رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الكاشي.. مخترع الكسور العشرية والآلة الحاسبة.. قصة الإسلام غياث الدين الكاشاني، واحد من أبرز علماء المسلمين في الرياضيات، وممن لهم إسهامات رائدة في مجاله، فهو مبتكر الكسور العشرية ومخترع الآلة الحاسبة. الكاشي.. اسمه ونشأته: هو غياث الدين جمشيد بن مسعود بن محمود بن محمد الكاشي، ويعرف بالكاشاني، ويعرف أيضًا باسم "غيَّاث الدين ولد جمشيد". عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي. ولد في أواخر القرن الثامن الهجري بمدينة كاشان ببلاد فارس وإليها نسب. ونشأ في بيت علم حيث كان أبوه من أكبر علماء الرياضيات والفلك، فشب الكاشي على ولعه بالرياضيات. عرف الكاشي بكثرة تنقله في المدن لطلب العلم ونهل المعرفة، ولذلك تنوعت معارفه فدرس العلوم في أماكن شتى من بلاد فارس. وقد اشتهر بحبه لقراءة القرآن الكريم فكان يقرأ القرآن مرة كل يوم، ثم درس النحو والصرف والفقه على مذاهب الأئمة الأربعة، فأجادها وتمكن منها وأصبح حجة فيها. واستفاد من معرفته بالمنطق فانكب على دراسة تواليف الرياضيات يلتهمها التهاما مما أدهش علماء الرياضيات؛ لقدرته في الاستيعاب وحسن التعبير. دراسته العلمية وانتقاله إلى سمرقند: درس الكاشي النحو والصرف والفقه والمنطق، ثم درس الرياضيات وتفوق فيها، حيث كان والده من أكبر علماء الرياضيات والفلك. وانتقل الكاشي من كاشان إلى سمرقند قبل وفاته بعشرين عامًا، وفيها عاش الكاشي معظم حياته. وبنى فيها مرصدًا سماه "مرصد سمرقند"، وقد توجه إلى سمرقند بدعوة من أولغ بك ميرزا محمد طارق بن شاه رخ، الذي كان يحكم البلاد آنذاك، والذي عرف بحبه للعلماء، وهناك في سمرقند وضع أكثر مؤلفاته التي كانت سببا في تعريف الناس به. إسهامات الكاشاني في علم الفلك: اشتهر الكاشي في علم الهيئة، كما أنه شرح كثيرًا من إنتاج علماء الفلك الذين اشتغلوا مع نصير الدين الطوسي في مرصد "مراغة"، كما حقق جداول النجوم التي وضعها الراصدون في ذلك المرصد، وقدر الكاشي تقديرًا دقيقًا ما حدث من كسوف للشمس خلال ثلاث سنوات (بين 809 هــ و811 هـ/1407 و1409م). وعندما سأله البعض هل يمكن عمل آلة يعرف منها تقاويم الكواكب وعروضها أم لا، فابتكر فيه رسم صفحة واحدة من صحيفة يعرف منها تقاويم الكواكب السبعة وعروضها وأبعادها عن الأرض، وعمل الخسوف و الكسوف بأسهل طريق وأقرب زمان، ثم استنبط منها أنواعا مختلفة يعرف من كل واحد منها ما يعرف من الآخر. وهو أول من اكتشف أن مدارات القمر وعطارد إهليليجية. فقد أعطى الكاشي شرحا مفصلا لكيفية رسم إهليليجي للقمر وعطارد. كما بحث في تعيين النسبة التقريبية للثابت (ط)، فأثبت قيمة تلك النسبة إلى درجة من التقريب تفوق من سبقه بكثير. الكاشي مبتكر الكسور العشرية: أما في الرياضيات، فقد ابتكر الكاشي الكسور العشرية، ويقول سمث في كتابه تاريخ الرياضيات: "إن الخلاف بين علماء الرياضيات كبير، ولكن غالبيتهم تتفق على أن الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري". كما وضع الكاشي قانونًا خاصًا بتحديد قيس أحد أضلاع مثلث انطلاقا من قيسي ضلعيه الآخرين وقيس الزاوية المقابلة له بالإضافة إلى قانون خاص بمجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهو القانون الذي لعب دورا أساسيا في تطور علم الأعداد. يقول كارادي فو في حديثه عن علماء الفلك المسلمين: "ثم يأتي الكاشي فيقدم لنا طريقة لجمع المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهي الطريقة التي لا يمكن أن يتوصل إليها بقليل من النبوغ". فقد توصل علماء الحضارة الإسلامية قبل الكاشي إلى قوانين عدة في مجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الأولى والثانية والثالثة، وزاد الكاشي بوضع قانون مجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة. ومما لاشك فيه أن هذا القانون أدى إلى تطور علم الأعداد تطورًا ممتدًا منذ الكاشي وحتى العصر الحديث، خصوصًا وأن الكاشي استطاع إيجاد خوارزمية لحساب الجذور النونية لأي عدد والتي عُدت حالة خاصة للطرق التي اكتشفت بعد ذلك بقرون في العصر الحديث بمعرفة (هورنر). الكاشي ونظرية ذات الحدين: وإذا كان بعض مؤرخي الرياضيات الغربيين ينسبون نظرية (ذات الحدين) لإسحاق نيوتن أو لغيره من الغربيين، فإن منهم من يعترف بأن صاحبها هو غياث الدين الكاشي، ففي كتابه مصادر الرياضيات يقرر دريك سترويك أن الكاشي هو أول من فكر في طريقة ذات الحدين، بعد أن وضع أساسها الكرخي وعمر الخيام، ويرجع له الفضل في تطوير خواص معاملاتها، فاستخدم لإيجاد حدود المعادلة الجبرية قاعدة عمر الخيام وطورها وجعلها قاعدة عامة لنظرية ذات الحدين لأي أس صحيح. ولا يغيب عن البال ما لنظرية ذات الحدين من أهمية في الرياضيات حتى الآن. الكاشي وعلم الهندسة والمثلثات: وفي الهندسة حذا الكاشي حذو إقليدس في هذا العلم وتبعه في تعاريفه ونظرياته، إلا أنه أخذ برأي نصير الدين الطوسي في نقضه لفرضية إقليدس الخامسة. وفي علم المثلثات درس الكاشي تواليف المتقدمين من علماء الإسلام، وشرح وعلق على إنتاجهم. وقد حسب جداول لجيب الدرجة الأولى، واستخدم في ذلك معادلة ذات الدرجة الثالثة في معادلاته المثلثية، وصورة ذلك المعادلة: جا 3 س= 4 جا س 3 - 3 جا س. الكاشي مخترع الآلة الحاسبة: كما كان للكاشي بالغ الأثر في دفع تقدم الحساب واختراع الآلات الحاسبة، فقد استخدم للمرة الأولى الصفر تماما للأغراض نفسها التي نعرفها ونتداولها في عصرنا الحاضر. وكان كتاب الكاشي "مفتاح الحُسَّاب" في الرياضيات، منهلًا نهل منه علماء الغرب والشرق على حدٍّ سواء واعتمدوا عليه في تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات لقرون عدة كما استخدموا كثيرًا من النظريات والقوانين التي ابتكرها وبرهنها. وبيَّن الكاشي في كتابه طرق إجراء العمليات الأساسية للكسور العشرية، فجعل لأول مرة في التاريخ علم الحساب في متناول الجميع، كما توصل إلى أدق قيمة للنسبة التقريبية التي تعني نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وأعطى قيمة صحيحة لستة عشر رقمًا عشريًا. وقد اعترف علماء الغرب أن النتيجة التي توصل إليها الكاشي تعادل النتيجة التي توصَّل إليها علماء القرن العشرين باستعمال الآلات الحاسبة. مؤلفات الكاشي في الرياضيات: ترك الكاشي عددا من المؤلفات المهمة في الرياضيات، منها: كتاب مفتاح الحساب: الذي حوي للمرة الأولى الكثير من المسائل التي تستعمل الكسور العشرية. وهو يعتبر من أهم كتب الكاشي، والذي أكمله في 830هـ / 1427م، إذ ضمنه بعض اكتشافات في الحساب، و يتميز هذا الكتاب بأن مؤلف وضعه ليكون مرجعا في تدريس الحساب للطلاب في سمرقند، ومن اكتشافاته التي ضمنت في هذا الكتاب أنه وجد خوارزمية لحساب الجذور النونية لأي عدد، و التي اعتبرت حالة خاصة للطرق التي اكتشفت بعد ذلك بقرون عن طريق هورنر. واعتمد علماء الشرق والغرب على هذا الكتاب، في تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات عدة قرون، كما استخدموا كثيرًا من النظريات والقوانين التي أتى بها وبرهنها وابتكرها". رسائل الكاشي: كما أن له مجموعة أخرى من الكتب والرسائل في الرياضيات، منها: رسالة عن إهليليجي القمر وعطارد، ورسالة في الحساب، ورسالة في الهندسة، ورسالة في المساحات، ورسالة الجيب والوتر، ورسالة استخراج جيب الدرجة الأولى، ورسالة في الأعداد الصحيحة، ورسالة في الجذور الصم، ورسالة في التضعيف والتصنيف والجمع والتفريق، ورسالة في طريقة استخراج الضلع الأول من المضلعات، رسالة في معرفة التداخل والتشارك والتباين، ورسالة في طريقة استخراج المجهول، ورسالة عن الكسور العشرية والاعتيادية. مؤلفات الكاشي في علم الفلك: ترك الكاشي عدة كتب هامة في علم الفلك، منها: كتاب زيج الخقاني، وكتاب في علم الهيئة، ورسالة نزهة الحدائق وهي مشتملة على كيفية عمل آلة حساب التقاويم، وكيفية العمل بها، وأسماها طبق المناطق، وألحق بها عمل الآلة المسماة بلوح الاتصالات، وهي أيضا مما اخترع عملها. وفاة الكاشي: وبعد حياة حافلة بالعلم، أصبح بها أشهر عالم في علوم الفلك والرياضيات، خلال القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي، توفي الكاشي بسمرقند، وذلك سنة 839هـ / 1436م. --------- المراجع: - خالد حربي: علوم الرياضيات بين الإبداع الإسلامي والإنصاف الغربي وإجحافه، موقع أندلسيات. - غياث الدين الكاشي: موقع موهوبون. - غياث الدين الكاشي، موقع الأرقام. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الخوارزمي قصة الإســـــــــــــلام الخوارزمي عالم من الطراز الأول إذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي منذ البدء بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي!! ليست تلك المقولة من تعبيري، وإنما هي لأحد المستشرقين الذين عُنُوا بعلوم المسلمين، وعرفوا فضل إسهاماتهم، وهو المستشرق "ألدو ميلي". فالخوارزمي الرياضي والجغرافي والفلكي يُعَدُّ من أكبر علماء المسلمين، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية. وهو مؤسس ومبتدع علم الجبر كعلمٍ مستقلٍّ عن الحساب، وقد أخذه الأوربيون عنه، كما أنَّه أول من استعمل كلمة "جبر" للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فحتى الآن ما زال الجبر يعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية، وترجع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوربية بـ "algorism/algorithme" إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1]. وتعود أصول الخوارزمي إلى خوارزم (أوزبكستان اليوم)، وعاش في بغداد فيما بين سنة 164 وسنة 235 هجرية (الموافق 780 - 850 ميلادية) وتُوُفِّي هناك. وبرز في زمن خلافة المأمون (مدة خلافته من 198 - 218هـ)، ولمع في علم الرياضيات والفلك. لما كان والد المأمون (الخليفة هارون الرشيد) يريد توطيد العلم في أنحاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف، فقد سار على دربه ابنه (المأمون) وأسَّس بيت الحكمة، الذي كان يحتوي على مكتبة تضم نصوصًا مترجمة لأهم الكتب اللاتينية، ثم عيَّن الخوارزمي رئيسًا له، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها، الأمر الذي أفاد الخوارزمي كثيرًا؛ حيث درس الرياضيات، والجغرافيا، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية، حتى كان نبوغه في حدود سنة 205 هجرية[2]. وقد حدثت تغييرات عديدة في اسمه عند الغربيين بعد وفاته، حيث عُرِف بـ (alchwarizmi) و(al-karismi) و(algoritmi) و(algorismi) و(algorism) وقد أصبحت الكلمة الأخيرة (algorism) تعني الحساب في اللغة الإنجليزية الحديثة[3]. الخوارزمي وعلم الجبر كلمة جبر تعبير استخدمه (الخوارزمي) من أجل حَلِّ المعادلات بعد تكوينها، ومعناه أن طرفًا من طرفي المعادلة يكمل ويزداد على الآخر وهو الجبر، والأجناس المتجانسة في الطرفين تسقط منها، وهو المقابلة أي أنَّ: ب س + ج= أ س2 + 2ب س- جـ تصبح بعد الجبر ب س+ 2جـ= أ س2+ 2ب س. وتصبح بالمقابلة 2جـ= أ س2+ ب س. واسم الجبر في جميع لغات العالم مشتق من الكلمة العربية (الجبر)، وهي التي استخدمها (الخوارزمي) في كتابه (الجبر والمقابلة) كما سيأتي الحديث عنه. وقد اشتغل المسلمون بالجبر واستعملوه حتى نبغوا فيه، بينما كان بمثابة الألغاز بالنسبة للأوربيين؛ يقول الدكتور ديفيد يوجين سميث في كتابه (تاريخ الرياضيات - المجلد الثاني): "إنَّ الجبر عُرِفَ في اللغة الإنجليزية في القرن السادس عشر الميلادي بالجبر والمقابلة، ولكنَّ هذا الاسم اختُصِرَ في النهاية من مخطوطة محمد بن موسى الخوارزمي الذي نال الشهرة العظيمة عام 825م، وذلك في بيت الحكمة في بغداد حيث ألَّف هناك كتابه القيم "الجبر والمقابلة"، وفيه حلَّ الكثير من المعادلات ذات الدرجة الأولى والثانية من ذات المجهول الواحد". واعترف رام لاندو في كتابه (مآثر العرب في الحضارة) بأنَّ الخوارزمي "ابتكر علم الجبر، ونقل العدد من صفة البدائية الحسابية لكمية محدودة إلى عنصر ذي علاقة وحدود لا نهاية لها من الاحتمالات، ويمكننا القول بأن الخطوة من الحساب إلى الجبر هي في جوهرها الخطوة من الكينونة إلى الملائمة، أو من العالم الإغريقي الساكن إلى العالم الإسلامي المتحرك الأبدي الرباني"[4]. وقد طوَّر الخوارزمي علم الجبر كعلمٍ مستقل عن الحساب؛ ولذا ينسب إليه هذا العلم في جميع أنحاء المعمورة، فقد ابتكر الخوارزمي في بيت الحكمة الفكر الرياضي بإيجاد نظام لتحليل كل معادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية[5]. ولذا فقد سمَّى جورج سارتون في كتابه (مقدمة من تاريخ العلوم) النصف الأول من القرن التاسع بـ "عصر الخوارزمي"؛ وذلك لأن الخوارزمي كان أعظم رياضيٍّ في ذلك العصر على حَدِّ تعبير سارتون، ويستطرد سارتون فيقول: "وإذا أخذنا جميع الحالات بعين الاعتبار فإنَّ الخوارزمي أحد أعظم الرياضيين في كل العصور". وإضافةً إلى ذلك أكَّد الدكتور أي وايدمان أن أعمال الخوارزمي تتميز بالأصالة والأهمية العظمى وفيها تظهر عبقريته، كما قال الدكتور ديفيد بوجين سميث ولويس شارلز كاربينسكي في كتابهما (الأعداد الهندية والعربية): "إنَّ الخوارزمي هو الأستاذ الكبير في عصر بغداد الذهبي؛ إذ إنه أحد الكُتّاب المسلمين الأوائل الذين جمعوا الرياضيات الكلاسيكية من الشرق والغرب، محتفظين بها حتى استفادت منها أوربا المتيقظة آنذاك. إنَّ لهذا الرجل معرفةً كبيرة، ويدين له العالم بمعرفتنا الحإلية لعلمي الجبر والحساب"[6]. وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبر حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد، ويختص كتابه "الجبر والمقابلة" بإيجاد حلول لمسائل عملية واجهها المسلمون في حياتهم اليومية[7]. إنَّ الرياضيات التي ورثها المسلمون عن اليونان تجعل حساب التقسيم الشرعي للممتلكات بين الأبناء معقدًا للغاية إن لم يكن مستحيلاً، وهذا هو ما قاد الخوارزمي للبحث عن طرق أدق وأشمل، وأكثر قابلية للتكيف فابتدع علم الجبر. وقد استعمل الخوارزمي الطريقة البيانية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح؛ لذا فإن الخطأ بين موضعين يُعتبر من ابتكاره، وهذه الطريقة لعبت دورًا مهمًا في التحليل العددي، وتُعرَف في اللغة الإنجليزية باسم (false positions). وعرف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخدم (التكسير) ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية، كما تطرق إلى إيجاد مساحات بعض السطوح مستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرم الثلاثي والرباعي، والمخروط والكرة، كما استعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط = 8/ 22 أو 10، لذا فإن الخوارزمي أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكار الجبرية لمعرفة المساحة. وكان الخوارزمي يعرف أن هناك حالاتٍ يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكميات التَّخيُّلية) وسماها: (الحالة المستحيلة)، وبقيت معروفةً بهذا الاسم بين علماء الرياضيات حتى بدأ العالم السويسري ليونارد أويلر leonhard euler (1707- 1783م) في تعريف الكميات التخيلية بأنها: الكمية التي إذا ضربت بنفسها كان الناتج مقدارًا سالبًا، وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا. ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 – 1855م) فركز على دراسة الكميات التخيلية وخواصها. والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت في النهاية إلى معرفة علم التحليل المركَّب الذي يُعتبر من أهم العلوم الرياضية في العصر الحديث، ومما لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل في ذلك يرجع أولاً للعالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي. ولم يكتشف الخوارزمي علم الجبر ونظرية الخطأين (وهما أداة أساسية في التحليل العلمي الرياضي) فحسب، وإنما وضع كذلك أسس البحث التجريبي الحديث باستخدام النماذج الرياضية، كما نشر أول الجداول العربية عن المثلثات للجيوب والظلال، وقد تُرجِمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر[8]. وإضافةً إلى إسهاماته الكبرى في الحساب، أبدع الخوارزمي أيضًا في علم الفلك، وأتى ببحوث جديدة في المثلثات، ووضع جدولاً فلكيًّا (زيجًا)، وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه. وكان من أهم إسهامات الخوارزمي العلمية التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط[9]. مؤلَّفات الخوارزمي يقول محمد خان في كتابه (نظرة مختصرة لمآثر المسلمين في العلوم والثقافة): "إنَّ الخوارزمي يقف في الصف الأول من صفوف الرياضيين في جميع العصور، وكانت مؤلفاته هي المصدر الرئيسي للمعرفة الرياضية لعدة قرون في الشرق والغرب"[10]. وقد اهتم الخوارزمي في بداية الأمر بالاكتشافات في علم الرياضيات والفلك، ثم بعدها بدأ التأليف فصنَّف كتبًا كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 - كتاب (الجبر والمقابلة)، وهو الكتاب الرئيسي ذو الأثر الحاسم، والذي درس فيه تحويل المعادلات وحلها، وقد ترجمه إلى اللاتينية "جيراردو دي كريمونا" ونشر النص العربي (روزن) مع ترجمة إنجليزية في لندن سنة 1851م. وترجم له أيضًا "يوحنا الأسباني" الذي ترجم من العربية إلى اللاتينية عدة مؤلفات في الفلك والنجوم، من بينها كتب للخوارزمي، بفضلها انتقل الحساب الهندي والنظام العشري في الحساب إلى أوربا؛ حتى عرفت العمليات الحسابية باسم Alguarismo. والغريب أنها ترجمت إلى العربية باسم "اللوغاريتمات" وهي في الأصل منسوبة إلى الخوارزمي!! والصحيح أن تترجم "الخوارزميات" أو "الجداول الخوارزمية". وقد أصبح الكتاب مصدرًا أساسيًا في الرياضيات في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر، وكان معظم ما ألَّفه مَنْ جاء بعده في علم الجبر مستندًا عليه، وقد نقله من اللغة العربية إلى اللاتينية روبرت أوف شستر ( Robert of chester) فاستنارت به أوربا. وحديثًا حقق الدكتوران علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي هذا الكتاب، وذلك في سنة 1968م[11]. 2 - كتاب في الجغرافيا شرح فيه آراء بطليموس. 3 - كتاب جداول للنجوم وحركاتها من مجلدين. 4 - كتاب شرح فيه طريقة معرفة الوقت بواسطة الشمس. 5 - كتاب جمع فيه بين الحساب والهندسة والموسيقى والفلك، ويقول البروفيسور جورج سارتون في كتابه (المدخل إلى تاريخ العلوم) عن هذا الكتاب: إنه "يشتمل على خلاصة دراساته لا على ابتكاراته العظيمة". 6 - كتاب العمل بالإسطرلاب. 7 - كتاب صنع الإسطرلاب. 8 - كتاب وضح فيه طريقة الجمع والطرح. 9 - كتاب صورة الأرض وجغرافيتها. 10 - كتاب صورة الأرض، نشر سنة 1929م. 11 - كتاب المعرفة، وهو يبحث في علم النجوم. 12 - كتاب زيج الخوارزمي الأول. 13 - كتاب زيج الخوارزمي الثاني، وهو جداول فلكية سماه (السند هند)، جمع فيه بين مذهب الهند والفرس. 14 - رسالة عن النسبة التقريبية وقيمتها الرياضية. 15 - رسالة وضح فيها معنى الوحدة المستعملة في المساحات والحجوم. 16 - رسالة ذكر فيها برهانًا آخر لنظرية فيثاغورث مستخدمًا مثلثًا قائم الزاوية ومتساوي الساقين. 17 - رسالة مفصلة وضح فيها قوانين لجمع المقادير الجبرية وطرحها وضربها وقسمها. 18 - رسالة شرح فيها طريقة إجراء العمليات الحسابية الأربع على الكميات الصم. 19 - كتاب رسم الربع المعمور. 20 - كتاب الجمع والتفريق. 21 - كتاب الرُّخامة (الرخامة قطعة من الرخام مخططة تساعد على معرفة الوقت عن طريق الشمس). 22 - كتاب هيئة الأرض. 23 - كتاب المعاملات، ويتضمن المعاملات التي يقوم بها الناس من بيع وشراء[12]. لقد عاش الخوارزمي حياةً عمادُها العلمُ؛ بحثًا واكتشافًا وتأليفًا ابتغاء مرضاة الله، وسعيًا وراء راحة البشرية، ورقي الحضارة، وظلَّ كذلك حتى وافته المَنِيَّة سنة 235هـ/ 850م. فرحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. [1] راجع محمد علي عثمان: مسلمون علَّموا العالم ص74، 75، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20. [2] انظر ابن النديم: الفهرست ص333، إليان سيركيس: معجم المطبوعات 1/841، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20، علي عبد الله الدَّفّاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية الإسلامية ص148. [3] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية – الرياض، العدد الخامس، الإصدار من المحرم إلي الثانية لسنة 1400هـ 5/173، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20. [4] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية – الرياض، العدد الخامس، الإصدار من المحرم إلي الثانية لسنة 1400هـ 5/173. [5] انظر كرم حلمي فرحات أحمد: التراث العلمي للحضارة الإسلامية في الشام والعراق خلال القرن الرابع الهجري ص642، 643، وانظر أيضًا المصدر السابق ص172. [6] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/172، 173، وله أيضًا: العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية ص149. [7] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص76. [8] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص76. [9] انظر أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20 - عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص108. [10] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/172. [11] الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص77، ومحمد علي عثمان: مسلمون علَّموا العالم ص77، وعبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص65. [12] انظر ابن النديم: الفهرست ص333، إليان سيركيس: معجم المطبوعات 1/841، علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/186، 187، وله أيضًا: العلوم البحتة ص172، 173. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
أبو بكــــــــــــــــر الرازي قصة الإسلام من هو أبو بكر الرازي: لم يكن الرازي طبيبًا فحسب، ولا معلمًا فقط.. ولكنه أبدع كذلك في مجالات الأخلاق والقيم والدين، كما أبدع - ولا شك في ذلك - في مجال الإنسانية، حتى أصبح علمًا من أعلام الفضيلة، كما كان علمًا من أعلام الطب. ولا شك أن هذا الرجل العظيم من أعظم صور الحضارة الإسلامية. فهو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي.. وقد وُلِدَ في مدينة الرَّي, وإليها نُسِب.. ومدينة الري تقع على بعد ستة كيلو مترات جنوب شرقي طهران, وكان ميلاده في سنة 250هـ (864م)، وكان منذ طفولته محبًّا للعلم والعلماء، فدرس في بلدته "الري" العلوم الشرعية والطبية والفلسفية[1]، ولكن هذا لم يُشْبع نَهَمَه لطلب العلم؛ فلم تكن مدينة الري - على اتساعها وكثرة علمائها - بالمدينة التي تحوي علوم الأرض في ذلك الوقت؛ ولذلك يمَّم الرازي وجهه شطر عاصمة العلم في العالم في ذلك الوقت, وهي "بغداد" عاصمة الخلافة العباسية، فذهب إليها في شِبه بعثة علمية مكثفة، تعلم فيها علومًا كثيرة، ولكنه ركَّز اهتمامه في الأساس على الطب، وكان أستاذه الأول في هذا المجال هو "علي بن زين الطبري"، وهو صاحب أول موسوعة طبية عالمية (فردوس الحكمة)[2]. الرازي معجزة الطب عبر الأجيال: اهتمَّ الرازي أيضًا بالعلوم التي لها علاقة بالطب، كعلم الكيمياء والأعشاب[3]، وكذلك علم الفلسفة؛ لكونه يحوي آراء الكثير من الفلاسفة اليونان والذين كانوا يتكلمون في الطب أيضًا، وكان أستاذه الأول في الفلسفة هو "البلخي"[4]. وهكذا أنفق الرازي عدة سنوات من عمره في تعلم كل ما يقع تحت يديه من أمور الطب، حتى تفوق في هذا المجال تفوقًا ملموسًا. ثم عاد الرازي بعد هذا التميز إلى الري, فتقلَّد منصب مدير مستشفي مدينة الري، وكان من المستشفيات المتقدمة في الإسلام، وذاعت شهرته، ونجح في علاج الكثير من الحالات المستعصية في زمانه، وسمع بأمره الكبير والصغير والقريب والبعيد، حتى سمع به "عضد الدولة بن بويه" كبير الوزراء في الدولة العباسية, فاستقدمه إلى بغداد ليتولى منصب رئيس الأطباء في المستشفى العضدي، وهو أكبر مستشفى في العالم في ذلك الوقت، وكان يعمل به خمسون طبيبًا[5]. والحق أنه لم يكن مستشفى فقط, بل كان جامعة علمية, وكليَّة للطب على أعلى مستوى. وقد أصبح الرازي فيه مرجعية علمية لا مثيل لها، ليس في بغداد فقط، وإنما في العالم كله، وليس على مدى سنوات معدودة، ولكن لقرون متتالية، فكان معجزة الطب عبر الأجيال!! ولعلَّه من المهم جدًّا أن نقف وقفة ونتساءل: كيف وصل الرازي إلى هذا المجد، وإلى هذه المكانة؟ لا بدَّ أن نعلم أن النجاح لا يأتي مصادفة، وأن التفوق لا يكون إلا بجهد وتعب وبذل وتضحية، كما أن الإبداع لا يكون عشوائيًّا أبدًا، إنما يحتاج إلى تخطيط وتدريب ومهارة، وهكذا كانت حياة الرازي. لقد بحث الرازي عن العلم في كل مصادره، واجتهد قدر استطاعته في تحصيل كل ما يقع تحت يده من معلومات، ثم أتبع ذلك بتفكير عميق وتجارب متعددة ودراسة متأنية.. حتى بدأ يعدِّل في النظريات التي يقرؤها، وأخذ ينقد ويحلل، ثم وصل إلى الاختراع والإبداع. الرازي ومنهجه التجريبي: لقد انتشر في زمان الرازي الطب اليوناني والفارسي والهندي والمصري نتيجة اجتهاد العلماء في ترجمة كتب تلك الأمم، فقرأها الرازي جميعًا، لكنه لم يكتف بالقراءة بل سلك مسلكًا رائعًا من أرقى مسالك العلم وهو الملاحظة والتجربة والاستنتاج.. فقد كان الطب اليوناني هو أهم طب في تلك الفترة، ولكنه كان يعتمد في الأساس على النظريات غير المجرَّبة.. وكان كل أطباء اليونان يعتمدون هذه الطريقة حتى عرفوا بفلاسفة الطب، فهم لم يُخضعوا نظرياتهم لواقع الحياة إلا قليلاً، ولا يُستثنَى من ذلك أحدٌ من أطباء اليونان حتى العمالقة منهم أمثال جالينوس وأبقراط!! ولكن الرازي قال كلمته المشهورة التي تعتبر الآن قانونًا من قوانين العلم بصفة عامة, والطب بصفة خاصة.. قال: "عندما تكون الواقعة التي تواجهنا متعارضة والنظرية السائدة يجب قبول الواقعة، حتى وإن أخذ الجميع بالنظرية تأييدًا لمشاهير العلماء.."[6]!! فهو يذكر أنه ليس لعالم مشهور أو غير مشهور أن يقرر نظرية تتعارض مع المشاهدة الفعلية والتجربة الحقيقية والواقعة الحادثة، بل تُقَدَّم الملاحظة والتجربة؛ وبذلك يُبْنَى الاستنتاج على ضوء الحقائق لا الافتراضات الجدلية. ما أروعه حقًّا من مبدأ، وما أبدعها من طريقة!! ولذلك نجد أن الرازي كثيرًا ما انتقد آراء العلماء السابقين نتيجة تجاربه المتكررة، بل إنه ألَّف كتابًا خصِّيصًا للرد على جالينوس أعظم أطباء اليونان وسمَّى الكتاب "الشكوك على جالينوس", وذكر في هذا الكتاب الأخطاء التي وقع فيها جالينوس، والتصويب الذي قام هو به لهذه الأخطاء، وكيف وصل إلى هذه النتائج[7]. وكان الرازي حريصًا على سؤال المريض عن كل ما يتعلق بالمرض تقريبًا من قريب أو بعيد وكان يقول: "إن الطبيب ينبغي ألا يدع مُساءَلة المريض عن كل ما يمكن أن يقوله عن علَّته"[8]، وهذه أول خطوة في التعامل مع المريض في الطب الحديث، وهي معرفة تاريخ المرض والأمور المحتملة التي قد تكون سبَّبت المرض، ثم يقوم الرازي بالكشف على المريض وقياس الحرارة والنبض، وإذا استلزم الأمر أن يدخل المريض المستشفي فإنه يضعه تحت الملاحظة الدقيقة المستمرة لتسجيل كل معلومة قد تكون مفيدة في كشف سبب المرض, أو في وصف العلاج.. وقد كان الرازي من الدقة إلى درجة أذهلت من قرأ تعليقاته على الحالات المرضية التي وصفها. إنجازات الرازي: بل إن الرازي وصل إلى ما هو أروع من ذلك، حيث أرسى دعائم الطب التجريبي على الحيوانات، فقد كان يجرب بعض الأدوية على القرود فإن أثبتت كفاءة وأمانًا جربها مع الإنسان، وهذا من أروع ما يكون، ومعظم الأدوية الآن لا يمكن إجازتها إلا بتجارب على الحيوانات كما كان يفعل الرازي[9]. ولقد كان من نتيجة هذا الأسلوب العلمي المتميز للرازي، أن وصل إلى الكثير من النتائج المذهلة، وحقق سبقًا علميًّا في كثير من الأمور. فالرازي هو أول مبتكر لخيوط الجراحة، وقد ابتكرها من أمعاء القطة! وقد ظلت تستعمل بعد وفاته لعدة قرون، ولم يتوقف الجراحون عن استعمالها إلا منذ سنوات معدودة في أواخر القرن العشرين، عند اختراع أنواع أفضل من الخيوط، وهذه الخيوط هي المعروفة بخيوط أمعاء القط.. "[10]. والرازي هو أول من صنع مراهم الزئبق[11]. وهو أول من فرَّق بين النزيف الوريدي والنزيف الشرياني، واستخدام الضغط بالأصابع لإيقاف النزف الوريدي، واستخدم الربط لإيقاف النزيف الشرياني، وهذا عين ما يستخدم الآن!! وهو أول من وصف عملية استخراج الماء من العيون[12].. وهو أول من استخدم الأفيون في علاج حالات السعال الجاف.. وهو أول من أدخل المليِّنات في علم الصيدلة.. وهو أول من اعتبر الحمَّى عرضًا لا مرضًا[13]. وكان يهتم بالتعليق على وصف البول ودم المريض للخروج منهما بمعلومات تفيده في العلاج[14]. كما نصح بتجنب الأدوية الكيميائية إذا كانت هناك فرصة للعلاج بالغذاء والأعشاب، وهو عين ما ينصح به الأطباء الآن[15]. ولم يكن الرازي مبدعًا في فرع واحد من فروع الطب، بل قدم شرحًا مفصلاً للأمراض الباطنية والأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية والعيون والجراحة وغير ذلك.. وقد منحه الله ذكاء فوق العادة، ويؤكد ذلك وسيلته في اختيار المكان المناسب لإنشاء مستشفي كبير في بغداد.. فقد اختار أربعة أماكن تصلح لبناء المستشفي، ثم بدأ في المفاضلة بينها، وذلك بوضع قطعة لحم طازجة في الأماكن الأربعة.. ثم أخذ يتابع تعفُّن القطع الأربع، ثم حدد آخر القطع تعفنًا، واختار المكان الذي وُضعت فيه هذه القطعة لبناء المستشفي؛ لأنه أكثر الأماكن تميزًا بجو صحي، وهواء نقي يساعد على شفاء الأمراض[16]. ولم يكن الرازي مجرد طبيب يهتم بعلاج المرض، بل كان معلمًا عظيمًا يهتم بنشر العلم وتوريث الخبرة، وكان الرازي يدرس تلامذته الطب في المدرسة الطبية العظيمة في المستشفي العضدي ببغداد، وكان يعتمد في تدريسه على المنهجين: العلمي النظري، والتجريبي الإكلينيكي؛ فكان يدرس الكتب الطبية، وبعض المحاضرات، ويدير الحلقات العلمية، وفي ذات الوقت يمر مع طلبته على أسِرَّة المرضى.. يشرح لهم ويعلمهم وينقل لهم خبرته، وكان يُدرِّس لهم الطب في ثلاث سنوات، ويبدأ بالأمور النظرية ثم العملية، تمامًا كما يحدث في كليات الطب الآن، وكان في آخر السنوات الثلاث يعقد امتحانًا لطلبة الطب مكونًا من جزأين: الجزء الأول في التشريح، والثاني في الجانب العملي مع المرضى، ومن كان يفشل في الجانب الأول "التشريح" لا يدخل الامتحان الثاني، وهذا أيضًا ما نمارسه الآن في كليات الطب[17]. مؤلفات الرازي: ولم يكن الرازي يكتفي فقط بالتدريس والتعليم والامتحانات لنقل العلم، بل اهتم بجانب آخر لا يقل أهمية عن هذه الجوانب وهو جانب التأليف، فكان الرازي مُكثرًا من التأليف وتدوين المعلومات وكتابة الكتب الطبية، حتى أحصى له ابن النديم في كتابه "الفهرست" 113 كتابًا و28 رسالة، وهذا عدد هائل، خاصةً أنها جميعًا في مجال الطب[18]. وقد كان من أعظم مؤلفات الرازي كتاب "الحاوي في علم التداوي"، وهو موسوعة طبية شاملة لكافة المعلومات الطبية المعروفة حتى عصر الرازي، وقد جمع فيه الرازي كل الخبرات الإكلينيكية التي عرفها، وكل الحالات المستعصية التي عالجها، وتتجلى في هذا الكتاب مهارة الرازي، ودقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة استنتاجه.. وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى أكثر من لغة أوروبية، وطُبع لأول مرة في بريشيا بشمال إيطاليا سنة 891هـ/ 1486م، وهو أضخم كتاب طُبع بعد اختراع المطبعة مباشرة، وكان مطبوعًا في 25 مجلدًا، وقد أُعيدت طباعته مرارًا في البندقية بإيطاليا في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي), ويذكر المؤرخ "ماكس مايرهوف" أنه في عام 1500 ميلادية كان هناك خمس طبعات لكتاب الحاوي, مع عشرات الطبعات لأجزاء منه.. ومن كتبه أيضًا "المنصوري"، وقد سماه بهذا الاسم نسبة إلى المنصور بن إسحاق حاكم خراسان، وقد تناول فيه موضوعات طبية متعددة في الأمراض الباطنية والجراحة والعيون، وقد تعمَّد الرازي الاختصار في هذا الكتاب, فجاء في عشرة أجزاء!! لذلك رغب العلماء الأوروبيون في ترجمته عدة مرات إلى لغات مختلفة، منها اللاتينية والإنجليزية والألمانية والعبرية! وقد تم نشره لأول مرة في ميلانو سنة 1481م، وظل مرجعًا لأطباء أوربا حتى القرن السابع عشر الميلادي[19]. ومن أروع كتبه كذلك كتاب "الجدري والحصبة"، وفيه يتبين أن الرازي أول من فرق بين الجدري والحصبة، ودوَّن ملاحظات في غاية الأهمية والدقة للتفرقة بين المرضين، وقد أُعيدت طباعة هذا الكتاب في أوروبا أربع مرات بين عامي ( 903 : 1283هـ) (1498 : 1869م)[20]. ومن كتبه أيضًا كتاب "الأسرار في الكيمياء"، الذي بقي مدة طويلة مرجعًا أساسيًّا في الكيمياء في مدارس الشرق والغرب[21]. ومن كتبه المهمة كذلك كتاب "الطب الروحاني" الذي ذكر فيه أن غايته من الكتاب هو أصلاًح أخلاق النفس.. وحضَّ في كتابه هذا على تكريم العقل، وعلى قمع الهوى, ومخالفة الطباع السيئة, وتدريب النفس على ذلك[22]. أمانته العلمية وأخلاقه الحميدة: غير أن أهم ما ميز الرازي في ذلك كله، هو البُعد الأخلاقي عنده؛ فقد تميز الرازي بالأمانة العلمية التامة في كتاباته؛ فكان لا يذكر أمرًا من الأمور اكتشفه غيره إلا أشار إلى اسم المكتشف الأصلي، ولذلك حفلت كتبه بأسماء جالينوس وأبقراط وأرمانسوس وغيرهم، كما ذكر في كتبه المحدثين من الأطباء أمثال يحيى بن ماسويه، وحنين بن إسحاق. وكان الرازي يحض تلامذته على اتباع نهج الكتابة والتأليف، فكان يقول لهم: "إذا جمع الطالب أكبر قدر من الكتب، وفهم ما فيها، فإن عليه أن يجعل لنفسه كتابًا يضمنه ما غفلت عنه الكتب التي قرأها". فهو ينصح كل طلبته أن يسجلوا المعلومات التي يلحظونها في أثناء دراستهم وعلاجهم للمرضى - والتي لم تُذكر في الكتب السابقة - وبذلك يستفيد اللاحقون بعلمهم وتأليفهم. ولم يكن الرازي عالمًا فقط، بل كان إنسانًا خلوقًا من الدرجة الأولى، فقد اشتهر بالكرم والسخاء، وكان بارًّا بأصدقائه ومعارفه، عطوفًا على الفقراء وبخاصة المرضى، فكان ينفق عليهم من ماله الخاص، ويجري لهم أحيانًا الرواتب الثابتة[23]!! وكان يوصي تلامذته أن يكون هدفهم هو إبراء المرضى أكثر من نيل الأجور منهم، ويوصيهم كذلك بأن يكون اهتمامهم بعلاج الفقراء تمامًا كاهتمامهم بعلاج الأمراء والأغنياء.. بل إنه من شدَّة اهتمامه بالفقراء ألَّف لهم كتابًا خاصًا سماه "طب الفقراء"، وصف فيه الأمراض المختلفة وأعراضها ثم وصف طرق علاجها عن طريق الأغذية والأعشاب الرخيصة بدلاً من الأدوية مرتفعة الثمن أو التراكيب النادرة[24]. ومن شدة اهتمامه بالأخلاق الحميدة ألَّف كتابًا خاصًا بهذا الأمر سماه "أخلاق الطبيب"، يشرح فيه العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض، وبين الطبيب والطبيب، وضمَّنه كذلك بعض النصائح للمرض في تعاملهم مع الأطباء[25]. الثناء على الرازي: هذا، وقد اعترف القاصي والداني لأبي بكر الرازي بالفضل والمجد والعظمة والعلم والسبق، ولا نقصد بذلك المسلمين فقط، بل اهتم غير المسلمين أيضًا بإنجازات الرازي وابتكاراته.. فنجد - فضلاً عن ترجمة كتبه إلى اللغات الأوربية وطبعها أكثر من مرة - إشارات لطيفة وأحداثًا عظيمة تشير إلى أهمية ذلك العالم الجليل، ومن ذلك أن الملك الفرنسي الشهير لويس الحادي عشر، الذي حكم من عام 1461م إلى 1483م، قد دفع الذهب الغزير لينسخ له أطباؤه نسخة خاصة من كتاب "الحاوي"؛ كي يكون مرجعًا لهم إذا أصابه مرض ما!! ونجد أن الشاعر الإنجليزي القديم "جوفري تشوسر" قد ذكر الرازي بالمدح في إحدى قصائده المشهورة في كتابه "أقاصيص كونتربري"!! ولعله من أوجه الفخار أيضًا أنه رغم تطور العلم وتعدد الفنون إلا أن جامعة بريستون الأمريكية ما زالت تطلق اسم الرازي على جناح من أكبر أجنحتها[26]، كما تضع كلية الطب بجامعة باريس نصبًا تذكاريًّا للرازي، إضافةً إلى صورته في شارع سان جيرمان بباريس. لقد كان الرازي بحق صورة رائعة من صور الحضارة الإسلامية، قلَّما تتكرر في التاريخ، لقد كان طبيبًا وعالمًا ومعلمًا وإنسانًا.. عاش حياته لخدمة الإسلام والعلم والبشرية، ومات عن عمر بلغ ستين عامًا، وكانت وفاته في شعبان 311هـ / نوفمبر 923م. لكن من الصعب أن نقول: إنه مات؛ فالمرء يُكتَب له الخلود بقدر ما ينفع الناس، وصدق الرسول الكريم https://islamstory.com/sites/all/the...mages/r_20.jpg عندما ذكر في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة https://islamstory.com/sites/all/the...mages/t_20.jpg، أنه قال: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ"وذكر منها: "أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ"[27]. [1] ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء 1/63. [2] مصطفى وهبة: نوابغ المسلمين 1/117. [3] القنوجي: أبجد العلوم 3/114. [4] ابن النديم: الفهرست 1/416. [5] الدفاع: رواد في الحضارة الإسلامية ص218. [6] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 1/78،77. [7] السابق نفسه 1/68. [8] السابق نفسه 3/27. [9] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 1/78. [10] محمود الحاج قاسم محمد: الموجز لما أضافة العرب في الطب ص43. [11] ول ديورانت: قصة الحضارة 4/4. [12] محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين ص308 نقلا عن عبد المنعم عبد الحميد: مجلة جامعة الموصل عدد 15، السنة الثاني ص67. [13] انظر: محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين ص72. [14] الرازي: الحاوي 10/10. [15] مصطفى وهبة: نوابغ المسلمين 1/121. [16] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء3/13. [17] سامي حمارنة: الصناعة الطبية ص303. [18] انظر: ابن النديم: الفهرست 1/420. [19] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص192. [20] انظر: محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين ص73. [21] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص191. [22] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص95. [23] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 3/13. [24] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص115، 116. [25] انظر: مقدمة أخلاق الطبيب للرازي، لمحققه عبد اللطيف محمد العبد ص6. [26] أحمد علي الملاّ: أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية ص138. [27] مسلم: كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان بعد وفاته (1631)، وأبو داود (2880)، وأحمد (8831)، وأبو يعلى (6457). |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
|
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الأطباء العرب القدماء أ. د. عبدالحليم عويس الطب في الإسلام - مثل كل العلوم المعيشية - فرضُ كفاية، وتأثم الأمة كلها إذا لم يَقُمْ بعضهم بالواجب نحو هذا العلم لإنقاذ أبدان الناس؛ ولهذا نجد للرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاتٍ طبية - وقائية وعلاجية - وعندما استقرَّت قواعد الدولة والحضارة الإسلامية ظهرت عبر كل العصور محاولات طبية: أبرزها في القرن الأول الهجري محاولات الأمير (خالد بن يزيد الأموي) (ت90هـ). وبعد بروز ظاهرة الترجمة في القرنين الثالث والرابع للهجرة تألَّق المسلمون في الطب، وظهر منهم أطباء كثيرون؛ منهم على سبيل المثال لا الحصر: أبو بكر محمد بن زكريا الرازي البغدادي (ت320هـ/ 932م)، وُلد بالري، ووفد إلى بغداد وله من العمر ثلاثون سنة، وقضى حياته في بغداد وتوفِّي بها، وهو طبيبٌ وكيمائي عظيم، ويعد بحق أعظم علماء المسلمين في الطب من ناحية الأصالة في البحث والخصوبة في التأليف؛ ولذلك وصفه القفطي بأنه "طبيب المسلمين غير مدافع فيه"، وذلك فضلًا عن سَعَة معرفته بالفلسفة والرياضيات والبصريات والكيمياء والصيدلية وغيرها من فروع المعرفة العقلية. ويعدُّ الرازي من أعظم معلِّمي الطب الإكلينيكي، ويقف على قدم المساواة مع أبقراط، باعتباره أحد واصفي الأمراض المبتدعين، فمقالته: "كتاب في الجُدَرِي والحصبة"، ولها في اللاتينية عناوين مختلفة Liber de variolis et morbilis - De pestilential - Depeste عملٌ فَذٌّ من حيث قوة الملاحظة، والتحليل التمريضي؛ ذلك بأنها كانت أولَ بحث محكم في الأمراض المُعْدِية، وأول مجهود فني للتفرقة بين المرضين. ولنا أن نقدر شهرتها بأنها طُبعتْ أربعين طبعة باللغة الإنجليزية بين سنتي (1498، 1866م)، وترجمها س. كولان إلى الفَرنسية في سنة (1556م). وتشتمل هذه الرسالة على عملٍ ابتكاري طبي قدَّمه العرب، وهي أول تفسيرات يُعتمد عليها في أطوار المرضى الأولى؛ إِذْ شَرَح الرازي أعراض المرض بكل وضوح، وأقام بحثَه في علم الأمراض على نظرية التخمُّر أو الأخلاط، ووصف علاج المرض، وكان يلح في الإشارة إلى أهمية الفحص الدقيق للقلب والنبض والتنفُّس والبراز، عند مراقبة تطور المرض، وقد لاحظ أن ارتفاع الحرارة يساعد على انتشار الطفح، كما أشار إلى وسائل وقاية الوجه والفم والعينين، وتجنب الندوب الكبيرة، ولا غرو أنِ استنار بها جميعُ الأطباء في جميع الأمم[1]. وكان الرازي أولَ مَن أدخل المركبات الكيمائية في العلاج الطبي؛ حتى إن جورج سارتون يعده "الطبيب الكيميائي الأول"، وتنسب إليه كثير من الابتكارات الجديدة في جراحة العيون وفي الولادة وأمراض النساء. ويعدُّ الرازي مِن روَّاد الطب الروحاني في الحضارة الإسلامية؛ حيث قدَّم من خلال كتابه "الطب الروحاني" محاولةً لإصلاح الأخلاق على أسس تربوية ونفسية. ولا يتَّسِع المقام هنا للوقوف على جهود الرازي في علم الطب، فهذا أمر يحتاج إلى دراسة خاصة، وبوجه عام يمكن القول: إن هذا العالم "يُعتبر من أهم مَن وضعوا الأسس الراسخة والقواعد الثابتة لتعليم الطب وممارسته، ليس في العالم الإسلامي فحسب، بل في أثره البعيد في تدريس الصناعة الطبية، وما إليها من علوم، وتوجيهها في القرون الوسطى، والأوساط المستنيرة في الشرق والغرب لقرونٍ عديدة؛ فقد كتب باستفاضةٍ في الطب السريري والنفساني، وصنَّف في الكيمياء والعقاقير وتحضيرها، ووضع أصول فلسفة النظريات الطبية في هذه الحقبة، وساعد على تطور أدب الطبيب، وأهمية العمل في البيمارستانات، والتجرِبة الطبية، وحارب الشعوذة، وهاجم جهلاء المتطبِّبين، وحاول رفع مستوى التعليم الطبي برفع مستوى مزاولة المهنة من الناحيتين العلمية والعملية". وقد كتب الرازي في كل الفروع التي تتعلَّق بصناعة الطب، وبلغت مؤلَّفاته الطبية حوالي ستة وخمسين كتابًا، منها ما كان على شكل رسائل، ومنها ما كان في مجلدات كبيرة. ويعتبر كتاب (الحاوي) "من أجلِّ كتب الرازي وأعظمها في مجال الطب؛ وذلك أنه جمع فيه كل ما وجده متفرقًا في ذكر الأمراض الطبية، ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين، ومَن أتى بعدهم إلى زمانه، ونسب كل شيء نقله فيه إلى قائله"، وهذا الكتاب أَخذ من الرازي جُلَّ عمره، بَدْءًا مِن تعلمه مهنة الطب، ويقع في ثلاثين جزءًا (أو عشرين مجلدًا) جُمعت فيه كل المعارف الطبية التي توصَّل إليها العقل البشري، منذ أيام أبقراط حتى أيام الرازي، ومن هنا يقول عنه (إدوارد براون): "إنه أكبر كتاب عربي في الطب، بل أهمها"، وأثنت عليه الأستاذة (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الإسلام تسطع على الغرب)، واعتبرته موسوعة طبية ضخمة مليئة بالمحاضر والتقارير عن المرضى في مستشفيات بغداد وغيرها خلال الربع الأول من القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري)، استعملها الأطباء الأوروبيون خلال مئات السنين ككتاب للتعلم، ويقول (ول. ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): "إنه يبحث في كل فرع من فروع الطب، وأغلب الظن أنه ظَلَّ عدة قرون أعظم الكتب الطبية مكانة، وأهم مرجع لهذا العلم في بلاد الرجل الأبيض[2]". وتجدر الإشارة إلى أن أكثر كتب الرازي قد تُرجمت إلى اللاتينية، وطبعت عدة مرات، ولا سيما في البندقية سنة (1509م)، وفي باريس سنة (1528م)، وسنة (1745م). ونختم حديثَنا عن الرازي بما قالَتْه عنه المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: "الرازي هو أحد أعظم أطباء الإنسانية إطلاقًا...، وقبل ستمائة عام كان لكلية الطب بباريس أصغر مكتبة في العالم، لا تحتوي إلا على مؤلَّفٍ واحد هو كتاب "الحاوي" في الطب للرازي. وكان هذا الأثر العظيم ذا قيمة كبيرة، بدليل أن ملك المسيحية الشهير (لويس الحادي عشر)، اضطر إلى دفع اثني عشر ماركًا من الفضة، ومائة تالر (Taler) من الذهب الخالص، لقاء استعارته هذا الكنز الغالي، رغبة منه في أن ينسخ له أطباؤه نسخة، يرجعون إليها إذا ما هدد مرض أو داء صحَّتَه وصحة عائلته. وكان هذا الأثر العلمي الضخم يضم كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام (925م) بعد الميلاد، وظل المرجع الأساسي في أوروبا لمدة تزيد على الأربعمائة عامٍ بعد ذلك التاريخ، دون أن يزاحمه مزاحم، أو تؤثر فيه أو في مكانته مخطوطة من المخطوطات الهزيلة التي دأب على صياغتها كَهَنة الأديرة قاطبة، وهو العمل الجبَّار الذي خطَّته يد عربي قدير. ولقد اعترف الباريسيُّون بقيمة هذا الكنز العظيم، وبفضل صاحبه عليهم، وعلى الطب إجماليًّا، فأقاموا له نصبًا في وسط القاعة الكبيرة في مدرسة الطب لديهم، وعلقوا صورته، وصورة عربي آخر هو "ابن سينا" في قاعة أخرى كبيرة تقع في شارع سان جيرمان، حتى إذا ما تجمع فيه طلاب الطب، وقعت أبصارهم عليها، ورجعوا بذاكرتهم للوراء يسترجعون تاريخها[3]. ومنهم أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد الجزار (ت350هـ) وهو قيرواني الدار، طبيب ابن طبيب، ومن مؤلفاته: (زاد المسافر، والاعتماد في الأدوية المفردة، والبغية في الأدوية المفردة، والبغية في الأدوية المركبة، وذم إخراج الدم، ورسالة في النفس، وأسباب الوباء بمصر والحيلة في دفعه، وطب الفقراء). ومنهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث (ت 336هـ)، وله من الكتب: كتاب الأدوية المفردة، وكتاب الحيوان، وكتاب في الجدري والحصبة والحميقاء، وكتاب في البرص والبهق ومداواتهما، وكتاب في الصرع، وكتاب ثانٍ في الصرع، وكتاب في الاستسقاء. ومنهم سليمان بن حسان أبو داود - المعروف بابن جلجل (ت بعد 384 هـ) - ومن مؤلفاته: تفسير أسماء الأدوية المفردة، ومقالة في ذكر الأدوية، ومقالة في أدوية الترياق، ورسالة التبيين فيما غلط فيه بعض المتطببين، وطبقات الأطباء والحكماء. ومنهم أبو علي أحمد بن مندويه، من أطباء القرن الرابع الهجري، ومن كتبه: كتاب (المدخل إلى الطب) وكتاب (الجامع المختصر في علم الطب) وهو عشر مقالات. ومنهم ابن وافد (387 - نحو 465هـ)، المطرف بن عبدالرحمن بن عبدالكبير الأندلسي، ومن كتبه: كتاب الأدوية المفردة، وكتاب الوساد في الطب، ومجرَّبات في الطب، وكتاب تدقيق النظر في علل حاسَّة البصر. ومنهم ابن سينا أبو علي الحسين بن عبدالله (ت 428هـ/ 1036م)، وهو أشهر أطباء العرب على وجه الإطلاق، وأبعدهم أثرًا، وقد بلغ مِن تقدير المعاصرين له أن لقبوه بـ "الشيخ الرئيس"، كما لُقِّب بالمعلم الثاني تشبيهًا له بأرسطو المعلم الأول. وكان ابن سينا موسوعيَّ المعرفة، عالِمًا في كل علم، إلا أنه فيلسوف قبل كل شيء، وهو وإن لم يُعرف عنه أنه نزل بغداد ليتلقَّى عن فلاسفتها وأطبائها - على عادة كثير من علماء منطقته - لكنه تأثَّر إلى حدٍّ كبير بفكر المدرسة البغدادية في علوم الأوائل، وتتلمَذ في بلده على بعض علمائها الذين تلقَّوا علومهم في بغداد، وقرأ عددًا من الكتب المترجَمة في الحاضرة العباسية؛ مثل كتب أرسطو وأبقراط وبطليموس وغيرهم. وأهم كتاب لابن سينا في علم الطب هو كتاب "القانون"، ذلك المؤلف العملاق، كما يقول الأستاذ (مييرهوف) عنه: "إنما هو تركيز لتراث المعارف الطبية اليونانية مضافًا إليها الزيادات العربية، فكان تأثيره في الطب عامًّا وشاملًا، ويعتبر هذا الكتاب العمل الفريد، وقمة المجد في تكوين المذاهب العربية، ترجمه جيرار الكريموني في القرن الثاني عشر إلى اللاتينية، وتوجد منه نسخ خطية لا حصر لها، ولقد طبع في الثلاثين سنة الأخيرات من القرن الخامس عشر ستَّ عشرة طبعة، ولا تشتمل هذه الطبعات على ما طبع من أجزائه طبعات متفرقة، أو ما ألف في شرحه باللاتينية والعبرية واللغات الدارجة (الناشئة عن اللاتينية)؛ فإنها سواء منسوخة أو مطبوعة لا يحصيها العد، واستمر العالم الأوروبي في طبع الكتاب وتدريسه حتى نهاية القرن السابع عشر، وربما لم يدرس كتاب في الطب على مر العصور كما درس هذا الكتاب، ولقد بلغ الطب الإسلامي - عن طريق ابن سينا عميد الأطباء وأميرهم - أوجَ عظمته". ولقد حلَّ كتاب القانون في الطب - نظرًا لتنظيمه الكامل وقيمته الأصيلة الحقيقة - محلَّ كتاب الرازي "الحاوي"، وكتاب علي بن العباس "الملكي"، كما حل أيضًا محل كتب جالينوس، وظل في الطليعة حتى القرن السادس عشر، وقد نستطيع أن نستشفَّ أهميته القصوى في هذا العصر من الحقيقة الماثلة في أن فيراري (Ferrarius) (1471م) استشهد بابن سينا (3000) ثلاثة آلاف مرة، وبالرازي وجالينوس (1000) ألف مرة فقط، وبأبقراط (140) مائة وأربعين مرة لا غير. ولقد تُرجِمت كتب ابن سينا في الطب إلى معظم لغات العالم، وظلت زهاء ستة قرون المرجعَ العالَمِي في الطب، واستخدمت كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا جميعًا، وظلَّت تدرس في جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر[4]. ويذكر جوستاف لوبون: أن لائحة جامعة "لوقان" اتَّخَذت من كتب الرازي وابن سينا أساسًا للدراسة، وأن مؤلفات اليونان الطبية لم تَنَلْ فيها غير حظوة قليلة[5]. ومنهم أبو العلاء بن أبي مروان بن زهر (ت 525هـ) له كتاب الخواص، وكتاب الأدوية المفردة[6]. ومنهم أمية بن عبدالعزيز أبو الصلت الأندلسي (ت 460 - 529هـ)، ومن كتبه: كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية. ومنهم أبو بكر محمد بن الصائغ (ت نحو 533هـ)، ويعرف (بابن باجة)، الأندلسي، ومن كتبه: شرح كتاب السمع الطبيعي لأرسطو بن طاليس، ورسالة الوداع، وكتاب اتصال العقل بالإنسان، وكتاب تدبير الموحد، وكتاب النفس[7]. ومنهم القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد (520 - 595هـ)، مولده ومنشؤه في قرطبة، وله في الطب: كتاب الكليات، وشرح الأرجوزة المنسوبة إلى الشيخ الرئيس ابن سينا في الطب، وكتاب الحيوان، ومقالة في المزاج، ومسألة في نوائب الحمى، ومقالة في حميات العفن، ومقالة في الترياق. ومنهم أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، نسبة إلى مدينة الزهراء من ضواحي قرطبة (ت 404هـ/ 1013م)، ويعد من أشهر الأطباء في عصر الازدهار العلمي الأول بالأندلس، وكان جراحًا مُبرزًا، مبتكرًا في جراحاته وعملياته الدقيقة، وهو من أطباء الخليفة عبدالرحمن الثالث. ومن أهم مجهودات أبي القاسم الزهراوي الطبية أنه: "وصف عملية سحق الحصاة في المثانة، وتفتيت الحصاة في المثانة وإخراجها على الخصوص، فعُدَّتْ من اختراعات العصر الحاضر على غير حق". وقال العالم الفيزيولوجي الكبير هاللر: "كانت كتب أبي القاسم المصدرَ العامَّ الذي استقى منه جميع مَن ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر". وهو الذي أشار إلى ربط الشرايين في الجراحات الدقيقة، كما أجرى علميات صعبة في شق القصبة الهوائية، واستئصال اللوز بسنارة. ويعترف العالم "سبرنجل" بأن الزهراوي أول مَن علم طريقة استئصال الحصى المثانية في النساء عن طريق المهبل، وأول مَن وصف الاستعداد الخاص في بعض الأجسام للنزيف. ويقول الأستاذ/ قدري طوقان: "وقد جمع الدكتور/ أحمد عيسى في كتاب خاص ما كان يعرفه العرب من الآلات والأدوات الطبية، وضمنه جميع الآلات والعِدَد التي وردت في كتاب التصريف مع ذكر مسمياتها ومواضع استعمالها ونقل صورها، ويتجلَّى من هذا الكتاب أن الزهراوي أول مَن فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية وجعل أساسها قائمًا على دروس التشريح"[8]. والزهراوي هو صاحب الموسوعة الطبية الضخمة "التصريف لمن عجز عن التأليف". ويعرف هذا الكتاب أيضًا باسم "الزهراوي" وهو بحق مفخرة للأندلسيين وللمسلمين عامة، ولا سيما القسم الخاص منه بعلم الجراحة. وهذا الكتاب الذي فرغ الزهراوي من تأليفه حينما مضى على مزاولته لصناعة الطب والجراحة خمسون سنة من حياته المهنية، يُنبئ عن معارف طبية واسعة بمقاييسِ العصر الذي عاش فيه مؤلفه بالأندلس، ويكشف عن جوانب هامة من ممارسته لفنِّ الجراحة، وخبرته بالأمراض، وطرقه في العلاج، ومنهجه في التأليف الذي يُعدُّ في عصره منهجًا فريدًا، بما اتَّسم به من حسن التنظيم والتبويب، والميل إلى القصد في الكلام والوضوح في العبارة، وابتكار وسائل الإيضاح بالأشكال والصور، وقد وصفه الدكتور "فرانشيسكو فرانكو" بأنه يُمثِّل قمة المعرفة الجراحية الإسلامية؛ نظرًا لكونه يلخص كل المعلومات حول الجراحة في ذلك العصر". وقد قسم الزهراوي الكتاب إلى ثلاثين مقالة، تتفاوت في الطول والقصر؛ فأطولها المقالة الأولى، وهي تبحث في كليات الطب، ويليها في الطول المقالة الثلاثون في العمل باليد؛ (أي الجراحة العامة، وجبر العظام، والكَي)، وهي التي رفعت مِن قدر هذا الطبيب، وتُمثِّل القسمَ العملي من الكتاب، وتعتبر أول ما كتب في علم الجراحة مقرونًا برسوم إيضاحية كثيرة للأدوات والآلات الجراحية، التي تصل إلى أكثر من مائتي شكل، ومعظمها من ابتكاره. ومنهم أيضًا علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي، الملقَّب بابن النفيس (ت 1288م)، وكان أعظم عالم بوظائف الأعضاء في القرون الوسطى، حتى لقد سمي بابن سينا الثاني، وقد انتقل ابن النفيس من دمشق إلى القاهرة؛ حيث ابتنى بها دارًا وفرشها بالرخام. ويهمنا مِن أمر ابن النفيس على الأخص أنه كان أول، بل أشهر وأعظم عالم بوظائف الأعضاء، استطاع أن يفهم جيدًا الدورة الدموية الصغرى، ويصفها لأول مرة، ليكون رائدًا لِمَن أتَوا بعده، والحق أن (جالينوس) تكلَّم في هذا الموضوع، ولم يُضِف الرازي أو علي بن العباسي أو ابن سينا شيئًا لآرائه، لا بالتعديل ولا بالتصحيح، حتى مقدم ابن النفيس، فقد أُشْكِل الأمر على جالينوس وادَّعى أن في الحاجز الذي بين الجانب الأيمن، والجانب الأيسر في القلب ثقوبًا غير منظورة، يتسرَّب فيها الدم من الجانب الواحد إلى الجانب الآخر، وما وظيفة الرئتين إلا أن ترفرفا فوق القلب فتبرِّدا حرارته وحرارة الدم، ويتسرَّب شيء من الهواء فيها بواسطة المنافذ التي بينهما وبين القلب فيُغذِّي ذلك القلب والدم. عارض ابن النفيس هذه النظرية معارضةً شديدة، وأثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن اليونان لم يفهموا وظائف الرئتين والأوعية التي بين القلب والرئتين، وأنه فهم وظيفتها وأوعيتها، وتركيب الرئة والأوعية الشَّعْرية التي بين الشرايين والأوردة الرئوية، وشرح الفُرَج الرئوية شرحًا واضحًا، كما فهم أيضًا وظائف الأوعية الإكليلية، وأنها تنقل الدم ليتغذَّى القلب به، ونفى التعليل القائل بأن القلب يتغذَّى من الدم الموجود في البُطين الأيمن. ولقد كرَّر ابن النفيس تعاليمه في الدورة الدموية الصغرى تكريرًا يدل على فهمه المطلق لوظيفتها وطريقة عملها؛ ذلك أنه كرر هذه التعاليم في خمسة مواضع متفرقة، ذاكرًا آراء ابن سينا، ومكررًا أقوال جالينوس التي اعتمد عليها ابن سينا، ثم عارضها بمنتهى الحماسة. ومنهم أبو المنصور المظفر بن ناصر القرشي (ت 612هـ)، وله من الكتب: مقالة في الباهِ، وكتاب العلل والأعراض لجالينوس، والرسالة الكاملة في الأدوية المسهلة، ومقالة في الاستسقاء. ومنهم أبو محمد عبدالله بن أحمد ضياء الدين الأندلسي العشاب، المعروف بابن البيطار (ت 646هـ)، ومِن كتبه: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، والمغني في الأدوية المفردة في العقاقير[9]. وغير هؤلاء هناك أطباء كثيرون لا يتَّسِع المقام لذكرِهم، وبعضهم لا يقل قدرًا ولا أثرًا عن الذين ذكرناهم، نشير مِن بينهم إلى إسحاق بن عمران (ت 294هـ)، وسعيد بن عبدربه (342 هـ)، وأحمد بن يونس من أطباء القرن الرابع الهجري، والتميمي (ت380)، وعلي بن رضوان (ت 453هـ)، وابن البذوخ (ت 575هـ)، والفيلسوف العالم الطبيب ابن طفيل (494 - 581هـ)، مؤلِّف (حي بن يقظان)، والذي كانت له جهود في الطب تحدث عنها لسان الدين بن الخطيب المؤرخ المغربي المعروف. ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الذين أشرنا إليهم - بهذا الإيجاز - إنما هم الأعلام، وليس شرطًا أن يكون الأطباء المهرة المهنيون المتخصصون أعلامًا يعرفهم الناس، فهناك - بيقين - مئات آخرون عملوا في صمت، وكانوا بارعين مهنيًّا بعيدين عن الشهرة وعن أصحاب القصور وأولي الأمر، كما أنهم لم يبدعوا مؤلفات، فلم يعرف الناس عنهم شيئًا، لكنهم - جميعًا - أسهموا بالعلم التطبيقي والتنظيري الفكري في بناء الحضارة الإسلامية. [1] جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي، ص (320، 321). [2] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (226، 228). [3] د/ عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية، ص (77، 78). [4] جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي، ص (325 - 327). [5] جلال مظهر:المرجع السابق، ص (325، 326). [6] ينظر في علم الطب والتشريح: حسام جزماتي: علم النشر في المؤلفات الطبيعية، مجلة آفاق الثقافة والتراث، السنة الثانية، العدد السابع، رجب 1415. [7] رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام (2/ 25، 44، 51، 52)، بتصرف. [8] د/ عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية، ص (147). [9] رحاب عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام (2/ 69، 70، 75، 76، 81، 82، 92) بتصرف. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
"فاطمة المجريطية".. عالمة أندلسية صنعت التاريخ.. رسالة الإسلام لم تكن علوم الفلك والهندسة حكراً على الرجال في عصر الازدهار الإسلامي، فالمرأة شاركت في كافة الميادين، ونبحر اليوم مع إحدى العلامات النسائية في الأندلس، والتي عدها أحد المستشرقين من ألمع الأندلسيات اللاتي صنعن التاريخ. نشأتها فاطمة المجريطي هي عالمة فلكية عاشت في الأندلس في نهاية القرن العاشر وبداية القرن حادي عشر الميلادي، وتعتبر أحد الرموز الواضحة في علم الفلك، ومن المسلمات العالمات في عصرها، وقدمت مساهمات كبيرة ومهمة في علم الفلك خاصة في تلك الحقبة الزمنية، ولقبت بالمجريطية نسبة إلى والدها المجريطي لأن أصله كان من مدينة مجريط التي ولد بها. وهي ابنة أبي القاسم مسلمة بن أحمد الجريطي، كان عالم رياضيات وكيمياء وفلك، ولد بمدينة مجريط "مدريد حالياً" ثم رحل إلى قرطبة لتلقي العلم، وعرف بإمام الرياضيين في الأندلس، ويعتبر من أنبغ علماء المسلمين في عهد الخليفة الأموي الحكم المستنصر. وقد قيل عن الإمام أبو القاسم أنه أفضل الرياضيين والفلكيين في زمانه، وقدم مساهمات كبيرة في علم الفلك، أهمها أنه شارك في ترجمة بطليموس في الفلك، وحسن ترجمة المجسطي وطور جداول الخوارزمي الفلكية، كما قدم تقنيات في علمي المساحة والمثلثات. نبوغها في الفلك والرياضيات بدأت فاطمة رحلتها العلمية عندما وجد أبوها منها الذكاء، والاهتمام بعلوم الفلك واهتمامها بالرياضيات، فقام بتدريبها حتى وجد أنها تصلح للتقدم في طريق البحث العلمي. وتتلمذت على يد والدها، وعاصرته أثناء دراساته وأبحاثه في علوم الرياضيات والفلك، وعاشت فاطمة في قرطبة عاصمة الخلافة، ووصلت إلى درجات عالية من المعرفة في علم الفلك في عصرها، وبدأت في الكتابة والتأليف حيث كتبت "تصحيحات فاطمة" وهي أبرز مؤلفاتها، وكتبت أيضاَ "رسالة حول الإسطرلاب"، وشرحت فيه كيفية استخدامه في الحساب والرصد الفلكي، والكتاب محفوظ إلى عهدنا الحالي في مكتبة الإسكوريال الشهيرة في إسبانيا. كما عملت فاطمة مع والدتها في تدقيق وتصحيح جداول الخوارزمي الفلكية، وقاما بضبطها بحيث تتناسب مع خط الزوال الذي يعبر فوق مدينة قرطبة بالذات، وكانت مدينة قرطبة تعتبر حينها مركز العالم الإسلامي ومنبع المعرفة والعلم، وبمثابة النقطة المرجعية لإجراء الحسابات، فالأمر يشبه مدينة "غرينتش الحالية" والتي تعتبر المرجع الحالي لحسبا التوقيت. وعملت فاطمة مع والدها في تصحيح التقاويم، وحساب مواضع الشمس والقمر والكواكب بشكل دقيق، ووضعها جداول لعلم الفلك الكروي، وحساب الكسوف والخسوف. وقال عنها المستعرب الإسباني – مانويلا مارين- المتخصص في دراسة تاريخ الأندلس وعلماؤه "إنها إحدى ألمع النساء الأندلسيات اللاتي ساهمن في صناعة التاريخ". |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علماء عرب نبغوا في علم الفلك http://alwaeialshababy.com/ar/images/falak_arab.jpg إيمان نايل عبيد – باحثة دراسات إسلامية - سوريا: يعرف علم الفلك بأنه الدراسة العلمية للأجرام السماوية، أي دراسة الأجسام والمواد الموجودة خارج الغلاف الجوي مثل «النجوم والكواكب والمذنبات والمجرات»، ودراسة خصائصها الفيزيائية والكيميائية. وعلم الفلك من العلوم القليلة التي ساهم الهواة بدور هام فيها، فكان بعضهم من خلال متابعته الشخصية، يرصد أو يكتشف بعض الظواهر العابرة. وقد تطورت أساليب البحث وتقنيات الرصد، ففتحت الآفاق واسعة من الأرض إلى الفضاء، وبما أن علم الفلك يتكئ على العلوم الأخرى ويتداخل معها، لذلك وجب على الباحث فيه إتقان الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والإلكترون والحاسوب وغيرها من العلوم التي يحتاجها لأبحاثه. وحتى القرن العشرين كان علم الفلك شاملا، وبعدها تم الفصل بين علم الفلك الرصدي وعلم الفلك النظري، فكان الأول يدرس المراصد، سواء الموجودة على الأرض، أو التي أرسلت إلى الفضاء، ويتم فيه جمع المعلومات والصور وتحليل البيانات عبر أنواع التلسكوبات منها: «تلسكوب الأشعة تحت الحمراء، وتلسكوب أشعة غاما، وتلسكوب الأشعة السينية»، ومن نتائج هذه الدراسات ينشأ علم الفلك النظري الذي يهتم بصياغة النظريات، وتطوير نماذج العمليات الفيزيائية الحاصلة في النجوم والمجرات وسائر الأجرام السماوية، وبهذا يتم تفسير الظواهر الفلكية وعلاقتها بالأرض وساكنيها وتأثيرها عليهم. فيمكن من خلال دراسة نشوء وحياة وموت النجوم، وضع نتائج محتملة لما يمكن أن يحدث لشمسنا في المستقبل. أهم فروع علم الفلك الحديث 1- قياس مواقع النجوم: فقياس مواقع النجوم في السماء بدقة، كفيل برصد تحركاتها فيما بعد. 2- الميكانيكا السماوية: ويختص هذا الفرع برصد حركة الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية، ووفق قانون الجاذبية، يمكن التنبؤ بتلك الحركات قبل عشرات السنين من حدوثها، مثال ذلك حساب وتحديد زمن خسوف القمر. 3- الفيزياء الفلكية: وهي دراسة طبيعة الكواكب وفيزياء النجوم، ودراسة محيط ما بين النجوم. 4- فيزياء الكون: وهي دراسة الكون ومكوناته بمجملها، وما يمكن أن يحدث في مستقبله. جهود العلماء العرب في علم الفلك في العصر الجاهلي بقي الاهتمام بعلم الفلك في حدود الفطرة والفراسة، لحاجتهم للاعتماد على النجوم كدليل في صحرائهم المترامية الأطراف، وكانوا يشركون معه علم التنجيم بما لديهم من خرافات وشعوذة. بعد أن ثبتت الدولة الإسلامية أركانها، اهتم العلماء فيها بعلم الفلك، فجمعوا وترجموا ما كان منه عند اليونانيين والفرس والهنود والصينيين والكلدانيين والسريان، وأول ما ترجم من الكتب كتاب «مفاتيح النجوم» المنسوب إلى هرمس الحكيم من اليونانية إلى العربية أواخر عصر الدولة الأموية، ويعد كتاب المجسطي لبطليموس المترجم عن اليونانية أيضا في العصر العباسي من أهم الكتب المختصة في هذا العلم. ويعود الفضل للحضارة العربية الإسلامية بالنسبة لعلم الفلك، بحفظ علم من سبقها من أمم وحضارات وتصحيح ما كان فيه من مغالطات. كما كان لعلماء المسلمين الفضل في التفريق بين علم الفلك و«التنجيم» إذ اعتبروا أن علم الفلك علم يقينا والتنجيم تخمينا، فالتنجيم نظام يعتقد أن هناك علاقة بين الشؤون الإنسانية ومواضع الأجسام السماوية، ويشترك مع علم الفلك باستخدام التقويم الفلكي، وقد انحرف به الكثيرون إلى الدجل والشعوذة. بعد مرحلة الترجمة والتصحيح، بدأت مرحلة الإبداع والابتكار، فقد بنى بعض علماء الدولة الإسلامية مراصد خاصة بهم، كانوا يتابعون بواسطتها حركة الكواكب والنجوم، ويسجلون مشاهداتهم بدقة علمية جعلتهم فيما بعد مراجع لعلماء أوروبا والغرب، حيث اعتمد علماء أوروبا في عصر النهضة وما بعده على البحوث الفلكية التي قامت بها المراصد الفلكية العربية والإسلامية بدقة قريبة جدا من الاكتشافات الحديثة. أشهر المراصد الفلكية العربية والإسلامية - مرصد جبل قاسيون في دمشق، الذي أمر بإنشائه الخليفة المأمون. - مرصد باب الشماسية في أعلى ضاحية من بغداد، أيضا أنشئ في عهد الخليفة المأمون. - مرصد ابن الشاطر في الشام. - مرصد الدينوري في أصفهان. - مرصد أولغ بك في سمرقند. - المرصد الذي أقامه أبناء موسى بن شاكر في بغداد، وفيه استخرجوا حساب العرض الأكبر. - مرصد نصير الدين الطوسي في مراغة في بلاد فارس، الذي يعد من أشهر المراصد وأكبرها، فقد اشتهر بدقة آلاته وتفوق المشتغلين فيه على غيرهم. وهنالك ما يزيد عن مئة وخمسين اسما ومصطلحا أطلقها العلماء العرب على نجوم وكواكب كثيرة، مازالت معروفة حتى عصرنا الحالي بالأسماء العربية القديمة ذاتها، منها: العنقاء: Anka بيت الجوزاء: Bet - Elgeuse الدبران: Aldebran المقنطرة: Al – Mucantar السموت: Azimuth الطائر: Altair فم الحوت: Familheut الذنب: Deneb العلماء العرب وجهودهم في علم الفلك يعتبر عبدالرحمن بن عمر بن محمد ابن سهل الصوفي الرازي (ت 376هـ/ 986م) ثالث ثلاثة من العلماء العظماء الذين كتبوا في الكواكب الثابتة. فمنزلته بين بطليموس وأرغلندر، ولم يكتف في كتابه «الكواكب الثابتة» من متابعة بطليموس في كتابه «المجسطي» لكنه قام برصد النجوم نجما نجما وبدقة شُهد له بها فيما بعد، فقد عين أقدار النجوم وأماكنها، ووضح بالرسوم الملونة للأبراج والأجسام السماوية - على شكل أناس وحيوانات - ما كان قد ذكره في كتابه، وسماها بأسماء عربية مازالت مستعملة حتى الآن، منها: الحوت، العقرب، الدب الأكبر، الدب الأصغر. ولمحمد بن الحسن بن الهيثم (ت 432هـ/ 1041م) مؤلف «مقالة في علم الهيئة» الذي يعد النسخة الأصلية لنظرية بويرباخ النمساوي التي أخذ عنها تلميذه رجيومونتان ومن بعده كوبرنيكوس. ولقد أُطلق عليه بطليموس الثاني لما أبدعه في علم الهيئة من مقالات؛ وصل منها سبع عشرة مقالة، كتب فيها عن أحجام وأبعاد الأجرام السماوية وكيفية رؤيتها، وعن ارتفاع القطب والرصد النجومي...إلخ. وهو من اخترع أول كاميرا في التاريخ وسماها «الخزانة المظلمة ذات الثقب»، وقد استعملها علماء الفلك العرب في مراصدهم، مما ساعدهم على معرفة نسب النجوم والكواكب وأحجامها، وعلى اكتشاف نجوم جديدة نتيجة متابعتهم واهتمامهم بهذا العلم. أما أبوالريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 440هـ/ 1048م)، فقد كان يجيد إضافة للغة العربية الفارسية واليونانية والسنسكريتية والسريانية، لذلك فقد اطلع على المراجع الفلكية من مصادرها وليس من ترجماتها. ومن أهم كتبه في علم الفلك الكتاب الذي ألفه للسلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين في الهيئة والنجوم والجغرافيا، بعنوان «كتاب القانون المسعودي»، وتعود أهمية هذا الكتاب للجهد الذي بذله مؤلفه في ذكر ما توصل إليه علماء الفلك في الحضارات السابقة والمعاصرين له، إذ لم يكتف بما قرأه عنهم، بل كان يتحقق من ذلك، سواء بقيامه بإعادة الحسابات بنفسه، أو بالرصد من جديد ولأكثر من مرة. وكان أول من استحدث المنهج التجريبي في علم الفلك، فقاد أبحاثا تجريبية متعلقة بظواهر فلكية، واكتشف أن مجرة درب التبانة هي عبارة عن مجموعة نجوم سديمية، كما اكتشف أن التجاذب يحدث بين الأجرام والفلكات السماوية منتقدا بذلك أرسطو الذي يعتبر أن تلك الأجرام لا تملك خفة أو جاذبية. ومحمد بن جابر بن سنان البتاني (ت 929هـ)، ألف جداول لمدارات الشمس والقمر، أكد فيها أن ما ذكره بطليموس عن منحى شذوذ الشمس متغير وليس ثابتا، كما عمل على حساب وقت أول ظهور للهلال بعد القمر الجديد، وقياس طول السنة الشمسية والسنة الفلكية، وتوقع زمن الخسوف. اخترع علماء الفلك العرب آلات ومعدات لم تعرف من قبلهم، استعانوا فيها في مراصدهم، منها آلة الربع المجيب، الربع المقنطر، ذات الشعبتين، ذات السمت والارتفاع، الحلقة الاعتدالية، مزاول لقياس الوقت. وطوروا الأسطرلاب اليوناني بما يتفق مع اكتشافاتهم الفلكية، فصنعوا الأسطرلاب الكروي والأسطرلاب الزورقي. أتقنوا صناعة الجداول الرياضية العددية (الأزياج) لأنها من أهم مستلزمات الرصد الفلكي، فبواسطتها تحدد مواقع الكواكب وأوضاعها من حيث الارتفاع والانخفاض والميول والحركات في أفلاكها. رصد العالم الفلكي المصري علي بن رضوان في عام 1006م، أكثر المستعرات العظمى سطوعا في التاريخ، ووصف بدقة النجم المؤقت، فقال أنه أكبر بمرتين أو ثلاث من قرص الزهرة، أما سطوعه فيعادل ربع سطوع القمر. وهكذا نرى أن للعرب فضلا في تطوير وتصحيح مفاهيم علم الفلك. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
” أوقاف المرضى” صفحات الرحمة في الحضارة الإسلامية https://islamonline.net/wp-content/u.../03/898677.jpg اليـد التي تداوى الأوجاع يـد مبارك، حكمة تحولت في الحضارة الإسلامية إلى مؤسسات لرعاية المرضى الفقراء الذين يصعب عليهم إيجاد الدواء أو الأخذ بأسباب الشفاء. نظرة الإسلام إلى المرض مركبة، فهو يقرن الاستعاذة من المرض بالبحث عن أسباب الوقاية والتداوي، فلا يوجد داء بلا دواء، وفي حال وقوع المرض كان الشرع يحث على الصبر، فالنفوس التي تضعف عن المقاومة تضر بأجسادها، يقول الفيلسوف الطبيب “ابن سينا”: “الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء”. وقد لعب نظام الوقف الذي ابتدعته الحضارة الإسلامية دورا كبيرا في القيام بالمهام الاجتماعية والإنسانية التي لم تستطيع الزكاة النهوض بها، ومن روعة تلك الحضارة، ديمومة الوقف، لضمان استمرار الإحسان، وإيجاد ما يلزمه من الموارد، فحاجات الناس تكاد تتشابه في حقيقتها على اختلاف الأماكن والأزمان، لذا حبس لها الوقف من الموارد ما يقوم بشأنها، حتى لا تُحرم الأجيال المتعاقبة من موارد للخير تكفل استمرار الرحمة، ويعطي “محمد كرد علي” في كتابه “خطط الشام” نموذجا لتوسع الوقف بقوله: “ولقد تفنن القوم في أنواع الأوقاف، حتى لا يكاد يخطر ببالك خاطر في الوقف، إلا وتجد من سبقك إليه، مما أوشكت أن تكون معه معظم ديار الإسلام موقوفة، وكانت ثلاثة أرباع الأملاك في المملكة العثمانية وقفا على الجوامع والمساجد”، ” لذلك عُدت الأوقاف على طول الزمن من أعظم القربات حتى قالوا: إنّ من لم يمت عن وقف مات ميتة جاهلية”. https://islamonline.net/wp-content/u...1-300x150.jpeg محمد كرد علي وكتابه ” خطط الشام” ومع اتساع جوانب الوقف وأغراضه، جاءت الرحمة كعنوان بارز تنوعت تجلياته، حتى أصابت الصغار والخدم، والفقراء، والنساء الغضبى، والطيور المهاجرة، والكلاب الضالة، والحيوانات المسنة، فيذكر تاريخ الوقف، أنه راعى الصغار والخدم الذين يكسرون الآنية، التي كانت تسمى قديما “الزبادي” ويخشون تعرضهم للعقوبة، فكان الوقف يمنحهم آنية بديلة، يحكي الرحالة الشهير “ابن بطوطة” في “تحفة النظار” أثناء مروره بدمشق، قائلا:” مررت يوماً ببعض أزقة دمشق، فرأيت بها مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصحن، فتكسرت، واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني. https://islamonline.net/wp-content/u..._o-300x150.jpg البيمارستان الآرغوني فجمعها، وذهب الرجل معه إليه، فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن”، وكان في مدينة “فاس” المغربية مكان يسمى بـ”دار الشيوخ” يشبه الفندق أو قاعات الأفراح الحديثة، موقوفة على توفير الخدمة للمكفوفين، فكان إذا اقترن المكفوف بمكفوفة، أقام في الدار زفافه جبرا لخاطره، وإسعادا لنفسه. ومن روعة الوقف ما قام به الملك العادل “نور الدين محمود زنكي” (المتوفى:569هـ) الذي شعر بحاجة الفقراء إلى الإحساس بالجمال، والتفاعل مع الطبيعة، والاستمتاع بالحياة، فأوقف لهم أحد القصور في قرية “داريا” في غوطة دمشق ليستنشقوا بعضا مما ترتاح إليه النفس من الهواء المنعش، وجميل الزهور، حتى لا يذبل إحساس الجمال في نفوسهم، وفي الدولة العثمانية، تنوعت أوقاف السلطان “أورخان غازي” (المتوفى: 761هـ) ومنها: توزيع الفاكهة والخضار، وتأمين إرضاع الصغار، بل وشراء لعب للأطفال، وإطعام الطيور والحيوانات، وفي القرن السادس عشر الميلادي كانت أكثر من 20% من الأراضي في الدولة العثمانية تخص الأوقاف. ورحم الوقف الحيوانات والطيور، فكان أحد أعيان مدينة “فاس” المغربية، وهو “محمد بن موسى الحلفاوي الإشبيلي” (المتوفى: 758هـ) أوقف دارا للحيوانات الأليفة، وكان يطعمها بيده، وفي “فاس” في القرن السابع الهجري، كانت هناك أوقافا لشراء الحبوب لإطعام الطيور، حتى لا تهلك، وكانت مستشفى “سيدي فرج” بفاس، تقوم بمهمة عجيبة وهي علاج طائر “اللقلاق” إذا تعرض للانكسار أو الأذي، فكان الطير يُحمل إلى المستشفى، ويصرف غذاءه لمن يضمده ويطعمه. أوقاف المرضى الوقف في المجال الصحي هو نظام تبرع وإدارة في الوقت ذاته، فكان يضمن الإنفاق وطريقه إدارته وإستمرار ديمومته رعاية لصحة الفقير، وعلاجا لمرضه، لذا انتشرت البيمارستانات (المستشفيات) في العواصم والحواضر الإسلامية، مثل: بغداد، ودمشق، والقاهرة، والقدس، وفاس، وخصصت لها احتياجات تشغيلها من تأثيث وطعام وأدوية، وأطباء مهرة، وممرضين، وعمال، فكان المريض الفقير يجد فيها الرحمة والعلاج والرعاية في أجواء من حفظ الكرامة. ففي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي كان يوجد في بغداد وحدها أكثر من ستين بيمارستانًا، وفي قرطبة أكثر من خمسين، وفي القاهرة كان “البيمارستان المنصوري” الذي أوقفه الملك الناصر قلاوون في القاهرة عام 682هـ، وكان يشبه كليات الطب الحديث من حيث تجهيزاته بأرقى ما وصل إليه ذلك الزمان من علاجات ورعاية، وقد أوقفه السلطان على “الملك والملوك، والكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى”، ، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند بُرئه كسوة، ومن مات ينفق البيمارستان على تكفينه ودفنه. ورغم أن البيمارستان المنصوري كان وقفا للفقراء، فلم يُهمل فيه الفقير، بل حظى برعاية كبيرة واهتمام واضح، وتذكر كتب التاريخ أن الأمير “جمال الدين آقوش الأشرفي”، المشرف على البيمارستان، كان يحسن إلى المرضى ويتفقد أحوالهم في الليل، بل يتنكر للتأكد من حصول المريض الفقير على حقه، فكان يُدخل إليهم قبل الفجر ويسأل الضعفاء عن سائر أحوالهم حتى عن الفراش والطبيب، وكان يتفقد الأماكن التي يحتجز فيها المرضى النفسيين أو “المجانين” وكان لا يترك تفقد أحوال المرضى لغيره. وتشير بعض المصادر التاريخية أن البيمارستان كان يُراجعه أربعة آلاف شخص يوميا في كافة التخصصات، وكان المرضى الذين يُشفون يُمنحون مالا يعينهم على تأجيل نزولهم للعمل حتى يستعيدوا عافيتهم، ويحكي “مسيو جومار” Jomard”، الذي حرر كتاب “وصف مصر” الذي كتبه علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، أنه شاهد البيمارستان المنصوري، وما يقدم فيه من خدمات للفقراء، وذلك بعد خمسة قرون من إنشائه، ويحكي عالم الحضارات الفرنسي بريس دافن[1] Prisse Davennes أن قاعات المرضى في “البيمارستان المنصوري” كانت تُدفأ بإحراق البخور، أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو بعساليج[2] الشجيرات العطرية”. وكانت وقفية الأمير “عبد الرحمن كتخدا”[3] توفر العناية للفقراء ذوي الأعذار ليذهب الأطباء إلى بيوتهم، مراعاة لظروفهم، وبلغ من العناية بالمرضى تخصيص أحياء كاملة لعلاج المرضى ينفق عليها من الوقف، يذكر الرحالة الأندلسي “ابن جبير” أثناء زيارته لبغداد أن هناك حيا طبيا كاملا ينفق عليه من الأوقاف، وكان يشبه المدينة الصغيرة التي تتوفر فيها الأسواق والحدائق، وفي دمشق كان “البيمارستان النوري” الذي بناه العادل نور الدين محمود زنكي في القرن السادس الهجري مشترطا أن يُخصص للفقراء والمساكين، وكان الغني يمنح الدواء منه إذا تعذر حصوله عليه من الخارج، كما اشترط حاكم مصر “أحمد بن طولون” في البيمارستان الذي أنشئه 259هـ ألا يُعالج فيه جندي أو مملوك، حتى يكون خالصا للفقراء، لا يخشون فيه سطوة الجنود أو اقتصار ميزات الرعاية على العسكريين دون غيرهم. وعُرفت أوقاف للكتب الطبية، فـ”نور الدين محمود” أوقف جملة من الكتب الطبية مساعدة للمشتغلين بالطب حتى يبرعوا في المجال، أما الطبيب الشامي الشهير بـ “الداخور” وهو أبو محمد عبد الرحيم بن علي (المتوفى: 628هـ) فقد أوقف داره وجعلها مدرسة طبية وأوقف عليها أملاكا للإنفاق عليها. https://islamonline.net/wp-content/u...28-300x150.jpg البيمارستان المنصوري وكانت مستشفى “سيدي فرج” بالمغرب لها وقف ينفق منه ، ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت، كذلك عرفت مكة المكرمة الأوقاف لرعاية المرضى ومنها وقف السلطان شعبان بن حسين، الذي بنى بيمارستانا ووفر له احتياجاته، وخصص جزءا من أوقافه لشراء زيت الزيتون ليُضاء طوال الليل حتى لا يشعر المريض بالوحشة. [1] إميل بريس دافن: عالم حضارات فرنسي زار مصر عام 1829م ودرس الحضارة الفرعونية، لكن استهوته الحضارة الإسلامية فأسلم وكرس حياته للتعريف بالإسلام وحضارته حتى وفاته عام 1879م [2] العساليج: مفردها عسلاج أو عسلوج وتعني: الأغصان الناضرة الخضراء اللينة [3] الأمير عبد الرحمن كتخدا: أحد أمراء المماليك، وكان له آثار معمارية رائعة في القاهرة، توفي 1776م منقول بتصرف |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
“التفهيم لأوائل صناعة التنجيم” للبيروني من أقدم كتب الرياضيات وعلم الفلك المصدر : جامعة مكغيل الكندية https://islamonline.net/wp-content/u...-2-300x150.jpg (التفهيم لاوائل صناعة التنجيم) من أهم كتب تعليم عناصر فن التنجيم وضعه العالم الشهير أبو الريحان البيروني ( 973-1048م ) . ويعتبر من أقدم النصوص المكتوبة بالفارسية في مجال الرياضيات وعلم التنجيم، وله نسخة عربية، وترك أثرا علميا كبيرا على العالم منذ أن استعان به العلماء – سواء في إيران أو خارجها – في أعمالهم وأبحاثهم العلمية. ما توج الكتاب ومنحه قيمة عالمية هامة هو توثيق منظمة اليونيسكو للمخطوطة ضمن برنامج ذاكرة العالم في عام 2011 كأقدم المخطوطات الموجودة باللغة الفارسية وإدراجها في قائمة اليونسكو للتراث المسجل. الهدف الرئيس من كتاب (التفهيم لأوائل صناعة التنجيم) هو تبسيط مبادئ علم الفلك على شكل 530 سؤال وجواب وفي صيغة يسهل فهمها على المبتدئين ، وجعل كل موضوع جديد يبدأ بسؤال لطالب – شخصية وهمية نسجها البيروني من خياله – وينتهي بإجابة من مبتكرة من الأستاذ – شخصية وهمية – وتطرق بهذا الأسلوب لعلوم الهندسة والعمليات الحسابية والفلك والسلاسل الزمنية، كما بين البيروني في الكتاب كيفية استخدام الاسطرلاب للبحوث الفلكية. وبالإضافة لندرة الكتاب ، زادت القيمة العلمية واللغوية للمخطوطة الأصلية ومواصفاتها والفترة الزمنية التي تم العثور عليها – أقل من مئة سنة بعد وفاة المؤلف – من أهمية الكتاب. من الناحية اللغوية تعتبر هذه الدراسة الذاتية لعلم الفلك هامة في اللغة الفارسية منذ أن استخدم البيروني أكثر و أقدم المصطلحات والتعابير باللغة الفارسية الأصلية خاصة فيما يتعلق بتاريخ وتقاليد الفرس في هذا الكتاب. وعلاوة على ذلك استخدم البيروني بعض الأرقام والرسومات لشرح مواضيع رياضية وفلكية صعبة بطريقة مبسطة ، وبينها باللونين الأحمر والأسود. وأتاحت التقنية تحويل المخطوطة إلى أشكال رقمية موجودة حاليا في دار الكتب الوطنية الايرانية، كما تتوفر على أقراص DVD بمكتبة الدراسات الاسلامية بجامعة مكغيل الكندية. منقول |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
صفحة من تاريخ العلوم: الآمدي.. مستنبط الكتابة البارزة للعميان خالد عزب https://archive.islamonline.net/wp-c...09/07/pic5.jpgيذكر التاريخ الحديث، أن رجلاً فرنسيًّا اسمه “لويس برايل” كان أعمى لا يبصر، استنبط في سنة 1829م أي منذ نحو مائة وخمسين سنة الأسلوب المنسوب إليه لتعليم العميان القراءة والكتابة، وقد خُلِّد اسمه وشرفه الفرنسيون بهذا الاستنباط الخطير، الذي أخذت به أمم العالم في تعليم العميان. ولكن من يدري أن رجلاً عربيًّا، كان أعمى أيضًا لا يبصر، اسمه “زين الدين علي بن أحمد الآمدي العابر” عاش في حدود سنة سبعمائة للهجرة أي قبل نحو سبعمائة سنة كان السابق في هذا المضمار، وإليه يرجع – دون سواه – الفضل كله في ابتداع الكتابة البارزة للعميان. كان أستاذاً في المدرسة المستنصرية ببغداد، وله فيها غرفة خاصة به، ترجم له الصفدي في كتاب “نكت الهميان في نكت العميان” ووصفه بقوله: “كان شيخًا مليحًا مهيبًا ثقة صدوقًا، كبير القدر والسن، أضر في أوائل عمره، وكان آية عظيمة في تعبير الرؤيا، مع مزايا أخرى عجيبة، تدل كلها على عبقريته وشدة فطنته وذكائه”. وله حكايات غريبة، ذكر الصفدي طائفة منها، غير أن أعجبها، ما جرى له مع السلطان “غازان” المغولي ببغداد، وهو من أحفاد “هولاكو بن جنكيز خان” قال: لما دخل السلطان غازان، المذكور، سنة خمس وتسعين وستمائة، أُعْلِم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور فقال السلطان غازان لأصحابه: إذا جئت غدًا المدرسة المستنصرية أجتمع به، فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس به، واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي لتلقي السلطان، فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحدًا بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ، ويوهمه الذين معه، أنه هو السلطان – امتحانًا له – فجعل الناس كلما قدم أمير يعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين؛ ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه، من غير تحرك له ولا احتفال به، حتى جاء السلطان غازان، في دون تقدمه من الأمراء في الحفل، وسلَّم على الشيخ وصافحه، فحين وضع يده في يده نهض له قائمًا وأعظم ملتقاه والاحتفال به، وأعظم الدعاء للسلطان باللسان المغولي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي، ورفع به صوته إعلامًا للناس، وكان زين المذكور عارفًا بكثير من الألسن واللغات، فعجب السلطان غازان من فطنته، وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع أنه ضرير بحاسته (بحدسه) الذي فطن من معرفته للسلطان. صَنَّف الآمدي جملة كتب في اللغة والفقه، وكان يتّجر بالكتب، أما قصة اكتشافه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان فهي أنه كان يحرز كتبًا كثيرة جدًّا، وكان إذا طُلب منه كتاب، وكان يعلم أنه عنده، نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها، كأنه قد وضعه لساعته، وإن كان الكتاب عدة مجلدات، وطُلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك، أخرجه بعينه وأتى به، وكان يمس الكتاب أولاً، ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا كراسة، فيكون الأمر كما قال، وإذا أمَرّ يده على الصفحة، قال عدد أسطر هذه الصفحة كذا وكذا سطرًا، وفيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كُتب به في الوجهة – أي في الجانب – وفيها بالحمرة هذا، وهذه المواضع كتبت فيها بالحمرة، وإن اتفق أنها كُتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هناك إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يُمتحن به. والأدهى من ذلك، أنه كان يعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء، وذلك أنه كان إذا اشترى كتابًا بشيء معلوم، أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة – أي صغيرة – وصنعها حرفًا – أو أكثر – من حروف الهجاء، لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف، ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل، ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبّد فإذا شدّ الكتاب بيده يعرف ثمنه من تنبيت (بروزات) العدد الملصق فيه. وهذا الأسلوب هو بعينه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان؛ وهو أمر يدل دلالة قاطعة على عناية أولئك الأقدمين بأمور يُظَنّ أنها من مبتكرات العصور الحديثة ومستنبطات المدنية الحاضرة. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
رائع وابدعت في متابعة الموضوع
نشكر جهودك ومن تميز الى تميز |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
جزاكم الله خيرا واحسن الله اليكم تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال ورفع الله قدركم فى الدنيا والاخرة اللهم آمييييييييين |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الألوسي..العالم الذي فاز بجائزة نوبل قبل تأسيسها نورالدين قلالة https://islamonline.net/wp-content/u...si-300x150.jpg محمود شكري بن عبد الله بن محمود بن عبد الله بن محمد الألوسي. وهو أحد علماء أهل السنة في العراق ومن المتمسكين بمنهج السلف الصالح ومن أحد الشخصيات البارزة في العالم العربي والإسلامي، حبه لطلب العلم بدأ منذ صغره، وأخذ إجازات العلم من الكثير من علماء بغداد. هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الألوسي البغدادي رحمه الله، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير . تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمـهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: “لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما” (أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي). نزعته العقلانية سبب محنته!! جاهد محمود شكري الألوسي في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً . وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أو ضار البدع. لكن نزعته السلفية العقلانية ومحاولاته الاصلاحية، ومحاربة الخرافات والبدع، وترويجه لمؤلفات ابن تيمية، أصطدمت بالحزب الصوفي المسيطر على الدولة العثمانية آنذاك، وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان، ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان، وأن تأثيره سار بين الناس، فأغروا والي بغداد (عبد الوهاب باشا) …فصدر الأمر بنفيه وابن عمه ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي إلى الأناضول. فلما وصلوا للموصل قامت قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح . فصدر العفو عنهم وعادوا منصورين بعد أن مكثوا شهرين في الموصل . فكتب الشيخ عبد اللطيف بن ثنيان في صحيفته “الرقيب” “الحمد لله عاد الحق لأهله”. كانت للألوسي مجالسا في مساجد بغداد للوعظ والأرشاد. خصوصا جامع الإمام الأعظم الواقع في الأعظمية، حيث أستمر إماما وخطيبا في جامع أبو حنيفة لمدة أربعين عاما، ولقد درس في مدارس بغداد وتخرج على يديه نخبة من العلماء، وممن تأثر بفكره وعلمه العلامة محمد بهجت الأثري، والشيخ رشيد حسن الكردي، والشيخ محمد القزلجي، والشيخ علي بن حسين الكوتي والشيخ الأمام أمجد الزهاوي وغيرهم من خيرة علماء العراق، وكذا تخرج على يده جملة من أدباء وشعراء العالم العربي منهم الشاعر معروف الرصافي، والكاتب واللغوي العراقي الأب أنستاس الكرملي. أخذ محمود شكري بنزعة عقلانية عالية جعلته أقرب لدعاة السلفية الاصلاحيين في عصره مثل محمد رشيد رضا والأمام محمد عبده، وجمال الدين القاسمي .وقد وصفه رشيد رضا بأنه “ناصر السنة، قامع البدع، علامة المنقول ودراكة المعقول، دائرة المعارف الإسلامية، نبراس الأمة”. عاش حياته بين التدريس و التأليف ، و ساهم بأنشاء و تحرير أول جريدة في بغداد أسمها “الزوراء”. كذلك ساهم في امداد المقالات والبحوث لمجلات مثل “المقتبس” و”المشرق” و”المنار” و”مجلة المجمع العلمي العربي”. العالم الذي يخط مؤلفاته بخطه كان محمود شكري يخط مؤلفاته بخطه، وهو خطاط بارع من أئمة الخط العربي في بغداد، وأخذ إجازة الخط من والدهِ وفي خطه روعة وجمال وكان يخط على قاعدة ياقوت المستعصمي، ومن آثاره كتب ومخطوطات كثيرة لا زالت في المكتبة القادرية، وقد تخرج على يديه الكثيرون من الخطاط. ومن كتبه المهمة كتاب “غاية الأماني في الرد على النبهاني” ، وفيه يتناول المسائل المتنازع عليها بين دعاة التجديد السلفي ومعارضيهم، مع ميل للدفاع عن ابن تيمية كلما سنحت الفرصة. كما كان له فضل كبير في نشر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم الجوزية نشرا وطبعا وتحقيقا. ويعد محمود الألوسي بكل هذا النشاط واحدا من دعائم مدرسة التجديد السلفي. وكانت له صلة أيضا بجمال الدين الأفغاني، صاحب فكرة التجديد في الإسلام. بعض من مؤلفاته كانت كتبه الدينية الإصلاحية هي مدار دعوته وتميزه في بغداد، فقد سعى من خلالها للدفاع عن العقيدة الإسلامية أمام شوائب الشرك والبدع التي عمت العالم الإسلامي. وهذه بعض عناوين الكتب التي ألفها:
يقول الكاتب الأردني أسامة شحادة أن علامة العراق أبو المعالي أعاد وعائلته الألوسية لبغداد، عاصمة الخلافة، مجدَها العلمي الذي عرفته في أيام عزها، وذلك بدروسه المتميزة ومؤلفاته القيمة وتحقيقاته الثمينة، ولكن للأسف لم يلقَ أبو المعالي (وعائلته) ما يستحقونه من التكريم والتقدير، لا في حياته ولا بعد مماته، ومن ذلك أن سيرته لم تدوّن بشكل واف، ولا تزال بحاجة لمزيد من البحث والتنقيب وإظهار ما فيها من جهود مباركة في الإصلاح والتأسيس للصحوة الإسلامية”. تعلم الألوسي اللغتين التركية والفارسية، وعددا من العلوم الدنيوية كعلم الهيأة (الفلك)، ولم يكتف بذلك بل قام بمطالعة مئات الكتب والمخطوطات الموجودة بمكتبات بغداد، فتكونت له معرفة موسوعية ظهرت في كتبه وتحقيقاته، وكانت أولى مظاهر موسوعيته كتابه العجيب “بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب”. بدأ التأليف وعمره 13 سنة! و تصدى كذلك للتدريس مبكراً، فكان أول تصنيف لأبي المعالي الألوسي وعمره 21 عاماً وذلك سنة 1294هـ وهو كتابه “الروضة الغناء شرح دعاء الثناء”. ولم ينتظر أبو المعالى التكليف بالتدريس على عادة زمانه، فباشر بالتدريس متطوعا بدون راتب في داره وفي جامع عادلة خاتون، حيث درّس علوم اللغة والشريعة لجمع من الطلبة. جائزة ملك السويد لـ”العرب قبل الإسلام” يقول أسامة شحادة إنه في عام 1302ه/ 1886م تلقى الألوسي رسالة من أمين سر لجنة اللغات الشرقية عن مسابقة يرعاها ملك السويد والنرويج لتأليف كتاب عن تاريخ العرب قبل الإسلام، فتردد الألوسي في خوض التحدي خوفا من الاعتقاد بحرصه على الجائزة القيمة (1778 فرنكا ذهبيا)، لكن أصدقاءه حثوه على ضرورة إعلاء شأن العرب، فشمر عن ساعد الجد وصنف كتابه “بلوغ الأرب” الذي جاء في 3 مجلدات وأنهاه في عام 1304ه، وكان المميز في كتابه أنه جاء على غير مثال سابق ولا منهج مطروق مع صغر سن المؤلف الذي بالكاد كان في الثلاثين من عمره حين باشر بتأليفه! وبرغم تقدم العديد من الشخصيات من بلاد مختلفة للمسابقة إلا أن التفوق والفوز كان من نصيب الألوسي حين أعلنت النتائج في عام 1307ه، فشاع ذكره وارتفع صيته، وتمت ترجمة الكتاب للتركية. وقد تفنن الألوسي فيه بجمع أخبار وعادات العرب قبل الإسلام مما يدل على شرف معدنهم وقوة أخلاقهم مما جعلهم مؤهلون لقيادة العالم تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث للعالمين كافة. وقد فتح فوزه بهذه الجائزة عليه باب التواصل بالزيارة والمراسلة مع الكثيرين من العلماء وطلبة العلم من مختلف دول العالم والتي جمعها الألوسي في كتاب ضخم سماه “رياض الناظرين في مراسلات المعاصرين” وسبقه كتاب “بدائع الإنشاء” جمع فيه بعض رسائل أبيه، ثم بعض مراسلات العلماء والأمراء والأدباء له. مرضه ووفاته أصيب الألوسي برمل في المثانة سنة 1337هـ فأهمله، حتى اشتد عليه في سنة 1341هـ فانقطع عن التدريس مدة، ثم عاود التدريس فهزل جسمه وتعب قلبه، وفي العشر الأواخر من رمضان سنة 1342هـ أصيب بذات الرئة، وبعدها بأيام توفي عند أذان الظهر وحوله كتب العلم، رحم الله الآلوسي وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وقد دفن بمقبرة الشيخ الجنيد وكانت له جنازة مهيبة، وصُلي عليه في نجد صلاة الغائب، ورثاه العلماء وأهل الفضل والدعاة الذين كانت له صلات مع كثير منهم، وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء: رثاه الشاعر العراقي معروف الرصافي بقصيدة منها: محمود شكري فقدنا منك حبر هدى للمشكلات بحسن الرأي حلالا قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً إذا تقسّم فيها كان أجبالاً ورثاه تلميذه محمد بهجة الأثري بقصيدة منها: بغدادُ قد أقفرت من بعد مصرعه فقلقل الركبُ عن بغداد أهبالا هذي المدارس أضحت وهي باكية من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
المراصد الفلكية في الحضارة الإسلامية https://islamonline.net/wp-content/u...ية-300x150.jpg خالد عزب عرفت الحضارات القديمة علم الفلك وارتبط فيها بالتنجيم ومعرفة الغيب، وهو ما ألقى بظلاله على علم الفلك عند المسلمين حتى عهد قريب، ولكن في حضارة الإسلام، تلك الحضارة التي نبذت التنجيم واعتبرته مخالفًا لعقيدتها، انفصل علم الفلك عن التنجيم، وأصبحت له قواعده العلمية التي يرتكز عليها. ولم يكن هذا الانفصال وليد الصدفة، بل وليد التجربة العلمية والقياس والاستنباط، والحاجة الإسلامية لتحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة، حتى أصبحت المساجد الجامعة لا تخلو من فلكي يقوم بتحديد الوقت من خلال واحدة من الآلات الفلكية التي عرفها وابتكرها المسلمون. لقد كان علم الفلك في الحضارات القديمة تائهًا، ولكن مع العصر العباسي وفي خلافة المأمون بن هارون الرشيد، صار لهذا العلم موقع خاص، فلأول مرة نرى مراصد كبيرة لها مواقعها الثابتة والمتميزة، وآلاتها الضخمة المصنعة بعناية، والرعاية التي حظيت بها من قبل الدولة، وعدد الفلكيين الذين ارتبطت أسماؤهم بها. ويرى آيدين صاييلي -أبرز الباحثين الأتراك الذين درسوا المراصد الفلكية- أنه نشأت ظروف اقترنت بالإسلام، وكانت مواتية لتطور المراصد كمؤسسات، ذلك أن هناك ما يبرر القول بأن الإسلام شكل بيئة مناسبة لنشأة المراصد وتطورها، فلقد كانت هناك مرتبة خاصة لعلم الفلك في العالم الإسلامي، وكان هناك اهتمام بالرصد المباشر، وبدقة القياسات، وبالنظريات الرياضية، وبزيادة حجم الآلات، وبالإصرار على ممارسة الفلكيين أعمالهم في مجموعات، وبالميل إلى التخصص في مجالات ضيقة، وبالنزعة التجريبية عند علماء الإسلام. كان للمراصد في عصر المأمون عدة سمات هامة لعل أهمها البرامج البحثية المحددة، كانت المهمة الكبرى لتلك المراصد الأولى إيجاد جداول فلكية مبنية على أرصاد حديثة للشمس والقمر فقط. ولكن فضلاً على كون البرامج المرسومة لها محدودة، فإنها كانت بُدائية بعض الشيء من حيث الإدارة والتنظيم المالي، والواقع أن طبيعة العمل المحددة التي نيطت بمرصدي المأمون في الشماسية وقاسيون قد جعلتهما لا يرقيان إلى مستويات المراصد المتكاملة التي عرفها العالم الإسلامي فيما بعد. ظهر المرصد الإسلامي بشكل أكثر تطورًا بعد زمن المأمون بحوالي قرن ونصف قرن، وكان أكثر تنظيمًا من الناحية الإدارية، وعندما نشأ مرصد شرف الدولة أصبح له مدير يشرف على تدبير شؤونه، واقترن ذلك بتوسعة برنامج الرصد بحيث صار يشمل الكواكب كافة، ولقد أمكن تحقيق هذا الجانب الأخير من تطور المراصد على مرحلتين، ذلك أن هناك دليلاً على أن بعض برامج الرصد قد اقتصرت على مشاهدة الكواكب السريعة فقط إلى جانب الشمس والقمر. كانت المهمة الرئيسية للأعمال التي يضطلع بها المرصد تتمثل في إقامة جداول فلكية جديدة لكل الكواكب مبنية على أرصاد حديثة. وكان هناك ميل واضح نحو تصنيع آلات تزداد حجمًا على مر الزمن ونزوع إلى توفير هيئة عاملة متميزة، وذلك بموجب التقدم الذي أمكن تحقيقه في هذا الاتجاه أيضًا، ومن شأن التطورات أن تعمل على تعزيز اعتقاد مفاده أن نشأة المراصد، باعتبارها مؤسسات، ترجع في أصلها إلى الخلفاء والملوك. ويعد المرصد الذي شيده السلطان السلجوقي ملك شاه في بغداد مرحلة أخرى من مراحل تطور العمل في المراصد، وإن لم يتوافر لدينا إلى الآن معلومات كافية حول عمل هذا المرصد، وظل هذا المرصد يعمل لفترة تزيد على عشرين عاماً، وهي فترة زمنية طويلة نسبيًّا بالنسبة لعمر المراصد، وقد رأى الفلكيون آنذاك أنه يلزم لإنجاز عمل فلكي فترة زمنية لا تقل عن 30 عاماً. مرصد المراغة يعد القرن السابع الهجري أهم حقبة في تاريخ المراصد الإسلامية؛ لأن بناء مرصد المراغة تم هذا القرن، ويعد هذا المرصد واحدًا من أهم المراصد في تاريخ الحضارة الإسلامية، وتقع المراغة بالقرب من مدينة تبريز. بُني المرصد خارج المدينة، ولا تزال بقاياه موجودة إلى اليوم، وقد أنشأه “مانجو” أخو “هولاكو”. كان مانجو مهتمًا بالرياضيات والفلك، وقد عهد إلى جمال الدين بن محمد بن الزيدي البخاري بمهمة إنشاء هذا المرصد، واستعان بعدد هائل من العلماء منهم: نصير الدين الطوسي، وعلي بن عمر الغزويني، ومؤيد الدين العرضي، وفخر الدين المراغي، ومحيي الدين المغربي وغيرهم كثير. ويعد مرصد المراغة أول مرصد استفاد من أموال الوقف؛ إذ وقفت عليه عقارات وأراضٍ، لكي يتم ضمان استمرارية العمل به؛ ولذا ظل العمل جاريًا في المرصد إلى عام 1316م وشهد حكم سبعة سلاطين اهتموا به وبرعايته. وتكمن السمة الثالثة لمرصد المراغة في النشاط التعليمي الهام الذي تم فيه، فقد تم تعليم العديد من الطلبة في المرصد علم الفلك والعمل على الآلات الفلكية. كما كان بالمرصد مكتبة ضخمة ضمت آلاف المخطوطات في شتى مجالات المعرفة. مرصد سمرقند أسس هذا المرصد “أولغ بك” حفيد “تيمورلنك” في سمرقند، وفي عام 1908 تم الكشف عن موقع هذا المرصد حين نجح “ج.ل فاتكن” في العثور على وقفية من وقفياته تحدد مكانه بالضبط في المدينة، واستطاع في أثناء تنقيباته الأثرية أن يعثر على قوس كبيرة كانت تستخدم في تحديد منتصف النهار، وتعتبر أهم الأدوات الفلكية في المرصد. يقع فناء المرصد الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 21 مترا على تل ذي قاعدة صخرية، وتبلغ مساحة السطح لذلك التل حوالي 85 مترًا من الشرق إلى الغرب، وحوالي 170 مترًا من الشمال إلى الجنوب. وتحيط بالمبنى الرئيسي للمرصد حديقة، وأماكن إقامة لغرض السكن. وهذا ما يدل على فخامة المبنى وعظمته، ويستدل من الاكتشافات الأثرية أن ذلك المبنى كان أسطواني الشكل وذا تصميم داخلي دقيق ومحكم. ولم يكن دمار مرصد سمرقند وزواله ناجمين، في رأي فاتكن، عن عوامل طبيعية؛ إذ من المحتمل أن يكون بعض الدمار قد نجم عن استخدام رخامه في عمليات بناء أخرى. وقد وضعت جداول فلكية في المرصد، عرفت بجداول “أولغ بك” وتعد من أدق الجداول في العالم. ومن المعروف أن قبة المرصد، استغلت في وضع الجداول؛ حيث كان يوجد بها نقوش تحدد الدرجات والدقائق والثواني وأعشار الثواني لأفلاك التدوير، وللكواكب السبعة، وللنجوم المتحيرة، وللكرة الأرضية بتقسيماتها من حيث الأقاليم والجبال والصحارى. وممن عملوا في هذا المرصد “غياث الدين الكاشي” الذي برع في ميدان النماذج الميكانيكية للحركات السماوية. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
إضاءات على تراث ابن خلدون الاقتصادي الإمام محمد محمود https://islamonline.net/wp-content/u...ld-300x150.jpg على الرغم من اعتراف أغلب الأكاديميين والباحثين في الغرب بحقيقة أن عبد الرحمن بن خلدون هو الأب المؤسس لعلم الاجتماع، إلا أنهم ما زالوا يتردوون في الاعتراف بإسهاماته في علم الاقتصاد الذي وضع ابن خلدون العديد من أسسه وقد بدا ذالك واضحا من خلال ما كتب عنه في كتابه “المقدمة”، بدأ الغربيون اهتمامهم بتراث ابن خلدون مع بدايات القرن الثامن عشر حيث تمت ترجمة العديد من أعماله إلى اللغة الفرنسية عن طريق مجموعة من الباحثين ضمنهم ناشته (1945)، العيساوي (1950)، سبينكلير (1964) وغيرهم وقد ساهمت هذه الترجمات في معرفة الكثير عن ثرات ابن خلدون واسهاماته في مجال الاقتصاد، ومما جعل ابن خلدون يكتسب كل هذا الاهتمام كأكثر العلماء اسهاما معرفيا في القرون الوسطى هو منهجيته التحليلية للظواهرالاجتماعية والاقتصادية التى عالجها ضمن كتبه، حيث أنه لم يكن يشبه علماء المسلمين الذين عاصروه بل كان يفوقهم قدرة على التحليل الذي يستند إلى المنطق والأدلة سنحاول في هذا المقال تتبع تراث ابن خلدون الاقتصادي. نظريات ابن خلدون الاقتصادية من الملاحظ أن نظريات ابن خلدون في علم الاقتصاد قد غابت أو غيبت تماما عن مناهج البحث الأكاديمي التاريخية، حيث يظهر التراث العلمي المترجم لابن خلدون سيطرة علم الاجتماع والتاريخ على هذه الترجمات في حين أن ابن خلدون قدم استقراء للعديد من الظواهر الاقتصادية التى طبعت عصره و قدم لها تحليلات عميقة تستند للمنطق، فمثلا يقول في ما يتعلق بزيادة الضرائب وتأثيراتها على الدولة والمجتمع : “إن زيادة الجبايات على الناس من طرف السلطان المتغلب بعصبيته يؤدي إلى فساد الرعية وانصرافها عن الصنائع وانتشار الفتور والوهن واليأس بين أفرادها فتكون الدولة مهددة بالانهيار مع أول عدوان عليها حيث أن الناس سيتغلبون بالعصبية الجديدة على السلطان الجائر”.ولا تتوقف نظريات ابن خلدون على الضرائب فقط بل قدم كتابات كثيرة حول الفائض في المفهوم الاقتصادي، والسياسات التوجيهية للاقتصاد والتي ترتكز عليها الكثير من النظريات المعاصرة، كما كتب حول نقص الإنفاق الحكومي على الجيش وتوجيه هذه النفقات إلى التعليم والتنمية البشرية، وهذه النظرية تتبناها بعض الدول النامية اليوم حيث لجأت بعض هذه الدول إلى تقليص حجم الإنفاق العسكري وزيادة الإنفاق على الخدمات التعليمية والتكنولوجيا، وقد شهدت الدول النامية التى تبنت هذه النظرية صعودا ملفتا في الإنتاح وتطورا ملحوظا في انتعاش الاقتصاد. في مجال التبادل التجاري يعارض ابن خلدون الضرائب والتعريفات الجمركية ويعتبرها تحد من فاعلية التبادل التجاري وتعتبر نظريته في مجال تحرير التجارة أحد مرتكزات منظمة التجارية العالمية، الكثير من نظريات ابن خلدون في الاقتصاد أصبحت اليوم وجهة للباحثين والأكادميين نتيجة لفاعليتها. ويعتبر ابن خلدون أول من استخدم التحليل الإقتصادي في التنبؤ بنهوض وسقوط الحضارات، والممالك والدول، فمن خلال منهجيته القائمة على التحليل في استخدام المنطق واستنطاق التجارب استطاع ابن خلدون تقديم منهجية علمية تحليلية في معرفة الجانب الإقتصادي في إنهيار وسقوط الدول. من نظريات ابن خلدون التى تستخدم بشكل كبير من قبل الاقتصاديين المعاصرين ما يعرف بـThe Division of Labor” “نظرية تقسيم العمل” وهي طريقة تنظيم الإنتاج حيث يتم تخصيص كل عامل لجزء مخصص من هذه العملية، ومن ميزات هذه النظرية أنها تمنح فرص للعاملين بكسب مهارات في الأجزاء التي يتم تكليفهم بها، وقد اعتمد الأب الروحي للاقتصاد الكلاسيكي آدم شميث في كتابه ثروة الأمم على نظرية ابن خلدون في تقسيم العمل و أكد ذلك شومبيتر في كتابه “تاريخ التحليل الاقتصادي” حيث اعتبر أن ابن خلدون “كان عميقا في التحليل أكثر بكثير من آدم سميث”. وارتكزت نظرية تقسيم العمل عند ابن خلدون على ثلاثة محاور : محور وحدة الإنتاج، محور المجتمع، محور الخارج. علاقة الدولة بالاقتصاد عند ابن خلدون يرى ابن خلدون أن دور الدولة في مجال الحياة الاقتصادية لا يقتصر على سن القوانين التنظيمية للأسواق والنشاطات الاقتصادية، فتطبيق حقوق الملكية وحماية طرق التجارة والأمن من الأدوار الهامة للدولة التى يحتاجها المجتمع من أجل تحقيق النهضة والتطور الاقتصادي. إن زيادة الفائض الاقتصادي هو نتيجة حتمية لخدمة الدولة ورعايتها تنظيميا للنشاطات الاقتصادية حسب نظرية ابن خلدون الاقتصادية.ويوسع ابن خلدون حديثة عن دور الدولة حيث يؤكد أن الدولة إذا أرادت توسيع نطاق البيروقراطية والإفراط في الإنفاق العسكري عن طريق فرض الضرائب فسيؤدي ذلك بشكل مباشر إلى ضعف الإنتاج وتقييد التجارة والنشاطات الاقتصادية ونتيجة لذلك سيتقلص الفائض الاقتصادي، فالسلطة المطلقة للدولة عند ابن خلدون تتسب في تراجع الرخاء الاقتصادي وضعف الدولة المدنية، فالكثير من أصحاب المشاريع تثنيهم سياسات البيروقراطية عن الانخراط في النشاطات الاقتصادية. بالنسبة لابن خلدون، يجب على الدولة أن تتحمل مسؤولية تحقيق الاستقرار من خلال تنفيذ الأشغال العامة وتوفير العمالة وخلق الثقة. وكجزء من سياسة تحقيق الاستقرار هذه، ينبغي للدولة أن تبني الطرق والمراكز التجارية وغيرها من الأنشطة التي تشجع الإنتاج والتجارة. أما “التدخل المباشر للدولة في النشاط الاقتصادي عن طريق الانخراط في التجارة” فسيؤدي إلى تراجع الدولة والأنشطة الاقتصادية، ونتيجة للتدخل الحكومي في الشؤون التجارية والاقتصادية، سيتم منع أصحاب المشاريع من التداول والاستثمار وتحقيق الأرباح في مشاريعهم. قدم ابن خلدون الكثير من النظريات الاقتصادية التى بنيت على التحليل والنقد، واستخدمت الكثير من هذه النظريات من طرف الاقتصاديين والأكاديميين الغربيين وبنوا عليها نظريات جديدة ساهمت في تطور علم الاقتصاد لديهم، ولم يكن لدولنا المعاصرة من التراث العلمي الزاخر للعلامة ابن خلدون سوى نظرياته التى عدلها الغربيون وعلبوها لتكون جاهزة للتصدير إلى دولنا، فإلى متى نهمل موروثنا ونحن أحق به؟ |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
المسلمون والرياضيات نورالدين قلالة https://islamonline.net/wp-content/u...ات-300x150.jpg يتمتع علم الرياضيات بجاذبية خاصة وسحر أخّاذ وبريق مبهر فهو مادة إيقاظ الفكر وشحذ المواهب وبناء العقول ، أن مادة الرياضيات هي مادة البناء في أبحاث الفضاء والفلك والأجهزة الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة وتغلغلت بها وانتقلت بالناس من عالم إلى عالم آخر . لاشك في أن لا شي يعادل الرياضيات فهي بتركيبها الدقيق غنية بصورة لا تضاهيها أي مادة في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها، والنظرية المبرهنة رياضيا تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف النظر إذا كان منطبقا على الواقع أم غير منطبق .. الأهم أن يتسق البناء المنطقي مع نفسه. أما في العلوم الإخبارية والتجريبية فوسائلها الحواس والتصورات ومدى التناغم والصدق مع الواقع، لذا فإن علوم الفلك والفيزياء تتعرض للتصديق والتكذيب، فتبطل النظريات الجديدة القديمة والشواهد على ذلك في تاريخ العلوم تكاد لا تحصى مثل كيفية الإبصار وطبيعة الكهرباء وعلوم الفلك والتصورات حول الكون .. الخ. لهذه الأسباب سميت المبرهنة الرياضية للدلالة على يقينها، أما في العلوم التجريبية والإخبارية فالنظرية مجرد تصور لا يرقى لليقين المطلق الذي تحظى به المبرهنة الرياضاتية، لهذا السبب سميت الرياضيات بلقب “ملكة العلوم “وهذا يعني تماما أن مهمة تكوين العقل الناقد وتمليكه أدوات ومقاييس الحكم ومفاهيم الصح والخطأ المجردة – هي مهمة تتعلق مباشرة وبالضرورة بالمنطق الرياضياتي المجرد ولا تتعلق بالحساب أو بالرياضيات التطبيقية والفيزياء فكلها لا تعدو أمثلة، وذلك لا ينفي بأي حال أن التطور الذي حققه الإنسان هو ” ثمرة اتحاد الاستدلال الرياضي ( بشقيه الاستقرائي والاستنتاجي ) مع التجريب ( الفيزياء وعلوم الفلك بشكل خاص). وبالرغم من أن الرياضيات مادة مشوقة ، تميل النفس إلى دراستها والبحث فيها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون حجر عثرة أمام الكثيرين منا . وذلك بسبب عدم استيعابنا لأصولها ونظريتها وقوانينها .ومما لاشك فيه أن هذا العجز عن الفهم لم يكن عيباً في ذات المادة ولكنه نابع من ذاتنا نحن !! تعريف علم الرياضيات عرّف علماء الرياضيات هذا العلم بعدة تعريفات هي على النحو التالي : عرّفه البعض بأنه علم تراكمي البنيان (المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقة) يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل (حل مشكلات) وبرهان يتعامل مع الأرقام والرموز ويعتبر رياضة للعقل البشري . حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ، ويقاس تمكن لدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسالة ( المشكلة ) وتقديم البرهان المناسب وعرّفه البعض الآخر بأنها علم دراسة البنية، الفضاء، و التغير، و بشكل عام على أنها دراسة البنى المجردة باستخدام المنطق و التدوين الرياضي. و بشكل أكثر عمومية، تعرف الرياضيات على أنها دراسة الأعداد و أنماطها. والحقيقة أن البنى الرياضية التي يدرسها الرياضيون غالبا ما يعود أصلها إلى العلوم الطبيعية، و خاصة الفيزياء والفيزياء، ولكن الرياضيين يقومون بتعريف و دراسة بنى أخرى لأغراض رياضية بحتة، لان هذه البنى قد توفر تعميما لحقول أخرى من الرياضيات مثلا، أو أن تكون عاملا مساعدا في حسابات معينة، و أخيرا فان الرياضيين قد يدرسون حقولا معينة من الرياضيات لتحمسهم لها، معتبرين أن الرياضيات هي[فن و ليس علما تطبيقيا. كما عرفه آخرون بأنه علم تراكمي البنيان يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة، ويتكون من :أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات –حل مسائل (حل مشكلات ) وبرهان، ويتعامل مع الأرقام والرموز . ويعتبر رياضة للعقل البشري، حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل، يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ويقاس تمكن الدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسألة (المشكلة) وتقديم البرهان المناسب “. الرياضيات عند العرب والمسلمين كان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها “الجبر والمقابلة” الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر “عن كتاب بغداد مدينة السلام” . القرآن الكريم والرياضيات لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بجميع العلوم التي تخدم المجتمع و تطوّر من شأنه ومنها علم الرياضيات. يقول الله تعالى في كتبه العزيز:{إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر : 49). ويقول :” {أنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}(الرعد: 17)، ويقول:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }(الرحمن : 5). كما جل جلاله {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}(الأنعام : 62). بل إنّ هناك آيتين في القرآن الكريم صرّحت بالدعوة إلى تعلّم الحساب. ففي سورة الإسراء يقول الله سبحانه وتعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء:12). وفي سورة يونس يقول الحقّ تبارك وتعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}( يونس:5). ولمّا استتبّ أمر الدولة الإسلامية أخذ خلفائها ينشرون العلم وينشئون المكاتب وينقلون إليها كتب حكماء اليونان والرومان، فأخذ بها المسلمون وصحّحوا أخطائها وزادوا عليها من علومهم الشيء الكثير . وقد برع الكثير من علماء المسلمين في علم الرياضيات أمثال جابر ابن حيّان الذي يُنسب إليه علم الجبر وثابت ابن قُرّة وغيرهم الكثير وقد قام علماء العرب المسلمون بترجمة وحفظ أعمال قدامى الإغريق من علماء الرياضيات بالإضافة إلى إسهاماتهم المبتكرة. ففي خلافة أبي جعفر المنصور ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY ت. 17 م، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم “المجسطي “. واسم هذا الكتاب في اليونانية ” (EMEGAL MATHEMATIKE ، ” أي الكتاب الأعظم في الحساب. والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات. وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه. وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتاSiddhanta أي “المعرفة والعلم والمذهـب “. وألف عالم الرياضيات العربي الخوارزمي كتابًا حوالي عام 210هـ، 825م، وصف فيه نظام العد اللفظي المطور في الهند. وقد استخدم هذا النظام العشري قيمًا للمنزلة وكذلك الصفر، وأصبح معروفًا بالنظام العددي الهندي ـ العربي كما ألف الخوارزمي كذلك كتابا قيما في الجبر بعنوان كتاب الجبر والمقابلة. قد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر بعضهم في كاباته، إن “للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة” . وقال روم لاندو “على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس و وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا” . أما هوبر فذكر أن “التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية” . الخوارزميات و فضل علماء المسلمين علماء الرياضيات المسلمين ينتمون إلى عدة مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، من بغداد والشام ومصر والمغرب والأندلس وبلاد المشرق. ولم يقتصر الأمر على الرجال فقط، بل أن المرأة المسلمة شاركت أيضا في الإنجازات العلمية الرياضية ، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي البغدادية المتوفاة سنة 377 هـ. . ومن بين أشهر علماء الرياضيات المسلمين نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ابن سينا: وهو أبو العلي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن على بن سينا، والمولود عام 980م في إحدى القرى بأوزبكستان المعروفة ببخارى سابقاً، حفظ القران وهو في العاشرة، ويعد من أشهر وأهم علماء الرياضيات المسلمين، وصل علمه وانجازاته إلى الرياضيات والطب والفلسفة وعلم النفس وكتب العديد من الكتب في الرياضة منها مختصر علم الهيئة ومختصر إقليدس ورسالة الزاوية. عمر الخيام: وهو عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري والمولود عام 1048م وعرف بالخيام لأنه عمل في مجال نسج وصناعة الخيام في الصغر، ومن العلوم التي تفوق فيها الرياضيات والفقه والفلك واللغة ، ومن خلال حبه لعلم الرياضيات أبدع في علم الجبر وبحث في المعادلات من الدرجة الرابعة والثالثة ويعد من علماء المسلمين الذين تفوقوا في الجبر بعد الخوارزمي، كما أبدع في الهندسة التحليلية وعلم كل من المقطعين السيني والصادي، وتطرق إلى دراسة نظريات إقليدس. الخوارزمي: وهو محمد بن موسى الخوارزمي والمولود عام 780م بخوارزم ولكن عاش في بغداد وفي عهد الخليفة المأمون عمل بدار الحكمة من 813-833م وهو الأمر الذي جعله يدرس العلوم الجغرافية والفلكية وتميز في علم الرياضيات، وبالأخص في الجبر والحساب واشتُهر بالعالم الغربي من خلال كتبه التي ترجمت إلى العديد من اللغات ومنها اللغة اللاتينية مثل كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة وكتاب الجبر والمقابلة وكتاب علم الحساب، وللكتاب الأخر أهمية في معرفة الصفر والأرقام الهندية وأوجد الخوارزمي النسب المثلثية وظل زوايا المثلث، وتم استخدام الخوارزميات في الحواسيب والرياضيات والتي تم ترجمتها للغة الإنجليزية وهو السبب في إطلاق اسم أبي الحاسوب عليه لما له من إسهامات في هذا العلم من خلال الخوارزميات، وجميع مؤلفاته له القدر والمكانة حتى اليوم ويتم تدريسها والاعتماد عليها كمراجع، وتوفى عام 850م. البيروني: وهو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني العالم المسلم البيروني تميز في الفلسفة والرياضيات حيث الذكاء الحاد والنبوغ المتميز اللذان اعتمد عليهما في اكتشاف الأسلوب والطريقة لعمل الاحتمالات الرياضية، ومن أهم الكتب التي كتبها استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني الواقع فيها، والذي حدد فيه طول الوتر والجيب ال 18 درجة وكانت قيمتها 0.30915 وتوجد بجداول النسب المثلثية ب 0.3090، واستطاع البيروني وضع معادلة حساب نصف قطر الكرة الأرضية. الطوسي: هو نصر الدين الطوسي والمعروف بالعلامة لأنه أجاد العديد من اللغات التي لها الأهمية في دراسة العلوم المختلفة، اهتم بحساب المثلثات والهندسة والفلك والرياضيات وألف كتاب القطاعات، وكان هو الكتاب الأول الذي تخصص في حساب المثلثات وتم ترجمته إلى عدد من اللغات وتم الاستفادة منه في العالم. ويحتاج البشر لهذا العلم لما له أهمية في تنظيم المجتمع والمعاملات التجارية والعديد من المجالات، واليوم يعد علم الرياضيات من العلوم المتواجدة بالحياة اليومية نظراً لضرورياته وتوظيفه في كافة الأمور الخاصة بالبشر، ولا يمكن إغفال دور علماء الرياضيات المسلمين في تطور هذا العلم الهام من حيث تقديم النظريات والمؤلفات، وإلى اليوم يتم استخدام أعمالهم التي تطورت علم الرياضيات ويتم تطوريها حتى اليوم. وقد كان اهتمام المسلمين بهذا العلم واضحا وملحا، ففي العصر العباسي كلف الخليفة المأمون عالم الرياضيات الخوارزمي الاهتمام بعلم الرياضة من خلال وضع نظرية لحل المعادلات الصعبة، وهو ما جعل الخوارزمي يؤلف كتاب الجبر والمقابلة. وبدأ غيره من العلماء في دراسة الهندسة ومن خلالها تم استخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبة والضرب والحساب وتقسيم الأعداد ومضاعفاتها، وفي عام 1436م تم اكتشاف الكسر العشري من خلال استخدام الصفر والذي اكتشفه هو العالم الكاشي، واكتشف العلماء المسلمين العديد من النظريات التي أفادت العالم العربي والغربي على حد سواء. العرب والصفر(0) معلوم أن العرب هم الذين ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما وأن الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا فهي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) كذلك وهلمّ جرّا…إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بالشكل أدناه لمواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية…إلخ. لكن من الغريب أن الأوربيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا بعد انقضاء قرون عديدة من اطلاعهم عليها، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا و العالم إلا في أواخر القرن السادس عشر . أوائل في التاريخ لقد تميز العرب والمسلمون في العديد من العلوم، خاصة في علم الرياضيات الذي حظي باهتمام ليس له نظير، وكانوا الأوائل في العديد من الاكتشافات في هذا المجال:
|
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
ثابت بن قرة.. إقليدس العرب سمير حلبي شهد العصر العباسي نهضة حضارية عظيمة وحركة فكرية رائدة امتدت لتشمل العديد من المجالات، وكان لوعي الخلفاء والحكام ورعايتهم للعلم والفن والثقافة والأدب أكبر الأثر في تشجيع العلماء والأدباء والفقهاء والشعراء على الإجادة والإبداع، وإشعال الرغبة في الإجادة والتميز في نفوسهم حيث حظي العلماء والنابهون من الأدباء والفقهاء والشعراء بمكانة متميزة، ليس في بلاط الخلافة فحسب وإنما صارت لهم منزلة مرموقة في المجتمع كله. وقد أدى هذا الاهتمام من جانب الخلفاء والحكام بالعلم والعلماء إلى ظهور عدد كبير من العلماء الأفذاذ الذين حملوا على عاتقهم تلك النهضة الحضارية الواعدة، وقادوا مسيرة العلم والتقدم، ودفعوا عجلة الحضارة الإسلامية تلك الدفعة القوية التي ظلت أصداؤها تتردد في ظلام أوربا لعدة قرون. حركة الترجمة وشهد ذلك العصر نهضة كبيرة في حركة الترجمة والنقل للعديد من الموسوعات والكتب العلمية القيمة التي كُتبت باللغات اليونانية والسريانية وغيرها إلى اللغة العربية، وكان ثابت بن قرة أحد كبار المترجمين الذين برزوا في مجال الترجمة في القرن (3هـ = 9م) وواحدا من أولئك النقلة العظام الذين قادوا حركة الترجمة والنقل وكانوا بمثابة الجسر الذي وصل ما بين الثقافة العربية من جهة والثقافات السريانية واليونانية والعبرية من جهة أخرى.ولد ثابت بن قرة (سنة 221 هـ = 834 م) في حران من أرض الجزيرة شمال العراق، بتركيا الآن. وكان في بداية حياته صيرفيا في حران، وكان من الصابئة قبل أن يسلم فوقعت بينه وبين أهل مذهبه أشياء وأنكروها عليه فحرّم عليه رئيسهم دخول الهيكل؛ فخرج ثابت من حران إلى “كفر توثا” وهناك لقي “محمد بن موسى شاكر” الذي كان قيّمًا على بيت الحكمة ببغداد فأعجب بذكاء ثابت ونبوغه وفصاحته؛ فاصطحبه معه إلى بغداد ووصله بالخليفة المعتضد الذي أكرمه وأغدق عليه العطايا والهبات وصارت له خطوة ومكانه عنده. ثابت العالم والمترجم كان ثابت يجمع بين عدد كبير من العلوم، وقد نبغ فيها جميعا؛ فقد برع في الطب، كما نبغ في الرياضيات، وتفوق في الفلك، وأتقن عددا من اللغات التي يترجم وينقل منها في مهارة واقتدار، علاوة على إتقانه وتمكنه من اللغة العربية.. ومن ثم فقد جاءت ترجماته تتسم بالسهولة والوضوح، وعباراته سلسلة بسيطة.وقد اتبع ثابت في ترجماته أسلوب الترجمة بالمعنى دون التقيد بالألفاظ الأصلية، وذلك بأن يأتي إلى الجملة فيحصل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجمله تطابقها سواء ساوت الألفاظ أو خالفتها؛ ولذلك فقد جاءت ترجماته أجود وأدق من الترجمة الحرفية التي قد يستغلق فيها المعنى ويلتوي المقصد. ومن أهم ترجمات ثابت التي تعكس عمق ثقافته وموسوعية علمه واتساع معارفه: – كتاب الكيموس لجالينوس. – كتاب جغرافيا في المعمورة وصفة الأرض لبطليموس. – كتاب الأرثماطيقي في علم العدد لينقوماخوس الجراسيني. (وقد ترجمه ثابت بعنوان: المدخل إلى علم العدد). – كتاب الأصول الهندسية المنسوب إلى أرشميدس. – كتاب الأشكال الكرّية لمنالاوس. – كتاب المجسطي لبطليموس. – كتاب الكرة المتحركة لأوطوليوقوس. يعد ثابت أحد أعلام الرياضيات المعدودين في عصره، وقد تعددت إنجازاته في هذا العلم في العصر الذي عاش فيه، وامتدت آثاره العلمية وفتوحه في علم الرياضيات إلى العصور التالية له؛ حتى استحق أن يطلق عليه لقب “إقليدس العرب”. ومن أهم إنجازاته في هذا العلم: دراساته القيمة عن الأعداد؛ حيث قسم الأعداد إلى قسمين: الأعداد الزوجية، والفردية، كما قسم العدد نفسه إلى أنواع ثلاثة: العدد التام: وقد عرفه بأنه هو العدد الذي إذا جمعت أجزاؤه (عوامله) كانت مساوية لذلك العدد مثل العدد (6). العدد الناقص: وهو العدد الذي يكون مجموع أجزائه (عوامله) أقل منه، مثل العدد (10). العدد الزائد: وهو العدد الذي يكون مجموع أجزائه (عوامله) أكبر منه مثل العدد (12). كما أوجد طريقة سهلة لاستخراج الأعداد المتحابة (أن يكون مجموع أجزاء –عوامل- كل منهما يساوى قيمة العدد الآخر). وهو يعد أول شرقي بعد الصينيين بحث في المربعات السحرية وخصائصها. عبقرية في الهندسة وبرع ثابت في علم الهندسة حتى قيل عنه إنه أعظم هندسي عربي على الإطلاق، وقال عنه “يورانت ول”: إنه أعظم علماء الهندسة المسلمين؛ فقد ساهم بنصيب وافر في تقدم الهندسة، وهو الذي مهد لإيجاد علم التكامل والتفاضل، كما استطاع أن يحل المعادلات الجبرية بالطرق الهندسية، وتمكن من تطوير وتجديد نظرية فيثاغورث، وكانت له بحوث عظيمة وابتكارات رائدة في مجال الهندسة التحليلية؛ فقد ألف كتابا في الجبر، شرح فيه العلاقة بين الجبر والهندسة، وكيفية التوفيق بينهما، واستطاع أن يعطي حلولا هندسية لبعض المعادلات التكعيبية، وهو ما أفاد علماء الغرب فيما بعد في تطبيقاتهم وأبحاثهم الرياضية في القرن السادس عشر.ومن مؤلفات ثابت الرياضية والهندسية: – كتاب في الشكل الملقب بالقطاع. – كتاب في مساحة الأشكال المسطحة والمجسمة. – كتاب في قطوع الأسطوانة وبسيطها. – مساحة المجسمات المكافية. – قول في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية. الطبيب الرائد كما يعد ثابت أحد الأطباء العرب المبرزين، وأحد أعلام عصره المعدودين، بل إن تأثيره قد امتد ليصل إلى القرون التالية له؛ فقد ظلت آثاره مرجعا مهمًا لطلاب العلم والباحثين في أنحاء الدنيا لعدة قرون.وكان ثابت من أوائل الرواد في جانب مهم من جوانب الطب لم يتطرق إليه كثير من الأطباء في عصره؛ فقد كان له اهتمام بالأمراض الجلدية، ومستحضرات وأدوية التجميل حيث تحدث عن الأمراض التي تصيب سطح جلدة الوجه مثل الكلف والقوابي، والآثار السود والبيض الناجمة عن الجدري.. كما تحدث عن القروح والبرص والحكة والبهق بنوعية: الأبيض والأسود، والسعفة والحزاز، وأمراض الشعر، وكذلك تحدث عن الهزال والسمنة وذكر أسبابها وآثارها ووسائل علاجها. وتطرق إلى أمراض الرأس فذكر أنواع الصداع الذي يعتري الإنسان، كما تعرض لأنواع الشقيقة، وذكر ما يقوي الرأس وينقي الدماغ من الأدوية والأغذية، كما تحدث عن الأغذية الضارة بالرأس والدماغ والذهن، وأوضح الأثر الضار للدسم والدهون على صحة الإنسان، وكان له باع طويل في الأمراض العصبية والعقلية والنفسية، واستطاع أن يشخص السكتة والصرع ويفرق بينهما، كما وصف التشنج وذكر أسبابه وعلاجه، ووصف عددا من الأمراض النفسية مثل الماليخوليا. وله أيضا دراسات وأبحاث في مجال الأمراض الجنسية وأمراض الذكورة، وذكر أسبابها وأوضح أعراضها، كما تناول أمراض النساء والتوليد فتحدث عن اختناق الأرحام، وإدرار الطمث وحبسه، وأسباب الحمل وانقطاعه، وعسر الولادة، وكيفية إخراج الجنين الميت والمشيمة. واهتم أيضا بطب الأطفال، وله آراء قيمة في الكلام على زيادة اللبن وقطعه، والأمراض التي تصيب الأطفال كالحصبة والجدري. تشريحه للعين كما أثبت تفوقا ونبوغا في مجال طب العيون وتشريح العين، وهو في تشريحه للعين لا يبعد كثيرا عن التشريح الحديث لها بعد ظهور الآلات الحديثة الدقيقة والمعدات الطبية المتطورة، وقد تحدث ثابت عن بعض الأمراض التي تصيب العين كالرمد والمياه البيضاء والزرقاء، كما ذكر ما يعتري العين من جحوظ أو غور، وتحدث عن ضعف البصر وذكر أسبابه، وقدّم النصائح التي تقي منه.وبرع ثابت كذلك في أمراض الأنف والأذن والحنجرة؛ فقد ذكر الأمراض التي تصيب الأذن وتعرض لأسبابها، وقدّم العلاج لها، وتحدث عن العلل التي تصيب الأنف من تغير رائحته وفقدان حاسة الشم، وما يصيب الجهاز التنفسي من أمراض كالربو والزكام والنزلة، وفرّق بدقة بين النزلة والزكام، ووصف بعض الأمراض التي تصيب الرئتين كالسل وتحدث عن أمراض القلب. وتطرق أيضا إلى أمراض الفم والأسنان؛ فذكر علل الأسنان وعلاجها، ووصف تركيب الأسنان ووظائفها، وتحدث عن أمراض اللثة وطرق علاجها. وأتى ثابت بمعلومات دقيقة في مجال أمراض الكلى والمثانة؛ فقد تحدث عن أسباب تولد الحصى في الكلى والمثانة، وذكر المواد والأغذية التي تسبب ذلك، وأثر تراكم تلك الجزئيات الصغيرة من المواد العالقة والأملاح في تكوين الحصوات. وتعرض لأسباب إدرار البول، وذكر العديد من الأدوية والأغذية المدرّة للبول، وتحدث عن التبول اللإرادي، وبيّن بعض الأسباب العضوية المسببة له مثل ضعف المثانة عند الأطفال والشيوخ، أو حدوث أورام أو جروح. مؤلفاته الطبية واهتم ثابت كذلك بدراسة الجهاز الهضمي والأمراض التي تصيبه مثل انتفاخ المعدة والخفقان المعدي، وفقدان الشهية والعطش المفرط، والمغص وأمراض القولون والأمعاء، وأمراض الكبد وما يصاحبها من أعراض كالصفرة وفقدان الشهية، كما تحدث عن السموم وأنواعها والأوبئة والأمراض المعدية وأسباب انتشارها، وطرق العدوى ووسائل الوقاية منها.ومن مؤلفاته الطبية: – كتاب الذخيرة في علم الطب. – كتاب في علم العين وعللها ومداواتها. – كتاب في الجدري والحصبة. – كتابة الروضة في الطب. – رسالة في توليد الحصاة. – مقالة في صفات كون الجنين. – رسالة في اختيار وقت لإسقاط النطفة. تحديده لطول السنة النجمية أما في علم الفلك فقد كان لثابت أرصاد مهمة قام بها في بغداد في حساب ميل دائرة البروج، كما وضع نظرية الاهتزاز الأرضي، وتتجلى دقة ثابت وبداعته في استخراج حركة الشمس وحساب طول السنة النجمية فكانت عنده 365 يوما و6 ساعات و9 دقائق و10 ثوان، وهو ما يزيد عن الحساب الحديث لطول السنة بأقل من نصف الثانية، وذلك بالرغم من عدم وجود الأجهزة الحديثة والمعدات التقنية المتطورة المتوافرة الآن.ومن أهم مؤلفاته الفلكية: – رسالة في حساب رؤية الأهلة. – رسالة في حركات النيّرين. – مختصر في علم النجوم. – رسالة في سنة الشمس بالأرصاد. – كتاب في آلات الساعات التي تسمى رخامات. – كتاب في حساب خسوف القمر والشمس. وبعد حياة حافلة بالعلم والعطاء توفي ثابت في (26 من صفر 288 هـ= 19 من فبراير 901م) عن عمر بلغ 76 عاما، تاركا ثروة لا تنتهي، وكنزًا لا ينفد من العلم والمعرفة. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
من أقدم كتب الرياضيات وعلم الفلك “التفهيم لأوائل صناعة التنجيم” للبيروني https://islamonline.net/wp-content/u...-2-300x150.jpg (التفهيم لاوائل صناعة التنجيم) من أهم كتب تعليم عناصر فن التنجيم وضعه العالم الشهير أبو الريحان البيروني ( 973-1048م ) . ويعتبر من أقدم النصوص المكتوبة بالفارسية في مجال الرياضيات وعلم التنجيم، وله نسخة عربية، وترك أثرا علميا كبيرا على العالم منذ أن استعان به العلماء – سواء في إيران أو خارجها – في أعمالهم وأبحاثهم العلمية. ما توج الكتاب ومنحه قيمة عالمية هامة هو توثيق منظمة اليونيسكو للمخطوطة ضمن برنامج ذاكرة العالم في عام 2011 كأقدم المخطوطات الموجودة باللغة الفارسية وإدراجها في قائمة اليونسكو للتراث المسجل. الهدف الرئيس من كتاب (التفهيم لأوائل صناعة التنجيم) هو تبسيط مبادئ علم الفلك على شكل 530 سؤال وجواب وفي صيغة يسهل فهمها على المبتدئين ، وجعل كل موضوع جديد يبدأ بسؤال لطالب – شخصية وهمية نسجها البيروني من خياله – وينتهي بإجابة من مبتكرة من الأستاذ – شخصية وهمية – وتطرق بهذا الأسلوب لعلوم الهندسة والعمليات الحسابية والفلك والسلاسل الزمنية، كما بين البيروني في الكتاب كيفية استخدام الاسطرلاب للبحوث الفلكية. وبالإضافة لندرة الكتاب ، زادت القيمة العلمية واللغوية للمخطوطة الأصلية ومواصفاتها والفترة الزمنية التي تم العثور عليها – أقل من مئة سنة بعد وفاة المؤلف – من أهمية الكتاب. من الناحية اللغوية تعتبر هذه الدراسة الذاتية لعلم الفلك هامة في اللغة الفارسية منذ أن استخدم البيروني أكثر و أقدم المصطلحات والتعابير باللغة الفارسية الأصلية خاصة فيما يتعلق بتاريخ وتقاليد الفرس في هذا الكتاب. وعلاوة على ذلك استخدم البيروني بعض الأرقام والرسومات لشرح مواضيع رياضية وفلكية صعبة بطريقة مبسطة ، وبينها باللونين الأحمر والأسود. وأتاحت التقنية تحويل المخطوطة إلى أشكال رقمية موجودة حاليا في دار الكتب الوطنية الايرانية، كما تتوفر على أقراص DVD بمكتبة الدراسات الاسلامية بجامعة مكغيل الكندية. المصدر : جامعة مكغيل الكندية منقول |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الخوارزمي والتصنيف الموضوعي للمعارف العربية فاطمة حافظ https://islamonline.net/wp-content/u...0-300x150.jpeg يتعذر على مؤرخو العلوم تحديد بداية دقيقة لمحاولات حصر وتصنيف العلوم ضمن الحضارة العربية، تلك المحاولات التي افتتحها في القرن الرابع مؤلفون كانوا على صلة وثيقة بالثقافات العالمية كابن النديم والفارابي وأبو حيان التوحيدي، وفي السطور التالية أعرض لواحد من أوائل المصنفات الإسلامية وأكثرها أهمية في هذا الباب وهو كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي (387ه) . الخوارزمي وكتابه هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الملقب بالخوارزمي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، ولد بمدينة بلخ من أعمال خوارزم التي قدمت لنا من قبل محمد بن موسى الخوارزمي (ت: 164ه) الرياضي المعروف، والمعلومات حوله شحيحة إذ لم تزد المصادر التاريخية عن ذكر ما أورده عن نفسه في مقدمة كتابه من أنه أهدى كتابه إلى الوزير أبو الحسن عبيد الله بن أبي العتبى الذي كان وزيرا من وزراء نوح الثاني السامانى (ت: 387 هـ) وهو ما يرجح أنه كان يشغل منصبا إداريا في بلاطه. ولم يصلنا من مصنفات الخوارزمي إلا كتابه هذا، ولا ندري أترك كتبا أخرى أم لا إذ لم يشر المؤرخون الأقدمون كالمقريزي وحاجي خليفة إلا إلى كتابه هذا الذي اشتهر وذاع صيته وأنزله العرب منزلة كبيرة؛ حيث وصفه المقريزي بقوله ” هو كتاب جليل القدر” ومرد ذلك أن الخوارزمي قام بتحديد العلوم الأساسية في عصره، ووضع تحت كل علم المصطلحات الفنية المعتمدة في كل علم، وهو لم يقتصر على المصطلحات العربية وإنما ضم إليها مصطلحات أجنبية فارسية ويونانية ولاتينية الأمر الذي يرجح إلمامه بلغات أخرى إضافة إلى العربية، ولعل هذا ما يكشف لنا عن ثقافة الإداريين والكتاب خلال ذلك العهد الذي بلغت فيه العلوم الإسلامية أوج نضجها. مفاتيح العلوم في الدوائر الاستشراقية ليس ثمة دلائل على أن مضمون كتاب مفاتيح العلوم كان معروفا للمستشرقين قبل أن ينشر المستشرق الألماني فان فلوتن الكتاب في ليدن عام 1895م، وذلك على الرغم من أن بروكلمان قد أشار إليه قبيل ذلك في تاريخ الأدب العربي، ومع صدوره تنبهت الدوائر الاستشراقية إلى القيمة المعرفية المزدوجة للكتاب الذي يضم تقسيما منهجيا للعلوم المتداولة في عصره يغاير تقسيم الفارابي الشائع الذي يصطبغ بطبعة فلسفية واضحة من جهة، ويقدم إحصاء بالمصطلحات الفنية لكل فن ولم يسبقه لذلك أحد من جهة أخرى، وقد صار الكتاب هاديا لكتابات أخرى حذت حذوه في الاهتمام بعلم المصطلح مثل أبو حيان التوحيدي (ت: 400 ه) وله كتاب المقابسات، والسكاكي (626ه) صاحب كتاب مفتاح العلوم. أحصى الدكتور عبد الأمير الأعسم تسعة عشر بحثا قام بها مستشرقون -جلهم ألمان- تناولت جوانب مختلفة من الكتاب خلال الفترة منذ صدور نسخة فان فلوتن وحتى نهاية العقد السادس من القرن العشرين، وهذه الجوانب هي: مراجعة مصطلحات كل علم من العلوم المذكورة في الكتاب. دراسة تقسيم العلوم الأعجمية. مقارنة فيلولوجية للمصطلحات غير العربية بأصولها الأعجمية. ترجمة الفصول المتصلة بالإرث اليوناني. بحث الاتجاهات الفلسفية للخوارزمي ومقارنته بالنقول اللاتينية والعبرية[1]. وإذا كان مفاتيح العلوم موضعا لدراسات استشراقية عديدة حاولت في معظمها أن تبرهن على أثر الثقافة اليونانية على الثقافة العربية خلال ذلك العهد الذي نشطت فيه حركة الترجمة، إلا أن الكتاب للأسف لم يحظ باهتمام مماثل من قبل الدارسين العرب حيث ظلت الطبعات العربية للكتاب تستند إلى طبعة فلوتن رغم ما شابها من عدم ضبط إلى أن قام المحقق إبراهيم الأبياري بنشر الكتاب محققا عام 1983 وتبعه عبد الأمير الأعسم عام 2005 الذي أعد ثبتا بالمصطلحات الواردة فيه، وعلى جانب آخر لم يصبح الكتاب موضوعا للبحث إلا في حالات جد محدودة أشهرها ما قام به الباحثان الباز العريني ويحيى الخشاب من تحقيق للألفاظ التاريخية الواردة به، ونشر بحثهما بالمجلة التاريخية المصرية عام 1958. بنية الكتاب وموضوعاته افتتح الخوارزمي كتابه بمقدمة وجيزة أبان فيها مقصوده من الكتاب وهي؛ جمع المصطلحات التي تواضع عليها أهل كل علم والتي خلت منها كتب اللغة على نحو يمكن الناظر فيما كتبه أهل العلوم من فهم اللفظ المراد على وجه الدقة لأن الألفاظ تتباين مدلولاتها بحسب أهل العلم، وضرب لذلك بضع أمثلة توضح اختلاف اللفظ الواحد في العلوم المختلفة، وأتى سريعا على منهجه الذي أوجزه في توخى الإيجاز وعدم التطويل، والتغاضي الغريب الشاذ من الألفاظ، وتجنب الشائع المألوف لكل الناس، وعدم التفريع والاشتقاق المفرط، ولم يشر الخوارزمي فيها عن المصادر التي استقى منها هذه المصطلحات وكيفية جمعها وانتخابها للعرض، ويرجح إبراهيم الإبياري أنه اعتمد في ذلك على مراجع شتى لغوية وفقهية وفلسفية وعروضية، كما رجع إلى ما يجري على ألسنة الكتبة والمتكلمين وغيرهم مما يكون للفظ عندهم دلالة خاصة[2]. قسم الخوارزمي كتابه تقسيما منطقيا في قسمين رئيسيين أو مقالتين وفق تعبيره، المقالة الأولى ذكر فيها العلوم العربية وما يقترن بها من علوم اللغة، والمقالة الثانية أحصى فيها العلوم الأعجمية المستفادة من الأمم الأخرى. وهذا التقسيم الثناني يخالف تقسيم الفارابي الذي أورده في كتابه (إحصاء العلوم) حيث قسمها تقسيما خماسيا هو علم اللسان وأجزاؤه، وعلم المنطق وأجزاؤه، وعلوم التعاليم أي الرياضيات، والعلوم الطبيعية والعلوم الإلهية (الميتافيزيقا)، ثم العلم المدني وأجزاؤه مضافا له علم الفقه والكلام، وكما يبدو فإن تقسيم الخوارزمي هو تقسيم أكثر إحكاما إذ يفصل بين العلوم الشرعية واللغوية وبين علوم الفلسفية والطبيعية[3]. https://islamonline.net/wp-content/u...k1-600x330.jpg غلاف كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي اشتملت المقالة الأولى على ستة أبواب، وفيها اثنان وخمسون فصلا، وهي تختص بعلوم: الفقه، والكلام، والنحو، والكتابة، والشعر والعروض، والأخبار، وبعض هذه الفصول جاءت مختزلة كما هو الحال مع فصل الصوم الذي لم يضم سوى ثلاثة مصطلحات على حين جاءت بعض الفصول وافية مثل باب علم الكلام الذي تضمن تصنيفا شاملا للفرق العقدية والمذهبية الإسلامية، وإحصاء دقيقا بالأديان السماوية والوضعية، وكذلك عبدة الأوثان وأسماء أصنامهم في الجاهلية، وعلى هذا يعد هذا الباب من أهم أبواب الكتاب. واحتوت المقالة الثانية على تسعة أبواب فيها أحد وأربعون فصلا، وهي تتناول علوم: الفلسفة، والمنطق، والطب، وعلم العدد (الارتيماطيقي)، والهندسة، وعلم النجوم، وعلم الحيل [ وهو يتعلق بالالات والحركة ولعله علم الميكانيكا]، والكيمياء. وهذا القسم من الكتاب كان محط عناية الدارسين شرقيين وغربيين على السواء، وعلى الأخص أبواب الطب والفلك والحساب والهندسة ومرد ذلك أن الكتاب قدم معلومات وافية حول ماهية كل علم وفروعه، ولنضرب مثالا لذلك بعلم الطب الذي جاء في ثمانية فصول افتتحها بالتشريح كناية عن موقعه الحيوي بالنسبة لعلم الطب، وأتبع ذلك بالحديث عن أنواع المرض ثم الأغذية ثم أفرد الحديث عن الأدوية في أربعة فصول كاملة فذكر الأدوية المفردة ثم الأدوية المشتبهة الأسماء ثم الأدوية المركبة ثم أصناف الأدوية المعجونة. خلاصة القول، أن كتاب مفاتيح العلوم يعد واحدا من أوائل المصنفات الموسوعية الإسلامية، وعلى أهميته لم يحظ باهتمام كافي من الدارسين العرب، ولعله من المناسب أن ينهض بعض طلاب الدراسات العليا ببحث مصطلحات الكتاب كل في مجاله على نحو يضمن استيفاء العلوم الواردة فيه بالدارسة. [1] أنظر تصدير عبد الأمير الأعسم لكتاب مفاتيح العلوم الصادر عن دار الرشاد ببيروت عام 2005، ص 24 وما بعدها. [2] محمد ابن أحمد بن يوسف الخوارزمي، مفاتيح العلوم، حققه وقدم له ووضع فهارسه إبراهيم الإبياري، بيروت: دار الكتاب العربي، ط2، 1989، ص 8. [3] م. خير الله يف، مسألة تصنيف المعرفة في الشرقين الأدنى والأوسط في القرون الوسطى، من مجلة التراث العربي، العددان 4، 5 السنة الثانية، دمشق، يناير 1982، ص 193-204. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
من تراث علم الاقتصاد: كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة فاطمة حافظ https://islamonline.net/wp-content/u...رة-489x275.jpg شهدت الحضارة العربية في قرونها الأولى نشاطا علميا واسعا فما من علم من العلوم المتداولة في ذلك الزمان إلا وكان للأسلاف صنفوا فيه مصنفات قد تزيد أو تكثر بحسب أهمية العلم ومدى الحاجة إليه، ومن ضمن هذه العلوم علم الاقتصاد الذي كان يظن أنه من وضع الحضارة الغربية. وبصفة عامة، اتخذ التصنيف المتخصص في علم الاقتصاد في الحضارة الإسلامية أحد شكلين: الأول: كتب الفقه الاقتصادي، وهي كتب تناقش الموضوع الاقتصادي من أرضية فقهية شرعية، ولدينا تراث عريض من هذه الكتب التي افتتح التصنيف فيها منذ وقت مبكر للغاية مؤسسي الفقه الإسلامي كأبي يوسف في كتابه الخراج والحسن الشيباني في كتابه الكسب، وتندرج ضمن هذا القسم كل كتب الحسبة والأموال. والثاني: كتب أصول الاقتصاد، وهي كتب تؤصل لعلم الاقتصاد بمعزل عن العلوم الأخرى أو تناقش بعض الظواهر الاقتصادية، وهي أقل من سابقتها ومن أمثلتها: التبصرة بالتجارة للجاحظ، والإشارة لمحاسن التجارة لأبي جعفر بن علي الدمشقي، وهو واحد من المصنفات التي حظيت بعناية الدارسين والمستشرقين بحسبانه أكثرها نضجا واكتمالا. جعفر بن علي الدمشقي وكتابه هوية جعفر بن علي الدمشقي ليست معروفة لنا إلا من خلال بعض الشواهد البسيطة المتضمنة في كتابه الذي يحمل عنوان “الإشارة إلى محاسن التجارة ومعرفة جيد الأعراض ورديئها وغشوش المدلسين فيها” والمتضمنة أن الانتهاء من نسخه تم في السادس من رمضان سنة سبعين وخمسمائة، أي أنه عاش في القرن السادس، وقد فسر الدكتور رفعت العوضي عدم وجود ترجمة له ضمن كتب التراجم والببلوغرافيا مرجعا ذلك إلى اشتغاله بالتجارة في الأسواق كما أشار في أحد مواضع الكتاب، وهو ما حال دون وضعه ضمن كتب التراجم التي عنيت إما بأهل العلم أو الأدباء أو المهنيين.[1] صدر الكتاب للمرة الأولى عن مطبعة المؤيد بالقاهرة عام 1901 وعلى نفقتها، وهذه الطبعة تستبق طبعة المستشرق الألماني هيلموت ريتر ( 1892-1971) للكتاب وترجمته له، ويقع الكتاب في ثلاثين فصلا تتفاوت من حيث الإيجاز والتطويل فبعضها لا يتجاوز صفحة وبعضها يبلغ تسعة عشر صفحة وأعني به فصل (جيد الأعراض ورديئها). تناول الدمشقي في كتابه قائمة طويلة من الموضوعات من قبيل: تعريف المال وتقسيماته، الغنى، نسبية قيمة الأموال، الحاجات وتعددها، الثمن، وظائف النقود، العرض والطلب، كيفية اكتساب الثروة، وأنواع الملكية، وبيان بالبضائع المتداولة في الأسواق وكيفية التمييز بين رديئها وجيدها، أنواع التجار وما يلزم كل تاجر، وسائل حفظ المال وسبل تنميته، والمال وعلاقته بالأخلاق، والمال والعلم، والنهي عن إضاعة المال، وما إلى ذلك من موضوعات جلها يندرج في صلب علم الاقتصاد. وهذه الموضوعات يمكن تصنيفها تصنيفات متعددة؛ فبعضها يتعلق بالتاجر وبعضها الآخر يتعلق بالبضائع كما تفترض دائرة المعارف الإسلامية، وبعضها يتعلق بالتصنيف الفني لموضوعات الكتاب والذي يقترحه شوقي دنيا الذي وضع موضوعات الكتاب ضمن ثلاث مجموعات: المسائل الاقتصادية، والمسائل الإدارية، والمسائل الفنية المتعلقة بصنوف الأموال. وبغض النظر عن هذه التقسيمات فإن الكتاب تناول عددا من القضايا التي ربما لم يسبقه أحد في تناولها بهذا العمق والتخصص كتعريف المال وأنواعه، وسبل التعامل معه، وذكر أنواع التجار والقواعد الواجب عليهم اتباعها. المال وتقسيماته عرف الدمشقي المال بأنه اسم لكل ما يقتنى الجليل منه والحقير، وقسمه إلى أربعة أنواع.
والأموال كما يعتقد الدمشقي ليست محتقرة في ذاتها بل هي محمودة، والغنى يفضل الفقر ذلك أنه لو كان الغنى موروثا لأخبر عن عراقة أصل وإن كان مكتسبا طارئا لأخبر عن همة عالية وعقل وافر ورأي كامل، ويبلغ مدح الدمشقي للغنى مبلغه حين يقول: ولو لم يكن في الغنى إلا أنه من صفات الله تعالى لكفى فضلا وشرفا عظيما[2]، وبهذا المعنى فإن الدمشقي يعد صوتا من التراث يؤمن أن الإسلام يحبذ الغنى ولا ينحاز للفقر وذلك خلافا للفكرة الشائعة أن الإسلام يقف في صف الفقر. اكتساب المال وسبل حفظه يعتقد الدمشقي أن اكتساب جميع الأموال يتأتى من سبيلين هما:
ومما يميز كتاب الدمشقي عن سائر المصنفات الاقتصادية تمييزه بين صنوف التجار وما يلزم كل تاجر منهم، وهم حسب تصنيفه:
مما سبق يتبين أن كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة لأبي جعفر الدمشقي يعد أحد المصنفات التأسيسية في علم الاقتصاد، وإذا كانت بعض موضوعاته لا تندرج ضمن علم الاقتصاد الوضعي فما ذلك إلا لأن صاحبها أراد أن يقدم علما لا ينفصل عن المبادئ الدينية والقواعد الأخلاقية. [1] رفعت العوضي، تحليل اقتصادي لكتاب الإشارة إلى محاسن التجارة للدمشقي (القرن السادس الهجري)، القاهرة: مجلة الدراسات الإسلامية التجارية، يناير أبريل 1985، مج 2 ع 5-6، ص 161. [2] أبو الفضل جعفر ابن علي الدمشقي، الإشارة إلى محاسن التجارة، القاهرة: مطبعة المؤيد، 1318هـ، ص2-3. [3] نفسه، ص 38-41. [4] نفسه، ص57-58. [5] نفسه، 48-52. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
ابن الجزار طبيب القيروان . حسن محمد إبراهيم https://albayan.co.uk/Uploads/img/th...2021065140.png يعتبر ابن الجزار أول طبيب عربي متخصِّص في مجال طب الأطفال ابن الجزار هو أبو جعفـر أحمد بن إبراهيـم أبي خالد القيرواني التونسي الذي اشتهر باسم ابن الجزار؛ وهو طبيب مشهور ولد بمدينة القيروان وتوفي فيها في سنة 369 هـ. ويُعدُّ ابن الجزار من أشهر أطباء وفلاسفة المسلمين في القرن الرابع الهجري وكان صاحب مكانة علمية غير مسبوقة؛ خاصة في بلاد المغرب الإسلامي. أسس ابن الجزار مدرسة طبية، وتتلمذ عليه كثير من الأطباء؛ منهم الطبيب الأندلسي عمر بن حفص بن بريق الـذي عاد إلى الأندلـس حاملاً معه نسخة من كتاب ابن الجزار الشهير (زاد المسافر وقوت الحاضر)، ولقد عرف هذا الكتاب رواجاً كبيراً في أوروبا، كما تمت ترجمته إلى اللغة اللاتينية واليونانية. لقد عمل ابن الجزار على تعديل القوانين الطبية القديمة وتطويرها، كما ضبط أسماء النباتات بثلاث لغات هي الأمازيغية والعربية واليونانية، ولقد ذاع صيته وتجاوزت شهرته حدود البلاد التونسية وكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى مدينة القيروان لتحصيل الطب منه. وكان ابن الجزار يعالج مرضاه بأقل تكلفة ممكنة كما بيَّن ذلك في مقدمة كتابه الشهير (طب الفقراء والمساكين)، ولقد كان له الفضل الكبير على المسلمين؛ إذ كان يوزع الأدوية على الفقـراء والمعـوزين دون مقابل. ألَّف ابن الجزار العديد من الكتب التي شملت علوماً مختلفة ولكنها اتجهت في المقام الأول إلى العلوم الطبية، ولعل من أشهرها كتابه (زاد المسافر) وهو يتكون من مجلدين، وقد تمت ترجمته إلى عدة لغات، وهو كتاب ذو قيمة طبية هامة؛ إذ ما تزال بعض الكليات والجامعات تستفيد منه إلى اليوم، ولقد ألَّفه ليكون ابن الجزار دليلاً طبياً للمسافر إلى البلدان البعيدة التي لا يوجد فيها طبيب. كما ألَّف كتاباً في الأدوية يُعرَف بـ (الاعتماد في الأدوية المركبة)، وكتاب (العدة لطول المدة) وهو أكبر كتاب له في الطب، وكتاب (التعريف بصحيح التاريخ) وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، وكتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها، وكتاب (طب الفقراء)، وكتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، وكتاب (الخواص)، وكتاب (نصائح الأبرار)، وكتاب (المختبرات)، وكتاب في تحديد الأسباب المولدة للوباء. كما ألَّف في مجال التاريخ والسير كتاب (مغازي إفريقيا)، وكتاب (أخبار الدولة)، وكتاب (التعريف بصحيح التاريخ). وفي علم الجيولوجيا ألَّّف كتاب (الأحجار)، وفي الجغرافيا كتاب (عجـائب البلدان)، وفي الأدب واللغة كتاب (المكلل في الأدب) و (الفصول في سائر العلوم والبلاغات). بالإضافة إلى العديد من الرسائل؛ وخاصة منها رسالة في إبدال الأدوية، ورسـالة في التحـذير مـن إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه، ورسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه، وكذلك رسالة في النوم واليقظة. ولقد خصص ابن الجزار تربية الأطفال والأمراض التي تصيبهم بمؤلَّف خاص وهو كتابه (سياسة الصبيان وتدبيرهم)، وقد شرح فيه طرق العناية بالأطفال منذ ولادتهم، وبيَّن كيفية تغذيتهم ونظافتهم وإِرضاعهم، وشرح الأمراض التي قد يتعرض لها الصبيان من الرأس حتى القدم وقدَّم سبل علاجها، ولقد ختمَ كتابَه في الحديث عن طبائع الصبيان وعاداتهم، وبفضل هذا الكتاب اعتبر ابن الجزار أول طبيب عربي متخصِّص في مجال طب الأطفال. وأكد العديد من المؤرخين أن ابن الجـزار كان أبيّاً عزيز النفس لا يتزلـف للسلاطين أو الأمراء، ولا يمتنع عن خدمة أي مريض غنياً كان أم فقيراً، وكان رحيماً بالضعفاء يبذل المال لفائدتهم، ويوزع عليهم الأدوية مجاناً، وينفق على علاج الفقراء من أموال أسرته الثرية وكذلك من أجره عند علاج الأغنياء والحكام. وكان ابن الجزار يذهب إلى مدينـة المنستير على الساحل الشمالي من البلاد التونسية ليرابط فيها مع عدد من العبَّاد والزُّهاد لعدة أيام، وفي كل صيف ينطلق مع مجاهدي البحر ليتصدى للسفن النصرانية التي كانت تهاجم مدن المسلمين الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط. عاش ابن الجزار عالماً متواضعاً لا همَّ له سوى البحث والتقصي والاشتغال بالجديد في مجال النبـاتات والعقاقير؛ حيث صنف في الأمراض واختص بعض الأعضاء بالبحث وبعض الأمراض بالتأليف. كما أنه اختص الفقراء ببعض المؤلفات وأفرد للخواص والأثرياء كتاباً وجعل قسماً من تأليفه متعلقاً بالأدوية وآخَر بالأمراض. اعتُمدَت علوم ابن الجزار في الشرق العربي وفي الأندلس، وأعجب بها كثير من ممارسي مهنة الطب. وفي القرن العاشر الميلادي وصلت إنجازاته الطبية الكبيرة إلى أوروبا وكان نابليون بونابرت يحمـل معه دائماً كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر). إن معظم مؤلفات ابن الجزار ما زالت تحظى بالعديد من الدراسات الأكاديمية في ميدان الطب والصيدلة في كليات الغرب؛ وخصوصاً في الجامعات الفرنسية، كما بقيت كتبه تدرَّس في تونس من قِبل الأطباء قرابةَ ستة قرون بعد وفاته. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الفزاري .. صاحب أول اسطرلاب في الإسلام نورالدين قلالة https://islamonline.net/wp-content/u...اب-489x275.jpg يعتبر محمد الفزاري أشهر علماء المسلمين في الفلك والرياضيات، فهو عالم فلك، ولغوي، ورياضياتي، ومترجم، وفيلسوف.. وهو أيضا الإمام الكبير الحافظ المجاهد القانت الأمَّار بالمعروف.. وقد لعب دورا محوريا في التطور الأولي للتعاليم الفلكية العربية والإسلامية من المصادر الهندية والساسانية واليونانية، لكن لا يوجد أي شيء تقريبا من أعماله حاليا، مع أن أول اسطرلاب في الإسلام من عمل هذا العالم الكبير. تاريخ المسلمين والعرب حافل بالعلماء العباقرة الأفذاذ الذين أثروا الحياة العلمية والبحثية بالمؤلفات والكتب في شتى مناحي الحياة، في الجغرافيا والتاريخ والأدب والطب والفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفقه والتفسير والتراجم، ولعل من بين هؤلاء العلماء: العالم الفذ المشهور المذكور في حكماء الإسلام محمد الفزاري، والذي يعد من أشهر علماء العرب والمسلمين في مجال الرياضيات وعلم الفلك. وقد نال مرتبة علمية وشهرة عظيمة جدا في علمي التنجيم وتقويم الشهور. وقد ذاع صيت هذا العالم بصفته أول من عمل في الإسلام اسطرلابا، وقد اشتغل في علم الفلك والتنجيم وخاصة في تأليف الكتيبات الفلكية مع جداول لحساب المواقع السماوية خلال ولاية الخليفة المنصور والخلفاء العباسيين اللاحقين. الفزاري..هوية غامضة للأسف الشديد، لا يوجد أي شيء تقريبا من أعمال هذا العالم الكبير حاليا. ليس هذا فقط، بل أن بعض الكتابات تشير إلى أن حتى هويته ليست مؤكدة تماما، يوجد بعض الغموض بين كاتبي السيرة الذاتية لمفكري العصور الوسطى حول ما إذا كان “إبراهيم بن حبيب الفزاري” و”محمد بن إبراهيم بن فزاري” ما هما إلا شخصان مختلفان -أي الأب والابن- أم أنهما نفس الشخص. لكن على أية حال، تشير أدلة مختلفة على أنهما نفس الشخص. وتعرّف العديد من المصادر محمد بن إبراهيم بن حبيب الفزاري (القرن 8 – القرن 9 م) بأنه عالم فلكي ورياضي ، ولد في الكوفة لأسرة عربية أصيلة ينحدر أصلها من بني فزارة (وبنو فزارة من ذبيان من غطفان من العرب العدنانيين) التي سكنت الكوفة. مولده ونشأته لا تذكر المصادر متى ولد محمد الفزاري، حيث تذكر وفاته فقط في بغداد سنة 180هـ تقريبا، وهو ينتمي إلى عائلة عربية اصيلة قطنت الكوفة، ويذكر المستشرق ديفيد بنقري في (موسوعة تراجم العلماء) أن أول اتصال لابي عبد الله الفزاري ببغداد سنة 144هـ وأن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور أحاطه بالرعاية والتقدير لعلمه الجم. وعلى العموم، يبدو أن الفزاري كان سليلا لعائلة قديمة في الكوفة (بالقرب من النجف في العراق الحديث)، كما يبدو أنه كان يعمل في علم الفلك والتنجيم – وخاصة في تأليق الكتيبات الفلكية مع جداول لحساب المواقع السماوية (زيج) – خلال ولاية الخليفة المنصور (حكم: 754-775) والخلفاء العباسيين اللاحقين. ترعرع أبو عبد الله في بيت علم، فقد تتلمذ على يدي أبيه أبي إسحاق إبراهيم بن حبيب الفزاري المتوفي سنة 160هـ، أحد كبار علماء الهيئة في عصره. وكان قد نال شهرة عظيمة جدا في علمي التنجيم وتقويم الشهور. حياته ومسيرته العلمية هاجر الفزاري إلى بغداد عام 144هـ /747 م. ليستزيد في علمه من العلماء الكبار الذين قطنوا بغداد مركز الحضارة في ذلك الوقت. ولقد أولى الفزاري دراسة اللغات الأجنبية عناية كبيرة وخاصة اللغة السنسكريتية التي بذل فيها جهدا عظيما لرغبته في معرفة ما وصل إليه علماء الهند القدماء في أرصادهم. ولقد أهلته قدراته اللغوية هذه إلى أن ينضم إلى فريق الترجمة في بيت الحكمة التي بناها أبو جعفر المنصور. وقد نال الفزاري احترام الخليفة فأحاطه بالرعاية والتقدير لعلمه الغزير. وفي بيت الحكمة عكف الفزاري على ترجمة العلوم الفلكية والرياضية من المصادر الهندية إلى اللغة العربية. ولقد كان لاطلاعه المباشر على العلوم الهندية في علم الفلك التجريبي أن جعل هذا العلم يستند على الاستقراء والملاحظة الحسية لجميع الأرصاد التي تعلل حركات الكواكب والأجرام السماوية. فاستطاع الفزاري أن يصنع أول أسطرلاب في الإسلام. وكان الفزاري من المغرمين بعلم الأرصاد لدرجة كبيرة حتى إنه نظم قصيدة في النجوم توحي بحبه الشديد لهذا الفن وصارت قصيدته يضرب بها المثل بين علماء العرب والمسلمين في مجال علم الفلك. السند هند الكبير سنة 155هـ جاءت بعثة من الهند ومعها كتاب “سدهانتا” الذي يحتوي على معلومات ثمينة عن علم الهيئة، وهو كتاب معروف عند العرب والمسلمين باسم “السند هند”. فأمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، محمد بن إبراهيم الفزاري بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وتصنيف كتاب على غراره، سمي كتاب (السند هند الكبير) فصار هذا الكتاب من اهم المراجع الذي يعول عليها الباحث في علم الفلك الى أيام الخليفة العباسي المأمون. وأصبح هذا الكتاب المرجع الأساسي الذي استخدمه العلماء في علم الفلك إلى أيام الخليفة العباسي المأمون، حيث قام العالم العربي محمد بن موسى الخوارزمي باختصار الكتاب وأسماه “السند هند الصغير” وأضاف إليه معارف اليونان وغيرهم. ثم استخلص منه قدرا كبيرا من المعلومات، فحل كتاب الخوارزمي محل كتاب الفزاري الذي توفي حوالي 180هـ (796م). وساهانتا باللغة الهندية تعني (الدهر الداهر)..ومما لاشك فيه أن لهذا الكتاب تأثيرا عظيما في التصويرات الهندسية لحركة الكواكب، التي نتج عنها عمل الأرصاد العديدة في البلاد العربية والإسلامية. اسطرلاب الفزاري المعروف لدى المؤرخين في حقل العلوم التجريبية، أن أول اسطرلاب في الإسلام من عمل محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألف مع جهاز الاسطرلاب كتابا يصف طريقة العمل به، وسماه “كتاب العمل بالإسطرلاب المسطح”. والأسطرلاب جهاز فلكيّ ذو أشكال مختلفة، استعمله المتقدّمون في تعيين ارتفاعات الأجرام السَّماويَّة ومعرفة الوقت والجهات الأصليّة. وهو عبارة عن آلة دقيقة تُصوَّر عليها حركة النجوم في السماء حول القطب السماوي، وتُستخدم لحل مشكلات فلكية عديدة، كما تم توظيفها في الملاحة وفي مجالات المساحة. وهناك من يخلط بين الابن وابيه في موضوع صنع أول اسطرلاب في الإسلام، ولكن الثابت أن المقصود الابن محمد بن إبراهيم الفزاري. وكان محمد بن إبراهيم الفزاري من المغرمين في علم الهيئة، فنظم قصيدة في النجوم، توحي بحبه الشديد لهذا الفن، صارت قصيدته يضرب بها المثل بين علماء العرب والمسلمين في مجال علم الفلك. وقيل بأن الفزاري كان أول مسلم يصنع “الاسطرلاب المستوي”. ووفقا للعديد من كاتبي السيرة الذاتية، كان الفزاري رائدا وفذًّا في العلوم الفلكية. ومعظم المعرفة الحالية حول الفزاري وصلتنا من البيروني، وهو عالم فلك عاش في القرن الحادي عشر. وكان البيروني أكثر انتقادا وتشكيكا في بعض أفكار الفزاري، إذ يعتقد البيروني باحتمال وجود أخطاء ارتكبها الفزاري وزميله يعقوب بن طارق في تفسير المصطلحات أو التقنيات الفلكية السنسكريتية في الأعمال الذي ترجموها. تحويل علم الفلك علما عربيا وإسلاميا يعتبر الفزاري هو من بدأ حركة نقل العلوم الفلكية والرياضية من المصادر المختلفة، وخاصة المصادر الهندية إلى اللغة العربية، والمعروف ان محمد الفزاري كان متمكنا من اللغات الأجنبية وخاصة اللغة السنسكريتية. وقد بذل الفزاري جهدا عظيما في حقل علم الفلك التجريبي، حيث جعل هذا العمل يستند على الاستقراء والملاحظة الحسية لجميع الأرصاد، التي تعلل حركات الكواكب والاجرام السماوية، لقد كان لتفسيراته للظواهر الفلكية اثر مرموق على مسار المنهج العربي الإسلامي في هذا المضمار. وقد شجع الخليفة العباسي المنصور(754-775) العالم محمد الفزاري ورفاقه على العطاء فترجمت الكتب التي خلفتها الأمم، ليس فقط الهندية ولكن أيضا اليونانية والفارسية، وصححت الأخطاء التي وقعوا فيها، وعملوا إضافات جوهرية في علم الفلك. وأخذ علماء العرب والمسلمين من نتاج الأمم السابقة لهم، ودرس الفزاري وزملاؤه وتفهموا جيدا أعمال الهنود واليونان والفرس في علم الفلك، فزادوا على نظرياتهم وتفننوا في حلول بعض المسائل المستعصية عليهم، وفوق هذا كله جعلوا علم الفلك علما عربيا واسلاميا. مؤلفات وترجمات ألف الفزاري العديد من الكتب في مجال الفلك والرياضيات، لكن أصول كتبه العربية ضاعت في معظمها، ولم تنجُ من التلف إلا ترجمة لاتينية لكتاب “الأسطرلابات والعمل بها”، طُبِعت في أوروبا ثلاث مرات وذلك في القرن السادس عشر وشكَّلت مصدرا علميا فريدا لكل المهتمين بهذا العلم. ومن مؤلفات أبي عبد الله الفزاري في مجال علم الفلك مايلي:
كما قام الفزاري أيضا بتأليف -على ما يبدو في تقليد أسلوب الأطروحات الفنية باللغة السنسكريتية- قصيدة طويلة عن علم الفلك أو علم التنجيم بعنوان “في علم (أو هيئة) النجوم (قصيدة عن علم أو تكوين النجوم). وقد ذُكِرَت بعض الملاحظات المتناثرة حول هذه الأعمال في أعمال مؤلفين لاحقين. وهناك أعمال أخرى منسوبة إلى الفزاري لكنها معروفة العناوين فقط مثل:
ويبدو أن المراجع المجزأة كانت كافية – إلى حد ما – لإظهار أن مساهمات الفزاري كانت تمتلك تأثير كبير على علم الفلك العربي الناشئ، على الرغم من أن عمله ككل لا يمكنه أن يجاري المقالات والأعمال اللاحقة. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الإصطخري عالم يسبق عصره http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/1307.jpg لعل من الصعوبة بمكان أن نختار عالمًا واحدًا من علماء الجغرافيا المسلمين لنتوقف أمام سيرته وإنجازاته توقفًا خاصًّا؛ ذلك أن عبقريات المسلمين في ذلك المجال كثيرة عددًا، غزيرة إنتاجًا، وواسعة سبقًا وريادةً..ومن ثَمَّ سنكتفي هنا بالتوقف أمام أحد أبرز عباقرة الجغرافيا المسلمين، وهو "أبو إسحاق الإصطخري". وقد ولد الرحالةُ عالِمُ الأرضِ والجغرافيا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري (الذي يُعْرَفُ في بعض الأحيان باسم الكرخي) بمدينة إصطخر، وهي مدينة برسيبوليس القديمة في بلاد فارس. وعاش في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وإن كنا لا نعرف الكثير عن نشأته الأولى؛ فالموسوعات أو كتب تاريخ العلوم لم تحدد عام ميلاده، وكذلك لم تذكر شيئًا عن سيرة حياته.. إلا أنه كان رحالة زار الكثير من أقطار العالم الإسلامي؛ فقد زار أكثر أقطار آسيا حتى بلغ سواحل المحيط الهندي، ودخل الهند وتوفي بها بعد عام (340هـ/ 951م)[1]. وعن منهجه العلمي الذي اتبعه في كتابه "المسالك والممالك"، الذي يُعَدُّ من أشهر مؤلفاته، فإن "الإصطخري" يستعرض ذلك فيقول: "فإني ذكرت في كتابي هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام، وتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها.. ولم أقصد الأقاليم السبعة التي عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصورة، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما في أصقاعه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج إلى معرفة من جوامع ما يشتمل عليه ذكر الإقليم؛ لأن الغرض من كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم التي لم يذكرها أحد علمته...". وقد نهج "أبو إسحاق الإصطخري" منهجًا علميًّا يدل على قدرته الفائقة في تصوُّر شكل الأرض؛ فلم يتجاهل الناحية الفلكلورية أو الاقتصادية أو الإثنوغرافية!! (الإثنوغرافيا هو علم في وصف السلالات البشرية وعادات وأخلاق الشعوب).. والحق أن هذه الطريقة التي سار عليها "الإصطخري" هي ذات الطريقة التي ينتهجها العلماء المعاصرون في مثل هذا النوع من الدراسات؛ وهو ألا تقتصر الدراسات الجغرافية على الجوانب الطبيعية فقط، دون التفات إلى الأبعاد الاقتصادية والثقافية والسلالية وغيرها مما يخص البشر الذين يحيون في هذه البقعة من الأرض. كما يُحسَب للإصطخري أنه ركَّز على المدلول الجغرافي والسياسي والإداري، وتجنب النظريات التقليدية التي تنُصُّ على تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، وأخذ كل إقليم بذاته كوحدة جغرافية مستقلة. لقد فهم "الإصطخري" منهج علماء المسلمين في مجال علم الجغرافيا فهمًا جيدًا مُحكمًا، وطبَّقه في مؤلفاته بدقة واستنباط ذكي؛ وبهذا عَرَفَ أصول المنهج العلمي التجريبي القائم على القياس والاستقراء، والمستند إلى المشاهدة والتجربة والتمثيل. وإضافةً إلى كل هذا فقد اشتهر أبو إسحاق الإصطخري بالإنصاف لمن سبقوه من علماء الجغرافيا، كما اتَّصف بالصدق والأمانة العلمية وتقوى الله، وهي صفات - كما ترى - نحن في أَمَسِّ الحاجة إليها في ميادين العلوم التجريبية وغيرها، وهي الصفات التي - كما رأينا من قبل كثيرًا - كانت تميِّز البحث العلمي في عصور الحضارة الإسلامية.. ولم تكن ثمار تلك الصفات مقصورة على الأمة الإسلامية، بل أفادت منها الإنسانية جمعاء. مؤلفات الإصطخري أما عن مؤلَّفات "الإصطخري" فإنه لم يكن صاحب مؤلفات كثيرة، وكل ما وصلنا من أعماله كتابان، هما: (صور الأقاليم)، والثاني (المسالك والممالك). ولعل تأثُّر "الإصطخري" واضح بعالم الجغرافيا السابق عليه "ابن خرداذبة" الذي ألَّف كتابًا بنفس العنوان (المسالك والممالك). كذلك اعتمد على كتاب "البلخي" (تقويم البلدان)؛ فماثل "الإصطخري" كتاب البلخي في مخططه، ولكن بتوسع ومراجعة وتصحيح لكثير مما جاء فيه، وهذان المؤلفان للإصطخري يعدان من المراجع الأمهات في علم الجغرافيا بالأخص. وقد كان اعتماده الأكبر في تصنيف مؤلَّفَيْهِ السابقَيْن على رحلاته العديدة في طلب العلم في شتى الآفاق الإسلامية؛ فجاء وصف تلك البلدان بإطناب، إضافة إلى تزيينه كتابه الأول (صور الأقاليم) بالخرائط والأشكال التوضيحية[2]. أما مؤلَّفُه الأشهر (المسالك والممالك) فقد ظل في معظم مكتبات العالم كمخطوط حتى جاءت سنة (1287هـ - 1870م) وطبعه المستشرق (دي خويه) في ليدن بهولندا، وقد أُعِيدَ طبعه بالصور سنة (1346هـ - 1927م)، وقام بتحقيقه محمد جابر عبد العال الحسيني سنة (1381هـ - 1961م) ونشرته وزارة الثقافة المصرية بالقاهرة آنذاك؛ ولعل ذلك كان السبب في انتشار الكتاب وتداوله من قِبَل القراء في جميع أنحاء المعمورة، ومنه عُرفت مكانة الإصطخري في ميدان علم الجغرافيا الإقليمية[3]. إنجازات الإصطخري والحقيقة أن إنجازات الإصطخري في علم الجغرافيا كانت أكبر بكثير من أن ينظر إليها على أساس مؤلفاته.. فالإصطخري يُعَدُّ من أوائل العلماء الذين جمعوا بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السكانية في كتبهم، وإذا كان قد اقتصر في مؤلفيه على وصف العالم الإسلامي، فقد قسَّمَهُ إلى عشرين إقليمًا، وكان يتحدث عن الإقليم لا بوصفه نطاقًا يضم عددًا من درجات خطوط العرض، ولكن بوصفه منطقة جغرافية واسعة، لها خصائصها الطبيعية والسكانية والثقافية والاقتصادية التي تُميِّزها. وقد تحدث في البداية عن الرُّبع المعمور من الأرض وأبعاده.. ثم تحدَّث عن البحار.. ثم بدأ بوصف جزيرة العرب والخليج العربي مع المحيط الهندي.. ثم السند والهند وأنهار سجستان.. ثم المغرب مع الأندلس وصقلية.. ومصر مع بلاد الشام وبحر الروم والجزيرة.. وإيران الجنوبية والوسطي والشمالية مع أرمينيا وأذربيجان وبحر الخزر (قزوين).. ومدن برطس في تخوم البحر المذكور وأعمالها وكورها وجبالها وأنهارها وعمائرها.. ثم يختم بحثه أخيرًا بوصف بلاد ما وراء النهر (التركستان). ويذكر "الإصطخري" عن كل قطر معلومات تتعلق بالحدود والمدن والمسافات وطرق الموأصلاًت، ويذكر تفاصيل متفرقة عن المحاصيل والتجارة والصناعة، وعن أجناس السكان، ولكن معظم التفاصيل تتعلق بالأقطار التي زارها[4]. وقد أولى "الإصطخري" عناية خاصة لموضوع المد والجزر؛ فله نظريات جزئية في هذا المضمار؛ مما يدل على طول باعه في علم الأنواء، والمعروف بين العلماء في الماضي أن علم الأنواء جزء لا يتجزأ من علم الجغرافيا. ولا ننسى في حديثنا عن إنجازات "الإصطخري" أنه حاول بكل ما يملك أن يصحح الأخطاء الجغرافية التي وقع فيها علماء الجغرافيا السابقون له، واتخذ من الخرائط التي زخرت بها مؤلفاته وسيلة لشرح وإبراز الأفكار الجغرافية التصحيحية.. ومن أبرز تلك الخرائط (خريطة بحر قزوين) التي شهد المستشرقون بدقتها، كما ركز على طريقة المقارنة بين المدن[5]. إلى غير ذلك من الإنجازات المبدعة التي تحملك على الاعتقاد بأنك أمام سيرةٍ وإنجازات لعالِمٍ من القرن العشرين الميلادي (الخامس عشر الهجري)، إلا أنه كان يعيش بين علماء القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)!!. وقد عرف قدره المقدسي (ت 380هـ/ 990م) حين أُتيح له أن يرى بعض كتبه؛ فأكثر النقل عنه في (أخبار السند)، وقال يثني عليه: ".. ورأيت ببخارى مترجَمًا لإبراهيم بن محمد الفارسي (يعني الإصطخري)"، ثم يُعلِّق عليه بقوله: "..وهو كتاب قد أجاد أشكاله.."[6]. كما يُذكَر أن "أبا إسحاق الإصطخري" ساح العالم الإسلامي؛ لذا استفاد من رحلاته في تصنيف كتابه (المسالك والممالك) الذي يكتسب أهمية بالغة؛ إذ يعتبر رائدًا للكتب الإقليمية التي أُلِّفَتْ بعده في منهجه ومعلوماته وتبويبه[7]. فرحم الله عالمنا العظيم الإصطخري، ونسأل الله أن يهبنا أمثاله من العلماء الذين غيروا بجهودهم وعقولهم حركة التاريخ ومسيرة البشرية. ------------------------------- [1] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199. [2] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص104، 105. [3] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص277،276. [4] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199. [5] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص104. [6] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199. [7] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص103. منقول |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
من هو البيروني؟! https://www.hekaiya.com/images/articles/البيروني.webp من هو البيروني؟! عرَّفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله عنه: "كان رحّالة وفيلسوفًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، وجغرافيًّا، وعالمًا موسوعيًّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم". ووصفه المستشرق الألماني سخاو بقوله: "أعظم عقلية عرفها التاريخ"[1]. إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي، الذي وُلِدَ في بلدة بيرون، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية سنة 362هـ/ 963م، والذي اطَّلع على فلسفة اليونانيين والهنود، وعَلَتْ شهرته، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره[2]. مؤلفات البيروني كان لمؤلَّفاته اليد الطُّولى في صناعة أمجاد عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم الغربي؛ فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وسبق في ذلك جاليليو وكوبرنيكوس، إضافةً إلى اكتشافاتٍ أخرى عديدة.وقد رحل البيروني إلى الهند وأقام فيها بضع سنين، نتج عنها كتابه (الطائر الصيت)، المعروف بكتاب الهند، والمعروف بـ (كتاب البيروني في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) أودع فيه نتيجة دراساته من تاريخ وأخلاق وعادات وعقائد وآداب وعلوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة الأرض. ويصف المستشرق (روزن) منذ أكثر من سبعين عامًا هذا الكتاب بأنه "أثر فريد في بابه، لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط، سواء في الغرب أم في الشرق"[3]. وغير كتابه السابق كان للبيروني أيضًا كتب أخرى كثيرة ومهمة في ضروب مختلفة من العلم؛ ففي الجغرافيا ألَّف: تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وتحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، أمَّا في التاريخ؛ فله: تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية، وفي الفلك كان له مؤلفات عديدة، مثل: الاستشهاد باختلاف الأرصاد، واختصار كتاب البطليموس القلوذي، والزيج المسعودي، والاستيعاب لوجوه الممكنة في صنعة الإسطرلاب، وتعبير الميزان لتقدير الأزمان، وقانون المسعودي في الهيئة، وفي الرياضيات أُثِرَ عن البيروني مؤلَّفات عِدَّة؛ كاستخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مراتب الحساب، وكتاب الأرقام ورغم اهتمامه بالعلم فإنه كان ذا باعٍ طويل في الأدب؛ لذا كتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار، وفوق كل ذلك كان له مؤلَّفات عديدة في الفلسفة، مثل: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وغير ذلك العشارت من المؤلَّفات الضخمة[4]. وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألَّف في كل فروع المعرفة التي عهدها عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة. إنجازات البيروني أما في مجال الطبيعيات فقد اهتم بالخواص الفيزيائية لكثير من المواد، وتناولت أبحاثه علم ميكانيكا الموائع والهيدروستاتيكا، ولجأ في بحوثه إلى التجربة وجعلها محورًا لاستنتاجاته[5]، كما انضم مع ابن سينا إلى الذين شاركوا ابن الهيثم في رأيه القائل بأن الضوء يأتي من الجسم المرئي إلى العين[6]. ومن أبرز ما قام به البيروني أنه توصل إلى تحديد الثقل النوعي لـ 18 عنصرًا مركبًا بعضها من الأحجار الكريمة مستخدمًا الجهاز المخروطي، وقد استخرج قيم الثقل النوعي لهذه العناصر منسوبة إلى الذهب مرة وإلى الماء مرة أخرى، وله جداول حدَّد فيها قيم الثقل النوعي لبعض الأحجار الكريمة منسوبة إلى الياقوت على أساس الوزن النوعي للياقوت = 100 ثم إلى الماء[7]. وفي ظاهرة الجاذبية كان البيروني، مع ابن الحائك، من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثَّها في كتب مختلفة، ولكنَّ أشهر آرائه في ذلك ضمَّنها كتابه القانون المسعودي[8]. ومن المسائل الفيزيائية التي تناولها البيروني في كتاباته ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل وتوازنها، وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر وسريان الضوء، فقد لاحظ أن المعادن تتمدَّد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت للبرودة[9]. وأولى ملاحظاته في هذا الشأن كانت في تأثير تباين درجة الحرارة في دقة أجهزة الرصد، حيث تطرأ عليها تغيرات في الطول والقصر في قيظ النهار وصقيع آخر الليل، وتعرض في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية لميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل واتزانها وتوازنها، وأوضح صعود مياه النافورات والعيون إلى أعلى مستندًا إلى خاصية سلوك السوائل في الأواني المستطرقة. كما شرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها، وتكون سطوح ما يجتمع منها موازية لتلك المياه، وبيَّن كيف تفور العيون وكيف يمكن أن تصعد مياهها إلى القلاع ورؤوس المنارات. وتحدث عن ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار وعزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر[10]. أما فيما يختص بسريان الضوء فقد فطن إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت[11]، واتفق مع ابن الهيثم وابن سينا في قولهما بأن الرؤية تحدث بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى العين وليس العكس[12]، كما يقرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه، وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام، ودقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا التواء[13]. كما وضع البيروني قاعدة حسابية لتسطيح الكرة، أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس؛ وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية[14]. ويعتبر البيروني بعدُ أحدَ ألمع الوجوه التي يمكن أن تعتز بها الثقافة العربية من خلال تاريخ الفكر الإسلامي وأكثرها جاذبية. فعلى الرغم من أن اسم البيروني يحتل مكانته من الأدب العربي في ميدان الجغرافيا والرحلات، إلا أنه يتبين لنا من خلال المصنفات السابقة أنه لم يكن جغرافيًّا فحسب، بل كان رياضيًَّا وفلكيًّا، وفيلسوفًا، وشاعرًا وأديبًا، وعالم اجتماعٍ ومؤرخًا!! نعم كان كلَّ أولئك، وبرز في كل فروع المعرفة الإنسانية هذه، وبعبارة أخرى: كان مؤلفًا انتظم نشاطه كل دائرة العلوم المعاصرة له، والتي تحتل بينها العلوم الرياضية والفيزيائية مكانة الصدارة عنده[15]. وفاة البيروني وفي رجب سنة 440هـ/ 1048م توفي البيروني، وكانت وفاته ختام حياة حافلة لرجل حكيم وعظيم، وفي وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى فيقول: دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، فقال لي: كيف قلتَ لي يومًا في حساب الجدّات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا هذا، أودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، أَلاَ يكون خيرًا من أن أخلِّيها وأنا جاهل بها؟ فأعدتُ ذلك عليه وحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجت من عنده، وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه[16]!! [1] راجع: كتاب نوابغ المسلمين 2/53، 64، 65. [2] انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزِّركلي: الأعلام 5/314، عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص340، موسوعة العرب: أبو الريحان البيروني ص26. [3] انظر: عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص341. [4] انظر الباباني: هدية العارفين 1/480، الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزركلي: الأعلام 5/314. [5] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص115،114. [6] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163. [7] انظر: مصطفى وهبة: نوابغ المسلمين 2/63 بتصرف. [8] المصدر السابق، الصفحة نفسها. [9] السابق نفسه، الصفحة نفسها. [10] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص176 بتصرف. [11] حسن نافعة، كليفوردبوزورث: تراث الإسلام 2/193. [12] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163. [13] انظر موقع الموسوعة العربية العالمية. [14] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص459، جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص397. [15] عبد الرحمن حميدة: السابق نفسه ص341، 342. [16] الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070. منقول |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
ابن خلدون وابتكار علم الاجتماع د. راغب السرجاني في مجال العلوم الإنسانية والفكرية كان للمسلمين دور بارز ورائد؛ حيث ابتكروا علومًا راقية تهمُّ الجانب الاجتماعي الإنساني، وكذلك ابتكروا علومًا مهمَّة خاصَّة بالشريعة الإسلامية، وأخرى خاصَّة باللغة العربية. تعريف علم الاجتماع يُعَرِّفُ معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية علمَ الاجتماع بأنه: "دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الإنسانية، كما تبدو في الزمان والمكان؛ للتوصُّل إلى قوانين التطوُّر، التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية في تَقَدُّمِهَا وتَغَيُّرِهَا"[1]. موضوع علم الاجتماع يُحَدِّد علماء الاجتماع موضوعه بالظواهر الاجتماعية، التي تظهر نتيجة لتجمُّع الناس معًا، وتفاعل بعضهم مع بعض، ودخولهم في عَلاقات متبادلة، وتكوين ما يُطْلَق عليه الثقافة المشتركة؛ حيث يتَّفِقُ الناسُ على أساليب مُعَيَّنَة في التعبير عن أفكارهم، كما أنهم يتَّفقون على قيم محدَّدة، وأساليب معينة في الاقتصاد، والحكم، والأخلاق، وغيرها. وتبدأ الظواهر الاجتماعية بالتفاعل بين شخصين أو أكثر، والدخول في علاقات اجتماعية، وحينما تدوم هذه العلاقات وتستمرُّ، تشكِّل جماعات اجتماعية، وتُعَدُّ الجماعات الاجتماعية من المواضيع الأساسية التي يدرسها علم الاجتماع. وهناك موضوع آخر يدرسه علم الاجتماع، يتمثَّل في العمليات الاجتماعية؛ كالصراع، والتعاون، والتنافس، والتوافق، والترتيب الطبقي، والحراك الاجتماعي. كما أن التغيُّر في الثقافة وفي البناء الاجتماعي، أحد ميادين الدراسة في علم الاجتماع، كما أن هناك النُّظُم الاجتماعية، وهي الأساليب المقنِّنة والمقرِّرة للسلوك الاجتماعي، وكذلك الشخصية، وهي العامل الذي يُشَكِّل الثقافة، ويتشكل من خلالها[2]. ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع على الرغم من أن التفكير الاجتماعي قديم قِدَمَ الإنسان نفسه، إلاَّ أن الاجتماع الإنساني لم يصبح موضوعًا لعلمٍ إلا في فترة لاحقة، وكان أَوَّل مَنْ نَبَّه إلى وجود هذا العلم، واستقلال موضوعه عن غيره، ووضع أسسه، وابتكره، هو العلاَّمة المسلم ابن خلدون! فقد صرَّح في عبارات واضحة أنه اكتشف علمًا مستقلاًّ، لم يتكلَّم فيه السابقون؛ إذ يقول: "وكأن هذا علم مستقلٌّ بنفسه، فإنه ذو موضوع، وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني، وذو مسائل؛ وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته، واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم، وضعيًّا كان أو عقليًّا"[3]. ويقول أيضًا: "واعلم أن الكلام في هذا الغرض مُسْتَحْدَث الصنعة، غريب النزعة، أَعْثَر عليه البحث، وأدَّى إليه الغوص... وكأنه علم مستنبط النشأة، ولعمري! لم أقف على الكلام في منحاه لأحدٍ من الخليقة، ما أدري: ألغفلتهم عن ذلك، وليس الظنُّ بهم؟ أو لعلهم كتبوا في هذا الغرض، واستوفوه، ولم يصل إلينا؟"[4]. كما أنه لم يكتفِ بذلك، بل دعا القادرين إلى استكمال ما نقص منه، فقال: "ولعلَّ مَنْ يأتي بعدنا -ممن يُؤَيِّده الله بفكر صحيح، وعِلْـمٍ مُبِينٍ- يغوص في مسائله على أكثر مما كتبنا، فليس على مستنبط الفنِّ إحصاء مسائله، وإنما عليه تعيين موضع العلم، وتنويع فصوله، وما يُتَكَلَّم فيه، والمتأخِّرُون يُلْـحِقُون المسائل من بعده شيئًا فشيئًا إلى أن يكمل"[5]. وإضافةً إلى ذلك فإن مقدمته شملت على أقلِّ تقدير سبعة من فروع علم الاجتماع المعاصر، ناقشها ابن خلدون في وضوح تامٍّ[6]. ولكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من قول عالم الاجتماع النمساوي الشهير جمبلوفتش: "لقد أردنا أن ندلِّلَ على أنه قبل أوجست كونت[7]، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوربي، جاء مسلم تقيٌّ، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل مُتَّزِنٍ، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسمِّيه اليوم علم الاجتماع"[8]. على الرغم من ذلك كله، فإن التأريخ لعلم الاجتماع يقف عند الفرنسي كونت باعتباره المنشئ الأول لهذا العلم، ويتجاهل بذلك المؤسِّس الحقيقي لهذا العلم، الذي نبَّه عن وعي وفي وضوحٍ إلى اكتشافه لهذا العلم[9]. وقد شهد المنصفون بأن أوجست كونت استمدَّ كثيرًا من آرائه ونظرياته من مقدمة ابن خلدون[10]! فابن خلدون يُمَثِّل نقطة تَحَوُّلٍ في كتابة التاريخ الإنساني، وفي تأسيسه لعلم الاجتماع، قد هزَّ الفكر الإنساني العالمي بذلك؛ إذ وضع خُطَّة جديدة وآراء جديدة، بل وضع قوانين جديدة يمكن تطبيقها، وتنسحب على كل المجتمعات البشرية، انطلاقًا من أنَّ الإنسان لا يعيش إلاَّ في مجتمع، وإذا عاش في مجتمع؛ فلا بُدَّ أن يعيش مع شعب، وإذا عاش مع شعب لا بُدَّ أن يعيش على أرض، ولكي تَظَلَّ العلاقة قائمة بين هؤلاء الناس، أو القبائل، أو الشعب، أو هذه المجموعة البشرية؛ لا بُدَّ من أن ينظِّمَها حاكم؛ وأنواع الحاكم تدرَّجَتْ من حاكم بسيط (شيخ قبيلة) إلى حاكم مُطْلَقٍ، استطاع أن يستخدم كل الوسائل التي هيَّأها له هذا التجمُّع البشري، أو هذا العمران، واستطاع أن يستغلَّ هذا ويصبح هو الحاكم المطلق، وإذا أصبح حاكمًا مطلقًا استطاع أن يؤسِّس دولة، فإذا أسَّس الدولة التي طبَّق عليها ابن خلدون نظريته؛ مرَّت الدولة بمراحل مختلفة، هذه المراحل وجدت صحَّة في التطبيق في واقع الحياة[11]. ابن خلدون حياته ونشأته ويهمُّنا هنا أن نُلْقِيَ بعض الضوء على ابن خلدون، منشئ هذا العلم؛ فهو أبو زيد عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي، مولده بتونس في غرة رمضان (732هـ)، ورحل إلى فاس، وغرناطة، وتلمسان، والأندلس، كما تَوَجَّهَ إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، ووَلِيَ فيها قضاء المالكية، وظلَّ بها ما يناهز ربع قرن (784-808هـ)، حيث تُوُفِّيَ ودُفِنَ في مقابرها عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا[12]. وقد نشأ ابن خلدون في بيت علم ومجد عريق، وحفظ القرآن في وقت مبكِّر من طفولته، وكان أبوه هو معلِّمه الأول، كما درس على يد مشاهير علماء عصره، وقد اتجه إلى الوظائف العامَّة بعد موت عامَّة أساتذته في الطاعون الذي أصاب بلادهم، والتحق بوظيفة كتابيَّة في بلاط بني مرين، ولكنها لم تكن لتُرْضي طموحه، وعَيَّنه السلطان (أبو عنان) - ملك المغرب الأقصى - عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأُتِيحَ له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء، الذين نزحوا إليها من (تونس)، و(الأندلس)، و(بلاد المغرب). ورحل ابن خلدون إلى غرناطة تاركًا أسرته بفاس، ثم عاد إلى وهران بالجزائر؛ ليستقرَّ في قلعة ابن سلامة هو وأهله أربع سنوات، ومن هنا بدأت مسيرته مع كتابه (العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)؛ لتكون مقدِّمَة هذا الكتاب أول وأشهر مقدِّمة صُنِّفَت في علم الاجتماع، وشئون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد عالج فيها ما يُطْلَق عليه الآن (المظاهر الاجتماعية) - أو ما أَطْلَقَ عليه هو (واقعات العمران البشري)، أو (أحوال الاجتماع الإنساني)[13]. مقدمة ابن خلدون بسط ابن خلدون في المقدمة كل ما لديه من علم ومعرفة، فجاءت شيئًا ثمينًا، بل متقدِّمة جدًّا على العصر الذي كُتِبَتْ فيه، وهي تحتوي على ستَّة فصول كما يلي: الأول: في العمران البشري: وهي تقابل (علم الاجتماع العام)، وقد درس ابن خلدون ظواهر المجتمع البشري، والقواعد التي تسير عليها المجتمعات. والثاني: في العمران البدوي، وقد درس الاجتماع البدوي، كاشفًا أهمَّ خصائصه المميِّزة، وأنه أصل الاجتماع الحضري وسابق عليه. والثالث: في الدولة والخلافة والمُلْك: وهو يقابل (علم الاجتماع السياسي)، وقد درس قواعد الحكم، والنُّظُم الدينية، وغيرها. والرابع: في العمران الحضري: وهو ما يقابل (علم الاجتماع الحضري)، وقد شرح جميع الظواهر المتَّصلة بالحضر، وأصول المدنية، وأن التحضُّر هو غاية التمدُّن. والخامس: في الصنائع والمعاش والكسب: وهو ما يقابل (علم الاجتماع الاقتصادي)، وقد درس تأثير الظروف الاقتصادية على أحوال المجتمع. والسادس: في العلوم واكتسابها: وهو ما يقابل (علم الاجتماع التربوي)، وقد درس الظواهر التربوية، وطرق التعلم وتصنيف العلوم. كما درس ابن خلدون الاجتماع الديني والقانوني، رابطًا بين السياسة والأخلاق[14]. والحقيقة الظاهرة أن أحدًا قبل ابن خلدون لم يَعْرِض لدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة تحليلية أَدَّتْ إلى نتائج ومُقَرَّرَات مثل تلك التي أَدَّتْ إليها دراسة ابن خلدون، ذلك أن المفكِّر المسلم الفقيه درس الظواهر الاجتماعية من خلال الإخبار التاريخي السليم، مثلما يدرس العلماء علوم الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والفلك، وهو بذلك يكون أول مَنْ أخضع الظواهر الاجتماعية لمنهج دراسي علمي، انتهى به إلى كثير من الحقائق الثابتة التي تشبه القوانين، وعليه فإن ما توصَّل إليه ابن خلدون من نظريات يظلُّ عملاً رائدًا في ميدان الدراسات الاجتماعية في مسيرة الفكر الإنساني[15]. د. راغب السرجاني [1] أحمد زكي بدوي: معجم المصطلحات الاجتماعية ص4. [2] انظر: منصور زويد المطيري: الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع - الدواعي والمكان ص28، 29. [3] ابن خلدون: المقدمة 1/38. [4] المصدر السابق، الصفحة نفسها. [5] المصدر السابق 1/588. [6] انظر: حسن الساعاتي: علم الاجتماع الخلدوني ص28- 35. [7] هو أوجست كونت August Count (1798 - 1857م) : فيلسوف فرنسي، مؤسس الفلسفة الوضعية، ومؤسس علم الاجتماع الغربي، عمله الرئيسي: (دروس في الفلسفة الوضعية) . [8] نقلاً عن مصطفى الشكعة: الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون ونظرياته ص198. [9] منصور زويد المطيري: الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع ص23، 24. [10] عبد الواحد وافي: دراسة مقدمة ابن خلدون، نقلاً عن: عبد الله ناصح علوان: معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية ص48. [11] سهيلة زين العابدين: نظرية الدولة عند ابن خلدون، مجلة المنار، الأعداد 75، 76، 77، سنة 1424هـ. [12] الزركلي: الأعلام 3/330. [13] المصدر السابق 3/330، ومصطفى الشكعة: الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون ونظرياته ص21 وما بعدها. [14] انظر: نعمان عبد الرزاق السامرائي: نحن والحضارة والشهود 1/120. [15] مصطفى الشكعة: الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون ونظرياته ص77، 78. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
جابر بن حيان.. مؤسس علم الكيمياء د. راغب السرجاني وصفه ابن خلدون في مقدمته وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء فقال:"إمام المدونين فيها جابر بن حيان، حتى إنهم يخصونها به فيسمونها (علم جابر)، وله فيها سبعون رسالة". إنه أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، نسبة إلى قبيلة أزد اليمنية التي هاجر البعض منها إلى الكوفة بعد انهيار سد مأرب. وُلِدَ في (طوس)، واستقرَّ في بغداد بعد قيام الدولة العباسية، وتوثقت علاقته بأسرة البرامكة الفارسية، وامتدت حياته ما بين (103- 200هـ/ 721- 815م). يُعَدُّ مؤسِّس علم الكيمياء التجريبي؛ فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب والاستقراء والاستنتاج العلمي، وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى إن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا: (كيمياء جابر)، و(الكيمياء لجابر)، وكذلك: (صنعة جابر). كما أُطلق عليه أيضًا:(شيخ الكيميائيين)، و(أبو الكيمياء). فقبل جابر كان هناك مجموعة من المهن البدائية القديمة، وقد اختلطت مع كثير من الحرف، كالتحنيط (في مصر القديمة) والدِّباغة، والصباغة والتعدين واستخلاص الزيوت، لكن جابر بن حيان استطاع أن يطوِّر الكيمياء ويرفعها من تلك المنزلة البدائية التي كانت عليها إلى منزلة عالية، وذلك بإضافته للكثير من المعارف النظرية والعلمية، وإرسائه أسسَ وأصولَ تحضير المواد الكيميائية والتعامل معها؛ لذلك يُعتَبَر ابنُ حيان شيخ الكيميائيين بلا منازع . فقد بدأت الكيمياء - كما أوضحنا في المقال الأول في الكيمياء - خرافية تستند إلى الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة؛ وذلك لأن العلماء في حضارات ما قبل الإسلام كانوا يعتقدون أن المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها، وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب)؛ لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر ، وهذا ما كان يُسَمَّى بعلم الخيمياء. وقد تأثَّر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبي بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان، لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدَّت هذه الدراسة إلى وضع المنهج العلمي التجريبي وتطبيقه في حقل العلوم التجريبية. وعن هذا المنهج التجريبي كان يقول جابر: "ومِلاك كمال هذه الصنعة العمل والتجربة؛ فمن لم يعمل ولم يجرِّب لم يظفر بشيء أبدًا" . وفي كتاب الخواص الكبير المقالة الأولى يقول: "إننا نذكر في هذه الكتب خواصَّ ما رأيناه فقط دون ما سمعناه، أو قيل لنا وقرأناه، بعد أن امتحنَّاه وجرَّبناه، فما صحَّ أوردناه، وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضًا قايسناه على أحوال هؤلاء القوم" . ولذلك يُعَدُّ جابر أول من أدخل التجربة العلمية المخبرية في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده، وكان أحيانًا ما يُسمِّي التجربة بالتدريب، فكان يقول: "فمن كان دَرِبًا كان عالمًا حقًّا، ومن لم يكن دَرِبًا لم يكن عالمًا، وحسبُك بالدربة في جميع الصنائع أن الصانع الدَّرِب يحذق، وغير الدَّرِب يعطل" !! وعليه قطع جابر خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل، لا اعتمادًا على التأمل الساكن. لقد كانت أعمال جابر القائمة على التجربة المعملية أهم محاولة جادة قامت آنذاك لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة؛ فهو أول من بشَّر بالمنهج التجريبي المخبري، وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث: الأولى: أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها. الثانية: أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًّا. الثالثة: أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينها . ولقد اهتم هولميارد Holmyard بأعمال جابر ومنهجه العلمي ومؤلفاته، وعكف على إبراز القيمة العلمية لعمله، وتراه بعد ذلك يقول: "إن الصنعة الخاصة عند جابر هي أنه قد عرف وأكَّد على أهمية التجريب بشكل أوضح من كل من سبقه من الخيميائيين" . جابر بن حيان.. أوَّليات وإنجازات قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كان بعضها معروفًا من قبلُ فطوَّره، وأدخل عملياتٍ جديدة. ومن الوسائل التي استخدمها: التبخُّر، والتقطير ، والتبلُّر ، والتسامي ، والترشيح ، والصَّهر، والتكثيف، والإذابة، ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة؛ فتعرف على أيون الفضة النشادري المعقد. كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية، فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك بالتقطير من الشَّب، وحضَّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك؛ أي ماء الفضة، وكان يسمِّيه الماء المحلل أو ماء النار، وحضَّر حمض الكلوريدريك المسمَّى بروح الملح، وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم، وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسُمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن. وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافة ملح الطعام إلى نترات الفضة، كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضَّر بعض المواد التي تمنع الثياب من البلل؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية. ومن استنتاجاته أن اللهب يُكسِب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة . ويُعزَى إليه أنه أولُ من استعمل الميزان الحساس والأوزان متناهية الدقة في تجاربه المخبرية؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن 1/100 من الرطل. ويُنسَب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاص القاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان في صناعة الزجاج. كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها، ومثَّل على ذلك بكلٍّ من الزئبق والكبريت عندما يتحدان ويكوِّنان مادة جديدة. وقد كان يجري معظم تجاربه في مختبر خاص اكتُشِف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) . مؤلَّفات جابر في مجمل مصنفاته يقول لوبون G. Lebon: "تتألف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيميائية كانت مجهولة قبله" . فقد كان لجابر بن حيان العديد من المؤلفات العلمية، والتي تأثر بها الغرب ونقل عنها، حتى قرر ابن النديم أن له 306 كتابٍ في الكيمياء بأسلوبه الخاص في أنحاء العالم، ورغم أن معظمها قد فُقِد، إلا أنه يوجد منها الآن ثمانون كتابًا محفوظًا في مكتبات الشرق والغرب، وقد تَرْجم معظمَ كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ/ 1144م)، وجيرار الكريموني (ت 583هـ/ 1187م) وغيرهما. ومثَّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التي انطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم . ويُعَدُّ كتاب (السموم ودفع مضارها) أشهر مؤلفات جابر ويقع في خمسة فصول، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم، وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بين الطب والكيمياء. ومن أشهر كتبه أيضًا كتابه (الخواص الكبير)، ونسخته الأصلية موجودة في المتحف البريطاني. وله أيضًا كتاب (التدابير)، وتعني العمل القائم على التجربة، وكتاب (الموازين)، وكتاب (الحديد) وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى، كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق. ومن كتبه أيضًا (نهاية الإتقان) وهو مؤلَّف رائد في الكيمياء، ورسالة (في الأفران). وله أيضًا رسائل عن المرايا، كما ألَّف كتاب (السبعين) الذي يشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل إليها، ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره. وله كذلك كتاب (الرحمة) ألَّفه في الخيمياء وتطرق فيه إلى إمكانية تحويل المعادن إلى ذهب، وكتاب (الجمل العشرون) و(أسرار الكيمياء) و(أصول الكيمياء)، وهذا غير مؤلفات أخرى في الرياضيات والفلسفة والشعر. وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللاتينية مثل كتاب السبعين وكتاب الرحمة، وهناك كتب له باللاتينية لم يتم العثور على أصولها العربية، مثل: (البحث عن الكمال) و(كتاب العهد) و(كتاب الأتون) . ولقد تُرجِمت كتب جابر إلى اللاتينية، وظلَّت المرجع الأوفى للكيمياء زهاء ألف عام، وكانت مؤلَّفاته موضع دراسة مشاهير علماء الغرب، أمثال: كوب، وبرثوليه، وكراوس، وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمة، وبدَّد الشكوك التي أثارها حوله العلماء المغرضون. وأيضًا سارتون الذي أرَّخ به حقبة من الزمن في تاريخ الحضارة الإسلامية، يقول: "ما قدَّر جابر أن الكتب التي ألَّفها لا يمكن أن تكون من وضع رجلٍ عاش في القرن الثاني للهجرة لكثرتها ووفرة ما بها من معلومات" . وهكذا كان علماء المسلمين، وهكذا كانت إبداعاتهم. ونسأل الله عز وجل أن يعيد لأمتنا مجدها وريادتها على سواعد أبنائها الذين يترسمون خُطَا الأجداد. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
إسهامات علماء المسلمين في الطب راغب السرجاني المقصود بعلوم الحياة أو العلوم الكونية يُطْلَق على علوم الحياة تسميات أخرى مثل: العلوم الكونية، العلوم التقنية، العلوم التطبيقية، العلوم التجريبية، وقد آثرتُ تسميتها بعلوم الحياة وذلك في مقابل علوم الشرع؛ لأني أرى أن بها تنصلح الحياة على الأرض، وهي تعني: العلوم النافعة التي يهتدي إليها الناس بعقولهم وتجارِبهم ومشاهداتهم، ويستطيعون من خلالها عمران الأرض وإصلاحها وتسخير إمكانياتها، واستكشاف الكون والبيئة، وهي مثل: علوم الطب، والهندسة، والفلك، والكيمياء، والفيزياء، والجغرافيا، وعلوم الأرض، والنبات، والحيوان، وغير ذلك من العلوم التي تشمل الماديات المبثوثة في الكون، والتي يحتاج إليها البشر في إصلاح حياتهم. ولقد بلغت مكانة علوم الحياة في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، حتى أصبح المسلمون فيها سادة، وقد ملكوا ناصيتها كما ملكوا ناصية العالم، فغدت جامعاتهم مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا من بلادهم لطلب تلك العلوم، وطفق ملوك أوروبا وأمراؤها يَفِدُون إلى بلاد المسلمين ليعالَجوا فيها، وهو ما دعا العلاّمة الفرنسي جوستاف لوبون يتمنى لو أن المسلمين استولوا على فرنسا؛ لتغدو باريس مثل قرطبة في إسبانيا المسلمة[1]"[2].! وقال أيضًا تعبيراً عن عظمة الحضارة العلميَّة في الإسلام: "إن أوروبا مدينة للعرب (المسلمين) بحضارتها"، وفي هذه المقالات نتناول جوانب من إسهامات المسلمين في علوم الحياة، ونبرز عظمة هذه الإسهامات، ومكانة ذاك التغيير الذي أثّر -ولا يزال- في مسيرة الإنسانيَّة. تطوير العلوم المتداولة لا شكَّ أنه كانت هناك علوم كثيرة متداولة قبل المسلمين، ساهمت فيها الحضارات السابقة بآثار طيِّبة، وهو ما اتَّكأ عليه المسلمون -ولهم الفخر في إعلان ذلك والتصريح به- عند بدء نهضتهم وقيام حضارتهم، غير أنهم - وهذا هو المعيار والأساس- لم يقتصروا على مجرَّد النقل عن غيرهم ممن سبقوهم، وإنما توسَّعوا وأضافوا إضافات باهرة من ابتكاراتهم واكتشافاتهم، واستطاعوا أن يسطروا في تلك العلوم التي كانت متداولة قبلهم تاريخًا ناصعًا مشرِّفًا، وهو ما نتبيَّنه ونتلمَّسه من خلال علم الطب. تطور الطب على يد علماء المسلمين يُعدُّ علم الطب من أوسع مجالات العلوم الحياتية التي كان لعلماء المسلمين فيها إسهامات بارزة على مدار عصور حضارتهم الزاهرة، وكانت تلك الإسهامات على نحو غير مسبوق شمولاً وتميُّزًا وتصحيحًا للمسار؛ حتى ليُخيَّل للمطَّلع على هذه الإسهامات الخالدة كأن لم يكن طبٌّ قبل حضارة المسلمين!. ولم يقتصر الإبداع على علاج الأمراض فحسب، بل تعدَّاه إلى تأسيس منهج تجريبي أصيل انعكست آثاره الراقية والرائعة على كافَّة جوانب الممارسة الطبيَّة وقايةً وعلاجًا، أو مرافق وأدوات، أو أبعادًا إنسانية وأخلاقية تحكم الأداء الطبي. وإن روعة الإسهامات الإسلامية في الطبِّ لتتجلَّى في تخريج هذا الحشد من العبقريات الطِّبِّيَّة النادرة، التي كان لها -بَعْدَ الله - سبحانه وتعالى -الفضل الكبير في تحويل مسار الطبِّ إلى اتجاه آخر، تابعت المسير على نهجه أجيالُ الأطباء إلى يوم الناس هذا. الطب النبوي وإن بدايات تلك الصنعة تكمن في أن الإنسان منذ وُجِدَ على ظهر الأرض وهو يهتدي -بإلهام ربِّه- إلى أنواع من التطبيب تتَّفِق مع مستواه العقلي وتطوُّره الإنساني، وكان ذلك النوع من الطبِّ يُعرف بالطبِّ (البدائي) انسجامًا مع المستوى الحضاري للإنسان، ولذلك نجد ابن خلدون يذكر أن: "... للبادية من أهل العمران طبًّا يبنونه في أغلب الأمر على تجربة قاصرة، ويتداولونه متوارثًا عن مشايخ الحيِّ، وربما صحَّ منه شيء، ولكنه ليس على قانون طبيعي"[3]. ولما جاء الإسلام كان للعرب في الجاهلية مثل هذا الطب، فحثَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التداوي فقال - كما روى أسامة بن شريك - رضي الله عنه -: ((تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاِّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الـْهَرَمُ)) [4]، وعُرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التداوي بالعسل، والتمر، والأعشاب الطبيعية، وغيرها مما عُرف بـ "الطب النبوي"". غير أن علماء المسلمين لم يَقِفُوا عند حدود ذلك الطبِّ النبوي، بل أدركوا منذ وقت مبكر أن العلوم الدنيوية -والطبّ أحدها- تحتاج إلى دوام البحث والنظر، والوقوف على ما عند الأمم الأخرى منها؛ وذلك تطبيقًا لهدي الإسلام الدافع دومًا للاستزادة من كل ما هو نافع، والبحث عن الحكمة أنَّى وُجدت.. فنرى أطباء المسلمين يأخذون في التَّعَرُّفِ على الطبِّ اليوناني من خلال البلاد الإسلامية المفتوحة، كما أن الخلفاء بدءوا يستقدمون الأطباء الروم، الذين سرعان ما أخذ عنهم الأطباء المسلمون، ونشطوا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من مؤلَّفات طبية، ولعلَّ هذا يُعْتَبَرُ من أعظم أحداث العصر الأموي. عباقرة علماء المسلمين في الطب أبو بكر الرازي وقد تميَّز علماء الطبِّ المسلمين بأنهم أوَّل مَنْ عَرَفَ التخصُّص؛ فكان منهم: أطباء العيون، ويسمَّون (الكحَّالين)، ومنهم الجراحون، والفاصدون (الحجَّامون)، ومنهم المختصُّون في أمراض النساء، وهكذا. وكان من عمالقة هذا العصر المبهرين أَبو بكر الرازي، والذي يُعْتَبَرُ من أعظم علماء الطبِّ في التاريخ قاطبةً، وله من الإنجازات ما يعجز هذا الكتاب عن ضمِّه! وما كادت عجلة الأيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل فرع من فروع الطبِّ، وصحَّحوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات بعينها، ولم يَقِفُوا عند حَدِّ النقل والترجمة فقط، وإنما واصلوا البحث وصوَّبوا أخطاء السابقين. علي بن عيسى الكحال فقد تطوَّر طبُّ العيون (الكحالة) عند المسلمين، ولم يُطاوِلهم فيه أحدٌ؛ فلا اليونان من قَبْلِهِمْ، ولا اللاتينين المعاصرون لهم، ولا الذين أَتَوْا من بعدهم بقرون بلغوا فيه شَأْوَهم؛ فقد كانت مؤلَّفاتهم فيه الحُجَّة الأُولَى خلال قرون طِوَال، ولا عجب أن كثيرين من المؤلِّفين كادوا يَعْتَبِرُون طبَّ العيون طبًّا عربيًّا، ويُقَرِّر المؤرِّخون أن علي بن عيسى الكحال[5] كان أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى برُمَّتِهَا، ومؤلَّفه (التذكرة) أعظم مؤلَّفَاته[6]. أبو القاسم الزهراوي وإذا طوينا تلك الصفحة المشرقة للرازي وابن عيسى الكحال، فإننا نجد أنفسنا أمام عملاق آخر يُعْتَبَرُ من أعظم الجرَّاحين في التاريخ، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، وهو أبو القاسم الزهراوي (ت 403هـ) الذي تمكّن -كما أشرنا قبل ذلك- من اختراع أُولَى أدوات الجراحة كالمشرط، والمقصِّ الجراحي، كما وَضَع الأُسُسَ والقوانين للجراحة، والتي من أهمِّها ربط الأوعية لمنع نزفها، واخترع خيوط الجراحة، وتمكَّن من إيقاف النزف بالتخثير. وقد كان الزهراوي هو الواضع الأوَّل لعلم (المناظير الجراحية) وذلك باختراعه واستخدامه للمحاقن والمبازل الجراحية، والتي عليها يقوم هذا العلم، وقام بالفعل بتفتيت حصوة المثانة بما يشبه المنظار في الوقت الحاضر، إلى جانب أنه أوَّل مخترع ومستخدم لمنظار المهبل، ويُعْتَبَرُ كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف)، والذي قام بترجمته إلى اللاتينية العالم الإيطالي جيراردو[7] تحت اسم (ALTASRIF)، موسوعة طبية متكاملة لمؤسسي علم الجراحة بأوروبا، وهذا باعترافهم، ولقد حلَّ الجزء الذي تكلَّم فيه الزهراوي عن الجراحة محلَّ كتابات القدماء، وظلَّ العمدةَ في فنِّ الجراحة حتى القرن السادس عشر (أي لما يزيد على خمسة قرون من زمانه)، ويشتمل على صور توضيحية للعديد من آلات الجراحة (أكثر من مائتي آلة جراحية!) كان لها أكبر الأثر فيمن أتى مِنْ بعده من الجرَّاحين الغربيين، وكانت بالغة الأهمية على الأخصِّ بالنسبة لأولئك الذين أصلحوا فنَّ الجراحة في أوروبا في القرن السادس عشر؛ يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالر: "إن جميع الجراحين الأوربيين الذين ظهروا بعد القرن الرابع عشر قد نهلوا واستقوا من هذا المبحث"[8]. ابن سينا وقد برزت شخصيات إسلامية أخرى لامعة في ميدان علم الطب من أمثال ابن سينا (ت 428هـ) الذي استطاع أن يُقَدِّم للإنسانية أعظم الخدمات بما توصَّل إليه من اكتشافات، وما يسَّره الله له من فتوحات طبية جليلة؛ فقد كان أوَّل من اكتشف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن، فهو الذي اكتشف لأوَّل مَرَّة طُفَيْل (الإنكلستوما)، وسمَّاها الدودة المستديرة، وهو بذلك قد سبق العالِم الإيطالي (دوبيني) بنحو 900 سنة، كما أنه أوَّل من وصف الالتهاب السحائي، وأوَّل من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ، والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطبِّ اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي[9]، كما كشف ابن سينا -لأوَّل مَرَّة أيضًا- طُرُقَ العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجُدَرِيِّ والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحيَّة الدقيقة في الماء والجوِّ، وقال: "إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض"[10]. وهو ما أكَّدَهُ (فان ليوتهوك) في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخِّرون من بعده بعد اختراع المجهر. ولهذا فإن ابن سينا يُعَدُّ أوَّل من أرسى (علم الطفيليات) الذي يحتلُّ مرتبة عالية في الطبِّ الحديث؛ فقد وَصَفَ لأوَّل مَرَّة (التهاب السحايا الأولي) وفرَّقه عن (التهاب السحايا الثانوي) -وهو الالتهاب السحائي- وغيره من الأمراض المماثلة، كما تحدَّث عن طريقة استئصال (اللوزتين)، وتناول في آرائه الطبية أنواعًا من السرطانات كسرطان الكبد، والثدي، وأورام العقد الليمفاوية، وغيرها[11]. وكان ابن سينا جرَّاحًا بارعًا؛ فقد قام بعمليات جراحية دقيقة للغاية، مثل استئصال الأورام السرطانية في مراحلها الأولى[12]، وشقّ الحنجرة والقصبة الهوائية، واستئصال الخرَّاج من الغشاء البلوري بالرئة، كما عالج البواسير بطريقة الربط، ووصف -بدقَّة- حالات النواسير البولية، إلى جانب أنه توصَّل إلى طريقة مُبْتَكَرَة لعلاج الناسور الشرجي لا تزال تُسْتَخْدَم حتى الآن!، وتعرَّض لحصاة الكُلَى وشرح كيفية استخراجها والمحاذير التي يجب مراعاتها، كما ذَكَرَ حالات استعمال القسطرة، وكذلك الحالات التي يُحذر استعمالها فيها[13] كما كان له باعٌ كبير في مجال الأمراض التناسلية؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي، والإسقاط، والأورام الليفية، وتحدث عن الأمراض التي يمكن أن تصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يُسَبِّبُه من أورام وحُمِّيَّات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّنِ الرحم قد ينشأ من عُسْرِ الولادة، أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبل، كما تعرَّض أيضًا للذكورة والأنوثة في الجنين، وعَزَاهَا إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أَكَّدَه مؤخَّرًا العلم الحديث[14]. وإلى جانب كل ما سبق كان ابن سينا على دراية واسعة بطبِّ الأسنان، وكان واضحًا دقيقًا في تحديده للغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه، وتحليل المادَّة المؤدية إلى ذلك". ونلاحظ أن المبدأ الأساسي لمداواة الأسنان هو المحافظة عليها، وذلك بإعداد الحفرة إعدادًا فنيًّا ملائمًا، مع رفع الأجزاء النخرة منها، ثم يعمد إلى مَلْئِهَا بالمادَّة الحاشية المناسبة؛ لتعويض الضياع المادِّيِّ الذي تعرَّضَتْ له السِّنُّ؛ ممَّا يُعِيدُهَا بالتالي إلى أداء وظيفتها من جديد[15]. ولم تكن تلك حالات استثنائية للعبقرية الإسلامية في مجال الطبِّ، فقد حفل سجلُّ الأمجاد الحضارية الإسلامية بالعشرات، بل المئات من الروَّاد الذين تتلمذتْ عليهم البشرية قرونًا طويلة. ------------------ [1] جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر (صـ13، 317). [2] السابق ص566. [3] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر 1/650. [4] أبو داود: كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى (3855)، والترمذي (2038)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18477)، والحاكم (8206)، وقال: حديث صحيح. ووافقه الذهبي، والبخاري في الأدب المفرد (291)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (2930). [5] علي بن عيسى الكَحّال: هو علي بن عيسى بن علي الكَحّال (ت 430هـ/1039م)، طبيب حاذق في أمراض العين ومداواتها، وكانوا يسمونها "صناعة الكحل"، اشتهر بكتابه "تذكرة الكحالين". انظر: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء 2/263، والزركلي: الأعلام 4/318. [6] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 2/263. [7] جيراردو دا كريمونا Gerardo da Cremona (1114 - 1187م): مستشرق إيطالي، مولده ووفاته في (كريمونا) من مدن إيطاليا الشمالية، أقام زمنًا في طليطلة (بالأندلس)، فترجم عن العربية إلى اللاتينية أكثر من سبعين كتابًا في مختلف العلوم. [8] جوستاف لوبون: حضارة العرب ص591. [9] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية (ص132ـ، 133). [10] علي بن عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة الإسلامية (صـ298). [11] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية (صـ133)، وانظر: فوزي طوقان: العلوم عند العرب ص17. [12] انظر: محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين (صـ148). [13] انظر: ابن سينا: القانون (3/165). [14] المصدر السابق 2(/586). [15] انظر: ابن سينا: القانون (1/192) |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية د/ جاد أحمد رمضان الحمد للّه الذي هدى المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه اللّه رحمة للعالمين فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وعبد ربه حتى أتاه اليقين. أما بعد فإنه في الوقت الذي كان المسلمون ينعمون فيه بظل الحضارة الإسلامية التي أفاضت عليهم كل أنواع الخير ووقتهم مفاسد الشر وأبعدتهم عن مواقع الفتن، في هذا الوقت الذي كان فيه المسلمون كذلك، كان أهل أوروبا يعيشون في جهالة جهلاء وضلالة عمياء بعيدين كل البعد عن كل مظاهر التقدم الحضاري. ومنذ العقد الأخير من القرن الأول الهجري بدأ شعاع الحضارة الإسلامية يصل إلى أوروبا عن طريق الأندلس، ثم عن طريق صقلية وكذلك عن طريق الحروب الصليبية، ومن قبل تلك الحروب، عن طريق السفارات بين دول أوروبا وبين دول المسلمين، في الشرق والغرب. ولم يكن تأثير هذا الإشعاع الحضاري متساويا في الدرجة بل كان بعضه أكثر تأثيرا من الآخر فالأندلس كانت أسبق مصادر الإشعاع وأكبرها تأثيرا، ثم تلتها في الأهمية صقلية ثم تأتي بعد ذلك الحـروب الصليبية ثم الاتصالات السياسية والتجارية بين الدول الإسلامية والدول الأوروبية. الأندلس مصدر الإشعاع الأول عبر المسلمون إلى الأندلس في العقد الأخير من القرن الأول الهجري وواصلوا فتوحهم في أوروبا حتى استولوا على شبه جزيرة أيبريا وجنوب فـرنسا ثم استمروا في فتوحهم حتى استولوا على جزر البحر الأبيض المتوسط وجنوب إيطاليا ونشروا دينهم فيما فتحوه من البلاد. وكانت أوروبا -في ذلك الوقت- خلوا من كل مظاهر الحضارة بعد أن تمكنت القبائل المتبربرة من القضاء على الدولة الرومانية الغربية واحتلال الأقاليم التي كانت تخضع لحكمها. وعلى الرغم من أن هذه القبائل دانت بالمسيحية، فإنها لم تتقدم تقدما حضاريا يستحق الذكـر؛ بسبب تولى مجيء موجات جديدة منهم، وغلبة الروح العسكري عليهم، وقلة المرونة العقلية لديهم؛ مما جعلهم متخلفين عن ركب الحضارة والمدنية يعيشون في ظلام الجهالة والهمجية. وقد نشر المسلمون في كل بقعة دخلوها من أوروبا لواء الأمن ونور المعرفة، وأقاموا فيها قواعد حكم عادل، يسوي بين الجميع في المعاملة، ويكفل الحرية لكل فرد في المجتمع، ويعمل للصالح العام ويمقت الأنانية والانتهازية. وتاريخ أسبانيا العربية المسلمة صحيفة مشرقة من صحائف التاريخ الإنساني، وسجل حافل بالأمجاد، ذاخر بمختلف نواحي الحضارة، التي كانت مركز إشعاع هائل للحضارة الأوروبية. وقد كان المجتمع في الأندلس بعد الفتح الإسلام يتألف من العرب الفاتحين، ومن الأسبان الذين اعتنقوا الإسلام، وقد عرفوا باسم "المسالمة"، ومن الأسبان الذين استمروا على المسيحية، وقد أطلق عليهم اسم "العجم"، وأصبحوا أهل ذمة يدفعون الجزية للمسلمين، ويعيشون آمنين في وطنهم، ويتمتعون بالحرية الدينية والتسامح الذي امتاز به المسلمون في معاملتهم لمخالفهم في الدين. وكان من بين هؤلاء جماعة عاشروا العرب، وتعلموا لغتهم، ودرسوا علومهم وقلدوهم في عاداتهم، وأسلوب معيشتهم، وأطلق على هذه الطائفة اسم "المستعربين" [1] وعن طريق هؤلاء الذين جمعوا بين معرفة اللغة العربية واللغة اللاتينية الحديثة نقلت حضارة العرب إلى الإمارات الشمالية في شبه جزيرة أيبريا، التي اتخذها المسيحيون معقلا لهم واعتصموا بجبالها ولم يدخلوا في طاعة المسلمين. وبعد جيل من الفتح تكوَّن من المسلمين العرب والأسبان عنصرٌ جديدٌ عرف "بالمولدين" وهم الذين ولدوا من آباء عرب وأمهات أسبانيات، وعلى مرّ الزمن كثر عدد هؤلاء حتى أصبحوا يكونون أغلب سكان الأندلس. وقد وصلت الحضارة العربية في الأندلسي إلى درجة عالية من الازدهار، وبخاصة في القرن الرابع الهجري؛ حيث كانت مدينة قرطبة العاصمة تضم مائة وثلاثة عشر ألف مسكن وواحد وعشرين ضاحية، وكان بها سبعون دارا للكتب، وعدد لا يحصى كثرة من الحوانيت كما كان بها كثير من المساجد، وكان أغلب شوارعها مرصوفا ومضاءة [2] وكانت بقية المدن صورة مصغرة من العاصمة. وفي محيط الزراعة غرس العرب الكروم في بلاد الأندلس، وأدخلوا إليها كثيرا من النباتات والفواكه التي لم تكن بها، مثل الأرز والقمح وقصب السكر والمشمش والخوخ والبرتقال والرمان، وقد حفر المسلمون الترع والقنوات، ونظموا وسائل الري وكان الرقى الزراعي أحد مفاخر أسبانيا الإسلامية [3]. وفي ميدان الصناعة ازدهرت صناعة النسيج والزجاج والنحاس والخزف والسيوف، وكثر استخراج الذهب والفضة والحديد والرصاص، وغيره من المعادن [4]. وكان ما تنتجه الأندلسي من مزروعات وفواكه ومصنوعات يفيض عن حاجة سكانها. ولقد ازدهرت الحياة الثقافية في الأندلس وبخاصة في عهد الحكم الثاني (350- 366 ﻫ) وكانت جامعة قرطبة التي أنشأها والده عبد الرحمن الناصر في المسجد الجامع يفد إليها الطلاب من جميع أنحاء الأندلس، ومن أفريقيا وأوروبا، وقد استدعى الحكم بعض الأساتذة المشهورين من الشرق ليحاضروا فيها، ومن بينهم العالم اللغوي المشهور أبو على القالي مؤلف كتاب الامالي [5] وكان المؤرخ الأندلسي ابن القوطية يدرس النحو بها. وكان الحكم مغرما باقتناء الكتب؛ فكان يكلف رجاله بالبحث عن المخطوطات في حوانيت الإسكندرية ودمشق وبغداد، وشرائها ونسخها، وبهذه الطريقة تمكن من جمع أربعمائة ألف مجلد [6] وكان يطالع بنفسه على بعض هذه المخطوطات ويكتب ملاحظات في هوامشها مما جعل لها قيمة كبيرة في نظر العلماء المتأخرين. وقد أراد أن يحصل على النسخة الأولى لكتاب الأغاني التي كتبها أبو الفرج الأصفهاني بنفسه- وهو من سلالة الأمويين- وكان يقيم إذ ذاك بالعراق فبعث إليه بألف دينار ثمنا لها [7]. وكان المسيحيون الأسبان الذين هاجروا إلى كثير من بلاد أوروبا قد أشادوا بالعرب وشرائعهم، وحضارتهم، وثقافتهم، وبالعمران الذي عم البلاد الأسبانية على أيديهم؛ فنشروا بذلك- من حيث لا يقصدون- دعاية طيبة للمسلمين في أوربا ونبهوا أذهان أهلها إلى النهضة الحضارية التي قام بها المسلمون في أسبانيا. وكان هؤلاء المهاجرون قد تسرعوا في هجرتهم خوفا على أنفسهم من بطش المسلمين بهم، من غير أن ينتظروا ما سيكون منهم، ولكنهم لم يلبثوا أن ندموا على هجر بلادهم حين علموا من مواطنيهم الذين لم يهاجروا مثلهم أن المسلمين يحسنون جوارهم ويطلقون لهم الحرية في أداء شعائر دينهم، ويعاملونهم بالحسنى وينشرون العدل والأمن في سائر البلاد وأنهم حولوا أسبانيا إلى مروج خضراء وجنات فيحاء [8]. هذه الدعاية غير المقصودة التي نشرها المهاجرون الأسبان، في أكثر بقاع أوروبا جعلت أهلها يتطلعون للوقوف على هذه النهضة الحضارية، التي وصلت أخبارها إليهم وكان أسبق الأوربيين إلى ذلك الملك فيليب البافاري؛ حيث بعث إلى الأندلس يرجو الأمير الأموي هشاما الأول (172- 180 هـ) يرجوه أن يسمح له بإيفاد بعثة إلى قرطبة لدراسة أنظمة الأندلس وثقافتها، ومشاهدة أوجه النشاط بها، فقبل الأمير رجاءه وأرسل الملك الجرماني وفداً إلى الأندلس برئاسة وزيره الأول " ويلميبن " الذي أطلق عليه الأندلسيون اسم " وليم الأمين " لأنه تحرى الأمانة في نقل ما رأوه من مظاهر نهضة بلادهم إلى الملك. وقد أشار الوزير على الملك بالاستمرار في إرسال البعثات العلمية لاقتباس ما يفيد البلاد من فنون الحضارة العربية [9]. وقد توالت البعثات على الأندلس بعد ذلك، وفي أوائل القرن الخامس الهجري أرسل جورج الثاني ملك إنجلترا ابنة أخيه الأميرة "دوبانت "، على رأس بعثة من ثمان عشرة فتاة، من بنات الأمراء والأعيان، إلى أشبيلية بمرافقة النبيل " سفليك " رئيس موظفي القصر الملكي، وأرسل معه كتابا إلى الخليفة هشام الثالث آخر الخلفاء الأمويين بالأندلس جاء فيه بعد الديباجة: " وقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم، والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل؛ لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد أرسلنا ابنة شقيقتنا الأميرة " دوبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز؛ لتتشرف بلثم أهداب العرش؛ والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم؛ وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص من خادمكم المطيع: جورج. وقد ردّ الخليفة هشام الثالث على ملك إنجلترا برسالة جاء فيها: " لقد اطلعت على التماسكم فوافقت- بعد استشارة من يعنيهم الأمر- على طلبكم وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابلة أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهى من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على اتفاقنا ومحبتنا والسلام- خليفة رسول اللّه على ديار الأندلس: هشام. وفي عهد ملوك الطوائف في الأندلس كانت توفد إلى معاهد غرناطة، وأشبيلية، وغيرهما بعثات من فرنسا، وإيطاليا، والأراضي الواطئة؛ لتنهل من الحضارة العربية، وكان طلاب هذه البعثات يعجبون بالحياة العربية وتقاليدها وثقافتها حتى أن بعضهم اعتنق الإسلام وفضل البقاء بالأندلس ولم يعد إلى بلاده [10]. وكانت مدينة طليطلة بعد سقوطها في أيدي المسيحيين سنة 487 هـ المركز الرئيسي لحركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وقد أنشأ " ريموند " رئيس أساقفتها مكتبا للترجمة، وكان المستعربون من أهل الأندلس أكبر المساهمين في حركة الترجمة ومن أشهرهم " دومونيقوس جوند يسا لفى " و " بطرس الفونسى " و "حنا الأشبيلى " وغيرهم[11] وقد ترتب على هذه الحركة وجود ثورة علمية وفكرية هائلة في غرب أوروبا؛ ذلك لأن المعارف الجديدة التي نقلت من العربية إلى اللاتينية أضاعت أمام الأوربيين طريق الحياة, وبددت ضباب الجهالة الذي حجب عنهم رؤية الحضارة وأيقظتهم من سباتهم العميق ونبهتهم من غفلتهم الطويلة فأقبلوا على دراسة الحضارة الإسلامية بشغف بالغ ونهم شديد[12]. ففي علم الحساب مثلا عرفوا نظام الأعداد الهندية عن العرب، وهو النظام الذي تتغير فيه قيمة الـرقم بنقله من خانة الآحاد إلى خانة العشرات أو المئات أو الآلاف وما بعدها استعملوه في عملياتهم الحسابية بدل الأرقام الرومانية التي كانت عملياتها الحسابية تتطلب منهم وقتا طويلا . ومن المرجح أن البابا "سلفتر " الثاني الذي قضى سنوات عديدة في شمال إسبانيا كان من أوائل الأوروبيين الذين نقلوا نظام الأعداد العربي إلى الغرب، هذا بالإضافة إلى تشجيعه على ترجمة كثير من المؤلفات العربية إلى اللاتينية. وبخاصة ما يتعلق منها بعلم الجغرافيا. وقد عرف الأوروبيون علم الجبر- لأول مرة- عن العرب، كما نقلوا عنهم علوم الهندسة والفلكَ والطبيعة والكيمياء والطب والفلسفة، وكثيرا من أنواع فـروع المعرفة المختلفة. وقد سلكت الفنون الإسلامية سبيلها إلى أوربا عن طريق الأندلس، كذلك، مثل صناعة الخزف والنسيج، والتعدين، وصناعة المعادن، والنجارة، والتطعيم بالعاج وغيرها من الصناعات [13]. ومن هذا العرض السريع نتبين أهمية الدور الذي قامت به الأندلس في نقل الحضارة الإسلامية إلى ربوع أوربا، فكانت أساس نهضتها في العصور الحديثة، وسببا في تنعم به الآن من حياة مرفهة وثـراء وفير، وما تفخر به من تفوق في العلوم والفنون. صقلية مصدر الشعاع الثاني حاول المسلمون فتح جزيرة صقلية منذ عهد معاوية بن أبى سفيان فقد أرسل و اليه على مصر وأفريقية (معاويةُ بن حديج) جيشا بقيادة عبد الله بن قشر الغزاوي؛ لغزوها ولكن ابن قشر لم يتمكن من ذلك ثم تجددت المحاولة عدة مرات، ولكن أقدام المسلمين لم تثبت في هذه الجزيرة إلا في أوائل القرن الثالث الهجري حيث ابتدأ فتحها سنة 313 هـ زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب الذي كان والي على إفريقية من قبل الخليفة المأمون العباسي. وكان سبب فتحها أن إمبراطور الدولة البيزنطية " ميخائيل الثاني" ولى عليها "قسطنطين البطريق"، فأرسل الأمير القائد قسطنطين "بوفيموس" على رأس أسطول نهب ساحل أفريقية، ولكن الإمبراطور غضب على هذا القائد، لما بلغه من أنه اختطف راهبة من أحد الأديرة هناك،؛ ففر القائد إلى مدينة "سرقوسة" الواقعة على ساحل صقلية الشرقي، وأعلن الثورة على حاكم الجزيرة، غير أنه رأى أن لا طاقة له على مقاومة جيوش الإمبراطور وأساطيله، فلجأ إلى زيادة الله بن الأغلب أمير أفريقية، وأغراه بغزو صقلية وهوّن عليه فتحها فجهز الأمير الأغلبي جيشا وأسطولا يتألف من مائة سفينة بقيادة أسد بن الفرات قاضى القيروان وسيره لفتحها ([14]) . وقد لقي المسلمون صعوبات كثيرة في فتحها ولم يتمكنوا من الاستيلاء عليها جميعها إلا في عهد إبراهيم الثاني الأغلبي سنة 364 هـ، وقد ظلت صقلية تابعة لدولة الأغالبة حتى سقطت هذه الدولة على أيدي الفاطميين سنة 396 هـ، فدخلت صقلية في حوزتهم ولكن العرب الذين كانوا يستوطنونها أعلنوا الثورة على الفاطميين، بزعامة أحمد بن قرهب بعد أربع سنوات من حكمهم اعترفوا بسيادة الدولة العباسية [15] . غير أن الفاطميين تمكنوا من إخضاع الثورة، وإعادة سيطرتهم على الجزيرة، واتخذوها قاعدة حربية لأسطولهم يشنون منها الغارات على جنوب إيطاليا، وبخاصة مدينة جنوة التي تكررت غاراتهم عليها. وقد عيّن الخليفة المنصور (ثالث خلفاء الفاطميين) الحسن بن علي بن الكلبي واليا على صقلية فوضع الحسن أساس حكومة شبه مستقلة في صقلية يتوارثها أبناؤه من بعده وفي عهد هذه الأسرة بذرت بذور الثقافة العربية، وأخذت تنمو وتزدهر على مرّ الأيام في تلك الجزيرة. ولم يتدخل العرب في الشئون الداخلية لأهل الجزيرة، بل تركوا لهم الحرية التامة في مزاولة عاداتهم وتقاليدهم، وفي أداء شعائر دينهم، واكتفوا بجباية جزية قليلة ممن لم يعتنق الإسلام منهمن، وكان مقدارها أقل بكثير من الضرائب التي كان الرومان يفرضونها عليهم، وقد أعفوا من هذه الجزية الرهبان والفقراء والنساء والأطفال والشيوخ، ولم يتعرضوا لكنائسهم بسوء. وقد اهتم العرب بالزراعة، وأدخلوا في الجزيرة العربية زراعة قصب السكر والكتان والزيتون، وكثيرا من النباتات، وأشجار الفاكهة التي لم تكن موجودة بها من قبل، وقد ساعد خصب تربة الجزيرة على نمو زراعتها وجودة فواكهها؛ فتوفرت حاصلاتها، وكثرت مواردها. وقد مرّ الرحالة ابن جبير بها سنة 580 هـ بعد ست وتسعين سنة من انتهاء حكم العرب بها، فأعجب بأشجار الفاكهة فيها، واسترعى انتباهه ما شاهده من جودة كرومها [16]. ولم يكن اهتمام العرب في صقلية بالصناعة أقل من اهتمامهم بالزراعة، فقد أنشأوا مصانع للورق، ومصانع للنسيج، واستخرجوا الذهب والفضة، والحديد والرصاص والنوشادر من مناجمها، وتفننوا في صناعة الأواني النحاسية وصناعة النجارة والتطعيم بالعاج وصناعة الرخام والفسيفساء وغيرها وشيدوا المساجد الفخمة والقصور الجميلة. وقد ساعدت موارد الجزيرة الفنية، كما ساعد اشتغال العرب بالتجارة على زيادة ثروتهم؛ فعاشوا عيشة مرفهة، ومضوا منازلهم بالأثاث الفاخر، وفرشوها بأحسن أنواع السجاد، وتزينوا بأغلى أنواع الثياب، ولبست نساؤهم ثياب الحرير الموشى بالذهب وانتعلن الأخفاف المذهبة وتزيّن بالذهب والجواهر. ومنذ أوائل القرن الرابع الهجري أخذ البيزنطيون يكثرون من الغارات على الجزيرة فشغل ولاتها من قبل الفاطميين بعد هذه الغارات، وفي الوقت نفسه، قامت اضطرابات بين العرب أنفسهم داخل صقلية؛ فأدى ذلك إلى ضعفهم وعجزهم عن الدفاع عن الجزيرة، ولم يكن في وسع الفاطميين بالقاهرة أن يمدوهم بالجيوش لاضطراب الأمور فيها، فانتهز النورمانديون هذه الفرصة وأخذوا يستولون على ثغور الجزيرة ومدنها الواحدة تلو الأخرى حتى تم للملك "روجر الأول" الاستيلاء على جميع نواحي الجزيرة سنة 483 هـ وبذلك انتهى حكم العرب فيها بعد أن استمر مائتين وعشرين عاما [17]. ولم يكن استيلاء النورمانديين على الجزيرة آخر عهد العرب بها، بل ظلوا بعد زوال الحكم العربي يقيمون فيها، وقد اعتمد حكامها النورمانديون على العناصر العربية في الشئون السياسية، والاقتصادية؛ لأنهم كانوا على جانب كبير من الخبرة والحضارة والرقي، كما كانوا عناصر نشيطة ومنتجة. وكان "روجر الثاني" يرتدى الملابس العربية ويطرز رداءه بحـروف عربية وقد نقش على سقف كنيسته التي بناها في مدينة "بارمو" نقوشا بالخط الكوفي. وكان الإدريس الجغرافي الرحالة، وأعظم رسامي الخرائط، محببا إليه مقربا عنده، وقد شجعه الملك على بحوثه الجغرافية وقدم له كل مساعدة وبذل له من المال ما مكنه من إرسال الرسل إلى كثير من الأقاليم؛ لإمداده بالمعلومات الجغرافية عنها. وكذلك كان الملك "وليم" بن الملك روجـر الثاني وحفيد الملك روجر الأول يعتمد على العرب فيقربهم إليه ويثق فيهم، وقد عبر عن ذلك شاهد عيان هو الرحالة بن جبير في حديث له عن الملك بقوله: "لا.... إنه عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين، وإنه لكثير الثقة بهم، وساكن إليهم في أحواله، والمهم من أشغاله، وله منهم الأطباء، والمنجمون وهو شديد الحرص عليهم" [18] . وكان الإمبراطور "فردريك الثاني" الذي ورث عرش الإمبراطورية الرومانية المقدسة عن أبيه الألماني، كما ورث عرش صقلية عن أمه الإيطالية، كان قد ولد بصقلية وتربى بها، وتعلم فيها؛ فنشأ محبا للعلوم العربية وكان يحسن التكلم باللغة العربية. وقد أفاض المؤرخون العرب والأوربيون في وصف حبه للمسلمين، وإعجابه بعلومهم، وحضارتهم، وأخلاقهم، وتقريبه لهم واستخدامهم في حاشيته حتى أن الموذنين المسلمين كانوا يؤذنون عند موعد كل صلاة في معسكره [19] . وقد قامت بين الإمبراطور "فرديك الثاني" وبين السلطان الأيوبي الكامل محمد بن آخي صلاح الدين صداقة متينة، وكانا يتبادلان السفارات والهدايا. فتذكر المصادر التاريخية أن السلطان الكامل أرسل هدية إلى الإمبراطور، كان من بينها زرافة كانت أول زرافة دخلت أوربا، وأن الأشراف الأيوبي صاحب دمشق أرسل إليه جهازا عجيبا للكواكب في صدر تمثل الشمس والقمر، وتحدد الساعات في مداراتهما، وأن الإمبراطور أرسل هدايا لكل من الكامل والأشرف منها دب أبيض وطاووس أبيض أعجبا أهل القاهرة ودمشق، كما أعجبت الزرافة وجهاز الكواكب أهل صقلية [20] وقد استمرت الصداقة قائمة بين "فردريك الثاني" وسلاطين مصر بعد وفاة السلطان الكامل سنة 635 هـ؛ يدلّ على ذلك ما أشارت إليه المراجع التاريخية من أن الإمبراطور حذر الصالح نجم الدين أيوب عندما علم بنية ملك فرنسا "لويس التاسع" القيام بالحملة الصليبية السابعة ضد مصر سنة 647 هـ حيث أرسل إليه- وهو بدمشق- رسولا تظاهر بأنه تاجر، وأسرّ إليه بأن لويس التاسع يعتزم توجيه حملة إلى مصر؛ للاستيلاء عليها، فأسرع الصالح بالعودة إلى مصر للدفاع عنها [21] . وقد ظل العرب يحتفظون بضياعهم وأموالهم ومتاجرهم ومصانعهم في الجزيرة، ويزاولون نشاطهم الزراعي والتجاري والصناعي بحرية تامة، كما ظلت اللغة العربية شائعة في الجزيرة، وكان ملوك النورماند يحسنون التكلم بها ويطربون لأدبها وشعرها. ويظهر أن استعمالها استمر إلى أواخر القرن التاسع الهجري؛ ويؤيد ذلك شواهد القبور التي عثر عليها علماء الآثار حديثا سواء كانت قبور مسلمين أم قبور مسيحيين. وقد ترك العرب في جزيرة صقلية كثيرا من عاداتهم وتقاليدهم، التي لا تزال باقية حتى الآن، كما تركوا ألفاظا عربية كثيرة في اللغة الصقلية والإيطالية. ولا تزال مدن كثيرة في الجزيرة تحمل أسماء عربية. وفي مدينة بارمو مبنيان عظيمان من مباني العرب أحدهما قلعة العزيزة والآخر قصر القبة. ومما تقدم يتبين أن الحضارة الإسلامية ازدهرت في الجزيرة نحو ستة قرون من الزمن وقد خرّجت صقلية العربية عددا غير قليل من المحدثين والفقهاء والنحويين والأدباء والمؤرخين والجغرافيين والأطباء والفلاسفة. نذكر منهم على سبيل المثال أسد الدين بن الحارث، صاحب كتاب الأسديات في الفقه، والقاضي ميمون بن عمر، وابن حمد يس الصقلي الشاعر المبدع، والشريف الإدريسي الجغرافي المحقق، والحسن بن يحي المعروف بابن الخزاز صاحب تاريخ صقلية، وعيسى بن عبد المنعم، وكان من أهل العلم بالهندسة والنجوم والحكمة، وأبو عبد الله الصقلي الفيلسوف وغيرهم كثير. وقد أنشأ العرب في مدينة بالرمو، عاصمة صقلية، أول مدرسة للطب في أوربا، وعن طريقها انتشر الطب في إيطاليا، وسائر أرجاء القارة. إذن كانت جزيرة صقلية مركز إشعاع للحضارة الإسلامية العربية، أفادت منه أوربا أعظم الفائدة؛ لأن الجزيرة كانت على صلة وثيقة بالعالم الإسلامي، وبخاصة ما يقع منه على شواطئ البحر المتوسط؛ مثل الشام، ومصر وبلاد المغرب، وكانت البلاد الإسلامية في العصر الوسطى وطنا عاما للمسلمين لا فرق بين مشرقي ومغربي. فلم تكن هناك قيود على انتقال العلماء من بلد إسلامي إلى بلد آخر فكثرت تنقلاتهم، وساعد هذا على تبادل الآراء وانتقالها من جهة إلى جهة فلم تكن حضارة المسلمين في صقلية من صنع أهلها وحدهم بل كانت حضارة إسلامية شاملة لنتاجها ونتاج العالم الإسلامي كله ومن هناك ترجمت وتسربت إلى جميع أصقاع أوروبا. لذلك لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن صقلية ساهمت في تحضير أوروبا وتنويرها بنصيب يقرب من نصيب الأندلس، ولكنه يقّل عنه لأن رقعتها أضيق بكثير من رقعة الأندلس ولأن عدد من أنجبتهم من العلماء لم يصل في شهرته العلمية إلى ما وصل إليه علماء الأندلس. وهذا لا يغض من قيمة الدور الذي قامت به صقلية في إمداد أوروبا بكل مظاهر الحضارة ما كان منها من صنع العرب الذين استوطنوها أو مما نقلوه عن غيرهم من الدول الإسلامية الأخرى. يتبع |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية د/ جاد أحمد رمضان دور الحروب الصليبية في نقل الحضارة الإسلامية في أواخر القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) خرجت جموع من المسيحيين الأوروبيين مختلفي النزعات والأغراض لغزو الشرق الإسلامي. والأسباب التي دفعت هؤلاء إلى شنّ تلك الحروب التي عرفت في التاريخ باسم "الحروب الصليبية" نسبة إلى الصليب -الذي اتخذه المحاربون شعارًا لهم- أسبابٌ غير واضحة، تختلف باختلاف الطوائف التي اشتركت فيها. ويمكننا أن نعتبر رغبة القبائل القيوتونية في الهجرة، وحبهم للمخاطرة من بين تلك الأسباب، كما لا نستبعد أن يكون هدم الخليفة الفاطمي (الحاكم بأمر الله) لكنيسة القيامة في أواخر القرن الرابع الهجري من بين الأسباب البعيدة لهذه الحروب[22]. أما ادعاء الحجاج المسيحيين أنهم كانوا يلقون مصاعب في أثناء اجتيازهم أسيا الصغرى الإسلامية، وهم في طريقهم إلى بيت المقدس، أو أنهم كانوا يتعرضون لمضايقات من جانب المسلمين في أثناء حجهم، فليس له ما يبرره؛ لأن تعاليم الإسلام كفلت لأهل الأديان الأخرى الحرية التامة في مزاولة شعائر دينهم، ونهت عن التعرض لهم بسوء ماداموا مسالمين ولا نظن أن مسلمي هذا العصر كانوا يجهلون ذلك. ولئن سلمنا حدوث بعض مضايقات، فإن ذلك لا يعدو أن يكون حوادث فردية صدرت من بعض جهلة المسلمين، وحتـما على فرض صدورها، فإنها لا تقتضي هذه الضجة الكبرى التي أثارها الغرب ضد المسلمين ولا تستلزم سفك ما سفك من دماء في هذه الحروب التي استمرت نحو قرنين من الزمن. وكان الراهب بطرس الناسك الذي حج إلى بيت المقدس، وعزّ عليه أن يراه مِلكا للمسلمين، وهو المكان الذي يقدسه المسيحيون؛ كان هذا الراهب هو الذي روّج تلك الإشاعات. على أن السبب المباشر لتلك المأساة التي ذهب ضحيتها عدد من البشر هو استنجاد الإمبراطور "ألكسيوس كمنينوس" إمبراطور الدولة البيزنطية بالبابا "إربان الثاني" بطريك الكنيسة الغربية بعد هزيمة البيزنطيين أمام السلاجقة في موقعة "ملاذكر" في أواخر سنة 462 هـ [23]، وكان هذا الاستنجاد بعد الموقعة بأكثر من عشرين سنة ولكنه صادف هوى في نفس البابا الذي كان يطمع في ضم الكنيسة الشرقية إلى الكنيسة الغربية فأثار تلك الضجة العالمية التي تعتبر من أهم أحداث التاريخ العالمي. وفي العام التالي لهذا الاستنجاد ألقى البابا خطبة في مدينة "كليرمنت" في الجنوب الشرقي لفرنسا حثّ فيها المؤمنين من النصارى على أن "يسلكوا سبيلهم إلى القبر المقدس ويأخذوه عنوة من ذلك الشعب الملعون ويخضعوه لأنفسهم"[24]، ولقد أشعلت هذه الخطبة جذوة الحماس في نفوس الجماهير المسيحية شريفهم ووضيعهم على السواء، وبلغ عدد المتطوعين لهذه الحرب مائة وخمسين ألفا من النورماندبين والفرنج. ولم يكن الحماس الديني وحده هو الذي دفع هذه الجماهير إلى شنّ الغارة على الشرق بل إن كثيرا من الأمراء- ومن بينهم "بوهيمند"_ خرجوا استجابة لأطماعهم في تكوين إمارات لهم في الشرق الأوسط، كما كانت المصالح الاقتصادية هدف تجار البندقية وبيزة وجنوة. وقد نجح الصليبيون في تكوين أربع إمارات لهم في الشرق وهى إمارة الرها وإمارة أنطاكيا وإمارة طرابلس وإمارة بيت المقدس وسميت هذه الإمارات مملكة بيت المقدس حيث كان أمير بيت المقدس يتوج ملكا لهذه المملكة، وإن كان كل أمير مستقلا داخليا في إمارته. وكان الاعتداء الصليبي على الشرق سببا في ظهور قوى إسلامية فتية؛ فقد تحمس الأبطال المسلمون لاسترداد بلادهم المغتصبة، وتمكن البطل عماد الدين زنكي من استرداد إمارة الرها أول أمارة أنشأها الصليبيون في الشرق، وأهم إماراتهم وقد تم له ذلك سنة 539 هـ [25] . ثم جاء بعده ابنه السلطان نور الدين محمود (541- 569 هـ) فوحّد بلاد الشام تحت حكمه وضم إليها مصر، ولم يتمكن الصليبيون في عهده من إضافة شبر واحد إلى ممتلكاتهم في الشرق، بل انتزع السلطان من أيديهم كثيرا من البلاد التي كانوا قد احتلوها قبل أن يتنبه المسلمون لخطرهم، وحمل لواء الجهاد في عهده ومن بعده السلطان صلاح الدين الأيوبي (567- 589 هـ) فانتزع بيت المقدس من أيدي الصليبيين سنة 583 هـ [26]. ثم أخذ سلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم ينتزعون المدن الإسلامية من أيدي هؤلاء المغتصبين مدينة بعد أخرى حتى انتزع السلطان المملوكي الأشراف خليل (689-693 هـ) مدينة عكا أخر معقل لهم في الشرق سنة 692 هـ [27] وبذلك قضى على مملكة الصليبيين القضاء الأخير. وكان الأثر الحضاري لهذه الحروب فنيا وصناعيا وتجاريا أكثر منه علميا أو أدبيا؛ فقد كان الأوروبيون الذين أقاموا في الشام في الإمارات التي أنشئوها يعيشون داخل حصون وسكنات عسكرية، وكان اتصالهم بالزراع الوطنيين والصناع أكثر من اتصالهم بالطبقة المثقفة. على أنهم مع ذلك استفادوا علميا، وإن كانت استفادة محدودة فقد نقل أحد علماء مدينة بيزة الكتاب الطبي المشهور "كامل الصناعة الطبية" لعلي بن العباس المعروف بالمجوسي نسبة إلى أحد أجداده الذي كان يدين بالمجوسية قبل أن يعتنق الإسلام وترجم فيليب الطرابلسي مخطوطا عربيا في الفلسفة والأخلاق يسمى "سر الأسرار" يقال إن أرسطو ألفه لتلميذه الإسكندر المقدوني. كما كان من أثر الحروب الصليبية العلمي اهتمام الأوروبيين بتعلم اللغة العربية؛ لأنهم وقد فشلوا في نشر الديانة المسيحية بحدّ السيف رأوا أن تعلم اللغة العربية يمكنهم من التخاطب مع الشرقيين ونشر المسيحية بينهم باللين والإغراء [28]. على أن إنشاء المستشفيات ومعالجة المرضى فيها لم يعرف في أوروبا قبل الحروب الصليبية؛ مما يرجح أن هذا النظام منقول عن الشرق الإسلامي، بعد أن شاهد الأوروبيون المستشفيات فيه أثناء الحروب الصليبية، كما يرجح أيضا أن نظام الحمامات العامة الذي انتقل إلى أوروبا بعد الحروب الصليبية منقول كذلك بواسطتها. وقد كان أثر الحروب الصليبية في نقل الفنون الحربية إلى أوروبا واضحا؛ فقد تعلم الصليبيون من المسلمين استخدام حمام الزاجل في نقل الأخبار الحربية [29] كما اقتبسوا منهم الاحتفال بالانتصارات بإشعال النيران، ولعبة الفروسية المعروفة باسم "الجريد"، وكذلك نقلوا عنهم اتخاذ الشعارات ونقشها على الأسلحة والخوذات، وكان اتخاذ الشعارات معروفا عند المسلمين، فقد كان صلاح الدين يلبس خوذة عليها رسم النسر، وكانت خوذة الظاهر بيبرس على شكل أسد كخوذة ابن طولون من قبل، ولم يكن ذلك معروفا في أوروبا قبل الحروب الصليبية. وفي مجال الزراعة والصناعة والتجارة نقل الصليبيون العائدون إلى أوروبا كثيرا من النباتات وأشجار الفواكه مثل السمسم والبصل والأرز والبطيخ والبرقوق والليمون، كما حملوا معهم حين عودتهم البسط والسجاجيد والمنسوجات، وبدأت تظهر في أوروبا مصانع الآنية والبسط والأقمشة تقليدا للمنتجات الشرقية، ووجدت سوق أوروبية جديدة للمنتجات الزراعية الشرقية، والسلع الصناعية مما ساعد على نشاط التجارة الدولية التي كانت قد ركدت منذ سقوط الدولة الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي [30]. السفارات بين دول أوروبا والدول الإسـلامية حدثت اتصالات بين دول أوروبا والدول الإسلامية في العصور الوسطى كان لها أثر- ولو ضئيل- في نقل حضارة المسلمين إلى أوروبا. فيحدثنا التاريخ أنه عندما يئس الخليفة أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء العباسيين من مدّ سلطانه إلى بلاد الأندلس التي أَسس فيها الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام إمارة أموية. عندما يئس أبو جعفر من التغلب على هذا الأمير بالقوة لجأ إلى سلاح سياسي يستعين به على الوصول إلى غرضه فأراد التحالف مع "ببن" ملك الفرنجة على طرد الأمويين من الأندلس. وقد مهد أبو جعفر لذلك بإرسال سفارة إلى "ببن" وجرت مفاوضات بين رسل الخليفة وبين ملك الفرنجة حول الغرض الذي جاءوا من أجله، ثم عادوا إلى بغداد يصحبهم سفراء من الفرنجة ليتفاوضوا مع أبى جعفر في التحالف مع دولة الفرنجة على سحق الدولة البيزنطية عدوتها، وعادوا إلى بلادهم يحملون الهدايا النفيسة التي أرسلها الخليفة إلى ملكهم. ولم تؤد هذه المفاوضات إلى نتيجة إيجابية لكل من الطرفين أكثر من إزعاج عبد الرحمن الداخل وتخويفه من هجوم الفرنجة على بلاده، وإزعاج البيزنطيين من هجوم العباسيين على بلادهم. ويؤخذ على حكام المسلمين الاستعانة بغير المسلمين للتغلب على إخوانهم في الدين؛ فالمسلمون إخوة ينصر بعضهم بعضا، ويقفون صفا واحدا للدفاع عن عقيدتهم وصد أي عدوان يوجه إليها {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}. وفي عهد الخليفة هارون الرشيد تجددت العلاقة بين دولة الفرنجة والدولة العباسية؛ حيث خطب شارلمان ود الرشيدَ؛ فأرسل إليه يطلب التحالف معه ضد البيزنطيين ويرجوه أن ييسر الحج إلى بيت المقدس للفرنجة، وأن تتبادل دولة الفرنجة التجارة مع الدولة العباسية وأن يمده بالكتب العلمية، كما أرسل الرشيد بعثة إلى بلاط شارلمان بغية التحالف معه ضد الإمبراطورية البيزنطية، والأمويين بالأندلس. وقد أسفرت هذه المفاوضات عن إرسال مفاتيح كنيسة القيامة إلى شارلمان، وتبادل الهدايا بينه وبين الرشيد وكان من بين الهدايا التي أرسلها الرشيد إلى شارلمان: فيل وساعة مائية دقاقة، وأقمشة فاخرة من الموشى المنسوج بالذهب، وبسط ومواد عطرية [31]. ولم تسفر هذه المفاوضات عن عمل إيجابي من جانب شارلمان ضد الأمويين في الأندلس؛ لأنه لم يجازف بالدخول في حرب مع الأمويين لا يدرى مغبتها حيث أدرك استحالة الفضاء على الأمارة الأموية التي أصبحت ثابتة البنيان، موطدة الدعائم، واكتفى هو وأولاده من بعده بالدفاع عن أملاكهم ولم يفكروا في توجيه حملات هجومية ضد الأمويين. وكما حاول الفرنجة والعباسيون أن يتحالفوا ضد البيزنطيين والأمويين كذلك حاول الأمويون والبيزنطيون أن يتحالفوا ضد العباسيين والفرنجة. وقد بدأت هذه المحاولة في عهد الإمبراطور البيزنطي "تيوفيل" الذي اشتد العداء بينه وبين الخليفة العباسي المعتصم باللّه، فقد هاجم الإمبراطور حصن زبطرة الإسلامي وضربه فرّد عليه الخليفة بالهجوم على عمورية وتخريبها سنة 223 هـ، كما خرّب كثيرا من المدن البيزنطية [32]. بعث الإمبراطور "تيوفيل"، سفيره "كريتوس" ومعه هدايا نفيسة رسالة يطلب فيها صداقة عبد الرحمن الثاني (الأوسط) أمير الأندلس ويرجوه عقد معاهدة صداقة ويحرضه على استعادة مقر خلافة أجداده. وقد ردّ الأمير عبد الرحمن الأوسط على لا "تيوفيل" بخطاب عبّر فيه عن عداوته للعباسيين، دون أن يرتبط معه بمعاهدة حربية ضدهم وهذا تصرف نبيل من الأمير المسلم، يستحق الثناء عليه حيث لم يتفق مع المسيحيين على حرب المسلمين. ومع أن هذه المراسلات لم تؤد إلى عقد تحالف فعلي فإنها لم تخل من فائدة حيث أوجدت حالة استقرار في غرب أوروبا؛ إذ أن الأمويين والفرنجة اقتنعوا بأنه من الخير لهم أن يتفاهموا، وأن تكف كل من الدولتين عن حرب الأخرى وتنصرف كل منها إلى رعاية مصالحها وتعمل على تقدمها الحضاري. وقد نشأت بين المدن الإيطالية وبين الدولة الفاطمية بمصر والشام علاقات تأرجحت بين الودّ، والعداء فقد أرسلت مدينة بيزا سفيرا إلى بلاط الخليفة الفاطمي الظاهر (411-417 هـ) لتسوية المشكلة التي تسببت عن اعتداء بعض تجار بيزا على جماعة من التجار المصريين في البحر الأبيض، على مقربة من بيزا وسلب أموالهم، وقتل بعضهم. وقد انتقمت الحكومة الفاطمية لرعاياها وعاقبت التجار البيزيين المقيمين بمصر. ونجح سفير بيزا في تسوية الخلاف بعد أن تعهد عن حكومته بالاقتصاص من المعتدين كما تعهد بالامتناع عن إمداد أعداء المسلمين بأي مساعدة، وفي نظير ذلك تعهدت الحكومة الفاطمية بإطلاق سراح التجار البيزيين المسجونين بمصر، وحماية حجاج بيت المقدس القادمين من بيزا على سفن غير حربية. وعندما تولى الصالح طلائع بن رزيك الوزارة المصرية سنة 549 هـ بادرت حكومة بيزا بإرسال وفد لتهنئته، فرحب الوزير بهم وأكرمهم وأكد المعاهدات القديمة بينهما. وقد قامت صلات ودية بين مدينة جنوة والدولة الفاطمية وازدادت هذه الصلات في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري فقدي بعثت جنوة سفراء معاهدة مع الحكومة الفاطمية وتمخضت المفاوضات بين الطرفين عن تعهد الحكومة الفاطمية بحماية رعايا جنوة في مصر، وكان معظمهم يقيمون في مدينة الإسكندرية. وكذلك قامت علاقات بين البندقية والدولة الفاطمية؛ حيث تعهدت البندقية في القرن الرابع الهجري بإمداد الفاطميين بما يحتاجونه من الأخشاب التي تلزم لبناء الأسطول الفاطمي المرابط في سواحل مصر، وسواحل الشام، ولكن البندقية توقفت بعد فترة عن إرسال الأخشاب- تحت تهديد حكومة بيزنطة- فتعكر صفو العلاقات بينها وبين الفاطميين، غير أن البندقية لم تلبث أن أدركت أن مصالحها التجارية تحتم عليها أن تعيد علاقاتها الطيبة بالقاهرة؛ فعادت إلى ما كانت عليه من إمدادها بالأخشاب نظير حصولها على امتيازات خاصة لسفنها التي تمر بالمياه المصرية، وتنقل حاصلات إفريقية وأسيا إلى أوروبا [33]. ومما لاشك فيه أن هذه السفارات قامت بدور في توصيل حضارة المسلمين إلى دول الغرب؛ لأن السفراء كانوا يطلعون على مظاهر الحضارة في العالم الإسلامي، وينقلون فكرة عما شاهدوه إلى بلادهم لكن عدد هؤلاء السفراء- بالطبع- كان محدودا وإقامتهم في البلاد الإسلامية لم تكن طويلة، بل كانت مدتها تتوقف على انتهاء المهمة التي أرسلوا من أجلها. ولذلك لم يكن دور هذه الاتصالات بارزا في نقل الحضارة الإسلامية، بل كان نصيبه في نقلها محدودا يقتصر أغلبه على الجانب المادي للحضارة، أما الجانب الثقافي منها فقد كان قليلا جدا، كما اقتصر نقل التجار على الجانب المادي فقط لأن همتهم كانت متجهة أولاً وبالذات إلى الحصول على المال فكانوا ينقلون التحف بقصد الكسب من ورائها فحسب ولم تكن الثقافة والفن مما يحرص التجار على تداوله. من كل ما تقدم نعلم أن ما تنعم الدول الغربية به من حضارة ليس من ابتكار عقول أهلها، ولا من صنع أيديهم إنما هو فيض الحضارة الإسلامية وصل إليهم عن تلك المصادر التي تكلمنا عنها. وقد اهتم الغربيون بالجانب المادي من الحضارة التي وصلت إليهم من الشرق وأغفلوا الجانب الروح، وهو المهم، وليتهم وجهوا الجانب المادي وجهة صالحة تعمّر ولا تخرب، وتبني ولا تهدم. بل تفننوا في نقل وسائل التخريب والتدمير، حتى أصبح العالم يعيش اليوم في جو من القلق والرعب اللذين يجب أن يخلو منها المجتمع الحضاري. ويوم يرجع المسلمون إلى التمسك بقواعد دينهم، والسير على هداها فسوف يعيدون إلى المجتمع الإنساني نعمة الأمن، ويخرجونه من جو القلق والرعب إلى جو الطمأنينة والسعادة واللّه سبحانه وتعالى يهدى إلى سواء السبيل، نسأله جلت قدرته أن يعيد للمسلمين عزهم ومجدهم إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين. د/ جاد أحمد رمضان رئيس قسم التاريخ بالجامعة الاسلامية [1]لطفي عبد السميع، الإسلام في أسبانيا ص31.30. [2]المقري، نفح الطيب جـ1 ص298. [3]جوت هل، الحضارة العربية ص119. [4]ابن حوقل، المسالك والممالك ص79.78. [5]ابن خلكان، وفيات الأعيان جـ1 ص131.130. [6]ابن خلدون، كتاب العبر جـ4 ص 146. [7]المقري، نفع الطيب ج1 ص 250. [8]المدوّر. الديانات والحضارات ص 67. [9]علي الخربوطلي: العرب والحضارة ص 313. [10]المدور الديانات والحضارات ص 70. [11]سعيد عاشور. أوروبا في العصور الوسطى ص 217. [12]بالنشيا، تاريخ الفكري الأندلس ص 536. [13]هل، الحضارة العربية ص 120. [14]أماري، مكتبة صقلية العربية جـ1 ص 427،429. [15]ابن الأثير، الكامل جـ1 ص 54،53 [16]رحلة ابن جبير ص 228. [17]أماري، مكتبة صقلية العربية ص 472 [18]رحلة ابن جبير ص331. [19]المقريرزي، السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 ص382 [20]أبو المحاسن، النجوم الزاهرة ج6 ص283 [21]المقريزي، الخطط، ج1 ص219 [22]ابن الأثير، الكامل جـ1 ص45.44. [23]ابن الأثير، الكامل جـ8 ص45.44. [24]فيليب حتى، تاريخ العرب جـ2 ص822. [25]إسحاق أرملة، الحروب الصليبية ص106 [26]ابن شداد. سيرة صلاح الدين ص 67066. [27]أبو الفداء المختصر في أخبار البشر جـ4 ص 24. [28]فليب حتى، تاريخ العرب جـ2 ص 857، 858. [29]السيوطي، حسن المحاضرة جـ3 ص 168. [30]فيليب حتى تاريخ العرب جـ3 ص 65. [31]جميل نخلة حضارة الإسلام ص 151. [32]إبراهيم العدوى، المسلمون والجرمان ص 270. [33]جمال سرور الدولة الفاطمية ص 1760175 |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا https://majles.alukah.net/imgcache/2021/07/64.jpg فكر العرب في تحرير أسبانيا بعد أن طردوا البيزنطيين من شمال أفريقيا، وكانت أسبانيا قبل الفتح قد ملكها الرومان حتى القرن الخامس للميلاد، ثم انقض الوندال والآلان والسويف، الذين هم من القبائل البربرية الجرمانية على أسبانيا، ولم يلبث القوط أن قهروهم واستولوا على أسبانيا في القرن السادس للميلاد وظلوا سادتها إلى أن جاء العرب. وقد اختلط القوط بالسكان الأسبان – الرومانيين، فاتخذوا اللاتينية لغة لهم، وتحولوا من الآريوسية إلى المذهب الكاثوليكي، وكان اختلاط القوط باللاتينيين قبل حركة التحرير العربي مقتصراً على علية القوم، وكان سكان البلاد الأصليون من الأرقاء، والذين كانوا مستعدين لقبول أي سلطان عليهم، كما أن التنافس على عرش أسبانيا أدى إلى نزاع سياسي اجتماعي، وفتن داخلية، وفقدان الروح العسكرية، وفتور عن الدفاع بين الأهلين المستعبدين، وكان من جراء ذلك تفرق الدولة القوطية وسهل للعرب تحرير أسبانيا[1]. ونتيجة للتعاون بين العرب والبربر بعد تحرير شمال أفريقية، دخل جيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي بلاد أسبانيا في سنة 92هـ/ 711م وتم فتحها بقيادة طارق ابن زياد ثم القائد موسى بن نصير 93هـ/ 712م[2]، وقد وصفها القائد العربي في رسالة للخليفة الأموي أنها: (شامية في طيبها وهوائها يمنية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منافع سواحلها)[3]. وتميزت الفترة الأولى من تاريخ العرب في الأندلس بين 92- 138هـ/ 711- 756م والتي تسمى (عصر الولاة) بعدم الاستقرار وانشغال الولاة فيما بينهم بالمنازعات مما مهد لدخول عبدالرحمن الداخل الأموي (صقر قريش) بعد فراره من وجه العباسيين وأسس الدولة الأموية في الأندلس بعصريها (الأمارة والخلافة) والتي امتدت من سنة 138هـ - 422هـ/ 756- 1031م[4]. ولم يكن الفتح العربي لأسبانيا احتلالاً عسكرياً بل كان حدثاً حضارياً هاماً وحركة تحرير للشعوب الأسبانية فقد أمتزجت حضارة سابقة كالرومانية والقوطية مع حضارة جديدة هي الحضارة العربية الاسلامية، ونتج عن هذا المزج والصهر حضارة أندلسية مزدهرة أثرت في الحياة الأوربية وتركت آثاراً عميقة مازالت تتراءى مظاهرها بوضوح حتى اليوم. وباستكمال حركة تحرير أسبانيا استقر العرب والبربر مع سكان البلاد، وكان للسلوك العربي الانساني أثر كبير في تآلف القلوب إذ لم يلبث العرب أن أنسوا إليهم وحصل التزاوج والمصاهرة بينهم[5] فنشأت طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة المولدين التي هي خليط من دم أهل البلاد الأصليين ودم العرب والبربر، كما ظهرت طبقة جديدة أخرى هي طبقة المستعربين وهم الأسبان المسيحيون الذين ظلوا على ديانتهم المسيحية، ولكنهم تعربوا بعد دراسة اللغة العربية وآدابها وثقافتها[6] وأحسن العرب سياسة سكان أسبانيا، فقد تركوا لهم كنائسهم وقوانينهم وأموالهم وحتى المقاضاة إلى قضاة منهم، ولم يفرضوا عليهم سوى جزية سنوية صغيرة، ولم يبق للعرب إلا أن يقاتلوا الطبقة الأرستقراطية المالكة للأرضين[7]. وحرص العرب على الوفاء بعهودهم لأهل الذمة حتى في الحالات التي كان يبدو للمسلمين أنهم خدعوا فيها، وقد وفى العرب رغم ذلك فقال الرازي: (فمضوا (العرب) على الوفاء لهم وكان الوفاء عادتهم)[8]. والحقيقة أن العرب الأولين كانوا يجرون على تسامح كريم صادر عن إيمان العرب برسالتهم الانسانية التي كان لها أثرها الكبير في اجتذاب أهل الذمة إلى الاسلام واقناعهم بعدالة الدولة العربية، وهذا هو السر في إقبال أهل الذمة على الدخول بأعداد كبيرة في الاسلام، وأدى ذلك إلى دخول كثير من الكلمات الاسلامية واستعمالها بألفاظها العربية من قبل سكان الأندلس مثل كلمة الله Alah ، القرآن Alcoran ، الحديث Hadith ، الاسلام Alislam، الفتوة Alfatea، رمضان Ramadan، السنة Alsonna، السلام عليك Al-salamalec، سورة Saurate، مؤذن Muezzin، رب Rab، بركة Baraka، ابليس Elb'is، جن Djiun، حرام Haramu، زكاة Zekkat، هجرة Hegira، طلسم Talisema، وقف Wakouf، خراج Carath[9]. لقد أثر العرب في أخلاق الشعوب النصرانية فقد علموهم التسامح الذي هو أثمن صفات الانسان، وبلغ حلم عرب الأندلس نحو الأهلين مبلغاً كانوا يسمحون لأساقفتهم أن يعقدوا مؤتمراتهم الدينية كمؤتمر أشبيلية الذي عقد سنة 782م، ومؤتمر قرطبة الذي عقد سنة 852م، وتعد كنائس النصارى الكثيرة التي بنوها أيام الحكم العربي من الأدلة على احترام العرب لمعتقدات الأمم التي خضعت لسلطانهم، فغدا اليهود والنصارى مساوين للمسلمين قادرين مثلهم على تقلد مناصب الدولة[10]. وفي مثل هذا الجو من التسامح أصاب البلاد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بحيث أصبحت الأندلس أكبر قوة سياسية في المنطقة، وعلى الرغم من هذا التسامح العظيم، فقد ظهر فرق واضح بين هذه السياسة المتسامحة، وبين سياسة الاضطهاد الأعمى الذي وقع على المسلمين بعد سقوط الأندلس، حيث ذبح نصارى الأندلس أعداداً كبيرة من المسلمين، وحتى أنهم رفضوا تنصر من تنصر منهم لعدم الثقة بهم وبنواياهم[11]. ولم يكد العرب يتمون تحرير أسبانيا حتى بدأوا بتطبيق رسالتهم الانسانية في الحضارة فاستطاعوا في أقل من قرن أن يحيوا ميت الأرضين، ويعمروا خراب المدن ويقيموا أفخم المباني، ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بالأمم الأخرى، وشرعوا بدراسة العلوم والآداب وترجمة كتب اليونان واللاتين، وإنشاء الجامعات التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوربا زمناً طويلاً، وأخذت حضارة العرب تنهض في الأندلس منذ ارتقاء عبدالرحمن الأول العرش، أي منذ انفصالها عن الشرق سياسياً باعلان إمارة قرطبة سنة 138هـ/ 756م فغدت الأندلس أرقى دول العالم حضارة مدة ثلاثة قرون[12]. امتازت حضارة العرب في الأندلس بميلها الشديد إلى العناية بالآداب والعلوم والفنون، فأنشأوا المدارس والمكتبات في كل ناحية وترجموا الكتب المختلفة، ودرسوا العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والكيمياوية والطبية بنجاح ولم يكن نشاطهم في الصناعة والتجارة أقل من ذلك، فكانوا يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة، ومصانع النسائج، والجلود والسكر وبرعوا في الزراعة براعتهم في العلوم والصناعات، ولا يوجد في الأندلس من أعمال الري خلا ما أتمه العرب، وأدخلوا إلى حقول الأندلس زراعة قصب السكر والأرز والقطن والموز[13]. وأكثروا من انشاء الطرق والجسور والفنادق والمشاتي والمساجد في كل مكان، وكانت البحرية العربية في الأندلس قوية جداً، وبفضلها كانت تتم صلات العرب التجارية بجميع مرافئ أوربا وأفريقيا وآسيا، وظل العرب وحدهم سادة البحر المتوسط زمناً طويلاً[14]. فانشأوا أسطولاً ضخماً لمواجهة قوة الأسطول البيزنطي، ولضمان أمن السواحل العربية من هجماتهم، كما اتخذوا من بعض جزره القريبة من السواحل العربية مراكز بحرية للأسطول العربي، منها كريت وصقلية، ومالطة، وجزر البليار، وجزر قبرص وسردينية، فكانت قبرص تحمي شواطئ سوريا، وكريت تحمي شواطئ مصر، كما تحمي صقلية شمال أفريقيا، وتحمي جزر البليار الأندلس، فأصبحت الشواطئ العربية في أواخر القرن التاسع للميلاد في مأمن من أي غزو بيزنطي[15] فازدهرت التجارة مما أدى إلى إزدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتمكين العرب في الأندلس من الاتصال بالعالم الخارجي. فالحضارة العربية في الأندلس مرت بأدوار، وخضعت لمؤثرات حضارية منها ما ترجع أصولها إلى الأم (الحضارة العربية في المشرق) كما خضعت أيضاً لمؤثرات حضارية محلية بحكم البيئة التي نشأت فيها وبدرجة محدودة. فالنظم السياسية والادارية والعسكرية والمالية كانت صدى للنظم القائمة في العراق والشام، فأقاموا نظام الأمارة ثم الخلافة على غرار النظم العربية في المشرق، كما استحدثوا نظام الوزارة والدواوين كتلك التي كانت سائدة أيام الخلافة العباسية في بغداد، لكنهم طوروا في هذه المناصب، وخاصة الوزارة، حيث أصبحت متعددة المناصب ولها رئيس وزراء وهو الحاجب. كما عرف الأندلس نظام الأجناد أو (الكور المجندة) التي ينزلها الجند ويقابلها الثغور، يحكمها قائد عسكري، فنزل جند دمشق في كورة البيرة، وجند حمص في كورة أشبيلية وجند الأردن في كورة مالطة، وجند قنسرين في كورة باجة، وبعضهم بكورة ندمير، فهذه منازل العرب الشاميين، وبقي العرب والبربر والبلديون شركاءهم)[16]. وتحدث الجغرافي العربي المقدسي: عن التقسيمات الادارية في الأندلس فقال: إن في الأندلس ثماني عشرة كورة أورستاق كما في الشرق[17]. وهذه التقسيمات الادارية تنطبق على تعريف ياقوت للكورة والرستاق[18]. كما نقل عرب الأندلس من المشرق العربي نظام الوزارة وطوروه وقسموا خطتها أصنافاً وأفردوا لكل صنف وزيراً، فجعلوا لحسبان المال وزيراً، وللترسيل وزيراً، وللنظر في أحوال الثغور وزيراً، وهذا التعدد في مناصب الوزراء لا نجده في نظام الوزارة في المشرق العربي حيث كانت السلطة مركزة في يد وزير واحد لها رئيس وزراء وهو الحاجب الذي يتصل بالخليفة مباشرة[19]. وبعد سقوط الدولة العربية الأموية، وقيام الدولة العباسية قام العباسيون بمطاردة الأمويين فاستطاع الأمير عبدالرحمن الأموي الدخول إلى الأندلس ولقب (بالداخل) وأعاد تأسيس الدولة الأموية في الأندلس، فعادت قرطبة تأخذ مكانتها بين عواصم العالم المتحضر آنذاك في مجال السياسة والثقافة والعمارة وجميع مظاهر الحياة الحضارية، وصارت مقر الخلافة، وموطن أهل العلم والأدب، فقد عمل الأمراء الأمويون في الأندلس على تشجيع العلوم العربية، ونقلوها معهم من المشرق العربي وكان لها أثرها الكبير في النهضة الأوربية. وقد ترك الوجود العربي في الأندلس طابعه في مختلف مجالات الحياة ففي الادارة نجد كلمات في اللغات الأوربية بألفاظها وأصولها العربية مثل خليفة Calife، أمير Emir، والي Vali، وزير Visir، رئيس Reis، القاضي Alcaede، المحتسب Almotocie، الحاجب Alhaque، صاحب المدينة Falmedina، صاحب السوق Fabasouquae[20]، ديوان Diuan، ولاية Vilaget[21]. كما انتقلت كثير من الكلمات والألفاظ العسكرية في الأندلس إلى أوربا مثل: القائد Alcaide، أمير البحر Adbuirate، الدليل Aldalil، الطلائع Alataya، القارة A. Igurdde، الطائفة Aceifa، العرض Alarde، الرباط Rabate، نفير Anafir، الفارس Alfaroz، الدرقة Aldorgu[22]، بارود Baroud، طرادة Tarffe، جيش Djech، غزوة Rozzia، مرابط Marabout، حراثة Caraque[23]. اهتم عبدالرحمن الداخل بتنظيم قرطبة لتتلاءم وعظمة الدولة فجدد معانيها وشد مبانيها وحصنها بالسور، وابتنى قصر الأمارة، والمسجد الجامع ووسع فناءه، ثم ابتنى مدينة الرصافة[24] وفق فن العمارة الاسلامية في الشام سواء في زخارفها المعمارية أم في بعض عناصر بنائها، وفي نظام عقودها، كما بنى قصر الرصافة ونقل إلى مدينته غرائب الفرس وأكارم الثمر، فانتشرت إلى سائر أنحاء الأندلس[25]. وكان جامع قرطبة في غاية العظمة في بنائه وهندسته وأصبح أعظم جامعة عربية في أوربا في العصر الوسيط، فكان البابا سلفستر الثاني قد تعلم في هذا الجامع يوم كان راهباً كما أن كثيراً من نصارى الأندلس كانوا يتلقون علومهم العليا فيه، واستأثر المسجد في الأندلس بتدريس علوم الشريعة واللغة إضافة إلى العلوم الأخرى[26]. وأسس العرب في الأندلس الكتاتيب لتعليم الصبيان اللغة العربية وآدابها ومبادئ الدين الاسلامي، على غرار نظام الكتاتيب في المشرق العربي واتخذوا المؤدبين يعلمون أولاد الضعفاء والمساكين اللغة العربية ومبادئ الاسلام[27]. أما المناهج الدراسية في الأندلس فقد أشار إليها ابن خلدون بقوله: (وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتابة وجعلوه أصلاً في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم الولدان رواية الشعر، والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها، وتجربة الخط والكتابة... إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشبيبة وقد شد بعض الشيء في العربية والشعر وأبصر بهما، وبرز في الخط والكتاب وتعلق بأذيال العلم على الجملة[28]. واهتم خلفاء بني أمية في الأندلس بتأسيس المكتبات فنقلت من كتب الشرق العربي الشيء الكثير من الكتب وشارك الرحالة من الأندلسيين في ذلك وقام العلماء وطلاب العرب في نقل الكتب وأقبلوا على ترجمتها في مختلف صنوف العلم والمعرفة فيذكر ابن جلجل: أن الكتب الطبية دخلت من المشرق وجميع العلوم على عهد الخليفة الناصر سنة 300هـ- 350هـ[29]. وأنشأ المستنصر بالله 350- 366هـ/ 961- 976 مكتبة عظيمة فقد كان عالماً منصرفاً إلى العلم والقراءة واقتناء الكتب النادرة من بغداد ودمشق والقاهرة، وأنشأ مكتبة تحوي على ما يربو على 400 ألف مصنف في شتى العلوم والفنون، كما أنشأ داراً لنسخ الكتب وأودعها بمدينة الزهراء[30]. كما ألف الأندلسيون في علوم القرآن والحديث والفقه، وفي القضاء واللغة وآدابها وعلومها والمعاجم والتراجم، والتاريخ والسيرة والجغرافية، وألفوا في علوم الطب والحساب والهندسة والفلك والكيمياء والمنطق والفلاحة والملل والنحل، وفي الفلسفة والموسيقى، بحيث لم يتركوا حقلاً من حقول العلم والمعرفة إلا طرقوها[31]. وقد برز جملة من العلماء نذكرهم على سبيل المثال لا الحصر منهم عبدالملك بن حبيب السلمي (ت238هـ) ألف كتابه الموسوم (التاريخ) مخطوط ومحفوظ في مكتبة البودليانا في أكسفورد تناول فيه تاريخ العالم من بدء الخليقة حتى فتح الأندلس وإلى عصره هو[32]. والعالم اللغوي أبا علي القالي الذي وفد على الأندلس في أيام عبدالرحمن الناصر سنة 330هـ وأصله من العراق، ومن أهم أعماله كتاب (الأمالي) وهو عبارة عن محاضرات أملاها على تلاميذه الأندلسيين في مسجد قرطبة، ويتضمن فصولاً عن العرب ولغتهم وشعرهم وأدبهم وتاريخهم وألف أبو بكر محمد المعروف بابن القوطية (ت367هـ) كتاباً في تاريخ الأندلس أسماه (تاريخ افتتاح الأندلس) نشره المستشرق الأسباني جوليان رايبيرا سنة 1868م، وله كتاب في النحو يعرف بكتاب الأفعال[33] ومن شيوخ ذلك العصر العالم المغربي محمد بن حارث الخشني (ت361هـ) الذي ألف كتاب (القضاة بقرطبة) تناول فيه الحياة الاجتماعية في الأندلس نشره المستشرق الأسباني ريبيرا[34] وألف ابن حزم العديد من الكتب في أنساب العرب، وفي علماء الأندلس، وفي تاريخ الأديان وأبرز ما ألف في هذا المجال هو كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل)[35]. ومما ساعد على انتشار الكتب وازدهار الحياة العلمية انتشار صناعة الوراقة في الأندلس حيث تولى الوراقون نسخ ما يظهر من مؤلفات، كما اشتهرت الأندلس بمصانع الورق، وتميزت بهذا الانتاج بعض المدن مثل غرناطة وبلنسية وطليطلة، وشاطبة، وقد حاز مصنع شاطبة شهرة واسعة في صناعة الورق الجيد[36]. وقد نقلها عرب الأندلس من بغداد التي أنشئت عام 794م كما انتقلت منها بواسطة عرب صقلية والأندلس إلى أوربا[37]. واتجه أهل الأندلس الذين اعتنقوا الاسلام خاصة إلى تعلم العربية وإلى إقبالهم على تعلم العلوم الاسلامية، واتسع بمرور الزمن عدد الداخلين في الاسلام وأخذ طلاب العلم يرتحلون بشكل خاص إلى الجامعات العربية في الأندلس والاختلاط بالسكان مما ساعد على انتشار اللغة العربية، ونتج عن ذلك ظهور لغة عربية عامية دخلتها بعض الكلمات الأسبانية[38] كما نتج عن انتشار اللغة العربية بين الأندلسيين اختراع فن شعبي أندلسي جديد، هو فن (الموشحات) ويقال: إن مخترع هذا الفن رجل ضرير من بلدة قبره Cabra بجوار قرطبة اسمه مقدم بن معافى القبري الذي عاش في أواخر القرن الثالث للهجرة التاسع للميلاد ويعتبر هذا الفن الجديد ثورة في الشعر العربي، وإذا كان المشرق العربي قد أعطى مغربه فن القصيدة الشعرية، فإن المغرب العربي، وأعني الأندلس، قد أعطى المشرق العربي فن (الموشح) ويلاحظ في الموشح أنه لم يلتزم بنظام القوافي الموحد كالقصيدة الشعرية، وإنما اشتمل على قوافي متعددة كذلك لم تكن وحدة البيت الشعري، وإنما المقطوعة الشعرية التي تتكون من غصن وقفل، ويسمى القفل الأخير بالخرجة، والتي تكون باللغة العامية الدارجة، ولم يلبث هذا الفن الجديد أن انتشر في المغرب والمشرق، وتفنن الشعراء في صياغته حتى صارت الموشحة كالقصيدة الشعرية واستخدمه الصوفية في مدائحهم وأذكارهم[39]. وقد أثرت الأغنية الشعبية العربية في الشعر الأوربي باسم الشعر البروفنسي الذي كان ينشده المتروبادور أي (المغنون المتجولون) في جنوب فرنسا وايطاليا وأسبانيا وغيرها من البلدان الأوربية، واستحدثوا فناً آخر سموه (الزجل) وجاءوا فيه بالغرائب، وهذه الطريقة الزجلية هي فن العامة بالأندلس، وهم ينظمونه في سائر البحور للخمسة عشر بالعامية[40]. وكان كبار العلماء والأدباء والشعراء يلتقون في قصور الخلفاء والأمراء في الأندلس فكانت بمثابة منتديات زاهرة، ومجامع للعلوم والآداب والفنون[41]. ولمع فحول الشعراء والأدباء العرب في الأندلس كابن عبد ربه وابن حزم وابن زيدون وابن خفاجة وكانت النتيجة من إزدهار الحياة الأدبية أن انتشرت اللغة العربية والثقافة العربية والعادات والتقاليد العربية الاسلامية في أوربا وقد زخرت الألفاظ العربية في اللغة الأسبانية والقونية والفرنسية[42] حيث أقبل أهل الذمة من الأندلسيين على تعلم العربية ويبدو أن الاستعراب كان قد سبق الاسلام، فقد اختلط أهل الذمة بالمسلمين، وأخذوا لغتهم وأسلوبهم في الحياة، وأقبلوا بصورة تدريجية على الاسلام وأظهروا تفوقاً في العربية بل تفوق منهم في الفقه فذكر ابن الفرضي (أنه كان من مسالمة أهل الذمة من ملأ أشبيلية علماً وبلاغة ولساناً حتى شرفت به العرب)[43] وقد أثار اقبال المسيحيين على الثقافة العربية حسد القساوسة ورجال الدين الذين كانت لهم أديرة وكنائس في شتى أنحاء الأندلس فأخذوا يعيبون على الشباب المسيحي اقباله على قراءة اللغة العربية وتركه اللغة اللاتينية[44]. واشتهرت الأندلس بالمنشآت المعمارية العظيمة، ويعد جامع قرطبة الذي بني في القرن الثاني للهجرة/ الثامن للميلاد، وبعض المباني في طليطلة من آثار الدور الأول لفن العمارة العربي في الأندلس، كما تعد منارة أشبيلية (لعبة الهواء) التي أنشأها الموحدون في القرن السادس للهجرة/ الثاني عشر للميلاد والقصر الأشبيلي من آثار الدور الوسيط لفن العمارة العربي، كما يعد قصر الحمراء في غرناطة الذي شيد في القرن الثامن للهجرة/ الرابع عشر للميلاد عنواناً لما انتهى إليه فن العمارة العربي ويرى لوبون أنها تدل باختلاف طرزهما على أصالتها العربية[45]. ومن مباني العرب العظيمة في الأندلس مدينة الزهراء التي شيدها عبدالرحمن الناصر على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب قرطبة على سفح جبل العروس ومازالت تحتفظ باسمها العربي في اللغة الأسبانية، وبنى فيها قصره المشهور بقصر الحمراء[46]. وظهرت فيه عظمة فن الهندسة عند العرب، وفن الزخرفة والنقوش والنحت، وقد وصفها الأدريسي بقوله: وهي (الزهراء) مدينة عظيمة مدرجة البنية، مدينة فوق مدينة، وفيها قصور يقصر الوصف عن صفاتها[47]. ويروى ابن عذاري: أن أعمدة الرخام في الزهراء بلغت حوالي 4313 سارية جلبت من قرطاجة وتونس والقسطنطينية وما وجد في أسبانيا[48]. ومن المباني التي تركها العرب في أسبانيا جامع قرطبة الشهير الذي بدأ بانشائه عبدالرحمن سنة 164هـ/ 780م، وهو من أجمل المباني العربية في أسبانيا، وكان يفوق جميع مساجد ومعابد الشرق قاطبة بعظمته وروعته، ولا يزال جامع قرطبة من المباني المهمة مع ما أصيب من التلف وما فقد من الأشياء الثمينة فيه[49]. والمستطلع إلى المباني العربية في طليطلة يرى مدى التأثير الحضاري العربي في الأمم التي حلت محلهم، فمدينة طليطلة القديمة لا تزال تحيط بها أبراجها وحصونها وأبوابها أشهرها (باب شفره) و(باب الشمس) والمباني العربية في أشبيلية عظيمة تناظر مثيلاتها في مدن الأندلس[50] وكلها تدل على أصالتها العربية. واستعملت الكثير من الألفاظ أو التسميات العربية في مجال العمارة في الأندلس وأوربا مثل البناء Albaenie، الربض Arrba، الحوز Alhoz، السطحية (السطح) Azatea، القبة (غرفة النوم) Aleobe، الأسطوان (مدخل البيت) Fayuon، الطوب Adube، القصر Alcosar ، [51] مسجد Mosuqee، منبر Minbar، منارة Minaret، محراب Mihrab[52]. إن الحضارة العربية التي نشأت في الأندلس، وازدهرت لم تقف عند حدود الأندلس فاستمرت العلاقات الاقتصادية والثقافية والحضارية بين الأندلس وأوربا وبينها وبين الشرق وبيزنطة ولم تنقطع رغم وقوع حروب بحرية وبرية طويلة، فالتبادل التجاري بين أسبانيا العربية وبين الشرق وبيزنطة تظل مستمراً، وعن هذه الطرق انتقل التراث الحضاري العربي في العصور الوسطى إلى أوربا ولا يمكن إدراك أهمية شأن العرب في الغرب إلا بتصور حالة أوربا حينما أدخلوا الحضارة إليها فيقول لوبون: إذا رجعنا إلى القرن التاسع من الميلاد وما بعده، حيث كانت الحضارة الاسلامية في أسبانيا ساطعة جداً رأينا أن مراكز الثقافة في أوربا كانت أبراجاً يسكنها سنيورات متوحشون يفخرون بأنهم لا يقرأون، وإن أكثر الرجال معرفة كانوا من الرهبان المساكين الذين يقضون أوقاتهم في أديارهم ليكشطوا كتب الأقدمين بخشوع، ودامت همجية أوربا حتى القرن الحادي عشر حين ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثقيل عنهم فولوا وجوههم شطر العرب الذين كانوا أئمة وحدهم، ولم تكن الحروب الصليبية سبباً في إدخال العلوم إلى أوربا كما يردد على العموم، وإنما دخلت العلوم أوربا من أسبانيا وصقلية وإيطاليا، وذلك أن مكتباً للمترجمين في طليطلة بدأ منذ سنة 1130م بنقل أهم كتب العرب إلى اللغة اللاتينية تحت رعاية رئيس الأساقفة ريمون، ولم يتوان الغرب في أمر هذه الترجمة[53] فقد تدفقت العلوم العربية على أوربا من خلال الأندلس بعد أن فتح العرب الطريق عبر جبال البرت إلى فرنسا وإيطاليا، حيث عبر العلم والفلسفة العربيان من خلال رأس الجسر الثقافي الذي أقيم في شبه جزيرة ايبريا إلى أوربا[54] وظهر التأثير العربي في فن العمارة في الأندلس وأوربا، فكان الطراز السائد قبل تحرير أسبانيا هو الطراز القوطي، ولكن أقيمت في الأندلس في القرن الثالث عشر والرابع عشر المدن والمساجد والقصور على الطرز العربية مما يدفعنا على الاقرار أن الغرب اقتبس أصول فن عمارته من العرب، إذ ليس هناك من مشابهة بين الطراز العربي والطراز القوطي وإن تأثير فن العمارة العربية واضح في كثير من الكنائس الفرنسية ككنيسة مدينة (ماغلون) 1178م، التي كانت ذات صلات بالشرق، وكنيسة (كانده) وكنيسة (غاماش)... إلخ، وألمح مسيو شارل بلان إلى ما اقتبسه الأوروبيون من العرب في فن العمارة بقوله: أرى من غير مبالغة فيما لأمة من التأثير في أمة وذلك خلافاً لما يسار عليه اليوم أن الصليبيين الذين شاهدوا ما اشتمل عليه الفن العربي من المشربيات، وشرفة المآذن، والأخاريز أدخلوا إلى فرنسا المراقب والجواسق والأبراج والأطناف والسياجات التي استخدمت كثيراً في العمارات المدنية والحربية في القرون الوسطى[55]. لقد كان للاستقرار السياسي والاجتماعي، والرفاء الاقتصادي والتقدم العلمي والعمراني أثره الكبير في نشاط وازدهار التجارة في الأندلس، وأدى الاتصال التجاري بين الشرق والغرب وبين الأندلس وأوربا إلى دخول مفردات وألفاظ عربية كثيرة وأسماء منتجات وسلع تجارية ومكاييل ومقاييس وأوزان وعملات كانت تستعمل في التجارة إلى اللغة الفرنسية واللغات الأوربية مثل السوق Souk، ميناء Cabar، فنار Fanal، سمسار Cemcal، دكان Dogana، الديوان (الكمرك) Aduoma، مخزن Magozzia، معرفة (شركة تجارية) Maond، مخاطرة Moatra، التعريفة Tarifa، المناداة (المزايدة) Almoneda، ومن الألفاظ الأخرى التي كانت تستعمل في التجارة العملات والمقاييس والمكاييل والأوزان مثل: دينار Dinar، درهم Adorme، السكة Ceea، قنطار Kantar، قيراط Corat، مثقال Molacal، عشر Achour، أردب Ardib، القفيز abis، المد Almud، الرطل Arreelde، الربعة Arraba[56]. وعلى الرغم من وجود عدد هائل من الكلمات العربية في اللغة الانكليزية واللغات الأوربية الأخرى في مجالات العلوم المختلفة، إلا أننا نرى أن عدد هذه الكلمات في العلوم الرياضية قليل جداً، ولا يعني هذا أن العرب لم يؤثروا كثيراً على أوربا في مجال العلوم الرياضية ولكن العكس صحيح، إلا أن معظم الكتابة في هذه العلوم يعتمد على الرموز والأحرف بالاضافة إلى أن الأرقام الأوربية الحالية مأخوذة أصلاً عن طريق العرب ومازالت تسمى بالأرقام العربية ومثلاً على ذلك: الجبر Algebra، الخوارزمي (المقصود به الحساب) Algursime، المقابلة Almohabel، المجسطي Cipher، الصفر Cipher ، [57] وكلمة الصفر العربية تدل على انتقال طريقة الحساب العربي واستعمالها من قبل الأوربيين. وازدهر علم الهيئة (الفلك) عند العرب في الأندلس لحاجتهم إليه في تحديد القبلة وتعيين أوقات الصلاة، وقد تطور هذا العلم إلى دراسة حركات النجوم، وظهور حركة التنجيم، واخترعوا الساعات الشمسية لمعرفة الأوقات، فقد صنع عباس بن فرناس أول آلة (وهي نوع مبتكر من الساعات)[58]. ويبدو من مجرد النظر في المصطلحات الفلكية العديدة ذات الأصل العربي يدلنا على أن الغرب مدين لما قام به العرب من دراسات فلكية؛ لأن معظم هذه الأسماء قد تركت في الوقت الحاضر واستعيض عنها بأسماء غيرها ومن هذه الأسماء العذارىAdara ، السها Alcor، الجنب Algenib، الفكة Alphacca، الجبهة Algieba، عرش الجوزاء Arsh، بنات نعش Benatnasch، السرطان Cancer، الكلب الأكبر CamisMa,or، الكلب الأصغر Camis Minor، ذنب الدواجن Deneb Eldolphinas ، ذنب الجدي Deneb Elokab، ذنب العقاب Daneb Elkab، النصل Elnasl، الراعي التنين Etanin، فم الحوت Famu Lhout، رأس الأسد Res Al Asad، رأس الثعبان Res toban، سعد الملك Saod Al Melik، سعد السعود Saod Saoud، العذراء Virgo، الطائر Altair، قرن الثور Tauri، السموات amwet[59]. ولمس الأوربيون بشكل جلي الجهود العلمية البارزة التي بذلها عرب الأندلس في علم الكيمياء فوصلت إليهم ثروة كبيرة من المعرفة والحقائق، والتجارب والنظريات العلمية، فأخذ طلاب الغرب يقبلون على دراستها وترجمتها إلى لغاتهم فحفزت فيهم روح البحث والشغف باستقراء الحقائق وتتبعها، فزاد اطلاعهم على هذا النتاج العلمي الخصب، واعتمدوا الأدلة والبراهين في قضايا العلوم الطبيعية، فبدأت أوربا بحوثها في هذا المجال على أساس واقعي سليم وبناء نظري منسق وكان ذلك بفضل الانطلاق العربي في البحث العلمي والابتكار. وهذه ثمة كلمات عربية مستعملة في اللغات الأوربية في حقل الكيمياء تدل على جهود العرب في هذا العلم عند الغربيين[60] الكيمياء Alchemy، الكمل Alcuhal، زرنيخ Arsenic، بورق Barax، الاكسير Elixir، قرمز Kermes، كبريت Kibruit، الانبيق Linbick، نفط Naphta، عطر Attar، الزئبق Assoguc، قطران caudran، بنج Bang، سموم Simouim[61]. ولم يقتصر الأندلسيون على العلوم العملية بل كانت لهم دراسات في علوم أخرى كالفيزياء، وعلم العقاقير، والزراعة (علم الفلاحة) والذي أبدعوا فيه وصنفوا التصاميم المشهورة، مسجلين ما توصلت إليه تجاربهم في النباتات والتربة[62]، ويعد عباس بن فرناس القرطبي واحداً من عباقرة العرب المسلمين الذين استطاعوا تحقيق أروع الكشوفات في ميادين العلوم التجريبية وأن يمهدوا باكتشافاتهم العظيمة الطريق للأجيال اللاحقة من علماء العصر الحديث[63]. وأثمرت جهود العرب في تطوير علم الطب وتأثرت ثقافة الغرب الطبية تأثراً عميقاً بما اقتبسه من العرب في هذا المضمار[64]. والعرب أول من مارسوا عمليات الجراحة في العالم إطلاقاً، ووضعوا المؤلفات فيها وفي طرقها، والأمراض التي يجب استئصالها والآلات والأدوات التي تستعمل[65] وهم أول من اكتشفوا وسائل التخدير، وأنشأوا المستشفيات، وقسموها قسمين: قسم للرجال والنساء، وقسموا كل قسم إلى أقسام على حسب المرض، وأقاموا المعازل لعزل المرضى المصابين بأمراض معدية بل أن للمسلمين الفضل في إنشاء المستشفيات المتنقلة[66]. يتبع |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
|
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
البتاني .. فلكي ورياضي فذ صلاح عبد الستار الشهاوي - مجلة حراء https://menoflostglory.files.wordpre...5/02/11118.jpg بعد أن حمل المسلمون أنوار الإسلام إلى الدنيا، ورفعوا لواء الحضارة والعلم والمعرفة قرابة قرون ثمانية فيما بين الأندلس غربًا وبلاد السند شرقًا، تركوا للمعرفة الإنسانية تراثًا لم تتركه أمة قبلهم ولا بعدهم، يتمثل في أمهات الكتب والمعاجم والموسوعات التي خطتها أقلام العلماء والأدباء الذين أفنوا أعمارهم في التفكير المثمر والإنتاج الغزير نثرًا وشعرًا وعلمًا وفنًّا، وكانوا يطربون لصرير أقلامهم كما يطرب الموسيقار لألحان الآلة التي يعزف عليها. ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ، الفلكي أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني. يكنى بـ"البتاني" نسبة إلى مسقط رأسه "بَتّان"، كما يكنى بـ"الرقّي" نسبة إلى مدينة "الرقة"، التي قضى بها معظم حياته مع الكثير من الأسر الحرانية، وأنجز بها الكثير من أرصاده وإنجازاته العلمية. ولد أبو عبد اللّٰه البتاني حوالي عام (240هـ/854م) في "بتان" بإقليم حران. وينسب إقليم حران إلى مدينة حران التي كانت تقع بشمال غرب العراق بين مدينتي الرقة والرها بشمال غرب العراق. وكانت أسرته تدرِّس قديمًا الديانة الصابئية، ومنها جاءت نسبة "الصابئي" إليه مع أنه كان مسلمًا قبل أن يكون عالمًا. أمضى البتاني معظم حياته يرصد الأجرام السماوية بمرصد الرقة أو مرصد "البتاني" من عام (264هـ/878م) حتى عام (306هـ/918م). وقصد بغداد في إحدى مهماته العلمية، لكنه توفي عام (317هـ/929م) في الطريق أثناء عودته في قصر "جيس" إلى الغرب من دجلة، قليلاً قرب سامراء. دراسة البتاني وحياته العلمية لا تتوافر تفاصيل عن أساتذة البتاني والمرحلة التعليمية في حياته، لكن المعروف أن "علي بن عيسى الأسطرلابي" و"يحيى بن أبي منصور" كانا أكبر الفلكيين في العصر الذي نشأ فيه، ويحتمل أنه تتلمذ على أحدهما -خصوصًا وإن الأول كان حرانيًّا مثله- أو على بعض تلاميذهما. الأمر المؤكد أن البتاني قد استوعب المؤلفات الفلكية المتوافرة في عصره، خصوصًا المجسطي لبطلميوس، والذي كتب فيما بعد تعليقًا عليه، وانتقد بعض آراء بطليموس الواردة فيه. ذكر ابن النديم في "الفهرست" أن البتاني بدأ رحلته مع الرصد الفلكي عام (264هـ/878م). ومن الثابت أن البتاني أقام فترة بمدينة الرقة، وأجرى بها قسمًا من أرصاده التي تواصلت حتى عام (306هـ/918م) وفقًا لما ذكره ابن النديم، وأنه أقام فترة أخرى بمدينة أنطاكية بشمال سوريا، حيث أنشأ المرصد الذي عرف باسم "مرصد البتاني". وعمومًا كان عصر البتاني، عصر ازدهار علم الفلك الإسلامي وعصر تتابع الإنجازات العلمية الإسلامية في مجال هذا العلم. والجدير بالذكر أن البتاني قد نشأ في عائلة جُلّ أفرادها علماء، فهو أحد أحفاد العالم الكبير "ثابت بن قرة" (ت 288هـ/901م). إنجازات البتاني العلمية حقق البتاني إنجازات بارزة في علم الهيئة (الفلك)، إضافةً إلى إنجازاته في العلوم الرياضية (حساب المثلثات، والجبر والهندسة) والجغرافيا. ونظرًا لروعة إنجازاته الفلكية، حاز لقب "بطليموس العرب" تشبيهًا له بالعالم الفلكي والرياضي والجغرافي السكندري "كلوديوس بطليموس" الذي عاش في القرن الثاني الميلادي. والبتاني يعرف في الغرب باسمه المحرف "ألباتيجنوس" (Albategnius)، و"ألباتيجين" (Albategni). إنجازات البتاني في علم الفلك أهم إنجازات البتاني الفلكية، أرصاده الصحيحة التي تعد أدق ما أجراه الفلكيون العرب من أرصاد، ومن أدق الأرصاد التي أجريت حتى القرن السابع عشر، الأمر الذي ما زال يثير دهشة وإعجاب علماء الفلك؛ نظرًا لافتقار البتاني للآلات الفلكية الدقيقة التي توافرت في القرنين الماضيين، ولا نقول ما هو موجود منها الآن! وفي إطار تلك الأرصاد الصحيحة، رصد البتاني زاوية الميل الأعظم، وقاس موضع أوج الشمس في مسيرتها الظاهرية فألفاه قد تغير عن القياس الذي أجراه بطليموس في القرن الثاني الميلادي. وهذه هي أهم إنجازات البتاني في الفلك: - صحح البتاني قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي. - حسب قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار فوجدها (35) دقيقة و(23) ثانية. والدراسات الفلكية تبين لنا أنه لم يخطئ إلا في دقيقة واحدة حسب طول السنة الشمسية بدرجة عالية من الدقة، وبخطأ مقداره دقيقتان واثنتان وعشرين ثانية فقط. - أجرى أرصادًا دقيقة للكسوف والخسوف. اعتمد عليها فلكيو الغرب في حساب تسارع القمر أثناء حركته خلال قرن من الزمان. - برهن على احتمال حدوث الكسوف الحلقي للشمس. وفي ذلك مخالفة وتصحيح لرأي الفلكي السكندري بطليموس. - حقق مواقع عدد كبير من النجوم، وصحح بعض نظريات حركات القمر وكواكب المجموعة الشمسية. - توصل إلى نظرية قوية الأسانيد، توضح وتفسر أطوار القمر عند ولادته. - أوضح البتاني حركة الذنب للأرض. إنجازات البتاني في حساب المثلثات - وصل البتاني إلى بعض المعادلات الأساسية والحلول المهمة في علم حساب المثلثات الكري (Spherical Trigonometry)، وهو العلم الرياضي الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في ارتقاء علم الفلك. - البتاني هو أول من استبدل "الوتر" الذي كان بطليموس يستعمله بـ"الجيب"، وهو إحدى النسب المثلثية ويساوي حاصل قسمة طول الضلع المقابل للزاوية على وتر المثلث القائم الزاوية. - توصل البتاني إلى معادلة جبرية لحساب قيمة الزاوية بمعلومية النسبة بين جيبها وجيب تمامها. - البتاني هو أول من حسب الجداول الرياضية لنظير المماس. - البتاني هو من أوائل العلماء المسلمين الذين استخدموا الرموز في تسهيل العمليات الرياضية. البتاني يصحح رأي بطليموس كان الفلكيون قبل البتاني وعلى رأسهم بطليموس، يقولون بثبات ميل حركة أوج الشمس بحساب دائرة الفلك، إلى أن جاء البتاني فبيَّن أن الميل يتغير مع الزمن، وأن أوج الشمس والتباعد المركزي لمسارها قد تغير منذ عهد "أبرخس"، على الرغم من أن بطليموس أكد ثباتها. ولم ينس البتاني أن يوضح أن حركة أوج الشمس هي حركة الاعتدالين، ومن ذلك أوجد أن طوال السنة المدارية هو (365) يومًا و(5) ساعات و(46) دقيقة و(34) ثانية، أي بخطأ نقصانٍ مقداره دقيقتان و(22) ثانية. بينما كان خطأ بطليموس بزيادةٍ مقدارها (6) دقائق و(26) ثانية. كما أنه أوضح كيفية تغير القطر الظاهري للشمس والقمر، مثبتًا إمكانية حدوث الكسوف الحلقي للشمس، بعكس ما كان يظنه بطليموس. وقد استخدم البتاني في إثبات ذلك أجهزة فلكية من صنعه، منها جهاز لقياس الارتفاع الزاوي للشمس. هذا الجهاز الذي يتألف من عامود شاقولي طوله موضوع على مستوى أفقي يقاس عليه طول ظل هذا العامود. مؤلفات البتاني ألف البتاني عددًا كبيرًا من المؤلفات، تضمنت أرصاده الدقيقة ومقارناته بين التقاويم المعروفة لدى الأمم المختلفة (الهجري، الفارسي، الميلادي، القبطي)، وأوصافه للآلات المستخدمة في عمليات الأرصاد الفلكية وطرق صناعتها. ومن أهم مؤلفات البتاني: كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، ورسالة تحقيق أقدار الاتصالات، وشرح المقالات الأربع لبطليموس، وكتاب تعديل الكواكب، وكتب ورسائل في علم الجغرافيا، وكتاب الزيج الصابئ أو زيج البتاني. و"الزيج" هو أهم كتب البتاني العلمية، وضعه عام (287هـ/900م) على أساس أرصاد قام بها في الرقة وأنطاكية في العام نفسه، متخذًا "زيج الممتحن" ليحيى بن منصور مرجعًا له. ويعد "الزيج الصابئ" أهم وأصح الأزياج المعروفة التي أثمرتها الحضارة الإسلامية، وسمي بـ"الزيج الصابئ" نظرًا لانتماء البتاني إلى طائفة صائبة حران، الذين عدّهم الرسولضمن أهل الكتاب قبل أن يسلموا. ويشتمل "الزيج الصابئ" على مقدمة، وسبعة وخمسين فصلاً، ضمّنها البتاني الكثير من أرصاده الفلكية وأفكاره ونظرياته في علم الفلك. وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية أكثر من مرة في القرن الثاني عشر، كما أمر "ألفونسو العاشر" في "قشتالة" بنقله إلى الإسبانية، وأطلع عليه كبار الفلكيين الأوربيين ومنهم "كوبرنيك" (Copernicus) في القرن السادس عشر الميلادي. وفي عام (1899م) طبع الزيح الصابئ بـ"روما"، بعد أن حققه "كارلو نللينو" عن النسخة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال بإسبانيا. ويضم الكتاب أكثر من ستين موضوعًا أهمها: تقسيم دائرة الفلك وضرب الأجزاء بعضها في بعض وتجذيرها وقسمتها بعضها على بعض، معرفة أقدار أوتار أجزاء الدائرة، مقدار ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار وتجزئة هذا الميل، معرفة أقدار ما يطلع من فلك معدل النهار، معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، معرفة أوقات تحاويل السنين الكائنة عند عودة الشمس إلى الموضع الذي كانت فيه أصلاً، معرفة حركات سائر الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض. عرف البتاني قانون تناسب الجيوب، واستخدم معادلات المثلثات الكرية الأساسية. كما أدخل اصطلاح جيب التمام، واستخدم الخطوط المماسة للأقواس، واستعان بها في حساب الأرباع الشمسية، وأطلق عليها اسم "الظل الممدود" الذي يعرف باسم "خط التماس". البتاني في عيون علماء الغرب اعترف الفلكي الشهير "إدموند هالي" بدقة أرصاد البتاني، واعترف بذلك أيضًا "كاجوري" في كتابه "في تاريخ الرياضيات"، كما أشار مؤرخ العلم "جورج سارتون" إلى البتاني بإعجاب شديد باعتباره أعظم الفلكيين المسلمين. واعترف المستشرق الإيطالي "نللينو" أن أرصاد البتاني في الزيج الصابئ، كان لها أعظم الأثر على تطور علم المثلثات الكروية في أوربا. وقال عنه "جوزيف شاخت" في كتابه "تراث الإسلام": "يعتبر البتاني مبرزًا بين جميع الفلكيين العرب والمسلمين. فقد وضع جداول الزيج الصابئ، وقام بأرصاد عديدة لها جانب كبير من الدقة لدرجة أنه استطاع إثبات حدوث الكسوف الحلقي للشمس". وبعد ذلك بعدة قرون، تمكّن "دنثورن" (Dunthorne) بالاعتماد على أرصاد البتاني من تحديد تسارع القمر في حركته حول الأرض. وعن البتاني ذكرت دائرة المعارف الإسلامية الإنجليزية: "البتاني فلكي ورياضي عربي مشهور، ويعتبر أحد أعلام رجال الفلك في العالم، ولد في (بتان) بنواحي حران. وقد أسهم في وضع أساس علم المثلثات الحديثة ووسع نطاقها، واكتشف الكثير من حقائق علم الفلك، ولم يُعلَم أحدٌ في الإسلام بلغ مبلغ البتاني في تصحيح أرصاد الكواكب وامتحان حركتها. وهو أول من اكتشف (السمت) و(النظير) وحدد نقطتهما في السماء، وعني برصد الكسوف والخسوف، وصحح بعض نتائج بطليموس الإسكندري". ولمكانة البتاني العلمية، أطلق علماء الفلك الغربيون اسمه على أحد سهول القمر (Albategnius). كما ذكره معجم ماكميلان لعلم الفلك ضمن قائمة مشاهير علم الفلك عبر التاريخ. وفي كتابه "The Spirit of Islam" أي "روح الإسلام" يقول المفكر الإسلامي الهندي "سيد أمير علي" عن البتاني: "شكلت جداوله الفلكية -المترجمة إلى اللغة اللاتينية- ركائز علم الفلك لقرون عدة، ومع ذلك، فالبتاني معروف أكثر في تاريخ الرياضيات باعتباره أول من أدخل الجيب وجيب التمام بدلاً من الوتر في الحسابات الفلكية وحساب المثلثات". ويعتبر كتاب "الزيج الصابئ" واحدًا من أهم مائة كتاب في التراث العربي الإسلامي الكريم، وأهم كتاب فلك عربي إسلامي؛ لأن القائمة التي عددت المائة كتاب، لم تحو من كتب الفلك العربية الإسلامي شيئًا غيره. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
صفحة من تاريخ العلوم: الآمدي .. مستنبط الكتابة البارزة للمكفوفين يذكر التاريخ الحديث، أن رجلاً فرنسيًّا اسمه “لويس برايل” كان أعمى لا يبصر، استنبط في سنة 1829م أي منذ نحو مائة وخمسين سنة الأسلوب المنسوب إليه لتعليم العميان القراءة والكتابة، وقد خُلِّد اسمه وشرفه الفرنسيون بهذا الاستنباط الخطير، الذي أخذت به أمم العالم في تعليم العميان. ولكن من يدري أن رجلاً عربيًّا، كان أعمى أيضًا لا يبصر، اسمه “زين الدين علي بن أحمد الآمدي العابر” عاش في حدود سنة سبعمائة للهجرة أي قبل نحو سبعمائة سنة كان السابق في هذا المضمار، وإليه يرجع – دون سواه – الفضل كله في ابتداع الكتابة البارزة للعميان. كان أستاذاً في المدرسة المستنصرية ببغداد، وله فيها غرفة خاصة به، ترجم له الصفدي في كتاب “نكت الهميان في نكت العميان” ووصفه بقوله: “كان شيخًا مليحًا مهيبًا ثقة صدوقًا، كبير القدر والسن، أضر في أوائل عمره، وكان آية عظيمة في تعبير الرؤيا، مع مزايا أخرى عجيبة، تدل كلها على عبقريته وشدة فطنته وذكائه”. وله حكايات غريبة، ذكر الصفدي طائفة منها، غير أن أعجبها، ما جرى له مع السلطان “غازان” المغولي ببغداد، وهو من أحفاد “هولاكو بن جنكيز خان” قال: لما دخل السلطان غازان، المذكور، سنة خمس وتسعين وستمائة، أُعْلِم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور فقال السلطان غازان لأصحابه: إذا جئت غدًا المدرسة المستنصرية أجتمع به، فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس به، واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي لتلقي السلطان، فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحدًا بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ، ويوهمه الذين معه، أنه هو السلطان – امتحانًا له – فجعل الناس كلما قدم أمير يعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين؛ ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه، من غير تحرك له ولا احتفال به، حتى جاء السلطان غازان، في دون تقدمه من الأمراء في الحفل، وسلَّم على الشيخ وصافحه، فحين وضع يده في يده نهض له قائمًا وأعظم ملتقاه والاحتفال به، وأعظم الدعاء للسلطان باللسان المغولي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي، ورفع به صوته إعلامًا للناس، وكان زين المذكور عارفًا بكثير من الألسن واللغات، فعجب السلطان غازان من فطنته، وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع أنه ضرير بحاسته (بحدسه) الذي فطن من معرفته للسلطان. صَنَّف الآمدي جملة كتب في اللغة والفقه، وكان يتّجر بالكتب، أما قصة اكتشافه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان فهي أنه كان يحرز كتبًا كثيرة جدًّا، وكان إذا طُلب منه كتاب، وكان يعلم أنه عنده، نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها، كأنه قد وضعه لساعته، وإن كان الكتاب عدة مجلدات، وطُلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك، أخرجه بعينه وأتى به، وكان يمس الكتاب أولاً، ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا كراسة، فيكون الأمر كما قال، وإذا أمَرّ يده على الصفحة، قال عدد أسطر هذه الصفحة كذا وكذا سطرًا، وفيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كُتب به في الوجهة – أي في الجانب – وفيها بالحمرة هذا، وهذه المواضع كتبت فيها بالحمرة، وإن اتفق أنها كُتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هناك إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يُمتحن به. والأدهى من ذلك، أنه كان يعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء، وذلك أنه كان إذا اشترى كتابًا بشيء معلوم، أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة – أي صغيرة – وصنعها حرفًا – أو أكثر – من حروف الهجاء، لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف، ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل، ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبّد فإذا شدّ الكتاب بيده يعرف ثمنه من تنبيت (بروزات) العدد الملصق فيه. وهذا الأسلوب هو بعينه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان؛ وهو أمر يدل دلالة قاطعة على عناية أولئك الأقدمين بأمور يُظَنّ أنها من مبتكرات العصور الحديثة ومستنبطات المدنية الحاضرة. خالد عزب |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
المسلمون والرياضيات نورالدين قلالة http://2.bp.blogspot.com/-5U0fnwBzPQ...400/images.jpg يتمتع علم الرياضيات بجاذبية خاصة وسحر أخّاذ وبريق مبهر فهو مادة إيقاظ الفكر وشحذ المواهب وبناء العقول ، أن مادة الرياضيات هي مادة البناء في أبحاث الفضاء والفلك والأجهزة الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة وتغلغلت بها وانتقلت بالناس من عالم إلى عالم آخر . لاشك في أن لا شي يعادل الرياضيات فهي بتركيبها الدقيق غنية بصورة لا تضاهيها أي مادة في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها، والنظرية المبرهنة رياضيا تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف النظر إذا كان منطبقا على الواقع أم غير منطبق .. الأهم أن يتسق البناء المنطقي مع نفسه. أما في العلوم الإخبارية والتجريبية فوسائلها الحواس والتصورات ومدى التناغم والصدق مع الواقع، لذا فإن علوم الفلك والفيزياء تتعرض للتصديق والتكذيب، فتبطل النظريات الجديدة القديمة والشواهد على ذلك في تاريخ العلوم تكاد لا تحصى مثل كيفية الإبصار وطبيعة الكهرباء وعلوم الفلك والتصورات حول الكون .. الخ. لهذه الأسباب سميت المبرهنة الرياضية للدلالة على يقينها، أما في العلوم التجريبية والإخبارية فالنظرية مجرد تصور لا يرقى لليقين المطلق الذي تحظى به المبرهنة الرياضاتية، لهذا السبب سميت الرياضيات بلقب “ملكة العلوم “وهذا يعني تماما أن مهمة تكوين العقل الناقد وتمليكه أدوات ومقاييس الحكم ومفاهيم الصح والخطأ المجردة – هي مهمة تتعلق مباشرة وبالضرورة بالمنطق الرياضياتي المجرد ولا تتعلق بالحساب أو بالرياضيات التطبيقية والفيزياء فكلها لا تعدو أمثلة، وذلك لا ينفي بأي حال أن التطور الذي حققه الإنسان هو ” ثمرة اتحاد الاستدلال الرياضي ( بشقيه الاستقرائي والاستنتاجي ) مع التجريب ( الفيزياء وعلوم الفلك بشكل خاص). وبالرغم من أن الرياضيات مادة مشوقة ، تميل النفس إلى دراستها والبحث فيها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون حجر عثرة أمام الكثيرين منا . وذلك بسبب عدم استيعابنا لأصولها ونظريتها وقوانينها .ومما لاشك فيه أن هذا العجز عن الفهم لم يكن عيباً في ذات المادة ولكنه نابع من ذاتنا نحن !! تعريف علم الرياضيات عرّف علماء الرياضيات هذا العلم بعدة تعريفات هي على النحو التالي : عرّفه البعض بأنه علم تراكمي البنيان (المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقة) يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل (حل مشكلات) وبرهان يتعامل مع الأرقام والرموز ويعتبر رياضة للعقل البشري . حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ، ويقاس تمكن لدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسالة ( المشكلة ) وتقديم البرهان المناسب وعرّفه البعض الآخر بأنها علم دراسة البنية، الفضاء، و التغير، و بشكل عام على أنها دراسة البنى المجردة باستخدام المنطق و التدوين الرياضي. و بشكل أكثر عمومية، تعرف الرياضيات على أنها دراسة الأعداد و أنماطها. والحقيقة أن البنى الرياضية التي يدرسها الرياضيون غالبا ما يعود أصلها إلى العلوم الطبيعية، و خاصة الفيزياء والفيزياء، ولكن الرياضيين يقومون بتعريف و دراسة بنى أخرى لأغراض رياضية بحتة، لان هذه البنى قد توفر تعميما لحقول أخرى من الرياضيات مثلا، أو أن تكون عاملا مساعدا في حسابات معينة، و أخيرا فان الرياضيين قد يدرسون حقولا معينة من الرياضيات لتحمسهم لها، معتبرين أن الرياضيات هي[فن و ليس علما تطبيقيا. كما عرفه آخرون بأنه علم تراكمي البنيان يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة، ويتكون من :أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات –حل مسائل (حل مشكلات ) وبرهان، ويتعامل مع الأرقام والرموز . ويعتبر رياضة للعقل البشري، حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل، يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ويقاس تمكن الدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسألة (المشكلة) وتقديم البرهان المناسب “. الرياضيات عند العرب والمسلمين كان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها “الجبر والمقابلة” الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر “عن كتاب بغداد مدينة السلام” . القرآن الكريم والرياضيات لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بجميع العلوم التي تخدم المجتمع و تطوّر من شأنه ومنها علم الرياضيات. يقول الله تعالى في كتبه العزيز:{إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر : 49). ويقول :” {أنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}(الرعد: 17)، ويقول:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }(الرحمن : 5). كما جل جلاله {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}(الأنعام : 62). بل إنّ هناك آيتين في القرآن الكريم صرّحت بالدعوة إلى تعلّم الحساب. ففي سورة الإسراء يقول الله سبحانه وتعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء:12). وفي سورة يونس يقول الحقّ تبارك وتعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}( يونس:5). ولمّا استتبّ أمر الدولة الإسلامية أخذ خلفائها ينشرون العلم وينشئون المكاتب وينقلون إليها كتب حكماء اليونان والرومان، فأخذ بها المسلمون وصحّحوا أخطائها وزادوا عليها من علومهم الشيء الكثير . وقد برع الكثير من علماء المسلمين في علم الرياضيات أمثال جابر ابن حيّان الذي يُنسب إليه علم الجبر وثابت ابن قُرّة وغيرهم الكثير وقد قام علماء العرب المسلمون بترجمة وحفظ أعمال قدامى الإغريق من علماء الرياضيات بالإضافة إلى إسهاماتهم المبتكرة. ففي خلافة أبي جعفر المنصور ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY ت. 17 م، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم “المجسطي “. واسم هذا الكتاب في اليونانية ” (EMEGAL MATHEMATIKE ، ” أي الكتاب الأعظم في الحساب. والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات. وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه. وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتاSiddhanta أي “المعرفة والعلم والمذهـب “. وألف عالم الرياضيات العربي الخوارزمي كتابًا حوالي عام 210هـ، 825م، وصف فيه نظام العد اللفظي المطور في الهند. وقد استخدم هذا النظام العشري قيمًا للمنزلة وكذلك الصفر، وأصبح معروفًا بالنظام العددي الهندي ـ العربي كما ألف الخوارزمي كذلك كتابا قيما في الجبر بعنوان كتاب الجبر والمقابلة. قد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر بعضهم في كاباته، إن “للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة” . وقال روم لاندو “على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس و وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا” . أما هوبر فذكر أن “التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية” . الخوارزميات و فضل علماء المسلمين علماء الرياضيات المسلمين ينتمون إلى عدة مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، من بغداد والشام ومصر والمغرب والأندلس وبلاد المشرق. ولم يقتصر الأمر على الرجال فقط، بل أن المرأة المسلمة شاركت أيضا في الإنجازات العلمية الرياضية ، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي البغدادية المتوفاة سنة 377 هـ. . ومن بين أشهر علماء الرياضيات المسلمين نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ابن سينا: وهو أبو العلي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن على بن سينا، والمولود عام 980م في إحدى القرى بأوزبكستان المعروفة ببخارى سابقاً، حفظ القران وهو في العاشرة، ويعد من أشهر وأهم علماء الرياضيات المسلمين، وصل علمه وانجازاته إلى الرياضيات والطب والفلسفة وعلم النفس وكتب العديد من الكتب في الرياضة منها مختصر علم الهيئة ومختصر إقليدس ورسالة الزاوية. عمر الخيام: وهو عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري والمولود عام 1048م وعرف بالخيام لأنه عمل في مجال نسج وصناعة الخيام في الصغر، ومن العلوم التي تفوق فيها الرياضيات والفقه والفلك واللغة ، ومن خلال حبه لعلم الرياضيات أبدع في علم الجبر وبحث في المعادلات من الدرجة الرابعة والثالثة ويعد من علماء المسلمين الذين تفوقوا في الجبر بعد الخوارزمي، كما أبدع في الهندسة التحليلية وعلم كل من المقطعين السيني والصادي، وتطرق إلى دراسة نظريات إقليدس. الخوارزمي: وهو محمد بن موسى الخوارزمي والمولود عام 780م بخوارزم ولكن عاش في بغداد وفي عهد الخليفة المأمون عمل بدار الحكمة من 813-833م وهو الأمر الذي جعله يدرس العلوم الجغرافية والفلكية وتميز في علم الرياضيات، وبالأخص في الجبر والحساب واشتُهر بالعالم الغربي من خلال كتبه التي ترجمت إلى العديد من اللغات ومنها اللغة اللاتينية مثل كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة وكتاب الجبر والمقابلة وكتاب علم الحساب، وللكتاب الأخر أهمية في معرفة الصفر والأرقام الهندية وأوجد الخوارزمي النسب المثلثية وظل زوايا المثلث، وتم استخدام الخوارزميات في الحواسيب والرياضيات والتي تم ترجمتها للغة الإنجليزية وهو السبب في إطلاق اسم أبي الحاسوب عليه لما له من إسهامات في هذا العلم من خلال الخوارزميات، وجميع مؤلفاته له القدر والمكانة حتى اليوم ويتم تدريسها والاعتماد عليها كمراجع، وتوفى عام 850م. البيروني: وهو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني العالم المسلم البيروني تميز في الفلسفة والرياضيات حيث الذكاء الحاد والنبوغ المتميز اللذان اعتمد عليهما في اكتشاف الأسلوب والطريقة لعمل الاحتمالات الرياضية، ومن أهم الكتب التي كتبها استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني الواقع فيها، والذي حدد فيه طول الوتر والجيب ال 18 درجة وكانت قيمتها 0.30915 وتوجد بجداول النسب المثلثية ب 0.3090، واستطاع البيروني وضع معادلة حساب نصف قطر الكرة الأرضية. الطوسي: هو نصر الدين الطوسي والمعروف بالعلامة لأنه أجاد العديد من اللغات التي لها الأهمية في دراسة العلوم المختلفة، اهتم بحساب المثلثات والهندسة والفلك والرياضيات وألف كتاب القطاعات، وكان هو الكتاب الأول الذي تخصص في حساب المثلثات وتم ترجمته إلى عدد من اللغات وتم الاستفادة منه في العالم. ويحتاج البشر لهذا العلم لما له أهمية في تنظيم المجتمع والمعاملات التجارية والعديد من المجالات، واليوم يعد علم الرياضيات من العلوم المتواجدة بالحياة اليومية نظراً لضرورياته وتوظيفه في كافة الأمور الخاصة بالبشر، ولا يمكن إغفال دور علماء الرياضيات المسلمين في تطور هذا العلم الهام من حيث تقديم النظريات والمؤلفات، وإلى اليوم يتم استخدام أعمالهم التي تطورت علم الرياضيات ويتم تطوريها حتى اليوم. وقد كان اهتمام المسلمين بهذا العلم واضحا وملحا، ففي العصر العباسي كلف الخليفة المأمون عالم الرياضيات الخوارزمي الاهتمام بعلم الرياضة من خلال وضع نظرية لحل المعادلات الصعبة، وهو ما جعل الخوارزمي يؤلف كتاب الجبر والمقابلة. وبدأ غيره من العلماء في دراسة الهندسة ومن خلالها تم استخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبة والضرب والحساب وتقسيم الأعداد ومضاعفاتها، وفي عام 1436م تم اكتشاف الكسر العشري من خلال استخدام الصفر والذي اكتشفه هو العالم الكاشي، واكتشف العلماء المسلمين العديد من النظريات التي أفادت العالم العربي والغربي على حد سواء. العرب والصفر(0) معلوم أن العرب هم الذين ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما وأن الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا فهي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) كذلك وهلمّ جرّا…إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بالشكل أدناه لمواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية…إلخ. لكن من الغريب أن الأوربيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا بعد انقضاء قرون عديدة من اطلاعهم عليها، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا و العالم إلا في أواخر القرن السادس عشر . أوائل في التاريخ لقد تميز العرب والمسلمون في العديد من العلوم، خاصة في علم الرياضيات الذي حظي باهتمام ليس له نظير، وكانوا الأوائل في العديد من الاكتشافات في هذا المجال: أول من وضع علم الجبر واستعمل لفظ الجبر ووضع أصوله و قوانينه هو الخوارزمي اول من أضاف العدد صفر إلى مجموعة الأعداد لتكون الأعداد الطبيعية هو الخوارزمي. أول من توصل لحساب طول السنة الشمسية هو ابو الحسن ثابت بن قرة ولدعام 836 م أول من اخترع النسب المثلثية هو أبو جابر البتاني محمد بن سنان الحراني ولد ببتان850 م. أول من أدخل علامة الكسر العشري واكتشف الصفر هو جمشيد بن محمود بن مسعود الملقب بغياث الدين ولد بمدينة كاشان ولذلك يعرف بالكاشي. أول من بيّن طريقة إيجاد الجذر التكعيبي هو أبو الحسن علي بن أحمد النسوي. أوّل من استعمل الأسس السالبة هو العالم المسلم السموأل المغربي. أوّل من استخدم الجذر التربيعي هو العالم المسلم الرياضي الخوارزمي، وأوّل من استعمله للأغراض الحسابية هو العالم أبو الحسن علي بن محمد القلصادي الأندلسي الذي ولد عام 825 هجرية وتوفي سنة 891 هجرية وانتشرهذا الرمز في مختلف لغات العالم. علماء العرب المسلمون أبو عبد الله البتاني والزرقلي ونصير الدين الطوسي هم أول من قام بتطوير علم حساب المثلثات (الذي أسسه الفراعنة القدماء) ووضعوا له الأسس الحديثة له لجعله علما مستقلا بذاته. أوّل من استعمل الرموز أو المجاهيل في علم الرياضيات هم العرب المسلمون ،فاستعملوا (س) للمجهول الأول ، و https://majles.alukah.net/images/smilies/salah.gif للثاني و (ج) للمعادلات للجذر. أوّل رسالة عن علم الرياضيات طبعت في أوروبا كانت مأخوذة من جداول العالم المسلم أبي عبد الله البتاني ،وقد طبعت هذه الرسالة الأولى عام 1493م في اليونان. |
هل اهتم المسلمون بعلم الحياة؟
هل اهتم المسلمون بعلم الحياة؟ نورالدين قلالة https://www.arrajol.com/sites/defaul...9%8A%D8%B3.jpg لم يهتم المسلمون بعلوم الشريعة الإسلامية فحسب، وإنما كان لهم مساهمات عظيمة في شتى العلوم الأخرى، حيث اهتم المسلمون بعلم الحياة، وبرعوا فيه وسجلوا اكتشافات غير مسبوقة لم يصل إليها أحد. وكان لهم الفضل الأول في الكشف عن بعض الأمور التي كانت سببا في تقديم خدمات جليلة للإنسانية جمعاء. فكيف اهتم المسلمون بعلم الحياة؟ تكمن أهمية علم الأحياء في أنه ساعد في دراسة جسم الإنسان ودراسة النباتات والعمليات التي تقوم بها، حيث صنفت البيولوجيا الكائنات الحية وساعدت ذلك في دراسة وفهم خصائصها ومراحل تطورها وكيفية تطورها. وقد صب اهتمام علم الحياة في دراسة جميع الكائنات الحية الموجودة على الأرض من العصور القديمة إلى عصرنا الراهن، ويعتبر علم الأحياء فضيلة عظيمة في فهم الإنسان للبيئة المحيطة به، وأظهر له كيف ينبغي عليه المضي قدما في استخدام الموارد التي من خلالها لتحقيق المنفعة العظيمة لجميع الكائنات، مثل فك تشفير الطبيعة التي كانت لفترة طويلة غامضة وغامضة. ما هو علم الأحياء؟ يعرف علم الأحياء بانه علم طبيعي يُعنى بدراسة الحياة والكائنات الحية، بما في ذلك هياكلها ووظائفها ونموها وتطورها وتوزيعها وتصنيفها. والأحياء الحديثة هي ميدانٌ واسعٌ يتألف من العديد من الفروع والتخصصات الفرعيَّة، لكنها تتضمن بعض المفاهيم العامّة الموحدة التي تربط بين فروعها المُختلفة وتسير عليها جميع الدراسات والبحوث. يُنظر إلى الخلية في علم الأحياء عموماً باعتبارها وحدة الحياة الأساسية، والجين باعتباره وحدة التوريث الأساسية، والتطور باعتباره المُحرّك الذي يولد الأنواع الجديدة. ومن المفهوم أيضاً في علم الأحياء في الوقت الحاضر أنّ جميع الكائنات الحيّة تبقى على قيد الحياة عن طريق استهلاك وتحويل الطاقة، ومن خلال تنظيم البيئة الداخلية للحفاظ على حالةٍ مُستقرةٍ وحيويّة. ينقسم علم الأحياء إلى فروع حسب نطاق الكائنات الحيَّة التي تدرسها، وأنواع الكائنات الحيَّة المدروسة، والأساليب المُستخدمة في دراستها. فتدرس الكيمياء الحيوية العمليات الكيميائية المُتعلقة بالكائنات الحيَّة، ويدرس علم الأحياء الجزيئي التفاعلات المُعقدة التي تحصل بين الجُزيئات البيولوجية، ويُعنى علم النبات بدراسة حياة النباتات المُختلفة، ويدرس علم الأحياء الخلوي الخلية التي تُعدّ الوحدة البنائية الأساسية للحياة، ويدرس علم وظائف الأعضاء الوظائف الفيزيائية والكيميائية لأنسجة وأعضاء وأجهزة الكائن الحي، بينما يدرس علم الأحياء التطوري العمليات التي أدّت إلى تنوّع الحياة، ويُعنى علم البيئة بالبحث في كيفيّة تفاعل الكائنات الحيَّة مع بيئتها. المسلمون وعلم الأحياء أسهم العلماء المسلمون إسهامات مهمة في علم الأحياء، مثل الجاحظ، وأبو حنيفة الدينوري الذي كتب في علوم النباتات، وأبو بكر الرازي الذي كتب في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. كما أولى المسلمون الطب اهتماماً خاصاً، فترجموا علوم اليونانيين وأضافوا إليها الكثير. أمّا إسهاماتهم في التاريخ الطبيعي فكانت مُعتمدةً بشكلٍ كبيرٍ على الفكر الأرسطي. وعلى الرغم من ظهور علم الأحياء بشكله الحالي حديثا نسبيا، إلا أن العلوم التي تتضمنها الأحياء أو تتعلق فيها كانت تُدرس منذ العصور القديمة. فقد كانت الفلسفة الطبيعية تُدرس في بلاد الرافدين ومصر وشبه القارة الهندية والصين. بيد أنّ أصول علوم الأحياء الحديثة ومنهجها في دراسة الطبيعة تعود إلى اليونان القديمة. فكان أبقراط بمثابة مؤسس علم الطب، بالإضافة إلى مساهمة أرسطو الكبيرة في تطوير علم الأحياء، حيث كان لكتبه التي أظهر فيها ميوله للطبيعة أهمية خاصة مثل كتاب “تاريخ الحيوانات”، تبع ذلك أعمال أكثر تجريبية ركّزت على السببية البيولوجية وتنوع الحياة. وكتب ثيوفراستوس بعد ذلك سلسلة من الكتب في علم النبات اعتُبرت الأهم من نوعها في هذا العلم في العصور القديمة حتى العصور الوسطى. أشهر علماء الحياة من العرب والمسلمين لعب العرب والمسلمون دورا كبيرا في تطوير علم الأحياء، حيث كانت مساهماتهم في علم الحياة مساهمات سجلها التاريخ لهم واستفادت منها الإنسانية حتى هذا الوقت، حيث أظهر علماء الأحياء العرب والمسلمون الكثير من الغموض الذي لم يكتشفه أحد من قبل. فهل اهتم المسلمون بعلم الحياة حقيقة؟ وكيف كان اهتمامهم؟ هناك العديد من هؤلاء العلماء الذين ساهموا في تطور وتكوين علم الأحياء ومن أشهرهم:
تميز علماء الأحياء المسلمون بالعديد من المميزات والخصائص التي تميزهم عن غيرهم من العلماء في هذا المجال:
ترك علماء الأحياء العرب والمسلمون بصمات دقيقة وواضحة في علم الأحياء، فقد كانوا مجموعة من العلماء لا يتوقف عن الحديث عنهم في عصور معينة. لكن الغريب في الأمر، لا أحد يتحدث عنهم وعن انجازاتهم واكتشافاتهم في العصر الراهن. على الرغم من أن إسهاماتهم التي قدموها أثبتت -بما لا يدع مجالا للشك- أن المسلمين قادرون على بلوغ مراحل لا يستطيع أحد أن يصل إليها. كان عالم الأحياء ابن سينا هو المكتشف الرئيسي للدودة المستديرة، قبل أن يكتشفها علماء الأحياء الغربيون، بينما كانت مساهمات ابن النفيس في العلوم الطبية غير عادية، حيث اكتشف دوران الأوعية الدقيقة، وغيرها الكثير. فيما قيل عن عالم الأحياء ابن البيطار: “إنه عالم نباتي حكيم طويل الأمد”. لكن- للأسف -كثيرا ما يحتفل التاريخ بإنجازات علماء الغرب العظيمة في شتّى العلوم والمعارف، ويتناسى العلماء العرب والمسلمون، فيذكر أرسطو و سقراط ونيوتين وماري كوري و جاليلي وأينشتاين..ولا يذكر ابن سينا وابن النفيس وابن البيطار والدميري والقزويني وابن رشد.. علماؤهم بلغ صيتهم كل الدنى والدروب، حتى أصبحوا مفخرة للشعوب بما فيهم نحن. نحن الذين رفعنا من قيمتهم ودعمناهم وأدخلناهم إلى كلياتنا وجامعاتنا ومناهجنا التعليمية. ونسينا أن تاريخنا العربي والإسلامي يزخر بأمثالهم من العلماء والمفكرين الذين قد يكونوا سبقوا هؤلاء العلماء بإنجازاتهم، وحتى أن بعض علماء الغرب قد استندوا في دراساتهم على أبحاث العلماء المسلمين. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
مصنفات وكتب الفنون الحربية في التراث فاطمة حافظ لم يقتصر نبوغ العرب في عصورهم الزاهية على علوم الشريعة واللغة وإنما امتد ليشمل كافة مجالات العلوم بما فيها العلوم العسكرية والحربية، وإذا كان جل المحققون نشروا جوانب مختلفة من التراث العلمي منذ بدايات حركة نشر التراث في القرن التاسع عشر إلا أن التراث العسكري ظل بعيدا عن الاهتمام على الرغم من وجود تراث عسكري أشارت إليه كتب الببليوغرافيا وتصانيف العلوم وتقسيمها، وفي السطور التالية أحاول الإشارة إلى طائفة من الفنون العسكرية التي ظهرت في السياق العربي الإسلامي، وإلى بعض التآليف التي صنفت فيها، وجل مادة هذا المقال مستخرجة من: (مفتاح السعادة) لطاشكبري زادة، (كشف الظنون) لحاجي خليفة باعتبارهما أهم ببليوغرافية إسلامية، كما أفدت من (هدية العارفين) للبغدادي حيث يضم التصانيف المتأخرة في هذا المجال. نبذة حول العلوم الحربية أشار كلا من طاشكبري زادة وحاجي خليفة إلى بعض العلوم التي ظهرت في المجال الحربي والعسكري، مثل علم الفروسية، وعلم الصناعات الحربية، وعلم البنود (الرماح)، وعلم الميادين الذي يدرس كيفية النزال، ولكنهما تحدثا بإسهاب عن أربعة علوم رئيسة وهي:
أما المصنفات المتخصصة فهي أكثر من أن تحصى وبعضها يندرج في إطار العلوم الأربعة السالفة وبعضها يخرج عنها، وسنفتتح أولا بالعلوم الأربعة ثم نعرج على بعض المصنفات الأخرى. المصنفات في علم الآلات الحربية
استنتاجات ختامية استخلاصا مما سبق يمكن القول أن التصنيف في الفنون الحربية والعسكرية شغل قسما لا بأس به من المكتبة التراثية، وأن الحاجة لا تزال ماسة إلى بذل الجهد للتعريف به وتحقيقه ونشره نشرا علميا، وأولى المؤلفات في هذا المجال تعود إلى بدايات القرن الثالث الهجري ومؤلفوها لم يكونوا من العسكريين فقد كتب بعض الفلاسفة كالفارابي وابن سينا عن قيادة الجيوش، وكذلك كتب نفر من الفقهاء عن الفروسية والخيل، ولكن تطورا نوعيا ملحوظا يمكن رصده ابتداء من العصر الأيوبي الذي شهد المواجهة مع الصليبيين، وفيه نجد أن عملية التصنيف في المجالات العسكرية انتقلت إلى أيدي القواد والمقاتلين وصارت أكثر تخصصية وتتناول موضوعات فنية دقيقة، وقد وضع عدد من المصنفات بأمر مباشر صلاح الدين الأيوبي، واستمر التطور في العصر المملوكي الذي شهد توسعا في حركة التصنيف حيث اشتهر بعض القادة بوضع مصنفات كثيرة، مثل: ابن منكلي وهو رئيس حرس السلطات الأشرف شعبان، وابن جماعة الذي عاصر عددا من السلاطين المماليك، وقد استمرت حركة التصنيف خلال العصر العثماني وهنالك عدد ضخم من المؤلفات كتبت باللغة العثمانية، وهي تشير إلى أن المسلمين عبر تاريخهم لم يهملوا شأن العلوم والصناعات الحربية وأولوها عنايتهم. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علم الفلك في الحضارة الإسلامية د. عبد الحليم عويس https://i.imgur.com/4FttIxC.png كانت لدى المسلمين بواعث عملية ودينية للاهتمام بعلم الفلك؛ فاتساع الأرض الإسلامية، وصحراوية كثير منها، يحتاج لمعرفة النجوم والسير على هداها. كما أن تعيين أوقات الصلاة في كل بلد يستلزم معرفة الموقع الجغرافي طولاً وعرضًا، وموقع الشمس في فلكها، ويقتضي تحديد القبلة معرفة موقع البلاد، وكذلك يوجب تحديد صيام رمضان ونهايته معرفة طرق رؤية الهلال، في ظل الظروف التي قد لا تكفي العين المجردة للقيام بالأمر. معرفة المسلمين بعلم الفلك قبل العصر العباسي ظلت معرفة المسلمين بعلم الفلك في فترة صدر الإسلام والعصر الأموي معرفة متواضعة، تقتصر على ما يدرك بمجرد العيان، كما ذكر "نلّينو"، دون أن تتكئ على أسس علمية ثابتة، أو معرفة موسعة بعلوم الرياضيات، باستثناء ما تردد عن ترجمة كتاب في الفلك بعنوان "عرض مفتاح النجوم" لهرمس الحكيم، ترجم في ذي القعدة من سنة (125هـ/ 743م). ورُوي كذلك أن الوزير الفاطمي "أبا القاسم علي بن محمد الجرجاني" عثر في خزانة الكتب الفاطمية عام (435هـ/ 1044م) على كرة من نحاس من علم بطليموس مكتوب عليها "حُملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية" حفيد معاوية بن أبي سفيان، وهي رواية تؤكد ما تردد عن اهتمام الأمير خالد بالفلك وغيره من علوم الأوائل، وأنه أول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء. ويوشك الإجماع بين المصادر التاريخية أن ينعقد على أن نهضة الفلك في العصور العباسية بدأت على يد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، الذي شغف بالعلوم خاصة بالفلك، فكان يصطحب معه نوبخت الفارسي المنجم، فلما ضعف عن الخدمة أمر المنصور بإحضار ولده (أبي سهل بن نوبخت)؛ ليقوم مقامه. وسعى الخليفة أبو جعفر المنصور إلى إحياء علم الفلك مستعينًا في ذلك بطائفة من علماء الهند؛ ففي سنة (154هـ/ 770م) حضر إلى بغداد عالم هندي ذو دراية واسعة بعلم الفلك، مصطحبًا معه كتابًا في الفلك باللغة السنسكريتية يسمى "السِّدَّ هَنتا" أو "السِّد هانْتَ"، ألفه أحد علماء الفلك الهنود. وقد عُرف الكتاب بعد ترجمته إلى العربية بكتاب "السند هند"، ويشتمل على مقدمة وجيزة، مُرْفَق بها عدد من الجداول الفلكية في تحركات الأجرام السماوية، وطلوع ومغيب البروج، وقد حسبت هذه الحركات على أسس دورات زمنية تضم آلاف السنين. وإذا كان الفزاري قد استعمل في كتابه الأسس والمناهج الهندية في الحساب، ووضع جداول فكلية جديدة (زيج)، وحفظ لنا على العموم أصل المذهب الذي أطلق عليه في العلم العربي "مذهب السند هند"، فإنه أجرى فيه تعديلات وإضافات جوهرية، وقام بتحويل حساب التوقيت الهندي إلى سني العرب؛ أي إنه استبدل به حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين. وفي عهد المنصور ظهر كتاب (السند هند) الذي اختصره الخوارزمي وصنع منه زيجه الشهير في طول البلاد العربية وعرضها، وعول فيه على أوصاف (السند هند) وخالفه في التعاديل والميل، فجعل تعاديله على مذهب الفرس، وميل الشمس فيه على مذهب بطليموس، واخترع فيه من أنواع التقرب أبوابًا حسنة، استحسنه أهل ذلك الزمان وطاروا به في الآفاق... لكن كتاب المجسطي البطليموسي كان أكثر الكتب التي أفادت العرب فلكيًّا. وقد نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربع لبطليموس في صناعة أحكام النجوم، وهي ذيل على كتابه (المجسطي). كما نُقلت كتب أخرى أرسلها ملك الروم إلى المنصور بناء على طلبه، وقد صنع إبراهيم الفزاري أول مرصد عربي لرصد الأجرام السماوية، وهو المسمى الأسطرلاب. وفي أيام المأمون، أنشأ المأمون في بغداد (بيت الحكمة)، وألحق به مكتبة ضخمة، وبنى مرصدًا في بغداد وآخر في تدمر، وقد أشرف على ذلك فريق عمل على رأسهم علي بن عيسى الأسطرلابي، الذي وضع كتابًا هو الأول من نوعه في كيفية عمل الأسطرلاب، وفي عهد المأمون قام بنو موسى بأعمال فلكية مهمة، وكتبوا في ذلك. كما أنهم شجعوا العلماء وبذلوا لهم الكثير لترجمة الكتب، ومساعدتهم في أبحاثهم. ونذكر أيضًا أبا سعيد الضرير الذي ألف كتابًا عن طرق رسم خط الزوال، والعباس بن سعيد الجوهري الذي اشترك في مرصد بغداد... وهناك الخوارزمي النابغة في علوم عديدة إلى جانب الفلك، ويقال إنه اشترك مع فريق من العلماء في قياس محيط الأرض أيام المأمون، وله جداول فلكية سماها السند هند الصغير، كما ذكرنا من قبل. وهناك كوكبة من علماء الفلك الكبار عاشوا في مصر، منهم الصوفي، الذي رصد مواضع النجوم وقاس مقدار لمعانها وتوزيعها في مجموعات رسمها بدقة، والخجندي، والصاغاني، والسجزي، والنسوي... والكوهي الذي كان رئيس الفلكيين بمرصد السلطان شرف الدولة البويهي... وفي الأندلس نجد النابغة أبا إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بالزرقلي، وهو خير من قام بالأرصاد الفلكية وصناعة الأسطرلاب وتحسينه، حتى سمى إنجازه بالصحيفة الزرقالية. المراصد وآلاتها في الحضارة الإسلامية مما يدل على الربط المحكم بين العلمي والعملي، والديني والدنيوي في حضارتنا، وجود هذه المجالات التطبيقية القائمة على الفكر، والتي تخدم الدين والدنيا معًا، في هذه الفترات المبكرة من بروز الحضارة الإسلامية. ومما لا شك فيه أن علم الفلك من هذه العلوم، فهو علم متصل بالرياضيات، ولا بد فيه من إعمال العقل بقوة، ومن عمق النظر إلى الكون، ومن استعمال أدوات تجعل لعمله قيمة، بل تجعل له نتائج ذات قيمة. وقد بدأ إنشاء المراصد في سنة 215هـ تقريبًا عندما أمر الخليفة المأمون العباسي بإنشاء عدد من المراصد، وبإجراء دراسة تقويمية مقارنة للمعلومات التي جاءت في كتاب المجسطي، سواء في صميم علم الفلك أم في المراصد والآلات المستخدمة فيها؛ مما يوجب عليهم رصد الكواكب واختبار حقيقة ما جاء فيها، ومن ثَمَّ أقيم المرصد المأموني بالشماسية بأعلى بغداد تحت إشراف الفلكي "سند بن علي"، وأحمد المروزي الشهير بحبش الحاسب. وقد عمل في هذا المرصد عدد من مشاهير الفلكيين، منهم: يحيى بن أبي منصور كبير منجمي المأمون، والعباس بن سعيد الجوهري، وخالد بن عبد الملك، وأبناء موسى بن شاكر، وثابت بن قرة. وفي الوقت نفسه أمر المأمون بإنشاء مرصد في دمشق على جبل قاسيون، فأنجز وبوشر العمل فيه في السنة نفسها. ثم أقيمت بعد المأمون مراصد أخرى، منها مرصد أبناء موسى بن شاكر محمد والحسن وأحمد، وكانوا من المتقدمين في علوم الفلك والرياضيات الذي أقاموه قريبًا من الجسر ببغداد، كما أقيم مرصد بالرقة عرف بمرصد البتاني؛ لطيلة عمل محمد بن جابر البتاني فيه، ومرصد آخر في أنطاكية عمل فيه البتاني بعض الوقت. ومعروف أن أعمال الرصد تحتاج إلى آلات وعدد مختلفة لرصد الكواكب والأفلاك، وقد جهزت المراصد منذ عهد المأمون بالعدد والأجهزة المطلوبة، ولا سيما أن آلات الرصد المتوارثة عند الإغريق كانت بدائية بسيطة لا تفي بالمطالب العلمية للمسلمين المتطلعين إلى تطوير علم الفلك وتحسين أدواته ووسائله؛ ولذا اجتهد العلماء المسلمون في تطوير الآلات القديمة من ناحية، وفي اختراع آلات جديدة تعاونهم على النهوض برسالتهم من ناحية أخرى. يقول دونالد ر.هيل: "وقد أجرى المسلمون تحسينات على هذه الآلات، فأضافوا مقاييس جديدة، وابتكروا نسخًا معدلة، وأنشئوا آلات أكبر". والأسطرلاب أو أصطرلاب (أسطر لابون = أسطر: النجم، لابون: المرآة) كلمة يونانية قيل إنها لعلم قياس ارتفاع النجوم فوق الأفق، أو ما عرف بعلم النجوم (أسطرنوميا) "Esternomia"، وكان الفزاري أول من عمل الأسطرلاب في الإسلام في القرن الثاني للهجرة (القرن الثامن الميلادي)، وكتب الفزاري عنه، فتعرفنا من خلال ذلك إلى طريقة صناعته له، فكان هناك الأسطرلاب ذو الحلقة، والأسطرلاب المسطح الذي يعد أقدم الأنواع وأكثرها شيوعًا. وقد ألف في الأسطرلاب العديد من علماء الفلك العرب، مجددين ومضيفين، منهم: عمر بن عبد الرحمن الصوفي، وأبو الريحان البيروني... وغيرهم. ويستعمل الأسطرلاب في معرفة أوقات الصلاة، وتعيين اتجاه القبلة، وتعيين المواقع لقياس مساحة الأرض، ولاستخراج عمق الآبار. وهو في الأساس لاستخراج ارتفاع النجوم، أو معرفة محيط الكرة الأرضية، ومعرفة درجات الطول والعرض، وحساب الشهور والتواريخ؛ وقد يقوم الأسطرلاب بأعمال فلكية تعد بالمئات. أشهر أعلام الفلك في الحضارة الإسلامية من الصعب حصر أعلام الفلك وأشهر الفلكيين في الحضارة الإسلامية، بيد أننا نؤكد أن الفلك كان من أهم العلوم التي اهتم بها المسلمون والعرب، بل نستطيع القول إنه كان علمًا شائعًا، في كل الحواضر والبلاد؛ بحيث يصبح من الصعب أن نحصر علماء الفلك في بلد واحد من بلاد الحضارة الإسلامية، أو لدى جنس واحد من أجناس هذه الحضارة، عربًا أو تركًا أو فرسًا (وكلهم متعربون)، أو في لغة واحدة من لغات الحضارة الإسلامية كالعربية أو الأردية أو الفارسية أو التركية، وكلها ذات صلة بالعربية القرآنية (لغة الإسلام الأم). ونتيجة لهذه الصعوبة في حصر العلماء المشتغلين بالفلك وإعطاء هذه الصفحة المشرقة حقها في الحضارة الإسلامية نحيل الدارسين إلى الكتب المتخصصة في علم الفلك عند المسلمين، وإلى كتب أعلام الفلك أنفسهم، كما أن هذه الصعوبة تفرض علينا أن نقدم أبرز هؤلاء الأعلام بصفة عامة، فمن أبرزهم -عدا من ذكرنا في ثنايا الصفحات السابقة- ابن الهيثم وابن يونس، وابن الدمي، وابن برغوث، وابن عراق، وأبو جعفر الخازن الخراساني، وإسماعيل بن مصطفى، وأولغ بك، والجوهري، والدينوري، والشلي، والصاغاني، والطرابلسي، والفرغاني، وقاضي زاده الرومي، وقطب الدين الشيرازي، والكندي، والكوهي، والمجريطي (نسبة إلى مجريط- مدريد)، والبيروني (ت 440هـ) العلامة المعروف صاحب الآثار الباقية، وتحقيق ما للهند من مقولة، وله مؤلفات في الفلك نقل بعضها إلى الفرنسية وغيرها، وله نظرية فلكية سماها علماء أوربا: (قاعدة البيروني)... والبوزجاني (ت 376هـ) له ثمانية مؤلفات في الفلك، نقلها المستشرقون إلى بعض اللغات، ومنها الفرنسية، وقاموا بدراستها وتحليلها. وأخيرًا فإن فضل المسلمين في علم الفلك على العالم يتلخص في: 1- نقل المسلمين للكتب الفلكية القديمة عند اليونان والفرس والروم والسريان، وتصحيح بعض أغلاطها والتوسع فيها، لا سيما أن أصول تلك الكتب ضاعت ولم يبق منها غير ترجماتها في العربية، وهذا ما جعل الأوربيين يأخذون العلم عن المسلمين، فكانوا -أي المسلمون- بذلك أساتذة العالم فيه. 2- إضافاتهم المهمة واكتشافاتهم الجليلة التي تقدمت بعلم الفلك شوطًا بعيدًا. 3- جعلهم علم الفلك استقرائيًّا، وعدم وقوفهم فيه عند حد النظريات، كما فعل اليونان. 4- تطهير علم الفلك من أدران التنجيم. ـــــــــــــــــ |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
صناعة الساعات عند المسلمين جميل حسين الأحمد اهتم المسلمون بالساعات لأجل تحديد أوقات الصلاة والأعمال الفلكية وغيرها منذ بداية الدولة الإسلامية فقد ذكر الجاحظ أن حكام المسلمين وعلماءهم كانوا يستعملون بالنهار الإسطرلاب وبالليل البنكامات (مصطلح فارسي معناه الساعات) وهي الساعة المائية الدقاقة وكان هناك نوعان منها نوع كبير الحجم وتملأ معداته غرفة كبيرة والآخر صغير قابل للنقل ويسمى صندوق الساعات ومثال ذلك الساعة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا (742-814م) وهي ساعة مائية دقاقة صنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش وكانت تدل على الوقت بفرسان من المعدن يفتحون كل ساعة بابًا يسقط منه العدد المطلوب من الكرات على صنجة ثم ينسحبون ويغلقون الباب وقد أثارت هذه الساعة دهشة بلاط شارلمان وظنوا أن بها عفاريت يقومون بتحريك أجزائها وجعلها تدق في الوقت المناسب مما يدل على أن العرب كانوا على جانب كبير من المهارة الآلية الفنية وأن الأوروبيين كانوا على جانب كبير من الجهل والتخلف في ذلك الوقت ووصف الغزالي هذه الساعات بقوله «فيه آلة على شكل أسطوانة تحوي قدرًا معلومًا من الماء وآلة أخرى مجوفة موضوعة في هذه الأسطوانة فوق الماء, وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه الآلة المجوف وطرفه الآخر في أسفل ظرف صغير موضوع فوق الآلة المجوفة وفيه كرة وتحته طاس بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسمع طنينها ثم ثقب أسفل الآلة الأسطوانية ثقبًا بقدر معلوم ينـزل الماء فيه قليلًا قليلًا فإذا انخفض الماء انخفضت الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء فامتد الخيط المشدود بها فحرك الظرف الذي فيه الكرة تحريكًا يقربه من الانتكاس إلى أن ينتكس فتتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس وتطن وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة وإنما يتقدر الفصل بين الوقتين بتقدير خروج الماء وانخفاضه وذلك بتقدير سعة الثقب الذي يخرج منه الماء».شاع استخدام الساعات المائية الدقاقة في كل أنحاء الدولة الإسلامية وكانت من عجائب الدنيا في ذلك الوقت وكانت مقصد الزوار والرحالة وقد وصف ابن جبير ساعة باب جيرون وهو الباب الثاني للمسجد الأموي بدمشق والذي سمي «باب الساعات» فقال: «وعن يمين الخارج من باب جيرون في جدار البلاط الذي أمامه غرفة ولها هيئة طارق كبير مستدير فيه طيقان (أقواس) صفر (نحاس) فقد فتحت أبوابًا صغارًا على عدد ساعات النهار ودبرت تدبيرًا هندسيًا فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط صنجتان (كرتان) من صفر (نحاس) من فمي بازيين مصورين من صِفْر قائمين على طاستين من صِفْر تحت كل واحد منهما: إحداهما تحت أول باب من تلك الأبواب والثاني تحت آخرها والطاستان مثقوبتان فعند وقوع البندقتين (الكرتين) فيهما تعودان داخل الجدار إلى الغرفة وتبصر البازيين يمدان أعناقهما بالبندقتين في الطاستين ويقذفانهما بسرعة بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحرًا وعند وقوع البندقتين في الطاستين يسمع لها دوي وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من الصفر لا يزال كذلك عند كل انقضاء ساعة من النهار حتى تنغلق الأبواب كلها وتنقضي الساعات ثم تعود إلى حالها الأول ولها بالليل تدبيرًا آخر وذلك أن في القوس المنعطف على تلك الطيقان المذكورة اثنتي عشرة دائرة من النحاس مخرمة وتعترض في كل دائرة زجاجة من داخل الجدار في الغرفة، مدبر ذلك كله منها خلف الطيقان المذكورة وخلف الزجاجة مصباح يدور به الماء على ترتيب مقدار الساعة فإذا انقضت عم الزجاجة ضوء المصباح وفاض على الدائرة أمامها شعاعها فلاحت للأبصار دائرة محمرة ثم انتقل ذلك إلى الأخرى حتى تنقضي ساعات الليل وتحمر الدوائر كلها وقد وكل بها في الغرفة متفقد لحالها درب بشأنها وانتقالها يعيد فتح الأبواب وصرف الصنج إلى موضعها وهي التي يسميها الناس http://www.alwaei.com/site/files/131...nsave_opt.jpeg المنجانة أي الساعة. الجدير بالذكر أن هذه الساعة من صنع رضوان بن محمد الساعاتي المتوفى سنة (617 هـ) وقد تعرضت لحريق سنة (618 هـ) وقد جددت بعد ذلك وحينما زار دمشق الرحالة ابن بطوطة سنة (726 هـ) وصف ساعات كانت على الباب الشرقي للجامع الأموي وقد اختلف وصف ابن بطوطة لتلك الساعات عن الوصف الذي ذكره ابن جبير فقال ابن بطوطة: وعن يمين الخارج من باب جيرون وهو باب الساعات غرفة لها هيئة طاق كبير فيه طيقان صغار مفتحة لها أبواب على عدد ساعات النهار والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة وظاهرها بالصفرة فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرًا والظاهر الأصفر باطنًا ويقال إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مشي الساعات. ومن بين العلماء العرب الذين اهتموا بدارسة الساعات والمسائل العلمية المتعلقة بعلم السوائل والآلات الميكانيكية ابن الرزاز الجزري الذي ذاع صيته في القرن السادس الهجري وكان معاصرا لرضوان بن محمد الخراساني وصنع الجزري ساعة أثبتها في أول كتابه الجامع «بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل» ثم ذكر كيفية صنعها هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الذين صنعوا ساعات في بغداد وديار بكر ومالطة ومصر وتونس والرباط وغيرها وقد صنع ساعة فاس السلطان أبوعنان الديني في سنة (758 هـ) وكانت هذه الساعة تسقط أوتوماتيكيًا كل ساعة زمنية صنجة من النحاس في كأس من النحاس أيضًا وفي نفس الوقت ينفتح الطاق الدال على الساعة الزمنية. ومازالت بقايا هذه الساعة ماثلة في مدينة فاس في المغرب ويقصدها السائحون من أنحاء الدنيا ولا غرو فقد كانت من أعاجيب الزمان في عصرها وتمثل قمة التقدم التكنولوجي في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد طور تكنولوجيا الساعات علي بن إبراهيم المعروف بابن الشاطر (777 هـ / 1375 م ) فأخرجها من دائرة الماء إلى دائرة الميكانيكا ومن دائرة الخشب إلى دائرة المعدن وصنع ساعة صغيرة لا تزيد عن (30 سم) بعد أن كانت تبلغ عدة أمتار وأدخل فيها الآلات المعدنية واستغنى عن الماء وآلاته الخشبية الكبيرة. ونقل الفلكي والرياضي المصري علي بن عبدالرحمن يونس (399 هـ/ 1009 م) تكنولوجيا الساعات نقلة نوعية وذلك باختراعه البندول (رقاص الساعة) وكان يستعمل لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد كما استعمل في الساعات الدقاقة وسبق العربُ بهذا الاختراع جاليليو الإيطالي (1564 – 1642 م ) بستة قرون وكانت لدى العرب فكرة عن قانون البندول الذي استنبطه جاليليو بعد تجارب عملية وأثبت من خلالها أن مدة ذبذبة الرقاص (البندول) تتوقف على طول الرقاص وقيمة عجلة التثاقل وساعد هذا القانون على توسيع مجال استعمال الرقاص. وظل العرب يحسنِّون الساعات ويختصرون حجمها ويزيدون في دقتها حتى جعلوها ساعة حائط لا يزيد حجمها عن نصف ذراع بعد أن كانت آلات الساعة المائية غير المتنقلة تحتاج إلى غرفة لا تقل مساحتها عن 14×14 مترا مثل ساعة باب جيرون بالمسجد الأموي (وتعرف أيضًا بساعة الوزير الساعاتي نسبة إلى صانعها وهو رضوان بن محمد الساعاتي الخراساني الدمشقي (617 هـ / 1220 م) أحد وزراء دمشق أيام الملك عيسى بن الملك العادل). ثم أخذ الأوروبيون تكنولوجيا الساعات عن العرب وأخذوا يدخلون عليها التحسينات حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. هارون الرشيد أهدى ملك فرنسا ساعة مائية دقاقة وظن بلاط الملك أن بها عفاريت يحركون أجزاءها! كاتب صحافي المراجع - رضوان بن محمد الساعاتي: مقدمة في علم الساعات والعمل بها – تحقيق محمد أحمد دهمان مكتبة الدراسات الإسلامية , دمشق 1981. - رحلة ابن بطوطة – دار التراث – بيروت 1968. - رحلة ابن جبير – دار مكتبة الهلال – بيروت 1986. - كتاب الحيوان لأبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ – شرح عبدالسلام محمد هارون – مكتبة الحلبي. - وتاريخ العلوم والتكنولوجيا – د.مصطفى محمود سليمان – الهيئة العامة للكتاب 2006. |
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
جابر بن حيان..أبو الكيمياء نورالدين قلالة يعتبر العالم العربي الإسلامي الكبير جابر بن حيان من أعظم علماء العصر الذهبي للإسلام وأحد أهم العلماء العرب، ويعد رائد الكيمياء العربية وأول من قام بعمل مركبات ماء الذهب وحمض النتريك وأول عالم كيميائي يقوم باكتشاف حمض الكبريتيك كما قام بتطوير مجموعة من العمليات الكيميائية مثل التبلور والانصهار والتبخير، وهو من اخترع الورق غير القابل للاحتراق والطلاء الذي يمنع الحديد من الصدأ. عاش جابر بن حيان في القرن الثامن الميلادي، في الوقت الذي تجمدت فيه العلوم في أوروبا، حيث طور طرقا عملية لفحص افتراضاته وخلق تفاعلات كيميائية معقدة. وقد أتاحت وفرة الأموال والغِنى في هذه الحقبة من الزّمن المجال للكثير من الأبحاث والاكتشافات اللافتة بينما كانت أوروبا غارقة في سبات القرون الوسطى العميق. تم ترجمة العديد مؤلفات جابر بن حيان إلى عدة لغات خاصة اللاتينية، وذُيلَت هذه التّرجمات باسم (جبر (geber الأمر الذي أتاح المجال للعلماء الأوروبيين قراءتها والاعتماد على الاستنتاجات التي توصل إليها. وما زالت المصطلحات الكيميائية الّتي أوجدها واستخدمها في كتاباته، كالحمض والقاعدة، تستخدم حتى اليوم. وهناك من يقول أنه أول من وضع لبِنات الأساس في علم الكيمياء بفضل البروتوكولات والمؤلفات التي خلفها، ذلك على الرغم من تطور علم الكيمياء في أوروبا بعد وفاته. جابر بن حيان: التجربة كمال العلم و كعادة العلماء في ذلك العصر، يعتبر جابر بن حيان عالم في الفلسفة والطبيعة والأدب والفلك والكيمياء..وعلى الرغم من أنه اهتم بمجالات كثيرة، إلا أن الأثر الرئيسي لأعماله كان في “الكيمياء” من خلال آلاف الكتابات والكتب الّتي تركها بعد موته، فهو مؤسس علم الكيمياء التجريبي، حيث تمكن من استنتاج مجموعة المعلومات ووضع العديد من النظريات حول الكيمياء، وذلك عن طريق التجارب والقراءة التي ساعدته على الوصول إلى العديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء، وكان يقول: “إن دراسة العلوم الطبيعية أساسها التجربة، وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان فبالتجربة كمال العلم”. وفيما امتازت أعمال جابر بن حيان بالتجارب والاختبارات، تمحور اهتمام الباحثين الآخرين في الكيمياء في عصره حول النظريات والمعتقدات والأساطير. فقد اتخذ ابن حيان منهجا عمليا مميزا لإيجاد طرق للتّعامل مع المواد وتصنيعها. ونجح إلى جانب دراساته الكثيرة، في تصنيع أحماض مختلفة لأول مرة في التاريخ مثل حمض كلوريد الهيدروجين وحمض النيتريك وحمض السّتريك. كم أن صبغ الملابس وإعاقة صدأ الفلزات كانت عمليات أخرى ضمن النهج العملي الذي قاد نظريات “الكيمياء” نحو متطلَّبات الحياة اليوميّة. لكنه استخدم في بعضٍ من كتاباته لغة مشفرة يفهمها تلاميذه المقربون فقط، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن كتبه تجمع في طيّاتها أمورا بعيدة عن المنطق ليس إلا. كان جابر بن حيان باحثا مهما مرموقا قربه الخليفة العباسيّ هارون الرّشيد إليه وجعله “كيميائيّ” البلاط، كما كان طبيبا لوزراء الدولة العباسية. من هو جابر بن حيان؟ هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي (101 هـ/721 م – 199 هـ/815 م) أبو الكيمياء. عالم يمني الأصل ولد على أشهر الروايات في سنة101 هـ/721 م [1] وقيل أيضاً 117 هـ / 737 م وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الكوفة على الفرات، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين ويوجد حتى من يقول أن أصله يونانياً أو أسبانياً. ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو عالم فلكي عربي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ولكن معظم المصادر تشير إلى أنه ولد في مدينة طوس من أعمال خراسان. هاجر والده حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدليا وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة (ولعل مهنة والده كانت سبباً في بداياته في الكيمياء وذلك لارتباط العلمين) وعندما ظهرت دعوة العباسيين ساندهم حيان، فأرسلوه إلى خراسان لنشر دعوتهم، وهناك ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء. وعندها شعر الأمويون خطر نشاط حيان بن عبد الله الأزدي في بلاد فارس فألقوا القبض عليه وقتلوه. ولهذا اضطرت عائلة حيان الأزدي أن تعود إلى قبيلة الأزد في اليمن. وهناك ترعرع جابر بن حيان الأزدي. وعندما سيطر العباسيين على الموقف سنة 132 هـ في الكوفة واستتب الأمن، رجعت عائلته إلى الكوفة. وتعلم هناك ثم اتصل بالعباسيين وقد أكرموه اعترافاً بفضل أبيه عليهم وكان أيضاً صاحب البرامكة. تعلم جابر بن حيان من أستاذه حربي الحميري وتعلم اللغة اليمنية القديمة (الحميرية):ويعد حربي الحميري من أهم معلميه. نشأته وتعليمه حينما استقر جابر بن حيان في الكوفة بعد عودة عائلته من اليمن، انضم إلى حلقات الإمام جعفر الصادق ولذا نجد أن جابر بن حيان تلقى علومه الشرعية و اللغوية على يد الإمام جعفر الصادق. وذكر أنه درس أيضا العلوم الكيميائية والمعدن والرياضيات على يد العالم اليمني حربي الحميري عندما كان جابر بن حيان في اليمن. ومعظم مؤرخي العلوم يعتبرون جابر بن حيان تلقى علومه من مصدرين: الأول من أستاذه الحقيقي الإمام جعفر الصادق، والثاني من مؤلفات ومصنفات خالد بن يزيد بن معاوية. فعن طريق هذه المصادر تلقى علومه ونبغ في مجال الكيمياء وأصبح بحق أبو الكيمياء فقد وضع الأسس لبداية للكيمياء الحديثة. الكيمياء في عصر جابر بن حيان بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر. وقد تأثر بعض العلماء العرب و المسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان. لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها، أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية. فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا يرجع الفضل إلى علماء المسلمين في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير والتسامي والترشيح والتبلور والملغمة والتكسيد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء. بعض اكتشافات واختراعات جابر بن حيان هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات واكتشافات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:
يدرك الكثير من العلماء في العالم أن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب .
وقال عنه أبو بكر الرازي في “سر الأسرار”: إن جابرًا من أعلام العرب العباقرة وأوَّل رائدٍ للكيمياء”، وكان يشير إليه باستمرار بقوله: “الأستاذ جابر بن حيان”. أما ابن النديم فتحدث عن جابر بن حيان في مؤلفاته في “الفهرست” وذكر نبذة عنه، فيما وصفه أنور الرفاعي في كتابه “تاريخ العلوم في الإسلام” بأنه: “أشتهر بإيمانه وورعه، وكذلك بتصوفه”. جابر بن حيان سر القنبلة الذريّة قبل ألف عام رأى بعض العلماء أن جابر بن حيان مهَّد لاختراع القنبلة الذريّة حيث أنه أول من أشار إلى قوة الربط الذرية التي بني على أساسها عملية تفجير طاقة الذرة، بل أنه قال بالنص: “في قلب كل ذرة قوة لو أمكن تحريرها لأحرقت بغداد“. كما قال “إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزُّؤ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى”. ومعروف عن جابر بن حيان أنه قد عمد إلى التجربة في بحوثه ، وآمن بها إيمانا عميقا . وكان يوصي تلاميذه بقوله :”وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب، لأن من لايعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يابني بالتجربة لتصل إلى المعرفة”. وعلى الرغم من ذلك، بعد القرن العاشر الميلادي شكك بعض العلماء بنسبة بعض المؤلفات لجابر بن حيان. وقد شكك عالم الكيمياء الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في صحة عائدية بعض الكتب إلى جابر بن حيان. وقد ذكر ابن تيمية “وأما ا جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين”. ولكن كلام ابن تيمية هذا، يأتي في سياق الجهل بحال ابن حيان من ناحية الجرح والتعديل عند علماء الشريعة المختصين بعلم الرجال، وليس من ناحية إنكار وجوده. مؤلفات جابر بن حان..ما يقارب 500 كتاب جاء في “الأعلام” للزركلي أن جابر بن حيان له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين وخمسمائة كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م ، وفي سنة 1928م أعاد هوليارد صياغتها، وقدم لها بمقدمة وافية، وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون . من أهم هذه الكتب :
عندما أحس جابر ابن حيان أن موعده قد حان، قام وتوضأ وصلى الفجر، وهو في السجدة الأخيرة رفعت روحه إلى الله تعالى، فتوفي رحمه الله حوالي ومشى في جنازته الخليفة المأمون ابن الخليفة هارون الرشيد وتلميذه ومجموعة كبيرة من العلماء. وقد توفي جابر بن حيان وهو في الخامسة والتسعين من عمره- في مدينة الكوفة بالعراق، بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة وذلك سنـة 197هـ (813م ) وقيل أيضا 195 هـ/810 م. |
الساعة الآن : 03:20 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour