء جديدا. [شرح حديث معاوية في صفة وضوء النبي من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بهذا الإسناد قال: (فتوضأ ثلاثا ثلاثا، وغسل رجليه) بغير عدد].أورد المصنف رحمه الله حديث معاوية رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه أنه توضأ ثلاثا ثلاثا، وغسل رجليه بغير عدد، يعني: أنه لم ينص على ذكر العدد، ولكن العدد جاء مبينا في الرواية الأخرى، وجاء أنه لا يزاد على ثلاث، فإذا جاء بغير عدد فمعناه أنه يكون في حدود ما قد ورد، فرواية بغير عدد إما أن تكون مقيدة في حدود ما ورد أو تكون شاذة. قوله: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد]. محمود بن خالد والوليد قد مر ذكرهما. [شرح حديث الربيع بنت معوذ في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا.فحدثتنا أنه قال: اسكبي لي وضوءا، فذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فيه: فغسل كفيه ثلاثا، ووضأ وجهه ثلاثا، ومضمض واستنشق مرة، ووضأ يديه ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما: ظهورهما وبطونهما، ووضأ رجليه ثلاثا ثلاثا).قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي جاء من طريق الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها، وهو في بيان صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إليهم في بيتهم، وأنه قال: (اسكبي لي وضوءا -يعني: صبي أو أفرغي من الإناء الكبير في إناء يتوضأ به- فسكبت له وضوءا فتوضأ) ثم ذكرت كيفية وضوء رسول الله فقالت: (فغسل كفيه ثلاثا -يعني: قبل إدخالها في الإناء- ثم وضأ وجهه ثلاثا، ومضمض واستنشق مرة واحدة)، وذكر المضمضة والاستنشاق بعد الوجه لا يعني أنهما تكونان بعد ما يفرغ من الوجه، بل يكونان قبل البدء في غسل الوجه، كما تقدم ذلك في الأحاديث أنه يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه، وفيه أنها مرة واحدة، وقد جاء أنها ثلاث مرات، وكل ذلك سائغ.قوله: [(ووضأ يديه ثلاثا)].يعني: غسل يديه ثلاثا.قوله: [(ومسح برأسه مرتين)]. يعني: إذا كان قوله: (مسح برأسه مرتين) يقصد به الإقبال والإدبار وأنهما حسبا شيئين فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه لم يخرج عن المسحة الواحدة؛ لأن المسحة الواحدة فيها إقبال وإدبار، وإن كان المقصود أكثر من مسحة بحيث يأخذ ماء ثم يمسح ثم يأخذ ماء ثم يمسح، فيكون في ذلك زيادة في العدد، وهذا خلاف ما ثبت في الروايات الكثيرة من أن المسح يكون مرة واحدة، لكن يمكن أن يحمل قوله: (مرتين) بما يتفق مع الروايات؛ وذلك بأن يكون الإقبال حسب مرة والإدبار مرة، وعلى هذا لا إشكال إذا كان هذا هو المعنى، أما إن كانت المسحة الثانية مستقلة عن الأولى فيكون فيه زيادة عن المرة الواحدة، وهذا خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف المحفوظ في الروايات الكثيرة في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما: ظهورهما وبطونهما)]. هذا أيضا مشكل على ما تقدم من الروايات: (أنه يبدأ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه)، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك سائغ؛ لأن المهم أن يمسح الرأس، سواء بدأ بالمقدم أو المؤخر.لكن الروايات الكثيرة جاءت مبينة أن المسح يكون بالبدء بمقدم الرأس حتى الانتهاء إلى القفا ثم الرجوع إلى المكان الذي بدأ منه. قوله: [(ووضأ رجليه ثلاثا ثلاثا)]. يعني: غسلهما ثلاثا ثلاثا. [تراجم رجال إسناد حديث الربيع بنت معوذ في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا مسدد]. مسدد هو: ابن مسرهد مر ذكره. [حدثنا بشر بن المفضل]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل]. هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وهو صدوق في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن الربيع بنت معوذ بن عفراء]. الربيع بنت معوذ بن عفراء صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود: وهذا معنى حديث مسدد]. يعني: أن الحديث ذكره أبو داود بالمعنى ولم يذكره باللفظ؛ لأن الحديث كله جاء من طريق واحد من طريق مسدد، لكنه قال: وهذا معنى حديث مسدد، يعني: ليس لفظه، وكأن أبا داود لم يضبط اللفظ، ولكنه ضبط المعنى، فأتى به وأشار إلى أن الذي أثبته هنا إنما هو بالمعنى وليس باللفظ، ومن المعلوم أن اللفظ إذا أمكن ضبطه والمحافظة عليه فهذا هو الذي لا ينبغي العدول عنه؛ لأن ألفاظ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يحافظ عليها، وألا يتصرف فيها إلا عند الحاجة، ولكن إذا لم يضبط الراوي اللفظ ولكنه ضبط المعنى فيتعين عليه أن يؤديه على الوجه الذي تمكن منه، فإذا لم يتمكن من اللفظ وتمكن من ضبط المعنى ومن فهم المعنى فإنه يرويه بالمعنى؛ لقوله عز وجل: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، ولا يتركه لكونه لم يضبط اللفظ، بل إذا كان قد ضبط المعنى فيرويه بالمعنى، وبعض أهل العلم يجيز الرواية بالمعنى، لكن بشروط منها: أن يكون ذلك من شخص عارف بمقتضيات الألفاظ وبما يحيل المعاني، ولكن مهما يكن من شيء فإن المحافظة على ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم والإتيان بها كما جاءت هذا هو الذي لا ينبغي العدول عنه. [شرح حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عقيل بهذا الحديث يغير بعض معاني بشر، قال فيه: (وتمضمض واستنثر ثلاثا)].أورد المصنف حديث الربيع من طريق أخرى وأشار إلى أن لفظه قريب من لفظ بشر وأنه غير بعض الألفاظ التي جاءت في حديث بشر، ومما جاء فيه (أنه تمضمض واستنشق ثلاثا)، والذي تقدم في حديث بشر: (أنه تمضمض واستنشق مرة واحدة).وقوله ([وتمضمض واستنثر ثلاثا)]. الاستنثار والاستنشاق متلازمان كما ذكرنا؛ فالاستنشاق هو: جذب الماء إلى داخل الأنف، والاستنثار هو: إخراجه من الأنف، وكل منهما ملازم للثاني، فالاستنشاق يعقبه استنثار، والاستنثار يسبقه استنشاق، فهما شيئان متلازمان. [تراجم رجال إسناد حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق ثانية] قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل]. هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود. [حدثنا سفيان]. سفيان هو: ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عقيل]. ابن عقيل هو عبد الله بن محمد بن عقيل الذي مر ذكره. [شرح حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، فمسح رأسه كله من قرن الشعر كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الإشارة إلى كيفية مسح الرأس.قوله: [(فمسح رأسه كله من قرن الشعر)].ق رن الشعر هو: مقدم الرأس.قوله: [(كل ناحية بمنصب الشعر)]. يعني: الجهات التي يسترسل وينزل معها الشعر، ومنصب الشعر هو: المكان الذي ينزل معه الشعر. قوله: [(لا يحرك الشعر عن هيئته)]. يعني: أنه لا يجعل يده تحركه، وإنما هو على هيئته التي هو عليها، أي: أنه يمسح على رأسه كله من جميع الجوانب بحيث يستوعبه مسحا، يبدأ من مقدم رأسه إلى منصب الشعر الذي هو الجوانب التي ينزل فيها الشعر حتى ينتهي إلى القفا دون أن يحرك الشعر، بمعنى: أنه لا يجعل يده تدخل مع الشعر، أو تتخلل في الشعر، وإنما يترك الشعر على هيئته وعلى وضعه. [تراجم رجال إسناد حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق ثالثة] قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ويزيد بن خالد الهمداني]. يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [قالا: حدثنا الليث]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عجلان]. ابن عجلان هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن. ومحمد بن عجلان هذا قيل: إن أمه حملت به أربع سنين. [عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء]. عبد الله بن محمد بن عقيل والربيع قد مر ذكرهما. [شرح حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق رابعة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر - يعني: ابن مضر - عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه: أن ربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أخبرته قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: فمسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة)]. أورد المصنف حديث الربيع بنت معوذ من طريق أخرى، وهو يتعلق بمسح الرأس، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح ما أقبل وأدبر وصدغيه وأذنيه، يعني: أنه مسح الرأس كله، ولم يترك منه شيئا، بل استوعبه مسحا المقدم والمؤخر والأذنين والصدغين.والصدغ هو: الذي بين العين والأذن. قوله: [مرة واحدة]. يعني: أنه مسحه مرة واحدة، وهذا تنصيص على أن المسح يكون مرة واحدة. [شرح حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن عقيل عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده)]. مر في هذا الباب باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من الصحابة بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مرت جملة من الطرق التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها، وهذه طريق أخرى من طرق حديثها في بيان صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الطريق: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يديه)، والمقصود من ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من ماء بقي في يديه بعد أن غمسهما في الإناء، فيكون ذلك الفضل الذي كان في يديه ليس فضل غسل اليدين إلى المرفقين، بل أخذ ماء جديدا ولكنه ما أخذه وصبه على رأسه صبا، وإنما كانت يداه مبلولة بفضل ماء جديد وليس مما بقي في اليدين من الرطوبة بعد غسل اليدين إلى المرفقين.وقد ذكرنا فيما مضى كيفية مسح الرأس وأنها جاءت بمسحه كله من أوله إلى آخره، وأن طريقة المسح تكون بالبدء من مقدمه إلى مؤخره، ثم الرجوع من مؤخره إلى مقدمه، وهو المكان الذي بدأ منه، هذا هو الحكم في مسح الرأس، وأنه يستوعب الرأس مسحا، ويكون مسحه بالبدء من مقدمه حتى الانتهاء إلى مؤخره، ثم الرجوع إلى المكان الذي بدأ منه، وأن الأذنين من الرأس، وأنهما يمسحان بالماء الذي يمسح به الرأس؛ لأنهما من الرأس في حكم المسح، فهما يمسحان، ولا يغسلان. [تراجم رجال إسناد حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق خامسة] قوله: [حدثنا مسدد]. هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عبد الله بن داود]. هو عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة عابد، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن سفيان بن سعيد]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عقيل]. ابن عقيل هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، وهو صدوق في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن الربيع بنت معوذ]. هي الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله تعالى عنها صحابية من صغار الصحابة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ31 الحلقة (48) [شرح حديث الربيع في صفة وضوء النبي من طريق سادسة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا وكيع حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصبعيه في جحري أذنيه)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الطريق من حديث الربيع، وفيه اختصار؛ لأنه ما ذكر منه إلا ما يتعلق بمسح الأذن، وأنه أدخل أصبعيه في جحري أذنيه، يعني: أنه أدخلهما -كما مر في بعض الروايات- في الصماخ، يعني: في الثقب والشق، وقد مر في بعض الروايات أنه جعل فيها أصابعه، والمقصود بذلك: أصبعيه السبابتين، وقد جاء في بعض الروايات تفصيل كيفية مسح الأذنين وذلك أن السبابتين يكونان في داخل الأذنين والإبهامين يمسحان ظاهرهما، فتكون السبابتان تمسحان داخلهما، والإبهامان تمسحان ظاهرهما، وسيأتي في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص تفصيل ذلك في بيان أن السبابتين تكونان في الداخل، والإبهامين يكونان للخارج. وقوله: [(في جحري أذنيه)] في بعض النسخ: (حجري أذنيه) فلا أدري أيهما أصوب، ولكن إن كان (حجري أذنيه) فالمقصود به: الخرق والثقب، وإن كانت الرواية بلفظ: (حجري) فحجر الشيء هو: داخله مثل حجر الإنسان يعني: ما يكون بين رجليه، فإذا كانت ثابتة بهذا اللفظ فيمكن تفسيرها على وجه يكون له معنى، والمقصود: أنه هذا الشيء الداخل في الأذن؛ لأن الأذن فيها شيء بارز وفيها شيء داخل، والأصبع إنما يدخل في ذلك الداخل الذي هو جحر أو صماخ أو ثقب أو حجر إذا كانت الرواية صحيحة، لكن إطلاق الحجر غالبا لا يكون إلا على حجر الإنسان. [تراجم رجال إسناد حديث الربيع بنت معوذ في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سادسة] قوله: [حدثنا إبراهيم بن سعيد]. هو إبراهيم بن سعيد الجوهري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا وكيع]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الحسن بن صالح]. الحسن بن صالح بن حي ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع]. عبد الله بن محمد بن عقيل والربيع قد مر ذكرهما. [شرح حديث: (رأيت رسول الله يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال)]قال المصنف رحمه لله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا: حدثنا عبد الوارث عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال -وهو: أول القفا-) وقال مسدد (مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جد طلحة بن مصرف وهو كعب بن عمرو أو عمرو بن كعب، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه -يعني: عندما توضأ- حتى بلغ القذال)، والقذال هو: أول القفا، وهذا في رواية أحد الشيخين لـ أبي داود، ورواية الشيخ الثاني وهو مسدد: (أنه مسح من مقدم رأسه ومؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه)، يعني: أنه استوعب الرأس كله، وقد سبق في الأحاديث العديدة الكثيرة التي فيها مسح الرأس كله أنه يمسح من أوله إلى آخره ثم يرجع من آخره إلى أوله، وهذا الذي جاء في بعض الروايات (أول القفا) إذا لم يكن المقصود به استيعاب الرأس إلى آخره فإنه يكون مخالفا للأحاديث المتقدمة.وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده رجلا مجهولا، وهو والد طلحة بن مصرف الذي هو مصرف بن عمرو بن كعب أو مصرف بن كعب بن عمرو، فالحديث غير صحيح، لكن ما يتعلق بكيفية المسح وأنه مسح الرأس مقدمه ومؤخره -كما جاء في رواية مسدد - مطابق لما جاء في الرواية الأخرى التي فيها استيعاب الرأس مسحا، وعدم الاكتفاء بمسح شيء منه أو جزء منه. [تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال)] قوله: [حدثنا محمد بن عيسى]. هو محمد بن عيسى الطباع البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقا وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة. [ومسدد]. مسدد قد مر ذكره. [قالا: حدثنا عبد الوارث]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ليث]. هو ليث بن أبي سليم، وهو صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك؛ لأن المختلط إذا عرف ما كان من حديثه قبل الاختلاط وتميز ما كان قبل الاختلاط عما بعد الاختلاط فإن ما كان بعد الاختلاط يرد، وما كان قبل الاختلاط هو الذي يقبل، ولكنه إذا لم يتميز بأن اختلط وما عرف المتقدم من المتأخر فإنه يترك حديثه؛ لأنه ما عرف المتقدم على الاختلاط حتى يؤخذ به فصار مجهولا، وعلى هذا فيكون غير معتبر؛ لأنه غير متميز ما كان قبل الاختلاط عما كان بعد الاختلاط.فهذا الحديث فيه جهالة والد مصرف، وأيضا فيه ليث بن أبي سليم.فإذا كان ليث بن أبي سليم هو الذي في سند هذا الحديث فإنه يصير علة أخرى مع جهالة والد طلحة؛ لأنه اختلط ولم يتميز حديثه فترك، لكن أنا رأيت أن الكلام كله يدور حول رواية طلحة عن أبيه عن جده، وما ذكروا ليث بن أبي سليم فلا أدري هل هو اكتفاء بذكر المجهول وأن ذلك وحده يكفي في عدم قبول الحديث، أو أن الليث هو غير الليث بن أبي سليم، فهذا يحتاج إلى معرفة ليث بن سعد هل من شيوخه طلحة بن مصرف ومن تلاميذه عبد الوارث بن سعيد أم لا؟ [عن طلحة بن مصرف]. طلحة بن مصرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. أبوه مصرف مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [عن جده]. جده صحابي أخرج حديثه أبو داود وحده، وبعضهم يقول: إنه مجهول، يعني: أنه ليس بصحابي، لكن في الحديث هنا يقول: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه) وهذا إن ثبت يدل على الصحبة. [قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره]. قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى بن سعيد القطان فأنكره، يعني: اعتبر هذا الحديث منكرا. [وقال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: إيش هذا: طلحة عن أبيه عن جده؟!]. يعني: أنه أنكر هذا ولم يعتبره شيئا، والسبب كما هو معلوم ليس من جهة طلحة، ولكن من جهة أبيه الذي هو مصرف؛ إذ هو مجهول. [شرح حديث: (أن النبي مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة)]قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا، قال: (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ وذكر الحديث وقال: ثلاثا ثلاثا)، يعني: الحد الأعلى في الوضوء الذي هو الإسباغ، وقوله: (ثلاثا ثلاثا)، يعني: من غير الرأس؛ لأن الرأس جاءت الأحاديث الكثيرة بأنه يمسح مرة واحدة.فإذا: قوله: (ثلاثا ثلاثا) يحمل على ما عدا الرأس؛ لأنه يمسح ولا يغسل. قوله: [قال: (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة)]. يعني: أن الماء الذي مسح به جمع فيه بين مسح الرأس ومسح الأذنين، والأذنان من الرأس كما ذكرنا، ولذا يمسحان كما يمسح الرأس، ويكون الماء الذي تمسح به الأذنان هو ما تبقى بعد مسح الرأس في اليدين. [تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة)] قوله: [حدثنا الحسن بن علي]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [حدثنا يزيد بن هارون]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا عباد بن منصور]. عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقا وأصحاب السنن الأربعة. [عن عكرمة بن خالد]. عكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن سعيد بن جبير]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [شرح حديث أبي أمامة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه وذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين.قال: وقال: الأذنان من الرأس)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح المأقين، أو الماقين) والمأقان أو الماقان هما: طرفا العين أو جانبا العين مما يلي الأنف، ومن المعلوم أن الوجه كله يغسل ولا مسح فيه، وإنما المسح للرأس وللأذنين. قوله: [وقال: (الأذنان من الرأس)] فيه أن الأذنين من الرأس في حكم المسح، وليستا من الوجه في الحكم بحيث تغسلان كما يغسل الوجه، وإنما هما من الرأس فتمسحان كما يمسح الرأس، يعني: أن حكمهما المسح كالرأس وليس حكمهما الغسل كالوجه. [تراجم رجال إسناد حديث أبي أمامة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا سليمان بن حرب]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد]. حماد هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا مسدد]. ح يؤتى بها للتحويل من إسناد إلى إسناد آخر، ومسدد قد مر ذكره. [وقتيبة]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة]. سنان بن ربيعة صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن شهر بن حوشب]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبي أمامة]. هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [الخلاف في رفع: (الأذنان من الرأس) ووقفه]قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة.قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة.يعني: قصة الأذنين]. يعني: أن هذا القول: (الأذنان من الرأس) هو من قول أبي أمامة، وقال قتيبة: قال حماد بن زيد: لا أدري هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة.يعني: (الأذنان من الرأس الأذنان).يعني: أن حماد بن زيد تردد وشك هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي أمامة. [أهمية معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه] [قال قتيبة: عن سنان أبي ربيعة قال أبو داود: وهو ابن ربيعة كنيته أبو ربيعة]. يعني: أن قتيبة قال في حديثه: عن سنان أبي ربيعة وقال مسدد وسليمان بن حرب: سنان بن ربيعة. قال أبو داود: ولا إشكال في ذلك؛ لأن سنان بن ربيعة هو أبو ربيعة فوافقت كنيته اسم أبيه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة ذلك: دفع احتمال التصحيف؛ لأنه إذا كان معروفا بأنه سنان بن ربيعة ولا يدري بعض الناس أن كنيته أبو ربيعة فلو جاء في الإسناد سنان أبي ربيعة فإن الذي لا يعرف سيقول: (أبي) مصحفة عن (ابن) والذي يعرفه سيقول: هذا كلام صحيح فهو سنان بن ربيعة وهو سنان أبو ربيعة؛ لأن كنيته وافقت اسم أبيه، يعني: أن أبا سنان اسمه ربيعة وكنيته أبو ربيعة، فإن قيل: عن سنان أبي ربيعة فهو كلام صحيح، وإن قيل: سنان بن ربيعة فهو أيضا كلام صحيح ولا تصحيف؛ لأن الذي لا يفهم يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن) والرسم قريب بين (ابن) و (أبي).ففائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث دفع احتمال التصحيف أو توهم التصحيف بين كلمة (أبي) و (ابن)، ولهذا قال أبو داود بعد ذلك: سنان هو ابن ربيعة. وهو أبو ربيعة فمن قال: سنان بن ربيعة ومن قال: سنان أبو ربيعة كله كلام صحيح. وحديث: (الأذنان من الرأس) جاء عن جماعة من الصحابة، وصححه بعض أهل العلم، وقالوا: مما يؤيده ويوضحه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه كان يمسح الأذنين تبعا للرأس، وفي ذلك توضيح وبيان لهذا المعنى الذي هو قوله: (الأذنان من الرأس) يعني: أنهما ممسوحتان لا مغسولتان. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (49) شرح سنن أبي داود [023] من سعة دين الإسلام وتيسيره أن جاء بعبادات على أوجه متنوعة، ومن ذلك صفة الوضوء؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بأوجه متعددة، فجاء أنه توضأ مرة مرة، وجاء أنه توضأ مرتين مرتين، وجاء أنه توضأ ثلاثا ثلاثا، فيجوز الوضوء بأي صفة من هذه الصفات، لكن الأفضل والأكمل هو الوضوء ثلاثا ثلاثا. الوضوء ثلاثا ثلاثا شرح حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا قال المصنف رحمه الله تعالى [باب الوضوء ثلاثا ثلاثا.حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء ثلاثا ثلاثا]. يعني: كونه يتوضأ ويغسل الأعضاء ثلاثا ثلاثا، وقد سبق أن مر جملة من الأحاديث التي تدل على هذه الترجمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ولكن ذلك في غير الرأس؛ لأنه يمسح مرة واحدة ولا يكرر فيه المسح، فالمقصود من الترجمة ذكر أعداد الغسلات التي تكون في الوضوء وأنها ثلاث، وهذا هو الحد الأعلى، ولهذا أتى بترجمة الوضوء ثلاثا، والوضوء مرتين، والوضوء مرة؛ لأن الأحاديث وردت في هذه الأمور الثلاثة، فيجوز الوضوء إما ثلاثا وإما مرتين وإما مرة، والكمال والحد الأعلى هو الثلاث والثنتان متوسطة، والواحدة هي المجزئة وهي الحد الأدنى. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل وقال: يا رسول الله! كيف الطهور؟) يعني: كيف يتوضأ الإنسان؟ والطهور بالضم؛ لأن المراد به الفعل الذي هو الوضوء، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا بماء وتوضأ والسائل يراه وينظر إليه.وهذا فيه بيان السنن بالفعل، وقد جاء عن عدد من الصحابة أنهم توضئوا والناس يرون وضوءهم؛ لأن قدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في هذا الحديث؛ لأنه لما سأله رجل طلب ماء يتوضأ فتوضأ وذلك الرجل ينظر إليه، وقال: (إن هذا هو الطهور) فما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من التوضؤ أمام الناس إنما قدوتهم في ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام كما جاء في هذا الحديث. قوله: [(ودعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا)]. يعني: قبل أن يبدأ بالوضوء، وهذا مقدمة الوضوء، وليس غسل اليدين من فروض الوضوء، وإنما يبدأ بتنظيفهما قبل أن يدخلهما في الإناء، وقد ذكرنا أن هذا مستحب إلا إذا علم أن في اليد نجاسة فيجب غسلها، وإلا إذا كان الإنسان قائما من نوم الليل فإنه يجب عليه أن يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالها الإناء، وأما في غير ذلك فيكون الأمر مستحبا، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما توضأ أفرغ على يديه وغسلهما ثلاثا. قوله: [(ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في إذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه)]. ذكر المسح على الرأس، ولم يذكر عددا فيه، وقد ذكر أنه غسل غيره ثلاثا ثلاثا، وبين كيفية المسح، وأن الأذنين من الرأس، وقد مسحهما بهذه الكيفية حيث أدخل السباحتين -وهما السبابتان- في أذنيه ومسح بهما داخل أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، فهذا فيه بيان كيفية مسح الأذنين، وأن السبابتين يمسح بهما داخلهما والإبهامين يمسح بهما خارجهما. قوله: [(ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء)]. يعني: أنه بعدما توضأ والسائل وغير السائل يرون قال بعد ذلك: (هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم)، وهذا يدلنا على أن الزيادة على الثلاث لا تجوز، وأنها إساءة وعدوان وظلم، وأنه يجب الاقتصار على الثلاث.لكن يبقى الإشكال بذكر النقص؛ لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرتين مرتين، وتوضأ مرة مرة، والحديث الذي معنا فيه: (توضأ ثلاثا ثلاثا)، فهذا فيه إشكال، فمن أهل العلم من قال: إن ذكر النقص شاذ؛ لأنه مخالف للروايات الأخرى، ومنهم من قال: إن المراد به فيما إذا نقص عن مرة واحدة بحيث إن بعض الأعضاء لم يصل إليها الماء، أو بقي شيء يسير من عضو من الأعضاء لم يصل إليه الماء؛ فإن هذا فيه إساءة وظلم؛ لأنه لم يحصل بذلك الوضوء، وأما إذا توضأ الإنسان مرة واحدة مستوعبة ولا يبقى شيء لم يصل إليه الماء من أعضاء الوضوء -وكذلك المرتان- فهذا ليس من الإساءة، بل جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي أحاديث كثيرة جاء: أنه توضأ مرة مرة، وجاء: أنه توضأ مرتين مرتين، وفي بعضها: أنه توضأ ثلاثا ثلاثا.فذكر النقص إما أن يكون شاذا أو يكون المراد به حصول التقصير في وصول الماء إلى بعض الأعضاء.وعلى هذا يستقيم ذكر النقص. تراجم رجال إسناد حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة]. مسدد مر ذكره، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن موسى بن أبي عائشة]. موسى بن أبي عائشة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]. عمرو بن شعيب هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة.وأبوه شعيب صدوق أيضا، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وليس جده محمدا؛ لأنه لو كان جده محمدا فسيكون الحديث منقطعا ويكون مرسلا؛ لأن كون محمد يضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا يكون مرسلا فيه انقطاع، لكن المقصود بالجد هو عبد الله بن عمرو، وقد ذكر الحافظ أن شعيبا صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فيكون الرجال الثلاثة الذين في الإسناد هم عمرو وشعيب وعبد الله بن عمرو الذي هو الجد، وليس محمد بن عبد الله؛ فإنه لو كان هو المذكور في السند لكان الحديث مرسلا وفيه انقطاع، ولكن الحديث متصل، والعلماء يقولون: إن الحديث إذا صح إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حسنا؛ لأنه صدوق وحديثه حسن، وأبوه صدوق وحديثه حسن، وإنما الكلام فيما دون عمرو بن شعيب، فمن دونه هو الذي ينظر فيه، وإذا وصل الحديث إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فإنه يكون حسنا ولا انقطاع فيه؛ لأن شعيبا صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الوضوء مرتين [شرح حديث: (أن النبي توضأ مرتين مرتين)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرتين.حدثنا محمد بن العلاء حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب - حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين)]. أورد أبو داود رحمه الله باب الوضوء مرتين، يعني: مرتين مرتين؛ بحيث يغسل الأعضاء كلها من مرتين.وقد جاء الغسل ثلاثا ثلاثا، وجاء مرتين مرتين، وجاء مرة مرة، وجاء التفاوت بحيث يكون بعضها مرتين وبعضها ثلاثا. وهنا أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) يعني: غسل وجهه مرتين، وغسل يديه إلى المرفقين مرتين، ومسح رأسه مرة واحدة، وغسل رجليه مرتين، فهذا فيه ذكر أن الأعضاء تغسل مرتين وهذا مما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي توضأ مرتين مرتين)] قوله: [حدثنا محمد بن العلاء]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زيد يعني: ابن الحباب]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان]. عبد الرحمن بن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان منسوب إلى جده، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي]. عبد الله بن الفضل الهاشمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعرج]. الأعرج لقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو رضي الله عنه وأرضاه أكثر الصحابة حديثا على الإطلاق. [شرح حديث ابن عباس في بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه، ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك)].أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولكنه ليس واضحا في مطابقة الترجمة؛ لأنه ليس فيه ذكر المرتين مرتين، وإنما فيه ذكر المرة الواحدة؛ لأنه كان يأخذ غرفة ويغسل بها وجهه، وغرفة يغسل بها يده اليمنى، وغرفة يغسل بها يده اليسرى وهكذا، فهو لا يتفق مع الترجمة هذه، وإنما يتفق مع الترجمة التي بعدها وهي: باب الوضوء مرة مرة. قوله: [عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه)]. يعني: أن الغرفة بدل ما كانت في يد وحدة جعلها في اليدين وغسل وجهه باليدين. قوله: [(ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه)]. يعني: أن الماء الذي كان للرأس ليس ماء محمولا في اليدين إلى الرأس حتى يصب عليه، وإنما بل اليدين في الماء، ومسح رأسه بما بقي في يديه من الماء، وهذا يطابق ما سبق أن تقدم أنه مسح رأسه بفضل ماء بقي في يديه، كما في رواية الربيع التي سبق أن مرت.قوله: [(ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك)].وهذا الذي ذكر فيما يتعلق بقضية الرجلين-أي: أنه رش عليهما ومسحها يد فوق القدم ويد تحت النعل- غير صحيح؛ لأنه مخالف لما جاء في الروايات الأخرى من أنه غسلهما، وأن الرجلين تغسلان ولا تمسحان، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للأعقاب من النار) فحكمهما الغسل وليس المسح، ولكن يمكن أن يقال: إن المسح المذكور في بعض الروايات المراد به الغسل الخفيف، وليس المراد به المسح الذي هو مثل المسح على الخفين ويكون في جهة معينة، بل الغسل يكون للرجل كلها حتى تستوعب، ولكن يكون الغسل خفيفا، والغسل الخفيف يقال له: مسح، لكن كونه يرش على رجليه وهما في النعلان ويجعل يده تحت نعليه ويده الأخرى فوق قدميه أو فوق رجله هذا لا يتفق مع الرواية الأخرى التي فيها غسل الرجلين. [تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا محمد بن بشر]. هو محمد بن بشر العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام بن سعد]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن. [حدثنا زيد]. هو زيد بن أسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء بن يسار]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: قال لنا ابن عباس]. ابن عباس رضي الله عنه مر ذكره. وكما قلت: هذا الحديث لا يطابق الترجمة التي هي باب الوضوء مرتين، وإنما يطابق الترجمة التي بعد هذه، فلعل الحديث تحت الترجمة الثانية، وأن الترجمة هذه تأخرت عن مكانها وأن مكانها كان قبل حديث ابن عباس، فإذا كانت الترجمة تأخر مكانها أو تأخرت عن مكانها، وأن مكانها كان قبل حديث ابن عباس فإن ذلك يستقيم، وأما دخولها تحت الوضوء مرتين فليس فيه ما يدل على الترجمة؛ لأنه ليس فيه إلا الوضوء مرة واحدة. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (50) الوضوء مرة مرة [شرح حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مرة مرة.حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة)]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باب الوضوء مرة مرة.وسبق أن مر باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، وباب الوضوء مرتين مرتين، وهذه الترجمة معقودة لبيان الوضوء مرة مرة، أي: أن الإنسان يغسل أعضاء الوضوء مرة واحدة وهذا هو الحد الأدنى الذي لا بد منه، وما زاد عليه فهو كمال، ونهاية الكمال ثلاث مرات، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الوضوء ثلاثا ثلاثا، وجاء عنه الوضوء مرتين مرتين، وجاء عنه الوضوء مرة مرة، وكل هذا يدل على أن هذه الأمور الثلاثة كلها سائغة ومشروعة وبعضها أكمل من بعض. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة) والمقصود: أن الوضوء يكون مرة مرة، وهذا هو الحد الأدنى، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه صفات متعددة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبينون صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن الصحابة يعزونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه صحيحة، فإن ذلك يدل على تعدد الأفعال والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذه الأمور لبيان الجواز ولبيان الأكمل والأفضل، فالوضوء مرة مرة هو الحد الأدنى، وهو الفرض الذي لا بد منه، وما زاد على ذلك فهو كمال، فيكون الوضوء مرتين مرتين، أو ثلاثا ثلاثا، لكن لا يزاد على ثلاث؛ لأنه سبق أن مر في الحديث: (من زاد على ذلك فقد أساء وظلم) ولا ينقص الوضوء عن أي عضو من الأعضاء ولو كان قليلا؛ لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ويل للأعقاب من النار) لأنهم غسلوا أرجلهم ولكنهم ما استوعبوا الغسل فبدت أعقابهم لم يمسها الماء، ولما رآها رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (ويل للأعقاب من النار). إذا: الأمر الواجب اللازم هو مرة واحدة مستوعبة بحيث لا يبقى من أعضاء الوضوء شيء لم يصل إليه الماء، وما زاد على ذلك فهو كمال، وأعلى الكمال ثلاث بحيث لا يزاد عن ذلك.وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث ابن عباس، ولكن سبق أن ذكرت أن الحديث الثاني من الحديثين اللذين أوردهما أبو داود تحت ترجمة الوضوء مرتين مرتين لا يدل على الوضوء مرتين مرتين، وإنما يدل على الوضوء مرة مرة وهو يطابق هذه الترجمة ولا يطابق الترجمة السابقة، ولعل الترجمة تأخرت عن مكانها وكان من حقها أن تتقدم على الحديث الذي قبل هذه الترجمة حتى يكون الحديثان الدالان على الوضوء مرة مرة، تحت ترجمة الوضوء مرة مرة، فإن حديث ابن عباس هذا فيه اختصار وأنه توضأ مرة مرة، ولكن حديث ابن عباس المتقدم فيه تفصيل، وأنه غسل كل عضو مرة واحدة: غسل وجهه مرة واحدة، وغسل يده اليمنى مرة، ثم أخذ غرفة وغسل يده اليسرى، ثم غرف غرفة ومسح رأسه وغسل رجله اليمنى مرة وغسل رجله اليسرى مرة، وهذا يدل على أن الغسل إنما يكون مرة واحدة، فهذا يفيد بأن الحديث السابق مطابق لهذه الترجمة، وليس للترجمة السابقة. [تراجم رجال إسناد حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة] قوله: [حدثنا مسدد]. هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا يحيى]. يحيى هو ابن سعيد القطان البصري، وهو ثقة إمام من أئمة الجرح والتعديل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني زيد بن أسلم]. هو زيد بن أسلم المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء بن يسار]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الفرق بين المضمضة والاستنشاق [شرح حديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق.حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا معتمر قال: سمعت ليثا يذكر عن طلحة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (دخلت -يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي [باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق]، يعني: الفصل بينهما، وأنه يتمضمض على حدة ويستنشق على حدة، وليس المقصود بيان الفرق بينهما من حيث المعنى؛ فإن المقصود هو ما جاء في نفس الحديث الذي أورده المصنف من ذكر الفصل بين المضمضة والاستنشاق بأن يأخذ ماء للمضمضة وماء للاستنشاق، هذا هو الفصل بينهما، يعني: أنه يفرق بينهما، أي: أنه عكس أو ضد الجمع بينهما، وقد سبق أن مرت أحاديث عديدة فيها الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كف واحد، وهذا الذي في الترجمة يقابل ذلك الذي تقدم من الجمع بينهما، وهو الفصل بحيث يتمضمض بماء مستقل، ثم يأخذ ماء ويستنشق به.وأورد فيه أبو داود رحمه الله حديث كعب جد طلحة بن مصرف وهو كعب بن عمرو أو عمرو بن كعب، وفيه أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فرآه يفصل بين المضمضة والاستنشاق، لكن الحديث ضعيف من جهة والد طلحة بن مصرف وهو مجهول، وكذلك أيضا من جهة الراوي عن طلحة وهو ليث بن أبي سليم، وكذلك أيضا فيه اختلاف في جد طلحة، فمن العلماء من قال: إنه صحابي، ومنهم قال: إنه مجهول، ومن المعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر، ولكن الجهالة تؤثر في غيرهم، فالجهالة إنما تؤثر في غير الصحابة، ولكن والد طلحة بن مصرف مجهول فيكفي في رد الحديث وعدم قبوله، ولكن بعض أهل العلم يقول: جاءت بعض الأحاديث تدل على الفصل، لكنها في الحقيقة ليست صريحة، مثل بعض الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وكونه نص على المضمضة ثلاثا، والاستنشاق ثلاثا، معناه: أنه بعد ما فرغ من المضمضة ثلاث مرات أخذ في الاستنشاق ثلاث مرات، قالوا: وهذا فصل بين المضمضة والاستنشاق، بمعنى: أنه يتمضمض ثلاثا أولا ويستنشق ثلاثا بعد ذلك، وهذا فصل، وذكروا بعض الأحاديث التي من هذا النوع، والجمع لا شك أنه هو القوي والواضح الذي دلت عليه الأحاديث، وفيه التنصيص على أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة كما جاء في بعض الروايات الصحيحة التي سبق أن مرت من طرق متعددة، يعني: أنه تمضمض ببعض ما في كفه، ثم استنشق بالباقي، فتكون الكف الواحدة منها مضمضة ومنها استنشاق، لكن بعض أهل العلم يقول: إن كلا من الفصل والوصل في المضمضة والاستنشاق ثابت، ولكن الأحاديث التي جاءت بالوصل صريحة وواضحة وجلية وقوية والأحاديث التي جاءت في الفصل بين المضمضة والاستنشاق ليست صريحة، والأمر في ذلك واسع، فلو أن الإنسان تمضمض من كف واستنشق من كف أخرى لم يكن بذلك بأس إن شاء الله. قوله: [(والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره)]. يعني: أنه كان يغسل وجهه ولحيته، وأن الماء لكثرته كان يتساقط على صدره من وجهه ولحيته. [تراجم رجال إسناد حديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق] قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة]. حميد بن مسعدة صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا معتمر]. هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت ليثا]. ليث هو ابن أبي سليم، وسبق أن مر في حديث مضى قبل هذا فيه رواية ليث غير منسوب عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، وقلنا: إنه ليث بن أبي سليم وفي تهذيب التهذيب في ترجمة ليث بن أبي سليم أن من تلاميذه معتمر بن سليمان.لكن بعض الذين تكلموا عن الحديث اكتفوا بالكلام في تضعيفه بوالد طلحة بن مصرف، وهو مصرف بن عمرو بن كعب أو ابن كعب بن عمرو، وليث بن أبي سليم علة أخرى يعل بها الحديث.فالحديث ضعيف.وليث بن أبي سليم صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك. يعني: أنه صدوق ولكنه حصل له الاختلاط، ولم يتميز ما كان قبل الاختلاط مما كان بعد الاختلاط فترك ولم يحتج بحديثه، يعني: على سبيل الاستقلال، أما لو جاء عنه ما يدل على ما جاء عن غيره فهذا أمره واضح، ولكن حيث يكون الشيء ما جاء إلا من طريقه فإنه لاختلاطه وعدم تميز ما كان قبل الاختلاط مما كان بعد الاختلاط لا يعول عليه، والمختلط إذا عرف ما روي عنه قبل الاختلاط فإنه يقبل؛ لأن الاختلاط طرأ بعد ذلك، وقد سمع عنه قبل الاختلاط، فالذي عرف أنه من حديثه قبل الاختلاط يقبل، وما كان بعد اختلاط يرد، لكن إذا لم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط والذي بعد الاختلاط مثل ليث بن أبي سليم فإنه لا يعول عليه، لكن إذا جاء ما يشهد له، أو جاء شيء يعضده فيكون له أصل، وأما إن جاء من طريق ليث بن أبي سليم وقد اختلط ولم يتميز حديثه فإنه لا يعول على ما يأتي به منفردا.وليث أخرج حديثه البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن. [عن طلحة عن أبيه عن جده]. طلحة هو طلحة بن مصرف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه هو مصرف بن عمرو أو كعب بن عمرو، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود، وجده هو عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو، وهو صحابي، أخرج له أبو داود. ما جاء في الاستنثار شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الاستنثار.حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة في الاستنثار، والاستنثار ملازم للاستنشاق، حيث يأتي التعبير بالاستنشاق ويأتي التعبير بالاستنثار، فهما متلازمان؛ لأن الاستنشاق يعقبه استنثار، والاستنثار يسبقه استنشاق؛ فإن إدخال الماء إلى الأنف وجذبه بقوة النفس استنشاق، ودفعه حتى يخرج بحيث ينظف ما كان داخل الأنف استنثار.وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا فيه ذكر الجمع بينهما؛ لأنه قال: (فليجعل في أنفه ماء -وهذا هو الاستنشاق- ثم لينثر)، يعني: يخرج ذلك الماء الذي أدخله في أنفه بحيث يخرج ذلك الماء الشيء الذي هو غير نظيف من أنفه، فالمضمضة فيها تنظيف الفم، والاستنشاق فيه تنظيف الأنف. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) قوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة.) هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المعروف المشهور. [عن أبي الزناد]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، لقبه أبو الزناد، وهو لقب على صيغة الكنية وليس أبو الزناد كنيته، وإنما كنيته أبو عبد الرحمن، وهو مدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعرج]. الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والأعرج لقبه، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، ويأتي أحيانا بلقبه الأعرج كما هنا، ويأتي أحيانا باسمه عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثا على الإطلاق. شرح حديث: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا وكيع حدثنا ابن أبي ذئب عن قارظ عن أبي غطفان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسنتثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا) يعني: ثلاثا ليست بهذا الوصف، فتكون الثالثة في مقابل اثنتين بالغتين، يعني: أن اثنتين بالغتين تعادل ثلاثا ليس فيهما مبالغة، ويحتمل أن يكون في ذلك شك من الراوي، يعني: أنه قال هذا أو هذا. تراجم رجال إسناد حديث: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا) قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى]. هو إبراهيم بن موسى الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا وكيع]. هو وكيع بن الجرح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن أبي ذئب]. ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب مشهور بهذه النسبة إلى أحد أجداده، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قارظ]. هو قارظ بن شيبة، وهو لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة، ولا بأس به تعادل صدوق إلا عند ابن معين فإنها بمعنى ثقة، ولهذا يقولون: لا بأس به عند ابن معين توثيق، يعني أنها تعادل ثقة، وأما عند غيره فالمشهور أنها بمعنى صدوق، والصدوق هو: ما قل عن درجة الثقة ممن يحسن حديثه. [عن أبي غطفان]. هو أبو غطفان بن طريف أو ابن مالك المري، قيل: اسمه سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود و **النسائي وابن ماجة. [عن ابن عباس]. ابن عباس رضي الله عنه مر ذكره. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ24 الحلقة (51) شرح حديث: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع -ولم يقل قتيبة: القناع، والقناع: الطبق فيه تمر-، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة؟ ثم قال: لا تحسبن -ولم يقل: لا تحسبن- أنا من أجلك ذبحناها؛ لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا -يعني: البذاء- فقال: طلقها إذا، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة ولي منها ولد، فقال: فمرها -يقول: عظها- فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ضعينتك كضربك أميتك، فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة رضي الله تعالى عنه أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني المنتفق، وذكر ما جرى عند مجيئهم إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى في آخر الأمر إلى أن سأل عن الوضوء -وهذا محل الشاهد- فقال له صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء) وإسباغ الوضوء سبق أن ذكرنا أنه يكون بالغسل ثلاث مرات ويكون بالدلك، كل هذا يقال له: إسباغ، والحد الأدنى الذي لابد منه هو الاستيعاب مرة واحدة بحيث يجري الماء على جميع الأعضاء مرة واحدة، وإن لم يكن فيه دلك، ولكن الدلك وذكر العدد هو الذي فيه الإسباغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع) يعني: أن ما يكون بين الأصابع يعمل على أن يصل إليه الماء، وذلك بأن يحركه بإصبعه بحيث يصل الماء إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على تخليل ما بين الأصابع؛ لأنه مكان منخفض قد ينبو عنه الماء مثل العقب الذي يكون وراء الكعب؛ ففيه انخفاض نوعا ما، لذا قد ينبو عنه الماء، وهنا كذلك الذي يكون بين الأصابع قد ينبو عنه الماء، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يخلل.والتخليل الواجب والشيء الذي لا بد منه هو التحقق من أن الماء وصل إلى جميع الأعضاء ما كان بين الأصابع وما كان غير ذلك، فالعمل على وصول الماء إلى جميع الأعضاء هذا أمر متعين، وما زاد على ذلك فهو المستحب، وهو الإسباغ. وقوله: (وبالغ في الاستنشاق) هذا محل الشاهد للاستنثار، وقوله: (إلا أن تكون صائما) يعني: إذا كان الإنسان صائما لا يبالغ في الاستنشاق؛ لأنه قد يدخل الماء بسبب ذلك إلى جوفه، ويدخل الماء عن طريق الأنف إلى الحلق فيصل إلى جوفه، فلا يبالغ في الاستنشاق إذا كان صائما، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى المبالغة في الاستنشاق، وهذا من كمال الوضوء، إلا أن يكون الإنسان صائما فلا يبالغ؛ لئلا يترتب على ذلك وصول الماء إلى جوفه عن طريق أنفه. قوله: [عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق]. قالوا: يحتمل أن يكون قوله: (وافد) بمعنى: أنه كبيرهم، أو أن المقصود أنه كان في جملتهم، والعبارة فيها شك: إما كذا وإما كذا، يعني: إما وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق. قوله: [قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع -ولم يقل قتيبة: القناع، والقناع: الطبق فيه تمر-]. يقول لقيط بن صبرة رضي الله عنه: إننا لما جئنا وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جئنا إلى منزل النبي عليه الصلاة والسلام فلم نجده فيه، ووجدنا عائشة رضي الله عنها، فأكرمتهم وأمرت لهم بخزيرة ة تصنع، والخزيرة قيل: هي اللحم الصغار الذي يصب عليه الماء ويغلى ثم بعد ذلك يذر عليه الدقيق، هذا يقال له: خزيرة؛ لأن فيه لحم ودقيق، قالوا: وإن كان الدقيق بدون لحم فهو عصيدة. وبعضهم يقول: إن الخزيرة ما كانت من نخالة الدقيق، وما كان من الدقيق فإنه يقال له: حريرة، يعني: إذا كان معه شيء من اللحم، وأما إذا كان ليس معه لحم فإنه يقال له: عصيدة.فأمرت عائشة رضي الله عنها بأن يصنع لهم تلك الخزيرة، ثم أوتي لهم بقناع، والقناع: وعاء فيه تمر أو قدح فيه تمر، قيل: إنما سمي قناعا لأنه عطف طرفه فقيل له: قناع. قال: ولم يكن في كلام قتيبة القناع، يعني: وإنما هو في كلام غيره ممن أجملهم في قوله: في آخرين؛ لأنه قال: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين، يعني: هو وغيره، لكن هو حكاه على لفظ قتيبة الذي ذكره، ولكنه أشار إلى هذه الكلمة التي ليست من رواية قتيبة، فقال: ولم يقل قتيبة: القناع، يعني: بل هو في لفظ غيره، ثم أتى بتفسير القناع، وذكر أنه: طبق فيه تمر، يعني: أنها قدمت لهم شيئا يبدءون به ويأكلون منه حتى ينتهى من صنع الخزيرة التي هي اللحم الذي معه دقيق، ففيه تعجيل الشيء الجاهز الموجود الذي يبدأ به الضيف حتى ينتهي صنع الطعام الذي يعد له كاللحم والدقيق. قوله: [ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قال: قلنا: نعم يا رسول الله!)]. يعني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وهم جالسون فقال: (هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء؟ قالوا: نعم يا رسول الله!) أي: قد أصابوا؛ حيث قدم لهم التمر الذي في الطبق، وأكلوا منه وأمر لهم بالخزيرة التي تصنع من اللحم والدقيق. قوله: [(فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: ما ولدت يا فلان؟! قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة)]. ثم قال: لقيط بن صبرة: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دفع الراعي -يعني: راعي غنم الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى المراح)، يعني: أتى بها إلى المكان الذي تبيت به ليلا، فالمراح هو: المكان الذي تبيت به الدواب ليلا، (وإذا مع الراعي سخلة تيعر)، يعني: تصيح، والسخلة هي: الصغيرة من أولاد الغنم.المولد هو الذي يباشر التوليد أو يكون عند التي تلد بحيث يساعدها عند الولادة، ولهذا يقال للقابلة: المولدة؛ لأنها تساعد المرأة عند الولادة، فالمولد يكون عندها، وإذا احتاجت إلى معالجة يعالجها بحيث يضم بطنها أو يعمل شيئا حتى تخرج وتتخلص من حملها فتضعه. قوله: (فقال: بهمة)]. يعني: أنها أنثى، وأن السؤال يحتمل لأن يكون هل نوع المولود أنثى أو ذكر أو يحتمل العدد؛ لأنه قد يكون هناك توأم، فالسؤال هو لهذا.(فقال: بهمة)، وهي: الصغيرة، ويقال: إنها تطلق على الذكر والأنثى. قوله: [(قال: فاذبح لنا مكانها شاة)]. أي: لأن العدد بلغ مائة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الغنم لا تزيد عنده على مائة، فإذا زادت على مائة يذبح منها بحيث لا تزيد على مائة، ولذا قال: (اذبح لنا مكانها شاة)، لأنه وصل العدد بها إلى مائة، فأمره أن يذبح مكانها شاة، أي: لا يذبحها هي وإنما يذبح مكانها شاة. قوله: [(ثم قال: لا تحسبن -ولم يقل: لا تحسبن- أنا من أجلك ذبحناها؛ لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد)]. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن هذا الذبح الذي حصل لم يحصل من عدم الرغبة في الذبح، وأنه كان يكفيهم الشيء الذي كان يصنع لهم وهي الخزيرة التي كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها أمرت بها، فخشي أن يكونوا فهموا أنه ذبح لهم بالإضافة إلى الخزيرة، فبين عليه الصلاة والسلام أنه كان على هذه الطريقة وعلى هذا المنهج، وهو أنه إذا بلغ العدد مائة فإنه لا يتركه يزيد أو لا يتركه يصل إلى هذا المقدار، بل يذبح منه، فهو إكرام لهم، وفي نفس الوقت فيه اعتذار لهم بأن هذا هديه وهذه طريقته صلى الله عليه وسلم: أنه لا تزيد غنمه على مائة. وقوله: [(قال: لا تحسبن)]، يعني: بالكسر، (ولم يقل: لا تحسبن)، يعني: أنه ضبط اللفظة، وإن كانت هذه لغة لبعض العرب وهذه لغة لبعض العرب إلا أنه نص على الشيء الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن السين مكسورة، ولم يسمع منه أن السين مفتوحة، ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبه لأنه كبيرهم، ولعل هذا فيه إشارة إلى قول وافد بني المنتفق؛ لأن الخطاب لشخص، ومن المعلوم أن معه غيره، فهو كأنه كبيرهم وكأنه رئيسهم، فخاطب الرئيس. قوله: [(قال: قلت يا رسول الله! إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا -يعني: البذاء- قال: فطلقها إذا)]. ثم إن لقيط بن صبرة قال: إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا يعني: البذاء.فعبر بالشيء عن شيء غير محمود وهو بذاءة وسلاطة اللسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (فطلقها إذا)، يعني: إذا: تخلص من بذاءة لسانها بفراقها وطلاقها. قوله: [(فقال له: يا رسول الله! إن لي معها صحبة، ولي منها ولد)]. يعني: أنه أشار إلى الأمور الحسنة التي حصلت بينه وبي تراجم رجال إسناد حديث: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [في آخرين]. يعني: أن أبا داود رحمه الله سمع الحديث من مشايخ آخرين غير قتيبة. [قالوا: حدثنا يحيى بن سليم]. يعني: أن قتيبة حدثه في آخرين، لكن هؤلاء الذين حدثوه أراد أن يقتصر على تسمية واحد منهم، ويمكن أن تكون كلمة حدثنا تغني عن قوله: (في آخرين) لأن طريقة المحدثين إذا قال أحدهم: (حدثنا) أنه يقصد شيخه وغيره، وإذا قال: (حدثني) يقصد أنه حدثه وحده ليس معه أحد. فالمصنف ذكر شيوخا متعددين ولهذا قال: قالوا، وهذا يبين بأن المقصود الشيوخ، ولكنه لم يذكر أسماء الشيوخ الآخرين، بل اقتصر على قتيبة، ولعل هؤلاء الشيوخ الآخرين إما ترك ذكرهم اختصارا واكتفاء بـ قتيبة أو أن فيهم من فيه كلام، كما مر بنا في سنن النسائي أنه كثيرا إذا جاء ابن لهيعة في السند لا يذكره، وإنما يقول: حدثنا فلان وذكر آخر.يشير بهذا الآخر إلى ابن لهيعة الذي تركه، والذي لا يريد أن يذكره؛ لأنه لا يروي عنه فيشير إليه إشارة؛ لأن التحديث حصل لجماعة فهو يذكر واحدا منهم ويترك غيره، لكنه لا يسكت بحيث كأن ذلك الذي ترك ما له وجود، بل هو موجود، ولكنه أراد أن يتركه، فقال: وذكر آخر، فهنا قوله: (في آخرين) يحتمل أن يكون اختصارا؛ فبدل ما يعددهم اكتفى بواحد منهم الذي هو ثقة وهو قتيبة، ويحتمل أن يكون المقصود أن فيهم أناسا لا يريد أن يذكرهم ولا يريد أن يكونوا من رجاله الذين يروي عنهم.ويحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إسماعيل بن كثير]. إسماعيل بن كثير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه]. عاصم بن لقيط بن صبرة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.وأبوه صحابي أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [شرح حديث: (أسبغ الوضوء) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه وافد بني المنتفق أنه أتى عائشة رضي الله عنها فذكر معناه قال: (فلم ننشب أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع -يتكفأ- وقال: عصيدة مكان خزيرة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة من طريق أخرى، ولكنه أحال على الطريق السابقة وأشار إلى بعض الفروق التي جاءت في الطريقة الثانية وهي قوله: (لم ننشب أن جاء) يعني: لم نلبث إلا مدة قليلة حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلع، يعني: يتكفأ في مشيته صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان لكيفية مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه كان يمشي بهذه الهيئة، وهذا بمعنى ما جاء أنه كان إذا مشى كأنه منحدر من صبب. يعني: ليس عنده مشية المتبخترين المتجبرين المتكبرين، وليس فيه أيضا نعومة النساء ولين النساء وحركة النساء، وإنما كان يمشي بهذه الهيئة يعني: بقوة وبنشاط، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [وقال: عصيدة]. يعني: أن عائشة أمرت لهم بعصيدة مكان الخزيرة، والعصيدة هي: الدقيق الذي ليس معه لحم، فإذا كان معه لحم صار خزيرة. قوله: [حدثنا عقبة بن مكرم]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن جريج]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. [شرح حديث: (أسبغ الوضوء) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: (إذا توضأت فمضمض)].أورد أبو داود رحمه الله حديث لقيط بن صبرة من طريق أخرى وفيه أنه قال: (إذا توضأت فمضمض)، يعني: أن الطريق السابقة فيها الاستنشاق وهذه الطريق فيها المضمضة، ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى المضمضة والاستنشاق. قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا أبو عاصم]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن جريج]. ابن جريج قد مر ذكره. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ13 الحلقة (52) شرح سنن أبي داود [024] من الأمور الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه: تخليل اللحية، ومسح العمامة، وغسل ما بين أصابع اليدين والرجلين، فعلى المؤمن أن يحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. تخليل اللحية [شرح حديث تخليل اللحية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخليل اللحية.حدثنا أبو توبة -يعني: الربيع بن نافع - حدثني أبو المليح عن الوليد بن زوران عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)]. أورد أبو داود هذا الترجمة: باب تخليل اللحية، وتخليل اللحية: هو إدخال الماء من خلالها بالأصابع بحيث يدخل الماء إلى داخلها، فهذا يسمى التخليل، مثلما أن تخليل الأصابع يكون بإدخال إصبع بين الأصابع حتى يصل الماء إلى الداخل، فهنا تخليل اللحية: إدخال الأصابع بين الشعر حتى يصل الماء إلى الداخل، ولكن تخليل اللحية مستحب وليس بواجب، بخلاف تخليل الأصابع؛ فإن الأصابع يجب إن يصل الماء إلى داخلها بحيث إن كل أجزاء الرجل وأجزاء اليد يصل إليها الماء، وأما اللحية إذا لم يصل الماء إلى داخلها فلا بأس وليس بلازم؛ لأنه أمر مستحب، فإن وجد فطيب، وإن ما وجد فلا شيء عليه، لكن الأصابع إذا لم يصل الماء إليها فإنه لا يجزئ الوضوء، إذ لا بد من استيعاب أعضاء الوضوء بالماء، وأما اللحية فالواجب هو غسل الوجه وما تحصل به المواجهة من اللحية، وهو الشيء البارز، فهذا هو الذي يغسل، وأما إدخال الأصابع بين اللحية وبين أجزائها فهذا أمر مستحب. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ أخذ كفا فأدخله تحت حنكه وخلل لحيته) يعني: أدخل أصابعه بين لحيته صلى الله عليه وسلم حتى يصل الماء إلى داخلها وقال: (هكذا أمرني ربي).والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، ولكن قد جاء من طرق متعددة، وجاءت أحاديث متعددة تدل على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.فتخليل اللحية مستحب وليس بفرض فإذا توضأ الإنسان ولم يخلل اللحية صح وضوءه. [تراجم رجال إسناد حديث تخليل اللحية] قوله: [حدثنا أبو توبة يعني: الربيع بن نافع]. أبو توبة كنيته، وهو مشهور بها، وقوله: (يعني) أي: أن هذه الكلمة الربيع بن نافع قالها من دون أبي داود لأن أبا داود لا يقول: (يعني) وإنما ينسب شيخه كما يريد أو يختصر كما يريد، وهو هنا اختصر فقال: حدثنا أبو توبة ولم يزد على ذلك، فجاء بعض تلاميذه أو بعض من دونه في الإسناد عنه فأضافوا (الربيع بن نافع)، ولكن الذي أضافه قال: (يعني) حتى لا يظن أن كلمة (الربيع بن نافع) من كلام أبي داود في هذا الحديث، بل هي من كلام غيره أضافها توضيحا وتبيينا، وكلمة (يعني) هذه قائلها من دون أبي داود و (يعني) فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود. وأبو توبة الربيع بن نافع هو الذي اشتهرت عنه الكلمة المشهورة في معاوية حيث كان يقول: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ على الكلام عليه فإنه يجترئ على من وراءه. يعني: أن من تكلم فيه تكلم في غيره، ومن سهل عليه الكلام فيه سهل عليه الكلام في غيره من الصحابة.وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا أبو المليح]. الحسن بن عمر الرقي ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن الوليد بن زوران]. الوليد بن زوران لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود وحده. [عن أنس بن مالك]. أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.ويكون تخليل اللحية عند غسل الوجه بغرفة مستقلة أو بنفس الماء الذي غسل به الوجه. والحديث فيه الوليد بن زوران ويقال: زروان بتقديم الراء أو تقديم الواو، وهو لين الحديث، ولكن التخليل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه عديدة، فهو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وهو من الأمور المستحبة وليس من الأمور الواجبة؛ لأن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكر الذين حكوا وضوءه- أنه كان يغسل وجهه ثلاثا واثنتين ومرة واحدة، وما ذكروا التخليل، ولكن الذين ذكروا التخليل دل ما جاء عنهم على أنه من قبيل المستحبات وليس من قبيل الأمور الواجبة. [قال أبو داود: والوليد بن زوران روى عنه حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي]. أراد المصنف أن يعرف أو يذكر من روى له وأنه روى عنه اثنان: حجاج بن حجاج وأبو المليح الرقي. المسح على العمامة [شرح حديث: (وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على العمامة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)].أورد أبو داود رحمه الله باب المسح على العمامة، والمسح على العمامة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي العمامة التي تكون مشدودة، وبعضهم يقول: لابد أن تكون محنكة يعني: أنه قد أدير شيء منها تحت الحنك أو تحت الحلق، وهي التي يكون في نزعها شيء من المشقة، وليست إزالتها سهلة مثل العمائم التي نلبسها الآن، ومثل الطواقي والعمائم التي توضع على الرأس وترفع وهي قطعة واحدة مثلما توضع الطاقية، فمثل هذه لا يمسح عليها، وإنما المسح على الشيء المشدود الذي يكون شده ونقضه وإعادته فيه شيء من المشقة، فهذه هي العمائم التي يمسح عليها.والمسح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم مسح على الرأس، ومسح على العمامة.والمسح على الرأس وعلى العمامة أو على الناصية والعمامة يكون فيما إذا كان شيء من الرأس مكشوفا إلى الأمام، ثم وضعت العمامة، فإنه يمسح على ما بدا من الناصية، ويمسح على العمامة أيضا، فيجمع بين هذا وهذا.والمسح يكون للرأس كما جاء في القرآن، والمسح يكون على العمامة وعلى الناصية والعمامة كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية، والسرية: هي قطعة من الجيش تذهب لمهمة وتعود إلى الجيش، وقيل: إنها من ثلاثين إلى ثلاثمائة، وقيل: إنها إلى أربعمائة، وقيل: المشهور فيها أنها أربعمائة. والحاصل: أنها قطعة من الجيش ترسل لمهمة، كغزو إلى جهة معينة ونحو ذلك، وكان هناك برد، فلما قدموا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، والعصائب: هي العمائم، وهي التي يشد بها الرأس، ويقال لها: عصابة؛ لأنه يشد بها الرأس، والمقصود بها العمائم التي يشد بها الرأس وتغطيه، وأما إذا كانت العصابة أو الشيء الذي يشد به الرأس ليس عمامة فهذا لا يمسح عليه، إلا أن يكون ذلك من أجل جرح فيه أو ما إلى ذلك فإنه يمسح عليه وعلى ما ظهر من الرأس. والتساخين قيل: هي الخفاف، وقيل لها تساخين لأنها تسخن القدم، ويحصل له بها سخونة ودفء، سواء كان جوربا وهو الذي يكون من الصوف أو من القماش أو يكون خفا وهو الذي يكون من الجلود. [تراجم رجال إسناد حديث: (وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)] قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ثور]. ثور هو ابن يزيد الحمصي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [عن راشد بن سعد]. راشد بن سعد الحمصي ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وتعليقا وأصحاب السنن.وغالبا أن الراوي إذا أخرج له البخاري تعليقا أنه لا تذكر الرواية عنه في الأدب المفرد؛ لأن الأدب المفرد كتاب خارج الصحيح، والرواية عنه تعليقا هي داخل الصحيح، فيكتفى غالبا بالتعليق عن ذكر الأدب المفرد وعن الكتب الأخرى غير الأدب المفرد كجزء القراءة ورفع اليدين وما إلى ذلك. وفي تهذيب الكمال قال: خرج له البخاري في الأدب المفرد، لكن أبا الأشبال يقول: علق له البخاري في الجهاد في باب ركوب الدابة الصعبة والفحولة من الخيل، فذكر هذا، ولكن المشهور أنه من أخرج له في الصحيح ولو تعليقا فإنه لا يذكر شيء من الكتب الأخرى خارج الصحيح، وأما ذكر بعضها إذا كانت خارج الصحيح فإنهم أحيانا يذكرون عددا منها، كما في ترجمة شعيب والد عمرو بن شعيب قالوا: أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد، وأما ابنه عمرو بن شعيب فأخرج له البخاري في جزء القراءة، فجمع بين الكتابين؛ لأنهما خارج الصحيح، لكن ما كان داخل الصحيح ولو تعليقا فالمعروف أنهم لا يضيفون إليه شيئا آخر. [عن ثوبان]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [شرح حديث أنس: (رأيت رسول الله يتوضأ وعليه عمامة قطرية)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة)]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده تحت العمامة ومسح على مقدم رأسه ولم ينقض العمامة) وهذا فيه ذكر المسح على مقدم الرأس وليس فيه ذكر المسح على العمامة.والحديث غير صحيح، لكنه لو ثبت فيمكن أن يحمل على أنه مسح على الناصية وأنه سكت الراوي عن ذكر المسح على العمامة، وغيره ذكر الناصية والعمامة، لكن الحديث في إسناده من هو مجهول، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضا إذا لم يكن فيه المسح على العمامة فمعناه أنه مسح على بعض الرأس وهذا خلاف هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يمسح على الرأس كله من مقدمه إلى قفاه، ثم يرجع إلى المكان الذي بدأ منه، والأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الرأس فيها المسح على الرأس كله، فهنا يمكن أنه ذكر المسح على الناصية وهو ما ظهر أو ما كان قريبا من مقدم العمامة، ولم يذكر المسح على العمامة وإنما قال: إنه لم ينقضها، فيحتمل أن يكون مسح عليها ثم مسح على مقدم الرأس، والجمع بين المسح على الناصية ومقدم الرأس -يعني: ما بدا منه- وعلى العمامة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.والقطرية: قيل: هي برود يكون فيها حمرة، وقيل: إنها برود جياد تأتي من قرية أو بلدة من بلاد البحرين، والمراد بالبحرين الساحل الذي على الخليج فإنه يقال له: البحرين، هذا هو المعروف، وكذلك كل ما كان في تلك الجهة يقال له: البحرين، وليس مقصورا على الجزر التي في داخل البحر كما هو مشهور الآن من إطلاق البحرين، بل الإطلاق المعروف أن تلك المنطقة التي هي على الساحل وقريبة من الساحل فإنه يقال لها: البحرين. [تراجم رجال إسناد حديث أنس: (رأيت رسول الله يتوضأ وعليه عمامة قطرية)] قوله: [حدثنا أحمد بن صالح]. أحمد بن صالح الطبري المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.وأحمد بن صالح الطبري جاء فيه كلام، لكن بعض العلماء يقولون: المقصود به شخص آخر، وليس المراد به هذا الذي هو أحمد بن صالح المصري؛ لأنه أحيانا الأسماء إذا كانت متشابهة أو متقاربة فإنه يحصل الخطأ في ذم أحدهما وليس هو المقصود، فقد يكون الشخص ضعيفا فيتكلم في الثقة من أجله، وقد يكون ثقة، فيضعف من أجل شخص ضعيف، أي: أن ذلك الشخص الذي هو ثقة يفسر بأنه الضعيف، مثلما سبق أن مر قريبا أن أبا جعفر محمد بن جعفر بن جرير الطبري قيل عنه: إنه يقول بالمسح على الرجلين، وهذا الكلام ليس له وإنما هو لرافضي يطابقه في الاسم يقال له: أبو جعفر محمد بن جرير وليس الطبري، فبعض الناس قد يفهم أن ما أسند إلى ضعيف أو إلى شخص متكلم فيه قد يتوهم أنه لذلك الشخص الثقة، وهو ليس له وإنما هو لغيره، وكذلك هنا أحمد بن صالح الطبري تكلم فيه بسبب غيره، وذكره الحافظ في التقريب فقال: أحمد بن صالح المصري أبو جعفر ابن الطبري ثقة حافظ من العاشرة تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة، ونقل عن ابن معين تكذيبه، وجزم ابن حبان بأنه إنما تكلم في أحمد بن صالح الشمومي. يعني: أن الكلام الذي جاء عن ابن معين هو في أحمد بن صالح الشمومي، فـ النسائي ظن أنه تكلم في الطبري والسبب هو أنه قد يأتي أحمد بن صالح بدون ما تأتي الطبري أو تأتي الشمومي. [حدثنا ابن وهب]. عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني معاوية بن صالح]. معاوية بن صالح بن حدير الحمصي صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد العزيز بن مسلم]. عبد العزيز بن مسلم مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن أبي معقل] .قيل: هو عبد الله بن معقل وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.وليس لـ عبد العزيز بن مسلم ولا لـ أبي معقل عند أبي داود وابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد، وهذا يعني أنه لن يأتي ذكرهما في كتاب أبي داود مرة أخرى، وكذلك عند ابن ماجة لا يأتي ذكرهما متكررا؛ لأنهما لم يرويا إلا هذا الحديث الواحد ولم يأتيا إلا في هذا الإسناد الواحد. [عن أنس]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. [شرط المسح على العمامة] ويشترط في المسح على العمامة ما يشترط في المسح على الخفين، يعني: أنه لا بد أن يكون المسح بعد أن يلبسها على كمال الطهارة، وكذا التوقيت. غسل الرجلين [شرح حديث تخليل أصابع الرجلين] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجلين.حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره)]. أورد أبو داود رحمه الله غسل الرجلين، وسبق أن مر في صفة وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فيها غسل الرجلين ثلاثا، وغسلها اثنتين، وغسلها واحدة، وهنا أورد هذه الترجمة وهي: غسل الرجلين، ولعله أراد بذلك ذكر الدلك، وهو أكثر وأزيد من مجرد كون الماء يأتي ويجري على العضو؛ لأنه إذا جرى على العضو ولو لم يحصل دلك فإنه يجزئ، لكن هذا مما يؤكد ويوضح أن المسألة فيها غسل، وأن الذين يقولون: إن فيها المسح كل هذا ليس بصحيح، فالرافضة الذين يقولون بمسح الرجلين يقال لهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدلك، والدلك شيء أكثر من الغسل ولا يقال للمسح: دلك، وإنما الغسل هو الذي يكون معه الدلك، وهو إجراء اليد عليه ودلكه حتى تحصل النظافة، وهذا لا يتأتى بالمسح، فـ أبو داود رحمه الله ذكر ترجمة غسل الرجلين والغسل الذي هو أحد فروض الوضوء للرجلين جاء في الأحاديث الكثيرة، ولكنه ذكر هنا حديثا يدل على شيء يبعد مفهوم المسح ألا وهو الدلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يدلك أصابعه بخنصره، يعني: يدلك ما بين الأصابع حتى يستوعب، وهذا يفيد الغسل ولا يفيد المسح؛ لأنه لو كانت القضية قضية مسح فالمسح يصيب ما يصيب ويترك ما يترك، ولكن كونه يخلل ما بين الأصابع بخنصره يدل على أن هناك شيئا أكثر من جريان الماء وهو الدلك، ولكن الدلك ليس بواجب، فجريان الماء على العضو ولو لم يحصل الدلك فإنه يحصل به المقصود. [تراجم رجال إسناد حديث تخليل أصابع الرجلين] قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن لهيعة]. هو عبد الله بن لهيعة، صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة ومسلم روى له مقرونا بغيره. [عن يزيد بن عمرو]. يزيد بن عمرو المصري صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبي عبد الرحمن الحبلي]. هو عبد الله بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن المستورد بن شداد]. المستورد بن شداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج حديثه البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن.والحديث صحيح، وقضية المسح والغسل قد جاءت في الأحاديث الكثيرة، وابن لهيعة فيه كلام، لكنه لم ينفرد بهذا، ثم أيضا يقبل حديثه إذا كانت الرواية عنه قبل الاختلاط، فينظر هل روى قتيبة عن ابن لهيعة قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ8 الحلقة (53) شرح سنن أبي داود [025] من الأمور المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين، ومسألة المسح على الخفين من المسائل التي ذكرها العلماء في كتب الفقه وكتب العقيدة، وسبب إدخالها في كتب العقيدة إنكار بعض أهل البدع للمسح على الخفين، مع ثبوته في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة. المسح على الخفين [شرح حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين] قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين.حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع أباه المغيرة رضي الله عنه يقول: (عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة، فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه فضاق كما جبته، فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق ومسح برأسه، ثم توضأ على خفيه، ثم ركب، فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم أو قد أحسنتم)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب المسح على الخفين، والمسح على الخفين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء عن جماعة كثيرة من الصحابة، وهو من الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرافضة لا يقولون بالمسح كما لا يقولون بغسل الرجلين، ولهذا يذكر بعض المؤلفين في العقائد على مذهب أهل السنة والجماعة هاتين المسألتين إشارة إلى مخالفة هؤلاء المبتدعة الذين خالفوا فيهما: إحداهما ثابتة بنص القرآن، وهي غسل الرجلين، والثانية ثابتة بالسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المسح على الخفين، ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة: ونرى غسل الرجلين ومسح الخفين في الحضر والسفر كما قد جاء في الآثار.وهذه المسألة هي من مسائل الفروع والعبادات، وليست من مسائل العقيدة، لكن لما كانت إحدى هاتين المسألتين جاءت في القرآن والثانية جاءت في السنة المتواترة وكان من أهل البدع من يخالف ما جاء في القرآن من غسل الرجلين وما جاء في السنة المتواترة من المسح على الخفين ذكروا ذلك لمجانبة أهل البدع، وللإشارة إلى مفارقتهم لأهل البدع الذين خالفوا نص القرآن وخالفوا السنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا أدخلوها في باب العقائد مع أنها من المسائل الفقهية، ومن مسائل الفروع، وليست من مسائل العقيدة، لكن من حيث التصديق والامتثال، وأن ما جاء في القرآن حق يمكن أن تكون مما يعتقد؛ لأن كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أخبار يجب أن تصدق، لكن من حيث الذي اشتهر عند العلماء في ذكر مباحث العقيدة أنهم يذكرون ما يتعلق بالإيمان والأمور التي تعتقد، ولم يكن ذكر المسائل الفقهية يأتي في العقائد إلا من أجل أنه اشتهر عن بعض المبتدعة، وقد جاء به القرآن والسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان معه أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قال: (فعدل الرسول)، يعني: عن الطريق، فبدل ما كان يمشي في الطريق والناس يمشون فيها عدل إلى ناحية من أجل أن يقضي حاجته، وهذا يفيد أن الطرق لا تقضى فيها الحاجة، كما سبق في الحديث النهي عن قضاء الحاجة في طريق الناس وظلهم، فالرسول عدل عن الطريق الذي يمشي فيه الناس وذهب إلى مكان غير الطريق المسلوك، فقضى حاجته.قوله: [(فعدلت معه فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز)].(فعدلت معه)، يعني: تبعته (فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز)، يعني: قضى حاجته. قوله: (ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة)]. يعني: ثم جاء من مكان قضاء حاجته، فسكب على يده من الإداوة، وهذا فيه معاونة الشخص ومساعدته في الوضوء، وأن للإنسان أن يوضئ غيره، يعني: أن يصب على غيره، وغيره يتوضأ، وليس بلازم أن الإنسان هو الذي يفرغ، بل له أن يفرغ ولغيره أن يفرغ عليه، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الأحاديث الكثيرة التي سبق أن مرت في صفة وضوء الرسول أنه أفرغ على يديه، وهنا أفرغ عليه المغيرة بن شعبة فهذا فيه دليل على أن مثل ذلك سائغ، وأن لغيره أن يوضئه وأن يصب عليه الماء وهو يتوضأ.قوله: [(فغسل كفيه ثم غسل وجهه)]. يعني: غسل كفيه الغسل الذي يكون قبل الوضوء، وهذا كما هو معلوم غسل بدون إدخال يد في الإناء، فالرسول غسل يديه وغيره يصب عليه، فلا يدخل الإنسان يده في الإناء مباشرة، وقد جرى سؤال عن الصنابير هل يغسل الإنسان يديه عندما يتوضأ بها، وقلنا: إن له أن يغسل يديه منها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صب عليه المغيرة وغسل يديه، وهذا مثل صب الصنابير، لأنه ليس فيه إدخال اليد في الإناء، فلا تدخل اليد في الإناء؛ لأن المقصود هو النظافة، واليد قد تكون غير نظيفة، وإذا استعملها الإنسان وهي غير نظيفة فقد يذهب بالذي فيها إلى وجهه إذا بدأ به دون أن يغسلها، أو إلى فمه للمضمضة، فكونه يغسلها سواء كان سيدخلها في الإناء أو لا يدخلها في الإناء أمر مطلوب، فيصب عليها من صنبور الماء أو يفرغ عليه أحد فيغسل يديه قبل أن يبدأ بأعضاء الوضوء، وهذا كما هو معلوم على سبيل الاستحباب، ولا يجب ذلك إلا إذا علم أن في اليد نجاسة أو كان القيام من نوم الليل كما سبق ذكر ذلك. قوله: [(ثم حسر عن ذراعيه فضاق كما جبته)]. أي: أنه أراد أن يخرج الذراعين من الكم فضاق، فرجع وأدخلهما حتى خرج من الجبة وجعلها على كتفيه، وظهر الذراعان من تحت الجبة، وغسلهما إلى المرفقين. قوله: [(ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه)]. أي: مسح على خفيه، وهذا محل الشاهد للترجمة وهو المسح على الخفين. قوله: [(ثم ركب فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة)]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة ركبوا فأدركوا الناس وقد بدأوا بالصلاة وقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليصلي للناس، فجاءوا وقد صلى عبد الرحمن بن عوف ركعة فصلوا، فصلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة وهم مسبوقون في الصلاة، ولما فرغوا من الصلاة ورأى الناس رسول الله يصلي ما بقي من صلاته فزعوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ولم يصل بهم، وأنه كان مسبوقا، ففزعوا وقالوا: سبحان الله! تعجبوا لكونهم سبقوا الرسول ولكون الرسول صلى وراء إمامهم. قوله: [فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (قد أصبتم أو قد أحسنتم)]. يعني: فيما فعلتم، وفي هذا دليل على أن الصلاة تصلى في أول وقتها، وأنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت شيئا من التأخير واحتاجوا إلى أن يصلوا لأنهم خشوا ألا يلحق أو أنه لا يأتيهم أو أنه مشغول أو ما إلى ذلك فإن لهم أن يقدموا واحدا منهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم الصبح، والنبي صلى الله عليه وسلم أدرك معه ركعة، فقام وقضى الركعة الباقية، وهذا هو الذي عرف في الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وراء إمام من رعيته، وهذا فيه دليل على جواز صلاة الرسول وراء أحد رعيته؛ لأنه صلى عليه الصلاة والسلام وراء عبد الرحمن بن عوف ووراء أبي بكر رضي الله عنه، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فتأخر، فجاء بلال إلى أبي بكر يستأذنه في الإقامة، فأقام الصلاة وقام أبو بكر ودخل في الصلاة، ولكنه لما دخل كان في أول الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء فسبح الصحابة؛ فالتفت أبو بكر -وكان لا يلتفت في صلاته- فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأراد أن يتأخر، فأشار إليه مكانك، فتأخر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس، ولما فرغ من صلاته قال: (ما منعك أن تصلي؟ قال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم)، لأن هذا كان في أول الصلاة، وأما عبد الرحمن بن عوف فكان قد مضى إلى نصف الصلاة، وهي صلاة الفجر، وقد جاء في بعض الروايات أنه علم وأن الرسول أشار إليه أن يمكث، والفرق بين حالته وحالة أبي بكر: أن أبا بكر كان في أول الصلاة، فالرسول يصلي بالناس ويسلم بهم، لكن عبد الرحمن سبق أن مضى نصف الصلاة فواصل الصلاة واستمر فيها كما سيأتي في الحديث أن الرسول أشار إليه. [تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين] قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد]. أحمد بن صالح وعبد الله بن وهب مر ذكرهما، ويونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني عباد بن زياد]. عباد بن زياد وثقه ابن حبان وأخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أنه سمع أباه المغيرة]. عروة بن المغيرة بن شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.وأبوه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [شرح حديث المغيرة في المسح على الخفين وعلى العمامة والناصية] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد - ح وحدثنا مسدد حدثنا معتمر عن التيمي حدثنا بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على ناصيته.وذكر: فوق العمامة) قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته) قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وعلى الناصية)، يعني: مسح مقدم الرأس الذي بدأ منه وعلى العمامة، وهذا فيه دليل على المسح على العمامة كما سبق ذلك في الترجمة السابقة ولم يذكره المصنف هناك، وهذا مما ورد في المسح على العمامة، وفيه الجمع، فإنه مسح على الناصية وعلى العمامة، يعني: إذا كانت الناصية بدا منها شيء فإنه يمسح على ما بدا من ناصيته، وهو مقدم الرأس وعلى العمامة. قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح ناصيته، وذكر: فوق العمامة)]. يعني: أنه مسح على العمامة. وفي الطريق الثانية قال: (كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته).وهذه الطريق الثانية هي طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه سليمان بن طرخان التيمي، وهذه الطريق هي التي فيها الشاهد للترجمة، وهو ذكر المسح على الخفين، والمسح على الناصية وعلى العمامة. [تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في المسح على الخفين وعلى العمامة والناصية] قوله: [حدثنا مسدد]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا مسدد]. ح لتحويل السند.ومسدد مر ذكره. [حدثنا معتمر]. المعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي. [عن التيمي]. هو والد المعتمر، وهذا يعني أن أبا داود رحمه الله روى عن مسدد من طريقين: يروي من طريق مسدد عن يحيى بن سعيد عن سليمان التيمي، ويروي عن مسدد عن المعتمر بن سليمان عن أبيه سليمان التيمي، وهو التيمي، لكنه اختصره وقال: عن التيمي أي: عن سليمان بن طرخان التيمي، والمعتمر بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بكر]. بكر بن عبد الله المزني وقد جاء بيانه في الإسناد الذي بعد هذا، فهنا في هذه الطريق قال: بكر، وفي الطريق الأخرى قال: بكر بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه]. ابن المغيرة بن شعبة وأبوه قد مر ذكرهما. وقوله: [قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة]. يعني: أن طريق المعتمر بن سليمان فيها تسمية والد بكر وهو أنه ابن عبد الله وهو المزني، وفيه أن المسح يكون على الخفين وعلى الناصية والعمامة، ففيه زيادة المسح على الخفين وهو محل الشاهد للترجمة. ثم قال: [قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة] يعني: أن بكرا في الإسناد المتقدم يروي عن ابن المغيرة بواسطة الحسن، وهنا يقول: سمعته من ابن المغيرة يعني: بدون واسطة الحسن، ومعنى هذا: أنه رواه بواسطة ورواه بغير واسطة، رواه بواسطة الحسن بن أبي الحسن البصري عن ابن المغيرة وسمعه هو من ابن المغيرة، يعني: أنه يرويه من طريقين: طريق عال وطريق نازل، والطريق الأول فيه زيادة رجل وهو الحسن، والطريق الثاني فيه نقصان رجل وهو الحسن، لأن بكرا يقول: سمعته من ابن المغيرة، وطريق نازل والطريق العالي هو الذي يقل فيه الرواة والطريق النازل هو الذي يكثر فيه الرواة. وابن المغيرة قال الحافظ في التقريب: ابن المغيرة عن أبيه في مسح الناصية قيل: هو حمزة.وحمزة بن المغيرة بن شعبة الثقفي ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة.ذكر له في تحفة الأشراف حديثين أحدهما هذا.وعروة أخوة ثقة، فمادام هذا ثقة وهذا ثقة فالحديث كيفما دار يدور على ثقة.والحديث إذا دار بين ثقتين لا يؤثر سواء كان هذا أو هذا، وإنما يؤثر لو كان أحدهما ضعيفا والثاني ثقة.والله تعالى أعلم. [شرح حديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)] قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن الشعبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بالإداوة، فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت فادرعهما ادراعا، ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال لي: دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما) قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم]. ذكر أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: المسح على الخفين، وقد ذكرنا أن الأحاديث فيه متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها قد جاءت عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأن هذا مما تميز في السنة، وأن بعض أهل البدع كالرافضة لا يقولون بذلك ولا يمسحون على الخفين، وقد تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث مرت في الدرس الماضي، وهذه أحاديث أو طرق أخرى لتلك المسألة التي جاءت في الترجمة، وهي المسح على الخفين، فأورد حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في ركبه يعني: كان في ركب، والركب: هو الجماعة المسافرون على الدواب، قال: فقضى حاجته.وكان مع المغيرة إداوة، وهي: الإناء الذي فيه الماء الذي يتوضأ به، قال: فلما انتهى أقبل فتلقاه المغيرة فجعل يصب عليه، وكان عليه جبة من صوف من جباب الروم، وكانت ضيقت الكمين، فلما غسل وجهه وأراد أن يغسل اليدين إلى المرفقين إذا الكمان ضيقان لا يمكن معهما إخراج الذراعين حتى يتمكن من غسلهما، فأخرجهما من الداخل ورفع الجبة على كتفيه ومد يديه، فجعل المغيرة يصب عليه وهو يغسلهما، فغسلهما إلى المرفقين، ثم لما وصل إلى الرجلين وكان عليه خفان أهوى المغيرة بن شعبة إلى الخفين لينزعهما أي: ليغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلين، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (دعهما؛ فإني أدخلت القدمين في الخفين وهما طاهرتان) يعني: أنه أدخلهما وهو على وضوء، وفي هذا دليل على أنه يقال للمتوضئ: متطهر، أو إنه على طهارة، وليس المقصود أن الطهارة لا تكون إلا في مقابل النجاسة؛ فإن الطهارة يراد بها الوضوء، والإنسان إذا لم يكن متوضئا يكون على غير طهارة، وإذا توضأ يكون على طهارة، لكن ليس معنى ذلك أن عدم الوضوء يكون فيه نجاسة، فهو حصل له الحدث ولم يرفعه، وإذا رفعه فإنه يوصف بأنه على طهارة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: أدخل النعلين في الخفين بعد الطهارة.وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا توضأ فليس له أن يلبس الخفين إلا بعد غسل الرجل اليسرى؛ لأنه بذلك يكون على تمام الطهارة، ويعتبر متوضئا متطهرا، ولا يجوز له أن يغسل الرجل اليمنى ثم يلبس الخف، وإذا لبس الخف غسل الرجل اليسرى؛ لأنه إذا فعل ذلك يكون لبس وهو على غير تمام الطهارة؛ لأن الإنسان لا يعتبر متوضئا إلا إذا أكمل غسل الرجل اليسرى التي هي آخر أعضاء الوضوء، فلو غسل اليمنى ثم لبس الخف قبل أن يغسل اليسرى فلبسه غير صحيح، ولا يجوز له أن يمسح؛ لأنه لبس الخف وهو على غير طهارة؛ لأنه ما دام أنه غسل الرجل اليمنى واليسرى ما غسلت فإن الطهارة ما وجدت إلى الآن؛ إذ لا توجد الطهارة إلا إذا أكمل الوضوء. وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يصح، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: أن الطهارة إنما تكون بعد الفراغ من الوضوء، وليست في أثناء الوضوء، وهذا هو الذي يتضح به النص، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين أيضا؛ لأن هذا لا شبهة ولا إشكال فيه، وأما ذاك ففيه شبهة وفيه إشكال، وأيضا لم تكن الطهارة موجودة؛ لأن المقصود بالطهارة الطهارة الشرعية، وليس المقصود بها النظافة، فالنظافة قد يراد بها الطهارة اللغوية؛ لأن تغسيل اليدين يقال له: وضوء أي: أنه تنظف؛ لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة والنزاهة، فالمقصود الطهارة الشرعية التي هي كمال الوضوء.وقوله: (فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) أي: أدخلت القدمين في الخفين وهما طاهرتان، أي: أنه قد غسلهما قبل لبس الخفين.(فمسح عليهما)، أي: مسح على الخفين، وهذا محل الشاهد للترجمة التي هي: المسح على الخفين، فهو لم ينزع الخفين، ولم يأذن للمغيرة أن ينزع الخفين، بل مسح عليهما؛ لأنه لبسهما وهو على طهارة أي: على وضوء. [تراجم رجال إسناد حديث: (دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)] قوله: [حدثنا مسدد]. هو ابن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عيسى بن يونس]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبي]. هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو صدوق يهم قليلا أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن الشعبي]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، فقيه، إمام مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أثرت عنه الكلمة المشهورة فيما يتعلق بالرافضة وهي المقولة العظيمة التي يقول فيها: إن اليهود والنصارى فضلوا على الرافضة بخصلة. يعني: أن اليهود والنصاري تميزوا على الرافضة بخصلة وهي: أن اليهود إذا قيل لهم: من أفضل أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، والنصارى إذا قيل لهم: من أفضل أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى والرافضة إذا قيل لهم من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! هذه الكلمة مشهورة ومأثورة عن الشعبي، وقد ذكرها الشيخ ابن تيمية في أول كتابه: منهاج السنة، وهذه الكلمة التي قالها الشعبي قد قالها رافضي نطق وفاه بها في قصيدة طويلة خبيثة سيئة قذرة فيها ذم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وكان مما قاله في ذم الصحابة مستفهما استفهام إنكار: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها أي: بل هم أشقى أمة أخرجت للناس! وكان من جملة ما قاله من الوقاحة في بيت من الشعر ما معناه: إن سورة براءة خلت من البسملة؛ لأنه أشير فيها إلى أبي بكر! وهذا هو المنتهى في الخسة والقبح والفحش في القول والعياذ بالله! وعامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: سمعت عروة بن المغيرة]. عروة بن المغيرةبن شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، الصحابي المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم]. هذا من تأكيد الكلام وضبط الكلام وإتقانه، والشهادة: هي الإخبار، وقوله: (قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أن كلا منهما شهد على الآخر، وهذا فيه الضبط والتحقق؛ لأن هذا هو المقصود من هذا الكلام. وقوله: (جبة من صوف من جباب الروم) فيه أن الثياب التي تأتي من الكفار يجوز أن تلبس، وكذلك الأواني التي تأتي من الكفار يجوز أن تستعمل.وهذه الألبسة هي من الألبسة التي كانوا يصنعونها ويلبسونها لكن ليست من خصائصهم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ16 الحلقة (54) شرح سنن أبي داود [026] المسح على الخفين أمر مهم ينبغي على كل مسلم معرفة أحكامه، ومتى يكون، وما هي المدة التي يجوز المسح فيها، ومتى تبدأ، ومتى تنتهي، ونحو ذلك من الأحكام. تابع المسح على الخفين شرح حديث المغيرة في تأخر النبي عن صلاة الفجر بسبب قضاء الحاجة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر هذه القصة، قال: فأتينا الناس و عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم الصبح، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر فأومأ إليه أن يمضي، قال: فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها ولم يزد عليها شيئاً). قال أبو داود : أبو سعيد الخدري و ابن الزبير و ابن عمر رضي الله عنهم يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة في تأخره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته وأنه توضأ ولما لحقوا بأصحابه الذين سبقوهم وجدوهم قد دخلوا في صلاة الفجر وقد قدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليصلي بهم، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى ركعة من الصلاة رآه عبد الرحمن فأراد أن يتأخر حتى يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمكث وأن يمضي في صلاته بهم، ولعله جاء من الجهة الأمامية لأنهم كانوا في البر، ويمكن أنه جاء من ورائهم، وقد كان ذلك في غزوة تبوك، فإذا كانوا في الذهاب فلا إشكال؛ لأنهم سيتجهون إلى الجهة التي جاءوا منها، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي من جهة الأمام، وأما إذا كانوا في الرجوع فإنه سيأتي من الخلف وهم يصلون، فإن كانت القصة في الذهاب إلى تبوك فالأمر واضح؛ لأنهم سيتجهون إلى الجهة التي جاءوا منها، والرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي من أمامهم فيرونه عندما يقبل عليهم صلى الله عليه وسلم، وإن كانت القصة في المجيء من تبوك فهذا معناه أنه جاء من جهة الخلف، فرآه عبد الرحمن بن عوف فأراد أن يتأخر فأشار إليه أن امض، فمضى في صلاته وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم وراءه ركعة، ولما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة وصلوا الركعة التي بقيت عليهم، وفي الرواية السابقة أنه قال: (أحسنتم أو أصبتم) يعني: في صنيعكم حيث قدمتم من يصلي بكم. ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه صلى إماماً بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا عبد الرحمن بن عوف و أبو بكر رضي الله عنه، كما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف فتأخر الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء بلال إلى أبي بكر واستأذنه أن يقيم الصلاة، فأذن له وصلى، فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام عند البدء بالصلاة، فسبحوا فالتفت رضي الله عنه وأرضاه وكان لا يلتفت في الصلاة، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر أو يتقهقر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن يمكث، ولكنه رجع وتأخر، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا في أول الصلاة، وأما عبد الرحمن بن عوف ، فكان قد صلى ركعة من الصلاة، فلا يعرف أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بالرسول عليه الصلاة والسلام إلا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولهذا أبو نعيم في كتابه معرفة الصحابة في مقدمة ترجمته قال: إمام المصطفى صلى الله عليه وسلم يعني: أنه صلى به إماماً، وهذه الفضيلة ما وجدت من غيره. قوله: (ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الركعة التي بقيت ولم يزد عليها)، يعني: أن الشيء الذي بقي عليه هو الذي أتى به، وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المسبوق إذا فاته شيء من الصلاة فإنه يقضي ما فاته ولا يفعل شيئاً آخر، وبعض أهل العلم ومنهم الذين ذكرهم المصنف ابن عمر و ابن الزبير و أبو سعيد الخدري يقولون: إنه إذا أدرك الفرد من الصلاة فإنه يسجد سجدتين للسهو. والفرد من الصلاة هي: الركعة الواحدة، قالوا: لأنه بذلك سيأتي بتشهد في غير موضعه فعليه أن يسجد، لكن القول الصحيح هو قول جمهور أهل العلم الذين قالوا: ليس عليه شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الركعة التي بقيت عليه سلم ولم يزد على ذلك شيئاً لا سجود سهو ولا غيره، وأما كونه يأتي بتشهد في غير محله فلأنه مأمور بمتابعة الإمام، وكل ما يأتي به الإمام عليه أن يأتي به ولو تكرر عنده التشهد، ثم أيضاً ليس هناك سهو حتى يسجد له، فكيف يسجد للسهو ولا سهو موجود؟! إذاً: القول الصحيح أنه ليس على المسبوق إذا أدرك الفرد من الصلاة -يعني: الركعة الواحدة- سجود سهو إذا سلم من صلاته؛ لأنه في الصلاة ما سها، وكونه حصل منه تشهد في غير محله فهو مأمور بالمتابعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهو يدخل مع الإمام ويتابعه وإذا سلم قام لقضاء ما فاته سواء كان ركعة أو أكثر، وليس عليه شيء بعد ذلك، لكن إذا حصل منه سهو في صلاته في الزيادة التي سيصليها فيسجد للسهو، وإذا كان على إمامه سجود سهو والسجود بعد السلام فإنه يسجد عندما يريد أن يسلم تبعاً لإمامه الذي سجد بعد السلام؛ لأنه إذا سلم الإمام وسجد بعد السلام فإنه يقوم يأتي بالركعة المتبقية عليه، فالإمام يسجد للسهو وهو يواصل صلاته ولكنه في آخر صلاته يسجد للسهو، فليس على المأموم أو المسبوق سجود السهو إلا إذا سها هو فيما يصليه بعد سلام الإمام أو كان الإمام عليه سجود السهو وكان بعد السلام فإنه يفعل مثل ما يفعل الإمام، فيسجد عندما ينتهي من صلاته، وأما كونه أدرك فرداً من الصلاة، ووجد منه تشهد في غير محله، فهو مأمور بالمتابعة، والسهو لم يوجد حتى يسجد له. تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في تأخر النبي عن صلاة الفجر بسبب قضاء الحاجة قوله: [حدثنا هدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود ، و هدبة بن خالد يقال له أيضاً: هداب بن خالد ، وقيل: إن هدبة اسم و هداب لقب، يعني: أن اللقب مأخوذ من الاسم، و البخاري رحمة الله عليه من عادته أنه لا يذكره إلا باسمه، وأما مسلم فيذكره أحياناً يقول: هدبة وأحياناً هداب . [حدثنا همام ]. همام بن يحيى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وعن زرارة بن أوفى ]. يعني: أن قتادة يروي عن الحسن ويروي عن زرارة بن أوفى ، و زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومما ذكروا في ترجمته أنه كان يصلي بالناس صلاة الصبح فقرأ بهم سورة المدثر ولما جاء عند قوله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] بكى وشهق وخر مغشياً عليه ومات رحمة الله عليه، وقد ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره في سورة المدثر، وذكره أيضاً الذين ترجموا له. [أن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة قد مر ذكره. شرح حديث: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بكر -يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد - أنه سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يسأل بلالاً رضي الله عنه عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه). قال أبو داود : هو أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بلال بن رباح رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف سأله عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالإداوة فيتوضأ منها ويمسح على عمامته وعلى موقيه) والموقان هما: الخفان، وقيل: إنهما خفان قصيرا الساق، ولكن المسح يكون على ما يغطي الكعبين؛ لأن من شرط المسح على الخفين أن يكونا ساترين لمحل الوضوء، وحده: الكعبان، فالخفان لابد أن يكونا ساترين للكعبين. والحديث فيه المسح على الخفين، وفيه أيضاً المسح على العمامة، والمسح على الخفين والمسح على العمامة ثابت من طرق متعددة، فالحديث وإن كان فيه مجهول إلا أن ما فيه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحصل الانفراد والاستقلال بروايته عن طريق هؤلاء المجهولين، وإنما جاء ذلك عن كثير من الصحابة، وليس فيه شيء جديد زائد عن الذي ثبت في الأحاديث الأخرى، فيكون الحديث من حيث المتن صحيحاً، ولكنه من حيث الإسناد ضعيف؛ لأن فيه هذان المجهولان اللذان في إسناده، لكن المسح على الخفين والمسح على العمامة ثابت، فيكون هذا مما له أصل، وهو شاهد للأصل، وليس التعويل عليه، ولا الاستناد إليه، وإنما الاستناد إلى غيره، وكونه جاء موافقاً لغيره يدل على أنه معتبر، وأنه جاء مطابقاً لما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من حيث الإسناد ضعيف، لكنه من حيث المتن صحيح، وليس الحكم مبنياً على أسانيد فيها ضعف، بل الحكم مبني على أسانيد صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما جاء فيه ضعف ولم يكن فيه زيادة عما ثبت في الأحاديث الصحيحة في مسح العمامة ومسح الخفين فإنه يكون معتبراً. تراجم رجال إسناد حديث: (كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء ...) قوله: عبيد الله بن معاذ هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا أبي]. أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكر يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد ] . أبو بكر اسمه عبد الله بن حفص ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمع أبا عبد الله ]. أبو عبد الله هو مولى بني تيم كما ذكر ذلك أبو داود في آخر الحديث، وبنو تيم بن مرة هم رهط أبي بكر ؛ لأن أبا بكر ينتهي نسبه إلى تيم بن مرة، ويلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مرة ، يعني: أن تيماً أخو كعب والرسول صلى الله عليه وسلم من أبناء كعب بن مرة ، فتيم بن مرة هو أخو كعب بن مرة ، والرسول صلى الله عليه وسلم من نسل كعب بن مرة و أبو بكر من نسل تيم بن مرة فيقال لأبي بكر : التيمي نسبة إلى جده الذي هو دون الجد الذي يلتقي به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو عبد الله هذا مجهول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [عن أبي عبد الرحمن ]. قال في التقريب: أبو عبد الرحمن عن بلال قيل: هو مسلم بن يسار وإلا فمجهول . ويكفي في ضعف الحديث أبو عبد الله ، فالإسناد ضعيف، وإذا انضاف إليه هذا الشخص الآخر الذي هو أبو عبد الرحمن إذا لم يكن مسلم بن يسار وكان مجهولاً؛ فإن الحديث يزداد ضعفاً، لكن كما ذكرت المسح على العمامة والمسح على الخفين ثابتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو عبد الرحمن هذا أخرج له أبو داود و النسائي . [أنه شهد عبد الرحمن بن عوف ]. عبد الرحمن بن عوف ليس من رجال الإسناد؛ لأنه كان يسأل بلالاً ، فالإسناد عن أبي عبد الرحمن عن بلال . شرح حديث جرير في المسح على الخفين قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا ابن داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (أن جريراً رضي الله عنه بال ثم توضأ فمسح على الخفين وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح؟! قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (أنه بال ومسح على خفيه وقال: ما يمنعني أن أمسح عليهما وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؟! قالوا: إنما كان ذلك قبل المائدة) المقصود بذلك: أن آية المائدة فيها غسل الرجلين، يعني: ويكون هذا قبل المائدة فيكون منسوخاً بآية المائدة، فقال رضي الله عنه: وهل أسلمت إلا بعد المائدة؟ يعني: أن إسلامه كان متأخراً، ومعنى هذا: أنه أسلم بعد نزول آية غسل الرجلين، فيكون القرآن بين أن حكم الرجلين الغسل حيث تكونان مكشوفتين، وبينت السنة المتواترة أن حكمهما المسح حيث تكونان مغطاتين بالخفاف أو الجوارب، ولهذا أخبر جرير رضي الله عنه بأنه إنما أسلم بعد المائدة، وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل عنه بعد إسلامه، ورآه يمسح، وقد سبق أيضاً المسح في قصة المغيرة بن شعبة ، وكان ذلك في غزوة تبوك، وغزوة تبوك هي آخر الغزوات التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت في السنة التاسعة، يعني: أن ذلك كان في زمن متأخر فلا يكون حكم المسح على الخفين منسوخاً، فالغسل للرجلين ثابت بالقرآن حيث تكونان مكشوفتين، والمسح على الخفين ثابت بالسنة المتواترة حيث تكون الرجلان مستورتين بالخفاف أو الجوارب. وهذا الحديث يدل على المسح على الخفين وهو كغيره من الأحاديث الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها المسح على الخفين. تراجم رجال إسناد حديث جرير في المسح على الخفين قوله: [حدثنا علي بن الحسين الدرهمي ]. علي بن الحسين الدرهمي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا ابن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن بكير بن عامر ]. بكير بن عامر البجلي ضعيف، أخرج له أبو داود . [عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن جريراً ]. أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبو زرعة بن عمرو يروي هذا الحديث عن جده جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد و أحمد بن أبي شعيب الحراني قالا: حدثنا وكيع حدثنا دلهم بن صالح عن حجير بن عبد الله عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قال مسدد : عن دلهم بن صالح . قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل البصرة] . أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين فتوضأ ومسح عليهما) والمقصود هو المسح على الخفين، وهذا الحديث من الأحاديث التي تدل على ذلك وهي كثيرة جاءت عن جماعة من الصحابة، وقد ذكر بعض أهل العلم أنهم يبلغون سبعين صحابياً، كلهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين. قوله: [إن النجاشي أهدى إلى رسول الله]. النجاشي هو ملك الحبشة أسلم وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إليه قبل هجرتهم إلى المدينة، لما مات صلى الرسول عليه الصلاة والسلام عليه صلاة الغائب كما ثبت ذلك في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [خفين أسودين ساذجين]. قيل: إن المقصود أنهما ليس فيهما نقوش وليس فيهما أيضاً شعر ولا شيء من اختلاف الألوان، بل هما أسودان، فقوله: (ساذجين) يعني: غير منقوشين ولا شعر فيهما، وليس فيهما اختلاف ألوان، بل هما أسودان فقط. قوله: [ (فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) ]. هذا هو المقصود من الترجمة، وهو أنه مسح عليهما. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما) قوله: [حدثنا مسدد و أحمد بن أبي شعيب ]. مسدد بن مسرهد مر ذكره . وأحمد بن أبي شعيب هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، وفي التقريب عندما يبحث الإنسان عنه فيمن يسمى أحمد، ثم بعد ذلك حرف الشين، لا يجده، وكان المناسب كالعادة أن يأتي بعد ذلك في عبد الله؛ لأنه منسوب إلى أبيه ، فهو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، فالإنسان إذا جاء يبحث عند حرف الشين فيمن يسمى أحمد يجد أحمد بن شعيب النسائي ، ولكن لا يجد حوله من يقال له: أحمد بن أبي شعيب ، ومن عادة الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه أنه إذا كان الشخص منسوباً إلى جده أن يقول: هو ابن فلان، ولا يترجم له وإنما يحيل إلى ترجمته، فهنا كان المناسب أن يقول: أحمد بن أبي شعيب هو ابن عبد الله ؛ لأن ترجمته مذكورة في أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [قالا: حدثنا وكيع ]. هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا دلهم بن صالح ]. دلهم بن صالح ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة، وليس لهؤلاء الثلاثة عنه إلا هذا الحديث الواحد، يعني: أن دلهم بن صالح لن يأتي في كتاب أبي داود مرة أخرى، وكذلك أيضاً لا يأتي عند الترمذي إلا مرة واحدة، ولا يأتي عند ابن ماجة إلا مرة واحدة؛ لأنهم كلهم أخرجوا له هذا الحديث الواحد في المسح على الخفين. [عن حجير بن عبد الله ]. حجير بن عبد الله مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن ابن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب المروزي قاضي مرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [قال مسدد عن دلهم بن صالح ] يريد بذلك أنه لما روى عن شيخين وساقه على رواية أحمد بن أبي شعيب، وفيها: حدثنا دلهم ، ورواية مسدد ليس فيها (حدثنا)، إنما فيها: (عن) فأراد أن يبين أن مسدداً عندما روى عن شيخه وكيع قال: عن دلهم، فهو أراد أن يبين أنهما لم يتفقا على هذه الصيغة التي هي (حدثنا)، بل هذا لفظ أحمد بن أبي شعيب شيخه الثاني، أما الشيخ الأول فلفظه بالعنعنة وليس بالتحديث، وليس معنى ذلك أن وكيعاً مدلس، وحتى لو كان مدلساً فيكفي أن أحمد بن أبي شعيب صرح بالتحديث، لكن المقصود هو المحافظة على الصيغ التي جاءت عن الرواة، وهي أن هذا قال: حدثنا، وهذا قال: عن. [قال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل البصرة]. هذا ليس بواضح؛ لأن الإسناد الذي مر أكثره من أهل الكوفة، وفيه مسدد وحده من البصرة، وفيه عبد الله بن بريدة من مرو، وأكثر الرواة فيه كوفيون؛ لأن وكيعاً كوفي وهكذا دلهم كوفي و أحمد بن أبي شعيب حراني نسبة إلى حران، فليس فيه من البصريين إلا مسدداً ، فقوله: هذا مما تفرد به أهل البصرة غير واضح. شرح حديث: (أن رسول الله مسح على الخفين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن حي -هو الحسن بن صالح - عن بكير بن عامر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت؛ بهذا أمرني ربي عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة الذي فيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين)، والمسح على الخفين جاء عنه وعن غيره، ولكن الشيء الذي جاء في هذه الرواية ولم يأت في غيرها هو ذكر النسيان وذلك في قول المغيرة بن شعبة للرسول: أنسيت؟ فقال الرسول: (بل أنت نسيت)، هذا هو الذي جاء منفرداً من هذه الطريق التي أوردها أبو داود رحمه الله. قوله: (بهذا أمرني ربي) يعني: أن أمسح على الخفين. وقوله: (بل أنت نسيت)، يفهم منه أن المغيرة كان عنده علم بالمسح قبل ذلك ولهذا قال له الرسول (بل أنت نسيت). تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله مسح على الخفين...) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الإمام أحمد : شيخ الإسلام. وهذا فيه أن التلقيب بشيخ الإسلام قديم؛ لأنه جاء عن الإمام أحمد كما في ترجمة هذا الرجل، ففي تهذيب التهذيب أن الإمام أحمد قال فيه: إنه شيخ الإسلام أو أوصى شخصاً بأن يأخذ عنه وقال: فإنه شيخ الإسلام، فهذا فيه بيان أن هذا التلقيب بهذا اللقب كان موجوداً قديماً، وممن اشتهر به شيخ الإسلام ابن تيمية من المتأخرين، وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله على الجميع، وغيرهم اشتهروا بهذا اللقب، ولكن الذي اشتهر به وغلب عليه وعندما يأتي إطلاقه يتبادر الذهن إليه هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، لكن هذا الذي نقل عن الإمام أحمد في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يونس يدل على أن هذا اللقب قديم، وأن المتقدمين كانوا يلقبون به من يكون في القمة، ومن يكون في منزلة عالية ومنزلة رفيعة. [حدثنا ابن حي -هو الحسن بن صالح - ]. ابن حي هو أحمد بن صالح بن حي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أصحاب السنن. وله أخ يقال له: علي بن صالح بن حي ثقة عابد، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن بكير بن عامر البجلي ]. بكير بن عامر البجلي ضعيف، أخرج حديثه أبو داود . [عن عبد الرحمن بن أبي نعم ]. عبد الرحمن بن أبي نعم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره. الأسئلة حكم لبس العمامة السؤال: هل لبس العمامة سنة؟ الجواب: لبس العمامة من الألبسة الجائزة، ولا يقال: إن من لم يلبس العمامة يكون قد ترك السنة، وإنما هذا من اللباس الجائز مثل لبس الخاتم، ولبس القميص، ولبس الإزار والرداء وهكذا، ولكن الإنسان يؤجر على قصده، وأما كون الإنسان يأتي بشيء يستغربه قومه ويستغربه جماعته ويلفت النظر بالنسبة له فهذا يقال عنه: إنه خالف الناس أو إنه على طريقة تخالف هيئة الناس، وأمر اللباس واسع كما هو معلوم. بيان أن العمامة ليست من لباس الشهرة السؤال: إذا كان لبس العمامة لبس شهرة بحيث يشار إليه بالبنان هل له أن يلبسه مع الجواز أو يقال له: لا تلبس؟ الجواب: العمامة جائزة كما هو معلوم، فالإنسان له أن يلبسها أو لا يلبسها، الأمر في ذلك واسع، وإن كانت شيئاً غريباً على الناس فليست لباس شهرة؛ لأنها من ألبسة أهل الإسلام. حكم الاتكاء على الرفوف المخصصة للمصاحف السؤال: ما حكم الاتكاء على الرفوف الموضوع فيها المصاحف في المسجد؟ الجواب: كونه يتكئ عليها أو يستند إليها وهي فارغة ليس فيه بأس، ولكن الذي فيه شبهة هو كونه يستند عليها والمصاحف فيها بحيث تكون وراءه ويستند عليها والمصاحف فيها، والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها صــ 1إلى صــ28 الحلقة (55) شرح سنن أبي داود [027] من المسائل المتعلقة بالمسح على الخفين: المسح على الجوربين والنعلين، وهي من المسائل التي تهم كل مسلم في طهارته وعبادته، لذا ينبغي معرفة شروط المسح عليها، ومعرفة المسائل المتعلقة بها. التوقيت في المسح شرح حديث خزيمة بن ثابت في توقيت المسح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم و حماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة). قال أبو داود : رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده قال فيه: (ولو استزدناه لزادنا). أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب التوقيت في المسح على الخفين، والمقصود من هذه الترجمة بيان المدة التي يكون فيها المسح على الخفين، وأنها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، والأحاديث التي تتعلق بالترجمة هي دالة أيضاً على ثبوت المسح على الخفين؛ لأن الأحاديث التي فيها كيفية المسح وزيادة، فيها إثبات المسح وزيادة التوقيت، أو إثبات المسح وزيادة الكيفية. إذاً: كل حديث فيه ذكر التوقيت وفيه ذكر الكيفية فهو دال على إثبات أصل المسح، وعلى هذا فإن حديث المسح على الخفين متواتر عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة) يعني: ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، وهذا فيه بيان مدة الوقت الذي يجوز أن يمسح فيه، وإذا بلغ الغاية فإنه يتعين خلع الخفين، ثم الوضوء، ثم يلبسهما، ثم يعود إلى المسح من جديد، لكنه لا يزيد على ثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، ولا على اليوم والليلة إذا كان مقيماً، فإذا انتهت المدة لهذا ولهذا تعين خلع الخفين والوضوء، ثم إن أراد أن يلبسهما فليلبسهما ويبدأ المسح من جديد، وإن أراد ألا يلبس فإن حكم الرجلين هو الغسل كما هو معروف، وإن كانت مستورة فحكمها المسح. والغسل جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسح جاء في سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ثم إن هذا الفرق الذي بين المسافر والمقيم في اليوم والليلة فيه حكمة ومصلحة، وذلك أن المقيم موجود وعنده الماء متوفر، ويسهل عليه أن يخلع ويلبس في مدة وجيزة، بخلاف المسافر فإنه قد يحتاج إلى المكث مدة أكثر، ولهذا جعلت المدة في حقه أزيد، بل جعلت مثل المقيم وزيادة ضعفين، أي: ثلاثة أيام بلياليها. وأما مسألة مدة المسح لثلاثة أيام بلياليها فاختلف فيها أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه من حين ما يحدث يبدأ يحسب المدة؛ لأنه يكون بذلك على غير طهارة، وقبل أن يحدث لا تحسب؛ لأنه كان كما لو لم يلبس الخفين؛ لأنه إذا كان على طهارة واستمر على طهارته فهيئة لبسه كهيئته وهو لم يلبس؛ لأنه لو خلع خفيه قبل أن يحدث فهو على وضوئه وما حصل شيء، ولكنه إذا وجد الحدث عند ذلك يتغير الوضع. ومن أهل العلم من قال: إنه يبدأ من المسح بعد الحدث، والذي يظهر أنه يبدأ من الحدث؛ لأن هذا هو أول وقت يكون الحكم فيه مخالفاً لما كان قبل ذلك؛ لأنه قبل ذلك كان على طهارة، وبعد ذلك هو على غير طهارة، فيحسب من الحدث، وتلك المدة السابقة بين قبل المسح وبعد الحدث هي الفرق بين الاثنين، فالإنسان إذا اعتبر المدة من البدء بالحدث أخذ بالاحتياط. ثم قال في آخر الحديث في رواية أخرى: (ولو استزدناه لزادنا)، يعني: على الثلاث وعلى اليوم والليلة، وهذه الزيادة جاءت من بعض الرواة، ولكن الطريق الأولى التي فيها حماد و الحكم لم يذكر فيها هذه الزيادة، وأيضاً الأحاديث الأخرى التي جاءت عن علي وعن غيره من الصحابة فيها ذكر ثلاثة أيام ويوم وليلة، وليس فيها ذكر الزيادة، ثم أيضاً قوله: (ولو استزدناه لزادنا) ظن من الصحابي، ولا يزاد على مدة المسح عن ثلاثة أيام أو يوم وليلة بناءً على ظن صحابي؛ لأن الأحاديث التي جاءت عن غير خزيمة فيها التنصيص على يوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، فهي مطابقة لإحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة وهي الرواية الأولى التي ذكرها المصنف في رواية حماد و الحكم ، فهذه الرواية مطابقة لرواية الصحابة الآخرين الذين ذكروا اليوم والليلة والثلاثة الأيام بلياليها، وقد جاء في صحيح مسلم عن علي أنه قال: ثلاثة أيام ويوم وليلة. ولم يذكر الزيادة، فعلى هذا تكون إحدى الروايات التي جاءت عن خزيمة مطابقة للروايات الأخرى التي جاءت عن الصحابة، ثم أيضاً هذه الزيادة هي ظن وتوهم من الراوي، فإنه ظن أنه لو استزاد لزاد، ولكن هذا لا يمنع الحكم، فالأصل أنه لا يزاد على ثلاثة أيام للمسافر ولا على يوم وليلة للمقيم. تراجم رجال إسناد حديث خزيمة بن ثابت في توقيت المسح قوله: [حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر بن الحارث ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [حدثنا شعبة ]. شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و حماد ]. حماد بن أبي سليمان الكوفي صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد التيمي ثقة يرسل ويدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي عبد الله الجدلي ]. هو عبد الرحمن بن عبد وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن خزيمة بن ثابت ]. خزيمة بن ثابت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي ]. منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي بن عمارة في توقيت المسح قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن أبي بن عمارة رضي الله عنه - قال يحيى بن أيوب : وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين -أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت). قال أبو داود : رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة قال فيه: حتى بلغ سبعاً قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نعم ما بدا لك). قال أبو داود وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم و يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب ، وقد اختلف في إسناده]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي فيه عدم التوقيت، وأن الإنسان يمسح بما بدا له سبعاً أو أكثر من سبع، ولكن الحديث الذي ورد في ذلك غير صحيح؛ لأن فيه من هو مجهول، فلا يصح الحديث، وإنما الذي صح هو التحديد بيوم وليلة للمقيم، وبثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهنا هو الذي جاء عن خزيمة بن ثابت في الحديث الذي قبل هذا، وهو الذي جاء عن علي و صفوان بن عسال وجماعة من الصحابة، فقد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التوقيت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. وحديث أبي بن عمارة هذا فيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟... قال: وما شئت)، وفي بعض رواياته أنه قال: (حتى بلغ سبعاً ثم قال: نعم. وما بدا لك)، يعني: وما أردت وما ظهر لك أن تفعله فافعله، ولكن الحديث غير صحيح فلا يعول عليه، وإنما التعويل على الأحاديث التي جاءت عن جماعة من الصحابة، وفيها التوقيت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. قوله: [قال يحيى بن أيوب عن أبي بن عمارة : وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين]. المقصود أنه تقدم إسلامه، وكان قد صلى إلى القبلة الأولى قبل أن تنسخ ثم إلى القبلة الثانية. قوله: [أنه قال: (يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت)]. وهذا تقدم الكلام عليه، ثم بعد ذلك قال أبو داود : رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة قال فيه: حتى بلغ سبعاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم ما بدا لك) . تراجم رجال إسناد حديث أبي بن عمارة في توقيت المسح قوله: [حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة إمام في الجرح والتعديل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي في اصطلاحه أن (لا بأس به) تعادل (ثقة)، ولهذا يقولون: (لا بأس به) عند ابن معين توثيق، ولكن المعروف عند المحدثين أنها بمعنى صدوق؛ لأنها أقل من ثقة، والصدوق: هو الذي خف ضبطه، ويكون حديثه حسناً، لكن ابن معين رحمة الله عليه عنده اصطلاح مشهور، وهو: أن (لا بأس به) تعادل (ثقة) ولهذا يصف بعض كبار المحدثين بأنه لا بأس به وهو من كبار المحدثين. [حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ]. عمرو بن الربيع بن طارق ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود . [أخبرنا يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب الغافقي المصري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الرحمن بن رزين ]. عن عبد الرحمن بن رزين صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة . [عن محمد بن يزيد ]. محمد بن يزيد بن أبي زياد مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أيوب بن قطن ]. أيوب بن قطن قالوا عنه: فيه لين، وبعضهم يقول: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة . [عن أبي بن عمارة ]. أبي بن عمارة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [قال أبو داود : رواه ابن أبي مريم المصري ]. هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن نسي ]. هؤلاء مر ذكرهم إلا عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن. [عن أبي بن عمارة ]. أبي بن عمارة مر ذكره. [قال أبو داود : وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي]. يعني: أنه ضعيف؛ لأن فيه من هو مجهول أو من فيه لين، وأيضاً هو معارض للأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في التوقيت، وقد جاءت عن جماعة من الصحابة. [ورواه ابن أبي مريم و يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب وقد اختلف في إسناده]. يحيى بن إسحاق السيلحيني صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. المسح على الجوربين شرح حديث: (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المسح على الجوربين. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي -هو عبد الرحمن بن ثروان - عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين). قال أبو داود : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. قال أبو داود : وروي هذا أيضاً عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل ولا بالقوي. قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب و ابن مسعود و البراء بن عازب و أنس بن مالك و أبو أمامة و سهل بن سعد و عمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب المسح على الجوربين، وذلك بعد ما ذكر المسح على الخفين، والجوربان: هما المصنوعان من الصوف أو ما يشبهه، وهما مثل الخفين؛ لأنهما يشتركان في الستر للرجلين، وقد ذكرنا أن الرجل إذا كانت مكشوفة يجب غسلها، وإذا كانت مستورة فحكمها أنه يمسح عليها، وسواء كان الذي سترت به جلداً وهو الخف، أو شيئاً من الصوف أو القطن أو غير ذلك مما يستر الرجل وهو الجورب. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) يعني: أنه كان لابساً الجورب، والجورب أيضاً معه نعل؛ لأن الجورب من القطن، وليس مثل الجلد أو الشيء الذي فيه قوة بحيث يباشر الأرض، وإنما يتلف بسرعة وتصيبه الأوساخ، أما بالنسبة للنعل التي تخلع وهي سميكة فيجمع اللابس بين هذا وهذا، بحيث يلبس نعلاً وجورباً، ويكون الجورب في النعل، فيكون مسح على الجوربين والنعلين يعني: أنه كان الجوربان والنعلان عليه أيضاً، فمسح على ظهرهما أي: على بعض الجورب وبعض النعل، فهذا هو المقصود من الحديث، أي: أنه مسح عليهما مجتمعين وليسا متفرقين، فلم يمسح على النعلين على حدة، ولا على الجوربين على حدة، وإنما مسح عليها في حال الاجتماع بحيث يكون لابساً الجورب والنعل، وقد جاء عن ثلاثة عشر صحابياً القول بالمسح على الجوارب، وأنهم كانوا يمسحون على الجوارب. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان الثوري ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن ثروان ]. أبو قيس الأودي عبد الرحمن بن ثروان صدوق ربما خالف، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [عن هزيل بن شرحبيل ]. هزيل بن شرحبيل ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين). أي: فيحتمل أن يكون هذا وهماً؛ لأن المعروف عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، لكن كونه معروفاً عنه أنه مسح على الخفين، لا ينافي أن يمسح على الخفين وأيضاً يمسح على الجوربين؛ لأن كلاً منهما فيه ستر للرجلين، فكونه جاء عنه هذا لا يمنع أن يجيء عنه هذا أيضاً. ومما يوضح ذلك أن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء عنهم المسح على الجوارب. [قال أبو داود : وروي هذا أيضاً عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح على الجوربين) وليس بالمتصل ولا بالقوي]. أشار المصنف إلى أن المسح على الجوربين روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولكن قال: إنه ليس بالمتصل ولا بالقوي يعني: أن فيه انقطاعاً. [قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب و ابن مسعود و البراء بن عازب و أنس بن مالك و أبو أمامة و سهل بن سعد و عمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن عباس ]. هؤلاء تسعة، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن أنه جاء عن ثلاثة عشر من الصحابة، وهذا الحديث ضعفه وتكلم فيه، ولكن قال: العمدة في ذلك ما جاء عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يمسحون على الجوارب، وكما ذكرنا أن الحديث ثابت، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عنهم هذا، فهذا دليل وهذا دليل. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
|
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [028] الحلقة (57) الأحكام والتكاليف الشرعية مبناها على السمع والطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس للعقل أو الرأي فيها أي مدخل، فواجب المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل: كيف؟! ولماذا؟ وما الحكمة؟! فإن ظهرت له الحكمة فبها ونعمت، وإلا فعليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، ومن ذلك المسح على أعلى الخفين دون أسفلهما. كيفية المسح على الخفين شرح حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين) وقال غير محمد : (على ظهر الخفين)]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كيف المسح. أي: كيف يكون المسح على الخفين؟ وما هو المكان أو الجزء الذي يمسح؟ وما هي طريقة المسح؟ فهذا هو المقصود بالترجمة، و أبو داود رحمه الله بعدما ذكر المسح على الخفين وثبوته ذكر بعد ذلك التوقيت للمسح على الخفين، ثم ذكر بعد ذلك الكيفية، وقد ذكرت أن أحاديث المسح على الخفين متواترة، وقد مرت كثير من الطرق التي تدل على المسح على الخفين، وذكرت أن الأحاديث التي فيها التوقيت أيضاً هي دالة على المسح على الخفين وكذلك أيضاً الأحاديث التي فيها كيفية المسح هي دالة أيضاً على إثبات المسح على الخفين. فإذاً: كل الأحاديث التي وردت في المسح على الخفين، والأحاديث التي تتعلق بتوقيت المسح على الخفين، والأحاديث التي تدل على كيفية المسح كلها دالة على ثبوت أصل المسح، والترجمة المعقودة هنا لبيان كيفية المسح. وكيفيته: أنه يكون على ظهر القدم، ولا يكون على أسفلها. وذلك أن الإنسان يضع أصابعه على ظهر الخف من أعلى مقدمه ويمر بها إلى أن يرتفع إلى الكعبين، ولا يتجاوز الكعبين، ولا يتعرض لما كان خلف الرجلين، ولا ما كان في أسفل، وإنما يمسح على الأعلى، فتمسح باليد اليمنى على الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى، فهذه هي كيفية المسح. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه توضأ ومسح على خفيه)، وفي بعض الروايات: (على ظهر الخفين). والمصنف ذكر الحديث من رواية محمد بن الصباح البزاز وفيه: (أنه مسح الخفين)، ثم قال: (وقال غير محمد )، -أي: غير الشيخ المذكور بالإسناد- (على ظهر الخفين) وهذه الجملة الأخيرة هي التي تدل على الترجمة؛ لأنه قال: (على ظهر الخفين)، أما الأولى فإنها مطلقة؛ لأنه قال: (مسح على الخفين)، والرواية الثانية التي أشار إليها، وأنها عند غير محمد هي من رواية علي بن حجر عند الترمذي وفيها: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر الخفين). إذاً: هذا فيه بيان كيفية المسح، وأنه يكون على ظهر الخف، ومعنى هذا أن أسفل الخف لا يمسح عليه، وإنما يمسح على أعلاه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين) قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد أبوه عبد الله بن ذكوان أبو الزناد و عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه أخيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم في مقدمة الصحيح وأصحاب السنن الأربعة. [قال: ذكره أبي]. هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان الذي يروي كثيراً عن الأعرج عن أبي هريرة ؛ فكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فأبوه هذا هو أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن فهذا ابنه عبد الرحمن الذي في الإسناد هو الذي يكنى به فيقال له: أبو عبد الرحمن ، وليست كنيته أبو الزناد وإنما أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والمسح يكون بكلا اليدين في آنٍ واحد، ويكون بأن يبدأ باليمنى، فإذا فرغ منها صار إلى اليسرى، فإن فعل هذا فصحيح، وإن فعل هذا فصحيح أيضاً. شرح حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص -يعني: ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله عنه الذي فيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)، وهذا هو الذي يبين الشاهد للترجمة، وأن المسح يكون على ظهر الخف، وليس على أسفله، ولكن مع هذا يقول علي رضي الله عنه وأرضاه هذه المقالة، وهذا الأثر العظيم الذي يدل على الاتباع، وعلى أن الإنسان يتبع السنة ولا يحكم عقله، ولا يجعل لعقله مجالاً في الاعتراض على الأحكام الشرعية، بل الواجب هو اتهام العقول، والموافقة للنقول، لا أن يحكم العقل ويتهم النقل. وطريقة أهل السنة والجماعة أنهم يحكمون النقل، والعقل السليم لا يعارض النقل الصحيح، فأهل السنة هذا منهجهم وهذه طريقتهم، أنهم يعولون على النصوص، وأما العقول عندهم فتابعة للنصوص، كما قال بعض أهل العلم: إن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، مهمته أنه يأخذ بالفتوى، فإذا أفتاه العالم المجتهد يأخذ بفتواه. فالإنسان عليه أن يتبع الدليل ولا يعول على العقل ويتهم النقل؛ لأن العقول متفاوتة وليست على حد سواء، وعقل هذا يخالف ما في عقل هذا، ورأي هذا يخالف رأي هذا، بل إن الإنسان يكون بين وقت وآخر يختلف رأيه، فقد يرى رأياً يعجبه، ثم يرى بعد ذلك أن هذا الرأي الذي أعجبه يتعجب من نفسه كيف رآه فيما مضى! وذلك أنه تبين له أن غيره أولى منه، وهذا هو الذي حصل للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يوم الحديبية لما أريد إبرام العقد مع كفار قريش، وكان الذي يبرمه من جانب الكفار سهيل بن عمرو الذي أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، وكان من الشروط: أن من جاء من المسلمين إلى الكفار فإنه لا يرد إليهم. يعني: من ارتد وذهب إلى الكفار فإنه لا يرد إلى المسلمين، ومن جاء من الكفار مسلماً وأراد أن يلحق بالمسلمين فإنه يرد إليهم. فبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -ومنهم عمر ومنهم سهل بن حنيف - تأثروا وتألموا وقالوا: يا رسول الله! كيف نعطى الدنية في ديننا؟! يعني: كيف أن من ذهب منا لا يرجع، ومن جاء منهم يرجع عليهم؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بذلك وقبل به، فتبين لهم أن هذا الذي رضي به الرسول أن فيه غضاضة على المسلمين. أي: هذا الشرط الذي فيه أن من جاء من الكفار رجع إليهم، ومن جاء من المسلمين لا يرجع عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بهذا الشرط؛ وذلك أن من ذهب منهم كافراً أبعده الله، ومن جاء من أولئك مسلماً ولم يقبله المسلمون سيجعل الله له فرجاً، ولما حصل أن الذين أسلموا وأرادوا أن يلحقوا بالمسلمين لم يقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءً على الشرط، وكان منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو ، فقد كان مسلماً وكانوا قد قيدوه بالحديد حتى لا يلحق بالمسلمين، وفي أثناء العقد انطلق بحديده وجاء يجره، فلما وصل إليهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يستثنى هذا. يعني: هذا يستثنى من الشرط الذي فيه أن من جاء لا يرد، فقالوا: لا، بل هذا لابد أن يرجع، فرجع وزاد تأثر الصحابة أيضاً عندما رأوا هذا الرجل الذي يجر حديده وهو مسلم وقد جاء يريد أن يلحق بالمسلمين يرد إلى الكفار، وكان أبوه هو الذي وقع العقد، وهو الذي طلب أن يرد، ولما لم يوافق على استثنائه زاد تألمهم وتأثرهم، ثم ماذا كانت النتيجة؟ لما رأى المسلمون الذين أسلموا ولا يريدون أن يبقوا مع الكفار في مكة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم بناءً على الشرط ما كان منهم إلا أن ذهبوا واجتمعوا على ساحل البحر، وكلما مرت قافلة من القوافل التي تأتي من الشام لكفار قريش اعترضوها، فقريش نفسها تألمت وتأثرت، وطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم حتى يسلموا من اعتراضهم لعيرهم؛ فكان في ذلك مصلحة، وهذا الذي رضي به الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الله لهم فرجاً، فالكفار رجعوا عن شرطهم وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم، فتبين للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أن الرأي الذي رأوه لم يكن على الصواب، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه في صفين لما كان الناس في صفين، وكانت المعركة دائرة بين أهل العراق وأهل الشام، فأهل الشام أرادوا التحكيم وقالوا: توقف الحرب ويُرجع إلى التحكيم، فيختار هؤلاء أناساً وهؤلاء أناساً، ويلتقون وينظرون في الخلاف الذي حصل بين أهل الشام وأهل العراق، فبعض الصحابة -ومنهم سهل بن حنيف - رضي وأراد أن تنتهي الحرب، وكان سهل مع أصحاب علي رضي الله عنه، ولما رأى أن بعض الناس عندهم رغبة في المواصلة، وألا توقف الحرب صار ينصحهم ويقول: (يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين)، يعني: أن هذا الذي فيه إيقاف الحرب فيه مصلحة، والرأي الذي رأيتموه اتهموه، ثم ذكر قصته يوم أبي جندل وما حصل لهم يوم عقد الصلح، وأنهم رأوا رأياً كان الخير في خلافه. الحاصل: أن الإنسان نفسه يرى في وقت رأياً وبعد ذلك يرى رأياً آخر ويتعجب من نفسه كيف رأى ذلك الرأي! لأنه رأى المصلحة في الأخير لا في الأول، وإذا كان الأمر كذلك فالشرع الذي هو وحي الله هو الذي يجب أن يتمسك به، والعقول تتبعه وترجع إليه، ولا تتهم النقول ويعول على العقول، فطريقة أهل السنة والجماعة هي اتباع النقول واتهام العقول إذا خالفت النقول، والعقل السليم لا يخالف النقل الصحيح، ولشيخ الإسلام كتاب كبير واسع اسمه (درء تعارض العقل والنقل)، يعني: أنه لا يختلف العقل والنقل، بل العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح، ولهذا العلماء عندما يأتون في بعض مسائل الفقه ويذكرون الأدلة يقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول يعني: أن العقل يتفق مع النقل. بل أهل البدع والأهواء على العكس من أهل السنة والجماعة؛ إذ يعولون على العقول ويتهمون النقول، وإذا جاء النقل مخالفاً لمعقولاتهم إن كان آحاداً قالوا: هذا آحاد، والآحاد لا يحتجون بها في العقيدة، وإن كان متواتراً أو في القرآن قالوا: هذا قطعي الثبوت ظني الدلالة. يعني: فلا يؤخذ به، ولكن يرد عليهم هذا الأثر الذي جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر الخف)، يعني: أنه لا بد من اتباع النقول، ولا يلتفت إلى العقول إذا رأت ما يخالف النقول، أو إذا انقدح فيها ما يخالف النقول، فالمعول عليه هو النقل وليس المعول عليه العقل، وهذا هو الفرق بين أهل السنة وأهل الأهواء، فأهل السنة يعولون على النقول، ويرون أن النقل الصحيح لا يعارضه العقل السليم، وأما أهل البدع فإنهم يعولون على معقولاتهم، والنقول التي لا تتفق مع معقولاتهم يتهمونها ويدفعونها من أصلها، فإن كان النقل آحاداً قالوا: لا يحتج في العقائد بالأحاديث الآحاد، وهذا خلاف الحق، بل يحتج بالنصوص كلها آحادها ومتواترها، وإن كان قطعي الثبوت كالقرآن ومتواتر السنة دفعوه من حيث الدلالة وقالوا: هو قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة، ولهذا يقول بعض المؤلفين في العقائد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة وهي عقيدة الأشاعرة الذين يسمون أنفسهم أهل السنة يقول في كتاب اسمه (إضاءة الدجنة في بيان عقيدة أهل السنة). وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوضه ورم تنزيها والتأويل هو طريقة المتأخرين، والتفويض هو طريقة المتقدمين، وقد سبق أن ذكرت أن ابن عبد البر رحمة الله عليه ذكر في كتابه التمهيد أن الذين يؤولون النصوص ويعطلونها يصفون المثبتة لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون إثباتاً إلا وفقاً لما يشاهدونه في المخلوقات، فيقول ابن عبد البر رحمة الله عليه: إن الذين يعطلون الصفات يصفون المثبتين لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون الإثبات إلا مع التشبيه، وليس الأمر كذلك، بل هناك إثبات مع تشبيه، وهو الباطل، وإثبات مع تنزيه، وهو الحق الذي يطابقه قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة. إذاً: هناك إثبات وتنزيه ليس إثباتاً مع تشبيه، فأهل السنة يثبتون الصفات ولا يعطلونها، ومع إثباتهم لا يشبهون بل ينزهون الله عز وجل ويقولون: إن صفاته تليق بجلاله وكماله ولا تشبه شيئاً من صفات المخلوقين، والله تعالى بصفاته لا يشبه المخلوقين، والمخلوقون بصفاتهم لا يشبهون الله عز وجل، وصفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوق تليق بضعفه وافتقاره. ثم إن ابن عبد البر بعد أن حكى كلمة هؤلاء قال: وهم -أي: المعطلة- عند من أقر بالصفات وأثبتها يعتبرون قد نفوا المعبود. قال الذهبي معلقاً على هذه الكلمة الأخيرة لابن عبد البر : قلت: وصدق والله! فإن الجهمية مثلهم -أي: الذين ينفون الصفات- كما قال حماد بن زيد -وهو من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة-: إن جماعة قالوا: في دارنا نخلة، فقيل لهم: ألها خوص؟ قالوا: لا، قيل لهم: ألها ساق؟ قالوا: لا، قيل: ألها عسب؟ قالوا: لا، وكل ما ذكر لهم شيء من صفات النخل نفوه عن هذه النخلة، فقيل لهم: إذاً: ليس في داركم نخلة. فهذا شأن المعطل؛ فإنه يقول: الله ليس بسميع ولا بصير ولا.. ولا.. ولا.. وكل شيء ينفيه عن الله، إذاً: لا وجود لله عز وجل؛ لأنه لا يتصور وجود ذات مجردة عن جميع الص تراجم رجال إسناد حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...) قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص يعني: ابن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد خير ]. عبد خير الهمداني ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن علي ]. علي أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث، قال: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي من طريق أخرى، وبلفظ مقارب ومتفق من حيث المعنى للأول، ويختلف عنه في بعض الألفاظ فقال: (ما كنت أرى باطن الخفين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر قدميه) وهو دال على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح على ظهر القدمين، وهذه هي السنة، وهذا هو التشريع، وهذا هو الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي كان يراه علي أو الذي كان في ذهن علي أن هذا أحق، ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تبين له أن رأيه أو الشيء الذي كان قد انقدح في ذهنه أنه أحق ليس هو الأحق؛ لأن المعتبر هو الدليل. ثم أيضاً فيه شيء آخر من ناحية المعنى: وهو أن مسح أعلى القدم أو أعلى الخف يختلف عن مسح أسفل الخف؛ لأنه لو كان المسح في أسفل الخف فيمكن أن يكون الخف في أسفله نجاسة، والإنسان لا يعلم بها، فإذا مسح علقت النجاسة بيده، فأسفل الخف يباشر الأرض، وقد يقع على النجاسات وما إلى ذلك، فكان من الحكمة أن يكون المسح في أعلاه وليس في أسفله. فهذا من ناحية المعقول ومن ناحية المعنى أيضاً، يعني: على أن الأعلى هو الأولى وأن الأسفل لو كان المسح فيه لكان كذا، لكن الشريعة جاءت بخلافه. والمسألة فيها خلاف، فبعض أهل العلم قال: يمسح ظاهر الخف وأسفله، لكن الذي تدل عليه النصوص وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المسح على ظهر القدم دون أسفله. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [028] الحلقة (58) تراجم رجال إسناد حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...) قوله: [حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع النيسابوري القشيري شيخ الإمام مسلم ، وهو مثله نسباً ووطناً؛ لأن مسلماً قشيري، هذا من حيث النسب، ومن حيث الموطن هو نيسابوري ، وشيخه محمد بن رافع مثله في النسب والوطن، فهو قشيرياً نيسابوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يزيد بن عبد العزيز ]. يزيد بن عبد العزيز بن سياه ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث]. يعني: بهذا الإسناد الذي تقدم، وهو: عن أبي إسحاق عن عبد خير عن أبيه. طريق أخرى لحديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الحديث، قال: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله الإسناد من طريق أخرى، وهو مثل الطريق الأولى التي فيها أبو كريب محمد بن العلاء عن حفص بن غياث عن الأعمش . فهذا الإسناد هو مثل الذي قبله سنداً ومتناً إلا أنه يختلف عنه في بعض الألفاظ. وقد سبق لنا عندما كنا ندرس في صحيح البخاري أحاديث متفقة من حيث السند والمتن أيضاً ولا يكون بينها اختلاف، لكن البخاري رحمه الله يوردها في مواضع متعددة من أجل الاستدلال، وكان عندما يأتي بالحديث مرة أخرى للاستدلال به يأتي به من طريق آخر، وأحياناً تضيق الطرق عنه فيضطر إلى أن يعيد سنده ومتنه؛ لأنه يطابق الترجمة الجديدة التي ذكرها، فيحتاج إلى أنه يكرره بسنده ومتنه، وقد يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ في المتن، وهنا المصنف كرر السند والمتن إلا أن المتن مختلف، ولكن هذا في ترجمة واحدة، وفي باب واحد، فهو ليس كالبخاري يأتي بالحديث في أماكن أخرى وفي أبواب مختلفة من أجل الاستدلال على موضوع آخر، فيحتمل أن تكون هذه الطريق هنا زائدة، ويحتمل أن تكون طريقاً أخرى متفقة من حيث المعنى مختلفة من حيث اللفظ. قوله: [ (وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ]. أن المقصود منه هو أن المسح على الخفين وليس على القدمين المكشوفتين؛ لأن القدمين المكشوفتين حكمهما الغسل، ولا يجوز في حقهما المسح إذا كانتا مكشوفتين، وإنما المسح فيما إذا كانتا مستورتين في خفاف أو جوارب فهو مثل الذي قبله، فذكر القدمين ليس المقصود أنهما يمسحان، لأنه بينه في الحديث في قول قوله: (وقد مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه). طرق أخرى لحديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح...) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده قال: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما)، قال وكيع : يعني الخفين. ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ]. (أُرى) إذا كانت الهمزة مضمومة هي بمعنى: أظن، وإذا كانت مفتوحة فهي بمعنى: أعلم، فيحتمل هذا وهذا. وقوله: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما) هذا مثل الذي قبله. وقوله: [قال وكيع : يعني: الخفين]. وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ]. عيسى بن يونس ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل ظاهر قدميه وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله...)، وساق الحديث]. هنا ظاهر قدميه يعني: ظاهر الخفين وليس القدمين المكشوفتين؛ لأن القضية هي في المسح، وكلها تدور على مسح الخفين، يعني: أن كل الآثار التي جاءت عن علي فيما يتعلق بأنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من أعلاه المقصود من ذلك هو المسح على الخفين، وما جاء في بعض الروايات من ذكر القدمين فإن المقصود به المسح على الخفين. وأبو السوداء هو عمرو بن عمران ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [عن ابن عبد خير ]. هو المسيب بن عبد خير وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي أيضاً. [عن أبيه]. هو عبد خير وقد مر ذكره. [عن علي ]. علي قد مر ذكره. شرح حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن مروان و محمود بن خالد الدمشقي المعنى قالا: حدثنا الوليد قال محمود : أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما). قال أبو داود : وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة : (أنه وضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما). وهذا فيه أن المسح يكون على ظهرهما -أي: الخفين- وعلى أسفلهما، لكن الحديث غير ثابت، وذلك من أجل ذكر الأسفل، وأما من حيث ذكر الأعلى فهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الشيء الذي فيه المخالفة والذي فيه الضعف إنما هو من أجل ذكر الأسفل، وإلا فإن الطرف الآخر الذي هو الأعلى كل الأحاديث التي مرت وغيرها دالة على ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسناد ذُكرت فيه علل متعددة أشار أبو داود رحمه الله إلى واحدة منها. تراجم رجال إسناد حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما) قوله: [حدثنا موسى بن مروان ]. موسى بن مروان مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [و محمود بن خالد الدمشقي ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [المعنى]. يعني: أن ألفاظهما متقاربة ومتفقة من حيث المعنى، وإن كان بينهما اختلاف في الألفاظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله، أنه عندما يذكر الرواية عن عدد من شيوخه سواء كانوا اثنين أو أكثر وتكون ألفاظهم متفقة من حيث المعنى مختلفة من حيث اللفظ يأتي بهذه الكلمة فيقول: المعنى، يعني: أنهم متفقون في المعنى مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ. [قالا: حدثنا الوليد]. وهو ابن مسلم الدمشقي وهو ثقة إلا أنه يرسل ويدلس ويسوي، أي: أن عنده تدليس الإسناد والتسوية، وهذه علة من علل الحديث هذا؛ لأنه ما جاء إلا من طريق الوليد و الوليد عنعنه. [قال محمود : أخبرنا ثور ]. هذا فيه تصريح بالسماع من ثور ، ولكنه معروف بتدليس الإسناد والتسوية، وهو كونه يعمد إلى شيوخ فوقه له رووا عن أناس ضعفاء فيحذفهم ويجعل شيخه يروي عن الثقة الذي بعد الضعيف فيسوي الإسناد ويجعله صحيحاً، فهذا الحديث في إسناده الوليد وهو ممن وصف بتدليس الإسناد وتدليس التسوية. ولكنه من حيث الإسناد هنا صرح كما في طريق محمود بن خالد و محمود بن خالد ثقة. وثور هو ابن يزيد الحمصي وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن الأربعة. [عن رجاء بن حيوة ]. رجاء بن حيوة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و أبو داود رحمه الله قال: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء ، أي: أن بينه وبينه واسطة. فإذاً: الحديث فيه الوليد بن مسلم وفيه كلام أبي داود من جهة كون ثور لم يسمع هذا الحديث من رجاء ، وأيضاً ذكروا أن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة . وهذا فيه الإشارة إلى الانقطاع؛ لأن قوله: حدثت عن كاتب المغيرة . معناه: أن بينه وبينه واسطة. فكل هذه علل يضعف بها هذا الحديث، فلا يعارض الأحاديث الصحيحة الثابتة الدالة على أن المسح إنما يكون على ظهر القدم ولا يكون على أسفل القدم. [عن كاتب المغيرة بن شعبة]. كاتب المغيرة هو وراد الثقفي ، وبعض أهل العلم يقول أيضاً: فيه علة رابعة، وهي: جهالة كاتب المغيرة ، لكن كاتب المغيرة مشهور، وقد يترك الشخص ولا يذكر لشهرته. وكاتب المغيرة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن شعبة ] . المغيرة قد مر ذكره. ما جاء في الانتضاح شرح حديث: (كان رسول الله إذا بال يتوضأ وينتضح) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الانتضاح. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان -هو الثوري - عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال يتوضأ وينتضح). قال أبو داود : وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد. وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الانتضاح. والانتضاح فسر بتفسيرين: أحدهما أنه الاستنجاء، والثاني: أنه الرش على الثوب بماء حتى لا يكون هناك مجال للوسواس فيما إذا ظهر منه شيء، وهذا حتى لا يشوش على نفسه، فإن هذه الرطوبة التي في ثوبه قد تكون دافعة لتشويشه بالوسواس، وأن هذا خرج منه. فهذا هو المقصود بالانتضاح، وهذا هو المشهور والمقصود بهذه الترجمة، والاستنجاء سبق أن مرت له ترجمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت عنه أحاديث الاستجمار وأحاديث الاستنجاء، وأنه يكون بالحجارة ويكون بالماء، وسبق أن مر ذلك. أورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا بال يتوضأ وينتضح) يعني: ليبين للناس أنه إذ فعل شيء من هذا أنه يقطع أثر الوسواس عن نفسه. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا بال يتوضأ وينتضح) قوله: [حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان هو الثوري ]. سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سفيان متقدم الوفاة، لكن محمد بن كثير عمر تسعين أو فوق التسعين، ولهذا أدرك سفيان الثوري ، فسفيان الثوري مات سنة (161هـ) وهذا كانت وفاته بعد سنة (220هـ) يعني: أن بين وفاتيهما أكثر من ستين سنة، لكن هذا الذي كان عمره تسعين أو اثنين وتسعين أدرك من آخر عمر ذاك مدة طويلة كافية للأخذ عنه، ولهذا هذا في طبقة متقدمة، وهذا في طبقة متأخرة، ولكنه أدركه وسمع منه. [عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي ]. سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان أو ابن أبي الحكم جاء اختلاف كثير في إسناد الحديث إليه وهل هو الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم أو سفيان بن أبي الحكم ، جاء عنه بألفاظ مختلفة، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [قال أبو داود : وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد. وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم ]. يعني: وافق جماعة سفيان على هذا الإسناد في كونه قال: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان ، وغير الذين وافقوا سفيان قالوا: الحكم أو ابن الحكم ولم يزيدوا شيئاً. شرح حديث: (رأيت رسول الله بال ثم نضح فرجه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان -هو ابن عيينة - عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، إلا أنه أبهم هذا الراوي وقال: عن رجل من ثقيف، وهو الحكم عن أبيه، أي: أنه هو وأبوه لهم صحبة، فيكون الحديث من رواية صحابي عن صحابي، أو يكون من رواية صحابي إذا كان يروي مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله بال ثم نضح فرجه) قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. إسحاق بن إسماعيل بن المهلب الطالقاني ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [حدثنا سفيان هو ابن عيينة ]. سفيان بن عيينة مكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه]. مجاهد مر ذكره. شرح حديث: (أن رسول الله بال ثم توضأ ونضح فرجه) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه: (أن رسول صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ونضح فرجه) ]. قوله: [حدثنا نصر بن المهاجر ]. نصر بن المهاجر ثقة، أخرج له أبو داود . [حدثنا معاوية بن عمرو ]. معاوية بن عمرو بن المهلب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زائدة ]. زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب. [عن منصور عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه]. هؤلاء قد مر ذكرهم. والحديث صححه بعض أهل العلم؛ لأن القضية هي في الكلام على الصحابي، والحكم أو ابن أبي الحكم له صحبة. وابن حجر يقول: في حديثه اضطراب، لكن هذا الاضطراب هو من جهة نسبه هل هو فلان أو فلان أو فلان. الأسئلة اشتراط المرأة الإحلال إن حبسها حابس السؤال: إذا أرادت المرأة أن تعتمر واشترطت إن حبسها حابس فمحلها حيث حبسها، فإذا جاء الحيض قبل عمرتها أو في أثنائها فهل عليها شيء، أم أنها تلغي العمرة؟ الجواب: الذي يبدو أن مثل هذا لا يعتبر مما يحبس أو يمنع، وإنما تنتظر حتى ينتهي حيضها وتغتسل ثم تكمل عمرتها. كفارة المحصر الذي لم يشترط الإحلال السؤال: المحصر الذي ما اشترط الإحلال وحصل له شيء ورجع ماذا عليه؟ الجواب: عليه دم، فيذبح فدية، ويحلق ويقصر؛ لأن الرسول حلق لما أحصر، وذبح ما معه من الهدي. أما إذا اشترط فلا ذبح عليه ولا حلق. والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [029] الحلقة (59) هناك أذكار وأوراد تقال عقب أكثر العبادات، ومن ذلك ما جاء عقب الوضوء، وهذه الأوراد والأذكار فيها أجر عظيم؛ لذا ينبغي على المسلم أن يحرص على تعلمها، وأن يحافظ على أدائها في أوقاتها. ما يقول الرجل إذا توضأ شرح حديث الدعاء عقب الوضوء قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا توضأ. حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال: سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا، نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب. فقلت: بخ بخ ما أجود هذه! فقال: رجل من بين يدي: التي قبلها يا عقبة ! أجود منها. فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقلت: ما هي يا أبا حفص ؟! قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). قال معاوية وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باب ما يقول الرجل إذا توضأ، أي: الدعاء الذي يشرع للإنسان أن يقوله بعد فراغه من الوضوء، وهو أنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأِشهد أن محمداً عبده ورسوله. وقد جاء أنه يسمي الله عز وجل قبل الوضوء، وأما ما يكون بين ذلك من الأدعية عند أعضاء الوضوء فلم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فهذا الحديث فيه بيان ما يقال بعد الفراغ من الوضوء وهو الشهادتان: الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. قوله: (وحده لا شريك له) تأكيد لما تقدم من ذكر الشهادة؛ لأن قوله: (وحده) تعادل: (إلا الله) وقوله: (لا شريك له) تعادل: (لا إله) فكأن كلمة الإخلاص ذكرت مرتين: مرة على سبيل التنصيص عليها ومرة على سبيل تأكيدها بلفظ آخر يؤدي معناها دون الموافقة في اللفظ. قوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) بعد ما ذكر الشهادة لله عز وجل بالوحدانية والألوهية ذكر الشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وذكر وصفه بأنه عبد الله ورسوله هذا يتكرر كثيراً ويأتي كثيراً، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن حذر من إطرائه أرشد إلى أنه يقال له: عبد الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله). فإذاً: التعبير بأنه عبد الله ورسوله من الأمور التي يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي يأتي ذكرها كثيراً في أحاديثه الشريفة، بل قد أرشد إلى ذلك حيث قال: (قولوا: عبد الله ورسوله)، فهو عبد لله عز وجل وهذا من أخص أوصافه عليه الصلاة والسلام، ولهذا يأتي ذكر هذا الوصف له صلى الله عليه وسلم في المقامات الشريفة وفي الأمور العظيمة، فإن الله تعالى ذكره بالعبودية في مقام الامتنان عليه بتنزيل القرآن فقال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1] وكذلك في الإسراء سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] وقال عنه سبحانه: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19] فهو عبد لله عز وجل، والعبد لا يُعبد، وهو رسول من الله عز وجل، والرسول لا يُكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فبعد الفراغ من الوضوء يشرع للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في فضل هذا الدعاء مع إحسان الوضوء قوله في هذا الحديث (فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل وأجر جزيل من المولى سبحانه وتعالى لمن يحسن وضوءه ويأتي به على التمام والكمال، ثم يذكر الله عز وجل بهذا الذكر الذي هو الشهادة له سبحانه وتعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بالرسالة، وهذا جاء في صحيح مسلم وجاء في سنن الترمذي زيادة على ذلك وهي قوله: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، وفي هذه الزيادة كلام لبعض أهل العلم. وفي هذا دليل على أن أبواب الجنة ثمانية؛ لقوله: (إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). ثم أيضاً كما اشتمل الحديث على هذا عن عقبة عن عمر فقد اشتمل على شيء عن عقبة رضي الله عنه، وهو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه إلا قد أوجب) يعني: إلا قد أتى بالشيء الذي تحصل له الجنة والذي يثيبه الله عز وجل عليه بالجنة. وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مشتمل على حديثين: حديث عن عقبة وهو هذا، وحديث عن عقبة عن عمر وهو الذي لم يسمعه، ولكنه أخذه عن عمر وهو الذي يتعلق بالدعاء بعد الوضوء. ويقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: (كنا خدام أنفسنا)، يعني: أننا كنا نباشر أعمالنا ومصالحنا ونتولاها بأنفسنا، وليس لنا خدم يكفوننا هذه المهمة ويقومون بتلك الأعمال التي هي لازمة لنا. قوله: (وكنا نتناوب رعاية الإبل) أي: أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يوفقون بين مصالحهم الدنيوية والفوائد الأخروية التي يرجونها ويطلبونها، وهي الحضور إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وسماع حديثه وتلقي السنن منه، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل بدلاً من كون كل واحد يسرح بإبله فيغيبون جميعاً ولا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الواحد منهم له خمس والثاني ثلاث والآخر عشر والثاني تسع وهكذا فيجمعونها مع بعض ثم كل يوم يقوم بها واحد منهم، وإذا كانوا سبعة ففي الأسبوع يذهب الواحد منهم مرة واحدة وبقية الأيام يحضر مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتلقى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على حرصهم على تلقي السنن وجدهم واجتهادهم في تحصيلها وفي ضبطها؛ لأنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يعملون هذا العمل الذي فيه توفيق بين مصالحهم الدنيوية وبين الحصول على ما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة، وذلك بسماع النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي حديثه منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: (فلما كانت نوبتي)، يعني: لما كان اليوم الذي يسرح هو فيه بالإبل التي له ولغيره. قوله: (روحتها بالعشي)، يعني: جئت وأنهيت مهمتى وأدركت بقية مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: فسمعته يقول: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا أوجب)، فقلت: ما أجود هذه! يعني: أعجبه هذا الكلام الذي يشمل أمراً عظيماً وثواباً جزيلاً من الله عز وجل على هذا العمل، فكان عمر رضي الله عنه وأرضاه من الجالسين في حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (الذي قبلها أجود منها يا عقبة ! فنظر إلى عمر رضي الله عنه وقال: ما هي يا أبا حفص ؟! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). إذاً: هذا هو محل الشاهد للترجمة. ومثل هذا الذي حكاه عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في تناوبهم في رعاية الإبل وتوفيقهم بين مصالحهم الدنيوية، ومعرفة السنن والأحكام الشرعية التي يتلقونها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً ما جاء في الصحيح عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (أنه كان له جار من الأنصار، وكان لهما بساتين في عالية المدينة، فكان يتناوب هو وجاره النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحدهما كان يبقى في بستانه، والثاني ينزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء أخبره بالذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم اليوم الثاني ينزل الشخص الذي لم ينزل بالأمس، فكل واحد ينزل في يوم والذي لم ينزل يبقى في بستانه، ومن حضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ ذلك الذي بقي في بستانه بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبذلك وفقوا بين مصالحهم الدنيوية وبين اشتغال الواحد منهم بتحصيل السنن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه أو بصاحبه الذي ينزل في حال عدم نزوله، وهذا يوضح لنا ويبين لنا عناية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بتلقي السنن وحفظها ومعرفتها والحرص على تحصيلها واستيعابها رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فهم خير الناس وأفضل الناس، وكل من عمل بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت عن طريق صحابي من أصحابه الكرام فإن الله تعالى يثيب كل من عمل بتلك السنة ويثيب ذلك الصحابي الذي دل على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أثاب ذلك العامل من حين زمن الصحابة وإلى قيام الساعة؛ لقوله عليه ال تراجم رجال إسناد حديث الدعاء عقب الوضوء [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. حدثنا [ ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: سمعت معاوية يعني ابن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبي عثمان ]. أبو عثمان هذا قيل: هو سعيد بن هانئ وقيل: حريز بن عثمان و إن لم يكن لا هذا ولا هذا فهو مقبول كما قال الحافظ ابن حجر، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [قال معاوية : وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر ]. يعني: معاوية بن صالح يرويه من طريق أخرى عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني و ربيعة بن يزيد الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله وهو من كبار التابعين ثقة مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث الدعاء عقب الوضوء من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسين بن عيسى حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر أمر الرعاية، قال عند قوله: (فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال) وساق الحديث بمعنى حديث معاوية ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، ولكن ليس فيها ذكر التناوب على رعاية الإبل، وإنما فيها سماع الحديث الذي فيه (فأحسن الوضوء) وزاد فيه: (ثم رفع بصره إلى السماء فقال) وساق الحديث بمعنى حديث معاوية الذي تقدم بالإسناد الذي قبل هذا، وما سوى ذكر رفع البصر إلى السماء يشهد له ما تقدم في الطريق السابقة، وأما ذكر رفع البصر إلى السماء، فما جاء إلا من هذه الطريق، ولكنه لم يثبت؛ لأن فيه ابن عم أبي عقيل الذي لم يسم. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء عقب الوضوء من طريق ثانية قوله: [حدثنا الحسين بن عيسى ]. الحسين بن عيسى صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي عقيل ]. هو زهرة بن معبد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن ابن عمه]. ابن عمه لم يسم روى له أبو داود وحده. [عن عقبة بن عامر الجهني ]. عقبة بن عامر رضي الله عنه قد مر ذكره. الرجل يصلي الصلوات الخمس بوضوء واحد شرح حديث الوضوء لعدة صلوات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي -قال محمد : هو أسد بن عمرو - قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الوضوء فقال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد، يعني: أنه يصلي عدة صلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، ولا يلزمه أن يتوضأ لكل صلاة، وإذا جدد الوضوء فلا بأس بذلك. أورد فيه أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن عمرو بن عامر سأله عن الوضوء فقال: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة وهم يصلون الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد، وهذا يدل على الجواز، وإن كان لكل صلاة وضوء فلا شك أنه أكمل وأفضل، ولكن كونه يبقى على وضوئه ويصلي به صلوات متعددة لا بأس بذلك؛ لأنه جاء في هذا الحديث أنهم كانوا يصلون الصلوات بوضوء واحد، بل وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا أنه صلى خمس صلوات بوضوء واحد. فإذاً: ذلك ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم ومن إقراره للصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. تراجم رجال إسناد حديث الوضوء لعدة صلوات [حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا شريك ]. هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عمرو بن عامر البجلي ]. عمرو بن عامر البجلي هو والد أسد بن عمرو . [قال محمد : هو أسد بن عمرو ]. وهذا أسد بن عمرو رمز له في التقريب بتمييز، يعني: أن البجلي أبا أسد بن عمرو ليس له رواية، وذكر في ترجمة شخص آخر هو عمرو بن عامر الأنصاري فقال: وقيل: البجلي وهو ثقة، روى عنه جماعة منهم شريك ، وروى هو عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد جاء في البخاري من هذا الطريق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأما هذا الذي هو البجلي فليس له رواية في الكتب الستة، بل رمز له بتمييز، وهنا أبو داود رحمه الله نقل عنه شيخه محمد بن عيسى أنه قال: هو أسد بن عمرو ، ولكن جاء في مصادر أخرى أنه عمرو بن عامر الأنصاري ، ففي سنن الدارمي في الجزء الأول منه قال: أخبرنا محمد بن يوسف عن سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس ... الحديث. وفي الترمذي كذلك قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصاري أنه قال: سمعت أنساً ... الحديث. وفي تهذيب الكمال في الجزء الثاني والعشرين في ترجمة عمرو بن عامر الأنصاري أشار إلى أنه أخرج له الجماعة، ثم قال: ولهم شيخ آخر يقال له: عمرو بن عامر والد أسد بن عمرو القاضي صاحب الرأي ذكرناه للتمييز بينهما، ثم قال: وزعم أبو داود أنه الذي يروي عن أنس بن مالك . ونقل عن الآجري أنه سأل أبا داود عنه فقال: هو أسد بن عمرو ، ثم ساق سند أبي داود هذا، ثم قال: وكذلك قال أبو القاسم في الأطراف: عمرو بن عامر الأنصاري والد أسد بن عمرو وتبع أبا داود في ذلك. قال المزي -وقد وهما جميعاً-: فإن والد أسد بجلي وليس بأنصاري وهو متأخر عن طبقة الأنصاري ، ومن نظر من أهل المعرفة في رجال هذا ورجال هذا تبين له صحة ما ذكرنا. وهكذا في كل الكتب التي بني عليها التقريب والتهذيب المقصود به عمرو بن عامر الأنصاري الذي روى له الجماعة. والحديث موجود في البخاري وفي غيره، وذكر عمرو بن عامر والد أسد بن عمرو إنما هو للتمييز، يعني: أنه ليس له رواية في الكتب، وقالوا: إن ما ذكر عن أبي داود هنا يعتبر وهماً، والصواب: أنه الأنصاري ، وفي تهذيب التهذيب قال: الأنصاري وقيل: البجلي. وكأن ابن حجر ما ارتضى كلام المزي وكأنه يقول: مثل أبي داود لا يرد قوله بلا دليل، ولهذا ابن حجر نفسه ما زاد على أن تبع المزي في الرمز للأول بأنه روى له الجماعة وأنه ذكر أبا أسد بن عمرو للتمييز، و عمرو بن عامر الأنصاري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [سألت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [029] الحلقة (60) شرح حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...) [حدثنا مسدد أخبرنا يحيى عن سفيان حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر : إني رأيتك صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر : رأيناك صنعت شيئاً اليوم لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته)، وهذا يتفق مع الحديث السابق: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)، هذا الحديث يدل على أنه فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز؛ لأن الذي كان يداوم عليه والذي كان يحصل منه كثيراً هو أنه كان يتوضأ لكل صلاة، يعني: أن الإنسان له أن يتوضأ وضوءاً واحداً ويصلي به الصلوات الخمس كلها؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتعمده لهذا يدل على الجواز، وإن كان المعروف من عادته ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة؛ ولهذا عمر قال: (رأيتك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه)، يعني: أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال: (عمداً صنعته) يعني: أنه صنعه متعمداً ليبين أن ذلك جائز. تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...) [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [أخبرنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن سليمان بن بريدة ]. سليمان بن بريدة الأسلمي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. حكم تفريق الوضوء شرح حديث: (... ارجع فأحسن وضوءك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريق الوضوء. حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس بن مالك : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك). قال أبو داود هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب وحده وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (ارجع فأحسن وضوءك)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي تفريق الوضوء، والمقصود بتفريقه عدم اتصال بعضه ببعض، بأن تكون الأعضاء بعضها يغسل في وقت وبعضها في وقت آخر، ولو كان بعد جفاف بعض الأعضاء، لكن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة تدل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد فيه من الموالاة ولا بد فيه من الترتيب بين الأعضاء، فلا يقدم غسل اليدين إلى المرفقين على الوجه، أو غسل الرجلين على الوجه أو على مسح الرأس بل كل عضو يأتي بعد العضو الذي ذكر قبله، كما جاء في القرآن في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]. وأيضاً لابد من الموالاة وذلك بأن يستمر ولا يقطع الوضوء، ولو حصل أنه تبين له أن هناك عضواً من أعضائه لم يصل إلى جزء منه الماء فإن عليه أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة إذا كان قد صلى، وهذا دليل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد منه. والحديث أيضاً يدل على أن حكم الرجلين الغسل، وليس المسح؛ لأنه لو كان المسح فكيف ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على شخص بقي في قدمه لمعة أو مقدار الدرهم ثم يأمره بأن يعيد الوضوء؟! فدل هذا على أن حكم الرجلين الغسل وليس المسح كما تقوله الرافضة. وأورد فيه أبو داود رجمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد توضأ وترك على قدمه موضعاً مثل الظفر -يعني: ظفر اليد أو ظفر الرجل- فقال له: ارجع فأحسن وضوءك) يعني: توضأ وضوءاً حسناً تأتي به على الوجه المشروع، بحيث لا تترك أي جزء من أجزاء الأعضاء التي يجب استيعابها ويجب فعلها إلا وقد أتيت به، فكونه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرجع وأن يحسن الوضوء دل على أن عمله هذا غير صحيح، وأن عليه أن يعيد الوضوء، وبعض أهل العلم أجاز غير ذلك، ولكن الذي تقتضيه الأحاديث وتدل عليه الأحاديث هو أن الوضوء لا يفرق وأن من وجد منه شيء لم يصل إليه الماء فإن عليه أن يرجع ويتوضأ. تراجم رجال إسناد حديث: (...ارجع فأحسن وضوءك) قوله: [حدثنا هارون بن معروف ]. هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه مر ذكره. [عن جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، لكن حديثه عن قتادة فيه ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه مر ذكره. [قال أبو داود : هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (ارجع فأحسن وضوءك) ]. هذا لا يعل الحديث؛ لأنه جاء من طرق متعددة وجاء من وجوه مختلفة، فالحديث ثابت. [عن معقل بن عبيد الله الجزري ]. معقل بن عبيد الله الجزري صدوق يخطئ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبي الزبير ]. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [عن عمر ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد مر ذكره. طريق أخرى لحديث: (...ارجع فأحسن وضوءك) وتراجم رجال الإسناد [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس و حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، ولكنه مرسل من مرسلات الحسن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ، ولكن العمدة على ما تقدم من كونه موصولاً، فكونه جاء مرسلاً لا يؤثر؛ لأن الموصول هو المعول عليه. قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [أخبرنا يونس ]. هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن النبي رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بحير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)]. أورد أبو داود حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء والصلاة)، وهذا يبين لنا أنه أمره بالإعادة، وأن الذي تقدم من أمره بأن يحسن الوضوء المقصود به أنه يعيد الوضوء كما وضحته هذه الرواية وهذا الحديث. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...) قوله: [حدثنا حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح وهو شامي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الدمشقي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [عن بحير هو ابن سعد ]. بحير بن سعد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [عن خالد ]. هو خالد بن معدان وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم]. الأسئلة حكم ترتيب الوضوء السؤال: إذا توضأ الإنسان ورأى عضواً من الأعضاء لم يصبه الماء ماذا يفعل؟ الجواب: إذا كان حديث عهد بالوضوء ولما فرغ وجد أن في إحدى رجليه جزءاً لم يمسه الماء وأجرى عليه الماء حتى أصابه فلا بأس، وأما إذا كان في غير الرجلين فلابد أن كل عضو من الأعضاء يقدم غسله على ما وراءه، فيعيد الوضوء. حكم لبس الخاتم والساعة من الحديد السؤال: ما حكم لبس الخاتم أو ساعة اليد التي تصنع من الحديد؟ الجواب: ليس للإنسان أن يتختم بخاتم حديد ولا أن يتحلى بحديد؛ لأنه جاء أنه حلية أهل النار، ولكن لبس الساعة لا بأس به؛ لأن الإنسان لا يتحلى بالساعة ولا يتجمل بالساعة التي تصنع من حديد، والإنسان يضعها في يده حتى يسهل عليه رؤيتها من أجل معرفة الزمان والوقت. حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الواحد السؤال: ما حكم تكرار الجماعة في مسجد واحد؟ الجواب: تكرار الجماعة في مسجد واحد له حالتان: الحالة الأولى: أن تكون الجماعة الثانية جاءت عمداً من أجل مخالفة الجماعة الأولى، بمعنى أن الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي وراء الجماعة الأولى، فهذا لا يجوز، بل المسجد تقام فيه جماعة واحدة، لكن من جاء وقد فاتته الصلاة وهم عدد فلهم أن يصلوا جماعة؛ لأن هذا هو الذي أمكنهم. وقد كان في الحرم المكي قبل زمن الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أربعة مقامات، كل مقام فيه إمام من المذاهب الأربعة، وكل أصحاب مذهب يصلون على حدة متفرقين حول الكعبة، فلما جاء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه وحد الناس على إمام واحد ومنع تكرر الجماعة في المسجد، ولكن الحالة الثانية كما ذكرت هي أن جماعة جاءوا يريدون أن يصلوا ولكن فاتتهم الصلاة ورأوا الناس قد صلوا، فهؤلاء لهم أن يصلوا جماعة ولا بأس بذلك، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء رجل وقد فاتته الصلاة قال لبعض الذين صلوا معه: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد جماعة ثانية ولو عن طريق الصدقة فإذا جاء اثنان أو ثلاثة نقول: صلوا جماعة ولا بأس؛ لأنه إذا جاء واحد وحده فإننا نبحث له عن واحد يصلي معه حتى يصلي جماعة، فإذا جاء اثنان فأكثر فيصلون جماعة من باب أولى، ولا نقول: كل واحد يصلي في بيته؛ لأن الجماعة تقام ولو عن طريق الصدقة. حكم الرعاف في الصلاة السؤال: إذا نزل الدم من أنف إنسان أثناء الصلاة فماذا يفعل؟ وهل هو من نواقض الوضوء؟ الجواب: يقطع الصلاة ويذهب ولا يترك الدم يسيل على نفسه وعلى ثيابه؛ لأن الدم اختلف في نجاسته، والمشهور عن أكثر أهل العلم بل قد حكى بعضهم الإجماع على أنه نجس، فخروج الدم من الإنسان لكونه يرعف يجوز له أن يقطع الصلاة ويذهب، لكن إذا كان حصل له مثل ما يحصل في القتال فيصلي على حسب حاله لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] حتى الإنسان الذي فيه سلسل البول يصلي والبول موجود معه. كيفية العمرة بالنسبة للحائض السؤال: إذا جاء المرأةَ الحيضُ قبل العمرة بيوم وستذهب إلى العمرة وإجازتها أسبوع فقط، وممكن ألا تطهر في هذه المدة، فماذا تفعل؟ الجواب: إذا كانت تعلم من نفسها أنها لن تطهر في هذه المدة فلا تحرم بالعمرة، وإذا كانت ستبقى حتى تطهر فتحرم للعمرة وتجلس في مكة ولا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل، ثم تدخل وتطوف وتسعى. والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [030] الحلقة (61) شرح سنن أبي داود [030] الشيطان حريص على أن يضل الإنسان في كل شيء بشتى الوسائل، ومن ذلك أنه يوسوس له في الصلاة بأنه أحدث حتى يبطل عليه صلاته، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الالتفات إلى هذه الوسوسة وألا يبني الإنسان إلا على يقين. إذا شك في الحدث شرح حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الحدث. حدثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب و عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب إذا شك في الحدث، أي: فما الحكم إذا تحقق من الطهارة، ثم شك في الحدث الذي طرأ على الطهارة؟! والجواب عن هذا أنه لا يتحول عن الشيء المتحقق الذي هو الطهارة إلى الحدث إلا بيقين؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فيبقى على الأصل حتى يأتي ما ينقل عنه، وهذه قاعدة من قواعد الشريعة: أن الإنسان إذا كان على طهارة فإن الطهارة باقية حتى يتحقق الخروج منها وحصول خلاف ذلك بالحدث. وكذلك العكس: إذا كان محدثاً وشك هل تطهر أو لم يتطهر فإن الأصل أنه غير متطهر وعليه أن يتطهر، فإذا تحقق أنه قد أحدث ولكن شك هل توضأ أو ما توضأ فيعتبر على الحدث؛ لأن هذا هو الأصل، وإذا كان على طهارة وشك هل أحدث أو لم يحدث فالأصل هو الطهارة. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: [باب إذا شك في الحدث] يعني فما الحكم؟ والحكم: أنه يبني على الأصل وهو أنه لا ينتقل عن الأصل إلى الشيء المشكوك فيه إلا إذا تحقق وتيقن من المشكوك فيه، فعند ذلك ممكن أن ينتقل من يقين إلى يقين، فإذا كان متطهراً ثم تيقن الحدث فإن الطهارة انتهت بحصول الحدث، لكن حيث يكون الشك فإن الأصل بقاء الطهارة، وإذا تحقق الحدث وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث. وأورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: (أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه) وهذا فيه إبهام، ومعناه: أنه خرج منه شيء ناقض للوضوء. قال: (لا ينفتل) يعني: لا ينصرف من صلاته ولا يبني على هذا الشك ولا يبني على هذا الذي حصل أنه تخيله أو توهمه، بل يبقى على طهارته ويبقى في صلاته حتى يتحقق الحدث، وذلك بأن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وهذا المقصود به تحقق الحدث وإلا فإن الإنسان قد يكون لا يسمع وقد يكون أيضاً لا يشم، ولكن المقصود من ذلك تحقق الحدث، فذكر السماع والشم للشيء الخارج من دبره، والمقصود من ذلك أنه يتحقق أن الحدث وجد منه، فالحديث يدل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي: أن الإنسان إذا كان متطهراً فإن الأصل الطهارة، ولا ينتقل عن الطهارة إلى الحدث إلا إذا تحقق ما به الانتقال، وكذلك العكس إذا كان محدثاً وشك هل توضأ أو لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ؛ لأنه تحقق أنه غير متطهر فيجب عليه أن يتوضأ. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلانيوهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و محمد بن أحمد بن أبي خلف ]. محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [قالا: حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري أو يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة . [عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبته إلى جده شهاب، ومشهور أيضاً بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب ، وهذا هو الذي اشتهر به، ولهذا يأتي كثيراً ذكره بابن شهاب أو الزهري . [عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [و عباد بن تميم ]. عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمه]. عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه أن الإنسان إذا كان في صلاته ووجد حركة وشك أنه خرج منه شيء فإنه لا ينصرف حتى يتحقق ذلك بأن يشم رائحة إذا كان ممن يشم أو يسمع صوتاً إذا كان ممن يسمع، والمقصود من ذلك هو تحقق وجود الحدث الذي يبنى عليه ترك ذلك الأصل المتيقن الذي هو الطهارة، فاليقين لا يزول إلا باليقين. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب -مهمل- يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمقصود به حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بأخرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و البخاري أخرج له تعليقاً وأخرج له مقروناً. [عن أبيه]. هو أبو صالح ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الوضوء من القبلة شرح حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى و عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ). قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره. قال أبو داود : وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً. قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء من القبلة]، يعني: إذا كان الإنسان على طهارة ثم وجد منه التقبيل لأهله هل ينتقض وضوءه بذلك ويحتاج إلى أن يتوضأ أو أنه باقٍ على طهارته وأن التقبيل لا ينقض الوضوء؟ وهذه المسألة هي جزء من مسألة: لمس المرأة هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ يعني: كون الإنسان يلمس المرأة هل ينتقض وضوءه بذلك أو لا ينتقض وضوءه بذلك؟ وفي هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا ينتقض، وإنه لم يأت شيء يدل على النقض إلا ما ذكر عن بعض الفقهاء أنه فسر قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] بأن المقصود به اللمس، ولكن الذي هو واضح غاية الوضوح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع؛ لأنه ذكر الحدث الأكبر والأصغر، وأنه إذا لم يوجد الماء يصار إلى التيمم في الحالتين، ولكن اللمس أو التقبيل ما جاء شيء يدل عليه دلالة واضحة، بل جاء ما يدل على خلافه وهو أنه لا ينقض الوضوء ولا يحصل به النقض. وقد جاء فيما يتعلق بالتقبيل أحاديث أوردها أبو داود رحمه الله وفي بعضها كلام، ولكن بعضها يشهد لبعض، وبعضها يؤيد بعضاً، وفيها أن مجرد التقبيل لا يحصل به نقض إلا إذا حصل انتشار وحصل خروج مذي فإنه عند ذلك يكون النقض بهذا الخارج الذي حصل بسبب هذا اللمس أو التقبيل، وبعض أهل العلم يقيد النقض بما إذا كان النقض بشهوة. فمنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض إذا كان بشهوة، لكن الأحاديث التي وردت في التقبيل تدل على عدم النقض. وأيضاً جاء في اللمس ما يدل على عدم النقض، وقد جاء في أحاديث صحيحة فيما يتعلق بكون المرأة تلمس الرجل وهو يصلي أنه باقٍ على طهارته ولا يؤثر فيه كون المرأة لمسته، من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها بحثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي، فوقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو ساجد، فلمست رجليه ومع ذلك استمر في صلاته وما حصل بلمسها إياه شيء جديد يغير الوضع الذي هو عليه، فدل على بقاء الطهارة. وجاء في الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة أمامه، والبيوت ليس فيها مصابيح يومئذٍ، وكانت تمد رجليها، فإذا سجد غمز رجليها فكفتها وسجد في مكان رجليها. فهذا فيه لمس وليس فيه نقض، وليس فيه شيء يدل على النقض، ثم ليس هناك دليل يدل دلالة واضحة على خلاف هذا. إذاً: لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك اللمس انتشار وحصل بسببه مذي؛ فإن الخارج من الإنسان من قبله ومن ذكره هو الذي ينقض الوضوء ويوجب غسل ذلك الذي حصل له ويوجب الوضوء. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) وهي حكت ما حصل لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرت مراراً أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أوعية السنة، وأنها حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته ولا يعرفها إلا أزواجه ولا يطلع عليها إلا أهل بيته؛ فإنها روت الكثير من ذلك ومن غير ذلك، ولكن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء روت في ذلك الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا القليل، فكونه صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ هو مما يجري في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أهله، وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان في إسناده مقال من حيث ما ذكره أبو داود بأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة وأنه يكون فيه إرسال إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى تشهد له وتؤيده. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ) قوله: [حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب بـ بندار البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي روق ]. هو عطية بن الحارث الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن إبراهيم التيمي ]. إبراهيم التيمي ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره] يعني: كما رواه الذي روى في الإسناد المتقدم بهذه الطريق أو بهذا الإسناد. و الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : وهو مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً]. المقصود بالمرسل هنا المعنى العام للمرسل؛ لأن المرسل له معنيان: الأول هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور باسم المرسل. الثاني: رواية الراوي عمن لم يدركه أو عمن أدركه ولكنه لم يلقه، فهذا يقال له: مرسل، والمرسل هنا من قبيل المرسل بالمعنى العام الذي ليس مختصاً بما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما المقصود به رواية الراوي عمن لم يدركه أو أدركه، ولكنه معاصر له ولم يلقه وروى عنه. [قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء ]. يعني: أن عمره قصير ومع ذلك هو محدث من المحدثين الذين نقلوا السنن ورووا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن كثير من العلماء، فأحدهم يكون عمره قصيراً، ولكن الله يبارك له في ذلك العمر فيروي الكثير ويتحمل الكثير ويكون له آثار حميدة وآثار عظيمة، ومن الذين لم تطل أعمارهم ولكن نفع الله بهم عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه؛ فإنه عمر بن عبد العزيز مات وعمره أربعون سنة، و النووي على كثرة تأليفه المجلدات الكثيرة الواسعة التي منها كتاب المجموع، ويقول بعض أهل العلم: ليس هناك كتاب في الفقه أوسع من المغني لابن قدامة والمجموع للنووي . وهما كتابان واسعان عظيمان، و النووي لم يتمه، ومع ذلك فكتابه واسع عظيم، وهذان الكتابان عني مؤلفاهما بنقل الأقوال عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهما موسوعتان، والنووي مات وعمره خمس وأربعون سنة، وخلف هذه الموسوعة بالإضافة إلى الكتب الكثيرة الأخرى في الحديث وفي الفقه، فأعمارهم بارك الله تعالى فيها، وكذلك الشافعي مات كهلاً وعمره أربع وخمسون سنة، و أبو بكر الحازمي المحدث المشهور مات وعمره خمس وثلاثون سنة وله كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وله كتب أخرى، ولما ذكره الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) قال: مات شابا طرياً عمره خمس وثلاثون سنة، يعني: مع سعة علمه مات وعمره قصير، ومن الذين نفع الله تعالى بعلمهم من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، الذي له مؤلفات كثيرة وعظيمة في النظم والنثر في العقيدة وغيرها، وقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة رحمه الله. الحاصل: أن قول أبي داود : [إنه لم يبلغ أربعين سنة] يعني: أن عمره قصير، ومع ذلك كان من أهل العلم، ومن حملة السنن، ومن رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال عروة : فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وفيه أن عروة روى عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ). فقال لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. وهذا الحديث يدل على أن القبلة لا تنقض الوضوء، وهو شاهد للحديث المتقدم الذي من رواية إبراهيم التيمي عن عائشة وهو لم يسمع من عائشة ، والطريق الثانية شاهدة متابعة للطريق الأولى، وهذه الطريق من رواية عروة عن عائشة ، و عروة هذا قيل: إنه عروة المزني وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، لكن ذكر في عون المعبود أنه عروة بن الزبير ، قال: وهذا هو المناسب واللائق، فهو الذي يمكن أن يجترئ على مثل هذا السؤال لعائشة ؛ عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة خالته، وكونه يقول مثل هذا الكلام ليس ببعيد، أما أن يقول هذا شخص بعيد منها فهذا لا يتوقع أن يحصل من مثله، وإنما يحصل ممن يكون له بها صلة وعلاقة ومحادثة واتصال، وهو ابن أختها، ثم ذكر أنه جاء في المسند وفي سنن ابن ماجة التنصيص عليه بأنه عروة بن الزبير . و عروة بن الزبير هو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن المزي وغيره ذكروا هذا في ترجمة عروة المزني ولم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير ، لكن الذي ذكره صاحب عون المعبود من كونه ابن الزبير هو الأقرب، وقد جاء ما يؤيده ويدل عليه في مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة ، وإن كان هو عروة المزني المجهول فإن هذه الطريق شاهدة لتلك الطريق، وإن كان عروة بن الزبير فلا إشكال. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حبيب ]. هو حبيب بن أبي ثابت ، ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عروة عن عائشة ]. ذكرنا في عروة أنه إما أن يكون عروة المزني أو عروة بن الزبير . وحبيب بن أبي ثابت مدلس، لكن ما تقدم من الروايات يشهد بعضها لبعض. [قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. زائدة هو ابن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الحميد الحماني هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، والأعمش هو سليمان بن مهران الأعمش وقد تقدم ذكره. طريق أخرى لحديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...) قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء - حدثنا الأعمش أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء. قال أبو داود : وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء. قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. أورد أبو داود هذا الحديث وأحاله إلى حديث عائشة المتقدم. قوله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني ]. إبراهيم بن مخلد الطالقاني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مغراء ]. عبد الرحمن بن مغراء صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش ، وهذا من حديثه عن الأعمش ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا عن]. هنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا، وهناك يروي الأعمش عن حبيب . وقوله: (أصحاب لنا) ذكر منهم في بعض الطرق المتقدمة جماعة أبهمهم ولم يسمهم، ولكن الطريقة المتقدمة فيها حبيب بن أبي ثابت . [عن عروة المزني ]. هنا نص على المزني . [عن عائشة ]. عائشة تقدم ذكرها. [قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة -قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء]. يعني: أنه ضعف هذين الحديثين، ولكن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض، أما بالنسبة لحديث: (أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) فهو ثابت؛ لأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وإنما الكلام في كونها تغتسل لكل صلاة، هذا هو الذي فيه الإشكال، وأما كونها تتوضأ لكل صلاة فإذا دخل الوقت فإن عليها أن تتوضأ، ومثلها من يكون به سلس البول؛ فإنه يتوضأ عند كل صلاة، فعندما يريد أن يصلي يتوضأ ولا يبقى على الحدث؛ لأن الحدث موجود، فيصلي مع استمرار الحدث؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. [قال أبو داود : وروي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء]. الثوري يقول: إن حبيب بن أبي ثابت ما حدثهم إلا عن عروة المزني أي: أنه لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء، وإنما حديثه عن عروة المزني ، لكن كما ذكرنا أن الطريقين المتقدمتين فيهما ذكر عروة بن الزبير . [قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. عقب أبو داود بهذا الكلام على كلام سفيان في قوله: إن حبيباً لم يحدث عن عروة بن الزبير بشيء، فقال: إنه قد روى حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً. وفي تحفة الأشراف (برقم: 17374) عند ترجمة عروة المزني ذكر عدة أحاديث منها هذه الأحاديث التي مرت، وذكر أيضاً من طريق حمزة بن حبيب الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً من الأحاديث. الوضوء من مس الذكر شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس الذكر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر. فقال عروة : ما علمت ذلك. فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من مس الذكر، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ، وأورد في هذه الترجمة الأحاديث التي فيها أنه يتوضأ إذا مسه يعني: بدون حائل، وأما إذا كان من وراء حائل فلا يؤثر مسه، وأورد في ذلك حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهذا يدل على أن مس الذكر ينتقض به الوضوء وأن على من مس ذكره أن يتوضأ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ لأنه قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهو مطلق، فدل ذلك على أن مس الذكر ناقض للوضوء، وسيأتي من حديث طلق بن علي الحنفي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وهل هو إلا بضعة منك؟!) يعني: أنه لا ينقض الوضوء، لكن ذكر العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين بأن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم، وأيضاً الذين صححوا حديث بسرة من أهل العلم أكثر من الذين صححوا حديث طلق ، لكن منهم من قال: إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق ؛ لأن حديث طلق كان في أول الهجرة؛ حيث قال فيه: قدمت وهم يؤسسون المسجد، يعني: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [عن عروة قال: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر]. مروان بن الحكم كان أمير المدينة في ذلك الوقت، وقوله: (فذكرنا) أي: تذاكرنا وبحثنا في نواقض الوضوء والأشياء التي ينتقض بها، فقال مروان : (ومن مس الذكر)، يعني: يحصل الوضوء من مس الذكر، فقال عروة : (ما علمت في هذا شيئاً)، يعني: ما أعلم دليلاً، وليس عندي علم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) يعني: أن مروان بن الحكم ذكر الدليل الذي سمعه من بسرة بنت صفوان والذي فيه الوضوء من مس الذكر. تراجم رجال إسناد حديث (من مس ذكره فليتوضأ) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [عن عبد الله بن أبي بكر ]. هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أنه سمع عروة يقول]. هو عروة بن الزبير بن العوام . [دخلت على مروان بن الحكم ]. مروان بن الحكم أحد خلفاء بني أمية، قال عنه بعض المحدثين: لا يتهم في الحديث، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [أخبرتني بسرة بنت صفوان ]. بسرة بنت صفوان رضي الله عنها صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة. الرخصة في ترك الوضوء من مس الذكر شرح حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرخصة في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال: بضعة منه) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في عدم الوضوء، فالحديث الأول يدل على الوضوء من مس الذكر وهذا يدل على الترخيص في عدم الوضوء، لكن أهل العلم -كما ذكرت- جمعوا بينهما بأن قدموا حديث بسرة على حديث طلق بن علي ؛ لتقدم حديث طلق بن علي وأنه كان جاء في وقت مبكر في أول الهجرة عند تأسيس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديث بسرة متأخر عنه فيكون مقدماً عليه، كما أن الذين صححوه أكثر، وأيضاً فيه الاحتياط في الدين؛ إذ إن الإنسان إذا مس ذكره وتوضأ خرج من العهدة ولم يبق في نفسه شيء بخلاف ما لو لم يفعل ذلك فإنه خلاف الاحتياط. قوله: [ (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي -يعني: من البادية- فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ قال: وهل هو إلا بضعة منك؟)، يعني: أنه كسائر جسده، فإذا لمست أي مكان من جسدك لا ينتقض وضوءك، فلو لمست وجهك أو رجلك أو ركبتك أو عضدك فما هل هو إلا بضعة منك، يعني: أنه جزء من أجزائك، فأي جزء من أجزائك تلمسه لا ينتقض وضوءك به، هذا هو معنى الحديث. تراجم رجال إسناد حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...) [حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ]. هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي ، صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [حدثنا عبد الله بن بدر ]. عبد الله بن بدر هو جد ملازم ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن قيس بن طلق ]. قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه]. أبوه هو طلق بن علي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن الأربعة. ورجال هذا الإسناد حنفيون يماميون إلا مسدداً شيخ أبي داود فإنه بصري، والباقون كلهم من بني حنيفة ومن اليمامة، وهم أربعة: ملازم بن عمرو و عبد الله بن بدر و قيس بن طلق و طلق بن علي . وأربعتهم أيضاً خرج لهم أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج لهم البخاري ولا مسلم . ومن الأشياء التي ذكروها في ترجيح حديث بسرة أن حديث طلق إنما خرج لرجاله أصحاب السنن، وأما حديث بسرة فرجاله خرج لهم الشيخان وهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي و مالك و عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم و عروة و مروان بن الحكم . وكلهم أخرج لهم الشيخان إلا مروان فليس له في مسلم شيء، وإنما له في البخاري . [قال أبو داود : رواه هشام بن حسان و سفيان الثوري و شعبة و ابن عيينة و جرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق ]. قوله: [رواه هشام بن حسان ]. هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و سفيان الثوري ]. سفيان الثوري مر ذكره. [و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و ابن عيينة ]. ابن عيينة ثقة مر ذكره. [و جرير الرازي ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي نزيل الري؛ لأنه كان في الكوفة وانتقل إلى الري وصار قاضياً فيها فيقال له: الكوفي باعتبار أنها وطنه، ويقال له: الرازي؛ لأنه انتقل إليها وصار قاضياً فيها، وهو جرير الرازي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن جابر ]. محمد بن جابر صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وصار يشبه بابن لهيعة . أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [عن قيس بن طلق ]. قيس بن طلق قد مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بإسناده ومعناه وقال: في الصلاة]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال: بإسناده ومعناه، وقال: في الصلاة. يعني: إذا مسه وهو في الصلاة. قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد تقدم ذكره. [حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه]. الأسئلة الحكم على حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) السؤال: ما حال حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الفراغ من الوضوء؟ الجواب: ذكرنا سابقاً في باب ما يقال بعد الوضوء أن مما يقال بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وهذه الرواية هي التي جاءت عند مسلم ، وقلت: إن رواية: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جاءت عند الترمذي وفيها كلام؛ لأنها من رواية أبي إدريس الخولاني عن عمر وهو لم يسمع منه، لكن ذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن حديث عند الترمذي له شواهد عند الطبراني وغيره من المحدثين عن ثوبان وعن غيره، فيكون شاهداً لهذه الطريق التي فيها كلام عند الترمذي ، وقال أيضاً: إن مما ثبت أنه يقال بعد الوضوء أن يقول مع هذا: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة السؤال: رجل يريد أن يذهب إلى مكة ويؤدي عمرة عن نفسه ثم يريد أن يعتمر عن أبويه الميتين فماذا يفعل؟ الجواب: الإنسان عندما يذهب إلى مكة يعتمر لنفسه أولاً، وإذا يسر الله له أنه يقدم مرة أخرى من بلده أو يذهب إلى المدينة ويرجع إلى مكة مرة أخرى فإنه يعتمر لنفسه أو لغيره؛ لأن العمرة المشروعة المستحبة التي كان عليه الصلاة والسلام يفعلها هي أنه يعتمر داخلاً إلى مكة، أما كون الإنسان يتردد بين التنعيم وبين الكعبة فيؤدي عدة عمر في اليوم فهذا ما ورد فيه شيء، وإنما ورد في حق عائشة لظرف خاص لها، وكذلك أهل مكة لهم أن يعتمروا من التنعيم أو من غيره، لكن الآفاقيين إنما يعتمرون وهم داخلون إلى مكة. حكم مس الحائض للمصحف السؤال: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل وبدون حائل؟ الجواب: الحائض والمحدث إذا مسوه بحائل لا بأس بذلك. بيان إلى من ينسب ولد الزنا السؤال: امرأة لم تتزوج وحملت بسبب الزنا، ثم نكحت الزاني وهي حبلى، فهل نكاحهما صحيح؟ وإلى من ينسب ولدها؟ الجواب: إذا كان الولد من الزنا فهو ليس ابناً شرعياً، وإنما هو ابن زنا؛ لأن الحمل كان قبل الزواج، وعلى هذا فهو ابن زنا وليس ابناً شرعياً. والمرأة إذا حملت من زنا ثم تزوجها الزاني فلا يعتبر ولداً له وإنما يعتبر ولد زنا؛ لأنه لم يكن في نكاح شرعي، وإنما كان في سفاح، فهو ولد من سفاح وليس من نكاح شرعي، فلا يعتبر ولداً له ما دام أنه كان موجوداً قبل الزواج. وأما النكاح الذي حصل بعد الزنا فالزاني ينكح زانية. الفرق بين النجش والنصيحة السؤال: رجل كان في المكتبة يريد أن يشتري كتاباً، وتعاقد هو والبائع ووافق على شراء الكتاب، ثم جاءه شخص آخر وأخبره أن هناك كتاباً أرخص منه فتحير، فهل وجب عليه الشراء، أم أن هذا من النجش المحرم؟ الجواب: هذا ليس من البيع على بيع أخيه ولا من الشراء على شراء أخيه؛ لأن النجش هو أن يزيد في سلعة لا يريد شراءها، هذا هو النجش، لكن أن يأتي آخر ويخبره بوجود سلعة أرخص وهو لا يزال في خيار المجلس لا بأس بذلك، فكونه أخبره بأنه يوجد في المكان الفلاني أو في المكتبة الفلانية كتاب بسعر أرخص من هذا لا يعتبر نجشاً ولا يعتبر بيعاً على بيع أخيه وإنما هي نصيحة. حكم الصلاة في مسجد خاص بأناس معينين السؤال: هل تجوز الصلاة في مسجد مؤسسة، والمسجد داخل الحائط ومحروس، وإذا كان الإنسان عابر سبيل ولحق به وقت الجمعة، ولم تكن له بطاقة مهنية يرجعوه عن صلاة الجمعة فلم يؤدها، فهل الجمعة تجوز في هذا المسجد؟ الجواب: الجمعة تجوز ما دام أنه مكان خاص بأناس معينين، فإذا كانوا لا يريدون أن أحداً يدخل معهم فيصح التجميع، لكن الإنسان الذي يعرف أن المكان هذا لا يدخله كل واحد وإنما يدخله من هو مرخص له فعليه أن يذهب إلى مكان آخر ولا يذهب إلى المكان الذي فيه منع. وهذا مثل السجن، فالسجن فيه مسجد والناس يصلون فيه، والذي في الخارج لا يستطيع أن يدخل السجن ليصلي؛ لأنه لا يسمح لأناس يدخلون في هذه الدائرة وفي هذه المنطقة، وإنما هو مسجد خاص بجهة معينة، فالصلاة فيه تصح، وأنت إذا أردت الصلاة فعليك أن تبحث لك عن مكان آخر. ولا تصح الجمعة في الصحراء إذا لم يكن فيها استيطان ولا مساكن. نقض الوضوء بمصافحة المرأة الأجنبية السؤال: هل مصافحة المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟ الجواب: لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية، لكن المصافحة ولمس المرأة الأجنبية لا يجوز وهو حرام وفيه إثم، لكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك مذي، فالنقض بسبب الخارج لا بسبب اللمس سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية. ولا أيضاً لمسها من وراء حائل؛ لأن اللمس من وراء حائل يمكن أن يحصل به ما يحصل بدون حائل. والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [031] الحلقة (62) شرح سنن أبي داود [031] جاء في بعض الأحاديث الوضوء مما مست النار، ومن أكل لحوم الإبل، وجاء في أحاديث أخرى ترك الوضوء من ذلك، وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث. ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل شرح حديث الوضوء من لحوم الإبل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها. وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها مأوى الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الوضوء من لحوم الإبل، أي: من أكلها، وأن الإنسان إذا أكلها فإن عليه أن يتوضأ، وذلك للحديث الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها). والحديث دليل على الوضوء من لحم الإبل، وأن من أكل من لحوم الإبل فإن عليه أن يتوضأ، وعليه أن يعيد الوضوء إذا كان قد توضأ وأكل بعد الوضوء؛ لأن أكل لحوم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، كما ثبت في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور عن كثير من المحدثين، وذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الوضوء من لحم الإبل، واستدلوا على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، قالوا: ولحم الإبل مما مسته النار، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لكن الذين قالوا بلزوم الوضوء من لحم الإبل، قالوا: إن ذاك عام، وهذا خاص، فإنه كان في أول الأمر أن الوضوء يكون مما مست النار مطلقاً، وكل شيء مسته النار أو غيرته النار فإنه يتوضأ منه، وبعد ذلك جاء ما ينسخ ذلك، وهو ترك الوضوء مما مست النار؛ لقول جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، فلا يدخل تحت ذلك العموم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: سئل عن هذا فقال: (توضئوا ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا)، وفي بعض الروايات قال: (إن شئتم). فدل هذا على أن الوضوء من أكل لحم الإبل أمر مطلوب وأمر متعين، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهذا المذهب هو الأقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. قوله: [ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضئوا)]. وقد جاء في بعض الروايات: (إن شئتم) وهذا يدلنا على الفرق بين لحوم الإبل وغيرها، فلحوم الإبل هي التي جاء فيها دليل على الوضوء، وأما الغنم فقد جاء الدليل على أنه لا يتوضأ منها، وغيرها سكت عنه، فلا يصار إلى الوضوء منه إلا بدليل، والدليل إنما دل على الوضوء من لحم الإبل فقط، أما غيرها فإنه لم يأت دليل يدل عليه، والأصل هو ما جاء عن جابر قال: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) يعني: من غير لحوم الإبل، وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن لحوم الإبل قال: (توضئوا منها، ولما سئل عن لحم الغنم قال: لا تتوضئوا منها). وهذا التفريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يرشد إلى مسألة أخرى وهي فيما يتعلق بالإحسان إلى الأموات في الصدقة عنهم، والحج عنهم، والدعاء لهم، وكذلك قراءة القرآن وإهدائها لهم، فإن بعض أهل العلم الذين قالوا بالجواز مطلقاً قاسوا الذي لم ينص عليه على المنصوص عليه، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصدقة؟ فقال: (تصدق أو تصدقوا) يعني: أن الإنسان يتصدق عن قريبه الميت، وسئل عن الحج فقال للمرأة التي سألته عن الحج: (حجي) ، وسئل أسئلة فأجاب بالإذن، فالذين يقولون بجواز إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمور فأذن فيها، فيقاس عليها قراءة القرآن وإهدائها للأموات؛ لأنه لو سئل عنها لأجاب؛ لأن هذه أمور سئل عنها فأجاب، وتلك لم يسأل عنها ولو سئل لأجاب، وهذا الذي جاء من التفريق بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يدلنا على عدم صحة هذا القول، وأنه قد يسأل عن الشيء فيجاب عنه بجواب، ويسأل عن غيره فيجاب عنه بجواب آخر، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسئل عن الوضوء من لحم الغنم وإنما سئل عن الوضوء من لحم الإبل فقط، فقال: (توضئوا) فهل يقال: إنه لو سئل عن الوضوء من لحم الغنم لقال: توضئوا؟! الجواب: لا يقال هذا؛ لأنه لما سئل أجاب بجواب آخر، فدل هذا على أن ما نص عليه الشارع لا يلحق به ما يشابهه إذا كان يختلف عنه، لاسيما في هذه الأمور التي تتعلق بإضافة شيء للأموات أو إهداء شيء لهم، فإن هذه يقتصر فيها على ما ورد عليه الدليل. والقول بأن هذا مثله ويلحق به ولو سئل لأجاب؛ يدلنا هذا التفريق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل على أن الجواب قد يختلف وليس بلازم أن يتحد، والقول بأنه لو سئل عن الإهداء لأجاب غير صحيح؛ لأن سؤاله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل، وإجابته بالوضوء، وسؤاله عن لحم الغنم وإجابته بعدم الوضوء، يدلنا على التفريق بين الأشياء، وأن المعول في الفرق هو ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفع الأموات بسعي الأحياء ما ورد فيه دليل يصار إليه، وما ورد من دليل فيه خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يصار إليه، ولا يصار إلا إلى ما ورد عليه الدليل من نفع الأموات بسعي الأحياء كالصدقة والصيام كقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)، وكذلك الحج، والعمرة: (حج عن أبيك واعتمر) وهكذا الدعاء. أما الأمور التي لم ترد فلا تلحق بحجة أن هذه أمور سئل عنها، ولم يسأل عن هذه، ولو سئل لأجاب، فقد يسئل ولا يجيب، وقد يجيب بجواب آخر، كما أنه سئل عن الوضوء من لحم الإبل فأجاب بجواب، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فأجاب بجواب آخر غير الجواب الأول. قوله: [ (وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين) ]. المقصود بقوله: (فإنها من الشياطين) يعني: أن الإبل فيها شدة، وفيها غلظة، وفيها نفار، وإذا حصل منها نفور فإنها تؤذي أو تتلف من يكون حولها، ومن يكون معها في معاطنها ومباركها، والمعاطن هي: المبارك التي تختص بها، والتي إذا شربت الماء بركت فيها، يعني: ما حول المكان الذي تشرب منه يقال له: معاطن الإبل، فلو حصل لها شيء ينفرها فإنها تتلف من حولها، وتؤذي من حولها إذا لم تتلفه. ولهذا جاء التفريق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم؛ لأن أصحاب الإبل عندهم الغلظة، وعندهم التكبر، كما جاء في بعض الأحاديث، وأصحاب الغنم عندهم السكينة والهدوء، والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام كانوا يرعون الغنم، وهي ذات سكينة وهدوء، ورعاية الإبل أو الاشتغال بالإبل فيه غلظة وفيه قوة؛ لأن فيها قوة، وفيها قسوة، فصاحبها يكون فيه شبه بها من حيث القسوة، ولهذا فإن أهل الإبل هم أهل الكبر وأهل الخيلاء، بخلاف أهل الغنم فإنهم أهل سكينة وأهل وقار، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذاً: قوله فيها: (فإنها من الشياطين)، أي: أنها فيها من صفات الشياطين، وهي الغلظة والشدة والنفرة، وأنها تؤذي من حولها، ومنهم من يقول: إنها من الشياطين معناه: أن الذي فيه عتو وفيه قوة وفيه غلظة يقال له: شيطان، فما كان من الإبل ومن الإنس والجن والدواب وما حصل منه عتو وإيذاء وما إلى ذلك فإنه يوصف بهذا الوصف ويقال له: شيطان، فقوله: (إنها من الشياطين) يعني: أن عندها الغلظة والشدة والقسوة، وأن كل من عتا من الإنس والجن والدواب يوصف بهذا الوصف. أو أنها ذات نفار، وذات غلظة وجفوة، وأنها إذا حصل منها نفور فإنها تتلف من يكون حولها، وليس ذلك لنجاسة أرواثها وأبوالها فإن أرواثها وأبوالها طاهرة، وكل مأكول اللحم فإن روثه وبوله طاهر، والدليل على ذلك إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للعرانيين بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فلو كانت أبوالها نجسة ما أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرب من الأبوال للاستشفاء؛ لأنه لا يتداوى بحرام، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، وأدخله المسجد، ولا يؤمن من حصول الروث منه وحصول البول منه، فهذا يدل على طهارة بوله وروثه؛ لأنه لا يعرض المسجد لأن يحصل فيه ما ينجسه بأن يدخل فيه شيئاً أبواله نجسه وأرواثه نسجه، بل الأبوال طاهرة والأرواث طاهرة. وأما ما جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أحد أصحابه أن يأتي بثلاثة أحجار فجاء بحجرين وروثة فردها وقال: (إنها رجس)، فهذا المقصود منه أنها تكون من روث ما لا يؤكل لحمه كالحمار، ويقال: إن الروث يكون للحمير والبغال والخيل، ولكن الخيل كما هو معلوم أيضاً مأكول لحمها، فكل مأكول اللحم يكون طاهراً، فيحمل ذلك على أنها روثة حمار، وقد سبق أن ذكرنا أن الروث وإن كان من مأكول اللحم فإنه لا يستنجى به؛ لأن الاستنجاء به تقذير له، وقد جاء أنه طعام لدواب الجن، كما أن العظام لا يستنجى بها؛ لأنها تكون طعاماً للجن. وعلى هذا فإن الحكم بعدم الصلاة بمعاطن الإبل ومباركها لا لنجاسة أبوالها وأرواثها فهي طاهرة، وإنم تراجم رجال إسناد حديث الوضوء من لحوم الإبل قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ] عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله الرازي ]. عبد الله بن عبد الله الرازي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله عنه صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. (لحوم الإبل) بعض أهل العلم يقول: إن كل ما يطلق عليه لحم فإنه يجب الوضوء منه، وبعضهم يستثني من ذلك بعض الأشياء كالكرش والأمعاء ويقول: إن هذه لا يقال لها: لحم، ولكن كما هو معلوم فإنه من باب الأخذ بالحيطة إنما هو في الوضوء من جميع أجزاء الإبل. وأما المرق فإنه لا يقال له: لحم. الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. حدثنا محمد بن العلاء و أيوب بن محمد الرقي و عمرو بن عثمان الحمصي المعنى قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال أيوب و عمرو : وأراه عن أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنحَّ حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ). قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (يعني لم يمس ماءً)، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي (الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) يعني: قد يكون فيه دم، فهل يتوضأ من هذا الفعل أو يغسل؟ أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال: تنح حتى أريك) يعني: أريك كيفية السلخ، ولعله رآه يفصل الجلد من اللحم بالسكين، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة السهلة التي ليس فيها عناء ولا مشقة، (فتنحى الغلام، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده بين اللحم والجلد فدحس بها) يعني: حركها ودفع يديه حتى غاصت إلى الإبط، أي: بدون سكين فما دام أنه يدخل يده ويحركها بين الجلد واللحم فإنه ينفصل الجلد من اللحم، ولا يلحق بالجلد شيء، بل يكون الجلد مستقلاً بنفسه وليس عليه لحم، ويكون اللحم مستقلاً لم يذهب منه شيء، بخلاف الدحس بالسكين فإنه قد يقطع قطعة من الجلد فتكون مع اللحم، وقد يقطع قطعة من اللحم فتكون مع الجلد، وأما هذه الطريقة التي أرشده إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -والتي يعرفها كثير من الناس- فهي أنه يدخل يده ويحركها حتى ينفصل الجلد من اللحم. قوله: [ (فدحس بها حتى توارت إلى الإبط)]. يعني: أن يده دخلت حتى ذهبت إلى مكان بعيد، بسبب هذا الدفع الذي حصل ليده وانفصل بسببها الجلد من اللحم. قوله: [ (ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ)]. يعني: لكونه لمس هذا اللحم، وهذا اللحم إن كان فيه دم، فإن كان نجساً فهو لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى غسل؛ لأن النجاسة لا تحتاج إلى وضوء، فإذا جاءت على جسد الإنسان وهو متوضئ فيزيله وهو باقٍ على وضوئه، وإن كان غير نجس فليس في ذلك إشكال. وذكر في بعض الروايات قال: (يعني: لم يمس ماءً) ولعل ذلك لكونه لم يكن عليها شيء من الدم؛ لأن الغالب أن ما بين الجلد واللحم لا يكون فيه دم، وإنما ينفصل الجلد من اللحم، واليد لا يكون فيها شيء من الدم؛ لأن اللحم لم يقطع حتى يخرج منه شيء من الدم. فمس اللحم النيء لا يتوضأ منه، وكذلك لا تغسل اليد منه، ما دام أنه لم يعلق بها شيء، فإن علق بها شيء فيغسل غسلاً بدون وضوء. وقوله: [ باب: الوضوء من مس اللحم النيء وغسله ] لا أدري، هل يقصد بقوله: (وغسله) أن الإنسان إذا لمسه يتوضأ ويغسل، أو أن المقصود به إذا غسله بماء وحركه بيده فإنه يتوضأ؛ لأنه قد يكون خالطه شيء من الدم، فإذا كان يرجع الضمير إلى اللحم النيء فمعناه: أنه لا يتوضأ منه، لأنه إن كان نجساً فيغسل النجاسة، وإن كان غير نجس فليس هناك أمر يقتضي الوضوء، وكأن الضمير يرجع إلى اللحم، وليس إلى الإنسان. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...) قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ و أيوب بن محمد الرقي ]. أيوب بن محمد الرقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [وعمرو بن عثمان الحمصي ]. عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ المعنى ]. يعني: أن هؤلاء الثلاثة متفقون في المعنى، حتى وإن كان بينهم اختلاف في اللفظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله عندما يذكر عدداً من شيوخه ويكون اللفظ ليس متفقاً، فإنه يقول: المعنى، فهذه الكلمة (المعنى) المقصود بها: أنهم متفقون في المعنى وبينهم اختلاف في الألفاظ. [قالوا: حدثنا مروان بن معاوية ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس أسماء الشيوخ، وهذا نوع من التدليس؛ لأن التدليس ينقسم إلى تدليس الشيوخ، وتدليس الإسناد، وتدليس التسوية. وتدليس الإسناد هو: أن يروي عن شيخه مالم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال). وتدليس التسوية هو: أن يأتي إلى الإسناد الذي يروي فيه شيوخه عن رجال ضعفاء بين ثقات، فيحذف الضعفاء ويسوي الإسناد كأنه ثقات. وتدليس الشيوخ هو: أن يذكر الشخص بغير ما اشتهر به، بأن يذكره بكنيته مع اسم أبيه، أو يذكره باسمه ويحذف اسم أبيه وينسبه إلى جد بعيد من أجداده، فإن هذا فيه توعير للطريق أمام معرفة الشخص، والمضرة منه أنه قد يصير المعروف مجهولاً؛ لأنه يظن أنه شخص غير معروف؛ لأنه ذُكر بغير ما اشتهر به، مع أنه لو ذكر بما اشتهر به لعرف، لكن كونه يذكر بغير ما اشتهر به؛ بأن تكون كنيته غير مشهورة فتذكر كنيته، واسمه مشهور فيحذف، وأبوه غير مشهور فيذكر منسوباً إلى أبيه، فيقال: أبو فلان بن فلان، أو يكون اسمه مشهوراً وكنيته غير مشهورة واسم أبيه أيضاً غير مشهور، فيذكر كنيته أو يذكر اسمه وينسبه إلى جد من أجداده لا يعرف به، كل هذا يسمونه تدليس أسماء الشيوخ. والمضرة التي تنتج من ورائه هو توعير الطريق أمام معرفة الشخص، وقد يظن المعروف مجهولاً؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فمروان بن معاوية قالوا فيه: يدلس أسماء الشيوخ، يعني: أنه معروف بتدليس أسماء الشيوخ. قالوا: وكان الخطيب البغدادي أيضاً يفعل هذا الفعل في كتبه، يعني: يذكر شيخه بألفاظ متعددة، وبصيغ مختلفة. [أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ]. هو هلال بن ميمون الجهني الرملي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد ]. يعني: أنه يروي عن عطاء لا يعلمه إلا عن أبي سعيد ، يعني: أن الشك هو في أبي سعيد ، هل هو عن أبي سعيد أو لا؟ فهلال يروي عن عطاء بن يزيد الليثي قال: لا أعلمه إلا حدثه عن أبي سعيد الخدري . [وقال عمرو و أيوب : وأراه عن أبي سعيد ]. يعني: أظنه عن أبي سعيد ، يعني: أن كلهم غير جازمين بأنه أبو سعيد ، لكن جاء في صحيح ابن حبان الجزم بأنه أبو سعيد ، كما ذكره في عون المعبود، ثم إذا كانت الرواية عن صحابي فجهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول. و أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته أبي سعيد الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (لم يمس ماءً) وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. قوله: (لم يمس ماءً) تفسير لقوله: (لم يتوضأ). وقوله: [ وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. يعني: أن شيخه عمرو بن عثمان الحمصي قال: عن هلال بن ميمون الرملي ، فخالف صاحبيه: أيوب و محمد بن العلاء ؛ فإنهما قالا: أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ، فأيوب و محمد بن العلاء لفظهما: (أخبرنا) وأما عمرو بن عثمان فعبر بـ(عن)، في الرواية عن هلال بن ميمون ولم يعبر بالإخبار. والأمر الثاني: أنه أتى بالرملي وأولئك أتوا بالجهني ، يعني: هذا نسبة إلى بلد، وذاك نسبة إلى قبيلة، فالشيخان الأولان اتفقا في الإتيان وفي لفظ الإخبار، فقد أتيا بلفظ الجهني ، نسبة إلى قبيلته، وأما عمرو بن عثمان فأتى بالرواية عنه بـ(عن)، وأتى بنسبته إلى بلده فقال: الرملي ، هذا هو المقصود من قول أبي داود : (وقال: عن هلال بن ميمون الرملي )، يعني: أنه خالف صاحبيه باثنتين: التعبير بـ(عن) بدل (أخبرنا)، وأتى بالرملي بدل الجهني . [ قال أبو داود : ورواه عبد الواحد بن زياد و أبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد ]. ذكر أبو داود رحمه الله أن بعض الرواة رووه عن عطاء بن يزيد مرسلاً، ولم يذكروا أبا سعيد ، وهذا على تعريف المرسل المشهور، وهو: أن المرسل قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا..، فقد مر بنا أنه يعبر بالمرسل أحياناً بما هو مشهور عند المحدثين وهو هذا، وبالانقطاع يعني: كون الراوي يروي عمن لم يلقه ولم يدركه، أو أدرك عصره ولكنه لم يلقه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، وهذا المعنى العام للمرسل؛ لأن المعنى العام للمرسل أنه ليس مقصوراً على قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهذا الذي في هذا الإسناد هو من قبيل المرسل على المعنى المشهور، وقد سبق رواية إبراهيم التيمي عن عائشة ، وقال أبو داود : (وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً)، يعني: أنه مرسل على الانقطاع، فرواية الراوي عمن لم يسمع منه أو لم يدركه من المرسل بالمعنى العام، وقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، من المرسل على المعنى المشهور عند المحدثين. قوله: [رواه عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو معاوية ]. أبو معاوية مر ذكره. [ عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. هلال وعطاء مر ذكرهما. ترك الوضوء من مس الميتة شرح حديث ترك الوضوء من مس الميتة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك الوضوء من مس الميتة. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسكّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث]. أورد أبو داود رحمه الله: باباً في ترك الوضوء من مس الميتة، يعني: أن الميتة إذا لمسها الإنسان وهو على وضوء فهو باقٍ على وضوئه. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه) يعني: أنهم حوله محيطون به وعلى جانبيه صلى الله عليه وسلم، (فمر بجدي أسك) الأسك قيل: ملتصق الأذنين، وقيل: صغير الأذنين، وهو ميت، فلمسه وأمسك بأذنيه وقال: (أيكم يكون هذا له؟ فقالوا: إنه ليس بمرغوب فيه لو كان حياً فكيف وهو ميت؟)، ثم قال: وساق الحديث؛ لأنه أتى بمحل الشاهد، وترك باقيه؛ لأنه يتعلق بأمور أخرى، فذكره اختصاراً، وفي باقيه قال: (للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي: إذا كان هذا هين عليكم، وهو رخيص عندكم فالدنيا كلها أهون على الله من هذا عليكم، وهذا من كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه لأمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أراد أن يبين حقارة الدنيا، وأنه ليس لها شأن عند الله عز وجل، وإنما المهم هو الآخرة، وأما الدنيا فهي أهون عند الله من هذا الجدي الأسك الذي هو ميت عليهم، ومع ذلك فأذنه صغيرة أو ملتصق الأذنين، والواحد يزهد فيه ولا يحب أن يكون له لو كان حياً، وإنما يحب أن يكون له من نفائس الغنم، وأحسنها منظراً وأكملها. والمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس أذنه، ومضى ولم يتوضأ، فدل هذا على أن لمس الميتة لا ينتقض به الوضوء. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ترك الوضوء من مس الميتة قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال- ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جعفر عن أبيه]. هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وهو يروي عن أبيه، وأبوه هو محمد بن علي بن الحسين ، المشهور بالباقر ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق ولا تنبغي لهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، كما جاء في كتاب الكافي للكليني في جملة أبواب من أبوابه أنه قال: (باب: أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) ثم ساق أحاديث من أحاديثهم التي هي من جنس هذا الباب، وكتاب الكليني الكافي منزلته عند الرافضة كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة. ومن أبوابه أيضاً أنه يقول: (باب: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل!) وهذا معناه: أن الأحاديث التي جاءت عن أبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و أبي هريرة وغيرهم من الصحابة أنها باطلة وأنه لا يعول عليها، ولا يحتج بها -حسب زعمهم-؛ لأنها لم تخرج من عند الأئمة! بل إن القرآن الذي في أيدي الناس جمعه أبو بكر الجمعة الأولى، وجمعه عثمان الجمعة الأخيرة، والمصحف العثماني الموجود بين أيدينا هو من جمع عثمان ، وهو لم يخرج من عند الأئمة الاثني عشر. فأهل السنة والجماعة يوقرون أهل البيت، ويحترمونهم، وينزلونهم منازلهم، فلا يجفون ولا يغلون فيهم، وإنما اعتدال وتوسط. ترك الوضوء مما مست النار شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك الوضوء مما مست النار. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي في ترك الوضوء مما مست النار، يعني: إذا أكل الإنسان من لحم الغنم أو غيرها -روى الإبل- فإنه لا يحتاج إلى وضوء لكونه أكل من ذلك اللحم، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه أمر بالوضوء مما مست النار، وقال: (توضئوا مما مست النار) فيكون المقصود أن هذا كان في أول الأمر، ولكن ذلك نُسخ كما جاء في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني: أن في المسألة حديثين: الأول متقدم، والثاني متأخر، والأول فيه الأمر بالوضوء، والآخر هو الترك. فإذاً: لا يتوضأ مما مست النار إذا لم يكن لحم إبل؛ لأن لحم الإبل جاءت فيه أحاديث تخصه، فهو مستثنى من هذا العموم. و أبو داود رحمه الله بدأ بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، وبعد ذلك أتى بالأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، والإمام مسلم رحمه الله لما ذكر الأحاديث في الوضوء مما مست النار وترك الوضوء بدأ بالأحاديث التي فيها الوضوء، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، قال النووي أو غيره: إن طريقة مسلم أنه عندما يذكر الأحاديث المتعارضة فإنه يبدأ بالأحاديث المنسوخة، ثم يأتي بعدها بالناسخة، والإمام مسلم رحمه الله لا يبوب، ولكنه يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، ويجعلها مع بعض، هذه طريقة مسلم رحمه الله، فإنه يذكر الأحاديث والأسانيد في مكان واحد، وأما التكرار فإنه قليل بالنسبة للأحاديث، وقد أحصاها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في خدمته لصحيح مسلم ، وفي الطبعة التي طبعت بعمل محمد فؤاد عبد الباقي جعل فيها مجلداً خاصاً وهو المجلد الخامس، وكله يتعلق بالفهارس، وقد ذكر الأحاديث التي جاءت في أكثر من موضع، وأظنها تبلغ مائة واثنين وثلاثين موضعاً، هذه هي الأحاديث التي كررها، وإلا فالغالب عليه أنه يجمع الأحاديث في مكان واحد، وهنا أتى مسلم بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مست النار أولاً، ثم عقبها مباشرة بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، فقال النووي أو غيره: إن مسلماً رحمه الله قدم الأحاديث المنسوخة وعقبها بالأحاديث الناسخة. وأبو داود رحمه الله ذكر أحاديث ترك الوضوء ثم أتى بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، لكنه لا يعني أنه يرى الوضوء مما مست النار؛ لأنه هو نفسه روى حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، لكن هذا يدل على أنه ليس عنده هذا المنهج الذي عند مسلم ، وهو تقديم المنسوخ والإتيان بالناسخ وراءه. وقد أورد حديث ابن عباس : (أن النبي أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه أكل لحماً من كتف شاة، (ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فدل هذا على أن أكل ما مست النار من غير الإبل لا يتوضأ منه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة مرّ ذكره. [حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس، الإمام المشهور بإمام دار الهجرة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن سليمان الأنباري المعنى قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة، وقال: ما له تربت يداه؟ وقام يصلي) زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصّه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: صرت ضيفاً عنده، (فأمر بجنب فشوي -يعني: جنب شاة أو ذبيحة- وأخذ الشفرة فجعل يحز لي منها) يعني: لما قدمه أخذ الشفرة -وهي السكين العريضة أو الغليظة- فجعل يحز، يعني: يقطع من الجنب، منها ويعطي للمغيرة ، وهذا دليل على استعمال السكين في قطع اللحم، لاسيما إذا كان حاراً أو كان كثيراً، فكونه يستعمل السكين للحاجة فلا بأس بذلك، فإذا كان المقصود منه أمراً اقتضى هذا فلا بأس باستعمال السكين، وقد جاء في بعض الأحاديث المنع من ذلك، لكنه لم يثبت، ولعل ذلك إن ثبت محمول على من يترفع أو يستكبر، وأنه لا يأكل بيده، ولا يريد أن تمس يده الطعام وإنما يريد أن يقطع بالسكين عند أكله. فاستعمال السكين عند الحاجة لا بأس به، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه خدمة الضيف أيضاً، والتقديم له، وكون المضيف يقطع اللحم، ويجعله في جهة ضيفه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحز للمغيرة ، يعني: يقطع له ويضعه في جانبه. ثم إن مثل هذا العمل يمكن أن يفعله الناس بعضهم ببعض، ولاسيما مع الكبير؛ لأنه جاء عن أنس بن مالك رضي الله أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وكان فيه دباء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تمتد يده إلى شيء فوق الجهة التي يأكل منها، فلما رآه يرغب في الدباء، وأنه يعجبه؛ جعل يأخذ ويلقيه في الجهة التي تليه صلى الله عليه وسلم. فقوله: (يحز لي) فيه دليل على إكرام الضيف فكما يقدم له الطعام أيضاً يقطع ويعطيه ويناوله أو يضع في جهته التي يأكل منها. قوله: [ (فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له تربت يداه؟) ]. يعني: جاء بلال فأعلمه بأن الناس ينتظرون وسيقيم الصلاة، فقال: (ما له تربت يداه؟ وألقى الشفرة)، وقوله: (تربت يداه) هذه كلمة اعتادوا أن يقولوها، وهي من الكلام الذي يجري على الألسنة، مثل: لا والله، وبلى والله، فمثل هذا الكلام لا يحتاج إلى كفارة، وإنما يجرى على الألسنة فلا يؤاخذ به الناس، وهذه أيضاً مثل قولهم: عقرى حلقى، وقولهم: ثكلتك أمك، وتربت يداك، وغير ذلك من الألفاظ التي كانوا يستعملونها وهم لا يريدون مقتضاها ومعناها، وأنهم يدعون على من فعلها. وقوله: (ما له؟) يعني: أعجلنا (فألقاها وقام إلى الصلاة)، قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قدم الطعام وأقيمت الصلاة فإنه يبدأ بالطعام)، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا ترك الطعام وألقى الشفرة ومشى، قالوا: فهذا يحمل على من كان إماماً؛ لأن الناس ينتظرونه، فالأمر بأن يجلس على المائدة ويأكل هو فيما إذا كان مأموماً وهو بحاجة إلى الطعام، لاسيما إذا كان صائماً, والنفس متعلقة بالطعام فإنه قد يشوش. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد أكل، وحصل منه ذلك، سواء كان صائماً أو غير صائم، المهم أنه وُجد منه الأكل، فمنهم من قال: إن هذا يحمل على أنه كان إماماً، والإمام ليس له أن يتأخر عن الناس، بل عليه أن يأتي لكي يصلي بهم، والمأموم هو الذي له أن يجلس ويأكل حتى يفرغ من الطعام. قوله: [ زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) ]. الأنباري هو أحد الشيخين لأبي داود ، زاد أمراً آخر خارجاً عن قضية الأكل أو ترك الوضوء مما مست النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام وصلى ولم يتوضأ، وهذا هو محل الشاهد. وقوله: (وكان شاربي وفى) يعني: قد طال، وكان ينزل عن شفتيه، قال: (فقصه لي على سواك) يعني: أنه وضع السواك على الشفة وقص ما فوق ذلك، وفي لفظ آخر -وهو شك من الراوي-: (أو قال: أقصه لك) يعني: في بعض الروايات: أنه قصه، وفي بعضها: قال: (أقصه لك)، يعني: أنه يستفهم منه أو يستأذنه في أن يقصه له. وهذا يدل على سنة وهي قص الشوارب، وهي من سنن الفطرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر بنا ذلك. تراجم رجال إسناد حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره. [ و محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ المعنى، قالا: حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صخرة جامع بن شداد ]. أبو صخرة جامع بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن عبد الله ]. المغيرة بن عبد الله ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى) ]. قد سبق ذكر بعض الأحاديث التي اشتملت عليها الترجمة، وهي ترك الوضوء مما مست النار. وقد ذكرنا أن أبا داود رحمه الله ذكر الأحاديث التي فيها الترك، ثم ذكر بعدها الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، وأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وعلى هذا فيكون الوضوء مما مست النار قد نُسخ، وأنه لا يحتاج إلى وضوء من أكل ما مسته النار، ولا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل؛ لأنه قد ورد فيها بعض الأحاديث التي تخصها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من أكلها، وأما ما سواها فإنه لا يتوضأ من أكله. وهذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم مسح يده بمسح وصلى ولم يتوضأ)، وهذا كغيره مما تقدم من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل شيئاً مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا إنما هو في غير الإبل كما ذكرنا، وأما الإبل فإن الأكل منها يوجب الوضوء، وفي الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ومسح يده بمسح -أي: بكساء- ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) فدلنا هذا على أن الوضوء مما مست النار ليس لازماً، وأن الوضوء كان أولاً، ثم نسخ إلى الترك كما سيأتي مبيناً في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. تراجم رجال إسناد حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كانت تحته ثم قام فصلى) قوله: [حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سماك ]. هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وفي حديثه عن عكرمة اضطراب، أخرج حديثه البخاري تعلقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهنا يروي عن عكرمة . [ عن عكرمة ]. وهو مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عن ابن عباس هنا لا تؤثر؛ لأنها متفقة مع أحاديث كثيرة، كلها جاءت في ترك الوضوء مما مست النار، فكون رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب فلا يؤثر ذلك على روايته هذه؛ لأن هذه الرواية مطابقة لروايات عديدة ولأحاديث عديدة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الوضوء مما مست النار. [عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها من حيث المعنى. وقوله: (انتهش من كتف) يعني: أكل، وقوله: (ثم صلى ولم يتوضأ) أي: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فهو مثل الذي قبله مما تقدم من الأحاديث. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. وفي بعض النسخ: (انتهس) بالسين المهملة، وهذه النسخة فيها (انتهش)، فقيل: إن أحدها في الأضراس، والثاني في الأسنان. شرح حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء، فتوضأ به ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم لحماً وخبزاً فأكل، ثم دعا بوضوء -وهو الماء الذي يتوضأ به- فتوضأ وصلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، وأكل منه ثم صلى ولم يتوضأ) . وهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكل اللحم توضأ، ثم أكل فضل طعامه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار؛ لأنه أولاً توضأ ثم بعد ذلك ترك الوضوء ولم يتوضأ، ومعلوم أن هذا خاص في غير الإبل كما أسلفت، وحيث إن الإبل قد جاء فيها حديثان عن صحابيين، فيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، وأما الغنم فقال: (إن شئتم) في بعض الروايات، وقال: (لا تتوضئوا) في بعض الروايات. وهنا ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكل لحماً وخبزاً ثم توضأ وصلى، ثم دعا بفضل طعامه، ثم أكل ولم يتوضأ للصلاة) وهذا فيه الدليل على أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار، فيكون ذلك ناسخاً، وقد سبق أن الإمام مسلماً رحمه الله ذكر في كتابه الصحيح الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، وقال النووي في شرحه: إن هذه طريقة مسلم : حيث يبدأ بالأحاديث المنسوخة ثم يعقبها بالأحاديث الناسخة. ثم إن الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد إلى طعامه، وهذا فيه دليل على أن العودة إلى الطعام فيما إذا كان الإنسان بحاجة إليه لا بأس بذلك، وأن الإنسان يمكن أن يأكل ثم يعود إلى الأكل بعد ذلك لاسيما إذا كان قد ترك الأكل لكونه قام إلى الصلاة، فإنه بعد ذلك يعود إلى طعامه ويأكل منه، وهذا الحديث يدلنا على جواز العود إلى الأكل، أو إلى فضل ما أبقاه الإنسان وما أكله من قبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ثم توضأ وصلى، ثم عاد وأكل من فضل طعامه الذي بقي، ثم صلى ولم يتوضأ. تراجم رجال إسناد حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي ]. هو إبراهيم بن الحسن الخثعمي المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا حجاج ]. هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أخبرني محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قال أبو داود : وهذا اختصار من الحديث الأول ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)، والمراد بهذه الجملة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه الوضوء مما مست النار، وحصل منه ترك الوضوء مما مست النار، ولكن الترك هو الأخير، فيكون ناسخاً للأول، وعلى هذا يكون الأخير هو الذي يُعمل به؛ لأنه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الترك ناسخاً للفعل الذي هو الوضوء؛ نسخه كون النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مسته النار؛ لأنه كان يتوضأ أولاً مما مست النار، ثم بعد ذلك ترك الوضوء مما مست النار، إلا لحوم الإبل كما سبق. تراجم رجال إسناد حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قوله: [ حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي ]. موسى بن سهل أبو عمران الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا علي بن عياش ]. علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا شعيب بن أبي حمزة ]. شعيب بن أبي حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر عن جابر ]. محمد بن المنكدر وجابر قد مر ذكرهما. وقوله: [ قال أبو داود : هذا اختصار من الحديث الأول ]. الحديث الأول فيه: أنه أكل ثم دعا بوضوء وتوضأ، ثم بعدما صلى عاد وأكل فضل طعامه، ثم صلى ولم يتوضأ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء أولاً ثم الترك آخراً، والحديث الأخير اختصار له؛ لأن جابر رضي الله عنه يقول: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) يعني: أنه وجد منه الوضوء قبل صلاة الظهر، فإنه أكل ثم توضأ وصلى، وبعد صلاة الظهر أكل بقية طعامه الذي هو لحم وخبز، ثم صلى ولم يتوضأ، فصار الترك هو الآخر. فالحديث الثاني اختصار له؛ لأنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار). شرح حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح : ابن أبي كريمة من خيار المسلمين قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: (لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة، فخرجنا، فمررنا برجل وبُرْمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو سادس ستة في دار رجل، فجاء بلال وآذنه بالصلاة، فخرج ومرّ برجل وبُرْمته على النار، -يعني: يطبخ فيها اللحم- فقال: أطابت بُرْمتك؟) يعني: هل استوى ما فيها وصار صالحاً للأكل؟ فقال: نعم بأمي أنت وأمي، وقوله: (بأمي أنت وأمي) هذا ليس قسم، وإنما هو تفدية، يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، ، هذا هو المقصود من مثل هذه العبارة عندما يقولها الصحابة أو غير الصحابة، وليس المقصود بها القسم؛ لأن القسم لا يكون إلا بالله، ولا يكون بأحد سواه، ولكن ما جاء من هذا القبيل المراد به التفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، قال: (فأخذ بضعة منها فأكل، فجعل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) يعني: إلى حين دخوله في الصلاة وهو يعلكها، أو المقصود أنه ينظر إلى العلك، وأنه متحقق من ذلك، وأنه قد شاهده وعاينه. والمقصود هنا: أنه لم يتوضأ لتلك القطعة من اللحم التي أكلها، فكان الذي دل عليه هو الترك، ولكن الحديث فيه ضعف، وفي معناه شيء من النكارة من جهة أنه كان يعلكها حتى أحرم بالصلاة، لكن معناه من حيث ترك الوضوء مما مست النار قد ثبت في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث جابر وغيره من الأحاديث المتقدمة التي ذكرها أبو داود رحمه الله قبل. تراجم رجال إسناد حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو السرح ]. هو أحمد بن عمرو السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة ]. عبد الملك بن أبي كريمة صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده، وقال فيه أحمد بن أبي السرح : هو من خيار المسلمين، وهذه تزكية وثناء على شيخه ابن أبي كريمة . [حدثني عبيد بن ثمامة المرادي ]. عبيد بن ثمامة المرادي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء ]. عبد الله بن الحارث بن جزء هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [032] الحلقة (63) شرح سنن أبي داود [032] أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما أنضجت النار، وجاء من قوله وفعله نسخ ذلك الأمر مما يدل على عدم الوجوب، ويستثنى من النسخ الوضوء من لحوم الإبل؛ لورود الدليل بذلك. التشديد في الوضوء مما مست النار شرح حديث الوضوء مما أنضجت النار قال رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: أنه لا يترك الوضوء مما مست النار، بل يتوضأ مما مست النار، وفي هذا تشديد في ذلك؛ وأن الأمر يحتاج إلى وضوء، وأنه لا يترك الوضوء مما مست النار، لكن ذكرنا أن في الأحاديث المتقدمة خلاف ذلك، كما في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وأنه لا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل فإنه يتوضأ منها، وغير لحوم الإبل لا يتوضأ منها. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء مما أنضجت النار) أي: يكون الوضوء مما مست النار. تراجم رجال إسناد حديث الوضوء مما أنضجت النار قوله: [حدثنا مسدد عن يحيى ]. مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبو بكر بن حفص ]. هو عبد الله بن حفص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأغر ]. هو أبو مسلم المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحتمل أن يكون سلمان أبا عبد الله المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فيتحقق أيهما هو. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (... توضئوا مما غيرت النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني: ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، فقالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار أو قال: مما مست النار). قال أبو داود : في حديث الزهري : يا ابن أخي! ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، أنه دخل عليها أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة فسقته سويقاً فتمضمض وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقالت له: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار)] ومحل الشاهد: هو الأمر بالوضوء مما مست النار، لكن تقدم أن الأحاديث التي قبله والتي ساقها أبو داود في ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لهذا الحكم الذي هو الوضوء مما مست النار. وهنا قالت: يا ابن أختي! وفي طريق الزهري قالت: يا ابن أخي! قيل: إنها خالته، وعلى هذا فهو ابن أختها، وإن كانت الرواية: يا ابن أخي فإن هذا الأسلوب يقال حتى فيمن ليس بقريب، فيقال له: يا ابن أخي! وهذا من آداب الخطاب، مثلما يقول الإنسان للصغير: يا بني! وهو ليس ابنه، ويقول الصغير للكبير: يا عم! وهو ليس عمه من جهة النسب، فكذلك يقولون: يا ابن أخي! وقد سبق أن مر بنا حديث فيه: (يا ابن أخي!) وهو حديث أبي موسى الأشعري عند أن رأته زوجة ابنه يصغي الإناء للهرة وهي تشرب، فجعلت تنظر إليه كالمتعجبة، فقال: ما تعجبين يا ابنة أخي! وهي ليست بنت أخيه من النسب، ولكنها بعيدة منه، ولكن هذا شيء يطلقونه، فيمكن أن يكون قوله: يا ابن أخي! على طريقتهم في إطلاق مثل هذه العبارة في الخطاب الجميل، وفيما يقوله القائل لمن يخاطبه. تراجم رجال إسناد حديث: (... توضئوا مما غيرت النار) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى يعني: ابن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه]. أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [أنه دخل على أم حبيبة ]. أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها بنت أبي سفيان وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. الوضوء من اللبن شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من اللبن. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) ]. الترجمة السابقة التي فيها ذكر الوضوء المراد به: الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، فهذا هو الوضوء الشرعي، وأما الوضوء اللغوي فهو النظافة والنزاهة، وهنا أورد أبو داود رحمه الله الوضوء من شرب اللبن، وليس المقصود بالوضوء هنا: الوضوء الشرعي، لأنه ما ذكر إلا المضمضة، ولم يذكر الوضوء الذي هو الوضوء الشرعي، فهنا يراد به الوضوء اللغوي؛ لأنه مأخوذ من الوضاءة وهي: النظافة والنزاهة، فهنا لا يراد به الوضوء الشرعي؛ لأنه قد جاء في نفس الحديث ما يبين أن المقصود من ذلك إنما هو النظافة، وهو تنظيف الفم فقط، والأصل أن الألفاظ إذا جاءت في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تحمل على المعاني الشرعية، ويمكن الحمل على المعنى اللغوي حيث لا يمكن الحمل على المعنى الشرعي كما هو هنا؛ لأن الوضوء هنا المقصود به النظافة؛ لأنه تمضمض فقط، والدسومة التي في فمه تمضمض من أجل ذهابها عنه حتى لا يبقى في فمه طعم ودسومة اللبن، فيدخل في الصلاة وهو كذلك. وقوله (الوضوء من شرب اللبن)، يعني: المقصود به الوضوء اللغوي، وليس الوضوء الشرعي. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) يعني: أن سبب الوضوء الذي حصل منه هو: أن له دسماً، يعني: أن هذه المضمضة المقصود منها تنظيف الفم بالماء حتى تذهب الدسومة التي في اللبن عندما شربه الإنسان. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض..) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. الرخصة في عدم الوضوء من اللبن شرح حديث: (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى). قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في كون الإنسان لا يتمضمض، والذي جاء في الحديث السابق من كون الإنسان يتمضمض بعد شرب اللبن ليس بلازم؛ فللإنسان أن يصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. ومن المعلوم أن الوضوء لابد فيه من المضمضة، وقد توجد المضمضة وحدها بدون الوضوء، وهذا هو الوضوء اللغوي، وكونه يتمضمض ليس بلازم، فيمكن للإنسان أن يشرب لبناً ويصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه، وهذا فيه دليل على أن المضمضة ليست بلازمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض وقال: (إن له دسماً)، وإذا وجدت المضمضة فلا شك أنها أحسن؛ لأنها تذهب الدسومة التي قد ينشغل الإنسان بها في صلاته، أو بطعمها في فمه، ولكنه إذا لم يفعل ذلك فإن ذلك سائغ؛ وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهذا. تراجم رجال إسناد حديث (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مطيع بن راشد ]. مطيع بن راشد مقبول، أخرج له أبو داود . [عن توبة العنبري ]. توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. يعني: أن زيد بن الحباب أرشده شعبة إلى أن يروي عن مطيع ، و شعبة معروف في نقده للرجال وكلامه في الرجال، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، فكونه يدله على أن يروي عن هذا الشيخ يدل على منزلته عند شعبة، وأنه أهل أن يروى عنه. الأسئلة حكم أكل اللحم نيئاً السؤال: هل يجوز أكل اللحم نيئاً دون أن يطبخ؟ الجواب: يجوز إذا كان لا يحصل فيه مضرة، فمثلاً: الكبد تؤكل نيئة، وهي لذيذة عند من يأكلها وخاصة كبد الغنم، فإذا كان لا يترتب على أكل اللحم نيئاً مضرة فيجوز. سماع قتادة من يحيى بن يعمر وسماع يحيى بن يعمر من الصحابة السؤال: قال الإمام أحمد بن حنبل : قال شعبة : لم يسمع قتادة من يحيى بن يعمر شيئاً. ذكر ذلك الفسوي في المعرفة والتاريخ، فهل ثبت سماع قتادة من يحيى بن يعمر ؟ وهل سمع يحيى بن يعمر من الصحابة كابن عباس و عمار بن ياسر ، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب: قضية قتادة وسماعه من يحيى بن يعمر ليس عندي فيها علم، وكون يحيى بن يعمر سمع من ابن عباس و عمار بن ياسر لا أدري، لكنه سمع من بعض الصحابة، وهو الذي في أول حديث في مسلم الذي فيه أنه لما تكلم أناس في القدر في البصرة، قال: ذهبنا حاجين أو معتمرين -يعني: يحيى بن يعمر- مع حميد بن عبد الرحمن الحميري، فوجدنا عبد الله بن عمر فاكتنفته، فظننت أن صاحبي يكل الحديث إلي، فقلت له: إنه حصل قبلنا أناس كذا وكذا، فحدثهم بحديث جبريل عن أبيه، وهذا فيه سماع يحيى بن يعمر من ابن عمر . و يحيى بن يعمر ثقة يرسل. حال حديث: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً...) السؤال: هل صحيح أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر : (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً…) كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص؟ الجواب: المشهور عند العلماء الاحتجاج بحديث جابر هذا الذي من طريق محمد المنكدر على نسخ الوضوء مما مست النار، وأن تركه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتج بهذا العلماء، والحديث أخرجه البخاري و الترمذي و النسائي ، لكن العجيب أن في السند هنا عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ، لكن ذكر الحافظ ابن حجر عن الشافعي في التخليص و الشافعي ذكر ذلك في سنن حرملة أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر . وعلى كل: حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)، مروي من طريق محمد بن المنكدر عن جابر ، وهو الذي يحتجون به على نفي الترك للفعل الذي هو الوضوء. حكم من لم يرم الجمرات في اليوم الثالث السؤال: ثلاثة رجال دخلوا في اليوم الثالث من أيام التشريق فلما وجدوا الزحام خافوا وتركوا رمي الجمرات في اليوم الثالث فقط، وسافروا ولم يرموا فما هو الحكم؟ وماذا يفعلون الآن؟ الجواب: إذا لم يرموا فكل واحد عليه فدية، لتركه الرمي، وهي شاة تذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم. حكم قول الإنسان لآخر من أهل الفضل: بأبي أنت وأمي السؤال: هل يجوز قول: بأبي أنت وأمي لأهل الفضل كالعلماء؟ الجواب: لا يصلح أن يقال هذا، وإنما هذا يقال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يستعمله الصحابة ومن بعدهم، يقولون: فداه أبي وأمي، ويخاطبونه ويقولون: فداك أبي وأمي، وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلا أعلم شيئاً يدل عليه، وما سمعت مثل هذه العبارة تستعمل مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مقدم على الأب والأم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، وأما استعمال ذلك في غيره فلا أعلم ما يدل عليه. معنى قوله: (أفلح وأبيه إن صدق) السؤال: ما معنى: (أفلح وأبيه إن صدق)؟ الجواب: قوله: (أفلح وأبيه) هذا قسم، ولكن هذا مما كان في أول الأمر، وقد أجاب عنه العلماء بجوابين: أحدهما: أنه كان هذا في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ، والثاني: أنه مما جرت عليه به ألسنتهم، ولكن الصحيح هو الأول، وهو أنهم كانوا يستعملونه ثم بعد ذلك نسخ. نقض الوضوء بمس الذكر السؤال: هل مس الذكر من غير قصد يفسد الوضوء؟ الجواب: مس الذكر مطلقاً من غير حائل ينقض الوضوء. حدود المدينة النبوية السؤال: ما هي حدود المدينة المنورة؟ وهل الجامعة داخل الحرم؟ الجواب: حدود المدينة هي من عير إلى ثور، ووادي العقيق من الحرم، وما وراءه الله تعالى أعلم هل هو من الحرم أم من غير الحرم؟! وما وراءه هو ما يكون قريباً منه، وليس بعيداً عنه؛ لأن بعض الأماكن مثل الجامعة الإسلامية أقرب ما يكون أنها من المشكوك فيه، يعني: ليست من الحرم البين ولا من الحل البين، ومثل هذا يكون كما قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). حكم الوضوء من غير اللبن السؤال: هل يستحب الوضوء لغير اللبن من المشروبات والمأكولات؟ الجواب: ليس في ذلك وضوء، ولكن إذا كان هناك طعم في الفم فيتمضمض حتى يذهب ذلك الطعم، وأما الوضوء الشرعي فلا، وإنما المضمضة فقط؛ لأنه إذا كان الفم فيه طعم فقد يشغل الإنسان في صلاته، فالأولى أن يتمضمض، وإن لم يتمضمض فلا بأس، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في اللبن مرة تمضمض ومرة لم يتمضمض، يعني: تمضمض في بعض الأحيان، ولم يتمضمض في بعض الأحيان. علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء في ترك الوضوء مما مست النار السؤال: ما علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ؟ الجواب: لعل العلة هي كون الذي رواه مقبولاً ولم يتابع عليه، وأيضاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلوك حتى دخل في الصلاة، وفيه كونه كان يأكل وهو يمشي، وطبعاً أكل الإنسان وهو يمشي إذا كان للحاجة فلا بأس به، لكن الإشكال فيه هو كونه أكل حتى أحرم، ودخل في الصلاة وهو يلوك. معنى قول أبي داود: باب الرخصة في ذلك السؤال: قال أبو داود : باب الرخصة في ذلك، مع أنه لم يرو في الباب الأول حديثاً فيه ذكر الصلاة، فما مراده؟ الجواب: أولاً: ذكر المضمضة بعد شرب اللبن، والمقصود من ذلك الوضوء اللغوي؛ لأنه ليس في الحديث الأول وضوء شرعي، وإنما هو المضمضة فقط، وهو وضوء لغوي، فقوله: الرخصة في ذلك، يعني: في ترك الوضوء اللغوي الذي جاء في الحديث السابق أو في الترجمة السابقة. حكم تكرار النظر إلى المخطوبة السؤال: هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى خطيبته بعد النظرة الأولى التي خطب فيها، بمعنى: هل يكرر ذلك النظر كلما أراد؟ الجواب: الذي يبدو أن النظرة الواحدة كافية، فينظر إليها مرة واحدة؛ لأن تكرار النظر ليس فيه شيء جديد على ما حصل من قبل. حكم قراءة البنات للقرآن على الأستاذ السؤال: هل يجوز لبعض البنات من ذوي الصوت الندي في قراءة القرآن القراءة على الأستاذ من خلال الدائرة التلفزيونية؟ الجواب: إذا كان الأمر يتعلق بالدراسة فلها أن تقرأ. حكم اتصال البنت بأحد أقاربها غير المحارم السؤال: هل يجوز للبنت أن تتصل على أحد أقاربها كابن عمها مثلاً هاتفياً وتسلم عليه، وتقول له: كيف حالك؟ الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأن ابن العم هو أجنبي عنها، فكونها تتصل به وتسلم عليه وهي صغيرة ما ينبغي أن يفعل ذلك، وخاصة بين الشابات والشباب. نقض الوضوء من مس عورة الطفل السؤال: هل لمس الأم لطفلها أو طفلتها لتنظيفه وتغسيله ومس عورته سواء القبل أو الدبر ناقض للوضوء؟ الجواب: نعم، مس القبل سواء كان من الصغير أو الكبير الذكر أو الأنثى كله ناقض للوضوء. حكم القصر في ذي الحليفة لأهل المدينة السؤال: ما حكم قصر الصلاة في ميقات ذي الحليفة وقد اتصل العمران بالمدينة؟ الجواب: إذا اتصل ذو الحليفة بعمران المدينة فلا يجوز أن تقصر الصلاة فيه، وإنما تقصر عند مفارقة العمران والبنيان، لكن هل اتصل الآن، أو أن هناك أماكن متقطعة قبل الوصول إليه؟ هذا يحتاج إلى معرفة الاتصال. أما إذا وجد الاتصال فيعتبر من البلد، ولا يقصر ولا يترخص برخص السفر قبل مغادرة عمران البلد. والرسول صلى الله عليه وسلم قصر فيها لما سافر؛ فإنه لما خرج صلى الظهر أربعاً في مسجده، وصلى العصر هناك ركعتين؛ لأنها كانت بعيدة عن البنيان، فإذا وصل البينان إليها واتصل بها فتكون من المدينة، ولا يقصر الإنسان إلا إذا فارق عمران البلد. حكم من وجد منياً في ثوبه ولم يذكر احتلاماً السؤال: رجل استيقظ من النوم، فوجد منياً في ثوبه، وهو متأكد أنه لم يحتلم فماذا يفعل؟ الجواب: إذا وجد الماء ووجد المني فعليه أن يغتسل؛ وإذا لم يتذكر أنه احتلم في منامه ولم يجد ماءً فليس عليه أن يغتسل؛ لأن العبرة هي بالماء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: (نعم إذا وجدت الماء) يعني: بعد نومها، فإذا وجد الماء وكان متحققاً أنه مني، ولو لم يتذكر احتلاماً فإنه يغتسل، والعكس لو تذكر احتلاماً ولكنه لم يجد ماءً فليس عليه اغتسال. حكم من كان لا يزكي جهلاً ثم علم وتاب السؤال: شخص كان لا يزكي للجهل، فلما علم بفرض الزكاة تاب وأصبح يزكي، ويسأل الآن عما سلف؟ الجواب: يقدر الذي مضى ويزكيه على عدد السنين، ولكن كما هو معلوم المال يزيد وينقص، والزكاة إذا خرجت منه لا تحسب بعد ذلك إذا كان المال باقياً ولا يزيد، كأن يكون لديه مبلغ مودع، ثم أخرجت منه الزكاة في سنة، فإنه ينقص مقدار الزكاة، فالسنة التي بعدها يزكى على الذي بقي بعد الزكاة، وهكذا الذي بعدها ينقص عن السنة التي قبله، ويزكى على ما بقي وهكذا. وقت الانتضاح السؤال: هل يمكن أن يكون الانتضاح قبل الوضوء؟ الجواب: الانتضاح يكون بعد الوضوء، لا يكون قبله؛ لأن الذي ورد أنه يكون بعد الوضوء. حكم الانتضاح السؤال: هل الانتضاح مستحب؟ الجواب: إذا كان الإنسان عنده شيء من الشك فعليه أن يأتي بالانتضاح حتى يسلم من مغبة الوسواس. حكم الساحات التي حول الحرم السؤال: هل الساحات الموجودة حول الحرم تعتبر من الحرم، فيحرم البيع والشراء فيها إلى غير ذلك؟ الجواب: إذا كانت الأسوار قد أقيمت، والأبواب قد ركبت، فإن حكمها حكم الحرم، وتعامل معاملة الحرم، والذي لا يجوز في المسجد لا يجوز فيها؛ لأن حكمها حكم المسجد، ولو كانت مكشوفة غير مغطاة، فما دام أن الجدران والأسوار والأبواب تحيط بتلك الساحات فإنها تعتبر من المسجد، وتعامل معاملة المسجد، لا يجوز فيها بيع ولا شراء ولا إنشاد ضالة، ولا الجلوس للحائض، ولا الجنب، وهكذا كل الأشياء التي تمنع من المسجد تمنع منها؛ لأنها مسجد. حكم إزالة شعر الحاجب إذا طال السؤال: هل يجوز حلق الحاجب أو قصه إذا طال ونزل على العين؟ الجواب: إذا كان قد نزل على العين، وصار منظره ليس بطيب، ويؤثر على العين، وصار طويلاً طولاً فاحشاً فيجوز إزالته، والحاجب ينزل على العين إذا كبر الإنسان، لكن الكلام على كون الشعر يطول طولاً فاحشاً، وأنه ينزل على العين ويسترسل، فإذا وجد شيء من ذلك فلا مانع من أخذه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [033] الحلقة (64) شرح سنن أبي داود [033] أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نام أن يتوضأ؛ لأنه إذا نام العبد استرخت مفاصله واستطلق الوكاء فربما انتقض وضوءه، والنوم ليس ناقضاً للوضوء بنفسه، ولكنه مظنة لحصول الحدث. الوضوء من الدم شرح حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من الدم. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين؛ فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب الوضوء من الدم، أي: هل خروجه يوجب الوضوء أم لا؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤثر خروجه، وبعضهم قال: إذا خرج شيء كثير فإن على الإنسان أن يتوضأ، وهذا مبني على القول بنجاسة الدم وعدم نجاسته، فمن قال: إنه نجس يقول: إنه يتوضأ منه، ومن قال: إنه ليس بنجس يقول: إنه لا يتوضأ منه، ولا يحتاج إلى وضوء، لكن على القول بأنه نجس إذا حصل خروج الدم من جرح أو بأمر يكون الإنسان معذوراً في الصلاة فإنه يكون شبيهاً بمن به سلس البول، وشبيهاً بالمستحاضة، وهؤلاء لهم أن يصلوا على حسب حالهم . أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في قصة خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وسميت غزوة ذات الرقاع لما كانوا عليه من القلة، ولأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق، حتى يسلموا من حر الأرض والحصى والشوك، فسميت ذات الرقاع. وفي تلك الغزوة أصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من الكفار، يعني: أنه قتلها، ولعل ذلك القتل ليس مقصوداً؛ لأن المرأة لا تقتل في الجهاد إلا إذا كانت مقاتلة، أو حصل منها مضرة على المسلمين في معاونتها لأهلها وقومها الكفار، فإذا حصل منها ذلك فإنها تقتل لكونها مقاتلة، فلعل هذه المرأة قتلت خطأً أو أنها كانت معينة لقومها فقتلت، فزوجها حلف ألا ينتهي حتى يهريق دماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما نزلوا في مكان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يكلؤنا؟) يعني: من يرقبنا ويحرسنا؛ لأن الكلأ هو الحفظ، فانتدب لذلك رجلان: أنصاري ومهاجري يعني: استعدا لهذه المهمة، وقاما بها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: (كونا بفم الشعب) يعني: أن المكان الذي يكونان فيه هو فم الشعب، والشعب: هو الطريق بين جبلين، يعني: الفج بين الجبلين، وهو الذي يمكن أن يوصل منه الإنسان إلى ما يريد لسهولة الطريق، فكانا على هذه المهمة، فاضطجع أحدهما، وقام الآخر يصلي، ولعلهما كانا يتناوبان، بحيث يكون أحدهما مستيقظاً والآخر نائماً، فاضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء ذلك الرجل ولما رأى ذلك الشخص الواقف علم أنه ربيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعني: أنه جعل للحراسة ولتنبيههم إذا حصل أمر يخشى منه، فهذا هو المقصود بالربيئة؛ فإن الربيئة هو الذي يشرف من مكان عالٍ أو يرصد باباً أو طريقاً بين جبلين كما حصل لهم في هذه المناسبة وفي هذا الموقف، حيث كانا في فم الشعب الذي يأتي الآتي منه، فلما علم أنه ربيئة رماه بسهم فأصابه، يعني: أصاب ذلك الذي يصلي، فنزع ذلك الأنصاري السهم، واستمر في صلاته، حتى رماه بثانٍ وثالث، وبعد ذلك انتبه المهاجري، وقال له: ألا نبهتني من أول مرة، فقال: كنت أقرأ في سورة فكرهت أن أقطعها، يعني: لم يحب أن يقطعها، بل أحب أن يواصل قراءتها حتى يكملها، وحصل ما حصل. فلما علم الكافر الذي لحق بهم، والذي رمى هذا الأنصاري الذي يصلي أنهم علموا به هرب حتى لا يدركوه. ومحل الشاهد من إيراد القصة: أن هذا الأنصاري كان يصلي في دمائه؛ لأنه نزع السهم، واستمر في الصلاة، ثم نزع الثاني واستمر في الصلاة، ثم نزع السهم الثالث حتى فرغ من صلاته. ولامه ذلك المهاجري الذي كان معه، وقال: ألا نبهتني لما رمى بأول سهم؟ فأخبره بأنه كان مشتغلاً بقراءة سورة، فلم يحب أن يقطع صلاته حتى يكمل السورة التي كان مشتغلاً بقراءتها رضي الله تعالى عنه. والمقصود: أن هذا الرجل صلى في الدم الذي كان يخرج منه، قالوا: فهذا دليل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء ولا يلزم منه طهارة، والذي يقول: إنه ينقض الوضوء يقول: إن الضرورات لها أحوالها، ويمكن للإنسان أن يصلي إذا كان مضطراً ولو كان عليه نجاسة، وهذا على القول بأن الدم نجس. تراجم رجال إسناد حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع) قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني صدقة بن يسار ]. صدقة بن يسار ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقيل بن جابر ]. عقيل بن جابر مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أرجح الأقوال في نجاسة الدم وحكم الصلاة به أما حكم صلاة من به دم ينزف فعند الضرورة فلا إشكال أنه يسوغ للإنسان أن يصلي بدمائه، ولكن حيث لا يكون هناك ضرورة فالاحتياط أن الإنسان يتوضأ، وأما نجاسة الدم فالذي يظهر أنه نجس. الوضوء من النوم شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من النوم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من النوم، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ والجواب: أن فيه تفصيلاً: فالنوم الكثير المستغرق ينقض الوضوء، وليس هو الناقض بذاته ولكنه مظنة للنقض، وأما النوم الذي يكون عن جلوس، أو أن يكون الإنسان قائماً ثم يحصل له النعاس ويخفق رأسه ثم ينتبه، فهذا ليس مظنة لنقض الوضوء. وإنما المظنة هو الذي يكون معه استغراق، ويكون معه تمكن كالمضطجع أو المستند إلى شيء، والذي يغط من الاستغراق في النوم، أو يرى رؤيا في نومته، فهذا هو الذي يكون معه نقض الوضوء، وليس لأن النوم ناقض، ولكن لأنه مظنة النقض، يعني: أنه قد تخرج الريح من الإنسان فينتقض وضوءه بذلك. وأما إذا كان جالساً يخفق رأسه، وإذا خفق رأسه يصحو وينتبه فهذا لا يحصل معه انتقاض الوضوء، والدليل على ذلك ما كان يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونهم كانوا يجلسون ينتظرون الصلاة فتخفق رءوسهم، ثم يقومون ولا يتوضئون. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث: أولها: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل عن صلاة العشاء فأخرها، وكان الناس في انتظاره، قال عبد الله بن عمر فرقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا)، وهنا لم يذكر أنهم لم يتوضئوا، والذي يفهم منه هو إما أن يكون مقصوده أنهم كانوا جالسين، والمقصود بالرقاد هو النعاس وخفقان الرءوس، فهذا أمره واضح لا إشكال فيه، وأما إذا كان مع اضطجاع فإنه لابد من الوضوء، وكونه لم يذكر أنهم لم يتوضئوا لا يدل على عدمه، ولم يأت فيه أنهم لم يتوضئوا والحالة هذه: كونهم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا، يعني: إن لم ينقل أنهم توضئوا فإن ذلك لا يدل على أنهم يصلون بدون وضوء مع الاستغراق في النوم، أما إذا كان المقصود به الإشارة إلى حصول النعاس عن طريق الجلوس فهذا يحصل منهم، فكانت تخفق رءوسهم ويقومون ويصلون ولا يتوضئون؛ لأنهم كانوا جالسين متمكنين، وخفق الرأس غالباً إذا حصل من الجالس سببه أنه نعس، يعني: أنه بمجرد خفق الرأس يصحو وينتبه فإنه حصل له نعاس. أما إذا كان مضطجعاً أو مستنداً أو رأى رؤيا فهذا نوم يحصل معه نقض الوضوء؛ لأنه مظنة لحصول خروج الريح غالباً. والحاصل: أن النوم الذي يكون عن جلوس وعن غير تمكن، ويكون معه خفق الرأس لا ينتقض معه الوضوء، وإذا كان عن طريق اضطجاع أو استناد، أو تمكن في النوم، فإن هذا لابد فيه من الوضوء. قوله: [ (ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. يعني: أن الناس غيركم قد صلوا، وأنتم الذين تنتظرون الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم انتظروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فإنهم صلوا عند أول الوقت، وما حصل لهم ذلك الشغل الذي شغلهم، ومن المعلوم أن الإنسان في صلاة ما انتظر الصلاة، وتأخير صلاة العشاء جاء ما يدل عليه، ولكن إذا كان التأخير يترتب عليه مشقة على الناس، أو حصول النوم عن الصلاة، فإنه تقدم الصلاة في أول وقتها، وإذا كانوا جماعة وهم مع بعضهم، وكان الأمر لا يترتب عليه محظور وأخروا الصلاة بحيث لا يصل إلى نصف الليل فهو أفضل، وتأخيرها إلى نصف الليل لا يجوز؛ لأن هذا هو نهاية الوقت الاختياري، فلا يجوز تأخيرها عن نصف الليل، ولا الوصول إلى نصف الليل؛ لأنه بذلك يكون الإنسان قد أخرجها عن وقتها، وذلك لا يجوز. وإذا كان يترتب على التأخير مضرة على الناس، أو أن الناس ينامون عن الصلاة، فالأفضل هو صلاتها في أول الوقت. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها...) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن عمر ] عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة) وتراجم رجال إسناده قال المصنفر رحمه الله تعالى: [ حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم يعني: من النوم وهم جالسون، فيقومون للصلاة ولا يتوضئون، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يحصل معه انتقاض الوضوء؛ لأن الإنسان منتبه ومتمكن في الجلوس، وإذا حصل منه النعاس خفق رأسه فتنبه، وذهب عنه النوم، فمثل ذلك لا يحصل معه انتقاض وضوء؛ لأنه لا يمكن أن يكون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك بين يديه، وبحضرته صلى الله عليه وسلم، ويصلون بغير وضوء، فدل على أن مثل هذا النوم هو النعاس، وهو لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقضه هو الذي يكون مظنة الحدث، وهو الذي أشرت إليه آنفاً. قوله: [ حدثنا شاذ بن فياض ]. شاذ بن فياض قيل : إن هذا لقبه واسمه هلال ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام الدستوائي ]. هشام بن عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة...) من طريق ثانية [ قال أبو داود زاد فيه شعبة عن قتادة قال: (كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر ]. أورد أبو داود الإشارة إلى طريق أخرى لحديث أنس وفيها: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا ينتظرون) يعني: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه لو كان ذلك الفعل الذي فعلوه لا تصح معه صلاة لأنهم يعتبرون غير متوضئين لنزل الوحي، ولعرفوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) فأضاف ذلك إلى العمل إلى عهد النبوة. فكذلك هنا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا تخفق رءوسهم ثم يصلون، فدل هذا على أن مثل هذا العمل ومثل هذا النوم اليسير الذي يكون عن جلوس في انتظار الصلاة أنه لا يؤثر؛ لأنه ليس مظنة الحدث، وإنما الذي يتوضأ منه هو ما كان مظنة الحدث وهو النوم المستغرق. تراجم رجال إسناد حديث (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء...) من طريق ثانية قوله: [ زاد فيه شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ]. هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (..فقام يناجيه حتى نعس القوم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءاً)]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: (أقيمت الصلاة فقام رجل وقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فوقف معه يسمع منه ويقضي حاجته، حتى نعس الناس) يعني: أنه حصل منهم النعاس وهم جالسون، ثم قاموا، ثم دخل الرسول في الصلاة وصلى بهم، وهذا يدلنا على أن مثل ذلك النعاس الذي يحصل في حال الجلوس لا يؤثر، وأنه لا ينتقض به الوضوء، وكان ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث دليل على أنه يمكن الفصل بين الإقامة والصلاة، وذلك أن الصلاة أقيمت، فجعل الرجل يناجيه حتى حصل النعاس لبعض الصحابة، يعني: أنه مكث مدة وهو يناجيه، فدل ذلك على أن حصول مثل ذلك لا يؤثر، فإذا أقيمت الصلاة وحصل شيء يشغل، أو كان الناس ينتظرون إمامهم، بأن يكون مثلاً عرضت له حاجة أو حصل له شيء، وأراد أن ينتظروه قليلاً فانتظروه، فإن هذا الفصل الذي بين الإقامة والصلاة لا يؤثر. ثم أيضاً فيه رد على من يقول من الحنفية: إذا قال المؤذن في الإقامة: قد قامت الصلاة، يدخل الإمام في الصلاة، فيقول: الله أكبر؛ فهذا الحديث يرد هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقيمت الصلاة ومكثوا مدة ينتظرون دخوله في الصلاة، فلا يكون الدخول في الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، بل السنة أنه يجاب المؤذن عند ذكر الإقامة كما يجاب بالنسبة للأذان، ويصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعى بدعاء الوسيلة؛ لأن ذلك داخل تحت عموم قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة والدعاء بالوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم. فالقول بأنه عندما يقول: قد قامت الصلاة، يقول الإمام: الله أكبر، ويدخل الإمام في الصلاة والمؤذن ما أكمل الإقامة، هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على خلافه من جهة أنهم بعد الإقامة انتظروا حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مناجاة ومحادثة ذلك الشخص الذي كان يحدثه. تراجم رجال إسناد حديث: (...فقام يناجيه حتى نعس القوم...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و داود بن شبيب ]. داود بن شبيب صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا حماد بن سلمة ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات و موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب في طبقة واحدة؛ لأنهما يعتبران شيخين لأبي داود ، ووجود الاثنين وهما من مشايخ أبي داود في طبقة واحدة لا يمنع أن يقال له: رباعي؛ لأنه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن أنس ، وعن داود بن شبيب أيضاً عن حماد عن ثابت عن أنس ، فهو رباعي. فذكر الاثنين فيه لكونهم من الشيوخ لا يقال: إنه خماسي؛ لأن الاثنين في طبقة واحدة، وكل واحد منهم قد أسند الحديث، فهو حديث رباعي يرويه أبو داود عن شيخين من مشايخه. وهو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، وأصحاب الكتب الستة الذين هم: البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . و البخاري هو أكثر أصحاب الكتب الستة ثلاثيات؛ لأن الأحاديث الثلاثية بلغت عنده اثنين وعشرين حديثاً، كلها ثلاثية، ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سوى ثلاثة أشخاص. و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي. و ابن ماجة : عنده خمسة أحاديث ثلاثية، ولكن الخمسة الأحاديث كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف. وأما مسلم فليس عنده ثلاثيات، و أبو داود ليس عنده ثلاثيات، و النسائي ليس عنده ثلاثيات، فمسلم و أبو داود و النسائي أعلى ما عندهم الرباعيات، والذي معنا هو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، فإن أعلى ما يكون عند أبي داود هو أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا الإسناد الذي قبله الذي هو شاذ بن فياض عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك ، هو أيضاً رباعي، ومن أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث: (..إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب ، وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله). قال أبو داود : قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي). وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث (القضاة ثلاثة)، وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ). قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ) يعني: ينفخ في نومه. وقوله: [ (ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ) ]. أي: أنه كان يقوم ويصلي ولا يتوضأ، ولما قال له ابن عباس في ذلك، قال: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) يعني: وذكر بعد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ يعني: أنه تنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يحصل له ما يحصل لغيره. ثم ذكر أن الإشكال فيما يتعلق بقوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)، وقصره عليه، وأن هذا يكون للأمة، وأنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان مضطجعاً، ولكن هذا الحديث منكر، كما قال أبو داود رحمه الله؛ لأن النوم المستغرق سواء كان مضطجعاً أو غير مضطجع ناقض للوضوء، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء عنه شيء من هذا ولم يحصل منه أنه توضأ، فإنه لم ينتقض وضوءه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محفوظ من أن يحصل منه ذلك، ولأنه قد قال: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وهذا من خصائصه التي يتميز بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عن الأمة. فما جاء متعلقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون من خصائصه، يعني: من كونه يحصل منه النوم، ثم يقوم ويصلي؛ لأن عينه تنام ولا ينام قلبه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما قوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)، فهذا منكر، ولا يصح وقد جاء من طريق قتادة عن أبي العالية ، وقال شعبة : لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، يعني: وهذا الحديث ليس منها، فقتادة مدلس، ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، وليس هذا منها، إذاً: فيكون ضعيفاً. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد : (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) ]. يعني: وكان ذلك أدعى لحصول الحدث منه. [ قال أبو داود : قوله: (والوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة ]. قوله: [ وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا ]. أي: لم يذكروا أن الوضوء على من نام مضطجعاً. يعني: أنه أراد أن يميز بين ما جاء في أوله، وما جاء في آخره، يعني: ما جاء في أوله يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وله طرق أخرى، وما جاء في آخره إنما جاء من طريق أبي خالد الدالاني عن قتادة ، و قتادة يرويه عن طريق أبي العالية ، والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث وليس هذا منها، إذاً: فهو ضعيف لا يحتج به. قوله: [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ]. يعني: أن هذا كله يتعلق بأول الحديث، وهو الذي جاء له شواهد وطرق، وأما ما جاء في آخره فهو المنكر، وهو الذي فيه تشريع للأمة، وهو يخالف ما جاء من الأحاديث الأخرى المتعلقة بالنوم، وأنه يكون فيه نقض الوضوء، لأنه مظنة الحدث. قوله: [ وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث: (القضاة ثلاثة) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ) ]. يعني: أن شعبة أشار إلى الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، وليس هذا منها، إذاً: فهو حديث معلول وضعيف؛ لأن قتادة مدلس ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث من تلك الأحاديث الأربعة التي ذكرها شعبة . [ قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. ثم قال أبو داود : إنه ذكر ذلك للإمام أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً لما جاء فيه من كون الوضوء على من نام مضطجعاً، يعني: انتهره في أن يشتغل بمثل ذلك، وأن يلتفت إلى مثل ذلك، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ به، يعني: أنه يأتي بشيء انفرد به عن أصحاب قتادة ، وأيضاً هذا الحديث لم يكن من الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، يعني: ففيه عدة علل: مخالفة أبي خالد لأصحاب قتادة ، وكون قتادة سمع أربعة أحاديث من أبي العالية ، وهذا الحديث مما يرويه قتادة عن أبي العالية ، وهو ليس بواحد من تلك الأحاديث التي تعتبر أنها من مسموعاته، والتي لا تدليس فيها. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين المحدث الناقد الإمام في الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و مسلم وأصحاب السنن. [ و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ حديث يحيى ]. يعني: أنه لما ذكر ثلاثة من شيوخه أخبر بأن اللفظ الموجود إنما هو ليحيى بن معين الذي هو الشيخ الأول. [ عن أبي خالد الدالاني ]. يزيد بن عبد الرحمن الأسدي أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [ عن قتادة ]. قتادة قد مر ذكره. [ عن أبي العالية ]. هو رفيع بن مهران وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية هي: حديث يونس بن متى الحديث الذي يقول فيه الرسول: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى). وحديث ابن عمر في الصلاة قال في عون المعبود: لعله الحديث الذي فيه: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس). وحديث: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار)، وسيأتي. وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ...) وهو يتعلق بالصلاة بعد العصر. شرح حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)، وهذا يدل على أن النوم مظنة الحدث، وليس هو الحدث؛ لأنه لو كان النوم هو الحدث لكان يسيره وقليله سواء، كغيره من النواقض إذا خرج من أحد السبيلين، فإن أي شيء يسير ينتقض به الوضوء، والإنسان إذا أكل لحم جزور قليلاً أو كثيراً ينتقض به الوضوء، ولا يفرق بين القليل والكثير، لكن النوم ليس هو الحدث، وإنما هو مظنة الحدث؛ لأنه لو كان هو الحدث لكان لا فرق بين القليل ولا الكثير، ولكان أي نوم ينتقض به الوضوء. وقوله: (العينان وكاء السه) يعني: كالوكاء، والسه: هو الدبر؛ والإنسان ما دام مستيقظاً وأراد شيء أن يخرج منه فإنه يمنعه ويحبسه؛ لأنه مستيقظ متنبه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: لا يكون عنده علم، وليس عنده شعور وإدراك بحيث إنه يمنع، فإذاً: يحصل الناقض. فقوله: (العينان وكاء السه) يعني: هما كالوكاء الذي يوكى به الوعاء، فهما وكاء للدبر، والإنسان ما دام مستيقظاً فهو متنبه، وعندما يأتي شيء يريد أن يخرج فإنه يحبسه ويمنعه من أن يخرج، فلا يحصل منه الحدث؛ لأنه عنده العلم والشعور لكونه مستيقظاً، أما إذا نام وكان هناك شيء سيخرج فإنه يخرج. وقوله: (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) لأنه مظنة نقض الوضوء غالباً. تراجم رجال إسناد حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ]. حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ في آخرين ]. يعني: ليس هو الذي حدثه وحده، بل معه ناس آخرون لكنه لم يذكرهم أبو داود . [ قالوا: حدثنا بقية ]. هو ابن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الوضين بن عطاء ]. الوضين بن عطاء صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن محفوظ بن علقمة ]. محفوظ بن علقمة صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن عائذ ]. عبد الرحمن بن عائذ ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أبو السبطين رضي الله تعالى وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه بعض أهل العلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
|
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد : .. وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليغسل ذكره وأنثييه). قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه يغسل ذكره وأنثييه، يعني يغسلهما عند خروج المذي، وعرفنا أنه لا يكفي فيه الاستجمار، بل لابد فيه من الغسل. تراجم رجال إسناد حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زهير ]. هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام بن عروة ]. وهو ثقة ربما دلّس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن علي بن أبي طالب قال للمقداد ]. هو المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وقد مر ذكره. [قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ورواه ابن إسحاق عن هشام عن أبيه، عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي ] يعني: أنه من مسند علي لا أنه مسند المقداد . شرح حديث علي: (قلت للمقداد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قلت للمقداد فذكر بمعناه. قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر (أنثييه) ]. قوله: [فذكر بمعناه]: أي: معنى الحديث المتقدم، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة. تراجم رجال إسناد حديث علي: (قلت للمقداد) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن أبيه ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وأبوه هو مسلمة بن قعنب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ]. عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ، أبوه عروة حدثه عن علي . [قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب ]. وهذا فيه أن الحديث من مسند علي ، يعني: أن عروة يرويه عن علي رضي الله تعالى عنه. والثوري مر ذكره، و ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ورواه ابن إسحاق ] هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد ]. وقد مرّ ذكرهم. [عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر (أنثييه_. ووجه غسل الأنثيين وإن لم يصبهما المذي؛ لأن الأنثيين لهما دخل في إفراز المني والمذي، فغسلهما مع الذكر فيه تعويض لهما عما حصل من الكسل بسبب ذلك الانتشار والانقباض الذي بعده، وأيضاً: لما قد يكون علق بهما من النجاسة التي هي من المذي. شرح حديث (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، وقصته مثل قصة علي ، فقد كان يلقى من المذي شدة، وكان يكثر من الاغتسال مثل ما كان يفعل علي ، ولعلهما كانا يظنان أن هذا يوجب الغسل؛ لأنه متعلق بالشهوة، ومتعلق بخروج شيء، قال: (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء) يعني: يكفيك أن تتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى أن تغتسل، قال: (قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) يعني: تأخذ ماء في كفك، وترش به على المكان الذي ترى أن المذي قد أصابه، ويكفيك ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...) قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم ]. هو ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره، و سعيد بن عبيد بن السباق ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سهل بن حنيف ]. سهل بن حنيف هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وهو ممن تأثر وتألم كثيراً بسبب إبرام الصلح مع قريش، وكان مع علي في صفين، ولما طلب أهل الشام التحكيم كان بعض أصحاب علي يرون المواصلة والاستمرار في القتال، وكان سهل رضي الله عنه يرى أن توقف الحرب، وأن يكف الناس عن القتال، وكان يقول للذين يرون المواصلة: يا أيها الناس! اتهموا الرأي. يعني: اتهموا هذا الرأي الذي ترونه من مواصلة الحرب، ثم ذكر قصة صلح الحديبية وما حصل من كونهم رأوا رأياً وظنوا أنه الحق، ثم تبين لهم أن الحق على خلافه. شرح حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية -يعني: ابن صالح - عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، والمقصود بقوله: (الماء يكون بعد الماء) أي: المذي؛ لأن المذي يأتي شيئاً فشيئاً، ويأخذ له وقت، وقد يغسله الإنسان في أول الأمر ويخرج منه شيء بعد ذلك، بخلاف المني فإنه يخرج بشهوة وبدفق وينقطع بعد وقت وجيز، وأما المذي فإنه يستمر في الخروج ويتكرر، وقد يبادر الإنسان إلى غسله ثم يخرج منه بعد غسله، فالمذي هو الماء بعد الماء، يعني المذي بعد المذي، لكونه يمذي ثم يغسله ثم يأتي المذي مرة أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الحكم فيه أنه يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة. والحديث فيه اختصار؛ لأنه لم يذكر ما يوجب الغسل، ولكنه ذكر الذي لا يوجب الغسل وهو المذي. تراجم رجال إسناد حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...) قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي، ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معاوية يعني: ابن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [عن العلاء بن الحارث ]. وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [عن حرام بن حكيم ]. حرام بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري ]. وهو صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . شرح حديث: (... لك ما فوق الإزار ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان -يعني: ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه رضي الله عنه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار)، وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث ]. حديث عبد الله بن سعد فيه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل له من امرأته فقال: (لك ما فوق الإزار) يعني: أنك تستمتع بها بما فوق الإزار، وذكره في باب المذي؛ لأن الاستمتاع والمباشرة بدون جماع سبب لحصول المذي، هذا هو السبب في إيراد الحديث. والحديث مشتمل على عدة أمور، منها ما تقدم، ومنها ما يتعلق باستمتاع الرجل بأهله في حال الحيض، والحائض يستمتع بها زوجها في غير الفرج، فالفرج لا يجوز إتيانه في حال الحيض، وما عدا ذلك فيمكن الاستمتاع به. قوله: [وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً]. يعني: أنها تؤاكل، ولا يبتعد عنها زوجها أو يطلب منها أن تبتعد عن الناس في حال حيضها، بل تؤاكل وتضاجع ولكن لا يجامعها زوجها في حال الحيض في فرجها، ويجوز الاستمتاع بها في غير الفرج، وكذا مؤاكلتها ومضاجعتها وكل شيء إلا الجماع. وهذا فيه وسطية دين الإسلام بين ما عند اليهود وما عند النصارى، فإن اليهود عندهم التشدد في عدم مؤاكلتها ومضاجعتها، والنصارى عندهم العكس، وهو وطؤها في حال الحيض، فهؤلاء متشددون، وهؤلاء مفرّطون، والإسلام وسط بين هذا وهذا، ليس فيه الابتعاد كما يحصل من تشدد اليهود، وليس فيه التفريط كما يحصل من فعل النصارى، فهي تؤاكل وتضاجع، ولكن لا تجامَع، والحق وسط بين الطرفين المتناقضين. تراجم رجال إسناد حديث: (... لك ما فوق الإزار ...) قوله: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار ]. وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [حدثنا مروان يعني: ابن محمد ]. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا الهيثم بن حميد]. وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه ]. وقد مرّ ذكر الثلاثة. شرح حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش -وهو ابن عبد الله - عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي -قال هشام : وهو ابن قرط أمير حمص- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل). قال أبو داود : وليس هو -يعني: الحديث- بالقوي ]. هذا الحديث مثل الحديث المتقدم عن عبد الله بن سعد عندما سأل عما يحل له، فقال: (ما فوق الإزار)، وهنا الجواب مثله إلا أنه قال: (والتعفف أفضل). وهذه الجملة الأخيرة فيها شيء من جهة أن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوت ما فوق الإزار، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يستمتع بأهله في حال الحيض، وذلك فيما فوق الإزار، وذكر التعفف يخالف ما جاء من فعله وإرشاده صلى الله عليه وسلم، فهذه اللفظة غير مستقيمة، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله قال عن هذا الحديث: ليس بالقوي. وقيل: إن السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ ، وقيل أيضاً: إن بقية بن الوليد الذي في الإسناد كثير التدليس على الضعفاء، وقد روى الحديث بالعنعنة. ومناسبة الحديث في باب المذي من جهة أن المباشرة يحصل بها خروج المذي. تراجم رجال إسناد حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل) قوله: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني ]. هشام بن عبد الملك اليزني صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا بقية بن الوليد ]. بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن سعد الأغطش ]. هو سعد بن عبد الله الأغطش، وهو لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. [عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ]. عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن. قال هشام وهو ابن قرط أمير حمص]. وهذا زيادة تعريف له. [عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه علل: فيه الأغطش وهو لين الحديث، وفيه بقية ، وفيه عبد الرحمن بن عائذ، فهو لم يسمع من معاذ ، لكن قوله: (ما فوق الإزار) هذا ثابت من طرق متعددة، ومن أحاديث مختلفة، ومنها الحديث المتقدم، وهو حديث عبد الله بن سعد ، وأيضاً ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر إحدى زوجاته وهي حائض فتأتزر ثم يباشرها. وكل شيء يحل للرجل من زوجته الحائض إلا الفرج، فإذا وضع شيء يمنع الوصول إلى الفرج فكل شيء منها يمكن الاستمتاع به ولو كان تحت الإزار، لكن الإنسان الذي يخشى على نفسه أن يقع في المحظور يبتعد. الأسئلة سفر المرأة لطلب العلم السؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر من أجل طلب العلم حيث لا تجد حلقة علم في منطقتها؟ الجواب: تحصيل العلم في هذا الزمان صار متيسراً بحيث أن المرأة وغير المرأة يستطيعان طلبه في أماكنهما، عن طريق الأشرطة، وعن طريق إذاعة القرآن الكريم، وعن طريق الكتب النافعة، فمن يريد أن يحصل العلم فهو يحصله بدون سفر. سكن المرأة بعيداً عن أسرتها بدون محرم السؤال: هل يجوز للطالبة أن تسكن بعيداً عن أسرتها بدون محرم؟ الجواب: إذا كان لا يخشى عليها ضرر من سكناها في مكان بعيد فلا بأس بذلك، لكن إذا كان أسرتها موجودين وإياها في بلد واحد فينبغي لها أن تكون معهم، وإذا كان عندها أولاد وسكنها معهم فيه مشقة عليهم، وعندها مكان هي وأولادها، فلا بأس من بقائها وحدها. سفر المرأة بدون محرم مع امرأة أخرى معها محرم السؤال: هل للمرأة أن تسافر بدون محرم بصحبة امرأة أخرى ذات محرم؟ الجواب: المحرم الذي معهما هو لتلك المرأة، وأما هي فليس لها محرم، والمرأة ليست محرماً للمرأة، بل محرمها هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، هذا هو محرم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، والمرأة ليس لها أن تسافر مع امرأة ذات محرم؛ لأن محرم المرأة ليس محرماً للمرأة الأخرى، وإنما يجوز لها أن تسافر مع وجود محرم لها هي. تأجيل بعض المهر إلى أجل غير معلوم السؤال: ما حكم تأجيل بعض المهر الشرعي إلى أجل غير معلوم كالطلاق مثلاً؟ الجواب: إذا كان محدداً عند الطلاق فوجوده مثل عدمه، وماذا تستفيد منه؟! والناس قد يتخذون مثل هذا من أجل الربط، وهذا غير مستقيم. لكن كونه يكون مؤجلاً وليس محدداً، بل على حسب التيسر فلا بأس، وليس بلازم أن يقول: إنه يحل في الوقت الفلاني، وإنما يكون مؤجلاً متى ما تيسر له. حكم الصلاة في الثوب المتنجس إذا جفت النجاسة السؤال: إذا كانت النجاسة جافة في فراش، فهل يصلح للمصلي أن يصلي على هذا الفراش؟ الجواب: الفراش إذا كان متنجساً فلا يصلي عليه أحد إلا إذا غسل، حتى ولو كان جافاً؛ لأن من شروط صحة الصلاة: الطهارة في البدن والثوب والبقعة. فإذا كانت الأرض نجسة -ولو كانت جافة- لا يصلي عليها، وإنما تغسل الأرض حتى تطهر، ثم يصلى عليها بعد ذلك. أما أن يعلم أن هذا المكان متنجس ثم يأتي ويصلي فوقه إذا كان جافاً، فليس له أن يصلي عليه. والذي سبق أن مر معنا هو أن يمشي ويطأ على مكان متنجس ورجله جافة، والأرض يابسة، وما علق بالرجل شيء؛ فلا يلزم غسلها، وأما كونه يصلي فوق المكان المتنجس إذا كان جافاً فلا يجوز هذا. حكم تعليق الآيات القرآنية من باب الحرز السؤال: ما حكم تعليق الآيات القرآنية لدفع الشر وجلب الخير؟ الجواب: لا يجوز ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له). مكان العقل من جسد الإنسان السؤال: أين العقل من جسد الإنسان؟ وهل يعقل الإنسان بقلبه أو بمخه؟ الجواب: العقل في القلب قال الله: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، فأضاف العقل إلى القلوب، لكن لا شك أن له اتصالاً بالدماغ، بحيث إنه عندما يحصل خلل في الدماغ يتأثر العقل، والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [035] الحلقة (66) شرح سنن أبي داود [035] كان الحكم في أول الإسلام أنه لا يجب الاغتسال من الجماع إلا إذا أنزل المني، وكان ذلك رخصة، ثم نسخ ذلك الحكم بوجوب الغسل من الإيلاج ولو من غير إنزال. ويجوز للرجل معاودة الوطء بدون وضوء ولا اغتسال، فإن توضأ فهو أفضل، وإن اغتسل فهو أفضل وأكمل. ما جاء في الإكسال شرح حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أخبره أن أبي بن كعب رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك). قال أبو داود : يعني (الماء من الماء) ]. هذا أول باب من أبواب الغسل، والإمام أبو داود رحمه الله جعل كل ما يتعلق بالطهارة من وضوء وغسل وحيض وتيمم داخل تحت كتاب الطهارة، ثم يأتي بعده كتاب الصلاة. والبخاري رحمه الله قسم هذا الكتاب إلى كتب، فإنه جعل الكتب في الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والحيض والتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. والإمام أبو داود رحمه الله جعلها كلها كتاباً واحداً باسم كتاب الطهارة؛ لأن الوضوء طهارة صغرى، فهو رفع الحدث الأصغر، والغسل من الجنابة طهارة؛ لأن فيه رفع الحدث الأكبر، والغسل من الحيض وأحكام الحيض وما إلى ذلك طهارة، والتيمم الذي يحل محل هذه الأمور حيث لا يوجد الماء أو لا يقدر على استعماله مع وجوده طهارة؛ لأنه يرفع كل الأحداث المتقدمة، ففيه الطهارة لمن أراد أن يرفع الحدث الأصغر، وفيه الطهارة من الجنابة، وفيه الطهارة من الحيض، لأن التيمم بدل من الاغتسال، فهو ينوب منابه ويقوم مقامه كما يقوم مقام الوضوء. وقد بدأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى بالأبواب المتعلقة بالجنابة وما يتعلق بأحكامها والاغتسال منها، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالحيض، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. قوله: [باب الإكسال] الإكسال هو: كون الإنسان يجامع ولا ينزل، يعني: يحصل عنده كسل وفتور بعد النشاط فلا يحصل إنزال، هذا هو الإكسال. وقد جاءت السنة في أول الأمر على أنهم لا يغتسلون منه، وإنما الاغتسال من الإنزال فقط، وكان ذلك رخصة في أول الأمر، ثم بعد ذلك جاء الأمر بالاغتسال وإن لم يحصل إنزال، فإذا حصل إيلاج وحصل التقاء الختانين فإنه يتعين الغسل وإن لم ينزل، فكان الحكم آخراً هو أن الإكسال لا بد معه من الاغتسال، وأن الترخيص بعدم الاغتسال إنما كان في أول الأمر ثم بعد ذلك نهوا عن العمل بالشيء الذي كان مرخصاً لهم من قبل. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه كان ذلك -والمشار إليه حديث: (إنما الماء من الماء)- في أول الأمر، يعني: كانوا لا يغتسلون من الإكسال، وإنما يغتسلون من نزول الماء، الذي هو المني، ثم نسخ ذلك، وأمروا بالاغتسال، ونهوا عن الشيء الذي كانوا عليه من قبل وهو ترك الاغتسال لعدم الإنزال، فصار الحكم المستقر أنه يجب الاغتسال سواء أنزل أو لم ينزل ما دام أنه حصل الجماع وحصل التقاء الختانين. هذا إذا حصل الإيلاج وحصل التقاء الختانين، وقد جاء في حديث أبي هذا أنه كان رخصة في بدء الإسلام لقلة الثياب، وفي نسخة: (لقلة الثبات) وقوله: لقلة الثياب. عليه عامة النسخ، والأمر فيه خفاء؛ لأن ترك الاغتسال لقلة الثياب تعليل غير واضح، لكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يقال: إنهم كانوا في حاجة، وكانوا في أول الأمر ليس عندهم شيء، وكان الواحد منهم يكون له ثوب واحد إذا اتسخ غسله وأعاده على نفسه، وقل فيهم من يكون له الثوبان حتى يعاقب بينهما، فلو ألزموا بالاغتسال في كل مرة ففي ذلك مشقة عليهم؛ لأن الواحد ليس عنده إلا ثوب واحد، وليس عنده ثياب متعددة لقلة ذات اليد. قيل: لعل هذا هو الوجه، لكن تعليل ترك الاغتسال مع عدم الإنزال بهذا التعليل غير واضح. وأما على النسخة التي فيها: (لعدم الثبات) فالأمر واضح من جهة أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان الإيمان ما استقر في قلوبهم وما تمكن في أنفسهم، فمن باب التخفيف عليهم والتسهيل لم يلزمهم بالغسل إذا لم يحصل إنزال، ولكنه بعد ذلك ألزم به، وصار من الأحكام المستقرة الثابتة التي لابد منها. ومن المعلوم أنه في أول الأمر كان التشريع يأتي على التدرج في بعض الأمور التي كانوا قد اعتادوها كالخمر، فإنها حرمت عليهم بالتدريج، وكالصيام فإنه وجب عليهم بالتخيير حتى استقر الأمر على وجوب صيام شهر رمضان. إذاً: في أول الإسلام رخص لهم هذه الرخصة، وبعد ذلك انتهت هذه الرخصة وحلت محلها العزيمة التي هي وجوب الاغتسال إذا حصل إيلاج سواء حصل إنزال أم لا، والغسل من الإنزال متعين ولو لم يحصل إيلاج، فمجرد خروج المني دفقاً بلذة يوجب الغسل، ولكن الكلام فيما يتعلق بالجماع والتقاء الختانين ثم لا يحصل إنزال. وقد ذهب إلى البقاء على الحكم الأول بعض الصحابة؛ وذلك لأنه لم يبلغهم النسخ، ولكنه نقل عنهم الرجوع عن ذلك بعد أن بلغهم، وكذلك جاء عن بعض التابعين، والجمهور على أن الاغتسال واجب ولازم مع الإكسال، وأنه لابد منه أنزل أو لم ينزل. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ...) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عمرو يعني ابن الحارث ]. وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: حدثني بعض من أرضى]. هنا أبهم الشخص مع التعديل والتوثيق؛ لأنه ما قال: حدثني رجل، وإنما قال: حدثني بعض من أرضى، وهذا إبهام مع التوثيق والتعديل، وهذا عند المحدثين من قبيل المبهم، وإذا علم زال الإشكال، وأما إذا لم يعلم فإنه لا يعول عليه؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، لكن ذكر بعض أهل العلم أن الرجل المبهم هو أبو حازم سلمة بن دينار وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن سهل بن سعد الساعدي أخبره]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، وقد قال بعض أهل العلم: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا سهل بن سعد الساعدي و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما. [أن أبي بن كعب أخبره] وهو الصحابي المشهور الذي جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن) قال: وسماني! قال: نعم، فبكى أبي رضي الله تعالى عنه)، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب رضي الله عنه أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (كانت الفتيا التي كانوا يفتون بها أن الماء من الماء في أول الإسلام، ثم أمروا بالاغتسال فيما بعد). يعني أن الأمر الأول كان رخصة، وأنهم كانوا يفتون بذلك بناء على تلك الرخصة، وبعد ذلك انتهت الرخصة وجاءت العزيمة وصار الاغتسال متحتماً من الإنزال وعدم الإنزال. تراجم رجال إسناد حديث (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة) قوله: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي ]. وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [حدثنا مبشر الحلبي ]. مبشر بن إسماعيل الحلبي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد أبي غسان ]. وهو محمد بن مطرف كنيته أبو غسان ، واسم أبيه مطرف ، وفي التعليق: أن في بعض النسخ محمد بن أبي غسان والصواب ما ذكر في الكتاب بدون ذكر ابن؛ لأن كنيته أبو غسان ، وأبوه مطرف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي حازم ]. وهو سلمة بن دينار الذي أبهمه الزهري في الإسناد السابق، ولو لم يعرف المبهم فإن وجود هذه الطريق الأخرى التي فيها تسمية جميع الرواة كاف في صحة الرواية السابقة، وإنما الإشكال لو لم يأت الحديث إلا من طريق ذلك المجهول الذي قيل فيه: (حدثني بعض من أرضى)، أما إذا جاء طريق آخر متصل فيكون شاهداً أو متابعاً لذلك الطريق الذي فيه ذلك الرجل المبهم، فالرجل المبهم هو أبو حازم كما قال ذلك بعض أهل العلم، وأيضاً جاء طريق آخر فيه تسمية أبي حازم في الرواية عن سهل بن سعد في هذا الحديث. [عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب ]. سهل وأبي قد مر ذكرهما . شرح حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي حدثنا هشام و شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قعد) أي: الرجل (بين شعبها الأربع، وألزق الختان الختان؛ فقد وجب الغسل) وفي رواية لمسلم : (وإن لم ينزل). وهنا قال: (فقد وجب الغسل) يعني: بمجرد حصول ذلك، ولم يذكر أن هناك إنزالاً، وقد جاء التنصيص في صحيح مسلم على أنه وإن لم ينزل فقد وجب الغسل، وهذا هو الناسخ لحديث: (إنما الماء من الماء) والذي كان رخصة في أول الأمر، ثم جاءت بعده العزيمة، وهي وجوب الاغتسال من الجماع إذا حصل التقاء الختان بالختان، وإن لم يحصل إنزال. قوله: (إذا جلس بين شعبها)] قيل: المراد: بين اليدين والرجلين ثم شرع في قضاء حاجته وما يريده من الجماع فإنه يجب عليه أن يغتسل والحالة هذه وإن لم يحصل إنزال. قوله: [(وألزق الختان بالختان)] فيه دليل على مشروعية الختان للرجل والمرأة، فالختان يكون للرجل ويكون للمرأة؛ لأنه قال: (ألزق الختان بالختان)، وفي بعض الروايات: (إذا التقى الختانان) يعني: ختان الرجل وختان المرأة، وهذا دليل على أن الختان يكون للرجل ويكون للمرأة إلا أنه واجب في حق الرجل ومستحب في حق المرأة, وليس بواجب. فإذا جلس بين شعبها ثم جهدها فقد وجب الغسل. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ...) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشام ]. هشام بن أبي عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي رافع]. عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير المدني الذي يروي عن أبي هريرة ، فهو ليس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو رافع الصائغ المدني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. شرح حديث: (الماء من الماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)، وكان أبو سلمة يفعل ذلك ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري : (الماء من الماء)، والمقصود من ذلك ما كان ثابتاً في أول الأمر من أن الاغتسال إنما يكون بسبب الإنزال؛ لأن قوله: (الماء) الأول المقصود به ماء الاغتسال، فهو يجب (من الماء) الذي هو المني، فمعنى: (الماء من الماء) أن الاغتسال إنما يكون عند نزول الماء الذي هو المني. وقد جاء عن ابن عباس أن المقصود من قوله: (الماء من الماء) ما يحصل في النوم من الجماع لا يترتب عليه حكم إلا إذا وجد إنزال، أي: الاغتسال بسبب الاحتلام لا يكون إلا مع الإنزال، فلو رأى أنه جامع وتحقق في منامه أن المجامعة وجدت لكنه قام ولم يجد ماءً فلا غسل عليه، وهذا صحيح، فالعبرة بوجود المني. فابن عباس قال: إن هذا المراد بقوله: (الماء من الماء) وهذا معنى صحيح من جهة أن الحكم مستقر على أنه لابد من الاغتسال بعد الجماع سواء حصل إنزال أو لم يحصل إنزال إلا في حال النوم فإنه إذا رأى أنه جامع في المنام فلا يتعين عليه اغتسال إلا إذا وجد الماء، كما جاء في حديث المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء). قوله: [وكان أبو سلمة يفعل ذلك] يعني: كان يرى ما يقتضيه هذا الحديث الذي هو: (الماء من الماء) وهو من التابعين الذين كانوا يرون أن الاغتسال إنما يكون مع وجود الماء، ولعل عذر من جاء عنه ذلك أنه لم يبلغه الحديث الناسخ الذي دل على خلاف ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (الماء من الماء) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. مر ذكر الأولين، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري ]. عن أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجنب يعود إلى الجماع شرح حديث : (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يعود. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد). قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، و معمر عن قتادة عن أنس، و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يعود. يعني: إذا جامع ثم أراد العود إلى الجماع، هذا هو المقصود بالترجمة. يعني: أن له أن يعود وإن لم يحصل هناك اغتسال من الجماع الأول، فيمكن أن يجامع عدة مرات في غسل واحد، ولا يلزمه أن يغتسل لكل مرة، وسواء كان له امرأة أو أكثر من امرأة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد، ومن المعلوم أن كونه يطوف على نسائه في غسل واحد معناه تكرر الجماع بدون اغتسال بين كل جماعين، وهذا معناه أنه حصل العود، وهذا العود كان مع أكثر من واحدة، والعود جائز سواء كان مع الزوجة الواحدة أو مع غيرها، كله يقال له: عود إلى الجماع، ومن المعلوم أن العود مع الواحدة نفسها أو مع غيرها كل ذلك سائغ، وإن لم يحصل اغتسال. ولكن إذا وجد الاغتسال فلا شك أنه أكمل، وإذا لم يوجد الاغتسال ووجد الوضوء بين ذلك فلا شك أنه أكمل، وكل ذلك سائغ. وفي هذا الحديث ما كان عليه الصلاة والسلام من القوة التي أعطاه الله، حيث كان يدور على نسائه بغسل واحد، وكن إحدى عشرة زوجة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن. قال بعض أهل العلم: فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم بين زوجاته؛ لأنه دار عليهن، ومن المعلوم أن النوبة كانت لواحدة منهن، فكونه يدور عليهن مع أن النوبة لواحدة منهن دليل على عدم وجوب القسم عليه، وقد قال بهذا بعض أهل العلم. وقال بعضهم: إن القسم واجب عليه، وكان يقسم عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون دورانه عليهن وطوافه بهن ومجامعته لهن بإذن صاحبة النوبة كما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أن يمرض في بيت عائشة بدلاً من أن يأتي إلى كل واحدة في ليلتها، فبقي في بيت عائشة وكانت تأتي إليه بقية الزوجات ويجلسن معه ويزرنه صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا من هذا القبيل، يعني: أنه كان برضاهن أو أنه كان بعد انتهاء النوبات عليهن، فحصل أنه دار عليهن ثم بدأ بصاحبة النوبة بعد أن أكمل الدوران عليهن في كل يوم وليلة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد) قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد ]. مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا إسماعيل ]. وهو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حميد الطويل ]. حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس ]. أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الاسناد من رباعيات أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. [قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ]. هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و معمر عن قتادة عن أنس ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة مر ذكره. عن أنس مر ذكره. [و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري ]. صالح بن أبي الأخضر ضعيف يعتبر به، يعني: ضعفه يسير يعتبر به، ولا يحتج به إذا انفرد، ولكنه يستأنس به ويعتبر به، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة. والزهري قد مر ذكره. [كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: بهذا اللفظ الذي سبق أن مر وأنه طاف على نسائه في غسل واحد. الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لمن أراد أن يعود. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟! قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر). قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي الوضوء لمن أراد أن يعود. يعني: إذا أراد أن يعود إلى الجماع مع الزوجة الواحدة أو مع أكثر من زوجة فإن عليه أن يتوضأ أو يغتسل، والغسل لاشك أنه أكمل. وقد أورد أبو داود رحمه الله الحديث وفيه الاغتسال وليس فيه ذكر الوضوء، بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) يعني: كل واحدة يغتسل عندها ثم يذهب إلى غيرها ويجامعها، فيغتسل عند كل واحدة. فقال له أبو رافع: (ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطهر وأطيب) يعني: كونه يغتسل بعد كل جماع أزكى وأطيب وأطهر. وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في بعض المرات، وفي بعض الأحيان طاف عليهن في غسل واحد، فلا تنافي بين الحديثين، وهذا يدل على جواز الأمرين، ويدل على أن الأفضل الاغتسال بعد كل جماع؛ لأن أبا رافع لما سأله قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) يعني: أنه أكمل وأولى، ولكن ذاك الذي فعله في حديث أنس يدل على جوازه، وأن للأمة أن تفعل مثل ذلك، وأنه لا بأس به، ولكنه إذا حصل الاغتسال مع كل جماع فهو أولى وأكمل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) فدل على جواز هذا وهذا، وأن الاغتسال أفضل. والمصنف ذكر في الترجمة الوضوء، وما ذكر في الحديث الوضوء؛ لأن الاغتسال مشتمل على وضوء؛ لأن رفع الحدث الأكبر يرفع الأصغر، وعندما يريد الجنب أن يغتسل يتوضأ أو ينوي أن يرفع الحدثين، فمعناه أن الاغتسال معه وضوء، فيكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ وإن ذكر في الترجمة الوضوء وفي الحديث الاغتسال؛ وذلك لأن الاغتسال يكون معه وضوء. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ًو مسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الرحمن بن أبي رافع ]. وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن. [عن عمته سلمى ]. وهي مقبولة أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن أبي رافع ]. عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا ]. ليس المقصود بهذا تضعيف الحديث، وإنما بيان أن ذاك أصح من هذا، ولاشك أنه أصح؛ لأن رجاله يتميزون على رجال الثاني، ولكن هذا ليس تضعيفاً للحديث الثاني، فإن ما جاء في هذا سائغ، وما جاء في ذلك الحديث سائغ، وحديث: (دار على النساء في غسل واحد) أصح، ورواته أتقن، والحديث الثاني حسن أو صحيح، ولكن الاغتسال بين كل جماعين لاشك أنه أكمل وأفضل. شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري، وفيه مطابقة للترجمة. ومعنى قوله: (ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) يعني: بين الجماعين، وسواء أراد العود مع زوجته الواحدة أو غيرها من زوجاته، فكونه يتوضأ لا شك أنه أكمل، والاغتسال أكمل من الوضوء، وإن عاود من غير وضوء ولا اغتسال فإن ذلك سائغ. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...) قوله: [حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عاصم الأحول ]. عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي المتوكل ]. أبو المتوكل الناجي وهو علي بن داود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري ]. عن أبو سعيد الخدري وقد مر ذكره. الأسئلة معنى حديث: (إذا التقى الختانان ...) السؤال: قوله: (إذا التقى الختانان ...) هل هو على ظاهره؟ الجواب: لا، ليس على ظاهره، فلو حصل أنه مسه بدون إيلاج لا يترتب على ذلك وجوب الغسل، وما دام لم ينزل فلا يجب الغسل، فالحكم للإنزال. معنى قوله: (وألزق الختان الختان) السؤال: ما معنى قوله: (وألزق الختان الختان)؟ الجواب: هو بمعنى التقاء الختانين؛ لأنه لا يحصل التقاء الختانين إلا إذا غابت الحشفة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [036] الحلقة (67) شرح سنن أبي داود [036] للجنب أحكام خاصة به. منها ما يتعلق بمعاودته للجماع، ومنها ما يتعلق بنومه وأكله وشربه، ومنها ما يتعلق بقراءته للقرآن ودخوله المسجد، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين هذه الأحكام. ما يشرع لمن أراد النوم وهو جنب شرح حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب ينام. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الجنب ينام يعني: دون أن يغتسل، وأورد حديث عبد الله بن عمر أن عمر ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة، وقيل: إن المقصود بذلك عبد الله بن عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك) المقصود: أنه يجمع بينهما، وليس المقصود من ذلك الترتيب؛ لأن الواو لا تفيد الترتيب، وإنما المقصود أنه يغسل ذكره ثم يتوضأ، ولا يتوضأ ثم يغسل ذكره، وإنما يكون الوضوء بعد غسل الذكر، فالواو لا تفيد الترتيب، وإنما هي لمطلق المقارنة؛ فإن غسل الذكر مقدم على الوضوء؛ لأن غسل الذكر لإزالة ما علق به من آثار الجماع، والوضوء: هو فعل أركان الوضوء ابتداءً بغسل الوجه وانتهاءً بغسل الرجلين. فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أراد أن ينام أن يغسل ذكره ويتوضأ وإن لم يغتسل، وهذا الوضوء عند جمهور أهل العلم مستحب وليس بواجب، والأكمل للجنب إذا أراد أن ينام الاغتسال، وإذا لم يحصل اغتسال فيليه الوضوء، وإذا لم يحصل الاغتسال ولا الوضوء فيليه أن يغسل ذكره فقط، ويزيل الآثار التي علقت به، وله أن ينام دون أن تحصل منه هذه الأمور كلها. تراجم رجال إسناد حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن الاستفتاء من عمر لأجل ابنه أي: عبد الله هو الذي كانت تصيبه الجنابة، مثل قضية الطلاق عندما طلق زوجته فأخبره عمر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها). وهذا الحديث من مسند ابن عمر أو من مسند عمر و ابن عمر يروي عن أبيه على اعتبار أنه هو الذي باشر السؤال. ما يشرع لمن أراد الأكل وهو جنب شرح طريقي حديث عائشة فيما كان يفعله النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجنب يأكل. حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة). حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ]. قال أبو داود رحمه الله: باب الجنب يأكل. يعني: أن له أن يأكل، وكونه يتوضأ أو يغسل يديه هذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، وهذا أكمل وأتم، وإذا أكل أو شرب دون أن يتوضأ ودون أن يغسل يديه فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) قوله: [حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد ]. تقدم ذكر مسدد و قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ؛ لأنه إذا جاء لفظ (سفيان) غير منسوب، ويروي عنه قتيبة و مسدد ، ويروي هو عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ]. الزهري و أبو سلمةوقد مر ذكرهما، وأما عائشة فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ]. يعني: مثلما تقدم من حيث الإسناد والمعنى، أي: أن الجنب يغسل يديه عندما يريد أن يأكل. وغسل اليد قبل الطعام مستحب إذا كانت وسخة، وأما إذا كانت غير وسخة أو يريد الإنسان أن يشرب من الإناء فلا بأس بذلك، لكن إذا كانت اليد فيها قذر فينظفها الإنسان، ولا يستعملها وهي قذرة. زيادة الأكل في حديث الوضوء عند النوم للجنب [قال أبو داود ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك ، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة ، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ]. قوله: [فجعل قصة الأكل عن عائشة مقصوراً] يعني: اقتصر على ذكر قصة الأكل، وما ذكر قصة النوم؛ لأن الحديث الذي تقدم عن الزهري فيه أكل ونوم، وهذه الرواية الأخيرة التي فيها عبد الله بن وهب عن الزهري فيها ذكر الأكل مقتصراً عليه، وليس فيها ذكر النوم، والترجمة تتعلق بالأكل، وأما النوم فسبق أن عقد له ترجمة تخصه. ورواه صالح بن أبي الأخضر -وقد مر ذكره- عن الزهري كما قال ابن المبارك يعني: فيما يتعلق بذكر الجمع بين الأكل والنوم إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة يعني: شك بين هذا وهذا، وكل منهما ثقة، وكل منهما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، إلا أن أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو عروة ، والثاني مختلف فيه وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ، يعني: مرسلاً، بالجملتين والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. من قال يتوضأ الجنب شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يتوضأ الجنب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ. تعني: وهو جنب) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من قال: يتوضأ الجنب. يعني: إذا أراد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، وقد سبق أن مر أن الجنب ينام، وأنه يشرع له أن ينام وهو متوضئ، والمقصود من ذلك أن له أن يؤخر الغسل، ويكتفي بالوضوء إلى وقت الغسل، وذلك لتخفيف الجنابة لا لزوال الجنابة، ولحصول النظافة والطهارة في الجملة فيما يتعلق بالفرج، وإزالة ما علق به من أثر الجماع، وكذلك غسل الأعضاء. أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ تعني: وهو جنب) عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون جنباً ويريد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، ومن المعلوم أن الوضوء هو الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، إلا أنه فيما يتعلق بالنسبة للأكل فقد جاء في بعض الروايات التي سبق أن مرت ما يدل على أنه كان يغسل يديه فقط عند إرادة الأكل، فيكون المقصود به هنا الوضوء اللغوي، وإذا توضأ الوضوء الشرعي فهو أكمل وأفضل بلا شك، وأما بالنسبة للنوم فإنه يتوضأ الوضوء الشرعي، وذلك لتخفيف الجنابة لا لإزالتها؛ لأنها لا تنتهي إلا بالاغتسال حيث يوجد الماء، وإلا يقوم التيمم مقام الاغتسال إذا عدم الماء أو لم يقدر على استعماله. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...) قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الأسود ]. وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق من أوعية السنة وحفظتها لا سيما فيما يتعلق بالأمور التي تجري بين الرجل وأهل بيته، والأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها وعت وحفظت الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - قال: أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ). قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل. وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ]. أورد أبو داود حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ)، يعني: أنه إذا أراد ذلك فإنه عليه أن يتوضأ، ورخص له أن يتوضأ، وهذا فيه دليل على أن الاغتسال والمبادرة إليه حيث أمكن هو الأولى والأفضل، ولكنه إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب فإنه يتوضأ، وبالنسبة للأكل والشرب إذا اكتفى بغسل اليدين فإن ذلك يكون كافياً، وقد مر الحديث الذي فيه أنه كان إذا أراد أن يأكل غسل يديه، فيكون المراد به الوضوء اللغوي فيما يتعلق بغسل اليدين، وإن توضأ الوضوء الشرعي فإنه يكون أشمل وأفضل. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..) قوله: [حدثنا موسى يعني: ابن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والذي قال: يعني. هو من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يمكن أن يقول هذا الكلام، بل قاله من دونه؛ لأن الراوي ينسب شيخه كما يريد، لكن من دون الراوي هو الذي يحتاج إلى أن يضيف شيئاً، ويأتي بكلمة أو بعبارة تدل على أن ما بعد هذه العبارة أو بعد هذه الكلمة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وقد مرت أمثلة عديدة على أن من دون أبي داود يضيف كلمة: يعني لبيان بعض الأسماء المهملة التي تأتي عند أبي داود باختصار، ولا ينسبها، وإنما يأتي باسم الراوي فقط دون أن ينسبه، ويسمى هذا المهمل، فيأتي من دونه فيقول: يعني. أي: يعني أبو داود في قوله: موسى موسى بن إسماعيل التبوذكي . [حدثنا حماد يعني: ابن سلمة ]. كلمة: يعني: ابن سلمة هذه تحتمل أن تكون من أبي داود أو ممن دون أبي داود بخلاف التي قبلها فإنها لا تحتمل أن تكون من أبي داود وإنما هي ممن دون أبي داود . و حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [أخبرنا عطاء الخراساني ]. عطاء بن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق يهم كثيراً، أخرج حديثه الإمام مسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر وهو ثقة، يرسل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل ]. وهذه العبارة تعني أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث من عمار ، وأنه بينهما واسطة، وهذا يتفق مع ما ذكر عنه أنه ثقة يرسل، فروايته عن عمار بن ياسر في هذا الحديث مرسلة؛ لأن بينه وبينه واسطة. شرح آثار عن الصحابة في وضوء الجنب إذا أراد الأكل [وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن الجميع، وهو: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ. ويحتمل أن يكون مرادهم الوضوء الشرعي، ويحتمل أن يكون الوضوء اللغوي. والحديث المتقدم فيه ضعف، لكن معناه صحيح يشهد له ما تقدم. إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ وإن لم يغتسل، وإن لم يفعل ذلك يصح؛ لأن الوضوء ليس بلازم، وإنما هو مستحب، وسيأتي الحديث الذي فيه أنه كان ينام دون أن يمس ماءً. تأخير الجنب للغسل شرح حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل. حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب الجنب يؤخر الغسل. يعني: أن الغسل لا يلزم على الفور بعد الجنابة مباشرة، فله أن يبقى بدون اغتسال، وليس الغسل واجباً عليه على الفور؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك في الأحاديث المتعددة المتنوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره) يعني: إذا حصل منه الجماع في أول الليل فكان أحياناً يغتسل في أول الليل، وأحياناً يؤخر الغسل إلى آخر الليل. وهذا يدلنا على أن الغسل ليس على الفور، وأنه يمكن أن يؤخر، لكن يستحب مع تأخيره أن يكون الإنسان متوضئاً، فإذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام فإنه يتوضأ على سبيل الاستحباب، فعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم (ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره)، ومحل الشاهد: (ربما اغتسل في آخره)؛ لأن هذا هو تأخير الغسل، يعني: جامع في أول الليل واغتسل في آخر الليل، وهذا يدلنا على جواز تأخير الغسل لكن مع الوضوء حتى يخفف الجنابة، وحتى يزيل الآثار التي حصلت نتيجة الجماع بحيث يكون نظيفاً، وذلك بأن يغسل فرجه ويتوضأ. ثم قال: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أوله، وربما أوتر في آخره) يعني: فعل هذا وهذا. وكذلك أيضاً سألها فقال: (أرأيت الرسول كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟) يعني: في صلاة قيام الليل هل كان يجهر بالقراءة أو كان يسر؟ (قالت: ربما فعل هذا وربما فعل هذا)، يعني: كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت. إذاً: المبادرة بالنسبة للغسل أفضل، والتأخير ما لم يحن وقت الصلاة، وما لم يكن هناك أمر يقتضي الاغتسال سائغ. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ووسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر) ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من أول الليل في بعض الأحيان، وأحياناً من وسط الليل، وأحياناً من آخر الليل، ولكن وتره ينتهي بالسحر، بحيث لا يؤخره عن السحر، ولا يؤخره إلى طلوع الفجر، بل كان يوتر قبل أن يطلع الفجر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والذي ينبغي في مثل هذا أن من عرف من عادته أن يستيقظ آخر الليل فإن الصلاة في آخر الليل ووتره آخر الليل أفضل، ومن خشي ألا يستيقظ وأنه يطلع عليه الفجر قبل أن يوتر فالأفضل في حقه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا هو الذي جاءت الوصية به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أبي هريرة و أبي الدرداء ، فحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام). وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد). وأما بالنسبة للقراءة في قيام الليل فهذا الحديث يدل على أنه كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت، وهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، وأن له أن يجهر، وله أن يخافت في القراءة. وفي كل هذه الأحوال الثلاثة عندما كان يسأل غضيف عائشة وتخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا وفعل هذا كان يقول: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة الله. فكان يكبر عندما سمع أن كل ذلك سائغ، وأن كل ذلك جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه دليل على أن الإنسان عند الأمور السارة التي تعجبه يكبر؛ لأنه بذلك يظهر ما عنده من الفرح والسرور، وفي نفس الوقت يذكر الله عز وجل، فيكون إظهاره ما عنده من الفرح والسرور في أمر مشروع قربة إلى الله، وهو ذكر لله عز وجل، وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا التابعي غضيف اختلف في صحبته، منهم من قال: هو صحابي، ومنهم من قال: تابعي، والصحابة قد جاء عنهم التكبير عند حصول ما يسر، مثل الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟) ففي كل مرة يقول لهم ذلك يقولون: الله أكبر! الله أكبر! وكذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه (لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان قد اعتزلهن وآلى منهن شهراً، جاءه عمر فسأله وقال: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ فقال: لا، ففرح عمر وقال: الله أكبر). فهذا الحديث في تكبير غضيف بن الحارث ، والحديث الذي فيه تكبير عمر رضي الله عنه، والحديث الذي فيه تكبير الصحابة رضي الله عنهم يدلنا على أن المشروع عند الفرح والسرور التكبير وليس التصفيق الذي يستعمل الآن في كثير من الأوقات عند كثير من الناس. قوله: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) فيه السرور وحمد الله عز وجل على أن يسر في شرعه، ولم يكلف الناس أن يغتسلوا بعد الجماع فوراً، فلهم أن يؤخروا الاغتسال، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالوتر في أول الليل وآخره، وكذلك فيما يتعلق بالقراءة جهراً وسراً في صلاة الليل، ففيه حمد الله عز وجل والثناء عليه، والفرح بما حصل من التيسير في هذه الشريعة التي جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...) قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [حدثنا معتمر ]. معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ]. ثم قال: ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد آخر، و أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الكوفي الأسدي وهو المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا برد بن سنان ]. برد بن سنان وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن غضيف بن الحارث ]. غضيف بن الحارث وهو مختلف في صحبته، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [قلت لعائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب) والمقصود أن وجود هذه الثلاثة الأشياء في البيوت من أسباب امتناع دخول الملائكة، والمقصود بالملائكة الذين لا يدخلون ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الموكلون بالكتابة فهم مع الإنسان دائماً، ولا يمتنعون من ملازمته لهذه الأسباب التي جاءت في هذا الحديث. وهذا فيه تنفير من الوقوع في هذه الأمور، والمقصود من ذكر الجنب هنا: الذي يتهاون في أمر الجنابة، ويستخف بها، ولا يهتم بها، بخلاف الذي يؤخرها لأمر طارئ أو يخففها بكونه يتوضأ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون محمولاً على من يتهاون في أمر الجنابة، أما من يؤخرها حيث ساغ له التأخير فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أنه يتوضأ بحيث يكون مخففاً للجنابة، وليس المقصود به أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام أن فيه جنباً مطلقاً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على أنه كان يؤخر الغسل إلى آخر الليل كما سبق أن مر في الحديث السابق، وكونه كان يتوضأ فإن الجنابة لا تزال باقية، ولا تزول إلا بالاغتسال، ولكن الوضوء فيه تخفيف لها. والكلب يستثنى منه الكلاب المأذون فيها، وهي ما كانت للصيد أو للزرع أو للماشية، فهذه مأذون فيها، فلا تمنع من دخول الملائكة. والصورة المقصود بها: الصور التي هي من ذوات الأرواح، وسواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وإذا كان هناك شيء تدعو إليه ضرورة فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية فإن الإنسان يكون معذوراً، أما لغير الضرورة فإن الإنسان يبتعد عن الصور واستعمالها، والاحتفاظ بها مطلقاً، إلا لأمر يقتضي ذلك، ولحاجة أو لضرورة دعت إلى ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...) قوله: [حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج مر ذكره. [عن علي بن مدرك ]. علي بن مدرك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ]. أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن نجي ]. عبد الله بن نجي الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن أبيه]. الشيخ: عن أبيه نجي وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه ضعف من جهة نجي والد عبد الله الذي قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. لكن على فرض صحته يكون معناه كما قال بعض أهل العلم الذي يتهاون في أمر الجنابة بخلاف الذي يبقى على جنابته وهو معذور، فله ذلك أو يخففها بالوضوء كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً). قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب دون أن يمس ماءً)، يعني: أنه ينام دون أن يغتسل، وقيل: أي: لا يمس ماءً لا للوضوء ولا للاغتسال، لكن إطلاقه يدل على شموله للأمرين. وقال بعض أهل العلم: التوفيق بينه وبين ما جاء من الأحاديث الأخرى الدالة على أنه كان يتوضأ أنه فعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز, وليبين أن الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب للاستحباب، وأنه لو لم يتوضأ ونام فإن ذلك سائغ، وليس الاغتسال واجباً، لكنه أكمل، وإذا لم يحصل اغتسال وحصل الوضوء فهو أكمل، وإن حصل غسل الفرج فقط فلا شك أن هذا حسن، وإذا لم يفعل ذلك كله فإنه سائغ، وللإنسان أن ينام دون أن يتوضأ ودون أن يمس ماءً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث تكلم فيه من جهة أبي إسحاق ، وأنه حصل له الوهم فيه، وبعض العلماء صحح الحديث، واستدل به على أن النوم بدون اغتسال وبدون وضوء جائز. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) قوله: [حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و سفيان الثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وتوفي محمد بن كثير سنة مائتين وسبعة وعشرين وعمره تسعون سنة، ولكونه معمراً أدرك من كان متقدماً. [عن أبي إسحاق ]. وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الأسود عن عائشة ]. الأسود وعائشة قد مر ذكرهما. [قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ]. الحسن بن علي الواسطي صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [قال: سمعت يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ]. قراءة الجنب للقرآن شرح حديث: ( ... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي رضي الله عنه وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه -أو قال: يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يقرأ القرآن، والمقصود: هل للجنب أن يقرأ القرآن قبل أن يحصل منه الاغتسال أو ليس له ذلك حتى يغتسل؟ كثير من أهل العلم قالوا: لا يقرأ القرآن وهو جنب لحديث علي هذا، ولبعض الأحاديث الأخرى التي فيها ضعف، لكن بمجموعها يحتج بها على أن الجنب لا يقرأ القرآن، قالوا: والجنابة هي في يد الإنسان، يتخلص منها إن كان الماء موجوداً متى شاء، وإن كان الماء غير موجود فيتيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، وقد جاء حديث آخر فيه ضعف أنه لا يقرأ القرآن جنب أو حائض، يعني: أن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، وفرق بعض أهل العلم بين الجنب والحائض؛ لأن الحائض تطول مدتها، وقد يخشى نسيانها للقرآن، فلها أن تقرأ، وأما الجنب فإن جنابته بيده، ومدتها لا تطول؛ لأن الأمر يرجع إليه إذا أراد أن يتخلص من الجنابة يبادر بالاغتسال إن كان الماء موجوداً وإلا تيمم إن كان الماء غير موجود أو موجوداً ولكنه لا يقدر على استعماله، فإنه يحصل منه التيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، فالتخلص من جنابته بيده، وأما الحيض فالتخلص منه ليس بيد المرأة، فهي محبوسة به، ومتعين عليها أن تبقى حائضاً حتى تطهر منه وتغتسل، فأجاز بعض أهل العلم للحائض أن تقرأ القرآن، ومنع أكثر العلماء الجنب من أن يقرأ القرآن لحديث علي هذا وغيره، ولكون الجنب بيده التخلص من جنابته، وليس كالحائض التي لا تتمكن ولا تستطيع أن تتخلص من حيضها؛ لأنها محبوسة به حتى تطهر منه. قال عبد الله بن سلمة : دخلت أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب. يعني: أظنه من بني أسد، فقوله: إنه من بني أسد هذا ظن منه، وليس يقيناً قال: وكانا علجين يعني: كانا قويين نشيطين وصحتهما جيدة فقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما. يعني: جاهدا واعملا ودافعا عن دينكما بهذه القوة التي أعطاكما الله عز وجل، فاستعملاها في العمل للدين، وفي بيان الدين، وفي الدفاع عن الدين، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه القوة ينبغي أن تصرف فيما يعود على دين المسلم بالخير، وفيما يعود على المسلمين بالخير، ولا تستعمل القوة فيما يعود بالمضرة، وفيما لا يجدي ولا ينفع. وقوله: (إنكما علجان، فعالجا عن دينكما) فيه جناس؛ لأن الفعل متفق مع الاسم علجان عالجا. قوله: [ثم قام فدخل المخرج] يعني: دخل المكان الذي تقضى فيه الحاجة، ثم خرج وطلب ماءً فتمسح به يعني: غسل يديه. قوله: [ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا عليه] أنكروا عليه، فبين لهم أنه لا مانع من ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة، ومعنى هذا أن الحدث الأصغر لا يمنع من قراءة القرآن، فللإنسان أن يقرأ القرآن من حفظه وعليه الحدث الأصغر، ولكنه لا يقرأ من المصحف إذا كان عليه الحدث الأصغر؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، أما من الحفظ فللمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن، ولكنه يمنع من القراءة من المصحف؛ لأنه ممنوع من مس المصحف إلا في حال طهارته. فبين لهم أن هذا الفعل الذي فعله وأنكروه عليه سائغ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم القرآن وهو محدث حدثاً أصغر، وأنه كان يقضي حاجته ويأتي من الخلاء ويقرئهم القرآن، ويأكل معهم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، وهذا محل الشاهد للترجمة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقرأ القرآن، ولا شك أن القول بعدم قراءته هو الأولى والأحوط للإنسان في دينه، لاسيما والإنسان يستطيع أن يتخلص من الجنابة بسهولة ويسر، إن كان الماء موجوداً اغتسل، وإن كان غير موجود تيمم. تراجم رجال إسناد حديث: (... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ]. حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما، وعمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن سلمة ]. عبد الله بن سلمة وهو صدوق تغير حفظه، أخرج حديثه أصحاب السنن. [قال: دخلت على علي ]. علي رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث تكلم فيه من جهة عبد الله بن سلمة هذا، ولكن صححه بعض أهل العلم، وحسنه بعضهم، وهناك أحاديث أخرى بمعناه فيها ضعف، ولكن بمجموعها يقوي بعضها بعضاً، وتدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وإذا أراد أن يقرأ القرآن فإنه يغتسل ويتخلص من الجنابة. مصافحة الجنب شرح حديث: (... إن المسلم لا ينجس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصافح. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس) ]. أورد أبو داود باب الجنب يصافح. يعني: يصافح غيره ويخالط غيره، ولا مانع من ذلك، والمقصود أن مصافحته وملامسته لا بأس بها ولا مانع منها، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث حذيفة أنه كان جنباً، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى إليه يعني: مد يده ليصافح فقال: إني جنب، يعني: أراد أن يبين أنه جنب، وكأنه رأى أن الجنب لا يليق به أن يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن المسلم لا ينجس) يعني: كون الإنسان جنباً لا يمنع من مصافحته ومن ملامسته لغيره، ولا يكون نجساً بحيث يمتنع من ملامسته، بل هو طاهر الجسد، ولكن عليه الحدث الذي يحتاج إلى رفع، وقبل أن يرفع لا مانع من ملامسته ومجالسته ومخالطته، كل ذلك سائغ ولا بأس به، فدل الحديث على أن مصافحة الجنب لا بأس بها. وأيضاً: دل الحديث على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على الابتعاد عن أي شيء يظنون أنه لا يليق باحترامهم وتوقيرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن ذلك سائغ، وجائز، وأن الجنب لا ينجس، والحدث موجود معه وجسمه طاهر، والكافر هو الذي جاء أنه نجس، ولكن نجاسته حكمية، وليست عينية، بحيث إن الإنسان لو لمسه عليه أن يزيل عنه النجاسة، وإنما هي نجاسة حكمية، قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فالمقصود بالنجاسة النجاسة الحكمية. تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المسلم لا ينجس) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو القطان مر ذكره أيضاً. [عن مسعر ]. مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن واصل ]. واصل بن حيان الأحدب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي وائل ]. شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً يأتي باسمه شقيق بن سلمة أو يقال: شقيق فقط، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي وائل . [عن حذيفة ]. حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس). قال: وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وكان جنباً، فانخنس منه يعني: انسل منه بخفية دون أن يستأذنه، ودون أن يشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ذهب، وقد كان معه، فلما لقيه قال له: (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي وبعد ذلك ذهبت دون أن أكون على علم، فأين كنت؟! فقال: إني كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأن على غير طهارة فقال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس). فدل هذا على أن مصافحة الجنب ومخالطته والجلوس معه والمشي معه كل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به. وفيه أيضاً دليل على أن للجنب أن يخرج من بيته؛ لأن أبا هريرة لقيه في بعض طرق المدينة وهو على جنابة، وكذلك في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فهو يشعر بأنه قد خرج، لكن حديث أبي هريرة صريح في أنه قد خرج، وأنه لقيه في بعض طرق المدينة، فهذا يدلنا على أن الجنب له أن يخرج وهو على جنابة من بيته، ولكن كونه يخرج على طهارة لا شك أنه هو الأكمل والأفضل. وفي هذا دليل على احترام أهل الفضل وتوقيرهم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه استحيا أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على جنابة، حتى بين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سائغ، وأن مجالسته وكونه معه لا بأس بها. وفيه أيضاً: أن الإنسان التابع عندما يريد أن يذهب من متبوعه فعليه أن يستأذنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي، ثم انخنست، وهذا فيه إشعار بأنه كان الأولى والذي ينبغي أن يستأذن عند إرادة الانصراف أو عند إرادة المفارقة، فدل على أن هذا من الآداب التي ينبغي أن تكون بين التابع والمتبوع. وفيه ذكر التسبيح عند التعجب؛ لأنه قال: (سبحان الله). تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس) قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر ]. مسدد و يحيى مر ذكرهما بشر هو ابن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حميد ]. حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بكر ]. بكر بن عبد الله المزني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي رافع ]. وهو نفيع الصائغ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين. [قال وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ]. يعني: أن في حديث بشر التحديث عن حميد وعن بكر . الأسئلة قطع المرأة للصلاة السؤال: أشكل علي حديث وهو في الصحيحين من حديث عائشة (أنها ذكر عندها أنه يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة فقالت: لقد شهتمونا بالحمير، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالاً)، فهل المرأة البالغة لا تقطع الصلاة؟ الجواب: هذا الحديث اختلف فيه العلماء على قولين: جمهور العلماء على أن قطع الصلاة إنما هو إنقاص لها، وليس قطعاً لها. وبعض أهل العلم يقول: يقطعها بمعنى أنه يستأنف الصلاة من جديد. وقولها: شبهتمونا بالحمير لكون الحديث فيه الجمع بين المرأة والحمر، لكن هذا الكلام الذي قالوه أسندوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بينت ما كان يجري منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوم يصلي وهي في قبلته، وأنها كانت تنسل. حكم الجمعيات التعاونية بين الموظفين السؤال: هل يجوز أن يجتمع أشخاص على دفع مبلغ معين كل شهر وفي آخره يستلم أحد الأشخاص هذا المبلغ؟ الجواب: هذا فيه شبهة، فإن العلماء في هذا العصر مختلفون فيه، والأولى للإنسان أن يبتعد عنه، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة السؤال: ما حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟ الجواب: يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وليس الأمر مقصوراً عليها، وما جاء من الحديث في ذلك فإنه يكون محمولاً على الاعتكاف الكامل أو الاعتكاف الأفضل، ولا شك أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والاعتكاف فيها أكمل؛ لأنها مساجد الأنبياء، وهي التي يمكن أن يشد الرحل إليها ليعتكف فيها، وأما غيرها فلا يشد الرحل إليها، وللإنسان أن يعتكف في أي مسجد من غير شد رحل، وأما تلك فإنها تشد الرحال إليها، ويمكن للإنسان أن يرحل إليها، فيكون الحصر في ذلك الحديث نسبي وإضافي، وليس حقيقياً بمعنى أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها، بل المعنى: لا اعتكاف أفضل وأكمل إلا في المساجد الثلاثة، مثل ما جاء في الحديث: (إنما الربا في النسيئة)، مع أن الربا يكون في الفضل أيضاً، ولكن المقصود: أن الربا الأشد أو الأعظم في النسيئة، فهو حصر إضافي وليس حقيقياً. وضوء الجنب للمرأة السؤال: هل وضوء الجنب خاص بالرجل أم يشمل الرجل والمرأة؟ الجواب: الحكم واحد، والأصل استواء الحكم للرجال والنساء إلا إذا جاء شيء يدل على أن هذا خاص بالرجال أو أن هذا خاص بالنساء، فيصار إلى الدليل المخصص، وحيث لا دليل على التفريق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي في الأحكام. وهناك كثير من النصوص التي جاءت تفرق بين الرجال والنساء، لكن الأصل هو عدم التفريق، وعندما يوجد دليل التفريق يصار إليه، ويخرج عن الأصل بناءً على هذا الدليل. تعيين ليلة القدر السؤال: هل ثبتت ليلة القدر في ليلة من الليالي؟ الجواب: ما ثبتت في ليلة معينة بحيث تكون فيها ولا تتعداها إلى غيرها، لكن ثبت أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها محصورة في العشر، والله تعالى أعلم في أي ليلة من العشر، والإنسان إذا اجتهد في العشر كلها يدركها إن شاء الله. حكم الاحتفال بليلة القدر السؤال: ما حكم الاحتفال بليلة القدر؟ الجواب: هي غير معلومة حتى يقال: إنها تخص بشيء، لكن كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحة ويجتهد في العبادة في الليالي العشر التي هي واحدة منها لا شك أن هذا مطلوب، وقد جاء في السنة ما يدل عليه من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن قوله، حيث أرشد إلى تحري الليالي العشر بالعبادة، وكان الصحابة يجتهدون في العبادة في العشر الأواخر من أجل الثواب من الله عز وجل، ورجاء تحصيلها وإدراكها. وأما قضية الاحتفالات سواء كانت رسمية أو غير رسمية فهي من الأمور المحدثة. تعظيم شهر رجب السؤال: ما نصيحتك للذين يعظمون شهر رجب، بل بعضهم يجعله أفضل من رمضان؟ الجواب: الإنسان يعظم ويفضل بناءً على الدليل، ولم يأت دليل يدل على تخصيص شهر رجب بشيء إلا أنه من الأشهر الحرم، وما سوى ذلك لم يثبت فيه شيء يخصه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإنسان لا يخصه بشيء. وأما كون الإنسان يفضله على رمضان فالإنسان لا يفضل إلا بدليل؛ لأن التفضيل من الأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا عن طريق الدليل؛ لأن كون هذا أفضل من هذا، وهذا أفضل من هذا العلم عند الله عز وجل، والله تعالى أعلم بأن هذا أفضل أو أن هذا أفضل بالنسبة للمكان وبالنسبة للزمان وبالنسبة للأشخاص، فإذا وجد الدليل يصار إلى الدليل سواء في الأشخاص أو في الأمكنة أو في الأزمنة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [037] الحلقة (68) شرح سنن أبي داود [037] لقد جاء النهي عن أن يدخل الجنب والحائض المسجد إلا أن يكونا مارين لحاجة، وبالنسبة للحائض يشترط في مرورها لحاجة ألا تلوث المسجد، وإذا صلى الجنب بالناس ناسياً فإنه يخرج من الصلاة إن ذكر في أثنائها ويستنيب من يصلي بالناس إن كان يشق عليهم انتظاره، ومن وجد بللاً ولم يذكر احتلاماً فإنه يغتسل، ومن احتلم ولم يجد بللاً فلا غسل عليه، ويجزئ في الغسل صاع ونصف. حكم دخول الجنب والحائض المسجد شرح حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يدخل المسجد. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأفلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). قال أبو داود : هو فليت العامري ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب في الجنب لا يدخل المسجد. المقصود حكم دخول الجنب المسجد، والحكم في هذا هو أن الجنب لا يدخل المسجد، إلا إذا كان ماراً وعابر سبيل فإنه يجوز له ذلك، وأما أن يمكث في المسجد ويبقى في المسجد فإنه لا يجوز له ذلك؛ لقول الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، فهذه الآية الكريمة تدل على أن الجنب ليس له أن يدخل المسجد، وإنما له أن يمر مروراً إذا احتاج إلى ذلك، أما أن يمكث فيه فإن ذلك لا يجوز. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والبيوت كانت مشرعة إلى المسجد) يعني: لها أبواب إلى المسجد، فأمر عليه الصلاة والسلام أن تصرف هذه الأبواب إلى جهة أخرى بحيث لا يكون دخولها أو الوصول إليها من طريق المسجد، وإنما يكون من طرق أخرى أو من مكان آخر خارج المسجد، ثم إنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رأى أن الأمر على ما هو عليه، وأنه لم يحصل التحويل الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كما جاء في الحديث لم يفعلوا ذلك رجاء أن تحصل لهم رخصة، وأن يبقى الأمر على ما هو عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد كلامه السابق وقال: (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، ومن المعلوم أن أبواب البيوت إذا كانت من جهة المسجد، والطريق إليها من المسجد؛ فإنه يحصل الدخول والمرور، ولكن إذا كانت أبوابها إلى جهة أخرى فلا يكون هناك سبيل إلى تطرق المسجد والدخول فيه، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى المرور في المسجد فقد جاء نص القرآن في جواز ذلك، قال الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، ومثل الجنب الحائض لا تمكث في المسجد، ولها أن تمر في المسجد لكن بشرط أن يؤمن التلويث، بحيث لا يتساقط منها دم يقع في المسجد، فإذا احتاجت إلى المرور ولم يكن هناك محذور في مرورها وأمنت التلويث، فإن لها أن تمر إذا احتاجت إلى المرور في المسجد، ولم تجد بداً من ذلك، أما المكث فليس لها أن تمكث ولو أمنت التلويث مثل الجنب، ومما يدل على اعتزال الحيض المساجد وعدم مكثهن في المساجد ما جاء في حديث أم عطية في صلاة العيد قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى الصلاة، وأمرهن أن يعتزلن المصلى)، بمعنى أنهن لا يمكثن في مكان الصلاة، وإنما يكن في ناحية غير المكان الذي تصلى فيه صلاة العيد، وهذا يدل على أن الحائض ليس لها أن تمكث في المسجد، وليس لها أن تبقى في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتزل مصلى العيد، فالمسجد من باب أولى، ولكن المرور لأمر يقتضيه يجوز. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد ابن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأفلت بن خليفة ]. هو الأفلت بن خليفة العامري ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة ]. جسرة بنت دجاجة وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [قالت: سمعت عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده جسرة وهي مقبولة. [قال أبو داود : هو فليت العامري ]. يعني: يأتي أفلت ويأتي فليت ، فأراد أن يبين أنه يسمى بهذا ويسمى بهذا، وأنه لا تنافي بين اللفظين، إذا جاء أفلت في موضع وجاء فليت في موضع ما يقال: هذا شخص آخر أو هذا غير هذا، بل هذا هو هذا. وهذا الحديث يحتمل أنه نفس الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب ما عدا باب أبي بكر ، فأمروا بسد الأبواب واستثني من ذلك باب أبي بكر )، ويحتمل أنه غيره، والظاهر أنه هو هذا وأن القصة واحدة. صلاة الجنب بالقوم وهو ناس شرح الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه وقال في أوله: (فكبر وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر وإني كنت جنباً). قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم). قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل). وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة). قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد (عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه كبر). أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. هذه الترجمة معقودة في كون الإمام يصلي وهو جنب نسياناً، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق النسيان؛ لأن الطهارة لابد منها من الحدث الأكبر والأصغر. في الترجمة بيان الحكم فيما إذا صلى الإمام بالناس وهو جنب، فإذا علم بذلك بعد أن فرغ من الصلاة فإن عليه أن يعيد وليس عليهم إعادة؛ لأنهم أدوا ما عليهم وهم عملوا بالظاهر، والباطن لا علم لهم به، وإذا فسدت صلاة الإمام لأمر يخصه فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة، وما دام أنه صلى بهم جنباً ناسياً وهم لا يعلمون عدم رفع الحدث منه فإن صلاتهم تكون صحيحة، وقد جاء عن عمر أنه صلى بالناس ثم إنه أخبرهم بأنه صلى وعليه جنابة، وأنه أعاد الصلاة ولم يأمرهم بالإعادة. وأما إذا تذكر أنه جنب أثناء الصلاة فقد جاء في حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أنه كبر ثم أشار إليهم مكانكم، ثم ذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر وصلى بهم). ففي في هذا الحديث أنه دخل في الصلاة ثم قطع الصلاة وأمرهم أن يبقوا مكانهم، ثم رجع وصلى بهم، ومقتضى هذا أنهم لا يزالون في صلاتهم، وأنه رجع وكبر وواصل بهم، ولكن جاء في بعض الروايات التي ذكرها أبو داود وهي في الصحيحين: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ولما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فأمرهم أن يمكثوا، وذهب واغتسل وجاء ثم دخل المسجد وصلى بهم)، فالذي في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل في الصلاة وإنما قارب أن يكبر فتذكر أنه على جنابة، فأمر الناس أن يمكثوا وذهب واغتسل وجاء وصلى بهم الصلاة من أولها. فمن العلماء من قال: ما في الصحيحين هو المقدم، ويحمل قوله: دخل في الصلاة على أنه كاد أن يدخل في الصلاة أو قرب أو أراد أن يدخل في الصلاة؛ حتى يوافق ما في الصحيحين. ومنهم من قال: يحتمل أن تكون قصتين وأن تكون واقعتين، وأن الذي في الصحيحين قصة، وأن الذي في هذا الحديث قصة أخرى، ومعنى هذا أن ذلك سائغ وهذا سائغ، ولكن الذي في الصحيحين لا شك أنه هو الواضح ولا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، وإن صح أنه كبر بالفعل فهي قصة أخرى، أو أنه لم يكبر ولكنه كاد أن يكبر فتكون مطابقة للحديث الذي جاء في الصحيحين. والذي يبدو أنه إذا أكمل الصلاة وهو جنب فإن صلاة المؤتمين صحيحة، وعليه أن يغتسل ويعيدها، وإذا ذكر في أثنائها فيقطعها ويعيد الصلاة من جديد، ويستأنف بهم الصلاة. والأحاديث التي وردت في هذا فيها إشكال من ناحية الإسناد، وأما الحديث الذي في الصحيحين وأنه لم يدخل في الصلاة وإنما كاد أن يدخل، فتذكر واغتسل ورجع وصلى بهم، فيحتمل أن تكون القصة واحدة، وتكون رواية راجحة وأخرى مرجوحة، أو أن يكون المقصود أنه قارب أن يكبر ولكنه لم يكبر، فالاحتياط في ذلك أن الإنسان يقطع الصلاة ويستأنف الصلاة بهم. تراجم رجال أسانيد الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل المنقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [عن زياد الأعلم ]. هو زياد بن حسان الأعلم وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة فقيه يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث هذا في إسناده الحسن وهو مدلس. وقوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه ]. هو حماد بن سلمة بإسناده ومعناه يعني: أن الإسناد هو الإسناد، وليس متفقاً معه في اللفظ، يعني: أنه بمعنى اللفظ الذي ذكر أولاً. [قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. وقوله في هذه الرواية: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف) توافق ما في الصحيحين. [قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ابن عون هو: عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. [وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة. و إسماعيل بن أبي حكيم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كبر في الصلاة). هذا أيضاً مرسل. [قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الربيع بن محمد ]. الربيع بن محمد مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فالروايات التي فيها أنه كبر وأنه دخل في الصلاة، ما تسلم من ضعف، ففيها إما الإرسال وإما احتمال الإرسال أو التدليس. شرح حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه وقد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب ، وقال: عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه أقيمت الصلاة وصفوا، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاه وأراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة، فقال: فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم، وهذا يعني أنهم لم يدخلوا في الصلاة، وانتظروه حتى اغتسل، وجاء صلوات الله وسلامه عليه، ثم كبر وصلى بهم. إذاً: فالثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يكبر، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفيه أنه لم يكبر، وهو أرجح مما تقدم من أنه كان قد دخل في الصلاة، لكن يمكن كما ذكر أهل العلم أن يحمل قوله: (دخل) على أنه كاد أن يدخل أو أراد أن يدخل أو أنه على وشك أن يدخل، فيكون الصحيح والثابت الذي لا إشكال فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وأنه لما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...) قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا محمد بن حرب ]. هو محمد بن حرب الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الزبيدي ]. هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ ح وحدثنا عياش بن الأزرق ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعياش بن الأزرق ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا رباح ]. هو رباح بن زيد الصنعاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [كلهم عن الزهري ]. يعني: هؤلاء الذين انتهت عندهم الأسانيد التي ذكرها أبو داود تلتقي كلها في الرواية عن الزهري ، و الزهري تقدم ذكره. [عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد مر ذكره. [عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره. [وهذا لفظ ابن حرب ]. يعني: اللفظ المذكور لفظ محمد بن حرب ]. وهو الإسناد الذي فيه : عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزبيدي ، وهو الإسناد الأول. أما الآن لو تذكر الإمام أنه على جنابة، فهل له أن يوقف المأمومين إلى أن يغتسل؟ لا ينبغي إذا وجدت مشقة عليهم، لا سيما إذا كان بيته بعيداً ويحتاج إلى وقت، فيقدم واحداً منهم ليصلي بهم، ويكون في ذلك رفقاً بهم، وعدم تأخيرهم، وإذا لم يكن هناك مشقة وانتظروه فلا بأس بذلك؛ لأنه جاء ما يدل عليه، لكن الأرفق بالناس هو أن ينيب. الرجل يجد البلة في منامه شرح حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يجد البلة في منامه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه، فقالت: أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل ؟ قال: ""نعم، إنما النساء شقائق الرجال"") ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يجد البلة في منامه، يعني: عندما يقوم من النوم يجد في ثيابه بللاً، ولا يذكر أن ذلك عن احتلام، فهل يجب عليه أن يغتسل؟ إذا كان هذا البلل الذي وجده منياً، فلا شك أنه يجب عليه الغسل، وهذا هو الذي يتفق مع حديث أم سليم الذي سيأتي: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا حصل احتلام، وحصل رؤية الماء، فقد اجتمع الاثنان، فعليه الغسل، لكن إذا ما تذكر احتلاماً ووجد ماءً، فإن كان متحققاً أنه مني فعليه أن يغتسل، وإن كان غير متحقق أنه مني، وأنه يمكن أن يكون بولاً ويمكن أن يكون منياً فإن الأحوط في حقه أن يغتسل، ويقطع الشك باليقين، ويأخذ بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أما إذا رأى في المنام احتلاماً، ولكنه ما وجد شيئاً بعد ذلك فإنه لا غسل عليه، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه شيء من التفصيل : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل) يعني: إذا كان متحققاً بأنه مني فهذا أمره واضح، وإذا كان غير متحقق فعليه أن يغتسل حتى يقطع الشك باليقين. قوله: (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه). وهذا متفق مع ما جاء في حديث أم سليم . قوله: (فقالت أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال)]. أي: المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ نعم الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، والأحكام التي تقال في حق الرجال تسري على النساء إلا إذا وجد شيء يخصص الحكم بالرجال أو يخصص الحكم بالنساء، فعند ذلك لا يكون التساوي ولا يكون الأمر لازماً للجميع، وإنما يكون الأمر لازماً لمن ألزم به، وأما إذا لم يأت ما ينص على تخصيص الرجال أو تخصيص النساء بالحكم؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام؛ ولهذا إذا ذكر الرجال في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم يختص بهم؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم. وحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن أم سلمة قالت هذه المقالة، وقال: لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنما النساء شقائق الرجال) يوضح هذا، فمعناه: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، والأحكام التي تقال للرجال تقال في حق النساء. ومعنى كونهن شقائق الرجال أنهن مثلهم، ولهن أحكامهم، وكلهم جاءوا من طريق واحد، فلا فرق بين الرجال والنساء إلا إذا جاء نص يميز النساء عن الرجال أو الرجال عن النساء. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد بن خالد الخياط ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الله العمري ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [عن عبيد الله ]. عبيد الله أخوه، وهو المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال للأول: مكبر، وللثاني: مصغر، من أجل التمييز بين هذا وهذا، لأنهما أخوان، عبد الله المكبر ، و عبيد الله المصغر . و عبد الله هنا يروي عن أخيه عبيد الله . [عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. والحديث فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف، لكن جاء ما يدل على معناه فيما يتعلق بقصة أم سليم ، فإن قوله: (إذا هي رأت الماء)، فيه الاغتسال إذا رأت الماء، وإذا لم تر الماء وقد حصل احتلام، فليس هناك غسل، إلا أن هذا الحديث فيه ذكر البلة، والبلة يمكن أن تكون منياً، ويمكن أن تكون غير مني، لكن حيث يوجد البلل ويوجد الماء فإن الاغتسال هو الذي تبرأ به الذمة، ويكون الإنسان قد أخذ بالاحتياط إذا لم يتحقق أنه مني، وأما إذا كان يتحقق أنه مني فالأمر في ذلك واضح. المرأة ترى ما يرى الرجل شرح حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أنه قال: قال عروة : عن عائشة أن أم سليم الأنصارية رضي الله عنهما -وهي أم أنس بن مالك - قالت: (يا رسول الله! إن الله عز وجل لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا ؟ قالت عائشة : فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فلتغتسل إذا وجدت الماء، قالت عائشة : فأقبلت عليها فقلت: أف لك! وهل ترى ذلك المرأة ؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تربت يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه ؟!). قال: أبو داود وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ، و إبراهيم بن أبي الوزير عن مالك عن الزهري ووافق الزهري مسافع الحجبي ، قال: عن عروة عن عائشة وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ] أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب المرأة ترى ما يرى الرجل، يعني: في المنام، فما الحكم في ذلك؟ والجواب: أن الحكم كالرجال، وتقدم حديث: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: الحكم الذي يسري على الرجال يسري على النساء، إلا إذا وجد ما يخصص الحكم بالرجال، وكذلك ما تسأل عنه النساء وهو ليس من الأشياء المختصة بهن ثم تعطى حكماً أو تفتى بشيء؛ فإن الحكم للرجال كالحكم للنساء، فإذا كانت المستفتية امرأة فلا فرق بين هذا وهذا إلا إذا كان الحكم من الأشياء التي لا تعلق لها بالرجال، فإن هذا شيء أمره واضح، ولكن الأصل هو التساوي بينهما في الأحكام. أورد أبو داود حديث عائشة أن أم سليم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألته عن أن المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها أن تغتسل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم، إذا رأت الماء)، وهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث السابق من جهة أنه من رأى في المنام احتلاماً ثم وجد البلل بعد ذلك؛ فإنه يتعين عليه الاغتسال. ثم إن عائشة أقبلت على أم سليم فقالت: (أف لك!) وهي كلمة فيها عتاب، ثم قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: كأنها تستبعد أن ذلك يحصل للنساء، وقيل: هذا نادر، وقيل: إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لهن الاحتلام؛ لأنه من الشيطان، لكن ما تقدم أنه نادر هو الأظهر، وأما أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن فليس عليه دليل، وقولهم: إن الشيطان ليس له عليهن سبيل، فنقول: نعم، ولا يحصل لهن ذلك بسببه، ولكن قد يحصل عن طريق الشهوة دون أن يكون للشيطان فيه دخل، فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح في رمضان جنباً من غير احتلام، والتنصيص على عدم الاحتلام يدل على أنه يمكن ذلك، وقالوا: وليس ذلك عن طريق الشيطان، وإنما هو من قوة الشهوة، وليس بلازم ألا يكون الاحتلام إلا عن طريق الشيطان، بل قد يكون عن طريق قوة الشهوة في المنام، فيحصل إخراج شيء من ذلك. قوله: [ (قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ترتب يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه؟!) ]. قوله: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: أنه يحصل لها الاحتلام كما يحصل الاحتلام من الرجل، والمني يوجد منها كما يوجد من الرجل، سواء في اليقظة أو في المنام. قوله: (من أين يكون الشبه؟!) يعني: أن المرأة قد يشبهها ولدها، وهذا معناه أنه متخلق من المائين؛ بدليل حصول الشبه أحياناً بالمرأة، وأحياناً يكون الشبه بالرجل. قوله: [ (تربت يمينك يا عائشة) ]. هذه كلمة يؤتى بها على سبيل الإنكار والتوبيخ على شيء، وهي كلمة لا يقصد معناها، مثل: ثكلتك أمك، ومثل: عقرى حلقى، وغيرها من الكلمات التي يذكرونها ولا يريدون بها الدعاء، وإنما جرت ألسنتهم بذلك عند بعض المناسبات والأحوال. تراجم رجال إسناد حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود . [حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وقد مر ذكره. [عن ابن شهاب قال: قال عروة ]. ابن شهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. [قال أبو داود : وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ]. عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الزبيدي هو محمد بن الوليد مر ذكره. و يونس هو ابن يزيد الأيلي مر ذكره مراراً. و ابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و إبراهيم بن أبي الوزير ]. و إبراهيم بن أبي الوزير هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن مالك عن الزهري ]. مالك و الزهري قد مر ذكرهما. [ووافق الزهري مسافع الحجبي ]. مسافع بن عبد الله بن شيبة العبدري من بني عبد الدار حجبة الكعبة، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [عن عروة عن عائشة ]. عروة و عائشة تقدم ذكرهما. [وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة ]. يعني: رواه من طريق أم سلمة الصحابية وذكرت القصة التي ذكرتها عائشة . و زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أم سلمة هي أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. وكون الحديث جاء من طريق أم سلمة ومن طريق عائشة يجمع بين الروايتين على أنهما حضرتا القصة، وأن ذلك حصل في اجتماعهما، وأنه حصل اللوم والعتاب منهما جميعاً، فالأظهر أن القصة واحدة، وأن الاثنتين حضرتاها، وأن كل واحدة حدثت بالحديث الذي شاهدته وعاينته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال أم سليم له هذا السؤال. الأسئلة معنى إن الله لا يستحيي من الحق السؤال: ما معنى: إن الله عز وجل لا يستحيي من الحق؟ الجواب: وردت عبارة: (إن الله لا يستحيي من الحق) عن أم سليم رضي الله عنها لما أرادت أن تسأل، والله تعالى لا يستحيي من الحق، فهي تسأل عن الحق، وهو سؤال محمود وممدوح، والحياء المذموم هو الذي فيه خجل وفيه ضعف، وأما الحياء المحمود فهو الذي ليس من طريق الخجل والضعف، ولكنه يتعلق بالأمور المحمودة والأخلاق الكريمة، وهذا منه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها لم تستحي الاستحياء المذموم، ولكنها أخبرت بأنها لا يمنعها ما أعطاها الله من الحياء أن تسأل عن الحق الذي تعبدها الله تعالى به؛ لتعبد الله على بصيرة وعلى بينة، وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. وتأويل الصفات لا يسوغ، وبعض العلماء ابتلوا بالتأويل، والواجب في كل ما ورد في النصوص من صفات إثباتها مضاف إلى الله عز وجل، فالحياء يجب إثباته لله على ما يليق به، والعلماء الذين حصل منهم التأويل يستفيد الإنسان من علمهم، ويكون على حذر مما ابتلوا به، ومن ذلك قوله بعضهم: إن الله لا يأمر بالحياء ولا يبيحه! فهذا المعنى خطأ، كيف لا يأمر بالحياء المشروع المأمور به؟! النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل ينصح أخاه في الحياء فقال: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير). حكم قضاء دين المعسر المستدين من البنك بفوائد البنك الربوية السؤال: رجل يعيش في بلد الكفار في ضيق وعسر، ويعول أسرة كبيرة، ولا يكفيه ما يأخذ من الرواتب، فأخذ قرضاً من البنك في حالة الاضطرار، والآن لا يستطيع أن يؤدي القرض فضلاً أن يدفع الربا، فإن أراد رجل أن يؤدي عنه هذا الربا والقرض بمال الربا الذي يأخذه هو من البنوك الربوية، فهل يجوز هذا؟ الجواب: ليس للإنسان أن يأخذ الربا من البنوك الربوية ثم يصرفه في أمور أخرى، وإذا اضطر الإنسان إلى أن يودع عندها، فلا يأخذ منها المضرة المحرمة التي تسمى فائدة، وهي مضرة في الحقيقة، وإذا كانت البنوك فيها خزائن تستأجر، فالإيداع فيها أولى عن طريق الاستئجار؛ لأن في ذلك عدم تمكين البنك من التصرف بمال الإنسان، لكن إذا لم يكن عند البنك خزائن، وأودع عندها مضطراً، فيأخذ حقه ولا يأخذ الربا، وهذا كيف يتصدق بالمال الحرام أو يساعد بالمال الحرام؟! لا ينبغي له أن يفعل هذا، لكن إذا كان سبق أنه قبضه، وأراد أن يتخلص منه، فيمكن أن يتخلص منه في مثل هذا والله تعالى أعلم. ما جاء في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل شرح حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. هذه الترجمة معقودة لبيان مقدار الماء الذي يكون به الكفاية في الغسل من الجنابة، وقد جاءت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها بيان المقدار الذي كان يغتسل به صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر عند مقدار الماء الذي يكفي في الوضوء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وتلك الأحاديث دالة على هذه الترجمة التي فيها بيان ما يكفي في الوضوء وبيان ما يكفي في الغسل، ولكنه عقد الترجمة هنا للاستدلال بالأحاديث على ما يكفي في الغسل، وقد أورد فيه جملة أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق)، والفرق وعاء كبير يسع ثلاثة آصع، يعني: ستة عشر رطلاً وثلثاً، وتعادل اثني عشر مداً، فهذا هو أعلى مقدار ورد الاغتسال به، ولا يعني هذا أنه يغتسل بالفرق كله، لأنه قد جاء (أنه كان يغتسل هو وعائشة من إناء يقال له: الفرق، يغترفان منه جميعاً)، وعلى هذا يكون الفرق إذا امتلأ يسع ثلاثة آصع، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل منه هو و عائشة ، تختلف أيديهما فيه، وليس معنى ذلك أنه كان يغتسل بثلاثة آصع وحده، ولكنه كان يغتسل من إناء هو الفرق، فيكون على هذا للواحد مقدار صاع ونصف، يعني: ستة أمداد، وهذا هو أعلى مقدار ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه أنه كان يغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، وجاء أنه كان يغتسل بخمسة أمداد وهي صاع ومد. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو [عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ترجمة عائشة رضي الله عنها [عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، من أوعية السنة وحفظتها، وهي التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور تبرئها مما رميت به من الإثم، وكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها تهضم من نفسها وتتواضع لله عز وجل، مع أن الله عز وجل شرفها ورفع ذكرها وأنزل براءتها في آيات تتلى من سورة النور، ففي الصحيح أنها قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وقالت: (كنت آمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها)، فهي رضي الله عنها وأرضاها كانت تتواضع لله، وهذا يدل على عظم شأنها وكمال عقلها وتواضعها لله عز وجل، وهذا شأن أهل الكمال يتواضعون لله مع ما أعطاهم الله عز وجل من علو المنزلة ورفعة الدرجة. وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي تميزت به والذي عرف من طريقها ولا يعرف إلا من طريق النساء، هو ما كان يجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وما يجري في البيوت من الأمور التي لا يطلع عليها إلا أزواجه، ولا سيما ما يتعلق بالغسل من الجنابة، حيث كان يغتسل هو وإياها من إناء واحد، فحفظت الكثير من السنن التي تتعلق بالبيوت، والتي تتعلق بما يجري بين الرجل وأهل بيته، ومن حفظ سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فله مثل أجور من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا يدلنا على عظم قدرها وعظم شأنها، والله تعالى يثيب كل من عمل بسنة جاءت عن طريقها ويثيبها بمثل ما أثابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الدال على الخير له مثل أجر فاعله)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). ولهذا فإن محبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على الإيمان، وتدل على محبة المسلم لمن جعلهن الله حلائل لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا وفي الآخرة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فالذي يتكلم فيهن أو يعيبهن ويتنقصهن، فإنما يضر نفسه؛ لأنه اغتاب أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ومن المعلوم أن الإنسان لو اغتاب أي مسلم فإن مغبة ذلك ومضرة ذلك تعود عليه، فكيف إذا كان الذي يغتاب أمهات المؤمنين اللاتي أكرمهن الله بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن، وصرن بذلك أمهات المؤمنين، ووصفهن الله بذلك في كتابه العزيز حيث قال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، و عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قيل: هي أفضل أزواجه، وقيل: إن أفضل أزواجه خديجة ، ولا شك أن خديجة و عائشة أفضل نسائه، ولكن أيهما أفضل؟! لا شك أن عائشة حصل منها شيء ما حصل من خديجة ، وحصل من خديجة شيء ما حصل من عائشة ، فخديجة حصل منها تأييده وتثبيته في وقت الشدة وفي الوقت الذي أوذي فيه من قبل كفار قريش، وأما عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقد تميزت بتلقي السنن وحفظ السنن ونشرها ونقلها إلى الناس. والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ومنهم أمهات المؤمنين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ولا يصل الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة؛ لأن الصحابة هم الذين صحبوا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وتلقوا السنن والأحكام عنه ونقلوها إلى الناس، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يقدح في الواسطة يقدح في المنقول كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: القادحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة. يعني: أن من يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول. ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة. أي: الذين ينتقصون الصحابة زنادقة. [قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك ]. نحو حديث مالك الذي تقدم، يعني: أنه جاء من طريق مالك و ابن عيينة ، كلاهما عن الزهري . شرح حديث: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق) [قال: أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فيه قدر الفرق) ]. رواية معمر عن الزهري تتفق مع الأحاديث التي فيها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء قدر الفرق، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل بالفرق وحده؛ لأن الفرق ثلاثة آصع، وإنما كان يغتسل منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو و عائشة ، تختلف أيديهما منه، فهذه الرواية التي فيها أن عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان من الفرق تدل على أن مقدار الفرق إنما كان للرسول صلى الله عليه وسلم ولعائشة ، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده. [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، قال: فمن قال: ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، قيل: الصيحاني ثقيل، قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري. ] أورد أبو داود رحمه الله هذا الكلام الذي فيه بيان مقدار الفرق والصاع، وقد سبق ذكر مقدار الصاع ومقدار المد عند الكلام على ما يكفي في الوضوء، وهنا أتى بالكلام في بيان مقدار الصاع ومقدار الفرق في الكلام على ما يتعلق بالمقدار الذي يجزئ في الاغتسال، قال أبو داود : قال الإمام أحمد : الفرق ستة عشر رطلاً. لأن الصاع خمسة أرطال وثلث، فتكون الثلاثة الآصع ستة عشر رطلاً، وهذا بيان أن مقدار الفرق ثلاثة آصع. ثم ذكر أن الصاع الذي كان معروفاً عندهم وهو صاع ابن أبي ذئب - مقداره خمسة أرطال وثلث. ثم ذكر الإمام أحمد أن من قال: إن الفرق مقداره ثمانية أرطال على أنه أقل من صاعين، غير محفوظ، وغير ثابت، وإنما المحفوظ أنه ستة عشر رطلاً، على اعتبار أن الصاع خمسة أرطال وثلث. [قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى ]. لأن خمسة أرطال وثلثاً مقدار الصاع، ومعنى هذا أن الصاع الذي كانوا يكيلون به في البيع والشراء ويكيلون به زكاة الفطر هو نفس المقدار الذي يتوضأ به؛ لأن خمسة أرطال وثلث هو الصاع الذي يتوضأ به، ومن أعطى في زكاة الفطر خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى؛ لأن هذا هو مقدار الصاع. [قيل: الصيحاني ثقيل]. الصيحاني هو نوع من تمر المدينة، والمقصود بقوله: (ثقيل) أي: أنه لو وزن منه خمسة أرطال وثلث، ما تملأ الصاع؛ لأنه ثقيل الوزن، وليس مثل التمر الآخر الذي يكون خفيفاً، وإذا ملئ منه الصاع يكون وزنه خمسة أرطال وثلث. [قال: الصيحاني أطيب ]. معناه: أنه إذا ملأ الصاع بالصيحاني الثقيل فهو أطيب، يعني: أنه يملأ منه الصاع وإن كان يزيد في الوزن عن خمسة أرطال وثلث لكونه ثقيلاً، فإن مقدار خمسة أرطال وثلث منه أقل من ملء الصاع لثقله، وكون الإنسان يأتي بصاع يملؤه بشيء ثقيل له قيمة لا شك أنه أكمل وأطيب وأحسن. [قال: لا أدري]. قيل: هي من كلام الإمام أحمد ، يعني: لا أدري لو وزن أحد من التمر الصيحاني خمسة أرطال وثلثاً ولم تملأ الصاع، واكتفى بها، هل تكفي أو لا تكفي؟ فهو يشك في كونها كافية؛ لأنها ما بلغت مقدار الصاع من حيث الكيل، وإن كانت بلغت مقداره من حيث الوزن. وقيل: هذا من كلام الذي خاطبه، قال: لا أدري. يعني: هل ذلك يكفي أو لا يكفي، والأقرب أنه من كلام الإمام أحمد ، ولعل المقصود به عدم اطمئنانه إلى الاقتصار على خمسة أرطال وثلث من الصيحاني إذا كان لا يملأ الصاع؛ لأن الحديث فيه مقدار الصاع. والرطل المذكور يعادل مداً وثلثاً تقريباً، ويقولون: هذا مكيال عراقي معروف، ويقولون: إن المد هو الشيء الثابت الذي يستقر، وهو ملء اليدين المتوسطتين، والصاع أربعة أمداد، يعني: أربع حفنات باليدين المتوسطتين، هذا مقدار الصاع من البر والطعام وما إلى ذلك، وليس من حيث المال. والصاع في هذا الزمان يعادل ثلاثة كيلوا جرامات، فإذا أخرج ثلاثة كيلوا جرامات من الأرز من الرز في زكاة الفطر فإنها بقدر الصاع." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [038] الحلقة (69) شرح سنن أبي داود [038] للغسل من الجنابة أحكام وآداب، وقد تكاثرت الأحاديث المروية في غسل الجنابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، واهتم أهل العلم بها شرحاً وتوضيحاً. ما جاء في الغسل من الجنابة شرح حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغسل من الجنابة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: أخبرني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما). ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الغسل من الجنابة، يعني: كيفية الغسل من الجنابة، وما يجزئ وما يكون أكمل. هذا هو المقصود بالترجمة، فبعدما ذكر مقدار ما يغتسل به ذكر كيفية الاغتسال بذلك المقدار. عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً)، معناه: أنه في غسل رأسه يكتفي بأن يفيض عليه ثلاث مرات، وليس معنى ذلك أن الإفاضة على الرأس ثلاث حثيات تكفي للغسل كله، وإنما المقصود ما يتعلق بالرأس فقط، فالمراد بعض ما يدخل تحت الغسل، وهو الشعر الذي يحتاج إلى أن يروى، وأن يصل الماء إلى أصوله، فكان يكفيه ثلاث حفنات. قال: (وأشار بيديه كلتيهما)، يعني: ثلاث غرفات بيديه جميعاً، وهذا الحديث فيه اختصار كما هو معلوم؛ لأنه يجب أن يغسل سائر جسده، ويفيض الماء عليه كله، لكن هذا فيما يتعلق بغسل الرأس فقط، فيكفي ثلاث حثيات بيديه كلتيهما. تراجم رجال إسناد حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...) قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو إسحاق ]. هو أبو إسحاق السبيعي ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني سليمان بن صرد ]. هو سليمان بن صرد ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن جبير بن مطعم ]. هو جبير بن مطعم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب ...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه وقال بهما على رأسه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الثلاث الحثيات، وأنه كان يحثي على شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ثم على رأسه. قوله: [حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو عاصم ]. أبو عاصم هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، بل ويروي عنه بعض الثلاثيات التي في صحيح البخاري التي هي أعلى أسانيد البخاري ، وأبو داود يروي عنه بواسطة محمد بن المثنى ، و محمد بن المثنى من صغار شيوخ البخاري ، و أبو عاصم من كبار شيوخ البخاري ، فالبخاري يروي مباشرة عن محمد بن المثنى وعن أبي عاصم ، وأما أبو داود فلا يروي مباشرة إلا عن محمد بن المثنى ، وهو يروي عن أبي عاصم بواسطة. [عن حنظلة ]. هو حنظلة بن أبي سفيان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. هو عائشة مر ذكرها. معنى الحلاب قولها: (نحو الحلاب)، قيل: المقصود أنه مقدار الإناء الذي يحلب فيه لبن الناقة، هذا هو الحلاب. والبخاري ظن أنه نوع من الطيب يقال له: المحلب، والحافظ ابن حجر أطال الكلام عليه فيما يتعلق بهذه الترجمة، وقد أشرت إلى ذلك في الفوائد المنتقاة. شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الضفر). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألتها امرأة: كيف كنتم تصنعون في الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاث حثيات، ونحن نفيض خمساً من أجل الضفر. يعني: من أجل الضفائر التي على رءوسهن، حيث يجمعن الشعر ويجعلنه ضفائر، والضفائر جمع: ضفيرة، وهي خصال الشعر تجمع و يلف بعضها إلى بعض، فكن يزدن على ثلاث حثيات من أجل الضفر. والحديث ضعيف بسبب جميع بن عمير ، فليس هناك فرق بين الرجال والنساء، وإن لم تحل المرأة الضفائر فيكفي أن تفيض عليها الماء، ولا يلزمها أن تحل الضفائر حتى يصل إليها الماء، وإنما يصب الماء عليها حتى يصل إلى أصول الشعر. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..) قوله: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. و يعقوب بن إبراهيم ، و محمد بن المثنى الذي مر آنفاً و محمد بن بشار الذي يأتي كثيراً، هؤلاء ثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن زائدة بن قدامة ]. زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن صدقة ]. هو صدقة بن سعيد الحنفي ، مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا جميع بن عمير ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. وأما أمه وخالته فليستا من الرواة لأنه ذهب معهن، وإحداهن سألت، فهو يروي عن عائشة . شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي و مسدد قالا: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا، فيغسل فرجه، وقال: مسدد : يفرغ على شماله، وربما كنّت عن الفرج، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أن أنقى البشرة، أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه. ] أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، قال -سليمان ، وهو ابن حرب - : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، أي: يمسك الإناء باليد اليمنى، ويفرغ على الشمال، ثم يستعمله. وقال: مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، أي: أنه يمسك بشماله ويصب الماء على اليمنى، عكس الأول. يعني اختلفا هل يبدأ يصب على الشمال، أو على اليمين؟ ثم بعد ذلك يغسل فرجه بيده اليسرى. قوله: [وربما كنّت عن الفرج] يعني: أنه يغسل الفرج، يعني أحياناً يأتي التصريح، وأحياناً تأتي التكنية. قوله: [ثم يتوضأ وضوءه للصلاة] يعني: بعدما يغسل يديه وفرجه يتوضأ وضوءه للصلاة، فهو أولاً يغسل يديه لتكونا نظيفتين عند استعمالهم الماء، ويغسل فرجه وما أصابه من الجنابة، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يكمل بإفراغ الماء على جسده. قوله: [ثم يدخل يديه في الإناء، فيخلل شعره] يعني: شعر رأسه ولحيته، بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر. قوله: [حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً] يعني: بعد أن يخلل شعره ولحيته يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً. قوله: [فإذا فضل فضلة صبها عليه] يعني: على جسده، أي: بعد أن يكون قد استكمل الغسل، فإذا فضل فضلة يصبها عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ..) قوله: [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و مسدد ]. ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد ؛ لأن مسدد يروي عن حماد بن زيد ، و حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ، وهو ثقة ربما دلس، وأخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. أبو هو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. شرح حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه، فغسلهما ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيها أنه كان يغسل يديه أولاً قبل أن يبدأ الوضوء والغسل، ثم بعد ذلك يغسل مرافغه وهي المغابن التي قد لا يصل إليها الماء، والتي يتجمع فيها الأوساخ، مثل أصول الفخذين، وقيل: إن عائشة تعني بالمرافغ الفرج وما حوله من أصول الفخذين، والتي تحتاج إلى أن يوصل إليها الماء؛ لأنها تكون في مكان يصتك عليه اللحم، فيحتاج إلى أن يوصل إليه الماء، وقيل: إن العبارة التي مضت: (وربما كنت عن الفرج) هي المرافغ هنا. قوله: [ (فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط) ]. يعني: أنه غسل فرجه وما حوله، فإذا أنقى تلك الأماكن يغسل يديه، ويهوي بهما إلى الحائط؛ حتى يزول ما قد علق بهما، وهذا مثل ما مر في بعض الروايات: (أنه كان يضرب بيده على الأرض عندما يستنجي؛ حتى يزول الأثر الذي قد علق باليدين). قوله: [ (ثم يستقبل الوضوء) ]. يعني: يتوضأ بعدما يغسل فرجه وما حوله، ويغسل آثار الجماع التي علقت بجسده وينقي يديه، وبعد ذلك يستقبل وضوءه بأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويفيض الماء على سائر جسده. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...) قوله: [حدثنا عمرو بن علي الباهلي ]. عمرو بن علي الباهلي هو الفلاس ، وهو ثقة من أئمة الجرح والتعديل، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: وثقه الفلاس ، ضعفه الفلاس ، قال فيه الفلاس كذا، وهو ثقة ناقد، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، مثل محمد بن المثنى ، و محمد بن بشار ، و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، ورووا عنهم جميعاً مباشرة بدون واسطة. [حدثنا محمد بن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي معشر ]. هو زياد بن كليب ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . من فقه إبراهيم النخعي [عن النخعي ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه، أحد الفقهاء المشهورين المعروفين، وكلامه في الفقه كثير، ولهذا يأتي باسمه إبراهيم كثيراً عندما يروي عن أهل الكوفة مثل الأسود أو عبد الرحمن بن الأسود أو أبي وائل ، ويأتي ذكره بالنخعي قليلاً، ويأتي كثيراً إبراهيم النخعي أو إبراهيم بدون ذكر النخعي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه أول من عبر بعبارة: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ويقصد بذلك الدواب التي لا دم فيها مثل الجراد والذباب ونحوها، والتي إذا ماتت لا تنجس الماء. يقول ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة وما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، ذكر هذا ابن القيم عند ذكر حديث الذباب وغمسه في الماء إذا وقع فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه، وقال: (إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء)، فأمر أن يغمس وأن يستعمل الماء، قال: إن العلماء استدلوا من غمسه -مع أن الماء قد يكون حاراً فيموت بسبب الغمس- أن موته في الماء لا ينجسه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كونه يستعمل ولا يتلف، قالوا: فهذا فيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس هنا: الدم؛ لأن النفس تأتي بعدة معان منها الدم، والروح تطلق على النفس التي بها حياة الإنسان، والروح مخلوق إذا نفخ في الإنسان صار حياً، وإذا نزع من الإنسان صار ميتاً، وعندما يذكرون الفرق بين النفس والروح فيطلقان جميعاً على ما يكون به حياة الإنسان، وتطلق النفس على الدم بخلاف الروح، والروح تطلق على أمور لا تطلق عليها النفس مثل الوحي، ومثل جبريل، فإنه يطلق عليه روح، ويطلق على الوحي أنه روح كما قال الله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] وهو الوحي، فهو روح؛ لأن بالوحي حياة القلوب. فالحاصل أن إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة كما قال ابن القيم ، ولكنه في كتاب الروح لما ذكر الفرق بين النفس والروح قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات)، وليس في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ابن القيم نفسه قال: إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة! فهذا يبين لنا أن كلامه في الروح قديم، وأن كتابته لزاد المعاد الذي نسب فيه هذه العبارة لـ إبراهيم النخعي متأخر، وفيه من التحقيق ما يكن عنده من قبل، ولهذا يذكر في كتاب الروح أموراً غريبة يتعجب من ابن القيم كيف يذكرها من أحوال الأموات وما إلى ذلك من الأشياء. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها. شرح حديث: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر حدثنا هشيم عن عروة الهمداني حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) وسبق أن مر في الحديث أنه كان يضرب يده بالجدار؛ حتى ينقي يده من أثر غسل فرجه وما حوله. (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حين يغتسل من الجنابة) حيث كان يضرب يديه على الجدار لتنقية يديه بعد غسله فرجه وقبل بدئه للوضوء، وقد كان ذلك الأثر موجوداً في ذلك الوقت، لكن الحديث فيه ضعف. تراجم رجال إسناد حديث: ( لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) قوله: [ حدثنا الحسن بن شوكر ]. الحسن بن شوكر صدوق، أخرجه له أبو داود وحده. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة الهمداني ]. هو عروة بن الحارث الهمداني ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو فقيه، وهو الذي اشتهرت عنه العبارة المشهورة التي ذكرها شيخ الإسلام في أول منهاج السنة في بيان خبث الرافضة وسوء معتقدهم حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة، إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! هذه العبارة التي عبر بها الشعبي رحمه الله قد قالها بعض الرافضة في شعر له يذم فيها الصحابة، ويذم الخلفاء الراشدين أبا بكر و عمر و عثمان وكبار الصحابة وصغارهم، وكان من جملة ما قال: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وهذا استفهام استنكار، يعني: بعيد أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس، بل هم أشقى أمة أخرجت للناس، وهي قصيدة طويلة تبلغ أربعمائة أو خمسمائة بيت، وقد ذكر محمود الملاح جملة من أبياتها، ومنها هذا البيت، وتكلم عليها وبين ما عند الرافضة من الباطل، ومن جملة ما ذكره في بيت من الأبيات: أن سورة براءة خلت من البسملة دون سور القرآن كلها؛ لأن أبا بكر ذكر فيها، حيث قال الله عز وجل: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]! فهذا الكلام الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه من قديم قاله بعض الرافضة الذين جاءوا بعد ذلك بمئات السنين، وهذا الرافضي الخبيث ما أدري هل هو من القرن التاسع أو القرن الثامن، أعني: صاحب القصيدة التي قال فيها هذا البيت: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وقد ذكر لي بعض من المشايخ أنه سمع رافضياً يقول مثل هذه العبارة، قال: الصحابة هم أسوء هذه الأمة! تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:118]. [ قالت عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. والحديث فيه انقطاع بين الشعبي و عائشة ، فهو لم يسمع من عائشة ، وعلى هذا فيكون السند منقطعاً. أيضاً هشيم مدلس، وهو يروي عن عروة بالعنعنة، و هشيم مدلس مثل به العراقي في ألفيته حيث قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: ( وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وذكرت ذلك لإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة. قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : أكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ]. صفة غسل الجنابة هذه الترجمة في غسل الجنابة، وقد مرت جملة من الأحاديث المتعلقة بغسل الجنابة، وفيها ما هو مختصر، وفيها ما هو مطول، وبعض الأحاديث تقتصر على ذكر بعض أجزاء الإنسان كغسل الرأس أو الصب على الرأس، وبعضها يذكر الكيفية، وهي أنه يغسل يديه أولاً ثم يغسل فرجه وما حوله، وكل ما أصابه من أثر الجماع، ويضرب يده بالأرض أو بالجدار لينظفها، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يصب الماء على شق رأسه الأيمن ثم شقه الأيسر، ثم يفيض الماء على سائر جسده بحيث يصل الماء إلى كل جزء من أجزاء الإنسان، لاسيما الأماكن التي قد لا يصلها الماء، وهي المغابن مثل الآباط وأصول الفخذين؛ حتى يتحقق الإنسان أنه أوصل الماء إلى سائر جسده، وهذه هي كيفية الغسل الكامل. وإذا كان الغسل للجنابة ونوى به رفع الحدث الأكبر والأصغر وأفاض الماء على جسده جميعاً وإن لم يتوضأ قبله؛ فإنه يرتفع الحدثان الأكبر والأصغر، ولكن الأغسال الأخرى التي للتبرد أو للجمعة لا يرتفع بها الحدث الأصغر ولو نوى رفع الحدث الأصغر، وإنما ذلك خاص في الغسل من الجنابة، فالغسل من الجنابة فقط هو الذي يرتفع به الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وأما غسل الجمعة وغسل التبرد فلا يرتفع به الحدث الأصغر، فلا يكفي أن يفيض الإنسان الماء على جسده وينوي رفع الحدث الأصغر، بل لابد أن يتوضأ لذلك، إما قبل الاغتسال وإما بعد الاغتسال، وإذا توضأ قبل الاغتسال ثم بعد ذلك لمس ذكره فإن عليه أن يعيد الوضوء؛ لأن مس الذكر والفرج ينقض الوضوء، وأما الجنابة إذا غسل فرجه أولاً وتوضأ واغتسل بأن أفاض الماء على سائر جسده فإنه بذلك يرتفع منه الحدث الأكبر والأصغر، حتى وإن لم يتوضأ ولكنه نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإن ذلك يجزئ ويكفي، لكن بشرط ألا يمس ذكره عند الاغتسال أو بعده؛ لأن مس الذكر ينقض الوضوء. أورد أبو داود حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وهو (أنها وضعت غسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرغ على يده اليمنى وغسل يديه، ثم غسل فرجه وما حوله، وضرب بيده الأرض) يعني: ليحصل نقاؤها من آثار ما علق بها عند غسل الفرج (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه، ثم بعد ذلك تنحى وغسل رجليه) وغسل الرجلين يمكن أن يكون قبل الاغتسال ويمكن أن يكون بعده، ويكون بعد الاغتسال إذا كان في الأرض تراب أو نحوه، فكونه يغسل رجليه في الآخر أنسب لتنظيفهما مما علق بهما. والحاصل: أن غسل الرجلين يكون قبل الاغتسال في آخر الوضوء، ويمكن أن يؤخر إلى ما بعد الاغتسال، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه بيان كيفية الغسل، وهو مشتمل على الوضوء، وفيه ذكر المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ولابد منهما كذلك في الاغتسال، وإذا اغتسل الإنسان للجنابة من غير أن يتوضأ فعليه أن يتمضمض ويستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق لها حكم الوجه. قوله: [ عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل..) ]. (غسلاً) يعني: ماء يغتسل به. قوله: [ (يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً) ]. من المعلوم أن الغسل يكون لليدين وليس لليد الواحدة، فهو أكفأ على اليد اليمنى ثم غسل يديه. قوله: [ (ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه) ]. وفي هذا غسل الرجلين بعد الاغتسال. حكم استعمال المنديل للتنشيف قوله: [ (فناولته المنديل فلم يأخذه) ]. تقول ميمونة رضي الله عنها: (فناولته المنديل -أي: ليتنشف به- فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يدل على أن المنديل لا يستعمل أو أن الإنسان لا يتنشف، فللإنسان أن يتنشف بعد الوضوء وبعد الغسل، وما جاء في هذا الحديث من كونه لم يأخذه لا يدل على منعه ولا كراهيته، فلعله كان مستعجلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه (مسح بجبة كانت عليه بعدما توضأ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور. قوله: [ فذكرت ذلك لإبراهيم ]. يقول الأعمش : ذكرت لإبراهيم النخعي ، ما يتعلق بكونه أعطي المنديل ولم يأخذه. قوله: [ فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة ]. هذه حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وكون الإنسان يتنشف، ولكن كانوا يكرهونه للعادة، يعني: كونه يتخذ عادة بحيث يكون كأنه سنة لا تترك، ويذكر بعض العلماء: أن الشيء الذي يكون سائغاً أو مستحباً ينبغي أن يترك في بعض الأحيان حتى لا يعتقد أنه واجب أو أنه سنة إذا لم يكن واجباً، مثل قولهم: تكره المداومة على قراءة [السجدة:1] و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] فجر يوم الجمعة لئلا يعتقد الناس أن هذا لازم ولابد منه، فيترك المستحب في بعض الأحيان حتى لا يتخذ عادة دائماً وأبداً بحيث لا يترك ويعتقد أنه مطلوب دائماً وأبداً، فهنا حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وهذا من جنس قول إبراهيم النخعي الذي حكاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار، يعني: يعظمون شأن اليمين والعهد، فيضربونهم عليهما حتى لا يستهينون بذلك ولا يستسهلونه، وهي حكاية عما كانوا يؤدبون به أولادهم. [ قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : وكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ]. ثم قال أبو داود : قال مسدد -وهو شيخه-: قلت لعبد الله بن داود -وهو شيخ مسدد في الإسناد عبد الله بن داود الخريبي -: كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: يريد أن يستفهم، قال: هكذا هو، يعني: هكذا حفظ، وهكذا وجده في كتابه. تراجم إسناد رجال حديث: (وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...) [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. هو سالم بن أبي الجعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن خالته ميمونة ]. هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالته؛ لأن ابن عباس أمه لبابة بنت الحارث الهلالية ، وتكنى أم الفضل بأكبر أولاد العباس وهو الفضل ، فالعباس وهو أبو الفضل وزوجته هي أم الفضل وهي لبابة بنت الحارث ،وهي أخت ميمونة بنت الحارث ، فهو يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ وحديث ميمونة عند أصحاب الكتب الستة. شرح أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن شعبة أنه قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار. يعني: يغسلها سبع مرات، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، قال: لا أم لك؛ قيل: إنه مدح، وقيل: إنه ذم، وفي الغالب أنه يذكر للذم، ومعناه: أنه كان ينظر إليه، فيعرف كيفية اغتساله؛ لأنهم كانوا ينظر بعضهم إلى بعض، ويعرفون الهيئات والكيفية التي تفعل حتى يأتسوا ويقتدوا، فسأله فقال: لا أدري، يعني ما أدري العدد الذي سبق؛ لأن ابن عباس نسي العدد، وقال له: كم أفرغت؟ يريد أن يتأكد ويتحقق من شعبة فقال: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! قوله: [ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وهذا مخالف لما جاء في الروايات الكثيرة العديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث مرات، والحديث في إسناده ضعف بسبب شعبة الذي يروي عن ابن عباس ، وهو مولى ابن عباس . تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة قوله: [ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني ]. حسين بن عيسى الخراساني صدوق أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو أبو عبد الله شعبة بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ قال: إن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. هذا الحديث ضعيف، ولا يقال عنه: منكر؛ لأنه حديث مستقل، وما روي عن ابن عباس رواة آخرون يخالفه، وهذه الرواية فيها ضعف بسبب الرجل سيء الحفظ. شرح حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) ]. هذا الحديث ضعيف، أما بالنسبة للصلاة ففي الصحيحين وغيرهما في قصة الإسراء: أن أول ما فرضت الصلاة فرضت خمسين في السماء، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله التخفيف بمشورة موسى عليه الصلاة والسلام وعرضه عليه حتى وصلت خمساً، وقال الله عز وجل: (إنها خمساً في العمل، وخمسون في الأجر)، فخففت من خمسين إلى خمس، أما ذكر السبع مرار في غسل الجنابة، وكذلك في غسل الثوب من النجاسة؛ فهذا غير صحيح وغير ثابت، والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب بن جابر ]. ضعيف أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود و الترمذي . [ عن عبد الله بن عصم ]. عبد الله بن عصم صدوق يخطئ حديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( إن تحت كل شعرة جنابة ...) وتراجم رجال إسناده [ حدثنا نصر بن علي حدثني الحارث بن وجيه حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) ]. هذا الحديث ضعيف، والجنب عليه أن يروي جسده كله بالماء، ويروي رأسه وشعره بالماء ويدلكه ويخلل شعره، ولكن كون تحت كل شعرة جنابة غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن على بن نصر بن علي الجهضمي فاسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحارث بن وجيه ]. هو الحارث بن وجيه وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا مالك بن دينار ]. مالك بن دينار صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. [ قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ]. هذا الحديث منكر حيث تفرد به هذا الضعيف. شرح حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار) قال علي : فمن ثم عاديت رأسي (ثلاثاً)، وكان يجز شعره ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا ) يعني: عذبه بكذا وكذا وذكر عقوبة، وقد أبهمها وأشار إليها بقوله: (كذا وكذا) دون أن يسميها، يعني: يعاقبه الله بعقوبة كذا وكذا في النار، ومعناه أنه أمر خطير من الكبائر، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي، يعني: عادى شعر رأسه بحيث أنه كان يجزه ويستمر على جزه حتى لا يحصل منه الإخلال بغسله؛ لأنه توعد عليه بهذا الوعيد الشديد، فكان يجزه دائماً وأبداً. والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب ، وهو صدوق اختلط، و حماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط، ولم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط عما كان بعده فردت روايته، وحكم حديث المختلط: أن ما تحقق أنه رواه قبل الاختلاط يحتج به؛ لأن الاختلاط طرأ بعد ذلك، وما تحقق أنه بعد الاختلاط فهو مردود لا يحتج به، ومن روى عنه قبل الاختلاط وبعده فإن كان متميزاً فما كان قبل الاختلاط يعمل به، وما كان بعد الاختلاط لا يعمل به، وإن لم يتميز فكله لا يعول عليه؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلم يتميز، و حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز ما روى عنه قبله وبعده فترد روايته عنه؛ أما حماد بن زيد فإنه روى عنه قبل الاختلاط، ولهذا روايته عن عطاء بن السائب مقبولة ومعتبرة ومحتج بها؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط، فالحديث ضعيف من أجل عطاء بن السائب ، ورواية حماد بن سلمة عنه. تراجم رجال إسناد حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحابه الكتب الستة. و موسى بن إسماعيل التبوذكي هو جد ابن أبي عاصم من جهة أمه، وجده من جهة أبيه هو أبو عاصم ، فله جدان ثقتان من جهة أبيه ومن جهة أمه، وأبو عاصم النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب السنة وغيره من الكتب, وهو من شيوخ البخاري ، و موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زاذان ]. هو زاذان الكندي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الأسئلة التقليد واتباع المذاهب لغير العالم السؤال: هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين، وإذا استطاع الطالب أن يستعين بأقوال السلف والعلماء لفهم الكتاب والسنة هل عليه ضير؟ الجواب: الإنسان الذي ليس عنده قدرة يقلد إذا لم يجد من يستفتيه ويرجع إليه في معرفة أمور الدين، فيتعلم مذهباً من المذاهب، ويعبد الله عز وجل بها، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن الإنسان الذي عنده القدرة والتمكن، وعنده الاطلاع الواسع على كتب السنة، والفقه والحديث فلا يلزمه أن يقلد إماماً من الأئمة، وإنما عليه أن يتبع الدليل؛ لأن الله عز وجل يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. ويقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة جاء عنه التنصيص على أنه إذا وجد له قول يخالف حديثاً صحيحاً فإنه يتبع الدليل ويأخذ بالحديث، ويترك ما جاء عنه من القول الذي خالفه الحديث. والإمام الشافعي رحمة الله عليه نفسه قد جاء عنه في مسائل متعددة أنه يعلق القول فيها على الصحة، فيرى رأياً خلاف ما جاء به الحديث الذي ما صح عنده، ومع ذلك يعلق القول به على صحته فيقول: إن صح الحديث قلت به، ولهذا يأتي بعض أتباعه كالبيهقي و النووي وغيرهما في بعض الأحاديث فيقولون: وقد صح الحديث، وهو مذهب الشافعي ؛ لأن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، فإذاً هو مذهب الشافعي حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته. لكن ليس كل أحد يستطيع أن يرجع إلى الأدلة، ويأخذ بها دون أن يكون عنده علم وبصيرة واطلاع واسع؛ لأن بعض الناس قد يطلع على شيء وهناك شيء أقوى منه، أو هناك ما ينسخه، أو ما يقيده، فعليه أن يرجع إلى كلام العلماء والفقهاء وشراح الحديث والمصادر المختلفة، فليس كل أحد بإمكانه أن يجتهد؛ لأن الذي بإمكانه الاجتهاد هو الذي عنده قدرة واطلاع، وأما أي إنسان يأتي ويقول: أنا أفعل كذا وكذا فهذا لا يصلح ولا ينبغي، ولكن مثل المشايخ الكبار الذين عندهم قدرة ومعرفة واستيعاب مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ونحوهما هل يقال: يلزمهم أن يقلدوا مذهباً معيناً؟! لا يقال في حقهم ولا في حق غيرهم ممن يكون عنده القدرة مثلهم، أما الإنسان الذي ليس عنده علم وليس عنده معرفة ولا قدرة؛ فإنه يستفتي من عنده علم، ومن لا يجد من يفتيه يتعلم مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله تعالى به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [039] الحلقة (70) شرح سنن أبي داود [039] من فضائل أمهات المؤمنين أنهن نقلن للأمة كثيراً من السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يطلع عليها إلا نساؤه، مثل صفة غسل الجنابة، فقد وصفن غسله صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً، وذكرن كل ما اشتمل عليه من الواجبات والمستحبات، فرضي الله عنهن وأرضاهن. ما جاء في الوضوء بعد الغسل شرح حديث: ( كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء بعد الغسل. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في الوضوء بعد الغسل]، يعني: أنه لا يشرع، وليس للإنسان أن يتوضأ بعد الغسل إذا كان توضأ قبله، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، ولم يمس ذكره في أثناء اغتساله، أما إذا اغتسل ولم ينو رفع الحدث الأصغر وإنما نوى رفع الحدث الأكبر فقط، أو أنه اغتسل ونوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره في أثناء اغتساله، فإن عليه أن يتوضأ بعد ذلك، والأصل أن الإنسان لا يحتاج إلى وضوء بعد الاغتسال، مادام أنه توضأ قبل الاغتسال، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، لكن إذا لم ينو رفع الحدث الأصغر عند اغتساله أو نواه ولكنه مس ذكره وهو يغتسل؛ فإنه عليه أن يتوضأ؛ لأن مس الذكر ناقض للوضوء؛ وعلى هذا فالوضوء بعد الغسل لا يشرع إلا إذا لم ينو المغتسل رفع الحدث الأصغر عند الاغتسال، أو أنه نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره، فإنه في هذه الحالة عليه أن يتوضأ بعد ذلك، وإلا فإنه لا يحتاج إلى وضوء. وقول عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ويصلي الركعتين وصلاة الغداة) يعني: ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر، وصلاة الغداة التي هي صلاة الفجر، وقولها: ولا يحدث وضوءاً يعني: بعد الغسل. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد بن علي النفيلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. والحديث صححه الألباني وغيره. نقض المرأة لشعرها عند الغسل شرح حديث: (... إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين -وقال زهير : إنها قالت-: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك؛ فإذا أنت قد طهرت) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في المرأة هل تنقض شعر رأسها من الجنابة؟] يعني: هل تنقضه إذا كان مشدوداً ومضفراً، أو تغتسل وهو منشور غير مشدود ولا مضفور؟ والجواب: أن المرأة لا يلزمها أن تنقض شعرها عند الاغتسال، وإن نشرته فلا بأس بذلك، ولكن كون ذلك واجباً عليها ولازماً لها فلا، بل يكفيها أن تصب على رأسها الماء، ولا يلزمها أن تفكه وتنشره. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟) تستأذن وتستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتنقضه يعني: هل يلزمها نقضه؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفي عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي) . يعني: هذا قال: تحفي، وهذا قال: (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء) يعني: تصب عليه ثلاث حثيات من ماء، (ثم تفيضي على سائر جسدك) يعني: بعدما تغسلي رأسك ثلاث مرات، وتصبي عليه ثلاث إفراغات تفيضي الماء على سائر جسدك، (فإذا أنت قد طهرت) يعني: إذا فعلت هذا بأن حثيت على رأسك ثلاث حثيات، وأفضت الماء على سائر الجسد؛ فأنت بذلك تكونين قد طهرت. والحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها لا يلزمها نقض شعر رأسها، وإنما يكفيها أن تحثي عليه ثلاث حثيات، وتفيض الماء على سائر جسدها، وبذلك تكون قد طهرت من الجنابة. قوله: [ عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين، وقال زهير : أنها قالت ]. يعني ابن السرح . قال: إن امرأة من المسلمين، يعني: أنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة من المسلمين، وفي رواية زهير : أن أم سلمة قالت، فالرواية الأولى فيها إبهام السائل، وهكذا كانوا يفعلون، يكني الإنسان عن نفسه، فيقول: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي هو السائل، والمرأة كذلك أحياناً تقول: إن امرأة من المسلمين سألت، وتكون هي نفسها السائلة. قوله: [ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) ] اللفظ الأول: تحفني من الحفنات، واللفظ الثاني: تحثي من الحثيات. تراجم رجال إسناد حديث: ( إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح ]. زهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم ، روى عنه في صحيحه أكثر من ألف حديث، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة ، روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث، وكذلك محمد بن رافع هو مكثر عنه، لكنه أقل من هذين بكثير. و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. سعيد بن أبي سعيد هو المقبري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ]. عبد الله بن رافع مولى أم سلمة هو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( ...واغمزي قرونك عند كل حفنة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع -يعني: الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم -في معناه- قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة من طريق أخرى: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، ويحتمل أن أم سلمة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: إن امرأة من المسلمين تسأل عن كذا وكذا، ويحتمل أنها هي السائلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما يكفيك) يخاطب أم سلمة ، فيكون الخطاب لأم سلمة والجواب لتلك التي أوصتها أن تسأل. [ قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ]. يعني: أنها تحركها حتى يصل الماء إلى داخلها. تراجم رجال إسناد حديث: (... واغمزي قرونك عند كل حفنة) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع يعني: الصائغ ]. ابن السرح تقدم، و ابن نافع هو عبد الله بن نافع الصائغ وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أسامة ]. هو أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري الذي مر في الإسناد المتقدم، وهناك جاء باسمه، وهنا أتى بنسبته، وهو شخص واحد. [ عن أم سلمة ]. تقدم ذكرها. شرح حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) والمقصود: أنهن يكتفين بذلك، وأورده في باب المرأة هل تنقض شعرها أو لا تنفضه؟ لأنه يدل على أنها لا تنقضه، ويكتفين بذلك الفعل الذي يفعلنه. تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن أبي بكير ]. يحيى بن أبي بكير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن مسلم ]. هو الحسن بن مسلم بن يناق وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن صفية بنت شيبة ]. هو صفية بنت شيبة الحجبية العبدرية ، لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها. شرح حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (كنا نغتسل وعلينا الضماد) المقصود به: الشيء الذي تلبد به المرأة رأسها ليمسكه، فيغتسلن وعليهن الضماد وهن محلات ومحرمات، يعني: وهن في حال إحلالهن وإحرامهن فلا يزلن ذلك التلبيد الذي على رءوسهن، وإنما يفرغن الماء على رءوسهن. هذه الأحاديث كلها تدل على أن المرأة لا تنقض شعر رأسها عند إرادة الاغتسال. تراجم رجال إسناد حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد ]. مر ذكر نصر بن علي و عبد الله بن داود ، و عمر بن سويد ثقة أخرج له أبو داود وحده. [ عن عائشة بنت طلحة ]. هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها. شرح حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) ]. أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله عنه، وفيه التفريق بين الرجل والمرأة في نقض الشعر للغسل، فالأصل أن رأس الرجل يكون غير مضفور بل منشور، فعليه عندما يغسله أن يوصل الماء إلى أصوله؛ وأما المرأة فيكفيها أن تحثو عليه ثلاث حثيات، وليس عليها أن تنقضه كما دل عليه هذا الحديث وغيره من الأحاديث المتقدمة. وهذا فيه بيان أن الرجل يوصل الماء إلى شعره كله لأنه منشور، بخلاف المرأة إذا كان شعرها مضفوراً، فلا يلزمها نقضه وإيصال الماء إليه كله، بل يكفيها أن تصب عليه الماء ثلاثاً، وبذلك وردت الأحاديث المتعددة في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم للنساء. وقد سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وشعر رأسه، وكان يدخل أصابعه حتى يصل إلى البشرة، فهذا كله يتفق مع هذا الحديث الذي فيه أن الرجل يغسل شعره؛ لأنه في الأصل منشور غير مضفور، والمرأة يكفيها أن تصب على شعرها وعلى رأسها ثلاث حثيات أو ثلاث غرفات، وبذلك تكون أدت ما عليها من الغسل. تراجم رجال إسناد حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش ]. هو إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في روايته عن غيرهم، وهنا الراوي عنه يذكر بأنه قرأ في أصله، ومعناه: أنه ما سمع منه، وإنما رأى أصل كتابه وقرأ فيه هذا الإسناد. وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [ قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه ]. ابن عوف روى أولاً عن طريق قراءته في أصل إسماعيل ، وهو لم يسمع من إسماعيل ، وهي وجادة، ثم روى عن ابنه محمد عن أبيه، فله طريقان. قال في التقريب محمد بن إسماعيل بن عياش : عيب عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع. فيكون فيه انقطاع في الإسناد الأول وفي الإسناد الثاني، فالإسناد الأول غير متصل؛ لأنه ما سمع منه، والإسناد الثاني فيه محمد بن إسماعيل وروايته عن أبيه من غير سماع. [ حدثني ضمضم بن زرعة ]. ضمضم بن زرعة صدوق يهم أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير. [ عن شريح بن عبيد ]. شريح بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: أفتاني جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ أن ثوبان حدثهم ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. الأسئلة استقبال القبلة عند الغسل السؤال: ذكر النووي أن من السنة للمغتسل أن يستقبل القبلة ما صحة هذا الكلام؟ الجواب: ما نعلم له أساساً. غسل الجمعة لا يرفع الحدث الأصغر السؤال: استشكل بعض الإخوان ما ذكرتم من أن الإنسان إذا اغتسل غسل جمعة أو تبرد لا يكفيه عن رفع الحدث الأصغر ولو نوى؟ الجواب: نعم ولو نوى؛ لأن الوضوء لابد من الإتيان به على الترتيب، لكن لو كان عليه الحدث الأكبر ونوى أن يرفع الأصغر مع الأكبر جاز ذلك، وأما غسل الجمعة فليس لرفع حدث، والوضوء لابد فيه من الترتيب، يغسل وجهه، ثم يديه إلى المرفقين، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ فلا يكفي أن يغتسل للتبرد أو للجمعة وينوي رفع الحدث الأصغر؛ لأن رفع الحدث الأصغر يرتفع مع الحدث الأكبر إذا نوى رفعهما، أما هذا فليس فيه رفع حدث وإنما هو فعل شيء للتبرد، أو فعل شيء واجب أو مستحب على خلاف بين العلماء في حكم غسل الجمعة. أما إذا توضأ قبل غسل الجمعة فلا إشكال، بشرط ألا يلمس ذكره وهو يغتسل. غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر السؤال: ما الدليل على أن غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر؟ الجواب: هكذا ذكر العلماء إذا نوى رفعهما؛ لأن كلاً منهما عبادة، ورفع الحدث الأكبر يرفع الحدث الأصغر، فإذا نوى الحدثين، ولم يمس ذكره في حال اغتساله؛ فإنه يرتفع حدثه الأكبر والأصغر. تساوي الرجل والمرأة في المذي السؤال: هل المرأة تمذي؟ الجواب: لا شك أنها تمذي مثلما الرجل عند تذكر الجماع، والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [040] الحلقة (71) شرح سنن أبي داود [040] من رحمة الله تعالى وحكمته أن نهى عن جماع الحائض، فالحيض أذى، وفي جماعها أثناءه أضرار كثيرة عليها وعلى زوجها، ولكن جاءت الرخصة عن النبي عليه الصلاة والسلام في معاشرة الحائض والاستمتاع بها بما دون الجماع مخالفة لليهود. غسل الجنب رأسه بالخطمي شرح حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء) ]. يقول الإمام أبو داود رحمه الله باب: [في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟]. الخطمي هو نبات يغسل به الرأس وينظف به الرأس، والمقصود من الترجمة: هل استعمال الخطمي في غسل الجنابة يجزئ دون أن يضاف إليه ماء، هذا فيه تفصيل: الأصل أن الاغتسال يكون بالماء، وإذا أضيف إلى الماء شيء طاهر كالخطمي وغيره، فإن كان يصب عليه ماء بحيث يحصل التنظيف بعد ذلك بالماء، بحيث يكون غسل الرأس بالخطمي وتنظيفه بعد ذلك بالماء حتى يذهب أثره؛ فلا شك أن هذا مجزئ وكاف، وإذا اغتسل أولاً بالماء فقد حصل ارتفاع الجنابة من الإنسان، فإذا أضاف بعد غسله الخطمي فقد حصل الاغتسال قبل أن يأتي بالخطمي، لكن إذا جعل الخطمي في الماء وخلطه به وامتزج به، ثم بعد ذلك اغتسل به فهل يجزئه أو لا يجزئه إذا لم يضاف إليه الماء؟ في ذلك نظر وإشكال، والأحوط للإنسان أن يأتي بالماء حتى تبرأ ذمته، فيغتسل بالماء حتى يجري على سائر الجسد، وحتى يزيل آثار ذلك الذي تنظف به من خطمي أو غيره. أورد أبو داود هنا حديثاً لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه وهو جنب بالخطمي يجتزئ بذلك) أي: يكتفي بذلك دون أن يضيف إليه ماء أو يصب عليه ماء بعد ذلك، والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً، غير معروف. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...) قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ]. محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس بن وهب ]. قيس بن وهب ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن رجل من بني سواءة بن عامر ]. رجل من بني سواءة بن عامر، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء شرح حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء. حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء]، قيل: المقصود بهذه الترجمة: ما يفيض بين الرجل والمرأة بسبب التقائهما من الماء الذي هو المني أو المذي الذي يكون نتيجة لاجتماعهما والتقائهما، أي: كيف يغسل وكيف يطهر؟ والحكم في هذا: أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي أن يرش بالماء كما سبق أن مر بنا في الحديث: أنه أخذ كفاً من ماء فرشه به، وأما إذا كان منياً على الثوب فالمني طاهر وليس بنجس، وإذا كان المني يابساً فيكفي أن يفرك حتى تذهب هيئته وشكله، لا لأنه نجس وإنما لأن منظره ليس بطيب، ولا ينبغي للمسلم أن يظهر به، وإن كان رطباً غسله، يعني: صب عليه ماء حتى يزيل هيئته وشكله، وإلا فإنه طاهر ليس غسله من أجل التطهير، وإنما من أجل إظهار أو إذهاب المنظر الغير حسن، مثل البصاق في الثوب، هو طاهر لكن منظره غير مستساغ وغير مستحسن، فكونه يغسل حتى يذهب أثره طيب. إذاً: حكم ما يصير بين الرجل والمرأة نتيجة لالتقائهما من مني حيث يكون الإنزال أو من مذي حيث لا يكون إنزال، فإن المذي نجس، وتطهيره بأن يرش عليه شيء من ماء، والمني طاهر، وهو لا يغسل من أجل التطهر من النجاسة؛ لأنه ليس بنجس، ولكن يغسل من أجل أن يذهب المنظر الذي لا يستساغ ولا ينبغي أن يخرج به الإنسان، هذا هو المقصود من الترجمة فيما يظهر ويبدو. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً في إسناده ذلك الرجل المجهول في الإسناد السابق، وهو رجل من بني سواءة، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه). في بعض النسخ (عليه) يعني: على الماء الذي يجري بين الرجل والمرأة؛ لأن الماء في الترجمة المقصود به المني أو المذي، وقوله: (أخذ كفاً من ماء) هو الماء الذي يتطهر به، (فيصبه علي ويأخذ كفاً ويصبه عليه) ، وعلى نسخة: (علي) تعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رش ماء على ثوبها بكف من ماء، ويرش على ما في ثوبه بكف من ماء، وعلى نسخة: (عليه) فالضمير يرجع إلى ذلك الماء الذي هو مذي أو مني: يعني: يصب عليه كفاً من ماء، ثم يأخذ كفاً من ماء فيصبه عليه، فكأنه يكرر ذلك مرتين، والحديث عبارته فيها غموض، لكن هذا هو الذي يتبادر ويظهر من معناها. والحكم فيما يسيل من المذي والمني من الرجل والمرأة التطهر منه إذا كان مذياً برشه، سواء في ذلك الرجل أو المرأة، وإذا كان منياً فبفركه إن كان يابساً وبغسله إن كان رطباً، حتى يذهب الأثر الذي لا يستحسن الظهور به. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...) قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة عن عائشة ]. قد مر ذكر الأربعة. ما جاء في مؤاكلة الحائض ومجامعتها شرح حديث: (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت؛ فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ..)[البقرة:222] إلى آخر الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، لما فرغ من ذكر الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة شرع في ذكر الأبواب المتعلقة بالحيض وأحكام الحيض. وسبق أن ذكرت عند البدء بأبواب غسل الجنابة: أن أبا داود رحمه الله تعالى جعل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، فقال في أوله: كتاب الطهارة، وأتى بكل ما يتعلق بالطهارة تحت كتاب واحد، ثم أتى بكتاب الصلاة، و البخاري في صحيحه لم يأت بكتاب اسمه كتاب الطهارة، ولكنه أتى بأربعة كتب متفرقة يشملها كتاب الطهارة، فأتى بكتاب الوضوء، ثم أتى بكتاب غسل الجنابة، ثم أتى بكتاب الحيض، ثم أتى بكتاب التيمم، ثم بعده كتاب الصلاة، ولا مشاحة، وكل ذلك مستقيم، إن جمعت في كتاب واحد فيشملها الطهارة؛ لأنها طهارة صغرى وطهارة كبرى، طهارة كبرى تشمل الطهارة من الحيض، وتشمل التيمم الذي يقوم مقام الماء عند فقده، أو عند عدم القدرة على استعماله في الطهارة. ولما فرغ أبو داود رحمه الله من الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة بدأ بالأبواب المتعلقة بالحيض، وبدأ بمؤاكلة الحائض ومجامعتها، والمقصود بالمجامعة غير الجماع، فالمجامعة هي: الاجتماع والمصاحبة والمخالطة، فيذكر الاتصال بها، ويراد به مؤاكلتها ومشاربتها ومجالستها ومضاجعتها، وهذا يقال له مجامعة، وليس المقصود بالمجامعة الجماع؛ لأن الجماع ممنوع في الحيض، ولهذا قال في نفس الحديث: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). وقوله: (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن، فقوله: المواكلة يعني: كونه يأكل ويشرب معها، ويخالطها، وقوله: يجامعها بمعنى أنه يلتقي بها، ويحتك بها، وتمس بشرته بشرتها، ويفعل كل شيء إلا الجماع. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهود كان عندهم أن الحائض إذا حاضت أخرجوها من البيت أو اعتزلوها فلم يخالطوها، وأجاز الإسلام مخالطتها ومؤاكلتها ومشاربتها ومضاجعتها، وأباح منها كل شيء إلا الجماع كما قال الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فبين الإسلام أن هذا الذي يفعله اليهود لا يفعل، بل تخالط المرأة، ويجتمع بها، وتضاجع، وتباشر، قال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، فلما بلغ اليهود ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من مجامعة النساء ومخالطتهن، وعدم مفارقتهن قالوا: ما يريد هذا الرجل إلا أن يخالفنا في كل شيء! يعني: إذا رآنا نعمل شيئاً أمر بخلافه، وأرشد إلى خلافه، فهو يحرص على أن يخالفنا في كل شيء، فجاء عباد بن بشر و أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه أن اليهود قالوا: كذا وكذا، أفلا ننكحهن؟ يعني: من أجل المبالغة في مخالفة اليهود؛ لأننا خالفناهم في كونهم لا يخالطوهن، ونحن نخالط ونضاجع ونؤاكل ونشارب، ونفعل كل شيء إلا النكاح -الجماع- أفلا ننكحهن؟ فعند ذلك غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المخالفة لا تكون في معصية، وقد كانوا في زمن التشريع، والوحي ينزل، فيمكن أن يكون هناك نص، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ظهر عليه الغضب، قال الصحابة: حتى ظننا أنه وجد عليهما، يعني: أن في قلبه شيئاً عليهما. ثم قاما وخرجا، فجيء بهدية للرسول صلى الله عليه وسلم وهي لبن، فأرسل في أثرهما، وجاءا وسقاهما من ذلك اللبن، قالوا: فظننا أنه لم يجد عليهما، يعني: ما دام أنه دعاهما وأسقاهما، وأشركهما في هذه الهدية، وهذا يدل على أن الغضب الذي كان قد زال، وأنه ليس في نفسه عليهما شيء. هذا الحديث فيه بيان ما كان عليه اليهود من التشدد، ومن مجانبة النساء في حال الحيض، والابتعاد عنهن، ويقابلهم النصارى الذين يجامعوهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء، لا جماع ولا اعتزال، لا مجانبة ومباعدة ومفارقة، وإنما اجتماع واختلاط ومؤاكلة ومشاربة ومؤانسة إلا النكاح، فالنصارى زادوا حتى بلغوا إلى أنهم ينكحونهن ويجامعونهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء. قوله: [ عن أنس رضي الله عنه: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت ] معنى (يجامعوها) يعني: يخالطوها في البيت، وليست القضية قضية الجماع الذي هو النكاح، بل أكثر من هذا، فحتى المجالسة لا يجالسون الحائض، وكأن فيها وباء معدياً. قوله: [ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ]. وهذا فيه بيان سبب النزول، وهو أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يفعله اليهود، فأنزل الله: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى). قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح) ]. (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن في البيوت، ولا تفارقوهن ولا تعتزلوهن، واصنعوا كل شيء إلا النكاح، بل للزوج أن يتمتع بها في غير فرجها، فالأذى يجتنبه، وغير ذلك سائغ له، لكن الذي يخشى أن يقع في المحرم فعليه أن يبتعد عن المكان، فيستمتع بما فوق الإزار. قوله: [ (وقالت اليهود: ما يريد هذا أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما) ]. (قد وجد عليهما) يعني: غضب، من الموجدة، وهي: الغضب، وقالوا: إن كلمة (وجَد) تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصدر في أمور متعددة، يقال: وجَد من الغضب موجِدة يعني: غضب، ووجَد مطلوبه وجوداً، فالمصدر هنا وجوداً، وفي الضالة يقال: وجد ضالته وجداناً، وإذا كان من الغنى يقال: وجد يجد جِدة بمعنى: استغنى، فهي ألفاظ تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصادر باختلاف المعاني، هذه فائدة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأنا أشرت إليها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري فيما يتعلق بالفوائد اللغوية. قوله: [ (فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما) ]. (فاستقبلتهما) يعني: هما خارجان والهدية أقبل بها صاحبها، وحصل التلاقي بين اللذان خرجا من عند رسول صلى الله عليه وسلم وبين الذي جاء بالهدية، فلما دخل صاحب الهدية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهما، ولما رجعا سقاهما، وهذا فيه بيان أن ما في نفسه عليهما قد زال، ولهذا قالوا: إن ظن الأولى جاءت على بابها وهو غير اليقين، وظن الأخيرة جاءت بمعنى اليقين، والظن يأتي لليقين ولما دون اليقين للشك وللتردد في الشيء وعدم الجزم به، فمثال مجيء ظن بمعنى استيقن: قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة:46] يعني: يستيقنون ويعتقدون أنهم ملاقو ربهم، فهنا الظن بمعنى اليقين، ويأتي بمعنى الشك أو التردد الذي هو غير يقين، مثاله قوله هنا: حتى ظننا أنه وجد عليهما، ولما ردهما وأعطاهما من اللبن وسقاهما تيقنوا أنه ليس في نفسه عليهما شيء. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ] . هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث إسناده رباعي، وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات، وهذا منه، ففيه موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و ثابت البناني و أنس بن مالك ، وهذا الحديث مسلسل بأهل البصرة؛ لأن هؤلاء الأربعة من أهل البصرة. أيضاً: الإسناد مسلسل برجال الكتب الستة، موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وحماد بن سلمة ، وثابت البناني ، وأنس بن مالك . [ وقول الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] أي: شيء مستقذر، فهو دم خبيث وأذى، وفيه مضرة، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: ما دام هذا الأذى موجوداً، وليس المقصود أن كل حائض تتأذى من الجماع، لكن نفس الدم الذي في فرجها أذى، فلا تجوز المجامعة، ولا شك أنها تتأذى بالجماع أيضاً، ويحصل لها ضرر، لكن المقصود أن دم الحيض هو نفسه أذى؛ لأنه دم نجس، والأذى هنا بمعنى القذر والنجاسة، وقد يكون الأذى بمعنى الألم، فالكلمة قد تحتمل عدة معان كلها يمكن أن تعتبر. هذا والرسول صلى الله عليه وسلم وافق اليهود في أشياء، بل وافق الكفار الذين كانوا يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين في أشياء، يعني: أقرها الإسلام، مثل المضاربة فقد كانت من أعمال الجاهلية وأقرها الإسلام، ومثل الولي في النكاح كان معتبراً في الجاهلية وأقره الإسلام، فتوجد أشياء من أعمال الجاهلية، أو من أعمال اليهود والنصارى أقرها الإسلام، لكن الشيء الذي يكون من خصائصهم فإن الإسلام ينهى عنه وعن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم. شرح حديث (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها (كانت تتعرق العظم)، يعني: تأخذ العظم الذي عليه بقية لحم ليس بكثير، بحيث إن الإنسان يأكل وينتهي منه، ولا يعيده إلى الصحن أو على الصماط، وإنما إذا أراد أن يتعرق فإنه يخفف اللحم الذي عليه حتى لا يفسده على أحد يريد أن يأكل من اللحم الذي نهش منه، فكانت تأخذه وتنهش منه قطعة من اللحم، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، (فيضع فمه على المكان الذي وضعت فمها فيه) أي: من ذلك العظم، وهذا فيه مؤاكلة الحائض، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكل مع عائشة وهي حائض، ولم يكتف بمجرد كونه يأكل معها من صحن واحد أو من إناء واحد، بل من نفس العظم، ومن نفس المكان الذي مسه فمها يضع فمه عليه صلى الله عليه وسلم، فالمرأة جسدها طاهر، وإنما النجاسة والحيض في فرجها وليس في يديها أو فمها، وإنما النجاسة في موضع معين منها، فمؤاكلتها ومخالطتها ومضاجعتها ليس فيها بأس، وهذا فيه مطابقة للترجمة من حيث المؤاكلة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يؤاكلها، بل ويضع فمه على موضع فمها. (وكانت تشرب الماء من الإناء، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في المكان الذي وضعت فيه فمها) أي: الجهة التي شربت منها في الإناء يشرب منها صلى الله عليه وسلم، ففيه المشاربة للحائض. والعرق هو: العظم الذي عليه بقية اللحم، وقد جاء في بيان أحوال المنافقين قوله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) يعني: لو كان يعلم أن في المسجد لحم يوزع، ولو كان اللحم يسيراً بأن يكون عظم عليه بقية لحم، لشهد العشاء لكي يأخذ نصيبه من اللحم؛ لأن قصدهم وهمهم الدنيا، ولا يريدون الآخرة والعياذ بالله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) يعني: لو كانوا لا يستطيعون الوصول إلى المسجد على أرجلهم، فللحرص على تحصيل هذا الثواب لصاروا يحبون على الركب حبواً، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر، وكان الواحد منهم يصيبه المرض فلا تسمح نفسه أن يصلي في البيت وهو مريض معذور، فيأتي إلى المسجد يهادى بين الرجلين، رجل يمسك عضده اليمنى، وآخر يمسك عضده اليسرى، ورجلاه تخطان بالأرض، حتى يقام في الصف، لا يستطيع أن يصل إلى الصف بمشيه، هكذا كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين يعرفون عظم شأن صلاة الجماعة، وأجر صلاة الجماعة. قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) وهو عظم عليه بقية لحم، والتعرق: هو الأخذ بالأسنان من ذلك اللحم الذي في ذلك العرق، والمرماتين هما ما بين ضلعي الشاة من اللحم. تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...) قوله: [ حدثنا مسدد ] . هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ] . هو عبد الله بن داود الخريبي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وعبد الله بن داود الخريبي هذا نقل عنه الحافظ في فتح الباري كلمة عظيمة، يقول: قال عبد الله بن داود الخريبي : إن أشد آية على أصحاب جهم قول الله عز وجل: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله، يعني: عليه أن يأخذ بما فيه؛ لأن الله قال: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، والإنذار للصحابة الذين نزل عليهم، ولكل من يبلغه هذا الخبر، فمن بلغه القرآن وسمعه وقرأه أو اطلع عليه فكأنما سمعه من الله؛ لأن الله تعالى يقول: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فالذين ينفون صفات الله عز وجل عن الله، وينفون عنه الأسماء والصفات قد أنذروا بالقرآن، وقد جاء في هذه الآية أن الإنذار للموجودين ولكل من يبلغه من الموجودين الذين لم يلقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين يأتون بعد زمانه في القرون والعصور المختلفة، قال رحمه الله: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله يعني: عليه أن يتقيد بما فيه، وأن يأخذ بما فيه، وأن يصدق بما فيه، وأن يعمل بما فيه، وينتهي عما فيه من النواهي. [ عن مسعر ] . هو مسعر بن كدام ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المقدام بن شريح ] . المقدام بن شريح ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] . هو شريح بن هانئ ، ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مثل ابنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها. شرح حديث: ( كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري، فيقرأ وأنا حائض) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، فيقرأ القرآن وهي حائض، والحائض لا تقرأ القرآن، وهذا يدل على الترجمة من جهة مخالطتها، والاجتماع بها، والاتصال بها، وكل شيء يجوز معها إلا الجماع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، وهذا فيه دليل على مخالطة المرأة الحائض. وفيه دليل أيضاً على قراءة القرآن في حال الاضطجاع، فيقرأ الإنسان القرآن مضطجعاً وقاعداً وقائماً، وهنا قالت: (يضع رأسه في حجري -يعني: وهو مضطجع- ويقرأ القرآن). وفيه أيضاً: جواز قراءة القرآن عند الاتكاء على الحائض، أو وضع الرأس في حجر الحائض، وإن كان في مكان قريب من النجاسة؛ لأن رأسه في حجرها، وفرجها هو الذي فيه الدم النجس، فدل هذا الصنيع من رسول الله عليه الصلاة والسلام على هذه الأمور. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ] . هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن عبد الرحمن ]. هو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي ، من بني عبد الدار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة ، وهي حجبية أيضاً، ولها رؤية، والذي يروي عنها هو ابنها منصور بن عبد الرحمن بن طلحة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. ما جاء في الحائض تناول من المسجد شرح حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض تناول من المسجد. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخُمرة من المسجد. فقلت: إني حائض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [الحائض تناول من المساجد]، يعني: أنها تمد يدها إلى المسجد، سواء كان من باب أو نافذة، فهذا لها، وإن كانت الحائض لا تدخل المسجد، ولا تبقى فيه، ولكنها يمكن أن تناول من في المسجد وهي خارج المسجد، سواء من الباب، أو من فوق جدار إذا كان الجدار قصيراً، أو من نافذة تكون على المسجد، فمدها يدها إلى المسجد لا مانع منه، ولا بأس به. قوله: (ناوليني الخُمرة من المسجد) يعني: أنه في المسجد، وهي خارج المسجد. قوله: [ (فقالت: إني حائض. قال: إن حيضتك ليست في يدك) ] فيدها إذا دخلت المسجد فهي طاهرة، والنجاسة في فرجها وليست في يدها، ومعناه: أن جسمها طاهر، وأعضاءها طاهرة، وإنما النجاسة في مكان محدد، فهذا فيه دليل على أن إدخال المرأة يدها أو يديها أو رأسها إلى المسجد، وكونها تناول شيئاً لمن في المسجد لا بأس به ولا مانع منه. قال بعض أهل العلم: وفيه أيضاً دليل على أن من حلف لا يدخل داراً، ثم مد يده إليها أو ما إلى ذلك لا يعتبر أنه دخلها، مثل مد اليد للمسجد لا يعتبر دخولاً للمسجد، ولا بأس بذلك، وإنما يكون الدخول إذا دخلها بكليته، فلو أنه ناول شيئاً، أو أدخل رأسه مع شباك في تلك الدار؛ فلا يعتبر أنه دخل الدار حتى يدخلها بكامله. تراجم رجال إسناد حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك) قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ] . هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت بن عبيد ]. ثابت بن عبيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم ] . هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. ما جاء في الحائض لا تقضي الصلاة شرح حديث : (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض لا تقضي الصلاة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة (أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهذا من الأحكام المتعلقة بالحائض، وهي أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وقد جاءت الشريعة بذلك، والحكمة في هذا -والله أعلم-: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والصيام لا يأتي إلا مرة واحدة وشهراً في السنة، فإذا وقع الحيض فيه فإنه يسهل أن يقضى، وأما الصلاة فإن الأيام تتوالى كل يوم خمس صلوات، فلم يشرع للنساء أن يقضين الصلاة، وشرع لهن أن يقضين الصيام؛ لأن الصلاة تتكرر، يأتي في شهر واحد من السنة فيقضى بسهولة. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن معاذة العدوية سألتها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! يعني بسبب سؤالها عن كونها تقضي الصلاة، فإن هذا هو شأن الخوارج، يرون أن الحائض تقضي الصلاة، وهذا من تشددهم وتنطعهم وتكلفهم، فلما سألتها هذا السؤال، قالت: أحرورية أنت، يعني: أهل أنت من الخوارج؟! فقالت: لا؛ ولكني أسأل، والسائلة هي نفسها معاذة العدوية هذه، فقالت: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) يعني: لا نباشر القضاء، ولا نؤمر بالقضاء، ولم يوجد منا ذلك الفعل، ولم نؤمر به، ومن المعلوم أن الأمر إذا ذكره الصحابي فإنما يريد به الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولها: (لا نؤمر) يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال: (أمرت) فالآمر له هو الله، والصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا، فالذي أمرهم أو نهاهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ عن الله كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. قوله: [ عن معاذة أن امرأة سألت عائشة ]. هي كنّت عن نفسها بامرأة، يعني: ما قالت: إني سألت عائشة ، وهي التي سألت، ولكنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة، وهكذا الإنسان عندما يريد أن يسأل عن شيء وهو صاحب السؤال ولا يحب أن يظهر اسمه في السؤال ينبغي له أن يقول: ماذا تقول في رجل حصل منه كذا، أو حصل له كذا؟ أو تقول: رجل يسأل حصل له كذا وكذا. لا بأس بذلك، ولكن جاء في بعض الروايات التصريح بأنها سألت عائشة ، وهنا كنت عن السائلة بامرأة. قوله: [ (أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ]. وجاء في رواية في الصحيحين: (قالت: لا؛ ولكني أسأل. قالت: كنا نحيض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . وفي هذا الحديث دليل على لزوم الاتباع للسنة فعلاً وتركاً، وامتثال أحكام الشريعة، وأن ما جاءت به الشريعة يجب امتثاله بالفعل والترك، وأن الإنسان لا يقدم أو يحجم إلا بدليل. تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. تقدم ذكره. [ حدثنا وهيب ]. وهيب هو وهيب بن خالد ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي ثقة ، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ أن امرأة سألت عائشة ] . عائشة قد مر ذكرها. شرح حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن عمرو أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : وزاد فيه: (فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة التنصيص على الأمر بقضاء الصوم، وعدم الأمر بقضاء الصلاة، حيث قالت: فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. هو الحسن بن عمرو السدوسي ، صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - ]. سفيان بن عبد الملك - ثقة، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي . [ عن ابن المبارك ] . هو عبد الله بن المبارك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ] . هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن معاذة عن عائشة ]. مر ذكر الثلاثة. الأسئلة حكم غسل المذي من الجسد السؤال: إذا كان المذي على الجسد فما حكمه؟ الجواب: لابد أن يغسله، ولا يوجد اغتسال في خروج المذي، لكن في خروج المني اغتسال، والرش إنما ورد على الثوب، أما إذا كان على الجسد فيغسله كما تقدم في غسل الذكر. غسل المني والمذي الذي يسيل على الجسد والثوب السؤال: هل الترجمة معقودة على ما يسيل على بدن الرجل والمرأة أو على ثيابهما؟ الجواب: الذي يبدو أنه على الثياب؛ لأن ما يسيل على البدن من المني لابد فيه من الاغتسال من الجنابة، وما يسيل من المذي لابد فيه من إزالة النجاسة عن جسد الإنسان؛ ولهذا جاء أنه يغسل فرجه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [041] الحلقة (72) شرح سنن أبي داود [041] اختلف العلماء فيمن يأتي أهله وهي حائض بناء على الأحاديث الواردة في الباب، فمن صححها حكم بالكفارة ديناراً أو نصف دينار، ومن ضعفها أمر بالاستغفار، كما ذكر الفقهاء أحكاماً كثيرة لصلاة المستحاضة، وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أحكامها، وقد بين العلماء كل ما يتعلق بها من حيث بيان حالها وشرحها، والجمع بين ما ظاهره متعارض منها. حكم إتيان الحائض شرح حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان الحائض حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار). قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) وربما لم يرفعه شعبة ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض]، والمقصود من هذه الترجمة: بيان ما يترتب على إتيان الحائض، أما حكم إتيان الحائض في الفرج فهو حرام بإجماع المسلمين؛ لدلالة الكتاب والسنة على ذلك، وإجماعهم منعقد على هذا، ومن وقع في هذا الخطأ وجامع زوجته الحائض في الفرج فإنه يأثم؛ لحصول المخالفة، واختلف العلماء فيما يجب عليه، فذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه ديناراً أو نصفه كفارة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا كفارة عليه، وإنما عليه أن يستغفر الله، وأن يتوب إليه من هذا الذنب الذي حصل منه. والحاصل: أن إتيان الحائض في حال حيضها في فرجها حرام بإجماع العلماء، ومن فعله فقد اختلف العلماء: هل عليه كفارة أو لا، فبعض أهل العلم قال: لا كفارة عليه، ويستغفر الله، ومنهم من قال: عليه كفارة، وهي دينار أو نصفه. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) يعني: كفارة عن هذا الذنب الذي حصل منه، لكن لا يجوز له أن يقدم عليه؛ لأن الإقدام عليه حرام، وإذا أقدم عليه الإنسان فإنه يتوب إلى الله عز وجل، ويكفر عن ذلك الذنب وعن ذلك الفعل الذي حصل منه بالتصدق بالدينار أو نصف الدينار، قال بعض أهل العلم -وقد جاء عن ابن عباس موقوفاً عليه -: يكون الدينار إذا أتاها في قوة الدم، وفي شدة فورانه وسيلانه، وإذا كان في آخره بعد حصول الجفاف واليبس، إلا أنه بقي له آثار صفرة أو غير ذلك مما هو داخل في مدة الحيض؛ فيكون عليه نصف دينار. وقال بعض أهل العلم: إنه مخير بين الدينار ونصفه، إن فعل هذا وإن فعل هذا كل ذلك يحصل به المقصود. تراجم رجال إسناد حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ]. هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى عبد الله بن الحارث ، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه، وقد اشتهر بهذا الأخير، وهو صدوق يرسل، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه جماعة من أهل العلم، منهم أبو داود في قوله: هكذا الرواية الصحيحة، وكذلك الحاكم ، و ابن القيم ، و ابن القطان وغيرهم. ومن العلماء من رأى أنه لا كفارة على من وطئ امرأته وهي حائض، بل يستغفر الله ويتوب إليه مما حصل. [ قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) ]. يعني: هذه الرواية الصحيحة التي فيها الجمع بين الدينار ونصف الدينار للتخيير في ذلك. قوله: [ وربما لم يرفعه شعبة ]. يعني أنه جاء مرفوعاً، وجاء موقوفاً على ابن عباس ، لكن العلماء صححوه مرفوعاً، ورأوا أن من أتى أهله وهي حائض فإن عليه كفارة ديناراً أو نصف دينار، وبعضهم ضعف الحديث بسبب الاختلاف في رفعه ووصله، وكونه جاء على أوجه مختلفة. ولمعرفة مقدار الدينار فإن النصاب في إخراج الزكاة عشرون مثقالاً، وهي عشرون ديناراً، والدينار جزء من عشرين جزءاً مما تجب فيه الزكاة من الذهب، والنصاب -كما هو معلوم- اثنان وتسعون غراماً، فنصف العشر من هذا النصاب يعتبر هو مقدار الدينار. شرح أثر ابن عباس : ( إذا أصابها في أول الدم فدينار ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام المطهر حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم ]. أورد أبو داود عن ابن عباس أثراً موقوفاً عليه، فصل فيه وقت لزوم الدينار ولزوم نصف الدينار، فلزوم الدينار إذا كان الوطء في شدة الدم وفورانه وكثرته وغلظه، ونصف الدينار إذا كان في خفته في آخر العادة وفي قرب انقطاعه، فيكون الدينار في حال شدته وفي أول إقباله، والنصف الدينار في آخر مدة الحيض، حين يخف ويقرب من الانقطاع. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: ( إذا أصابها في أول الدم فدينار ..) قال: [ حدثنا عبد السلام المطهر ]. عبد السلام بن مطهر هو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - ]. هو جعفر بن سليمان الضبعي ، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن الحكم البناني ]. علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الحسن الجزري ]. أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي . [ عن مقسم عن ابن عباس ]. عن مقسم وابن عباس مر ذكرهما. [ قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج : عن عبد الكريم عن مقسم ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبيد بن جريج المكي ، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعبد الكريم هو عبد الكريم بن مالك الجزري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. وقد مر ذكره. وهذه الآثار صححها الألباني بطرقها؛ لأن في الطريق الأولى أبا الحسن الجزري ، وفي الطريق الثانية هذه عنعنة ابن جريج ، وهذا التفصيل من حيث شدة الأذى وخفة الأذى له وجه، والله تعالى قال: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:22] ففي حال شدة الأذى وشدة الحيض تكون الكفارة أغلظ، وفي حالة خفته حيث يكون على وشك الانقطاع تكون الكفارة أخف، وبعض أهل العلم يقول: إنه على التخيير؛ إن شاء أن يخرج هذا وإن شاء أن يخرج هذا. شرح حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض؛ فليتصدق بنصف دينار). قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ]. في هذا الحديث اقتصر على ذكر نصف الدينار، وأبو داود رحمه الله في الحديث الأول قال: هكذا الرواية الصحيحة: (دينار أو نصف الدينار)، ففيه الإشارة إلى أن الروايات التي ليس فيها ذكر الدينار ونصف الدينار غير صحيحة، وهما هاتان الروايتان: الرواية التي فيها نصف دينار فقط، والرواية التي فيها خمسي دينار. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...) قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في التاريخ، ومسلم أصحاب السنن. [عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، صدوق سيئ الحفظ، تغير بأخره، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. [ عن مقسم عن ابن عباس ] . مقسم عن ابن عباس مر ذكرهما. هذا الحديث ضعيف، فيه خصيف ، وفيه أيضاً شريك ، وإشارة أبي داود في الحديث الأول إلى الرواية الصحيحة التي فيها الدينار أو نصف الدينار فيها إشارة إلى ضعف الروايات التي فيها النصف وحده أو الخمسان. [ قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. علي بن بذيمة ثقة أخرج له أصحاب السنن. وقوله: [ عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. يعني: أن مقسماً رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تابعي، فيكون مرسلاً، وهذا مرسل على الاصطلاح المشهور، وهو: أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فالمرسل أن يضيف التابعي فيه الحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويطلق المرسل أيضاً على رواية الراوي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره، في أي مكان من السند، وهذا المرسل في اصطلاح الفقهاء، وهو المنقطع. قوله: [ وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ]. الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويزيد بن أبي مالك ، صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وعبد الحميد بن عبد الرحمن قد مر ذكره، وهو ابن زيد بن الخطاب . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتصدق بخمسي دينار) قال: وهذا معضل، والمعضل في اصطلاح المحدثين: هو الذي سقط منه اثنان متواليان في أي مكان من السند، وهنا كون عبد الحميد بن عبد الرحمن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه سقوق الصحابي والتابعي، وهذا يسمونه المعضل، وهو ما سقط من إسناده اثنان بشرط التوالي، فإن كانا متفرقين بأن يكون الأول سقط في موضع، والثاني في موضع آخر، فيقولون عنه: منقطع، ولا يقولون عنه: معضل؛ لأن المعضل شرطه التوالي. ما جاء في الرجل يصيب من الحائض ما دون الجماع شرح حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يصيب منها -أي: من أهله- ما دون الجماع، وهذا سائغ، ولا بأس به، وقد مضى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) فالممنوع هو الجماع، وأما ما دون الجماع فإنه مباح، لكن اختلف في المكان الذي تحصل منه المباشرة، فما فوق السرة وتحت الركبة لا خلاف فيه بين العلماء، وكون الإنسان يباشرها وقد ائتزرت بمئزر من السرة إلى الركبة فهذا باتفاق العلماء، وأما ما دونه في غير الفرج فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من منعه، ومنهم من كرهه، ومنهم من أجازه بشرط أن يبتعد عن المكان المحرم وهو الفرج، فالجماع في الفرج هو المحرم، وأما الاستمتاع بالمرأة في غير ذلك فلا بأس به، ولكن الإنسان يبتعد عن المكان الذي يخشى أن يصل إليه بسبب مقاربته إياها؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كانت إحداهن حائضاً يأمرها فتضع عليها مئزراً تشده عليها إلى نصف الفخذين أو إلى الركبتين، ثم يباشرها وهي حائض، فدل هذا على جواز الاستمتاع بالمرأة في غير المحل الذي منع منه الرجل، وهو بالاتفاق ما فوق الإزار، يعني: ما فوق السرة ودون الركبة، وعلى خلاف فيما دون ذلك بشرط ألا يكون في الفرج. قوله: [ (إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ]. يعني: تشده على وسطها وعلى حجزتها بحيث يكون حاجزاً بين الرجل وبين المكان الذي هو الحمى أو قريباً من الحمى. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ...) قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب مولى عروة ] . هو حبيب مولى عروة بن الزبير ، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي . [ عن ندبة مولاة ميمونة ]. ندبة مولاة ميمونة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود والنسائي . [ عن ميمونة ]. ميمونة أم المؤمنين، بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر، ثم يضاجعها زوجها) وقال مرة: (يباشرها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت إحدى نسائه حائضاً أمرها أن تتزر فيضاجعها، وفي رواية: (يباشرها)، والمباشرة هي التصاق البشرة بالبشرة، وذلك جائز فيما فوق السرة ودون الركبة باتفاق العلماء، وعلى خلاف بينهم فيما دون ذلك بشرط ألا يقع في المحرم الذي هو الجماع في الفرج. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن منصور ] . شعبة تقدم ذكره، ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يتبع |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت بالشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، ولم يعدُه، ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني: ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعدُه، ثم صلى فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد، والشعار: هو الثوب الذي يلي البشرة، ويتصل بها مباشرة، سُمي شعاراً لأنه يتصل بالشعر، وبالجسد، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار عندما بين فضلهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين، عندما أعطى المؤلفة قلوبهم المئات من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً، فوجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، ولم يعطوا مثل ما أعطي الناس، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في نفوسهم جمعهم في مكان، وتكلم معهم، وأخبرهم بما هو أحسن لهم من الإبل والمال، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار) ، يعني: أن الأنصار مني بمنزلة الشعار الملتصق بالجسد، والدثار هو الثوب الذي يكون وراءه. ومعنى حديث عائشة: أن كلاً منهما يبيت في الشعار، وليس المعنى أنهما داخل شعار واحد بلا حاجز، ولا فاصل بينهما، ولكن هي عليها شيء، وهو عليه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا أصابه منها شيء من الدم غسل المكان الذي أصابه منه، ولم يعده، يعني: لا يتجاوز المكان الذي وقع فيه الدم، بل يغسل المكان الذي فيه الدم فقط، وهذا هو معنى (ولم يعده). وإذا أصاب ثوبه شيء من الدم فإنه يغسله، ولا يعده، يعني: لا يتعداه أو يتجاوزه، ثم يصلي فيه؛ لأنه غسل مكان النجاسة فبقي الثوب على طهارته، ولا يغسله كله ما دام أن النجاسة عرف محلها؛ فيكفي غسل المكان المتنجس من الثوب، لكن إذا جهلت النجاسة في الثوب، ولم تكن متبينة بلونها أو علامتها وأثرها فيجب غسل الثوب، وذلك إذا علم بأن فيه نجاسة وجهل موضعها من الثوب؛ لأنه لا يحصل اليقين إلا بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...) [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو يحيى بن سعيد القطان . [ عن جابر بن صبح ]. جابر بن صبح ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت خلاساً الهجري ]. هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عائشة ]. وقد مر ذكرها. شرح حديث: (... ادني مني، فقلت: إني حائض ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم - عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - عن عمارة بن غراب أنه قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: (إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد. قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده -قال أبو داود : تعني: مسجد بيته- فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد فقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: (وإن، اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذيّ، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها عن المرأة مع زوجها ليس لهما إلا فراش واحد، فإذا كانت هي حائض فهل تنام معه أو أنها تعتزل الفراش؟ فقالت: (أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده) قال أبو داود : أي: مسجد بيته. أي: المكان الذي كان يصلي فيه من بيته. قوله: (فلم ينصرف حتى غلبتني عيني)]. يعني: أنه بقي يصلي وهي مضطجعة على الفراش حتى غلبها النوم، وهو مستمر في الصلاة. قوله: [ فأوجعه البرد ] يعني: حصل له برد. قوله: [ (فجاء وقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: وإن) ] فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدنو منه وألا تكون بعيدة وإن كانت حائضة، فقوله: (وإن) فيها حذف كان واسمها وخبرها، يعني: وإن كنت حائضاً، فحذفت كان واسمها وخبرها لدلالة ما تقدم عليه، وهذا سائغ ومعروف في اللغة حيث يحذف الشيء إذا كان معلوماً، سواء كان واسمها وخبرها، أو المبتدأ والخبر، وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل في سورة الطلاق: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] أي: واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر؛ لدلالة ما قبلها. قوله: [ (اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي) ]. ضاجعها واتصل بها، وجعل رأسه على فخذيها، وكل ذلك لا يؤثر. تراجم رجال إسناد حديث: (ادني مني، فقلت: إني حائض ...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم-]. صدوق وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، وهو صدوق ضعيف في حفظه، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن عمارة بن غراب ]. عمارة بن غراب ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود . [ قال: إن عمة له ]. في التقريب ما ذكر عنها شيئاً، وإذا كان الراوي عنها مجهولاً وهي مبهمة فهي من باب أولى مجهولة، والحديث في إسناده الأفريقي وهو ضعيف، وفي إسناده هذا المجهول، وأيضاً عمته التي هي مجهولة مثله. شرح حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندنُ منه حتى نطهر) ]. هو الفراش، والحصير هو الذي يوضع على الأرض، وهو غير الفراش الذي كان ينام عليه صلى الله عليه وسلم هو وعائشة رضي الله عنها، قوله: [ (فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندن منه حتى نطهر) ]. هذا خلاف ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من المضاجعة والمباشرة، فالحديث غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير ...) قوله: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار ] . صدوق أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي اليمان ] . هو أبو اليمان الرحال ، وهو مستور، أخرج له أبو داود ، والمستور هو مثل مجهول الحال. [ عن أم ذرة ]. أم ذرة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود . [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها، والحديث غير صحيح، فيه المستور أبو اليمان الرحال ، وفيه أم ذرة مولاة عائشة وهي مقبولة. شرح حديث: (كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) ]. أورد أبو داود حديثاًَ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً فيباشرها، وهذا يدل على جواز الاستمتاع من المرأة الحائض في غير الفرج. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم]. شرح حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر، ثم يباشرنا، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟) ]. قولها: (في فوح حيضتنا) يعني: في شدة فورانها، وهو الوقت الذي يكون فيه الحيض شديداً. قولها: [ وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟]. ٍالإرب هو الوطر أو الحاجة. وكون الإنسان يباشر المرأة وهي حائض في غير الفرج سائغ؛ لكن قولها: (وأيكم يملك إربه؟) محمول على الصيام، ففي حال الصيام الإنسان يمنع من أن يحصل منه شيء، وأما في غير الصيام فالإنسان له أن يستمتع من زوجته الحائض لكن في غير الفرج، فيقضي وطره وحاجته في غير الفرج، ولكن الشيء الذي يمنع هو الجماع في الفرج، وأما مباشرة المرأة في حال الصيام بالاحتكاك بها أو القرب منها فإنه يؤثر، وقد يحصل منه إنزال أو ما إلى ذلك، فعليه أن يبتعد، وألا يعرض صومه للفساد، لكن في غير حال الصيام فللإنسان أن يستمتع بالحائض، وله أن يقضي منها حاجته؛ لكن في غير المكان المحرم. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي الكوفي ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. هو أبو إسحاق الشيباني ، واسمه سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو الأسود بن يزيد النخعي ، وقد مر ذكره. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. مباشرة الحائض في غير الجماع سائغ ولا بأس به، وما فوق الإزار وتحت الركبة جائز باتفاق العلماء، وما كان دون ذلك ولكن في غير الفرج ففيه خلاف بين أهل العلم، ويدل على كونه سائغاً قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، والنكاح إنما هو في مكان الأذى الذي قال الله عز وجل عنه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فالمباشرة لها ما بين الركبة والسرة سائغة؛ ولكن من يخشى على نفسه أن يقع في الأمر الحرام فعليه أن يكون بعيداً عن الحمى والمحل الذي إذا وقع فيه وقع في الحرام، فلا يباشر فيما بين السرة والركبة إذا كان يخشى على نفسه الوقوع في الأمر المحرم، وإن كان لا يخشى فلا بأس بذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وكان أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، فتقبيل الرجل لامرأته في حال صيامه لا بأس به، لكن بشرط أن يطمئن إلى أنه لا يحصل منه إفساد لصيامه لخروج المني بسبب هذه المباشرة، وبسبب هذا التقبيل والمقاربة. وأما بالنسبة للوضوء فالإنسان له أن يقبل زوجته وهو على وضوء، فإن خرج منه مذي فسد وضوؤه، وعليه أن يعيد الوضوء، وإن لم يخرج منه مذي فإن وضوءه على حاله. وكان عليه الصلاة والسلام يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر المرأة وهي حائض وهو أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، وكونه يباشر زوجته وهي حائض لأنه يتمكن من عدم الوقوع في الأمر المحرم، بخلاف غيره فإنه قد يتمكن وقد لا يتمكن. وبالنسبة للصائم الذي يعرف من نفسه أنه لا يحصل منه إفساد صيامه بسبب التقبيل والمباشرة فلا بأس أن يقبل، وإذا كان يعرف من نفسه أنه يحصل منه الأثر المترتب على ذلك وهو إفساد الصوم؛ فإنه لا يجوز له أن يقبل، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر أهله حال الحيض، وهو أملك الناس لإربه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحاصل: أن الإنسان إن كان متوضئاً وقبل أو باشر أهله، وحصل منه مذي بسبب ذلك؛ فإن وضوءه يفسد، وعليه أن يتوضأ، ويغسل النجاسة التي حصلت، وإن قبل وهو صائم أو باشر -أي: مست بشرته بشرتها بدون جماع- ولم يحصل منه إنزال؛ فإن صيامه على ما هو عليه، وإن حصل الإنزال فسد صومه، وعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفسده، وإن حصل منه الجماع فقد أفسده وعليه الكفارة التي هي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كانت زوجته في حال حيض، جاز له أن يباشرها فوق الإزار ودون الركبة أو ما دون ذلك، لكن بشرط ألا يصل إلى المكان المحرم، والفعل المحرم هو أن يطأها في الفرج، وأما ما وراء ذلك فإنه مباح، ولكن ما دون السرة وفوق الركبة فمن يخشى على نفسه أن يقع في الأمر المحرم فلا يجوز له أن يحوم حول الحمى؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان يحتاط لدينه، ولا يعرض نفسه للوقوع في الأمر المحرم. الأسئلة حكم سفر المرأة وحدها عند أمن الفتنة السؤال: هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم عند أمن الفتنة؟ الجواب: المرأة لا تسافر بدون محرم، سواء أمنت الفتنة أو لم تأمن، وأمن الفتنة معناه: أن تسافر مع أناس مأمونين فتأمن، لكن سفرها بدون محرم لا يجوز ولو كانت مع أناس مأمونين، فيحرم سفر المرأة بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وما قال: إلا إذا أمنت الفتنة فلها أن تسافر مع من تسافر معه ممن ليس محرماً، وإنما أطلق ذلك. مسافة القصر في السفر السؤال: كم المسافة التي يجوز فيها القصر في السفر؟ الجواب: المسافة التي يحل للإنسان أن يترخص برخص السفر إذا سافرها في حدود ثمانين كيلو، وهي مسيرة يومين. حكم سفر المرأة لطلب العلم بلا محرم السؤال: في بلادنا قل أن توجد حلقات العلم التي توافق منهج السلف، فهل للمرأة أن تذهب إلى منطقة أخرى بدون محرم لحضور مجالس العلم بدليل الضرورة؟ الجواب: ليس لها ذلك، ولكن يمكنها أن تحصل العلم عن الكتب النافعة إن كانت قارئة، وإن كانت غير قارئة فعن طريق الأشرطة، وبذلك تحصل الدروس الكثيرة بدون أن تسافر بدون محرم، فذلك لا يجوز لها لا للعلم ولا لغيره، بل ولا لحج الفريضة، فإذا لم تجد المحرم فهي غير مستطيعة، فلا يجب عليها الحج. الزواج بالجنية المسلمة السؤال: هل يجوز الزواج بالجنية المسلمة؟ الجواب: وهل يمكن هذا؟! أصلاً الجن مختفون عنا مثل الملائكة، والملائكة يتشكلون وهم يتشكلون، وهم يروننا ولا نراهم قال الله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، لكن يمكن أن يتصور إذا تشكلت الجنية على صورة إنسان، فهم يتشكلون على صورة إنسان، وقد جاء في حديث أبي هريرة عندما أمسك الرجل الذي كان يحثي من الطعام، وراجع رسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقال له: (صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان)، لكن قضية الزواج بالجنية لا يجوز، فالله سبحانه وتعالى جعل الزواج من الجنس كما قال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] يعني: من جنسكم، وليس من جنس آخر، والشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى بحث هذه المسألة في أضواء البيان في سورة النحل عند الكلام على الآية فيها، وقال: إن الذي يظهر من نص القرآن أن الزواج إنما يكون بالجنس ومن الجنس، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فزواج الجنس من غير جنسه مخالف لما أرشد الله تعالى إليه. حكم حجز المكان في المسجد السؤال: ما حكم من يضع كتاباً في المسجد قبل الصلاة، ثم يأتي بعد الصلاة فيجد أحداً في مكانه، هل يجوز له أن يطرده من ذلك المكان محتجاً بأنه مكانه؟ الجواب: هذا لا يجوز، وإذا أقيمت الصلاة لا يتركون فجوة للكتاب! بل يجب عليهم أن يرفعوا الكتاب وأن يصفوا ويصلوا الصفوف. والإنسان إذا جاء المسجد وصلى في مكان مشاع فهو أحق به، أما كون الإنسان يضع شيئاً يحجز به مكاناً ثم بعد ذلك يريد أن يكون له ذلك المكان فلا يجوز ذلك، وإذا جاء إنسان وصلى في مكان وجلس في مصلاه فلا أحد يقيمه من مكانه. علاج الوسوسة السؤال: رجل يشكو من الوسوسة في كل أموره، فيرجو من فضيلتكم الإفادة والتوجيه؟ الجواب: عليه أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان، وأن يقبل على الأمور التي أوجبها الله عليه، فيفعلها ويؤديها كما هو مطلوب منه، يقبل على وضوئه ولا يوسوس، ويقبل على صلاته ولا يوسوس، وعليه أن يفهم أن غيره من المسلمين الذين على هذه الطريقة وعلى هذا المنهج يؤدون عباداتهم دون أن يحصل منهم هذا الوسواس والتردد في الشيء الذي فعله هل فعله أو ما فعله، فهل هو على حق حصل له دون غيره أو هو على بلاء تميز به عن غيره؟ وأولئك الذين لم يبتلوا بهذا البلاء، ويؤدون صلواتهم، ووضوءهم، وأعمالهم من غير أن يحصل لهم ذلك، فعليه أن يحرص أن يكون مثلهم، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يقبل على أعماله التي هي مطلوبة منه من غير أن يوسوس؛ لأنه بالوسوسة يكون كلما انتهى من شيء وقع في نفسه أنه ما أتمه، ثم يرجع إليه، حتى أن بعض الناس يدخل الحمام من حين الأذان إلى أن تقام الصلاة وهو في الحمام ما خرج، يتوضأ وكلما غسل عضواً قال: لا، ما غسلته! وهكذا حتى تقام الصلاة! فهذا تلاعب من الشيطان بالإنسان، ويمكن أن يئول أمره إلى الجنون والعياذ بالله! فعليه أن يحرص على أن يتدارك نفسه، وأن يفهم أن الناس كلهم الذين ما حصل لهم هذا في خير، وأنه في بلاء، فعليه أن يكون مثلهم، وأن يرجع إليهم، وأن يكون في دائرتهم ولا يشذ عنهم. حكم الأناشيد الإسلامية السؤال: كنت أستمع إلى الأناشيد، فأنكر علي بعض الشباب، وقال: إنها من باب الأغاني، فهل هي حرام أم مكروهة؟ الجواب: الأناشيد التي فيها تلحين وتطريب للأصوات، والمقصود منها الصوت وفتنة التلحين، والمعاني غير مقصودة، وإنما المهم هو الأصوات لا تنبغي، فمعلوم أن الشعر نفسه لو كان سليماً فالانشغال به غير محمود؛ لأنه يشغل عما هو أهم منه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً)، ولا شك أن المقصود بهذا الشعر الطيب؛ لأنه يشغل عما هو خير منه، وأما الشعر الرديء فبيت واحد منه يملأ الجوف من الشر، فالقضية ليست أن يقال: هذا شعر سيئ، فالشعر السيئ القليل منه كثير، ولكن المقصود: الانشغال بالشعر بحيث يشغل عن القرآن والحديث والحق والاشتغال بما ينفع، فهذا مذموم، فإذا كان الاشتغال بالشعر مصاحباً لتلك الأصوات والترانيم والتلحين وما إلى ذلك فهو أسوأ. والإنسان عليه إذا أنشد الشعر أو قرأ الشعر أن يقرأه بصوت ليس فيه تلحين يصرف عن المعاني، فتعشق الأصوات، بل يقرأ أو يسمع الشعر إذا أراد أن يسمع وهو بقوة وبجزالة، وبالطريقة التي كان ينشد بها الصحابة رضي الله عنهم كحسان و عبد الله بن رواحة وغيرهما، ليست بهذه الطريقة التي يجتمع فيها مجموعة أمام مكبر الصوت وأمام التسجيل، ثم تسجل بأصوات مجتمعة بتلحين، فهذا من الأشياء الجديدة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) المواضع التي نهي عن البول فيها شرح سنن أبي داود [042] الحلقة (73) شرح سنن أبي داود [042] للمستحاضة أحكام تخصها، منها ما يتعلق بالصلاة، ومنها ما يتعلق بالتطهر للصلاة، وكذلك ما يتعلق بالزوج من جواز إتيانها حال استحاضتها، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها، وقد جاءت الأحاديث النبوية ببيان ذلك. من قال: المستحاضة تدع الصلاة في الأيام التي تحيض فيها شرح حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه)]. أورد أبو داود رحمه الله الأبواب المتعلقة بالمستحاضة (والاستحاضة: هي خروج الدم من فرج المرأة من غير أن يكون حيضاً أو نفاساً، وهو دم فساد، وليس دم صحة؛ لأن دم الحيض يخرج في حال صحتها وفي حال سلامتها، وأما المستحاضة فيستمر معها الدم دائماً وأبداً). والمستحاضة لها أحكام تخصها جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت المرأة المستحاضة سليمة، وطرأ لها هذا العيب وهذا المرض بعد ذلك؛ فإنها تنظر إلى الأيام التي كانت تأتيها العادة قبل أن يصيبها الذي أصابها، وهو المرض الذي حصل معه استمرار سيلان الدم، فتجلس تلك المدة التي تماثل العادة التي كانت عليها قبل أن يصيبها المرض، مثلاً: كانت تأتيها العادة ستة أيام من أول الشهر، وهي تعرف لون الدم وتعرف رائحته، فإذا أقبلت العادة تركت الصلاة والاستحاضة موجودة معها بصفة دائمة، والحيض يأتي في أوقات معينة وله بداية وله نهاية، فإذا كانت تعرف أيام الحيض قبل أن يأتيها المرض فإنها تدع الصلاة والصيام أيام حيضها الذي تعرف أوله ونهايته، أو تعرف لونه ورائحته، ولا يقربها زوجها، وكل الأمور التي تمتنع منها الحائض تمتنع منها هذه المستحاضة في مدة أقرائها أو مدة حيضها، هذا إذا كانت تعرف عادتها بالأيام أو بلون الدم ورائحته، وإلا تجلس ستة أيام أو سبعة على اعتبار أنها حيضة، وما سوى ذلك تفعل ما تفعل الطاهرات ولو كان الدم يسيراً، وعندما تنتهي العادة فإنها تغتسل لانتهاء الحيض، ثم يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، ولا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة. ولها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وتغتسل ثلاث مرات، وهذا الاغتسال على سبيل الاستحباب، والجمع هنا للمرض الذي حصل لها، ولهذا المريض له أن يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إذا وجد مشقة عليه في أن يصلي كل صلاة في وقتها، ولكن لا يجوز له أن يقصر. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة عدة الأيام التي كانت تحيض. المقصود بقوله: (قال) ليس المقصود أنه رأي أو مذهب، وإنما المقصود ما قاله الراوي رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: من جاء في حديثه أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، فأراد أن يذكر أحكام المستحاضة والروايات التي جاءت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها من حين تقبل حيضتها إلى أن تدبر حيضتها، وبعد إدبارها تغتسل للحيض، وتتوضأ عند كل صلاة وجوباً للاستحاضة، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة طلبت منها أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تهراق الدماء، يعني: يسيل الدم من فرجها باستمرار، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر) فالرسول صلى الله عليه وسلم أفتاها أن تنظر إلى عدة الأيام التي كانت تمكثها في الحيض قبل أن يصيبها ذلك المرض، فهي كانت صحيحة، ثم طرأ عليها المرض، فلو كانت مثلاً تمكث في الحيض خمسة أيام، فتمكث خمسة أيام مثل الأيام التي كانت تحصل لها من الشهر قبل أن يأتيها المرض. قوله: [ (فإذا خلفت ذلك فلتغتسل) ] يعني: إذا خلفت ذلك وراء ظهرها فلتغتسل من الحيض؛ لأنه حصل لها حيض والاستحاضة مستمرة معها، والحيض يحصل في وقت معين، يعني: إذا خلفت الأيام التي كانت تحصل لها وتجلسها بسبب الحيض فلتغتسل من الحيض؛ لأن الحيض قد أدبر وقد ذهب، فلتغتسل وتكون طاهرة تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، ويغشاها زوجها، وكل الأعمال التي تجوز للطاهرات تجوز لها؛ لأن هذا مرض وليس بحيض وليس بنفاس، فلا يمنعها من صلاة ولا صيام ولا قراءة قرآن ولا مس المصحف ولا جماع زوجها لها. قوله: [ (ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه) ]. يعني: هذا الدم الذي يخرج منها عليها أن تعمل شيئاً للتحرز منه، بحيث لا يسيل على ثيابها، ولا يسيل في الأرض، ولا يسيل في المسجد الذي حضرت إليه، ولكنها تتوضأ عند كل صلاة وجوباً، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً، وإن احتاجت أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ فتتوضأ للصلاتين وضوءاً واحداً، أو تغتسل لهما غسلاً واحداً، فلا بأس. تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب أبي حنيفة ، ومذهب مالك ، ومذهب الشافعي ، ومذهب أحمد . وجوب احترام الأئمة وعدم الغلو فيهم الأئمة الأربعة كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم علماء مجتهدون ومتمكنون في الفقه، مثل: سفيان الثوري ، و إسحاق بن راهويه ، و الأوزاعي ، و الليث بن سعد المصري ، وعلماء كثيرون معروفون ومشهورون بالفقه، ولكن اشتهر الأئمة الأربعة؛ لأنه حصل لهم تلاميذ عنوا بجمع أقوالهم ومذاهبهم، واعتنوا بتنظيمها وترتيبها، بخلاف العلماء الآخرين، فإنه لم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من التلاميذ الذين عنوا بأقوالهم وبما جاء عنهم؛ فاشتهرت تلك المذاهب، وهم أئمة هدى وأهل سنة، وهي مذاهب أهل السنة بخلاف المذاهب الأخرى كالزيدية والإباضية والهادوية، فإن هذه مذاهب أخرى غير مذاهب أهل السنة، أما هؤلاء الأربعة فهم على نهج واحد وعلى طريقة واحدة، فأصولهم متفقة من حيث العقيدة، وبالنسبة للفروع فهم مجتهدون، ومن أصاب الحق فإنه يؤجر أجرين، ومن أخطأه يؤجر أجراً واحداً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) وخطؤه مغفور. والواجب هو احترام الجميع وتوقير الجميع ومحبة الجميع، والثناء عليهم، والاستفادة من علمهم، بدون غلو وبدون جفاء، والحق وسط بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والجفاء، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الإنسان يستفيد من علم الفقهاء ويعظمهم ويثني عليهم ويعرف قدرهم، ويستفيد منهم للوصول إلى الحق، فإذا وصل إلى الحق وعرف الدليل فإنه يجب عليه أن يأخذ به، وهذا هو الذي أوصى به الأئمة الأربعة، قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه كما نقله عنه ابن القيم في كتاب (الروح): أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة قال: إذا جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف قولي فخذوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واتركوا قولي. وعلى هذا فإن احترامهم وتوقيرهم والاستفادة من علمهم هذا هو الذي ينبغي، وأما التعصب لهم أو الجفاء في حقهم فهما مذمومان، الجفاء مذموم، والغلو والتعصب مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط لا غلو ولا جفاء، نستفيد من علمهم، ونوقرهم، ونحترمهم، وندعو لهم، ونثني عليهم، لكن لا نتكلم فيهم بسوء، ولا نتجاوز الحد بحيث نغلو، يقول الخطابي رحمه الله: ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم ومعناه: أن الحق وسط بين الإفراط والتفريط، والاعتدال في الأمور والتوسط في الأمور هو المطلوب، وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الروح) عندما ذكر الرجوع إلى كتب الفقهاء، وأن الإنسان يستعين بهم للوصول إلى الحق، ويستفيد من علمهم ليصل إلى الحق: إن مثل هذا مثل الإنسان الذي يهتدي بالنجم حيث يكون في الفلاة، ولا يعرف جهة القبلة؛ فإنه يستدل إلى جهة القبلة بالنجوم وبمشرقها ومغربها، واتجاهات مجيئها وغروبها، فالإنسان يهتدي بها إلى جهة القبلة، ويستطيع أن يعرف الشمال والجنوب والشرق والغرب بواسطة النجوم، فإذا وصل الإنسان إلى الكعبة، وصار أمام الكعبة، فعند ذلك لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم من أجل تحديد جهة الكعبة، فإن الكعبة أمامه، وهكذا الإنسان يرجع إلى كلام الفقهاء ليستعين بهم للوصول إلى الحق، لكن إذا عرف الدليل فليس للإنسان أن يحيد عنه. قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. فلابد من الرجوع إلى كلام الفقهاء، ولا يستغني الإنسان عن كلام الفقهاء، والطالب يجمع بين الفقه والحديث، ولا يعنى بالحديث فقط ويغفل الفقه، ولا يعنى بالفقه فقط ويغفل الحديث؛ لأن الطالب إذا كان ليس له عناية بالفقه، وكل عنايته بالأحاديث وطرقها ورجالها وما إلى ذلك، فبعض المسائل الفقهية السهلة الخفيفة لا يستطيع أن يأتي لها بجواب؛ لأنه ما اشتغل بالفقه، ولو اشتغل بالفقه وأعرض أو انشغل عن الحديث فيمكن أن يستدل على مسألة من المسائل بحديث موضوع أو بحديث ضعيف جداً؛ لأنه لا يعرف الصحيح من غير الصحيح، فالأمر كما قال الخطابي رحمه الله في أول كتابه (معالم السنن): لابد من الحديث ولابد من الفقه. والحديث إذا اعتني به بدون الفقه كالإنسان الذي يبني له بنياناً ويقوي أساسه، ولكن ما يبني عليها شيئاً؛ فهذا الأساس ما حصل منه فائدة ما دام أنه ما وجد بناء عليه، فهذا الأساس الذي قوي ومتن إذا ما وجد بناء عليه، وما وجد فروع تبنى عليه لا تحصل الفائدة المرجوة منه كما ينبغي، ولو أن إنساناً اشتغل بالفقه ولم يبنه على أساس الحديث، فهو كالذي يبني بنياناً على غير أساس، فينهار ويسقط، والكمال يحصل إذا كان الأساس قوياً متيناً، فيستفاد من الأساس ويستفاد من البناء، ولهذا لابد من الجمع بين الحديث والفقه، والعناية بالفقه والحديث. تابع تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..) قوله: [عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدم. فذكر معناه، قال: فإذا خلَّفتْ ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل بمعناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق من طريق أخرى، وهو بمعناه إلا أنه قال: (إذا خلفت) يعني: خلفت أيام العادة التي جلست فيها فلم تصلي ولم تصم ولم يجامعها زوجها فيها، وامتنعت من كل الأمور التي تمتنع منها الحائض، فإذا خلفتها وحضرت الصلاة فلتغتسل. وهذا فيه دليل على أن غسل الحيض ليس على الفور، فلو أن المرأة انقطع عنها الحيض، فلها أن تؤخر الغسل حتى يجيء وقت الصلاة؛ لأن وقت الصلاة لابد فيه من طهارتها لتؤدي الواجب الذي عليها، فهذا يدل على أن غسلها ليس على الفور، وأن المرأة إذا انقطع عنها الدم فليس بمجرد انقطاعه يجب عليها أن تغتسل، بل لها أن تؤخر ذلك إلى حين الأمر الذي يتطلبه ويقتضيه، فإن كانت تريد أن تمس مصحفاً فلتغتسل، وإن جاء وقت الصلاة فلتغتسل، لكن قبل أن يأتي الفعل الذي يلزمها أن تغتسل من أجله فإنه لا يجب عليها الغسل؛ ولهذا قال: (فإذا خلفت وحضرت وقت الصلاة فلتغتسل)؛ لأنه لابد من الاغتسال من الحيض. تراجم رجال إسناد حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ]. يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ، وهو ثقة ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل أخبره عن أم سلمة]. [نافع و سليمان بن يسار مر ذكرهما، وقوله: (عن رجل أخبره عن أم سلمة ] توجد واسطة بين سليمان بن يسار و أم سلمة ، ولا أدري من هو، ولكن الأحاديث جاءت من طرق مختلفة، ولا يؤثر وجود شخص مبهم في بعض الأسانيد. شرح حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني: ابن عياض - عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدماء، فذكر معنى حديث الليث ، قال: فإذا خلفتهن، وحضرت الصلاة، فلتغتسل). وساق الحديث بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو بمعنى الحديث المتقدم. قوله: [(وإذا خلفتهن)] يعني: الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها، وحضرت الصلاة فلتغتسل. تراجم رجال إسناد حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة تهراق الدم...) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني ابن عياض - ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه قالها من دون عبد الله بن مسلمة ، إما أبو داود وإما من دون أبي داود ؛ لأن كلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى عبد الله بن مسلمة ، وقائله هو أبو داود الذي هو دون عبد الله بن مسلمة أو من هو دون أبي داود . [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار ]. قد مر ذكرهم. شرح حديث: (فلتترك الصلاة قدر ذلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث وبمعناه ، قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب، ثم تصلي) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك) يعني: قدر الأيام التي كانت تحيضها من قبل. قوله: [(ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل)] يعني: من الحيض. قوله: [(ولتستثفر بثوب ثم تصلي)] يعني: بعدما تغتسل فإنها تستثفر بثوب حتى لا يسقط دم الاستحاضة على ثيابها وعلى جسدها وعلى الأرض، فتستثفر بثوب وتتوضأ وتصلي. يتبع |
| الساعة الآن : 09:18 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour