ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240319)

ابوالوليد المسلم 28-06-2025 04:46 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




شرح سنن أبي داود [376]
اليمين فيها تعظيم للمحلوف به، فلا يجوز الحلف إلا بالله عز وجل، ولذا كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم كلها فيها تعظيم لله عز وجل، ولا يجوز الحلف على كذب أو قطيعة رحم أو معصية، ومن حلف على ذلك فلا يجوز له الوفاء بما حلف عليه، وإن تعارض حلفان كحلف الضيف والمضيف في طعام فأبرهم وأصدقهم من بدأ بالأكل.



كيفية يمين النبي صلى الله عليه وسلم



شرح حديث (أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف بهذه اليمين: لا ومقلب القلوب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحلف بهذه اليمين: لا، ومقلب القلوب!) ] .
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت] .
أي: في قسم النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يقسم؟ وما هي الصيغة التي كان يأتي بها؟ وما هو اللفظ الذي كان يأتي به في حلفه صلى الله عليه وسلم؟ وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كانت أكثر يمين النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ومقلب القلوب! يعني: أن أكثر ما كان يحلف به النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما كان يتلفظ به عليه الصلاة والسلام حالفاً هو اللفظ: (لا، ومقلب القلوب!) فهذا اللفظ أكثر ما كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ذكر تقليب القلوب تعظيم لله عز وجل، وأنه هو الذي يقلب القلوب كيف يشاء، فيحولها من الضعف إلى القوة ومن القوة إلى الضعف، ومن الإيمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الإيمان، فهو الذي يتصرف كيف يشاء، وهو الذي يقلبها كيف يشاء.
وكلمة (لا) يقصد بها نفي شيء ثم الحلف بعد ذلك، وقد تأتي اليمين بدون أن يسبقها (لا) ، ولكن إذا كانت على نفي فإنه تتقدم كلمة (لا) على الحلف، كما مر في لغو اليمين: لا والله، وبلى والله.



تراجم رجال إسناد حديث (أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف بهذه اليمين: لا ومقلب القلوب)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن عقبة] .
هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم] .
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو رحمه الله ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نفس أبي القاسم بيده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا عكرمة بن عمار عن عاصم بن شميخ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نفس أبي القاسم بيده!) ] .
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نفس أبي القاسم بيده!) يعني: أنه كان إذا اجتهد في اليمين فإنه يأتي بهذه الصيغة، وقد كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يحلف بقوله: (والذي نفسي بيده!) كما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أنه يحلف بهذا الحلف مؤكداً الشيء الذي يريد تأكيده بأن يقول: (والذي نفسي بيده) ، أو (والذي نفس محمد بيده) ، وهنا قال أبو سعيد: إنه كان إذا اجتهد في اليمين يعني: اهتم بها يأتي بها بهذه الصيغة التي هي قوله: (والذي نفس أبي القاسم بيده!) صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني؛ لأن فيه من هو متكلم فيهم.



تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نفس أبي القاسم بيده)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عكرمة بن عمار] .
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عاصم بن شميخ] .
عاصم بن شميخ وثقه العجلي وأخرج له أبو داود.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف يقول: لا وأستغفر الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرني زيد بن الحباب أخبرني محمد بن هلال حدثني أبي أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف يقول: لا، وأستغفر الله) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: (كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف يقول: لا، وأستغفر الله) وهذا في الحقيقة ليس فيه حلف؛ لأن لفظ: (أستغفر الله) ليس بيمين.
والحديث ضعيف ضعفه الشيخ الألباني؛ لأن فيه من هو متكلم فيه، ولفظه ليس متفقاً مع القسم ومع اليمين؛ لأن القسم والحلف إنما هو بالله وبأسمائه وصفاته على توكيد شيء، وهذا ليس بحلف، وليس فيه إلا الاستغفار.



تراجم رجال إسناد حديث (كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف يقول لا، وأستغفر الله)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة] .
محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[أخبرني زيد بن حباب] .
زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرني محمد بن هلال] .
هو محمد بن هلال بن أبي هلال، وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني أبي] .
أبوه هو هلال بن أبي هلال، وهو مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أنه سمع أبا هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.



شرح حديث (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر إلهك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد الملك بن عياش السمعي الأنصاري عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر رضي الله عنه، قال دلهم: وحدثنيه أيضاً الأسود بن عبد الله عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج وافداً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لقيط: (فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر حديثاً فيه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لعمر إلهك) ] .
أورد أبو داود حديث لقيط بن عامر بن صبرة رضي الله عنه أنه قدم وافداً على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثاً طويلاً وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعمر إلهك) وهذا حلف، والمقصود بالعمر: الحياة، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] وهذا من الله عز وجل، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا يمين، وقال بعضهم: إنه ليس بيمين، والأقرب أنه ليس بيمين؛ لأنه استعمله الرسول عليه الصلاة والسلام واستعمله الصحابة واستعمله من بعدهم، فكان الواحد منهم يقول: لعمري، ومعلوم أنه قد جاء في الأحاديث النهي عن الحلف بغير الله عز وجل، فكون الصحابة يقولون هذا الكلام لا يعتبر حلفاً، وإنما هو من ألفاظ تأكيد الكلام مثل: لا جرم، وحقاً، وغير ذلك من العبارات التي يؤتى بها لتأكيد الكلام من غير أن تكون قسماً.
فمما يوضح أنها غير قسم أنه قد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعمري) وجاء عن الصحابة مثل عائشة أنها قالت: (لعمري) وجاء عن جماعة من سلف هذه الأمة من بعد الصحابة أنهم كانوا يستعملونها ويقول أحدهم: لعمري.
إذاً: هذه اللفظة من ألفاظ التأكيد وليست من ألفاظ القسم، وللشيخ حماد الأنصاري رحمه الله بحث في هذه الكلمة منشور في مجلة الجامعة حول لفظة: (لعمري) ، وقد بين النقول عن العلماء أنها ليست بقسم، وأنها من ألفاظ تأكيد الكلام.



تراجم رجال إسناد حديث (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر إلهك)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا إبراهيم بن حمزة] .
هو إبراهيم بن حمزة الزبيري، وهو صدوق أخرج له البخاري والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا عبد الملك بن عياش السمعي الأنصاري] .
عبد الملك بن عياش السمعي ويقال له: عبد الرحمن مقبول أخرج له أبو داود.
[عن دلهم بن الأسود بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي] .
دلهم بن الأسود مقبول أخرج له أبو داود.
[عن أبيه] .
أبوه مقبول أخرج له أبو داود.
[عن عمه لقيط بن عامر] .
لقيط بن عامر رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
قوله: [قال دلهم: وحدثنيه أيضاً الأسود بن عبد الله عن عاصم بن لقيط] .
الأسود بن عبد الله تقدم ذكره.
وعاصم بن لقيط ثقة أخرج له أبو داود.
[أن لقيط بن عامر] .
لقيط بن عامر تقدم ذكره.
والحديث ضعيف، ومع ذلك كما ذكرنا أن الأقرب -والله أعلم- أن هذه ليست من ألفاظ القسم وإنما هي من ألفاظ تأكيد الكلام، والسلف كانوا يستعملونها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعمري من أكل برقية باطلاً فقد أكلت برقية حقاً) ، وعائشة رضي الله عنها قالت: (لعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) ، وكذلك جاء عن جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين أن الواحد منهم كان يقول: لعمري.
وفي تحفة الأشراف زيادة (عن أبيه) في الإسناد الأول فيكون: عن دلهم بن الأسود بن عبد الله عن أبيه، ثم بعد ذلك عن عمه لقيط.
وهذا لا يؤثر؛ لأن كلمة (عم) تطلق على أخي الرجل وأيضاً تطلق على عم أبيه، فعم الأب يقال له: عم.
فإذا كانت الزيادة ثابتة فيصير العم هو أخو الأب، وأما بدونها فيكون عم الرجل هو عمه كما هو معلوم.
وإذا ثبتت هذه الزيادة فإن الحديث يزداد ضعفاً؛ لأن عبد الله بن حاجب قال عنه الحافظ: مجهول.



القسم هل يكون يميناً



شرح حديث (أن أبا بكر أقسم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لا تقسم)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في القسم هل يكون يميناً.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن أبا بكر رضي الله عنه أقسم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقسم) ] .
قوله: [باب في القسم] أي: في لفظ القسم [هل يكون يميناً] أي: بدون أن يكون معها (بالله) ؛ لأنه لو قال: بالله أو أقسمت بالله فهو يمين سواء قال قبلها: أقسمت أو لم يقل، فلو قال: بالله ما حصل كذا وكذا، أو أقسمت بالله ما حصل كذا وكذا، أو أقسمت بالله لأفعلن كذا وكذا، أو بالله لأفعلن كذا وكذا، فهذا هو يمين ما دام أن كلمة (بالله) التي هي القسم موجودة، لكن الكلام على أقسمت بدون (بالله) ، كأن يقول: أقسمت أن أفعل كذا وكذا، أو أقسمت أن تفعل كذا وكذا، فهل تكون يميناً أو لا تكون يميناً؟ من أهل العلم من قال: إنها تكون يميناً، ومنهم من قال: لا تكون يميناً؛ لأنه لم يحصل الإقسام بالله عز وجل فلا تكون قسماً.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن أبا بكر أقسم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم) وهذا في قصة الرؤيا التي رآها رجل فأتى بها وعرضها على النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فيه أبو بكر، فطلب أبو بكر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له أن يعبرها، فأذن له فعبرها، فقال: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً.
فقال: أقسمت لتخبرنني بما أخطأت، فقال: لا تقسم) فهو لم يقل: أقسمت بالله، وإنما قال: أقسمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم) ، فمن أهل العلم من قال: إنها تكون قسماً بالنية.
ومنهم من قال: إنها لا تكون قسماً.
والذي يظهر: أنها ليست بقسم، وإنما هي مجرد كلمة لا تعد قسماً، ومثلها كلمة (حلفت عليك) ، فإنها من جنس أقسمت؛ لأنه لم يأت بعدها: بالله.



تراجم رجال إسناد حديث (أن أبا بكر أقسم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لا تقسم)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان] .
أحمد بن حنبل مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أدركه الإمام أحمد وأما الثوري فإنه لم يدركه؛ لأن الإمام أحمد ولد بعد وفاته بأربع سنوات أو ثلاث؛ فإن الإمام أحمد توفي سنة (241هـ) وعمره سبع وسبعون سنة، والثوري توفي سنة (161هـ) ، فالإمام أحمد إنما يروي عن سفيان بن عيينة الذي أدركه وكانت وفاته سنة (197 أو 198 هـ) أو قريباً من ذلك، فـ ابن عيينة هو الذي أدركه وهو شيخه وهو الذي روى عنه، وأما الثوري فإنه لم يدركه، ولهذا إذا روى الإمام أحمد عن سفيان غير منسوب كما هنا فهو ابن عيينة؛ لأنه شيخه، وأما الثوري فإنه ليس شيخاً له ولم يدركه.
[عن الزهري] .
أيضاً الذي يروي عن الزهري هو ابن عيينة، فـ ابن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله] .
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.



شرح حديث أبي هريرة في قصة تعبير أبي بكر للرؤيا وإقسامه على النبي صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق قال ابن يحيى: وكتبته من كتابه قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يحدث (أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أرى الليلة، فذكر رؤيا فعبرها أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً.
فقال: أقسمت عليك يا رسول الله! بأبي أنت لتحدثني ما الذي أخطأت؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم) ] .
وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه أن القصة هي قصة رؤيا، وأنه حصل تعبيرها من أبي بكر، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) وأنه قال: (أقسمت عليك بأبي أنت يا رسول الله! لتخبرني) ، وقوله: (بأبي) ليس قسماً، وإنما هو تفدية، أي: أنت مفدي بأبي أن تخبرني، فمثل هذا إذا جاء فهو من قبيل التفدية لا من قبيل الحلف، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تقسم) .



تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قصة تعبير أبي بكر للرؤيا وإقسامه على النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس] .
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن يحيى: وكتبته من كتابه قال: أخبرنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس] .
الزهري وعبيد الله وابن عباس قد مر ذكرهم.
وهذا الحديث من مسند أبي هريرة، والأول من مسند ابن عباس.



شرح حديث أبي هريرة في قصة تعبير أبي بكر للرؤيا وإقسامه على النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: أخبرنا محمد بن كثير أخبرنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث لم يذكر القسم، زاد فيه: ولم يخبره] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن ابن عباس وقال إنه لم يذكر القسم، أي: أنه لم يقل: أقسمت، وزاد فيه: (ولم يخبره) ، كنص على أنه لم يخبره بالذي أراده أبو بكر حين طلب منه أن يخبره بما أخطأ فيه.
ففي بعض الروايات السابقة أنه قال: أقسمت عليك لتخبرني، أي: بالذي أخطأت فيه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبره، وفي اللفظ المتقدم قال: (لا تقسم) ومعلوم أن الإخبار لم يقع ولم يأت شيء يدل على وقوعه، ولعل في الإخبار به شيئاً من المضرة، فمن أجل ذلك لم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرجل الذي رأى الرؤيا قال: رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم فمنهم المستقل والمستكثر، ورأيت سبباً واصلاًَ من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به … إلى آخره فلم يخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما أخطأ وإنما قال: (لا تقسم) .



تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أبي هريرة
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أخبرنا محمد بن كثير] .
محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سليمان بن كثير] .
هو سليمان بن كثير العبدي، وهو لا بأس به في غير الزهري أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس] .
الزهري وعبيد الله وابن عباس تقدم ذكرهم.



معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (لا تقسم)
إذا قيل: ما الفائدة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: (لا تقسم) إذا كان قوله: أقسم عليك ليس معناه القسم؟
و الجواب أن معناه: أنك لا تفعل، وكأنه يقول له: قد أقسمت، فلا تقسم في المستقبل.
والله أعلم.



من حلف على طعام لا يأكله



شرح قصة أبي بكر مع أضيافه وحلفه ألا يأكل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن حلف على طعام لا يأكله.
حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي عثمان أو عن أبي السليل عنه عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: (نزل بنا أضياف لنا، قال: وكان أبو بكر رضي الله عنه يتحدث عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالليل، فقال: لا أرجعن إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء ومن قراهم، فأتاهم بقراهم فقالوا: لا نطعمه حتى يأتي أبو بكر، فجاء فقال: ما فعل أضيافكم؟ أفرغتم من قراهم؟ قالوا: لا، قلت: قد أتيتهم بقراهم فأبوا وقالوا: والله! لا نطعمه حتى يجيء، فقالوا: صدق قد أتانا به فأبينا حتى تجيء، قال: فما منعكم؟ قالوا: مكانك، قال: والله! لا أطعمه الليلة، قال: فقالوا: ونحن والله! لا نطعمه حتى تطعمه، قال: ما رأيت في الشر كالليلة قط، قال: قربوا طعامكم، قال: فقرب طعامهم، فقال: بسم الله، فطعم وطعموا، فأخبرت أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي صنع وصنعوا، قال: بل أنت أبرهم وأصدقهم) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه: أن أبا بكر كان له أضياف وأنه طلب منه أن يقدم لهم قراهم وأن يقدم لهم ضيافتهم، وكان مشغولاً مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قدم لهم الطعام امتنعوا من أكله حتى يحضر أبو بكر وحلفوا على ذلك، فلما جاء أبو بكر قال: هل قدمتم القراء للأضياف؟ قال: إنهم حلفوا ألا يأكلوا حتى تحضر، فسألهم فقالوا: نعم.
فقال: ما منعكم؟ قالوا: مكانك، أي: أنهم يريدون أن يأكلوا معه وأن يكون أكلهم معه لا أن يكون بدون حضوره، فحلف ألا يطعمه، وحلفوا هم ألا يطعموه، فكل أحد حلف ألا يأكل حتى يأكل الآخر، فلما حلف وحلفوا بعده قال: ما رأيت في الشر كالليلة قط، لأجل هذا الذي حصل؛ لأن هذا حلف ألا يأكل وهم حلفوا ألا يأكلوا، وكل واحد أثر على صاحبه في حلفه ألا يأكل، ثم قال: قربوه وبدأ بالأكل، فحنث في حلفه رضي الله تعالى عنه وأرضاه ثم أكلوا، قال: فأخبرت أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (أنت أبرهم وأصدقهم) أي: أنه قد أحسن.
لكن هذه القصة ليس فيها ذكر شيء يتعلق بالكفارة، والأصل هو وجوب الكفارة، فمن حلف ألا يفعل ثم فعل فإنه يكفر، ولا شك أن صنيع أبي بكر حينما ترك يمينه وأتى الذي هو خير هو الأولى والأفضل وهو قد حنث وهم لم يحنثوا، والكفارة الأصل أنها لازمة على من كان كذلك، وليس في الحديث شيء يدل على حصول الكفارة منه، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) وأبو بكر أتى الذي هو خير ولا شك أنه كفر عن يمينه.



تراجم رجال إسناد قصة أبي بكر مع أضيافه وحلفه ألا يأكل
قوله: [حدثنا مؤمل بن هشام] .
مؤمل بن هشام ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل] .
هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجريري] .
هو سعيد بن إياس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عثمان] .
هو أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أو عن أبي السليل عنه] .
هو أبو السليل ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن أبي بكر] .
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



مسائل متعلقة بقصة أبي بكر مع أضيافه
حلف أبو بكر رضي الله عنه ليس من لغو اليمين؛ لأن هذا شيء مقصود وهو معزوم عليه.
وقول أبي بكر رضي الله عنه: (ما رأيت في الشر كالليلة قط) ليس من باب سب الدهر، وإنما فيه أن ذلك الذي حصل في تلك الليلة ليس شيئاً طيباً.
وقوله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: (بل أنت أبرهم وأصدقهم) ليس فيه أنه لم يحنث في يمينه، بل إنه رضي الله عنه حنث في يمينه، ولكنه أتى الذي هو خير، وكونه أتى الذي هو خير معناه: أنه حصل منه البر، وليس المقصود أنه أبرهم بيمينه، ولكن المقصود: أنه من أهل البر وأهل الصدق، فهو حنث في يمينه لأنه حلف ألا يأكل ثم أكل، لكن هذا مدح له في البر والصدق.



طريق أخرى لقصة أبي بكر مع أضيافه وحلفه ألا يأكل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا سالم بن نوح وعبد الأعلى عن الجريري عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما بهذا الحديث نحوه.
زاد عن سالم في حديثه قال: ولم يبلغني كفارة] .
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أبي بكر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله وزاد عن سالم أنه قال: (لم يبلغني كفارة) ، أي: أنه ما بلغه أنه كفَّر، وهذا لا يدل على أنه لم يكفر، فإن الأصل هو التكفير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) .



تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لقصة أبي بكر مع أضيافه
قوله: [حدثنا ابن المثنى] .
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سالم بن نوح] .
سالم بن نوح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وعبد الأعلى] .
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجريري عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر] .
الجريري وأبو عثمان وعبد الرحمن بن أبي بكر قد مر ذكرهم.
وهذا فيه الرواية بالجزم عن أبي عثمان وليس مثل الذي قبله: عن أبي عثمان أو عن أبي السليل عنه.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 04:50 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [377]
الحلقة (409)



شرح سنن أبي داود [377]
لا نذر إلى فيما يبتغي به وجه الله، والنذر في غير ابتغاء وجه الله شرك، ولا تكون كفارة إلا في اليمين على الأمر المستقبل، ولا بد من الكفارة عن اليمين قبل الحنث إلا فيما لا يعبأ به من أمر تافه فإنه يأتي بالذي هو خير منه.




اليمين في قطيعة الرحم




شرح حديث (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اليمين في قطيعة الرحم.
حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك، كفر عن يمينك وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك) ] .
قوله: [باب اليمين في قطيعة الرحم] .
اليمين في قطيعة الرحم لا تجوز، والوفاء بها إذا وقعت لا يجوز، فلو حصل من شخص يمين على قطيعة الرحم فإنه لا يجوز له أن يفي بها، بل يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير.
وقد أورد أبو داود عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة.
أي: أن أحدهما أراد القسمة، والثاني لم يرد القسمة، فقال: إن عدت تسألني عن هذا الذي سألتني عنه فكل مالي في رتاج الكعبة، أي: لمصالح الكعبة، أو وقف على مصالح الكعبة، فقال له عمر: (إن الكعبة غنية عن مالك) ، أي: أن هذا الذي حصل لم يحصل إلا من أجل قطيعة رحم، ثم قال: (كفر عن يمينك وكلم أخاك) أي: في الشيء الذي امتنعت منه ولا تستمر على ذلك، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك) أي: أن الإنسان إذا حلف على قطع رحم أو نذر قطع رحم فإنه لا يفي بذلك.
وقوله: (وفي قطيعة الرحم ولا فيما تملك) أي: أن اليمين وكذلك النذر لا يكون من الإنسان في معصية الله، ولا في قطيعة الرحم، ولا في شيء لا يملكه الإنسان، وإنما يكون في شيء يملكه الإنسان وفي طاعة الله وفي غير قطيعة الرحم، واليمين لا يجوز الوفاء بها إذا كانت في قطع الرحم أو في معصية الله، وكذلك النذر، ولكن يجب على الإنسان أن يكفر؛ لأن النذر كفارته كفارة يمين.
وقول عمر: (كفر عن يمينك وكلم أخاك) إن كان أتى بهذا على أساس أن النذر مثل اليمين، فهذا من جنس التحريم الذي جاء في القرآن في قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما حرم على نفسه شيئاً معيناً حيث قال: إنه لن يأكله أو لن يفعله، وكما جاء في الآية أنه إما أن يتعلق بالأمة والسرية، أو أنه يتعلق بالشيء الذي حرمه على نفسه وهو العسل الذي كان يأكله من بيت إحدى زوجاته فأنزل الله عز وجل: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] .
ويقول الخطابي: إن النذر إذا خرج مخرج اليمين كان بمنزلة اليمين في أن الكفارة تجزئ عنه.
وقد جاء في الحديث: (أن النذر كفارته كفارة يمين) .
فقوله: (إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة) من قبيل التحريم الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه ألا يأكله وسمي يميناً.




تراجم رجال إسناد حديث (لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم)
قوله: [حدثنا محمد بن المنهال] .
محمد بن المنهال ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حبيب المعلم] .
حبيب المعلم اختلف في اسم أبيه فقيل: زائدة وقيل: زيد، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب] .
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فقال له عمر] .
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعفه الألباني، ولا أدري ما وجه التضعيف، فإن سعيداً روى عن عمر وعثمان وعلي، ولكنه روى عن أبي بكر مرسلاً، وقد أدرك زمن عمر وأدرك مدة من حياة حياته.




شرح حديث (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله ولا يمين في قطيعة رحم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثني أبي عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وآله وسلم قال: (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعة رحم) ] .
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعة رحم) أي: لا يحصل هذا ولا هذا، فاليمين لا تكون إلا في قربة وفي طاعة ولا تكون في معصية، وكذلك أيضاً لا تكون في قطيعة رحم، وإنما تكون في أمر مباح وأمر سائغ ومشروع، وأما الأمر المحرم فلا ينذر ولا يحلف فيه، والجميع -كما تقدم- فيه الكفارة.




تراجم رجال إسناد حديث (لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله ولا يمين في قطيعة رحم)
قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة الضبي] .
أحمد بن عبدة الضبي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن] .
المغيرة بن عبد الرحمن صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني أبي عبد الرحمن] .
أبوه عبد الرحمن صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه] .
عمرو بن شعيب مر ذكره، وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق كابنه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده] .
جده عبد الله بن عمرو، وليس المقصود به جد عمرو، وإنما هو جد شعيب الذي هو عبد الله بن عمرو؛ لأن أباه محمد بن عمرو ليس صحابياً، وإذا كانت الرواية تنتهي إليه فالحديث يكون مرسلاً، وقد صح أن عمرو بن شعيب سمع من جده عبد الله بن عمرو فهو متصل، ولهذا يأتي في بعض الأحاديث عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهذا معناه: أن أباه شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص وليس عن أبيه محمد فيكون مرسلاً منقطعاً.
وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا المنذر بن الوليد قال: حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها) ] .
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم) أي: أن الإنسان لا ينذر شيئاً لا يملكه بل هو ملك غيره، ولا يحلف على شيء يتعلق بملك غيره، وإنما يكون في الشيء الذي يملكه الإنسان سواء كان نذراً أو يميناً.
وقوله: (ولا في معصية الله) أي: لا ينذر شيئاً في معصية، ولا يحلف على شيء هو معصية.
وقوله: (ولا في قطيعة رحم) كذلك قطيعة الرحم لا نذر ولا يمين فيها.
وقوله: (ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير) وهذا عام، فكل من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فإنه يدعها ويأتي الذي هو خير، وإذا كانت في أمر محرم أو في معصية فلا شك أن غيرها خير منها، وأما إذا كان في أمر مباح فقد يكون الإقدام والتنفيذ خيراً، وأما إذا كان معصية فالتنفيذ لا يجوز والترك هو المتعين.
وقوله: (فإن تركها كفارتها) هذا لا يدل على أنه لا كفارة على من نذر معصية، ولكن هذا يدل على أن تركها متعين وأن فعلها حرام ولا يجوز الإقدام عليه، وكون الإنسان يتركها من أجل الله يثاب على ذلك، ولكن ذلك لا يغني عن الكفارة، والنذر كفارته كفارة يمين.
وإذا صح قوله: (فإن تركها كفارتها) فالمقصود أن المعصية لا تفعل، كون الإنسان يتركها من أجل الله لا شك أنه مأجور على ذلك وأنه على خير، ولكن كونه حلف فإنه مع تركها عليه الكفارة التي هي كفارة اليمين.




تراجم رجال إسناد حديث (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم)
قوله: [حدثنا المنذر بن الوليد] .
المنذر بن الوليد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا عبد الله بن بكر] .
عبد الله بن بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن الأخنس] .
عبيد الله بن الأخنس صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
عمرو بن شعيب وأبوه وجده قد مر ذكرهم.




بيان أن أكثر الأحاديث في الكفارة قبل الحنث
[قال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وليكفر عن يمينه) إلا فيما لا يعبأ به] .
أي: أن الأحاديث كلها جاءت في أنه إذا حلف يميناً ولم يفعلها فإنه يكفر عنها، ولا يأتي الذي هو خير إلا فيما لا يعبأ به ولعله يعني في الشيء التافه.
ويمكن أن يكون المعنى: إلا فيما لا يعبأ به من الأحاديث؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث شيء من هذا الذي أشار إليه.




حال يحيى بن عبيد الله
[قال أبو داود: قلت لـ أحمد: روى يحيى بن سعيد عن يحيى بن عبيد الله؟ فقال: تركه بعد ذلك وكان أهلاً لذلك، قال أحمد: أحاديثه مناكير وأبوه لا يعرف] .
يحيى بن سعيد هو القطان، ويحيى بن عبيد الله هو ابن عبد الله بن موهب وهو متروك أخرج له الترمذي وابن ماجة.
وقوله: [فقال: تركه بعد ذلك] .
أي: أن يحيى بن سعيد روى عنه ولكنه تركه بعد ذلك.
وقوله: [وكان أهلاً لذلك] .
أي: وكان أهلاً لأن يتركه.
وقوله: [قال أحمد: أحاديثه مناكير وأبوه لا يعرف] .
أي: أن أباه مجهول، ولكن كلمة (مناكير) عند الإمام أحمد لها اصطلاح خاص، فإذا قال: أحاديثه مناكير، فإن كان معروفاً بذلك مثل هذا الذي هو متروك فإنه يكون على الجادة، لكن يقول بعض أهل العلم: إنه يطلق المنكر أو المناكير على ما يكون به التفرد، وأن الراوي إذا تفرد بأشياء عن غيره يقول عنه: أحاديثه مناكير، ولكنها لا تكون مردودة؛ لأن التفرد محتمل، فمن تفرد بأحاديث فإنه يحتمل أن تكون أحاديثه مقبولة، وقد ذكر هذا الحافظ في مقدمة الفتح عند ترجمة بريد بن عبد الله بن أبي بردة، ذكر هذا الاصطلاح عن بعض المحدثين، والذي يظهر أنه لا يقصد بها هنا مجرد التفرد؛ لأن هذا الراوي متروك، ولذا قال: وكان أهلاً للترك.
ولعل المقصود: أنه متروك في أشياء تتعلق بالشيء الذي لا يعبأ به، لكن ما دام أنه قال: كان أهلاً للترك فمعناه: أنه متروك مطلقاً.




من يحلف كاذباً متعمداً




شرح حديث (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يحلف كاذباً متعمداً.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطالب البينة فلم تكن له بينة، فاستحلف المطلوب فحلف بالله الذي لا إله إلا هو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى قد فعلت، ولكن قد غفر لك بإخلاص قول: لا إله إلا الله) ] .
قوله: [باب فيمن يحلف كاذباً متعمداً] .
هذه الترجمة أتى بها مطلقة، والمقصود: ما حكمه؟ فقد يكون متعمداً ولكنه قد يكون مغفوراً له، ولكن هذا لا يقال في كل أحد، إنما هو في هذا الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام وفي قصة الشخص الذي قال له: (بلى ولكن الله قد غفر لك بإخلاص قول: لا إله إلا الله) ، فهذا شيء جاء عن الوحي وعن إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على شيء حصل على خلاف الواقع.
وقوله: (بلى قد فعلت) أي: أن هذا الذي حلفت عليه لست صادقاً فيه وإنما أنت كاذب فيه، ولكن الله غفر لك بأنك قلت: والله الذي لا إله إلا هو، فحينما ذكرت الشهادة مخلصاً كان ذلك كفارة لهذا الإثم الذي حصل منك، لكن هذا لا يقال لكن من يحلف ويقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ لأن ذاك حصل به وحي ودل على أنه كان مخلصاً، وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنك كنت مخلصاً، فلا يقاس عليه غيره، ولا يقال: إن غيره يكون كذلك، ولا يقال: إن هذا حكم عام، بل هذا حكم مقصور ومخصوص فيما ورد؛ لأن فيه حصول شيء عن طريق الوحي وهو أنه أخبر بأنه قد فعل وأنه ليس صادقاً فيما حلف عليه، بل هو كاذب فيما حلف عليه، ولكن هذا الكذب غفر له بسبب هذا الذي أضافه إلى اليمين من الإخلاص لله عز وجل.
والحديث في إسناده رجل متكلم فيه وهو عطاء بن السائب، فإنه اختلط، والشيخ ناصر صححه، ولعله لوجود شواهد له، فيكون قد جاء عن ابن عباس وجاء عن غيره، فقد جاءت قصص أخرى فيها أن جبريل نزل وقال له كذا وكذا، فيمكن أن يكون هذا التصحيح مع وجود هذا الرجل المختلط للشواهد الأخرى التي جاءت من طرق أخرى غير هذه الطريق، وقد أشار إليها في عون المعبود، فإنه ذكر حديث ابن عباس وحديثاً آخر أيضاً بهذا المعنى.
[قال أبو داود: يراد من هذا الحديث أنه لم يأمره بالكفارة] .
أي: فيما حلف عليه، ولعل اليمين لم تكن معقودة على أمر وإنما على خبر، ومعلوم أن اليمين التي على خبر هي اليمين الغموس ولا كفارة فيها، وليس فيها إلا الاستغفار والتوبة كما ذكرنا ذلك فيما مضى، وإنما الكفارة تكون في الأمر المستقبل الذي يقول فيه: والله لأفعلن أو والله لا أفعل، ثم يحنث، وأما ذاك فهو إما صادق فيما أخبر به ويكون سالماً من الإثم، وإما كاذب فيأثم لحصول الكذب منه، فهنا لم يأمره بكفارة لأن هذا المجال ليس مجال كفارة؛ لأنه ليس على أمر مستقبل، ولم تكن يمينه معقودة على أمر يفعله أو لا يفعله، وإنما هي مبنية على الإخبار: والله ما حصل كذا أو والله إنه حصل كذا.




تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو ابن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحماد إذا جاء غير المنسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به حماد بن سلمة وليس المراد حماد بن زيد؛ لأن حماد بن زيد وحماد بن سلمة قرينان، وهما في وقت واحد، وهما بصريان ومتفقان في الشيوخ والتلاميذ كثيراً، ولهذا يأتي في تراجم بعض الرواة: روى عن الحمادين إذا كانا في شيوخه، وإذا كانا من تلاميذه يقال: روى عنه الحمادان.
وقد اختص بعض الرواة بالرواية عن أحدهما دون الآخر، فإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد غير منسوب, فالمراد به حماد بن سلمة , وإذا جاء سليمان بن حرب يروي عن حماد غير منسوب, فالمراد به حماد بن زيد , وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً ذكر فيه بعض التلاميذ الذين إذا رووا عن حماد فالمراد حماد بن زيد، وإذا روى غيرهم عن حماد فالمراد حماد بن سلمة , وهذا الذي هنا هو من هذا القبيل؛ لأن موسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة، فحيث جاء مهملاً فالمراد به حماد بن سلمة , وحماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا عطاء بن السائب] .
عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري مقروناً وأصحاب السنن, والذين رووا عنه قبل الاختلاط روايتهم صحيحة, والذين رووا عنه بعد الاختلاط أو رووا قبل الاختلاط وبعده, ولم يتميز، فروايتهم لا يعتد بها, وحماد بن سلمة ممن روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط, بخلاف فـ حماد بن زيد فقد روى عنه قبل الاختلاط, فإذا روى عن عطاء بن السائب فروايته صحيحة, وأما حماد بن سلمة فروى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط, وعلى هذا فروايته عنه فيها نظر.
ولكن لعل التصحيح الذي ذكرت عن الشيخ ناصر رحمه الله هو للشواهد الأخرى التي جاءت في هذا المعنى.
[عن أبي يحيى] .
هو زياد المكي الأعرج، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس رضي الله عنه قد مر ذكره.
الأسئلة




بيان أن الكفارة تكون في اليمين على الأمر المستقبل
السؤال هل الكفارة تكون في اليمين التي على المستقبل فقط؟
الجواب نعم, لا تكون إلا في يمين معقودة على أمر مستقبل, وأما اليمين على الخبر, فإن صدق المتكلم فيسلم من الذنب، وإن كذب فهي يمين غموس.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم) جاء في رواية البخاري ومسلم: (والله لتحدثني يا رسول الله! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقسم) فقوله هنا: (لا تقسم) فيه اختصار.
حكم الحلف بصيغة وحق الله، وعهد الله، والقديم الأزلي
السؤال هل يجوز الحلف بصيغة: وحق الله, وعهد الله، والقديم الأزلي؟
الجواب لا يجوز ذلك؛ لأن العهد مثل الأمانة, وحق الله هو العبادة.
وأما القديم الأزلي فيمكن؛ لأن الله عز وجل قديم أزلي, وهو بهذا قد حلف بالله, وإن كانت كلمة القديم لم تأت في أسماء الله, وكذلك الأزلي، ولكن لا شك أن الله تعالى لا بداية له.





ابوالوليد المسلم 28-06-2025 04:56 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


حكم إطعام مسكينين خمس مرات في كفارة اليمين
السؤال هل يجزئ في كفارة اليمين إطعام مسكينين خمس مرات؟ وهل يلزم إخبارهم أن هذا الطعام كفارة يمين؟
الجواب إذا كان المساكين موجودين فيطعم عشرة, وإذا كان لا وجود لهم, أو كانوا قليلين فيمكن أن يعطي خمسة منهم طعام يومين, أو يعطيهم في كل يوم طعاماً لمدة يومين.
وأما إذا كان المساكين كثيراً فيطعم عشرة حتى يفيد عدداً لا أن يفيد شخصاً واحداً أو شخصين.
ولا يلزم أن يخبرهم أنه طعام كفارة ما دام أنه يعرف أنهم مستحقون له.
تعريف المسكين
السؤال من هو المسكين في هذا العصر؟ المسكين في هذا العصر وفي كل عصر: هو الذي ليس عنده شيء يكفيه, فالفقير والمسكين: هما اللذان لا يجدان كفاية لهما, وهما بحاجة إلى إحسان المحسنين, والفرق بين الفقير والمسكين: أن الفقير أشد حاجة, قالوا: إن الفقير هو الذي لا يجد شيئاً أصلاً, والمسكين هو الذي يجد شيئاً لا يكفيه.
قول الإنسان إن رزقني الله مالاً لأتصدقن
السؤال إذا قال شخص: والله! إن رزقني الله مالاً لأتصدقن، فهل هذا نذر فيما لا يملكه؟
الجواب هذا مثل النذر، كأن يقول: إن شفى الله مريضي لأفعل كذا, وقوله: إن رزقني الله مالاً لأتصدقن بكذا من هذا القبيل.
حكم تسمية الله عز وجل بالمقلب
السؤال في عون المعبود عند قوله: (يا مقلب القلوب) قال الحافظ: فيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به، فما وجهه؟
الجواب وجه: أن الله يقال له: مقلب القلوب, يطلق عليه ذلك, ولكن هل من أسماء الله المقلب؟ الله أعلم؛ لأن هذا مقيد بالقلوب, والأصل في الأسماء أنها تأتي مطلقة بدون تقييد.
إذا حلف الإنسان على شيء لا يريده
السؤال في بعض الأحيان يحلف الإنسان وهو لا يريد الشيء المحلوف عليه, فما حكم يمينه؟
الجواب ما دام أنه حصل منه عقد على شيء مستقبل فالأصل أنه يمين؛ لأن الأصل أن الإنسان يحلف على شيء يريده.
حكم إتلاف الأشياء المحرمة
السؤال ما العمل إذا وجد الشخص أشياء مما يعمله الكهنة والمشعوذون؟ وهل له أن يقوم بإحراقه أو سكب الماء عليه وإتلافه؟
الجواب الأشياء المحرمة يتلفها الإنسان بأي طريقة, سواء بحرقها أو دفنها أو تمزيقها أو غير ذلك، المهم أنه يزيلها ويتلفها.
مدى صحة عبارة المدينة منبع من منابع العلوم الشرعية
السؤال هل هذه العبارة صحيحة: المدينة منبع من منابع العلوم الشرعية, أم أن الصحيح منبع العلوم الشرعية هو الكتاب والسنة فقط؟
الجواب معلوم أن الكتاب والسنة هما الينبوع الصافي النقي، ولكن إذا أريد به أن المدينة حصل فيها نزول الوحي وشع منها النور, وانتشر منها الهدى، فهذا معنى صحيح, وذلك من ناحية أن مكة والمدينة هما بلدا الوحي ومهبطاه, وقد حصل هذا النور وهذا الينبوع فيهما، ولا شك أن ذلك هو الحق والهدى الذي هو كتاب الله وسنة رسوله, فكتاب الله وسنة رسوله إنما كانا في مكة والمدينة, والرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة ثم كان في المدينة, وسور القرآن منها ما هو مكي ومنها ما هو مدني.
فالمدينة لا شك أنه شع منها النور وخرج منها الخير, وانطلق منها الهداة المصلحون, ولكن الشيء الذي خرج به الناس من الظلمات إلى النور هو الوحي الذي هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا أريد: أنه ظهر منها الحق والهدى, وأنه انطلق الهداة المصلحون من المدينة, وأن الكتاب والسنة إنما نزل في مكة والمدينة, وأن كل ما حصل للناس مما فيه السعادة إنما خرج من مكة والمدينة، فلا شك أن الذي خرج من مكة والمدينة هو الحق والهدى، بخلاف الذي خرج من المدن الأخرى من مناهج وطرق جديدة محدثة ليس لها أساس من الدين.
بيان الصاع الذي تتعلق به الأحكام والكفارات
السؤال كيف أضعف خالد القسري الصاع وهو يعلم أن الأحكام متعلقة به كالكفارات والزكوات؟
الجواب لا أدري، لكن يمكن أن يكون هذا بعد أن عرف أن مقدار صاع الرسول صلى الله عليه وسلم هو خمسة أرطال وثلث، فجعله ستة عشر رطلاً، والذي يتعلق به الأحكام هو ثلث هذا الصاع الكبير؛ لأنه ما دام أنه قد عرف مقدار صاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خمسة أرطال وثلث, فكونه جعله ستة عشر لعله من أجل أن الناس إذا أرادوا أن يكيلوا يكيلون بسرعة؛ لأن المال كثير، وبدلاً من أن يكيل ثلاثة آصع يكيل صاعاً مرة واحدة، فلعل هذا من ناحية الكيل، ولكنه من ناحية الحكم ما دام أنه معروف أن صاع الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث فمعنى ذلك أن الكفارة إذا أخرجت بهذا الصاع تصير ثلاث كفارات, أو ست كفارات على اعتبار أن الكفارة نصف صاع.
حكم تقدير الكيل بالوزن
السؤال هل يصح تقدير الكيل بالوزن؛ لأن الكيل من كل صنف من الحبوب أو الزيوت أو غيرها يختلف حسب وزن ذلك الصنف؟
الجواب يمكن أن يقدر، لكن الوزن يختلف بالنسبة للأشياء، فصاع من شيء خفيف لا يعادل صاعاً من شيء ثقيل؛ بل يتفاوت، فيمكن أن يستعمل الوزن مكان الكيل إذا عرف وزن الكيل، فمثلاً: إذا كان الصاع من البر أو من الأرز ثلاثة كيلو فلا يحتاج إلى أن يكال الصاع، وإنما يكفي معرفة الوزن, وهكذا لو كان هناك وعاء يسع عشرة كيلو من الأرز، ونحو ذلك.
مقدار كفارة اليمين
السؤال هل كفارة اليمين صاع أو نصف صاع؟
الجواب كفارة اليمين نصف صاع لكل مسكين، فيطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أي: خمسة عشر كيلو.
شناعة بدعة القول بخلق القرآن
السؤال في رؤيا أبي داود لـ محمد بن خلاد إذا فسر الوقف بالوقف في خلق القرآن، فهل تعتبر هذه الرؤيا تخفيفاً من شأن هذه البدعة وأنها ليست منكرة؟
الجواب هذه البدعة لا شك أنها منكرة, وكون الله عز وجل تجاوز عنه وعفا عنه لا يدل على عدم شناعتها؛ لأن الله عز وجل يغفر كل شيء دون الشرك.
حكم الاستثناء بالقلب
السؤال هل يصح الاستثناء إن لم يتلفظ به وإنما نواه بقلبه؛ لأنه ما لم يرد أن يسمعه المحلوف له؟
الجواب لا ينفع الاستثناء بالقلب؛ لأنه لا بد من الكلام.
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله؟ قالت في السماء
السؤال في سؤاله صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء) , هل تأتي (في) بمعنى فوق؟
الجواب ( في) تأتي بمعنى على, كما قال الله عز وجل في قصة موسى مع السحرة وفرعون: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] أي: على جذوع النخل؛ لأنه ليس المعنى أنه يشق جذوع النخل ويدخلهم فيها, وإنما يصلبهم عليها.
فلو أريد به السماء المبنية فإن (في) بمعنى على, لكن هناك شيء أوضح من هذا وهو أن المراد بالسماء: العلو, وليس المراد بها السماء المبنية.
حكم اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم
السؤال هل يستفاد من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ ومن أنا؟) جواز اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم وكذلك لمعرفة منهجهم بسؤالهم بعض الأسئلة؟
الجواب السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان، فإذا كانت هناك حاجة إلى معاملة إنسان أو إلى مداخلة إنسان فيمكن للإنسان أن يحتاط في التعرف عليه بسؤاله عما يحتاج إلى معرفته.
حكم من ينكر صفة العلو
السؤال هل الذي ينكر صفة العلو يعد كافراً بدون قيام الحجة عليه لأجل أن دلالة العلو دلالة نقل وعقل وفطرة؟
الجواب لا شك أن علو الله عز وجل دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول وكذلك الفطرة، وهذه أدلة كلها متوفرة على ذلك, لكن الإنسان قد يكون عنده شيء من اللبس أو شيء يشوش عليه من بعض المبتدعة، كما حصل لكثير من الناس الذين ابتلوا بترك عقيدة الفطرة التي عليها أهل السنة والجماعة, فكونه تقام عليه الحجة ويبين له الحق هذا أمر لا بد منه.
الأشاعرة ليسوا من أهل السنة
السؤال هل يدخل الأشاعرة في مسمى أهل السنة؟
الجواب لا يدخلون؛ لأن أهل السنة والجماعة هم من وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي) , والأشاعرة ليسوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الفرق قال: (كلها في النار إلا واحدة) ومعلوم أن أصحاب هذه الفرق كلهم مسلمون، لكن منهم فرقة واحدة سالمة من العذاب؛ لأنها على الجادة، وبقية تلك الفرق منحرفة عن الجادة مع تفاوتها في القرب والبعد، ولكنها كلها مستحقة للوعيد.
إذاً: الأشاعرة ليسوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالصحابة لم يكونوا يعرفون هذه العقيدة التي عليها الأشاعرة، فإنها إنما جاءت بعدهم.
دخول الأشاعرة في مسمى أهل السنة عند مقابلة الشيعة
السؤال إذا قيل: أهل السنة في مقابل الرافضة فهل يدخل الأشاعرة حينئذٍ في أهل السنة؟
الجواب إذا كان المقصود المقابلة بين السنة والشيعة, فهم داخلون في السنة؛ لأنهم ليسوا من الشيعة, ولكن السنة التي هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الرسول وأصحابه ليسوا عليها, وأما كونهم ليسوا شيعة, فنعم ليسوا بشيعة, بل هم مخالفون للشيعة.





ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:06 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [378]
الحلقة (410)



شرح سنن أبي داود [378]
إذا حلف الإنسان على شيء ورأى غيره خيراً منه فقد جاء الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، وله أن يكفر عن يمينه ثم يحنث، وله أن يحنث ثم يكفر عن يمينه؛ لورود الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهذا، والاستثناء في اليمين بعد السكوت لا يصح، إلا إذا كان الفصل لأمر طارئ، كسعال أو عطاس أو نحوه.
وكفارة اليمين عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن عجز عن ذلك فعليه أن يصوم ثلاثة أيام.




تكفير اليمين قبل الحنث




شرح حديث (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يكفر قبل أن يحنث.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد حدثنا غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.
أو قال: إلا أتيت الذي هو خير وكفرت يميني) ] .
قوله: [باب في الرجل يكفر قبل أن يحنث] , أي: عندما يحلف على يمين, ويرى أن الخير في ترك اليمين والتكفير, فهل يكفر قبل أن يحصل الحنث الذي هو فعل الشيء الذي حلف ألا يفعله, أم أنه لا يكفر إلا بعد الحنث؟
و الجواب أنه يجوز للإنسان أن يكفر قبل الحنث وبعده, فإذا كانت المصلحة في غير ما حلف عليه, فإنه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير, أو يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه, فكل ذلك سائغ.
ومن أهل العلم من قال: إنه لا يكفر قبل الحنث؛ لأنه لا تجب الكفارة إلا بالحنث, فإذا وجد الحنث لزمت الكفارة, وقبل الحنث فالكفارة غير لازمة, لكن جاء في بعض الأحاديث تقديم الكفارة وفي بعضها تقديم الحنث, وذلك يدل على جواز التقديم والتأخير بين الحنث والكفارة, فالحانث له أن يكفر قبل أن يحنث, وله أن يحنث قبل أن يكفر.
وقد أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) .
وهذا فيه الإتيان بالكفارة أولاً، والحنث ثانياً.
وقوله: (أو قال: إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) ، هذا شك من الراوي، لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على تقديم الحنث على الكفارة, وجاء في بعضها ما يدل على تقديم الكفارة ثم الحنث, وذلك في العطف بثم، وهذا يدل على أن الكفارة يجوز أن تقدم على الحنث وأنه ليس الأمر كما قال بعض أهل العلم: إنه لا تقدم الكفارة على الحنث؛ لأنها لا تجب, فكون الإنسان يقدم الكفارة ثم يحنث لا بأس بذلك.




تراجم رجال إسناد حديث (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو ابن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, وهنا جاء حماد غير منسوب, وإذا جاء سليمان يروي عن حماد فهو حماد بن زيد , وقد مر قريباً أن موسى بن إسماعيل إذا روى عن حماد, فهو حماد بن سلمة.
إذاً: يعرف المهمل برواية التلاميذ عن ذلك المهمل؛ لأن الشخص إذا ذكر باسمه ولم يذكر نسبه يقال له في علم المصطلح: مهمل, أي: أهمل عن النسبة فلم ينسب, فصار محتملاً لشخصين أو أكثر مثل: حماد، فهذا يقال له: المهمل.
ومعرفة المهمل تكون بمعرفة التلاميذ، فإذا جاء سليمان بن حرب يروي عن حماد فهو ابن زيد , وإذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد فهو ابن سلمة.
[حدثنا غيلان بن جرير] .
غيلان بن جرير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بردة] .
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد الله بن قيس الأشعري، وهو مشهور بكنيته, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




مفهوم ذكر الرجل في الأحكام دون المرأة
ذكر الرجل في الترجمة في قول المصنف: (باب الرجل يكفر قبل أن يحنث) هذا على اعتبار الغالب، فإن الغالب أن الخطاب يكون للرجال, وليس المقصود من ذلك أن هذا حكم يختص به الرجل, بل المرأة كذلك تكفر قبل أن تحنث إذا رأت ترك اليمين خيراً.
فذكر الرجال سواء كان في كلام العلماء في التراجم كما هو هنا, أو في غير ذلك في الأمور التي ليس فيها دليل على اختصاص الرجل بها عن النساء فالحكم للرجال والنساء جميعاً, وكذلك يأتي في الأحاديث ذكر أحكام مضافة إلى الرجال وليس المقصود اختصاص الرجال بتلك الأحكام, بل النساء كذلك.
والأصل: هو أنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا وجد تمييز بين الرجال والنساء في الأحكام بأن قيل: هذا الحكم للرجال, وهذا الحكم للنساء، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) أي: في الصلاة, ومثل قوله: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) وغير ذلك, هذا إذا جاء شيء يميز الرجال على النساء, أو النساء على الرجال, فالمعتبر الأدلة, والأصل هو عدم التفريق حتى يوجد دليل, ولهذا يأتي ذكر الرجل في الأحاديث وليست خاصة به، كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فكلمة (رجل) هذه لا مفهوم لها، فلا تخرج منها المرأة, بل المرأة مثل الرجل في ذلك، فإذا كانت معتادة أن تصوم يوم الإثنين ووافق يوم الثلاثين من شعبان فلها أن تصوم, فليس الحكم خاصاً بالرجال دون النساء.
وكذلك مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) ، وكذلك لو وجد متاعه عند امرأة قد أفلست فهو أحق به من الغرماء.
والحاصل: أن ذكر الرجال في كلام العلماء وكذلك في بعض الأحاديث إنما هو لأن الخطاب في الغالب مع للرجال, لا لأن هذا حكم يخص الرجال دون النساء.
وأما ما ذكره الخطابي عن الشافعي أنه قال: وإن كفر بالصوم قبل الحنث لم يجزه, وإن كفر بالطعام أجزأه, واحتج أصحابه في ذلك بأن الصيام مرتب على الإطعام فلا يجوز إلا مع عدم الأصل، كالتيمم لما كان مرتباً على الماء لم يجز إلا مع عدم الماء.
فهذا إذا كان الإنسان لا يقدر على الإطعام، ولا يقدر على العتق, ولا يقدر على الكسوة، فله أن يتحول إلى الصيام، فلا فرق بين هذا وهذا, فلا يجوز للإنسان أن يكفر بالصيام إذا كان يستطيع التكفير بغيره.




شرح حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة! إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا هشيم أخبرنا يونس ومنصور -يعني ابن زاذان - عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة! إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك) ، فذكر الحنث قبل الكفارة, وقد تقدم أن كل ذلك جائز, فكون الكفارة قبل الحنث أو بعده كل ذلك صحيح.




تراجم رجال إسناد حديث (يا عبد الرحمن بن سمرة! إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز] .
محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يونس] .
هو يونس بن عبيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومنصور يعني ابن زاذان] .
منصور بن زاذان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومنصور بن زاذان هذا ذكر في ترجمته عن بعض أهل العلم أنه قال: لو أن منصور بن زاذان قيل له: إن ملك الموت بالباب ما أمكنه أن يزيد شيئاً في عمله؛ لأنه ملازم التقوى والعمل الصالح, ومداوم على ذلك, أي: أنه لا يستطيع أن يأتي بشيء جديد, فلا يهتم ويستعد، وإنما تكون حالته بعد أن قيل له هذه المقالة مماثلة لحالته قبلها, ولا يكون بإمكانه أن يأتي بزيادة عمل؛ لأنه ملازم للتقوى, وهذا يدل على صلاحه وتقواه, وقد مر قريباً كلمة تدل على صلاح رجل مماثل له وهو إبراهيم بن ميمون الصائغ , فقد كان صائغاً، وكان إذا رفع المطرقة ثم سمع النداء للصلاة طرحها وترك الضرب على الشيء الذي يصوغه ويشتغل فيه, ثم يقوم إلى الصلاة.
[عن الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن سمرة] .
عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




ترخيص الإمام أحمد للكفارة قبل الحنث
[قال أبو داود: سمعت أحمد يرخص فيها: الكفارة قبل الحنث] .
ذكر أبو داود هذا عن أحمد؛ لأنه جاء عن بعض أهل العلم المنع من ذلك, وأنه لا تقع الكفارة قبل الحنث؛ لأن الوجوب إنما يكون بالحنث, ولكن كونها تقدم لا بأس بذلك؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث تقديم الكفارة وفي بعضها تقديم الحنث فكل ذلك سائغ.




شرح حديث عبد الرحمن بن سمرة من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه نحوه قال: (فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن سمرة وهو مثل الذي قبله, إلا أن فيه تقديم الكفارة على الحنث, فالرواية السابقة فيها تقديم الحنث على الكفارة, وهنا: تقديم الكفارة على الحنث, وكل ذلك صحيح.




تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث عبد الرحمن بن سمرة
قوله: [حدثنا يحيى بن خلف] .
يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا عبد الأعلى] .
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد] .
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة] .
الحسن وعبد الرحمن بن سمرة قد مر ذكرهما.




ورود الأحاديث في جواز تقديم الحنث على الكفارة أو الكفارة على الحنث
[قال أبو داود: أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة رضي الله عنهم في هذا الحديث روي عن كل واحد منهم في بعض الرواية: الحنث قبل الكفارة.
وفي بعض الرواية: الكفارة قبل الحنث] .
ذكر أبو داود: أن أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة في بعضها تقديم الكفارة على الحنث, وفي بعضها تقديم الحنث على الكفارة, وهذا مثل هذا الذي مر في حديث عبد الرحمن بن سمرة؛ فحديث عبد الرحمن بن سمرة جاء من طريقين: الطريق الأولى فيها تقديم الحنث على الكفارة, والطريق الثانية فيها تقديم الكفارة على الحنث, وحديث أبي موسى الذي مر فيه: (إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) أو: (إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) ، وكذلك حديث عدي بن حاتم , وحديث أبي هريرة كلها فيها هذا وهذا, وهذا يدل على جواز الأمرين وأنه لا بأس بتقديم الكفارة على الحنث, أو تقديم الحنث على الكفارة.
قوله: [وعدي بن حاتم] .
عدي بن حاتم صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وأبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
وفي عون المعبود ذكر أن حديث أبي موسى في الصحيحين، وحديث عدي بن حاتم في مسلم وحديث أبي هريرة في مسلم أيضاً.
وقول أبي داود: (روي عن كل واحد منهم) بصيغة التمريض ليس المقصود التمريض؛ لأن الحديث في الصحيحين أو أحدهما, وإنما فيه الإشارة إلى حصول الرواية؛ لأنه لم يذكر الذي روى عنهم, وإنما بنى ذلك للمجهول، فليس المقصود من ذلك أنها صيغة تمريض.




مقدار الصاع في الكفارة




شرح حديث صفية في صفة صاع النبي صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم الصاع في الكفارة؟ حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على أنس بن عياض قال: حدثني عبد الرحمن بن حرملة عن أم حبيب بنت ذؤيب بن قيس المزنية وكانت تحت رجل منهم من أسلم ثم كانت تحت ابن أخ لـ صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حرملة: فوهبت لنا أم حبيب صاعاً، حدثتنا عن ابن أخي صفية عن صفية رضي الله عنها أنه صاع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أنس: فجربته أو قال: فحزرته فوجدته مدين ونصفاً بمد هشام.
] قوله: [باب كم الصاع في الكفارة؟] .
أي: مقدار الصاع في الكفارة، ومعلوم أن الصاع في الزكاة وفي الكفارات وغير ذلك هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مقدار النصاب، وهو ثلاثمائة صاع؛ لأن النصاب خمسة أوسق, والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق فيما يتعلق بالوضوء والغسل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد, وأن المد هو ربع الصاع, وأن الصاع أربعة أمداد، وقالوا: إن المد مقدار ملء اليدين المتوسطتين، فملؤهما يقال له: مد, وأربعة أمداد هي الصاع.
وقد جاء في بعض الأحاديث فيما يتعلق بكفارة لبس المخيط أو الحلق في الحج أنها كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام) فتكون الكفارة لكل مسكين نصف صاع، ونصف الصاع مدان.
وقد أورد أبو داود حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم, وفيه أن أم حبيبة وهبت صاعاً وروت عن ابن أخي صفية عن صفية أنه صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أنس بن عياض شيخ شيخ أبي داود حزره وقدره فوجده مدين ونصفاً.
وقوله: (بمد هشام) يعني: هشام بن عبد الملك الخليفة.
ومعلوم أن الصاع هو أربعة أمداد كما جاء في الأحاديث، وليس مدين, ومعلوم أن الآصع تختلف والناس يختلفون في الزيادة والنقصان، ولكن المعتبر هو صاع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أربعة أمداد.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو متكلم فيه.




تراجم رجال إسناد حديث صفية في صفة صاع النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[قال: قرأت على أنس بن عياض] .
أنس بن عياض ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الرحمن بن حرملة] .
هو عبد الرحمن بن حرملة المدني، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أم حبيب بنت ذؤيب بن قيس المزنية] .
أم حبيب بنت ذؤيب المزنية مستورة، أي: مجهولة الحال, أخرج لها أبو داود.
قوله: [وكانت تحت رجل منهم من أسلم، ثم كانت تحت ابن أخي لـ صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حرملة: فوهبت لنا أم حبيب صاعاً حدثتنا عن ابن أخي صفية] .
ابن أخي صفية لا يعرف، أخرج له أبو داود.
وأم حبيب هي زوجته.
[عن صفية] .
صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح أثر محمد بن خلاد في مقدار المكوك والكيلجة مع تراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر قال: كان عندنا مكوك يقال له: مكوك خالد، وكان كيلجتين بكيلجة هارون، قال محمد: صاع خالد صاع هشام، يعني ابن عبد الملك.
] أورد أبو داود هذا الأثر عن محمد بن محمد بن خلاد قال: كان عندنا مكوك يقال له: مكوك خالد، وكان كيلجتين بكيلجة هارون، قال محمد: صاع خالد صاع هشام.
] محمد هو محمد بن محمد بن خلاد , وهذا أثر موقوف على محمد بن محمد بن خلاد، والمكوك مكيال, ومكوك على وزن (تنُّور) كما في القاموس.
وقوله: [يقال له: مكوك خالد] .
وخالد لا أدري من هو، وقد يكون خالد بن عبد الله القسري المذكور في الأثر الآتي.
وقوله: [وكان كيلجتين بكيلجة هارون] .
الكيلجة: مقدار مكيال، وهارون هذا شخص من الناس الله أعلم من هو.
وقوله: [قال محمد: صاع خالد صاع هشام، يعني ابن عبد الملك] .
أي: أن صاع خالد هذا المذكور هنا هو صاع هشام بن عبد الملك الذي مر في الأثر الذي قبل هذا.
وقوله: [حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر] .
هو محمد بن محمد بن خلاد الباهلي، وهو ثقة أخرج له أبو داود.




شرح أثر محمد بن خلاد في مقدار صاع خالد القسري
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر حدثنا مسدد عن أمية بن خالد قال: لما ولي خالد القسري أضعف الصاع، فصار الصاع ستة عشر رطلاً] .
هذا قد يوضح الرواية الأولى؛ لأن الرواية عن محمد بن خلاد لم ينسب فيها خالداً , وهنا نسبه.
وقوله: [لما ولي خالد القسري] خالد القسري ولي الحجار ثم ولي الكوفة.
وقوله: [أضعف الصاع] أي: زاد فيه حتى بلغ ستة عشر رطلاً, والمعروف أن صاع الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث، كما جاء ذلك عن مالك بن أنس في مناظرة جرت بينه وبين أبي يوسف، فأخرج صاعاً وقدروه فإذا هو خمسة أرطال وثلث, فرجع أبو يوسف إلى قول مالك.
وهذا يعني أنه أضعفه أكثر من الضعفين؛ لأن صاع النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث، وهذا جعله ستة عشر رطلاً، أي: أنه جعله ثلاثة أضعاف صاع النبي صلى الله عليه وسلم.




تراجم رجال إسناد أثر محمد بن خالد في مقدار صاع خالد القسري
قوله: [حدثنا محمد بن محمد بن خلاد عن مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أمية بن خالد] .
أمية بن خالد صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[قال أبو داود: محمد بن محمد بن خلاد قتله الزنج صبراً فقال بيده هكذا.
ومد أبو داود يده وجعل بطون كفيه إلى الأرض، قال: ورأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة، فقلت: فلم يضرك الوقف] .
هذا الكلام ذكره أبو داود وهو يتعلق بـ محمد بن خلاد وهو شيخه الذي يروي عنه, وقال: إنه قتله الزنج صبراً، وقد تقدم أن اليمين المصبورة هي التي يحبس عليها الإنسان, وقد قالوا: كل قتل ليس في قصاص ولا في جهاد في سبيل الله ولا خطأ يقال له: صبر؛ لأن فيه تعمداً وحبساً على القتل.
وقوله: [فقال بيده هكذا، ومد أبو داود يده وجعل بطون كفيه إلى الأرض] .
لا أدري ما هو المقصود بهذه الإشارة.
وقوله: [ورأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة, فقلت: فلم يضرك الوقف] .
قال الشارح: لعل المقصود بذلك كونهم وقفوه أو حبسوه للقتل.
وهنا يأتي احتمال آخر وهو: أنه كان ممن وقف في فتنة خلق القرآن، وهذا مذكور في ترجمته في تهذيب التهذيب، لكن الله أعلم بثبوت ذلك عنه.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:07 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


الرقبة المؤمنة في الكفارة




شرح حديث الجارية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرقبة المؤمنة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! جارية لي صككتها صكة، فعظم ذلك عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها.
قال: فجئت بها، قال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
] أورد أبو داود هذه الترجمة وهي [باب الرقبة المؤمنة] ، أي: في الكفارة, يعني: هل يشترط وصف الإيمان للرقبة التي تعتق أم أنه يعتق أي رقبة ولو كانت كافرة؟ فمثلاً: جاء في كفارة اليمين أنها عتق رقبة ولكنها جاءت مطلقة في القرآن, غير مقيدة بالإيمان, وكذلك جاء في كفارة الظهار عتق رقبة وجاءت غير مقيدة, ولم تأت مقيدة بالإيمان إلا في كفارة القتل, فجمهور العلماء حملوا المطلق على المقيد, وقالوا: إن النفس التي تعتق تكون مؤمنة, ومن أهل العلم من أجاز أن تكون كافرة, ولكن الجمهور على أنها لابد أن تكون مؤمنة ولا يجوز أن تكون كافرة.
ولا شك أن القول بأنها لابد أن تكون مؤمنة هو القول الذي يجعل الإنسان يطمئن أنه قد أبرأ ذمته في الكفارة، والقول بإعتاق الرقبة الكافرة لا يكون فيه اطمئنان إلى براءة الذمة.
إذاً: القول بحمل المطلق على المقيد كما جاء في القرآن هو الذي فيه السلامة والاطمئنان إلى براءة الذمة.
وقد أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه كانت له جارية, وكانت ترعى غنماً، فجاء الذئب وأخذ شاة منها, ثم جاء وسأل عنها, فقالت: أخذها الذئب، فصكها، ثم ندم وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي: أخبره أن ضرب الجارية وصكها أمر عظيم، فقال: ألا أعتقها يا رسول الله؟! قال: (ائتني بها.
فأتاه بها, فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
فلما قالت: (إن الله في السماء) حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها وأقرها على ذلك، وهذا كقول الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] والمراد بالسماء: العلو, وليس المراد به السماء المبنية أو السموات السبع, فإن الله لا يحويه شيء مخلوق، وإنما هو فوق العرش بائن من خلقه لا يحويه شيء من مخلوقاته.
فالمقصود بقوله: (في السماء) أي: في العلو, ومعلوم أن العلو يطلق على كل ما علا الإنسان، فكل ما فوق الإنسان يقال له: علو، والسماء المبنية والتي هي شيء وجودي هي مخلوقة، والله عز وجل لا يحويه شيء مخلوق, فلا يقال: إنه في السماء وإن السموات تحويه؛ لأنه سبحانه وتعالى فوق العرش, وإنما المقصود بالسماء العلو, وما فوق العرش يقال له: علو, ويقال له: سماء.
إذاً: الله سبحانه وتعالى في السماء أي: فوق العرش, وليس في السماء دون العرش, أي: السماء المبنية.
وهذه العقيدة التي قالتها هذه الجارية هي عقيدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها, والناس الذين لم يتعلموا علم الكلام ولم يبتلوا به لم يخرجوا عن الفطرة, فعقيدة الفطرة هي عقيدة هذه الجارية التي قالت: (إن الله في السماء) ، ولهذا جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه سأله رجل عن شيء من الأهواء, فقال له: (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك) ، أي: لأن الصبي والأعرابي على الفطرة, والذي يكون على الفطرة تكون عقيدته هي العقيدة الصحيحة, وأما الذين اعتقدوا شيئاً مخالفاً لهذه العقيدة فإنما جاءهم البلاء بخروجهم عن الفطرة, وخروجهم عن هذه العقيدة الحقة الصحيحة السليمة التي دل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الندم والحيرة بعد توغله في علم الكلام وتمكنه منه, وقد جاء عن الرازي -وهو ممن تمكن من علم الكلام- أنه قال: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: العوام.
وجاء عن أبي المعالي الجويني أنه قال: أموت على عقيدة عجائز نيسابور.
وهذا يعني أن المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الحيرة, وبعد ذلك تبين له أن الفطرة والشيء الذي عليه العوام هو الحق والهدى, وأن هذا العلم الذي تعلموه وخرجوا به عن الفطرة أوقعهم في الحيرة والندم, ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية, وشارح الطحاوية، والشهرستاني وغيرهم مقولات عديدة عن جماعة من المتكلمين، منهم الرازي والجويني وابن أبي الحديد , نقلوا عنهم ما يدل على حيرتهم وندمهم, وفيهم من صرح بأن السلامة إنما هي في عقائد العوام وفيما عليه العوام, وهذا هو الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز: (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك) , يعني: ابتعد عما سوى ذلك.
وفي هذا الزمان انتشر مذهب الأشاعرة, ومذهب الأشاعرة ليس هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن الأشاعرة يثبتون سبع صفات, والسبع الصفات التي أثبتوها لم تسلم من التأويل, كصفة الكلام، وهي واحدة من السبع, وما سوى ذلك يؤلونه.
وهذه العقيدة التي ابتلي بها كثير من الناس سبب ذلك هو دراستها، فإنهم درسوها فخرجوا عن الفطرة التي هي عقيدة العجائز والعوام، ولهذا يقول بعض الناس في هذا الزمان: إن 95% من المسلمين أشاعرة, وهذا كلام ليس بصحيح؛ لأن الأشاعرة هم المتعلمون الذين درسوا مذهب الأشاعرة, وأما العوام وهم الأكثرية الكاثرة فهم على الفطرة, ولم يخرجوا عن الفطرة، وإنما خرج عنها الذين تعلموا هذه العقيدة التي خرجوا بها عن الفطرة, وإلا فالذين بقوا على الفطرة -وهم الأكثرية- ليسوا أشاعرة, بل الأشاعرة هم الذين درسوا في مؤسسات تدرس عقيدة الأشاعرة.
والحاصل: أن هذا الحديث في سؤال الرسول إياها وأنها قالت: في السماء، فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل، وهو مثل ما جاء في القرآن: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك:16] , والمقصود بذلك: العلو, والله تعالى عالٍ على خلقه, وفوق عرشه المجيد بذاته سبحانه وتعالى، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات سبحانه وتعالى.
وقوله: (فإنها مؤمنة) فيه إشارة إلى أن الرقبة التي تعتق تكون مؤمنة.
وبعض المتكلمين من الأشاعرة يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الجارية على قدر عقلها! وهذا كلام باطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال: أعتقها فإنها مؤمنة) ، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها, إذاً: هذا الشيء الذي قالته هو خلاف عقيدة الأشاعرة؛ ولذا يقال لهم: هل أقرها الرسول على باطل؟! وهل هذه العقيدة التي ابتلي بها بعض الناس وجاءت بعد زمن الصحابة حجب عنها الصحابة وادخرت لمن بعدهم؟! وهل تكون هناك عقيدة حقة تحجب عن الصحابة ولا يعرفونها ولا يظفرون بها, ويظفر بها أناس يجيئون بعدهم؟! هل هذا يعقل؟!
و الجواب أبداً لا يكون ذلك, بل الحق والهدى هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كانت هذه العقيدة التي عليها الأشاعرة خيراً لسبق إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن العقيدة التي كانوا عليها هي أنهم كانوا يثبتون النصوص على ما تقتضيه على وجه يليق بجلال الله تعالى, دون أن يفكروا بتشبيه أو تعطيل أو تأويل.
ولو أن الناس بقوا على مثل عقل هذه الجارية الذي هو عقل السلامة لكان خيراً لهم.




تراجم رجال إسناد حديث الجارية
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] .
يحيى هو ابن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحجاج الصواف] .
الحجاج الصواف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن أبي ميمونة] .
الشيخ: عن هلال بن أبي ميمونة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار] .
عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن الحكم السلمي] .
معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي.




شرح حديث الشريد بن سويد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بإعتاق رقبة مؤمنة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد رضي الله عنه أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة وعندي جارية سوداء نوبية) فذكر نحوه.
] أورد أبو داود حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه أنه قال: إن أمه أوصت أن يعتق عنها جارية مؤمنة, وأنه كان عنده جارية نوبية فذكر نحوه, أي: نحو ما تقدم في حديث معاوية بن الحكم السلمي , وأن الرسول سألها وأنها قالت نحو ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث الشريد بن سويد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بإعتاق رقبة مؤمنة
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو] .
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الوقاصي الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشريد] .
هو الشريد بن سويد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله لم يذكر الشريد] .
أي: أن خالد بن عبد الله أحد الرواة أرسله فلم يذكر الشريد، بل قال: عن أبي سلمة، ورفعه.
وخالد بن عبد الله هو الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله! إن عليَّ رقبة مؤمنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا يزيد بن هارون أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها، فقال لها: فمن أنا؟ فأشارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، يعني: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
] أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى بجارية سوداء وقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم اختبرها ليعرف إيمانها فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء, وسألها عن نفسه فأشارت إليه وإلى السماء, أي: أنت رسول الله, فقال: أعتقها فإنها مؤمنة) .




تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله! إن عليَّ رقبة مؤمنة)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني] .
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني المسعودي] .
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عون بن عبد الله] .
عون بن عبد الله هو أخو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المعروف, وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عتبة] .
عبد الله بن عتبة قيل: له رؤية, ووثقه جماعة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد ضعف الألباني هذا الحديث، وقال: فيه ذكر الأعجمية، والأعجمية لم تأت إلا في حديث أبي هريرة، نقله عن الذهبي في العلو, وعلق الشيخ الألباني على كلام الذهبي في العلو.
وأما مسألة الإشارة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى السماء, أي: أن الله تعالى فوق, وذلك في حديث جابر الطويل حين قال: (إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت, فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اشهد) .
ولفظة: (أعجمية) ليست في هذا الحديث, ولكنها جاءت في حديث أبي هريرة في بعض الطرق، وقد نقلها الذهبي في العلو، وتضعيف الشيخ الألباني هو للحديث كله؛ لأن فيه المسعودي هذا.




الاستثناء في اليمين بعد السكوت




شرح حديث (والله! لأغزون قريشاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً, ثم قال: إن شاء الله) .
] قوله: [باب الاستثناء في اليمن بعد السكوت] , سبق أن ذكرنا أن الاستثناء في اليمين إنما ينفع إذا كان متصلاً بالكلام، وأن السكوت أو الفصل إذا كان بسبب أمر طارئ كسعال أو عطاس أو تنفس فلا يؤثر، وأما إذا طال الفصل فإنه لا يصح الاستثناء, ومن العلماء من قال: إنه يكون في المجلس.
ولكن الذي يبدو أنه لا بد أن يكون متصلاً, والسكوت إذا كان لأمر طارئ أو لأمر يقتضيه فلا يؤثر, وأما إذا كان السكوت لإعراض عن القصة واشتغال بغيرها, ثم بعد ذلك يرجع ويقول: إن شاء الله, فهذا لا ينفع.
إذاً: هذا السكوت فيه تفصيل، فإن كان الصوت انقطع شيئاً يسيراً لأمر طارئ كما في الأمثلة التي أشرت إليها, فإن ذلك لا يؤثر في الاستثناء, وأما إذا طال الفصل, فإنه لا ينفع الاستثناء.
وقد أورد أبو داود حديث عكرمة، وقد جاء في الرواية الآتية أنه أسنده عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً, والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله) .
[قال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: وقد أسند هذا غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فيكون مرفوعاً ومتصلاً وليس منقطعاً كما هو ظاهر الرواية التي ساقها المصنف أولاً, فإنه أشار إلى أن جماعة أسندوه, وأنهم رفعوه وذكروا الواسطة بين عكرمة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس.
قوله: [وقال الوليد بن مسلم عن شريك: ثم لم يغزهم] .
أي: قال الوليد في روايته عن شريك: ثم لم يغزهم، يعني: أنه لم يحصل منه غزو وقد حلف عليه, فيكون الاستثناء الذي حصل وهو قول: (إن شاء الله) هو الذي نفع وأثر في ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث (والله! لأغزون قريشاً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك] .
هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً, أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك] .
هو سماك بن حرب، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وروايته عن عكرمة فيها اضطراب.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[وقال الوليد بن مسلم] .
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (والله! لأغزون قريشاً) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن بشر عن مسعر عن سماك عن عكرمة يرفعه قال: (والله! لأغزون قريشاً, ثم قال: إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله تعالى, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً, ثم سكت، ثم قال: إن شاء الله) .
قال أبو داود: زاد فيه الوليد بن مسلم عن شريك: ثم قال: ثم لم يغزهم] .
أورد هذه الرواية الثانية التي هي عن عكرمة مسندة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً، ثم سكت ثم قال: إن شاء الله) وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من ناحية السكوت, أي: أن هذه الطريق هي التي فيها ذكر السكوت بهذا التفصيل الذي فيه أنه حلف واستثنى ثم حلف واستثنى ثم حلف وسكت ثم استثنى, ولكن هذه الطريق مرسلة، والمسندة هي التي جاء فيها الحلف ثلاث مرات, ثم قال في الأخير: (إن شاء الله) فترجع إلى الجميع؛ لأنه قسم متصل.
وهذه الطريق الثانية ضعفها الشيخ ناصر، لكن من حيث الحكم الشرعي على ما جاء في الرواية الأولى: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً) إذا كان الكلام متصلاً فمعلوم أن الاستثناء يرجع إلى الجميع.
وفي الرواية الثانية: (والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله) , وفي الثالثة: سكت, فالأولى ليس فيها إشكال؛ لأن الاستثناء متصل, والثالثة هي التي حصل فيها سكوت, ثم حصل استثناء, وهي التي فيها الإشكال؛ لأن الاستثناء يلزم أن يكون متصلاً, وهذه الرواية لم يثبت أنه كان متصلاً، فهل يكون فيه دليل على أنه يمكن الفصل في السكوت؟
الجواب إذا كان المقصود بالسكوت سكوتاً طارئاً لتنفس أو سعال أو عطاس, أو لمخاطبة إنسان, مثل: أن يقال له: قل: إن شاء الله، فإن مثل هذا سائغ أن يقول الإنسان: والله، فيقال له: قل: إن شاء الله, فيقول: إن شاء الله.
وأما قوله: (والله! لأغزون قريشاً ثم قال: إن شاء الله) , فإن (ثم) هنا لا تفيد التراخي، وإنما يمكن أنها جاءت بعدها لكن بشيء يسير, وليس معناه أنه سكت ثم رجع إلى الكلام.




تراجم رجال إسناد حديث (والله! لأغزون قريشاً) من الطريق الثانية
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن بشر] .
هو محمد بن بشر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر] .
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك عن عكرمة يرفعه] .
سماك وعكرمة قد مر ذكرهما.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:15 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




شرح سنن أبي داود [379]
إن من أنواع العبادت التي لا يجوز صرفها إلا إلى الله النذر، والإنسان إذا نذر قد يتردد في الفعل ويبحث عن الخلاص من تنفيذه، لذلك نهى الإسلام عن النذور وكرهه، ولا نذر في معصية ولا يجوز الوفاء به إذا كان في معصية، ومن نذر لله ثم عجز عن الوفاء يكفر عن نذره.



النهي عن النذور



شرح حديث (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن النذور.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد ح: وحدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن عبد الله بن مرة قال عثمان: الهمداني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر -ثم اتفقا - ويقول: لا يرد شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل) .
قال مسدد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر لا يرد شيئاً) .
] قوله: [باب النهي عن النذور] ؛ لأن الإنسان عندما يريد أن يحسن وأن يتصدق وأن يقوم بعمل صالح فعليه أن يأتي به مخلصاً لله مقبلاً على الله, يفعل ذلك ابتغاء وجه الله, ولا يعلق فعله بشيء ويلزم نفسه به, ويقول: إن حصل كذا فإنه يفعل كذا وكذا، ثم بعد ذلك إذا حصل هذا الذي علق النذر به يتردد في الفعل ويبحث عن الخلاص من التنفيذ، وإذا نفذه نفذه ونفسه كارهة، فإن هذا لا يليق.
وهذا هو السبب الذي جاء من أجله النهي عن النذر وكراهيته, والنذر إذا كان طاعة فإنه يجب الوفاء به, وإذا كان معصية فلا يجب الوفاء به وعلى الإنسان في ذلك كفارة يمين.
والحاصل: أن الإنسان عندما يريد أن يعمل عملاً صالحاً فيعمله ابتداءً من غير أن يعلقه على شيء ومن غير أن يربطه بشيء؛ لأنه عندما يأتي للتنفيذ قد يفقد الإخلاص أو ينقص؛ وذلك لأنه يكره أن يفعل هذا الفعل، فيفعله وهو كاره, ونفسه لا تسمح به, ولكنه يؤديه لأنه ألزم نفسه به, ولا يؤديه بارتياح وطمأنينة وفرح وسرور بالقربة إلى الله عز وجل, وإنما تخلص من الالتزام الذي التزمه.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر) ؛ وذلك لما يترتب عليه من هذه الأمور التي أشرت إليها, وهي كون الإنسان يعمل العمل وهو كاره له, ونفسه غير مطمئنة إليه, وإذا كان النذر يتعلق بمال فقد يشح به, وقد يحصل من البخيل أن ينذر ولا يفعل ابتداءً, فألزم نفسه بشيء يستخرج به منه بسبب النذر الذي ألزم نفسه به, فهو لا يريد أن يتصدق, ولكنه ألزم نفسه بشيء إن حصل له كذا وكذا ثم عند التنفيذ تكره نفسه وتأبى ويستخرج به منه, وقد يفعل ذلك قهراً ومن غير اختياره؛ لأن ذلك شيء لازم وواجب عليه, وإذا لم يفعله في حياته فإنه يخرج بعد وفاته؛ لأنه دين لازم عليه يجب الوفاء به, فإن كان حياً يلزمه ذلك, وإن مات فإنه يخرج من التركة.
وقوله: (لا يرد شيئاً) أي: لا يرد الشيء الذي علق نذره عليه, فكون الإنسان يقول: إن شفى الله مريضي لأتصدقن بكذا وكذا, أو لله علي كذا وكذا, فإن هذا لا يرد قضاء الله وقدره, والذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد أن يكون, ففعله هذا لا يغير قضاء الله وقدره, بل قضاء الله وقدره نافذ سواء نذر أو لم ينذر.
وقوله: (وإنما يستخرج به من البخيل) أي: لأنه ألزم نفسه به؛ لأن البخيل لا ينفق ولكنه ألزم نفسه إن حصل كذا وكذا، وقد حصل ذلك الشيء, فاستخرج به من ماله شيء هو لا يريد أن يخرجه, ولكنه ألزم نفسه به, فخرج من غير اختياره, ومن غير رغبته.



تراجم رجال إسناد حديث (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير بن عبد الحميد] .
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد] .
(ح)
هي للتحول من إسناد إلى إسناد, ومسدد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

[حدثنا أبو عوانة] .
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور] .
هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مرة] .
هو عبد الله بن مرة الهمداني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عثمان: الهمداني] .
أي: عثمان بن أبي شيبة؛ لأن مسدداً قال: عبد الله بن مرة فقط ولم يزد عليها, وأما عثمان بن أبي شيبة الذي هو الشيخ الأول فقال: عبد الله بن مرة الهمداني، فهو لما ذكر الشيء الذي اتفقوا عليه وهو عبد الله بن مرة ذكر زيادة عثمان في تعريفه وفي نسبه، وأنه عندما عبر بالتحديث قال: حدثنا عبد الله بن مرة الهمداني , فزاد كلمة الهمداني , وأما مسدد فلم يذكر الهمداني وهو يسوق الإسناد بهذا الحديث من طريقه.
[عن عبد الله بن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهم: عبد الله بن عمر , وعبد الله بن عمرو , وعبد الله بن عباس , وعبد الله بن الزبير , وقد سمي بعبد الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كبير, ولكن هؤلاء هم الذين اشتهروا بلقب العبادلة, فعندما يقال: العبادلة, أو العبادلة الأربعة, فإنه يقصد بهم هؤلاء الأربعة.
وممن يسمى بعبد الله من الصحابة: عبد الله بن مسعود , وعبد الله بن قيس الأشعري , وغيرهم، إلا أن الذين اشتهروا بلقب العبادلة هم هؤلاء الأربعة؛ لأنهم من صغار الصحابة؛ ولأنهم تأخرت وفاتهم حتى أدركهم من لم يدرك كبار الصحابة ممن يسمى عبد الله.
وقوله: [(أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر) ثم اتفقا] .
أي: الشيخان اللذان هما: عثمان بن أبي شيبة ومسدد.
وقوله: [قال مسدد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر لا يرد شيئاً) ] .
أي: لا يرد شيئاً قضاه الله وقدره, بل المقدر كائن نذر أو لم ينذر, ولكن النذر يلزم الناذر نفسه به, وإن كان بخيلاً فإنه يستخرج به منه بسبب النذر.



فضل الوفاء بالنذر
إن قيل: إذا كان النذر مكروهاً فما توجيه الآية التي أثنى الله عز وجل فيها على من يوفون بالنذر؟ ف
الجواب أن توجيه الآية أنه إذا وجد النذر فإنه يوفى به, ولكن الإنسان ابتداءً لا يلزم نفسه بتعليق أمر على شيء، وإنما يتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح ابتداءً دون أن يعلقه بأمر قد لا ترتاح نفسه إلى تنفيذ تلك العبادة والقربة عندما يحصل له الشيء الذي علق نذره عليه، فالإنسان لا ينبغي له أن ينذر, والله تعالى لم يقل: انذروا, أو احرصوا على النذر, وإنما قال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ، لكن من نذر فيلزمه أن يوفي.
وأما ما ذكره الخطابي من أن النذر لا يكون إلا إذا كان معلقاً، أما إذا قال: لله علي أن أتصدق بألف درهم, فليس هذا بنذر.
فالذي يبدو أن هذا الكلام غير واضح؛ لأن النذر هو إلزام الإنسان نفسه, والإنسان قد يلزم نفسه دون أن يعلق على شيء, لكن الغالب أن النذر إنما يكون بالتعليق بشيء, وهذا هو الذي من أجله جاء التعليل بقوله: (إن النذر لا يرد شيئاً) , أي: لا يرد شيئاً قضاه الله وقدره, فلو قال: لله علي أن أحج، أو لله علي أن أصوم شهراً، ولم يقل: إن شفى الله مريضي فإنه يلزمه الوفاء؛ لأن هذا نذر.



شرح حديث (لا يأتي ابن آدم النذر القدر بشيء لم أكن قدرته له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو داود قال: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد: أخبركم ابن وهب قال: أخبرني مالك عن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي ابن آدم النذر القدر بشيء لم أكن قدرته له, ولكن يلقيه النذر القدر قدرته، يستخرج من البخيل, يؤتي عليه ما لم يكن يؤتي من قبل) .
] أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي ابن آدم النذر القدر بشيء لم أكن قدرته له) ، أي: أنه لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن مقدراً؛ لأن كل ما يقع في الوجود هو مقدر, فلا يحصل بالنذر شيء لم يقدره الله, وإنما المقدر سيكون سواء نذر أو لم ينذر, ولكنه إذا كان قد نذر فسيحصل منه ذلك الشيء الذي نذره.
والمقدر قد يكون مطابقاً لما أراده, وقد يكون غير مطابق لما أراده, فقد يحصل الشيء الذي نذر من أجل حصوله، فقد يقول: إن شفى الله مريضي فعلي كذا، فيشفي الله مريضه, لكن هذا الشفاء قد كتب الله في الأزل أنه سيشفى, سواء نذر أو لم ينذر, فالنذر لا يغير شيئاً ولا يقدم ولا يؤخر, ولكنه شيء يستخرج به من البخيل, ويعطي بسبب النذر ما لم يكن يعطي بدون النذر.
وقوله: (لا يأتي ابن آدم النذر القدر بشيء لم أكن قدرته له, ولكن يلقيه النذر) ].
أي: أن هذا الذي نذره إن كان الله قدر أن يحصل له الشفاء حصل له الشفاء, وإن كان لم يقدر له الشفاء فلن يحصل له الشفاء, فإذا كان الله تعالى قدر أن يحصل الشفاء لزمه الشيء الذي نذره, وإن لم يوجد ذلك فإنه لا يلزمه الشيء الذي نذره؛ لأنه نذر على حصول شيء، لكن هذا الذي حصل ليس سببه النذر, وأنه لو لم ينذر لم يحصل, بل هذا شيء قدر الله أن يكون وقدر أن ينذر، ولكن النذر ليس هو الذي أتى بالشفاء.
فالله تعالى قدر أن يشفى, إذاً النذر ألقاه إلى القدر, وإذا حصل شيء فمعناه أن المقدر هو هذا, وليس المعنى أن هناك شيئاً غير وبدل من أجل النذر, بل المقدر كائن, نذر أو لم ينذر.
قوله: (ولكن يلقيه النذر القدر قدرته) ].
أي: ولكن يلقيه النذر على القدر قدرته, فإن كان قد قدر أن يوجد الشفاء, فقد وجد الشفاء بقدر الله وإن لم يوجد النذر، وإن لم يحصل الشيء الذي نذر من أجله فهو ما قدره الله, فما حصل بالنذر شيء جديد وما حصل به تغيير ولا تبديل، فقوله: (ولكن يلقيه النذر القدر قدرته) أي: ألقى الله هذا النذر على الشيء الذي قدره الله عز وجل, لا أن النذر هو الذي جاء بشيء لم يكن مقدراً من قبل.
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن, فلا تحصل حركة ولا وسكون في الوجود إلا وقد سبق بها قضاء الله وقدره.
وقوله: [(يستخرج من البخيل)] .
أي: يستخرج بالنذر من البخيل؛ لأن البخيل لا يجود بالمال, ولا يرغب في بذل المال, ولكنه حصل له أمر اهتم به, فحرص على أن تحصل له الفائدة، فعلق الصدقة على حصول الفائدة, فلما حصل الشفاء صار يخرج من ماله وهو كاره.
وقوله: (يؤتي عليه ما لم يكن يؤتي من قبل) ].
أي: أن البخيل يؤتي على النذر ما لم يكن يؤتيه من قبل؛ لأنه لو لم ينذر ويلزم نفسه لما بذل هذا المال, لكن بسبب النذر أعطى شيئاً هو كاره إعطاءه، وهذا هو الذي يخل بهذه العبادة, أن الإنسان يفعلها وهو كاره, ونفسه ليست مرتاحة مطمئنة لفعلها.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يأتي ابن آدم النذر القدر بشيء لم أكن قدرته له)
قوله: [حدثنا أبو داود قال: قرئ على الحارث بن مسكين] .
الحارث بن مسكين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
وقوله: [وأنا شاهد] .
أي: وهو شاهد حاضر وغيره يقرأ على الحارث بن مسكين وهو يسمع.
[أخبركم ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني مالك] هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه, أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد] .
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, وأبو الزناد لقبه وهو لقب على صيغة الكنية, وكنيته أبو عبد الرحمن.
[عن عبد الرحمن بن هرمز] .
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام, بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي الله عنه وأرضاه.



ضابط الحديث القدسي
هذا الحديث قدسي ولكن ليس فيه إسناده إلى الله؛ لأن المعروف في الأحاديث القدسية أنه يسبقها أن يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه, أو يقول الرسول: قال الله تعالى, والحديث القدسي ليس من القرآن, فإذا قيل: حديث قدسي، أي: أنه مضاف إلى الله.
وعلامته: حصول الضمائر الراجعة إلى الله عز وجل، كقوله: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) ؛ لأنه لا أحد يقول: يا عبادي! غير الله عز وجل.
وهذا الحديث فيه ضمائر ترجع إلى الله، ولكن ليس في أوله الصيغة التي يعرف بها الحديث القدسي وهي: (يقول الرسول: قال الله تعالى كذا، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا وكذا) ، فالحديث هذا فيه ضمائر تكلم من الله عز وجل، وهي علامة الحديث القدسي، لكن ليس فيه الصيغة التي تدل على الحديث القدسي التي تسبق الحديث.



ما جاء في النذر في المعصية



شرح حديث (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في النذر في المعصية.
حدثنا القعنبي عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ] .
قوله: [باب ما جاء في النذر في المعصية] ، أي: أنه لا يجوز للإنسان أن ينذر في المعصية، وإذا نذر فلا يجوز له الوفاء، فالنذر في المعصية غير جائز، ولكن عليه كفارة يمين، كما جاء في بعض الأحاديث، فإذا نذر أن يفعل أمراً محرماً، أو يفعل معصية فعليه كفارة يمين، فنذر المعصية لا يجوز، وإذا وجد فلا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، فمن نذر أن يطيع الله فليطعه؛ لأن القربة تفعل، والإنسان إذا ألزم نفسه بها فعليه أن يأتي بها، وأما المعصية إذا ألزم نفسه بها فلا يجوز له أن يفعلها، ولكن يأتي بكفارة يمين عن هذا النذر الذي نذره في المعصية.



تراجم رجال إسناد حديث (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي] .
مالك مر ذكره، وطلحة بن عبد الملك الأيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن القاسم] .
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي عمة القاسم، وهي من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، وفيهم يقول السيوطي في الألفية: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر -ابن عباس- كالخدري وجابر وزوجة النبي


الأسئلة



حكم الوفاء بالنذر للموتى
السؤال بعض العوام ينذرون للموتى نذوراً، فما حكم الوفاء بها؟ وهل يكفر عنها كفارة يمين؟
الجواب النذر الذي يوفى به هو الذي يكون لله، ويكون في طاعة، أما نذر المعصية فليس لله، وليس طاعة لله، وفيه كفارة يمين، وكونه ينذر للموتى هذا لا يجوز؛ لأن هذا نذر لغير الله، وليس نذراً لله، بل هذه عبادة لغير الله، فالنذر لأصحاب القبور مثل دعاء أصحاب القبور، وكل هذا عبادة لغير الله عز وجل، وكفارته التوبة.
حكم النذر للحجرة النبوية
السؤال هل يجوز النذر للحجرة النبوية؟
الجواب لا يجوز أن ينذر للحجرة النبوية، والإنسان إذا أراد أن يحسن إلى الفقراء والمساكين فإنه يعطيهم، ولا يأتي بشيء يرميه في الحجرة أو ينذر للحجرة، فإن هذا لا يجوز.

حكم من نذر أن يصوم الإثنين والخميس ثم عجز عن ذلك
السؤال إذا نذر العبد أن يصوم يوم الخميس والإثنين ما دام حياً ثم تبين له عدم الإمكانية؛ لأنه عجز في آخر حياته، فهل له أن يكفر؟
الجواب إذا عجز يكفر، وإذا تمكن من الاستمرار، وكان يمكنه ذلك، فليف بنذره.

الفرق بين النذر والدعاء
السؤال ألا يكون النذر من الأسباب فيكون كالدعاء؟
الجواب لا؛ لأن النذر ليس مأموراً به، والدعاء مأمور به.

حكم من نذرت صيام شهر في كل عام ثم عجزت
السؤال امرأة نذرت إن شفى الله مريضها أن تصوم شهراً في كل عام، فشفى الله مريضها، فصامت، ثم هي الآن تكون مرة حاملاً ومرة تكون مرضعاً، ويشق عليها الصيام فماذا تصنع؟
الجواب إذا عجزت فتكفر عن نذرها.

حكم من نذر معصية وفعلها
السؤال إذا نذر الإنسان في معصية، ثم فعل المعصية، فهل عليه كفارة يمين؟
الجواب نعم، يجب عليه أن يكفر؛ لأن النذر في المعصية أصلاً لا يجوز الوفاء به، بل يجب عليه أن يترك وأن يكفر، ولو فعل فعليه أن يكفر؛ لأنه نذر نذر معصية، فيكفر ولو فعل المعصية؛ لأن هذا فعل محرم؛ ولأنه لا يجوز لا هذا ولا هذا، فلا يجوز النذر، ولا يجوز الوفاء به.
ووجوب الكفارة عليه فيه تأديب له حتى لا يفعل هذا الفعل، ولا يقدم عليه، ولو لم تكن الكفارة إلا إذا امتنع، فإنه يمكن أن يقدم على الفعل المحرم حتى يتخلص من الكفارة.

صيغة النذر
السؤال هل للنذر صيغة معينة؟
الجواب النذر هو جعل شيء لله عز وجل إما مقيداً أو غير مقيد، فالمقيد كأن يقول: لله عليَّ إن شفى الله مريضي أن أعمل كذا وكذا، أو لله عليَّ أن أحج حجة، أو لله عليَّ أن أعتكف عشرة أيام أو ما إلى ذلك، وإذا لم يقيدها فالمهم أن يكون لله عز وجل.

وقت لزوم الوفاء بالنذر
السؤال متى يلزم الوفاء بالنذر؟ هل يلزم بعد النذر مباشرة أم على التراخي؟
الجواب هذا على حسب القدرة؛ لأن هذا دين، والواجب عليه أن يفي بهذا الدين متى أمكنه ذلك، فإذا كان قادراً فلا يؤخر، ومثله مثل الإنسان الذي عليه دين، فإنه يجب عليه أن يبادر إلى قضاء الدين.
اشتراط قول (لله عليَّ كذا) في النذر
السؤال هل صيغة النذر لا بد فيها من لفظ (لله عليَّ) أو يكفي أن يقول مثلاً: إذا شفيت سأتصدق؟

الجواب إذا قال: إن شفى الله مريضي سأتصدق بكذا وكذا، فهذه الصيغة صيغة نذر، وأما قوله: إذا شفيت فسأتصدق، فهذه الصيغة ليست صيغة نذر.

اشتراط التلفظ في النذر
السؤال هل يشترط في النذر أن يتلفظ به أم يكفي فيه حديث النفس؟
الجواب لابد أن يتلفظ، وأما حديث النفس فلا يعتبر كلاماً ولا يلزمه به أي شيء، فلو أن إنساناً فكر في طلاق زوجته فلا تطلق بهذا التفكير، وبهذا الذي في قلبه، وكذلك لو أن إنساناً فكر في عتق رقبة فلا تعتق بهذا التفكير، وبهذا الذي في نفسه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) .

حكم القسم بالقرآن وبحق القرآن
السؤال هل يجوز القسم بالقرآن أو بحق القرآن؟
الجواب القرآن يجوز أن يقسم به؛ لأنه كلام الله، وحق القرآن لا يقسم به؛ لأن حقه أن يعظم، وهذا عمل من أعمال الإنسان، فحق القرآن أن يعظمه الإنسان ويحترمه ويوقره، ولا يحلف باحترامه وتوقيره للقرآن، ولكن يمكن أن يحلف بالقرآن؛ لأنه كلام الله، وكلام الله عز وجل يحلف به.
وأما فيما يتعلق بالمصحف، فإنه لا يقسم بالمصحف؛ لأن المصحف يشتمل على كلام الله وعلى غير كلام الله، فهو يشتمل على كلام الله وهو غير مخلوق، ويشتمل على الورق، وعلى الغلاف، وعلى الحبر والمداد، وكل هذه مخلوقة؛ فالمصحف مشتمل على مخلوق وغير مخلوق ولذا لا يحلف بالمصحف، وأما القرآن فيحلف به؛ لأن القرآن هو من كلام الله عز وجل.

زيادة إيمان الأنبياء والمرسلين ونقصانه
السؤال هل إيمان الأنبياء والمرسلين يزيد وينقص أم يزيد فقط؟
الجواب لا شك أنهم أكمل الخلق، وليس عندهم إلا الكمال، والنقصان لا يرد عليهم، وإنما يزيد إيمانهم.

حكم تعطر المعلمة قبل الدرس أمام الطالبات
السؤال بعض معلمات التحفيظ يضعن عطراً خفيفاً قبل الدرس أمام الطالبات، وعند الإنكار عليهن يقلن: إنه لا يلبث أن يزول وإنه يغير رائحة العرق، ولا دليل لمن ينكر علينا ذلك، فما توجيهكم؟
الجواب لا ينبغي لهن التطيب؛ لأن خروج المرأة متطيبة هذا غير جائز، ولكن هل صحيح أن هذا طيب لا يمكث، وأنه لا يتعدى الحال؟ فإذا كان الأمر كذلك فلا بأس به، ولكن قد يقدم على هذا الشيء فتكون النتيجة بخلاف ذلك فتكون المرأة بذلك متعرضة للإثم؛ لأنها تخرج متعطرة، وذلك غير سائغ.








ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:18 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [380]
الحلقة (412)



شرح سنن أبي داود [380]
إذا نذر الإنسان نذراً مباحاً فيجب عليه الوفاء به، وأما إذا نذر نذراً محرماً فلا يجوز له الوفاء به، وعليه كفارة يمين، ومن نذر فيما لا يطيق فلا يجب عليه الوفاء به بل عليه الكفارة، وهكذا إذا عجز عن الوفاء بالنذر فعليه أن يكفر كفارة يمين؛ لورود الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الكفارة في النذر إذا كان في معصية



شرح حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) ] .
قوله: [باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية] ، أي: إذا كان النذر في معصية، فبعض أهل العلم يرى أنه لا كفارة عليه، ولكن جاءت أحاديث تدل على أن عليه كفارة، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) .
وقوله: (لا نذر) تحريم للنذر ومنع له ونفي له أن يوجد وهو في معصية، و (لا) نافية للجنس، وهي هنا نافية لجنس النذر، أي: لا نذر يحصل في معصية، فهو خبر بمعنى النهي، أي: لا يجوز أن ينذر في المعصية.
وقوله: (وكفارته) أي: إذا وجد (كفارة يمين) فليس معنى ذلك أنه إذا نذر معصية يتركها فقط، وإنما عليه أن يكفر عن هذه اليمين التي أتى بها في المعصية، وقد جاء في صحيح مسلم حديث: (النذر كفارته كفارة يمين) ، وهو حديث مطلق، وهو يدل على أن أي نذر سواء كان في طاعة أو معصية أن كفارته كفارة يمين، ولكن هذا الحديث الذي هنا نص فيه على أن نذر المعصية فيه كفارة يمين.



تراجم رجال إسناد حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)
قوله: [حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر] .
هو إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر القطيعي وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها.
وهذا الحديث صحيح وإسناده في غاية الوضوح.



شرح حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بمعناه وإسناده.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك -يعني في هذا الحديث-: حدث أبو سلمة فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة، وقال أحمد بن محمد وتصديق ذلك ما حدثنا أيوب يعني ابن سليمان] أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى وقال: بمعناه وإسناده، أي: بمعنى الحديث وإسناد الحديث.



تراجم رجال إسناد حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا ابن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب] .
ابن وهب ويونس وابن شهاب مر ذكرهم.
وقوله: [قال أبو داود: سمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك -يعني في هذا الحديث-: حدث أبو سلمة فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة] .
أي: أن الزهري قال: حدث أبو سلمة، فقوله: (حدث أبو سلمة) يفهم منه أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة.
وقوله: [سمعت أحمد بن شبويه] .
هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، ويأتي ذكره بأسماء متعددة: أحمد بن محمد، وأحمد بن شبويه، وأحمد بن محمد بن ثابت، وأحمد بن محمد المروزي، وهو شخص واحد، وهو ثقة أخرج له أبو داود.
قوله: [وقال أحمد بن محمد] .
هو ابن شبويه الذي مر.
وقوله: [وتصديق ذلك ما حدثنا أيوب، يعني ابن سليمان] .
هو أيوب بن سليمان بن بلال القرشي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.



إعلال الإمام أحمد لحديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)
[قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث، قيل له: وصح إفساده عندك؟ وهل رواه غير ابن أبي أويس؟ قال: أيوب كان أمثل منه -يعني أيوب بن سليمان بن بلال - وقد رواه أيوب] .
أحمد بن حنبل هو الإمام المعروف المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث، قيل له: وصح إفساده عندك؟ وهل رواه غير ابن أبي أويس؟ فقال: أيوب كان أمثل منه.
أي: أن أيوب بن سليمان بن بلال أمثل من ابن أبي أويس.



شرح حديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم أن يحيى بن أبي كثير أخبره عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين) ] .
هذا الحديث مثل الذي قبله، ولكن الإسناد طويل، وهذا من أنزل الأسانيد؛ لأن فيه عشرة أشخاص.
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس] .
أبو بكر بن أبي أويس هو عبد الحميد بن عبد الله وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن سليمان بن بلال] .
سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي عتيق] .
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو صدوق أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
[وموسى بن عقبة] .
هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
ابن شهاب مر ذكره.
[عن سليمان بن أرقم] .
سليمان بن أرقم ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة] .
أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.



إعلال أحمد بن محمد المروزي لحديث (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أحمد بن محمد المروزي: إنما الحديث حديث علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أراد أن سليمان بن أرقم وهم فيه، وحمله عنه الزهري، وأرسله عن أبي سلمة عن عائشة رحمها الله] .
قوله: [قال أحمد بن محمد المروزي: إنما الحديث حديث علي بن المبارك] .
علي بن المبارك صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير] .
محمد بن الزبير متروك، أخرج له أبو داود في المراسيل والنسائي.
[عن أبيه] .
أبوه لين الحديث، أخرج له النسائي، ولم يذكر أبا داود في التقريب لأنه أخرج له تعليقاً.
[عن عمران بن حصين] .
هو عمران بن حصين أبو نجيد، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث من الطريق الأولى صححه الألباني، والطريق الثانية قال: إنها صحيحة بما قبلها، والحديث في صحيح مسلم، لكنه عام ليس فيه ذكر المعصية.
وقال الإمام ابن القيم إنه يشمل الطاعة ويشمل المعصية، يعني: الحديث الذي في مسلم، وقال: إنه جاء عن عدد من الصحابة أنهم قالوا: إن النذر بالمعصية فيه كفارة يمين، ولا شك أن كونها تلزمه فيه تأديب، حتى لا يمر مثل هذا الأمر بسلام، ودون أن يكون له تبعات، ودون أن يتحمل شيئاً في ماله بسبب هذا النذر الذي لا يجوز، والذي هو نذر المعصية.
[قال أبو داود: روى بقية عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن الزبير بإسناد علي بن المبارك مثله] .
أي: بالإسناد الذي قبل هذا.
وقوله: [روى بقية] .
هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الأوزاعي] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى عن محمد بن الزبير بإسناد علي بن المبارك مثله] .
يحيى ومحمد بن الزبير وعلي بن المبارك مر ذكرهم.



شرح حديث عقبة بن عامر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرني عبيد الله بن زحر أن أبا سعيد أخبره أن عبد الله بن مالك أخبره أن عقبة بن عامر رضي الله عنه أخبره (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام) ] .
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام) ، أي: أن هذا النذر الذي هو عدم الاختمار نذر معصية، وكذلك نذرها أن تحج حافية ليس عليها نعال؛ لأن في ذلك مضرة ومشقة عليها.
وجاء في بعض الروايات: أنها كانت عاجزة، أو غير قادرة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مروها فلتركب ولتختمر) ، لأن عدم الركوب يعود عليها بالمضرة، وكونها نذرت ألا تختمر هذا نذر معصية.
وقوله: (ولتصم ثلاثة أيام) قيل: إن المقصود من هذا أنه كفارة يمين، وهذا مبني على أنها غير قادرة؛ لأن الصيام ثلاثة أيام إنما يكون عند العجز عن الرقبة أو عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
ومن أهل العلم من قال: إنها فدية، وإنه شيء يتعلق بالهدي؛ لأنه جاء في بعض الروايات أنها تذبح هدياً، فقالوا: إن هذه الثلاثة الأيام بدل من الهدي.
وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث لأجل هذه الزيادة التي فيها الأمر بصيام ثلاثة أيام، وقال: إن هذه جاءت من طريق عبيد الله بن زحر، وهو متكلم فيه.
لكن إن صح فهو محمول على أنها غير قادرة على الإطعام، ومن أهل العلم من قال -كما جاء في بعض الروايات الصحيحة التي ستأتي-: إنه أمرها أن تهدي، فيكون الصيام بدلاً عن الهدي، والهدي فدية عن تركها المشي الذي نذرته، ولا أدري ما وجهه؛ لأن النذر جاء أن كفارته كفارة يمين، وأما كونها فدية فقد ذكر بعض أهل العلم أنه على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الإلزام.
وأما الكفارة فتلزمها ما دام أنها خالفت نذرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين) .



تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد القطان] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني عبيد الله بن زحر] .
عبيد الله بن زحر صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[أن أبا سعيد أخبره] .
هو أبو سعيد الرعيني، وهو جعثل بن هاعان، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[أن عبد الله بن مالك أخبره] .
هو عبد الله بن مالك أبو تميم الجيشاني، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهناك عبد الله بن مالك اليحصبي المصري، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن.
والحافظ في التقريب رمز للجيشاني بـ (قد) أي: أخرج له أبو داود في القدر، قال صاحب عون المعبود: وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم وغير واحد أن عبد الله بن مالك اليحصبي المصري يروي عن عقبة بن عامر، وروى عنه أبو سعيد الرعيني، وأن عبد الله بن مالك أبا تميم الجيشاني الرعيني يروي عن عمر بن الخطاب، وأبي ذر الغفاري، وأبي نضرة الغفاري، وروى عنه عبد الله بن هبيرة الحضرمي، وغيره، وجعلوهما اثنين، وهو أولى بالصواب، انتهى.
أي: أن الجيشاني شخص واليحصبي شخص آخر، وأما كون الحافظ رمز له بـ (قد) وذاك رمز له بـ (د) فإن حديث الجيشاني مخرج هنا في السنن.
[أن عقبة بن عامر أخبره] .
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



طريق أخرى لحديث عقبة بن عامر (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة) وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: كتب إلي يحيى بن سعيد أخبرني عبيد الله بن زحر مولى لبني ضمرة -وكان أيما رجل- أن أبا سعيد الرعيني أخبره، بإسناد يحيى ومعناه] .
ذكر أبو داود طريقاً أخرى للحديث السابق، وذكر أنها بإسناده ومعناه.
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد] .
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كتب إلي يحيى بن سعيد] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبيد الله بن زحر] .
عبيد الله بن زحر مر ذكره.
وقوله: [وكان أيما رجل] .
هذا ثناء عليه بأنه نعم الرجل.
[أن أبا سعيد الرعيني أخبره، بإسناد يحيى ومعناه] .
أبو سعيد الرعيني مر ذكره.



شرح حديث ابن عباس في نذر أخت عقبة بن عامر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا أبو النضر حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! إن أختي نذرت -يعني: أن تحج ماشية- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، فلتحج راكبة، ولتكفر عن يمينها) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخته نذرت أن تحج ماشية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، فلتحج راكبة، ولتكفر عن يمينها) ، يعني: كونها تعذب نفسها، وتتعب نفسها، وتتقرب بذلك إلى الله عز وجل، ليس هذا مما شرعه الله عز وجل؛ فإن الله عز وجل يسر للناس في عباداتهم، ولم يكلفهم إلا ما يطيقون، وهي تريد أن تشق على نفسها، فعملها غير مشروع وغير صحيح، ولذا قال: (فلتحج راكبة، ولتكفر عن يمينها) ، فأمرها أن تركب، والمشي الذي نذرته تتركه، وتكفر عن يمينها.
وسمي النذر يميناً لأن حكمه حكم اليمين من ناحية لزومه إذا كان طاعة، ولزوم الكفارة، فالنذر له حكم اليمين من حيث الإلزام؛ لأن الحالف ألزم نفسه، وهذا ألزم نفسه، وقد يكون نذره بيمين، لكن حتى لو لم يكن بيمين، فإن حكمه حكم اليمين، ولهذا جاء في الحديث: (كفارة النذر كفارة اليمين) .



تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في نذر أخت عقبة بن عامر
قوله: [حدثنا حجاج بن أبي يعقوب] .
حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو النضر] .
هو أبو النضر هاشم بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك] .
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة] .
محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن كريب] .
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.



شرح حديث ابن عباس في نذر أخت عقبة بن عامر من طريق ثانية وتراجم رجالها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هدياً) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وأن تهدي هدياً) ، وهذا الهدي قيل: إنه على سبيل الاستحباب، وليس فيه ذكر الكفارة، ويمكن أن يكون هذا الهدي هو الكفارة، ويمكن أن يكون هدياً مستحباً وهو غير الكفارة، على اعتبار أن النذر كفارته كفارة يمين، أو أنه أطلق على كفارة اليمين أنها هدي، ولكن هذا ليس مستقيماً؛ لأن الهدي هو من بهيمة الأنعام.
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] .
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الوليد] .
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس قد مر ذكره.
والهدي لازم لمن كان متمتعاً أو قارناً، وأما هذا فليس فيه شيء يفيد التمتع أو القران، فكل من كان متمتعاً أو قارناً فالهدي لازم عليه بنص القرآن، أما المفرد فليس عليه هدي.



شرح حديث ابن عباس في نذر أخت عقبة بن عامر من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية قال: إن الله لغني عن نذرها، مرها فلتركب) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى في قصة أخت عقبة بن عامر، وفيه أن النبي أمرها أن تركب، ولم يتعرض لذكر شيء من الكفارة.
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام] .
هو هشام الدستوائي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس] .
قتادة وعكرمة وابن عباس قد مر ذكرهم.



حديث نذر أخت عقبة بن عامر من طريق عكرمة مرسلاً
[قال أبو داود: رواه سعيد بن أبي عروبة نحوه، وخالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه] .
سعيد بن أبي عروبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وخالد] .
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه] .
وهذه الطريق مرسلة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى، ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن عكرمة أن أخت عقبة بن عامر بمعنى هشام، ولم يذكر الهدي، وقال فيه: (مر أختك فلتركب) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: (مر أختك فلتركب) .
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي] .
محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد عن قتادة عن عكرمة] .
سعيد بن أبي عروبة وقتادة وعكرمة مر ذكرهم.
[أن أخت عقبة بن عامر] .
وهذا مرسل.
وقوله: [بمعنى هشام] .
أي: بمعنى الإسناد الذي قبل هذا.
وقوله: [ولم يذكر الهدي] .
أي: أن هشاماً لم يذكر الهدي.
[قال أبو داود: رواه خالد عن عكرمة بمعنى هشام] .






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:19 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


شرح حديث عقبة بن عامر الجهني (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني سعيد بن أبي أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، فأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لتمش ولتركب) ] .
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر من طريق أخرى، وفيه قال: (لتمش ولتركب) ، أي: تجمع بين هذا وهذا، فإذا كانت تطيق أن تشمي فلتمش، وإذا شق عليها فلتركب، وبهذا تكون قد جمعت بين هذا وهذا.



تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر الجهني (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني سعيد بن أبي أيوب] .
سعيد بن أبي أيوب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن يزيد بن أبي حبيب أخبره] .
يزيد بن أبي حبيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا الخير حدثه] .
هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر] .
عقبة بن عامر قد مر ذكره، وأخته معروفة بـ أم حبان لم يذكر اسمها.



شرح حديث (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، قال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه) ] .
أورد المصنف حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ رأى رجلاً قائماً في الشمس، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يتكلم، ولا يستظل، ويصوم) .
يعني: أنه نذر أن يمتنع عن الكلام، فلا يكلم أحداً، ولا يجلس، وأن يكون واقفاً في الشمس، ويصوم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك هذه الأشياء التي نذرها وقال: (مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه) .
فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينهوه عن ثلاث، وأن يأمروه بواحدة وهي إتمام الصوم؛ لأنه يطيق الصوم؛ ولأنه نذر طاعة، وأما تلك ففيها مشقة على النفس، وفيها تكليف، وفيها ضرر، فليست نذر طاعة، فأمره بتركها، وأمره أن يكون في الظل بدلاً عن الشمس، وأن يجلس بدل القيام، وأن يتكلم بدل السكوت؛ لأن هذه الأمور ليس له أن يفعلها، وأن يلزم نفسه بها؛ لأنها من الإضرار بالنفس، والإضرار بالصحة، وليس فيه قربة لله عز وجل، وأما الصيام ففيه قربة، فأمرهم أن يأمروه أن يتم الصوم، وأن يترك هذه الأمور التي فعلها، وأن يصير إلى أضدادها.
وليس في الحديث أنه أمره بالكفارة، وبعض أهل العلم الذين لا يرون الكفارة استدلوا بهذا الحديث وأمثاله على عدم الكفارة، وقالوا: إنه لم يذكر الكفارة، إذاً: لا كفارة في نذر المعصية، ولكن قد جاء ذكر الكفارة في أحاديث أخرى، فهي ثابته، وعدم ذكرها في هذا الحديث لا يدل على نفيها، بل الأدلة الدالة على إثباتها هي المعتبرة، وهي التي يعول عليها؛ لأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب] .
هو وهيب بن خالد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.



الكلام مع الخطيب يوم الجمعة
وفي هذا الحديث أن الكلام حصل في الخطبة، والكلام مع الخطيب لا بأس به، فإذا تكلم الخطيب مع غيره أو كلمه غيره فلا بأس بذلك، وهذا الحديث ليس فيه شيء يتعلق ببيان الخطبة وما هو المراد بالخطبة؟ لكن ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عن الخطيب البغدادي في المبهمات أنه قال: في جمعة، أو يوم جمعة، ولا أدري شيئاً عن ثبوت ذلك، لكن الكلام في خطبة الجمعة من الإمام، ومن يكلم الإمام هذا ثابت؛ فقد جاء في قصة الأعرابي الذي جاء وقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا) ، وكذلك أيضاً لما جاء رجل وجلس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل صليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) ، وكذلك الحديث الذي فيه ذكر الرجل الذي جاء يقطع الصفوف ويمشي بينها والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: (اجلس فقد آذيت) فكلام الخطيب والكلام مع الخطيب لا بأس به.



من ابتدع عبادة فهي مردودة عليه
فإن قيل: أليس في حديث أبي إسرائيل دلالة على رد من ابتدع عبادة؟
و الجواب إذا كان يريد أن يتعبد الله به بمجرد كونه واقفاً في الشمس، فلا شك أن هذا من البدع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة) .



حكم التسمي بإسرائيل والتكني به
وأما هل يجوز التسمي بإسرائيل أو التكني بأبي إسرائيل؟ ف
الجواب لا نعلم شيئاً يمنعه؛ لأن إسرائيل المراد به: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، هذا هو إسرائيل، واليهود والنصارى وأهل الكتاب هم من نسل يعقوب، فلهذا يقال لهم: بنو إسرائيل، فالتسمي أو التكني به ليس بذلك بأس، ومن الصحابة من يقال له: أبو إسرائيل، ومن الرواة الثقات إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الذي يأتي ذكره في الأسانيد.



شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين ابنيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حميد الطويل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين ابنيه، فسأل عنه، فقالوا: نذر أن يمشي، فقال: إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه، وأمره أن يركب) ] .
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين ابنيه) أي: لا يستطيع المشي بمفرده، وإنما يلزمه ابناه واحد عن يمينه، وواحد عن شماله، وكان ذلك في الحج، حيث إنه نذر أن يحج ماشياً وهو بهذه الهيئة لا يستطيع أن يمشي وحده، فكان أولاده يسندونه واحد من اليمين، وواحد من الشمال، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنه نذر أن يمشي، فقال: (إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه، وأمره أن يركب) .
فقد كان يمشي في المشاعر بهذه الهيئة حيث كان يهادى بين ابنيه، فقالوا: إنه نذر، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه، وأمره أن يركب) ، ومعلوم أن الحج عبادة، والإنسان إذا كان مطيقاً ونذر أن يحج، وأن يمشي على رجليه، وكان يستطيع أن يمشي فلا بأس بذلك، فيذهب من مكة إلى منى، ومن منى إلى عرفة، ويرجع من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى, ومن منى إلى مكة؛ فإن الله عز وجل ذكر المشاة وذكر الركبان فقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] ، (رجالاً) أي: مشاة، فالذي يستطيع ذلك له أن يفعله، ولكن إذا كان سيلحقه مضرة، فليس له ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يجلب الإنسان الضرر إلى نفسه.
وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يركب، وليس فيه شيء يتعلق بالكفارة، وقد تقدم أن ذكرنا أنه قد جاءت الأحاديث بثبوت الكفارة ولزومها.



تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين ابنيه)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد الطويل] .
هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت البناني] .
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



طريق أخرى لحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين ابنيه) وتراجم رجال إسنادها
[قال أبو داود: رواه عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه] .
ذكر أبو داود أنه جاء من طريق أخرى عن أبي هريرة.
قوله: [رواه عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج عن أبي هريرة] .
عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.



شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقوده بخزامة في أنفه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عاصم الأحول أن طاوساً أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقوده بخزامة في أنفه، فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وأمره أن يقوده بيده) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بإنسان وهو يطوف بالكعبة يقوده آخر بخزامة في أنفه، وهي من شعر تشبه الخطام، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوده بيده، إذا كان محتاجاً للقيادة، وذلك لكونه كفيفاً، أو لكونه عاجزاً ويحتاج إلى من يساعده، فإنه يقوده بيده، ولا يفعل ذلك بحبل أو ما إلى ذلك حتى لا يشبه البهيمة التي تقاد بالحبال؛ لأن هذا غير سائغ.
وذكر هنا خزامة في أنفه، ولا أدري ما المقصود بقوله: (في أنفه) ، لأن المعروف أنهم كانوا يأخذون الناقة التي فيها شدة أو الجمل الصعب فيخرقون أنفه أو يربطونه بأنفه ويقودونه به لشدة صعوبته، فيكون في ذلك منع لقسوته وقوته وهيجانه وشدته عليهم، فلا أدري هل يكون هذا في الإنسان أنه يُجعل في أنفه شيء يقاد به أم لا؟ لأن هذا فيه صعوبة؛ وفعل هذا الشيء من الصعب جداً، وأما كونه يقاد بيده أو يربط بيده حبل ويقاد به فيمكن، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان هناك حبل في يده، فقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقوده بخزامة في أنفه)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج] .
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عاصم الأحول] .
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن طاوساً أخبره] .
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.



شرح حديث (أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي حدثني أبي حدثني إبراهيم -يعني ابن طهمان - عن مطر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن أخت عقبة بن عامر رضي الله عنها نذرت أن تحج ماشية، وأنها لا تطيق ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة) .
أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة نذر أخت عقبة بن عامر الجهني أن تحج ماشية، وقد مر جملة من الأحاديث في هذا الموضوع عن عقبة وعن ابن عباس، وذكر أبو داود بعض الطرق لهذا الحديث، وقد فصل بين أحاديثها بهذه الثلاثة الأحاديث التي مرت: الحديث الذي فيه أبو إسرائيل، والحديث الذي فيه الرجل الذي يهادى بين رجلين، والحديث الأخير الذي فيه أنه رأى إنساناً يقوده آخر بخزامة، وكان المناسب أن تكون الأحاديث المتعلقة بأخت عقبة متصلة ببعضها، هذا هو المناسب في الترتيب، ولكنها تأخرت، فلا أدري ما وجه التأخير، وهل ذلك من أبي داود أو من غيره؟ الله أعلم.
قوله: [عن ابن عباس: (أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة) ] .
فكونها تحج ماشية لا بأس بذلك إذا كانت تستطيع؛ لأن الله عز وجل ذكر أن الناس يأتون إلى الحج مشاة وركباناً، فمن نذر أن يحج ماشياً وأمن لحوق المضرة فعليه أن يوفي بالنذر، لكن حيث لا يكون الأمر كذلك كما في هذا الحديث فقد كانت غير مطيقة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله غني عن مشي أختك مرها فلتركب ولتهد بدنة) أي: تترك ذلك الذي نذرته وتركب وتهدي بدنة, والبدنة شيء كبير، فلا أدري ما وجه كونها تهدي بدنة، وأما فيما يتعلق بالنذر فكفارته كفارة يمين كما تقدم، وأما فيما يتعلق بالبدنة فمعلوم أن الذي يجب في الهدي هو أقل شيء وهو الشاة كما جاء في تفسير ما استيسر من الهدي، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شاة، وأما كونها تهدي بدنة فقال بعض أهل العلم: إن هذا على سبيل الاستحباب، لا على سبيل الإيجاب.



تراجم رجال إسناد حديث (أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية)
قوله: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي] .
أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي] .
أبوه صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني إبراهيم يعني ابن طهمان] .
إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطر] .
هو مطر الوراق، وهو صدوق كثير الخطأ، وعليه فإذا لم يأت ذكر البدنة إلا من طريقه، ففي صحة الحديث نظر إذا لم يوجد له شواهد؛ لأن الهدي مطلق ينطبق على أقل شيء، وأقل شيء هو شاة، فالحديث فيه أمرها بأن تهدي بدنة، وهذا شيء كبير، وفيه نظر، ومادام في إسناده مطر الوراق وهو صدوق كثير الخطأ فمعناه: أن التصحيح فيه نظر، اللهم إلا أن يأتي شيء من طريق أخرى يقويه، فيكون الاعتبار بغير هذا الطريق، والألباني صحح الحديث.
ومطر الوراق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عكرمة عن ابن عباس] .
عكرمة وابن عباس مر ذكرهما.



وجه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة بن عامر أن تهدي بدنة
جاء في بعض الأحاديث التي مرت أنه أمرها بالهدي من دون تخصيص، فمن أهل العلم من قال: إن هذه شبيهة بقتل الصيد، أو أنه لأجل الإخلال بما التزم في الحج، وأما ما يتعلق بالنذر فمعلوم أن كفارته كفارة يمين، لكن هذا الإهداء يفعل إذا كان شيئاً قليلاً، ولكن حتى الإهداء ولو بشاة هو أكثر من إطعام عشرة مساكين، ولكن المقصود أن تفعل الكفارة.
وما جاء ذكر الهدي إلا في مسألة الحج هذه في قصة أخت عقبة بن عامر، فيحتمل أن يكون أمرها بالهدي لأن هذا شيء يتعلق بالحج وأنها التزمت شيئاً لم تف به، أو لم تتمكن من الوفاء به.
وعلى كل الحديث فيما يتعلق بالهدي المطلق سبق أن مر، وإذا فعل الإنسان ما جاء في الحديث وهو ما استيسر من الهدي لإطلاقه فيما مضى فلا بأس، وإن ثبت ذكر البدنة من غير هذا الطريق فلعل ذلك على سبيل الاستحباب.
وقد ذكر الخطابي عن الشافعي وأبي حنيفة أنه يريق دماً بدون تخصيص، ولكن كأنهم يريدون به ما يتعلق بالحج، لكن كما ذكرنا أن بعض أهل العلم لا يقول بالكفارة في المعصية، وهذا ليس معصية، فإذا كان مباحاً وكان مطاقاً فليس بمعصية، لكن إذا كان غير مطاق فلا يجوز النذر به، وإذا نذره فيخرج منه بالكفارة إذا لم يمكن الوفاء به.



شرح حديث (إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شعيب بن أيوب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن أبيه عن عكرمة عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أختي نذرت أن تمشي إلي البيت، فقال: إن الله لا يصنع بمشي أختك إلى البيت شيئاً) ] .
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر، وهو مثل الذي قبله، ولكنه مختصر، فلم يذكر فيه شيئاً أمرت به، وإنما ذكره باختصار، ولكن في الأحاديث التي مضت ما يوضحه.



تراجم رجال إسناد حديث (إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت)
قوله: [حدثنا شعيب بن أيوب] .
شعيب بن أيوب صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا معاوية بن هشام] .
معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن عقبة بن عامر الجهني] .
عكرمة مر ذكره، وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وبالنسبة لترتيب الأحاديث ذكرنا أن الأولى أن تكون أحاديث قصة أخت عقبة بن عامر متتالية، وفي بعض النسخ ذكرت كذلك، وهذا هو الترتيب المناسب؛ لأنها كلها في موضوع واحد، فكونها تأتي على نسق واحد هذا هو المناسب في الترتيب، فإذا كان في بعض النسخ هذا فهو الأقرب.
وفي النسخة التي مع عون المعبود جعل حديث أبي إسرائيل في باب آخر متقدم غير هذا الباب، وهو باب النذر في المعصية.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:22 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [381]
الحلقة (413)



شرح سنن أبي داود [381]
الوفاء بالنذر من أعظم القربات التي مدح الله بها عباده المؤمنين، وهو دين ينبغي قضاؤه عن الميت كحقوق الآدميين، لكن من نذر الصلاة في بيت المقدس أجزأه عنها الصلاة في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن نذر نذراً ففعل أفضل منه أجزأه، ومن نذر أن يصوم شهراً لا يجزئه صوم رمضان، ومن نذر نذوراً كل نذر مستقل فلكل نذر كفارة.




من نذر أن يصلي في بيت المقدس




شرح حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله! إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) ] .
أورد أبو داود [باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس] ، إذا نذر أن يصلي في بيت المقدس فله أن يصلي فيما هو أفضل منه، كمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام، وأما نذر الصلاة في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة ويحتاج الأمر إلى شد رحل فلا يجوز له ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) ، وإذا نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، فإنه يفي بنذره إذا صلى في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما أفضل منه، وإن شد الرحل إليه وصلى فيه، ولم يصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في المسجد الحرام فله ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) أي: اذهب إذا شئت، وما دمت عازماً على هذا فلك ذلك، أي: أنه لا يلزمه أن يصلي هنا، ولكن الذي أرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه يكفيه ويغنيه عن أن يصلي في بيت المقدس، لكن إن أراد أن يذهب فله أن يذهب؛ لأنه قال: (شأنك إذاً) أي: إذا كان الأمر كذلك فكما تريد.
فالذي أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه يغني عنه، ويريحه من التعب؛ لأنه سيصلي في المكان الفاضل، فيكفيه عن المفضول، لكن لو نذر وهو في بيت المقدس أن يصلي في المسجد النبوي، أو في المسجد الحرام، فلا يجزيه أن يصلي هناك؛ لأنه نذر أن يذهب إلى مكان فاضل، والمسجد الأقصى دون المسجدين: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمن نذر أن يذهب إلى المسجد الأقصى ويصلي فيه إذا لم يستطع ولم يتمكن فله أن يصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي إذا أمكنه ذلك، وإن لم يرد أن يصلي في المسجد الحرام، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يذهب إلى المسجد الأقصى فله ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد] .
موسى بن إسماعيل مر ذكره، وحماد هو ابن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا حبيب المعلم] .
حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن أبي رباح] .
عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: روي نحوه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: نحو حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم (ح) وحدثنا عباس العنبري المعنى حدثنا روح عن ابن جريج أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وعمرو -وقال عباس: ابن حنة - أخبراه عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، زاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله، أي: في قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل ههنا) وأنه راجعه مرتين, وفي الثالثة قال: (شأنك إذاً) أي: افعل ما شئت، ولكنه زاد هنا: (والذي بعث محمداً بالحق لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس) ، فهذا تأكيد لما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه مرتين، وهو يقول له: صل ههنا صل ههنا، وفي الثالثة قال: شأنك إذاً، فأكد له بأن هذا الذي أرشده إليه أولى له من أن يذهب، ولذا قال: (لو صليت ههنا لأجزأك) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ههنا) واضح في أن هذا يجزئه.
والحديث في إسناده عدد من الرواة مقبولون، وقد ضعفه الألباني، ولكن في الحقيقة هذا الحديث يختلف عن الذي قبله؛ وإنما هو بمعنى الذي قبله، لأن قوله: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا) مطابق لقوله: (صل ههنا) ، فيعتبر شاهداً للذي قبله، أو مثل الذي قبله وليس فيه شيء جديد، وإنما هو تأكيد للشيء الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم له مرتين.




تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد] .
مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو عاصم] .
هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا عباس العنبري] .
(ح)
هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعباس العنبري هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[حدثنا روح] .
هو روح بن عبادة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد مر ذكره.
[أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان] .
يوسف بن الحكم لم يحكم عليه الحافظ، ولكنه روى عنه اثنان فأكثر، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل فهو مجهول الحال، كما ذكر ذلك بعض المحققين للتقريب.
[أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف] .
حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف مقبول أخرج له أبو داود.
[وعمرو وقال عباس: ابن حنة] .
أي: أن الشيخ الأول الذي هو مخلد بن خالد قال: عمرو، ولم يقل: ابن حنة، وأما عباس الذي هو الشيخ الثاني فأضاف نسبته وقال: ابن حنة.
وعمرو بن حنة هذا مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف] .
عمر بن عبد الرحمن بن عوف مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر] .
أي: بهذا الخبر المتقدم وفيه الزيادة هذه، وإبهام الصحابي أو الصحابة لا يؤثر، وقد ذكر أبو داود بعد ذلك في طريق أخرى أن منهم عبد الرحمن بن عوف.




شرح حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
[قال أبو داود: رواه الأنصاري عن ابن جريج فقال: جعفر بن عمر، وقال: عمرو بن حية، وقال: أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف، وعن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] .
ذكر من هؤلاء الرجال عبد الرحمن بن عوف، وذكر أنه روي عن رجال آخرين من هذه الطريق التي هي طريق الأنصاري، والأنصاري هو محمد بن عبد الله الأنصاري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [عن ابن جريج فقال: جعفر بن عمر] .
أي: أن ابن جريج قال: جعفر بن عمر بدل حفص بن عمر.
[وقال: عمرو بن حية] .
أي: أنه نسبه، وقال بدل حنة بالنون: حية بالياء.
[وقال: أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف، وعن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: فيه ذكر أو تسمية واحد من هؤلاء الرجال الذين أبهموا في الطريق التي أوردها أولاً، وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه.
ولم يذكر الحافظ شيئاً عن جعفر بن عمر، فإما أن يكون تصحيفاً، أو أن يكون شخصاً آخر، لكن ليس من رجال الكتب الستة؛ لأنه لم يذكر له ترجمة في التقريب.




حكم من ترك النذر وفعل أفضل منه
ولو فعل أمراً أفضل من الذي نذره فإنه يجزئه، فمثلاً: من نذر أن يتصدق بفضة، فأخرج ذهباً فلا باس؛ لأنه أتى بالمقصود، ولو نذر أن يذبح شاة، وذبح بقرة، أو ذبح بدنة فإنه يجزئه بلا شك.




من نذر صيام شهر لا يجزئه صيام رمضان
ومن نذر أن يصوم شهراً مطلقاً فلا يجزئه أن يصوم رمضان لكونه أفضل الشهور؛ لأن هذا واجب بحكم الشرع على المسلمين جميعاً، وهو أوجب على نفسه شيئاً يخصه، فيصوم غير رمضان.




قضاء النذر عن الميت
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قضاء النذر عن الميت.
حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقضه عنها) ] .
أورد أبو داود باب قضاء النذر عن الميت، يعني: أن الإنسان إذا مات وعليه نذر فإنه يقضى عنه، فإن كان مالياً فهو يخرج من ماله، ومن أصل التركة، وإن كان غير مالياً كالصيام فإنه يصوم عنه وليه، يعني: بعض أقاربه؛ لأنه جاء في الحديث: (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه) كما سيأتي.
الحاصل: أن الإنسان إذا مات وعليه نذر فإن كان يتعلق بمال، وله مال خلفه، فهو في أصل تركة؛ لأن حقوق الله عز وجل وحقوق الآدميين مقدمة على الميراث؛ لأن الميراث لا يكون إلا من بعد وصية يوصى بها أو دين، فيخرج الدين الذي عليه سواء كان لله أو للعباد، وإذا كان شيئاً بديناً مثل الصيام، فالصيام جاء ما يدل على أنه يصام عنه، فيصام عنه.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أم ماتت وعليها نذر، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضيه عنها، وهذا يدل على أن النذر يقضى عن الميت.
وإن كان صوماً فالظاهر أنه لا يجب على الأولياء أن يقضوه عنه، ولكنه يستحب، وكذلك لو كان عليها نذر مالي وليس عنده تركة، فلا يلزمهم أن يخرجوا عنه، ولكن يستحب.




شرح حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة أن يقضي النذر عن أمه بعد موتها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قضاء النذر عن الميت.
حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقضه عنها) ] .
قوله: [باب في قضاء النذر عن الميت] ، أي: إذا مات الإنسان وعليه نذر فإنه يقضى عنه، فإن كان مالياً فيخرج من ماله، ومن أصل التركة، وإن كان غير مالي كالصيام فإنه يصوم عنه وليه، أو بعض أقاربه؛ لأنه جاء في الحديث: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) كما سيأتي.
والحاصل: أن الإنسان إذا مات وعليه نذر فإن كان يتعلق بمال، وله مال خلفه، فهو في أصل تركة؛ لأن حقوق الله عز وجل وحقوق الآدميين مقدمة على الميراث؛ لأن الميراث لا يكون إلا من بعد وصية يوصى بها أو دين، فيخرج الدين الذي عليه سواء كان لله أو للعباد، وإذا كان شيئاً بدنياً مثل الصيام، فقد جاء ما يدل على أنه يصام عنه، فيصام عنه.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضيه عنها، وهذا يدل على أن النذر يقضى عن الميت.
وإن كان صوماً فالظاهر أنه لا يجب على الأولياء أن يقضوه عنه، ولكنه يستحب، وكذلك لو كان عليه نذر مالي وليس عنده تركة، فلا يلزمهم أن يخرجوا عنه، ولكن يستحب.




تراجم رجال إسناد حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة أن يقضي النذر عن أمه بعد موتها
قوله: [حدثنا القعنبي] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[قال: قرأت على مالك] .
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله] .
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس] .
عبد الله بن عباس قد مر ذكره.




شرح حديث (أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة ركبت البحر، فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً، فنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تصوم عنها) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس أيضاً: (أن امرأة ركبت البحر، فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً، فماتت قبل أن تصوم، فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تصوم عنها) ، فدل هذا على أن النذر يقضى عن الميت، ولو كان صوماً؛ لأن الأمر ليس مقصوراً على المال، بل الشيء الذي تدخله النيابة يفعل، ومن ذلك الصوم وما جاء فيه نص، وأما الذي لم يأت فيه نص فلا يفعل، فإن كان قد نذر صلاة فلا يصلى عنه؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد.




تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون] .
عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر] .
هو جعفر بن إياس المشهور بـ ابن أبي وحشية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس تقدم ذكره.




شرح حديث (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على أمي بوليدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة رضي الله عنه: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة.
قال: قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث.
قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر؟) فذكر نحو حديث عمرو] .
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه: أن امرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: إنها وهبت لأمها وليدة -أي: جارية- وإنها ماتت، فهي تسأل: هل ترجع الصدقة إليها؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث) أي: وجب أجرك لأنك تصدقت عليها ولكنها عادت إليك بالميراث، فدل هذا على أن الإنسان لو تصدق على قريب له ثم مات، فإن الذي تصدق عليه يرث هذا الشيء الذي تصدق عليه به ولا يعتبر ذلك رجوعاً في الصدقة أو شراءً للصدقة؛ لأن شراء الصدقة لا يجوز، كما جاء ذلك في الحديث عن عمر في قصة الفرس: (لا تشتره ولو باعكه بدرهم) وأما كونه يرجع إليه بالميراث فقد دل هذا الحديث على أنه لا بأس به.
وسألته عن أمها وأنها ماتت وعليها صوم شهر، فذكر نحو حديث عمرو، أي: نحو الحديث الذي تقدم والذي فيه أنه أمرها بأن تصوم عنها.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:27 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على أمي بوليدة)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن عطاء] .
عبد الله بن عطاء صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة] .
عبد الله بن بريدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.




حكم قضاء الصوم عن الميت
إذا قيل: كيف نقول بالاستحباب في قضاء الصوم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ سعد: (اقضه عنها) وفي حديث ابن عباس: فأمرها؟ ف
الجواب أن سعداً جاء يستفتي هل يفعل هذا أو لا يفعل؟ فالرسول أرشده إلى أن يقضي، وهذا جواب سؤال أن هذه العبادة تدخلها النيابة.




من مات وعليه صيام صام عنه وليه




شرح حديث (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه كان على أمها صوم شهر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى قال: سمعت الأعمش (ح) وحدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش المعنى عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى) ] .
قوله: [باب ما جاء فيمن مات وعليه صوم صام عنه وليه] ، أي: أن الصيام تدخله النيابة وأن وليه يصوم عنه.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أمها ماتت وعليها صوم شهر.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب لها مثلاً يتبين به أنها تفعل ذلك، وذلك أنه قال: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى) يعني: إذا كان قضاء الدين عن الميت يكفي ويجزئ في حقوق العباد فكذلك حق الله عز وجل يحصل به قضاء الدين، فدل هذا على أن الدين عن الميت إذا قام به غيره أن ذلك يكفيه، ولكن الصيام الغالب فيه أن الأقارب يحسن بعضهم إلى بعض، ويشفق بعضهم على بعض، ويقوم بعضهم بالإحسان إلى بعض، ولكن لو حصل من غير الأقارب فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه ما دام الأصل أن النيابة تجوز في الصوم فكذلك الدين لو أداه عنه غير قريبه فإن ذلك يجزي عنه، وكذلك أيضاً لو صام عنه غير قريبه فإن ذلك يجزئ ولا بأس بذلك.
وإذا لم يقم الأولاد بفعل ما نذر به أبوهم فأمره إلى الله عز وجل.
وقوله: [(أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)] .
هذا الحديث أيضاً فيه دليل على إثبات القياس، وهو من أدلة إثبات القياس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا على هذا، وأنه إذا كان هذا ينفع فهذا ينفع، وإذا كان هذا يجزي فهذا يجزي، والأحاديث التي جاءت في إثبات القياس عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وهذا الحديث من جملة الأحاديث الدالة على ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه كان على أمها صوم شهر)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت الأعمش] هو سليمان بن مهران الأعمش، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معاوية] .
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش المعنى عن مسلم البطين] .
هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير عن ابن عباس] .
سعيد بن جبير وابن عباس قد مر ذكرهما.




شرح حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، وهذا مطابق للترجمة وهي أن من مات وعليه صيام يصوم عنه وليه، وهذا يشمل الصيام الواجب على الإنسان في أصل الشرع الذي هو رمضان، ويشمل الذي أوجبه الإنسان على نفسه وهو النذر؛ لأن الحديث مطلق فيشمل هذا وهذا.
ومن أهل العلم من قصره على النذر، ولكن الحديث في عمومه يدل على هذا وهذا، وأن للإنسان أن يصوم عن غيره الأيام التي عليه في رمضان سواء بعضها أو كلها إذا كانت لازمة عليه، كما لو أفطر لسفر أو لمرض ثم شفي بعد ذلك وتمكن من القضاء ولم يقض فإنه يقضى عنه، وإما إذا كان أفطر لمرض واستمر به المرض حتى مات فإنه لا يقضى عنه؛ لأنه لم يتمكن من أن يقضي، والقضاء عنه إنما يكون فيما إذا تمكن من القضاء، وهذا فيما يتعلق برمضان، وأما الذي أوجب على نفسه النذر فإنه إذا لم يقم به صام عنه وليه، ويمكن أن يصوم عنه غير وليه كما ذكرنا، فليس الأمر مقصوراً على الولي، ولكن لعل ذكر الولي هو من أجل أن الأقارب يهتم بعضهم ببعض.
والحاصل: أن قوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) كما يدخل فيه صيام النذر يدخل فيه صيام رمضان وكذلك الكفارات، إلا أن الكفارات التي يشترط فيها التتابع لا بد فيها على الذي يصوم أن يصوم متتابعاً؛ لأن القضاء كالأداء، وأما ما لا يلزم فيه التتابع فيمكن أن يشترك عدد من الناس فيه ولا يلزم أن يقوم به واحد، فلو أن إنساناً مات وعليه صيام رمضان أو صيام نذر أيام غير متتابعة، وتوزعها مجموعة من أقاربه فصام هذا بعضها وهذا بعضها فلا بأس، لكن ما يلزم فيه التتابع لا بد أن يصومه واحد صوماً متتابعاً؛ لأن القضاء كالأداء.




تراجم رجال إسناد حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي جعفر] .
عبيد الله بن أبي جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير] .
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
هو عروة بن الزبير، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديقة، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




الأسئلة




حكم الحلف بحق الله
السؤال ذكرتم حفظكم الله أنه لا يجوز أو لا يسوغ الحلف بحق القرآن، فما حكم الحلف بحق الله؟
الجواب حق الله هو العبادة، والعبادة هي حق الله على العباد، فلا يحلف بها.
حكم تعدد الكفارة بتعدد النذر
السؤال في حديث أبي إسرائيل أنه نذر عدة أشياء فوفى بالبعض وهو الصوم وحنث في البعض الآخر، فهل تتعدد الكفارة أم تكون واحدة؟
الجواب الذي يبدو أن النذر عند إطلاقه إطلاقاً واحداً تكون كفارته كفارة واحدة، إلا إذا كان نذر كل واحد مستقلاً فكل واحد فيه الكفارة، وإما إذا نذرها جميعاً وفعل بعضها فإنه تكفيه كفارة واحدة.

حكم نذر زيارة قبر شخص ما
السؤال ما التوجيه لمن نذر زيارة قبر أحد بحجة أن أصل الزيارة سنة؟
الجواب إذا كانت الزيارة في البلد وبدون سفر فعليه أن يوفي بنذره، وأما إذا كانت تحتاج إلى سفر فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فلا يجوز له أن يسافر.

الواجب على أولياء من ترك صيام رمضان لمرض مزمن حتى مات
السؤال من ترك صيام رمضان لمرض مزمن ثم مات فهل الواجب على الأولياء الصيام عنه أو الفدية؟
الجواب إذا كان المرض لا يرجى برؤه فالفدية لازمة في نفس الوقت؛ لأنه ليس هناك مجال لأن يصوم، وأما إذا كان المرض مؤقتاً ثم بعد ذلك شفي، وتمكن من الصيام ولم يص، م فإنه يصام عنه، وأما إن كان المرض قد استمر معه حتى مات فإنه لا يلزمه صيام.

حكم الكفارة عن الغير
السؤال هل يجوز للإنسان أن يكفر عن نذر رجل آخر في حال حياته إذا لم يستطع الكفارة؟
الجواب نعم، يجوز بشرط موافقته وإخباره أو إعطائه ليكفر ويخرج هو كفارة نفسه.

حكم قضاء الصوم والدين المشكوك في قضائه
السؤال إذا مات شخص كان عليه دين أو صيام ولا ندري هل قضى ذلك الدين أو الصيام أو لا، فهل يصام عنه بالتقدير؟
الجواب لعل السائل كان عليه دين وعليه صوم ولا يدرى هل فعل هذا أو هذا أو أنه فعل واحداً ولا يدرى عن الثاني، وأقول: إذا تحقق بأن أحدهما قضي فإن ذلك يكفي، وإن كان لم يتحقق فيقضى هذا وهذا، وإذا كان يتعلق بالدين فيسأل المدين هل وصل حقه أو لم يصل إليه حقه؟ فإن أخبر بأنه لم يصل فإنه يقضى.

حكم الرد على الخطيب إذا خالف السنة أثناء الخطبة
السؤال يستدل بعض أهل التكفير بحديث أبي إسرائيل على جواز الرد على الأئمة إذا خالفوا السنة أثناء الخطبة والإنكار عليهم، فما صحة هذا الاستدلال؟
الجواب الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رأى الذي يفعل الأمر المنكر فقال له: افعل كذا وكذا، فأين في الحديث الرد على الخطيب؟ فهذا الحديث ليس فيه أن أحداً رد على الخطيب، ولكن تقدم أن ذكرنا أن الكلام مع الخطيب جائر ولا يدخل تحت كون الإنسان يتكلم والإمام يخطب؛ لأن هذا ليس فيه انشغال عن الخطبة، وأما إذا كان الإمام يخطب والناس يتكلمون فهذا لا يجوز، لكن كون الخطيب يسأل أحداً ثم يجيبه، أو احتاج الأمر إلى أن يطلب منه أن يدعو أو كذا فيجوز، أما كونه يقاطع الخطيب ويقول له: افعل كذا أو اترك كذا أو هذا كذا، فهذا لا يصلح أبداً، بل يجب أن يستمع الناس للخطبة، وأما أن يقف واحد ويتكلم معه ويعارضه فهذه فوضى ينتهي الأمر بها إلى أن الخطبة تذهب ولا يستفاد منها.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:32 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


شرح سنن أبي داود [382]
من نذر نذراً فإنه يجب عليه الوفاء به، إلا أن يكون نذراً في معصية، أو فيما لا يملك الإنسان، أو فيما لا يطيق، فإن نذر نذراً من ذلك فعليه أن يكفر عنه كفارة يمين، ومن نذر في الجاهلية نذراً ثم أدرك الإسلام يوفي بنذره، ومن نذر أن أن يتصدق بماله كله يجزئ عنه الثلث.



ما يؤمر به من الوفاء بالنذر



شرح حديث: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.
حدثنا مسدد حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: أوفي بنذرك، قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا -مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية- قال: لصنم؟ قالت: لا، قال: لوثن؟ قالت: لا، قال: أوفي بنذرك) ] .
قوله: [باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر] أي: أن الإنسان عندما ينذر يفي بنذره إذا لم يكن محرماً، وقد ذكرنا فيما مضى أن نذر المعصية لا يجوز تنفيذه ولكن فيه كفارة يمين.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها نذرت أن تضرب على رأسه صلى الله عليه وسلم بالدف -يعني: إذا رجع سالماً من غزوة من الغزوات- فقال: أوفي بنذرك) وضرب الدفوف جاء أنه مستحب ومشروع في الأعراس، وفي غيرها لم يأت ما يدل عليه، وقد قيل: إن هذا الذي جاء في هذا الحديث كان فرحاً وسروراً وابتهاجاً بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم سالماً، فأبيح ذلك على أساس أنه ليس عبادة ولكن لما اقترن به من كونه فرحاً بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وابتهاجاً وسروراً بوصوله سالماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن تفي به، وفي ذلك إغاظة للكفار في كون المسلمين يفرحون بقدومه ويهتمون ويحرصون على قدومه، ففي ذلك مصلحة وفائدة، وفيه إغاظة للكفار، وقد جاء نظير ذلك في بعض الأمور التي جاء فيها منع ولكنه رخص فيها للمصلحة والفائدة ولإغاظة الكفار والأعداء.
ومن ذلك: ما جاء في قصة قيام المغيرة بن شعبة على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الرجال على رأس الرجل.
ومن ذلك: ما جاء أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالناس ذات مرة جالساً لما جحش، فصلى جالساً وصلى الناس وراءه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسو، فجلسوا، وبعد ذلك قال: (إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس) ، فهذا جاء فيه ما يدل على منعه، ولكن جاءت إباحة مثل هذا في الوقت أو المناسبة التي فيها إظهار الاحتفاء بالرسول صلى الله عليه وسلم والحرص عليه وتوقيره عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك بيان منزلته عند أصحابه أمام الأعداء.
وقالت له أيضاً: (إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا) هذا المكان أبهم، ما سمي المكان الذي حصل النذر فيه، وأتي بكلمة كذا وكذا لإبهامه وعدم تعيينه، وفسره الراوي بقوله: مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: (لصنم؟ قالت: لا، قال: لوثن؟ قالت: لا، قال: فأوفي بنذرك) .
والوثن والصنم قيل في الفرق بينهما: أن الصنم ما كان على شكل هيئة الإنسان أو هيئة المخلوق، والوثن ما لم يكن كذلك، فهو أعم من أن يكون على هذا الوصف وقيل: إنه لا فرق بينهما، وإنها كلها أصنام وكلها أوثان.
وقوله: (أوفي بنذرك) يعني: ما دام أنه مكان لا يذبحون فيه للصنم ولا للوثن وإنما هو مكان يذبحون فيه ذبحاً مجرداً، فلا بأس بالذبح فيه، فإذا كان هناك مكان فيه شيء من عبادة الأصنام أو فعل شيء يفعلونه من أجل أمر محرم، فهذا لا يسوغ ولا يجوز الذبح فيه، أما إذا لم يكن من هذا القبيل فإنه لا بأس به، كمكان يذبح فيه المسلمون ويذبح فيه الكفار، وليس ذلك لصنم ولا لوثن، وإنما هو مكان ذبح، فمثل هذا لا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف هل كان من أجل أن الكفار كانوا يذبحون فيه لصنم، فلما بينت أنه ليس كذلك وإنما هو مكان يحصل فيه الذبح ولم يكن لأصنام، قال عليه الصلاة والسلام: (أوفي بنذرك) .



تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة] .
الحارث بن عبيد أبو قدامة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي.
[عن عبيد الله بن الأخنس] .
عبيد الله بن الأخنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن، وأبوه هو شعيب بن محمد، وهو أيضاً صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا داود بن رشيد حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) ] .
أورد أبو داود حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إنه نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، وبوانة مكان، فقال صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟) يعني: في هذا المكان الذي نذرت أن تذبح فيه؟ قال: لا، قال: (هل كان فيه عيد من أعيادهم؟) يعني: هل كانوا يتخذون ذلك المكان لتعظيم أعيادهم والاحتفال بها وأن الإنسان إذا فعل ذلك يكون مشابهاً لهم ومشاركاً لهم؟ فقال: لا، قال (أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) وهذا مثل الذي قبله، فإن فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل تلك المرأة عن ذلك المكان هل كان فيه شيء محذور يتعلق بأفعال أهل الجاهلية؟ وكان جوابها أن قالت: لا، ليس هناك شيء، فقال: (أوفي بنذرك) ، ولعل ذكر المكان واختياره هو من أجل الإحسان إلى أهله، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الإنسان إذا نذر أن ينحر إبلاً أو أن ينحر غنماً في مكان من أجل الصدقة على أهله فإنه يفي بنذره ويجعل هؤلاء الذين نذر لهم هم الذين يستفيدون من نذره.



تراجم رجال إسناد حديث: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة)
قوله: [حدثنا داود بن رشيد] .
داود بن رشيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا شعيب بن إسحاق] .
شعيب بن إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الأوزاعي] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، وهو ثقة فقيه محدث بلاد الشام وفقيهها أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني أبو قلابة] .
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني ثابت بن الضحاك] .
ثابت بن الضحاك رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



حكم الذبح لله عند الأضرحة
وهنا يرد
السؤال هل يجوز الذبح عند الأضرحة وإقامة الولائم عليها؟ علماً بأن الذين يذبحون ينوون أن الذبح لله خالصاً؟
و الجواب أنه لا يجوز؛ لأن هذا فيه تعظيم لأصحاب القبور، فحتى وإن لم يذبح للأضرحة وإنما ذبح لله فهو ليس شركاً، ولكنه من الأمور المبتدعة والمحرمة.



شرح حديث ميمونة بنت كردم: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي من أهل الطائف قال: حدثتني سارة بنت مقسم الثقفي أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الناس يقولون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أبده بصري، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتَّاب، فسمعت الأعراب والناس يقولون: الطبطبية الطبطبية، فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه، قالت: فأقر له ووقف فاستمع منه، فقال: يا رسول الله! إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم، قال: لا أعلم إلا أنها قالت: خمسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من الأوثان شيء؟ قال: لا، قال: فأوف بما نذرت به لله.
قالت: فجمعها فجعل يذبحها فانفلتت منها شاة فطلبها وهو يقول: اللهم أوف عني نذري، فظفرها فذبحها) ] .
أورد أبو داود حديث ميمونة بنت كردم أنها ذهبت مع أبيها للحج، وأن الناس كانوا يقولون: رسول الله، أي: يشيرون إليه، فجعلت تبد بصرها إليه، أي: تجعل بصرها متجهاً إليه لا يحيد عنه ولا تنظر إلى غيره محبة للنظر إليه صلى الله عليه وسلم، فوصل إليه أبوها وصار عند ناقته وأقر له، أي: أقر له بالرسالة وآمن به، والناس يقولون: الطبطبية، قيل: إن المقصود بالطبطبية: الصوت أو العصا إذا ضرب بها على شيء، أو أنه صوت حركة الأقدام، ثم إن أباها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نذر إن ولد له ولد ذكر أن ينحر مقداراً من الغنم في مكان يقال له: بوانة، بنية أو عقبة، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم كما سأل الذين مر ذكرهم وقال له: (هل بها من الأوثان شيء؟ قال: لا، قال: فأوف بما نذرت به لله) فوفى بنذره وجعل يذبحها فشردت منها شاة واحدة، فجعل يتبعها ويقول: اللهم أوف عني نذري، يعني: حقق لي الوفاء بنذري، حتى يتمكن من الحصول على هذه الشاة الذي شردت حتى يفي بنذره ويذبحها ويكمل العدد الذي التزمه.



تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي] .
عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي صدوق أخرج له أبو داود.
[قال: حدثتني سارة بنت مقسم الثقفي] .
سارة بنت مقسم الثقفي لا تعرف أخرج لها أبو داود.
[أنها سمعت ميمونة بنت كردم] .
ميمونة بنت كردم صحابية أخرج لها أبو داود وابن ماجة.
والحديث سبق أنه صحيح، وهذا الإسناد فيه هذه المرأة التي لا تعرف، والحديث أخرجه ابن ماجة، وله شواهد فيما يتعلق بقضية نذر الذبح ببوانة، والأحاديث التي تقدمت كلها شواهد له فيما يتعلق بالنذر.



حكم نظر المرأة إلى الرجل
هذا الحديث ليس فيه جواز نظر المرأة إلى الرجل، وإنما إذا كان النظر من مكان بعيد لا يحصل به تحديد الأشخاص وتحديد الوجوه والنظر إليهم فهذا لا بأس به مثلما كانت عائشة تنظر إلى الحبشة الذين كانوا يلعبون؛ لأنها كانت تراهم من بعد وهم يلعبون ويتحركون، لكن كون المرأة تنظر إلى وجه الرجل وتتمتع بالنظر إليه وما إلى ذلك، فذلك لا يجوز لا في حق الرجل ولا في حق المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] ويقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] لكن إذا كان من بعد ولم يكن فيه تمتع بالنظر ولم يكن لشهوة وميل إلى الرجال فهذا لا بأس به، وحديث عائشة من أمثلة هذا.



معنى الدرة والكتاب
قولها: (فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتَّاب) الدرة قيل: إنها الصوت، وقيل: إنها العصا، والكتَّاب: هم الذين يعلمون القراءة والكتابة، والكتَّاب أيضاً: محل تعلم الصغار.



شرح حديث ميمونة بنت كردم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمرو بن شعيب عن ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها نحوه مختصر منه شيء، قال: (هل بها وثن أو عيد من أعياد الجاهلية؟ قال: لا، قلت: إن أمي هذه عليها نذر ومشي أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أنقضيه عنها؟ قال: نعم) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مختصراً شيء منه قال: (هل به وثن أو عيد من أعياد الجاهلية؟ قال: لا، قلت: إن أمي هذه عليها نذر ومشي أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أنقضيه عنها؟ قال: نعم) ، ذكر فيه الزيادة التي فيها أن أمه كان عليها نذر ومشي، والمشي لعله مشي في عبادة أو ذهاب إلى عبادة وليس المقصود المشي المطلق وإنما هو مشي في عبادة وذلك حيث يكون مطاقاً.



ترجمة رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بكر الحنفي] .
هو عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الحميد بن جعفر] .
عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب عن ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها] .
عمرو بن شعيب وميمونة قد مر ذكرهما، وأبوها كردم بن سفيان لم يذكر الحافظ له ترجمة في التقريب، وهو صحابي.



حكم شد الرحل من أجل الوفاء بالنذر
قد يقول قائل: كونه نذر أن يذبح إبلاً ببوانة هذا يقتضي شد الرحل فهل يجوز ذلك؟
و الجواب أن كونه نذر أن يذبح غنماً توزع على الفقراء والمساكين في بلد ما ليس فيه بأس؛ لأن المحظور هو أن يشد الرحل من أجل تمييز البقعة بشيء، وأما كونه من أجل أن يفي بنذره بأن يوصل صدقة إلى من يستحقها من المحتاجين في بلد من البلدان ويريد أن يذبح عندهم لأنهم محتاجون، فمثل هذا لا بأس به.



حكم الذبح في الأماكن التي يذبح فيها أهل البدع
وهنا
السؤال إذا كان أهل البدع لهم أماكن معروفة للذبح كالذبح بمناسبة الموالد، فهل يجوز الذبح في هذه الأماكن؟
و الجواب أنه إذا كان هناك ذبح في المناسبات وأوقات المناسبات فلا يجوز؛ لأن هذا فيه مشاركة لهم أو ظن أن من يفعل ذلك مشارك لهم، وأما إذا كان الذبح ليس في وقت مناسبات والناس محتاجون إلى هذا المكان وهم لا يذبحون في هذا الوقت فلا بأس، وإذا استغنى الإنسان عن أن يذبح في هذا المكان ووجد أماكن أخرى ليست كذلك فلا شك أن هذا هو الذي ينبغي.



النذر فيما لا يملك



شرح حديث: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النذر فيما لا يملك.
حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، قال: فأُسِر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وثاق، والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد! علامَ تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟ قال: نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف.
قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد قال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم -قال أبو داود: فهمت هذا من محمد بن عيسى - ناداه: يا محمد! يا محمد! قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح.
قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث سليمان قال: يا محمد! إني جائع فأطعمني إني ظمآن فاسقني، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته، قال: ففودي الرجل بعد بالرجلين، قال: وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء، قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم، قال: فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا، حتى أتت على العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة، قال: فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليها، فجيء بها وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزيتيها أو جزتها؛ إن الله أنجاها عليها لتنحرنها! لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) .
قال أبو داود: والمرأة هذه امرأة أبي ذر] .
قوله: [باب في النذر فيما لا يملك] أي: كون الإنسان ينذر أن يتصدق بمال غيره وهو ليس ملكه بأن يقول مثلاً: إن حصل كذا فناقة فلان لله أو إن حصل كذا فدار فلان لله، هذا لا يملكه الإنسان، والإنسان إنما ينذر في شيء يملكه ولا ينذر في شيء لا يملكه، فهذا هو المقصود بكون الإنسان ينذر شيئاً لا يملكه، يعني: أنه ملك غيره، والنذر إنما يكون فيما يملكه الإنسان.
وأورد أبو داود حديث عمران بن حصين، وأبوه حصين بن عبيد الخزاعي صحابي لم يصب من نفى إسلامه، أخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة.
وحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه فيه أنه قال: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج فأسر) .
العضباء: هي ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام وراحلته، وكانت لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، أي: أنهم كانوا إذا سافروا للحج فإنها تتقدم وتسبق، فأسر ذلك الرجل الذي هو من بني عقيل.
قوله: [فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وثاق] ، يعني: وهو مربوط بوثاق.
قوله: [والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد علامَ تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟ قال: (نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف) ] .
لأن ثقيفاً حالفوا بني عقيل الذين منهم هذا الرجل، وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أخذه من أجل أن يفاديه بالرجلين، يعطيهم إياه من أجل أن يتركوا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت] .
يعني: أن الرجل هذا كان كافراً فقال: أنا مسلم، يعني: أنه أراد أن يخلى سبيله لأنه مسلم على ما يقول، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو قلتها وأنت تملك أمرك) يعني: قبل أن يقبض عليك وقبل أن تمسك وقبل أن يشد وثاقك وقبل أن تؤسر: (أفلحت كل الفلاح) ؛ لأنك قلت ذلك برغبة وصدق، وهنا يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك لأنه علم بوحي أن إسلامه كان تقية، أو أنه لم يكن صادقاً في إسلامه وإنما هو لأجل الأسر.
قوله: [فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم -قال أبو داود: فهمت هذا من محمد بن عيسى - ناداه: يا محمد! يا محمد! قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فرجع إليه فقال: (ما شأنك فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث سليمان] .
يعني: أن أبا داود فهم من محمد بن عيسى -وهو أحد الشيخين اللذين هما: سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى الطباع - هذا الكلام الذي ذكره، ثم قال: رجعت إلى حديث سليمان، يعني: إلى سياقه.
قوله: [قال: يا محمد! إني جائع فأطعمني إني ظمآن فاسقني، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته) ] .
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليه وكان رفيقاً رحيماً فقال: (هذه حاجتك) ، ويمكن أن يكون غير صادق في هذه أيضاً؛ وإنما يريد أن يأتي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحاول معه لأن يخلصوه مما هو فيه، ويحتمل أنه صادق في ذلك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك) يعني: أنها سهلة.
قال الخطابي: لم يخلّه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك لكنه رده إلى دار الكفر، فيتأول على أنه قد كان أطلعه الله على كذبه وأعلمه أنه تكلم به على التقية دون الإخلاص، ألا تراه يقول: (هذه حاجتك) حين قال: إني جائع فأطعمني وإني ظمآن فاسقني؟ وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل المقصود هنا بقوله: (هذه حاجتك) كأنه -والله أعلم- يريد أن يرجع إليه من أجل محاولة إطلاق سراحه؛ لأنه لو كان مقصوده هذا لقال في الحال لما كلمه الرسول: إني جائع وإني عطشان، لكنه قاله بعد أن لم يجبه الرسول إلى ما طلب ثم لما ولى عنه جعل يناديه.
فإما أن يكون المقصود الإنكار عليه وأن هذا غير صحيح، وأنه كان من أجل أنه محاولة معه، أو من أجل أن هذه الحاجة أمرها سهل، فإما هذا وإما هذا.
قوله: [ففودي الرجل بعد بالرجلين] .
وهذا هو المقصود من أسره، أي: أنه دفع فداءً بأن يكون أولئك الذين حالفوا بني عقيل يدفعون الرجلين اللذين هما من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الرجل يدفع لهم.
قوله: [وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء، قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين، قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم، قال: فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت على العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة] .
ذكر أن المشركين أغاروا على سرح المدينة، والسرح: هي الإبل التي يذهب بها للرعي في الصباح وتأتي في المساء، وقد جاء عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتناوبون رعاية الإبل، كما جاء في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أنهم كانوا يجمعون إبلهم وبدلاً من أن يسرح كل واحد بإبله وهي قليلة يسرح كل يوم واحد بهذه المجموعة والباقون جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه، فأغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء وأخذوا امرأة، فكانوا في الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم حولهم ومعهم تلك المرأة ومعهم العضباء، فنوموا ليلة، أي: ألقى الله عليهم النوم جميعاً إلا هذه المرأة، فجعلت المرأة تأتي إلى الإبل تلمسها، فكانت الإبل ترغو سوى هذه العضباء، أي: أنها كانت إذا لمست تلك الإبل وقربت منها رغت فتتركها، حتى جاءت إلى العضباء فلم يحصل منها هذا الشيء, وكانت ذلولاً مجرسة، يعني: أنها كانت ناقة عندها سهولة واستجابة وليست صعبة، وهذه صفات مدح لها، فلم يحصل منها أنها رغت كما رغا غيرها، فركبتها ونذرت إن نجاها الله عز وجل أن تنحرها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة في نذر ما لا يملك؛ لأنها نذرت أن تنحر هذه الناقة التي لا تملكها.
وهذا يدل على أن المرأة عند الضرورة لها أن تسافر بدون محرم، والضرورة مثل التخلص من الأسر، أو أن يعتدي عليها أحد أو يحاول الاعتداء عليها، فإذا هربت وشردت وحدها فإن ذلك جائز، وإنما المحظور والممنوع هو أن تسافر المرأة بدون محرم في غير الضرورة، وإلا فالضرورة تبيح أن تسافر المرأة من دون محرم وهذه القصة من أمثلة ذلك.
فنذرت أن تنحرها إن نجاها الله عز وجل من هؤلاء، وقد نجاها الله عز وجل، قال: (فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليها فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزيتيها) يعني: بئس كونها تجازيها بأن نجاها الله عز وجل عليها ثم تنحرها، والمقصود من ذلك: حصول النذر وإلا فإن التنفيذ ليس لها ذلك؛ لأنها لا تملكها، ولكن كونها تفعل ذلك وتنذر إن نجاها الله عز وجل أنها تفعل كذا هذا ليس بجميل.
قوله: [فقال: (بئس ما جزيتيها أو جزتها؛ إن الله أنجاها عليها لتنحرنها! لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) ] .
يعني: لا ينذر الإنسان في معصية الله؛ لأن الوفاء محرم والنذر محرم، فإذا وجد النذر فلا يجوز الوفاء به؛ لأن الوفاء محرم فلا يجوز الإقدام على أمر محرم، لكن تقدم أ



تراجم رجال إسناد حديث: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا حماد] .
هو ابن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة وإذا روى سليمان بن حرب عن حماد وهو مهمل غير منسوب فهو حماد بن زيد.
[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة] .
أبو قلابة مر ذكره.
[عن أبي المهلب] .
هو أبو المهلب الجرمي عم أبي قلابة، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمران بن حصين] .
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أبو نجيد صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:34 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


من نذر أن يتصدق بماله



شرح حديث كعب بن مالك: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.
حدثنا سليمان بن داود وابن السرح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس قال: قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قال: فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر) ] .
قوله: [باب فيمن نذر أن يتصدق بماله] أي: بماله كله، هل يفي بذلك أو لا يفي؟ والترجمة جاءت في النذر، والمصنف أتى بحديث كعب بن مالك في قصة توبة الله عليه، والنذر ليس فيها واضحاً، وإنما فيها أنه أراد أن يتصدق بماله وأن يجعل ماله صدقة لله عز وجل، وليس فيه إشارة إلى النذر وأنه قال: لله علي أن أفعل كذا وكذا، وإنما فيه أن من شكر الله عز وجل على النعمة أن يفعل كذا وكذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) لا أن تخرج من مالك كله وإنما تصدق وأبقِ، فقال: (إني أمسك سهمي الذي في خيبر) .



تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود] .
هو سليمان بن داود المصري، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[وابن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك] .
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أن عبد الله بن كعب] .
عبد الله بن كعب ثقة، وقيل: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن كعب بن مالك] .
كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:118 - 119] يعني: أن الله عز وجل نجاه وتاب عليه بالصدق؛ ولهذا أمر الله المؤمنين أن يكونوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الصدق.



حكم الصدقة بجميع المال
من نذر أن يتصدق بماله كله فإنه يتصدق به، ومن أهل العلم من قال: إنه يتصدق بالثلث فقط، هذا إذا كان قد نذر، أما إذا عرض أو وعد أو إخبار أو سؤال أو استفتاء أو ما إلى ذلك فله أن يتصرف فيه كما يريد.
وبعض أهل العلم قال: إن هذا يرجع إلى أحوال الناس؛ فمن الناس من إذا تصدق بماله كله يسهل عليه كـ أبي بكر رضي الله عنه، ومن الناس من يشق عليه ذلك، ولا يكون عنده الصبر واليقين الذي يكون عند غيره.



شرح حديث كعب بن مالك من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تيب عليه: (إني أنخلع من مالي) فذكر نحوه إلى: (خير لك) ] .
هذه طريق أخرى لحديث كعب بن مالك المتقدم.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، هو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن كعب عن أبيه] .
هؤلاء قد مر ذكرهم.



شرح حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني عبيد الله بن عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أو أبو لبابة رضي الله عنه أو من شاء الله: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة قال: يجزئ عنك الثلث) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن كعب بن مالك أو عن أبي لبابة أو عن غيرهما، وأنه قال: (إن من توبتي أن أهجر داري التي أصبت فيه الذنب وأن أنخلع من مالي، فقال عليه الصلاة والسلام: يجزئ عنك الثلث) هذا فيه تعيين للمقدار الذي يبقيه الإنسان فيما إذا أراد أن يتصدق أو ينذر، وهذا كأنه بمثابة الاستفتاء أو الإخبار أنه سيفعل كذا وكذا، فالرسول قال له: افعل كذا، أو يكفيك كذا وكذا.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب)
قوله: [حدثني عبيد الله بن عمر] .
هو عبيد الله بن عمر القواريري، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا سفيان بن عيينة] .
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه] .
هؤلاء قد مر ذكرهم.
وقوله: [أو أبو لبابة أو من شاء الله] .
أبو لبابة هو ابن عبد المنذر، وهو صحابي أنصاري أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.



شرح حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرني معمر عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك قال: كان أبو لبابة رضي الله عنه فذكر معناه، والقصة لـ أبي لبابة] .
ذكر أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي لبابة، وذكر أن القصة لـ أبي لبابة، والقصة هي المذكورة الحديث السابق، وكان فيه شك هل هو كعب بن مالك أو أبو لبابة أو شخص آخر؟



تراجم رجال إسناد حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل] .
محمد بن المتوكل صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك] .
الزهري وابن كعب بن مالك قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: رواه يونس عن ابن شهاب عن بعض بني السائب بن أبي لبابة، ورواه الزبيدي عن الزهري عن حسين بن السائب بن أبي لبابة مثله] .
ذكر أبو داود طرقاً أخرى معلقة وهي مثل التي قبلها.
وقوله: [رواه يونس عن ابن شهاب عن بعض بني السائب بن أبي لبابة، ورواه الزبيدي] .
الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري عن حسين بن السائب بن أبي لبابة] .
حسين بن السائب هنا هو الشخص الذي أبهم من بني السائب، وهو مقبول أخرج له أبو داود.



شرح حديث كعب: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا حسن بن الربيع حدثنا ابن إدريس قال: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن جده رضي الله عنه في قصته قال: قلت: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة، قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: لا، قلت: فثلثه؟ قال: نعم، قلت: فإني سأمسك سهمي من خيبر) ] .
وهذا فيه إشارة إلى المقدار الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ثلث المال، فقال: إنه سيمسك سهمه من خيبر.



تراجم رجال إسناد حديث كعب: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى] .
هو محمد بن يحيى الذهلي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا الحسن بن الربيع] .
الحسن بن الربيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن جده] .
الزهري وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قد مر ذكرهما.



من نذر نذراً لا يطيقه



شرح حديث: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين …)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر نذراً لا يطيقه.
حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي عن ابن أبي فديك قال: حدثني طلحة بن يحيى الأنصاري عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به) ] .
قوله: [باب من نذر نذراً لا يطيقه] أي: أنه يكفر عنه كفارة يمين، وقد سبق أن النذور التي لا يمكن الوفاء بها لأنها معصية، أو لأنها ملك للغير، أو لأن الإنسان لا يطيق فعلها، فإن التخلص من ذلك يكون بإخراج كفارة يمين عن ذلك النذر.
وقد أورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين) كأن يقول: لله علي أن أقوم بتقديم شيء لله أو بعبادة لله، دون أن يسميها فكفارته كفارة يمين.
وقوله: (ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به) يعني: ما دام أنه مطاق فإنه يأتي به.



تراجم رجال إسناد حديث: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين)
قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي] .
جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي فديك] .
هو إسماعيل بن مسلم، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني طلحة بن يحيى الأنصاري] .
طلحة بن يحيى الأنصاري صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند] .
عبد الله بن سعيد بن أبي هند صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن عبد الله بن الأشج] .
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب] .
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس] .
يعني: أنه جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً.
قوله: [روى هذا الحديث وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند] .
عبد الله بن سعيد بن أبي هند تقدم ذكره.



من نذر نذراً لم يسمه



شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر نذراً لم يسمه.
حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا أبو بكر -يعني ابن عياش - عن محمد مولى المغيرة قال: حدثني كعب بن علقمة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) ] .
قوله: [باب من نذر نذراً لم يسمه] أي: فماذا يصنع؟
و الجواب أنه يكفر كفارة يمين، ولهذا أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الذي فيه (كفارة النذر كفارة اليمين) ، وهو لفظ عام، فهذا نذر فتكون كفارته كفارة يمين.



تراجم رجال إسناد حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)
قوله: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي] .
هارون بن عباد الأزدي مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو بكر يعني ابن عياش] .
أبو بكر بن عياش ثقة أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن محمد مولى المغيرة] .
محمد مولى المغيرة مجهول الحال، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال: حدثني كعب بن علقمة] .
كعب بن علقمة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي الخير] .
هو أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر] .
عقبة بن عامر رضي الله عنه صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث الذي هو: (كفارة النذر كفارة اليمين) أخرجه مسلم.
[قال أبو داود: ورواه عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن ابن شماسة عن عقبة] .
قوله: [ورواه عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كعب بن علقمة] .
كعب بن علقمة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن ابن شماسة] .
هو عبد الرحمن بن شماسة، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.



شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين) من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف أن سعيد بن الحكم حدثهم أخبرنا يحيى -يعني ابن أيوب - حدثني كعب بن علقمة أنه سمع ابن شماسة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] .
قوله: [حدثنا محمد بن عوف] .
هو محمد بن عوف الطائي، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[أن سعيد بن الحكم حدثهم] .
هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يحيى يعني ابن أيوب] .
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني كعب بن علقمة أنه سمع ابن شماسة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر] .
هؤلاء تقدم ذكرهم.



من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام



شرح حديث عمر: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) ] .
قوله: [باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام] ، أي: أنه يفي بنذره في الإسلام، وقد أورد في ذلك حديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) فدل هذا على أن الكافر في حال كفره إذا نذر قربة وطاعة ثم دخل في الإسلام فإنه يفي بها، وكثير من أهل العلم قالوا: إنه لا ينعقد نذره، ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء يدل على أن الوفاء به متعين وأنه لازم.



تراجم رجال إسناد حديث عمر: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب الإسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
هو ابن عمر بن حفص العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.







ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:37 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [383]
الحلقة (415)



شرح سنن أبي داود [383]
معرفة أحكام البيع والشراء والإجارة من أعظم المهمات، فينبغي للمسلم أن يتعلمها؛ لأن الإنسان لا يخلو من البيع والشراء، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبين شروط صحة البيع والإجارة وأحكامهما وما يباح منهما وما يحرم، إلا ما كان مشتبهاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن الوقوع في الشبهات عموماً؛ حتى وإن كان حل المشتبه أقرب من تحريمه، فالاحتياط والورع في تركه أولى.




التجارة يخالطها الحلف واللغو




شرح حديث: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب البيوع.
باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: (كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسمى السماسرة، فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) ] .
قوله: [كتاب البيوع والإجارات] البيوع: جمع بيع، والإجارات: جمع إجارة، وقد ذكرهما بالجمع باعتبار الأصناف والأنواع، والبيع: هو مبادلة المال، وهو: تمليك الأعيان بعوض على التأبيد، والإجارة: عقد على منفعة، فهي تمليك المنافع إلى الأجل المحدد.
والبيع من الأمور التي لابد منها للناس؛ لأن الإنسان تتعلق حاجته بما عند غيره، وغيره لا يبذله له بدون مقابل، فكان السبيل إلى الوصول إلى الذي يريده الإنسان عن طريق البيع، فيدفع الثمن ويأخذ السلعة، فيكون البائع محتاجاً إلى الثمن، والمشتري محتاجاً إلى السلعة، فيدفع هذا ما عنده لهذا، ويدفع هذا ما عنده لهذا.
والإجارة تتعلق بالمنافع لا بالأعيان؛ لأن العين باقية، ونفعها هو الذي يملك ويعقد عليه، مثل استئجار الدار، فيستأجر منفعة الدار وهي أن يسكن فيها، فإذا باع المالك العين صار بيعاً، وخرجت العين من ملكه عن طريق أخذ ثمن عليها، وإن أبقى العين في ملكه ولكنه أخرج منفعتها عن ملكه، وأخذ مقابل ذلك شيئاً، فهذه إجارة، وهي: عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة بثمن معلوم، فلابد من تحديد المدة، ولابد من تحديد الأجرة، وإلا حصل الجهل والغرر والاختلاف بين الناس.
والإجارة مجمع على مشروعيتها مثل البيع، ولم يخالف في ذلك إلا من شذ ممن لا يعتبر خلافه، وكما أن الناس محتاجون إلى ما عند غيرهم من الأعيان، فكذلك أيضاً في الإجارة هم محتاجون إلى ما عند غيرهم من المنافع، ولن تحصل لهم هذه المنافع بلا مقابل؛ فشرعت الإجارة ليحصل صاحب العين مبلغاً من النقود في مقابل منفعة عينه التي يخرجها من ملكه مدة معلومة، والإنسان الذي بيده نقود وهو بحاجة إلى منفعة كسكنى دار، قد لا يستطيع أن يشتري داراً، ولكنه يستطيع أن يدفع أجرة لسكنى الدار؛ فيدفع في مقابل هذه المنفعة، والناس لا يستغنون عن ذلك، والذي نقل عنه القول بعدم جواز الإجارة ابن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم، وابن علية هذا هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية، وأبوه إسماعيل بن علية إمام مشهور، ومحدث كبير، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابنه إبراهيم هو الذي عنده شذوذ في بعض المسائل، ومنها مسألة الإجارة، وأبو بكر بن كيسان الأصم معتزلي، وابن علية هذا قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، فهما من المبتدعة، هذا من الجهمية، وهذا من المعتزلة، وهما اللذان خالفا في جواز الإجارة، وهذا خلاف ما عليه الإجماع، وخلاف المعقول؛ لأن الناس لابد لهم من المنافع، وهي لا تحصل لهم بالمجان، فلابد إذاً من الإجارة.
قوله: [باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو] وهو الكلام الذي فيه ترغيب في السلعة وترويج لها، وقد يكون منه ما هو كذب، وقد يكون منه ما هو لغو لا حاجة إليه، فكيف تحصل السلامة من مغبة هذا الذي يحصل في التجارة من اللغو والحلف؟ أورد أبو داود حديث قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: (كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة) يعني: كان الذين يشتغلون في البيع والشراء يقال لهم: السماسرة، وهذا لفظ أعجمي، فإن العجم هم الذين غلب عليهم التجارة والعمل، وكان يقال لهم: سماسرة، قال: (وإن النبي صلى الله عليه وسلم سمانا باسم هو أحسن منه، فقال: يا معشر التجار!) ، يعني: فسماهم تجاراً بدل السماسرة، والسمسار: يطلق على من يكون واسطة في البيع بين البائع والمشتري، ويأخذ في مقابل وساطته شيئاً، فيقال له: سمسار؛ لأنه متوسط بين البائع والمشتري.
قوله: [(إن البيع يحضره اللغو والحلف)] أي: يحصل فيه الحلف، فالإنسان يحلف من أجل البيع والشراء، فإذا كان صادقاً فهو غير آثم، وإن كان كاذباً فهو آثم، ولا يحتاج الأمر إلى أن يحلف، بل يخبر بالسلعة كما هي، ويخبر عنها بما يعلمه فيها دون أن يحلف، ولا يجعل الله وسيلة إلى أنه لا يتحدث إلا حالفاً، بل يعرض سلعته ويبين ما فيها دون أن يحلف، وإن حلف بكذب فإنه يأثم بذلك.
قوله: [(فشوبوها بالصدقة)] .
يعني: أخرجوا صدقة تكفر هذا الأمر الذي قد يخالط البيع من كون الإنسان يتكلم بكلام لا حاجة إليه، أو يحلف على السلعة، لكن إذا كان كاذباً فإنه يأثم لكذبه، وإذا تاب تاب الله عليه، والصدقة فيها سلامة من هذا اللغو الذي قد يحصل من الإنسان عند بيعه وشرائه، فتكون صدقته كالكفارة لما يحصل من حلف أو كلام لا حاجة إليه في ترويج السلعة وتنفيقها.
وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن زكاة العروض غير واجبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن تشاب التجارة بالصدقة، ولو كان هناك شيء في التجارة واجب لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر أهل العلم على القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة؛ بل عروض التجارة هي أغلب ما يحصل منه من الفوائد، وأكثر ما تحصل الزكاة عن طريقها، وقد استدل أهل العلم على زكاة العروض بالآيات والأحاديث العامة فيما يتعلق بالزكاة، لاسيما وغالب المكاسب والأعمال تكون في التجارة، فإذا لم يكن في التجارة زكاة فمعناه أن قسماً كبيراً مما يصرف للفقراء من الأغنياء سينقطع، وقد اتفق على وجوب زكاة عروض التجارة الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، والفقهاء السبعة هم فقهاء المدينة السبعة الذين يأتي ذكرهم كثيراً عند ذكر الرجال، وهم فقهاء جمعوا بين الفقه والحديث، وكانوا في زمن متقارب وفي عصر واحد فقيل لهم: الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع منهم فيه خلاف، فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
فهذه المسألة -وهي مسألة الزكاة في عرض التجارة- من المسائل التي اتفق عليها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وقد اشتهر الخلاف في ذلك عن أهل الظاهر، فهم الذين قالوا: لا تجب فيها الزكاة، وكذلك وافقهم جماعة من أهل العلم قليلون جداً، وبعض أهل العلم حكى الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة.




تراجم رجال إسناد حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو معاوية] .
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل] .
هو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن أبي غرزة] .
قيس بن أبي غرزة صحابي، أخرج له أصحاب السنن.




شرح حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي وحامد بن يحيى وعبد الله بن محمد الزهري قالوا: حدثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين وعاصم عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه بمعناه، قال: (يحضره الكذب والحلف) ، وقال عبد الله الزهري: (اللغو والكذب) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الحديث السابق.




تراجم رجال إسناد حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي] .
الحسين بن عيسى البسطامي صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وحامد بن يحيى] .
حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود.
[وعبد الله بن محمد الزهري] .
عبد الله بن محمد الزهري صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جامع بن أبي راشد] .
جامع بن أبي راشد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الملك بن أعين] .
عبد الملك بن أعين صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعاصم] .
هو عاصم بن بهدلة ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة والبخاري ومسلم أخرجا له مقروناً.
[عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة] .
مر ذكرهما.




استخراج المعادن




شرح حديث: (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في استخراج المعادن.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن عمرو -يعني ابن أبي عمرو - عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير، فقال: والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فتحمل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، وليس فيها خير، فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ] .
قوله: [باب في استخراج المعادن] ذكر استخراج المعادن في كتاب البيوع لأن المعادن إما أن تكون ذهباً وفضة فتكون أثمان السلع، وإما أن تكون من الأشياء الأخرى فتكون من السلع التي يحتاج إليها الناس، فهي مصدر من المصادر التي يحصل بها الذهب والفضة وكل أنواع المعادن من حديد أو غير ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير) ، أي: لم يسهل أمره، ولم يتركه حتى يأتي بحقه متى شاء، وإنما تابعه ولازمه ليحصل على حقه، وقال: إنني لا أتركك حتى تأتيني بحميل، أي: ضامن يضمن حقي، وإذا لم توفني فإنه يقوم بالوفاء بدلاً عنك، فالنبي صلى الله عليه وسلم صار حميلاً له، أي: ضمن له حقه.
قوله: [(فتحمل بها النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بقدر ما وعده)] .
أي: بقدر ما وعده من ذهب.
قوله: [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، وليس فيها خير) ] ، قال بعض أهل العلم: إن المنع لم يكن من أجل أنها معدن، وإنما من أجل أمور أخرى، قيل: إنه لم يعطه ذهباً، وإنما أعطاه ذهباً مخلوطاً بترابه، ولم يكن متميزاً، ومعلوم أنه اتفق معه على دنانير، والدنانير معروفة المقدار والوزن، ولم تكن مخلوطة بالتراب، فهو لم يأت بالشيء الذي يكون مطابقاً لحقه حتى يكون موفياً له، وإنما أعطاه ذهباً مع ترابه، فهو ذهب غير معروف المقدار، وليس مساوياً لما يطالبه به، وهو عشرة دنانير، وليس المقصود من المنع كونه من معدن؛ لأن الذهب مثل غيره من المعادن أودعها الله في الأرض.
قوله: [(فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)] .
أي: قضى العشرة الدنانير التي كانت على ذلك الغريم، والنبي عليه الصلاة والسلام ضمن له، وأعطى لصاحب الحق حقه عندما رآه ملازماً لغريمه.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد] .
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو يعني ابن أبي عمرو] .
عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




اجتناب الشبهات




شرح حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اجتناب الشبهات.
حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو شهاب حدثنا ابن عون عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما ولا أسمع أحداً بعده يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات -وأحياناً مشتبهة- وسأضرب لكم في ذلك مثلاً: إن الله حَمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحِمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) ] .
قوله: [باب في اجتناب الشبهات] المقصود بالشبهات: الأشياء التي لم يتبين حلها من حرمتها، فليست من الحلال البين، ولا من الحرام البين، وإنما هي مشتبهة لا يدرى هل هي حلال أو حرام، هذه هي المشتبهات.
إذاً: تنقسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام: منها ما هو حلال بين، ومنها ما هو حرام بين، ومنها ما لم يعرف حرمته ولا حله وإنما هو مشتبه، وقد يشتبه على بعض الناس، ويتضح حكمه لبعض الناس، ولهذا قال: (لا يعلمهن كثير من الناس) ، ومعناه أن بعض الناس قد يعلم أن هذا المشتبه من الحرام البين أو من الحلال البين، ومن عرف أن هذا المشتبه من الحرام البين فإنه يجتنبه لزوماً، ومن عرف أنه من الحلال البين فله أن يفعله، والاحتياط والورع في تركه؛ لأنه قد يكون حراماً، ففي تركه السلامة المحققة، وإذا فعله مع عدم جزمه بحله، ومع احتمال الحرمة؛ فإنه يكون في نفسه منه شيء، فالطريقة المثلى التي بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام هي أن يترك المشتبه حتى لا يعرض الإنسان نفسه لأن يكون قد فعل أمراً محرماً.
قوله: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، وأحياناً يقول: مشتبهة) يعني: أحياناً يقول: مشتبهة، وأحياناً يقول: مشتبهات.
قوله: (وسأضرب لكم في ذلك مثلاً، إن الله حَمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) .
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً مشاهداً معايناً لكون الشيء يكون حلالاً بيناً وحراماً بيناً ومشتبهاً لا يدرى هل هو حلال أم حرام، وهو أن هناك حِمى قد منع من الوصول إليه، فالإنسان الذي يبتعد عن الحمى يسلم، ومن حام حول الحمى فقد يدخل في الحمى لأنه قريب منه فيقع فيه، وهذا من ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمثال حتى يتضح المعقول بالمحسوس، فإن المكان إذا كان محمياً لا يسمح لأحد أن يرعى غنمه فيه، فإن كان بعيداً منه فإنه قد سلم؛ لأن الغنم ليست قريبة منه فتقع فيه، ومن رعى حوله فيمكن أن تنطلق الغنم وتصل إلى مكان المنع، فكذلك الذي يقدم على المشتبهات ويفعلها فإنه قد يكون ذلك المشتبه حراماً فيقع فيه، ولكن السلامة في تركه والاستبراء للعرض وللدين، كما جاء في بعض روايات الحديث: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) استبرأ لدينه لكونه لم يقع في أمر محرم، ولعرضه حتى لا يلام ويقال: إنه فعل كذا وفعل كذا.
قوله: (وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) .
من يخالط الريبة يمكن أن يقع في المحرم، كما أن الراعي الذي يحوم حول الحمى يمكن أن تقع غنمه في الحمى، فيكون قد وقع في أمر محذور وأمر ممنوع منه.
والحديث ورد بأطول من هذا في الصحيحين، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ، وهذا الحديث جاء في الصحيحين بألفاظ مختلفة، وأورده النووي في الأربعين النووية؛ لأنه من الأحاديث الجامعة، فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:40 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


تراجم رجال إسناد حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو شهاب] .
هو عبد ربه بن نافع، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن عون] .
هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت النعمان بن بشير] .
النعمان بن بشير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد جاء عنه التصريح بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، ففي الصحيحين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين) ، وكان عمره ثمان سنوات لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا مما يستدل به العلماء على تحمل الصغير في حال صغره وروايته في حال كبره، فتكون روايته معتبرة؛ لأن العبرة بحال الأداء، ومثله الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، فإن روايته معتبرة، فهو يحكي عن شيء حصل في حال الكفر ثم يؤديه في حال الإسلام.




شرح حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن زكريا عن عامر الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بهذا الحديث، قال: (وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ دينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن النعمان بن بشير، وفيه التصريح بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس)] .
وهذا فيه أن هذا المشتبه الذي لا يدرى هل هو من الحلال البين أو من الحرام البين بعض الناس يعلمه، لكن كثير من الناس تخفى عليهم أحكامها، ولا يهتدي إليها كل أحد.
قوله: [(فمن اتقى الشبهات استبرأ عرضه ودينه)] .
يعني: من ترك الأمور المشتبهة سلم من أن يعرض دينه لشيء من النقص بأن يفعل أمراً محرماً، وصان عرضه عن أن يتكلم فيه بأن يقال: فلان فعل كذا، وفلان ما عنده ورع، هذا هو معنى (استبرأ لعرضه) ومثله حديث: (مطل الغني ظلم، يحل عرضه وعقوبته) يعني: كون الإنسان عنده حق ثم هو يماطل صاحبه فهو ظلم لصاحب الحق، وهذا المطل يحل عرضه بأن يتكلم فيه صاحب الحق فيقول: منعني حقي، عمل معي كذا وكذا، وعقوبته أي: حبسه إذا كان قادراً على السداد والوفاء ولكنه مماطل.
قوله: [(فمن اتقى الشبهات استبرأ عرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)] .
لأن الأمر إذا كان مشتبهاً ليس واضحاً أنه حلال، فلعله يكون حراماً، فإذا وقع فيه الإنسان فقد وقع في الأمر المحرم، فالاحتياط هو ترك الشبهات، وليس كل من وقع في الشبهات يقع في الحرام، فقد تكون الشبهة حلالاً فلا يقع فيه، لكن من استمرأ أن يأتي الأمور المشتبهة فقد يكون شيء منها حراماً.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى] .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا] .
هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي سمعت النعمان بن بشير] .
مر ذكرهما.




اللحوم المستوردة من المشتبهات
من المشتبهات -مثلاً:- اللحوم المستوردة إذا لم يعرف طريقة ذبحها، أما إذا عرفت طريقة ذبحها، وأنها تذبح ذبحاً شرعياً، فهي حلال، لكن إذا جاءت من بلد لا تعرف طريقتهم في الذبح، وقد يذبحون ذبحاً شرعي أو غير شرعي، فهذا الأمر مشتبه.
والأولى أن الإنسان يأخذ لحماً مذبوحاً في البلد يطمئن لذبحه، فهذا أولى من أن يأكل لحماً فيه اشتباه، وأيضاً الشراء من المنتجين في البلد أولى من الشراء من الخارج، وإن كان الشراء منهم جائزاً مثل جواز الزواج بالنصرانية وباليهودية، لكن أيهما أولى الزواج من مسلمة أو من كافرة؟ لاشك أن الزواج من المسلمة أولى، وإن كان الزواج من الكتابية جائزاً، لكن الحلال ليس كله على حد سواء، فهذا أولى من هذا، وكون الإنسان يتزوج بمسلمة أولى من أن يتزوج بكافرة من أهل الكتاب.




شرح حديث: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا عباد بن راشد قال: سمعت سعيد بن أبي خيرة يقول: حدثنا الحسن منذ أربعين سنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (ح) وحدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن داود -يعني ابن أبي هند - وهذا لفظه، عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره، قال ابن عيسى: أصابه من غباره) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره أو أصابه من غباره) يعني: أنه ما أحد يسلم أن يقع في شيء من الربا، لكن الحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين الحسن وأبي هريرة، فهو لم يسمع منه، ولأن فيه أيضاً شخصاً مقبولاً لا يحتج به إلا عند المتابعة، لكن الانقطاع بين الحسن وأبي هريرة كافٍ في عدم ثبوته.




تراجم رجال إسناد حديث: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عباد بن راشد] .
عباد بن راشد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[سمعت سعيد بن أبي خيرة] .
سعيد بن أبي خيرة مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[(ح) وحدثنا وهب بن بقية] .
هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد بن عبد الله] .
هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن داود يعني ابن أبي هند] .
داود بن أبي هند ثقة كان يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهذا الحديث لفظ ابن أبي هند.
[عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن عن أبي هريرة] .
تقدم ذكرهم.




حكم أخذ الحوالات عن طريق البنوك الربوية
هذا الحديث لم يثبت، ولو ثبت فإن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم يقع، ولا يتخلف ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث غير ثابت، فلا يقال: إن الواقع أنه ما أحد يسلم من الربا، وأن له نصيباً من الربا، فالتعامل في المصارف يمكن للإنسان أن يكون مرابياً ويمكن أن يكون غير مراب؛ فكون الإنسان يأتي إليه مال عن طريق البنوك الربوية لا يقال: إنه حرام عليه، وإنه كالربا، بل للمسلم أن يعامل الكفار، ومعلوم أن الكفار يتعاملون بأمور محرمة، ونحن لا نسأل ونقول: من أين جاء هذا المال؟ وهل هو ثمن خمر أو ثمن خنزير؟ بل نأخذه ولا نسأل عنه، والأصل هو السلامة، فهذا من جنسه، بمعنى: أن كون الإنسان تأتيه حوالة عن طريق البنك الربوي، فإنه يأخذها، ولا يقال: إنه أخذ حراماً، وإنما الحرام كونه يأخذ الفائدة المحرمة مقابل الإيداع، هذا هو الربا، وأما أن تأتي لك حوالة عن طريق البنك، فلا يقال: إنك أكلت ربا أو أخذت ربا.




شرح حديث: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله! إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: أطعميه الأسارى) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من الأنصار مبهم، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول ولا يحتاجون إلى تعديل من بعد ثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، والجهالة في غيرهم تؤثر وتضر، وفيهم لا تضر ولا تؤثر، ولا يعني كونهم عدولاً أنهم معصومون، فإن العصمة ليست لأحد إلا للرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولكنهم عدول وخيار يعتمد على كلامهم، ويعول على ما جاء عنهم من الرواية، وكل راو من الرواة دون الصحابة لابد من معرفة حاله من الثقة والضعف وغير ذلك إلا الصحابة فإن المجهول فيهم في حكم المعلوم، ولهذا لا يؤثر إذا قيل: عن رجل من الأنصار، أو عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن رجل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإن ذلك كاف في عدالته وقبول خبره.
وقد ذكر هذا الصحابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر يوصي الحافر الذي يحفر القبر أن أوسع من جهة رجليه، وأوسع من جهة رأسه، حتى يكون القبر واسعاً غير ضيق يضم الميت بعضه إلى بعض.
قوله: [(فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده)] .
أي: فلما رجع استقبله داعي امرأة تدعوه إلى طعام، فلما جاء ومد يده ومد الناس أيديهم تبعاً له صلى الله عليه وسلم جعل يلوك قطعة من اللحم في فمه ثم قال: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها) ، وهذا علمه الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه، وليس كل غيب يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يعلم الغيب على الإطلاق هو الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في كثير من الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، مثل قصة العقد الذي فقدته عائشة في سفر، وجلسوا حتى الصباح في البحث عن العقد، ثم نفد الماء فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا وصلوا، ولما يئسوا من الحصول على العقد أثاروا الإبل للرحيل، وإذا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب على الإطلاق لقال من أول وهلة: العقد تحت الجمل، لكنه ما عرف ذلك حتى ثار الجمل ووجد العقد تحته.
وكذلك عائشة رضي الله عنها لما رميت بالإفك ما كان يعلم عليه الصلاة والسلام بالحقيقة حتى تألم وتأثر، وأرسل عائشة إلى أهلها، وقال لها: (إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) ، ولم يعلم براءتها إلا بعد أن نزلت آيات تتلى في سورة النور، فعند ذلك عرف أنها بريئة، وقبل ذلك مضت مدة طويلة وهو لا يعلم حقيقة الأمر، فلو كان يعلم الغيب مطلقاً لعلم براءتها من أول الأمر، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يوم القيامة يذاد عن حوضه أناس من أصحابه، قال: (فأقول: أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فحتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هو أيضاً لا يعلم بما فعل أصحابه من بعده؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ، والمعنى: أن فيهم من ارتد، وهم الذين ارتدوا من أصحابه وقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالجيوش المظفرة، حتى عاد الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن الله تعالى يطلع نبيه على ما شاء من غيبه، ولا يطلعه على كل الغيب، فالاطلاع على جميع الغيوب هو من خصائص الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا أمر الله نبيه أن يقول: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام:50] ، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188] .
قوله: [(فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة)] .
أخبرت المرأة بالذي حصل، وهو أنها أرسلت إلى البقيع -وهو المكان الذي تباع فيه الغنم- من يشتري لها شاة، فلم يجد، وكان أحد جيرانها قد اشترى شاة، فأرسلت إليه تطلب منه أن يعطيها الشاة بثمنها، فلم تجد صاحب الشاة الذي هو صاحب البيت، فطلبت من امرأته أن تعطيها إياها، فأعطتها الشاة بدون إذن زوجها، فأخذت الشاة بغير إذن صاحبها الذي هو صاحب البيت.
والشاهد من إيراد الحديث فيما يتعلق بالشبهات: هو ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأكل هذه الشاة بعد أن علم أنها أخذت بغير إذن أهلها، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا الأكل منها، وقال: (أطعميه الأسارى) ولعل المقصود بذلك أسارى الكفار، فيطعم ذلك للكفار بدلاً من أن يتلف ولا يستفاد منه، وهذا يدل على أن المال الذي يكون بيد الإنسان وهو غير حلال يتخلص منه بطريقة مناسبة، ومثله ما يسمى بالفوائد الربوية، وهي في الحقيقة مضار، فمن وقع في يده شيء منها، ثم جاء يسأل: ماذا يصنع فيها؟ ف
الجواب أنه يصرف ذلك المال في أمور ممتهنة مثل تعبيد طرق أو بناء حمامات، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي ليست في أمور شريفة، فيصرف المال في مثل ذلك للتخلص منه، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إلى التخلص من هذه الشاة بهذه الطريقة.




تراجم رجال إسناد حديث: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عاصم بن كليب] .
عاصم بن كليب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن رجل من الأنصار] .
وهو صحابي مبهم كما تقدم.




آكل الربا وموكله




شرح حديث: (لعن رسول الله آكل الربا وموكله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في آكل الربا وموكله.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سماك حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) ] .
قوله: [باب في آكل الربا وموكله] أي: حكمه، وأنه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد المصنف هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) آكل الربا هو الذي يأخذ الربا، وليس المقصود بذكر الأكل قصر الانتفاع على الأكل، بل الحكم واحد ولو استعمله في غير الأكل، كأن يشتري به لباساً أو سيارة أو بيتاً، ولكنه ذكر الأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع، وقد قال الله في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] ، فهو من هذا القبيل، ذكر الأكل لأنه أهم وجوه الانتفاع.
وموكله هو الذي دفعه؛ لأن المعاملة فيها آخذ ومعطي، فآكله هو الذي أخذه، وموكله هو الذي دفعه، وكاتبه هو الذي يكتب بين الآكل والموكل، والشهود هم الذين يشهدون على عقد الربا، فهؤلاء ملعونون أيضاً؛ لأن مساعدتهم والكتابة لهم والشهادة على أمر محرم من التعاون على الإثم والعدوان، وكلهم ملعونون على لسان رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.




تراجم رجال إسناد حديث: (لعن رسول الله آكل الربا وموكله)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سماك] .
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود] .
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





الأسئلة




حال حديث قبيصة: (إذا صليت الفجر فقل ثلاثاً: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام والفالج)

السؤال حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا يزيد بن هارون عن الحسن عن أبي كريمة قال: حدثني رجل من أهل البصرة عن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا قبيصة! ما جاء بك؟! قلت: كبرت سني، ورق عظمي، فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله عز وجل به.
قال: يا قبيصة! ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك، يا قبيصة! إذا صليت الفجر فقل ثلاثاً: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام والفالج، يا قبيصة! قل: اللهم إني أسألك مما عندك، وأفض علي من فضلك، وانشر علي رحمتك، وأنزل علي من بركاتك) ما مدى صحة هذا الحديث؟

الجواب كونه يعافى من العمى والجذام والفالج بهذا الدعاء فيه نكارة، ثم الإسناد فيه رجل مبهم، فالظاهر عدم ثبوت هذا الحديث.
حال حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
السؤال ما حال حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ؟

الجواب هذا من أحاديث الأربعين النووية، والذي أعلم أنه صحيح.
حكم الجمع بين الذهب والفضة في الزكاة
السؤال من ملك مقداراً من الذهب لم يبلغ النصاب، وكذلك مقداراً من الفضة لم يبلغ النصاب، فهل يضم النقدين؟
الجواب نعم، يضم بعضهما إلى بعض، وإذا كان مجموعهما نصاباً يزكي.









ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:42 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [384]
الحلقة (416)



شرح سنن أبي داود [384]
لقد حرم الله تعالى الربا بكل أنواعه وصوره في كتابه وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فينبغي على المؤمن تركه وعدم التعامل به، كما ينبغي عليه ترك الحلف في البيع والشراء، فإن الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة، وعليه أن يجتنب الدين ما استطاع إلا أن يكون عازماً على أدائه، فإن كان كذلك أدى الله تعالى عنه، وما كان في الجاهلية لا يبقى في الإسلام، إلا ما أقره الإسلام فإنه يبقى ثابتاً ومعتبراً.




وضع الربا




شرح حديث: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وضع الربا.
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع يقول: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلغت؟ قالوا: نعم ثلاث مرات، قال: اللهم اشهد.
ثلاث مرات) ] .
قوله: [باب في وضع الربا] أي: إبطال الربا الذي حصل في الجاهلية وأدركه الإسلام، وذلك أن ما كان موجوداً في الجاهلية من معاملات ومن أمور محرمة، فما انتهى الأمر فيها قبل أن يدخلوا في الإسلام لا يبحث عنه، ولا يرد منه شيء من هذا لهذا، فالذي مضى في الجاهلية مضى على ما هو عليه، ولكن ما أدركه الإسلام بمعنى أنه جاء الإسلام وهذا الربا موجود فإنه يبطل، ويكون للإنسان رأس ماله دون أن يأخذ الربا المحرم، وكذلك إذا كان هناك قتل في الجاهلية فإنه بمجيء الإسلام ينتهي الأمر، ولا يطالب بعد الإسلام بشيء حصل في الجاهلية، وكذلك إذا كان هناك أمور محرمة أخرى لا يبحث عنها، لكن إذا عرف أن هناك شيئاً لا يقره الإسلام مما كان موجوداً في الجاهلية، مثل نكاح أكثر من أربع، أو نكاح أختين أو ما إلى ذلك؛ فإن هذا لا يقره الإسلام، ولا يبقى في الإسلام، وما جاء الإسلام وأقره فإنه يكون ثابتاً ومعتبراً بحكم الإسلام، ومن المعاملات المباحة التي كانوا يتعاملون بها، وجاء الإسلام وأقرها: اعتبار الولي في النكاح، فإن هذا مما كان في الجاهلية وأقره الإسلام، كما جاء ذلك عن عائشة في الصحيح، ومثل المضاربة فقد كانت معمولاً بها في الجاهلية وجاء الإسلام وأقرها.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو الأحوص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (إن ربا الجاهلية موضوع) يعني: أنه ملغى ومبطل، وأن للناس رءوس أموالهم ويترك الربا، وإن كانت المعاملة الربوية انتهت في الجاهلية، وأخذ الربا في الجاهلية، فإنه لا يطلب منه أن يعيد الربا الذي أخذه في الجاهلية؛ لأن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله، ولكن يبطل ما أدركه الإسلام، فالإسلام يقر ما كان مشروعاً ومباحاً، ويمنع ويلغي ما كان محرماً وغير سائغ.
وكذلك القتل الذي حصل بينهم في الجاهلية لا يطالبون به في الإسلام، فلو أن رجلاً قتل آخر في الجاهلية ثم أسلم فلا يقام عليه الحد في الإسلام، فالإسلام يهدم ما كان قبله، ومن سرق أشياء في الجاهلية ثم أسلم فلا يجب عليه أن يردها.
والجاهلية هي ما كان قبل الإسلام، وقبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يدخل الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
قال: (وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب) .
ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا هل بلغت؟) وكررها ثلاثاً وقال: (اللهم اشهد) وكررها ثلاثاً، وقد جاء ذلك أيضاً في حديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع.




تراجم رجال إسناد حديث: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو الأحوص] .
هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شبيب بن غرقدة] .
شبيب بن غرقدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن عمرو] .
سليمان بن عمرو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
والحديث في سنده مقبول إلا أنه جاء له شاهد صحيح، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.




كراهية اليمين في البيع




شرح حديث: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية اليمين في البيع.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب (ح) وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال: قال لي ابن المسيب: إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة) ، قال ابن السرح: للكسب، وقال: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم] .
قوله: [باب في كراهية اليمين في البيع] اليمين إذا كانت كاذبة فهي محرمة، وإذا كانت غير كاذبة فينبغي تركها، والإنسان يخبر بالشيء دون أن يحلف، ولا يجعل الله عرضة لليمين، وإنما يخبر بالشيء على ما هو عليه دون أن يحلف، ولكن إن حلف وكان صادقاً فإن ذلك لا يضره، وإن كان كاذباً في حلفه فإن ذلك يضره لكونه كذب، وإن ترتب شراء بسبب هذه اليمين الكاذبة فإن ذلك يكون سبباً في محق البركة من وراء هذا البيع أو من وراء هذا الشراء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) ، وفي لفظ أحد شيخي أبي داود: (ممحقة للكسب) يعني: أن الحلف ينفق السلعة، ويروجها، ويجعل للمشتري فيها رغبة، وقد جاء في حديث السبعة الذين لا يكلمهم الله: (المنفق سلعته بالحلف الكاذب) ، أي: المروج بضاعته بالحلف الكاذب، فالحلف منفقة للسلعة، وفيه ترويج لها، وترغيب فيها، ولكنه ممحقة للبركة، فهو سبب في ذهاب البركة من هذه الأموال التي حصّلها بسبب بيع هذه السلعة التي نفقها بالحلف الكاذب.




تراجم رجال إسناد حديث: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح مصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة] .
هو عنبسة بن عبد الواحد المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود.
[عن يونس] .
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المسيب] .
هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.




الرجحان في الوزن والوزن بالأجرة




شرح حديث: (زن وأرجح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن سماك بن حرب حدثني سويد بن قيس رضي الله عنه قال: (جلبت أنا ومخرفة العبدي بزاً من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي، فساومنا بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زن وأرجح) ] .
قوله: [باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر] ، الترجمة مشتملة على أمرين: الأول: أن الإنسان عندما يزن يرجح، بمعنى أنه إذا وضع المعيار الذي يوزن به في كفة، ووضعت السلع التي توزن في كفة؛ فلا تكون الكفتان متساويتين، بل المشروع أن يحصل الرجحان، وذلك بأن تميل الكفة التي فيها السلعة عن الكفة الثانية التي فيها المعيار الذي يوزن به، هذا هو الرجحان.
الثاني: الوزن بالأجر، فيجوز أن يكون مع الإنسان ميزان، ويزن للناس بالأجر، أو مكيال ويكيل للناس بالأجر، أو يقسم للناس بالأجر، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يكون فيها إفادة للناس.
وقد أورد أبو داود حديث سويد بن قيس رضي الله عنه قال: (جلبت أنا ومخرفة) -وفي بعض الألفاظ مخرمة العبدي (بزاً من هجر) ، والبز هو القماش، (فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فساومنا بسراويل فبعناه) أي: فباعوه للنبي عليه الصلاة والسلام، (وثم) أي: هناك شخص (يزن بالأجر) ، أي: يوجد في السوق رجل عنده ميزان، والناس يزنون عنده ويعطونه أجرة على الوزن، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (زن وأرجح) ، أقره على أن يزن بالأجر، وأمره أن يرجح في الوزن، بمعنى أن يزيد في الكفة التي فيها السلع التي توزن بحيث تميل الكفة، وليس معنى ذلك أنها تميل ميلاً عظيماً، فهذا قد يكون فيه ظلم، لكن يميل الميزان ميلاً يسيراً من غير أن يكون هناك إضرار بصاحب السلعة، هذا هو الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فدل هذا الحديث على ما ترجم له المصنف من جهة إرجاح الميزان، وجواز أن يزن الإنسان للناس أو يكيل لهم أو يقسم لهم بالأجرة.
وهذا الرجحان للاستحباب وليس للوجوب؛ لأن الواجب هو حصول المماثلة في الميزان، لكن هذا على سبيل الاستحباب وعلى سبيل الاحتياط أيضاً، وهذا الرجحان يحصل بالميل اليسير.
وكل شخص يزن يشرع له إرجاح الوزن، سواء كان هو بائع السلعة أو كان الذي يزن عاملاً عند صاحب السلعة، أو كان شخصاً عنده ميزان يزن للناس بالأجر، فإن الجميع مأمورون بأن يرجحوا الميزان.
وأجرة الوزن تكون بحسب الاتفاق بين البائع والمشتري، إما على البائع أو على المشتري.
وذكر الوزن في هذا الحديث لا علاقة له بشراء السراويل، فإن السراويل لا توزن.




تراجم رجال إسناد حديث: (زن وأرجح)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان الثوري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك بن حرب] .
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سويد بن قيس] .
سويد بن قيس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.




شرح حديث: (زن وأرجح) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم المعنى قريب قالا: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن أبي صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل أن يهاجر بهذا الحديث، ولم يذكر: يزن بأجر.
قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، والقول قول سفيان] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهنا قال: أبو صفوان بن عميرة، ذكره بكنيته، وهناك ذكره باسمه.
[قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، والقول قول سفيان] .
وفيه إثبات هذه الزيادة، وهي كونه يزن بالأجر.




تراجم رجال إسناد حديث: (زن وأرجح) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ومسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى قريب] .
يعني: معنى رواية حفص ورواية مسلم قريب بعضها من بعض.
[حدثنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك بن حرب عن أبي صفوان بن عميرة] .
مر ذكرهما.




مخالفة سفيان لشعبة في حديث: (زن وأرجح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي رزمة سمعت أبي يقول: قال رجل لـ شعبة: خالفك سفيان، قال: دمغتني، وبلغني عن يحيى بن معين قال: كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان] .
أورد أبو داود كلاماً في الموازنة والمقارنة بين سفيان الثوري وشعبة، وكل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والثقات الأثبات يوازن بينهما، ويقدم من هو أحفظ على من هو دونه، فمن كانت أغلاطه أقل كان هو المقدم، وهو الأثبت، وإن كانت أغلاطهما جميعاً قليلة، لكن بعضها أقل من بعض، فمن كان أقل أغلاطاً وأقل خطأً فإنهم يفضلونه على صاحبه، وإن كان كل منهما جبلاً في الحفظ، لكن عند المقارنة الدقيقة بين الاثنين فمن كانت أغلاطه أقل قدموه.
وقد ذكر أبو بكر الحازمي في كتابه: (شروط الأئمة الخمسة) الموازنة بين مالك وسفيان بن عيينة وروايتهما، وقال: مالك مقدم على سفيان في الحفظ؛ لأن سفيان عدت أغلاطه فبلغت كذا وكذا، ومالك عدت أغلاطه فكانت أقل، فهو مقدم على سفيان بن عيينة.
قوله: [قال رجل لـ شعبة: خالفك سفيان، قال: دمغتني] .
يعني: أن القول قول سفيان، فهو أحفظ مني، ويقدم قوله على قولي.
قوله: [وبلغني عن يحيى بن معين قال: كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان] .
هذا يعني أن سفيان متمكن في الحفظ.




تراجم رجال إسناد أثر مخالفة سفيان لشعبة في حديث: (زن وأرجح)
قوله: [حدثنا ابن أبي رزمة] .
هو محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[سمعت أبي] .
أبوه هو عبد العزيز بن أبي رزمة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي.
[وبلغني عن يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح قول شعبة: كان سفيان أحفظ مني
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن شعبة قال: كان سفيان أحفظ مني] .
ذكر المصنف هذا الأثر الذي فيه اعتراف شعبة بأن سفيان أحفظ منه، وهذا يوضح معنى قوله: دمغتني، فليس معناها إنكاراً، وإنما هو اعتراف بفضل سفيان وحفظه.
واعتراف شعبة لـ سفيان بالحفظ يدل على الإنصاف، ويدل أيضاً على فضل هذا المعترف ونبله، وأنه لا يدعي شيئاً وهو يعتقد خلافه، وقد يقول الإنسان ذلك على سبيل التواضع، ولكن قول غيره هنا يطابق هذا الذي قاله من كون سفيان مقدم على غيره؛ يعني على شعبة وغير شعبة، فهذا الذي قاله شعبة لم ينفرد به حتى يقال: لعله تواضع منه، بل هذا هو الواقع.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:44 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




تراجم رجال إسناد قول شعبة: كان سفيان أحفظ مني
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة] .
مر ذكره.




المكيال مكيال المدينة




شرح حديث: (الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المكيال مكيال المدينة) .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن دكين حدثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) ] .
قوله: [باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المكيال مكيال المدينة) ، المقصود من هذه الترجمة: بيان أن المكيال الذي يعول فيه على معرفة الحقوق التي لله عز وجل -مثل: الزكاة والكفارات وغيرها- هو مكيال أهل المدينة، فقد جاء أن الزكاة تكون كذا صاع، والكفارة كذا صاع، والمعتبر هو مكيال أهل المدينة.
أما بالنسبة للوزن -مثل وزن الذهب والفضة- فالمعتبر هو وزن أهل مكة؛ لأن أهل مكة أهل تجارة، وقد غلب عليهم ذكر الوزن، وأهل المدينة أهل حرث وزراعة، وقد غلب عليهم ذكر الكيل.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة) أي: الأمور التي شرعها الله سبحانه وتعالى يرجع فيها إلى مكيال المدينة، فلو تغيرت المكاييل أو الموازين فلا بأس للناس أن يستعملوا الأشياء التي تعارفوا عليها في غير حقوق الله، ولكن فيما يتعلق بحقوق الله مثل الكفارات، وفيما يتعلق بالوزن مثل معرفة نصاب الذهب والفضة، فالمعتبر في الوزن هو ميزان أهل مكة، والمعتبر في الكيل هو مكيال أهل المدينة.
والناس إذا اعتبروا مقاييس وموازين وأحجاماً يكيلون بها ويزنون فالمعتبر في معاملاتهم هو ما تعارفوا عليه، ويرجع في ذلك إلى عرفهم، فلو كان على رجل في ذمته مائة صاع، وصاعهم أكبر من صاع المدينة، فلا يقال: يرجع إلى مكيال أهل المدينة، بل يرجع إلى الصاع الذي تعارفوا عليه، وهو الصاع الذي يتعامل به أهل ذلك البلد.




تراجم رجال إسناد حديث: (الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن دكين] .
هو أبو نعيم الفضل بن دكين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن حنظلة] .
سفيان مر ذكره، وحنظلة هو ابن أبي سفيان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس] .
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.




اختلاف الرواة في حديث: (الوزن وزن أهل مكة)
[قال أبو داود: وكذا رواه الفريابي وأبو أحمد عن سفيان وافقهما في المتن، وقال أبو أحمد: عن ابن عباس مكان ابن عمر، ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة قال: (وزن المدينة، ومكيال مكة) .
قال أبو داود: واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا] .
أورد أبو داود روايات أخرى منها ما يوفق ما تقدم من جهة: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) ، وأنه جاء عن ابن عمر وعن ابن عباس، وجاء المتن في بعض الطرق مقلوباً: (وزن المدينة، ومكيال مكة) ، ولاشك أن هذا من قبيل المقلوب، والصواب: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) .




تراجم رجال إسناد الرواة المختلفين في حديث: (الوزن وزن أهل مكة)
قوله: [وكذا رواه الفريابي] .
هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو أحمد] .
هو أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
هو سفيان الثوري وقد مر ذكره.
[وقال أبو أحمد: عن ابن عباس مكان ابن عمر] .
يعني: جعل أبو أحمد ابن عباس مكان ابن عمر.
[ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة] .
الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حنظلة] .
حنظلة مر ذكره.
قوله: [(وزن المدينة، ومكيال مكة)] .
يعني: جاء الحديث عن حنظلة من طريقين: الطريق الأولى: (مكيال أهل المدينة، ووزن أهل مكة) .
الطريق الثانية من طريق الوليد بن مسلم: (كيل أهل مكة، ووزن أهل المدينة) ، والمحفوظ هي الرواية الأولى.
[قال أبو داود: واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار] .
مالك بن دينار صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا] .
يعني: أنه مرسل.




التشديد في الدين




شرح حديث: (إن صاحبكم مأسور بدينه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في الدين.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن سمعان عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟! أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه.
فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء) ] .
قوله: [باب في التشديد في الدين] أي: أن الإنسان عندما يتحمل الدين فأمره ليس بالهين وليس بالسهل، وليس للإنسان أن يقدم على الدين إلا إذا كان مضطراً إليه، وإذا اضطر إليه فليحرص على أن يوفي به.
وقد جاءت أحاديث عديدة تدل على التشديد فيه، وتبين خطورته، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغفر للشهيد كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) .
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ههنا أحد من بني فلان؟ فأعادها ثلاثاً، فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، قال: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين، أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً) يعني: أن الرجل خشي أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام ذكرهم لشيء غير محمود.
قوله: [(إن صاحبكم مأسور بدينه)] .
يعني: رجل من قرابة هذا الشخص الذي هو من بني فلان مأسور بسبب دينه، أي: محبوس عن دخول الجنة.
قوله: [(فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)] .
أي: هذا الشخص الذي قام أدى عن هذا الشخص المأسور حتى لم يبق يطالبه أحد.
وفيه إشارة إلى أن القرابة يشرع وينبغي لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض، وأن يواسي بعضهم بعضاً، وأن يساعد بعضهم بعضاً، وهذا من صلة الأرحام.
وهذا الحديث مثل حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ، وفي حديث أبي قتادة قال عليه الصلاة والسلام: (الآن بردت جلدته) عندما قضى دين الميت، ومعلوم أنه قبل دخول الجنة تكون المقاصة بين من يستحقون الجنة بعدما يتجاوزون النار؛ فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض، وهذه المقاصة تكون بالحسنات، وهم قد تجاوزوا النار فلن يدخلوها، ولكن يبقى التفاوت بينهم في درجات الجنة، فيؤخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، والنتيجة التي تترتب على هذا الأخذ هي ارتفاع الدرجات.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن صاحبكم مأسور بدينه)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق] .
سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمعان] .
هو سمعان بن مهند، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سمرة] .
هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكروا أن سمعان لم يسمع من سمرة، لكن الحديث له شواهد تؤيده وتدل على ما دل عليه.
[قال أبو داود: سمعان بن مهند] .
ذكره وبين نسبته هنا.




شرح حديث: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع له قضاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب أنه سمع أبا عبد الله القرشي يقول: سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري يقول عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم الذنوب عند الله بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء) ، وهذا فيه بيان التشديد في أمر الدين، وبيان خطورة الدين، وفيه: أنه إذا ترك له وفاء فإن المحذور يزول من جهة أن صاحب الحق سيصل إليه حقه؛ لأنه ترك تركة يمكن أن يسدد بها الدين، ويقضى منها الدين.
وهذا الحديث ضعيف، ولو صح فيحمل على من كان لا يريد للوفاء، وليس عنده نية الوفاء؛ لأن هذا يأكل أموال الناس بالباطل، أما من استدان وهو يريد الوفاء -وهو مضطر إلى ذلك- فهو معذور، ويجب عليه أن يحرص على أن يسدد الدين، وإذا لم يسدد فينبغي لأقاربه أن يقوموا بتسديد الدين عنه، فإن سددوها عنه انتهى ما في ذمته، وإن لم يسددوها عنه فإن المقاصة تكون في الدار الآخرة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن المدين إذا كان عازماً على الوفاء وكان مضطراً إلى الدين، ويعطي الدائن من فضله وكرمه فوق ما يستحقه.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع له قضاء)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب] .
ابن وهب مر ذكره، وسعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أبا عبد الله القرشي ٍ] .
أبو عبد الله القرشي مقبول، أخرج له أبو داود.
[سمعت أبا بردة بن أبي موسى] .
أبو بردة بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى] .
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: هما علي يا رسول الله! قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك ديناً فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته) ] .
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يصلي على من كان عليه دين) ، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك من أجل ألا يتهاون الناس بأمر الدين، بل يستصعبونه ويستثقلونه ويحرصون على التخلص والسلامة منه؛ من أجل أن يصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتوا، ومن أجل أن يتحمل عنهم غيرهم ويساعدهم.
قوله: [(فقال أبو قتادة: هي علي يا رسول الله)] يعني: أنا أتحملهما، وأقوم بسدادهما عنه، فصلى عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في أول الأمر، وبعد أن فتح الله تعالى الفتوح، وحصلت الغنائم والأموال؛ كان يقضي دين الميت من بيت المال.
قوله: [(أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من مات وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته)] .
يعني: إن كان للميت مال فهو للورثة، وإن كان عليه دين فالنبي صلى الله عليه وسلم يتحمله.




تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين)
قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني] .
محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
مر ذكره.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد عن شريك عن سماك عن عكرمة رفعه قال عثمان: وحدثنا وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال: (اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه، فأربح فيه فباعه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب وقال: لا أشتري بعدها شيئاً إلا وعندي ثمنه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً) وفي بعض الألفاظ: بيعاً، والعير: هي القافلة التي تأتي ومعها بضاعة، كما قال الله عز وجل في قصة يوسف: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف:82] ، ومعنى الحديث: أنه اشترى منهم شيئاً ولم يكن معه ثمنه، فباعه فأربح فيه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، ثم قال: (لا أشتري بعدها شيئاً إلا وعندي ثمنه) ، والحديث في إسناده مقال، وهو يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توفي وعليه دين، وكانت درعه مرهونة بطعام اشتراه من يهودي لأهله صلى الله عليه وسلم.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك] .
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك عن عكرمة] .
سماك مر ذكره، وعكرمة هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[رفعه] .
فيكون الحديث مرسلاً.
[قال عثمان: وحدثنا وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] .
قد مر ذكرهم، وقوله: (مثله) أي: مثل الطريق المرسلة.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:46 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [385]
الحلقة (417)



شرح سنن أبي داود [385]
إذا اتفقت الأجناس الربوية كذهب بذهب أو فضة بفضة، فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد، وإذا اختلفت كذهب بفضة فيجوز بيعها متفاضلة يداً بيد، وهذا ما يسميه العلماء بالصرف، ومسائله تقع في أيامنا بكثرة.



المطل



شرح حديث: (مطل الغني ظلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المطل.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ] .
قوله: [باب في المطل] المطل: هو عدم التسديد، وعدم توفية صاحب الحق حقه، فإذا طلب منه حقه لا يعطيه إياه، بل يماطله ويؤخر القضاء، وإذا كان المدين غنياً وأخر الحق فهو ظالم، وإن كان فقيراً فهو معذور، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، ويقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] .
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) أي: تأخير الحق عن صاحبه مع قدرته على التسديد ظلم لصاحب الدين؛ لأنه أخر عنه حقه بغير حق، وهذا يدل على تحريم ذلك، وأنه لا يجوز للإنسان أن يفعل هذا؛ لأنه ظلم، والظلم منهي عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلمات يوم القيامة) .
وعلى هذا: فالمدينون منهم من هو غني واجد، ومنهم من هو فقير غير واجد، فعدم تسديد المدين مع قدرته هو ظلم منه للدائن، والفقير المعسر الذي لا يستطيع الوفاء ليس بظالم؛ لأنه ليس عنده شيء به يقضي دينه، والله تعالى يقول في حقه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] يعني: ينظر إلى أن ييسر الله عز وجل له.
وقد جاء في بعض الروايات: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) بمعنى: أنه يحل أن يعاقب فيحبس حتى يقوم بالتسديد؛ لأنه قادر على القضاء، ويحل عرضه بأن يقول: منعني حقي، ويتكلم فيه، ويذمه؛ لأنه منعه حقه، وهذا إذا كان غنياً مماطلاً.
قوله: [(وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع)] أي: إذا أحال المدين الدائن على شخص آخر مليء غير معسر، فليقبل الإحالة عليه، ويذهب إلى الشخص الذي أحيل عليه، ويستوفي دينه منه، وهذا إذا كان مليئاً؛ لأنه قال: (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع) أي: فليذهب إلى ذلك المحال عليه وليتبعه لأخذ حقه منه.
والأمر في قوله: (فليتبع) للاستحباب.
وإذا مطل الغني فلا يحل للدائن أن يأخذ شيئاً من متاعه، بل يرفع أمره إلى السلطان، وإذا أصلِ على مليء ثم مات أو أعسر فإنه يرجع إلى المحيل، ولا يسقط حق الدائن.



تراجم رجال إسناد حديث: (مطل الغني ظلم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد] .
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.



حسن القضاء



شرح حديث: (خيار الناس أحسنهم قضاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حسن القضاء.
حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكراً، فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء) ] .
قوله: [باب في حسن القضاء] أي: إذا كان الإنسان مديناً فعندما يأتي وقت السداد يؤديه على وجه حسن، وله أن يزيده بالكمية أو الكيفية والنوع، فإذا تسلف نقوداً فله أن يزيده من النقود على حقه، وإذا استلف منه بكراً فله أن يرد رباعياً، وهو أكبر وأنفس من البكر، وهذا جائز إذا كان من غير مواطأة واتفاق، وأما إذا اتفقا عند الإقراض على أن يزيده، أو تواطأا والتواطؤ يكون بشيء غير معلن، كأن يلمح له تلميحاً أو يعرض له تعريضاً.
على الزيادة دون أن ينصا على ذلك في الوثيقة التي كتبت بينهما؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه من القرض الذي جر نفعاً، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد ورد هذا في حديث ضعيف جداً كما قال الحافظ في بلوغ المرام، لكن معناه محل إجماع بين العلماء.
قوله: [(استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكراً) البكر: هو من الإبل مثل الغلام في بني الإنسان، أي: أنه في مقتبل حياته، وليس كبيراً، والرباعي هو الذي أكمل السنة السادسة ودخل في السنة السابعة.
وفي هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام استسلف بكراً ورد رباعياً، وهذا فيه حسن القضاء؛ لأنه أعطاه أنفس مما أخذ منه، ثم قال: (إن خير الناس أحسنهم قضاءً) ، فدل هذا على أن للمدين أن يعطي الدائن عند السداد شيئاً أكثر مما أخذه منه، إذا لم تكن هناك مشارطة ولا تواطؤ، وإنما هو إحسان ومعاملة طيبة من المقترض حيث أعطى أكثر مما أقرض.



تراجم رجال إسناد حديث: (خيار الناس أحسنهم قضاء)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم] .
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار] .
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع] .
هو أبو رافع مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث جابر: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن مسعر عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان لي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم دين فقضاني وزادني) ] .
أورد المصنف حديث جابر رضي الله عنه قال: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني) محل الشاهد منه قوله: (زادني) ، ففيه حسن القضاء بالزيادة.
وإذا تعارف الناس على الزيادة في القضاء فهي من الربا.
ولا يجوز للمقترض أن يهدي للمقرض هدية بسبب القرض؛ لأنه من القرض الذي جر نفعاً.



تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر] .
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محارب بن دثار] .
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الصرف



شرح حديث: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصرف.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء) ] .
قوله: [باب في الصرف] الصرف: هو بيع النقود بعضها ببعض، سواء كان ذهباً بذهب أو ذهباً بفضة، والصرف خاص بالنقود، وأما الشعير بالشعير والتمر بالتمر فليس من قبيل الصرف، ولكنه مثل الصرف من جهة أنه جنس مثل جنس الذهب، فالذهب بالذهب يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، والتمر بالتمر يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، بدون تأجيل ولا زيادة، لكن الصرف خاص بالنقود والعملة؛ ولهذا يقول بعض المصنفين في كتبهم: باب الربا والصرف، والربا أعم من الصرف؛ لأن الربا يكون في الصرف وفي غيره، لكن الصرف لا يدخل فيه المكيلات مثل التمر والشعير والبر والأرز وغير ذلك من الأشياء المكيلة.
إذاً: هذه الترجمة هي ببعض ما اشتملت عليه الأحاديث؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب اشتملت على الصرف وغير الصرف، وهي تدل على الترجمة، ولكنها ليست مقصورة على الترجمة؛ بل تشتمل على الترجمة -وهي الصرف- وعلى الأشياء المكيلة.
فالصرف خاص بالنقود، والنقود المتماثلة لابد فيها من التساوي والتقابض، فلا يجوز فيها فضل ولا نسيئة، والفضل هو الزيادة في بعضها على بعض، والنسيئة هو: تأجيل النقدين أو تأجيل أحدهما.
والنقود التي ليست من جنس واحد يشترط فيها التقابض، ولا مانع من التفاضل، كذهب وفضة، فالفضة تكون أكثر وزناً؛ لأن الذهب أنفس وأغلى من الفضة، فلا مانع من التفاضل، لكن لابد من التقابض؛ لأنه قد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، أي: فبيعوا كيفما شئتم متفاضلاً إذا كان يداً بيد، فيجوز بيع (2) كيلو مثلاً فضة بكيلو ذهب، أو (10) كيلو فضة بكيلو ذهب، لكن لابد من التقابض، فصاحب الذهب يعطي الذهب لصاحب الفضة، وصاحب الفضة يعطي الفضة لصاحب الذهب في المجلس، دون أن يكون هناك تأخير.
وعلى هذا فالصرف إذا كان في بيع الشيء بجنسه فلابد فيه من أمرين: التماثل، والتقابض، وإذا اختلفت الأجناس فلابد من التقابض والتفاضل لا بأس به.
وقد أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء) (هاء وهاء) يعني إلا بالقبض، فيجوز بيعهما متفاضلين بشرط التقابض، وقد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فالتفاضل بين الذهب والفضة جائز، والمحذور هو النسيئة فيهما.
قوله: [(والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء)] ، لابد هنا من التقابض والتماثل أيضاً؛ لأن الذهب والورق جنسان مختلفان، فيلزم التقابض ويجوز التفاضل، وأما البر بالبر فهو جنس واحد، فلابد من التماثل والتقابض.
قوله: [(والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)] .
(هاء وهاء) أي: خذ وخذ، كل واحد يقول للثاني: خذ، ففيه أخذ وإعطاء، هذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي، وهذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي.



تراجم رجال إسناد حديث: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب] .
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن أوس] .
مالك بن أوس له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر] .
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (الذهب بالذهب تبرها وعينها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدي بمدي، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا) ] .
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الذهب بالذهب تبرها وعينها)] ، أي: لابد من التماثل والتقابض؛ لأنهما جنس واحد، حتى لو كان ذلك الجنس من نوعين: نوع مضروب نقوداً، ونوع قطعة من الذهب غير مسبوكة، فلابد من التساوي بينهما والتقابض.
ولا يقال: إنها إذا كانت مضروبة فإن سعرها يكون أغلى، بل لابد من التساوي، ولو كانت المضروبة نقوداً أو سبائك يتجمل بها، وصنعتها جميلة، فلابد من التساوي في بيع الذهب بالذهب، ويعرف التساوي بالوزن، ولابد أيضاً من التقابض؛ لأن بيع الجنس بالجنس لابد فيه من التقابض مع التماثل.
قوله: [(والفضة بالفضة تبرها وعينها)] ، التبر المقصود به: الكسر والقطع، والعين هو النقد.
قوله: [(والبر بالبر مدي بمدي)] .
المدي هو مقياس، فلابد من التساوي، مدي بمدي، وليس مديان بمدي ونحو ذلك.
قوله: [(والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي)] .
يعني: أن كل جنس يباع بجنسه لابد فيه من أمرين: التقابض، والتماثل، حتى ولو كان أحدهما جيداً والآخر رديئاً، مثل بيع ذهب مستعمل قديم بذهب جديد لماع حسن وجميل، فلابد من التساوي، ويمكن أن يتخلص من الذهب القديم ببيعه، ثم يشتري بالنقود ذهباً جديداً، أما أن يبيع ذهباً قديماً بذهب جديد مع التفاضل فهذا لا يجوز.
قوله: [(فمن زاد أو ازداد فقد أربى)] .
(من زاد) أي: من أعطى، (أو ازداد) أي: طلب الزيادة، (فقد أربى) أي: أخذ الربا.
قوله: [(ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد)] .
يعني: إذا اختلف الجنس فلا مانع من التفاضل، فإذا باع ذهباً بفضة، والفضة أكثر، فلا بأس، لكن لابد من التقابض يداً بيد، أما إذا كان الجنس واحداً فلابد من الأمرين، وإذا كانا جنسين فالتقابض لابد منه، والتفاضل لا بأس به، فيجوز -مثلاً- بيع عشرة كيلو من الفضة بكيلو من الذهب، لكن لابد من تسليم الذهب وتسليم الفضة في مجلس الاتفاق.
قوله: [(وأما نسيئة فلا)] .
يعني: إذا اختلف الجنسان فلا تجوز النسيئة، ويجوز التفاضل، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل يجري في بيع جنس واحد بمثله وأحدهما زائد، فهذا لا يجوز، فهو ربا فضل، وإذا اختلف الجنسان فالتفاضل جائز، والتقابض لابد منه في جميع الأحوال.



تراجم رجال إسناد حديث: (الذهب بالذهب تبرها وعينها)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا بشر بن عمر] .
بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخليل] .
هو صالح بن أبي مريم، وثقه ابن معين والنسائي، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم المكي] .
هو مسلم بن اليسار المكي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الأشعث الصنعاني] .
هو شراحيل بن آده، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبادة بن الصامت] .
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (الذهب بالذهب عينها وتبرها) من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
[قال أبو داود: روى هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي عن قتادة عن مسلم بن يسار بإسناده] .
وهذا مثلما تقدم، وهنا ذكر اسم الراوي: مسلم بن يسار.
وسعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخبر يزيد وينقص، وزاد قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ] .
هذه كلمة عامة تشمل ما إذا كان بيع شعير ببر وأحدهما متفاضل، أو بر بتمر وأحدهما متفاضل، فيجوز ذلك بشرط التقابض.



تراجم رجال إسناد حديث: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وهو أخو عثمان بن أبي شيبة، وعثمان يأتي كثيراً عند أبي داود، وأما أبو بكر فيأتي قليلاً بالنسبة لأخيه، ولكن مسلم لم يكثر عن أحد كما أكثر عن أبي بكر بن أبي شيبة، فهو أكثر شيخ روى عنه، وقد بلغت الأحاديث التي أخذها عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة في صحيحه أكثر من ألف وخمسمائة حديث.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد] .
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة] .
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت] .
مر ذكرهما.



حلية السيف تباع بالدراهم



شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حلية السيف تباع بالدراهم.
حدثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع قالوا: حدثنا ابن المبارك (ح) وحدثنا ابن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد حدثني خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، قال أبو بكر وابن منيع: فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، حتى تميز بينه وبينه، فقال: إنما أردت الحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، حتى تميز بينهما، قال: فرده حتى ميز بينهما) ، وقال ابن عيسى: أردت التجارة.
قال أبو داود: وكان في كتابه: (الحجارة) ، فغيره فقال: (التجارة) ] .
قوله: [باب في حلية السيف تباع بالدراهم] أي: إذا كانت الحلية من الفضة، والسيف إذا كان محلى بفضة فلا يباع بفضة؛ لأنه سيكون بيع فضة بفضة غير متماثلين، وهذا لا يجوز، ولو كان أحدهما من جنس الآخر، ولكن إذا باعها بذهب فلا بأس بذلك، فيجوز أن يبيع السيف المحلى بفضة بذهب، ولكن المحذور أن يبيعه بشيء من جنسه.
قوله في الحديث: [(فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير)] .
الدنانير من الذهب، فمعناه: أنه حصل بيع ذهب بذهب، ومعه زيادة خرز، والذهب غير متميز، ولم يعرف مقدار الذهب ومقدار الخرز، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
قوله: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، حتى تميز بينه وبينه)] .
يعني: حتى تفصل الخرز عن الذهب، فإذا فصل وصار الذهب مماثلاً للذهب جاز البيع، وإن كان فيه زيادة أو نقص لم يجز، ويباع الخرز على حدة، ويباع الذهب بالذهب على حدة، لكن لو بيع بجنس آخر كالفضة فلا بأس.
قوله: [(فقال: إنما أردت الحجارة)] .
أي: إنما أردت الخرز، ولم أرد الذهب، بل الذهب جاء تبعاً.
قوله: [وقال ابن عيسى: أردت التجارة] .
هنا صحف الشيخ، فذكر التجارة بدل الحجارة، فيكون المعنى: أردت الاكتساب بهذا الذي اشتريته.



تراجم رجال إسناد حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع] .
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد] .
سعيد بن يزيد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا خالد بن أبي عمران] .
خالد بن أبي عمران صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن حنش] .
هو حنش الصنعاني، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن فضالة بن عبيد] .
فضالة بن عبيد رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.



شرح حديث فضالة: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل) ] .
هذا الحديث مثل الذي قبله، فلا تباع القلادة حتى يفصل بعضها من بعض، وبعد فصلها إذا كانت القيمة للخرز فلا بأس، وإذا كانت القيمة للذهب فلابد من التماثل والتقابض.



تراجم رجال إسناد حديث فضالة: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد] .
مر ذكرهم.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:52 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 



شرح حديث: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي جعفر عن الجلاح أبي كثير حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينار -قال غير قتيبة: بالدينارين والثلاثة، ثم اتفقا- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) ] .
أورد أبو داود حديثاً آخر عن فضالة بن عبيد، وهو غير الحديث الأول.
قوله: [(كنا نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينار)] .
الأوقية أربعون درهماً من الفضة.
قوله: [(قال غير قتيبة: بالدينارين والثلاثة)] .
الدينار كان صرفه اثنا عشر درهماً من الفضة.
قوله: [(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)] .
أي: لابد من التساوي في بيع الذهب بالذهب، وبيع الفضة بالفضة، وبيع التمر بالتمر، وبيع البر بالبر، وبيع الشعير بالشعير، فما داما جنساً واحداً فلابد فيهما من التساوي والتقابض، حتى الذهب الذي عياره (18) والذهب الذي عيراه (21) لابد في بيع أحدهما بالآخر من التساوي والتقابض.




تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي جعفر] .
ابن أبو جعفر هو عبيد الله بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجلاح أبي كثير] .
الجلاح أبي كثير صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد] .
مر ذكرهما.



اقتضاء الذهب من الورق



شرح حديث ابن عمر: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اقتضاء الذهب من الورق.
حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب المعنى واحد قالا: حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله! رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) ] .
قوله: [باب في اقتضاء الذهب من الورق] أي: أن يكون في ذمته ورق فيأخذ عند الوفاء بدله ذهباً بقيمته، فالاقتضاء هو التسديد، كما في الحديث: (خير الناس أحسنهم قضاءً) أي: أن يسدد ويعطي الدائن أفضل مما كان يلزمه، وهذا جائز كما تقدم.
والمراد من هذه الترجمة: أن من كان في ذمته ورق فيوفي بذهب، أو كان في ذمته ذهب فيوفي بورق؛ لا بأس بذلك ولا مانع منه، ومثل هذا من كان عنده عملة معينة ثم يقضي الدائن بعملة أخرى، فلا بأس بذلك بسعر يوم التسديد.
فإذا كان في ذمته مبلغ من الذهب، ومضى على ذلك وقت وأراد أن يسدد بفضة، فلا ينظر للقيمة وقت الإقراض، وإنما ينظر للقيمة عند التسديد؛ لأن الذي في ذمته عملة معينة، فلو أعطاه إياها في أي وقت من الأوقات فهذا حقه، فإذا أراد أن يدفع مقابلها عملة أخرى فلا بأس بذلك، لكن بسعر القيمة عند السداد.
قوله: [(كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)] .
أي: أنه كان يبيع بالدنانير، ثم عند الوفاء يقول المشتري: ليس عندي دنانير، لكن عندي فضة، فيقدر قيمة الدنانير بالدراهم بدلاً من الذهب، فالدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة.
وقوله: (بالبقيع) أي: حوله، وليس في المقبرة، وقيل: هو النقيع.
قوله: [(وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير)] .
أي: بالعكس.
قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، مالم تفترقا وبينكما شيء) ].
يعني: حتى لا تقع في ربا النسيئة.



تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن محبوب] .
محمد بن محبوب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك بن حرب] .
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث ابن عمر من طريق أخرى وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن الأسود حدثنا عبيد الله أخبرنا إسرائيل عن سماك بإسناده ومعناه، والأول أتم، لم يذكر: بسعر يومها] .
أورد الحديث من طريق أخرى.
قوله: [حدثنا حسين بن الأسود] .
هو حسين بن علي بن الأسود، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا عبيد الله] .
هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسرائيل] .
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك] .
مر ذكره.



الأسئلة



الفرق بين الصرف والبيع
السؤال ما هو الفرق بين الصرف والبيع؟
الجواب إذا جئت إلى صراف وعندك مائة تريدها ريالات، فقال: ليس عندي مائة ريالات، لكن خذ هذه السبعين، وتبقى لك ثلاثون ريالاً، فهذا لا يجوز؛ لأنه صرف، ولا بد من التماثل: مائة من الورق فئة ريال مقابل ورقة المائة، وكذلك لابد من التقابض، وكونك تذهب ويبقى عنده لك شيء فهذا ربا نسيئة؛ لأن هذا صرف.
أما إذا جئت إلى صاحب دكان واشتريت منه سلعة بخمسين ريالاً، فأعطيته مائة، فقال: يبقى لك عندي خمسون ريالاً، فهذا جائز، ولا يقال: إنه صرف؛ لأن هذا بيع سلعة بعملة، إلا أن المشتري ليس عنده المبلغ المقابل للسلعة، ولكن عنده مبلغ أكثر منها، والبائع أخذ المبلغ الأكثر ليطمئن على حقه.



حكم إعطاء المتزوج مالاً ثم يرده لمن أعطاه عند زواجه أو أكثر منه

السؤال عندنا عادة وهي دفع مال للمتزوج، وعندما يتزوج الدافع فإنه يعطيه المتزوج الأول أكثر من هذا المبلغ أو مثله، فهل هذا جائز؟

الجواب هذا ليس قرضاص، بل هو هبة، ثم هو أعطاه هبة أكثر مما أعطاه، فلا بأس بهذا، ولا يقال: إن هذا ربا؛ لأن هذا وهب شيئاً، وهذا وهب شيئاً، فهو من باب التبرع والمساعدة، والأولى أن الإنسان يتبرع للمتزوج ولا يريد منه أن يتبرع له في المستقبل، لكن إذا أعطاه على أنه سلف، واتفقا على أنه سلف، وأنه سيرجع إليه بأكثر مما أعطى فهذا لا يجوز.



حكم شراء الذهب بالشيك
السؤال ما حكم شراء الذهب بالشيك المصدق؟
الجواب الظاهر أن الشيك يقوم مقام النقد؛ لأن حمل الفلوس الكثيرة من الصعوبة بمكان؛ ولهذا الناس يتعاملون بالشيكات.



حكم إرجاع الذهب إلى الصائغ لإصلاحه في مجلس العقد قبل التفرق
السؤال اشتريت ذهباً ودفعت ثمنه، ثم رددت بعضه لإصلاحه في نفس المجلس، ولم نفترق، فهل هذا جائز أم يجب الافتراق قبل إرجاع بعض الذهب الذي يجب إصلاحه؟
الجواب لا يلزم الافتراق؛ لأن البيع تم بكونك أخذت حقك وهو أخذ حقه، وكونك أرجعت إليه شيئاً ليصلحه لا يؤثر في البيع.



الأوراق النقدية تقوم مقام الذهب والفضة
السؤال هل النقود الآن تقوم مقام الذهب والفضة؟
الجواب نعم، فالناس الآن ليس بأيديهم عملة من ذهب وفضة، بل يتعاملون بالأوراق النقدية التي قامت مقام الذهب والفضة، وهي في قوة الذهب والفضة، بمعنى أن الإنسان يأتي لصاحب الدكان ويأخذ منه ما يريد، ويعطيه هذه الأوراق النقدية؛ لأنها حلت محل الذهب والفضة، ولكل بلد اعتبار، فالمملكة السعودية الأوراق النقدية فيها هي مقابل الفضة لا الذهب.



حكم شراء الذهب بالنقود نسيئة
السؤال هل يجوز شراء الذهب بالنقود نسيئة، يشتري الذهب ثم يدفع الثمن بعد شهر؟
الجواب لا يجوز، فلابد من التقابض، وبيع العمل كلها بعضها ببعض لابد فيه من التقابض.



العملات أجناس مختلفة
السؤال هل العملات المختلفة: الريال والدولار والدينار جنس واحد؟
الجواب لا، كلها أجناس مختلفة، وليست جنساً واحداً.



حكم القياس على الأصناف الربوية الستة
السؤال هل الربا مقصور على الأجناس الستة الواردة في الحديث أم يعم غيرها؟
الجواب يعم كل ما كان مثلها، فالأرز مثلاً يجري فيه الربا، وهو غير مذكور في الحديث.



حكم شراء الذهب بالنقود مع بقاء بعض النقود ديناً

السؤال اشترى رجل من بائع الذهب ذهباً قيمته ألف ريال، وأعطاه سبعمائة وخمسين ريالاً على أن يعطيه الباقي في موعد لاحق، فما الحكم؟

الجواب لا يجوز، فلابد أن يدفع الثمن كله، ويدفع المثمن كله، فلا يؤخر الثمن كله ولا بعضه، بل لابد من دفع الجميع، وإذا ما توافر له المال فينتظر حتى يتوافر له جميع المبلغ الذي يريد به شراء ذلك الذهب.



حكم ترك باقي النقود عند صاحب السلعة
السؤال إذا ذهبت إلى بائع واشتريت منه بخمسين ريالاً، وأعطيته مائة ريال، ولم يكن عنده إلا خمسون ريالاً، وقال لي: الباقي أعطيك إن شاء الله غداً، فما الحكم؟
الجواب لا بأس؛ لأن هذا مجرد تسديد، فأنت اشتريت منه سلعة بخمسين ريالاً، وأعطيته مائة ريال، وليس عنده الباقي، فكونه يعطيك حقك فيما بعد لا بأس به، فهو يطمئن أن حقه وصل إليه، وأنت ترجع وتأخذ الباقي، فلا بأس؛ لأنك ما بعته نقوداً بنقود.



وجوب التقابض في الصرف
السؤال إذا صرفت من صاحب البقالة مائة ريال، فأعطاني ثمانين ريالاً، وبقي عنده عشرون ريالاً، فما الحكم؟
الجواب هذا لا يجوز، بل لابد أن تأخذ حقك، وهو يأخذ حقه؛ لأن التقابض في الصرف لابد منه، والتفاضل يجوز إذا اختلفت العملات، لكن التقابض لابد منه.



حكم تمييز الخرز من عقد الذهب عند بيعه
السؤال إذا أردت أن أشتري عقد ذهب فيه خرز، فهل يجب أن أميز الخرز من الذهب؟
الجواب إذا كنت اشتريته بفضة أو اشتريته بنقود فلا بأس، إنما المحذور إذا اشتريته بذهب، وأما إذا اختلفت الأجناس فلا بأس، لكن يكون البيع يداً بيد.



الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل في الربا
السؤال ما معنى الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل؟
الجواب معناه: لو بيع مثلاً كوم من التمر بكوم من التمر، ولم يعرف مقدار هذا ولا مقدار هذا، فالجهل بالتماثل حاصل، فهو كالعلم بالتفاضل، يعني: أن هذا البيع فيه ربا، ومن شرط بيع الشيء بجنسه أن يكونا متماثلين، وفي بيع كوم من التمر بكوم آخر من التمر جهالة، فالتماثل بينهما مجهول، فهو لا يجوز كما لو علم بالتفاضل، فلا يجوز هذا البيع حتى لو كان أحدهما رديئاً والآخر طيباً.
والمخرج من الربا أن يبيع الرديء بنقد، ثم يشتري بالنقد من النوع الطيب الذي يريد، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً) ، والجمع: هو التمر المجمع المختلط، والجنيب نوع جيد من التمر، فكانوا يبيعون الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وبين لهم المخرج، وهو أن يبيع الرديء بدراهم، ثم يشتري بالدراهم التي يقبضها تمراً جيداً، أما أن يبيع جنساً بجنسه متفاضلاً فهذا لا يجوز.



حكم شراء السلع نسيئة
السؤال ما حكم شراء بضاعة من المحلات على الراتب بالدين؟
الجواب الذهب والفضة يجوز أن يشترى بهما جميع السلع من غير الذهب والفضة، وليس هذا من قبيل الصرف، فالمحذور هو الصرف، ولهذا يجوز شراء السلع بالنقد نسيئة، ويجوز كذلك السلف، وقد جاءت السنة بجوازه، فهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، وعكسه تعجيل المثمن، وتأجيل الثمن، فهذا جائز أيضاً والناس لا يستغنون عنه، والقضية ليس فيها صرف ولا بيع ربوي بربوي، وهذا يختلف عن بيع شعير ببر وشعير بتمر وما إلى ذلك.



حكم تحويل الريالات إلى دولة أخرى ثم تستلم بالدولارات
السؤال بعض الناس يحول لأهله في الخارج بالريالات ويستلمونها بالدولار، فما الحكم؟
الجواب جائز؛ لأنه تم الاتفاق على السعر، ثم يوكله أن يوصله إلى المكان الذي يريده في بلد آخر مقابل أجرة على هذا التحويل.





ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:56 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [386]
الحلقة (87)



شرح سنن أبي داود [386]
الربا من أعظم المحرمات، وهو أبواب كثيرة، وقد حذر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من التعامل به، وبين أهل العلم صوره وأحكامه؛ حتى يحذر المسلم من التلطخ به، فيجب على من يتعامل بالبيع والشراء أن يعلم هذه الأحكام وإلا وقع في الربا وهو لا يدري.
ومما يدخل في الربا بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وبيع الرطب بالتمر إلا أنه رخص في العرايا وذلك فيما دون خمسة أوسق.



الحيوان بالحيوان نسيئة



شرح حديث (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحيوان بالحيوان نسيئة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ] .
قوله: [باب في الحيوان بالحيوان نسيئة] أي: في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ أن يباع حيوان، فيقبضه المشتري، وتكون القيمة في ذمته حيواناً آخر، ويعطيه إياه فيما بعد، هذا هو المقصود ببيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ، وهو واضح الدلالة على أن الحيوان لا يباع بالحيوان نسيئة، لكن يجوز بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد.
وقد اختلف أهل العلم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فمنهم من قال بعدم جوازه لهذا الحديث، ومنهم من قال بجوازه؛ لحديث عبد الله بن عمرو الآتي في الباب التالي، لكن الحديث الثاني في إسناده من هو متكلم فيهم، وهذا الحديث من طريق الحسن عن سمرة، وفي رواية الحسن عن سمرة ثلاثة أقول: قيل: إنه سمع منه مطلقاً، وقيل: لم يسمع منه مطلقاً، وقيل: لم يسمع منه غير حديث العقيقة.
وحديث سمرة يصححه الألباني، ولعله للشواهد التي جاءت في معناه، وعلى هذا فيكون القول بالمنع هو الأولى، والذين قالوا بجواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة قالوا: إن هذا الحديث يحمل على ما إذا كان الحيوانان اللذان بيع أحدهما بالآخر كلاهما غائباً، كما لو باع هذا في ذمته حيواناً، وباع هذا في ذمته حيواناً، من غير تقابض، فصارت النسيئة من الجهتين، وليست من جهة واحدة، فقالوا: يحمل هذا الحديث على ما إذا كانت النسيئة من الجهتين، وليس من جهة واحدة، وأجازوا بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو الذي سيأتي، ولكن فيه عدة أشخاص متكلم فيهم.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة] .
هو سمرة بن جندب وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة



شرح حديث عبد الله بن عمرو في الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) ] .
قوله: [باب في الرخصة في ذلك] أي: في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فالترجمة الماضية تتعلق بالنهي، وهذه تتعلق بالجواز والترخيص.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل) أي: لم يكن هناك إبل تكفي.
قوله: [(فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة)] .
معناه: أنه كان يشتري إبلاً ويدفع قيمتها إذا جاء وقت الصدقة، ويكون البعير الذي يأخذه الآن ببعيرين من إبل الصدقة، لكن الحديث فيه عدة رجال متكلم فيهم.



تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهنا روى الحديث بالعنعنة.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم بن جبير] .
مسلم بن جبير مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي سفيان] .
أبو سفيان مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عمرو بن حريش] .
عمرو بن حريش مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن عمرو] .
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث فيه راويان مدلسان، وكل منهما روى بالعنعنة، وهما: محمد بن إسحاق ويزيد بن أبي حبيب، وفيه مجهول العين وهو مسلم بن جبير، وفيه راو مقبول وهو أبو سفيان، وفيه عمرو بن حريش وهو مجهول الحال، ففيه عدة أشخاص متكلم فيهم.
وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في سنن أبي داود وحسنه في الإرواء من وجوه أخرى، فإذا صح فيحمل على أن النهي يكون للكراهة، لكن الاحتياط ألا يباع الحيوان بالحيوان نسيئة.



بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ذلك إذا كان يداً بيد.
حدثنا يزيد بن خالد الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى عبداً بعبدين) ] .
قوله: [باب في ذلك إذا كان يداً بيد] ، أي: أنه يجوز بيع الحيوان بالحيوان إذا كان يداً بيد، ولو كان هناك تفاضل.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين) وهذا البيع حاضر وليس نسيئةً، فيجوز بيع العبد بالعبد متماثلين أو متفاضلين كعبد بعبدين.



تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الهمداني] .
يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وقتيبة بن سعيد الثقفي] .
قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن الليث حدثهم] .
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث في صحيح مسلم، وأبو الزبير مدلس وقد عنعن فيه، ولكن ما جاء في الصحيحين عن المدلسين معنعناً فهو محمول على الاتصال؛ لأن الشيخين اشترطا ألا يذكرا إلا ما كان صحيحاً عندهما، ثم إن الراوي عن أبي الزبير هنا هو الليث، وقد ميز له ما سمعه من جابر.



بيع التمر بالتمر



شرح حديث (أينقص الرطب إذا يبس؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الثمر بالتمر.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن يزيد أن زيداً أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك) ] .
قوله: [باب في الثمر بالتمر] ، الثمر هو الرطب، والتمر: هو الذي قد نشف ويبس، ومعلوم أن الرطب بعد ما يمضي عليه وقت ييبس ويكون تمراً؛ ولهذا جاء في الحديث إن الإفطار يكون على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فالرطب شيء والتمر شيء، الرطب طري جديد، والتمر قديم قد مضى عليه وقت.
والترجمة هي: الثمر بالتمر، وليست التمر بالتمر؛ لأن الحديث الذي أورده فيه رطب بتمر، ولا يجوز أن يباع التمر بالرطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن العلة هي عدم التماثل بقوله: (أينقص الرطب إذا جف؟) قال ذلك ليلفت أنظارهم إلى العلة، فقالوا: نعم، فنهاهم عن بيع الرطب بالتمر.
قوله: [أن زيداً أبا عياش سأل سعداً عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك] .
فسرت البيضاء بتفسيرين: أحدهما: أن المقصود بها نوع من البر أبيض اللون وفيه رخاوة، ورطوبة، أو نداوة، وليس يابساً، والسلت نوع آخر غير البر، وهذا لا يناسب الترجمة، ولا يناسب ما جاء في الحديث؛ لأن الذي جاء في الحديث أنهما من جنس واحد إلا أن أحدهما رطب والآخر يابس، هذا جديد وهذا قديم، فيكون معنى هذا أن البيضاء بالسلت جنس واحد، ولكنهما مختلفان في الرطوبة واليبوسة.
التفسير الثاني: أن البيضاء نوع من السلت، وكلاهما من الحبوب، وهذا هو الذي يناسب ذكر الرطب بالتمر الذي استدل به سعد رضي الله عنه، وأنه ليس جنساً آخر؛ لأنه لو كان جنساً آخر لجاز التفاضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، فيجوز التفاضل حينئذ، ولا يمنع إلا إذا كانا من جنس واحد، كأن يباع بر رطب قبل أن ييبس ببر يابس، فهذا لا يصح، ورطب بتمر لا يصح، وعنب بزبيب لا يصح؛ لأن الجنس واحد، ويختلف كل عن الآخر في طراوته ويبوسته، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى العلة في ذلك، وهي عدم التماثل؛ لأن الرطب إذا يبس فإنه ينقص، فلو بيع صاع من الرطب بصاع من التمر، ثم ترك الرطب حتى ييبس، فإنه يكون أقل من صاع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى العلة بسؤالهم ليبين لهم أن العلة في عدم جواز ذلك أنه ينقص.
قوله: [فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب] .
نهاه عن ذلك لأن هذا مثل بيع التمر بالرطب، وهذا من جنسه، إلا أنه بيع حبوب بحبوب من جنس واحد، إلا أن هذا رطب وهذا يابس.
قوله: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ] .
سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو سؤال تقرير، وليس سؤال استفهام واستعلام، فإنه كان يعرف أن الرطب ينقص إذا جف ويبس، ولكن أراد أن يوقفهم على العلة والحكمة في ذلك، فقال: (أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم) إذاً: فما دمتم تعرفون أنه ينقص إذا جف، فليس بينهما تماثل، ومن شرط بيع التمر بالتمر أن يكونا مثلاً بمثل يداً بيد.



تراجم رجال إسناد حديث (أينقص الرطب إذا يبس؟)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد] .
عبد الله بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن زيداً أبا عياش] .
هو زيد بن عياش أبو عياش، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
فكنيته أبو عياش، وأبوه اسمه عياش، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف، فالذي يعرف أنه زيد أبو عياش ولا يعرف أنه ابن عياش، يظن أن (أبو) تصحفت إلى (ابن) ، والذي يعرف أنه زيد بن عياش، ولا يعرف أن كنيته أبو عياش، يظن أن (ابن) تصحفت إلى (أبو) ، وإذا عرف أن الراوي كنيته مطابقة لاسم أبيه، فلن يكون هناك لبس، ولن يظن التصحيف، ومثله الأوزاعي واسمه عبد الرحمن بن عمرو، وكنيته أبو عمرو، ومثله هناد بن السري أبو السري، فهؤلاء وافقت كناهم أسماء آبائهم.
[عن سعد بن أبي وقاص] .
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: رواه إسماعيل بن أمية نحو مالك] .
يعني: من طريق أخرى.
وإسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن يحيى بن أبي كثير أخبرنا عبد الله أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) ] .
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر النسيئة، وذكر النسيئة خطأ فقد؛ جاء عن سعد من عدة طرق بدون ذكر النسيئة، وهو الذي مر في الرواية السابقة أيضاً.
إذاً: ذكر النسيئة خطأ، وقد يفهم منها جواز غير النسيئة، ولكن المنع هو في النسيئة وغير النسيئة، فيمنع بيع الرطب بالتمر حالاً متفاضلاً، ومن باب أولى نسيئة، فالمحفوظ في الحديث هو بيع الرطب بالتمر بدون ذكر النسيئة، وذكر النسيئة رواية شاذة.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة] .
هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي هو الذي اشتهرت عنه الكلمة التي قال فيها: إن معاوية رضي الله عنه ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ على الستر اجترأ على ما وراءه، يعني: من سهل عليه أن يتكلم في معاوية سهل عليه أن يتكلم في غير معاوية، والسيئة تجر إلى السيئة، والزيغ يجر إلى الزيغ، والله تعالى يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] .
ومن العقوبة على السيئة السيئة بعدها، كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن ثواب الحسنة أن يوفق الإنسان إلى حسنة بعدها، ومن العقوبة على السيئة أن يبتلى بسيئة بعدها.
فمن سمح لنفسه أن يتكلم في معاوية وأن يعيبه أو ينتقده فإنه يسهل عليه أن ينتقل إلى من وراء معاوية رضي الله عن الصحابة أجمعين.
[حدثنا معاوية يعني ابن سلام] .
معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله] .
هو عبد الله بن يزيد، وقد مر ذكره.
[أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص] .
مر ذكرهما.
وقد تفرد يحيى بن أبي كثير اليمامي بكلمة (نسيئة) ، وغيره من الثقات رووه بدون كلمة (نسيئة) ، كالإمام مالك وإسماعيل بن أمية، والضحاك بن عثمان، فهؤلاء رووا النهي عن بيع الرطب بالتمر مطلقاً بدون أن يقيد بنسيئة.



طريق أخرى لحديث (نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) وتراجم رجال إسنادها
[قال أبو داود: رواه عمران بن أبي أنس عن مولى لبني مخزوم عن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه] .
عمران بن أبي أنس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مولى لبني مخزوم عن سعد] .
سعد رضي الله عنه مر ذكره.
قال أبو الحسن الدارقطني: خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا فيه: نسيئة، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث.



المزابنة



شرح حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المزابنة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً، وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً، وعن بيع الزرع بالحنطة كيلاً) ] .
قوله: [باب في المزابنة] ، المزابنة هي بيع الثمر على رءوس النخل بتمر، ومثله بيع البر بالحب الذي في السنابل، وهذا غير جائز، ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن فيه الجهل بالتساوي، وقد مر بنا أن بيع التمر بالرطب لا يجوز؛ لأنه ينقص إذا يبس، فهما غير متماثلين، فالتمر الذي على رءوس النخل الجهالة فيه أكثر؛ لأنه يباع بالخرص، والتمر معروف مقداره؛ لأنه يكال، فإذا كان لا يجوز بيع الرطب بالتمر كيلاً وليس على رءوس النخل، مع تحقق المماثلة من ناحية المقدار، لكون المحذور من أجل أنه ينقص إذا يبس؛ فمن باب أولى لا يجوز بيع التمر الذي على النخل بالتمر، إلا أنه سيأتي استثناء العرايا من المزابنة، وهي أن يباع ما على رءوس النخل خرصاً بتمر يدفع في مقابله حتى يستفيد الناس من الثمر، ويلقطونه شيئاً فشيئاً، ويستفيدون منه، وقد جاء الترخيص في حدود مقدار معين كما سيأتي ذكره في الأحاديث الآتية.
وعلى هذا فبيع الثمر بالتمر لا يجوز سواءً كيل وعرفت مساواته؛ لأنه ينقص إذا يبس، وسواء كان على رءوس النخل وعرف مقداره بالخرص وكيل التمر؛ كل ذلك لا يجوز، ولا يستثنى من ذلك إلا العرايا التي سيأتي لها أبواب تخصها.
قوله: [عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً) ] .
يعني: بيع الرطب بالتمر كيلاً لا يجوز؛ لأن الثمر ينقص، لكن التمر بالتمر يجوز بشرط التماثل والتقابض.
ولو خرص الثمر بقدر التمر، بحيث لو جف الثمر صار بقدر التمر، فلا يجوز؛ لأن القاعدة المشهورة: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
قوله: [(وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً)] .
لأن العنب إذا يبس ينقص مقداره، فلا يجوز بيع صاع من هذا بصاع من هذا.
قوله: [(وعن بيع الزرع بالحنطة كيلاً)] .
يعني: سواء كان على السنابل أو أخذ من السنابل ولا يزال فيه رطوبة، فهذا أيضاً منهي عنه.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن أبي زائدة] .
هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 07:58 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


بيع العرايا




شرح حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع العرايا.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب) ] .
قوله: [باب في بيع العرايا] .
لما ذكر المصنف المزابنة التي فيها المنع من بيع الثمر بالتمر ذكر بيع العرايا التي هي مستثناة من المزابنة، فلو أن جماعة عندهم تمر، وجاء وقت الثمر وليس عندهم نقود يشترون بها الثمر، وأرادوا أن يخرصوا نخلات معينة بمقدارها إذا يبست مقابل التمر الذي سيدفع من أجل أن يجنوا هذا الثمر شيئاً فشيئاً، ويستفيدوا من الرطب في وقت نضوجه، ويأكلوه شيئاً فشيئاً، فجاء الترخيص بقدر خمسة أوسق.
إذاً: المزابنة لا تجوز مطلقاً، ورخص منها في العرايا في مقدار معين، وليس للإنسان أن يزيد في بيع العرايا عن المقدار الذي جاء في الحديث، وهو ما دون خمسة أوسق، فالترخيص للحاجة، ولا يتوسع فيه فيشتري العرايا كيف شاء؛ لأن الاستثناء جاء فيما دون الخمسة أوسق أو الخمسة شك الراوي، ولكن جاء في حديث آخر أنه في حدود أربعة أوسق، فدل هذا على أن العرايا مستثناة من المنع، وأنه رخص لمن يريد أن يستفيد من الرطب في حينه على رءوس النخل، فيجنيه مدة الاستفادة منه كل يوم، لكن يكون بمقدار معين للحاجة.
والعرايا خاصة بالرطب والتمر، فلا يدخل فيها غيرهما.




تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني خارجة بن زيد] .
خارجة بن زيد ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً) ] .
أورد المصنف حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر) يعني مطلقاً، سواء كان على رءوس النخل أو في الأرض؛ لأنه ينقص إذا جف.
(ورخص في العرايا) استثناءً من هذا المنع.
قوله: [(أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً)] .
يعني: حينما يكون الرطب في رءوس النخل فيخرص، ويؤخذ مقابل هذا المقدار الذي خرص تمر يدفعه الذين يريدون أن يستفيدوا من الرطب في الأكل لا في التجارة.
والخرص: هو حزر وتخمين وتوقع أن ما على هذا النخل سيكون كذا، وهو غير مقطوع به.
والوزن مثل الكيل، ولكن الأصل في التمر أنه يكال، ولا فرق في الحكم إذا وزن؛ لأن التماثل في الوزن مفقود؛ لأنه سيحصل فرق إذا يبس الرطب، فلا يجوز بيع الرطب بالتمر كيلاً أو وزناً؛ لأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن عيينة] .
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن يسار] .
بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة] .
سهل بن أبي حثمة صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



مقدار العرية



شرح حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قال المصنف رحمه الله تعالى.
[باب في مقدار العرية.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن مولى ابن أبي أحمد -قال أبو داود: وقال لنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي سفيان: واسمه قزمان مولى ابن أبي أحمد - عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) شك داود بن الحصين.
قال أبو داود: حديث جابر إلى أربعة أوسق] .
قوله: [مقدار العرية] معناه: أن الترخيص الذي حصل في الباب السابق ليس على إطلاقه، وأن من يريد أن يشتري ثمراً على رءوس النخل بتمر يقدمه لأصحاب الثمر، هو في حدود معينة؛ لأن هذا الترخيص إنما هو للاستفادة للأكل.
قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)] .
أي: أنه ينقص عن خمسة أوسق، وأحد الرواة شك هل هو خمسة أوسق أو أقل من خمسة أوسق، وحديث جابر فيه أربعة أوسق، فيكون المعتبر ما كان أقل من الخمسة، فما زاد عن الخمسة متفق على عدم جوازه، وما كان بقدر خمسة أوسق من العلماء من قال بجوازه، ومنهم من قال بعدم جوازه، وما دون الخمسة أوسق جائز بلا خلاف، فالأحوط أن ينقص عن الخمسة؛ لأن التحديد بالخمسة مشكوك فيه، فيصار إلى اليقين الذي هو دون الخمسة، وقد جاء حديث جابر وفيه أنه أربعة أوسق.
ولو أن رجلاً اشترى بأربعة أوسق من التمر رطباً، ثم أكلها وأهله، فلا يجوز لهم أن يشتروا مرة أخرى؛ لأن الرخصة جاءت فيما دون خمسة أوسق فقط مرة واحدة.
والوسق ستون صاعاً، فيكون مقدار الخمسة الأوسق بالصاع الموجود في زمنه صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة صاع، والآن يقدر الصاع بثلاثة كيلو، وعليه فمقدار زكاة الفطر ثلاثة كيلو.
ومعلوم أن الصاع يتفاوت من مكان إلى مكان، والصاع الذي تتعلق به الأحكام ليس أي صاع يضعه الناس، فقد يضعون صاعاً صغيراً وقد يضعون صاعاً كبيراً، فالأحكام الشرعية تتعلق بصاع رسول الله عليه الصلاة والسلام.



تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين] .
داود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مولى ابن أبي أحمد] .
هو أبو سفيان، قيل: اسمه وهب، وقيل: قزمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً.



تفسير العرايا



شرح أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفسير العرايا.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال: العرية الرجل يعري الرجل النخلة، أو الرجل يستثني من ماله النخلة أو الاثنتين يأكلها فيبيعها بتمر] .
هذا تفسير من عبد ربه بن سعيد الأنصاري، وهو أخو يحيى بن سعيد الذي مر ذكره قريباً، قال: العرية أن يعري الرجل النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين يأكلها فيبيعها بتمر، يعني: أنه يبيع بستانه، ويستثني منه بعض النخلات، ثم إنه يبيعها بتمر والرطب على رءوسها، وهذا تفسير ضيق؛ لأنه قال: نخلة أو نخلتين، مع أن الأمر أوسع من هذا، فيجوز أن يباع للشخص الواحد ما دون خمسة أوسق.



تراجم رجال إسناد أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرنا عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري] .
هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها] .
هذا تفسير من ابن إسحاق للعرايا، قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات، فيشق عليه أن يقوم عليها، فيبيعها بمثل خرصها، وهذا تفسير آخر يختلف عن الذي تقدم، إلا أنه يشبهه من ناحية أن الذي اشترى بالتمر هو صاحب البستان، اشترى من الشخص الذي أعراه وأعطاه، ولكن التفسير الأوضح هو الذي الذي جاء ذكره في الأحاديث السابقة.
وقال بعض العلماء: العرايا أن يتضرر صاحب البستان بدخول هذا الذي أعطاه عليه دائماً، فيريد أن يتخلص من دخوله وكثرة تردده؛ لأن في ذلك مشقة عليه، فيتخلص منه بأن يشتري ما منحه إياه خرصاً، ويعطيه ما يقابله تمراً، وهذا فيه شراء الصدقة، فيكون مستثنى من النهي عن شراء الصدقة، لكن الذي يظهر أن العرايا استثناء من بيع الثمر على رءوس النخل بتمر كما جاءت الإشارة إليه في الأحاديث السابقة.



تراجم رجال إسناد أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبدة] .
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.



الأسئلة



حكم أخذ عربون في شراء الذهب
السؤال شخص رغب في شراء ذهب معين، ولم يتوافر لديه قيمة هذا الذهب، فأشار إليه البائع أن يأخذ منه عربوناً حتى يحفظ له الذهب حتى تكتمل معه القيمة، فما الحكم؟
الجواب لا يجوز هذا أبداً، لا يجوز أن يشتري ذهباً ولم يسلم القيمة كاملة، وكونه أعطاه بعض القيمة، أو كانت القيمة كلها مؤجلة فالنتيجة واحدة، فالعربون هو جزء من القيمة، وليس شيئاً خارجاً عن القيمة.



حكم شراء الذهب مع بقاء شيء من المبلغ عند صاحب الذهب
السؤال اشترى رجل ذهباً بخمسين ريالاً، وأعطى البائع مائة، وقال له: رد علي الباقي، فقال البائع: ليس عندي الآن، ولكن تعال غداً، فما الحكم؟
الجواب لا يصلح هذا، ولو كانت السلعة غير الذهب والفضة لجاز، لكن إن كانت ذهباً أو فضة فلا يجوز أن يفترقا وبينهما شيء، فلابد من التقابض.



حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية
السؤال ما حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية؟
الجواب ينبغي ألا يفعل ذلك، وإن كان بعض أهل العلم في هذا الزمان يجوزونه، لكن: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:01 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [387]
الحلقة (419)



شرح سنن أبي داود [387]
جاء الإسلام بكل ما يدعو إلى الألفة، وحرم كل ما هو سبب للفرقة والبغضاء؛ ولذلك جعل الإسلام للمعاملات المالية أحكاماً حكيمة رحيمة، وسد بهذه الأحكام كل طرق الخصام والبغضاء، فنهى عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ونهى عن بيع السنين، ونهى عن بيع الغرر.



بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها



شرح حديث (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وحكمه أنه غير جائز، وقد جاءت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: (نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري) وذلك لأن بيعها قبل أن يبدو صلاحها عرضة لأن يحصل فيها أضرار أو أخطار، ولا تحصل من ورائها الاستفادة.
ويشرع بيعها عندما تبدأ الاستفادة منها، وذلك بأن يطيب أكلها، ويحصل احمرارها واصفرارها، وأما قبل بدو صلاحها فلا يجوز بيعها، إلا إذا كان البيع قبل بدو الصلاح فيه مصلحة، كأن يؤكل على تلك الحال، أو يقطع ويستفاد منه، فلا بأس بهذا؛ لأن المقصود من المنع كونه يشتريه ويتركه على رءوس النخل، ويأكله شيئاً فشيئاً، فهذا لا يجوز إلا بعد بدو الصلاح.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.



شرح حديث (نهى عن بيع النخل حتى يزهو)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه بيان أن الوقت الذي يجوز بيع الثمر فيه أن يزهو، والزهو هو الطيب، يعني حتى يطيب أكله حين يحمر أو يصفر وفيه أيضاً زيادة أنه نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، يعني: إذا استوى وهو في سنبله يجوز بيعه؛ لأنه عند ذلك يكون قد طاب، وجاء وقت الاستفادة منه.
قوله: [(نهى البائع والمشتري)] .
يعني أن النهي لكل منهما، فالإثم يكون على الجميع إذا خولف النهي؛ لأنهم قد نهوا جميعاً، ونهي البائع من أجل ألا يكون عرضة إلى أن يأكل مال أخيه بالباطل؛ لأنه إذا باعه قبل أن يبدو صلاحه، وحصل في الثمر مضرة، فيكون قد أكل ماله بالباطل، وأيضاً نهى المشتري لئلا يضيع ماله.
وأحياناً يؤخذ التمر من النخل، ثم يدفن حتى يستوي، ثم يخرج فيباع، وهذا فيه تدليس على الناس، وشراؤه قبل أن يبدو صلاحه لا يجوز إلا بشرط القطع، فإذا قطع يؤتى به كما هو، وأما كونه يدفن ويحصل بسبب دفنه أنه يتغير، ثم يؤتى به على أنه زهو، فهذا فيه تدليس.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع النخل حتى يزهو)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن علية] .
هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
مر ذكرهما.



شرح حديث (نهى عن بيع الغنائم حتى تقسم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن مولى لقريش عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن بيع النخل حتى تحرز من كل عارض، وأن يصلي الرجل بغير حزام) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم) ؛ لأن الغنائم قبل قسمتها حق مشاع، وليس نصيب كل مقاتل متميزاً؛ لأن كل قطعة من الغنائم يشتركون فيها كلهم، فإذا قسمت عرف كل نصيبه فتصرف فيه، فمن باع قبل أن يعرف نصيبه فمعناه أنه يبيع شيئاً لم يكن ملكه له خالصاً، بل هو مشترك، مثل الذي له أرض بينه وبين شخص آخر، فلا يجوز له أن يبيعها؛ لأنه لا يملكها كلها، وإنما حقه مشاع فيها، ولم يتميز، وإذا ميز حقه، وأخذ كل واحد نصيبه، فله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء.
والغنائم هي التي تحصل في الجهاد في سبيل الله، وقسمتها في الخمس المصارف التي ذكرها الله، فأربعة أخماسها تكون للغانمين، وليس لأحد منهم أن يتصرف في شيء منها حتى يعرف حقه فيتصرف فيه.
قوله: [(وعن بيع النخل حتى تحرز من كل عارض)] .
إذا كان المقصود به بدو الصلاح فقط، فقد جاء ما يدل عليه في الأحاديث السابقة.
قوله: [(وأن يصلي الرجل بغير حزام)] لعل المراد أن يجعل حزاماً على الإزار، ولكن إذا أحكم شد الإزار وأمن سقوطه فإنه يحصل به المقصود وإن لم يكن عليه حزام.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الغنائم حتى تقسم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري] .
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن خمير] .
يزيد بن خمير وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مولى لقريش] .
وهو مبهم.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابة حديثاً.
والحديث فيه هذا الرجل المبهم، وهو علة الحديث، وبه يكون الحديث غير صحيح.



شرح حديث (نهى أن تباع الثمرة حتى تفتح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى بن سعيد عن سليم بن حيان قال: أخبرنا سعيد بن مينا قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تباع الثمرة حتى تفتح، قيل: وما تفتح؟ قال: تحمار وتصفار ويؤكل منها) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه، وفيه توضيح بدو الصلاح، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تفتح، قيل: وما تفتح؟ قال: تحمار وتصفار) يعني: تحصل حمرتها وصفرتها ويطيب أكلها، فعلامة حسن مأكلها وطيبها كونها تحمر وتصفر، والمراد ثمر النخل فإنه يكون أصفر وأحمر.
قوله: [(ويؤكل منها)] .
يعني: يطيب أكلها.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن تباع الثمرة حتى تفتح)
قوله: [حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي] .
ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وهو عم أبي عمرو محمد بن خلاد الباهلي.
[حدثنا يحيى بن سعيد] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليم بن حيان] .
سليم بن حيان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وسليم ليس في رجال الكتب الستة من يقال له: سليم بفتح السين إلا هو، ومن سواه يقال له: سُليم، وهم كثيرون.
[أخبرنا سعيد بن مينا] .
سعيد بن مينا ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (نهى عن بيع العنب حتى يسود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو الوليد عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد) ] .
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع العنب حتى يسود) يعني: حتى يطيب ويتغير لونه إلى السواد إذا كان يتغير بالاسوداد، وأما إذا كان يتغير بدون اسوداد كما هو الحال في بعض العنب فالمقصود أن يطيب أكله، وإذا كان يستفاد منه قبل طيب الأكل، وهو أن يؤكل حصرماً، فيجوز بيعه قبل أن ينضج، ولا يترك على الشجر، وإنما يقطع ويستفاد منه بالأكل أو البيع.
وإذا حصل البيع قبل بدو الصلاح بدون شرط القطع فالبيع فاسد، فيرجع للمشتري نقوده حتى وإن تلف الثمر أو الزرع، لأن البيع لم ينعقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك مطلقاً سواء كان بشرط أو بدون شرط.
قوله: [(وعن بيع الحب حتى يشتد)] .
يعني: يشتد في سنبله، بمعنى أنه يستوي وتؤمن عاهاته مثل ما مر في الحديث السابق: (حتى يبيض) .



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع العنب حتى يسود)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا أبو الوليد] .
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن حميد] .
حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد حدثني يونس سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر في ذلك، فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: قد أصاب الثمر الدمانة وأصابه قشام وأصابها مراض -عاهات يحتجون بها- فلما كثرت خصومتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كالمشورة يشير بها: فإما لا فلا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها.
لكثرة خصومتهم واختلافهم) ] .
أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وفيه بيان السبب في تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وهو أنهم كانوا يشترونها قبل أن تزهو من أجل أن يبقوها حتى تزهو ويستفيدوا منها، فيحصل لها أمراض قبل بدو صلاحها، فعندما يأتون للتقاضي والاستيفاء يقول المشتري: حصل لها كذا، وحصل لها كذا، وحصل لها كذا، فكثرت خصوماتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك البيع ما دام يؤدي إلى هذه الخصومات، فلا يجوز البيع إلا بعد بدو الصلاح.
قوله: [(فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: قد أصاب الثمر الدمان)] .
يعني: إذا جاء صاحب الحق يطالب بحقه فالمشتري -وهو المبتاع- يبدأ يتعلل ويقول: حصل كذا، وحصل كذا، وأريد أن تسقط عني كذا، أو أنت لا تستحق كذا وكذا، فكثرت الخصومات، فعند ذلك نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو الصلاح.
والدمان والقشام والمراض هي أنواع من الأمراض.
قوله: [(عاهات يحتجون بها)] .
هذا يرجع لهذه الثلاثة الأمراض، وكذلك لغيرها من العاهات.
يحتجون بها أي: يتعللون بها من أجل أن يطرح لهم شيء من القيمة.
قوله: [(فلما كثرت خصوماتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالمشورة يشير بها)] .
يعني: يشير عليهم؛ لأن هذا البيع يترتب عليه هذه الخصومات والأضرار.
قوله: [(فإما لا فلا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها).
يعني: ما دام الأمر كذلك، وهو حصول الخصومات والتنازع فلا تبيعوا الثمار حتى يحصل بدو الصلاح، وبذلك تسلمون من هذه الخصومات والمنازعات.
والأصل في النهي أنه للتحريم، وذلك لما يترتب على هذا البيع من الخلاف والتنازع.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تتبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة بن خالد] .
عنبسة بن خالد صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد] .
هو عبد الله بن ذكوان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة] .
سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن ثابت] .
زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ولا يباع إلا بالدينار والدرهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا يباع إلا بالدينار أو بالدرهم إلا العرايا) ] .
أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه) ، وهذا قد تقدم.
قال: (ولا يباع إلا بالدينار والدرهم) يعني: أنه لا يباع بتمر من جنسه، لأن هذا هو المزابنة التي مر النهي عنها، ثم قال: (إلا العرايا) فهي مستثناة، فيجوز أن يباع ما في رءوس النخل بتمر يدفع مقدماً عند الاتفاق لمالك النخل، والذين اشتروا النخلات يستفيدون منها شيئاً فشيئاً، وتجوز العرايا في حدود أقل من خمسة أوسق كما مر.
والأصل في المزابنة أنها لا تجوز، ولا يباع الجنس بجنسه فيها إلا العرايا، وأما لو بيع بغير الدراهم والدنانير كأن يقول مثلاً: بعني هذا الحائط بسيارة، فلا بأس؛ لأن السيارة ليست من جنسه، فلا يدخلهما الربا، لكن إذا باعه من جنسه يدخله الربا.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ولا يباع إلا بالدينار والدرهم)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني] .
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر رضي الله عنه مر ذكره.
وفي هذا الإسناد ثلاثة من الرجال مكيون، وهم: سفيان بن عيينة وابن جريج وعطاء بن أبي رباح.



بيع السنين



شرح حديث (نهى عن بيع السنين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع السنين.
حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا سفيان عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع السنين، ووضع الجوائح) ] .
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة (باب بيع السنين) والمقصود بالسنين أن يبيع ثمر النخل لمدة ثلاث سنوات أو خمس سنوات أو سنتين، وذلك لا يجوز؛ لأنه بيع شيء غير موجود، ولا يجوز أن يباع الثمر إلا إذا وجد وبدا صلاحه، وقبل بدو الصلاح لا يجوز بيعه.
إذاً: بيع السنين أن يتفق صاحب النخل أن يبيع ثمرات هذه النخلات لآخر لمدة ثلاث سنوات بكذا إما جملة أو لكل سنة، فهذا لا يجوز؛ لأن الثمر لا يجوز بيعه إلا إذا وجد وبدا صلاحه.
وجاء في بعض الروايات (نهى عن المعاومة) يعني: الأعوام.
قوله: [(ووضع الجوائح)] .
يعني: إذا بيع الثمر بعد بدو الصلاح، وحصلت له جائحة، فإنها موضوعة، ويتحملها المالك وليس المشتري، وجاء في بعض الروايات: (بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) يعني: أنت بعته على أن يستفيد منه، ثم حصل شيء يمنعه من الاستفادة، فبأي حق يأخذ أحدكم مال أخيه؟! إذاً: المقصود بوضع الجوائح أن الثمر الذي أصيب بعد بدو صلاحه يرجع فيه على المالك الذي باعه بقدر ما نقص منه بسبب الجائحة، وهذا إن كان النقص جزئياً، وإن كان كلياً فإنه يرجع عليه بكل ما دفع له.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع السنين)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ويحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن عيينة، مر ذكره.
[عن حميد الأعرج] .
حميد الأعرج، ليس به بأس -بمعنى صدوق- أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن عتيق] .
سليمان بن عتيق وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.



مذهب أهل المدينة في الجوائح
[قال أبو داود: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الثلث شيء، وهو رأي أهل المدينة] .
مذهب أهل المدينة أن الذي يوضع من الجوائح إذا كان أكثر من الثلث، فإن كان أقل من الثلث فلا توضع الجائحة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح مطلقاً من غير أن يفصل بين ما يكون أقل من الثلث أو أكثر.
وبعض أهل العلم قال: الأمر بوضع الجوائح للاستحباب، لكن الذي يظهر لي أنه للوجوب؛ لأنه قال: (بأي شيء يأخذ أحدكم مال أخيه؟) وهذا يدل على أن أخذه حرام.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:04 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 



شرح حديث (نهى عن المعاومة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن المعاومة، وقال أحدهما: بيع السنين) ] .
أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعاومة، وقال أحد الراويين عن جابر: المعاومة، وقال الآخر: السنين، وهما بمعنى واحد.




تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن المعاومة)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد؛ لأنه إذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه مسدد؛ فالمقصود به حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن أبي الزبير] .
أيوب مر ذكره.
وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله] .
مر ذكرهما.



بيع الغرر



شرح حديث (نهى عن بيع الغرر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع الغرر.
حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نهى عن بيع الغرر، زاد عثمان: والحصاة) ] .
أورد أبو داود باباً في بيع الغرر أي: في النهي عنه، والمقصود ببيع الغرر ما لا يتحقق حصوله أو يكون غير موجود أو غير مقدور على تسليمه، مثل السمك في الماء، والطير في الهواء، والعبد الآبق، والناقة الضالة، أو غير ذلك من الأشياء التي لا يتمكن من تسليمها، أو يكون المقصود منه لا يحصل وإن كان يمكن تسليمه؛ لأنه لا يحصل منه المقصود من البيع، فكل هذا يقال له غرر.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
زاد عثمان: والحصاة) والحصاة هي من بيع الغرر، وهو أن يقول: أبيعك قطعة من الأرض بمقدار ما تصل إليها الحصاة ثم يرجم حصاة، فالذي تصل إليه الحصاة فهو المبيع، وهذا فيه غرر؛ لأن الناس يتفاوتون في قوة الرمي، فمن الناس من تكون رميته بعيده، ومنهم من تكون قصيرة، فهذا فيه جهالة وغرر، ولا بد أن يكون المبيع محدداً، معروفة حدوده بدايته ونهايته، أما بيع شيء قابل لأن يزيد وينقص ففيه غرر، وهذا لا يجوز، وبيع الحصاة هو من بيع الغرر.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الغرر)
قوله: [حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وأخوه عثمان بن أبي شيبة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن إدريس] .
عبد الله بن إدريس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي زياد] .
ليس بالقوي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة] .
أبو الزناد والأعرج وأبو هريرة مر ذكرهم.
وهذا الشخص الذي ليس بالقوي لا يؤثر؛ لأن الأحاديث كثيرة في النهي عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة.



شرح حديث (نهى عن بيعتين ولبستين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عمرو بن السرح وهذا لفظه قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نهى عن بيعتين ولبستين، أما البيعتان: فالملامسة والمنابذة، وأما اللبستان: فاشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه، أو ليس على فرجه منه شيء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين ولبستين) أي: عن نوعين من أنواع البيوع، ولبستين من طرق اللبس، أما البيعتان فالملامسة والمنابذة.
والملامسة: أن يلمس الشيء -مثل الثوب- دون أن يقلبه، فيشتريه بمجرد لمسه له، وقد يكون الثوب من الداخل ليس بطيب أو ليس هو المقصود للمشتري، وهذا فيه غرر، فلابد من أن يراه ويشاهده ويعاينه، أما إذا كانت أشياء معروفة، وكلها من جنس واحد، فلا بأس.
والمنابذة هي: أن ينبذ إليه ثوباً فيتم البيع بهذا النبذ، وليس له الخيار بعد ذلك.
وأما اللبستان فاشتمال الصماء: وهو أن يشتمل في ثوب واحد وليس عليه غيره، ويلقي طرفه على كتفه الأيسر، ويبرز جانبه الأيمن، ويكون مثل الحصاة الصماء يداه من الداخل، ولو حصل له شيء فتحرك انكشفت عورته.
قوله: [(أو أن يحتبي الرجل في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه، أو ليس على فرجه منه شيء)] .
يعني: ليس عليه إزار، والحبوة هي: أن يجلس على إليته وينصب ساقيه، ثم يأتي بثوبه فيلفه عليه من وراء ظهره وعلى مقدم رجليه، فتكون الجهة التي من فوق مكشوفة إذا كان بغير إزار ولا سراويل، فيمكن أن ترى عورته من فوق، فهذه اللبسة نهى عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن إذا كان عليه إزار أو سراويل، وحصلت هذه الهيئة؛ فالمحذور يزول، وهو ما يخشى من انكشاف العورة.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيعتين ولبستين)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن عمرو بن السرح] .
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وهذا لفظه] .
يعني لفظ الشيخ الثاني ابن السرح.
[حدثنا سفيان عن الزهري] .
سفيان بن عيينة تقدم، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يزيد الليثي] .
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث النهي عن بيعتين ولبستين من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث زاد: (واشتمال الصماء أن يشتمل في ثوب واحد يضع طرفي الثوب على عاتقه الأيسر ويبرز شقه الأيمن، والمنابذة أن يقول: إذا نبذت إليك هذا الثوب فقد وجب البيع، والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره ولا يقلبه، فإذا مسه وجب البيع) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان لمعنى اشتمال الصماء، وكذلك لمعنى الملامسة والمنابذة.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومعمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد] .
مر ذكرهم.



شرح حديث النهي عن بيعتين ولبستين من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمعنى حديث سفيان وعبد الرزاق جميعاً) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وأحال فيها على الطريقين السابقتين.
ورجال إسناده كلهم مر ذكرهم إلا عامر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى عن بيع حبل الحبلة) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة) ، وفسر بيع حبل الحبلة بتفسيرين: أحدهما: أن البيع يكون لنتاج النتاج، يعني كرجل عنده ناقة حامل فيقول: إذا ولدت ثم كبر نسلها وحبلت، فولد الولد فهو المبيع! فهو شيء مجهول غير موجود، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك من أجل طيب الحيوان سواء كان فرساً أو ناقة، فيحرصون عليه من أجل أصله ونوعه.
التفسير الثاني: أن يشتري شيئاً ويجعل الأجل إذا حصل نتاج النتاج، وهذا أيضاً لا يجوز، وكلاهما فيه غرر.
وإسناد هذا الحديث مر ذكر رجاله كلهم.



شرح حديث النهي عن بيع حبل الحبلة من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحوه وقال: (حبل الحبلة أن تنتج الناقة بطنها ثم تحمل التي نتجت) ] .
وهذا مثل ما تقدم إلا أنه فيه تفسير معنى حبل الحبلة.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
مر ذكرهما.



بيع المضطر



شرح حديث (نهى عن بيع المضطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع المضطر.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا صالح بن عامر -قال: أبو داود: كذا قال محمد - حدثنا شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو قال: قال علي، قال ابن عيسى: هكذا حدثنا هشيم، قال: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] ، ويبايع المضطرون، وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك) ].
أورد أبو داود باباً في بيع المضطر، والمضطر له حالتان: الأولى: أن يكون مكرهاً وملجأ وليس له خيار، فهذا لا يجوز ولا يصح البيع.
الثانية: أن يكون عليه دين ونحوه فيبيع شيئاً من حاجاته من أجل أن يحصل نقوداً ليوفي بها، أو لأنه بحاجة إلى شيء يحتاج إليه في أمور أخرى، فيبيع شيئاً من متاعه أو شيئاً مما عنده وهو بحاجة إليه، فهذا يصح منه البيع، ولكن كونه يساعد ويعان ويقرض أولى من أن يشترى منه، وإذا وقع البيع فإنه يكون صحيحاً، بخلاف الحال الأولى إذا ألزم أو ألجئ إلى البيع من غير اختياره، فإن ذلك لا يصح.
قوله: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه) ].
يعني: يحصل فيه شح وبخل، حتى أن الموسر يمسك الذي بيديه، ولا يسهل عليه إخراجه.
قوله: [(ولم يؤمر بذلك)] .
يعني: لم يؤمر أن يمسك، بل قال الله عز وجل: (وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] .
قوله: [(ويبايع المضطرون)] .
إن كان المضطر ملجأ ومكره فهذا البيع لا يصح، وأما المضطر الذي بحاجة إلى أن يبيع بعض متاعه أو شيء مما عنده من أجل أن يوفي ديناً أو من أجل أن يقضي حاجة من حاجاته؛ فهذا يصح منه البيع، ولكن الأولى هو الإرفاق به والإحسان إليه والتعاون معه، والمساعدة له، وهذا هو الأولى من كونه يترك حتى يبيع متاعه وهو بحاجة إليه.
قوله: [(وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك)] .
(قبل أن تدرك) أي: قبل أن يبدو صلاحها.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع المضطر)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم] .
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا صالح بن عامر] .
صالح بن عامر قال الحافظ: الصواب أبو عامر، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن شيخ من بني تميم] .
هذا الشيخ مبهم.
[عن علي] .
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



الأسئلة



حكم الإيجار المنتهي بالتمليك
السؤال ما حكم الإيجار المنتهي بالتمليك؟
الجواب هذه المسألة من المسائل الجديدة التي حدثت في هذا الزمان، وأذكر أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه كان يؤخر الإفتاء بها عندما يسأل عنها، وقال: إنه كلف من يبحثها، وبعد ذلك بحثت المسألة وانتهى الأمر إلى أنها لا تجوز، وأفتى بعدم جوازها.



حكم شراء سندات مخفضة لبعض الناس خاصة ثم بيعها على غيرهم بربح
السؤال عندنا في الجامعة تباع البونات لطلاب الثانوية بسعر مخفض، فهل يجوز لطلاب الثانوية أن يشتروا هذه البونات ثم يبيعونها على طلاب الكلية بربح؟
الجواب ليس لهم ذلك، فإن كان محتاجاً إليها أخذها واستفاد منها، وإن كان غير محتاج لها تركها، ولا يشتريها ثم يتكسب من ورائها.



وضع الجوائح في الزرع خاصة
السؤال لو أن رجلاً اشترى من آخر سيارة، ووقعت عليها آفة مثل حادث أو سرقة، فهل هذه جائحة توضع مثل الزرع؟
الجواب لا، هذا شيء تم وانتهت البيعة، وهذا استلم السيارة ودخلت في ملكه، وانقطعت صلة المالك بها.



حكم الاحتباء يوم الجمعة
السؤال هل المنع عن الاحتباء في يوم الجمعة عند الاستماع إلى الخطبة يزول إذا أمن من كشف العورة؟
الجواب ليس النهي عن الاحتباء يوم الجمعة من أجل كشف عورة، وإنما المقصود من ذلك ألا يحصل له نوم أو نعاس والخطيب يخطب فيغفل عن الخطبة، أو ينتقض وضوءه فيحتاج إلى أن يخرج.



حكم من تسببت في قتل جنينها
السؤال امرأة حامل في الشهر التاسع حملت شيئاً ثقيلاً فأحست بحركة داخل الرحم، وبعد أيام أحست بآلام فذهبت إلى المستشفى وأخبروها بأن الجنين قد مات منذ أيام، فهل عليها كفارة؟
الجواب الظاهر أن عليها كفارة؛ لأنها متسببة في الهلاك.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:06 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [388]
الحلقة (420)



شرح سنن أبي داود [388]
الإسلام يدعو إلى العمل لعمارة الأرض والضرب في مناكبها؛ من أجل تحقيق عبادة الله فيها، وقد حث الله على التعاون على البر والتقوى، ومن ذلك التعاون في التجارة بأنواع الشركات، وقد بين أهل العلم أنواع الشركات وأحكامها وضوابطها.



باب الشركة



شرح حديث (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه)
قال المنصف رحمه الله تعالى: [باب الشركة.
حدثنا محمد بن سليمان المصيصي حدثنا محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال: (إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الشركة، والشركة: هي الاشتراك في تجارة، سواء قدم كل منهما منه مالاً وعملاً أو يكون من أحدهما المال والثاني منه العمل، أو ليس بأيديهم مال، ولكن عندهم عمل، فيشتغلون بأبدانهم، فكل هذه من الشركة.
والأصل فيها الجواز؛ إلا إذا وجد شيء أو شرط يؤدي إلى أمر فيه غرر أو محذور.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما) والمقصود من ذلك أن الله مع الشريكين في تسديده وإعانته وتوفيقه ما داما صادقين، ولم يكن هناك خيانة، فإن لم يحصل الصدق يمنعا من البركة بسبب الخيانة التي حصلت منهما أو من أحدهما.
وهذا الحديث القدسي من أحاديث المعية، والمعية عند العلماء نوعان: معية عامة ومعية خاصة، والمعية الخاصة هي التي تكون من الله عز وجل بالحفظ والكلاءة والإعانة والتسديد والتوفيق، والمعية العامة هي التي تكون لكل أحد، ولا يختص بها أحد دون أحد.
ومن المعية الخاصة ما جاء في هذا الحديث، ومنها ما جاء في قصة أبي بكر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في طريق الهجرة لما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر في الغار، وكان الكفار يبحثون عنهما، فوصلوا إلى باب الغار، فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر يريان أقدام الكفار، فقال أبو بكر: لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدمه لأبصرنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) يعني: بحفظه وتسديده وإعانته.
وأما المعية العامة فهي مثل قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7] ، فهذه معية عامة تكون لكل أحد، وأما المعية الخاصة فهي التي تكون بالنصر والتأييد والتسديد والتوفيق.
وهذا الحديث فيه ضعف، لكن لا شك أن الصدق سبب لحصول البركة، وأن الخيانة والكذب سبب من أسباب محق البركة.



تراجم رجال إسناد حديث (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان المصيصي] .
محمد بن سليمان المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن الزبرقان] .
محمد بن الزبرقان وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبي حيان التيمي] .
أبو حيان التيمي هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو في طبقة يحيى بن سعيد الأنصاري، والذين يقال لهم: (يحيى بن سعيد) في الكتب الستة أربعة، اثنان في طبقة متقدمة، واثنان في طبقة متأخرة، فاللذان في طبقة متقدمة هما: يحيى بن سعيد بن حيان هذا، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهما من طبقة صغار التابعين، واللذان في طبقة متأخرة هما: يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأموي.
وهما في طبقة متأخرة.
[عن أبيه] .
هو سعيد بن حيان قال عنه الحافظ: وثقه العجلي.
ولم يجزم بتوثيقه ابن حجر، وإنما عزا توثيقه إلى العجلي، والعجلي قريب من ابن حبان في التساهل، فمن أجل ذلك تكلم بعض أهل العلم في هذا الحديث من أجل سعيد بن حيان والد يحيى بن سعيد.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[رفعه] .
يعني: رفعه أبو هريرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذه اللفظة بمعنى: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة (رفعه) أو (ينميه) أو (يبلغ به) كلها بمعنى واحد، والذي يقولها هو من دون الصحابي، ولعل السبب في ذلك أنه ما أتقن الصيغة التي أضافها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن كلمة (رفعه) يحصل بها المقصود، سواء قال: سمعت أو قال: قال رسول الله، فإن الكل مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.



المضارب يخالف



شرح حديثي عروة البارقي في شراء أضحية للنبي عليه الصلاة والسلام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المضارب يخالف.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الشبيب بن غرقدة قال: حدثني الحي عن عروة -يعني ابن أبي الجعد البارقي - رضي الله عنه أنه قال: (أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديناراً يشتري به أضحية أو شاة، فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب في المضارب يخالف) يعني: يخالف الشيء الذي طلب منه، أو الشيء الذي كلف به، أو عهد به إليه، أو اشترط عليه، فالمضارب يجب أن يتقيد بالشيء الذي طلب منه، فإذا قيل له: تاجر في البز فقط لم يبع الحديد أو السيارات؛ لأنه قد يكون صاحب المال يعرف أن المضارب يجيد البيع في جهة معينة، وهو يريد أن يقصره على شيء يتقنه، ولو دخل في شيء لا يتقنه فإن ذلك يكون سبباً في الخسارة أو المضرة.
فالمضارب إذا طلب منه شيء أو حدد له شيء فإنه يتقيد به، ولو خرج عنه وحصل منه تفريط فإنه يكون ضامناً، فلو اشترط عليه أن يشتغل في أمر معين ثم اشتغل في شيء آخر لا يتقنه فخسر فإنه يضمن رأس المال له، إلا إذا سامحه صاحب المال وأقره فهذا شيء آخر.
أورد أبو داود حديث عروة البارقي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية أو شاة، فاشترى به شاتين، وباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه) ، وهذه مبالغة، وإشارة إلى حصول البركة في بيعه، وأن الربح يحصل له باستمرار ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
والحديث لا يتعلق بالمضاربة، وإنما فيه وكالة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وكله ليشتري شاة وأعطاه ديناراً، فاشترى شاتين بدينار ثم باع واحدة منهما بدينار، وجاء بشاة وبدينار، فهو دليل على أنه إذا أقر الموكل المضارب على شيء تصرف فيه فلا إشكال، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا على هذا التصرف، وهو كونه اشترى بالدينار شاتين، وباع إحداهما وجاء بشاة، ولو أنه ذهب واشترى بنصف دينار شاة ثم رجع بشاة وبنصف دينار لأقره؛ لأن المقصود أن يأتي بشاة، فقد تكون قيمة الشاة نصف الدينار فيشتري شاة بنصف دينار، ويأتي بالنصف الباقي، هذا هو الأصل، ولكن كونه اشترى بدينار شاتين، ثم باع إحداهما فهذا تصرف في البيع والشراء في غير ما وكل به، ولكنه إذا فوض إليه أو أقره الموكل على ذلك كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا بأس به.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا أبو المنذر حدثنا سعيد بن زيد -هو أخو حماد بن زيد - حدثنا الزبير بن خريت عن أبي لبيد قال: حدثني عروة البارقي بهذا الخبر، ولفظه مختلف] .
أورد أبو داود الحديث السابق بإسناد آخر، فالحديث جاء بإسنادين، أحدهما فيه جهالة وهو الرواية عن جمع، والإسناد الآخر ليس فيه إبهام، بل الإسناد كله متصل، فأحدهما يشهد للآخر، فيكون الحديث صحيحاً.



تراجم رجال إسناد حديثي عروة البارقي في شراء أضحية للنبي عليه الصلاة والسلام
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شبيب بن غرقدة] .
شبيب بن غرقدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحي] .
أي: عن عدد من الناس مبهمون.
[عن عروة يعني ابن أبي الجعد البارقي] .
عروة بن أبي الجعد البارقي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [حدثنا الحسن بن الصباح] .
الحسن بن الصباح البزاز صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو المنذر] .
هو إسماعيل بن عمرو الواسطي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد] .
سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد بن درهم، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا الزبير بن الخريت] .
الزبير بن الخريت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن أبي لبيد] .
هو لمازة بن زبار وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عروة] .
مر ذكره.



حكم بيع الفضولي
بيع عروة هذا يسمى عند الفقهاء ببيع الفضولي.
ولو أن رجلاً أعطى شخصاً سلعة، وكلفه ببيعها بسعر محدد، فباعها الوكيل بأكثر من السعر، وأعطى البائع أمواله، وأخذ الباقي من غير علمه، فهذا غير جائز، لأنه حدد له السعر حتى لا يبيع بأقل من هذا، لكن إذا حصل شيء أكثر من هذا فصاحب المال أحق به منه، وإذا كان بينهما اتفاق فيأخذ المتفق عليه، وإذا لم يكن بينهما اتفاق فيعطيه ما يعطى مثله على حسب ما اعتاده الناس، إلا أن يكون هناك اتفاق بينهما.



شرح حديث حكيم بن حزام في شراء أضحية للنبي عليه الصلاة والسلام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان حدثني أبو حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار وباعها بدينارين، فرجع فاشترى له أضحية بدينار، وجاء بدينار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتصدق به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له أن يبارك له في تجارته) ] .
أورد أبو داود حديث حكيم بن حزام رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية، فاشترى شاة وباعها بدينارين، واشترى بأحد الدينارين شاة، وجاء بشاة ودينار كما حصل في قصة البارقي، فالنبي صلى الله عليه وسلم، دعا له، وتصدق بذلك الدينار.
والحديث في إسناده رجل مبهم، وهو مثل حديث عروة البارقي إلا أن فيه زيادة التصدق، وبعض أهل العلم قال: إن في هذا دليلاً على أن الشيء إذا كان فيه شبهة فالتورع يكون بالتصدق به في الأمور الممتهنة مثل بناء حمامات وتعبيد طرق، وقد مر بنا قصة المرأة التي دعت النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام، فلما قدمت لهم الشاة لاك الرسول صلى الله عليه وسلم قطعة من اللحم وقال: (إن هذه الشاة أخذت بغير إذن أهلها) فسألوا المرأة، وذكرت لهم القصة، فقال: (أطعموه الأسارى) .
ويحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام تصدق بالدينار لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية، فكره أكل ثمنها كما ذكره في نيل الأوطار.



تراجم رجال إسناد حديث حكيم بن حزام في شراء أضحية للنبي عليه الصلاة والسلام
قوله: [حدثنا محمد بن كثير العبدي] .
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
سفيان بن سعيد ين مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو حصين] .
هو عثمان بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شيخ من أهل المدينة] .
هذا مبهم.
[عن حكيم بن حزام] .
هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



حكم المضاربة
المضاربة من أنواع الشركة، وهي: أن يكون رجل عنده مال، وآخر ليس عنده مال، ولكن عنده قدرة على العمل، فيشتركان، هذا برأس المال وهذا بالعمل.
وسميت مضاربة لأنها تحتاج إلى الضرب في الأرض بالأسفار والانتقال لتنمية المال، ولا خلاف بين أهل العلم في جواز المضاربة، وابن تيمية رحمه الله يقول: مسائل الإجماع تستند إلى نص، وقال بعض أهل العلم: ما من مسألة أجمع عليها إلا ولها نص هي مستندة إليه إما جلي وإما خفي.
قيل: والمسألة التي ثبتت بإجماع مجرد وليس فيها نص هي المضاربة، لكن المضاربة قد ورد فيها نص، وهي أنها من المعاملات التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، فإقرار الإسلام لها هو النص؛ لأن السنة قول وفعل وتقرير، فإذاً الإجماع عليها مستند إلى نص، وهو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم للمضاربة التي كانت في الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقرها وأبقاها، ومعلوم أن من أعمال الجاهلية ما أبطله الإسلام، ومنها ما أقره الإسلام، ومما أقره هذه المسألة، واعتبار الولي في النكاح، كما قالت عائشة: كان الرجل في الجاهلية يأتي إلى الرجل ويطلب منه موليته فيزوجها إياه، وجاء الإسلام واعتبر الولي في النكاح، فهو من الأحكام التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، والمضاربة من هذا القبيل.
والمضاربة تكون بعمل من أحدهما وبمال من الآخر، ويكون الربح بالنسبة التي يتفقان عليها، ولا يكون بمقدار معين، فلا يقول: لي كذا والباقي لك، فهذا لا يصح؛ لأنه قد لا يحصل إلا هذا الذي اشترط لأحدهما، فيكون الثاني ليس له شيء، وإنما تكون بالنصف أو الثلث أو الثلثين أو الربع أو ثلاثة أرباع، على حسب ما يتفقان عليه.
ومثل ذلك المزارعة والمساقاة تكون على النصف والثلث والثلثين، وهي بمعنى المضاربة، وقد جاءت فيها نصوص.
ومثل ذلك لو أن إنساناً أعطى إنساناً سيارته الأجرة وقال له: اشتغل عليها والربح بيني وبينك نصفان، فهذا صحيح.
والخسارة في المضاربة تكون على صاحب رأس المال وليست على العامل، والعامل خسارته عمله الذي ضاع بدون مقابل، فكل منهما قد يخسر، العامل خسر جهده بدون مقابل، والمالك ضاع رأس ماله أو بعض رأس ماله، ولا يجوز أن يحمل العامل ضمانة رأس المال لو خسر، وهذا شرط باطل، واختلف العلماء هل هذا الشرط يبطل العقد من أصله، أم يلغى الشرط والعقد باق؟ ومثل هذا الشرط باطل بإجماع العلماء، وإنما الخلاف بينهم هل يبطل العقد من أصله أو أن الشرط هو الذي يبطل والعقد باق، ويكون مثل قصة بريرة عندما اشترط أهلها الولاء، فأقر الرسول صلى الله عليه وسلم البيع وأبطل الشرط.
وهذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب فيها وكالة وليس فيها مضاربة، فمناسبتها للباب من باب القياس؛ لأن الكل تصرف بغير إذن.



الرجل يتجر في مال الرجل بغير إذنه



شرح حديث فرق الأرز
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يتجر في مال الرجل بغير إذنه.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا عمر بن حمزة أخبرنا سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فرق الأرز فليكن مثله، قالوا: ومن صاحب فرق الأرز يا رسول الله؟! فذكر حديث الغار حين سقط عليهم الجبل فقال كل واحد منهم: اذكروا أحسن عملكم قال: وقال الثالث: اللهم! إنك تعلم أني استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما أمسيت عرضت عليه حقه فأبى أن يأخذه وذهب، فثمرته له حتى جمعت له بقراً ورعاءها فلقيني فقال: أعطني حقي، فقلت: اذهب إلى تلك البقر ورعاءها فخذها، فذهب فاستاقها) ] .
أورد أبو داود باباً في الرجل يتجر في مال الرجل بغير إذنه، يعني: أن الأصل عدم الجواز، وأنه لا يتجر إلا بإذنه، ولو حصلت خسارة فإنه مفرط.
فأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر، وفيه إشارة إلى قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين كانوا يمشون في فلاة من الأرض، فأصابهم مطر في ليلة ظلماء، فدخلوا في غار، فانحدرت صخرة من الجبل وسدت عليهم باب الغار، فكانوا لا يستطيعون الخروج، فصاروا مقبورين وهم أحياء في هذا الغار، ولا أحد يعلم بحالهم إلا الله عز وجل، ففكروا ماذا يصنعون؟ ورأوا أن يتوسلوا إلى الله عز وجل بأعمال عملوها لله خالصة في حال رخائهم؛ ليفرج الله عنهم ما هم فيه من حال شدتهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لـ ابن عباس: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) يعني: أن الإنسان إذا عمل في حال رخائه أعمالاً خالصة لله عز وجل، فإن الله تعالى يفرج عنه في حال شدته كما قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2 - 3] ، فأحدهم توسل إلى الله ببر الوالدين، والثاني توسل إلى الله بترك الزنا مع القدرة عليه، والثالث توسل إلى الله عز وجل بحفظ مال الأجير وتنميته وإعطائه له كاملاً غير منقوص.
ومحل الشاهد من إيراد الحديث هو كون الذي استأجر أجيراً نمى هذه الأجرة التي سخطها صاحبها ولم يأخذها، حتى بلغت قطيعاً من البقر ولها رعاء، يعني: عبيداً يرعونها، وجاء الأجير بعد مدة وقال: أعطني حقي، فقال: كل هذا حقك فقال: أتستهزئ بي؟! فقال: لا أستهزئ بك، فأخذه كله، فتوسل إلى الله عز وجل فانفرجت الصخرة عنهم وخرجوا من الغار.
وهذا الرجل أراد أن يحسن إلى الأجير وحقه مضمون في ذمته، وفي نيته أنه لو جاء سيعطيه إياه كله، فصار محسناً في عمله عندما أعطاه تلك الأشياء الكثيرة، لكن كون الإنسان يتصرف في مال غيره بغير إذنه ثم يحصل فيه خسارة فإنه يكون ضامناً إلا إذا أقره صاحب الحق على تصرفه.



تراجم رجال إسناد حديث فرق الأرز
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أسامة] .
أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمر بن حمزة] .
وهو ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أخبرنا سالم بن عبد الله] .
سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادله الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث في سنده ضعيف، لكن قصة أصحاب الغار وتوسلهم إلى الله عز وجل بأعمالهم الصالحة ثابتة في الصحيحين.



الشركة على غير رأس مال



شرح حديث اشتراك ابن مسعود وعمار وسعد فيما يغنمون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشركة على غير رأس مال.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين، ولم أجىء أنا وعمار بشيء) ] .
أورد أبو داود باب الشركة على غير رأس مال، وهذه شركة الأبدان، بأن يتفق أشخاص فيما بينهم على أنهم يعملون ثم يجمعون ما يحصلون ثم يقتسمونه بينهم، كأن يكونوا حطابين أو عمالاً أو يشتركون فيما يصيبون من الغنائم.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر فيما نصيب، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء) يعني: أنهم اشتركوا في الأسيرين, والأصل هو جواز مثل هذه الشركة، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، فهو منقطع.



تراجم رجال إسناد حديث اشتراك ابن مسعود وعمار وسعد فيما يغنمون
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن أبي إسحاق] .
سفيان هو الثوري، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبيدة] .
أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:08 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [389]
الحلقة (421)



شرح سنن أبي داود [389]
لقد جاءت عدة أحاديث -منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت- في النهي عن المزارعة والمساقاة، والصواب جواز ذلك، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أرض خيبر على نصف ما يخرج من ثمارها وزروعها، وقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون من بعده.
والمزارعة: هي إجارة الأرض على جزء مما يخرج منها.



المزارعة



شرح حديث (لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المزارعة.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (ما كنا نرى في المزارعة بأساً حتى سمعت رافع بن خديج رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها.
فذكرته لـ طاوس فقال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها، ولكن قال: لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً) ] .
أورد أبو داود باب المزارعة، وهي: استئجار الأرض على جزء معلوم مما يخرج منها كالنصف أو الثلث أو الثلثين، فرجل يدفع الأرض، والآخر يعمل فيها، فهي من جنس المضاربة، إلا أن المضاربة فيها رجل دفع رأس مال، والآخر يعمل، وهذه أحدهما دفع أرضاً ليعمل الآخر عليها على النصف أو الثلث أو الثلثين أو أي نسبة معينة، وهي سائغة وجائزة، ومما يدل عليها قصة معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر، فإنه عاملهم على نصف ما يخرج منها من ثمر وزرع، وهذا يدل على صحة المزارعة وصحة المساقاة، ولكن جاءت أحاديث عديدة في النهي عن المزارعة، وهي تحمل على أنه يعطيها أو يعيرها أخاه أولى من كونه يأخذ عليها أجراً معلوماً، ولا شك أن كون الإنسان يعطي أخاه أو يعيره ويرفق به أولى من كونه يؤجر له، ولكن إن أجر له الأرض فإن ذلك صحيح، والإجارة صحيحة، وقد ثبتت في قصة خيبر وفي غيرها.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن المنع من المزارعة كان لسبب، وهو أنهم كانوا يشترطون نواحي معينة من الأرض، فيقول: لي القطعة الفلانية ولك القطعة الفلانية، وهذا لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم منع من ذلك؛ لأنها قد تثمر جهة، والجهة الأخرى لا يحصل فيها شيء، فيكون أحدهما استقل عن صاحبه بالفائدة، لكن إذا كانت الغلة بينهما على النسبة من نصف أو ربع أو ثلث فإن أي شيء نتج ولو قل فهما شركاء فيه، وإن حصلت خسارة فإن الربح يذهب عنهما جميعاً، فهذا أرضه استخدمت بدون فائدة ولم يحصل من ورائها طائل، وهذا عمل ولم يحصل طائلاً، أما كون أحدهما يشترط جهة معينة أو نوعاً معيناً من الثمر، فيقول: النوع الفلاني من النخل لي، والنوع الآخر لك، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز الاشتراك على نسبة يتفقان عليها كما تقدم.
قوله: [(ما كنا نرى بالمزارعة بأساً)] .
يعني: أن الإنسان يؤجر أرضه بجزء مما يخرج منها معلوم النسبة.
قال: [(حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها)] .
هذا النهي يحمل على ما فيه تقييد بما على الماذيانات وأقبال الجداول، وهذا منهي عنه، ولا يجوز، وحكمه باق.
وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن تأجير الأرض بثلث ما يخرج منها أو ربعه، ولعل هذا كان في أول الأمر من باب المساعدة والإرفاق، ولاسيما وأن المهاجرين قدموا إلى المدينة، فكونهم يساعدونهم بأن يمنحونهم الأرض ولا يأخذون عليهم أجرة هو الأولى، وهذا طيب في جميع الأوقات، ولكن إذا حصلت الإجارة المشروعة السائغة التي هي مزارعة على جزء معلوم بالنسبة مما يخرج من الأرض؛ فهذا لا بأس به.
قوله: [(فذكرته لـ طاوس فقال: قال لي ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها، ولكن قال: لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً)] .
وهذا إرشاد إلى الأولى وليس فيه نهي، ولعل رافعاً فهم المنع من قوله: (لأن يمنح أحدكم أرضه خير) ، لكن ابن عباس بين أنه لم ينه عن ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث (لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار] .
عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
ابن عمر مر ذكره.
[سمعت رافع بن خديج] .
رافع بن خديج صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال: فذكرته لـ طاوس] .
طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن علية ح وحدثنا مسدد حدثنا بشر المعنى، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: يغفر الله لـ رافع بن خديج رضي الله عنه! أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه -رجلان قال مسدد: من الأنصار، ثم اتفقا- قد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع) ، زاد مسدد: (فسمع قوله: لاتكروا المزارع) ] .
أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكروا المزارع) ، وبناء على ما حصل بينهم من الخصومة جاء هذا النهي، وقد جاء ما يدل على ثبوت الكراء سواء بالدراهم والدنانير أو بجزء معلوم بالنسبة مما يخرج منها، وكل ذلك لا بأس به.
وقوله: (لا تكروا) إشارة إلى المنع، ولكنه يمكن أن يحمل على كراهة التنزيه، وعلى خلاف الأولى، لاسيما وأنه قد يؤدي إلى الخصام، ولكن كونهم يتفقون على شيء معين ولا يحصل بينهم اختلاف فيه، فلا بأس بذلك.



تراجم رجال إسناد حديث (إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن علية] .
إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحدثنا مسدد] .
مسدد مر ذكره.
[حدثنا بشر] .
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن إسحاق] .
عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار] .
وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن الوليد بن أبي الوليد] .
الوليد بن أبي الوليد لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عروة بن الزبير] .
عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن ثابت] .
زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الحديث في إسناده راويان فيهما مقال، والثابت إباحة المزارعة ومشروعيتها، وأوضح دليل عليها قصة خيبر، فقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها أبو بكر وعمر من بعده، فهي حكم محكم ليس بمنسوخ، فالرسول صلى الله عليه وسلم توفي والعمل قائم عليها، وعمل به من بعده أبو بكر وعمل بها من بعده عمر، وكذلك الناس إلى الآن يتعاملون بهذه المعاملة.



شرح حديث (كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن سعيد بن المسيب عن سعد رضي الله عنه قال: (كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع وما سعد بالماء منها، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة) ] .
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص أنهم كانوا يكرون الأرض بما على السواقي، يعني: يقول صاحب الأرض: لي هذا والباقي لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك، وأمرهم أن يكروا الأرض بالذهب والفضة، ومعروف أن الأجرة هي كذا دينار أو كذا درهم، وما يحصل في الأرض يكون كله للعامل أو يكون كله للمالك والعامل يكون له أجرة عمله، والثمرة كلها لصاحبها، ولكن لو حصل أنها أجرت بجزء معلوم مما يخرج منها -وهذه هي المزارعة- فإنه يصح.



تراجم رجال إسناد حديث (كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إبراهيم بن سعد] .
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام] .
محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة] .
محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ضعيف، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد] .
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث رافع في كراء الأرض بالذهب والفضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا الأوزاعي ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث كلاهما عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن -واللفظ للأوزاعي - قال: حدثني حنظلة بن قيس الأنصاري قال: (سألت رافع بن خديج رضي الله عنه عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس بها، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا؛ فلذلك زجر عنه، فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به) ] .
أورد أبو داود رحمه الله حديث رافع بن خديج، وفيه تفصيل لما أجمل في بعض الأحاديث.
قوله: [(سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس بها)] .
يعني: كون الأجرة تكون نقوداً وليس هناك شيء مجهول فلا بأس بها.
قوله: [(إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع)] .
يعني: أنهم كانوا يؤاجرون على أماكن معينة تحظى بالماء وتستفيد من الماء، فيكون الثمر فيها قوياً وجيداً وحسناً، فيقول أحدهما: هذه الجهة لي والباقي لك، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا وزجر عنه؛ لأن هذا يؤدي إلى أن أحدهما يظفر بالفائدة والثاني لا يحصل شيئاً، وهذا فيه اختصاص لأحدهما بالمال دون الآخر، وهو غير سائغ، وإنما كل واحد منهما يحصل نصيبه، فهذا يحصل الثمرة وهذا يحصل الأجرة، سواء كانت هذه الأجرة عن طريق ذهب وفضة أو عن طريق اشتراك بنسبة معينة؛ لأن هذا شيء مضمون أن كل واحد يحصل نصيبه، أما أن يكون أحدهما له جزء معين من الأرض فقد لا ينبت إلا هو، ويكون قد اختص أحدهما بالثمرة دون الآخر، وهذا هو الذي زجر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: فأما شيء معلوم مضمون فلم ينه عنه.



تراجم رجال إسناد حديث رافع في كراء الأرض بالذهب والفضة
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى] .
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأوزاعي] .
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلاهما عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن] .
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حنظلة بن قيس الأنصاري] .
حنظلة بن قيس الأنصاري ثقة، وقيل: له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن رافع] .
رافع بن خديج مر ذكره.
قال أبو داود: [وحديث إبراهيم أتم] .
هو إبراهيم بن موسى، وهو الشيخ الأول.
[وقال قتيبة عن حنظلة عن رافع] .
يعني: بدون سؤال.
[قال أبو داود: رواية يحيى بن سعيد عن حنظلة نحوه] .



شرح حديث رافع في كراء الأرض بالذهب والفضة من طريق أخرى وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس: (أنه سأل رافع بن خديج رضي الله عنه عن كراء الأرض؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كراء الأرض، فقلت: أبا لذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس به) ] .
وهذا الحديث مثل الذي قبله، وهو يبين إجمال بعض الأحاديث السابقة في النهي عن كراء الأرض.
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن ربيعة] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج] .
تقدم ذكرهم.



الأسئلة



معنى الماذيانات
السؤال ما معنى الماذيانات؟
الجواب الماذيانات كلمة معربة المقصود بها شيء فيه فائدة وفيه ثمرة، ويقال: إنها ما على الماء.



حكم تأجير البقالة بما فيها من سلع بمبلغ محدد في الشهر
السؤال صاحب بقالة أجر البقالة بما فيها من البضائع على عامله بمبلغ محدد في الشهر، فهل هذا جائز؟
الجواب إذا أجر التخشيبة ونحوها من الأدوات فهذا من جنس البنيان، وأما إذا أجر السلع فلا يجوز، ولكن كونه يؤجر الدكان بما فيه من الأدوات التي يستفاد منها لرص البضائع سواء بأجر شهري أو سنوي فلا بأس بذلك.



حكم تأجير محل بمعداته من غير البضاعة
السؤال ما الحكم إن أجر محلاً بمعداته من غير البضاعة؟
الجواب لا بأس بتأجير المعدات مثل ثلاجات تحفظ له الأشياء ومثل دواليب وما إلى ذلك، أما البضاعة نفسها فهي لا تؤجر، بل هي ملك لصاحبها.



حكم الشركة ورأس المال مناصفة من اثنين والعمل من أحدهما مقابل ربع الربح
السؤال اشتركت أنا وآخر في مشروع، وكان رأس المال مناصفة بيني وبينه، وهو يقوم بإدارة العمل وحده مقابل ربع الربح، ثم نتقاسم ما بقي من الربح، فهل هذا العمل مشروع؟
الجواب لا بأس بذلك.



حكم تأجير سيارات الأجرة بمبلغ محدد يومياً
السؤال ما حكم تأجير سيارة الأجرة بمبلغ محدد يطلبه صاحبها من السائق مثل مائة ريال كل يوم، وما بقي فهو لصاحب السيارة؟
الجواب لا بأس بذلك، فله أن يقول: خذ السيارة وكل يوم أجرتها مائة ريال، حتى ولو اشتغل بها ولم يجمع مالاً، فإنه أجرها عليه سواء كان يشتغل بها أو ما يشتغل؛ لأن هذه أجرة لهذه السيارة، وحتى لو لم يشتغل عليها فإنه يدفع الأجرة، مثل الذين يؤجرون السيارات الخصوصي للاستخدام، وقد لا يستخدمها يوماً ولكنه مطلوب منه في كل يوم أن يدفع أجرة لهذه السيارة.
لكن إذا كان كفيلاً للعامل، وجاء به من أجل يعمل عنده، فهذا عليه أن يجعل له أجرة، ولا يؤجره السيارة؛ لأن هذا لا تقره الدولة.



التخلص من الربا
السؤال كيف يتخلص الإنسان من الربا الذي في يده؟
الجواب إذا كان الربا في يد الإنسان وقد ابتلي به، ويريد أن يتخلص منه، فإنه يتخلص منه بصرفه في بعض الأمور الممتهنة، ولا يجوز له أن يأخذ الربا، ولا يصح أن يتصدق به؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.



حكم اشتراط صاحب المال في المضاربة أن الزكاة على العامل
السؤال هل يجوز في المضاربة أن يقول صاحب المال: الربح بيني وبينك نصفان إلا أن زكاة التجارة عليك؟
الجواب ليس له ذلك، وكل واحد منهما زكاته عليه ولا يشترط الزكاة على صاحبه.



حكم تحديد أجرة للعامل في المضاربة
السؤال هل يجوز أن يعين للمضارب راتباً وحصة كأن يقول صاحب المال للعامل: اتجر في مالي ولك ألف ريال شهرياً وربع الربح؟
الجواب لا يصح؛ لأنه قد لا يحصل من التجارة إلا ألف ريال، ولكن المضاربة تنبني على اقتسام الربح بالنسبة فقط، فلا يقول: لي كذا أو هذا لي، وإنما الربح بينهما على النسبة التي يتفقان عليها مثل النصف أو الثلث أو الثلثين أو الربع أو ثلاثة أرباع وهكذا.



التشديد في المزارعة



شرح حديث رافع بن خديج في النهي عن كراء الأرض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في ذلك.
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري رضي الله عنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد الله فقال: يا ابن خديج! ماذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كراء الأرض؟ فقال رافع لـ عبد الله بن عمر: سمعت عميَّ -وكانا قد شهدا بدراً- يحدثان أهل الدار: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن كراء الأرض.
قال عبد الله: والله! لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدث في ذلك شيئاً لم يكن علمه، فترك كراء الأرض) ] .
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب التشديد في ذلك، أي: في المزارعة، وقد سبقت أحاديث فيها النهي عن المزارعة، وعرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن أمور فيها جهالة، وأما الشيء المعلوم فلا بأس به، أو أنه كان يرشد إلى ما هو الأكمل والأفضل، وهو أن الإنسان يساعد ويعين ويمنح أخاه الأرض بدون مقابل.
وقد جاء ما يدل على ثبوت المزارعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله تعالى عنهم، ومن ذلك معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود في خيبر حيث أعطاهم الأرض والنخل على الشطر مما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وقد أورد أبو داود في هذا الباب أحاديث فيها وعيد شديد في حق من يفعل المزارعة لكنها غير ثابتة، ولو ثبتت فتحمل على الشيء الذي فيه جهالة بأن يقول: لي ما على الماذيانات وأقبال الجداول أو الناحية الفلانية دون الناحية الفلانية، وهذا لا شك أنه محرم وغير جائز؛ لأن أحد الطرفين -صاحب الأرض أو المزارع- يستفيد من الثمرة دون الآخر، والأصل في المزارعة أن كلاً منهما يستفيد إن وجدت فائدة، وإن حصل ضرر أو ما حصلت فائدة من الزرع فإن العامل ضاع عليه عمله، وصاحب الأرض استخدمت أرضه دون أن يحصل منها على طائل.
وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى أنه كان يكري أرضه للزراعة حتى بلغه عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فلقي عبد الله بن عمر رافعاً وسأله عن الحديث الذي يحدث به، فقال: إنه سمع عميه وهما يحدثان أهل الدار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك، فقال عبد الله بن عمر: كنا في زمنه عليه الصلاة والسلام نكري الأرض، ولكن عبد الله بن عمر خشي أن يكون حصل شيء من النبي عليه الصلاة والسلام فيه تحريم ذلك، أو حصل نسخ للأمر الذي كانوا عليه أولاً، فمن باب الورع ترك عبد الله بن عمر رضي الله تعالى كراء الأرض بعد ذلك بناء على ما جاء في حديث رافع بن خديج.



تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج في النهي عن كراء الأرض
قوله: [حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث] .
عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي عن جدي الليث] .
أبوه شعيب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
وجده الليث بن سعد ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عقيل] .
عقيل بن خالد بن عقيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سالم بن عبد الله] .
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر] .
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن رافع بن خديج] .
رافع بن خديج صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عميّ] .
له عمان: ظهير ومظهر، وظهير أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
والعمان مبهمان، لكن المعروف أن عميه هما من ذكرنا، والثاني لم يترجم له.



شرح حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق ثانية وتراجم رجاله
[قال أبو داود: رواه أيوب وعبيد الله وكثير بن فرقد ومالك عن نافع عن رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
أورد أبو داود طريق أخرى عن رافع من غير طريق سالم، وهو عن نافع عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيها واسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أبو داود: رواه أيوب] .
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبيد الله] .
عبيد الله بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وكثير بن فرقد] .
كثير بن فرقد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ومالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رافع] .
رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه وقد مر ذكره.





ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:10 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




شرح حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه الأوزاعي عن حفص بن عنان الحنفي عن نافع عن رافع رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم] .
وهذه طريق أخرى عن رافع، وفيها أنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام، والطريق الأولى هي بالعنعنة، ولعله أخذ الحديث عنه مباشرة وأخذه عن صحابي، ولكن هذا فيه التصريح بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي يرويه الصحابي بالعنعنة يحتمل أن يكون مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة؛ لأنهم لا يأخذون إلا عن الصحابة، لكن الذي فيه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم هو نص بأنه حصل منه السماع، ولهذا صغار الصحابة يروون أحياناً عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ويصرحون بالسماع، ويروون كثيراً بالعنعنة، ويحتمل أن يكونوا سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو سمعوه من صحابي آخر.




تراجم رجال إسناد حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق ثالثة
قوله: [ورواه الأوزاعي] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حفص بن عنان الحنفي] .
حفص بن عنان الحنفي وهو ثقة، أخرج له النسائي.
[عن نافع عن رافع] .
مر ذكرهما.



شرح حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق رابعة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك رواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أتى رافعاً رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: نعم] .
هذه طريق أخرى عن ابن عمر مماثلة للطريق الأولى، وفيها أنه سأل رافعاً، وفي الأولى: ذكر أن عميه أخبرا بكذا، وفي هذه الطريق أخبر بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [وكذلك رواه زيد بن أبي أنيسة] .
زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم] .
الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر عن رافع] .
مر ذكرهم.



شرح حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق خامسة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذا رواه عكرمة بن عمار عن أبي النجاشي عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام] .
وهذا مثل الذي قبله، فيه أن رافعاً هو الذي سمع من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قوله: [وكذا رواه عكرمة بن عمار] .
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي النجاشي] .
هو عطاء بن صهيب، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
[عن رافع] .
مر ذكره.



شرح حديث رافع في النهي عن كراء الأرض من طريق سادسة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه الأوزاعي عن أبي النجاشي عن رافع بن خديج عن عمه ظهير بن رافع رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
وهذه طريق أخرى فيها: أن رافعاً يروي الحديث عن عمه ظهير بن رافع، فهناك ذكر عميه وأبهمهما، وهنا صرح بأنه ظهير.
قال الحافظ: في المبهمات: رافع بن خديج عن عميه وعن بعض عمومته، وعن عمومته، له عم اسمه ظهير، وآخر مظهر، وظهير، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قال أبو داود: أبو النجاشي عطاء بن صهيب] .
ذكر اسم هذا الذي اشتهر بكنيته.



معنى النهي عن كراء الأرض
حديث رافع قال عنه الإمام أحمد: جاء على ألوان، أي: أنه يأتي مرة هكذا، ومرة هكذا، ولهذا لوجود الاضطراب الذي فيه وكونه فيه اختلاف كثير قالوا: يحمل المجمل على المفصل، فالمزارعة جائزة لحديث معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، لاسيما وقد استمر العمل عليها إلى الآن، فمنذ أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه يعملون بها من بعده، وهذا الذي ذكره رافع كأنه شيء متقدم في أول الأمر، أو أن فيه إرشاد إلى المساعدة والإعانة وكذا.
ويمكن أن يكون رافع سمع الحديث بنفسه أو بواسطة غيره.



شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار أن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع.
قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى) ] .
هذا حديث رافع أن بعض عمومته جاء وقال: نهانا رسول صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع وأنفع، يعني: كوننا نسمع ونطيع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرشدنا إليه أنفع لنا، وإن كان الكراء والمزارعة التي كنا نفعلها فيها فائدة لنا، وهي ما يحصل لنا مقابل استخدام أرضنا، فنستفيد ويستفيد العامل، ثم أخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه) ].
وهذا إرشاد إلى الأفضل والأولى الذي ينبغي، ولعل هذا كان في أول الأمر عندما قدم المهاجرون إلى المدينة وليس معهم شيء، فأرشدهم إلى أن الأولى أن يمنحوهم أرضهم ليستخدموها بالمجان، والحكم الذي استقر عليه الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر في السنة السابعة، واستمر الحال على ذلك حتى توفي عليه الصلاة والسلام، ثم استمر الحال على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: [(كنا نخابر)] .
المخابرة: هي زراعة الأرض بشيء مما يخرج منها، ومن العلماء من فرق بين المخابرة والمزارعة، إحداهما يكون البذر فيها من صاحب الأرض، والثانية يكون من العامل، والذي يظهر أن البذر إنما هو من العامل وليس من صاحب الأرض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يرسل الحبوب لليهود من أجل أن يزرعوا الأرض، وإنما كانوا يزرعونها بحبوب من عندهم، والذي يظهر أنه لا فرق بين المزارعة والمخابرة، ولا نعلم شيئاً يدل على التفريق بينهما.



تراجم رجال إسناد حديث: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة] .
عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد بن الحارث] .
خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد] .
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعلى بن حكيم] .
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن سليمان بن يسار] .
سليمان بن يسار ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رافع بن خديج] .
قد مر ذكره.



شرح حديث: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: كتب إلي يعلى بن حكيم: أني سمعت سليمان بن يسار بمعنى إسناد عبيد الله وحديثه] .
ذكر المصنف طريقاً أخرى للحديث بمعنى إسناد حديث عبيد الله.
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد] .
محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي، وأبو داود له شيخان يقال لكل منهما محمد بن عبيد، وهما: محمد بن عبيد المحاربي ومحمد بن عبيد بن حساب، والذي يروي عن حماد بن زيد هو ابن حساب.
[عن أيوب عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار] .
مر ذكرهم.



شرح حديث: (نهانا أن يزرع أحدنا إلا أرضاً يملك رقبتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (جاءنا أبو رافع رضي الله عنه من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان يرفق بنا، وطاعة الله وطاعة رسوله أرفق بنا، نهانا أن يزرع أحدنا إلا أرضاً يملك رقبتها أو منيحة يمنحها رجل) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وقال: (إنما يزرع أحدنا أرضاً يملك رقبتها) والمقصود بالرقبة: العين، يعني: أنه يملك الأرض، فيعبر عن العين بالرقبة، وذلك أن الحيوان إذا ملك فإنه يؤخذ برقبته، فعبر بالرقبة عن كل شيء يتعلق بالعين.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهانا أن يزرع أحدنا إلا أرضاً يملك رقبتها)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع] .
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمر بن ذر] .
عمر بن ذر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن مجاهد] .
مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن رافع بن خديج] .
هو هنا مبهم غير معين، وهو يتحمل أن يكون هرير بن عبد الرحمن بن رافع أو عباية بن رفاعة بن رافع، وكلامهما يقال له: ابن رافع نسبة إلى الجد، وهرير مقبول، أخرج له أبو داود، وعباية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
[رافع بن خديج] .
وقد تقدم ذكره.
[قال: جاءنا أبو رافع] .
قيل: لعل أبا رافع كنية لأحد عميه اللذين مر ذكرهما.



شرح حديث: (من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن مجاهد: (أن أسيد بن ظهير رضي الله عنهما قال: جاءنا رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: إن سول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهاكم عن أمر كان لكم نافعاً، وطاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنفع لكم، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهاكم عن الحقل، وقال: من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع) ] .
أورد أبو داود الحديث عن رافع بن خديج، وفيه إشارة إلى ما تقدم من أن الإنسان يمنح أخاه ويساعده، وقال: (نهى عن الحقل) يعني المحاقلة، وهي: بيع الحب في سنبله بحنطة، وهي مثل المزابنة التي هي بيع التمر بالرطب على رءوس النخل، وكل ذلك غير جائز إلا في مسألة العرايا، والعرايا خاصة بالنخل.



تراجم رجال إسناد حديث: (من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور] .
منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد] .
مر ذكره.
[عن أسيد بن ظهير] .
أسيد بن ظهير صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
[عن رافع بن خديج] .
مر ذكره.



شرح حديث: (من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: وهكذا رواه شعبة ومفضل بن مهلهل عن منصور، قال شعبة: أسيد ابن أخي رافع بن خديج] .
ذكر المصنف طريقاً أخرى، وفيها إشارة إلى أنه أسيد ابن أخي رافع وليس أسيد بن ظهير.
قوله: [وهكذا رواه شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومفضل بن مهلهل] .
مفضل بن مهلهل صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن منصور] .
مر ذكره.



شرح حديث: (خذوا زرعكم وردوا عليه النفقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا أبو جعفر الخطمي قال: (بعثني عمي أنا وغلاماً له إلى سعيد بن المسيب قال: فقلنا له: شيء بلغنا عنك في المزارعة، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى بها بأساً حتى بلغه عن رافع بن خديج رضي الله عنه حديث، فأتاه فأخبره رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعاً في أرض ظهير فقال: ما أحسن زرع ظهير! قالوا: ليس لـ ظهير، قال: أليس أرض ظهير؟ قالوا: بلى، ولكنه زرع فلان.
قال: فخذوا زرعكم وردوا عليه النفقة.
قال رافع: فأخذنا زرعنا ورددنا إليه النفقة، قال سعيد: أفقر أخاك أو أكره بالدراهم) ] .
أورد أبو داود حديث رافع بن خديج من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في النهي عن المزارعة، وأن الإنسان إما أن يزرع أرضه أو يزرعها أخوه ولا يأخذ عليه شيئاً.
قوله: [(قال: فخذوا زرعكم وردوا عليه النفقة، قال رافع: فأخذنا زرعنا ورددنا إليه النفقة)] .
يعني: التكاليف التي تعب عليها.
قوله: [قال سعيد: أفقر أخاك أو أكره بالدراهم] .
المقصود: أنه يرفق به ويحسن إليه، أو يكريه بالدراهم وليس بجزء من الزرع.
ومعنى (أفقر) أي: أعطه أرضك عارية ليزرعها، وأصل الإفقار: إعارة البعير ونحوه للركوب.



تراجم رجال إسناد حديث: (خذوا زرعكم وردوا عليه النفقة)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
هو بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو جعفر الخطمي] .
هو عمير بن يزيد، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر عن رافع] .
مر ذكرهما.



شرح حديث: (نهى عن المحاقلة والمزابنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا: أبو الأحوص حدثنا طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة، وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضاً فهو يزرع ما منح، ورجل استكرى أرضاً بذهب أو فضة) ] .
أورد المصنف حديث رافع وفيه النهي عن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة فسرت بأنها بيع الحب في سنبله بحنطة في مقابله، وهذا منهي عنه، وسبق أن مرت أحاديث في النهي عنه، والمزابنة مثلها إلا أنها في النخل، فهي بيع الثمر على رءوس النخل بتمر، وقد استثني من ذلك العرايا في أقل من خمسة أوسق.
قوله: [(ورجل استكرى أرضاً بذهب أو فضة)] .
من غير طريق المزارعة.



تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن المحاقلة والمزابنة)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو الأحوص] .
أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا طارق بن عبد الرحمن] .
طارق بن عبد الرحمن المدني وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب عن رافع] .
وقد مر ذكرهما.



شرح حديث رافع بن خديج: (نهى عن كراء الأرض)
[قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني قلت له: حدثكم ابن المبارك عن سعيد أبي شجاع قال: حدثني عثمان بن سهل بن رافع بن خديج قال: إني ليتيم في حجر رافع بن خديج رضي الله عنه، وحججت معه، فجاءه أخي عمران بن سهل فقال: أكرينا أرضنا فلانة بمائتي درهم، فقال: دعه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض] .
أورد أبو داود حديث رافع من طريق أخرى، وفيه ما في الأحاديث التي قبله من النهى عن كراء الأرض.



تراجم رجال إسناد حديث رافع بن خديج: (نهى عن كراء الأرض)
قوله: [قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني] .
سعيد بن يعقوب الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثكم ابن المبارك] .
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد أبي شجاع] .
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني عثمان بن سهل بن رافع بن خديج] .
عثمان بن سهل بن رافع وقيل: الصواب هو عيسى، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن رافع بن خديج] .
مر ذكره.



شرح حديث: (أربيتما، فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا الفضل بن دكين حدثنا بكير -يعني: ابن عامر - عن ابن أبي نعم قال: (حدثني رافع بن خديج رضي الله عنه: أنه زرع أرضاً، فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله: لمن الزرع؟ ولمن الأرض؟ فقال: زرعي ببذري وعملي، لي الشطر ولبني فلان الشطر، فقال: أربيتما، فرد الأرض على أهلها، وخذ نفقتك) ] .
أورد أبو داود حديث رافع من طريق أخرى، وفيه قوله: (أربيتما) ، وأمر بأن يرجع الزرع إلى صاحب الأرض، وأن العامل يأخذ نفقته.



تراجم رجال إسناد حديث: (أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك)
قوله: [قال: حدثنا هارون بن عبد الله] .
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الفضل بن دكين] .
الفضل بن دكين أبو نعيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكير بن عامر] .
بكير بن عامر ضعيف، أخرج له أبو داود.
[عن ابن أبي نعم] .
هو عبد الرحمن بن أبي نعم وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رافع بن خديج] .
مر ذكره.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه هذا الرجل الضعيف.



زرع الأرض بغير إذن صاحبها



شرح حديث (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته) ] .
أورد أبو داود باب في زرع الأرض بغير إذن أهلها، يعني: لو أن إنساناً زرع أرضاً بدون موافقة أهلها على زراعتها، فما الحكم في ذلك؟ هل الزرع يكون للزارع الذي زرع بغير إذن أو يكون للمالك؟ إن أقره المالك على تصرفه ووافقه على ذلك فلا بأس؛ لأن الحق حقه، وإن لم يوافق له فإن الزرع يكون للمالك، وذاك يكون له النفقة.



تراجم رجال إسناد حديث (من زرع في أرض قوم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق] .
هو عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رافع بن خديج] .
مر ذكره.






ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:14 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [390]
الحلقة (422)



شرح سنن أبي داود [390]
ورد في الأحاديث النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، ثم استقر الحكم على جواز المخابرة، والمخابرة والمزارعة بمعنى واحد إلا أن هناك بعض التفريق الطفيف ذكره العلماء.
أما المساقاة فقد عامل بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، وكان يرسل ابن رواحة للخرص، ولهذه المعاملات تفاصيل وضحها العلماء.




المخابرة




شرح حديث (نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المخابرة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل ح وحدثنا مسدد أن حماداً وعبد الوارث حدثاهم كلهم عن أيوب عن أبي الزبير -قال: عن حماد وسعيد بن ميناء ثم اتفقوا- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة، قال عن حماد وقال أحدهما: والمعاومة.
وقال الآخر: بيع السنين.
ثم اتفقوا: وعن الثنيا، ورخص في العرايا) ] .
أورد أبو داود (باب في المخابرة) والمخابرة هي المزارعة إلا أنها جاءت بهذا اللفظ، وقد أسلفت أن بعض أهل العلم يقول: الفرق بين المزارعة والمخابرة أن إحداهما يكون البذر من العامل، والثانية يكون البذر من المالك.
والمخابرة أو المزارعة استقر الحكم على جوازها، كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر، حيث كانوا يعملون فيها على الشطر مما يخرج منها، فهو حكم ثابت غير منسوخ، وهو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد المصنف حديث جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة) والمحاقلة مثل المزابنة إلا أن المزابنة بيع الثمر على رءوس النخل بتمر، والمحاقلة: هي بيع الحب في سنبله بحنطة، وكل منهما لا يجوز، وقد استثني من ذلك العرايا فيما يتعلق بالنخل.
والمعاومة هي بيع السنين، وهي أن يبيع ثمرة أرضه لعدة أعوام، وهذا لا يجوز؛ لأن هذا شيء مجهول، ولا يعرف هل يحصل من الثمر شيء أو لا يحصل شيء، وإنما البيع يكون لسنة واحدة، أما كونه يبيعه لعدة سنوات في مقابل شيء لم يوجد ولم يخلق فإن هذا لا يصح، ولكن يجوز أن يبيعه ثمرة السنة الحاضرة.
قوله: [عن حماد وقال أحدهما: والمعاومة، وقال الآخر: بيع السنين] .
يعني: لا فرق بينهما.
قوله: [وعن الثنيا] .
الثنيا أي: الاستثناء، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على جواز استثناء شيء معلوم، وفي رواية: (وعن الثنيا إلا أن تعلم) ، وأما إذا كانت الثنيا مجهولة فإن ذلك لا يصح، كأن يقول مثلاً: بعتك هذه الصبرة إلا بعضها أو إلا جزءاً منها، أما لو قال: إلا ربعها فلا بأس، وإنما المحذور استثناء الشيء الذي فيه جهالة، أو يقول: بعتك ثمرة هذا البستان إلا نخلة منه، ولم يحدد النخلة، فإن هذا شيء مجهول، ولكن إذا حدد النخلة الفلانية صح.
قوله: [(ورخص في العرايا)] .
وهي بيع الثمر على رءوس النخل بتمر، وهذا ممنوع، ولكن استثني كما سبق العرايا في حدود معينة، وهي أنه لا يبلغ خمسة أوسق.




تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل] .
إسماعيل بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحدثنا مسدد] .
مسدد مر ذكره.
[عن حماد] .
حماد بن زيد مر ذكره.
[وعبد الوارث] .
عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم عن أيوب] .
أيوب السختياني مر ذكره.
[عن أبي الزبير] .
هو محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: عن حماد وسعيد بن ميناء] .
سعيد بن ميناء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (نهى عن المزابنة وعن المحاقلة) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو حفص عمر بن يزيد السياري قال: حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن يونس بن عبيد عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المزابنة، وعن المحاقلة، وعن الثنيا إلا أن تعلم) ] .
وهذه طريق أخرى عن جابر وهي مختصرة، وفيها تقييد الثنيا المنهي عنها أنها المجهولة، وأما إذا كانت معلومة فإن ذلك لا بأس به.




تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن المزابنة وعن المحاقلة) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أبو حفص عمر بن يزيد السياري] .
عمر بن يزيد السياري صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عباد بن العوام] .
عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان بن حسين] .
سفيان بن حسين ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن يونس بن عبيد] .
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء عن جابر] .
مر ذكرهما.




شرح حديث (من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا ابن رجاء -يعني: المكي - قال ابن خثيم: حدثني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله) ] .
أورد المصنف حديث جابر مرفوعاً: (من لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله) وهذا هو التشديد الوارد في المخابرة، وهو يطابق الترجمة السابقة في التشديد في ذلك، وهذا الحديث أنسب لتلك الترجمة؛ لأن فيه وعيداً شديداً، ولكن الحديث غير صحيح، فهو ضعيف الإسناد.




تراجم رجال إسناد حديث (من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا ابن رجاء -يعني: المكي -] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وابن رجاء هو عبد الله بن رجاء وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن خثيم] .
هو عبد الله بن عثمان وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الزبير عن جابر] .
أبو الزبير وجابر مر ذكرهما، وأبو الزبير مدلس، فعلته التدليس، فإن رواية أبي الزبير هنا بالعنعنة.




شرح حديث (نهى رسول الله عن المخابرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عمر بن أيوب عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المخابرة قلت: وما المخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع) ] .
هذا الحديث فيه تفسير المخابرة بأنها المزارعة بجزء مما يخرج منها، نصف أو ربع أو ثلث، وهذا النهي كان في أول الأمر، فقد كان يحث الناس على ترك المخابرة، وأن يصيروا إلى الإحسان والإرفاق، وأن يمنح أحدهم أخاه ولا يأخذ منه شيئاً.




تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن المخابرة)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عمر بن أيوب] .
عمر بن أيوب صدوق له أوهام، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جعفر بن برقان] .
جعفر بن برقان وهو صدوق يهم في حديث الزهري، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت بن الحجاج] .
ثابت بن الحجاج وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن زيد بن ثابت] .
زيد بن ثابت رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




المساقاة




شرح حديث (عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المساقاة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في المساقاة.
المساقاة: هي أن يدفع رجل نخله إلى آخر ليقوم بسقيها وتعاهدها وإصلاحها وما يتعلق بها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، وهي مثل المزارعة إلا أن المزارعة فيها تسليم الأرض ليزرعها العامل وله نصف ما يخرج منها أو أقل أو أكثر، والمساقاة تتعلق بالعناية بالشجر وسقيه وتعاهده، ويكون له جزء معلوم النسبة مما يخرج.
إذاً: المزارعة والمساقاة مؤداهما ونتيجتهما واحدة، وقد جاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز المساقاة والمزارعة بشيء معلوم النسبة.
والممنوع منهما ما كان فيه جهالة كأن يقول: النخلات الفلانية لي والباقي لك، أو النوع الفلاني من النخل ثمرته لي والباقي لك، أو يقول: ما يكون على الأنهار وعلى السواقي ويمر به الماء لي والباقي لك، فهذا كله لا يجوز، لا في المزارعة ولا في المساقاة، وإنما الذي يجوز هو دفع الأرض ليشتغل فيها عامل وله جزء معلوم النسبة مما يخرج منها، أو دفع الشجر لمن يقوم بإصلاحه والعناية به وله جزء معلوم النسبة مما يخرج منه.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن يعملوها ولهم الشطر مما يخرج منها من ثمر أو زرع، وقوله: (من ثمر) يتعلق بالمساقاة، وقوله: (من زرع) يتعلق بالمزارعة، وقد يكون هذا مستقلاً وهذا مستقلاً، وقد يجمع بينهما بأن تكون الأرض فيها زراعة وفيها نخل، فيكون فيها مساقاة ومزارعة، وقد تكون الأرض فيها مساقاة بدون زرع أو مزارعة بدون مساقاة، وكل ذلك سائغ وجائز ما دام أنه بشيء معلوم النسبة مما يخرج من الأرض.
والمساقاة تكون في النخل وغير النخل، وقد جاء في بعض الأحاديث: (من زرع أو نخل أو شجر) .




تراجم رجال إسناد حديث (عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن محمد بن عبد الرحمن -يعني: ابن غنج - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، وأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرتها) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وذكر الشطر هو بيان الواقع الذي حصل، ولا يعني أن المعاملة لا تكون إلا بالشطر، بل يمكن أن يكون لأحدهما الثلث والآخر الثلثان، أو لأحدهما الربع والآخر ثلاثة أرباع.
والمقصود أن الحديث دل على أنه يكون بشيء معلوم النسبة، فلا يجب التقيد بالشطر، بل الحكم على حسب ما يتفق الناس عليه من نسبة، بحيث لو وجد شيء قليل فهو مشترك بينهما على حسب النسبة، وإن وجد شيء كثير فهو مشترك بينهما على حسب النسبة، وكل منهما له نصيب من الغلة والثمرة، فيشترك الطرفان في الغنم والغرم، إن حصل غنم فهو على حسب النسبة، وإن حصل غرم فالعامل ذهب عمله بدون مقابل، وصاحب الأرض استخدمت أرضه بدون فائدة وبدون طائل.
قوله: [(على أن يعتملوها من أموالهم)] هذا يدل على أن ما يلزم النخل من معدات ووسائل لإصلاحه تكون على العامل، ومن ذلك البذر فإنه يكون على العامل؛ لأنه قال: أن يعتملوها من أموالهم، وهذا يعني أن تمويلها من أموالهم، والمالك ليس عليه أن يعطي شيئاً من البذر ونحوه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرسل البذر من المدينة إلى اليهود.




تراجم رجال إسناد حديث (دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن يعني ابن غنج] .
محمد بن عبد الرحمن بن غنج مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن نافع عن ابن عمر] .
مر ذكرهما.
ووجود مقبول في هذا الإسناد لا يؤثر في صحة الحديث؛ لأنه جاء من طرق متعددة، والمزارعة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (افتتح رسول الله خيبر واشترط أن له الأرض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أيوب بن محمد الرقي حدثنا عمر بن أيوب حدثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم، فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ولنا نصف، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فحزر عليهم النخل، وهو الذي يسميه أهل المدينة الخرص، فقال: في ذه كذا وكذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة! فقال: فأنا ألي جزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت، قالوا: هذا الحق وبه تقوم السماء والأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي لما افتتح خيبر اشترط أن يكون له الأرض والصفراء والبيضاء -وهما الذهب والفضة- غنيمة وفيئاً للمسلمين، فطلبوا أن يقوموا بالأرض؛ لأنهم أهل خبرة وأهل معرفة، ويكون لهم نصيب منها مقابل القيام عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم عاملهم على الشطر مقابل عملهم، والشطر الآخر يكون للمسلمين؛ لأنهم أصحاب الأرض.
فكان عليه الصلاة والسلام يرسل عبد الله بن رواحة ليخرص النخل حتى يعرف مقداره قبل أن يؤكل ويستفاد منه، فيعرف أنه يساوي كذا إذا صرم وجذ.
فقال: في هذه كذا، وفي هذه كذا، يعني: في هذه النخلة كذا صاع، وهذه فيها كذا صاع، وهذه فيها كذا صاع، وهذه فيها كذا صاع، والمجموع هو كذا وكذا، فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة! يعني: في التقدير، فقال: إن شئتم أخذت هذا المقدار وأعطيكم حقكم أو أنكم تأخذونه تعطوننا حقنا، فأخذوه، وقبل ذلك قالوا: قد أكثرت، وهم يعلمون بأنه لم يكثر؛ ولهذا رضوا بأن يعطوا المسلمين حقهم الذي هو نصف ما قدره ابن رواحة.
فمعنى كلام ابن رواحة أني حزرت النخل، وأعطيكم النصف على حسب ما حزرت، فمثلاً لو قدره عشرين ألف صاع، فأعطيكم عشرة آلاف صاع، وهو النصف المتفق عليه.




تراجم رجال إسناد حديث (افتتح رسول الله خيبر واشترط أن له الأرض)
قوله: [حدثنا أيوب بن محمد الرقي] .
أيوب بن محمد الرقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا عمر بن أيوب] .
عمر بن أيوب صدوق له أوهام، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا جعفر بن برقان] .
وهو صدوق يهم في حديث الزهري، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ميمون بن مهران] .
ميمون بن مهران وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مقسم] .
مقسم هو مولى ابن عباس، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبدالمطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (افتتح رسول الله خيبر واشترط أن له الأرض) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن جعفر بن برقان بإسناده ومعناه قال فحزر وقال: عند قوله: (وكل صفراء وبيضاء) يعني: الذهب والفضة له] .
تقدم هذا.
قوله: [حدثنا علي بن سهل الرملي] .
علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا زيد بن أبي الزرقاء] .
زيد بن أبي الزرقاء وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن جعفر بن برقان بإسناده ومعناه] .
مر ذكره.




شرح حديث (افتتح رسول الله خيبر واشترط أن له الأرض) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا كثير -يعني ابن هشام - عن جعفر بن برقان حدثنا ميمون عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فذكر نحو حديث زيد قال: فحزر النخل، وقال: فأنا ألي جذاذ النخل، وأعطيكم نصف الذي قلت] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مرسل عن مقسم، وليس فيه ذكر ابن عباس، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري] .
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا كثير يعني ابن هشام] .
كثير بن هشام وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جعفر بن برقان حدثنا ميمون عن مقسم] .
مر ذكرهم.




الخرص




شرح حديث (كان النبي يبعث ابن رواحة فيخرص النخل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخرص.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخير اليهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق) ] .
الخرص هو الحزر والتقدير، فيقول عبد الله بن رواحة: هذه النخلة فيها كذا، وهذه فيها كذا، وهذه فيها كذا، فيجمع المجموع ويقول: النخل إذا جذ ويبس يبلغ كله كذا صاعاً، هذا هو الخرص أو الحزر، وقد مر ذكره في الأحاديث السابقة.
وفي هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل عبد الله بن رواحة ليخرص نخل خيبر، وفيه بيان أن الخرص من أجل معرفة مقدار الزكاة، بل وهو أيضاً من أجل معرفة حق صاحب النخل إذا كان النخل عند رجل يسقيه لصاحبه.
إذاً: الخرص يكون من أجل معرفة قدر الزكاة، ومن أجل معرفة حصة الشريك.
قوله: [(كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه)] .
يعني: إذا صلح الثمر، ولا يخرص قبل ذلك؛ لأنه قد تصيبه الآفة، ولكنه يخرص بعد أن يطيب، ويتمكن الناس من استعماله.
قوله: [(ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص)] .
وهذا مثل ما مر أن عبد الله قال لهم: ألي الجذاذ وأعطيكم النصف، يعني: إذا ادعيتم أني أكثرت عليكم.
قوله: [(لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق)] .
هذا هو بيان الحكمة من الخرص؛ لأنها إذا أكلت الثمار لا يعرف مقدار الزكاة، ولا يعرف مقدار حصة المشارك.







ابوالوليد المسلم 28-06-2025 08:15 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يبعث ابن رواحة فيخرص النخل)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج] .
حجاج بن محمد المصيصي الأعور وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرت عن ابن شهاب] .
وهذا فيه انقطاع، لأن فيه واسطة مجهولة.
[عن ابن شهاب] .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم كما كانوا) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن سابق عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم) ] .
أورد المصنف حديث جابر وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه اختصاراً.
قوله: [حدثنا ابن أبي خلف] .
محمد بن أحمد بن أبي خلف وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا محمد بن سابق] .
وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن إبراهيم بن طهمان] .
إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث جابر (خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق، وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر عليهم عشرون ألف وسق] .
أورد أبو داود حديث جابر أن عبد الله بن رواحة خرص نخل خيبر أربعين ألف وسق، والوسق ستون صاعاً، وأن اليهود دفعوا للمسلمين النصف عشرين ألف وسق.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[عن عبد الرزاق] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن بكر] .
ومحمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر] .
مر ذكرهم.



الأسئلة



وجه تفريق أبي داود بين باب المخابرة والمزارعة
السؤال إذا كانت المخابرة هي المزارعة فلماذا ذكر أبو داود رحمه الله باب المزارعة ثم ذكر باب المخابرة؟
الجواب لعله من أجل لفظ المخابرة.



حال حديث (من زرع في أرض قوم فليس له من الزرع شيء)
السؤال حديث: (من زرع في أرض قوم فليس له من الزرع شيء) ما حاله؟
الجواب هو حديث صحيح، ووجود شريك وهو صدوق يخطئ كثيراً لا يؤثر، فقد صحح هذا الحديث بعض أهل العلم مثل ابن القيم.



علة تحريم تأجير البقالة مع بضاعتها
السؤال ما هي العلة في عدم جواز تأجير المحل مع البضاعة؟
الجواب لأن البضاعة أعيان مملوكة لصاحبها، فلا تؤجر البضاعة وإنما يؤجر المكان؛ لأن التأجير للمنفعة لا للعين التي تباع، لكن إذا قال: البضاعة قيمتها كذا وكذا، والدكان إيجاره كذا، فلا بأس، فالبيع للأعيان والإيجار للمنافع، والبيع يتم، والإيجار يكون مثلاً كل سنة على حسب ما يتفقان عليه.



البذور في المزارعة على العامل
السؤال البذور في المزارعة هل تكون من صاحب الأرض أو من العامل؟
الجواب من العامل، لا من صاحب الأرض؛ لأن مالك الأرض يسلمه الأرض فقط، ويوضح هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحمل البذر من المدينة إلى اليهود في خيبر، لكن لو اشترط العامل أن يكون البذر على صاحب الأرض فلا بأس.



لا فرق بين المخابرة والمزارعة
السؤال هل يمكن أن يقال: المخابرة هي المنهي عنها، والمزارعة هي الجائزة؟
الجواب لا فرق بين المزارعة والمخابرة.



معنى المعاومة
السؤال ما معنى بيع المعاومة؟
الجواب المعاومة هي بيع الأعوام أو بيع السنين، كأن يقول: أبيعك ثمرة نخلي لعدة سنوات، مثل خمس سنوات كل سنة بألف ريال، فهذا لا يجوز؛ لأنه بيع شيء لا يوجد، فلعله في سنة من السنوات لا تصلح الثمرة أو تطلع شيئاً قليلاً، فهو شيء مجهول.



معنى التشديد في المزارعة
السؤال أليس في الأحاديث الأولى تشديد في المزارعة باعتبار أن الإنسان إذا لم يمكنه زراعة أرضه أعطاها لغيره فلا يستفيد من كرائها؟
الجواب التشديد معناه: أنه يوجد وعيد فيها، والأحاديث التي مضت في الباب هي بمعنى هذا.



معنى الوكالة والمضاربة
السؤال هل هناك فرق بين الوكالة والمضاربة؟
الجواب المضاربة شركة، والوكالة نيابة، فالمضاربة العمل يكون فيها من شخص، ورأس المال من شخص آخر، على نسبة يتفقان عليها كثلث أو ربع.
وأما الوكالة فهي نيابة، يقول: وكلتك أن تفعل كذا مثل أن تبيع كذا أو تبني كذا.



حكم الشجرة إذا مالت إلى ملك الغير
السؤال عندنا في بعض المناطق الجبلية تنجرف الأرض، وتتداخل الأراضي، فيدخل بعض الأشجار في حدود الغير، فلمن تكون هذه الأشجار؟
الجواب الأرض لابد أن لها حدوداً، وما كان داخل حدود كل واحد فهو لصاحبه، وإن كان المقصود أن الأصل في جهة ولكن رأسها مائل، فمعلوم أنها لصاحب الأصل، وليست لصاحب الأرض التي مالت الشجرة إليها.



حكم من زرع في أرض الدولة
السؤال ما حكم من زرع أرضاً للدولة؟
الجواب الحكم المتقدم يعم الدولة أو غير الدولة، فإذا أقر المالك على ذلك فلا بأس، وإن لم يقر فإنه يؤخذ منه هذا الزرع، وله نفقته.



حكم من زرع في أرض غيره
السؤال إن لم يوافق صاحب الأرض على ما فعله ذلك الغاصب من الزرع في أرضه، فهل النفقة تكون لصاحب الأرض؟
الجواب ورد الحديث بأن يكون للغاصب النفقة، وإذا حصلت خصومة ذهبوا إلى القاضي.



حكم استئجار البستان قبل أن تثمر الثمرة
السؤال هل يجوز كراء البستان بمبلغ معين في السنة قبل أن يثمر؟
الجواب نعم، فيجوز أن يعطي الإنسان أرضه مساقاة وفيها نخل مثلاً، ويقول: استأجر هذه الأرض لمدة سنة مثلاً بعشرة آلاف ريال، ويستخدمها العامل ويسقي الزرع والنخل، وله الأجرة وهي هذه العشرة الآلاف، والاستئجار غير الشركة؛ لأن الشركة هي المزارعة، وتكون على الثمرة والنتيجة تكون بينهما، وأما التأجير بالدراهم والدنانير فهذا شيء مستقل، هذا له الأجرة، وهذا سلم الأرض لينتفع بها، فإن ربح كثيراً فهو له، وإن خسر فهو عليه.



حكم طواف الوداع
السؤال حج رجل ثم ضاع منه الجواز، ثم رحل قبل أن يطوف طواف الوداع، فما الحكم؟
الجواب من حج ولم يطف طواف الوداع فإن عليه فدية، وهي شاة تذبح بمكة وتوزع على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج.



وقت إسلام أبي هريرة
السؤال نجد اختلافاً في إسلام الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه في مناهج التعليم عن أقوال بعض أهل العلم، فمتى أسلم؟
الجواب كان إسلامه عام خيبر.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 04:54 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [391]
الحلقة (423)



شرح سنن أبي داود [391]
الإجارة لها أحكام كثيرة، وبعض أنواع الإجارة صحيحة وبعضها غير صحيحة، ومعرفة أحكامها من المهمات؛ فإنه لا يخلو الإنسان -غالباً- أن يكون أجيراً أو مؤجراً.
وللإجارة والبيع أحكام؛ فمنها الجائز، ومنها المحرم.




الإجارة




شرح حديث عبادة (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الإجارة.
باب في كسب المعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله! رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها) .
حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: حدثنا بقية قال: حدثني بشر بن عبد الله بن يسار قال عمرو: وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه نحو هذا الخبر، والأول أتم، (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها) ] .
أورد أبو داود كتاب الإجارة، وقد مر كتاب البيوع، والبيوع يتعلق ببيع الأعيان، ويكون على الدوام والتأبيد، بمعنى أن الإنسان يبيع السلعة ويأخذ ثمنها، والمشتري يأخذ السلعة ويملكها باستمرار، لا ترجع إلى المالك، بل من اشترى -مثلاً- أرضاً فإنها تبقى في ملكه حتى تخرج من ملكه ببيع أو إرث أو غير ذلك، أما الإجارة فهي تعتبر بمثابة بيع المنافع، ولا بد فيها من التحديد بمدة معينة، ولا يجوز أن يكون الأجل مجهولاً، بل لا بد أن يكون الأجل معلوماً، لمدة سنة أو لمدة سنتين، وكلما انتهت السنة -مثلاً- إما أن يجدد العقد وإما أن يترك أحدهما تجديده، وفي أثناء المدة ليس لأحد منهما أن يفسخ العقد؛ لأنه عقد لازم من الطرفين، فليس للمالك أن يخرج المستأجر قبل انتهاء المدة، وليس للمستأجر أن يخرج ويقول: استلم أرضك أو استلم عمارتك، أنا لا أريد أن أستمر؛ لأنه عقد لازم، ولا يتم الفسخ في أثناء المدة إلا برضا الطرفين، فالإجارة عقد على المنافع، والمنافع توجد شيئاً فشيئاً.
والعلماء متفقون على جواز الإجارة، ولم يخالف فيها إلا ابن علية والأصم، وابن علية هو إبراهيم بن إسماعيل، كما قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، وأبو بكر بن كيسان الأصم معتزلي، فهما من المبتدعة، وكلامهما وجوده مثل عدمه.
ثم كيف تكون الإجارة ممنوعة أو محرمة، والحال أنه لا يستغني أحد عنها، لأنه لا يستطيع الإنسان أن يملك كل شيء، وأن يكون عارفاً لكل مهنة، فلا يحتاج إلى أن يستأجر كهربائياً أو يستأجر سباكاً؟ هذا شيء غير معقول وغير صحيح، والمسألة مجمع عليها، ولم يخالف فيها إلا هذان المبتدعان.
أورد أبو داود باب كسب المعلم، يعني كون المعلم يأخذ أجرة على تعليمه، هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ العلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال: إن المعلم لا يأخذ الأجرة، ولكنه يأخذ الجعل الذي يوضع له في بيت المال أو في أوقاف المسلمين على من يعمل أعمال القربات مثل تعليم العلم النافع وتعليم القرآن، فيأخذ الجعل ولا يأخذ الأجرة، ولا يقال: إنه أجير، ولكن يقال: إنه يعمل عملاً طيباً، ويأخذ الجعل الذي خصص في بيت المال أو في أوقاف المسلمين أو من أهل حي أو أهل قرية.
ومن العلماء من قال: إن أخذ الأجرة على التعليم جائزة، ويستدلون بقصة الذي رقى اللديغ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، قالوا: فهذا يدل على جواز الإجارة على تعليم القرآن.
وكذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زوجتك على ما معك من القرآن) ، فقد جعل المهر تعليمها سوراً من القرآن.
ولا شك أن على معلم القرآن أن يريد القربة والثواب، وإذا أخذ الشيء الذي جعل له فقد أخذ شيئاً من الثواب المعجل له في الدنيا قبل الآخرة، ولكن لا ينبغي أن تكون القرب كالمهن الأخرى، فلا يفعل القربة إلا بشيء معلوم، فقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب آداب المشي إلى الصلاة أنه قيل للإمام أحمد: إن رجلاً يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً فقال: أسأل الله العافية! ومن يصلي خلف هذا؟! يعني: أن هذا همه الدنيا، ولا يعمل إلا للدنيا، لكن إذا كانت هناك أموال في بيت المال أو أوقاف مخصصة لمن يقوم بهذا العمل المشروع الذي هو قربة إلى الله عز وجل، أو اتفق أناس فيما بينهم على أنهم يطلبون من أحد المعلمين أن يعلم أولادهم، ويجعلون له جعلاً يعطونه إياه في مقابل تعليمه؛ فهذا لا شك أنه سائغ وجائز.
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريقين، وفيه أنه علم بعض أهل الصفة الكتابة والقرآن، وأنه أهدى له قوساً، فأخذه وتردد في قبوله وفي حله له، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (جمرة من نار بين كتفيك) ، وفي اللفظ الآخر: (إن أحببت أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها) .
وهذا يدل على تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقال بعض أهل العلم في التوفيق بين هذا وبين ما جاء في جواز أخذ الأجرة: يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متعيناً عليه أنه يعلم القرآن، وليس هناك أحد غيره يقوم بهذا العمل، فإنه يقوم به في غير مقابل، أما إن كان غير متعين عليه فله أن يأخذ الأجرة.
ومنهم من قال: إذا كان فعله على سبيل الاحتساب فليس له أن يأخذ عليه شيئاً، وأما إذا كان في نيته أنه إذا أعطي شيئاً في مقابل عمله فإنه سيأخذه، فإن ذلك لا بأس به، ويكون حديث عبادة بن الصامت محمولاً على أنه فعل أمراً مشروعاً متبرعاً متطوعاً ثم أخذ عليه شيئاً مقابل تطوعه، وأما الأجرة على الرقية فسيأتي ذكرها في الباب الذي بعد هذا.




تراجم رجال إسناد حديث (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع] .
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي] .
حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مغيرة بن زياد] .
صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبادة بن نسي] .
عبادة بن نسي وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن.
[عن الأسود بن ثعلبة] .
الأسود بن ثعلبة وهو مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عبادة بن الصامت] .
عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه مجهول، ولكن الطريق الثاني يشهد له ويؤيده ويقويه.
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان] .
عمرو بن عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وكثير بن عبيد] .
كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية] .
بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني بشر بن عبد الله بن يسار] .
بشر بن عبد الله بن يسار وهو صدوق، أخرج له أبو داود.
[قال عمرو: وحدثني عبادة بن نسي] .
عمرو هو عمرو بن عثمان.
وقوله: وحدثني عبادة بن نسي يدل على أنه أخبره بهذا وبغيره؛ لأن هذه العبارة: (وأخبرني) تدل على أنه يوجد شيء محذوف، بدليل واو العطف، وهم يلتزمون الإتيان بها في الأسانيد من أجل دلالتها على أن هناك شيئاً آخر معطوفاً على هذا، بخلاف ما إذا كانت الرواية بدون عطف، فإنه يقول: أخبرني بدون واو.
[عبادة بن نسي] .
مر ذكره.
[عن جنادة بن أبي أمية] .
جنادة بن أبي أمية تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبادة بن الصامت] .
مر ذكره.




كسب الأطباء




شرح حديث (من أين علمتم أنها رقية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كسب الأطباء.
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، فنزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، قال: فلدغ سيد ذلك الحي، فشفوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعل أن يكون عند بعضهم شيء ينفع صاحبكم، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ، فشفينا له بكل شيء فلا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء يشفي صاحبنا؟ يعني: رقية، فقال رجل من القوم: إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له قطيعاً من الشاء، فأتاه فقرأ عليه بأم الكتاب ويتفل حتى برأ كأنما أنشط من عقال، فأوفاهم جعلهم الذي صالحوه عليه، فقالوا: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟! أحسنتم واضربوا لي معكم بسهم) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي كسب الأطباء يعني: أنه مباح وسائغ، وكون الطبيب يأخذ أجرة على تطبيبه وعلاجه لا بأس بذلك؛ لأنه بذل جهداً وعملاً، وأخذه الأجرة مقابل ذلك سائغ، وليس من قبيل التعليم؛ لأن الهداية ما تعرف إلا بالقرآن والسنة، وأما العلاج فإنه يأتي من طرق متعددة، فإنه ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا في سفر مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمروا بحي من العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم يعني: ما أعطوهم حق الضيافة وما قدموا لهم الضيافة، فكانوا قريبين منهم، فلدغت سيدهم دابة من ذوات السموم (حية أو عقرب) فبحثوا عن كل شيء يعالجونه به فما حصل شفاؤه، وبقي على تألمه وتأثره وتضرره، فقال بعضهم: لو أنكم رأيتم هؤلاء الذين نزلوا بكم عسى أن يكون معهم شيء يشفي، فجاءوا إليهم وقالوا لهم: هل عندكم من شيء يشفي، فقد فعلنا كل ما نستطيع من أجل شفاء سيدنا مما أصابه فلم نجد شيئاً، فلعل أن يكون عندكم رقية؟ فقال بعضهم: إني لراق، ولكننا استضفناكم فلم تضيفونا، فلست براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له قطيعاً من الغنم، فقرأ عليه فاتحة الكتاب، فقام كأنما أنشط من عقال، يعني قام كأنه ما حصل به أي شيء، وشفي تماماً.
وأصل كلمة (أنشط من عقال) أن البعير يعقل بعقال في يده، وإذا أريد أن يقوم من أجل استخدامه والاستفادة منه بالركوب أو الحمل عليه؛ فك عقاله الذي كان يمنعه من القيام، فإذا فك عقاله قام بسرعة، وهذا الشخص مثل البعير الذي ربطت يده في العقال، وكان يحاول أن يقوم فلا يتمكن، فعندما فك العقال قام بسرعة، فهذا عندما قرأ عليه شفي.
فأعطوهم المقدار الذي اتفقوا معهم عليه، وقد كان الاتفاق مع الراقي، ولكنه صار لهم جميعاً، وهذا من مكارم الأخلاق ومن محاسن العادات، حيث إن الرفقة يشتركون في هذه الأجرة، ولا يختص بها الراقي وحده عن رفاقه وأصحابه.
ولما أرادوا أن يأكلوا ترددوا، لأن هذه الغنم مقابل قراءة، فخشوا أن يكون ذلك ممنوعاً، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه وقال: (أحسنتم، اضربوا لي معكم بسهم) ، ويريد بذلك أن تطييب خواطرهم، وليس ذلك رغبة في أن يكون له نصيب مما حصلوا، لكنه لما رآهم مترددين متوقفين أراد أن يطيب خواطرهم بأن يشاركهم في الأكل من هذا الشيء الذي هم متوقفون فيه، حتى يطمئنوا إلى أن هذا الذي حصلوه حلال، وهذا الذي حصل لهم مقابل علاج، وليس مقابل تعليم؛ لأن التعليم فيه الهداية، والهداية لا تكون إلا بطريق القرآن والسنة، وأما العلاج فيكون بطريق القرآن وغير القرآن، ولهذا قال: (كسب الأطباء) ؛ لأن هذا يعتبر من قبيل الطب؛ لأنه عالجه وبرأ من اللدغة بهذا العلاج، فدل على أن أخذ الطبيب للأجرة جائز، وليس هو من قبيل التعليم؛ لأن التعليم فيه الهداية وفيه الخروج من الظلمات إلى النور وفيه سعادة الدنيا والآخرة، وأما هذا فليس فيه إلا الشفاء من المرض، والعلاج يكون بالقرآن وبغير القرآن، ولكن الهداية لا سبيل إليها إلا عن طريق الكتاب والسنة، وهو الوحي الذي جاء به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد قيل: إن الذي رقى هو أبو سعيد رضي الله عنه، ولكنه أبهم نفسه، والراوي قد يبهم نفسه، ولا بأس بهذا، وهو صادق في قوله: (قال رجل من القوم) ، فهو من القوم.
قوله: [فأوفوهم جعلهم الذي صالحوه عليه، فقالوا: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا] .
المراد أنهم يقتسمون هذا الجعل، وإن كان الذي رقى واحداً، وكونه يشترك ورفقته في هذا الجعل من مكارم الأخلاق.
قوله: [فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره] هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من التورع ومن الرجوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام في معرفة الأحكام الشرعية.
قوله: [فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أين علمتم أنها رقية؟! أحسنتم، واضربوا لي معكم بسهم) ] .
قال هذا تطييباً لخواطرهم، حتى لا يكون في نفوسهم شيء وتردد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو سيد الخلق- سيأكل من هذا الشيء الذي حصلوه، ويشاركهم فيه.




تراجم رجال إسناد حديث (من أين علمتم أنها رقية)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة] .
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر] .
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المتوكل] .
أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد] .
هو سعد بن مالك بن سنان، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (من أين علمتم أنها رقية) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أخيه معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث] .
أورد المصنف طريقاً آخر لهذا الحديث، ولم يسق المتن، وأحال إلى متن الرواية السابقة.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشام بن حسان] .
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين] .
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أخيه معبد بن سيرين] .
معبد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أبي سعيد] .
مر ذكره.




شرح حديث (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه رضي الله عنه: (أنه مر بقوم فأتوه فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية، وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنما أنشط من عقال! فأعطوه شيئاً فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره له، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كل؛ فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) ] .
أورد أبو داود حديث عم خارجة بن الصلت وهو علاقة بن سحار، وأنه مر بأناس وفيهم رجل معتوه مقيد، فطلبوا منه أن يرقيه، فرقاه بفاتحة الكتاب، فكان يقرأ ثم يتفل عليه، وبعدما قرأ عليه شفي، فأعطوه جعلاً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (كل؛ فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) .
وقوله: (لعمري) هذه من الصيغ المؤكدة، وليست قسماً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذا كما في هذا الحديث، وعائشة رضي الله عنها كانت تستعمل هذا كما جاء عنها أنها قالت: لعمري ما أتم الله عمرة من لم يطف بين الصفا والمروة، وكذلك يستعمله العلماء من أهل السنة، فهو ليس من ألفاظ القسم، وإنما هو من ألفاظ تأكيد الكلام، والشيخ حماد الأنصاري رحمه الله كتب في هذا بحثاً، وهو منشور في مجلة الجامعة بعنوان (لعمري) .




تراجم رجال إسناد حديث (كل لعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي السفر] .
عبد الله بن أبي السفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن خارجة بن الصلت] .
خارجة بن الصلت وهو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عمه] .
هو علاقة بن سحار، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي.




الأسئلة




حكم الرقية للكافر
السؤال هل هذا الذي رقي في حديث الرقية كان كافراً؟ وهل تنفع رقية الكافر مع عدم إيمانه بالقرآن؟
الجواب لا أدري هل كان كافراً أو مسلماً، لكن الرقية هي علاج، وقد يشفي الله الكافر بهذا العلاج.




حكم التخصص لرقية المرض
السؤال الآن بعض المقرئين يتخصص لرقية المرض، ويفتح له عيادة لذلك أو في بيته، فما الحكم؟
الجواب نفع الناس طيب، ولكن ليس بهذا التوسع وبهذا الابتذال الذي قد حصل، فهذا التوسع غير جيد، حتى أن بعضهم بسبب كثرة المتعالجين عنده يقرأ على عدة أشخاص! فهذا لا وجه له، وكونه يبيع الماء المرقي هذا توسع غير جيد.




الحكمة من الخرص
السؤال لماذا يخرصون النخل ولا ينتظرون اجتناءه ثم يكال ويقسم بالنصف؟
الجواب لأن النخل يؤكل رطباً، ويستفاد منه وهو رطب، وفيه الزكاة، فمن أجل أن تعرف مقدار الزكاة فيه يخرص، فالذي يقوم على النخل يأكل منه ما يشاء، ولكنه يضمن نصيب المالك من المقدار الذي خرص، وكذلك مقدار الزكاة من المقدار الذي خرص.
إذاً: يترتب على الخرص فائدتان: الأولى: أن صاحب الحق يعرف مقدار ما يستحقه.
الثانية: أن العامل يتصرف في الثمرة ببيعها وهي رطبة ويأكل ويهدي ويتصدق ويتصرف، ولكنه ضامن للمقدار الذي يستحقه الطرف الثاني، وكذلك الزكاة.
والزكاة تخرج من رأس المال الذي حزر كله.





ابوالوليد المسلم 29-06-2025 04:56 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


الفرق بين المساقاة والمزارعة
السؤال ما الفرق بين المساقاة والمزارعة؟
الجواب المساقاة ليس فيها زرع، والمزارعة فيها زرع، والمساقاة تكون في النخل والشجر، فالإنسان يدفع شجراً مثل النخل، ويقوم إنسان بسقيه وتعاهده وتلقيح ثمرته وخدمته ومعالجته ودفع أنواع الأذى عنه بالمبيدات، ونحو هذه الأشياء التي يحتاج إليها، وأما المزارعة فهي تقديم أرض، والإنسان له أن يتفق مع إنسان يزرع براً أو يزرع شعيراً أو يزرع أي زرع على حسب الاتفاق بينهما أو يجعل الأمر إليه مطلقاً، فيزرع فيها ما شاء، وهكذا المساقاة تكون في كل الشجر.




وجه ذكر حديث عبادة (أهدى إلي رجل) في كتاب الإجارة
السؤال لفظ الحديث: (أهدى إلي قوساً) فلماذا أدخله أبو داود رحمه الله في كتاب الإجارة؟
الجواب هذا ليس من قبيل الإجارة، ولكن كأن هذا القوس أجرة في مقابل عمل، يعني: أنه علمه القرآن فأهدى إليه قوساً مقابل منفعة التعليم.



خلاف العلماء في حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن يشمل تعليم السنة
السؤال هل الخلاف في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقط أم يشمل تعليم السنة والتدريس، فيكون الأولى عدم أخذ الأجرة على التعليم مطلقاً؟
الجواب السنة والتفسير وما يتعلق بهما كل ذلك يدخل في الخلاف، أما الحساب واللغة العربية التي هي مكملات ووسائل وليست غايات فلا، أما الكتاب والسنة فبهما هداية الخلق، فالناس يتعلمونهما من أجل أن الطريق إلى الله عز وجل إنما يكون بهما، والهداية إنما تكون بهما، والسير على الصراط المستقيم إنما يكون بسلوكهما.



كسب الحجام



شرح حديث (كسب الحجام خبيث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كسب الحجام.
حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا أبان عن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله -يعني ابن قارظ - عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كسب الحجام، أي: حكمه.
وحكم كسب الحجام أنه حلال، ولكنه مكسب ليس بشريف، بل هو من أردأ المكاسب، لما فيه من استعمال الدم، وكان الحجام في الأزمنة الماضية يمص المحاجم، وقد يسبق إلى حلقه شيء من الدم بسبب المص؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، فالمحجوم لكونه خرج منه دم، والحجام لأنه مظنة أن ينتقل إلى حلقه دم بسبب المص.
وفي الأزمنة المتأخرة صارت الحجامة بدون مص، ولكن هي مهنة رديئة وليست شريفة، فكسب الحجام من المكاسب التي يرغب عنها، والناس لا بد لهم منها، ومع ذلك فهي من أردأ المكاسب وأدناها، وليس كسبها حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه كما قال ذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
أورد أبو داود حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسب الحجام خبيث) ، والمقصود بالخبيث هنا الرديء وليس المحرم كما قال الله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267] يعني: لا تعمدوا إلى الشيء الرديء فتنفقون منه، وأما الجيد الذي يعجبكم فلا تقدمون على الإنفاق منه، بل كما قال الله عز وجل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] ، فليس المقصود بالخبيث هنا المحرم، وإنما المقصود به الرديء، وكسب الحجام لا شك أنه رديء، ولكنه مباح، والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه.
قوله: (وثمن الكلب خبيث) ، المقصود بالخبيث هنا المحرم؛ لأن الكلب لا يصلح أن يكون سلعة تباع ويشترى، وإنما يجوز استعماله في أمور معينة هي: الصيد والماشية والحرث فقط، كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن احتاج إليه استعمله، ومن لم يحتج إليه تركه أو أعطاه غيره، أما كونه يباع ويشترى فهذا غير لائق، وإنما يستعمل للحاجة، ومن صار تحت يده فهو مختص به، وهو أولى به من غيره، وإن استغنى عنه فلا يبعه، وإنما يعطيه لمن يستعمله أو يرسله ويتركه مع الكلاب المرسلة المهملة.
قوله: (ومهر البغي خبيث) المراد ما تأخذه المرأة الزانية في مقابل زناها، فهذا حرام لكون الزنا حراماً، وما أخذ عليه حرام.
إذاً: هذا الحديث مشتمل على ثلاثة أمور، كل منها وصف بأنه خبيث، ولكنها ليست كلها على حد سواء وطريقة واحدة، بل منها ما هو خبيث بمعنى أنه من الخبائث المحرمة، ومنها ما هو خبيث بمعنى أنه من المكاسب الرديئة.



تراجم رجال إسناد حديث (كسب الحجام خبيث)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبان] .
أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن يحيى] .
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الله يعني ابن قارظ] .
إبراهيم بن عبد الله بن قارظ وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن السائب بن يزيد] .
السائب بن يزيد وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن رافع بن خديج] .
رافع بن خديج وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (استأذنه في إجارة الحجامة فنهاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه رضي الله عنه (أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره أن اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك) ] .
أورد أبو داود حديث محيصة رضي الله تعالى عنه أنه كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجامة، فكان ينهاه، وكرر عليه فقال: (اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك) ، وهذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله من أنه شيء لا يحرص عليه، ولا يفرح به، ولا يرغب فيه، بل كسب الحجام من المكاسب الرديئة والدنيئة التي ليست بذات شرف، ومع هذا فالناس لابد لهم منها، ويجوز أخذ الأجرة على الحجامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
قوله: (اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك) هذا يدل على أنه مباح وليس بحرام، وفيه أنه ليس مما يرغب فيه، لأنها مهنة غير شريفة، لكن يصار إليها على قدر الحاجة، ولا بد للناس منها، والناضح من الدواب هي التي ينضح عليها أي: يستنبط الماء عليها، ويخرج الماء من البئر بواسطتها، والرقيق هو المملوك، فأذن له أن ينفقه على رقيقه وعلى نواضحه مع أن نفقتهما واجبة عليه، وهذا يدل أنه حلال، ولكن نهاه عن ذلك من أجل أنه كسب رديء.



تراجم رجال إسناد حديث (استأذنه في إجارة الحجامة فنهاه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن ابن شهاب] .
محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن محيصة] .
هو حرام بن سعد بن محيصة، وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه] .
المراد به جده محيصة، وهو محيصة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب السنن.



شرح حديث (احتجم وأعطى الحجام أجره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو علمه خبيثاً لم يعطه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره، ولو علمه خبيثاً -يعني: حراماً- لم يعطه، مع أنه قال: إنه خبيث كما في الحديث الأول، ولكن المقصود بالخبيث هناك الرديء كما قال تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267] يعني: الرديء، مثل التمر الذي يكون حشفاً غير جيد، فهذا يقال له خبيث بمعنى رديء، وليس خبيثاً بمعنى حرام.
فبين ابن عباس أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن كسب الحجام خبيث لا يراد بالخبيث المحرم الذي جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، لكن المراد أنه من المكاسب الدنيئة التي لا ينبغي أن يحرص عليها ويتنافس عليها ويعتنى بها، والناس لا بد لهم منها، وتتخذ هذه المهنة على حسب الحاجة.



تراجم رجال إسناد حديث (احتجم وأعطى الحجام أجره)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد] .
خالد بن مهران الحداء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (حجم أبو طيبة رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (حجم أبو طيبة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه) ] .
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة، وهو رقيق وليس بحر، فأمر له بصاع مقابل هذه الحجامة، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه، يعني المبلغ الذي يطلبون منه أن يحضره لهم؛ لأنهم تركوه يعمل ويأتي لهم في كل يوم بكذا، وهو يجتهد أن يأتي لهم بالشيء الذي يحددونه له، وهذا يسمى خراجاً، فأمرهم أن يخففوا عنه من خراجه، فمثلاً بدلاً من أن يأتيهم كل يوم بعشرين ريالاً يأتيهم بعشرة ريالات.



تراجم رجال إسناد حديث (حجم أبو طيبة رسول الله)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن حميد الطويل] .
حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أربعة أشخاص، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود.







ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:00 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [392]
الحلقة (424)



شرح سنن أبي داود [392]
الشريعة قائمة على ركنين: عبادات ومعاملات.
وقسم المعاملات واسع جداً؛ وفيه أحكام وخلافات كثيرة ومعلومة.
ولكن ما نص الشارع على تحريمه وجب الانتهاء عن إتيانه.
ومن ذلك النهي عن كسب الإماء، وعسب الفحل وغير ذلك.



كسب الإماء



شرح حديث (نهى عن كسب الإماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كسب الإماء.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة قال: سمعت أبا حازم أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الإماء) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي باب في كسب الإماء، والمقصود من ذلك الكسب الذي يكون عن طريق الزنا أو الشيء الذي يكون مشكوكاً فيه أو فيه ريبة، وأما إذا كانت الأمة تكسب بالغزل أو الخياطة أو الغسل أو التنظيف على وجه يؤمن معه حصول الأمر المحرم؛ فإن ذلك كسب حلال ومباح ولا شيء فيه.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن كسب الإماء)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جحادة] .
محمد بن جحادة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم] .
هو سلمان الأشجعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.



شرح حديث (نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة حدثني طارق بن عبد الرحمن القرشي قال: جاء رافع بن رفاعة رضي الله عنه إلى مجلس الأنصار فقال: (لقد نهانا نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اليوم فذكر أشياء ونهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بأصابعه، نحو الخبز والغزل والنفش) ] .
أورد أبو داود حديث رافع بن رفاعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء محرمة، وذكر من بينها كسب الأمة إلا ما عملت بيدها، يعني الشيء الذي اكتسبته بعملها بيدها كغزل أو خياطة أو نحو ذلك من الأشياء التي تعملها بيدها، وأما إذا كان الكسب عن طريق محرم أو مشتبه فإنه هو المقصود بالنهي عن كسب الأمة.
قوله: [(إلا ما عملت بيدها، وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز والغسل والنفش)] .
يعني: نفش الصوف، فهو يكون متلبداً فينفش حتى يهيأ للغزل؛ لأنه إذا أخذ من ظهور الدواب يكون متلبداً وملتصقاً بعضه ببعض، فيحتاج إلى ينفش حتى يصلح أن يغزل.
والغزل هو غزل الصوف حتى يكون خيوطاً فيتخذ منه فرشاً أو عباءة أو غير ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث (نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا هاشم بن القاسم] .
هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عكرمة] .
عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني طارق بن عبد الرحمن القرشي] .
طارق بن عبد الرحمن القرشي وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن رافع بن رفاعة] .
رافع بن رفاعة وهو صحابي صغير، أخرج له أبو داود.



شرح حديث (نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك عن عبيد الله -يعني ابن هرير - عن أبيه عن جده رافع -هو ابن خديج - رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو) ] .
أورد أبو داود حديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسب الأمة حتى يعرف من أين هو، يعني: حتى يعلم أنه من حلال، ومعنى هذا أنه إذا كان حراماً أو أنه مشتبهاً فيه فإنه منهي عنه، وإن كان معلوماً عن طريق الغزل أو النفش أو الخبز أو غير ذلك مما هو من عمل يدها فإنه يكون مباحاً.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن أبي فديك] .
هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله يعني ابن هرير] .
وهو مستور، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه] .
هو هرير بن عبد الرحمن مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن جده رافع] .
صحابي مر ذكره.
والحديث في إسناده من هو مستور ومن هو مقبول، ولكن الأحاديث التي مرت تقويه.



حلوان الكاهن



شرح حديث (نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حلوان الكاهن.
حدثنا قتيبة عن سفيان عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي باب في حلوان الكاهن يعني: في تحريمه، وهو ما يعطاه مقابل الكهانة، فهو حرام؛ لأن الكهانة حرام، وما يؤخذ عليها يكون حراماً، وكسب الكاهن من المكاسب المحرمة الخبيثة التي لا تجوز، ولا يجوز فعل الكهانة ولا أخذ العوض عليها، ومعروف قصة أبي بكر رضي الله عنه في الغلام الذي أتى له بطعام فأكله ثم قال له: أتدري من أين هذا؟! تكهنت في الجاهلية لرجل فأعطاني هذا، فـ أبو بكر رضي الله عنه أدخل أصبعه في فمه فاستقاء ما في بطنه.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن)
قوله: [حدثنا قتيبة] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان عن الزهري] .
سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والزهري مر ذكره.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن] .
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وفقهاء المدينة السبعة ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، ومختلف في السابع، فالستة المتفق عليهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
ولـ ابن القيم رحمه الله كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين -إعلام بكسر الهمزة- وليس أعلام بفتحها، فهو ليس تراجم للأعلام بل هو إعلام بمعنى إخبار، فهو إعلام الموقعين، يعني المفتين عن الله عز وجل، والمبينين للأحكام التي شرعها الله عز وجل، وقد ذكر ابن القيم في أول كتاب إعلام الموقعين جماعة من أهل الفتوى في الأمصار في زمن الصحابة وزمن التابعين ومن بعدهم، ولما جاء عند ذكر فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين جعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين في جمعهم: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة وقافية كل بيت تنتهي بقوله (خارجه) وهذه من البلاغة في هذين البيتين.
والفقهاء السبعة لقب يأتي ذكرهم به على سبيل الإجمال في بعض المسائل، مثل مسألة زكاة العروض يقال: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، فبدلاً من أن يقال: قال بها أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وفلان وفلان يختصر ذلك فيقال: الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة.
[عن أبي مسعود] .
عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، وهو مشهور بكنيته، واسمه عقبة بن عمرو، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد يتصحف أبو مسعود إلى ابن مسعود كثيراً، مثل ما جاء في بعض طبعات كتاب سبل السلام في الحديث المشهور عن أبي مسعود: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) فإنه قال فيه: عن ابن مسعود، وصوابه عن أبي مسعود وليس ابن مسعود.



عسب الفحل



شرح حديث (نهى عن عسب الفحل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عسب الفحل.
حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل عن علي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن عسب الفحل) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة باب في عسب الفحل، يعني: حكمه، وعسب الفحل هو أخذ الأجرة على نزوه على الأنثى، فالفحل من الحيوانات ينزو على الإناث، فأخذ الأجرة على نزوه منهي عنه؛ لأن هذا من الأمور التي ينبغي أن تكون مبذولة فيما بين الناس، ثم أيضاً فيها جهالة، وأيضاً هو شيء لا يقدر على تسليمه، وذلك أن الفحل قد ينزو ولا ينزو، فكيف يأخذ الإنسان شيئاً مقابل لا شيء، وهو إنما ينزى من أجل أن يخرج منه ماء فتحمل منه الأنثى، فقد يحصل منه أنه ينزو ولا يحصل حمل.
إذاً: هو شيء غير مقدور على تسليمه، وهو شيء مجهول، ولا يدرى هل يحصل حمل أو لا يحصل، فإذا بذل بالمجان وبدون مقابل، فذلك لا يؤثر، إن حصل حمل فالحمد لله، وإن لم يحصل شيء فليس هناك شيء أخذ في مقابل ذلك.
والحاكم استدرك هذا الحديث على البخاري مع أنه في صحيح البخاري، فـ الحاكم أحياناً يستدرك أحاديث على الصحيحين وهي موجودة في الصحيحين، فيكون هذا من أوهامه، حيث يقول: وهذا الحديث على شرط البخاري ولم يخرجه، وهو قد أخرجه، مثل هذا الحديث فإن البخاري رحمه الله أخرجه في كتاب الإجارة.
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه: وقد وهم الحاكم فقال: إنه على شرط البخاري ولم يخرجه، وقد أخرجه كما هنا، ولعله بحث عنه في كتاب البيوع فلم يجده فنفى وجوده في صحيحه، بسبب أنه بحث عنه في غير مظنته، ومعلوم أن البخاري رحمة الله عليه يأتي بالأحاديث في أبواب كثيرة، فقد يورد الحديث في غير مظنته، فيترتب على ذلك أن الحاكم يبحث عنه في مكان يظن أنه فيه فلا يجده، فعند ذلك يحكم بأنه لم يخرجه.
وبعض أهل العلم أجاز عسب الفحل إذا كان ينزو على عدد معين من الحيوانات، ولكن الحديث واضح في أن أخذ الأجرة على ذلك منهي عنها مطلقاً، حتى لو أخذ الأجرة بشرط وجود الحمل فإن هذا لا يجوز.
إذاً: لا يجوز بيع عسب الفحل، لكن إذا جعل ماء الفحل في أنابيب، ولقحت بها البقر مثلاً، فهذا لا بأس ببيعه؛ لأنه شيء معلوم مشاهد، وليس فيه جهالة.
وقد أجاز بيع عسب الفحل مالك وشبهه بعض أصحابه بأجرة الرضاع وإبار النخل، ولكن بينهما فرق، فالتأبير موجود فيه الغبار الذي ينتقل، وكذلك الرضاع موجود في الثدي الحليب، وكما هو معلوم أن الاسترضاع جائز، والظئر التي ترضع تأخذ الأجرة على رضاعها، وهذا ليس مثل النزو الذي قد يحصل منه شيء، وقد لا يحصل منه شيء، ثم هو أيضاً لا يكون باستمرار مثل الرضاع، وإنما يكون مرة واحدة قد يكون فيها ماء، وقد لا يكون فيها ماء.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن عسب الفحل)
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إسماعيل] .
إسماعيل بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الحكم] .
علي بن الحكم وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الأسئلة



نجاسة الكلب
السؤال في حديث رافع بن خديج دلالة على أن الكلب نجس؛ لأن ثمنه خبيث فذاته أولى بالخبث؟
الجواب لعابه من أشد الأشياء نجاسة؛ ولهذا صار تطهيره بكيفية خاصة، وهو أنه يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن بالتراب، فنجاسته مغلظة، لكن ليس معنى ذلك أن من لمس جسده أصابته نجاسة.
ونجاسة كلب الصيد كغيره، إلا أنه يعفى عما لامس بلعابه من الصيد، ومع ذلك ينظف المكان الذي عض الصيد فيه.



حكم استعمال الكلب في حدائق الحيوان للحراسة
السؤال ما حكم استعمال الكلب في حدائق الحيوان للحراسة؟
الجواب الذي ورد في الحرث والماشية والصيد، فالحديقة إذا كانت تحتاج إلى حراسة لوجود زرع فيها، أو أشياء ثمينة، والناس بحاجة إلى حراستها بالكلاب؛ فلا بأس.




الصائغ



شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في الصائغ.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي ماجدة قال: قطعت من أذن غلام أو قطع من أذني، فقدم علينا أبو بكر رضي الله عنه حاجاً فاجتمعنا إليه، فرفعنا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر: إن هذا قد بلغ القصاص، ادعوا لي حجاماً ليقتص منه، فلما دعي الحجام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إني وهبت لخالتي غلاماً وأنا أرجو أن يبارك لها فيه فقلت لها: لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً ولا قصاباً) ] .
أورد أبو داود (باب في الصائغ) ، والصائغ هو الذي يصوغ الحلي وينقله من كونه كسراً وقطعاً إلى كونه حلياً يتجمل به ويتحلى به ويستفاد منه في الزينة، وهذا العمل إذا أتي به على الوجه المشروع وابتعد فيه عن الربا أو الغش وسلم من الأمور المحرمة؛ فإنه لا بأس به، فما يأخذه الصائغ في مقابل الذهب الذي صاغه لا بأس به إذا خلا من أمر محرم.
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن أبا ماجدة قال: قطعت من أذن غلام أو قطع من أذني فقدم علينا أبو بكر حاجاً فاجتمعنا إليه، فرفعنا إلى عمر.
يعني: أنهم تخاصموا إليه فأحالهم إلى عمر ليقضي بينهم.
وقوله: قطعت من أذن غلام أو قطع من أذني، هذا شك من الرواة الذين هم دون صاحب القصة.
فقال عمر رضي الله عنه: (إن هذا قد بلغ القصاص) معناه أنه يستحق أن يقطع من أذنه مثلما قطع من أذن صاحبه، فقال: (ادعوا لي الحجام) أي من أجل أن يقطع المقدار المقابل من الجاني.
فلما دعي الحجام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إني وهبت لخالتي غلاماً وأنا أرجو أن يبارك لها فيه، وقلت لها: لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً ولا قصاباً) .
يعني: أوصاها ألا تسلمه إلى حجام يعلمه الحجامة، فالحجامة فيها مخالطة الدم، ويتعرض الحجام إلى شيء من هذه القاذورات والأوساخ التي تخرج من جسد الإنسان بواسطة الحجامة، وأيضاً أوصاها ألا تسلمه إلى صائغ ليعلمه الصياغة؛ لأن عمله قد يكون فيه شيء من الربا أو غير ذلك من المحذورات الشرعية.
وأيضاً أوصاها ألا تسلمه إلى قصاب، وهو الجزار الذي يخالط الدم ويكون في ثيابه دم، وهذا الحديث ضعيف.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن العلاء بن عبد الرحمن] .
العلاء بن عبد الرحمن الحرقي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي ماجدة] .
أبو ماجدة وهو مجهول أخرج له أبو داود.
[عن عمر] .
عمر رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
والحديث علته أبو ماجدة أو ابن ماجدة فإنه مجهول، وأما ابن إسحاق فهو مدلس، ولكنه جاء في بعض الطرق التي سيذكرها المصنف وفيها تصريحه بالسماع.





ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:03 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 


شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: روى عبد الأعلى عن ابن إسحاق قال ابن ماجدة رجل من بني سهم: عن عمر بن الخطاب] .
ذكر أبو داود طريقاً أخرى للحديث، وفيه أن ابن إسحاق قال: ابن ماجدة -رجل من بني سهم- وهذا زيادة تعريف له، وقال ابن ماجدة بدل أبو ماجدة في الطريق الأولى.
وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا ابن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي عن ابن ماجدة السهمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه] .
قوله: [حدثنا يوسف بن موسى] .
صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[حدثنا سلمة بن الفضل] .
سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[حدثنا ابن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابن ماجدة عن عمر] .
قد مر ذكرهم.



شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنا العلاء بن عبد الرحمن الحرقي] .
وهذا الطريق فيه تصريح ابن إسحاق بالتحديث والسماع من العلاء بن عبد الرحمن الحرقي.
قوله: [حدثنا الفضل بن يعقوب] .
الفضل بن يعقوب صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن ابن ماجدة عن عمر] .
قد مر ذكرهم.



العبد يباع وله مال



شرح حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العبد يباع وله مال.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، ومن باع نخلاً مؤبراً فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ] .
أورد أبو داود باباً في العبد يباع وله مال، يعني: لمن يكون هذا المال الذي بيده؟ هل يكون للبائع أو يكون للمبتاع الذي هو المشتري؟ أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبداً وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترط المبتاع) يعني: أن البيع حصل على عين العبد فقط، والمال الذي بيده يكون للبائع؛ إلا أن يشترط المبتاع ويقول: أشتريه والمال الذي بيده.
والعبد لا يملك، وما في يده يكون لمالكه، والأصل أن ما بيد العبد هو لسيده، وليس له، فيكون للبائع، ولكن إن اشترط المبتاع ذلك فإنه يكون له، ومثل ذلك أيضاً النخل المؤبر، قال: (ومن اشترى نخلاً قد أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع) أما إذا كان لم يؤبر فإنه يكون داخلاً في المبيع ويكون للمشتري، ولكن بعد أن يخرج من أكمامه ويؤبر، فإنه يكون للبائع؛ لأنه نماء ماله، فهو مثل الولد المنفصل الذي يكون مع أمه من بهيمة الأنعام، فإنه يكون لبائع الأم وليس للمشتري، وهكذا الثمر المؤبر إلا إذا اشترط المشتري أن يكون ذلك الثمر الذي أبر له، فإنه يكون له بالشرط، أما إذا خلا العقد من ذكر من له الثمرة بعد التأبير أو المال الذي بيد العبد؛ فإنه يكون للبائع، وإن حصل اشتراط المشتري على البائع أنه له فالعبرة بهذا الشرط الذي حصل بينهما.



تراجم رجال إسناد حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم] .
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن أبيه] .
قد مر ذكره.



شرح حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) من طريق أخرى وذكر الاختلاف فيها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصة العبد] .
أورد أبو داود الحديث عن ابن عمر عن عمر بقصة العبد، يعني أن من باع عبداً وله مال فماله لبائعه ما لم يشترط المبتاع، وليس فيه ذكر التأبير.
والتأبير هو تلقيح النخل، يؤخذ شيء من طلع النخل الذكر ويشق الوعاء الذي فيه الثمرة فيوضع أجزاء مما في النخلة الذكر في النخلة الأنثى، وبذلك يصلح، وإلا فإنه يكون شيصاً بمعنى أنه لا يكون جيداً إذا خلا من التأبير، بل يكون حبات صغيرة مستطيلة، وفي ذلك القصة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أنتم أعلم بدنياكم) .
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر] .
وهذا الإسناد خماسي، وفيه رواية صحابي عن صحابي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة النخل] .
يعني دون ذكر العبد، فهو عكس الأول، فالطريق الأول في قصة العبد دون التأبير، والطريق الثاني في قصة النخل دون العبد، والطريق الذي قبلهما جمع بين قصة العبد وقصة النخل.
[قال أبو داود: واختلف الزهري ونافع في أربعة أحاديث هذا أحدها] .
يعني بعضهم ذكر هذا، وبعضهم ذكر هذا.



شرح حديث جابر (من باع عبداً وله مال) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني سلمة بن كهيل قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه في قصة العبد، وهو: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ، وفي إسناده رجل مجهول، ولكن هو مطابق لما تقدم، فيشهد له ما تقدم، ولو لم يكن إلا هو لما ثبت، لكن كون الحديث ثبت من طريق أخرى فيكون هذا من جملة الشواهد.
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني سلمة بن كهيل] .
سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله مر ذكره.



الأسئلة



حكم شراء العبد وما في يده
السؤال إذا قال الرجل: اشتريت العبد والذي في يده، ألا يدل أنه اشترى شيئاً مجهولاً فيه غرر؟
الجواب إذا كان لا يعرف ما في يده فلا شك أنه مجهول، لكن إذا كان يراه ويشاهده، فإنه يكون معلوماً.



حكم شراء الكلب للحاجة
السؤال إن احتاج الرجل إلى كلب للماشية أو الزرع، ووجد من يبيع الكلب، فهل يشتريه والإثم على البائع؟
الجواب لا يشتريه، بل يبحث عن كلب من الكلاب من دون شراء.



حكم بيع الحيوانات المفترسة
السؤال هل النهي عن بيع الكلب يشمل كل حيوان مفترس من السباع؟
الجواب كل الحيوانات المفترسة لا يجوز بيعها من باب أولى.



حكم الخيار في عقد الإجارة
السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) هل ينزل عليه الإجارة فإذا تفرقوا تمت الإجارة؟
الجواب نعم؛ لأن الإجارة بيع المنافع، وذاك بيع الأعيان.



حكم كسب الأمة بالغناء
السؤال ما حكم كسب الأمة إذا كانت مغنية؟
الجواب حرام؛ لأن الغناء حرام.



حكم عمل المرأة في البيع في دكان
السؤال ما حكم عمل المرأة في البيع في الدكان حيث تخالط الرجال الذين يشترون منها؟
الجواب الرجال لهم أن يشتروا من المرأة إذا احتاجوا إلى ذلك، لكن الذي ينبغي للنساء أن تكون بمعزل عن الرجال، وأن تكون لهن أسواق خاصة تأتيهن النساء، ويشترين منهن، ومن اضطرت إلى أن تبيع وهي متسترة ومتحجبة، فلا بأس، ولكن لا تكون في دكان، بل تأتي إلى مكان في بعض الأحيان مثل أن تجلس في طرف السوق، أما كونها تكون في دكان، ويتعامل معها الرجال، ويدخلون عليها؛ فهذا لا يصح ولا ينبغي أن يكون.



حكم الأكل من كسب الزوجة
السؤال ما حكم أخذ الرجل من كسب امرأته بما كان فيه شبهه من هذا النوع؟
الجواب الشبهة فيما يتعلق باتهام بالفاحشة، وصعب أن المرأة تتهم بهذا، ولكن الإماء كان عندهن ابتذال، ويحصل منهن ما لا يحصل للحرائر، وكان لهن وضع خاص غير الحرائر، فلا يقال: إن المرأة مثل الأمة التي جاء النهي عن كسبها.



حال حديث (نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها)
السؤال في حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني طارق بن عبد الرحمن القرشي قال: جاء رافع بن رفاعة إلى مجلس الأنصار فقال: (لقد نهانا نبي الله صلى الله عليه وسلم اليوم) إلخ، هل في هذا انقطاع حيث إن طارقاً لم يسمعه من رافع، ولم يحضر مجلس الأنصار؟
الجواب حكاية القصة بهذا اللفظ تفيد بأنه يوجد انقطاع، لكن هذا الحديث تشهد له الأحاديث الأخرى.



حكم اقتسام الورثة لتركة من كان كسبه حراماً
السؤال هل يجوز للورثة أن يأخذوا من إرث المورث إذا كان كسبه حراماً؟

الجواب بعض العلماء يقول: إن الذي ينبغي هو التنزه عن هذا، ومعلوم أن الكسب الحرام يصرف في أمور ممتهنة وغير محترمة مثل بناء الحمامات، فإذا تنزهوا عن هذا فهذا هو الذي ينبغي، ويصرفونها في هذه المصارف.



حكم العمل في مختبرات التحاليل وفي الصرف الصحي
السؤال هل يلحق بمهنة الحجام الذين يعملون في مختبرات التحاليل، وكذلك الذين يعملون في الصرف الصحي؟
الجواب لا شك أن هذه من المهن التي ليست شريفة.





ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:06 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [393]
الحلقة (425)



شرح سنن أبي داود [393]
شملت الأحكام الشرعية جميع المعاملات، وهذا من مقتضى شمول الشريعة للأزمان والأحوال، ومما بينته السنة من ذلك حكم بيع العبد وله مال، وتلقي الركبان وبيع النجش وبيع حاضر لباد وبيع المصراة والاحتكار.



التلقي



شرح حديث (لا يبع بعضكم على بيع بعض)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في التلقي.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في التلقي) أي: تلقي الركبان، أو تلقي الجلب، أو تلقي السلع التي تجلب ويأتي بها غير أهل البلد، سواء كانوا من بادية أو غير بادية، فلا يجوز لمن كانوا من أهل البلد أن يخرجوا ويستقبلوهم قبل أن يصلوا إلى البلد، فيشتروا منهم السلع كلها، ثم يهبطوا بها إلى البلد؛ لأنهم قد يخدعونهم بأن يقولوا: الأسعار رخيصة، فيشتروا منهم السلع التي معهم كلها، فيكون في ذلك غبن للبائعين، وأيضاً يكون في ذلك إضرار بأهل البلد؛ لأن الجالب الذي يريد أن يبيع بضاعته الناس يشاهدونها، وكل منهم يشتري ويحصل له ارتفاق بهذا الشراء، بخلاف ما إذا اشتراها تاجر من أهل البلد ثم ادخرها، أو حجزها، أو جعلها عنده وباعها بأسعار زائدة، فإن هذا فيه مضرة على الناس.
وعلى هذا فتلقي الركبان فيه محذوران: أحدهما يرجع إلى الجالبين: وهو أنه قد يحصل لهم غبن، والثاني: يرجع إلى أهل البلد، وهي أن حاجة أهل البلد يختص بها إنسان من أهل البلد ثم يدخرها، ويضيق عليهم في ذلك.
وقد جاء في بعض النصوص أن البائع إذا دخل السوق فله الخيار إذا رأى أنه غبن.
وأبو داود رحمه الله عبَّر بالتلقي، ولم يقل: تلقي الركبان، أو تلقي السلع، أو تلقي الجلب بذكر المضاف والمضاف إليه، وإنما أتى بأل، وهي دالة على المضاف إليه لأنها بدل من المضاف إليه، فقوله: (التلقي) أي: تلقي الركبان، فأحياناً يحذف المضاف إليه ويؤتى بأل بدلاً منه، وهذا موجود في اللغة وفي كلام العلماء للاختصار، مثل أسماء الكتب التي هي مكونة من مضاف ومضاف إليه، فكثيراً ما يذكرونها بدون المضاف إليه مع إضافة أل، فمثلاً يقال: كتاب البلوغ، بدل (بلوغ المرام) أو الفتح، بدل (فتح الباري) أو المنتقى، بدل (منتقى الأخبار) .
وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11] يعني: أقدامكم، وقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 - 39] يعني: هي مأواه {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] أي: هي مأواه.
ولعل أبا داود رحمه الله اختار التلقي؛ لأنه قد جاء المضاف على ألفاظ متعددة، فقد جاء: تلقي الركبان، وجاء: تلقي السلع، وجاء: تلقي الجلب، وقد جاء عند أبي داود ذكر السلع وذكر الجلب، وهي ألفاظ متعددة، فلعله من أجل تعدد ألفاظ المضاف إليه اختار أن يأتي بلفظ يشمل هذا وهذا، وهو أن يأتي بأل التي تقوم مقام المضاف إليه أو تدل على المضاف إليه.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) وهذا يكون فيما إذا حصل بيع بين شخصين وبينهما خيار مجلس أو خيار شرط، فإذا حصل البيع والشراء وهم لا يزالون في المجلس، فلهم خيار المجلس، فكل واحد له أن يفسخ ما دام في المجلس، فيأتي رجل ثالث إلى المشتري ويقول: اترك هذه السلعة التي اشتريتها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، إذا كانت بعشرة فأنا أبيعك إياها بثمانية، فهذا يعتبر من البيع على بيع أخيه، أو كان في العقد خيار شرط، فقال المشتري: أعطني مدة ثلاثة أيام أفكر، وبعد ذلك أخبرك هل أعزم على الشراء أو أترك، فيأتي شخص آخر إلى المشتري في مدة الخيار فيقول له: اترك هذه السلعة وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا هو البيع على بيع أخيه.
وأما الشراء على شرائه فهو مقابل هذا، فيكون البائع والمشتري كل منهما له خيار، فيأتي رجل للبائع ويقول: اترك هذا البيع، وأنا أشتريه منك بأزيد من هذا، فإذا باع السلعة بعشرة على إنسان وهما في خيار مجلس أو خيار شرط يأتي شخص للبائع ويقول له: أنا أشتريها منك بإحدى عشر ريالاً، وأزيدك ريالاً على السعر الذي اشترى منك هذا الشخص، فكل ذلك لا يجوز، لا يبيع على بيع أخيه، ولا يشتري على شراء أخيه.
قوله: [(ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق)] .
أي: ولا تلقوا السلع فتشترونها من الجالبين قبل أن يصلوا إلى الأسواق، ولكن حتى يهبطوا بها الأسواق، وبعد ذلك كل يشتري؛ لأنها إذا وصلت الأسواق رآها الناس فكلٌّ يشتري منها، وفي ذلك مصلحة لأهل البلد ومصلحة للجالب.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يبع بعضكم على بيع بعض)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر] .
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.



شرح حديث (نهى عن تلقي الجلب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا عبيد الله -يعني ابن عمرو الرقي - عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق مشتر فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل حديث ابن عمر في النهي عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فالبائع بالخيار إذا هبط السوق.
وإذا كان أصحاب القرى لا يسيرون إلى السوق، بل يقف أحدهم على أطراف المدينة بسلعته ويشترى منه فلا بأس، ما دام أنه جاء إلى هذا المكان وجلس يبيع فيه، وهذا لا يسمى تلقي ركبان، وإنما الكلام على أناس يريدون الأسواق، فيتلقاهم أناس قبل أن يصلوا إلى الأسواق فيشتروا منهم.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن تلقي الجلب)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة] .
الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو الرقي] .
ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين] .
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.
[قال أبو علي: سمعت أبا داود يقول: قال سفيان: لا يبع بعضكم على بيع بعض أن يقول: إن عندي خيراً منه بعشرة] .
هذا تفسير للبيع على بيع أخيه، وهو أن يقول الرجل للمشتري: إن عندي خيراً منه بعشرة، وقد يزيد وقد ينقص عن السعر الذي باعه به، فقد تكون السلعة أحسن والسعر واحداً.
وأبو علي المذكور هو الراوي عن أبي داود.
وقوله: (قال سفيان) ، قد يكون المقصود به سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة، ومعلوم أن كلاً منهما لم يدركه أبو داود، وإنما يروي عنه بواسطة، وكل منهما ثقة.



النهي عن النجش



شرح حديث (لا تناجشوا)
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في النهي عن النجش.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تناجشوا) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي النهي عن النجش، والنجش هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، إما أن يريد أن ينفع البائع أو يريد أن يضر المشتري، بحيث إذا جاء رجل يشتري يقول: هذه السلعة مرغوب فيها، فهذا الرجل يزيد فيها، فيكون في ذلك ضرر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تناجشوا) أي: أن الإنسان إذا كانت السلعة يُحرَّج عليها وينادى عليها فإنه لا يزيد إلا إذا كان سيشتري، أما أن يزيد وهو لا يريد أن يشتري، وإنما ليرفع السعر للبائع؛ فهذا محرم، أما إن كان له رغبة في الشراء، وزاد من أجل رغبته في الشراء، فهذا ليس بنجش، وإنما النجش أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ليزيد في الثمن، وقد يكون البائع صديقاً له، وهو يريد أن ينفعه من قبل هذا المشتري.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تناجشوا)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا سفيان عن الزهري] .
سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره.



النهي عن بيع حاضر لباد



شرح حديث (نهى أن يبيع حاضر لباد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي أن يبيع حاضر لباد.
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد، فقلت: ما يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب لا يبيع حاضر لباد) والحاضر هو ساكن الحاضرة، والبادي هو ساكن البادية الذي يأتي بسلعة ويجلبها، فيأتيه أحد أهل الحاضرة فيقول: بدلاً من أن تبيعها برخص، اتركها عندي في الدكان، وأنا أبيعها لك على مهل بسعر أغلى ولي جزء من الأجرة، فيكون واسطة -أي: سمساراً- يبيع له، فبدلاً من كونه يبيعها ويأخذ ثمنها ويمشي والناس يستفيدون منه، يحول بين الناس وبين الاستفادة.
أما أن يبيع له الحاضر في الحال فلا بأس، مثل أن ينادي بها ويصوت في الحراج، فهذا لا بأس به، وإذا أتى صاحب البادية بالسلع وهو لا يريد أن يبيعها في الحال، فذهب إلى شخص من الحاضرة وقال له: أنا أريد أن تبيع لي هذه السلعة؛ فهذا لا بأس به، وإنما المحذور أن يقول الحاضر للبادي: لا تبع السلع، ولكن دعها عندي أبعها لك؛ فهذا هو الممنوع.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن يبيع حاضر لباد)
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور] .
محمد بن عبيد يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي، وذلك أن كلاً منهما روى عنه أبو داود، وهما رويا عن محمد بن ثور، وكل منهما يحتج به، فـ محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي، ومحمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
ومحمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن معمر] .
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس] .
عبد الله بن طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (لا يبع حاضر لباد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب أن محمد بن الزبرقان أبا همام حدثهم -قال زهير: وكان ثقة- عن يونس عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يبع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه) ] .
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: (لا يبع حاضر لباد، ولو كان أباه أو أخاه) بمعنى أن يقول له: هذه السلع لا تبعها على الناس، ولكن دعني أتولى بيعها على مهل؛ لأن بيع الجلب في الحال فيه مصلحة للناس، ومصلحة للمالك؛ لأن المالك إذا أخذ القيمة يمكن أن يشتري بها سلعاً ويستفيد منها، ويجلب مرة ثانية، بخلاف ما إذا بيعت على مهل فإنه قد يحصل على ربح زائد، ولكنه لا يجد الفلوس في الحال بحيث يأتي بسلعة أخرى ويجلبها مرة ثانية، فهذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه زيادة في التأكيد: (ولو كان أباه أو أخاه) .



تراجم رجال إسناد حديث (لا يبع حاضر لباد)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب] .
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[أن محمد بن الزبرقان حدثهم] .
هو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[قال زهير: وكان ثقة] .
هذا توثيق لـ محمد الزبرقان.
[عن يونس] .
يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (كان يقال لا يبع حاضر لباد)
[قال أبو داود: سمعت حفص بن عمر يقول: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان يقال: لا يبع حاضر لباد) وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئاً، ولا يبتاع له شيئاً] .
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس قال: (لا يبيع حاضر لباد) وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئاً، ولا يبتاع له شيئاً، يعني لا يقول: دعني أشتري لك، لأنه قد يخص به بعض الناس دون بعض، فإذا ترك وحاله اشترى ممن شاء، أو اشترى من هذا ومن هذا ومن هذا، فيكون في ذلك فائدة لجهات مختلفة متعددة.
أما إن كان مشغولاً أو بحاجة إلى من يشتري له، فوكل أحد الناس ليشتري له؛ فلا بأس بذلك.
وقائل هذه الكلمة: (هي كلمة جامعة) هو محمد بن سيرين.



تراجم رجال إسناد حديث (كان يقال لا يبع حاضر لباد)
قوله: [سمعت حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو هلال] .
أبو هلال الراسبي محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن محمد عن أنس] .
مر ذكرهما.



شرح حديث طلحة (نهى أن يبيع حاضر لباد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن سالم المكي أن أعرابياً حدثه أنه قدم بحلوبة له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزل على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال: (إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد) ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك أو أنهاك] .
أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه جاء رجل بحلوبة له يريد أن يبيعها، وكأنه فهم أنه أراد أن يبيع الحلوبة فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد) ولكن اذهب إلى السوق واعرف الأسعار، وإن أردت بيعها فارجع إلي في ذلك.
فهذا الحديث مثل ما تقدم أنه لا يبيع حاضر لباد، ولكن لو أن إنساناً أراد أن يستشيره مثلما جاء في قصة طلحة فلا بأس بذلك.



تراجم رجال إسناد حديث طلحة (نهى أن يبيع حاضر لباد)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سالم المكي] .
سالم المكي يحتمل أنه ابن شوال، ويحتمل أنه مجهول.
[طلحة بن عبيد الله] .
طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث ضعيف فيه راو مجهول، وفيه عنعنة ابن إسحاق، أما الأعرابي فهو صحابي.



شرح حديث جابر (لا يبع حاضر لباد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يبع حاضر لباد، وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (لا يبع حاضر لباد، وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ، وهذا فيه إشارة إلى استفادة الناس من السلع التي تجلب، ولا يختص بها أحد دون غيره، فلا يقول: لا تبعها، ودعها عندي في الدكان وأنا أبيعها لك على مهل.
فيحول بين الناس وبين الاستفادة منها في وقت جلبها، ويحصل هو وحده على الفائدة من ورائها، بحيث يبيعها بغلاء ويحصل أجرة على بيعها.



تراجم رجال إسناد حديث جابر (لا يبع حاضر لباد)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير] .
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الزبير] .
محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.



المصراة



شرح حديث (لا تصروا الإبل والغنم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من اشترى مصراة فكرهها.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) ] .
أورد أبو داود باب من اشترى مصراة فكرهها.
والمصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة التي حبس اللبن في ضرعها مدة حتى صار الضرع كبيراً، فيظن من رآها أن هذا حليب اليوم أو حليب البارحة، وقد يكون مضى عليه عدة أيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تصرية الإبل والغنم ومثلها البقر؛ لأن فيه غشاً للناس وتغريراً عليهم، حيث يظنون أنها حلوب، وأنها كثيرة اللبن، فيغتر من يشتريها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وجعل من اشترى المصراة بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويعرف أن هذا الحليب له مدة في ضرعها، فيكون بخير النظرين إذا سخطها: إن أراد أن يبقيها أبقاها، وإن أراد أن يرجعها فإنه يرجعها وصاعاً من تمر مقابل الحليب الذي حلبه، ولا يرد بدله حليباً بل تمراً كما جاء في هذا الحديث، والتمر كان قوت أهل المدينة وكانوا يدخرونه، أما لو لم يكن عندهم تمر فليرد صاعاً من غير التمر.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:10 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 



تراجم رجال إسناد حديث (لا تصروا الإبل والغنم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد] .
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره.




شرح حديث (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب وهشام وحبيب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء ردها وصاعاً من طعام لا سمراء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن من اشترى شاة مصراة أو بقرة أو ناقة فإنه بخير النظرين لمدة ثلاثة أيام: إن أبقاها أبقاها، وإن ردها رد صاعاً من طعام لا سمراء، والطعام يطلق على التمر وعلى غيره، فقوله: (لا سمراء) يعني: الحنطة، أي: البر، فيكون المقصود بالطعام هنا هو التمر حتى يتفق مع الحديث الأول؛ لأنه نفى السمراء التي هي البر.




تراجم رجال إسناد حديث (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب] .
كلهم مر ذكرهم.
[وهشام] .
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحبيب] .
حبيب بن الشهيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة] .
مر ذكرهما.



شرح حديث (من اشترى غنماً مصراة احتلبها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مخلد التميمي حدثنا المكي -يعني: ابن إبراهيم - حدثنا ابن جريج قال: حدثني زياد أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من اشترى غنماً مصراة احتلبها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، إلا أنه ذكر غنماً، والمقصود أنه عن كل شاة صاع من تمر، وليس المقصود صاعاً عن عدة شياه، ولكن عن كل شاة احتلبها صاع تمر.
وبعض أهل العلم لم يقل بحديث المصراة، وقال: إن صاعاً من تمر يخالف القياس، والأصل أنه يرد حليباً بدل الحليب!
و الجواب أن ما جاء بالشرع هو أصل بنفسه، فلا يقال إنه خالف القياس أو إنه ليس بأصل؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعول عليه، وأن يؤخذ به، فهو أصل بنفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي عين هذا، فيصار إلى ما عينه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم تكلم في أبي هريرة من جهة كونه راوي الحديث، وقال: إنه ليس في الفقه مثل عبد الله بن مسعود، وهذا معناه أنه ليس بفقيه، ففيه لمز له؛ فهذا غلط وخطأ، والحافظ ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذا عمن قاله وقال معلقاً عليه: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصوره يغني عن التكلف في رده! وهذا صحيح؛ لأنه كلام باطل لا قيمة له، ثم نقل عن أبي المظفر السمعاني في رده على أبي زيد الدبوسي في كتاب اسمه الاصطلام أنه قال: ولا يجوز التعرض لجناب أحد من الصحابة، والكلام في الصحابة بدعة من البدع.



تراجم رجال إسناد حديث (من اشترى غنماً مصراة احتلبها)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مخلد التميمي] .
عبد الله بن مخلد التميمي مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا المكي يعني ابن إبراهيم] .
مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري، وهو أحد الذين روى عنهم الثلاثيات.
[حدثنا ابن جريج] .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني زياد] .
زياد بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره] .
ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أبي هريرة] .
مر ذكره.



شرح حديث (من ابتاع محصّلة فهو بالخيار ثلاثة أيام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد حدثنا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمي أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ابتاع محصلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر وفيه: (من ابتاع محصلة) يعني: مصراة حبس اللبن في ضرعها، وفيه: (إن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً) وهذا يخالف ما تقدم من الروايات في أنه يرد تمراً، ولا يرد سمراء، والسمراء هي القمح، وهذا الحديث غير صحيح، والمعتمد والمعول عليه هو الحديث المتقدم الذي في الصحيحين وغيرهما من أنه يرد صاعاً من تمر، وليس قمحاً.



تراجم رجال إسناد حديث (من ابتاع محصلة فهو بالخيار ثلاثة أيام)
قوله: [حدثنا أبو كامل] .
أبو كامل الجحدري وهو فضيل بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الواحد] .
عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا صدقة بن سعيد] .
صدقة بن سعيد مقبول، أخرجه له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جميع بن عمير] .
جميع بن عمير وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمر] .
عبد الله بن عمر رضي الله عنه وقد مر ذكره.
والحديث غير صحيح؛ لأنه فيه من هو متكلم فيه، والأمر الثاني: أنه يخالف الأحاديث السابقة التي في الصحيحين وفي غيرهما في ذكر التمر.



الاحتكار



شرح حديث (لا يحتكر إلا خاطئ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن الحكرة.
حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عمرو بن يحيى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن أبي معمر -أحد بني عدي بن كعب - رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) ] .
أورد أبو داود باب النهي عن الحكرة، وهو احتكار الطعام الذي يكون الناس بحاجة إليه، فيخفيه ويدخره حتى تشتد الحاجة إليه أكثر ويبيعه بسعر غال، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، وذلك أن فيه تضييقاً على الناس في شيء هم بحاجة إليه.
أورد أبو داود حديث معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: آثم.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يحتكر إلا خاطئ)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية] .
وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا خالد] .
خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى] .
عمرو بن يحيى المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو بن عطاء] .
محمد بن عمرو بن عطاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب] .
مر ذكره.
[عن معمر بن أبي معمر] .
معمر بن أبي معمر رضي الله عنه، خرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.



خلاف العلماء فيما لا يجوز فيه الاحتكار
[فقلت لـ سعيد: فإنك تحتكر قال: ومعمر كان يحتكر] .
قيل: إن هذا يحمل على شيء ليس الناس بحاجة إليه، وليس من الأشياء الضرورية مثل الطعام أو ما يشبه الطعام.
[قال أبو داود: وسألت أحمد: ما الحكرة؟ قال: ما فيه عيش الناس] .
يعني: الذي به قوت الناس وطعام الناس، بحيث يسد فاقتهم ورمقهم، هذا هو الذي فيه الحكرة، ولا يكون في كل شيء؛ لأن بعض الأشياء يمكن أن تخزن والناس ليسوا بضرورة إليها، مثل الكماليات التي الناس بغنية عنها وقد لا يحتاجون إليها.
[قال أبو داود: قال الأوزاعي: المحتكر من يعترض السوق] .
يعني: يترقب الذي يحتاج إليه الناس في السوق للبيع، فيحول بينهم وبينه، هذا هو المحتكر.
ويدخل فيه الذي يتلقى الركبان ثم يحتكر الشيء الذي تلقاه والناس بحاجة إليه.



شرح أثر (ليس في التمر حكرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فياض حدثنا أبي ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى بن الفياض حدثنا همام عن قتادة قال: ليس في التمر حكرة، قال ابن المثنى: قال عن الحسن، فقلنا له: لا تقل عن الحسن.
قال أبو داود: هذا الحديث عندنا باطل] .
أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن أنه ليس في التمر حكرة، والتمر هو من القوت والطعام الذي يحتاجه الناس، ولهذا جاء في حديث المصراة أنه يرد صاعاً من تمر؛ لأنه الطعام الذي يأكله الناس.
قال أبو داود: هو حديث باطل؛ لأن التمر هو أهم طعام في المدينة، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (بيت لا تمر فيه جياع أهله) ، لأنه هو الطعام عندهم، فإذا كان التمر ليس فيه حكرة فما هي الحكرة؟



تراجم رجال إسناد أثر (ليس في التمر حكرة)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فياض] .
محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
يحيى بن فياض وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود.
[قال ح وحدثنا ابن المثنى] .
وهذه طريق أخرى، ومحمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن فياض حدثنا همام] .
يحيى بن فياض تقدم، وهمام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فقلنا له: لا تقل: عن الحسن] .
يعني: لا تأت بلفظ فيه تدليس؛ لأن قتادة مدلس، فإذا قال: عن الحسن فهذا اللفظ فيه تدليس، وعلى كل فالأثر غير صحيح.
وقد يكون معناه أن الحسن بن أبي الحسن رفيع المنزلة، وكونه يقول مثل هذا الكلام الشاذ أمر ليس بالهين؛ لأن التمر هو قوت للناس، وإذا لم يكن فيه احتكار فلا يكون الاحتكار في شيء.
[قال أبو داود: كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر] .
هذا فيه بيان الشيء الذي يجوز أن يحتكر، وهو الشيء الذي الناس ليسوا بحاجة إليه، فمن ذلك نوى التمر، وهو علف للإبل، والعلف يمكن أن يحصل من غيره مما يخرج من الأرض.
والخبط هو ورق الشجر.
والبزر: هو بذور الأشياء التي تزرع من بقول وغيرها.



حكم كبس علف الدواب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسمعت أحمد بن يونس يقول: سألت سفيان عن كبس القت فقال: كانوا يكرهون الحكرة، وسألت أبا بكر بن عياش فقال: اكبسه] .
هو علف الدواب، فبدلاً من كونه يباع وهو رطب ويستفاد منه، فقد يدخر لكونه كثيراً زائداً عن الحاجة، فيكبسونه بمعنى أنهم يضمون بعضه إلى بعض وييبسونه، ثم يستعمل وهو يابس، هذا هو الكبس، ثم يبيعونه في وقت آخر وهو يابس، وهذا لا بأس به.
وقول سفيان: (كانوا يكرهون الحكرة) هذا لفظ عام، وكأنه أراد منه التعميم، وأنه يدخل فيه احتكار قوت الدواب.
وقول أبي بكر بن عياش: (اكبسه) يعني: أنه لا بأس باحتكاره؛ لأنه ليس من الأشياء الضرورية.
قوله: [سمعت أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سألت سفيان] .
هو الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسألت أبا بكر بن عياش] .
أبو بكر بن عياش ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.



الأسئلة



حكم تلقي أصحاب البضائع إذا كانوا يعلمون بأسعار السوق
السؤال إذا كان تجار البلد يتلقون الركبان في مكان خارج البلد أشبه بالسوق، فيشترون منهم البضاعة بالجملة، وكان البائع عالماً بأسعار السوق، فهل هذا الفعل جائز؟
الجواب إذا كان المكان الذي خرجوا إليه سوقاً فلا إشكال، فإن السوق يكون في عدة أماكن، فإذا كان هناك سوق خارجي يذهب الناس إليه، فلا إشكال، وإنما الكلام في أناس يلتقون بهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى الناس ويشترون منهم.



حكم البيع في الميناء
السؤال هل يندرج في الحديث البيع في الميناء حيث تلقي السفن حمولاتها؟
الجواب لا، فإذا كان الميناء فيه محل للبيع فهو مثل السوق، فإذا كان من عادة الناس أنهم يذهبون إلى الميناء، ويشترون السلع من الميناء، فلا بأس.



حكم عرض سعر أرخص لعميل يتعامل مع تاجر آخر
السؤال إذا كان هناك شخص يشتري سلعة يومية من محل معين كل يوم بسعر ثابت، فهل يجوز لصاحب محل آخر أن يعرض على المشتري نفس السلعة بثمن أرخص؟
الجواب لا، فهذا فيه محذور؛ لأنه سيترك معاملته ويتحول إلى معاملته هو، فيضر أخاه بأن يأخذ عميله منه، وقد يبيعه برخص في هذه المرة، وبعد ذلك يرفع عليه السعر.



النصيحة بالتمهل في البيع ليست من تلقي الجلب
السؤال أنا أعرف سعر السوق، ويريد أخي أن يبيع سيارته فقلت له: لا تبعها في هذا الوقت واتركها عندي لأبيعها لك بسعر أعلى، فهل هذا الفعل صحيح؟
الجواب لا بأس بهذا؛ لأن هذا ليس فيه تلقي جلب، ولا فيه أي محذور، فكلاهما من أهل البلد، فإذا كان يعرف أن الأسعار في أوقات يكون فيها هبوط، وفي أوقات يكون فيها ارتفاع فقال مثل هذا لأخيه؛ فلا بأس.



حكم بيع الحاضر للبادي بدون أجرة
السؤال هل النهي عن بيع الحاضر للبادي ينتفي إذا كان سيبيع له بدون أن يأخذ منه أجرة، بل مساعدة له وإحسان إليه؟
الجواب لا يبيع حاضر لباد ولو بدون أجرة، وفي الحديث: (وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) فكونه يبيع له السلع على مهل يضر أهل السوق.



حكم الإجارة على إجارة أخيه
السؤال ما حكم الإجارة على إجارة شخص آخر، بحيث يقول للمستأجر: عندي شقة أحسن من هذه، فأنا أؤجرها لك؟
الجواب النتيجة واحدة، فهي مثل البيع على بيع أخيه؛ لأن الإجارة هي بيع المنافع، وهي كبيع الأعيان داخلة تحت البيع على بيع أخيك، لأن هذا يبيع المنفعة، وهذا يبيع السلعة، فلا فرق بين الإجارة والبيع.



حكم عرض السلعة على من يريد الشراء حال السوم
السؤال ما حكم عرض السلعة على رجل يريد شراء سلعة، وهو يساوم تاجراً فيها؟
الجواب إذا كانت السلعة تسام، ولم يحصل اتفاق بينهما، فلا بأس؛ لأن البيع على البيع يكون في خيار مجلس أو خيار شرط، أي: وقد تم الاتفاق بينهما.







ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:12 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [394]
الحلقة (426)



شرح سنن أبي داود [394]
نهى الشرع عن الغش في البيع، وحذر منه، ونهى عن التسعير والاحتكار، وأوجب للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر.



كسر الدراهم



شرح حديث (نهى أن تكسر سكة المسلمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كسر الدراهم.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معتمر قال: سمعت محمد بن فضاء يحدث عن أبيه عن علقمة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كسر الدراهم.
المقصود بكسر الدراهم: عمل شيء في الدراهم لا يحصل معه الاستفادة منها، وذلك بأن تكسر فتكون قطعتين فلا يستفاد منها على هذه الصورة، هذا هو المقصود بالكسر، أي أن يقرض منها شيئاً، أو يجعل الدرهم قطعتين، فإنه في هذه الحالة لا يستفاد منه.
ومنه أيضاً تحويل الدراهم إلى زينة وإلى حلي، فيحصل بذلك ضرر على الناس؛ لأن الفضة والذهب تحول من كونها عملة ونقداً إلى كونها حلياً؛ فيترتب على ذلك مضرة بالناس.
أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عن عبد الله بن سنان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تكسر سكة المسلمين إلا من بأس) والسكة المقصود بها: النقد.
وقوله: (إلا من بأس) ، يعني: إذا حصل فيها شيء من التلف يقتضي أن تكسر، أو حصل فيها اعوجاج أو شيء يخرجها عن هيئتها التي هي عليها، ولا يمكن الانتفاع بها على تلك الصورة؛ فيمكن أنها تكسر ثم تسك من جديد أو تحول إلى حلي.
ولم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سكة خاصة للمسلمين، والمقصود السكة التي يتعامل بها المسلمون وإن كانت من غيرهم، وبعدما وجدت السكة للمسلمين فإن الحكم -لو كان ثابتاً- يشملها.
والأوراق النقدية لا يجوز أن يعبث بها ويرسم أو يكتب عليها بحيث تشوه صورتها، ويترتب على ذلك أن الناس لا يقبلونها.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن تكسر سكة المسلمين)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معتمر] .
معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت محمد بن فضاء] .
محمد بن فضاء، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
وهو فضاء بن خالد وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن علقمة بن عبد الله] .
علقمة بن عبد الله بن سنان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه] .
وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.



التسعير



شرح حديث (يا رسول الله سعر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التسعير.
حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أن سليمان بن بلال حدثهم قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله! سعِّر، فقال: بل أدعو، ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! سعِّر، فقال: بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) ] .
أورد أبو داود باب التسعير، والتسعير: هو تحديد السعر، بحيث يقال: لا يباع بأكثر من كذا، ويلزم أن يكون البيع بهذا السعر، هذا هو التسعير، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حرام، ولما طلب منه ذلك قال: (بل أدعو) يعني: بأن تحصل الأرزاق وتكثر ولا يحتاج الناس إلى تسعير، فلما روجع قال: (إني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) ، وهذا يفيد بأن التسعير من الظلم، فقد يكون صاحب البضاعة اشتراها بثمن غال ثم يلزم بأن يبيعها بسعر رخيص، فيكون في ذلك ظلم عليه؛ لأنه اشترى بثمن غال ثم ألزم بأن يبيع بسعر رخيص، ولكن إذا تواطأ التجار على رفع الأسعار فإنهم لا يمكنون من ذلك؛ لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان وتعاون على الظلم، فحينئذٍ تتدخل الدولة فتسعر دفعاً للظلم.
قوله: [(أن رجلاً جاء فقال: يارسول الله! سعِّر، فقال: بل أدعو)] .
يعني: يدعو الله أن يبسط لهم الرزق ويكثر الخير.
قوله: (ثم جاءه رجل، فقال: يارسول الله! سعر، فقال: بل الله يخفض ويرفع) ].
يعني: يحصل منه بسط الرزق ويحصل منه تضييق الرزق، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر على من يشاء، بمعنى: يضيق، فالتقدير هو التضييق والتقليل.



تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله سعر)
قوله: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي] .
محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن سليمان بن بلال] .
هو أبو جماهر سليمان بن بلال، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني العلاء بن عبد الرحمن] .
العلاء بن عبد الرحمن صدوق ربما يهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.



شرح حديث (إن الله هو المسعر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقتادة وحميد عن أنس: (قال الناس: يا رسول الله! غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله هو المسعر، القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال) ] .
هذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه أن هذا إلى الله عز وجل، فهو الذي يخفض ويرفع ويبسط ويضيق، وهذه من أفعال الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه وتعالى، وهو الذي يأتي بالخير ويأتي بالنعم، وإذا شاء أن تقل فكل ذلك يرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى.
ولو ألزم التجار بسعر معين، فقد تكون السلع دخلت عليهم بأثمان غالية، فإذا ألزم التاجر أن يبيع بأقل مما اشترى فهذا يعني أنه ألزم بالخسارة، وفي ذلك ظلم له.
قوله: [(إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق)] .
هذه من أفعال الله عز وجل، والقابض الباسط متقابلان، أي: تضييق الرزق وتوسيعه.
والمسعر يعني أن الله هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يحصل منه كثرة الرزق بأيدي الناس ولا يحتاجون إلى طلب تسعير، وقد يحصل خلاف ذلك فيحتاج الناس إلى التسعير، لكن التسعير فيه ظلم للناس كما عرفنا، لكن لا يقال: إن من أسماء الله المسعر؛ لأن هذا من أفعال الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الله بهذه الأشياء، ولا يقال: إن هذا من أسماء الله.
والقابض الباسط متقابلان، قال الله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى:12] ، فكل منهما مرتبط بالآخر.
والله هو النافع الضار لكن لا يقال: من أسماء الله النافع الضار، فالله عز وجل يوصف بأنه نافع وضار، أعني: يخبر عنه بأنه نافع ضار، لكن لا يقال: إن من أسمائه النافع الضار.
والرزاق جاء في القرآن في قوله تعالى: {إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] ، وأما الرازق فجاء في هذا الحديث، وهو إخبار عن أفعال الله سبحانه وتعالى، لكن لا أدري هل جاء اسم الرازق في غير هذا الحديث؟



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله هو المسعر)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا عفان] .
عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا ثابت] .
ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس] .
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وقتادة وحميد عن أنس] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



النهي عن الغش



شرح حديث (ليس منا من غش)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الغش.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاماً، فسأله: كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه، فإذا هو مبلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ليس منا من غش) ] .
أورد أبو داود باباً في النهي عن الغش، والغش هو الشيء فيه عيب فيخفيه البائع ويبيعه على أساس أن ظاهره السلامة، ولكنه من الداخل على عكس الذي يراه الناس، مثل أن تكون الأطعمة التي تباع ظاهرها جميل، ولكن إذا قلبت ونكست وجد أسفلها يختلف عن أعلاها، فهذا من الغش، والواجب أن يكون أسفل الشيء وأعلاه على حد سواء.
والغش حرام لا يجوز؛ لأن فيه إضراراً بالناس، وأكلاً لأموالهم بالباطل.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يبيع طعاماً فقال: كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك في الطعام فأدخل يده فإذا هو مبلول) يعني: أن الأعلى سليم والداخل مبلول، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من غش) ، وهذا من أحاديث الوعيد الدالة على خطورة هذا الأمر، وأنه أمر ليس بالهين، والمعنى: أنه ليس على منهجنا وعلى طريقتنا وعلى ما يلزم من الاتباع لما نحن عليه، بل هذا مخالف؛ لأن الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو ألا يكون هناك غش، وأن يكون ظاهر ما يباع وباطنه على حد سواء، ولا يكون الظاهر سليماً والباطن سيئاً وأخفي من أجل الغش والخديعة للناس؛ فإن ذلك حرام لا يجوز.
وفي بعض الألفاظ أنه قال: (ألا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس) يعني: هذا الذي فيه بلل؛ لأن من الناس من قد يشتري الشيء الذي فيه نقص بسعر أقل، فالسعر يختلف، وليس كل الناس يأخذ هذا الرديء، فقد يكون بعض الناس لا يريد إلا الجيد، لكن من يعرف أنه رديء فإنه يشتريه بثمن يماثل الرديء، فهذا لا بأس به.



تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من غش)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة] .
مر ذكرهم.



كراهة سفيان تفسير حديث (ليس منا من غش) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن الصباح عن علي عن يحيى أنه قال: كان سفيان يكره هذا التفسير: ليس منا: ليس مثلنا] .
أورد المصنف أثراً عن سفيان الثوري أنه كان يكره هذا التفسير بأن يقال: (ليس منا) معناه: ليس مثلنا، وكان يحب أن يبقى الحديث على ظاهره، وهكذا أحاديث الوعيد التي فيها الزجر، حتى يحصل للناس منها رهبة وخوف؛ لأن الأمر خطير، فإذا أبقيت على ما هي عليه خاف الناس، فيكون في ذلك زجر لهم.
قوله: [حدثنا الحسن بن الصباح] .
الحسن بن الصباح البزاز صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن علي] .
علي بن عبد الله المديني وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
سفيان هو الثوري كما ذكره المزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإن كان سفيان بن عيينة فهو أيضاً ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.



خيار المتبايعين



شرح حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في خيار المتبايعين.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار) ] .
أورد أبو داود باباً في خيار المتابعين، والخيار هو كون كل واحد من المتبايعين أو أحدهما له حق الاختيار في مدة معينة، إما وقت المجلس، أو المكان الذي تم فيه البيع، أو يشترط أحدهما أو كل منهما الخيار لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام.
وخيار الشرط وخيار المجلس كل منهما صحيح وثابت، وإذا اتفقا على إمضاء البيع في المجلس واختارا عدم ثبوت خيار المجلس فلهما ذلك.
وإما إذا تم البيع وحصل السكوت وليس هناك اتفاق على إسقاط خيار المجلس فإنه يثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا بالأبدان، وينفض الاجتماع الذي كانا فيه، وهذا هو التفرق بالأبدان، وهو الذي دل الدليل على أنه هو المقصود.
وبعض أهل العلم يقول: إن المقصود التفرق بالكلام، فإذا تم البيع في المجلس ثم صار هناك كلام آخر ليس له علاقة بالبيع؛ فهذا تفرق، ولا خيار لهما في المجلس.
ولكن هذا غير صحيح، فالتفرق المراد به بالأبدان، وسيأتي ما يدل عليه، وأنه لو طال الجلوس ولو لمدة يوم وليلة وما تفرقوا فإن خيار المجلس ثابت لهما ما داما جالسين لم يحصل بينهما الفراق.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار) ما لم يفترقا، أي بأبدانهما، بأن ينفض الاجتماع وكل يذهب إلى جهته، وعند ذلك يستقر البيع، وأما قبل أن يحصل انفضاض المجلس فكل واحد منهما له أن يترك البيع، وكذلك لو انفض المجلس وقد اشترطا أن يكون لهما الخيار مدة ثلاثة أيام مثلاً، فإنه يعتبر الشرط، ويتم البيع عند انتهاء مدة الشرط، وإذا اتفقا في المجلس على إسقاط خيار المجلس بأن قال أحدهما للآخر: اختر أن البيع قد تم، فإنه يعتبر، ويدل عليه قوله: (إلا بيع الخيار) ، فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما يقول لصاحبه: اختر، ويحتمل أنه إذا حصل بينهما اتفاق على أن الخيار يمتد بعد المجلس إلى مدة ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو أربعة أيام فإن الأمر يكون على حسب ما يتفقان عليه.
وقد شرع الخيار لأن الإنسان قد يحصل له في المجلس شيء من الندم أو عدم الارتياح للعقد، فيكون بإمكانه أن يتخلص من هذا البيع ما دام في المجلس.
أما إذا تفرقا ثم ندم فقد تم البيع فلا رجوع، ولكن يستحب للآخر أن يقيله، ولا يلزمه ذلك.
أما إذا تبين في السلعة وجود عيب كان موجوداً من قبل، وليس طارئاً، فهذا يسمى خيار العيب وهو غير خيار الشرط وخيار المجلس.
وبعض التجار يكتب في محله: البضاعة لا ترد ولا تستبدل، وهذا هو الأصل، إلا إذا كان في السلعة عيب فيلزمه إرجاعها، وإلا فقد تم البيع بمجرد تفرقهم، لكن إذا وافق البائع على الرد أو الاستبدال فله ذلك، وإن لم يوافق فلا يلزم بذلك.
والبيع والشراء من خلال الهاتف جائز، ويعتبر انتهاء المكالمة تفرقاً بالأبدان، فلهما خيار المجلس مدة المكالمة، وبعد انتهائها ينتهي خيار المجلس.



تراجم رجال إسناد حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر] .
هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمعناه قال: (أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى بمعناه وفيه: (أو يقول لصاحبه اختر) يعني: نريد أن ننهي الاتفاق وألا نبقي بالخيار، وهذا كما لو كانوا في سفينة أو كانوا في مكان يطول فيه جلوسهم واجتماعهم أو كانوا مسافرين والسفر متصل فيما بينهم، فإذا خير أحدهما صاحبه أو اتفقا على إمضاء البيع في المجلس فإنه يمضي، وينتهي خيار المجلس.
أما أن يقول للمشتري: اشتر السلعة لكن ليس لك خيار فهذا لا يصح، فالخيار لا يلغى، ولكن إذا مضى وقت ثم اتفقا على إسقاط الاستمرار فلا بأس، أما كونه عند البيع يقول له: ليس هناك خيار، فلا؛ لأن هذا لا يحصل به المقصود من خيار المجلس، وهو إعطاء الفرصة للشخص؛ لأنه قد يندم بعد دقائق فيكون عنده مجال لفسخ العقد.



تراجم رجال إسناد حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد عن أيوب] .
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وأيوب السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
مر ذكرهما.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:16 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




شرح حديث (ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) ] .
أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، يعني سواء اتفقا على خيار شرط لعدة أيام أو اتفقا على إنهاء الخيار الذي يكون في المجلس كما مر آنفاً.
قوله: [(ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)] أي: خشية أن يفسخ العقد، فيفارقه من أجل أن ينهي مدة الخيار، وهذا قيل إنه ليس على سبيل التحريم وإنما هو على سبيل الكراهة، ولو أنه فارقه من أجل أن يتم البيع صح البيع ولكنه خلاف الأولى، والإنسان يغادر المجلس عندما ينتهي من المجلس.




تراجم رجال إسناد حديث (ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان] .
هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، ويقال في ترجمة ابن عجلان: حملت به أمه أربع سنين.
[عن عمرو بن شعيب] .
عمرو بن شعيب وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو بن العاص] .
عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد فيه بيان أن الجد هو عبد الله بن عمرو؛ لأنه أحياناً يأتي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهنا صرح بالجد وأنه عبد الله بن عمرو وليس محمداً جد عمرو وأبا شعيب؛ لأنه لو كان محمداً لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي.
فـ شعيب سمع من جده عبد الله بن عمرو.



شرح حديث أبي برزة (البيعان بالخيار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد عن جميل بن مرة عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلاًَ فباع صاحب لنا فرساً بغلام، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحا من الغد حضر الرحيل، فقام إلى فرسه يسرجه فندم، فأتى الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة، فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ، قال هشام بن حسان: حدث جميل أنه قال: ما أراكما افترقتما] .
أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وفيه قصة عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا فباع رجل فرساً بغلام، وعند الرحيل أراد صاحب الفرس الذي بالغلام أن يركب على الفرس، فجعل يسرجه ليستخدمه ويركب عليه، فجاء المشتري الذي دفع العبد في مقابل الفرس وأراد أن يأخذ الفرس، فأبى أن يسلمه إياه، فاتفقا على أن يتحاكما إلى أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، فجاءا إليه وهو في ناحية المعسكر فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: نعم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وما أراكما قد افترقتما، يعني: أن مدة الخيار باقية لصاحب الفرس، فله أن يأخذ فرسه؛ لأنه لا زال في مدة الخيار، وكونهما يصليان مثلاً في المجلس لا يؤثر، وهذا يبين أن مدة خيار المجلس قد تطول ما لم يحصل الافتراق.
وفيه دليل على أنه إذا حصل التحاكم إلى شخص صاحب علم ليقضي بين المتخاصمين، فإن ذلك يصح، ولا يلزم أن يكون قاضياً منصوباً من جهة الإمام، فإنهما إذا تراضيا على أن يحكما شخصاً وهو صاحب علم وعنده معرفة ورضيا بحكمه، فإن ذلك صحيح، وقصة أبي برزة رضي الله تعالى عنه دليل على ذلك، ويلزمهما قضاؤه إذا تراضيا عليه.



تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة (البيعان بالخيار)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد] .
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جميل بن مرة] .
جميل بن مرة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[عن أبي الوضيء] .
هو عباد بن نسيب، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[عن أبي برزة] .
أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي قال: مروان الفزاري أخبرنا عن يحيى بن أيوب قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره، قال: ثم يقول: خيرني، ويقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) يعني: إذا بقيا في المجلس حتى انتهى المجلس وهما باقيان على البيع وراغبان فيه، فمعناه أن كل واحد منهما في هذه الفترة رضي بما حصل له من الشراء أو البيع.
قوله: [كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره، قال: ثم يقول: خيرني] .
بمعنى أن كل واحد منهما اختار مضي البيع وتمام البيع.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض)
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي] .
محمد بن حاتم الجرجرائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[قال: مروان الفزاري أخبرنا] .
مروان الفزاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: قال: مروان أخبرنا، هذا من تقديم الاسم على الصيغة، فبدل أن يقول: أخبرنا مروان قال: مروان أخبرنا، وهذه الصيغة يستعملها بعض المحدثين، فبدل أن يقول: (أخبرنا مروان) يقول: (مروان أخبرنا) ، يعني: بدل أن يكون فعل وفاعل يكون مبتدأ وخبره جملة فعلية بعده.
[عن يحيى بن أيوب] .
يحيى بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير وهو لا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي.
[عن أبي زرعة] .
وهو جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
مر ذكره.



شرح حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت البركة من بيعهما) ] .
أورد أبو داود حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) ، وهذا يتعلق بخيار المجلس.
وبعد ذلك ذكر ما يتعلق بحسن المعاملة والصدق وعدم الكذب وعدم إخفاء العيوب فقال: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) ، قوله: (صدقا) يعني: في بيعهما ولم يخفيا العيوب، (وإن كتما) يعني: حصل كتمان العيوب.
وهذا الحديث يفيد بأن الصدق والمعاملة الطيبة سبب لحصول البركة، وأن عكس ذلك من كتمان العيب ومن الكذب سبب في محق البركة.



تراجم رجال إسناد حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] .
هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخليل] .
أبو الخليل هو صالح بن أبي مريم، وثقه ابن معين والنسائي، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن الحارث] .
عبد الله بن الحارث بن نوفل، قيل: له رؤية، وقيل: إنه من ثقات التابعين، واتفقوا على توثيقه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حكيم بن حزام] .
حكيم بن حزام رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



خلاف الرواة في بعض ألفاظ حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)
[قال أبو داود: وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة، وحماد وأما همام فقال: (حتى يتفرقا أو يختارا ثلاث مرار) ] .
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وحماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وهمام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [فقال: (حتى يتفرقا أو يختارا) ثلاث مرات] .
يعني: أنه يمكن أن يتم البيع قبل التفرق، وذلك بأن يحصل الاختيار.
وقوله: (ثلاث مرار) كأنه كررها ثلاث مرات.



موقف طالب العلم من أقوال المجتهدين
الإمام أبو حنيفة رحمه الله لم يقل بخيار المجلس، وقد قال هو وغيره من الأئمة: إذا قلت قولاً يخالف حديثاً فخذوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم واتركوا قولي، فالأئمة الأربعة رحمة الله عليهم جميعاً كل واحد منهم جاء عنه ما يدل على أنه إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح فإنه يؤخذ به ولا يؤخذ بقوله، وهذا من إنصافهم وجميل فعلهم رحمة الله عليهم جميعاً.
وقد جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
والناس بالنسبة للعلماء -سواء الأئمة الأربعة أو غيرهم- على ثلاثة أصناف طرفان ووسط: فمنهم من يتعصب ويغلو، ومنهم من يجفو، ومنهم من يتوسط ويعتدل.
فالذين يغلون لا يعدلون عن قول الإمام حتى ولو وجد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه، وقالوا: لو كان صحيحاً لعلمه الإمام ولا يخفى على الإمام! وهذا غلو وتعصب، فلا أحد يقول: إنه لا يخفى على الإمام شيء من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث تكون جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم محصورة عند شخص من الناس، ولا يفوته منها شيء، هذا لا يقال في حق أحد.
ومن الناس من يجفو فيقول: لا نرجع إلى كلام العلماء، بل نحن رجال وهم رجال! والتوسط بينهما أن يرجع الإنسان إلى كلامهم ويرجع إلى ما كتبوه ودونوه، ويترحم عليهم، ويدعو لهم، ويستفيد من علمهم، ويستعين بهم في الوصول إلى الحق.
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح: العلماء يُحترمون ويُوقرون ويرجع إلى علمهم للاستفادة منهم، ويستعان بهم في الوصول إلى الحق، فإذا وصل إلى الحق اكتفى الإنسان به عن غيره.
ثم ضرب لذلك مثلاً فقال: مثل النجوم يهتدى بها في البر إلى جهة القبلة في الظلام وفي الفلوات، لكنه إذا وصل إلى الكعبة ورآها فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم ليهتدي إلى القبلة؛ لأنه وصل إلى الكعبة ورآها، لكنه عندما يكون بحاجة إلى الاستفادة من النجوم يستفيد منها، وكذلك الإنسان يستفيد من العلماء ما دام أن الحق ما تبين له، وما وقف على الدليل الواضح في المسألة، فيرجع إلى كلام العلماء ويستفيد من علمهم وهذا هو العدل والإنصاف، وهذا هو الذي يريده الأئمة، وهو الذي أوصى به الأئمة، وهو أنه إذا وجد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصار إليه ولا يصار إلى أقوالهم؛ لأن السلامة والعصمة إنما هي في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما جاء عن الرسول كتاباً أو سنة، ففيهما السلامة والنجاة، وأما العلماء فهم يخطئون ويصيبون، ولا يعدمون الأجر أو الأجرين، من اجتهد منهم وأصاب الحق فإنه يحصل أجرين، أجراً من أجل اجتهاده وأجراً من أجل إصابته، ومن اجتهد وأخطأ فإنه يحصل أجراً على اجتهاده وخطؤه مغفور.
إذاً: المجتهدون لا يعدمون أجراً أو أجرين، وكل مجتهد له نصيب من الأجر، ولا يقال: كل مجتهد مصيب، فالحق واحد.
ولهذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم المجتهدين إلى قسمين فقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر واحد) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما جعل كل مجتهد مصيباً للحق، بل الحق يصيبه من يصيبه، ويخطئه من يخطئه، لكن لكل مجتهد نصيب من الأجر.



الأسئلة



حكم الخروج عن أقوال الأئمة الأربعة
السؤال هل يصح أن يقال: لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة؛ لأنها حوت الدين وجمعت الأحكام وأصحابها أئمة فضلاء؟
الجواب لا يقال هذا، فقد كان الناس قبل أن يوجد الأئمة الأربعة على خير وعلم أيضاً، والأئمة الأربعة رحمة الله عليهم اجتهدوا، وهم دائرون بين أجر وأجرين، ولا يجوز لأحد أن يتعصب لأحد منهم أو يلتزم بمذهب معين، اللهم إلا أن يكون عامياً لا يعرف الحق بنفسه، ولا يجد من يدله على الحق، فهذا معذور، فكونه يأخذ بقول واحد من الأئمة الأربعة إذا لم يجد من يبين له الحق لا بأس به، والتقليد عند الضرورة إليه سائغ وهو اتباع قول القائل من غير معرفة دليله، وهذا جائز عند الضرورة، كشخص ليس عنده قدرة على الاجتهاد، ولم يجد من يبين له الحق، فعليه أن يتقي الله ما استطاع، ولا بأس بالتقليد له، وأما كون الإنسان يعرف الحق أو يكون قد عرف الحق ثم لا يأخذ به تعصباً لبعض الأئمة فهذا غلط، فكيف يترك الحق بعد أن عرف الدليل؟



كيفية الكتمان من جهة المشتري
السؤال جاء في حديث الخيار (وإن كتما وكذبا) كيف يكون الكتمان من جهة المشتري؟
الجواب من جهة الثمن، فقد يكون فيه تزييف، وقد يكون الثمن ليس نقداً، بل كل من البائع والمشتري يعطي الآخر سلعة، فكل واحد قد يكون عنده غش ويكتم العيب.



معنى البركة في البيع
السؤال ما المقصود بالبركة في البيع؟
الجواب هي حصول الفائدة من السلعة، وأن الله يبارك في أكلها، وإذا نزعت البركة فقد يأكلها ولا يحصل له بركة في أكلها.



خيار المجلس في عقد الإجارة
السؤال قد يستأجر الإنسان شقة ويتفق مع الحارس، ولم يكتب شيئاً، فهل ينعقد التأجير بمجرد التفرق أو بكتابة عقد الإيجار؟
الجواب إذا تم الأمر بدون كتابة، فإنه يتم البيع أو الإجارة بدون كتابة.



حكم التبليغ عن التجار الذين يرفعون الأسعار
السؤال إذا وجدت تجاراً متواطئين على رفع سلعة معينة، فهل أرفع أمرهم إلى السلطان؟
الجواب نعم.



الحكمة من تحريم التسعير
السؤال هل يمكن أن نقول: إن الحكمة من عدم تحديد السعر أن يوجد التنافس بين التجار في تخفيض الأسعار للمسلمين؟
الجواب الحكمة من عدم تحديد السعر هي دفع الظلم؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) .



حكم تسعير الأدوية
السؤال ما حكم تسعير الأدوية من قبل وزارة الصحة حتى لا ترتفع قيمة الدواء؟
الجواب لا بأس به؛ لأن مصادر الدواء معروفه، والحاجة له ماسة، وليس مثل الطعام والأشياء التي يحتاج إليها الناس دائماً، فلو ترك الأمر لهم فقد يرفعونها أضعافاً مضاعفة.
والآن توجد منتجات غذائية يسعرها المصنع ويكتب عليها قيمتها، بحيث إن الناس يعرفون أن هذه المنتجات سعرها كذا، وهذا التسعير ليس من الدولة، بل صاحب المصنع هو الذي يحدد السعر، فلا بأس به.
وإذا سعرت الدولة بعض الأدوية، فيجوز أن تباع برخص من أجل أن يجذب الزبائن.



حكم بيع التقسيط المنتهي بالتمليك
السؤال ما حكم بيع السيارات بالتقسيط المنتهي بالتمليك؟
الجواب فيه خلاف بين أهل العلم في هذا الزمان، وأكثر المشايخ يقولون: هذا غير سائغ، ولا شك أن تركه أولى للإنسان.







ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:18 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [395]
الحلقة (427)



شرح سنن أبي داود [395]
يجب على التاجر المسلم أن يكون صدوقاً أميناً رفيقاً، وينبغي له أن يقيل المشتري بيعته، وقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحرم على التاجر أن يبيع بالعينة، وهي أن يبيع سلعته ديناً ثم يشتريها ممن باعها له بسعر أقل نقداً، وهي حيلة على الربا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبايع بها، وأخبر أن التبايع بها من أسباب ذل المسلمين، وتسلط الكافرين عليهم، وجاء في الشرع جواز بيع السلم إذا كان بكيل معلوم إلى أجل معلوم بثمن معلوم.



فضل الإقالة



شرح حديث (من أقال مسلماً أقال الله عثرته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الإقالة.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في فضل الإقالة، أي: الإقالة في البيع، بأن يندم المشتري بعد أن يلزم البيع، فيرغب إلى البائع أن يقيله، بمعنى أنه يترك البيع بحيث ترجع إلى هذا نقوده، وذاك يأخذ سلعته، أو العكس: بأن يكون البائع هو الذي ندم، فيطلب من المشتري الإقالة بحيث يرد عليه النقود ويأخذ منه السلعة التي باعها عليه، هذه هي الإقالة.
ومعناها أن البيع لزم واحتيج إلى الفسخ بموافقة الطرفين؛ لأن أحد الطرفين لا يملك الفسخ بمفرده بعد أن يلزم البيع، فإذا ندم أحدهما وطلب من الآخر أن يعفيه من هذا البيع وأن يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل البيع.
وقد ورد في فضلها والترغيب فيها هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) أي: من أقال مسلماً بيعته لكونه ندم على البيع -سواء كان البائع أو المشتري- وطلب من الآخر أن يلغي البيع ويرجع السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري، فإن هذا فيه فضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقال الله عثرته) أي: يوم القيامة.
وهذا الحديث فيه بيان أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن العمل إقالة البيع، والجزاء إقالة العثرة يوم القيامة، وهو التجاوز عن الذنوب، فهو من الأدلة الدالة على أن الجزاء من جنس العمل، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .



تراجم رجال إسناد حديث (من أقال مسلماً أقال الله عثرته)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حفص] .
حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
هو ذكوان السمان مشهور بكنيته أبي صالح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.



البيعتان في بيعة



شرح حديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن باع بيعتين في بيعة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من باع بيعتين في بيعة، والمقصود ببيعتين في بيعة أن تكون عنده سلعة فيبيعها بالنقد بثمن ويبيعها بالأجل بثمن زائد على الثمن الحال، فيأخذ السلعة دون أن يحدد هل أخذها بالحال أو المؤجل، فإنه في هذه الحالة له الثمن الأقل، وإن أخذ الأكثر فإنه يكون قد أخذ ربا؛ لأنه ما دخل على بينة، وإنما دخل في أمر مبهم بين أن يكون حالاً أو يكون مؤجلاً، أما لو دخل على أنه حال أو دخل على أنه مؤجل فإن هذا ليس من قبيل البيعتين في بيعة.
فلو اتفق معه على أنه سيأخذ السلعة بالتأجيل بزيادة في الثمن فلا بأس، ولو قال: أنا سآخذه معجلاً بالثمن الأقل فلا بأس، وإنما الذي فيه بأس أن يذكر له البائع هذا السعر وهذا السعر ثم يأخذه المشتري دون اتفاق على أحد الأمرين، فله أوكسهما، أي: أقلهما، وهو سعر الحال، أو الربا إن أخذ الثاني؛ لأنه ما دخل على بينة.
وقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار عند شرح هذا الحديث في باب بيعتين في بيعة، أن الحكم الذي فيه المنع هو ما كان على الإبهام، أما لو اتفقا على التأجيل ولو كان السعر زائداً من أجل التأجيل فإنه لا بأس بذلك، وذكر أنه لا يعلم خلافاً في ذلك إلا عن جماعة من أهل البيت منهم علي بن الحسين رحمة الله عليه، وقد ذكر الشوكاني في شرح هذا الحديث أنه ألف في ذلك رسالة خاصة ذكر فيها الأدلة على جواز هذا، وسماها شفاء العليل فيما جاء في زيادة الثمن من أجل التأجيل.



تراجم رجال إسناد حديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن يحيى بن زكريا] .
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو] .
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة] .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.



النهي عن العينة



شرح حديث (إذا تبايعتم بالعينة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن العينة.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي حدثنا حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن -قال سليمان: - عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) .
قال أبو داود: الإخبار لـ جعفر، وهذا لفظه] .
أورد أبو داود: (باب في العينة) ، والعينة: هي أن يبيع الإنسان سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بائعها بسعر أقل معجلاً، فتكون النتيجة أن العين رجعت إلى صاحبها وبقيت ذمة المشتري مشغولة بالزيادة، فقيل لها عينة؛ لأن عين العين المشتراة رجعت إلى صاحبها وبقيت الذمة مشغولة بما اشتراها به المشتري أول مرة، بمعنى أنه باعها مثلاً: بألف ريال لمدة سنة ثم إنه اشتراها ممن اشتراها بثمانمائة ريال، فالسلعة رجعت لصاحبها الأول، وبقيت الذمة مشغولة بمائتين.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) ، والمقصود من ذلك أنهم ركنوا إلى الدنيا، واشتغلوا بالبيع المحرم -الذي هو العينة- وتركوا الجهاد في سبيل الله وأعرضوا عن الآخرة والاشتغال لها، وذلك لكونهم يحرصون على الدنيا وتحصيلها بأي طريق، فهذا هو المذموم، وليس معنى ذلك أن الاشتغال بالزراعة محرم، وكذلك الأخذ بأذناب البقر بمعنى كونهم يستنبطون عليها الماء ويستفيدون منها، فهذا غير محرم، ولكن المذموم أن يكون همهم الدنيا، وأنهم يأخذون الدنيا ولو بطريق الحرام، ويعرضون عن الجهاد في سبيل الله؛ فإن هذا من أسباب الذل والهوان للمسلمين.
وهذا الحديث إسناده صحيح، وهو يدل على تحريم بيع العينة، وكثير من الناس اليوم يتعاملون بها، وبعضهم يعلم بحرمتها ولا يترك التعامل بها! ولو أن شخصاً اشترى سلعة بألف ريال مؤجلة ثم باعها إلى بائع آخر بتسعمائة ريال معجلة، هذه المعاملة لا بأس بها، وتسمى مسألة التورق.
فبيع العينة أن يبيعها على من اشتراها منه، وأما التورق فهو أن يبيعها على شخص آخر.



تراجم رجال إسناد حديث (إذا تبايعتم بالعينة)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني حيوة بن شريح] .
حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويوجد حيوة بن شريح آخر شامي في طبقة متأخرة، وكل منهما ثقة.
[قال: ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي] .
صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي] .
عبد الله بن يحيى البرلسي لا بأس به، بمعنى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن] .
إسحاق أبو عبد الرحمن الخراساني فيه ضعف، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[وقال سليمان: عن أبي عبد الرحمن الخراساني] .
يعني أن سليمان -وهو الشيخ الأول- قال: عن أبي عبد الرحمن الخراساني، وما قال: عن إسحاق أبي عبد الرحمن.
[عن عطاء الخراساني] .
صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر] .
الصحابي الجليل رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: الإخبار لـ جعفر، وهذا لفظه] .
(الإخبار لـ جعفر) يعني: الشيخ الثاني، (وهذا لفظه) أي: سياقه، ولهذا أشار أبو داود في أثناء الإسناد إلى لفظ سليمان فيما يتعلق بـ إسحاق أبي عبد الرحمن الذي هو أبو عبد الرحمن الخراساني، ولم يقل: إسحاق؛ لأنه ساقه على لفظ جعفر، ولم يسقه على لفظ سليمان، ثم أشار إلى الاختلاف بين جعفر وبين سليمان.
والمقصود بالإخبار: أن رواية سليمان ليس فيها إخبار، وعطاء الخراساني مدلس، ومعنى هذا أن أحد شيخي أبي داود جاء من طريقه التصريح بالإخبار.



السلف



شرح حديث (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلف.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبيد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) ] .
أورد أبو داود باباً في السلف، والسلف: هو عكس بيع التأجيل؛ لأنه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، وبيع التأجيل: تعجيل المثمن وتأجيل الثمن.
ومثال السلف أن يقدم رجل نقوداً لآخر مقابل تمر إلى وقت الجذاذ من هذا النخل أو من نخل مطلق صفته كذا وكيله كذا.
ويقال للسلف: السلم، والسلم لغة أهل العراق، والسلف لغة أهل الحجاز، وقيل: العكس، ولكن الصحيح أن السلف لغة أهل الحجاز، والسلم لغة أهل العراق؛ ولهذا تجد في كتب الحنابلة السلم، وفي كتب المالكية السلف، ويوضح أن لغة أهل الحجاز هي السلف هذا الحديث: (قدم المدينة وهو يسلفون) ، وما قال: يسلمون، والمدينة في الحجاز، وأهل العراق يعبرون بالسلم كالحنابلة والحنفية، وأما المالكية فيعبرون بالسلف.
كان أهل المدينة يسلفون في التمر؛ لأن المدينة بلد التمر، وقوتهم التمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) يعني: لا بد أن يعرف مقدار المسلف فيه الذي هو في الذمة، فإن كان مكيلاً فيكون كيله معلوماً، وإن كان موزوناً فيكون وزنه معلوماً، ومثله لو كان معدوداً أو مذروعاً فيكون بأذرع معلومة أو بعدد معلوم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الكيل والوزن ليبين أن الحكم في المكيلات يكون بمعرفة الكيل، وفي الموزونات يكون بمعرفة الوزن، وهكذا في المعدودات بمعرفة العد، والمذروعات بمعرفة الذرع، وهكذا.
قوله: (السنة والسنتين والثلاث) معناه: أن الرجل يدفع الثمن نقوداً مقابل تمر موصوف في الذمة مقداره كذا، وكيله كذا، يستلمه بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، وهذا سائغ جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنه لابد أن يكون منضبطاً بتحديد الكيل وتحديد الأجل، فلا يكون الأجل مطلقاً، بل لابد أن يكون محدداً إما بسنة أو سنتين أو ثلاث، وهكذا.



تراجم رجال إسناد حديث (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح] .
هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن كثير] .
عبد الله بن كثير، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المنهال] .
هو عبد الرحمن بن مطعم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث ابن أبي أوفى (كنا نسلف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ح وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة -وهذا لفظ حفص - أخبرني محمد أو عبد الله بن مجالد قال: اختلف عبد الله بن شداد وأبو بردة في السلف، فبعثوني إلى ابن أبي أوفى رضي الله عنه فسألته فقال: (إن كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الحنطة والشعير والتمر والزبيب) - زاد ابن كثير: إلى قوم ما هو عندهم.
ثم اتفقا: وسألت ابن أبزى رضي الله عنه فقال مثل ذلك] .
أورد أبو داود حديث ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه، وفيه أنهم كانوا يسلفون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وزاد ابن كثير: إلى قوم ما هو عندهم، يعني في وقت العقد ما هو موجود، ولكن يغلب على الظن وجوده في وقت الوفاء، وهذا فيه بيان أن السلف يكون بالتمر وغيره، وعبد الله بن أبي أوفى قال: يسلفون، وهذا يبين أن السلف لغة أهل الحجاز.



تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي أوفى (كنا نسلف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعبة أخبرني محمد أو عبد الله بن مجالد] .
الصواب أنه ابن أبي مجالد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي أوفى] .
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسألت ابن أبزى] .
هو عبد الرحمن بن أبزى، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



تراجم رجال إسناد طريق أخرى لحديث (كنا نسلف على عهد رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي المجالد وقال عبد الرحمن: عن ابن أبي المجالد، بهذا الحديث قال: عند قوم ما هو عندهم.
قال أبو داود: الصواب: ابن أبي المجالد، وشعبة أخطأ فيه] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن مهدي] .
ابن مهدي هو عبد الرحمن بن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي من رجال الجرح والتعديل، والذهبي رحمه الله في كتاب من يعتمد قولها في الجرح والتعديل وذكر: أن يحيى وعبد الرحمن إذا اجتمعا على تضعيف شخص لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما مصيبان، وكونهما يتفقان على جرح شخص يعني أنه مجروح.
[حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي المجالد وقال عبد الرحمن: عن ابن أبي المجالد] .
شعبة تقدم، وعبد الله بن أبي المجالد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود: الصواب ابن أبي المجالد وشعبة أخطأ] .
يعني في الأول قال: ابن المجالد.
وصوابه ابن أبي المجالد.



من أحكام بيع السلم
في قوله: (إلى أجل معلوم) لو قال له: أسلفتك إلى العام القادم، أو الشهر القادم ولم يحدده باليوم، فإن هذا لا يجوز، إذ لابد أن يحدد أوله أو آخره أو وسطه؛ لأن هذا مبهم، وعند النسائي في كتاب المزارعة ذِكْرُ صيغ كانوا يستعملونها للعقود، وكانت في غاية الدقة، يقول مثلاً: غرة المحرم، انسلاخ المحرم، يعبرون بتعبيرات دقيقة، ليس فيها إبهام أو إشكال، أو أي شيء يؤدي إلى الخصام والمنازعة.
إذاً: لابد من التحديد وإلا فسوف يبقى الإبهام والإشكال.
ومما يذكر: الفرق بين بيع السلم والنهي عن بيع السنين، مع الاشتراك في أن الثمن غير موجود: أن السلم بيع موصوف في الذمة، وأما بيع السنين فهو بيع ثمر نخلات معينة قد تنتج وقد لا تنتج.
فالسلم شيء موصوف وثابت في الذمة، فما أسلف في نخلات معينة بأن قال: ما تنتجه هذه النخلة، وإنما يقول: في ذمتي عند حول السنة الفلانية كذا من التمر، أو كذا من البر، أو كذا من الشعير.
فالفرق بين السلم وبيع السنين: أنه باعه ثمرة هذا النخل بعد سنتين، وقد لا يحصل بعد سنتين، وأما السلم فهو مقدار من المكيال يكون في ذمته إن كان عنده نخل أوفى من نخله، وإن لم يكن عنده نخل أوفى من خارج النخل؛ لأنه شيء موصوف في الذمة، فيتعلق بالذمة، وليس متعلقاً بأعيان أو بثمرات نخلات معينة.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:21 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




شرح حديث (فنسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المصفى حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الملك بن أبي غنية حدثني أبو إسحاق، عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشام، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في البر والزيت، سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً، فقيل له: ممن له ذلك؟ قال: ما كنا نسألهم) ] .
أورد أبو داود حديث ابن أبي أوفى، وأنهم غزوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الشام عزوة تبوك؛ لأن الرسول ما غزا من الشام إلا تبوك في السنة التاسعة.
(فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام).
أنباط الشام، قيل: إنهم العرب الذين دخلوا في العجم، فنسوا لغتهم، وعرفوا لغة العجم، وقيل: إنهم من نصارى العرب، دخلوا مع العجم.
(كنا نسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً)، فقيل: (ممن له ذلك؟) .
يعني: ممن له ذلك الشيء المسلف فيه، قال: ما كنا نسألهم، يعني: أنه شيء يكون في الذمة، ولا يلزم أن يكون موجوداً وقت العقد، ولكنه عند حلول الأجل حيث يكون غالباً وجوده، فإنه يجوز فيه السلم.




تراجم رجال إسناد حديث (فنسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً)
قوله: [حدثنا محمد بن المصفى] .
محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو المغيرة] .
أبو المغيرة هو عبد القدوس بن حجاج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الملك بن أبي غنية] .
عبد الملك بن أبي غنية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهو هنا منسوب إلى جده عبد الغني.
[حدثنا أبو إسحاق] .
أبو إسحاق الشيباني سليمان بن فيروز الشيباني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي أوفى] .
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه وهو صحابي مر ذكره.
لو أن الوقت المحدد جاء ولم يخرج التمر، أو أصابته جائحة، فيصح الإتيان بتمر مزرعة أخرى غير المتفق عليه؛ لأن هذا شيء في ذمته، والمهم أن يأتي بتمر.



ما جاء في السلم بثمرة بعينها



شرح حديث (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلم بثمرة بعينها.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً أسلف رجلاً في نخل فلم تخرج تلك السنة شيئاً فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: بم تستحل ماله؟ اردد عليه ماله، ثم قال: لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) ] .
أورد أبو داود باباً في السلم بثمرة بعينها، يعني: بنخل معين، أو نخلة أو نخلات معينة إذا كانت نخلات معينة وهي قليلة جداً، كنخلة ونخلتين، فهذا لا يصلح، ولكن إن كان في بستان كبير فلا بأس، والموصوف في الذمة لابد منه، إن أتى به وإلا أتى بغيره، أو رد عليه القيمة.
أورد أبو داود حديث (أن رجلاً أسلف رجلاً في نخل فلم تخرج تلك السنة شيئاً) .
يعني: لم يخرج ذلك النخل شيئاً.
(فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم تستحل ماله؟).
يعني: النقود التي أخذتها منه، لأن صاحب النخل لم يخرج نخله ثمراً، وقد وصلته النقود المعجلة فبأي شيء يستحلها.
قوله: (اردد عليه ماله) .
يعني: النقود التي أعطاها إياك، وإن أعطاه شيئاً مقابله ينطبق عليه الوصف فلا بأس.
ثم قال: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) .
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن الناس يسلفون السنة والسنتين كما مر في الحديث السابق فكيف لا يسلف حتى يبدو صلاحه؟ فإذا بدا صلاحه جاز بيعه؛ لأنه قد طاب وبدأت الاستفادة منه، والحديث الذي سبق فيه جواز السلم السنة والسنتين والرسول أقرهم على ذلك، وقال: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم) .
وهذا الحديث غير صحيح؛ لأنه ورد في طريقه رجل مجهول مبهم، فالحديث لم يصح، فما جاء فيه من ذكر أنه لا يكون له السلف حتى يبدو صلاحه غير صحيح، وهو مخالف للحديث الصحيح الذي سبق أن مر.
قوله في الترجمة: (باب في السلم بثمرة بعينها) .
يعني: ثمر نخل بعينه، المهم أن يكون له ثمر ينطبق عليه الشروط التي جرت بينهم.
إذاً: في شجرة معينة لا يجوز؛ لأنها قد لا تثمر، لكن كونه بستاناً كبيراً فيه عشرات أو مئات النخل، فلا بأس؛ لأنه في الغالب يوجد فيه، لكن النخلة والنخلتين أو الثلاث قليلة قد لا تنتج.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
محمد بن كثير مر ذكره.
[أخبرنا سفيان] .
سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق] .
أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل نجراني] .
رجل نجراني مبهم.
[عن ابن عمر] .
ابن عمر مر ذكره.



الفرق بين بيع ما لا يملك وبيع العرايا وبيع السلم
بيع ما لا يملك: كونه يبيع سلعة معينة لا يملكها، وليس شيئاً موصوفًا في الذمة يوجد في الوقت المحدد، فهذا لا بأس به؛ لأنه يكون موجوداً في ذلك الوقت، فيعطيه إياه، أما كونه يبيع سلعة لا يملكها، فمعناه أنه لا يملك ثمرة النخل، أو أنه لا يملك النخل، ولكن السلم بيع شيء موصوف في الذمة، وهذا لا بأس به.
أما بيع العرايا فهو بيع يكون الثمن فيه تمراً والمثمن تمراً على رءوس النخل، وأما السلم فالثمن فيه دراهم، وأما في العرايا فهو تمر، فصار فيه محذور من جهة أن فيه بيع الشيء بمثله بدون تقابض، وهذا لا يجوز، فلا بد من التماثل والتقابض، لكنه رخص في العرايا لحاجة الناس وبحدود معينة، وأما الذي السلم فليس له دخل في العرايا؛ لأن هذا قدم ثمناً وليس تمراً، وإنما قدم نقوداً والمبيع شيء موصوف في الذمة، هذا شيء وهذا شيء.
كما أن السلم ليس مستثنى من أصل مثل العرايا التي أبيحت للحاجة.



ما جاء في السلف لا يحول



شرح حديث (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلف لا يحول.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو بدر عن زياد بن خيثمة عن سعد -يعني: الطائي - عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب السلف يحول، يعني: يحول إلى غيره من الثمر، فبدلاً من أن يكون تمراً يحوله إلى بر أو ما إلى ذلك، فهذا هو المقصود بالترجمة، ومعناه أن الذي في الذمة هو الذي يلزم، وأنه لا يحول إلى غيره.
والحديث ضعيف، وقد سبق أن مر بنا حديث الذي كان يبيع التمر بالدراهم، ثم يأخذ بالدنانير بدل الدراهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا بأس إذا كان بسعر يومها وحصل التقابض، يعني: بين الذهب والفضة.
وهذه المسألة الحديث الوارد فيها ضعيف وكونه يحوله إلى غيره هذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه، ومنهم من منعه، ولكن إذا كان في أمر لا محذور فيه ولا شبهة ولا ريبة فلا بأس بأن يحوله مثلاً إلى شيء آخر لا يكون فيه ربا، ولا يكون من قبيل الربا الذي يلزم فيه التماثل والتقابض.
ومن أمثلة الربويات: التمر يحول إلى بر؛ ففيه شبهة، لأن فيه قبض، فهذا في الذمة وهذا سلم، فالتمر والبر بينهما ربا من حيث التقابض، لا من حيث التفاوت.



تراجم رجال إسناد حديث (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو بدر] .
أبو بدر هو شجاع بن الوليد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن خيثمة] .
زياد بن خيثمة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن سعد -يعني: الطائي -] .
سعد الطائي لا بأس به، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عطية بن سعد] .
عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيراً وهذا علة الحديث عطية العوفي فهو يدلس وروى بالعنعنة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الأسئلة



حكم التقابض في النقود
السؤال هل بيع السلف مستثنى من النهي الوارد في الحديث: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ؛ لأن السلف ليس فيه تقابض؟
الجواب ما دام أن الثمن نقوداً فلا يلزم فيها التقابض، والنقود لا يلزم فيها التقابض أبداً؛ لأنه لو كان لا بيع إلا بالنقود وبالتقابض ما وجد بيع إلا في حاضر، ويجوز تعجيل الثمن وتأجيل المثمن وهو السلم، ويجوز تعجيل المثمن وتأجيل الثمن وهو بيع التقسيط والتأجيل، والمحذور إنما هو في الأشياء التي يجري فيها الربا، وأما بالنسبة للذهب والفضة فهي أثمان الأشياء.



مثال لما لا شبهة فيه من السلم
السؤال لو تفضلتم بتقديم مثال على السلف المحول الذي لا شبهة فيه؟
الجواب أن يكون عليه تمر، فاتفق مع المشتري على أن يعطيه مكانه سيارة.



حكم البيعتين في بيعة
السؤال هناك من يستدل بقصة موسى مع شعيب في مهر ابنته: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص:28] في جواز بيعتين في بيعة؟
الجواب نهى الرسول عن بيعتين في بيعة، وهذا شرعنا، وأما هناك فقد ذكر فيه ثمان حجج، وأما الباقي فقد كان تبرعاً، فإذاً لا توجد بيعتان في بيعة، والاتفاق كان على ثمان، والباقي كان أمره إلى موسى عليه الصلاة والسلام.



وجه الربا في قوله (فله أوكسهما أو الربا)
السؤال في قوله: (فله أوكسهما أو الربا) لم أفهم وجه دخول الربا في ذلك؟
الجواب دخول الربا كونه حصل الاتفاق على شيء غير معين؛ لأنه دائر بين هذا وهذا، فهو إما أن يأخذ الأقل فيكون البيع صحيحاً، وإما أن يأخذ الثاني فيكون محرماً.
والربا كأنه جاء بين سعر حاضر وسعر غائب، فالسعر الحاضر هو المعتبر، وما زاد عليه يكون رباً.



حكم بيع السلعة للبائع بأكثر من ثمنها
السؤال ما الحكم إذا باع المشتري السلعة التي اشتراها لصاحبها بأكثر مما اشتراها منه؟
الجواب لا بأس إذا باعها عليه بأكثر؛ لأن المحذور ألا تبقى ذمة المشتري مشغولة، وأما الآن فليست مشغولة، ولهذا قالوا: (بأقل) ، أما لو كان بأكثر فهذه خارجة عن المحذور.



حكم البدء بالاستغفار بعد الصلاة مباشرة
السؤال إذا انتهى الرجل من الصلاة فهل يبدأ بالتكبير أم بالاستغفار أو يجمع بينهما؟
الجواب يبدأ بالاستغفار، والتكبير يأتي في الآخر: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.



حكم الصلاة إلى غير القبلة جهلاً

السؤال نشأت في بيت قديم أصلي مع والدي في اتجاه معروف للقبلة في البيت، ثم هدم البيت وبني من جديد، واشتريت سجادة بها بوصلة لتحديد القبلة، فغيرت اتجاه القبلة عن الاتجاه القديم المعروف،
و السؤال ما حكم صلاة خمسين عاماً في اتجاه القبلة في البيت القديم الذي هدم؟ وهل أتبع اتجاه القبلة السابق أم الاتجاه الذي حددته البوصلة في المصلى؟

الجواب يجتهد في المستقبل، ثم إذا كان الانحراف يسيراً فلا يؤثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) .
أما اتجاه القبلة فإذا كانت البوصلة سليمة عمل بها، لكن ينظر أهل الخبرة والمعرفة في تحديد القبلة مثل الجهات المسئولة، هذا إذا كان المقصود النافلة، وأما الفريضة فيجب عليه أن يصليها في المسجد.





ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:24 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [396]
الحلقة (428)







شرح سنن أبي داود [396]
إن المعاملات المالية ما لم تقم على العدل كانت سبباً في فشو الظلم بين الناس والاعتداء على الحقوق؛ لذا أمر الشارع بوضع الجوائح بين الناس على تفصيل عند أهل العلم، وأمر أصحاب الماء بألا يمنعوا الناس من الماء ليسقوا مواشيهم، وتهدد مانع فضل مائه، إذ الناس شركاء فيه، هذا ما لم يكن أحوج إليه هو أو استخرجه بأموال وتعب فيه، ومما ورد النهي فيه من البيوع: ثمن الكلب والهر والخمر والخنزير والأصنام.



ما جاء في وضع الجائحة



شرح حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وضع الجائحة.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه؛ فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) ] .
أورد أبو داود باباً في وضع الجوائح.
والجوائح هي الآفات التي تحصل للثمار كالجراد أو المطر والبرد وغير ذلك من الآفات التي تصيب الثمرة، وسبق أن الثمر لا تباع إلا بعد بدو الصلاح، وأنه قبل بدو الصلاح لا يجوز بيعه أصلاً، والعقد غير صحيح بل باطل، إلا إذا كان سيجز ويباع بسرًا، فإنه لا بأس بذلك، ولكنه إذا اشتراه بعد بدو الصلاح ثم حصلت جائحة، فإنها توضع، بمعنى: أنه لا يلزم المشتري دفع مال مقابل هذا الذي تلف، وإنما يتلف على حساب المالك وليس على حساب المشتري، وقد سبق أن مر بنا الحديث: (بم يأخذ أحدكم مال أخيه) .
أورد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعها؛ فكثر دينه) .
يعني: خسر فيها، وأنه تركها حتى حصل الجذاذ وأصابتها آفة، أو أنه حصل أن هبطت قيمتها، ولم يكن لها قيمة، فكثر دينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق عليه فجمع له مقداراً من المال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوه وليس لكم إلا ذلك) ، فالمقصود من قوله: (خذوه) : خذوا هذا الموجود والباقي في الذمة، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ؛ لأن هذا ليس من قبيل وضع الجوائح فليس من قبيل أن الثمرة بيعت على رءوس النخل بعد ما بدا صلاحها ثم أصابتها جائحة فتوضع، بمعنى أن المشتري ملزم ولهذا قال: (تصدقوا عليه، وقال: ليس لكم إلا ذلك) يعني في الوقت الحاضر، والباقي نظرة إلى ميسرة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ، فهو ليس من قبيل وضع الجوائح التي جاء الحديث بوضعها.



تراجم رجال إسناد حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير] .
بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عياض بن عبد الله] عياض بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري مر ذكره.



شرح حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج.
ح وحدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير المكي أخبره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً أنه قال: (إن بعت من أخيك تمراً) أي: على رءوس النخل، وأما إذا باعه تمراً وسلمه إياه أو خلى بينه وبينه وسلمه في مكانه، فإنه يذهب على حساب المشتري، ولكن المقصود التمر الذي بيع على رءوس النخل وأصابته جائحة، وفيه قال: (بم تأخذ مال أخيك بغير حق) ؛ لأن البائع ما سلمه للمشتري الذي باعه إياه وهو على رءوس النخل، أما إن كانت القضية في أمر قد سلم له وقبضه، ودخل في حوزته، ثم تلف وهو في حوزته، فإنه ليس على حسابه، وليس على البائع أن يرد شيئاً من القيمة، كما لو حصل أن إنساناً باع سلعة وأخذ قيمتها، ثم لما ذهب المشتري جاء اللصوص وأخذوها من هذا المشتري، فلا يرجع إلى البائع يقول: أخذها اللصوص، أعطني القيمة، لأنها ضاعت على حسابه.
وهذا الحديث محمول على الثمر الذي على رءوس النخل.
والحديث يناسب له وضع الجوائح، وأما الأول فلا علاقة له بوضع الجوائح.
ولعل الحديث جاء ضمناً وليس في وضع الجوائح.



تراجم رجال إسناد حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[أخبرنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن معمر] .
محمد بن معمر صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم] .
أبو عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير] .
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



ما جاء في تفسير الجائحة



شرح أثر (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد) وتراجم رجال إسناده
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في تفسير الجائحة.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن ابن جريج عن عطاء قال: [(الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق)] .
سبقت بعض الأحاديث المتعلقة بوضع الجوائح، وهذه الترجمة تتعلق بتفسير الجوائح، وقد أورد أبو داود رحمه الله أثراً عن عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله أنه قال: (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو حريق) أي: تكون الجائحة بمثل هذا مما يحصل به تلف الثمر، وهذه أمثلة للأمور التي تحصل بها الجوائح للثمار.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عثمان بن الحكم] .
عثمان بن الحكم صدوق له أوهام أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح أثر (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد أنه قال: (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال، قال يحيى: وذلك في سنة المسلمين) .
أورد المؤلف أثراً عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو: لا جائحة فيما إذا كان الضرر دون الثلث من الثمرة، ولا يتحمله البائع، وإنما يذهب على حساب المشتري.
قال: وهذا في سنة المسلمين، وسبق أن مر بنا أن الإمام مالكاً رحمه الله هو الذي يقول بأن الجائحة فيما دون الثلث، وقال أبو داود بأنه لا يعلم شيئاً يدل على التحديد بالثلث، وأن الأمر مطلق، وقول يحيى هذا هو حكاية لعمل أهل المدينة؛ لأن يحيى من أهل المدينة، قوله: [وذلك في سنة المسلمين] يعني: المعمول به في المدينة.
معناه: أن الجائحة إذا كانت دون الثلث لا يسقط عن المشتري منها شيء، وإذا كانت فوق الثلث فإنه يسقط، وتعتبر الجائحة فيما فوق الثلث.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد] .
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



ما جاء في منع الماء



شرح حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في منع الماء.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في منع الماء، يعني: أن الماء الزائد عن حاجة الإنسان لا يمنعه.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ، وهذا فيما إذا كان الإنسان عنده بئر وحولها مكان فيه مرعى وكلأ، فلا يعطي الناس من الماء لتشرب مواشيهم، من أجل أن يبتعدوا عن الكلأ فيستفيد منه هو؛ لأنهم إذا لم يحصلوا على ماء عند هذا المكان فإنهم ينتقلون عنه، فيستفيد منه وحده، ويكون في ذلك إلحاق الضرر بالناس.
ولكن عليه أنه يسقي مواشيهم، وأن يحسن إليهم بسقي المواشي، ويشاركهم في الكلأ، ويبذل الإحسان إليهم بكونه يسقي مواشيهم، فهذا فيه الإشارة إلى أن إحالة الإنسان بين الناس وبين الكلأ الذي جعله الله في الأرض العامة غير لائق بالمسلم، بل يشاركهم في الانتفاع بالكلأ، ويحسن إليهم في سقي مواشيهم.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير] .
جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
أبو صالح هو ذكوان السمان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب السنة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
يلاحظ أن الترجمة في منع الماء، مع أن الحديث في منع فضل الماء، وكما هو معلوم أن الإنسان إذا كان الماء قليلاً وليس فيه زيادة، فنفسه أولى من غيره، وحاجته أولى من غيره، ومعلوم أن النهي إنما ورد في منع الفضل والمقدار الزائد على حاجته، والنهي هنا عام وسيأتي التقييد له.



شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً- ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله) يعني: التكليم الذي فيه راحتهم وسعادتهم، وإلا فإن التكليم يمكن أن يكون على وجه التبكيت والتقريع، ويكون هذا ضرراً، ومنه قول الله عز وجل: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] وهذا كلام، لكنه كلام فيه تقريع وتبكيت لا يحصلون من ورائه على فائدة، ولا يحصل لهم السرور والارتياح والاطمئنان، فهذا لا ينافي ما جاء من أن الله تعالى يخاطب الكفار ويقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ؛ لأن المنفي غير المثبت.
(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده)، ابن السبيل هو عابر السبيل، سواء كان بنفسه أو معه راحلته أو رواحله، فإن الماء يبذل له، ولا يحال بينه وبينه.
(ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً-)، يعني: ليروجها ولينفقها، كما جاء في الحديث الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) أي: المروج لها، الذي يأتي بما يجعل المشتري يغتر بحلفه وبكلامه الذي فيه ترويج لها.
أما عن بعد العصر فقد قيل: إن هذا من الأوقات التي تكون فيها الأيمان مغلظة، وقد سبق أن مر بنا تغليظ اليمين بالمكان، كما جاء في الحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من حيث الزمان.
(ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) يعني: بايع إمامه أو إمام المسلمين من أجل الدنيا، لا من أجل أن يقوم بالشيء الذي يجب عليه، وإنما بايع من أجل الدنيا، فإن حصل له الذي بايع من أجله رضي، وإن لم يحصل ذلك فإنه يسخط، فبيعته إنما هي من أجل الدنيا، وليست من أجل السمع والطاعة في المعروف على الوجه الذي شرعه الله عز وجل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .



تراجم رجال إسناد حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع] .
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش] .
الأعمش مر ذكره.
[عن أبي صالح عن أبي هريرة] .
وقد مر ذكرهم.



شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: (ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وقال: في السلعة: (بالله لقد أعطي بهذا كذا وكذا، فصدقه الآخر فأخذها) ] .
أورد الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على الأول، فهناك قال: (لا يكلمهم الله) فقط، وهنا قال: (لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ، وفيه أيضاً: بيان ذكر الحلف، وأنه حلف أنه أعطي بها كذا وكذا، حتى يرغب المشتري فيها، فيكون كذاباً في خبره، وأيضاً أكد ذلك بحلف كاذب بالله لقد أعطي بها كذا وكذا.
فيذكر السعر، مائة ريال مثلاً.
و (كذا وكذا) كناية عن ذكر السعر من أجل أن يزيد على هذا المقدار، مع أنه ما أعطي هذا المقدار ولا حصل له هذا المقدار من أحد، ولكنه عن طريق الكذب والعياذ بالله.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش بإسناده ومعناه] .
مر ذكرهم.



شرح حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها: بهيسة عن أبيها رضي الله عنه قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير مسمى، فهذه بهيسة، قيل: إن لها صحبة، وقيل: مجهولة لا تعرف، وهي تحكي عن أبيها أنه دخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وقميصه، يعني أنه رفع قميص النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله وقال له: (ما هو الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ، والحديث في إسناده رجلان متكلم فيهما، وفيه هذه المرأة التي لا تعرف.
والمقصود بالماء والملح: أن هذه من الأشياء التي يمكن أن يسألها الناس بعضهم بعضاً ولا تمنع، والمقصود من ذلك الشيء الذي فيه مقدار الحاجة، بأن يطلب مثلاً ماء من أجل الشرب، أو الملح من أجل الطعام، وأما حمل الملح فهذا مال يتمول، ويمكن أن يمنع، يعني إذا كان عند إنسان مملحة وكان يبيع الملح، ثم يأتي إنسان ليأخذ منه بالمجان، وهو في أرضه وقد تعب عليه فلا.
ولكن يبدو إن صح الحديث أنه من الأشياء التي تبذل ولا يؤخذ لها مقابل عند الحاجة إليها، كأن يكون الناس معهم طعام ولكن ليس معهم ملح يملحون به طعامهم، فيمكن أن يسألوا، وهذا من الأشياء السهلة البسيطة التي يمكن للناس أن يتعاطوها، وأن يسأل بعضهم بعضاً إياها، ولا يعتبر سؤال مثل ذلك عاراً؛ لأن هذه أشياء مبذولة وأمرها سهل، ومن يسألها وهو محتاج إليها لحاجته الحاضرة فلا بأس بذلك.
والحديث كما أشرت غير صحيح، ولكنه إن صح فهذا هو معناه: أنه يحمل على الشيء الذي لا يمنع من الأمور السهلة البسيطة التي لا ينبغي للناس أن يتشاحوا فيها.
قال الخطابي: الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحداً لا يمنع من أخذه.
وهذا صحيح لا إشكال فيه، وهذا مثل الماء الذي في الفلاة، كل يأخذ منه نصيبه، والملح إذا كان غير مملوك يأخذ كل نصيبه، لكن إذا كان في ملك الإنسان، فإذا كان للحاجة الحاضرة فلا بأس، وأما إن كان غير مملوك فهو مبذول لكل أحد.
الكلأ مشترك، والملح إذا كان في فلاة مشترك، والماء إذا كان في فلاة مشترك، ولكن الماء إذا كان في حوزة إنسان، وفي إنائه ووعائه وسقائه؛ فإنه ملكه، ولكن يبذله لمن يحتاج إليه.



تراجم رجال إسناد حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا كهمس] .
كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سيار بن منظور] .
سيار بن منظور مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه] .
أبوه مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن امرأة يقال لها: بهيسة] .
وقيل: لا تعرف، أخرج لها أبو داود والنسائي.
[عن أبيها] .
صحابي مقل، قيل: اسمه عمير، أخرج له أبو داود والنسائي].
في السند أربعة كلهم روى لهم أبو داود والنسائي، اثنان مقبولان، والثالثة مجهولة لا تعرف، والرابع صحابي، والصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، إذ جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، ولهذا ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى السؤال عن حاله، ليعرف أهو ثقة أم غير ثقة، وأما الصحابي فيكفيه شرفاً وفضلاً ونبلاً أن يقال: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشرف برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة الدنيا، ومتع بصره بالنظر إليه، وشنف سمعه بسماع صوته صلى الله عليه وسلم، فصار لهم فضل وميزة، ولهذا درج العلماء على أن الراوي إذا كان صحابياً لم يزيدوا على أكثر من أن يقولوا: صحابي أو له صحبة، ولا يقولون: ثقة، ولا غيرها من الأشياء التي يحتاج إليها في حق من بعدهم.



حكم منع الماء الموقوف في المساجد
قد يقال: ما حكم منع الماء الموقوف في المسجد عن الناس إذا احتاجوا إليه، علماً أن الواقف جعل هذا الماء في المسجد لغرض الوضوء والتطهر؟ ف
الجواب إن كان يستخدم في داخل المسجد فنعم، أما إن كان المقصود الخروج به والناس مضطرون له وما وجدوا غيره فلا، وإن كان العكس وما يؤثر على الاستعمال في الداخل فلا بأس؛ لأن الذي وضعه لا يمنع كون الإنسان يستفيد منه في الخارج إذا كان مضطراً إليه، كأن تكون هناك صنابير فيها ماء لمن يتوضأ، وأراد إنسان أنه يملأ قربته أو ما إلى ذلك، فإذا كان الماء كثيراً ولا شح فيه ولا تضييق على الذين جعل لهم فلا بأس؛ لأن الذي وضع مثل هذا لا يمنع مثل هذا.



شرح حديث (المسلمون شركاء في ثلاث الكلاء والماء والنار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي أخبرنا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي عن رجل من قرن ح حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش -وهذا لفظ علي - عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثاً أسمعه يقول: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار) ، أي: إذا كان في فلاة وليس في الأرض إنسان، أما إذا كان الكلأ في أرضه وفي ملكه فهو له، ولا أحد يدخل في ملكه من أجل أن يرعى، وإنما يرعى في الفلاة التي ليست ملكاً لأحد، فالمقصود بالأرض الفلاة التي ليست خاصة ولا ملكاً لأحد؛ فإن الناس شركاء فيها، ولا يختص أحد بالكلأ دون أحد، بل هو مبذول لكل من احتاج إليه.
وكذلك الماء إذا كان في الفلاة فالناس شركاء فيه، وكذلك إذا احتاج الناس إلى الحصى أو الحجارة التي يقدحون بها النار ويورونها، بحيث يضرب الواحد حجراً بحجر فتقدح، ثم يأخذون منه النار، فإذا كان مثل هذه الأشياء في الفلاة، فإن الجميع شركاء فيها.
وكذلك أيضاً إذا احتيج إلى الماء للشرب، فإنه لا يمنع كما مر في الحديث الضعيف: (لا يمنع الماء، ولا يمنع الملح) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالنار، فكونه يطلب شيئاً يسيراً من أجل أن يوقد به النار، أو جذوة من النار، هذه كلها أمور سهلة وبسيطة، والناس شركاء فيها، فلا يصلح أن تمنع، والناس يحتاج بعضهم إلى بعض، لاسيما إذا كانوا في البراري وليس معهم حاجاتهم الكافية التي لا بد منها.
معناه: أن بعضهم يحسن إلى بعض، ولا يشح بعضهم على بعض.



تراجم رجال إسناد حديث (المسلمون شركاء في ثلاث في الكلاء والماء والنار)
قوله: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي] .
علي بن الجعد اللؤلؤي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا حريز بن عثمان] .
حريز بن عثمان ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن حبان بن زيد الشرعبي] .
حبان بن زيد الشرعبي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[عن رجل من قرن] .
رجل من قرن الذين منهم أويس القرني، وهناك قرن من الأزد، وفي النسبة يقال: قَرَني أو قَرْني، وقرن من مراد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أويس بقوله: (يأتيكم رجل من اليمن يقال له أويس من قرن من مراد، وله والدة كان باراً بها) ، وذكر شيئاً من صفاته.
[ح وحدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس] .
عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش] .
أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي.
[وهذا لفظ علي] .
يعني طريق علي بن الجعد.
[عن رجل من المهاجرين] .
هو نفسه ذاك الرجل الذي من قرن، وليس رجلاً من قرن يروي عن رجل من المهاجرين، وإنما الرجل الذي من المهاجرين هو نفسه من قرن، فهو متصل، وليس فيه مبهم إلا الصحابي، وإبهام الصحابي لا يؤثر.
والحديث صححه الألباني.
ومما ينتبه إليه: أنه إذا طلب شخص النار من أجل التدخين لا نعطيه؛ لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:27 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




ما جاء في بيع فضل الماء




شرح حديث (أن رسول الله نهى عن بيع فضل الماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع فضل الماء.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء) ] .
أورد أبو داود باباً في بيع فضل الماء، يعني: حكمه، وهل يجوز أم لا؟ ومن قبل أورد باباً في منع فضل الماء، وأما هذا فهو في منع بيعه على من هو محتاج إليه، كعابر السبيل، أو إنسان يسقي مواشيه، فهذا يعطاه بدون مقابل، وأما إذا حازه في قربته، أو سيارته، أو خزانه، وجعل يبيعه، فلا بأس بذلك إذا فعل هذا من أجل تيسيره وتسهيله على الناس، وكونه في متناولهم.
والمنع يأتي فيما إذا كان هناك ضرورة إليه، وأما إذا دخل في ملك الإنسان، وعبأ له (وايت) فله أن يبيعه، ولا مانع من ذلك، ويمكن للإنسان أن يشتري السيارة من أجل أن يعبئ الماء ويبيعه على الناس.
ومثل هذا من يبيع الماء وقد صرف على استخراجه من باطن الأرض أموالاً كثيرة، فيبيعه لمن سيزرع مزرعة بجانبه فلا بأس؛ لأنه استنبطه وتعب في إخراجه بواسطة المضخات فهي تحتاج إلى وقود أو كهرباء، وكل ذلك فيه صرف أموال.
أما ماء زمزم فلا بأس أيضاً ببيعه إذا حازه الإنسان في سيارة أو قربة، أو وعاء، وهذا فيه تسهيل للناس بدلاً من كونهم يبحثون عن وعاء، ثم يذهبون إلى زمزم، وقد يشق عليهم ذلك، ولا يحصلون عليه بسهولة.




تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن بيع فضل الماء)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار] .
داود بن عبد الرحمن العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار] .
عمرو بن دينار المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المنهال] .
هو عبد الرحمن بن مطعم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إياس بن عبد] .
إياس بن عبد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.




ما جاء في ثمن السنور




شرح حديث (أن النبي نهى عن ثمن الكلب والسنور)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثمن السنور.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ح وحدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وعلي بن بحر قالا: حدثنا عيسى وقال إبراهيم: أخبرنا عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور) ] .
أورد أبو داود باباً في ثمن السنور.
يعني: في حكمه وهل هو جائز أو غير جائز.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ثمن الكلب والسنور) ، معناه: أنه لا يباع الكلب ولا يباع السنور، لكن من احتاج إليهما اختص بهما واستفاد منهما، ومن استغنى عنهما أرسلهما وتركهما بدون أن يأخذ لهما ثمناً.
والكلب سبق أن مر شيء يتعلق به مع مهر البغي وحلوان الكاهن، وسيأتي أيضاً ما يخصه بعد هذا، والسنور جاءت الأحاديث في المنع من ثمنه، فيكون حكمه حكم الكلب، بمعنى أن من احتاج إليه استفاد منه، ومن استغنى عنه تركه وأرسله دون أن يبيعه.




تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى عن ثمن الكلب والسنور)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا الربيع بن نافع] .
الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[وعلي بن بحر] .
علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي].
[حدثنا عيسى] .
عيسى بن يونس مر ذكره.
[وقال إبراهيم: أخبرنا] .
يعني: في رواية إبراهيم أنه قال: أخبرنا، وهناك في الإسناد الأول حدثنا.
[عن الأعمش] .
الأعمش مر ذكره.
[عن أبي سفيان] .
أبو سفيان هو طلحة بن نافع صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث (أن النبي نهى عن ثمن الهرة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا عمر بن زيد الصنعاني: أنه سمع أبا الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهرة) ] .
أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وفيه النهي عن ثمن الهرة.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمر بن زيد الصنعاني] .
عمر بن زيد الصنعاني ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي الزبير] .
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
مر ذكره، وكون الحديث فيه ضعيف لا يؤثر؛ لأنه جاء من طرق أخرى.




العلة في تحريم ثمن الهرة
يبدو والله أعلم أن الهر من الأشياء التي قد يستفيد الناس منها، فهي مثل الاستفادة من الكلب، فمن يستفيد منه يختص به، ومن يستغني عنه فإنه يرسله، ولا تكون مثل هذه الحيوانات محلاً للتجارة والبيع والشراء، وإنما ينتفع بها، فمن احتاج إليها وقد اختص بها أبقاها، ومن استغنى عنها تركها دون أن يأخذ لها ثمناً.
أما بقية الحيوانات التي تستخدم للزينة وليست للنفع، مثل الطيور توضع في أقفاص للزينة، فإن حبس الحيوانات في الأقفاص إيذاء لها، وإن أحسنوا إليها وأعطوها ما تحتاج فالأمر أخف، ولكن إن حصل إهمالها أو الغفلة عنها ثم ماتت فإن ذلك فيه خطورة كما جاء في حديث المرأة التي حبست هرة فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا هي سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، لأنه قد يحصل الغفلة والنسيان، فيترتب على ذلك أنها تموت أو تتضرر، فيكون في ذلك تعذيب للحيوان.




ما جاء في أثمان الكلاب




شرح حديث (أنه نهى عن ثمن الكلب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أثمان الكلاب.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن) ] .
أورد أبو داود باباً في أثمان الكلاب، يعني: وأنها لا تجوز أن تباع ولا أن يؤخذ لها ثمن، وقد سبق أن مر ذلك في حديث: (كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) ، وهنا أورد حديث أبي مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) .
وقد مر ذكر هذه الأشياء فيما مضى.




تراجم رجال إسناد حديث (أنه نهى عن ثمن الكلب)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن] .
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود] .
أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) يعني: يحصل على الخيبة؛ لأن الكلاب لا تؤخذ لها أثمان، فمن احتاج إليها استفاد منها، ومن استغنى عنها تركها وأرسلها يستفيد منها من يستفيد منها بدون مقابل يؤخذ عليها.
وهذا أيضاً يؤكد التحريم؛ لأن قوله: (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) ، يعني ليس له إلا الخيبة.




تراجم رجال إسناد حديث (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع، حدثنا عبيد الله -يعني: ابن عمرو -] .
عبيد الله بن عمرو الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم] .
عبد الكريم بن مالك الجزري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن حبتر] .
قيس بن حبتر ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: هناك سؤال يتكرر خاصة إذا درسنا مثل هذا الحديث، ففي الوقت الحاضر لا يمكن امتلاك كلب للاستفادة منه كالحراسة أو الزراعة أو الكلاب البوليسية إلا بشرائه، لكن أقول: لماذا لا يحصل إلا بالشراء؟ فالذي يريدها قد يحصل عليها كما حصل عيلها من يبيعها، أما بيع الدب والنمر وأولادها فكلها من فئة الكلاب، والحيوانات المفترسة لا تباع، ففيها ما هو مفترس وأسوأ من الكلب.
وبعض العلماء يقول: يجوز استعمال الحديث على ظاهره، بأن يوضع التراب بكف من طلب الثمن، لكن الذي يظهر أنه من جنس: (وللعاهر الحجر) أي: الزاني لا يحصل ولداً بزناه، وإنما له الخيبة.




شرح حديث (أن رسول الله نهى عن ثمن الكلب) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة أخبرني عون بن أبي جحيفة أن أباه رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب) ] .
أورد حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب) ، فهو جاء عن عدد من الصحابة.
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] .
أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عون بن أبي جحيفة] .
عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة مشهور بكنيته، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود.




شرح حديث (لا يحل ثمن الكلب) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معروف بن سويد الجذامي أن علي بن رباح اللخمي حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل ما تقدم في أول هذا الباب وفي أبواب تقدمت ذكر هذه الثلاثة، وأنها حرام.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[حدثني معروف بن سويد الجذامي] .
معروف بن سويد الجذامي مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.
[أن علي بن رباح اللخمي] .
علي بن رباح اللخمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.




الأسئلة




حكم إعطاء شيء بدلاً عن ثمن الكلب

السؤال هل يجوز أخذ الكلب وإعطاء شيء بدلاً عنه؟

الجواب إذا وجد بيع وشراء فلا يجوز، وإما إن أخذه من غير مواطأة، بمعنى أنه أحسن إليه إذ أعطاه إياه، وهو كافأه على ذلك من غير مواطأة، هذا يبدو أنه لا بأس به إن شاء الله؛ لأن هذا ليس ثمناً.




حكم ثمن كلب الصيد
السؤال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى صحح حديث: (نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) ؟
الجواب لا أدري عن صحته، لكن إذا صح فيستثنى، ومع ذلك فالأولى ألا يؤخذ له ثمن، ولا يقال: إنه حرام إذا صح، لكن الأولى والذي ينبغي أن الكلاب لا يؤخذ لها أثمان.
وما دام أنه جاء الاستثناء في شيء فإنه يوقف عنده، وكأن الحديث جاء بما يتعلق أن الكلاب تستعمل للحراسة وللزرع وللماشية وللصيد، فإذا جاء شيء يخص الصيد لا يلحق به، ويمكن إن صح هذا أن كلاب الصيد يتعب عليها ما لا يتعب على كلاب حراسة الزرع؛ لأن هذه فيها تعليم وتمرين على الصيد، وعلى الإمساك وعدم الأكل، وما إلى ذلك.
فإن صح فيقتصر عليه ولا يتجاوز إلى غيره، وفرق بين كونه يحتاج إلى الماشية والزرع، وبين كونه يحتاج إلى الصيد، فالأخير فيه تعب وتعليم، فإن صح فله وجه.
وهل يقاس عليها الكلاب التي تكتشف المخدرات ومهربيها؟ إذا صح الحديث في الصيد فالكلاب التي تمرن على اكتشاف المخدرات لا شك أنها تشبه كلب الصيد، وليست مثل كلب حراسة الزرع والماشية.




حكم الانضمام لجماعة يبايع فيها أمير على السمع والطاعة
السؤال عندنا جماعة في أحد البلدان الإسلامية مشتغلة بالدعوة إلى الله عز وجل، ولها أمير، والأفراد الذين تحت هذه الجماعة ملزمون ببيعة الأمير على السمع والطاعة في المنشط والمكره، على ما يحب ويكره، فهل هذا مشروع؟
الجواب ليس هذا مشروعاً، وهذه الجماعة إذا احتاجت إلى وجود رئيس لها ومسئول عنها فلا يبايع، وهو مثل الأمير في السفر تماماً، وأمير السفر لا يبايع، وإنما يختار من أجل أن يكون مرجعاً لأصحابه، بحيث لو أراد أحد أن يذهب إلى مهمة، أو إلى جهة معينة، يستأذنه حتى يعرف أين ذهب، بخلاف ما لو لم يكن هناك أمير، فلعل كل شخص يمشي ولا يدري أحد عن أحد، لكن إذا جعلوا لهم أميراً، وصار يستأذن، وإذا أرادوا أن ينزلوا منزلاً رجعوا إلى رأيه، وإذا أرادوا أن يرتحلوا رجعوا إلى رأيه، فهذا لا بأس، وهذا من جنسه، وأما قضية البيعة فإنه لا يبايع إلا الإمام الذي يقيم الحدود، ويسمع له ويطاع بالمعروف.
أما أمير يبايعونه في الحضر على السمع والطاعة، فإن الحضر مثل السفر، ما دام أنه ليس إماماً وليس والياً، فلا بيعة، لا في الحضر ولا في السفر.




معنى حديث (بايع إماماً)

السؤال قوله: (ورجل بايع إماماً) في الحديث هل هو مطلق يشمل كل إمام، أم هو خاص بالإمام الأعظم؟

الجواب المقصود الإمام الذي يكون بيده الأمر، سواء كان إماماً أعظم أو ولي مكاناً من الأرض، أو في جزء من الأرض واختص به يقوم بشئونه وهو المسئول عنه؛ لأنه لو كان لا يبايع إلا للإمام الأعظم كان لا يسمع ولا يطاع إلا إذا وجد إمام أعظم يملك الدنيا، ويتولى الأرض كلها، وهذا لا يكون، بل إن وجد فيسمع له ويطاع وإن كان في ناحية فإنه يسمع له ويطاع في المعروف.






ابوالوليد المسلم 29-06-2025 05:31 AM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 




حك استخدام ماء الشرب في التطهر من النجاسة
السؤال هل يجوز استخدام الماء الذي أوقف للشرب في غير الشرب، كأن يصيب الإنسان نجاسة، وهو محتاج لإزالتها فيستخدم هذا الماء؟
الجواب إذا كان مضطراً إلى هذا فنرجو أنه لا بأس به؛ لأنه لا يمنع من مثل هذا في العادة.




حكم حبس الطير
السؤال ما توجيه حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) ، فقد كان عنده طير وقد حبسه؟
الجواب نعم حبسه؛ فيجوز حبسه مع الإحسان إليه وعدم إيذائه، وحبسها في أقفاص يترتب على ذلك نسيانها وإهمالها، فيعرض الإنسان نفسه للإثم، والحديث صحيح: (يا أبا عمير! ما فعل النغير) ولا يلزم أن هذا النغير محبوس في قفص، بل يكون مثل الدجاج الذي يكون في البيوت مرسلاً يذهب ويأتي ويأكل، بخلاف الذي يكون في القفص، فإنه قد يغفل عنه، وليس مطلقاً بحيث يذهب ويأكل مما في البيت، ففرق بين هذا وهذا.



حكم إقامة أمير للجماعة دون بيعة
السؤال هل يجوز أن يقام أمير للجماعة دون أن يبايع، ولكن يسمع له ويطاع دون بيعة؟
الجواب كون الناس يعينون أميراً في السفر يسمع له ويطاع، فلا معنى له إذا لم يسمع له ويطاع، ويكون وجود الإمارة حينئذ مثل عدمها.



حكم تعدد الجماعات الإسلامية
السؤال هل يجوز وجود أكثر من جماعة في البلاد الإسلامية؟ وقد تتمسك بهذا الكلام الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة في الساحة.
الجواب الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة هي قائمة، ولا تحتاج إلى أن تستفتي، بل هم يفتون أنفسهم، ولكن الكلام هو للذين هم على حق، وعلى سنة، فإذا وجدت الجماعات وصارت تدعو إلى باطلها، فمن حق الذين هم على حق وعلى سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يجعلوا لهم جماعة، وأن يكون لهم شخص مسئول يرجعون إليه ينظم أمورهم، ويرتب شئونهم، فإذا وجدت هذه الأشياء فلا بأس أن توجد تلك الجماعة التي على حق، وإذا تركت الجماعة هذه لا يجتمعون ولا يتعاونون، فمعناه: أن الميدان صار للمنحرفين والمبطلين ولا مجال للصالحين فيه، فإذا وجد هذا التفرق، ووجدت الجماعات، وصار كل يقوم بالدعوة إلى ما عنده، وإلى ما هو عليه، فالذي ينبغي لمن هم على سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يكون لهم رئيس يرجعون إليه، وينظم شئونهم, ويرتب أمورهم.



حدود طاعة الأمير
السؤال بعض طلبة العلم يستدلون بكلامكم السابق في عدم جواز البيعة، وأن هذا الأمير لا يبايع، بل يكون أميراً كأمير السفر، ويلزم من هذا أن طاعة الأمير واجبة في كل شيء، بل إذا أراد أحدهم السفر أو إقامة درس في منزله لا بد أن يوافق له الأمير وإلا عد عاصياً؟
الجواب التنظيم كما هو معلوم لا بد منه، والفوضى ليست طيبة، فإذا اتخذت الجماعة أميراً أو مديراً أو رئيساً أو مسئولاً يرجعون إليه فهذا ينبغي أن يكون مبنياً على تنظيم، ومعلوم أن المقصود من ذلك التنظيم، وإلا فلو أن إنساناً قام بشيء أكثر مما جعل له لم يمنع، فإذا قيل مثلاً: أنت تؤدي محاضرتين في المكان الفلاني فليس معناه المنع من الزيادة على ذلك، ونحن كلامنا مع أهل السنة، فإذا كان الشخص قد نظم له محاضرتين وعنده استعداد لأن يزيد فلا مانع ولا يقال إن هذا فيه معصية؛ لأن المقصود هو النفع.



حكم قتل الكلاب التي لا يستفاد منها
السؤال هل يجوز قتل هذه الكلاب التي لا يستفاد منها؟ وهل تقتل بالسم مثلاً؟
الجواب الكلاب التي فيها مضرة تقتل، والكلاب التي لا ضرر منها تترك ولا تقتل.



حكم العمليات الانتحارية
كلام الملقي: هناك أسئلة وجهت لعدة مشايخ، منها سؤال لسماحة العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله نصه: بعض الجماعات تقر الجهاد الفردي مستدلة بموقف الصحابي أبي بصير، وتقوم بما يسمى بعمليات استشهادية، وأقول: انتحارية، فما حكم هذه العمليات؟ فأجاب الشيخ: كم صار لهم؟ السائل: أربع سنوات، فقال الشيخ ناصر: ربحوا أم خسروا؟ السائل: خسروا، فقال الشيخ ناصر: من ثمارهم تعرفون.
مسألة العمليات الاستشهادية هل هناك جيش إسلامي يقاتل في سبيل الله؟ وأجاب نفسه قائلاً:

الجواب لا، ثم قال: حين يكون هناك جهاد قائم على الأحكام الشرعية له قائد هو الذي ينظم المعارك، وهو الذي يأذن بأن ينتحر فلان في سبيل القضاء على عدد من الكفار؛ فإن هذا الفعل يجوز، والآن هذا غير موجود، ولذلك يجب سد هذا الباب حتى نهيئ الجو الذي نوجد فيه خليفة أولاً، ونوجد قائداً يأتمر بأمر الخليفة، ونوجد جنداً يأتمرون بأمر القائد وهكذا ولذلك فلا بد من: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] .
إلى أن قال: هؤلاء الذين ينتحرون الله أعلم بعبادتهم الله أعلم بعاداتهم، قد يكون فيهم من لا يصلي وقد يكون شيوعيا.
إلى آخره.
لكن كلام الشيخ ناصر غير مستقيم؛ لأن قتل النفس لا يجوز، ولا يجوز أن يقدم الإنسان على شيء فيه قتل نفسه القتل المحقق فيكون قاتلاً لنفسه، وأما كونه يقتل في سبيل الله من غير أن يكون هو الذي قتل نفسه أو السبب في قتل نفسه فلا بأس، وكلام الشيخ ناصر فيه نظر، حتى ولو وجد الإمام.
كذلك وجه سؤال للشيخ ابن عثيمين فأجاب بقوله: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء أنه يعذب به في نار جهنم، وعجباً من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات وهم يقرءون قول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] , ثم يفعلون ذلك! هل يقصدون شيئاً؟! هل ينهزم العدو، أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات؟ وكما هو مشاهد الآن في دولة اليهود حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكاً بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها اليمينيون الذين يريدون القضاء على العرب، ولكن من فعل هذا مجتهداً ظاناً أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل.
وأما الاستدلال بقصة الغلام؛ فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام لا نكاية بالعدو؛ ولذلك لما جمع الملك الناس وأخذ سهماً من كنانة الغلام وقال: باسم الله رب الغلام؛ صاح الناس كلهم ربنا رب الغلام، فحصل به إسلام أمة عظيمة، فلو حصلت مثل هذه القصة لقلنا: إن هنالك مجالاً للاستدلال، والنبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها، لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو، فإن العدو لا يزداد إلا حنقاً عليهم وتمسكاً بما هم عليه.
أما سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للملكة فقد قال: ما وقع السؤال عنه من طريقة قتل النفس بين الأعداء أو ما أسميته بالطرق الانتحارية فإن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس، نعم إثخان العدو وقتاله مطلوب، بل ربما يكون متعيناً، لكن بالطرق التي لا تخالف الشرع.
وقال الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان: لا شك أن من يعرض نفسه للقتل المؤكد الذي يعلم ويجزم ويتيقن أنه بهذا الفعل ستزهق روحه وتخرج روحه ويعد في عداد الأموات، إذا كان متيقناً من هذا وفعله فإنه يعد قاتلاً لنفسه، وأما إذا كان الأمر مظنوناً كمن يدخل معركة يقاتل وربما يقتل والغالب أنه ينجو، ولكن قد يكون هذا الظن الضعيف يصدق فيقتل، فإن هذا لا يعد قاتلاً لنفسه، بل إذا كان في معركة في سبيل الله لإظهار الحق وإزهاق الباطل فإنه يعتبر شهيداً.



ما جاء في ثمن الخمر والميتة



شرح حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثمن الخمر والميتة.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه) .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في ثمن الميته والخمر، أي: في حكم ذلك، وأنه حرام؛ وذلك أن هذه الأعيان يحرم الانتفاع بها، فتكون أثمانها حراماً، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهي حرام وثمنها حرام، فلا يجوز استعمالها ولا بيعها واستعمال ثمنها؛ لأنها حرام وثمنها حرام.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها) ، فحرم الخمر وحرم الثمن الذي يكون في مقابلها، والشيء الذي حرمه الله حرم ثمنه، أي: لا يجوز بيعه ولا يجوز أخذ الثمن في مقابل ذلك الشيء المحرم.
(وحرم الميتة وثمنها) فالميتة حرام وثمنها حرام، (وحرم الخنزير وحرم ثمنه) ، فهذه الأشياء يحرم استعمالها، وثمنها حرام، وأدواتها محرمة، وأثمانها محرمة، والله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاوية بن صالح] .
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الوهاب بن بخت] .
عبد الوهاب بن بخت ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الزناد] .
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود! إن الله لما حرم عليهم شحومها، أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يقول عام الفتح: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) , الميتة كما هو معلوم هي كل ما أزهق روحه من غير ذكاة، وإذا أزهقت بذكاة لا تكون ميتة، وهذا إنما يكون في مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فذكاته لا تجعله غير ميتة بل هو ميتة ذكي أم لم يذك، وإنما الذي يأكل لحمه إذا لم يذك صار ميتة وإذا ذكي صار حلالاً.
والخمر كل ما خامر العقل وغطاه من أي شيء كان (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام على أي وجه كان وعلى أي حال كان، سواء كان سائلاً أو غير سائل، فكل ما فيه إسكار وتغطية وفقدان للعقل فإنه يكون حراماً قليله وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام؛ لأنه وإن لم يسكر فإنه وسيلة للمحرم.
والأصنام هي الأشياء المنحوتة، والتي كانت تعبد من دون الله عز وجل، فهي أيضاً محرمة وإن كانت من الحجارة، والحجارة في أصلها حلال إلا أنها على هيئتها تلك تكون حراماً، لكنها إذا كسرت وقطعت واستفيد من كسرها في بنيان وفي غير ذلك فلا بأس، وإنما المقصود إذا كانت على هيئتها وعلى كيفيتها تلك، أما إذا كسرت وحطمت وصارت قطعاً وكسراً واستعملت في بنيان وفي غيره فاستعمالها سائغ.
(فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟).
أي: أخبرنا عن شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، وتدهن الجلود، ويستصبح بها الناس، يعني: يستضيئون بها، مثل الزيت الذي يستضاء به، فقال: (لا.
هو حرام) فمن العلماء من قال: يرجع إلى البيع، ومعنى ذلك: أن الاستصباح وطلاء السفن سائغ، ومن العلماء من قال: إن ذلك يرجع إلى المسئول عنه، وإن الاستصباح به محرم، وكذلك طلاء السفن، ودهن الجلود، فيكون قوله: (لا.
هو حرام) أي: هذا الذي سئل عنه، فيكون هذا من أعمال الجاهلية التي كانت موجودة من قبل وحرمها الإسلام.
وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: منهم من قال بجواز الاستفادة منها في هذه الأمور، ومنهم من قال بتحريمها وهم الجمهور، يعني: قالوا بأن استعمال الشحوم في جميع الوجوه حرام كاستعمال الميتة، ولا يستثنى من الميتة إلا الجلد إذا دبغ كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ جلد الميتة فإنه يطهر بالدباغ) وأما غير ذلك فهو باق على التحريم، ولا يخرج منه شيء.
قوله: (فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة أجملوها) أي أذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها، وهذا تحيل واحتيال للوصول إلى الاستفادة من المحرم بتحويله من حال إلى حال، أي: من كونه شحماً إلى أن يصير ودكاً، وأنه تغير اسمه من كونه شحماً إلى كونه مذاباً يقال له: ودك، وهو حرام؛ لأنه لا يجوز استعماله وتحويله إلى أن يكون ودكاً فإنه يكون بذلك حراماً.
وأيضاً بيعه وإن كان شحماً محرم لأنه تابع للميتة، وكذلك بعد تحويله إلى ودك فهو أيضاً حرام، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهم جملوها أي أذابوها وباعوها، فأكلوا أثمانها، وهذه من الحيل التي يتوصل بها إلى الأمر المحرم.



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن أبي رباح] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب إلي عطاء عن جابر نحوه، ولم يقل: (هو حرام) ] .
أورد أبو داود حديث جابر، وهو مثل الذي قبله إلا أنه لم يقل: (هو حرام) ، وإنما قال: لا.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومات قبل البخاري بأربع سنوات، فقد توفي البخاري سنة (256هـ) ، ومحمد بن بشار توفي (252هـ) ، وقد توفي معه في تلك السنة أيضا شيخان للبخاري وهما من صغار شيوخه، وهما أيضاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهما: محمد بن مثنى الملقب بـ الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
[حدثنا أبو عاصم] .
هو النبيل الضحاك بن مخلد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذي يروي عنهم الثلاثيات.
[عن عبد الحميد بن جعفر] .
عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب مر ذكره.
[عن عطاء عن جابر] .
مر ذكرهما.
ثبت عند الإمام أحمد في مسنده أن السؤال جاء: (أرأيت بيع شحوم الميتة) لكن الحديث كما في الصحيحين: أن شحوم الميتة تطلى به السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: هو حرام، ولو كان فيه ذكر بيع فإن تحريم الميتة يشمل كل أجزائها سواء شحمها أو لحمها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما به جاء نص استثنائي، وهو الجلد إذا دبغ.



شرح حديث (إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى عن خالد الحذاء عن بركة قال مسدد في حديث خالد بن عبد الله: عن بركة أبي الوليد ثم اتفقا: عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً عند الركن، قال: بصره إلى السماء فضحك، فقال: لعن الله اليهود -ثلاثاً- إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) ولم يقل في حديث خالد بن عبد الله الطحان: رأيت، وقال: (قاتل الله اليهود) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند الركن قد رفع رأسه إلى السماء وضحك وقال: (قاتل الله اليهود! إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) ، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[أن بشر بن المفضل] .
بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وخالد بن عبد الله] .
خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد الحذاء] .
خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, والحذاء هذا لقب لُقب به خالد بن مهران، وقيل: إن سبب تلقيبه بالحذاء ليس على ما يتبادر للذهن من بيع الأحذية أو صنعها، وإنما كان يجالس الحذائين فقيل له الحذاء، وقيل: إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، يعني: قص من الجلد على هذا النحو الذي رسمته، فقيل له الحذاء، فهو من الإضافة إلى أدنى ملابسة أو أدنى مناسبة، وهو كونه يجلس عند الحذائين.
[عن بركة] .
بركة أبو الوليد ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس ووكيع عن طعمة بن عمرو الجعفري عن عمر بن بيان التغلبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) ] .
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) وقيل معناه: أنه من باع الخمر مستحلاً لها فإنه كذلك يستحل الخنازير، وكل منهما محرم؛ فاستحلاله حرام، واستعماله حرام، فالتشقيص المقصود به الاستحلال، والمقصود: أن من استحل الخمر يستحل الخنزير، ومن استحل الخنزير استحل الخمر؛ لأن كل ذلك حرام، والحديث في إسناده رجل متكلم فيه، فهو ضعيف، ولكن كل من الخنزير والخمر محرمان وكذلك أثمانهما.



تراجم رجال إسناد حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي أخرج له في عمل يوم الليلة.
[حدثنا ابن إدريس] .
ابن إدريس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ووكيع] .
وكيع بن الجراح الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طعمة بن عمرو الجعفري] .
طعمة بن عمرو الجعفري صدوق أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن عمر بن بيان التغلبي] .
عمر بن بيان التغلبي مقبول أخرج له أبو داود.
[عن عروة بن المغيرة بن شعبة] .
عروة بن المغيرة بن شعبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة] .
رضي الله عنه، وحديثة أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث في إسناده هذا المقبول.



شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة فقرأهن علينا وقال: (حرمت التجارة في الخمر) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه لما نزلت الآيات من أواخر سورة البقرة في الربا التي أولها: (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) حرم الله التجارة بالخمر، فذكر تحريم الربا وتحريم الخمر وأخبر بتحريم هذا وتحريم هذا، فهو دليل على ما ترجم له من تحريم الخمر والميتة.



تراجم رجال إسناد حديث (حرمت التجارة في الخمر)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان] .
سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الضحى] .
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق] .
مسروق بن الأجدع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحده من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: الآيات الأواخر في الربا] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان الآيات الأواخر أنها في الربا، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ذكر الأعمش بلقبه، وفي الإسناد الأول ذكر باسمه، ومعرفة ألقاب أصحاب الأسماء فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين بمعنى: أنه يأتي باسمه مرة في إسناد ومرة بلقبه في إسناد، فيظن ظان أن هذا غير هذا فقد جاء مرة سليمان ومرة جاء الأعمش.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية] .
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.







الساعة الآن : 12:30 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,192.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,190.94 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.15%)]