رد: فقه الصيام
مَنْ يرخصُ لهم في الفطْرِ ، ويجبُ عليهم القضاءُ ؟
يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه، والمسافر، ويجب عليهما القضاء؛ قال الله تعالى: " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " [البقرة: 185]. وروى أحمد، وأبو داود، والبيهقي بسند صحيح، من حديث معاذ، قال: إن اللّه تعالى فرض على النبي صلى الله عليه وسلم الصيام، فأنزل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *، إلى قوله: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " [البقرة:183،184]. فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مِسكِيناً، فأجزأ ذلك عنه، ثم إن اللّه _ تعالى _ أنزل الآية الأخرى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ *، إلى قوله: " فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " [البقرة: 185]. فأثبتَ صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للكبير، الذي لا يستطيع الصيام(1). والمرض المبيح للفطر؛ هو المرض الشّديدُ، الذِي يزيد بالصّوْم، أو يُخْشَى تأخر بُرْئه(2). قال في "المغني": وحكي عن بعض السّلف، أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع، والضرس؛ لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يُبَاح له الفطر، وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض وهذا مذهب البخاري، وعطاء، وأهل الظاهر. والصحيح الذي يخافُ المرض بالصيام يفطِرُ، مثل المريض، وكذلك من غلبه الجوع أو العطش، فخاف الهلاك، لزِمَه الفِطْرُ، وإن كان صحيحاً مُقيماً، وعليه القضاء؛ قال اللّه تعالى: " وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً " [النساء: 29]، وقال تعالـى: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " [ الحج: 78]. وإذا صام المريض، وتحمّلَ المشقة، صَح صومه، إلا أنه يُكره له ذلك؛ لإعراضِه عن الرُّخصة التي يحبُها اللّه، وقد يلحقه بذلك ضرر. وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يفطر، مُتَابعينَ في ذلك فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال حمزة الأسلمي: يا رسول اللّه، أجد مني قوةً على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح ؟ فقال: "هي رخصة من اللّه _ تعالى _ فمن أخذ بها، فحَسَن، ومَنْ أحَبَّ أن يصوم فلا جناح عليه"(3). رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ قال: سافرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ونحن صيام. قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دَنَوتم من عدوكم، والفِطر أقوى لكم". فكانت رخصة، فمنّا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: "إنكم مصَبِّحو عَدوِّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا". فكانت عَزْمَةً، فأفطَرْنَا، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في السفر(4). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنّا الصائم، ومنا المفطر، فلا يَجدُ الصائم على المفطر(5)، ولا المفطر على الصائم، ثم يرون أن من وجد قوةً فصام، فإن ذلك حسن، ويَرَونَ أن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسن(6). رواه أحمد، ومسلم. وقد اختلف الفقهاء في أيّهما أفضل ؟ فرأى أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، أن الصيام أفضل، لِمَنْ قويَ عليه، والفطر أفضل، لمن لا يَقوَى على الصيام. وقال أحمد: الفطر أفضل. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضلهما أيسرهما، فمن يَسْهُلُ عليه حينئذ، ويَشُقُّ عليه قضاؤه بعد ذلك، فالصوم في حَقه أفضل. وحقق الشوكاني، فرأى أنَّ من كان يَشُقُّ عليه الصّوم ويضره، وكذلك من كان مُعْرِضاً عن قبول الرُّخْصَة، فالفطر أفضل، وكذلك من خاف على نفسه العُجْبَ أو الرِّياء إذا صام في السفر، فالفطر في حقه أفضل، وما كان من الصيام خالياً عن هذه الأمور، فهو أفضل من الإفطار. وإذا نوى المسافر الصيام بالليل، وشَرَع فيه، جاز له الفطر أثناء النهار؛ فعن جابر بن عبد اللّه _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام، حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم(7)، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شَقّ عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضُهم، وصام بعضُهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقال: "أولئك العصاة(8)"(9). رواه مسلم، والنسائي، والترمذي وصححه. وما إذا نوى الصوم، وهو مقيم، ثم سافر في أثناء النهار، فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له، وأجازه أحمد، وإسحاق؛ لما رواه الترمذي وحسنه، عن محمد بن كعب، قال: أتيتُ في رمضان أنسَ بنَ مالك، وهو يريد سفراً، وقد رُحِّلتْ له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سُنّة ؟ فقال: سنة. ثم ركب(10). وعن عبيد بن جبير، قال: رَكبْتُ مع أبي بصرة الغفاري، في سفينة من الفسطاط(11)، في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه، ثم قال: اقترب. فقلت: ألستَ بين البيوت ؟ فقال أبو بصرة: أرغبتَ عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (12) ! رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات. قال الشوكاني: والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه، من الموضع الذي أراد السفر منه. وقال: قال ابن العربي: وأما حديث أنس، فصحيح يقتضي جواز الفطر، مع أهبة السفر. وقال: وهذا هو الحق. والسفر المبيح للفطر؛ هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه، ومدة الإقامة التي يجوز للمسافر أن يُفطِر فيها، هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها. وتقدم جميع ذلك في مبحث "قصر الصلاة"، ومذاهب العلماء، وتحقيق ابن القيم. وقد روى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطحاوي، عن منصور الكلبي، أن دِحْية ابن خليفة خرج من قرية، من دمشق مَرَّة إلى قدر عقبة(13) من الفسطاط، في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يُفطِرُوا، فلما رجع إلى قريته، قال: واللّه، لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رَغِبوا عن هَدْي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك(14). وجميع رواة الحديث ثقات، إلا منصور الكلبي، وقد وثقه العِجْلي. -------------------------------------------------------------------------------- (1)أبـو داود: كتـاب الصـلاة - بـاب كيـف الأذان، برقـم (506) (1 / 347)، وأحمد فـي "المسنـد" (5 / 246، 247). (2) يعرف ذلك إما بالتجربة، أو بإخبار الطبيب الثقة، أو بغلبة الظن. (3) مسلم: كتاب الصيام - باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم (107) (2 / 790)، والنسائي: كتاب الصيام - باب ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة فيه، برقم (2303) (4 / 186، 187)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الرخصة في الصوم في السفر (4 / 243). (4) مسلم: كتاب الصيام - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، برقم (102) (2 / 789)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الصوم في السفر، برقم (2406) (2 / 795)، وأحمد في "المسند" (3 / 35). (5) فلا يجد الصائم على المفطر: أي؛ لا يعيب عليه. (6) مسلم: كتاب الصيام - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، في غير معصية، برقم (96) (2 / 787)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في الرخصة في السفر، برقم (713) (3 / 83)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في "المسند" (3 / 12)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب من اختار الصوم في السفر إذا قوي على الصيام (4 / 245). (7) الغميم: اسم واد، أمام عسفان. (8) لأنه عزم عليهم فأبوا، وخالفوا الرخصة. (9) مسلم: كتاب الصيام - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، برقم (90) (2 / 785)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر، برقم (710) وقال: حديث حسن صحيح (3 / 80، 81)، والنسائي: كتـاب الصيـام - بـاب ذكـر اسم الرجل، برقم (2263) (4 / 177)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب المسافر يصوم بعض الشهر، ويفطر بعضاً، ويصبح صائماً في سفره، ثم يفطر (4 / 246). (10) الترمذي: كتاب الصوم - باب من أكل ثم خرج يريد سفراً، برقم (799) (3 / 154) وقال المحقق: لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، سوى الترمذي. والبيهقي: كتاب الصيام - باب المسافر يصوم بعض الشهر، ويفطر بعضاً ويصبح صائماً في سفره ثم يفطر (4 / 246)، وقال الألباني: لكن يشهد له الحديث الذي بعده. تمام المنة (400). (11) الفسطاس؛ مصر القديمة.والحديث رواه أبو داود: كتاب الصـوم - باب متـى يفطـر المسافر إذا خرج ؟ برقم (2412) (2 / 799)، وأحمد في "المسند" (6 / 7)، والبيهقي: كتـاب الصيـام - بـاب من قال: يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر (4 / 246). (12) استفهام إنكاري. (13) أي؛ أن المسافة التي قطعها من القرية التي خرج منها، تعدل المسافة التي بين مصر القديمة وميت عقبة المجاورة لامبابة، وقدرت هذه المسافة بفرسخ. (14) أبو داود: كتاب الصوم - باب قدر مسيرة ما يفطر فيه، برقم (2413) (2 / 800، 801)، وقال المنذري، وهو يشير إلى منصور الكلبي: فإن رجال الإسناد جميعهم ثقات، محتج بهم في الصحيح سواه، وهو مصري. والبيهقي: كتاب الصيام - باب جواز الفطر في السفر... (4 / 241). |
رد: فقه الصيام
مَنْ يجبُ عليه الفطرُ والقضاءُ معًا ؟
اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء، ويحرُم عليهما الصيام، وإذا صامتا، لا يصح صومهما، ويقع باطلاً، وعليهما قضاء ما فاتهما؛ روى البخاري، ومسلم، عن عائشة، قالت: كنا نحيضُ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فنؤمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة(1). (1) البخاري بمعناه: كتاب الحيض - باب لا تقضي الحائض الصلاة (1 / 88)، ومسلم: كتاب الحيض - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض، دون الصلاة، برقم (69) (1 / 265)، وأبو داود: كتاب الطهارة - باب في الحائض لا تقضي الصلاة، برقم (262، 263) (1 / 180)، والترمذي: كتاب الطهارة - باب ما جاء في الحائض، أنها لا تقضي الصلاة، برقم (130) (1 / 234) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها - باب الحائض لا تقضي الصلاة، برقم (631) (1 / 207)، والنسائي: كتاب الحيض والاستحاضة - باب سقوط الصلاة عن الحائض، برقم (382) (1 / 191، 192).. الايام المنهى عن صيامها النّهيُ عن صيامِ يومَي العيدين جاءت الأحاديث مصرحة بالنهي عن صيام أيام(1)، نُبَيِّنُها فيما يلي: (1) النّهيُ عن صيامِ يومَي العيدين: أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين؛ سواء أكان الصوم فرضاً، أم تطوعاً؛ لقول عمر _ رضي اللّه عنه _: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين؛ أما يوم الفطر، ففطركم من صومكم(2)، وأما يوم الأضحى، فكلوا من نُسككم(3)(4). رواه أحمد، والأربعة. (1)البخاري: كتاب الصوم - باب صوم يوم الفطر (3 / 55)، ومسلم: كتاب الصيام - باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم (140 _ 143) (2 / 799)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية الصوم يوم الفطر والنحر، برقم (772) (3 / 133)، وقال: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، وابن ماجه: كتاب الصيام _ باب في النهي عن صيام يوم الفطر والأضحى، برقم (1721) (1/549)، والموطأ: كتاب الصيام - باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر، برقم (36) (1 / 300)، وأحمد في "المسند" (2 / 511). (2) أي؛ الفطر من صيام رمضان. (3) النسك: الأضاحي. (4) مسلم: كتاب الصيام - باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم (138) (2 / 799)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية الصوم يوم الفطر والنحر، برقم (771) (3 / 132، 133)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب في النهي عن صيام يوم الفطر والأضحى، برقم (1722) (1 / 549)، وأحمد في "المسند" (1 / 24). |
رد: فقه الصيام
النَّهيُ عن صومِ أيام التَّشْريقِ
(2) النَّهيُ عن صومِ أيام التَّشْريقِ: لا يجوز صيام الأيام الثلاثة التي تلي عيد النحر؛ لما رواه أبو هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث عبد اللّه بن حُذَافة يطوف في منى: "ألا تصوموا هذه الأيام؛ فإنها أيام أكل وشُرْبٍ وذِكـر اللّه، عز وجل(1)". رواه أحمد بإسنـاد جيد. وروى الطبراني في "الأوسط"، عن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أرسل صائحاً يَصِيحُ: "ألا تصوموا هذه الأيام؛ فإنها أيام أكل، وشرب، وبعال(2)". وأجاز أصحاب الشافعي صيام أيام التشريق، فيما له سبب؛ من نذر، أو كفارة، أو قضاء، أما ما لا سبب له، فلا يجوز فيها، بلا خلاف. وجعلوا هذا نظير الصلاة، التي لها سبب في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. -------------------------------------------------------------------------------- (1) أحمد (5 / 75، 76، 224). (2) " بعال": أي؛ جماع الرجل زوجته، وهذه الرواية بزيادة "وبعال" ضعيفة، منكرة. انظر: تمام المنة (402). النَّهيُ عن صَوْمِ يومِ الجمُعَةِ منفردًا (3) النَّهيُ عن صَوْمِ يومِ الجمُعَةِ منفرداً: يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين؛ ولذلك نهى الشارع عن صيامه. وذهب الجمهور إلى أن النهي للكراهة(1)، لا للتحريم، إلا إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده، أو وافق عادة له، أو كان يوم عرفة، أو عاشوراء، فإنه حينئذ لا يكره صيامه؛ فعن عبد اللّه بن عمرو، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث، وهي صائمة في يوم جمعة، فقال لها: "أصُمْتِ أمس" ؟ فقالت: لا. قال: "أتريدين أن تصومي غداً" ؟ قالت: لا. قال: "فأفطري إذن"(2). رواه أحمد، والنسائي بسند جيد. وعن عامر الأشعري، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن يوم الجمعة عيدُكم فلا تصوموه، إلا أن تصوموا قبله أو بعده"(3). رواه البزار بسند حسن. وقال علي _ رضي اللّه عنه _: من كان منكم متطوعاً، فليَصُم يوم الخميس، ولا يَصُم يوم الجمعة؛ فإنه يوم طعام، وشراب، وذكر. رواه ابن أبي شيبة بسند حسن. وفي "الصحيحين"، من حديث جابر _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يوم أو بعده يوم"(4). وفي لفظ لمسلم: "ولا تَخُصُّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصُّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"(5). -------------------------------------------------------------------------------- (1) وعن أبي حنيفة، ومالك: لا يكره. والأدلة المذكورة حجة عليهما. (2) البخاري: كتاب الصوم - باب صوم يوم الجمعة (3 / 54)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الرخصة في ذلك برقم (2422) (2 / 806)، وأحمد في "المسند" (2 / 189) (6 / 324). (3) كشف الأستار عن زوائد البزار: كتـاب الصيـام - بـاب ما جـاء في صـوم يـوم الجمعة، برقم (1069) (1 / 499)، وقال الهيثمي: رواه البزار، وإسناده حسن. مجمع الزوائد (3 / 199). (4) البخاري: كتاب الصوم - باب صوم يوم الجمعة (3 / 54)، ومسلم، من حديث أبي هريرة: كتاب الصيام - باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم (147) (2 / 801)، ومن حديث جابر، مختصراً: كتاب الصيام _ باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم (146، 147) (2 / 801). (5) مسلم: كتاب الصيام - باب كراهية صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم (148) (2 / 801). النَّهيُ عن إفرادِ يوم السَّبتِ بصيام (4) النَّهيُ عن إفرادِ يوم السَّبتِ بصيام: عن بُسر السلمي، عن أخته الصماء، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم(1)، وإن لم يجد أحدكم، إلا لحاء(2) عنب، أو عود شجرة، فليمضغه"(3). رواه أحمد، وأصحاب السنن، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وحسنه الترمذي، وقال: ومعنى الكراهة في هذا، أن يختص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود يعظمون يوم السبت. وقالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت، ويوم الأحد، أكثر مما يصوم من الأيام، ويقول: "إنهما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم"(4). رواه أحمد، والبيهقي، والحاكم، وابن خزيمة وصححاه. ومذهب الأحناف، والشافعية، والحنابلة، كراهة الصوم يوم السبت منفرداً؛ لهذه الأدلة، وخالف في ذلك مالك، فجوَّز صيامه منفرداً، بلا كراهة، والحديث حجة عليه. -------------------------------------------------------------------------------- (1) ويشمل القضاء، والنذور، والنفل، إذا وافق عادته، أو كان يوم عرفة، ونحو ذلك (2) "لحاء": أي؛ قشر. (3) أبو داود: كتاب الصوم - باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم، برقم (2421) (2 / 805)، والترمذي: كتاب الصوم - باب صوم السبت، برقم (744) (3 / 111) وقال: حديث حسن. وابن ماجه: كتاب الصوم - باب في صيام يوم السبت، برقم (1726) (1 / 550)، والحاكم: كتاب الصوم - باب النهي عن صوم يوم السبت (1 / 435) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. وسكت عليه الذهبي، والدارمي: كتاب الصوم _ باب في صيام يوم السبت (2 / 19) وفي "الزوائد": رواه ابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "المسند" (4 / 189) (6 / 368، 369). (4) الحاكم: كتاب الصوم - باب ترغيب صيام يوم السبت والأحد (1 / 436)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والبيهقي: كتاب الصيام - باب ما ورد من النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم (4 / 303)، وأحمد في "المسند" (6 / 324)، وصحيح ابن خزيمة: كتاب الصيام - باب الرخصة في يوم السبت إذا صام يوم الأحد بعده، برقم (2167) (3 / 318). النَّهيُ عن صَوْمِ يوم الشَّكِّ (5) النَّهيُ عن صَوْمِ يوم الشَّكِّ: قال عمار بن ياسر _ رضي اللّه عنه _: من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (1). رواه أصحاب السنن. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبد اللّه بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكلهم كرهوا، أن يصومَ الرجلُ اليوم الذي يشك فيه. ورأى أكثرهم، إن صامه، وكان من شهر رمضان، أن يقضي يوماً مكانه(2)، فإن صامه؛ لموافقته عادة له، جاز له الصيام حينئذ، بدون كراهة؛ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقدَّموا(3) صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل، فليصم ذلك اليوم"(4). رواه الجماعة. وقال الترمذي: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان، لمعنى رمضان، وإن كان رجل يصوم صوماً، فوافق صيامه ذلك، فلا بأس به عندهم. -------------------------------------------------------------------------------- (1) البخاري: كتاب الصوم - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا..." (3 / 34)، والترمذي: كتاب الصوم - باب كراهية صوم يوم الشك، برقم (686) (3 / 61)، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود: كتاب الصوم - باب كراهية صوم يوم الشك، برقم (2334) (2 / 749، 750)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في صيام يوم الشك، برقم (1645) (1 / 527)، والدارمي: كتاب الصوم - باب في النهي عن صيام يوم الشك (2 / 2)، والنسائي: كتاب الصوم - باب صيام يوم الشك، برقم (2188) (4/ 153). (2) وعند الحنفية: إن ظهر أنه من رمضان، وصامه، أجزأ عنه. (3) "تقدموا": أي؛ تتقدموا. (4) البخاري: كتاب الصوم - باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم أو يومين (3 / 35، 36)، ومسلم: كتاب الصيام - باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم (21) (2 / 762)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، برقم (738) (3 / 106)، وباب ما جاء لا تَقَدَّمُوا الشهر بصوم، برقم (685) (3 / 60)، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود: كتاب الصوم _ باب فيمن يصلُ شعبان برمضان، برقم (2335) (2 / 750)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم، إلا من صام صوماًً، فوافقه، برقم (1650) (1 / 528)، والنسائي: كتاب الصيام - باب التقدم قبل شهر رمضان، برقم (2172) (4 / 149)، وأحمد في "المسند" (2 / 234، 347، 408، 477، 497، 513، 521)، والدارمي: كتاب الصوم - بـاب النهي عن التقدم في الصيام قبل الرؤيـة (2 / 4 النَّهيُ عن صَوْمِ الدَّهرِ (6) النَّهيُ عن صَوْمِ الدَّهرِ: يحرم صيام السّنَةِ كلها بما فيها الأيام التي نهى الشارع عن صيامها؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا صامَ، من صام الأبد"(1). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم. فإن أفطر يَوْمَيِ العيد، وأيام التشريق، وصام بقية الأيام، انتفت الكراهة، إذا كان ممن يقوى على صيامها. قال الترمذي: وقد كرِهَ قومٌ من أهل العلم صيام الدهر، إذا لم يفطرْ يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق(2). فمن أفطر في هذه الأيام، فقد خرج من حدِّ الكراهة، ولا يكون قد صام الدهر كله. هكذا رُويَ عن مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة الأسلمي على سَرْد الصيام، وقال له: "صُمْ إن شئت، وأفطرْ إن شئت"(3). وقد تقدم. والأفضل أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً؛ فإن ذلك أحب الصيام إلى اللّه، وسيأتي. -------------------------------------------------------------------------------- (1) البخاري: كتاب الصوم - باب حق الأهل في الصوم (3 / 52)، ومسلم: كتاب الصيام - باب النهـي عن صـوم الدهـر لمن تضـرر به، أو فـوت به حقّاً...، برقم (186، 187) (2 / 814، 815)، والنسائي: كتاب الصيام - باب ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه، برقم (2378) (4 / 206)، وابن ماجه: كتاب الصيام _ باب ما جاء في صيام الأبد، برقم (1706) (1 / 544)، وأحمد في "المسند" (2 / 164، 189، 190، 199، 212، 6 / 455). (2) الترمذي: كتاب الصوم _ باب ما جاء في صوم الدهر (3 / 130). (3) مسلم: كتاب الصوم، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (ح 104، 105)، والنسائي: كتاب الصيام - باب ذكـر الاختـلاف على هشام بن عـروة فيه، برقـم (2301، 2307) (4 / 186، 187)، وباب سرد الصيام، برقم (2384) (4 / 207)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في الصوم في السَّفر، برقم (1662) (1 / 531)، والموطأ: كتاب الصيام - باب ما جاء في الصيام في السفر، برقم (24) (1 / 295). النَّهيُ عن صِيامِ المرأة ، وزوجُهَا حاضرٌ ، إلا بإذنه (7) النَّهيُ عن صِيامِ المرأة، وزوجُهَا حاضرٌ، إلا بإذنه: نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصوم، وزوجها حاضر، حتى تستأذنه؛ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصُم المرأة يوماً واحداً، وزوجها شاهد إلا بإذنه، إلا رمضان"(1). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم. وقد حمل العلماء هذا النهي على التحريم، وأجازوا للزوج أن يفسِدَ صيام زوجته لو صامت، دون أن يأذن لها؛ لافتياتها(2) على حقه، وهذا في غير رمضان، كما جاء في الحديث، فإنه لا يحتاج إلى إذن من الزوج. وكذلك لها أن تصوم من غير إذنه، إذا كان غائباً، فإذا قدمَ له أن يفسدَ صيامها. وجعلوا مرض الزوج، وعجزه عن مباشرتها مثل غيبته عنها، في جواز صومها، دون أن تستأذنه. -------------------------------------------------------------------------------- (1) البخاري: كتاب النكاح - باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً (7 / 39)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب ما أنفق العبد من مال مولاه، برقم (84) (2 / 711)، والترمذي: كتاب الصوم - باب كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها، برقم (782)، وقال: حديث حسن صحيح (3 / 142)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، برقم (2458) (2 / 826، 827)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب في المرأة تصوم بغير إذن زوجها، برقم (1761) (1 / 560)، والدارمي: كتاب الصوم - باب النهي عن صوم المرأة تطوعاً، إلا بإذن زوجها (2 / 12)، وأحمد في "المسند" (2 / 316، 444، 476، 500). (2) لافتياتها: أي؛ لتعديها على حقه. النَّهيُ عن وصَالِ الصَّوْمِ (8) النَّهيُ عن وصَالِ الصَّوْمِ(1): 1ـ عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال". قالها ثلاث مرات، قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللّه ؟ قال: "إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني(2) ربي ويسقيني، فاكلفُوا من الأعمال ما تطيقون"(3). رواه البخاري، ومسلم. وقد حمل الفقهاء النهي على الكراهة، وجوّز أحمد، وإسحق، وابن المنذر، الوصال إلى السحر، ما لم تكن مشقة على الصائم؛ لما رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا، فأيّكم أراد أن يواصل فَليُواصِلْ، حتى السحر"(4). -------------------------------------------------------------------------------- (1) وصال الصوم؛ متابعة بعضه بعضاً دون فطر، أو سحور. (2) "يطعمني ربي ويسقيني". أي؛ يجعل الله له قوة الطاعم، والشارب. (3) البخاري: كتاب الصوم _ باب التنكيل لمن أكثر الوصال... (3 / 49)، ومسلم: كتاب الصيام _ باب النهي عن الوصال في الصوم، رقم (58) (2 / 774)، والموطأ: كتاب الصيام _ باب النهي عن الوصال في الصيام، برقم (39) (1 / 301)، والدارمي:كتاب الصوم _ باب النهي عن الوصال في الصوم (2 / 7، 8)، وأحمد في "المسند" (2 / 231، 237، 244، 315، 345، 418). (4) البخاري: كتاب الصوم - باب الوصال ومن قال: ليس في الليل صيام... (3 / 48) وأبو داود: كتاب الصوم _ بـاب في الوِصال، برقم (2361) (2 / 767)، والدارمي: كتـاب الصـوم - بـاب صيـام الستـة من شوال (2 / 21) وأحمد في "المسند" (3 / 8). |
رد: فقه الصيام
آداب الصيــــام الكفُّ عما يتنافى مع الصّيامِالسَّحورُ يستحب للصائم أن يراعي في صيامه الآداب الآتية: (1) السَّحورُ: وقد أجمعت الأمة على استحبابه، وأنه لا إثم على من تركه؛ فعن أنَس _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "تسحّروا؛ فإن في السّحور (1) بركةً"(2). رواه البخاري، ومسلم. وعن المقدام بن مَعْد يكرب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بهذا السحور؛ فإنه هو الغذاء المبارك"(3). رواه النسائي بسند جيد. وسبب البركة، أنه يقوّي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام. بمَ يتحققُ ؟ ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله، ولو بجرعة ماء؛ فعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "السحور بركة فلا تدعوه، ولو أن يَجْرَع أحدكم جَرْعَة ماء؛ فإن اللّه وملائكته يصلون على المتسحرين"(4). رواه أحمد. وقْتُـه: وقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره؛ فعن زيد بن ثابت _ رضي اللّه عنه _ قال: تسحّرْنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما ؟ قال: خمسين آية(5). رواه البخاري، ومسلم. وعن عمرو بن ميمون، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجلَ الناس إفطاراً، وأبطأهم سحوراً (6). رواه البيهقي بسند صحيح. وعن أبي ذر الغفاري _ رضي اللّه عنه _ مرفوعاً: "لا تزال أمتي بخير، ما عَجّلوا الفطر، وأخّرُوا السحور"(7). وفي سنده سليمان بن أبي عثمان، وهو مجهول. الشكُّ في طلوعِ الفجْرِ: ولو شك في طلوع الفجر، فله أن يأكل ويشرب، حتى يستيقن طلوعه، ولا يعمل بالشك؛ فإن اللّه _ عز وجل _ جعل نهاية الأكل والشرب التبيّن نفسه، لا الشك؛ فقال: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ " [البقرة: 187]. وقال رجل لابن عباس _ رضي اللّه عنهما _: إني أتسَحّر، فإذا شككت أمْسَكتُ. فقال ابن عباس: كلْ ما شككتَ، حتى لا تشك. وقال أبو داود: قال أبو عبد اللّه(8): إذا شكَّ في الفجر يأكل، حتى يستيقن طلوعه. وهذا مذهب ابن عباس، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد. وقال النووي: وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشّاكِّ، في طلوع الفجر. (1) السحور بالفتح؛ المأكول، وبالضم؛ المصدر والفعل. (2) البخاري: كتاب الصوم - باب بركة السحور في غير إيجاب.... (3 / 37، 38)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، برقم (45 2 / 770)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في فضل السحور، برقم (708) (3 / 79)، والنسائي: كتاب الصوم - باب الحث على السحور، برقم (2146) (4 / 141)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في السحور، برقم (1692) (1 / 540)، والدارمي: كتاب الصوم - باب في فضل السحور (2 / 6)، وأحمد في "المسند" (3 / 99، 215، 229، 243، 258، 281)، والبيهقي: كتـاب الصيـام - باب استحبـاب السحـور (4 / 236). (3) النسائي: كتـاب الصيـام - بـاب تسميـة السحـور غـذاء، برقم (2164) (4 / 146)، وانظر "الإحكام في الأحكام"، للأستاذ مصطفى بن سلامة. (4) أحمد في "المسند" (3 / 12، 44) بلفظه، ورواه مختصراً (5 / 370). (5) البخاري: كتاب الصوم - باب قَدْرِ كَمْ بين السحور وصلاة الفجر (3 / 37)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم (47) (2 / 771). (6) البيهقي: كتاب الصيام - باب ما يستحب من تعجيل الفطر وتأخير السحور (4 / 238). (7) وفي البخاري: "لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر". (مع الفتح 4 / 234). ومنه، تعلم بطلان ما عليه الشيعة بإيران، وغيرها من تأخير الفطر، حتى تظهر بعض النجوم، ففي الحديث شهادة، أنهم ليسوا بخير، فاستمسك، أخي، بالسنة، ولا تنخدع بهم، انظر "الفتح" (4 / 234)، ورواه أحمد في "المسند" (5 / 172). (8) هو أحمد بن حنبل. وأثر ابن عباس في "الفتح"، وصححه ابن حجر (4 / 161). تعجيلُ الفطْرِ ويُسْتَحَب للصائم أن يعَجِّل الفطر، متى تحقق غروب الشمس؛ فعن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير، ما عَجّلوا الفطر"(1). رواه البخاري، ومسلم. وينبغي أن يكون الفطر على رطَباتٍ وتراً، فإن لم يجد، فعلى الماء؛ فعن أنَس _ رضي اللّه عنه _ قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُفْطِر على رُطَباتٍ قبل أن يُصَلي، فإن لم تكن، فعلى تمرات، فإن لم تكن، حَسَا حَسَوات(2) من ماء(3). رواه أبو داود، والحاكم وصححه، والترمذي وحسنه. وعن سلمان بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم صائماً، فليُفطِرْ على التمر، فإن لم يجد التمر، فعلى الماء؛ فإن الماء طهور"(4). رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح. وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية، فإذا صلى، تناول حاجته من الطعام بعد ذلك، إلا إذا كان الطعام موجوداً، فإنه يبدأ به؛ قال أنَس: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قُدّمَ العَشَاء، فابدءوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عَشَائكم"(5). رواه الشيخان. (1) البخاري: كتاب الصوم - باب تعجيل الإفطار (3 / 47)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل السحور، برقم (48) (2 / 771)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في تعجيل الإفطار، برقم (1697) (1 / 541)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في تعجيل الإفطار، برقم (699) (3 / 73) وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، والدارمي: كتاب الصوم - باب في تعجيل الإفطار (2 / 7)، والموطأ: كتاب الصيام - باب ما جاء في تعجيل الفطر، برقم (6) (1 / 288)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب ما يستحب من تعجيل الفطر، وتأخير السحور (4 / 237)، وأحمد في "المسند" (5 / 331، 334، 336، 337، 339). (2) "حسا": أي؛ شرب. (3) أبو داود: كتاب الصوم - باب ما يُفْطر عليه، برقم (2356) (2 / 764)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار، برقم (696) (3 / 70) وقال: هذا حديث حسن غريب، وأحمد في "المسند" (3 / 164)، والحاكم: كتاب الصيام (1 / 432) وقال: صحيح على شرط مسلم. (4) الترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء ما يستحَبُّ عند الإفطار، برقم (695) وقال: هذا حديث حسن صحيح (3 / 69، 70)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب ما يُفطر عليه، برقم (2355) (2 / 764)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء على ما يستحب الفطر، برقم (1699) (1 / 542)، والدارمي: كتاب الصوم - باب ما يستحب الإفطار عليه (2 / 7)، والحاكم: كتاب الصوم - باب استحباب الإفطار على التمر (1 / 432) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبيهقي: كتاب الصيام - باب ما يفطر عليه (4 / 238). (5) البخاري: كتاب الأذان - باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة (1 / 171)، ومسلم بلفظ: "إذا قُرِّبَ العَشاء، وحضرت الصلاة": كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (64) (1 / 392)، وأحمد بمعناه (2 / 148). الدُّعاءُ عند الفطْرِ ، وأثناء الصّيامِ روى ابن ماجه، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره دعوةً ما تُرَدُّ"(1). وكان عبد اللّه إذا أفطر، يقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء، أن تغفر لي. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ذهب الظمأ، وابتلّت العروق، وثبت الأجر، إن شاء اللّه تعالى"(2). وروي مرسلاً، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك صمت، وعلى رِزقك أفطرت"(3). وروى الترمذي بسند حسن، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر(4)، والإمام العادل، والمظلوم"(5). (1) ابن ماجه: كتاب الصيام - باب في الصائم لا تُرَدُّ دعوته، برقم (1753) (1 / 557) وفي "الزوائد": إسناده صحيح؛ لأن إسحاق بن عبيد اللّه بن الحارث، قال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجال الإسناد على شرط البخاري، وهو ضعيف، انظر: "الإرواء" (921). (2) أبو داود: كتاب الصوم - باب القول عند الإفطار، برقم (2357) (2 / 765) ونسبه المنذري للنسائي، والبيهقي: كتاب الصيام - باب ما يقول إذا أفطر (4 / 239)، وهو ضعيف، انظر: "الإرواء" (921). (3) أبو داود: كتاب الصوم - باب القول عند الإفطار، برقم (2358) (2 / 765)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب ما يقول إذا أفطر (4 / 239). (4) يستفاد منه استحباب الدعاء طول مدة الصيام، ولكن الحديث ضعيف، انظر "الضعيفة" (1358). (5) الترمذي: كتاب الدعوات - باب في العفو والعافية، برقم (3598) (5 / 578) وقال: هذا حديث حسن. وكتاب صفة الجنة - باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، برقم (2526) (4 / 672) وقال فيه: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مُدِلَّة، عن أبى هريرة، عن النبي ، وابن ماجه: كتاب الصيام _ باب في الصائم لا تردّ دعوته، برقم (1752) (1 / 557)، وأحمد في "المسند" (2 / 305، 445). الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه اللّه تعالى؛ ليُهذّبَ النفس، ويُعوّدها الخير، فينبغي أن يتحفظ الصائم من الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها اللّه في قوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [ البقرة: 183]. وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وإنما هو إمساك عن الأكل والشرب، وسائر ما نهى اللّه عنه؛ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الصيام من الأكل والشُرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّكَ أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم"(1). رواه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وروى الجماعة، إلا مسلماً، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يدَع(2) قول الزُّور والعملَ به، فليس للّه حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابه(3)"(4). وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُبَّ صائم ليس له من صيامه، إلا الجوعُ، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه، إلا السهر"(5). رواه النسائي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. (1)الحاكم: كتاب الصوم - باب من أفطر في رمضان ناسياً، فلا قضاء عليه ولا كفارة (1 / 430، 431) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الصوم - باب آداب الصوم، برقم (3470) (5 / 198)، وصحيح ابن خزيمة: كتاب الصوم - باب النهي عن اللغو في الصيام...، برقم (1996) (3 / 242). (2) "يدع": أي؛ يترك. (3) أي؛ ليس للّه إرادة في قبول صيامه، أي؛ أن اللّه لا يقبل صيامه. (4) البخاري: كتاب الصوم - باب من لم يدع قول الزور (3 / 33)، والترمذي: كتاب الصوم - باب التشديد للغيبة للصائم، برقم (707) (3 / 78) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في الغيبة، والرفث للصائم، برقم (1689) (1 / 539)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الغيبة للصائم، برقم (2362)، وأحمد في "المسند" (2 / 452، 505). (5) الحاكم: كتاب الصوم (1 / 431) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في الغيبة، والرفث للصائم، برقم (1690) (1 / 539)، وفي "الزوائد": إسناده ضعيف، والدارمي: كتاب الصوم - باب في المحافظة على الصَّوْم (2 / 301)، وأحمد في "المسند" (2 / 441). السِّواكُ ويستحب للصائم أن يَتَسَوَّك أثناء الصيام، ولا فرق بين أول النهار وآخره. قال الترمذي: ولم يرَ الشافعي بالسِّواك أوَّلَ النهار وآخره بأساً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسَوَّك(1)، وهو صائم، وتقدم ذلك في هذا الكتاب، فلْيرجَع إليه. (1)أبو داود: كتاب الصوم - باب السواك للصائم، برقم (2364) (2 / 768)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في السواك للصائم، برقم (725) (3 / 95) وقال أبو عيسى: حديث حسن. وذكر البخاري في "صحيحه" هذا الحديث معلقاً فى الترجمة، فقال: ويذكر عن عامر بن ربيعة....: كتاب الصوم - باب سواك الرطب، واليابس (3 / 40)، وأحمد في "المسند" (3 الجودُ ومدارسةُ القرآنِ الجود ومدارسة القرآن مُسْتَحَبّان في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان؛ روى البخاري، عن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدَارسُه القرآن، فلَرَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أجود بالخير، من الريح المرسلة(1) (2). (1) أي؛ في الإسراع، والعموم. (2) البخاري: كتاب الصوم - باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان (3 / 33)، ومسلم: كتاب الفضائل - باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، من الريح المرسلة، برقم (50) (4 / 1803)، والنسائي: كتاب الصيام - باب الفضل والجود في شهر رمضان، برقم (2095) (4 / 125)، وأحمد في "المسند" (1 / 288، 363). الاجتهادُ في العبادةِ في العشْرِ الأواخرِ من رمضانَ 1ـ روى البخاري، ومسلم، عن عائشة _ رضي اللّه عنها _ أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا دخل العشر الأواخر، أحيى الليل، وأيقظ أهله، وشدَّ المئزَر(1). وفي رواية لمسلم: كان يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره(2). 2ـ وروى الترمذي وصححه، عن علي _ رضي اللّه عنه _ قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر، ويرفع المئزر(3). (1) البخاري: كتاب الصوم - باب فضل العمل في العشر الأواخر من رمضان (3 / 61)، ومسلم: كتاب الاعتكاف - باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، برقم (7) (2 / 832)، وابن ماجه: كتاب الصوم - باب في فضل العشر الأواخر من رمضان، برقم (1768) (1 / 562)، وأبو داود: كتاب الصلاة _ باب في قيام شهر رمضان، برقم (1376) (2 / 105)، والنسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار - باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل، برقم (1639) (3 / 217، 218)، وأحمد في "المسند" بألفاظ متقاربة (6 / 40، 41، 66 _ 68، 146). (2) مسلم: كتاب الاعتكاف - باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، برقم (8) (2 / 832)، والترمذي: كتاب الصوم - باب مِنْهُ، برقم (796) (2 / 152)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان، برقم (1767) (1 / 562)، وأحمد في "المسند" (6 / 82، 123، 256). (3) الترمذي بدون لفظة: "ويرفع المئزر": كتاب الصوم - باب منه، برقم (795) (3 / 152) وقال المحقق: لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة، سوى الترمذي، وأحمد في "المسند" (1 / 98، 128، 133، 137). |
رد: فقه الصيام
مباحـــــات الصيـــــام نزول الماء والانغماس فيه يباح في الصيام ما يأتي: 1ـ نزولُ الماءِ، والانغماسُ فيه: لما رواه أبو بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه حدَّثه، فقال: ولقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَصُبّ على رأسه الماء، وهو صائم؛ من العطش، أو من الحرّ(1). رواه أحمد، ومالك، وأبو داود بإسناد صحيح. وفي "الصحيحين"، عن عائشة _ رضي اللّه عنها _ أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصْبُح جُنُباً، وهو صائم، ثم يغتسل(2). فإن دخل الماء في جوف الصائم، من غير قصد، فصَوْمُه صحيح. -------------------------------------------------------------------------------- (1) أبو داود: كتاب الصوم - باب الصائم يُصبُّ عليه الماء من العطش، ويبالغ في الاستنشاق، برقم (2365) (2 / 769)، والموطأ: كتاب الصيام - باب ما جاء في الصيام فى السفر، برقم (22) (1 / 294)، وأحمد في "المسند" (3 / 475، 4 / 63، 5 / 376، 380، 408، 430). (2) البخاري بنحوه: كتاب الصوم - باب الصائم يصبح جنباً (3 / 38)، ومسلم: كتاب الصيام - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر، وهو جنب، برقم (76) (2 / 780)، وأحمد في "المسند" (6 / 34، 36، 38)، والدارمي: كتاب الصوم - باب فيمن أصبح جنباً، وهو يريد الصوم (2 / 13). الاكتحال والقطرة 2ـ الاكتحالُ والقطرةُ، ونحوهما مما يدخل العين؛ سواء أوجد طعمه في حلقه، أم لم يجده؛ لأن العين ليست بمنفذ إلى الجوف؛ فعن أنَس، أنه كان يكتحل، وهو صائم(1). وإلى هذا ذهبت الشافعية، وحكاه ابن المنذر، عن عطاء، والحسن، والنخعي، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور. وروي عن ابن عمر، وأنس، وابن أبي أوفى، من الصحابة. وهو مذهب داود.ولم يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم،كما قال الترمذي(2). -------------------------------------------------------------------------------- (1) أبو داود: كتاب الصوم - باب في الكحل عند النوم للصائم، برقم (2378) (2 / 776). (2) الترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في الكحل للصائم، برقم (726) (3 / 96)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب في الكحل عند النوم للصائم، برقم (2377) (2 / 775، 776). القبلة 3ـ القبلةُ، لمن قدر على ضبط نفسه؛ فقد ثبت عن عائشة _ رضي اللّه عنها _ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم(1)، وكان أملككم لإرْبه(2). وعن عمر _ رضي اللّه عنه _ أنه قال: هششت(3) يوماً، فقبلتُ وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمراً عظيماً؛ قبّلت وأنا صائم. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو تمضمتَ بماء، وأنت صائم ؟" قلت: لا بأس بذلك ؟ قال: "ففيم(4)"(5). قال ابن المنذر: رَخّص في القبلة عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وعطاء، والشعبي، والحسن، وأحمد، وإسحاق. ومذهب الأحناف، والشافعية، أنها تكرَه، على من حَرَّكتْ شهوتَه، ولا تكرَه لغيره، لكن الأولى تركها. ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك، والاعتبار بتحريك الشهوة، وخوف الإنزال، فإن حركت شهوة شاب، أو شيخ قوي، كرِهَتْ، وإن لم تحرّكها لشيخ، أو شابّ ضعيف، لم تكرَه، والأولى تركها. وسواء قبّل الخد، أو الفم،أو غيرهما،وهكذا المباشرة باليد والمعانقة،لهما حكم القبلة. -------------------------------------------------------------------------------- (1) والمقصود المداعبة. (2) البخاري: كتاب الصوم - باب المباشرة للصائم (3 / 38، 39)، ومسلم: كتاب الصيام - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحـرك شهوتـه، برقم (65، 66، 68) (2 / 777)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في مباشرة الصائم، برقم (728، 729) (3 / 98)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في المباشرة للصائم، برقم (1687) (1 / 538)، والموطأ بمعناه: كتاب الصيام - باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم، برقم (18) (1 / 293)، وأحمد في "المسند" (6 / 40، 42، 44، 126، 128، 156). (3) هششت: أي؛ نشطت. (4) "ففيم": أي؛ ففيم السؤال. (5) أبو داود: كتاب الصوم - باب القُبلة للصائم، برقم (2385) (2 / 779)، والدارمي: كتاب الصوم - باب الرخصة في القبلة للصائم (2 / 13)، وأحمد في "المسند" (1 / 21)، والحاكم، في "المستدرك": كتاب الصوم - باب جواز القبلة للصائم (1 / 431)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وفي "نيل الأوطار": صححه ابن خزيمة، وابن حبان (4 / 287). الحقنةُ 4ـ الحقنةُ: مطلقاً؛ سواء أكانت للتغذية، أم لغيرها، وسواء أكانت في العروق، أم تحت الجلد، فإنها، وإن وصلت إلى الجوف، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد. الحجامةُ 5ـ الحجامةُ(1): فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، إلا إذا كانت تضعف الصائم، فإنها تكره له، قال ثابت البُناني لأنَس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم، على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف(2). رواه البخاري، وغيره. والفصد(3) مثل الحجامة في الحكم. -------------------------------------------------------------------------------- (1) الحجامة؛ أخذ الدم من الرأس. (2) البخاري: كتاب الطب - باب أي ساعة يحتجم (7 / 161)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب في الرخصة في ذلك، برقم (2372، 2373، 2375) (2 / 773، 774)، والترمذي: كتاب الصوم - باب الرخصة في الحجامة، برقم (775، 776، 777)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في الحجامة للصائم، برقم (1682) (1 / 537)، والموطأ: كتاب الصيام - باب ما جاء في حجامة الصائم، برقم (32) (1 / 298). (3) الفصد: أي؛ أخذ الدم من أي عضو. المضمضَةُ 6ـ المضمضَةُ، والاستنشَاقُ، إلا أنه تكرَه المبالغةُ فيهما؛ فعن لقيط بن صبرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا استنشقت فأبلغ، إلا أن تكون صائماً"(1). رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقد كره أهل العلم السّعوط(2) للصائم،ورَأوْا أن ذلك يفطِّر،وفي الحديث ما يقوّي قولهم. قال ابن قدامة: وإن تمضمض، أو استنشق في الطهارة، فسبق الماء إلى حلقه، من غير قصْدٍ، ولا إسراف، فلا شيء عليه. وبه قال الأوزاعي، وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس. وقال مالك، وأبو حنيفة: يفطر؛ لأنه أوْصَل الماء إلى جوفه، ذاكراً لصومه، فأفطر، كما لو تعمّدَ شرْبَه. قال ابن قدامة، مرجحاً الرأي الأول: ولنا، أنه وصل الماء إلى حَلقِه، من غير إسراف، ولا قصد، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حَلقِه(3)، وبهذا فارق المتعمد. -------------------------------------------------------------------------------- (1) أبو داود: كتـاب الصوم - بـاب الصائـم يصب عليه الماء من العطش، ويبالغ في الاستنشاق، برقم (2366) (2 / 769)، والترمذي: كتاب الصوم - باب كراهية الاستنشاق للصائم، برقم (788) (3 / 146) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي: كتـاب الطهـارة - بـاب المبالغة في الاستنشاق، برقم (87) (1 / 66)، وابن ماجه: كتـاب الطهـارة - بـاب المبالغة في الاستنشاق، برقم (407) (1 / 142) وأحمد في "المسند" (4 / 33، 211). (2) السعوط: أي؛ وضع الدواء في الأنف. (3) قال ابن عباس: دخول الذباب في حلق الصائم، لا يفطر.مباحات أخرى في الصيام 7ـ وكذا يباح له ما لا يمكن الاحتراز عنه، كبلع الريق، وغبار الطريق، وغربلة الدقيق، والنخامة، ونحو ذلك. وقال ابن عباس: لا بأس أن يذوق الطعامَ الخل، والشيء يريدُ شراءه. وكان الحسن يَمضغُ الجوز لابن ابنه وهو صائم، ورخص فيه إبراهيم. وأما مضغ العِلك(1)، فإنه مكروه، إذا كان لا يتفتّتُ منه أجزاء. وممن قال بكراهته؛ الشعبي، والنخعي، والأحناف، والشافعي، والحنابلة. ورخصت عائشة، وعطاء في مضغه؛ لأنه لا يصل إلى الجوف، فهو كالحصاة يضعها في فمه. هذا إذا لم تتحلل منه أجزاء، فإن تحللتْ منه أجزاء، ونزلت إلى الجوف، أفْطَر. قال ابن تيمية: وشم الروائح الطيبة، لا بأس به للصائم. وقال: أما الكحل، والحقنة، وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة، والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم؛ فمنهم من لم يُفطِّر بشيء من ذلك، ومنهم من فطّر بالجميع، لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع، لا بالتقطير، ومنهم مَنْ يُفَطِّر بالكحل، ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك. ثم قال، مرجحاً الرأي الأول: والأظهر، أنه لا يفطر بشيء من ذلك؛ فإن الصيام من دين الإسلام، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام. فلو كانت هذه الأمور مما حرمها اللّه ورسوله في الصيام، ويَفْسُدُ الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك، لعَلِمَه الصحابة، وبَلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم يَنْقُلْ أحدٌ من أهل العلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، لا حديثاً صحيحاً، ولا ضعيفاً، ولا مسنداً، ولا مُرْسلاً، عُلِمَ أنه لم يُنْكرْ شيئاً من ذلك. قال: فإذا كانت الأحكام التي تعُمّ بها البلوى، لا بُدَّ أن يُبَيِّنَها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولابُدَّ أن تَنْقلَ الأمة ذلك. فمعلوم أنَّ الكحْلَ ونحوه مما تعمّ به البلوى، كما تعمّ بالدهن، والاغتسال، والبخور، والطّيب، فلو كان هذا مما يفطر، لبَيّنَه النبي صلى الله عليه وسلم، كما بَيّنَ الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، عُلِمَ أنه من جنس الطّيب، والبخور، والدهن، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف، ويدخل في الدماغ، وينعقد أجساماً. والدهن يشربه البدن، ويدخل إلى داخله، ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك، دل على جواز تطيبه، وتبخُّرِه، وادهانه، وكذلك اكتحاله. وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم؛ إما في الجهاد، وإما في غيره، مأمومة وجائفةً، فلو كان هذا يفطرُ، لبين لهم ذلك، فلما لمْ يَنْهَ الصائمَ عن ذلك، عُلِمَ أنه لم يجعله مفطِّراً. ثم قال: فإن الكحل لا يُغذّي ألبتة، ولا يدخِلُ أحد كحلاً إلى جوفه، لا من أنفه، ولا من فمه. وكذلك الحقنة(2) لا تغذّي، بل تستفرغ ما في البدن، كما لـو شمّ شيئاً من المسهلات، أو فزع فزعاً أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة. والدواء الذي يصل إلى المعدة، في مداواة الجائفة(3) والمأمومة، لا يشبه ما يصل إليها من غذائه، واللّه _ سبحانه _ قال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة: 183]. وقال صلى الله عليه وسلم: "الصَّوْمُ جُنَّة"(4)، وقال: "إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرى الدَّم، فَضَيِّقوا مجارِيَه بالجوع، والصَّوم"(5). فالصائم نُهيَ عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سَبَبُ التقوى، فترك الأكل والشرب، الذي يُولدُ الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان، إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة، ولا كحل، ولا ما يقطر في الذكر، ولا ما يُداوي به المأمومة، والجائفة، انتهى. 8ـ ويباح للصائم أن يأكل، ويشرب، ويجامع، حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر، وفي فمه طعام، وجب عليه أن يلفِظه، أو كان مجامعاً، وجب عليه أن ينزع. فإن لفظ أو نزع، صح صومه، وإن ابتلع ما في فمه من طعام، مختاراً، أو استدام الجماع، أفطر؛ روى البخاري، ومسلم، عن عائشة _ رضي اللّه عنها _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذنُ بليْل، فكلوا واشربوا، حتى يؤذنَ ابن أُمّ مكتوم"(6). 9ـ ويباح للصائم أن يُصْبح جنباً، وتقدم حديث عائشة في ذلك. 10ـ والحائض والنّفساءُ، إذا انقطع الدم من الليل، جاز لهما تأخير الغسل إلى الصبح، وأصبحتا صائمتين، ثمَّ عليهما أن تتطهرا للصلاة. -------------------------------------------------------------------------------- (1) العلك: أي؛ اللبان. (2) يقصد الحقنة الشرجية، فإنها لا تفطر الصائم. (3) الجائفة: أي؛ الجراحة التي تصل إلى الجوف، والمأمومة: أي؛ الشجة في الرأس تصل إلى أم الدماغ، ومداواتهما ليست تغذية. (4) البخاري: كتاب الصوم - باب هل يقول: إني صائم (3 / 34)، وكتاب التوحيد - باب قول اللّه تعالى: "يريدون أن يبدلوا كلام اللَه ,,,* (9 / 175)، ومسلم: كتاب الصيام - باب فضل الصيام، برقم (162) (2 / 806)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الغيبة للصائم، برقم (2363) (2 / 768)، والنسائي: كتاب الصوم - باب فضل الصيام، برقم (2217) (4 / 164)، وابن ماجه: كتاب الصيام _ باب ما جاء في فضل الصيام، برقم (1639) (1 / 525). (5) البخاري: كتاب بدء الخلق - باب صفة إبليس وجنوده (4 / 150)، وكتاب الأحكام، مختصراً _ باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته (9 / 87)، وكتـاب الاعتكاف _ بـاب زيـارة المـرأة زوجها في اعتكافـه (2 / 65)، وأبو داود: كتاب الصوم - بـاب المعتكـف يدخل البيـت لحاجتـه، برقـم (2470) (2 / 835)، وابن ماجه، مختصراً: كتاب الصيام - باب في المعتكف يزوره أهله في المسجد، برقم (1779) (1 / 566)، والدارمي، بألفاظ متقاربة: كتـاب الرقـاق - بـاب الشيطـان يجـري من ابن آدم مجرى الدم (2 / 320)، وأحمد في "المسند" (3 / 285، 309) (6 / 337). (6) البخاري: كتـاب الأذان - بـاب الأذان قبـل الفجـر (1 / 161)، وكتـاب الصـوم - بـاب قـول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال" (3 / 37)، ومسلم: كتـاب الصيـام - باب بيـان أن الدخول فـي الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم (38) (2 / 768)، وأحمد في "المسند" (2 / 9، 57، 123) (6/ 44، 54، 433). |
رد: فقه الصيام
مبطلات الصيـــــام
الأكل والشرب عمدًا الأكلُ والشربُ عمداً: فإن أكل أو شرب ناسياً، أو مخطئاً، أو مُكرهاً، فلا قضاء عليه، ولا كفارة؛ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن نَسِيَ، وهو صائم، فأكل أو شرب، فليُتِمَّ صوْمَه؛ فإنما أطعمه اللّه وسقاه"(1). رواه الجماعة. وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وروى الدارقطني، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أفطَر في رمضان ناسياً، فلا قضاء عليه، ولا كفارة". قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. وعن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللّه وَضعَ عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما اسْتُكرِهوا عليه"(2). رواه ابن ماجه، والطبراني، والحاكم. -------------------------------------------------------------------------------- (1)البخاري: كتاب الصيام - باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً (3 / 40)، ومسلم: كتاب الصيام - باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، برقم (171) (2 / 809)، والترمذي: كتـاب الصيـام - بـاب مـا جـاء في الصائم يأكل، أو يشرب ناسياً، برقم (721) وقال: حديث حسن صحيح (3 / 91)، وأحمد في "المسند" (2 / 395)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء فيمن أفطر ناسياً، برقم (1673) (1 / 535)، وأبو داود بنحوه: كتـاب الصـوم - بـاب من أكـل ناسياً، برقم (2398) (2 / 789، 790)، وصحيح ابن خزيمة: كتاب الصوم - باب ذكر البيان أنَّ الآكل والشارب ناسياً لصيامه غير مفطر بالأكل والشرب، برقم (1989) (3 / 238). (2) ابن ماجه: كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، برقم (2045) (1 / 659)، وفي "الزوائد": إسناده صحيح، إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع؛ بدليل زيادة عبيد بن نمير في الطريق الثاني وليس ببعيد أن يكون السقط من جهة الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس، انتهى. القيء عمدًا القيء عمداً فإن غلبه القيء، فلا قضاء عليه، ولا كفارة؛ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرَعه(1) القيء، فليس عليه قضاء، ومن اسْتقاء(2) عمداً، فليقض". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم وصححه. قال الخطابي: لا أعلم خِلافاً بين أهل العلم، في أن من ذرعه القيء، فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامداً، فعليه القضاء. -------------------------------------------------------------------------------- (1) "ذرعه": أي؛ غلبه. (2) "استقاء": أي؛ تعمد القيء، واستخرجه، بشم ما يقيئه، أو بإدخال يده. الحيض والنفاس الحيْضُ والنفاسُ، ولو في اللحظة الأخيرة، قبل غروب الشمس، وهذا مما أجمع العلماء عليه. الاستمناء الاستمناءُ(1)، سواء أكان سببه تقبيل الرَّجُل لزوجته، أو ضمّها إليه، أو كان باليد، فهذا يبطل الصوم، ويوجب القضاء. فإن كان سببه مجَرَّدَ النظر أو الفكر، فإنه مثل الاحتلام نهاراً في الصيام، لا يبطِل الصوم، ولا يجب فيه شيء، وكذلك المذي، لا يؤثر في الصوم؛ قلَّ أو كثر. أمور أخرى تبطل الصيام 1ـ تناول ما لا يتغذَّى به، من المنفذ المعتاد إلى الجوف، مثل تعاطي الملح الكثير، فهذا يفطِّر، في قول عامّةِ أهل العلم. 2ـ ومن نوى الفطر، وهو صائم، بطل صومه، وإن لم يتناول مفطراً؛ فإن النية ركن من أركان الصيام، فإذا نقضها، قاصداً الفطر، ومتعمداً له، انتفض صيامه لا محالة. 3ـ إذا أكل، أو شرب، أو جامع، ظانّاً غروب الشمس، أو عدم طلوع الفجر، فظهر خلاف ذلك، فعليه القضاء، عند جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة. وذهب إسحاق، وداود، وابن حزم، وعطاء، وعروة، والحسن البصري، ومجاهد إلى أن صومه صحيح، ولا قضاء عليه؛ لقول اللّه تعالى: " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ *. ولقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللّه وضع عن أمتي الخطأ"(1). وتقدم. وروى عبد الرزاق، قال: حدثنا مَعْمَر، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: أفطر الناس في زمن عمر بن الخطاب، فرأيت عِسَاساً(2) أُخْرِجَتْ من بيت حفصة، فشربوا، ثم طلعت الشمس من سحاب، فكأن ذلك شق على الناس، فقالوا: نقضي هذا اليوم، فقال عمر: لِمَ ؟ واللّه، ما تجانفنا لإثم(3)(4). وروى البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر _ رضي اللّه عنها _ قالت: أفطرنا يوماً من رمضان في غيم، على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس(5). قال ابن تيمية: وهذا يدل على شيئين؛ الأول، يدل على أنه لا يُسْتَحَبّ مع الغيم التأخير، إلى أن يتيقن الغروب، فإنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع للّه ورسوله، ممن جاء بعدهم. والثانى، يدل على أنه لا يجب القضاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء، لشاع ذلك، كما نقِلَ فطرهم، فلما لم ينقل، دلَّ على أنه لم يأمرهم به، وأما ما يبطله، ويوجب القضاء والكفارة، فهو الجماع لا غير، عند الجمهور؛ فعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هَلكتُ، يا رسول اللّه. قال: "وما أهلكك ؟". قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال: "هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" ؟ قال: لا. قال: "فهل تجد ما تُطْعِمُ ستين مسكيناً" ؟ قال: لا. قال: ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق(6) فيه تمر، فقال: "تصَدّقْ بهذا". قال: فهل على أفقر منّا ؟ فما بين لابتيها(7) أهلُ بَيْتٍ أحوج إليه منّا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: "اذهب، فأطعمه أهلك(8)"(9). رواه الجماعة. ومذهب الجمهور، أن المرأة والرجل سواء في وجوب الكفارة عليهما، ما داما قد تعمدا الجماع، مختاريْنِ في نهار رمضان(10)، ناوِيَيْنِ الصيام. فإن وقع الجماع نسياناً، أو لم يكونا مختارين، بأن أُكرها عليه، أو لم يكونا ناويين الصيام، فلا كفارة على واحد منهما، فإن أكرهَت المرأة من الرجل، أو كانت مفطرة لعذر، وَجَبَتِ الكفارة عليه دونها. ومذهب الشافعي، أنه لا كفارة على المرأة مطلقاً، لا في حالة الاختيار، ولا في حالة الإكراه، وإنما يلزمها القضاء فقط. قال النووي: والأصح، على الجملة، وجوب كفارة واحدة عليه خاصة، عن نفسه فقط، وأنه لا شيء على المرأة، ولا يلاقيها الوجوب؛ لأنه حقّ مالٍ مُخْتَصٌّ بالجماع، فاختص به الرجل دون المرأة، كالمهر. قال أبو داود: سئل أحمد(11)، عمن أتى أهله في رمضان، أعليها كفارة ؟ قال: ما سمعنا، أن على امرأة كفارة. قال في "المغني": ووجه ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة، ولم يأمر في المرأة بشيء، مع علمه بوجود ذلك منها(12). ا ه. والكفارة على الترتيب المذكور في الحديث، في قول جمهور العلماء، فيجب العتق أولاً، فإن عجز عنه، صام شهرين متتابعين(13)، فإن عجز عنه، أطعم ستين مسكيناً، من أوسط ما يطعم منه أهله(14)، وأنه لا يصح الانتقال من حالة إلى أخرى، إلا إذا عجز عنها. ويذهب المالكية، ورواية لأحمد، أنه مخير بين هذه الثلاث، فأيها فَعَل، أجزأ عنه؛ لما روى مالك، وابن جريج، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكَفِّر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً(15). رواه مسلم. و "أو" تفيد التخيير؛ ولأن الكفارة بسبب المخالفة، فكانت على التخيير، ككفارة اليمين. قال الشوكاني: وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير، والذين روَوا الترتيب أكثر، ومعهم الزيادة. وجمع المهلب، والقرطبي بين الروايات، بتعدد الواقعة. قال الحافظ: وهو بعيد؛ لأن القصة واحدة، والمخرج مُتّحِد، والأصل عدم التعدد. وجمع بعضهم بحمل الترتيب على الأولوية، والتخيير على الجواز، وعكسه بعضهم، انتهى. ومن جامع عامداً في نهار رمضان، ولم يكفِّر، ثم جامع في يوم آخر منه، فعليه كفارة واحدة، عند الأحناف، ورواية عن أحمد؛ لأنها جزاء عن جِنَاية، تكرر سببها، قبل استيفائها، فتتداخلا. وقال مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد: عليه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فإذا وجبت الكفارة بإفسا، لم تتداخل، كرمضانين. وقد أجمعوا، على أن من جامع في نهار رمضان عامداً، وكَفّر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة أخرى. وكذلك أجمعوا على أن من جامع مرتين، في يوم واحد، ولم يكفر عن الأول، أن عليه كفارة واحدة، فإن كَفّر عن الجماع الأول، لم يكفر ثانياً، عند جمهور الأئمة، وقال أحمد: عليه كفارة ثانية. -------------------------------------------------------------------------------- (1) سبق تخريجه. (2) عساساً: أي؛ أقداحاً ضخاماً، قيل: إن القدح نحو ثمانية أرطال. (3) ما تجانفنا: التجانف: الميل. أي؛ لم نمل لارتكاب الإثم. (4) مصنف عبد الرزاق: كتاب الصيام - باب الإفطار في يوم مُغيم، برقم (7395) (4 / 179). (5) البخاري: كتاب الصوم - باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس (3 / 47)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء فيمن أفطر ناسياً، برقم (1674) (1 / 535)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الفطر قبـل غـروب الشمس، برقم (2359) (2 / 765) ونسبـه المنذري للترمـذي أيضاً، وأحمد في "المسند" (6 / 346)، والموطأ: كتاب الصيام - باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات، برقم (44) (1 / 303). (6) العرق: مكيال يسع 15 صاعاً. (7) لابتيها: جمع لابة؛ وهي الأرض التي فيها حجارة سود، والمراد ما بين أطراف المدينة أفقر منا. (8) استدل بهذا، من ذهب إلى سقوط الكفارة بالإعسار، وهو أحد قولي الشافعي، ومشهور مذهب أحمد، وجزم به بعض المالكية. والجمهور، على أن الكفارة لا تسقط بالإعسار. (9) البخاري: كتاب الصوم - باب إذا جامع في رمضان... (3 / 41، 42)، ومسلم: كتاب الصيام - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، برقم (81) (2 / 781)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان، برقم (724) (3 / 93) وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود: كتاب الصوم - باب كفارة من أتى أهله في رمضان، برقم (2390) (2 / 783)، وابن ماجه: كتاب الصوم - باب كفارة من أفطر يوماً من رمضان، برقم (1671) (1 / 534)، ونسبه المنذري للنسائي أيضاً. (10) فإن كان الصيام قضاء رمضان، أو نذراً، وأفطر بالجماع، فلا كفارة في ذلك. (11) هذه إحدى الروايتين، عن أحمد. (12) مسلم: كتـاب الصيـام - باب تغليـظ تحريم الجماع في نهـار رمضان علـى الصائـم، برقم (83، 84) (2 / 782)، وأبو داود بمعناه: كتاب الطلاق - بـاب في الظهار، برقم (2221، 2222) (2 / 666) والمغني، والشرح الكبير، لابن قدامة (3 / 58) وموفق الدين، وشمس الدين المقدسيان ( طبعة دار الكتاب العربي - بيروت لبنان 1403 ه - 1983 م). (13) ليس فيهما رمضان، ولا أيام العيدين والتشريق. (14) مذهب أحمد، لكل مسكين مد من قمح، أو نصف صاع من تمر، أو شعير، ونحوهما. وقال أبو حنيفة: من القمح نصف صاع، ومن غيره صاع. وقال الشافعي، ومالك: يطعم مدّاً من أي الأنواع شاء. وهذا رأي أبي هريرة، وعطاء، والأوزاعي، وهو أظهر؛ فإن العرق الذي أعطي للأعرابي يسع 15 صاعاً. (15) مسلم: كتاب الصيام - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، برقم (84 ) (2 / 782، 783). قضَـاءُ رمضَـانَ قضاء رمضان لا يجب على الفور، بل يجب وجوباً موَسّعاً في أي وقت، وكذلك الكفارة؛ فقد صح عن عائشة، أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان، ولم تكن تَقْضيه فوْراً، عند قدرتها على القضاء(1). والقضاء مثل الأداء، بمعنى أنَّ مَنْ ترك أياماً، يقضيها دون أن يزيد عليها. ويُفارقُ القضاءُ الأداءَ، في أنه لا يلزم فيه التتابع؛ لقول اللّه تعالى: " فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " [البقر:184]. أي؛ ومن كان مريضاً، أو مسافراً، فأفطر، فَلْيَصُم عِدة الأيام التي أفطر فيها في أيام أخر؛ متتابعات، أو غير متتابعات؛ فإن اللّه أطلق الصيام، ولم يقيده. وروى الدارقطني، عن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، في قضاء رمضان،: "إن شاء فرَّق، وإن شاء تابع"(2). وإن أخّر القضاء، حتى دخل رمضان آخر، صام رمضان الحاضر، ثمَّ يقضي بعده ما عليه، ولا فدية عليه؛ سواء كان التأخير لعذر، أو لغير عذر. وهذا مذهب الأحناف، والحسن البصري. ووافق مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق الأحناف في أنه لا فدية عليه، إذا كان التأخير بسبب العذر. وخالفوهم، فيما إذا لم يكن له عذر في التأخير، فقالوا: عليه أن يصوم رمضان الحاضر، ثم يقضي ما عليه بعده، ويفدي عما فاته، عن كل يوم مُدّاً من طعام. وليس لهم في ذلك دليل يمكن الاحتجاج به، فالظاهر ما ذهب إليه الأحناف؛ فإنه لا شرع، إلا بنص صحيح. -------------------------------------------------------------------------------- (1) مسلم: كتاب الصيام - باب قضاء رمضان في شعبان، برقم (151، 152) (2 / 802، 803)، والفتح الرباني، برقم (179، 180) (10 / 126، 127)، وانظر المسألة بالتفصيل، في: تمام المنة (421). (2) الدارقطني: كتاب الصيام - باب القبلة للصائم، برقم (74) (2 / 193)، وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر، وقد صحح الحديث ابن الجوزي، وقال: ما علمنا أحداً طعن في سفيان بن بشر، والحديث ضعيف، انظر: تمام المنة (423). مـن مـــات وعليـه صيــــام أجمع العلماء، على أن من مات، وعليه فوائت من الصلاة، فإن وليه لا يصلي عنه، هو ولا غيره، وكذلك من عجز عن الصيام، لا يصوم عنه أحد أثناء حياته. فإن مات، وعليه صيام، وكان قد تمكن من صيامه قبل موته، فقد اختلف الفقهاء في حكمه؛ فذهب جمهور العلماء؛ منهم أبو حنيفة، ومالك، والمشهور عن الشافعي، إلى أن وليه لا يصوم عنه، ويُطعمُ عنه مدّاً، عن كل يوم(1). والمذهب المختار عند الشافعية، أنه يستحب لوليّه أن يصوم عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى طعام عنه. والمراد بالولي، القريب؛ سواء كان عصبة، أو وارثاً، أو غيرهما. ولو صام أجنبي عنه، صحَّ إن كان بإذن الولي، وإلا فإنه لا يصح، واستدلوا بما رواه أحمد، والشيخان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات، وعليه صيام، صام عنه وليه". زاد البزار لفظ: "إن شاء(2)"(3). وروى الشيخان، وأحمد، وأصحاب السنن، عن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه، إن أمي ماتت، وعليها صيام شهر، أفأقضيه عنها ؟ فقال: "لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟" قال: نعم. قال: "فدَينُ اللّه أحقُّ أنْ يقضى"(4). قال النووي: وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا، الجامعون بين الفقه والحديث؛ لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. -------------------------------------------------------------------------------- (1) يرى الحنيفة، أن الواجب نصف صاع من قمح، وصاعاً من غيره. (2) سندها حسن. بل الزيادة ضعيفة منكرة؛ فإن مدارها على ابن لَهيعة، وهو ضعيف. تمام المنة (427). (3) البخاري: كتاب الصوم - باب من مات وعليه صوم صامه عنه وليه (3 / 45، 46)، ومسلم: كتاب الصيام - باب قضاء الصيام عن الميت، برقم (153) (2 / 803)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب فيمن مات وعليه صيام، برقم (2400) (2 / 791، 792)، وأحمد في "المسند" (6 / 69)، وكتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء فيمن مات، وعليه صيام، صام عنه وليه، برقم (3311) (3 / 605، 606). (4) البخاري: كتاب الصوم - باب من مات وعليه صوم (2 / 47)، ومسلم: كتاب الصيام - باب قضاء الصيام عن الميت، برقم (155) (2 / 804)، وأبو داود: كتاب الأيْمان والنذور - باب ما جاء فيمن مات، وعليه صيام، صام عنه وليه، برقم (3310) (3 / 605)، والترمذي بلفظ "إن أختي ماتت": كتاب الصوم - باب ما جاء في الصوم عن الميت، برقم (716) (3 / 86)، وابن ماجه، بلفظ: "إن أختي ماتت": كتـاب الصيـام - باب من مات، وعليه صيام من نذر، برقم (1758) (1 / 559)، وبلفظه مختصراً، برقم (1759) (1 / 559)، وأحمد في "المسند" (1 / 227، 258 بلفظه)، (1 / 279، 345 بمعناه). التقديرُ في البلاد التي يطولُ نهارُهَا ، ويقصر ليلُها اختلف الفقهاء في التقدير في البلاد التي يطول نهارها، ويقصرُ ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها، ويطول ليلها، علي أي البلاد يكون ؟ فقيل: يكون التقدير على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع، كمكة، والمدينة. وقيل: على أقرب بلاد معتدلة إليهم. |
رد: فقه الصيام
ليلة القدر
فضلُهَا : ليلة القدر أفضل ليالي السنة؛ لقوله تعالى: " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (1) فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ " [القدر: 1 _ 3]. أي؛ العمل فيها؛ من الصلاة، والتلاوة، والذكر خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. استحبابُ طلبِهَا ويُسْتحَبُّ طلبها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشر الأواخر من رمضان. وتقدم، أنه كان إذا دخل العشر الأواخر، أحيى الليل، وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر. أيُّ الليالي هي ؟ للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة؛ فمنهم من يرى، أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى، أنها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يرى، أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى، أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر، وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين؛ روى أحمد بإسناد صحيح، عن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من كان مُتَحَرِّهَا، فَلْيتحرَّها ليلة السابع والعشرين"(1). وروى مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، عن أبيّ بن كعب، أنه قال: واللّه الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - وواللّه، إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها، أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء، لا شُعاع لها(2). (1) أحمد في "المسند" (2 / 27، 157). (2) مسلم: كتاب الصيام - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، برقم (220) (2 / 828 )، وكتـاب صـلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، برقم (179) (1 / 525)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في ليلة القدر، برقم (793) (3 / 151)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود: كتـاب الصـلاة _ بـاب فـي ليلة القـدر، برقم (1378) (2 / 106، 107)، وأحمد في "المسند" (5 / 130، 131). قيامُهَا ، والدُّعاءُ فيها 1ـ روى البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدْرِ، إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبه"(1). 2ـ وروى أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه، عن عائشة _ رضي اللّه عنها _ قالت: قلت: يا رسول اللّه، أرأيت إن علمت أيُّ ليلةٍ ليْلةُ القدْرِ، ما أقول فيها ؟ قال: "قولي: اللهم إنك عَفوٌّ تحبُّ العفو، فاعْفُ عني"(2). (1) البخاري: كتاب الصوم _ باب فضل ليلة القدر (3 / 59)، وباب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية (3 / 33)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم (175، 176) (1 / 524)، والنسائي: كتاب الصوم - باب ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً، والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك، برقم (2202) (4 / 156، 157)، وأبو داود: كتاب الصلاة _ باب في قيام شهر رمضان، برقم (1372) (2 / 103)، والترمذي: كتاب الصوم - باب ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم (683) (3 / 58)، وأحمد في "المسند" (2 / 318، 321، 347، 408، 423، 473، 503). (2) الترمذي: كتاب الدعوات - باب حدثنا يوسف بن عيسى...، برقم (3514) (5 / 534)، وقال أبو عيسى: هذا حديـث حسن صحيـح، وابن ماجه: كتـاب الدعـاء - بـاب الدعـاء بالعفو والعافية، برقم (3850) (2 / 1265)، وأحمد في "المسند" (6 / 171، 182، 183، 258). |
رد: فقه الصيام
الاعتكاف معناه الاعتكاف؛ لزوم الشيء، وحبس النفس عليه؛ خيراً كان، أم شراً؛ قال الله تعالى: " قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ " [الأنبياء: 52]. أي؛ مقيمون متعبدون لها، والمقصود به هنا، لزوم المسجد، والإقامة فيه، بنيَّة التقرب إلى اللّه، عز وجل. مشروعيتُه وقد أجمع العلماء، على أنه مشروع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف، في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يوماً (1). رواه البخاري، وأبو داود، وابن ماجه. وقد اعتكف أصحابه وأزواجه معه وبعده، وهو، وإن كان قربة، إلا أنه لم يرد في فضله حديث صحيح؛ قال أبو داود: قلت لأحمد، رحمه اللّه: تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال: لا، إلا شيئاً ضعيفاً. -------------------------------------------------------------------------------- (1) االبخاري: كتاب الصوم - باب الاعتكاف في العشر الأواسط من رمضان (3 / 74، 75)، وابن ماجه: كتاب الصيام - باب ما جاء في الاعتكاف (1 / 562، 563)، برقم (1770)، وأبو داود: كتاب الصيام - باب الاعتكاف (2 / 830)، برقم (6463).. أقسامُه الاعتكاف ينقسم إلى مسنون وإلى واجب، فالمسنون؛ ما تطوع به المسلم، تقرباً إلى اللّه، وطلباً لثوابه، واقتداء بالرسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، ويتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان؛ لما تقدم، والاعتكاف الواجب؛ ما أوجبه المرء على نفسه؛ إما بالنذر المطلق، مثل أن يقول: للّه عليَّ أن أعتكف كذا. أو بالنذر المعلّق، كقوله: إن شفا اللّه مريضي، لأعتكفنَّ كذا. وفي "صحيح البخاري"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع اللّه، فليطعه"(1). وفيه، أن عمر _ رضي اللّه عنه _ قال: يا رسول اللّه، إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: "أوفِ بنذرك"(2). -------------------------------------------------------------------------------- (1)) البخاري: كتاب الأيمان والنذور - باب النذر فيما لا يملك، وفي معصيته (8 / 177)، والنسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة (7 / 17)، برقم (3806)، وأبو داود: كتاب الأيمان والنذور _ باب ما جاء في النذر في المعصية (3 / 593)، برقم (3289)، والترمذي: كتاب النذور والأيمان - باب من نذر أن يطيع اللّه، فليطعه (4 / 104، 105)، وقال الترمذي: حديث حسن، ومسند أحمد (6 / 36، 41، 224). (2) البخاري: كتاب الاعتكاف - باب الاعتكاف ليلاً (3 / 63). زمانُه الاعتكاف الواجب يؤدّى حسب ما نذره وسماه الناذر، فإن نذر الاعتكاف يوماً أو أكثر، وجب الوفاء بما نذره. والاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد، فهو يتحقق بالمكث في المسجد، مع نية الاعتكاف، طال الوقت أم قصر، ويثاب ما بقي في المسجد، فإذا خرج منه، ثم عاد إليه، جدد النية إن قصد الاعتكاف؛ فعن يَعْلَى بن أمية، قال: إني لأمكث في المسجد ساعة، ما أمكث إلا لأعتكف. وقال عطاء: هو اعتكاف ما مَكث فيه، وإن جلس في المسجد، احتساب الخير، فهو معتكف، وإلا فلا. وللمتعكف أن يقطع اعتكافه المستحب متى شاء، قبل قضاء المدة التي نواها؛ فعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. وأنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فأمر ببنائه(1)، فضرب. قالت عائشة: فلما رأيت ذلك، أمرت ببنائي، فضرب، وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه، فضرب، فلما صلى الفجر، نظر إلى الأبنية، فقال: "ما هذه ؟ آلبرّ ترِدْن"(2). قالت: فأمر ببنائه، فَقوض(3)، وأمر أزواجه بأبنيتهن، فقوضت، ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول، يعني من شوال(4)، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نساءه بتقويض أبنيتهن. وترك الاعتكاف بعد نيته منهن، دليل على قطعه بعد الشروع فيه، وفي الحديث، أن للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف، بغير إذنه، وإليه ذهب عامة العلماء. واختلفوا فيما لو أذن لها، هل له منعها بعد ذلك ؟ فعند الشافعي، وأحمد، وداود: له منعها، وإخراجها من اعتكاف التطوع. -------------------------------------------------------------------------------- (1) في هذا دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعاً من المسجد، ينفرد فيه مدة اعتكافه، ما لم يضيق على الناس، وإذا اتخذه، يكون في آخر المسجد ورحابه؛ لئلا يضيق على غيره، وليكون أخلى له، وأكمل لانفراده (2) "البر": الطاعة، وفي "شرح مسلم" سبب إنكاره، أنه خاف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه؛ لغيرتهن عليه، أو غيرته عليهن، فكره ملازمتهن المسجد، مع أنه يجمع الناس، ويحضره الأعراب والمنافقون، وهن محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهن، فيبتذلن بذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم رآهن عنده في المسجد وهو في المسجد، فصار كأنه في منزله بحضوره مع أزواجه، وذهب المهم من مقصود الاعتكاف، وهو التخلي عن الأزواج، ومتعلقات الدنيا وشبه ذلك، أو لأنهن ضيقن المسجد بأبنيتهن، انتهى. (3) أزيل، وهدم. (4) البخاري: كتاب الاعتكاف - باب الأخبية في المسجد (3 / 63)، ومسلم: كتاب الاعتكاف - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (2 / 831) برقم (6)، وأبو داود: كتاب الصوم _ باب الاعتكاف (2 / 831)، برقم (2464). شُروطُه ويشترط في المعتكف أن يكون مسلماً، مميزاً، طاهراً من الجنابة، والحيض، والنفاس، فلا يصح من كافر، ولا صبي غير مميز، ولا جنب، ولا حائض، ولا نفساء. أركانُـه حقيقة الاعتكاف؛ المكث في المسجد، بنية التقرب إلى اللّه، تعالى، فلو لم يقع المكث في المسجد، أو لم تحدث نية الطاعة، لا ينعقد الاعتكاف، أما وجوب النية؛ فلقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [ البينة: 5]، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وأما أن المسجد لابد منه؛ فلقول اللّه تعالى: " وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ " [البقرة: 187]. ووجه الاستدلال، أنه لو صح الاعتكاف في غير المسجد، لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد؛ لأنها منافية للاعتكاف، فعُلم، أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد. |
رد: فقه الصيام
الاعتكاف - 2
رأْيُ الفقهاءِ في المسجد الذي ينعقدُ فيه الاعتكافُ اختلف الفقهاء في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه؛ فذهب أبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، إلى أنه يصح في كل مسجد، يصلى فيها الصلوات الخمس، وتقام فيه الجماعة؛ لما روي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسجد له مؤذن وإمام، فالاعتكاف فيه يصلح"(1). رواه الدارقطني. وهذا حديث مرسل ضعيف، لا يحتج به. وذهب مالك، والشافعي، وداود، إلى أنه يصح في كل مسجد؛ لأنه لم يصح في تخصيص بعض المساجد شيء صريح. وقالت الشافعية: الأفضل أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد الجامع، ولأن الجماعة في صلواته أكثر، ولا يعتكف في غيره، إذا تخلل وقت الاعتكاف صلاة جمعة، حتى لا تفوته. وللمعتكف أن يؤذن في المئذنة، إن كان بابها في المسجد أو صحنه، ويصعد على ظهر المسجد؛ لأن كل ذلك من المسجد، فإن كان باب المئذنة خارج المسجد، بطل اعتكافه إن تعمد ذلك، ورحبة المسجد منه، عند الحنفية، والشافعية، ورواية عن أحمد. وعن مالك، ورواية عن أحمد، أنها ليست منه، فليس للمعتكف أن يخرج إليها. وجمهور العلماء، على أن المرأة لا يصح لها أن تعتكف في مسجد بيتها؛ لأن مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد، ولا خلاف في جواز بيعه، وقد صح، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد النبوي. -------------------------------------------------------------------------------- (1)رواه الدارقطني، عن الضحاك، عن حذيفة... الحديث، وقال: الضحاك لم يسمع من حذيفة (2 / 200) _ كتاب الصوم _ باب الاعتكاف، حديث (رقم 5).. صـــــوم المعتكـــــف المعتكف إن صام، فحسن، وإن لم يصم، فلا شيء عليه؛ روى البخاري، عن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أن عمر، قال: يا رسول اللّه، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: "أوف بنذرك"(1). ففي أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم له بالوفاء بالنذر دليل على أن الصوم ليس شرطاً في صحة الاعتكاف؛ إذ إنه لا يصح الصيام في الليل. وروى سعيد بن منصور، عن أبي سهل، قال: كان على امرأة من أهلي اعتكاف، فسألت عمر بن عبد العزيز ؟ فقال: ليس عليها صيام، إلا أن تجعله على نفسها. فقال الزهري: لا اعتكاف، إلا بصوم. فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا قال: فعن أبي بكر ؟ قال: لا. قال: فعن عمر ؟ قال: لا. قال: وأظنه قال: عن عثمان ؟ قال: لا. فخرجت من عنده، فلقيت عطاء وطاووساً، فسألتهما ؟ فقال طاووس: كان فلان لا يرى عليها صياماً، إلا أن تجعله على نفسها. وقال عطاء: ليس عليها صيام، إلا أن تجعله على نفسها. قال الخطابي: وقد اختلف الناس في هذا؛ فقال الحسن البصري: إن اعتكف من غير صيام، أجزأه. وإليه ذهب الشافعي. وروي عن علي، وابن مسعود، أنهما قالا: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وقال الأوزاعي، ومالك: لا اعتكاف، إلا بصوم. وهو مذهب أهل الرأي، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة. وهو قول سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والزهري. -------------------------------------------------------------------------------- وقـــت دخــــول المعتكـــف والخـــروج منـه تقدم، أن الاعتكاف المندوب ليس له وقت محدد، فمتى دخل المعتكف المسجد، ونوى التقرب إلى اللّه بالمكث فيه، صار معتكفاً، حتى يخرج، فإن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس؛ فعند البخاري، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر"(1). والعشر؛ اسم لعدد الليالي، وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة العشرين. وما روي، أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. فمعناه، أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد، أما وقت دخول المسجد للاعتكاف، فقد كان أول الليل(2). ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان، فإنه يخرج بعد غروب الشمس، آخر يوم من الشهر، عند أبي حنيفة، والشافعي. وقال مالك، وأحمد: إن خرج بعد غروب الشمس، أجزأه. والمستحب عندهما، أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد. وروى الأثرم بإسناده، عن أبي أيوب، عن أبي قلابة، أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو كما هو إلى العيد، وكان - يعنى، في اعتكافه - لا يُلْقَى له حصير، ولا مصلى يجلس عليه، كان يجلس كأنه بعض القوم، قال: فأتيته في يوم الفطر، فإذا في حجْره جُوَيرية مُزينة، ما ظننتها إلا بعض بناته، فإذا هي أَمةٌ له فأعتقها، وغدا كما هو إلى العيد. وقال إبراهيم: كانوا يحبون، لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان، أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد. ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة، أو أراد ذلك تطوعاً، فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس؛ سواء أكان ذلك في رمضان، أم في غيره، ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليالي مسماة، أو أراد ذلك تطوعاً، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر. قال ابن حزم: لأن مبدأ الليل إثر غروب الشمس، وتمامه بطلوع الفجر، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر، وتمامه بغروب الشمس، وليس على أحد، إلا ما التزم أو نوى، فإن نذر اعتكاف شهر، أو أراده تطوعاً، فمبدأ الشهر من أول ليلة منه، فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر؛ سواء رمضان وغيره. -------------------------------------------------------------------------------- (1)البخاري: كتاب الصوم - باب الاعتكاف (3 / 62). (2) مسلم: كتـاب الاعتكـاف - بـاب متى يدخل من أراد الاعتكاف (2 / 831)، وابن ماجه: كتاب الصيام - بـاب ما جـاء فيمن يبتدئ الاعتكاف (1 / 563)، برقم (1771)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب الاعتكاف (2 / 830)، برقم (2464)، والترمذي: كتاب الصيام - باب ما جاء في الاعتكاف (3 / 148)، برقم (791)، والنسائي: كتاب المساجد - باب ضرب الخباء في المساجد (2 / 44)، برقم (709). |
رد: فقه الصيام
الاعتكاف - 3
ما يستحــــب للمعتكــــف وما يكـــره له يستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات، ويشغل نفسه بالصلاة، وتلاوة القرآن، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والاستغفار، والصلاة والسلام على النبي، صلوات اللّه وسلامه عليه، والدعاء، ونحو ذلك من الطاعات التي تقرب إلى اللّه _ تعالى _ وتصل المرء بخالقه، جل ذكره. ومما يدخل في هذا الباب دراسة العلم، واستذكار كتب التفسير، والحديث، وقراءة سير الأنبياء والصالحين، وغيرها من كتب الفقه والدين، ويستحب له أن يتخذ خباءً في صحن المسجد؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم. ويكـره له أن يشغل نفسـه، بما لا يعنيـه من قول أو عمل؛ لما رواه الترمذي، وابن ماجه، عن أبي بصرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه"(1). ويكره له الإمساك عن الكلام؛ ظنّاً منه أن ذلك مما يقرب إلى اللّه، عز وجل؛ فقد روى البخاري، وأبو داود، وابن ماجه، عن ابن عباس، قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه ؟ فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه"(2). وروى أبو داود، عن علي _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُتْمَ بعد احتلام، ولا صُماتَ يومٍ إلى الليل(3)"(4). -------------------------------------------------------------------------------- (1) الترمذي: كتاب الزهد _ باب (11) حديث رقم (2317) (4 / 858، 859)، وقال: حديث غريب. وابن ماجه: كتاب الفتن - باب كف اللسان في الفتنة (2 / 1315، 1316). (2) البخاري: كتاب النذور والأيمان - باب النذر فيما لا يملك (8 / 178)، وأبو داود: كتاب الأيمان والنذور - باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية (3 / 599)، برقم (3300)، وابن ماجه: كتاب الكفارات - باب من خلط في نذره طاعة بمعصية، برقم (2136). (3) أي؛ لا يسمى من فقد أباه يتيماً، بعد بلوغه. والصمات؛ السكوت. (4) أبو داود: كتاب الوصايا - باب ما جاء متى ينقطع اليتم (3 / 293، 294)، برقم (2873). مـا يبـــــاح للمعـتكـــــف يباح للمعتكف ما يأتي: 1ـ خروجه من معتكفه؛ لتوديع أهله؛ قالت صفية: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت، فانقلبت، فقام معي؛ لِيَقْلِبني(1)، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجـلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم، أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسْلِكما؛ إنها صفية بنت حُيَيّ". قالا: سبحان اللّه، يا رسول اللّه. قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً". أو: قال "شرّاً(2)"(3). رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود. 2ـ ترجيل شعره، وحلق رأسه، وتقليم أظفاره، وتنظيف البدن من الشعر والدرن، ولبس أحسن الثياب، والتطيب بالطيب؛ قالت عائشة: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكون معتكفاً في المسجد، فيناولني رأسه من خلَل الحجرة، فأغسل رأسه - وقال مسدد: فأرَجِّله(4) _ وأنا حائض(5). رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود. 3ـ الخروج للحاجـة التي لابد منها؛ قالت عائشة: كان رسـول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف، يُدني إلي رأسه، فأرَجِّله، وكان لا يدخل البيت، إلا لحاجة الإنسان(6). رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما. وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول؛ لأن هذا مما لابد منه، ولا يمكن فعله في المسجد، وفي معناه، الحاجة إلى المأكول والمشروب، إذا لم يكن له من يأتيه به، فله الخروج إليه، وإن بغته القيء، فله أن يخرج؛ ليقيء خارج المسجد، وكل ما لابد منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فله خروجه إليه، ولا يفسد اعتكافه ما لم يطل، انتهى. ومثل هذا الخروج الغسل من الجنابة، وتطهير البدن، والثوب من النجاسة؛ روى سعيد بن منصور، قال: قال علي بن أبي طالب: إذا اعتكف الرجل، فليشهد الجمعة، وليحضر الجنازة، وليعد المريض، وليأت أهله يأمرهم بحاجته، وهو قائم(7). وأعان _ رضي اللّه عنه _ ابن أخته بسبعمائة درهم من عطائه، أن يشتري بها خادماً، فقال: إني كنت معتكفاً. فقال له علي: وما عليك لو خرجت إلى السوق، فابتعت ؟ وعن قتادة، أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة، ويعود المريض، ولا يجلس. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال - وهن له، وإن لم يشترط - عيادة المريض، ولا يدخل سقفاً، ويأتي الجمعة، ويشهد الجنازة، ويخرج إلى الحاجة. قال: ولا يدخل المعتكف سقيفة، إلا لحاجة. قال الخطابي: وقالت طائفة: للمعتكف أن يشهد الجمعة، ويعود المريض، ويشهد الجنازة. وروي ذلك عن علي _ رضي اللّه عنه _ وهو قول سعيد بن جبير، والحسن البصري، والنخعي. وروى أبو داود، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض، وهو معتكف، فيمر كما هو، ولا يعرِّج يسأل عنه(8). وما روي عنها من أن السنة على المعتكف، ألا يعود مريضاً، فمعناه، ألا يخرج من معتكفه، قاصداً عيادته، وأنه لا يضيق عليه أن يمر به، فيسأل غير معرج عليه. 4ـ وله أن يأكل ويشرب في المسجد، وينام فيه، مع المحافظة على نظافته وصيانته، وله أن يعقد العقود فيه، كعقد النكاح، وعقد البيع والشراء، ونحو ذلك. -------------------------------------------------------------------------------- (1) يردها لبيتها. قال الخطابي: وفيه، أنه خرج من المسجد معها؛ ليبلغها منزلها، وفي هذا حجة، لمن رأى أن الاعتكاف لا يفسد إذا خرج في واجب، وأنه لا يمنع المعتكف من إتيان معروف. (2) حكي عن الشافعي، أن ذلك كان منه شفقة عليهما؛ لأنهما لو ظنا به ظن سوء، كفرا، فبادر إلى إعلامهما ذلك؛ لئلا يهلكا. وفي "تاريخ ابن عساكر"، عن إبراهيم بن محمد، قال: كنا في مجلس ابن عيينة، والشافعي حاضر حدث بهذا الحديث. وقال للشافعي: ما فقهه ؟ فقال: إذا كنتم هكذا، فافعلوا هكذا، حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم اتهمهم، وهو أمين اللّه في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك اللّه خيراً يا أبا عبد اللّه، ما يجيئنا منك، إلا كلام نحبه. (3) البخاري: كتاب الاعتكاف - باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه (3 / 65)، ومسلم: كتاب السلام - باب يستحب لمن رئي خالياً بامرأة، وكانت زوجته أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة، برقم (24)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب المعتكف يدخل البيت لحاجنه، برقم (247) (2 / 835). (4) تصليحه بالمشط. (5) البخاري: كتاب الاعتكاف - باب الحائض ترجل المعتكف (3 / 63)، ومسلم: كتاب الحيض - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله (1 / 244)، برقم (9)، وأبو داود: كتاب الصيام - باب المعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة (2 / 834)، برقم (2469). (6) البخاري: كتاب الاعتكاف - باب لا يدخل البيت إلا لحاجة (3 / 63)، ومسلم: كتاب الحيض - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها (1 / 244)، برقم (6)، وأبو داود: كتاب الصوم _ باب المعتكف يدخل البيت لحاجته (2 / 834)، برقم (2467)، والترمذي: كتـاب الصـوم _ بـاب المعتكـف يخرج لحاجة أم لا ؟ (3 / 158)، برقم (804) وقال: حديث حسن صحيح. (7) ورى نحوه الدارقطني، في "سننه" (2 / 200). (8) أبو داود: كتاب الصوم - باب المعتكف يعود المريض (2 / 836)، برقم (2472)، وقال المنذري في "مختصره": في إسناده ليث بن أبي سليم، وفيه مقال (3 / 343). |
الساعة الآن : 02:28 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour