ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 19-06-2021 04:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تحريم لحم الخنزير وذكر بعض مفاسده

(وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ )[المائدة:3]حرم تعالى لحم الخنزير أيضاً، فلم حرم لحم الخنزير؟ أولاً: الخنزير هذا يأكل الجيف، يأكل الفئران الميتة، يأكل القاذورات، يتغذى بالخرء، ففيه أيضاً من الجراثيم القاتلة ما لا يوجد في غيره والعياذ بالله، الخنزير لو قدمت له الخرء فإنه يعيش عليه، وعلى الجيف، كل منتن يتلذذ به، فلهذا يحمل في دمه ولحمه جراثيم وميكروبات قاتلة، فلم يأذن الله لأوليائه أن يأكلوه.
وهناك لطيفة خذوها، وهي: أن الخنزير ديوث الحيوانات، يرضى بالخبث في أنثاه، لا يغار عن أنثاه، رأينا الجمل -والله- يصول صولاناً ولا يسمح لآخر أن يمس أنثاه، التيس من الغنم كذلك، والكلاب، إلا الخنزير فإنه -والعياذ بالله- ديوث، فالذين يأكلونه تنتقل الدياثة إليهم، وقد جرب هذا وعرف، ما تصبح له غيرة على امرأته أو ابنته، فهل عرفتم لم حرم الله لحم الخنزير؟ لأنه ضار بالمؤمنين، مفسد عليهم أعراضهم وأبدانهم، فكيف يجوز أكله؟

تحريم ما أهل به لغير الله تعالى

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، فالذي قال: هذه لسيدي فلان وذبحها، باسم المسيح، باسم عيسى، هذه شاة مريم ، هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذه شاتك يا أحمد التجاني ، هذه شاتك يا إبراهيم، هذه شاتك يا سيدي البدوي .. كل ما رفع عليه صوت باسم غير الله عند ذبحه فقد أهل به لغير الله، فلا يحل أكله أبداً. وهذا فيه تدسية النفوس وتخبيثها، فالأولى فيها أمراض البدن، وهذه فيها أمراض الروح، وهو أخطر من مرض البدن، خير أن تعيش سبعين سنة مريضاً ولا أن تعيش ساعة واحدة فاسقاً أو فاجراً.
(وَمَا أُهِلَّ )[المائدة:3] الإهلال: رفع الصوت، ومنه الهلال لارتفاعه، فما قيل عليه: باسم الله والله أكبر فهذا الذي يؤكل، أما باسم المسيح، باسم سيدي فلان، باسم كذا.. فلا يحل أكله أبداً.

وهنا يأتي المغرضون يقولون: أنا قلت: باسم الله عند ذبح الشاة. لكن لو سألته: هذه الشاة لمن؟ يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر ، إذاً: ما فائدة باسم الله؟ هل تكذب؟ أنت جعلتها لسيدي البدوي ، تقول: هذه شاته، هذه شاة سيدي عبد القادر ، هل ينفعك حين تقول: باسم الله عند الذبح؟ لا ينفع؛ لأن كلمة (باسم الله) معناها: أذن الله لي في هذه، أمرني أن أقدمها له باسمه فذبحتها، ليس معنى (باسم الله) للتبرك فقط، بل إعلان عن القصد: أمرني ربي باسمه أن أذبح هذا الحيوان وأقدمه للأكل، إذاً: فما أهل لغير الله به لا يأكل لحمه كالخنزير والميتة والدم على حد سواء.
إذاً: هذه أربعة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)[المائدة:3]، هذه أصول المحرمات، جاءت في سورة النحل وفي سورة الأنعام: ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[الأنعام:145] أربعة.

هذه أصول المحرمات: ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ )[الأنعام:145] آكل ( يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[الأنعام:145]، هذه هي الأربعة هنا: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3].


تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع

وإليكم الآن ست داخلة تحت أنواع الميتة:

قال أولاً: (
وَالْمُنْخَنِقَةُ )[المائدة:3]، هي التي يخنقها بحبل أو بيديه أو بحجرين حتى تموت، هذه مخنوقة، بهيمة مخنوقة لا تؤكل، لم؟ لأنها ميتة؛ لأن الجراثيم والميكروبات في دمها، ما ذكيت وما طهرت.


(وَالْمَوْقُوذَةُ )[المائدة:3]: الوقذ هو الضرب بشدة، وقذه بعصا بحجر بعنف، فالتي تضرب بعصا أو بحجر حتى تموت هذه هي الموقوذة، لا يحل أكلها، فهي ميتة جيفة.

ثالثاً: ( وَالْمُتَرَدِّيَةُ )[المائدة:3]، سقطت من السطح أو من أعلى الجبل، أو سقطت من السيارة فماتت، هل يجوز أكلها؟ ما يجوز، فهذه ميتة، فيها جراثيم وميكروبات في دمها محبوسة فيها.

(وَالنَّطِيحَةُ )[المائدة:3]: النطيحة بمعنى المنطوحة تنطحها أختها، تراها تتقاتل على الأكل، تنطحها ويدخل قرنها في بطنها أو كذا فتموت، فهي ميتة.

(وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ )[المائدة:3]: السبع: الذئب وغيره مما يفترس ويأكل، فالشاة التي يأكلها السبع وتجدها ميتة لا يجوز أكلها، اللهم إلا إذا أدركتها حية والحياة مستقرة فيها وذبحتها وسال دمها فلا بأس، كذلك نقول في المنخنقة، وفي الموقوذة، في المتردية، في النطيحة، ما أدركت فيه الروح كاملة بحيث إذا ذبحته رفس برجليه وانتفض فلا بأس.


حل قتيلة الصيد المستوفية شروطها

ونستثني أيضاً ميتة أخرى، وهي أن ترسل كلب الصيد وتقول: باسم الله، ويجري ذلك الكلب الصائد فيفترس أرنباً أو غزالاً ويقتله، ولكن ما أكل منه، فهذه ميتة في الواقع ولكن أذن الله في أكلها، ترمي برصاصتك ذاك الغزال وتقول: باسم الله والله أكبر فيقع ميتاً قبل أن تصل إليه، فكله فإنه حلال، وسيأتي هذا في آخر هذه الآيات، فالكلب المعلم يحل صيده، ما كل كلب يصيد تأكل صيده، وإنما ذاك الذي إن قلت له: امش يمشي، وإذا قلت: قف يقف، وإذا قلت: ارجع يرجع، ثانياً: أن تسمي الله عند إطلاقه وإرساله: باسم الله، هذه حالة من رحمة الله تعالى بنا حيث أذن لنا فيها، إذ قال تعالى في الآيات بعد هذه: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ )[المائدة:4]، هذه خاصة بالصيد، لمن عنده كلب مربى معلم مؤدب، وعلامة ذلك أنك إذا أرسلته يمشي، وإذا دعوته يعود، أما إذا لم يستجب لك فما هو بمعلم، وأيضاً أن يصيد لك ويأتيك بالحمامة أو بالغزالة دون أن يأكلها، يحملها ويأتي بها بين يديك، هذا من تعليم الله عز وجل، فهذا الكلب المعلم إذا أرسلته وذكرت اسم الله وصاد لك غزالة أو أي حيوان مأكول فكله ولا حرج وإن وجدته قد مات، لكن إذا وجدته يأكل منه فلا يحل لك، فقد صاده لنفسه وما صاده لك.إذاً: هيا نتلو بعض الآية: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) [المائدة:3]، ما معنى: (وما أهل لغير الله به)؟ هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذه شاة المسيح، رفع الصوت فيها بغير اسم الله.

(وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ )[المائدة:3]، إلا ما ذكيتموه، قالت العلماء: أدركتم فيه الروح كاملة فذبحتموه، فالمنخنقة، المتردية، النطيحة إذا أدركت فيها الحياة مستقرة وذبحتها فهي حلال، وإن وجدتها ميتة أو في حكم الميتة بحيث إذا ذبحتها لم تتحرك فلا تؤكل، فهي ميتة.


تحريم ما ذبح على النصب

(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، ما النصب هذه؟ جمع نَصَب، وهو التمثال، زعماء العرب بعضهم عملوا لهم أنصاباً، أظن هذا موجوداً، زعيم عملوا له تمثالاً، هذه النصب كان المشركون يجعلونها يعبدونها، ويأتي بالشاة ويذبحها للنصب، فهو ذبح لغير الله: ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، وهو ما ينصب للعبادة.وهذه ما شاعت بين المسلمين وظهرت إلا في بلدين أو ثلاثة وانتهت، فلا يحل لنا أبداً أن نجعل لأحدنا صورة من حديد أو ساج أو عاج أو خشب أو طين حتى نذكره بها ونعظمه، هذا من فعل المشركين، ولا يحل أبداً، وأهله في جهنم.




التنديد بالصور الموضوعة على الأضرحة والصور الملتقطة للذكريات
مع الأسف أنهم الآن يجعلون صورة على ضريح الولي، صورة فوتوغرافية كبيرة حتى يشاهدوه فيقولوا: هذا سيدي فلان! وهذا أيضاً من الوثنية، فنحن حرم علينا رسولنا أن نصور، وقال: ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، وأعلمنا أن الله يغضب لذلك ولا يرضى، فكيف نغضب مالكنا؟ كيف نغضب من إليه مصيرنا، كيف نغضب من بيده حياتنا ومماتنا؟ أنعلم أن الله يغضب من هذا الكلام أو هذا القول أو هذا العمل ونفعله؟ أمجنون أنا لا عقل لي؟!دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة في حجرتها الطاهرة الموجودة الآن، والتي فيها رسول الله وصاحباه، وقد وضعت سترة في كوة أو نافذة فيها صورة منسوجة بالخيوط، والله لقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت الغضب في وجهه فقالت: أتوب إلى الله ورسوله، ماذا فعلت يا رسول الله؟ قال: ( يا عائشة ! أزيلي عني قرامك؛ فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة )، فمزقته وجعلته تحت رجليها، فكيف بحالنا؟ نريد أن نجتمع وأن نكون الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية ونحن بهذا الهبوط نتحدى الله ورسوله، نتبجح بالتصوير حتى في عرفات؟ المرأة الحاجة والرجل الحاج في عرفات يتصور، وحول المسجد النبوي، إلا أن الهيئة تطاردهم، يقولون: ذكريات؛ لأن قلوبهم نسيت الله عز وجل وما عنده وما لديه، فيذكرون أشياء أخر.كيف حالكم في بيوتكم يرحمكم الله؟ هل يوجد في بيوتكم صور أم لا؟ أترضون أن يغضب الله ورسوله عليكم؟ اسمعوا واعلموا أن القضية قضية جد ما هي بهزل، بالله الذي لا إله غيره! لا يحل لنا نحن أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن نعلق الصور في بيوتنا، وأعظم من ذلك أن نضع شاشة التلفاز والفيديو ونشاهد العواهر من النساء يغنين، والهابطين من رجال يرقصون ويتكلمون في بيوتنا التي تعمرها الملائكة.أقول: لو نرجع إلى الله أربعاً وعشرين ساعة يسمع العالم بكامله أن بيوت ألف مليون مسلم ما فيها صورة، لغيرت الدنيا نظامها وعرفوا قيمة الإسلام وأهله، مسألة كهذه فقط: عرف المسلمون أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، فطردوا الشياطين من بيوتهم وأحلوا الملائكة محلها، من أجل أن يذكروا الله وينيبوا إليه، هذه وحدها بها نقول: طلعت شمس الإسلام، في أربع وعشرين ساعة والأمة كلها على قلب رجل واحد، هذه البسيطة الساذجة ما فعلناها! مع أننا نقول في هذا المسجد: نتحداكم يا من في بيوتكم هذه الملاهي أن تغتنموا غنيمة، ما هناك دينار واحد، طول الليل والرواقص في بيتك، فكم ريالاً تجني؟ والله لا تجني ريالاً واحداً، هل يحدث لك الشبع في بطنك؟ هل يعلو شرفك ومكانتك وتصبح ولي الله؟ والله ما كان، هل ترهب وتصبح كالأسد يخافونك من فوقك ومن تحتك؟ والله ما كان، ما هي النتيجة غير أن يغضب الله ورسوله؟أننا نحن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه لا نتكلم بالكلمة إلا إذا كانت تنتج لنا حسنة أو تنتج لنا درهماً، لا نمشي مشية أبداً إلا من أجل أن نكتسب درهماً لمعاشنا أو حسنة لمعادنا، فكيف نجلس الساعات ونضيع وقتنا في اللهو والباطل؟ ولا ألوم؛ لأننا ما عرفنا، ما علمونا، جهلنا منذ قرون، أبعدونا عن القرآن والسنة، إذاً هذا هو الذي يجري بيننا.ومع الأسف أنه أيضاً حتى العبد إذا سمع لا تطمئن نفسه إلى ما سمع، ولو كنا صادقين فوالله لن يوجد من الليلة في بيته تلفاز ولا فيديو أبداً، وإن وجد لضرورة لمسئول من المسئولين أو سياسي من السياسيين في غرفة خاصة فيها إبليس عند الحاجة والضرورة يفتح ويسمع أو يشاهد، ثم يغلق، ما يجعله لبناته ونسائه وأولاده يتفرجون على العهر والباطل، فتفسد قلوبهم وتطمئن نفوسهم إلى الباطل ويتلذذون به.
طريق العودة إلى الله تعالى
هيا نعود، الطريق إلى العودة أن نعلن عن إسلامنا في صدق ووفاء، أسلمنا لك يا رب قلوبنا ووجوهنا، ثم أهل القرية يعلن إمامهم يوم جمعتهم: معشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من هذا اليوم لا يتأخر واحد منا عن صلاة المغرب والعشاء في مسجدنا هذا أبداً، يا أهل القرية! لا يتخلف بعد اليوم رجل ولا امرأة عن صلاتي المغرب والعشاء. دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فيقف العمل وقوفاً كاملاً، يأخذون في التطهر ولبس ثيابهم الجميلة ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى بيت ربهم، إلى بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه.يصلون المغرب النساء وراء الستارة والأطفال دونهن والفحول أمامهم، بعد صلاة المغرب آية يدرسونها كل ليلة، يتغنون بها حتى تحفظ، فيحفظها الرجل والمرأة والطفل حفظاً حقيقياً بقصد العلم ومعرفة الطريق إلى الرب تبارك وتعالى، في ربع ساعة كل الحاضرين والحاضرات حفظوا تلك الآية، ثم يأخذ المربي يضع أيديهم على المطلوب منها، الآية تطلب منا عقيدة كذا فهيا نعقدها في نفوسنا، الآية تطلب منا ترك معصية فلانية فمن الآن عزمنا على تركها، تأمر بواجب فمن الآن نقوم به، وفي الليلة الثانية حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، ما تمضي سنة إلا وأهل القرية والله كأنهم رجل واحد، على قلب رجل واحد، لا خلاف ولا مذهبية ولا فرقة، بل قال الله قال رسوله، يطبقون دين الله عز وجل.والمدن كذلك، كل مدينة فيها أحياء، كل حي له مسجده، دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فتوضئوا وأتوا بيت ربهم يطرحون بين يديه، يبكون بين يديه، يطلبون عونه ونصره على أنفسهم أولاً ثم على أعدائهم ثانياً، يتعلمون الكتاب والحكمة، فما تمضي سنة إلا وهم كرجل واحد، وتنتهي مظاهر الغش، والحسد، والكبر، والجهل، والشرك، والباطل، والله! إنه لمستحيل أن تبقى، إنها سنن الله عز وجل: الطعام يشبع أم لا؟ الماء يروي أم لا؟ الحديد يقطع أم لا؟ لم لا تتخلف هذه السنن؟ إذاً: فتعلم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس يستحيل معه الباطل والشر والفساد.هذا هو الطريق، هذا طريق العلم، هذا طريق العودة إلى الله، هذا طريق النجاة، فبلغوا، حاولوا أن تفعلوا حتى في بيوتكم، اجمع امرأتك وأولادك وتغن بآية معهم أو حديث، ليلة آية وليلة حديث، تشبعون بالنور الإلهي وتنامون، أما أن تترك التلفاز في بيتك والفيديو والعواهر يغنين فكيف يصح هذا؟ والله إني أخشى أن يموتوا على سوء الخاتمة، تفسد القلوب، وإن صاموا وصلوا.اللهم إنا نسألك أن تهنئ المؤمنين والمؤمنات بصوم رمضان، اللهم هنئهم بالثواب المأجور عليه، اللهم هنئهم بالثواب وأعدهم إلى مثله يا رب العالمين، اللهم أعدهم إلى مثله وهم طيبون طاهرون أتقياء بررة مستقيمون، اللهم أعدهم إليه وأعده عليهم يا رب العالمين سنوات عديدة وهم أتقياء أولياء صالحون يا رب العالمين.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.



ابوالوليد المسلم 19-06-2021 04:48 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (24)
الحلقة (334)
تفسير سورة المائدة (30)



عرف عن اليهود على مر الأزمان سوء أدبهم واستهزاؤهم بأنبيائهم، وقتلهم فريقاً منهم، وهم لم يقفوا عند ذلك وإنما تطاولوا على الذات الإلهية، ووصفوا الرب جل وعلا بصفات يأنف أن يوصف بها البشر، فقالوا عنه سبحانه: إن يده مغلولة، فعاقبهم الله بجنس مقالتهم، فجعل أيديهم مغلولة فلا تنفق في أي باب من أبواب الخير، ولعنهم سبحانه وتعالى بسبب هذه المقالة وغيرها فهم يتقلبون في لعائن الله صباح مساء.
تفسير قوله تعالى: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوان! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). ومن أراد أن يتأكد فليقف الآن ولينظر إلى هذه الجماعة المؤمنة هل تشاهد فيها منكراً أو باطلاً؟ هل ترى فيها عذاباً؟ ولو كنت تبصر وبصرك يقدر على رؤية الملائكة والله لرأيتهم يحفون بهذه الحلقة، أما ذكر الله تعالى لنا في الملكوت الأعلى فهو أمر أكيد مقطوع به، إذ أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا أتلو واستمعوا وتدبروا وتأملوا، ثم نأخذ في بيان هدايتها عسى الله أن يهدينا.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:64-66].
أخبار الصدق دلائل تنزيل القرآن من الله تعالى

يقول تعالى مخبراً عن اليهود الذين كانوا يساكنون الرسول والمؤمنين بهذه المدينة: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ )[المائدة:64-66]، هذا الكلام كلام من هذا؟ كلام الله، على من أنزله؟ على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أين يوجد هذا الكلام الآن؟ موجود في كتاب الله. هل لله من كتاب؟ أي نعم. ما اسمه؟ القرآن العظيم، به مائة وأربع عشرة سورة، هذه السورة سورة المائدة المدنية من سور الكتاب الكريم والقرآن العظيم، هل يجوز عقلاً إنكاره وتكذيبه؟ والله ما يجوز ذلك عقلاً، أينزل خالقك ورازقك وخالق كل شيء في هذه الأرض من أجلك، أينزل كتابه وتجحده وتنكره من أجل أن تبقى في الفواحش والأباطيل والمنكرات يا آدمي؟! كيف تنكر هذا؟ لقد أنكره بلايين البشر؛ لأنهم عبدوا الشيطان فساقهم إلى مهاوي الشر والفساد فأنكروا الحق وجحدوا به.

سبب نسبة المقالة الكفرية إلى جميع اليهود

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ )[المائدة:64]، تدرون من اليهود؟ هؤلاء هم بنو إسرائيل أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ويعرفون ببني إسرائيل، ثم لما زلت أقدامهم وسقطوا في الهاوية عرفوا باليهود، وها هو ذا ربنا تعالى يحدثنا عنهم ويخبرنا عن حالهم؛ لنتعظ لنعتبر لنطلب الكمال والسمو والنجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، لا أن يقرأ هذا الكتاب على الموتى، يقرأ على الأحياء أمثالكم؛ ليتدبروا ويتفهموا ويعلموا ويعملوا فيكملوا ويسعدوا.(وَقَالَتِ الْيَهُودُ )[المائدة:64]، ماذا قالوا؟ قالوا: ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )[المائدة:64]، قالها فنحاص وغيره من شياطينهم: ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )[المائدة:64]، يعني: ما ينفق علينا ولا يعطينا! شطحات الهاوين، وهل يوصف الله بهذا الوصف؟ هل يصفه بهذا إلا كافر؟ وهم يدعون الإيمان ويدعون العلم، ويقولون: الله بخيل وشحيح وما ينفق علينا ونحن نعاني الفقر والحاجة والجوع، قال هذا بعض اليهود وطأطئوا رؤوسهم وما أنكروه ووافقوا من قال، فكلهم قالوه إذاً.

إذا ظهر منكر في بلد من بلاد المسلمين فكل الذين سمعوا به وما أنكروه يعتبرون فاعليه ومن أهله، فليس اليهود كلهم قالوا هذه المقالة، قالها فنحاص وفلان وفلان من رؤسائهم، لكن سائرهم ما قالوا: هذا باطل وهذا منكر ولا تقل مثل هذا، وتعالى الله عن البخل والشح. بل سكتوا، إذاً: فكلهم قالوا.

الرد على اليهود وتنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه سبحانه

ورد الله تعالى عليهم باطلهم وقال: ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ )[المائدة:64]، دعا عليهم فلن يفلحوا، غلت أيديهم ولا تجد أشح ولا أبخل من اليهود، وجرب، ( وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا )[المائدة:64]، أي: بسبب قولهم الباطل، قولهم: يد الله مغلولة، أو: الله شحيح وبخيل، هذه الكلمة لعنوا بسببها، فمن اللاعن لهم؟ إنه الله تعالى الذي يقوى على طردهم من ساحات الرحمة والخير إلى ساحات الشر والعذاب والبلاء، ( وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا )[المائدة:64]، أي: بسبب قولهم الباطل الفاسد من الكذب على الله عز وجل، وهو وصف الله بما هو منزه عنه.تأملوا: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )[المائدة:64]، ماذا قال الله؟ ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ )[المائدة:64]، ثم ماذا؟ ( وَلُعِنُوا )[المائدة:64]، بسبب ماذا؟ ( بِمَا قَالُوا )[المائدة:64]، فكيف لا نفهم هذا الكلام؟!

ثم قال تعالى إضراباً عن تلك الأباطيل: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )[المائدة:64]، أنفق منذ أن خلق الخلق إلى اليوم ما لا يقادر قدره ولا يحصى عدده، ولا يعرف أبداً، أنفاسناً هذه عطيته، طعامنا شرابنا لباسنا كل هذا إنفاق الله عز وجل، ومع ذلك قالوا: يده مغلولة! ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )[المائدة:64]، هذا يغنيه وهذا يفقره، لماذا؟ لأني عليم حكيم أتصرف بحسب العلم والحكمة، أبتلي بالغناء وأبتلي بالفقر، وحاشاه تعالى أن يتصرف في شيء بدون علمه وحكمته، ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )[الأنبياء:35]، ينفق كيف يشاء، وأخبر عنه نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فقال: ( يد الله سحاء الليل والنهار ).

وقوله تعالى: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )[المائدة:64]، إياك أن يخطر ببالك أن يدي الله كيدي المخلوقات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إذ قال: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11]، ومستحيل أن تكون يد الله مثل يد مخلوقاته.

وعندنا أمثله للعامة ليفقهوا، نسأل الله ألا يؤاخذنا عليها، بل نسأله أن يثيبنا عليها، فنقول: لا تعجب، فأنت تؤمن بالنملة، فإذا قلنا: للنملة يد فهل يد النملة تشبه يدك؟ مستحيل هذا، إذاً: فصفات الله الذاتية كذاته لا تشبه صفات مخلوقاته بحال من الأحوال.

معنى قوله تعالى: (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً)

ثم قال تعالى: ( وَلَيَزِيدَنَّ )[المائدة:64] هو جل جلاله وعظم سلطانه، ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:64]، الذي أنزل إليك يا رسولنا من القرآن من ربك لا يزيدهم إلا طغياناً وكفرا، والمفروض أنه إذا سمع العبد آيات نزلت يقوى بها إيمانه وتزداد بها علومه ومعارفه، لكن مع الأسف إذا نزلت كهذه يزدادون كفراً وطغياناً؛ لأن الله لعنهم.وتقدمت الآية الكريمة: ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ )[المائدة:61]، كيف يسمعون من رسول الله هم والمؤمنون، فالمؤمنون يزيد إيمانهم وهم يزدادون كفراً؟ لأن الله لعنهم، فسدت عقولهم.

اسمع ما يخبر به تعالى: ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ )[المائدة:64] يا رسولنا ( مِنْ رَبِّكَ )[المائدة:64] من القرآن، لا يزيدهم إلا ( طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:64]، طغيان بالظلم والشر والفساد والكفر والجحود والإنكار؛ لأنهم فسدوا وهبطوا، أصبحوا شر البرية، وإلا فالمفروض أن كل من يسمع القرآن يزداد إيمانه وشوقه إلى ربه وإلى طاعته.


معنى قوله تعالى: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)

ثالثاً: ( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )[المائدة:64]، مَنْ من رجال السياسة والعلم الحديث يردون علينا هذه؟ ( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ )[المائدة:64]، أي: بين أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ( الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )[المائدة:64]، الآن تقول: كيف هذا واليهود مبجلون مكرمون عند النصارى يحبونهم ويوالونهم؟! الجواب يا بصراء يا أهل العلم: أن النصارى فقدوا عقيدتهم، تحللوا وذابوا في الماديات فما أصبح في قلوبهم ذاك الإيمان الذي يحملهم على بغض من قتلوا إلههم وصلبوه، انتهى بيد اليهود، هم الذين أنشئوا وأوجدوا المذهب البلشفي الشيوعي اللاديني: لا إله والحياة مادة، من طلع بهذه الفتنة؟ هل الأوربيون قبل كل شيء أم لا؟ هجروا الكنائس تغني بها الطيور والحمام، فمن فعل بهم هذه؟ فعلها اليهود حتى يسخروهم ويركبوا على ظهورهم ويسودوهم وهم حفنة من البشر بالمكر والحيلة والخداع.
أما الذين ما زالوا مؤمنين فوالله ليحملن البغضاء والعداء لليهود إلى يوم القيامة، ( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )[المائدة:64]، فقولوا: صدق الله العظيم!

قلت لكم: صدق الله العظيم؛ فالعداوة والبغض والكره بين اليهود مع النصارى والله لا تزال إلى يوم القيامة، فإن قلتم: ها نحن نشاهد النصارى في أمريكا وفي كل مكان يودون اليهود ويحبونهم؟ فالجواب: إن الذين يودونهم تخلوا عن عقيدتهم الصليبية وكفروا بها، ما أصبحوا يؤمنون بها، أما تعرفون الشيوعيين والعلمانيين؟ هل يؤمنون بالله؟ لا.
إذاً: هؤلاء أصبحوا كالبهائم سخرهم اليهود، هم الذين بهموهم بهذه المعتقدات وأصبحوا تحت أرجلهم، لو تراجع النصارى من جديد إلى الصليبية والنصرانية الحقة والله لفعلوا العجب باليهود، كانوا يقلونهم كالسمك في الزيت، ما يستطيع المسيحي أن ينظر إلى اليهودي بعينيه؛ كيف ينظر إلى قاتل ربه؟! كيف يرضى عنه؟! ومن ثم هربوا إلى بلاد العرب.
فقول ربنا: ( وَأَلْقَيْنَا )[المائدة:64] الفاعل هو الله، ( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )[المائدة:64]، هذا تدبير الله في خلقه.

يتبع



ابوالوليد المسلم 19-06-2021 04:49 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)
ثم قال تعالى: ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ )[المائدة:64]، أين السياسيون؟ القرآن يخبرنا أن الحرب العالمية الأولى والثانية والآتية الذين وضعوا خيوطها ونسجوها هم اليهود، تسمعون بالحرب العالمية الأولى والثانية، والثالثة أوشكت أو كادت، فمن الذين ينسجون خيوطها ويعدونها؟ هل العرب أو الهند؟ إنهم اليهود، وإن شئتم حلفت لكم بالله، والذين لا بصيرة لهم يتبعون ما يقول أهل الجهل والضلالات ويقلدونهم، والله ما أوقد اليهود ناراً للحروب إلا أطفأها الله، إذاً: فهم الذين يقودون الحروب والله يطفئها وينهيها، ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ )[المائدة:64].

معنى قوله تعالى: (ويسعون في الأرض فساداً)

ثانياً: ( وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )[المائدة:64]، يعملون الليل والنهار بمخططاتهم وبمعارفهم وكيدهم ومكرهم على إيقاع البشرية في الفساد: الزنى، الربا، أندية اللواط، القمار، قل ما شئت، فأصابع اليهود هي التي تدبر ذلك.إن الحاكم الفرنسي أيام الاستعمار زارنا في القرية منذ حوالي سبعين سنة أو ثمان وستين سنة، امرأته الفرنسية على وجهها برقع أسود كالمرأة عندنا في المدينة، وإلى الآن في الجبال وفي الغابات المرأة الأوروبية ثوبها إلى كعبها، فمن مسخهم حتى صارت المرأة نصف عريانة؟ تخطيط من هذا؟ هل تخطيط السادة رجال الكنسية؟ لا والله، إنهم اليهود، هذا من الفساد الذين يسعون به، فلماذا يسعون في الأرض فساداً؟
الجواب: لأنهم يريدون أن يحكموا العالم، أن تعود مملكة بني إسرائيل في الشرق والغرب، فكيف يصلون إليها وهم حفنة من بين البشر؟ يصلون إليها من طريق إهباط البشرية وإنزالها إلى الحضيض، ويومها هم أصحاب العقول والآراء والبصيرة يحكمون ويسودون.
وكيف تهبط البشرية؟ تهبط بإفساد قلوبها، وإفساد عقولها، عندما تساق إلى البهيمية، وتصبح لا هم لها إلا الزنا والباطل والشر حينئذ يمكنهم أن يسودوا.
فإن قلت: يا شيخ! دلل على هذا وبرهن. قلت: هل أنشئوا دولة إسرائيل في فلسطين أم لا؟ فمتى أنشئوها؟ هل في القرون الذهبية الثلاثة، متى؟ هل في أيام الدولة العثمانية في أنوارها الساطعة في العالم، لا؟ بل لما مزقوا العقيدة وشتتوا القلوب، وشتتوا الأمة ووطئوها بأقدامهم أنشئوا دولة إسرائيل.
لو كان المسلمون كما كانوا أيام كانوا سائدين وعابدين لله فهل سيستطيعون أن يظهروا حتى الظهور أو يتكلموا، لما شاهدوا العالم الإسلامي تحت أقدام الاستعمار هبط وانتكس ونسي ربه حينئذٍ أعلنوا عن دولة إسرائيل، والواقع يشهد: فهل استطاع العرب أن يضربوهم ويخرجوهم في الأيام الأولى من فلسطين؟ ما استطاعوا، لأنهم أموات، إنهم اليهود بخططهم وتعاليمهم ومكرهم وخداعهم، فلا إله إلا الله!




معنى قوله تعالى: (والله لا يحب المفسدين)
وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:64] للعقائد والآداب والأخلاق وللأموال ولكل شيء، هذا همهم، ويعقب الله على ذلك فيقول: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64]، الله يكره اليهود لأنهم فسدوا، والله لا يحب المفسدين، ونحن -يا أهل القرآن- كيف حالنا مع القرآن؟ هل أقمنا الصلاة؟ هل جبينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؟ هل عبدنا الله بما شرع لنا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم لنا؟ هل تآخينا وتعاونا وتحاببنا؟ هل سمت أخلاقنا وارتوت آدابنا وأصبحنا أنواراً تلوح في العالم؟ الجواب: لا.فالذين ينشئون المخامر لإنتاج الخمر هل يفسدون أو يصلحون؟ والذين ينشئون دور القمار واللهو والباطل بين المسلمين يفسدون أو يصلحون؟ جماعات التلصص والحيل والمكر في التجارة وغيرهم هل يصلحون أو يفسدون؟ والذين ينشئون البنوك الربوية ويعلنون عنها ويتبجحون بها هل يفسدون أو يصلحون؟ وقد يقول قائل: هذا كلام باطل يا شيخ، ما شأنك وهذا الكلام؟ فالبنوك لها أثرها! وأقول: البنوك لها أثرها في ماذا؟ في الدولة وبقائها وامتداد سلطانها، يا أبناء الإسلام! ويا رجالات الإيمان! البنوك معناها ذبح الفضيلة، دفن الحسنة، تمزيق الصلات القلبية والروحانية، القضاء على التلاقي والود والحب بين المسلمين، هذا تخطيط بني عمنا اليهود أعلم الناس بهذه القضية، أهل القرية الإسلامية قبل أن توجد البنوك كان الذي عنده مال يستقرضه أخوه فيقرضه، وأخوه رباني مؤمن صادق يأتي به في موعده الذي وعده أن يرده إليه، ويفيض المال، فماذا نصنع؟ يقال: يا فلان، يا فلان! تعالوا خذوا هذا المال وأنشئوا به حديقة من حدائق كذا، أو أنشئوا مصنعاً ولو لنسج السجاجيد، وتتراحم الأمة. فقال اليهود: كيف نقطع هذا التراحم، كيف نزيله فنتركهم أعداء لا يثق بعضهم ببعض ولا يعطي بعضهم لبعض؟ هذا السؤال طرحه اليهود وألهمهم الشيطان وقال: أنشئوا لهم البنوك، ضع مالك لينمو لك ويزيد وتأمن من خطفه ومن سرقته بين الناس، وإذا أردت أن تزرع أو تنشئ فخذ من البنك بفائدة معلومة معروفة وأنشئ وأنشئ، فهذا -والله- إنه لمن خطط اليهود، أما قال ربنا: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:64]، والله لا يحب المفسدين، اليهود مفسدون فالله لا يحبهم.
تفسير قوله تعالى: (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ...)
الآية الثانية: يقول تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا [المائدة:65]، هذا باب الخير الإلهي مفتوح، ونحن أحق بهذا لو عقلنا وعرفنا، اسمع ما يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا [المائدة:65] مع عدائهم وحربهم؛ لأنهم ما زالوا عبيد الله ومن مخلوقاته، لو أن أهل الكتاب آمنوا الإيمان الذي دعوا إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.ثانياً: وَاتَّقَوْا [المائدة:65]، اتقوا عذاب ربهم وسخطه وغضبه عليهم وذلك بطاعته في السر والعلن.فماذا يعدهم الله؟ يقول تعالى: لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [المائدة:65]، جرائمهم لكذا ألف سنة كلها نمحوها، فهذا عطاء الله أم لا؟ على هذه الآية -والله- آمن العديد من اليهود والنصارى. اسمع هذا الوعد الإلهي: يقول تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا [المائدة:65]، أولاً، وَاتَّقَوْا [المائدة:65] ثانياً، لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]، إذاً: ما الذي صرفهم عن الجنة؟ الكفر: عدم الإيمان، والفجور: عدم التقوى، وسر ذلك معروف كالشمس؛ لأن المؤمن المتقي يزكي نفسه ويطهرها فتصبح أهلاً لأن ينزلها الله في منازل الأبرار في الجنة دار المتقين، والذي كفر وجحد كيف يعبد الله، والذي فجر وخرج عن طاعة الله كيف تكون نفسه؟ تكون منتنة عفنة مدساة مظلمة، فهيهات هيهات أن تفتح لها أبواب السماء أو تدخل الجنة: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، هل البعير يدخل في سم الإبرة؟ مستحيل، فصاحب النفس الخبيثة من جراء الشرك والمعاصي نفسه خبيثة، فمستحيل أن تفتح لها أبواب الجنة.

شرح أعمال الحج
الآن نعيش مع حجاج بيت الله:هل تذكرون قول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت )، وهو يشير إليه، ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، هل يمكن أن نحفظ هذا الحديث؟ يجب حفظه، لماذا نحفظ الأغاني والباطل والكذب ولا نحفظ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، يمحى عنه كل ذنب أذنبه كيفما كان نوعه، ها هو الآن أعطى لليهود أهل الكتاب: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]، فهل نحرم نحن من هذا؟يقول صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت )، حجه: زاره على أنظمة وتعاليم بينها الله ورسوله؛ لا أنه يحجه فقط كما يحب هو، وإليه تلك التعاليم: أولاً: الإحرام والتجرد كأنه ذاهب إلى قبره، لا مخيط ولا محيط.ثانياً: كلمة: لبيك اللهم لبيك، أجبتك يا من دعوتني، أجيبك مرة بعد مرة، إذ الله دعانا إلى بيته، واقرءوا: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27].ثم دخولك مكة وأنت مطأطئ رأسك إجلالاً وإكباراً لحرم الله وبيته، ونفسك وقلبك مع الله، ولسانك تذكر به الله، وتطوف الطواف الشرعي كما بين رسول الله، تكون متطهراً ليس منتقض الوضوء، وإن كنت ذا عذر تيممت، وإن استطعت أن يكون أول عملك الطواف فافعل، تقف أمام الحجر الأسود وتقول: باسم الله والله أكبر، لا إله إلا الله، وتوالي الذكر، وكلما مررت بالحجر الأسود إن أمكنك أن تقبله بفمك فافعل، وإلا فإن استطعت أن تضع يدك عليه ثم تضعها على فيك فافعل، فإن لم تستطع لكثرة الطائفين فتشير من بعيد. هذا الحجر الأسود هو يمين الله في الأرض، كأنما بايعت الله، وقد روي: أنه نزل من الملكوت الأعلى من الجنة، أليس أبونا آدم كان في الجنة هو وامرأته، ومن أهبطهما إلى الأرض، ومن بنى لهما البيت؟ إنه الله تعالى بأمره لملائكته؛ حتى يذهب ذلك التألم النفسي وتلك الوحشة من نفسيهما.هذا الطواف سبعة أشواط، فإن أمكن أنك تهرول ثلاثة أشواط وتمشي في الأربعة الأخرى فافعل، لكن مع كثرة الحجاج غير ممكن، وهي فضيلة من الفضائل، ولكن لا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة )، فالاضطباع رمز يشير إلى القوة، ليشعر المؤمن بأنه قوي يستطيع أن يأخذ ويعطي، والهرولة كذلك إظهار للقوة؛ لأن المشركين قبل فتح مكة في عمرة القضية في السنة السابعة قالوا: إذا رأينا ضعفاً في محمد ورجاله فسننكب عليهم وندمرهم. فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال في بيانه الرسمي لرجاله: ( رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة ) فشرعت السرعة في الثلاثة الأشواط الأولى.وبعد ختام الأشواط السبعة صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، هذا المقام الذي كان إبراهيم يقوم عليه ويواصل بناء الكعبة، وإسماعيل يناوله الحجارة والطين، هذا الحجر ساخت فيه قدما إبراهيم آية من آيات الله، حجر من جبل أبي قبيس تسيخ فيه الرجل؟ أي نعم، آيات الله عز وجل، أما قال تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، وتخلد هذه القدم إلى اليوم باقية إلى يوم القيامة، ما استطاع اليهود ولا العالم ولا الشيوعية التي تحطمت أن تأخذه، فمن حفظه؟ إنه الله جل جلاله.إذاً: صلاة ركعتين خلف المقام تقرأ في الأولى بالفاتحة و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثانية بالفاتحة و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وادع بما شئت، فإذا فرغت من الركعتين تخرج إلى السعي، وابدأ بالصفا؛ لأن الله قال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( نبدأ بما بدأ الله به )، لا تعكس، ابدأ بالصفا وانته بالمروة، سبعة أشواط وأنت تذكر الله وتدعو طيلة ما أنت هناك، وإن تعبت فاصمت واسكت.واحذر أن تقول كلمة سوء أو تنظر نظرة سوء، فإذا فرغت من السعي وكنت محرماً بالعمرة فاخرج إلى ما وراء المسعى وحلق شعرك أو قصه، وإن كنت مفرداً أو قارناً فابق على ما أنت عليه، اذهب إلى بيتك فاسترح أو إلى المسجد وأنت تلبي؛ لأنك قارن أو مفرد، كلما أتيحت الفرصة قلت: لبيك اللهم لبيك.إذاً: إن كنت متمتعاً حلقت أو قصرت ولبست لباسك وتمتعت بالطيب وغيره؛ لأنك متمتع، فإذا جاء يوم الثامن من شهر ذي الحجة فالمفردون على إحرامهم والقارنون كذلك، والمتمتعون يغتسلون ويتجردون، ويلبي الجميع بالحج: لبيك اللهم لبيك حجاً، ثم ينطلقون إلى منى، فيصلون الصلوات الخمس، وهي انتقال من مكة والزحام فيبيتون هذه الليلة يستريحون، ثم يصلون الصبح يوم التاسع يوم عرفة ويفيضون إلى عرفة ماشين أو راكبين، يدخلون عرفة، وما عرفة هذه؟ قيل: تعارف آدم وحواء فيها، وتسمى عرفات بالجمع أيضاً، لما هبط آدم من علياء من الجنة، لو طارت طائرتك ألف سنة ما تصل، سبعة آلاف وخمسمائة عام وأنت طائر، لكن قول الرب: كن فيكن، آدم في جهة وحواء في جهة والتقيا هناك وتعارفا. هذه عرفات، يومها من أعظم الأيام عند الله، يومها يتجلى فيه الرب عز وجل ويقول لملائكته: انظروا إلى عبيدي أتوني شعثاً غبراً ويغفر لهم، يوم هذا من أفضل الأيام: يوم عرفة، ترى عبيد الله وإماءه مهللين مكبرين داعين صارخين بالبكاء والدعاء والذكر طول اليوم من الزوال إلى ما بعد غروب الشمس وهم وقوف يستمطرون رحمة الله عز وجل، فأكثروا فيه من الدعاء بالخير، فالله يستجيب دعوة العبد ما لم يدع بشر أو قطيعة رحم.هذا اليوم وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الزوال إلى أن غابت الشمس وغربت وهو واقف، وجبل الرحمة لا تعلوا فوقه ولا تقلدوا العوام والجهال، فالرسول وقف تحته، المهم أن نقف ذاكرين باكين خاشعين، وأنبه إلى أن أهل الجهل -والشياطين تقودهم- يأتون بآلات التصوير فيصورون هناك، ألا لعنة الله عليهم، ألا لعنة الله عليهم! إذ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله المصورين )، فلا تسمحوا لهم. ‏
تحذير الحجيج من التدخين
وأنبه أيضاً إلى أنكم يا حجاج بيت الله من الليلة لا تدخنوا، من في جيبه علبة تدخين يمزقها عند باب المسجد ويرميها في القمامة، لأنكم تريدون أن تغفر ذنوبكم، والشرط معروف: ما لم يفسق أو يرفث، ومن الفسق -والله العظيم- التدخين، إي والله، التدخين خروج عن طاعة الله ورسوله، أتؤذي الملائكة؟ تنفخ في وجه الملك عن يمينك وعن شمالك النار المنتنة؟ أي أذى أكبر من هذا الأذى؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً فلا يقربن مسجدنا )، لم يا رسول الله؟! قال: ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، تنفخ الرائحة الكريهة في وجه المؤمنين، من يجيز هذا، من يقول: هو جائز؟ آلله أذن فيه ورسوله؟إنما أذن فيه اليهود، لو بحثتم في التاريخ -وإن قلتم: في بلغاريا أو في البرتغال- لوجدتم أصابع اليهودية. فالمؤمن طاهر نقي، فكيف يعفن فمه ورائحته؟ فالشاهد عندنا أنه إذا أحرمت فلا تدخن وإلا فسوف تعود كما جئت، وعندنا دليل: إذا رجع الحاج فأصبح يفعل ما كان يفعله من الباطل والمنكر فتلك آية أن ذنوبهم لم تغفر، والله العظيم! ما غسلت روحه ولا طابت ولا زكت، فلهذا عاد إلى الذنب، وإذا حج حجاً قبله الله فإنه والله يعود إلى بلاده فتجد الناس يقولون: هذا سيدي الحاج، الحاج ما يكذب، الحاج ما يسرق، الحاج ما يترك صلاة. هذا أيام كانوا يحجون وينفقون الأيام والليالي، يرجع الحاج مستقيماً آمناً مطمئناً، والله إنه ليشار إليه بالأصبع، أما الذي يدخن في بيت الله ومسجد رسول الله ويعبث فإنه والله يعود وذنوبه كما هي، فلا تدخين إلى يوم القيامة. وإن قلتم: ولم يا شيخ؟! قلت: صلاتكم مشكوك في صحتها، فالصحابة الكرام كانوا يتوضئون مما مست النار، وما صلى الرسول صلاة إلا توضأ فيها، وما زالت الكراهة قائمة، فمن استطاع أن يتوضأ عندما يأكل اللحم أو الطعام فليفعل، فهو مستحب.فكيف إذاً بالذي يدخل النار في جوفه، كيف تصح صلاته؟ أما ينتقض وضوؤه؟ لقد جهلونا وفعلوا فينا الأعاجيب، ولكن رزقنا الله أهل العلم فعلمونا وبصرونا فعرفنا أن التدخين رذيلة من رذائل الشياطين وعبث وسخرية وإفساد للمال والعياذ بالله تعالى.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 19-06-2021 04:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (25)
الحلقة (335)
تفسير سورة المائدة (31)


لما أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، فقدمها صلوات الله وسلامه عليه للعالم بأسره صافية نقية، ليخرج بها الناس من ظلمات الكفر واتباع الديانات المحرفة إلى نور التوحيد القويم، لما كان ذلك أعرض أكثر أهل الكتب من يهود ونصارى عن قبول الحق، فأخبر الله عنهم أنهم لو آمنوا لكفر عنهم ما سبق من أفعالهم المشينة في حقه وحق رسله، ولو أنهم اتبعوا ما تدعو إليه التوراة والإنجيل للزمهم أن يؤمنوا بالقرآن المذكور فيها، ويتبعوا الرسول النبي الأمي الذي بشرت به.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن العظيم؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، لذا ندرس كتاب الله.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:64-66].
اعلموا أن هذا كلام الله لا كلام أحد سواه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ضمن كتاب كريم موجود في اللوح المحفوظ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]، هذا الكلام الإلهي اجتمعنا من أجل أن نتدارسه، فهيا بنا نتدارس.


سعة رحمة الله تعالى الشاملة لأهل الكتاب حال دخولهم الإسلام
والآن فتح باب جديد؛ لأن ربنا رءوف رحيم، والعبيد كلهم عبيده، خذوا هذه القاعدة: كل البشر أولاد آدم نساءً ورجالاً في أي عصر في أي بلد، كلهم نسبتهم إلى الله لا تتبدل، فهم عبيده، يرحم من يستحق الرحمة ويعذب من يستوجب العذاب.فكلهم عبيد لله وهو سيدهم ومالكهم، فمن أطاع السيد ومشى على منهاجه أنجحه وفوزه وأدخله دار النعيم، ومن أعرض أو تكبر أو عبث بعقله وترك طاعة سيده تعرض للعذاب والبلاء والفتنة في الدنيا والآخرة.واسمع ما يقول ربنا تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:65]، وهم اليهود والنصارى، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا [المائدة:65]، صدقوا بوجود الله الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه، آمنوا بما أخبر به تعالى من الغيب والشهادة، آمنوا بكتبه ورسله، آمنوا بلقائه، آمنوا بالعالم الثاني، بالنعيم والعذاب المهين، إيمان راسخ في قلوبهم، لو أنهم آمنوا أولاً وَاتَّقَوْا [المائدة:65] ثانياً، اتقوا ماذا؟ اتقوا غضب الله وعذابه بطاعته وطاعة رسوله، قال صوموا فنصوم، قال: حجوا فنحج، قال: ناموا فننام، هذه هي الطاعة، وبهذه الطاعة يتقى عذاب الله وسخطه. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:65] يهوداً ونصارى آمَنُوا وَاتَّقَوْا [المائدة:65]، فالجزاء ما هو؟ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]، نمحو كل ما ارتكبوا من الذنوب والآثام والمساوئ، وندخلهم جنات النعيم.ما هو السبب؟ السبب هو: أن عبداً يزكي نفسه ويطهرها فتصبح كأنفس الملائكة هذا الذي يدخله الله دار السلام، والذي يخبث نفسه ويلوثها بالذنوب والأوضار والآثام ينزل إلى الدركات السفلى في عالم الشقاء في النار دار البوار، هذا هو السر، آمنوا واتقوا، زكت نفوسهم، طابت أرواحهم وطهرت، فماذا يفعل بهم؟ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]، ومن لم يؤمن أو آمن ولم يتق فنفسه خبيثة منتنة، ما هي متأهلة للعروج إلى الملكوت الأعلى ودخول الجنة دار الأبرار.وإليكم آية حتى لا تنخدع وتجهل، اسمع هذا البيان: يقول الله جل جلاله وعظم سلطانه في سورة الأعراف بين الأنفال والأنعام من كتاب الله القرآن العظيم، يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، حتى يدخل البعير في عين الإبرة، مستحيل هذا، مستحيل أن صاحب الروح الخبيثة يدخل دار السلام، ويواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، هذا حكم الله.اسمع ما يقول تعالى لأعدائه الكافرين به المحاربين لرسالته ورسوله، يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [المائدة:65]، محوناها وأدخلناهم جنات النعيم؛ لأنهم عبيدنا، فإذا آمنوا واتقوا محي ذلك عنهم، فإذا طابوا وطهروا فأين ينزلون؟ في دار السلام.ومن سورة النساء يقول تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]؛ لأن طاعة الله وطاعة الرسول تزكية للنفس، بم تزكو النفس يا عباد الله؟ هل بالماء والصابون؟ تزكو بالإيمان وصالح الأعمال مع بعد عن المدسيات والمخبثات من الشرك والكفر والذنوب والمعاصي. هذه مظاهر الرحمة الإلهية تتجلى في هذه الآية: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65].وأيما مؤمن يؤمن ويقوي إيمانه ويتقي ربه ولو بعد الظلم والشرك والباطل والكفر فإن الله عز وجل يغفر سيئاته ويدخله جنات النعيم، هذه بشرى عظيمة أم لا؟ بكم تشترونها؟ بملء الأرض ذهباً. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [المائدة:65]، غطيناها، وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]، فهذا الخبر ينفع كل إنسان على وجه الأرض، وإنما بدأ بأهل الكتاب لأنهم حرب على الله ورسوله، ومع هذا لو آمنوا واتقوا لما بالى بكفرهم وحربهم ولا عنادهم ولا قتلهم الأنبياء؛ لأن الإيمان والعمل الصالح يغسل النفس ويطيبها فتصبح كأرواح الملائكة، فأين تنزل؟ في الملكوت الأعلى.

يتبع

ابوالوليد المسلم 19-06-2021 04:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ...)
ثم يقول تعالى أيضاً: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:66]، التوراة: كتاب اليهود، والإنجيل: كتاب النصارى، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:66] كتاب البشرية القرآن الكريم. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ [المائدة:66] كيف أقاموها؟ عملوا بما تدعو إليه وتأمر به وتنهى عنه من الشرائع والآداب والأحكام، وأقاموا الإنجيل فطبقوا ما فيه وعملوا بما يحمله من الهدى للبشرية؛ لأنه كتاب الله، وآمنوا بما أنزل إليهم من ربهم، ألا وهو القرآن الكريم، لو فعلوا هكذا لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66]، وهذا فيه دليل على أن رؤساءهم يخبثون ويضللون ويمكرون من أجل المال، من أجل الدينار والدرهم، رؤساء اليهود والنصارى يحولون بين الناس وبين الدخول في الإسلام، لماذا؟ هل لأنهم يعرفون أن الإسلام ليس بحق؟ والله إنهم ليعرفون أنه حق أكثر مما يعرفون أنفسهم، ولكن يقفون في وجه تلك الأمم والشعوب حتى لا يبقوا فارغي الأيدي لا سلطان ولا مال. فقال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:66] -أي: من القرآن- لأغناهم الله حتى يأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يرفع رأسه فيجد العنب والتمر والتفاح والبرتقال، ولأكلوا من تحت أرجلهم أنواع الخضروات والحبوب.
وهذا نقوله لأنفسنا: لو أن المؤمنين أقاموا التوراة والإنجيل، نعم آمنا بهما، وأقاموا ما أنزل إليهم من ربهم من القرآن الكريم، والله لو أن أهل إقليم أو بلد يقيمون القرآن كما أنزله الله، فيحلون ما أحل، ويحرمون ما حرم، ويؤدون ما طلب، ويثبتون ويصبرون على حب الله ورسوله والمؤمنين؛ والله لأغناهم الله ولما ما بقي بينهم فقير، فكيف يا هذا؟ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربط بطنه بالحجر من الجوع، واشتد البؤس والفقر، وما هي إلا سنوات حتى أصبحوا يوزعون المال هنا بالدرهم والدينار في الثوب، جاء العباس وأخذ يجمع الذهب وملأ ثوبه فما استطاع أن يقوم به، فنظر إلى رسول الله كأنه يريده أن يحمله عليه فقال: لا، لا نحمله عليك.
ثلاثة قرون لم تعرف الدنيا أسعد ولا أكمل ولا أغنى من أمة الإسلام، ثلاثمائة سنة، ولكن ما أقمنا التوراة والإنجيل والقرآن، فلهذا هذا الوعد مازال: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ [المائدة:66]، يوم كانت تنزل هذه الآيات كان الفقر يمزق العالم الأوربي وعالم اليهود والنصارى، والتاريخ يدلكم على ذلك.
إذاً: هذا الوعد مفتوح إلى يوم القيامة، لو أن المسلمين اجتمعوا على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في شجاعة، في صدق وإخلاص، والله ما هي إلا سنوات وإذا هم من أغنى الخلق، ولكن ما أقمنا القرآن.قال تعالى: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ [المائدة:66]، معتدلة، أفراد من النصارى ومن اليهود، عدد اليهود قليل جداً، أما عدد المسلمين والنصارى فبالملايين في قرون عديدة، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:66]، كثير من اليهود والنصارى قبح عملهم وساء وبطل؛ فهم على الشرك والخداع والمكر والباطل، هذا كلام من؟ كلام الله عز وجل.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
اسمعوا هذه الهدايات من الآيات، وتأملوا ما درسناه.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: قبح وصف الله تعالى بما لا يليق بجلاله وكماله ] وعظمته قبيح، والدليل من الآية: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] فرد الله عليهم ولعنهم، فوصف الله بما لا يليق بجلاله وكماله قبيح من أشد القبح، والدليل هذه الآية نفسها، لما قالت اليهود: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] هل رضي الله بهذا الكذب؟ ماذا قال؟ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].[ ثانياً: ثبوت صفة اليدين لله تعالى ووجوب الإِيمان بها على مراد الله تعالى، وعلى ما يليق بجلاله وكماله ]، لا تقل: لا، أيخبر تعالى عن نفسه وتقول: لا؟! هذا مبدأ اعتقنه الضلال لينزعوا من قلوب المؤمنين مهابة الله وعظمته وحبه أبداً، بلغ بهم الحد إلى أنك لو ترفع يديك إلى السماء تقول: الله لقطعوا يدك، يقولون: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، إذاً: أين الله؟ والله يخبر عن نفسه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، ويحمل رسوله من هنا إلى الملكوت الأعلى إلى مستوى كلمه الله كفاحاً، فإذا أثبت الله صفة لنفسه فيجب أن تؤمن بها وعقلك لا قيمة له، فقط لا تشبها بصفات المخلوقات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، وقال لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وأخبرنا رسول الله أن آدم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، فقط أثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله، ولا تحاول أن تفهم؛ لأنك عاجز ما تستطيع، فقل: آمنت بالله.. آمنت بالله.
وبينا للعوام حتى يفهموا المعنى، ونسأل الله أن لا يؤاخذنا، قلنا: ليس شرطاً أن تكون يد الله كيد الخلق أبداً، ولا يخطر ببال المؤمن، فالله خالق وهؤلاء مخلوقون فهل يكونون كربهم؟ مستحيل، وضربنا مثلاً: هل تعرفون أن للنملة عيناً تبصر بها؟ هل عين النملة كعين البقرة والبعير؟ شتان ما بين السماء والأرض.
إذاً: فصفات الله تعالى كاليد والقدم والضحك والغضب كل هذه الصفات أثبتها على وجه يليق به تعالى، أما أن تشبه المخلوقات به تعالى فهو قد قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهل المخلوقات التي خلقها تكون شبيهة به؟ هذا الكرسي هل يكون مثل النجار في عقله ومعارفه وقدرته؟ مستحيل. إذاً: نؤمن بصفات الله ولا نؤول ولا نحرف ولا نعطل أبداً، حتى يبقى حبنا وتعظيمنا لله كما هو.ومكرة اليهود والمجوس والنصارى منعوا الناس من الإيمان بصفات الله، حتى زالت مهابة الله من قلوبهم، فلا بد من إثبات صفة اليدين لله تعالى ووجوب الإيمان بها على مراد الله تعالى وعلى ما يليق بجلال الله وكماله.
[ ثالثاً: تقرير ما هو موجود بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء، وهو من تدبير الله تعالى ]، هو الذي أوجد بينهم العداوة والبغضاء، أليس كذلك؟ من أين أخذنا هذا من الآية؟ من قوله تعالى: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة:64].[ رابعاً: سعي اليهود الدائم في الفساد في الأرض، فقد ضربوا البشرية بالمذهب المادي الإلحادي الشيوعي، وضربوها أيضاً بالإباحية ومكائد الماسونية ]، وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:64]، كيف يسعون فساداً؟ بالشيوعية بالمبادئ العلمانية، والآن حولوها إلى الاشتراكية، هذا -والله- من صنيعهم.[ خامساً: وعد الله لأهل الكتاب على ما كانوا عليه ] من الكفر والضلال [ لو آمنوا واتقوا لأدخلهم الجنة ]. وعد الله لأهل الكتاب من اليهود والنصارى على ما كانوا عليه من الكفر والظلم والشر والفساد، لو آمنوا واتقوا لأدخلهم جنات النعيم، يؤمنون بماذا؟ بالله رباً وإلهاً وبمحمد رسولاً والقرآن تنزيلاً وبالإسلام شريعة وقانوناً.[ سادساً: وعده تعالى لأهل الكتاب ببسط الرزق وسعته لو أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، أي: لو أنهم أخذوا بما في التوراة والإنجيل من دعوتهم إلى الإيمان بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم والدخول في الإسلام لحصل لهم ذلك كما حصل للمسلمين طيلة ثلاثة قرون وزيادة، وما زال العرض كما هو لكل الأمم والشعوب ]، ما من شعب أو أمة تريد أن يغنيها الله ويدفق عليها المال فلتؤمن حق الإيمان ولتقم القرآن، والله ما هي إلا سنيات والمال مبعثر هنا وهناك، هل فهم المسلمون هذا؟ اللهم علمنا وإياهم، متى نعلم هذا يا أبناء الإسلام؟
مقترح عملي للعودة إلى الله تعالى
نعود إلى المخطط العجيب الذي عرضناه على العلماء والحكام، ألا وهو أن نلتزم ونحن صادقون بأن نجتمع في بيوت ربنا التي بنيناها في مدننا وقرانا، في الجبال والسهول، إذا دقت الساعة السادسة يقف العمل، سواء كان مكينة أو مصنعاً أو متجراً أو مكتباً، يقف العمل وباسم الله نتوضأ ونحمل نساءنا وأطفالنا إلى بيت ربنا، نصلي المغرب كما صلينا، ونجلس هكذا: النساء وراء الستارة والرجال دونهن، ويجلس لنا عالم رباني، فليلة آية من كتاب الله نحفظها، ونتغنى بها حتى تحفظ، ونشرحها ونفهم مراد الله منها، وكلنا عزم على أن نطبق ونعمل، وليلة ثانية حديث من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم الصحيحة نحفظه ونعلم ونعمل، يوماً آية ويوماً حديثاً، في أربعين يوماً يتغير وضع تلك القرية، وفي عام واحد والله ما يبقى زانٍ ولا لوطي ولا كاذب ولا فاجر ولا خائن ولا شحيح ولا بخيل ولا مبغض ولا معادٍ أبداً، كأنهم أسرة واحدة، سنة الله لا تتبدل، الطعام يشبع والماء يروي والحديد يقطع والنار تحرق، والكتاب والحكمة يزكيان النفوس ويطهران القلوب، وإذا زكت النفوس وطهرت القلوب هل يبقى خبث أو شر أو فساد أو شح أو بخل بين المؤمنين؟ والله ليفيضن المال عليهم، المال الذي ينفق الآن بالتبذير أضعاف من هم محتاجون إليه، وفوق ذلك لو رفعنا أيدينا إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها، لأنه تحققت ولايتنا لله، هل هناك طريق غير هذا؟ والله لا وجود له، نبقى هكذا: من استقام نجا من عذاب الله، ومن اعوج فإلى عذاب الله، ما هناك حيلة. كتبنا كتاباً مفتوحاً إلى العلماء والحكام فما سمعنا أن عالماً واحداً قدمه إلى حاكم، ولا قال به في قرية ولا في جماعة، وضعنا (كتاب المسجد وبيت المسلم)، قلنا: يا أيها المسلمون! مادام هذا الضعف فاجتمعوا على كتاب الله في بيوت الله، في بيوتكم بعد صلاة العشاء اجتمع أنت وامرأتك وأولادك وأمك واقرءوا آية أو حديثاً، في أربعين يوماً ما يبقى تلفاز ولا رقص ولا الأغاني ولا تكالب على الشهوات أبداً، فما وجدنا استجابة، لعل اليهود سحرونا، نخشى من ذلك لأنا نأكل من طعامهم ومن زيوتهم، فلعلهم سحرونا، وإلا فكيف نصرخ ونقول: والله لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يجلس في بيته وعاهرة أمامه تمد يديها وتضحك، والله لا يجوز، الأغاني والمزامير والصور هكذا في بيوت المؤمنين فهل تبقى فيها الملائكة؟ والله لن تبقى ولن يحل إلا الشياطين محلها، ومن ثم ظهر الزنا واللواط والجرائم والموبقات، إنها صنائع اليهود، سعي اليهود بالفساد، ومددنا أعناقنا نحن، فمتى نفيق؟ أمرنا إلى الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (26)
الحلقة (336)
تفسير سورة المائدة (32)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وإليكم تلاوتها فتأملوا وتدبروا وتفكروا؛ لتلوح أنوارها في قلوبكم، وتنتقل إلى أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم، وهذا نور الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، وفي قراءة سبعية: (فما بلغت رسالاته) ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:67-69].
بشراكم أيها المؤمنون، فهل أنتم تتدبرون أم لا؟ وما معنى التدبر؟ أن ترجع إلى الآية من أولها وتعود إلى آخرها. اسمع ما يقول الحق عز وجل وهو يخاطب رسوله ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:67-68] قل يا رسولنا: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] ألا وهو القرآن، ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، إذاً: ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:68-69].
هذه مائدة الله عز وجل فتعالوا يا بني الناس لتطعموا وتسعدوا، فقالوا: نحن شباع ما نريد. فابقوا على ما أنتم عليه حتى النقلة إلى عالم الشقاء والخلد فيه أبداً، والعياذ بالله تعالى، لقد أعذر الله بهذا العطاء الإلهي.
هيا أشرح لكم شيئاً فشيئاً: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )[المائدة:67]، من الذي نادى رسول الله؟ الله جل جلاله، سبحان الله! هل الله ينادي رسوله؟ أي نعم، من هذا الرسول؟ إنه الأفخم الأعظم، الرسول الكامل في الرسالة والعظمة، وهذا النداء الثاني في القرآن من نداء الله لنبيه بعنوان الرسالة: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )[المائدة:67]، وناداه بعنوان النبوة عدة مرات: ( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ )[الطلاق:1]، ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ )[التحريم:1] في عدة نداءات، أما بعنوان الرسالة فناداه مرتين: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )[المائدة:67]، معناه: الرسول الأفخم الأعظم الصادق الحق، ناداه ليقول له: ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )[المائدة:67].
وقد تعلمنا نحن -والحمد لله- أن الله تعالى لا ينادينا إلا ليأمرنا بما يسعدنا، أو لينهانا عما يشقينا، أو ليبشرنا بما يزيد في صالحاتنا، أو ينذرنا لنبتعد من مهلكات الحياة والمشقيات لنا، أو ليعلمنا.
إبطال كذب المفترين على رسول الله كتمان الوحي

وها هو تعالى الآن ينادي رسوله يأمره، ماذا قال له: ( بَلِّغْ )[المائدة:67]، يبلغ ماذا؟ ما الذي يبلغه؟ قال: ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )[المائدة:67]، أي: هذا القرآن الكريم، وما يحمل من الشرائع والأحكام والآداب، ولا تكتم كلمة واحدة ولا جملة واحدة، ولا أمراً واحداً ولا نهياً، ( بَلِّغْ )[المائدة:67]، والسورة مدنية، والمدينة دار الهجرة ليست كدار الرسول في مكة، كان يعيش بين أعمامه، فمن يقوى على أن ينال منه؟ لكن لما جاء إلى المدينة وفيها اليهود عليهم لعائن الله، وفيها النفاق فالموقف موقف صعب، قد (حمله صلى الله عليه وسلم الخوف على أن يكتم بعض الشيء، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، فلهذا من ظن أو وسوس له الشيطان أو كان من أهل الباطل فقال: الرسول كتم شيئاً؛ فلتضربه بهذه العصا القرآنية
والله ما كتم كلمة، كيفما كانت الظروف، والهابطون قالوا: كتم ولاية علي وخلافته! فأين يذهب بعقول البشر؟ يذهب بها إلى المحطات، إلى المزابل والمراقص؛ لأن الشياطين هي التي تحتضنها وتقودها إلى الهاوية، تقول الصديقة أم المؤمنين عائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان في إمكان الرسول أن يكتم شيئاً لكتم ( عَبَسَ وَتَوَلَّى )[عبس:1]، وهذا لوم وعتاب له وما كتمه: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى )[عبس:1-4]، لو كان يمكن للرسول أن يكتم شيئاً لكتم قضية زيد مولاه.

معنى قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)

إذاً: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67]، لا تبال باليهود ولا بالمنافقين ولا بالمشركين ولا بالجن ولا بالإنس، الله تولى عصمتك وحفظك.
هنا روى مسلم عن عائشة الصديقة رضي الله عنها، ورددوا جملة (رضي الله عنها) لتغيظوا المنافقين والكافرين، قالت رضي الله عنها: ( سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة. قالت: فبينما كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص. فقال له: ما جاء بك؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ونزلت هذه الآية )، فما هناك حاجة إلى أن تبيت بسلاحك، عد إلى بيتك، أعطاه الضمان مولاه أم لا؟ ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67]، والله لو اجتمع البشر كلهم على أن يؤذوه ما استطاعوا بعد هذا الوعد الإلهي: ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67].
والتعليل: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[المائدة:67] أبداً لأن يؤذوك ويضروك ويقتلوك، كما لا يهديهم إلى الكمال أيضاً والإصلاح ماداموا معرضين وكافرين.

تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ...)


ثم قال له: ( قُلْ )[المائدة:68] يا رسولنا أيها المبلغ عنا، قل في صراحة ووضوح: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:68]، من هم أهل الكتاب؟ اليهود بنو عمنا، وكذلك النصارى.

التزكية لا تتوقف على العنصر والسلالة
وبعض الأبناء يقولون: كيف يقول الشيخ: بنو عمنا! وأقول: أليسوا أولاد إسحاق بن يعقوب؟ ألسنا أولاد إسماعيل بن إبراهيم؟ فهم بنو عمنا، ليس شرطاً إذا كانوا بنو عمنا أن يدخلوا الجنة معنا، الجنة ورضوان الله نصيب من زكت نفسه وطابت وطهرت، كن ابن من شئت، إذا زكت نفسك وطابت وطهرت بأدوات التطهير والتزكية والإيمان والتقوى فأبشر برضوان الله وجواره في دار السلام، وإن كنت من كنت، وإذا خبثت النفس وتدست وتعفنت بأوضار الشرك والمعاصي فكن أيضاً ابن من شئت وأبا من شئت فالمصير معروف، وحكم الله الذي صدر في هذه القضية محفوظ عند المؤمنين والمؤمنات من أهل هذه الحلقة فقط، ما سمعنا هذا عند الآخرين، وهو قول ربنا تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، كن ابن من شئت، هل كنعان بن نوح نفعته هذه البنوة؟ ماذا قال الله لما قال نوح عليه السلام: ( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )[هود:45-46].
إبراهيم الخليل عليه السلام في عرصات القيامة يقول: يا رب! لقد وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا؟ فيقول له الجبار تعالى: انظر تحت قدميك. فإذا بأبيه آزر في صورة ضبع ملطخ بالدماء والقيوح، ما إن ينظر إليه حتى تشمئز نفسه وينقبض ويقول: سحقاً سحقاً! فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في أتون الجحيم، فهل نفعه ابنه؟
وأبو القاسم سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة، أول من تنشق عنه الأرض، عاد من مكة فمر بقبر أمه قريباً من الجحفة، ووقف على قبرها فبكى طويلاً، وأمه ماتت لأنها جاءت في زيارة أبيه وتوفيت في الطريق، ودفنت بالأبواء قريباً من رابغ، فبكى فسئل في ذلك، قال: ( استأذنت ربي في أن أزور أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي )؛ لأنها ماتت على الشرك والكفر، وإن شككتم فاسمعوا كلام الله من سورة التوبة من المدنيات المباركات، ماذا قال تعالى؟ ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى )[التوبة:113]، من يرد على الله؟ أعوذ بالله، طأطئ عبد الله رأسك وقل: آمنت بالله، ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا )[التوبة:113] ليس من شأنهم ( أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى )[التوبة:113] أصحاب قرابة كالأب والأم والابن وما إلى ذلك؛ لأن حكم الله أصدره حكماً ساطعاً سطوع الشمس لا يتردد فيه من يسمعه: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا )[الشمس:1-2]، هذه أيمان أم لا؟ هذا حلف أم لا؟ من يحلف؟ الله. لماذا؟ حتى تهدأ نفوسنا وتسكن عند الخبر وأنه ما فيه شك أبداً، هذه الأيمان من أجلنا نحن: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )[الشمس:1-8] حلف على ماذا؟ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10] وامتهنها، من يرد على الله؟ ( أَفْلَحَ )[الشمس:9] فاز ونجا من النار ودخل الجنة، ( خَابَ )[الشمس:10]خاب وخسر خسراناً أبدياً.

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! والله الذي لا إله غيره لأن يعود أحدكم أو إحداكن بهذه الحقيقة على ما هي واضحة ويبلغها لهي أعظم أجراً من حجه، ولكن ممنوعون من أن نبلغ، ما تسمح لنا الشياطين بذلك، هذه والله لأن تسافر إلى أقصى الهند أو أقصى الغرب من أجلها فقط فما أنفقت شيئاً كبيراً في سبيل الحصول على هذه القضية، حيث أقسم الجبار جل جلاله وعظم سلطانه بأعظم أقسام وأيمان على هذه الحقيقة: أفلح من زكى نفسه وخاب من دساها.

معنى التزكية وأدواتها

يبقى السؤال: يا شيخ! ما معنى التزكية؟ معناها التطييب والتطهير لأن تكون الروح طيبة طاهرة كأرواح الملائكة. ثانياً: ما هي أدوات التزكية، أين تباع، كيف نستعملها؟
يجب أن تسألني هذا السؤال ويحرم علي ألا أجيبك، أدوات التزكية شيئان فقط: الإيمان الحق والعمل الصالح، فالإيمان الحق استعرض لأجله القرآن تشاهد المؤمنين كيف هم وكيف أحوالهم، والعمل الصالح هذه العبادات من الحج إلى الصلاة إلى الزكاة إلى الصيام إلى كل العبادات، هي أدوات تزكية على شرط أن تؤديها كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيد ولا تنقص ولا تقدم ولا تؤخر.
ومدسيات النفس مادتان أيضاً: الشرك والمعاصي فقط.

يتبع



ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ضلال أهل الكتاب بغير إقامة ما أنزل الله تعالى عليهم

إذاً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )[المائدة:68]، وإن ادعيتم أنكم رهبان وربانيون وقسس وأحبار وأنكم على دين موسى، والله ما أنتم بشيء، من أخبر بهذا؟ الملك جل جلاله وعظم سلطانه، الذي بيده الإشقاء والإسعاد، ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى )[المائدة:68] إلى أن ( تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )[المائدة:68]، تعبدون الله بها وتؤمنون بما فيها، وتبينوها للناس كما هي، ليس بالزيادة والنقص والتبديل والتغيير، تقيموا التوراة والإنجيل أولاً، ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] ثانياً، ألا وهو القرآن العظيم، فليقرأ اليهود التوراة ألف مرة في الأسبوع فما تغني شيئاً، فليتبجح المسيحي بالإنجيل ويضعه على رأسه وفي بطنه، والله إن لم يؤمن بالكتاب الأخير الخاتم القرآن العظيم ما نفعه شيئاً؛ لأن التوراة والإنجيل حرفوهما فزادوا ونقصوا منهما وبدلوا وغيروا، والله العظيم! لو آمنوا بالتوراة لا تلوح أنوار محمد حتى يجيئون يركضون من الشرق والغرب، فكيف يرسل الله رسولاً ولا تؤمنون به؟ فأنتم كافرون إذاً. ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] ألا وهو القرآن.

معنى قوله تعالى: (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً ...)
ثم قال تعالى: ( وَلَيَزِيدَنَّ )[المائدة:68] هذه اللام موطئة للقسم: وعزتنا وجلالنا ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، نحن طامعون أن يؤمنوا بالقرآن، والرسول أمر بأن يبلغ وهو يبلغ، والله علام الغيوب غارز الغرائز وطابع الطباع أعلمه أن كثيراً منهم ما يزيدهم القرآن إلا كفراً وعناداً، أهل العناد والمكابرة وعدم الانصياع؛ لأن لهم أهدافاً فما تنفع فيهم الحجج ولا البراهين، ما يزدادون إلا عناداً وبعداً: ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، فمن قال هذا؟ إنه خالق الغرائز وطابعها، خالق النفوس، فلا إله إلا الله! إذاً: ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )[المائدة:68]، لا تكرب ولا تحزن يا رسولنا على قوم كفروا عناداً ومكابرة دفاعاً عن مصالحهم وأطماعهم وشهواتهم، لا تأس عليهم أبداً ولا تأسف ولا تحزن، من قال هذا لرسولنا؟ إنه ربنا تعالى؛ رحمة به وتطييباً لخاطره وتهدئة لنفسه؛ لأنه في كرب، يقول الحق فيعرضون، يبين الدليل فيعمون، فماذا يصنع وهو مأمور: ( بَلِّغْ )[المائدة:67]، ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، ويواجه هذه الصعاب، فماذا قال له؟ ( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )[المائدة:67]، لا تحزن عليهم، هم أهل جهنم، أهل عالم الشقاء والخسران والعياذ بالله.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ...)



وفي الآية الأخيرة: باب الله مفتوح، يا يهودي، يا مسيحي، يا صابئ، يا مشرك! تعالوا فربنا واحد والطريق إليه واحدة، لا فرق بين العرب والعجم ولا الأبيض ولا الأسود، ولا اليهودي ولا النصراني، الكل إذا أرادوا أن يقرعوا باب الجنة فاسمع ما يقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:69] وهم نحن والحمد لله، آمنا بالله ولقائه أم لا؟ آمنا بالله ورسله أم لا؟ آمنا بالله وكتبه أم لا؟ آمنا بالله وقضائه وقدره أم لا؟ آمنا باليوم الآخر وما فيه أم لا؟ آمنا، فنحن المؤمنون؛ بدأ بنا لأننا القادة والسادة والفائزون والمنعمون برحمة الله. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )[المائدة:69] من هم هؤلاء؟ اليهود، عرفوا بهذا الوصف من قديم الزمان منذ عهد موسى، ( وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى )[المائدة:69]، النصارى نسبة إلى الناصرة أو إلى نصرة عيسى، المسيحيون.


(وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، الصابئون فرقة خرجت من المسيحية وكان لها مذهب خاص، من صبا يصبو، صبئوا عن دين اليهود وعن دين النصارى وصار لهم دين ثالث خاص مبتدع، فيعرفون بالصابئين.

لطيفة في رفع (الصابئون)
والآن قد يقول القائل: لماذا ما قال: والصابئين، بل قال: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69] وهو معطوف على (إن الذين آمنوا)، فالأصل أن يقول: والصابئين، والنصارى معطوف عليه. والجواب: بينا غير ما مرة بتعليم الله عز وجل وتفقيهه أنه إذا أراد أحدكم أن يمنع السيارة إذا جروا وراءه يطلبونه فإنه يضع حجارة في الطريق، يضع حجارة توقف السيارة، فينزلون ويفكرون، فسبحان الله! الصابئون ما عرفهم العرب كثيراً ولا المسلمون، لكن لما قال: ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69] يقف القارئ: لم ما قال: والصابئين؟ حتى يتفكر في الصابئين من هم، وكيف صبئوا وكيف كذا؟ وهذه نكتة بلاغية عجيبة، فالمفروض أن يقول: والصابئين، فقال: ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، معطوفاً على المنصوب وهو مرفوع، على تقدير: والصابئون كذلك، فنقدر له خبراً، لكن سره: أن تفكر؛ لأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى معلومون لكم بالضرورة، ( وَالصَّابِئُونَ )[المائدة:69]، إذاً: تقف لحظة بعقلك تفكر.


شروط استحقاق الأصناف المذكورة في الآية الكريمة للجنة
الكل يخبر تعالى عنهم فيقول: ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )[المائدة:69] هذا أولاً، ( وَعَمِلَ صَالِحًا )[المائدة:69] ثانياً، ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:69]، فيا بشراك يا بشرية! أبيضك كأسودك يهودك كنصرانيك الكل من آمن وعمل صالحاً، أي: زكى نفسه، أو لا؟ عدنا من حيث بدأنا: آمن وعمل صالحاً، استعمل أدوات التزكية، فزكى نفسه بالإيمان والعمل الصالح فطابت وطهرت فصار من أهل الملكوت الأعلى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )[الشمس:9]، هذه الآية تزن الدنيا بما فيها، أين الفلاسفة وأين الحكماء من اليهود والنصارى والصابئة والمؤمنين؟ يقول تعالى: ( مَنْ آمَنَ )[المائدة:69] بماذا آمن؟ بالبلشفية، بالاشتراكية، بالقومية، بالديمقراطية؟ ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ )[المائدة:69] أي: رباً لا رب غيره، إلهاً لا إله سواه، لا معبود غيره، وآمن بكل ما أمره أن يؤمن به من الغيب والشهادة وعمل صالحاً، أي: عبد الله بهذه العبادات من الوضوء إلى الغسل إلى الصلاة إلى الصيام إلى الرباط إلى الجهاد إلى الحج إلى العمرة، هذه العبادات هي والله أدوات التزكية كالماء والصابون للثياب والأبدان، على شرط أن تخلص فيها لله لا تلتفت إلى غير الله، وأن تؤديها كما بينها رسول الله، ما تمسح رأسك قبل أن تغسل وجهك، ولا تغسل رجليك قبل أن تغسل يديك، ولا أن تقف بعرفة قبل أن تطوف، كما أداها الرسول وبينها، هذه هي الأعمال الصالحة المزكية للنفس والمطهرة لها.

ولو كنا طول العام نجتمع في بيوت ربنا بنسائنا وأطفالنا هكذا نتلو كتاب الله ونتدارسه فكيف تكون حالنا؟ سنصبح كلنا أولياء لله، وإذا أصبحنا أولياء الله فمن يقدر على أذانا؟ أما قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[المائدة:67]، هل يهديهم لإذلالنا وتعذيبنا؟ والله ما كان، لكن انقلوا هذه الفكرة فقولوا للعلماء عندكم والحكام: هيا نجتمع في بيت الرب ونتعلم الكتاب والحكمة النبوية المحمدية حتى ينتفي الفقر بيننا والخيانة والغش والحسد والكبر والزنا والجرائم والسب والشتم والتكفير، ونكون أمة واحدة كما أراد الله، ما بيننا مذاهب ولا طرق ولا اختلافات، أهل القرية في قريتهم يجتمعون لعبادة ربهم ويخرجون إلى جلب عيشهم في مزرعة أو مصنع وكلهم شباع بإيمانهم، وكلهم في غنى كامل، لا تكلف للشهوات ولا الأطماع ولا المادة، نصبح كالملائكة كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات



فاسمعوا الآيات التي تدارسناها: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67]، يا خلفاء رسول الله، يا علماء الكتاب والسنة! بلغوا كما أمر رسولكم أن يبلغ، وإن لم تفعلوا فما بلغتم رسالته، ألسنا خلفاء رسول الله يجب أن نبلغ كما بلغ؟ هل يجوز أن نكتم ونقول في الحرام: حلال وفي الحلال: حرام لمصلحة؟ لا يصح أبداً، ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67]، ونحن إن عصمنا الله ففي صالحنا، وإن سلط علينا مشركاً منافقاً كافراً فليرفعنا إلى الدرجات العلى، أما قتل عمر في محرابه؟ أما قتل عثمان في بيته، أما قتل علي رضي الله عنه في باب مسجده؟ ليعلي درجاتهم ويعلي مقاماتهم، أما الرسول فمعصوم لأنه وحيد، ما هناك رسول ثان يبلغ عنه.ثانياً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )[المائدة:68] قولوها صراحة لليهود والنصارى والبوذيين والمشركين والصابئة: ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )[المائدة:68] وتدرسونها وتطبقون ما فيها، ومن ثم تجدون الإيمان بمحمد ودخول الإسلام ضرورة من ضروريات حياتكم، ( حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )[المائدة:68] القرآن ما نزل على العرب فقط أو على المسلمين، هو للبشرية كلها، ولأن الرب واحد والبشرية عبيده.


(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68]، من هؤلاء؟ أصحاب المادة، أصحاب الشهوات والأطماع، والرئاسة، الذين يستغلون الشعوب ليعبدوهم، هؤلاء ما يقبلون الحق فيزيدهم هذا طغياناً وكفراً وعناداً، سنة الله قائمة إلى الآن.

وأخيراً: هذه بشرى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ )[المائدة:69] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، ( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:69] في الحيوات الثلاث أيضاً، فالمؤمن الصادق ولي الله لا يحزن، يدفن ابنه وهو يبتسم، يجوع ويتألم بالجوع وهو يبتسم، لا حزن ولا خوف؛ لأن الله مولاهم.

أركان الحج

بعث إلي أحد المستمعين بكلمة يقول: لم تقول: أركان الحج أربعة وتنسى مزدلفة؟
أركان الحج: الإحرام: لبيك اللهم لبيك حجاً، هذه هي النية لا رياء فيه ولا سمعة، لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة، هذه النية، لبيك اللهم لبيك حجاً وعمرة، هذه هي النية.
ثانياً: عرفة ركن، ومزدلفة ما هي بركن، ووجد من الهابطين من يقول: هي ركن، لكن لا نأخذ نحن الأقوال الشاذة ونقدمها لأمة الإسلام لنزيد في محنتها، نحن في بيت الله، في مسجد رسول الله من نيف وأربعين سنة لا نتمذهب ولا ننقد مذهباً، ولا نطعن في أحد، ونبين للمسلمين ما هو الحق الوارد من النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الله.
فمزدلفة المبيت فيها واجب، وعند العجز يرفع هذا الوجوب، ويكفيك أن تذكر الله فيها بأن تقيم صلاة المغرب والعشاء، وتبكي طويلاً بين يدي الله وتدعو، فإذا كنت مضطراً للرحيل لأطفال أو نساء فالرسول أذن للعباس بذلك، وقد أديت قول الله: ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )[البقرة:198]، ألا وهو مزدلفة.

والسعي ركن، والسعي لا يسقط بذبح شاة، السعي ركن نص الله عليه في كتابه: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )[البقرة:158]، فمن قال: أنا لا أريد أن أتعب فسنذبح شاة، قلنا: والله لو ذبحت مليون شاة ما قبلت، أو قلت: عندنا البقر فسنذبح بقرة، فما أنت بمؤمن.

والرسول يقول: أبدأ بما بدأ الله به، بعدما فرغ من الطواف وصلى خلف المقام ركعتين قال: ( أبدأ بما بدأ الله به. وتلا هذه الآية: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ )[البقرة:158] ).

نقول: الأركان الأخرى ممكن أن تقضيها، لكن ركن عرفة إذا فات فات، إذا ما دخلت عرفة بعد الزوال وبقيت إلى الليل ولو ساعة فحجك باطل وعليك أن تعيده، أما السعي والطواف فتأتي وتحرم بعمرة وتسعى أو تطوف وتذبح شاة.
نرجو أن يكون هذا الابن الصالح الذي انتقد هذا الانتقاد قد حضر الآن وفهم، أقول له: مزدلفة واجب النزول بها والمبيت فيها، والصلاة فيها والذكر والدعاء؛ لأن الله قال: ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )[البقرة:198]، ويستحب فيها عدم قيام الليل، يستحب فيها بعد صلاة المغرب والعشاء أن تستريحوا وتأكلوا وتشربوا الحلال إن وجدتم؛ لأنكم في ضيافة الرحمن، حبسكم يوماً كاملاً وأنتم قيام تذكرون أو تدعون، رفقة بكم، رحمة بنا والحمد لله، قال: بيتوا في مزدلفة على عشرة كيلو متر من عرفات، هذا من ألطاف الله ورحمته، ما قال: امشوا رأساً عشرين كيلو إلى مكة أو إلى منى.

ثم إذا صلينا الصبح دعونا الله ووقفنا، وقبل طلوع الشمس يجب أن ننفر إلى منى لنرمي جمرة العقبة لنخزي عدو الله إبليس، فإنه في كرب وهم، فإذا رمينا الجمرة تحللنا، احلق والبس لباسك وتطيب إلا امرأتك لا تقربها حتى تطوف طواف الإفاضة، فإن قدر الله وفعلت فيا ويحك، ائت بعمرة وطف طواف الإفاضة واذبح بقرة أو بعيراً، فإن لم تجد شيئاً فشاة من الضأن.

تحذير من التصوير والتدخين


والذين يشربون الدخان في المشاعر كالذين يصورون في المشاعر، واسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، فلا تحمل كاميرا ولا تصور أبداً، وإذا وجدت واحداً يصور فقل له: اتق الله يا عبد الله، أبطل هذه، انزعها من يدك، أنت واقف في عرفة وأنت تصور؟ تعصي رسول الله وتخرج عن طاعته؟ أما التدخين فنحن لا ندخن في عرفة ولا في باريس، لا يحل لعبد يذكر الله ويجري اسم الله على فمه، في كل لحظة: السلام عليكم، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله، أراد أن يقف فيقول: باسم الله، هذا الذي يذكر الله كيف يخبث فمه ويلطخه بالروائح الكريهة، والرسول شرع السواك لأمته، وقال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) تطييباً لأفواههم من أجل أن يذكروا الله، وقال: ( من أراد أن يبصق فلا يبصق عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً )، فكيف تنفخ الروائح الكريهة في وجه ملكين يظلان معك ويبيتان معك؛ حماية لك من جهة وتسهيلاً لأعمالك.
اسمعوا: لا يحل لمؤمن أن يدخن، أما الكافر الفاسق خبيث النفس فهذا يفعل ما يشاء من التدخين، أما من يقول: باسم الله، والحمد لله، ويذكر الله فكيف يلوث فمه؟

في غزوة من الغزوات أكلوا الثوم والبصل للجوع، لما وصلوا إلى المدينة بلغهم رسول الله هذا الإعلان: ( ألا من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا )، لم يا رسول الله؟ علل وأنت الحكيم؟ قال: ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، أبعد هذا ندخن؟
والذي هبط بنا أن العلماء ماتوا وانقرضوا، ووجدنا في عصر ليس فيه من يعلم، فحصل هذا، وإلا فكيف ندخن؟ قف يا مدخن، أسألك بالله: كم ريالاً تستفيده في اليوم من دخانك؟ كم تزيد قوتك العقلية والبدنية؟ والله لا شيء، بل تهبط، ما هي النتائج إلا أن تغضب الله بأذية ملائكته وتقع في موقع الكفر أو تكاد، تخبث فماً يجب أن تطهره، تخبثه أنت بالرائحة الكريهة الخبيثة، لا لوم يا أبناء الإسلام؛ مات العلم وانقطع العلماء، وعشنا جهالاً في المقاهي والملاهي، فلهذا أروني واحداً جلس معنا سنة في هذه الحلقة يدخن، ما هو بموجود.
والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (27)
الحلقة (337)
تفسير سورة المائدة (33)



ما أكثر ما أرسل الله عز وجل إلى بني إسرائيل من الرسل، ولكنهم قوم بهت ظالمون فاسقون، فإن جاءهم نبي بما لا تهوى أنفسهم كذبوه وآذوه، وربما قتلوه، وحسبوا أن الله عز وجل لن يحاسبهم ولن يؤاخذهم فعموا وصموا، فابتلاهم الله ثم تاب عليهم، ثم عموا وصموا أكثر من ذي قبل فسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، جزاء تكذيبهم وإعراضهم.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا الفضل إنك ذو الفضل العظيم.
وها نحن مازلنا مع سورة المائدة المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، وقبل الشروع فيها وتلاوتها ودراستها أعود بالمستمعين الكرام والمستمعات الصالحات إلى الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس؛ تذكيراً للناس وتعليماً لغير العالمين، فإليكم تلاوتها ثم نضع أيديكم على هداياتها التي ينبغي أن نظفر بها ونفوز.
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:67-69].
هذه الآيات درسناها وفهمنا مراد الله منها -والحمد لله- في ليلتنا الماضية، فهيا نضع أيدينا على هداية هذه الآيات.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: وجوب البلاغ على الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهوض رسولنا محمد بهذا الواجب على أكمل وجه وأتمه ].
هدتنا الآية إلى وجوب البلاغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )[المائدة:67].
[ ثانياً: عصمة الرسول المطلقة ]، أما وعده الله بقوله: ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[المائدة:67]، أما قال للحارس: عد إلى بيتك كفاك الله هذه المهمة، فالله يعصمني؟ وعصمه الله، فما استطاع منافق ولا يهودي أن يغتاله أو يحتال عليه، بل كان يأتي الرجل والسلاح تحته ليغتال الرسول ويكشف الله حاله ويعلم رسول الله بحاله، ويرمي بالسلاح ويدخل في الإسلام.
[ ثالثاً: كفر أهل الكتاب إلا من آمن منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به من الدين الحق ]، لقوله تعالى: ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى )[المائدة:68]، واضح الدلالة.
[ رابعاً: أهل العناد والمكابرة لا تزيدهم الأدلة والبراهين إلا عتواً ونفوراً وطغياناً وكفراً ]، دلت الآية عليه: ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )[المائدة:68].
[ خامساً: العبرة بالإِيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي لا بالانتساب إلى دين من الأديان ]
دلنا على هذا قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[المائدة:69].

تفسير قوله تعالى: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً...)

والآن مع هذه الآيات التي نتدارسها إن شاء الله في هذه الساعة المباركة.قوله تعالى: ( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ )[المائدة:70]، من القائل: ( لَقَدْ أَخَذْنَا )[المائدة:70]؟ الله جل جلاله، هو الذي أخذ ميثاق بني إسرائيل على عهد موسى والأنبياء، والميثاق: العهد المؤكد بالأيمان، كأنه وثاق يحبس صاحبه ولا يستطيع أن يخرج عنه، وبنو إسرائيل هم اليهود أولاد يعقوب عليه السلام.
إذاً: يقول تعالى مخبراً محققاً هذه الحقيقة: ( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا )[المائدة:70] عظاماً أجلاء كثيرين، من موسى وهارون إلى يحيى وزكريا وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
(كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ )[المائدة:70]، أخبر تعالى بواقع اليهود، ( كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ )[المائدة:70] وتشتهي وتحب وترغب، ( فَرِيقًا كَذَّبُوا )[المائدة:70] الرسل، ( وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ )[المائدة:70]، أو أن فريقاً كذبوهم من الرسل وفريقاً قتلوهم، هذا الواقع الذي لن يستطيع أحد أن ينكره، أما قتلوا زكريا ويحيى؟ أما أرادوا قتل عيسى إلا أن الله رفعه؟ أما صلبوا وقتلوا من شبه به؟ أما تآمروا على نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة لقتله؟ هذا شأنهم.
فاسمع ما يقول العليم الحكيم عنهم: ( كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ )[المائدة:70]، أما بما يشتهونه ويحبونه فيرحبون ويؤهلون ويعملون، لكن إذا جاء بأشياء لا تتفق وشهواتهم ولا تتلاءم مع أطماعهم وأهوائهم فماذا يفعلون؟ إما أن يكذبوا أو يقتلوا، منهم من يكذبونهم، ومنهم من يقتلونهم.
فالرسول يجيء بما لا تهوى الأنفس ويجيء بما تهوى، يأمر بالعدل والصلة والرحم والحق، كلما جاءهم رسول بالذي لا تهوى أنفسهم وقفوا ضده وحاربوه، منهم من قتلوا ومنهم من كذبوا، أما إذا جاءهم بما فيه رغبة لهم فيرحبون ويؤهلون.

تفسير قوله تعالى: (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ...)

قال تعالى: ( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )[المائدة:71]، ما معنى هذا؟ ( وَحَسِبُوا )[المائدة:71]، من هم؟ اليهود. والحسبان: الظن، ظنوا أن لا تكون فتنة، يغنون ويزغردون ويلبسون الكعب العالي، يصفقون ويأكلون الربا ويفعلون ما شاءوا ويظنون أن لا تنزل بهم محنة ولا مصيبة.
ومع الأسف الآن المسلمون يحملون هذا الظن، عطلنا شرائع الله، فعلنا كل ما يكره الله، وما نحن بخائفين أبداً أن تنزل محنة بنا، لا وباء ولا تيفود ولا الخسف ولا الصواعق ولا تسليط الكافرين، وهو موقف بني إسرائيل، فحال المسلمين اليوم وقبل اليوم ومنذ مئات السنين هل هي حال مرضية لله عز وجل؟ هل أقاموا دين الله؟ هل أقاموا كتابه؟ الجواب: لا، إلا القليل، إلا من رحم الله.
هل هناك من هو خائف يبكي أن تنزل بالمسلمين صاعقة أو تنزل بهم محنة لا يستطيعونها؟ لا واحد في الألف ولا في المائة ألف، فلا إله إلا الله! القرآن كتاب هداية إلى يوم القيامة، فلم لا نعتبر؟
اسمع ما يقول تعالى: ( وَحَسِبُوا )[المائدة:71] ظنوا ( أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ )[المائدة:71]، فمن ثم عموا فلم يروا العبر والعظات، وصموا فلم يسمعوا الوعظ ولا التوجيه ولا الإرشاد، إذاً: فنزلت المحنة بهم، ونبتدئ من يوشع بن نون ، فلما خرج موسى ببني إسرائيل في ستمائة ألف من مصر حدثت أحداث عظيمة مسجلة عندنا مفهومة في كتاب الله، حسبنا أنهم قالوا لموسى: ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )[المائدة:24]، فأبوا أن يمشوا معه إلى فلسطين؛ لمحاربة الكفرة المشركين بها من العمالقة، ومات موسى وهارون عليهما السلام في زمن التيه، ومضت أربعون سنة وهم في تلك الصحراء، ولولا لطف الله بهم وإحسانه إليهم لهلكوا عن آخرهم، ولكن الله كريم رحيم.

ثم هلك الجيل الهابط ونشأ جيل في الصحراء فقادهم يوشع بن نون وانتصر بإذن الله ومزق شمل الكافرين، وأقام دولة الإيمان والإسلام في فلسطين، فمضت سنون ثم انتكسوا بالأغاني والمزامير والشهوات والأطماع والربا، كما هو سلوك البشر.
إذاً: فسلط الله عليهم البابليين، فأدبوهم، مزقوهم، شتتوهم، أخرجوهم من فلسطين، وعاشوا متفرقين هنا وهناك، ثم -كما أخبرنا تعالى- جاءوا إلى أحد أنبيائهم يطلبون أن يولي عليهم ملكاً وأن يقاتلوا في سبيل الله، واستجاب الله وملك عليهم وقادهم طالوت، وخاض المعارك مع العدو ونصره الله مع الفئة المؤمنة، وتكونت دولة بني إسرائيل من جديد على عهد داود وسليمان، فكانت قد سيطرت على العالم في ذلك الزمان، امتد سلطان سليمان من الشرق إلى الغرب، ( ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا )[المائدة:71]، وانغمسوا في الشهوات واللذائذ والمادة.
وأبو القاسم نبينا صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن الكعب العالي أول ما ظهر في بني إسرائيل، والكعب العالي تلبسه المرأة وتصبح تتمايل في الشارع، تجذب النفوس والقلوب إليها، إذاً: ما هي إلا فترة من الزمان وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا عن العظات والعبر، وصموا ولم يسمعوا دعوة الدعاة والهداة منهم، فنزلت بهم المحنة، سلط الله عليهم الرومانيين، فمزقوهم وشتتوهم وفعلوا بهم الأعاجيب، وإلى الآن هم مشتتون مشردون، فقولوا آمنا بالله.
ومن ثم هربوا إلى العرب؛ لأنهم أميون وهم علماء فيسودون بينهم، وفروا من الرومان وقتلهم لهم وتشريدهم، فهذا معنى قول ربنا: ( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )[المائدة:71].
تحذير المسلمين من مسلك بني إسرائيل في الشهوات

ونحن -أيها المسلمون يا أهل القرآن- لما عمي آباؤنا وأجدادنا وصموا سلط الله علينا بريطانيا، فأين ممالك الهند؟ وسلط علينا فرنسا، فأين شمال أفريقيا؟ لأننا عمينا وصممنا.والآن استقللنا وتحررنا، فالزمام بأيدينا، فهل أقمنا الصلاة؟ كلما استقل إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا ما هناك حاكم أجبر الأمة على إقامة الصلاة من مدنيين أو عسكريين، والله ما كان، هل جبيت الزكاة فريضة الإسلام وقاعدته؟ بل استبدلت بالضرائب الفادحة الهالكة، وما طلبوا الزكاة ولا طالبوا بها، فماذا نقول؟
إذاً: والله إننا لتحت النظارة كحال بني عمنا، ( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ )[المائدة:71]، ظنوا أنه ما هناك أبداً ما يقع، ( فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا )[المائدة:71].
ونحن استقللنا وحكمنا، فلم لا نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ لم لا نبايع خليفة فينا ونصبح كلنا أمة واحدة؟ لم لا نجتمع في بيوت ربنا ونتعلم الكتاب والحكمة فنطهر ونصفو ونكمل ونعرف الطريق إلى الله؟ نحن مصرون على الأهواء والأطماع والشهوات كبني عمنا، بل نحن أكثر، ونحن ننتظر حكم الله عز وجل.
وهل نحن أفضل من بني إسرائيل؟ لا أبداً، أولاد الأنبياء هم بنو إسرائيل، لكن لما أعرضوا أعرض الله عنهم، لما أغضبوا الله عز وجل سلط عليهم ما شاء أن يسلط، وها هم مشردون في الآفاق يطمعون في إعادة مملكة بني إسرائيل ولن يتحقق مرادهم، فقط حين يظهر الإسلام من جديد ويتوب المسلمون في أربع وعشرين ساعة لا يبقى أمل لليهود ولا مطمع.
وإليكم البيان النبوي الصحيح: يقول صلى الله عليه وسلم: ( لتقاتلن اليهود )، يا رسول الله! من هؤلاء اليهود الذين نقاتلهم؟ حفنة مشردون نقاتلهم؟! ودولتنا وخلافتنا سيطرت على أكثر من نصف العالم، فكيف نقاتلهم؟ ما استطاع أحد أن يقول، ولكن أخبر أبو القاسم: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم )، من يسلطنا عليهم؟ الله يسلطنا عليهم بالأسباب التي يريد، وكثيراً ما أقول: لو رجعنا إلى الطريق ومشينا أياماً فقط -لا أعواماً- واستقمنا؛ فإن الله يسلطنا الله على اليهود، كأن تظهر فعلة يهودية كبيرة في أمريكا، كما لو أراد اليهود أن يفجروا كل عمارة في أمريكا، فيصدر أمر بقتل اليهود كما فعل هتلر في الزمن الماضي، أما شردهم وقتلهم؟ قتل أكثر من ثلاثين ألفاً من اليهود في ألمانيا، فنحن لما نقبل على الله ويقبلنا لا تسأل عن الأسباب التي يوجدها الله عز وجل؛ لأن كلمة (لتسلطن) دالة على هذا المعنى، تتخلى عنهم بريطانيا والعالم الأوروبي وأمريكا، فإذا تخلوا عنهم فإن نساءنا وأطفالنا سيخرجونهم ويقتلونهم.
إذاً: السر ما زال في قوله: ( فلتسلطن عليهم فتقتلونهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، هل يقول: يا عربي؟ إنما يقول: يا مسلم، وهل الشجر يكذب؟ ينطقه الجبار، آية من آياته، هل الحجر يكذب فيقول لغير المسلم: يا مسلم؟
الشاهد عندنا: أن الشجر والحجر ما يكذب فيقول لعلماني، اشتراكي، خرافي، ضال، مشرك: يا مسلم، هل يكذب الشجر والحجر؟ والله ما كان، ومعنى هذا: أنه يسلطنا الله عليهم لأننا أسلمنا أولاً، أقمنا دين الله ورفعنا راية لا إله إلا الله، فأصبحنا أولياء الله، ثم يسلطنا الله عليهم فنقتلهم ( حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله. إلا شجر الغرقد فإنه شجر اليهود ).
وبقيع الغرقد هذا كان ينبت فيه الغرقد، وينبت في الغابة أيضاً، هذا الشجر إذا اختبأ يهودي وراءه فما يخبر عنه؛ لأنهم يقدسون هذا الشجر إلى الآن ويحتفون به احتفاء عجباً أكثر من الزيتون والبرتقال، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشاهد عندنا: أنه يقول الشجر والحجر: يا مسلم، ولو لم يكن ذلك العبد قد أسلم قلبه لله ووجهه، وأصبح يعبد الله ويؤلهه ويقدسه ولا يعرف سوى الله عز وجل؛ فلن يقول له الشجر: يا مسلم وقد أسلم قلبه للشهوات والأطماع والدنيا الفاسدة.
قال تعالى: ( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ )[المائدة:71]، أي: امتحان واختبار، بالوباء بالخسف بتسليط عدو؛ إذ هو هذا الفتنة، ( فَعَمُوا )[المائدة:71] عن العظات ما استطاعوا يبصرون، والله! إنه تحدث أحداث في العالم العربي ما يعتبرون بها أبداً، آمنون, ما هناك من صاح يبكي: يا قومنا! عجلوا بالتوبة قبل أن تنزل الفتنة بنا، هل سمعتم بهذا؟ ما هناك أحد، بل آمنون، فلا إله إلا الله!
(فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ )[المائدة:71] على عهد داود وسليمان، ( ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا ([المائدة:71]، إذاً: سلط الله عليهم الرومان، وهم إلى الآن أذلة مشردون.
قال تعالى ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )[المائدة:71]، لعلمه المحيط بكل ذرات الكون، فمن عبد عرفه ومن عصا عرفه, من شكر عرفه ومن كفر عرفه.

يتبع



ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ...)

ثم قال تعالى في الآية الأخيرة من الثلاث الآيات: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، الآيات في أهل الكتاب، الآيات الأولى كانت مع اليهود، والآن مع النصارى، فهذا الخبر خبر من؟ هل خبر عالم من علماء المسلمين؟ من قال هذا؟ إنه الله عز وجل. ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، المسيح: هو عيسى عليه السلام، ولقب بالمسيح لأنه يمسح على الأعمى فيعود إليه بصره، وعلى الأبرص فيطيب جلده، هذا المسيح هو عيسى بن مريم، واليعقوبيون -فرقة من فرق النصارى تعرف باليعقوبية- قالوا: اتحد عيسى الابن مع ربه، فأصبح عيسى هو الإله، هو الله، والاتحاد معروف، كأن تأخذ خشبتين فتدخل واحدة في واحدة، قالوا: دخل عيسى في الله، فأصبح عيسى هو الله!
ولا تعجب، أيخبر الله بغير الواقع؟ هؤلاء اليعقوبية وغيرهم من أصحاب الأقانيم الثلاثة: الأب والابن وروح القدس، الأب: هو الله. والابن: عيسى ولده. وروح القدس: هو جبريل، الثلاثة يكونون الله أو الإله، وسيأتي: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73].
وكما علمنا أن النصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة، واليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، ولن يستطيع من تحت السماء أن يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، والله لقد افترقت إليها وتم العدد بكامله!
اسمع ما يقول تعالى، بعدما بين حال اليهود عاد إلى النصارى وهم أهل الكتاب فقال: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، تعرفون من مريم هذه؟ سموا بناتكم مريم، مريم معناها: خادمة الله باللغة العبرية؛ لأن والدتها حنة عليها السلام لما نذرت لله ما في بطنها، واستجاب الله لها، ورزقها الطفلة سمتها: مريم بمعنى: خادمة الله. وبالفعل ما خدمت أمها أبداً، تركتها في المسجد تعبد الله؛ لأنها نذيرة لله عز وجل، هذه مريم البتول أنجبت عيسى، فسمي: عيسى ابن مريم؛ إذ لا أب له، وإنما كان بكلمة التكوين، قال الله: كن فكان، في ربع ساعة والمخاض يهزها وهي تحت الشجرة أو النخلة تتألم للوضع.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، والذي يشك في كفرهم كافر، فالله يقول: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:72]، فالذي لا يقول هذا ولا يكفرهم كفر أحب أم سخط.

معنى قوله تعالى: (وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم)

ثم قال تعالى: ( وَقَالَ الْمَسِيحُ )[المائدة:72]، هم قالوا: المسيح هو الله، فالمسيح ماذا قال؟ قال في حفل عظيم، في حشد كبير هذه الكلمة المسجلة، من سجلها؟ الله جل جلاله، سجلها بالحرف الواحد، في ذلك الحفل قال: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ )[المائدة:72]، يا أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل! ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72]، هل قال: اعبدوني؟ ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي )[المائدة:72]، أي: خالقي ومالكي وإلهي الذي أعبده، وهو ربكم أيضاً، أي: خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم وهو إلهكم الحق، ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72].
معنى قوله تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة)

ثم علل وهو الحكيم يتلقى معارفه عن الله، فقال: ( إِنَّهُ )[المائدة:72]، أي: الحال والشأن ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )[المائدة:72]، من يشرك بالله إلهاً آخر يعبده معه بأي نوع من أنواع العبادة فقد حرم الله عليه الجنة تحريماً أبدياً ممنوعاً منها لا يدخلها أبداً، ( وَمَأْوَاهُ النَّارُ )[المائدة:72]، إذا حرم عليه الجنة فأين يذهب؟ ما هناك إلا عالمان علوي وسفلي، عالم السعادة علوي، وعالم الشقاء سفلي، ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )[الذاريات:49]، موت وحياة، صحة ومرض، غنى وفقر، عز وذل، إذاً: نعيم وشقاء، علوي وسفلي، فأين يذهبون إذا حرموا من الجنة؟ إلى جهنم إلى عالم الشقاء.
صور شركية في حياة المسلمين
والمسلمون يقرءون سورة المائدة ويعرفون عن عيسى ما قال، ويرضون بالشرك الأكبر، فلا إله إلا الله! أسألكم بالله: أليس بين المسلمين من يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر . هذه نخلة مولاي فلان. هذه كذا.. يتقربون إلى الأموات، آلله أمرهم بذلك؟ الجواب: لا، وإنما الشيطان زين لهم عبادة هذه القبور فأصبحوا ينذرون لها النذور ويعكفون حولها، والله بعيني هاتين رأيت في بلاد المسلمين الرجال والنساء عاكفين حول القبور والأضرحة، يستمدون منهم الخير، ويستعيذون بهم من الشر.وأزيدكم علماً: الرجل منا المسبحة في يده: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، وحين تأخذه سنة النوم والنعاس فتسقط المسبحة يقول: يا رسول الله أو يا سيدي عبد القادر ! أين ذلك الذكر؟ أما كان يقول: لا معبود إلا الله، لا معبود إلا الله، لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله؟ لما سقطت المسبحة من يده بالنعاس ما قال: يا رب، بل: يا سيدي فلان.
وأزيدكم: كنت راكباً إلى جنب أخينا يقود بنا السيارة خارج ديارنا هذه، ما إن خرجت السيارة عن الخط حتى قال: يا رسول الله.. يا رسول الله.. يا رسول الله!
يا عبد الله! لو مت لهلكت، وهل تشكون في هذا؟ الذي يشك في أن مدرساً في المسجد النبوي يكذب يجب أن يعود إلى دياره، أعوذ بالله! هذا مثال، والله! إن المرأة يهزها الطلق وهي تكاد تضع فتمسك بحبل في العمود، وتقول: يا الله، يا سيدي فلان، يا الله، يا رسول الله! ما هو بإله واحد، فما سبب هذا؟ سببه الجهل؛ لأن القرآن نقرؤه على الموتى من إندونيسيا إلى موريتانيا، مضت قرون لا يجتمع المسلمون اجتماعنا هذا على تلاوة كتاب الله ولا دراسته وهم عوام ورجال ونساء ليتعلموا الهدى ويعبدوا الله على الحق، وإنما يجتمعون على القرآن على الميت، في حلقة كبيرة فيها الشاي أو الأرز، بعد ذلك نقرأ على الميت حتى يدخل الجنة، ولا نفكر في معنى آية أبداً، بل إذا قلت: قال الله قيل: اسكت، القرآن تفسيره خطأ وخطؤه كفر، لا تقل: قال الله، قل: قال سيدي فلان أو قال الشيخ الفلاني، هكذا فعلوا بنا خمسمائة سنة، فكيف نعرف؟ من أين تأتي المعرفة؟
تمر ببلاد -باستثناء هذه الديار طهرها الله على يد عبد العزيز تغمده الله برحمته- بلادنا الأخرى ما تمر فيها بجبل إلا وقبة عليه، أنا مع أمي أو مع عمتي طفل، فتمر فتقول: يا سيدي فلان! إذا نصر الله أخي في المحكمة فسنفعل لك كذا وكذا! وثنية عامة، وإلى الآن ما زلنا.
هذه الآية ما سمعنا بها، اسمع عيسى يخطب في بني إسرائيل: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )[المائدة:72]، لم؟ ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )[المائدة:72]، وإن قلت: هذا تفسيرك أنت يا وهابي، قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صحابياً، والأصحاب ما تعلموا ولا درسوا مثلنا، هذا آمن منذ عام، وهذا أسلم اليوم، أميون، ( رأى في يده حلقة من نحاس )، حلقة من صفر يعملها الناس في أعناقهم عندنا وفي أيديهم وأرجلهم، ( فقال: ما هذه يا عبد الله؟ قال: من الواهنة يا رسول الله -أصاب بالوهن في يدي، فإذا جعلت هذه تنشط يدي- فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، ولو مت وهي عليك ما دخلت الجنة )، لأن القلب الذي يتعلق بالحديدة انتهى صاحبه، فماذا نقول؟

طريق النجاة من المصائب والنقم
وقد ذكرتكم بأننا تحت النظارة، لا تفهموا أننا استقللنا وسدنا وحكمنا، وأصبحت لنا مصانع ونطير في السماء، والله! إنه لكما قال تعالى: ( فَعَمُوا وَصَمُّوا )[المائدة:71]، إما أن نلجأ إلى الله في صدق، ونعود على الفور، وإما أن تنزل بنا محن وآلام ومصائب ما عرفها آباؤنا، وهل هناك ضمانة عندنا؟ فحالنا كحال بني إسرائيل، فهيا نتوب إلى الله. وهناك طريق واضح ومسلك نعم المسلك، والله ما يكلفنا ديناراً ولا درهماً ولا قطرة دم ولا ألماً ولا شقاء أبداً، وما هي إلا سنة واحدة وكلنا أولياء لله أفضل من عبد القادر ، ولكننا لسنا مستعدين لأن نعبد الله. وباسم الله أقول والله يعلم، وقد قررنا هذا وكتبناه في كتاب سميناه: (كتاب مفتوح إلى علماء الأمة وحكامها)، ووزع وقرأه العلماء ووضع تحت الكتب كأن شيئاً ما كان، بل بعثنا به إلى خادم الحرمين أيده الله وأطال عمره، فبعث به إلى الرابطة ليترجم ويطبع فدسته الرابطة تحت الكتب وما بلغنا شيء، فما هذا؟!
أقول: إن أردنا أن نعود إلى سبيل النجاة وساحة والأمن والطهر والصفاء فلنأخذ أنفسنا على أننا إذا دقت الساعة السادسة مساءً وفي ديارنا كلها في العرب والعجم نوقف العمل، أغلق مقهاك يا صاحب المقهى، يا صاحب الدكان! أغلقه، يا صاحب المكتب! أغلق المكتب، توضئوا وائتوا بنسائكم وأطفالكم إلى بيت ربكم، إي: إلى الجامع، المسجد الكبير الذي وسعناه في الحي أو في القرية؛ حتى أصبح يتسع لأهل القرية كلهم، أو لأهل الحي أجمعين، وسهل هذا، بالخشب والحطب نوسعه كما كان حال أجدادنا، ثم صلينا المغرب وما بقي في القرية خارج المسجد أحد، إلا مريض أو ممرض، كل أهل القرية في المسجد، كل أهل الحي في المسجد، نصلي المغرب كما صلينا الآن، ثم يجلس لنا مرب عليم بكتاب الله وهدي رسوله كجلوسنا هذا، وندرس آية كما درسناها الليلة، ونحفظها، نرددها حتى تحفظ، ثم نضع أيدينا على المطلوب منها كما علمنا، وغداً حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المفسرة المبينة لكتاب الله نردده حتى يحفظه نساؤنا وأطفالنا وفحولنا، ثم نعرف مراد الرسول منه، فنعزم على التطبيق والعمل، ويوماً بعد يوم، يوماً آية، ويوماً حديث، والله ما تمضي سنة حتى تلوح الأنوار إن صبرنا، مع أن هذا العمل لا يوقف شيئاً أبداً، اليهود والنصارى والمجوس إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل ويذهبون إلى المراقص والمقاصف والملاهي والملاعب، أليس كذلك؟
ونحن لأننا نريد أن نسود ونقود، لأننا أحياء وهم أموات، نحن مؤمنون وهم كافرون، إذاً: نصبر ساعة ونصف ساعة في بيت الرب، في سنة والله ما يبقى جاهل ولا جاهلة، ولسنا في حاجة إلى كتابة ولا إلى قلم، وإنما نتلقى العلم والحكمة كما تلقاها أصحاب رسول الله بدون قلم ولا دواة ولا كتابة، والعلم الذي في الكتابة نأخذه في النهار في المدارس، لكن هذا العلم الروحاني الرباني نتلقاه ليلاً للعمل به في النهار، في سنة واحدة والله ما يبقى في القرية من يعرف أنه يزني أو يكذب على إخوانه أو يمد يده ليضربهم أو يسرق مالهم، أو يرى من يتكبر عليهم أو يسخر منهم، والله ما كان، ولا يبقى فقير يتضور بالجوع أبداً، ويتوافر المال، والله ليتوافرن المال، فالذي كان راتبه عشرة آلاف سيستغني بألفين، والباقي ماذا يصنع به؟ وفوق ذلك يتكون في ذلك المسجد صندوق من حديد في المحراب، والمسئول العام هو إمام المسجد والمربي والمؤذن وشيخ القرية، فيقولون: يا معشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد ماله عن قوته فليضعه في هذا الصندوق، في ستة أشهر يمتلئ الصندوق ويفيض، فماذا يصنعون به؟ انظروا: المنطقة تحتاج إلى مصنع، فانشئوا مصنعاً، تحتاج إلى مزرعة وأرض زراعية، ويبارك الله في ذلك المال وينمو ويفيض وما يبقى بنك ولا ربا، بل بتلفون: أعطوا لفلان من القرية الفلانية، وتصاب الماسونية بالجنون، ويصاب اليهود والنصارى بالعفن، فيقولون: ما هذا؟ كيف طلع هذا الفجر رغم أنوفهم ولا يستطيعون أن يزلزلوا أقدامنا؛ لأن الله أصبح ولينا، فماذا يكلفنا هذا؟ ما نستطيع أن نصبر لوجه الله ساعة نتعلم كتاب الله وهدي رسوله.
إن هذا الصوت إذا سمعته الماسونية والعلمانيون والمسيحيون يغضبون، كلما سمعوا الحق غضبوا، ولن نسكت، بل نقول: اغضبوا فما طالبناكم بشيء أبداً، فنحن في بيوت ربنا، وتنتهي الجهالات والشركيات والخرافات والضلالات والأحقاد والأحساد والأمراض كلها في سنة واحدة، فمن يبلغ؟ لا إله إلا الله! يا علماء، يا رجال السياسة، يا حاكمون! استجيبوا، جربوا، إخوانكم شاردون ضائعون في الباطل، اجمعوهم في بيت الرب ولقنوهم الكتاب والحكمة، أما قال تعالى فينا: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، تعلموا وفازوا أم لا؟ والله! ما اكتحلت عين الوجود بأمة أطهر ولا أعز ولا أكمل ولا أصفى من تلك الأمة في قرونها الثلاثة: الصحابة وأولادهم وأولاد أولادهم، كيف حصلوا على هذا الكمال؟ حصلوا هذا بالعلم بالكتاب والحكمة، بطاعة الله والانقياد له.
فهيا بنا، النجاة.. النجاة، يا عبد الله.. يا أمة الله! اطلب النجاة لنفسك، تعرف إلى ربك، تعرف على ما يحب ويكره وافعل المحبوب وتخل عن المكروه، واصبر على ما يصيبك، فما هي إلا ساعات وأنت في الملكوت الأعلى، اللهم حقق لنا ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (28)
الحلقة (338)
تفسير سورة المائدة (34)




ما يلزم المحرم من الميقات حال توجيه الرحلة إلى المدينة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
معاشر المستمعين! بين يدي الدرس سئلت عن مجموعة من المؤمنين جاءوا محرمين بالحج أو بالعمرة، أحرموا من الميقات وهم على متن الطائرة ظانين أنهم يذهبون إلى مكة وإذا بالمسئولين عنهم حولوهم إلى المدينة؛ ليزوروا المسجد النبوي الشريف ويسلموا على رسول الله وصاحبيه، ثم بعد ذلك يعودون إلى مكة، فهل يبقون على إحرامهم أو يتحللون؟ الجواب: يجب أن يبقوا على إحرامهم، ويلبون ويهللون ويكبرون ويدعون، وهم في أشرف عبادة وأفضلها، ولو بقوا في المدينة خمسة أيام أو أسبوع، فهي نعمة كبيرة ساقها الله إليهم؛ لأنهم لله، تجردوا له وهم يلبون التلبية المطلوبة، هذا هو الواجب، ومن تحلل منهم جهلاً لعدم علم فليعد إلى إزاره وردائه وإلى تلبيته وعبادة ربه، ومن قال: أنا لا أعود إلى الإحرام وتحلل فيجب أن يذبح شاة في المدينة أو في مكة، ثم بعد ذلك يحرم إذا أراد الدخول إلى مكة.
مرة أخرى أقول: مجموعة من إخواننا المؤمنين أحرموا ودخلوا جدة محرمين ظانين أنهم يذهبون إلى مكة ليطوفوا لعمرتهم أو لحجهم، فأمروا أن يذهبوا إلى المدينة، فمنهم من تحلل ومنهم من بقي على إحرامه، فما هو الجواب لهذه القضية؟
أقول: المحرم يبقى على إحرامه وهو في خير وعافية، ويشغل وقته بذكر الله والتدبير والعبادة، إذ كان المؤمنون يحرمون من مدينة الرسول عشرة أيام وهم في الطريق يلبون.
إذاً: فليبقوا على إحرامهم وهم في نعمة كبيرة، ومن جهل الوضع وتحلل وهو لا يدري فليعد إلى إحرامه ولا شيء عليه، ومن أصر على أن يبقى متحللاً وتحلل بالفعل وأصر على تحلله فإن عليه أن يذبح شاة في المدينة أو في مكة؛ لأنه كالمحصر، ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )[البقرة:196]، أحصر رسول الله وألف وأربعمائة صحابي فذبحوا هديهم وعادوا إلى المدينة، خرجوا ملبين بالعمرة حتى وصلوا قبل عشرين كيلو متر من مكة، فمنعتهم قريش، فماذا يصنعون؟ ذبحوا وتحللوا ونزل في هذا قرآن يقرأ إلى يوم القيامة: ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )[البقرة:196] عليكم يا من أتيتم محرمين تريدون مكة ثم منعتم منها بواسطة القائمين عليكم ومسئوليكم وقالوا: اذهبوا إلى المدينة أولاً. فمن بقي على إحرامه فهنيئاً له، فليبق على إحرامه حتى يزور ويعود إلى مكة، ومن تحلل بدون علم جهلاً ظن أنه يجوز فعليه أن يعود إلى إحرامه، ومن أصر على ألا يعود إلى إحرامه فليذبح شاة غداً في المدينة أو بعده في مكة وجوباً، مقابل أنه أحصر وتحلل فيجب أن يذبح شاة.

تفسير قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ...)

ها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[المائدة:73-76].

قوله تعالى: ( لَقَدْ كَفَرَ )[المائدة:73]، كفروا بالله ولقائه ورسله وكتبه، كفراً لم يبق لهم معه حظ في الإسلام، من هم الذين كفروا؟ ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، اليعقوبية قالوا: إن الناسوت حل في اللاهوت، بدعة شيطانية إبليسية يسخر منها كل ذو عقل، ما معنى أنه حل الناسوت في اللاهوت وأصبح الإله واحداً، فعيسى هو الإله؟! أعوذ بالله، كيف يصبح عيسى ابن مريم هو الله؟! أي عقل هذا، أي فهم، أي ذوق؟!

وفرق أخرى قالت: ( إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، الأقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، الله وعيسى وجبريل! وهذه سخرية واستهزاء وعبث، كيف يقبل ذو العقل هذا الكلام: ( اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، الآلهة ثلاثة والله واحد!

ما هو الإله يا غافل؟ الإله: المعبود، ولا يستحق عبادتي كائن إلا من خلقني ووهب حياتي وبيده مصيري وهو مالكي ومالك كل أمر عندي، ذاك الذي هو إلهي أعبده، أما الذي ما خلقني ولا رزقني ولا دبر حياتي فكيف يكون إلهاً لي؟! أمجنون أنا؟! لم لا يفكرون؟
إعلان كفر القائلين بالتثليث وإبطال فريتهم

فأعلن تعالى عن كفرهم، فقال عز وجل في كتابه المنزل على رسوله: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، والحال أنه: لا إله إلا الله، ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ )[المائدة:73]، ألا وهو خالق السماوات والأرضين وما بينهما وما فيهما، هذا هو الذي يستحق الإلهية، هذا الذي هو الإله الحق، أما الآلهة الكاذبة المكذوبة المزعومة فهي هراء وأباطيل لا قيمة لها ولا وزن، لو سئلت يا عبد الله: من خلقك؟ فهل تقول: عيسى؟ هل تقول: مريم، هل تقول: سيدي عبد القادر ، من خلقك؟ الله. إذاً: هو الذي يجب أن تؤلهه، أي: تعبده بالذلة له والحب والتعظيم والرهبة والرغبة، فكيف يكون عيسى إلهاً وهو ابن مريم ؟ كيف تكون مريم إلهاً وهي ابنت عمران وأمها حنة ، كيف تكون إلهاً؟ إن الإله الذي يملك كل شيء، وهذا هو الله رب العالمين، رب السماوات والأرض وما بينهما وإليه مصير كل شيء.فهذه الفرق النصرانية غلبت عليها الشياطين والأهواء والشهوات والأطماع والتقاليد العمياء حتى ( قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، فأبطل الله زعمهم هذا وحكم بكفرهم: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73].
ثم قال تعالى: ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ )[المائدة:73]، ألا وهو الله رب العالمين خالق عيسى والأنبياء والمرسلين ورب كل شيء ومالك كل شيء.


معنى قوله تعالى: (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)

ثم قال: ( وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ )[المائدة:73]، إن لم ينتهوا عن هذا الباطل والخرافة والكذب ودعوى أن الله ثالث ثلاثة ( لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[المائدة:73]، ما قال: ليمسنهم عذاب أليم. بل بين علة هذا العذاب وهي الكفر والعياذ بالله، فالذي ينسب إلى الله الولد كافر، والذي ينسب إلى الله الزوجة كافر، والذي ينسب إلى الله العجز كافر، ومن كفر فمصيره عالم الشقاء جهنم دار البوار.وما هو سر هذا الحكم يا أهل القرآن؟ لأن الذي كفر بالله نفسه خبيثة، روحه منتنة عفنة كأرواح الشياطين والكافرين، وهل صاحب الروح الخبيثة يدخل دار السلام؟ والله ما يدخلها، لقد صدر حكم الله على البشرية، بل على عالم الإنس والجن، وهو قوله: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، فمن زكى نفسه بمعنى: طيبها وطهرها بأداة الإيمان وصالح الأعمال؛ فقد أفلح وفاز بدخول الجنة والنجاة من دار الشقاء النار، ومن دسىى نفسه وأخبثها وعفنها بالشرك والكفر والذنوب والآثام فمصيره الخسران التام، فلم لا يسألون حتى يعملوا؟ لم لا يقول المسيحي: يا مسلم! بلغني أننا كفار، فما الدليل على كفرنا؟ يقول: لأنكم كذبتم على الله، وادعيتم أن الله ليس بواحد بل ثلاثة، أو أدعيتم أن عيسى هو الله وهذا هو كفر منتن عفن، الله الذي يقول للشيء: كن فيكون، الذي كون هذه الكائنات وأوجدها وهو يدبرها طول حياتها، أهذا يكون له ولد؟ وكيف يكون له ولد ولا زوجة له؟ والذي يخلق ما يشاء بكلمة: كن هل يحتاج إلى ولد يساعده أو زوجة يستأنس بها؟ كيف هذا الفهم؟! حرام هذا الكلام، عيب هذا الكلام أن يقال في حق الله عز وجل، ولكن كتب الله دار الشقاء والسعادة، وعلم أهلهما قبل أن يخلقهما.

يتبع


ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ملخص لما جاء في تفسير الآية

هذه الآية الأولى: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، والواقع ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ )[المائدة:73]، الجواب: ( لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[المائدة:73]، هذا العذاب الموجع الأليم متى يكون؟ بعد الموت، بعد الانتقال من هذه الدار إلى الأخرى، أو من هذا العالم السفلي إلى العالم الذي هو أسفل. أعيد تلاوة الآية الآية، فيجب أن تفهموا يا عرب، كيف لا تفهمون كلام الله؟ لم أنزله، اسمع قوله تعالى: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، من حكم بكفرهم؟ الله. ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ )[المائدة:73] والله ( إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ )[المائدة:73]، والله! لا يوجد إله حق إلا الله؛ لأن الإله الحق هو الذي خلقني ووهبني سمعي، بصري، دقات قلبي، أوجد الكون من أجلي، خلقني وخلق كل شيء من أجلي، هذا الذي أؤلهه، هذا الذي أعبده، هذا الذي أعظمه، هذا الذي أكبره، أما مخلوق مثلي فكيف أجعله إلهاً؟!

وقد هبط الناس وعبدوا الفروج، وعبدوا البهائم، وعبدوا الأشجار والأحجار، وألهوا الشهوات: ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ )[الفرقان:43]، ومد عنقه لشهوته يجري وراء شهوته، يجري وراءها كالكلب، يجري إلى الزنا، إلى اللواط، إلى الكذب، إلى الخيانة، إلى التعفن، كل ما زين له هواه يعبده، أعوذ بالله.

(وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ )[المائدة:73]، وعزة الله وجلاله ( لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[المائدة:73]، أما من تاب فقد تاب الله عليه، من أصر على قول الكفر له عذاب أليم.
تفسير قوله تعالى: (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم)

هيا إلى الثانية، قال تعالى: ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ )[المائدة:74]، فيغفر لهم، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:74]، فتح لهم باب التوبة على مصراعيه، يا من قضى الله بكفركم وحكم بعذابكم! ها هو ذا تعالى يفتح باب التوبة لكم ويدعوكم إلى أن تتوبوا فيغفر لكم، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:74]، فالحمد لله، هذا فضل الله، والهمزة للاستفهام، مالهم ( أَفَلا يَتُوبُونَ )[المائدة:74]، أفلا يتأملون، أفلا يسألون، أفلا يعقلون، فيعرفون أنهم على كفر وباطل، فيتوبون إلى الله ويرجعون إليه فيوحدونه ويعبدونه وحده؛ فيغفر لهم، ومن صفات الله وشأنه: أنه الغفور لمن تاب، الرحيم به، هذا عطاء إلهي. (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ )[المائدة:74]، أولئك الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: عيسى هو الله، ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ )[المائدة:74]، أي: يطلبون المغفرة لذنوبهم. والتوبة معناها: الرجوع إلى الحق، قلنا: الله ثالث ثلاثة، ولكن عرفنا الحق، فالآن نقول: لا إله إلا الله، تبنا، رجعنا إلى كلمة الحق، وهي: أنه لا معبود إلا الله، ثم نقول: اللهم اغفر لنا ذنوبنا السالفة التي ارتكبناها بكفرنا، اللهم اغفر لنا. فإن تابوا واستغفروا تاب الله عليهم وغفر لهم؛ لأن من صفاته: الغفور الرحيم.

تفسير قوله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ...)

وفي الثالثة ماذا يقول تعالى؟ اسمع هذا البيان: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ )[المائدة:75]، ما هو بالله ولا بابن الله، ولا هو الله، ما هو إلا رسول من جملة الرسل، ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، من نوح، إلى إبراهيم، إلى فلان وفلان، ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، عيسى واحد منهم، إي والله. ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ )[المائدة:75] من جملة الرسل الذين هم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، على عدة قوم طالوت، على عدة أهل بدر، سبحان الله! عدة أهل بدر ثلاثمائة وأربعة عشر، وعدة قوم طالوت الذين غزا بهم وانتصر على جالوت ثلاثمائة وأربعة عشر، وأربعون ألفاً انهزموا ورجعوا إلى الوراء، وثلاثمائة وبضعة عشر انتصروا، وكان النصر بسبب داود عليه السلام.إذاً: ( مَا الْمَسِيحُ )[المائدة:75]، ما عيسى ابن مريم ( إِلَّا رَسُولٌ )[المائدة:75]، ما هو بابن الله ولا هو الله ولا هو بإله مع الآلهة أبداً، هو عبد الله ورسوله: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )[المائدة:75]، مضت من قبله الرسل في ثلاثمائة واثني عشر، وهو كملها ورسول الله تممها، جاء بعده، ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )[المائدة:75] بإله، ولا ابن الله، ولا ثالث ثلاثة مع الله، ما هو إلا رسول، وهذا شرف، عظيمة هذه المنزلة، رسول من جملة الرسل، ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )[المائدة:75]، أي: مضت، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتمهم، ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )[المائدة:75]، ( وَأُمُّهُ )[المائدة:75] ما هو شأنها، ما صفتها، ما تعرفون عنها؟ هل هي كذابة، دجالة، فاجرة؟ لا. بل ( صِدِّيقَةٌ )[المائدة:75]، من شهد لها بهذه؟ الله جل جلاله، كثيرة الصدق لا تعرف الكذب أبداً بحال من الأحوال، وعندنا نحن صديقة هي عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق، فهي والله صديقة، حبيبة رسول الله وزوجته، بنت أبي بكر .

إذا: مريم صديقة، فكيف تجعلونها إلهاً مع الله وهي صديقة صادقة لا تعرف الكذب والافتراء والباطل بحال من الأحوال؟ قال تعالى: ( صِدِّيقَةٌ )[المائدة:75]، ما قال: نبية أو رسولة، ما هي بنبية ولا رسولة، ولكن صديقة، يكفيها هذا الفخر والشرف، الله أثبت لها هذا الوصف وشهد به لها، فمن يساوي مريم عليها السلام العذراء البتول.

معنى قوله تعالى: (كانا يأكلان الطعام)

إذاً: ( كَانَا )[المائدة:75]، أي: هي وولدها ( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ )[المائدة:75]، كان عيسى يأكل الطعام، يأكل البقلاوة والتمر والفاكهة، والصديقة التي قالوا فيها في الأقانيم الثلاثة: إنها إله كانت تأكل الطعام، إي: الخبز واللحم والفاكهة، كيف الذي يأكل الطعام يكون إلهاً؟ إذا انقطع عنه الطعام مات بالجوع، أهذا يقود الخلق ويدبر الكائنات فيعبد مع الله ويقال فيه: إله؟ أين يذهب بعقولكم؟ وفوق ذلك الذي يأكل الطعام يمتلئ بطنه فيخرأ أم لا؟ يفرز العفن والنتن أم لا؟ هذا الذي يذهب إلى المرحاض ويخرأ هل يصلح أن يكون إلهاً؟ أعوذ بالله.. أعوذ بالله! أين الذوق؟ أين الفهم؟ أين المنطق؟ أين العقول؟ الشياطين تسخر بالبشرية وتستهزئ بها، الذي لا يستطيع أن يعيش بدون طعام وشراب هل يكون إله الخلق ويدبر حياتهم؟ مستحيل هذا، فهذا الفهم وسخ ما هو بعقل هذا أبداً.فما المسيح ابن مريم بنبي ، ما المسيح ابن مريم بإله، ولا ثاني اثنين مع الله، ولا هو الله، وأمه كذلك صديقة.
(كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ )[المائدة:75]، والذي يأكل الطعام يتغوط أم لا؟ والذي يفرز العفن يصلح أن نعظمه ونعبده ونسجد له ونرفع أيدينا نسأله ليعطينا؟ لو انحصر الطعام في بطنه لمات، فلا إله إلا الله! ما هذا البيان الإلهي! قولوا: آمنا بالله.. آمنا بالله.. آمنا بالله. هذا كتاب الله فيه العجب، رضي الله عن إخوان لنا من الجن قالوا: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )[الجن:1-2]، مجموعة من الجن مروا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الصبح في بطن نخلة بين مكة والطائف، ما إن سمعوا حتى التفوا حوله، وسمعوا، وعادوا إلى أقوامهم: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا )[الجن:1]، وقالوا: ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأحقاف:31-32].

أنتم الآن تذوقتم ما تذوق الجن أم لا؟ هذا الكلام أليس بعجب؟ أبطل التثليث وانتزعه من قلوب الناس، أنهاه، أنهى فكرة أن عيسى إله وأن مريم إله، بالعقل والمنطق: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ )[المائدة:75] فقط، ما هو بالله ولا بابن الله ولا ثالث ثلاثة مع الله، ( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )[المائدة:75]، ما هي بأقنوم من الأقانيم المكذوبة، صديقة لا تعرف الكذب

و( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ )[المائدة:75]، الذي يأكل الطعام يخرأ أم لا؟ والذي يفرز العفن هل يصلح أن يعبد؟ كيف يسأل أو يدعى؟ آمنا بالله.. آمنا بالله.. آمنا بالله.

معنى قوله تعالى: (انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون)
ثم ختم تعالى الآية بقوله: (
انظُرْ )[المائدة:75] يا عبد الله، ( انظُرْ )[المائدة:75] يا رسولنا، ( كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ )[المائدة:75]، أي تبيين أعظم من هذا التبيين؟ ( انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ )[المائدة:75] الحاملة للحجج والحاملة للبراهين الساطعة على أنه لا إله إلا الله، وأن عيسى ليس بالله ولا بابن الله، ولا ثالث ثلاثة مع الله، انظر بعيني قلبك ( كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ )[المائدة:75] أيضاً ( أَنَّى يُؤْفَكُونَ )[المائدة:75]، كيف يصرفون عن الحق وهم يشاهدونه؟ أنت بين يديك طعام فتأكل وتقول: ما عندنا طعام. كيف هذا والطعام بين يديك وأنت تمضغ وتقول: لا. ما عندنا طعام؟ (ثُمَّ انظُرْ أَنَّى )[المائدة:75]، أي: كيف ( يُؤْفَكُونَ )[المائدة:75]، من يأفكهم؟ ومن يصرفهم؟ الشياطين والأهواء والشهوات والذين يريدون أن يكونوا رؤساء عليهم يسودونهم ويحكمونهم.



تفسير قوله تعالى: (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ...)

ثم قال تعالى في الآية الرابعة لرسوله وحبيبيه والمبلغ عنه: ( قُلْ )[المائدة:76] يا رسولنا، وجه إليهم هذا الخطاب: ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا )[المائدة:76]، ( أَتَعْبُدُونَ )[المائدة:76]، أما تخجلون، أما تستحون، أما تفهمون؟ تعبدون من لا يملك ضراً ولا نفعاً! كيف يعبد من لا يملك لي ضراً ولا نفعاً؟ ومن يملك الضر والنفع؟ إنه الله.
هذا سيد الخلق الحبيب صلى الله عليه وسلم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو وقفت على قبره ألف سنة تقول: يا رسول الله! إني مريض، يا رسول الله! إني جائع، يا رسول الله! بلادنا استعمرت، يا رسول الله! امرأتي غضبى؛ فلن تسمع منه كلمة، ولا يجيبك في قضية، فكيف تعبده إذاً؟!
أما فهمتم هذا التعجب: ( قُلْ )[المائدة:76] يا رسولنا ( أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا )[المائدة:76]، لا يدفع عنكم ضراً ولا يكسبكم نفعاً، اعبدوا الذي إذا رفعت كفيك إليه وقلت: يا رب سمعك وأجابك وقضى حاجتك إن كان في ذلك خير لك. ‏

معنى قوله تعالى: (والله هو السميع العليم)

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[المائدة:76]، (السَّمِيعُ) لأصوات كل من يناديه ويدعوه، (الْعَلِيمُ) بحال كل من يسأل ويطلب، يعرف ما يحتاج الآن وما يحتاج مستقبلاً. انظروا يا عباد الله لتفهموا أن الدعاء هو العبادة، من دعا غير الله كفر، من دعا غير الله أشرك، من دعا غير الله جهل الله، من دعا غير الله اعتدى على الله، من دعا غير الله خاب وخسر، وأصور لكم ذلك في رجل يرفع يديه إلى السماء يدعو الله، وأبين ذلك فأقول:
إن هذا الرجل فقير محتاج، فما الدليل على فقره واحتياجه؟ الدليل: رفعه كفيه يستعطف ويسترحم، فهل هو فقير أم لا؟ محتاج أم لا؟
ثانياً: الذي رفع كفيه إليه يعلم أنه يراه، لو لا يقينه بأن الله يراه ما رفع كفيه إليه وهو بعيد عنه، لكن علم أن الله يراه، ولهذا رفع كفيه إليه.
ثالثاً: ها هو يدعو يقول: اللهم اغفر لنا.. اللهم ارحمنا، لولا علمه أن الله يسمع كلامه فهل سيسأله بلسانه؟ لولا يقينه أن الله يسمع كلماته التي ينطق بها ما كلمه ولا قال: أعطني ولا اغفر لي، لكنه موقن أن الله يسمعه، أليس كذلك؟
رابعاً: لو كان الله ما هو فوق عرشه فوق سماواته لم يرفع يديه هكذا؟ موقن أن الله فوقه.
فلهذا الدعاء هو العبادة، الدعاء مخها، من دعا غير الله حبط وتمزق وكفر وتلاشى، فلهذا أحذر الغافلين أن يسألوا غير الله شيئاً، لا نبياً ولا رسولاً ولا ولياً ولا حاضراً ولا غائباً، اللهم إلا ما أذن الله فيه لنا: أخي إلى جنبي وأنا ظمآن، فأقول: اسقني ماء، فلا بأس، هربت دابتي أو تعطلت سيارتي فقلت: يا عبد الله! تعال أعني عليها، لا بأس، أما أن تقف في الطريق وتقول: يا راعي الحمراء، يا مولى بغداد، وبينك وبينه ألف سنة وعشرة آلاف كيلو وتدعوه وتقول: يأتي ليساعدني؛ فأين يذهب بعقلك يا عبد الله؟ كيف يصح هذا؟!
(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[المائدة:74-76]، هو الذي ندعوه ونسأله؛ لأنه يسمع نداءنا ويعرف أحوالنا، ويقدر على إعطائنا أو منعنا؛ لأن بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير.

ومع هذا ما زال إخوان لنا وأبناء يقولون: يا سيدي فلان، يا فلان يا فلان! وهذا صفوة الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو وقفت غير عام ولا عشرة على الحجرة تناديه ما أجابك، ولو فرضنا أنه أجابك فلن يعطيك ريالاً ولا كأس ماء، فالذي تدعوه ويستجيب هو الله، لا إله إلا الله ولا رب سواه، فلا ندعو إلا الله عز وجل.
هذا والله تعالى أسأل أن يغفر لي ولكم ولسائر المؤمنين والمؤمنات وأن يرحمنا أجمعين، وأن يتوب علينا أجمعين، وأن يحفظنا حتى نلقاه صالحين. اللهم آمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:49 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (29)
الحلقة (339)
تفسير سورة المائدة (35)




وقفة مع إرسال السلام على الرسول مع زائر المدينة


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة.
وبين يدي الدرس أعلم بعض الأبناء والإخوان الجاهلين بالسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ يقول أحدهم: لقد أوصاني فلان بأن أسلم له على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيت المدينة النبوية، ويقول: لقد نسيت فما بلغت الأمانة ولا سلمت له على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الجهل وعدم العلم، من عدم المعرفة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يبلغ السلام بالواسطة أبداً، فنحن نصلي عليه وسلم بأي مكان من العالم العلوي أو الأرضي السفلي فيبلغه سلامنا مباشرة، فلا يحتاج إلى واسطة، ويدلك على هذا أننا ما صلينا في ليل أو نهار فريضة أو نافلة إلا قلنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ما نصلي ركعتين إلا ونحن جالسون بين يدي الله، ونبدأ بتحية الله: التحيات لله والصلوات والطيبات، أي: كلها لله، ثم نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ووالله إنه ليسمعها أكثر من سماعكم لي، وقبل أن يكشف الله الغطاء ويزيح الستار عن هذه المغيبات كان المسلمون يؤمنون بما أمرهم الرسول أن يقولوه، ولا يدرون كيف، أما نحن ففي بيوتنا نتكلم مع الناس في الشرق والغرب في السماء والأرض، هل هناك من ينكر أن شخصاً في نيويورك تسلم عليه وأنت في المدينة؟ هل تقول: مستحيل؟ ما هو بمستحيل.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتبك بعض الأصحاب، فقال الآن نقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، لا نقول: السلام عليك أيها النبي، فأيام كان يصلي بنا وأمامنا نواجهه بالخطاب ونقول: السلام عليك أيها النبي، أما وقد مات صلى الله عليه وسلم وهو في الملكوت الأعلى فنقول: السلام على النبي. فقال أهل العلم كـأبي بكر وعمر وغيرهما: لقد أمرنا الرسول أن نقول هكذا فيجب أن نقول هكذا، لا عبرة بحياته وموته، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني، وسلموا علي حيثما كنتم فإن سلامكم يبلغني )، آمن المسلمون قروناً عديدة وهم موقنون بأن السلام يصل والصلاة تبلغ، إلا أننا الآن بهذه الاكتشافات التي أزاح الله بها الستار وأصبحنا نحيي من بيننا وبينه آلاف الأميال، ويسمعنا ونسمعه بهذا الهاتف، والآن هل يبقى شك في قلبك إذا قلت: السلام عليك أيها الرسول أنه يسمع؟ يبلغه، فلست في حاجة إلى أن تقول: يا عبد الله! سلم لي على الرسول إذا زرت المدينة، لا معنى لهذا الكلام أبداً، إلا أن الشيطان يريد أن يحرمكم من الأجر فلا تصلي ولا تسلم، وتقول: سلم لي على الرسول، بل صل وسلم عليه أنت في مكانك يبلغه، هل فهمتم معشر المستمعين هذه الحقيقة؟ ألستم تقولون: السلام عليك أيها النبي في كل صلاة؟ أنت بين يدي الله، والله نصب وجهه لك ويسمع كلامك وتصلي وتسلم على نبيه فيبلغه ذلك، فالحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.

تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ...)

وها نحن مع هذه الآيات المباركات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )[المائدة:77]، هذه الآية عجب، يأمر الله رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم؛ لأن (قُلْ) فعل أمر أم لا؟ من الآمر؟ الله جل جلاله. من المأمور؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قُلْ) يا رسولنا، قل أيها المبلغ عنا، ( قُلْ )[المائدة:77]، ماذا؟ ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:77]، من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى.

وتقدم في آخر سورة النساء: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ )[النساء:171]، فلا تكذبوا وتقولوا: عيسى ابن الله، ولا هو الله، ولا هو ثالث ثلاثة مع الله، هذا غلوا وافتراء وباطل، وهنا قال تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77]، أولاً: النصارى قالوا: عيسى ابن الله، وقالوا: هو الله، وقالوا: هو ثالث ثلاثة، وهذا التثليث، هذا كذب، والله إنه لكذب، والله إنه لباطل، والله إنه لمنكر، وهذا هو الغلو والعياذ بالله، عيسى عبد الله وتقول: هو الله؟! تقول: دخل الناسوت في اللاهوت؟! والشياطين تزين الباطل وتحسنه ويمد الناس أعناقهم ويقبلون كل ما يقال لهم ويسمعون، فأين العقول؟

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )[المائدة:77]، والغلو: هو الزيادة، وضد الغلو الهبوط، ضد الزيادة النقصان، إذاً: الوسط الوسط، وقد قال تعالى في تكريمنا: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا )[البقرة:143]، أمة الإسلام أمة وسط، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو وازدياد ولا نقصان، ولكن العدل العدل.

إذاً: ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77]، النصارى قالوا: عيسى ابن الله. واليهود قالوا: عيسى ابن زنا، وليس ابن مريم ولا هو كلمة الله، فلاحظ الغلو في الذين قالوا: هو الله وابن الله، والنقصان والتفريط في الذين قالوا: ابن زنا وقالوا: ساحر، فاليهود يقولون: عيسى ساحر، أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بسحره، ليس هو برسول الله.

(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا )[المائدة:77]، (أَهْوَاءَ): جمع هوى، والهوى -والعياذ بالله- هو ما تمليه النفس وتزينه الشياطين ويهوي به الإنسان إلى أن يصبح كالحيوان، ويسقط به ويهوي في جهنم، ( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا )[المائدة:77]، من هم؟ غلاة اليهود والنصارى، ( وَأَضَلُّوا كَثِيرًا )[المائدة:77]، أضلوهم وأخرجوهم عن الحق؛ لأنهم يريدون أن يتبعوهم على هواهم وباطلهم، ( وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )[المائدة:77]، وخرجوا عن الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، هذا من رحمة الله، هذا من إحسان الله لعباده، يأمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن ينادي أهل الكتاب اليهود والنصارى بهذا العنوان، ويقول لهم: ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77].

وجوب عبادة الله بما شرع من غير زيادة ولا نقصان

وإذا كان اليهود والنصارى نهو عن الغلو فهل نحن مسموح لنا بذلك؟ نحن قبلهم مأمورون بالعدل والاستقامة، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا نقصان، ولكن ما جاءنا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إن كان عقيدة اعتقدناها، قولاً قلنا به، عملاً عملنا به، ولا نقدم ولا نؤخر ولا نزيد ولا ننقص، إذ الزيادة كالنقصان تبطل العمل وتفسده، ويصبح العمل لا يزكي النفس ولا يطهر الروح.إذاً: نؤمن بما آمن به رسول الله وأصحابه، ونقول ما قاله رسول الله وأصحابه، ونعمل ما عمل به رسول الله وأصحابه، ولا نزيد ولا ننقص لا غلو ولا إفراط ولا تفريط، نحن أولى بهذا، وإن كانت رحمة الله تجلت في بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )[الأعراف:158]، أبيضكم كأصفركم، وأولكم كآخركم، أنا مبلغكم عن الله ما به تسعدون وتكملون، فآمنوا واتبعوا، أما الزيادة والنقصان في الدين فمن شأن هذه الزيادة والنقصان أن تبطل الدين وتعطل الدين، وتعطل مفعوله ولا يصبح منجحاً ولا منجياً ولا يفوز به أحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ).


سنة الله تعالى في تحصيل الطهارة بالعبادات

وإليكم سر هذا: إن الطعام يشبع والماء يروي الشارب، والنار تحرق الأجسام، والحديد يقطع، هذه سنن لا تتبدل، فهل سيأتي يوم يصبح الآكل لا يشبع، والشارب لا يرتوي، والنار تدخل وتتمرغ فيها فما تحرق، والحديد لا يقطع أي جسم؟ كلا، سنة الله لا تتبدل. فكذلك العبادات التي شرعها الله لعباده، هذه العبادات سر شرعيتها -والله- من أجل تزكية النفس وتطهيرها؛ لأن السعادة كالشقاء متوقفان على زكاة النفس وخبثها، إذا زكت النفس، بمعنى: طابت وطهرت كما تطهر الثياب والأجسام، هذه النفس إذا زكت وطابت وطهرت قبلها الله ورضي عنها ورفعها إليه؛ لتسعد في عالم السعادة فوق هذه السماوات السبع، في ذلك العالم الأعلى، وإذا خبثت النفس وأنتنت وتعفنت ما قبلها ولا رضي عنها وجعل مصيرها الدركات السفلى في العالم الأسفل، واقرءوا: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ )[التين:1]، الله يقسم: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )[التين:1-5]، اللهم ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )[التين:6]، الإيمان الصحيح والعمل الصالح من شأنهما تزكية النفس وتطهيرها، فمن آمن وعمل صالحاً زكى نفسه وطيبها وطهرها، فبمجرد أن يموت وتنفصل الروح عن البدن يعرج بها الملائكة إلى الملكوت الأعلى، لتبقى هناك فتسعد مع مواكب أربعة، قال تعالى في بيان هذا: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ )[النساء:69]، إنسياً كان أو جنياً، أبيض أو أسود، في الأولين أو الآخرين، ذكراً كان أو أنثى، فقيراً أو غنياً، ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ )[النساء:69]، طاعة الله وطاعة الرسول في أي شيء يا عباد الله ويا إماء الله؟ فيما يأمران به وينهيان عنه، هل هناك شيء غير هذا في الطاعة؟ الذي يأمر الله تعالى بفعله أو قوله أو اعتقاده طاعة الله والرسول فيه تزكي النفس البشرية وتطهرها، وما ينهى الله ورسوله عنه من اعتقاد فاسد أو قول سيئ أو عمل غير صالح، ما نهى الله عنه ورسوله ففعله معصية لله والرسول، هذا الفعل يخبث النفس ويدسيها ويعفنها، ما تصبح أهلاً لأن يقبلها الله عز وجل.

وقد علمنا الله هذا في كتابه لو كنا ندرس القرآن الكريم، أما جاء في سورة الأعراف قول الله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا )[الأعراف:40]، ما لهم؟ أخبرنا يا رب عنهم؟ ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ )[الأعراف:40-41]، الذين كذبوا بآيات الله ما عملوا بها، لو آمنوا لعملوا، ولكن استكبروا عنها، والمستكبر هل يعبد الله؟ هل يغتسل من جنابة ويصوم ويصلي؟ لا. لأنه مستكبر، هؤلاء المكذبون المستكبرون ماذا يقول تعالى عنهم؟ ( لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )[الأعراف:40]، حين يأخذ ملك الموت وأعوانه الروح ويستلونها من الجسم يعرجون بها، وحين يصلون إلى السماء الدنيا فيستأذنون للدخول بها فوالله لا يؤذن لهم: ( لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )[الأعراف:40]، ثانياً: ( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ )[الأعراف:40]، إلا على مستحيل، هذا من باب أن يفهم البشر كلام الله، هل تعرفون المستحيل؟ إنه الذي لا يمكن أن يتم بحال، المستحيل: هو الذي لا يقبل العقل وجوده.

إذاً: حتى نعرف ببساطة نقول: هل البعير الأورق -الجمل الكبير- يدخل في عين إبرة؟ مستحيل. إذاً: فصاحب الروح الخبيثة المنتنة المتعفنة بأوضار الشرك والذنوب والمعاصي مستحيل أن تفتح له أبواب السماء أو يدخل الجنة.
فاسمع قول الله تعالى: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ )[النساء:69] من عربي أو عجمي، أبيض أو أسود أو أصفر، من ذكر أو أنثى، ( فَأُوْلَئِكَ )[النساء:69]، أي: المطيعون، ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ )[النساء:69]، كم موكباً؟ أربعة مواكب، وكل من يطيع الله والرسول فهو معهم، ومن لم يطع الله والرسول فوالله ما كان ولن يكون معهم، لماذا يا فقهاء.. يا بصراء.. يا أهل لا إله إلا الله، لماذا؟

الجواب: لأن طاعة الله وطاعة الرسول تزكي النفس وتطهرها، ومعصية الله والرسول تخبث النفس وتدسيها، أمر واضح وضوح الشمس في النهار، وقد أقسم الجبار قسماً عظيماً عرفناه وكررناه، وهو قوله: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا )[الشمس:1]، هذه الصيغة صيغة يمين أم لا؟ كأنك تقول: والله الذي لا إله غيره. يقول تعالى: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )[الشمس:1-8]، هذه الأيمان من أجل ماذا؟ من أجل ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10].

يحلف الله بأعظم الأيمان والأقسام على هذه الحقيقة، وهي: ( قَدْ أَفْلَحَ )[الشمس:9]، أي: فاز، نجا من النار ودخل الجنة عبد أو أمة زكى نفسه، وخاب وخسر خسراناً أبدياً عبد أو أمة أخبث نفسه ودساها، رمى فوقها قاذورات الذنوب والآثام.

يتبع


ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:49 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
البرنيطة ورؤيا الشيخ رسول الله في المنام

إذاً: معاشر المؤمنين والمؤمنات! الله يأمر رسوله أن ينادي أهل الكتاب؛ لأنه رسول الله إليهم، وإلى الإنس والجن عامة، يقول لهم: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )[النساء:171]. فيا شيطان.. يا صاحب البرنيطة! اذهب عنا وانزعها من رأسك، أرأيتم كيف يصنع العدو بكم؟ أسألكم بالله: أيجوز هذا لأولادنا؟
أقص عليكم رؤيا صادقة، منذ ثلاث وأربعين سنة لما أسقط عرش فاروق مصر، وحكم نجيب وعبد الناصر ؛ فماذا فعل الجهل فينا لما صرخ نجيب بالعروبة؟
يوجد خياط في باب المجيدي يخيط بدلة صغيرة تسمى بدلة نجيب، والبدلة هي السروال والقميص والبرنيطة.
وكنا قبلها في ديار المغرب، علماؤنا كعوامنا ما يضع برنيطة على رأسه إلا كافر فقط، وكانت الحكومة كافرة، ففرنسا كانت تحكم شمال إفريقيا، فالبوليس المسلم يعمل طربوشاً أحمر وهو بوليس، والبوليس الكافر يعمل برنيطة، حتى في الجيش الفرنسي المسلم يعمل طربوشاً والكافر يعمل برنيطة؛ إذ هي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، فلما جئت مهاجراً من هناك دخلنا المدينة في صفر أو في محرم، وجاء رمضان، فرجالات المدينة وأعيانها يأتون بأطفالهم يوم العيد لزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم، يأتي أحدهم وهو بعمامته وطفله كهذا الشيطان يلبس البرنيطة والبدلة، يسمونها بدلة نجيب.
البرنيطة كما هي كأنها كابيتان فرنسي أو يطنان، وتألمت وتمزق قلبي: كيف هذا؟ يتحدون رسول الله، يأتون بأطفالهم هكذا يتبجحون؟ ما عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال قاعدة لن تخرق أبداً: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، ليستقل المسلم استقلالاً كاملاً، حتى لا يختلط بأهل الكفر في الزي والمنطق والحال، ( من تشبه بقوم فهو منهم )، لو اجتمع علماء الطبيعة والكون والنفس والسياسة فبالله الذي لا إله غيره ما استطاعوا ولن يستطيعوا أن ينقضوا هذه القاعدة المحمدية: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، يعني: من أراد أن يكون مثل فلان في زيه، في منطقه، في أكله، في مشيته والله لا يبرح حتى يكون مثله، فمن القائل؟ أستاذ الحكمة ومعلمها، أما قال تعالى: ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[البقرة:129]، فكان المسلمون مستعمرين ويحافظون على إسلامهم بالزي، ما يلبس كما يلبس اليهودي أو النصراني؛ ليبقى مستقلاً بدينه.

وتألم الشيخ وتحرق، ويومها كان شاباً، وبدأنا بالتدريس والحمد لله، رحم الله الملك سعود وتغمده برحمته، قدمنا له معروضاً فقال: باسم الله درس، وإذا بي في رؤيا منامية واحفظوها: رأيتني أمام باب السلام هذا الموجود، ولكن كان بين الباب وبيني حفرة واسعة وعميقة، وفي وسطها جنازتان، نعشان مسجان، وأنا واقف، وإذا بإحدى الجنازتين تجلس على النعش، ألا وهو أحمد الزهراني حبيبنا من شرطة المسجد، يجلس بعمامته الخضراء على رأسه، فقلت: سبحان الله! إذا كان الشرطي حياً فالرسول من باب أولى، ففهمت أن النعش الآخر للرسول صلى الله عليه وسلم، فجأة وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم واقفاً وتلك الحفرة قد انتهت، وأنا أقول: يا رسول الله! استغفر لي.. يا رسول الله! استغفر لي، والله إني لفي رعشة وعجب في ذلك الموقف، فنظر إلي بوجهه النوراني وقال: أرجو، فما تبينت هل هذا فعل مضارع أو فعل أمر؟ إذا كان أمراً يقول لي: ارج، أي: أنا أرجو أن يستغفر لي، وإذا كان الفعل مضارعاً فهو صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أرجو أن نستغفر لك.
وفجأة وإذا كرسي حجري طويل أبيض إلى جنب باب السلام والرسول صلى الله عليه وسلم جالس عليه كالبدر، وأنا واقف مندهش، وإذا بطفل من هؤلاء يقف بيني وبينه ببدلة نجيب وبرنيطة نجيب، فوالله الذي لا إله غيره لقال بيده هكذا: أبمثل هذا يبتغون العزة؟ والاستفهام للإنكار والتعجب، ومن ثم فالعرب في مهانة وذل، واليهود يذلونهم في كل معركة؛ لأن عبد الناصر ونجيباً فرضا على العرب أن يوحدوا جيوشهم بالبرنيطة، ومن ثم هل أعزنا الله؟ هل انتصرنا على اليهود؟ فكم من معركة نخرج منها مهزومين، وهذه عبرة أم لا؟ والحمد لله، فترك أهل المدينة تلك البرنيطة لأولادهم، ما إن سمعوا الرؤية وتكررت كذا يوماً أو شهراً حتى انتهت، وفجأة الآن وجدناها تظهر من جديد، من هم الشياطين؟ الذين يوردونها من التجار ويبيعون لأطفال المسلمين، هم لا يعدون هذا شيئاً أبداً، ولكن أهل البصيرة يعرفون أنهم يريدون أن ينزلوا بنا من علياء السماء إلى هذه الأرض الهابطة شيئاً فشيئاً حتى يصبح نساؤنا كنسائهم، ورجالنا كرجالهم، وحكامنا كحكامهم، وجيوشنا كجيوشهم، إذاً: ماذا بقي للإسلام؟ انتهينا، فزغردي يا إسرائيل فقد انتصرتِ. فهل تذوقتم هذا؟ هل حفظتم القاعدة المحمدية: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، أحب أم كره، يوماً فيوماً وهو يتشبه حتى يصبح على مستواهم العقلي والذوقي في الحياة كلها، فلا إله إلا الله، محمد رسول الله، متى نفيق من صحوتنا؟ متى نرجع إلى طريقنا؟ كبلونا، قيدونا، أبعدونا، هل تقوم لنا الحجة يوم القيامة على الله؟ إذا قلنا: يا رب! هم فعلوا بنا هذا؟ فهل سيقول: لا بأس فأنتم ظُلِمتم، أنتم مقهورون، ادخلوا الجنة؟ والله ما كان، الذي يعذر هو المضطهد المعذب بالحديد والنار على أن يقول كلمة الكفر، أو على أن يسلك سبيل الشياطين بالحديد والنار، هذا معذور، قال تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ )[النحل:106]، أما نحن فنجري وراء الغرب، وراء شهواتهم ولذائذهم، ونتفنن بفنونهم في الملبس والمأكل والمشرب والمنكح والمنطق والذوق والعمل ثم نقول: نحن مقهورون! أيقبل هذا الكلام؟

من قهرنا؟ من أذلنا؟ قلت لكم: فرنسا كانت حاكمة وبريطانيا، وما استطاعت أن تجبرنا على النصرانية أو على اليهودية حتى في الزي، فهيا نخرج من هذه المحنة، باسم الله، وقد يقال: لا نستطيع؟ لم؟ هل هناك أغلال في أرجلنا وأعناقنا؟ لا والله أبداً، بل حرية كاملة، اعبد الله في العالم بأسره، ما هناك من يطردك أو يبعدك عن عبادة الله، لا في أوروبا ولا أمريكا فضلاً عن عالم الإسلام والمسلمين، فقط سحرونا فاستجبنا.


المخرج من أزمة المسلمين المعاصرة

هيا نبحث عن المخرج، ولندع الجماعة الهائجة الذين يبحثون عن الحاكمية والخلافة، يحلمون، ولو جاء عمر بن الخطاب أيستطيع أن يفعل شيئاً؟ لا يستطيع، حتى يهذبنا ويربينا وحتى يرانا مؤمنين موقنين مستقيمين، ذكرنا لله، وقلوبنا مع الله، حينئذٍ إذا أمر يطاع، فالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، فهل أمر بأن تقام دولة الإسلام أو يقام حد في مكة؟ هل أذن لأصحابه أن يغتالوا كافراً؟ والله ما أذن. هل أذن لأصحابه أن يلعنوا ويسبوا الكفار والمشركين؟ ما أذن في هذا، واقرءوا سورة الأنعام: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ )[الأنعام:108]، في مكة ما أذن الله ولا رسوله لمؤمن من أولئك المؤمنين وهم يعذبون ويضطهدون أن يغتالوا أو يقتلوا أو يسبوا أو يشتموا ثلاث عشرة سنة، ولما نزل المدينة النبوية هل أمرهم أن يغتالوا واحداً أو يقتلوا مشركاً أو كافراً أو منافقاً؟ حتى وجدت الأمة وأصبحت قادرة على أن تقاوم الكفر والكافرين، فنزل قول الله تعالى: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )[الحج:39-40].إذاً: الذين يطالبون بالجهاد والخلافة والله إنهم لمخطئون، بالله الذي لا إله إلا الله غيره! إنهم لواهمون، والله! إنهم ليعيشون في متاهات، وقد ذقنا المرارة وآلام من هذه الصيحة في عدة بلاد حتى هبطنا.
الطريق: هو أن نؤمن إيماناً حقاً، وأن نجتمع في بيوت ربنا، نبكي بين يدي مولانا، لا نسب ولا نشتم ولا نعير ولا نقبح ولا نكفر ولا نسخر ولا نستهزئ بكافر ولا بمؤمن، ولكن نجتمع في بيوت ربنا نستمطر رحماته نتعلم الكتاب والحكمة، نساءً ورجالاً وأطفالاً، فإذا أهل البلد أو الإقليم عرفوا الله عز وجل معرفة يقينية وأعطوه قلوبهم ووجوههم واستقاموا على منهجه الحق عقيدة وسلوكاً؛ فحينئذٍ طابوا وطهروا، والله لو رفعوا أكفهم وسألوا الله أن يزيل الجبال لأزالها، لو قالوا: الله أكبر ودخلوا فلسطين لشرد اليهود وهربوا ولو بغير سلاح، أما ونحن كل يوم نزداد هبوطاً، العقائد تذوب وتتحلل، الأخلاق تذوب، الأطماع تزداد، الشره والطمع والتكالب على الدنيا وشهواتها، فكيف نعالج، كيف نعود؟
من أين نبدأ؟ نبدأ بما بدأ الله به ورسوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ )[النور:36-37]، من هنا نبدأ، أهل القرية يوسعون جامعهم حتى يتسع لأفرادهم نساءً ورجالاً وأطفالاً، أهل الحي في المدن، كل مدينة فيها أحياء، أهل الحي يوسعون جامعهم حتى يتسع لأفرادهم نساءً ورجالاً وأطفالاً، وإذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، وتطهر النساء والرجال وجاءوا إلى بيت ربهم يبكون بين يديه، يصلون المغرب هكذا كما صلينا، والنساء وراء ستارة والفحول أمامهن والمعلم يجلس لهم كمجلسنا هذا، والتعليم: قال الله وقال رسوله، لا مذهبية ولا طائفية ولا حزبية ولا وطنية، مسلمون أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، نور الله بين أيدهم وبرهانه فيهم، هذا رسول الله، وهذا كتاب الله، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا )[النساء:174-175].

سنة واحدة في القرية أو في الحي وأهله يجتمعون يتعلمون فما تبقى فوارق ولا نزعات أبداً، لا تقل: أنا مالكي ولا شافعي ولا حنبلي ولا إباضي ولا زيدي ولا إثني عشري، بل مسلم تدرس كتاب الله، قال الله جل جلاله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا )[آل عمران:102-103].

ولا تسألني عن نتائج هذا الاجتماع على الكتاب والسنة، والله ما يبقى مظهر من الفقر المدقع ولا الظلم ولا العبث ولا الجهل ولا الشرك ولا الخرافة ولا الضلالة، وتصبح تلك القرية كأنهم أسرة واحدة يعيشون كأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما هناك من يفتح عينيه ظلماً أو يقول كلمة سوء أو يمد يديه اعتداء على إخوانه، والله ما كان ولن يكون، ثم ماذا يظهر؟ تتجلى حقائق الرحمة الإلهية في عباده، وفي يوم من الأيام نقول: الله أكبر فتسقط الدنيا أمامنا، وغير هذا الطريق والله لا طريق، وكل يوم نزداد هبوطاً، فهيا نرجع إلى الله يا عباد الله.
أسألكم بالله: أي بلد إسلامي منع أهله أن يجتمعوا في بيت الله يدرسون كتاب الله وسنة رسوله؟ نعم وجد الآن في بعض البلاد، لكن بعد أن أوقدنا نار الفتنة وأججناها وأشعلناها فينا، لا بد أن نصلح أولاً، أن نعلن عن خطئنا وزلاتنا ونتوب إلى ربنا في صدق، ويومها يفتح الله أبواب السماء، أما هكذا فسنزداد كل يوم هبوطاً، وفساداً في العقائد، في الآداب، في الأخلاق، تسيطر الشهوات وأطماعها واللذات والملاهي، فلا إله إلا الله! من ينقذنا؟ ما يبقى إلا أن نقول: النجاة.. النجاة. يا عبد الله! اطلب النجاة لنفسك وإن هلك أهل القرية كلهم، يا عبد الله! اطلب النجاة لنفسك وإن هلك كل من في البلاد، اطلب النجاة لنفسك، قل: أنا مسلم فقط، واسأل كيف تعبد ربك وكيف تتملقه بطاعته وعبادته، على ضوء (قال الله قال رسوله)، وانتظر الموت لتنجو من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة، هذا هو الطريق، هذا سبيل الله، هذا سبيل النجاة، يا علماء! أين أنتم؟ اجمعوا أمتكم على كتاب الله وسنة رسوله، علموهم الآداب والأخلاق السامية، لا سب ولا شتم ولا تعيير ولا تكفير ولا نقد ولا طعن، ليس من شعارنا هذا أبداً، المسلم لا يقول كلمة السوء طول حياته، المسلم لا يمد يده بسوء أبداً لأي أحد كان إنسياً أو جنياً، لو قام العلماء بهذا ونهضوا، وقد قدمنا لهم رسالة بعنوان: (كتاب مفتوح إلى علماء الأمة وحكامها)، يا علماء! زوروا حكامكم وتفاهموا معهم، واجمعوا أمتكم في بيوت الله هذه الساعة والنصف، وباقي الساعات في المزارع والمصانع، اشتغلوا وأنتجوا، زكوا أنفسكم وطيبوا أرواحكم وتهيئوا للملكوت الأعلى دار السلام؛ فإن الله قد أصدر حكمه: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10].

اللهم أعنا على تزكية أنفسنا وتطهير قلوبنا وتطهير أرواحنا، واجمعنا مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:51 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (30)
الحلقة (340)
تفسير سورة المائدة (36)


قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل ذلك اليوم إن شاء الله تعالى، وهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:77-81].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ معنى الآيات:

مازال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهوداً ونصارى، فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ )[المائدة:77] يا رسولنا: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:77]، والمراد بهم هنا النصارى: ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77]، أي: لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم، فتبتدعوا البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها، التشدد محمود في الحق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً، لا في المحدثات الباطلة، ( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ )[المائدة:77]، وهم اليهود؛ إذ قالوا في عيسى وأمه بأهوائهم، فقالوا في عيسى: ساحر، وقالوا في أمه: بغي. ( وَأَضَلُّوا كَثِيرًا )[المائدة:77] من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم، ( وَضَلُّوا )[المائدة:77]، أي: وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم، هذا ما تضمنته الآية الأولى ]، وهي قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )[المائدة:77].

[ أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية بأن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور، وعلى لسان عيسى ابن مريم في الإنجيل، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن، فقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ )[المائدة:78]، فقد مسخ منهم طائفة قردة، ( وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )[المائدة:78]، حيث مسخ منهم خنازير، كما لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في غير آية من القرآن الكريم، وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة، سببه ما ذكر تعالى بقوله: ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[المائدة:78]، أي: بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم.

وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ )[المائدة:79]، أي: كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ) ] أي: يأكل معه ويشرب ويقعد [ ( فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوبهم بعضهم ببعض، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:78] إلى قوله: ( فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ) ]، أي: تلا الآية كما هي: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:78-81].

[ ( ثم قال صلى الله عليه وسلم: كلا والله ) ]، معاشر المستمعين والمستمعات! هذه لنا، فتأملوها، اسمعوا رسول الله يحلف، اسمعوا رسول الله يبين، قال: [ ( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم ) ]، هذه لنا، اسمعوا رسول الله بعدما تلا هذه الآيات الثلاث، قال: ( كلا والله )، هكذا يحلف صلى الله عليه وسلم ( لتأمرن ) أيها المؤمنون المسلمون ( بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم )، أي: كما لعن اليهود والنصارى؛ إذ ما هناك فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين، الكل عبيد الله، الكل عبيد الرحمن عز وجل، الكل يريد الله منهم أن يعبدوه؛ ليسلموا وينجوا وليسعدوا ويكملوا، فإذا لعن اليهود والنصارى لإتيانهم المنكر واستمرارهم عليه، وعدم رجوعهم عنه؛ فنحن إذا استمررنا على الباطل والمنكر والبدع والضلال ولم نتراجع فهل نسلم من لعنة الله؟ الجواب: لا والله، الكل عبيد الله عز وجل.
ثم قال المؤلف غفر الله له ولكم: [ وفي آخر الآية قبح الله تعالى عملهم ] قبح عمل أهل الكتاب [ فقال: ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( تَرَى )[المائدة:80] ] بعينيك [ ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ )[المائدة:80]، أي: من اليهود في المدينة، ( يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:80]، يعني: من المشركين أو المنافقين في مكة والمدينة، يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالاتهم في دينهم وكتابهم ]، اليهود بالمدينة يوالون المشركين، وهم يعلمون أن المشركين كفار ملعونون، يعرفون أن المنافقين نافقوا وأظهروا الإيمان وهم يكرهون الدين ورسول الإسلام والمسلمين، واليهود يوالونهم، فكيف يوالي المؤمن الكافر؟ لو كانوا صادقين في دعوهم الإيمان ما كانوا يوالون الكافرين والمنافقين.

[ ثم قبح تعالى عملهم فقال: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ )[المائدة:80]، نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر والفساد، وهو سخط الله تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى ما لا نهاية له ] في دار القيامة [ فقال تعالى: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80]، لا يخرجون منه أبداً.

ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[المائدة:81] كما يجب الإيمان به ( وَالنَّبِيِّ )[المائدة:81] محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من الهدى ودين الحق ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ )[المائدة:81] من القرآن والآيات البينات ما اتخذوا الكفار والمشركين والمنافقين أولياء، ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إلا قليلاً منهم ] أفراد قلائل فقط، [ والفاسق عن أمر الله الخارج عن طاعته لا يقف في الفساد عند حد أبداً. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ].

يتبع

ابوالوليد المسلم 26-06-2021 04:51 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

هداية الآيات

معاشر المستمعين! نضع أيدينا على هداية هذه الآيات، فتأملوا.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: حرمة الغلو والابتداع في الدين، واتباع أهل الأهواء ]، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا )[المائدة:77]، ومعنى هذا: أنه يحرم على المسلم أن يبتدع في دين الله، أو أن يغالي فيه، أو يتبع أصحاب الأهواء في دين الله، ومن هنا عرفنا ما حدث في هذه الأمة بعد القرون الذهبية الثلاثة، انتشرت البدع والضلالات والخرافات وتقسمت الأمة وتجزأت؛ بسبب اتباع الأهواء، وتقليد أرباب الأهواء واتباعهم والتعصب لهم، حتى أصبحنا في أسوأ الأحوال، سبب ذلك أننا ما أخذنا بوصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم، أما قال: ( عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، وقد بين لنا الطريق وقد أعلنها واضحة صريحة عندما قال: ( ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )، ستفترق هذه الأمة كما افترق اليهود إلى اثنتين وسبعين فرقة، وكما افترق النصارى إلى إحدى وسبعين فرقة، والله! لتفترقن هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ووالله! لقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرق وطوائف ومذاهب، وكلها في النار، لم يا رسول الله في النار؟ لأنها ما عبدت الله بما شرع، فالعبادة التي شرعها الله تعالى هي التي تزكي النفس وتطهرها، أما ما ابتدعه المبتدعة فالعمل به لا يزكي النفس ولا يطيبها ولا يطهرها.

فقام رجل من أصحابه في ذلك المجلس المقدس الطاهر وقال: من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ وهذا السؤال يقع لكل المؤمن، فقال صلى الله عليه وسلم -واحفظوا واعملوا وطبقوا واطلبوا النجاة لأنفسكم- قال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، فيجب أن تكون عقيدتنا عقيدة رسول لله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا نختلف معهم أبداً فيها، يجب أن تكون عباداتنا كما كان رسول الله يعبد الله بها وأصحابه، لا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير، يجب أن تكون آدابنا وأخلاقنا كما كان عليه رسول الله وأصحابه، هذا سبيل النجاة، هذا يتوقف على المعرفة، يجب أن نعرف كيف كان يعتقد رسول الله وأصحابه في الله وفي لقائه وفي الإيمان، وما أمر الله بالإيمان به، يجب أن نعرف كيف كان رسول الله يتوضأ ويغتسل ويصلي ويحج ويعتمر، ونفعل كما كان يفعل، يجب أن نعرف كيف كان الرسول يتعامل مع الناس، فنتعامل كما كان يتعامل مع الناس، في آدابنا، في أخلاقنا، في معاملاتنا، هذا -والله- طريق النجاة، العلم أولاً، كيف كان الرسول يعتقد في الله ولقائه والدار الآخرة والملائكة والأنبياء والرسل السابقين، نعتقد كما كان يعتقد، كيف كان الرسول يعبد الله من التيمم إلى الاغتسال، إلى الرباط، إلى الجهاد، إلى القضاء، إلى الحكم، فنقضي ونحكم ونعمل كما كان الرسول صلى الله وسلم يقضي ويعمل، وليس هذا بالمستحيل ولا بالصعب أبداً، كل ما في الأمر أن نهيئ أنفسنا لأن نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا وتؤهلنا لرضا الله والسكن في دار السلام مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلا عنصرية ولا مذهبية ولا طريقة ولا حزب، إنما نحن مسلمون عباد الله، نعبد الله بما شرع، والحمد لله فقد حفظ الله لنا هذا الدين، حفظه بحفظه الخاص، وإلا لكان منذ مائة سنة فقط قد اختلط وما أصبح فيه ما يعبد به الله، لكن الله تعالى قال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر:9]، فحفظ لنا كلامه آية بعد آية في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، وحفظ لنا سنة رسول الله وإن داخلها الزيادة والنقص والتبديل، ولكن هيأ الله لها في كل عصر من يصونها ويحفظها كما هي؛ لتقوم الحجة لله على الناس، وإلا لكان على الله أن يجدد الرسالة ويبعث برسول.

معاشر المستمعين! في الآية الأولى: حرمة الغلو، والغلو: الزيادة، فلا تزد كلمة في دين الله، ما شأنك أن تزيد أنت وتنقص؟ لقد أنزل الله كتابه وبينه رسوله، الصلاة كما صلى الرسول، لو زدت سجدة في صلاة الصبح أو ركعة في صلاة المغرب بطلت صلاتك بالإجماع، ما هو شأنك أن تزيد، لو حاولت أن تنقص تكبيرة واحدة، فقلت: ما هناك حاجة إلى هذه التكبيرة في هذه الصلاة فصلاتك باطلة، ما معنى: باطلة؟ ما تزكي النفس، لماذا الآن نحن نسأل كيف نحج وكيف نعتمر؟ لعلمنا اليقيني أن هذه العبادة إذا لم نفعلها كما بينها الرسول فلن تؤثر على نفوسنا، أي: ما تزكي أرواحنا ولا تطيبها، وعلة العبادة تزكية النفس وتطهيرها، وطلبنا تزكية نفوسنا لعلمنا بحكم الله علينا، ألا وهو: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، فمن أراد الفلاح -وهو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار- فليزك نفسه، أي: فليطيبها وليطهرها، وما هي مواد التطهير؟ الإيمان الصحيح كإيمان الرسول وأصحابه، والعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى، وهو هذه العبادات من الصلاة إلى الصدقات وغيرها.

[ ثانياً: العصيان والاعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران ]، العصيان، أي: عصيان الله ورسوله بعدم فعل ما يأمران به وعدم ترك ما ينهيان عنه، هذا هو العصيان، والاعتداء: هو الظلم وتجاوز الحد، هذان ينتجان لصاحبهما الحرمان من رضا الله وجواره والخسران بالخلود في النار.
فمن أين عرفنا هذا؟ أما قال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )[المائدة:78]، بسبب ماذا؟ ( بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78]، عصوا رسل الله، عصوا الله ما عبدوه بما شرع لهم، ( وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78] بالظلم والطغيان والشر والفساد.

[ ثالثاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع ]، حرمة السكوت عن المنكر حين نراه ونسمعه ونسكت، ووخامة عاقبته على المجتمع بكامله، قال تعالى: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: كان الرجل منهم يرى أخاه على معصية، فينهاه: اتق الله واترك هذه، ومن الغد يراه يفعلها ويكون مؤاكله ومجالسه وقاعداً معه، فمن ثم ضرب الله قلوب بعضهم بعض ولعنهم.

وهذا بإجماع الأمة، فمن رأى منكراً يجب أن يغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه: يا عبد الله! لا تفعل، فإن لم يستطع بلسانه حيث خاف أن يؤذى في نفسه أو ماله أو أهله فليغيره بقلبه، أما أن نسكت عن المنكر ونرضى به فسوف يعمنا العقاب.
وضربنا لذلك مثلاً: قرية أو حي من الأحياء يخرجون القمامة ويرمونها عند الباب، هذا يرمي وهذا يرمي وليس هناك من يقول: لا تفعل، وليس هناك من يبعد هذه الأوساخ والقاذورات، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع تتحول تلك إلى بعوض وذباب وحشرات، ثم تتحول إلى أوبئة ويهلك أهل القرية كلهم، بسبب ماذا؟ لما رمى الرجل أو المرأة الوسخ عند الباب ما قال له أخوه: يا أخي! لا تفعل هذا، فهذا سبب مرضنا. لكن لما سكت وسكت الثاني والثالث وأصبحوا يرمون القمامة في الشوارع امتلأت الحارة أو الحي بالأوساخ والقاذورات وعمهم المرض، هذه هي الحقيقة، ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79].

إذاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع، فالقرية دخلها رجل جاء بمعصية وأعلنها، فأهل القرية عليهم أن يقولوا: يا فلان! ما ينبغي هذا، لا تبع هذا الباطل في بلدنا، لا تفعل هذا. يقول ذلك الأول والثاني والثالث، فيستحي ويخرج أو يترك هذا، أما أن يشاهدوه ويسكتوا ويفعله الكبير والصغير والذكر والأنثى فإنه تعم الفتنة.
[ رابعاً: حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد ]، الموالاة: هي المحبة والتعاون، حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد، فلا نحبهم ولا نمد أيدينا لعونهم ومعاونتهم، وبذلك نسلم، أما أن نوالي أهل الشر والكفر والفساد بحبنا لهم وتعاوننا معهم؛ فهذا -والله- هو الحالقة، هذا هو الدمار، دل هذا على قوله تعالى في الآية الكريمة: ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80].

حرمة موالاة أهل الكفر، ولو كانوا آباءنا وأبناءنا ونساءنا وأولادنا، وحرمة موالاة أهل الشر والفساد بيننا، لا موالاة، أي: لا محبة ولا تعاون معهم، بل يجب هجرانهم وتركهم حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الحق.
[ خامساً: موالاة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلامته في صاحبه ]، موالاة أهل الكفر بم تكون؟ بحبهم ونصرتهم على إخواننا المؤمنين، هذه هي آية الكفر، والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من أحب الكافر ونصره على إخوانه المؤمنين؛ لأن الله قال في بيان المؤمنين والمؤمنات بحق وصدق: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، والمؤمنون بحق وصدق والمؤمنات بحق وصدق من هم؟ ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، أي: يتحابون ويتعاونون ويتناصرون، فالذي لا يحب المؤمن -والله- ما هو بالمؤمن، والذي ينصر الكافر على المؤمن -والله- ما هو بمؤمن؛ إذاً لا بد من الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات، وهي الحب من بعضهم لبعض، والنصرة من بعضهم لبعض، أما أننا نحب أعداء الله وننصرهم على أولياء الله فأعوذ بالله.. أعوذ بالله! هذا هو الكفر الذي ما بعده كفر، دل على هذا قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81]، والفاسق: الخارج عن طاعة الله ورسوله، هو الذي يتحول إلى أن يحب أعداء الله ويكره أولياء الله، يتحول إلى أن يصبح ينصر الظلمة والمشركين والكافرين على المؤمنين والموحدين والمسلمين.

هذا والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعلى سائر المؤمنين.


عباد الله! آخر ما نقول: ينبغي أن نعرف كيف نعبد الله؛ إذ لا سبيل إلى النجاة إلا بمعرفة كيف نعبده، ثم نعبده بما شرع، وعبادة فيها ضلالة وفيها خرافة، وعقيدة فيها الزيغ والزيادة كل هذا خسران كامل، لا بد من أن نعبد الله بما شرع، وبذلك تطهر أنفسنا وتزكو أرواحنا وندخل دار السلام بقضاء الله وحكمه، إذ قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10].

اللهم زك أنفسنا أنت خير من زكاها، وآتها تقواها أنت وليها وموالاها يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (31)
الحلقة (341)
تفسير سورة المائدة (37)


تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل اليوم إن شاء الله تعالى، فهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
فهيا نتلوها ونتغنى بتلاوتها مرتين أو ثلاثاً وكلنا يتأمل ويتفكر ويتدبر، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، فإن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً تركناه وابتعدنا عنه، وإن كان أدباً تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان علماً علمناه من أجل أن نستنير به طول حياتنا، فحقق اللهم تعالى ذلك لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:82-86].

هيا نتأمل: من القائل: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82] ؟ الله عز وجل، هذه آيات كتابه القرآن الكريم، الذي أنزله على مصطفاه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: ( لَتَجِدَنَّ )[المائدة:82]، كأنما قال: وعزتنا ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، من هم الذين آمنوا؟ والله! إنهم لنحن، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، أي: بالله رباً وإلهاً، وبالقرآن كتاباً وبمحمد نبياً ورسولاً، الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر، هم المؤمنون.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً )[المائدة:82]، والعداوة بغض في النفس يحمل صاحبه على أن يبتعد من المؤمنين، ولا يقربهم ولا يأمل لهم خيراً ولا يحب لهم خيراً.

سبب عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، عرفنا عن اليهود أن الصورة بينت حالهم وفضحت واقعهم، اليهود المعروفون، ( وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، هم المشركون الكافرون، ولو قيل لك: من يحب المؤمنين؟ فالجواب: والله! لا يحبهم إلا مؤمن، وكل الناس غيرهم عدو لهم، لكن من أشد عداوة لهم؟ اليهود والمشركون، اليهود لأنهم يحلمون بدولتهم أو مملكتهم التي تسود العالم، والذين يقفون حجر عثرة في طريق حلمهم وتحقيقه هم المؤمنون، فلهذا يبغضونهم ويعادونهم أشد العداوة؛ لأنهم في طريقهم ما يستطيعون أبداً أن يحققوا مملكة وجودهم والمؤمنون موجودون في الطريق.والذين أشركوا لأنهم كفرة، فجرة، لا يريدون ديناً ولا استقامة ولا منهجاً ولا عدلاً ولا حقاً ولا توحيداً، يعيشون على الضلال فيكرهون المؤمنين لهذا.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، من أخبر بهذا؟ الله جل جلاله، هل يمكن أن يخبر الله بغير الواقع؟ تعالى الله عن ذلك، أليس هو العليم الحكيم؟

إذاً: والله! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والمشركون، والله الذي لا إله غيره! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والكفار المشركون.

معنى قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ...)

ثانياً: قال تعالى: ( وَلَتَجِدَنَّ )[المائدة:82] يا رسولنا ( أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82]ومحبة ( لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )[المائدة:82]، أتباع عيسى ابن مريم عليه السلام، النصارى بحق الذين آمنوا بعيسى وألهوه، من حيث العطف والإحسان والرحمة ورقة القلب، ولكن استولت عليهم اليهودية وحولتهم من نصارى إلى بلاشفة، إلى علمانيين، إلى ملاحدة، لا يؤمنون بالله ولا بعيسى ولا بأمه، يقولون: لا إله والحياة مادة، من هنا ذهبت تلك الرحمة وزال منهم ذلك الإحسان وذلك العطف، وذلك الرفق بالناس حتى بالحيوانات؛ لأن القلوب هي التي كانت تعطف وترحم فقلبوها، حولوها إلى مادة. (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82] لنا نحن المؤمنين ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )[المائدة:82]، واسمع التعليل الرباني، يقول عز وجل: ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا )[المائدة:82]، القسيسون: واحدهم قسيس، ويجمع على: قسس وقساوس وقسيسين، والقسيس: هو العالم العابد، العالم بتعاليم المسيح وكلها رحمة، والرهبان: جمع راهب، الذي يرهب الله، وإذا ذكر الله ارتعدت فرائسه وخاف من الله وانقطع إلى عبادته في الأديرة والصوامع، وكانوا قبل أن تلعب بهم اليهودية والماسونية، كان أحدهم ينقطع إلى عبادة الله يبكي على رأس جبل أو على دار أو صومعة، هذا إخبار الله أم لا؟ ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82] أيضاً، يتنافى الكبر والعتو والعلو مع من يرهب الله ويخافه ويعبده.
تفسير قوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ...)
ثم قال تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ )[المائدة:83] محمد صلى الله عليه وسلم، ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ )[المائدة:83]، من أجل ما عرفوا ( مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، من هم الشاهدون الذين سألوا الله أن يدون أسماءهم معهم؟ والله! إنهم لأنتم أيها المؤمنون، أما شهدتم أن لا إله إلا الله؟ أما شهدتم أن محمداً رسول الله؟ أما شهدتم أنه لا يعبد إلا الله؟ أما شهدتم أنه لا ظلم ولا فسق ولا فجور ولا كذب ولا خيانة؟ أنتم الشاهدون، سألوا الله أن يكتبهم مع الشاهدين.

تفسير قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ...)

ويقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ نحن الذين أدينا حقوق ربنا كاملة غير منقوصة وأدينا حقوق عباده، فلا نسلب مؤمناً حقه في هذه الحياة، يقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ )[المائدة:84]، أي شيء يمنعنا من الإيمان بالله وما جاءنا من الحق بواسطة كتابه ورسوله، ( وَنَطْمَعُ )[المائدة:84] ونرجو ( أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84].

ذكر من نزلت فيهم الآيات الكريمات
من يعنون بالصالحين؟ والله! إنهم ليعنون المؤمنين المسلمين؛ لأن هذه الآيات نزلت في أصحمة النجاشي ملك الحبشة والجماعة التي آمنت معه، لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجموعة من مكة إلى الحبشة حينما لم يطيقوا التعذيب المسلط عليهم من أبي جهل وأضرابه من المشركين والكافرين، قال: اذهبوا إلى الحبشة فإنه يوجد فيها ملك صالح يقال له: أصحمة النجاشي ، وبالفعل مشوا فآواهم واحتضنهم وأطعمهم وسقاهم وأمنهم، ثم لما أشيع أن صلحاً تم بين محمد -صلى الله عليه وسلم- والمشركين جاءوا، فلم يجدوا شيئاً، فعادوا أيضاً، فلما عادوا وهاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع من هاجر من المؤمنين وكانت وقعت بدر وهزم الله المشركين هزيمة مرة، حيث قتل منهم سبعون صنديداً، وأسر منهم سبعون آخرون، فاجتمع رجال من قريش وقالوا: إذاً: نبعث برسولين من ديارنا إلى أصحمة ونطلب منه أن يعطينا أولئك المهاجرين فنقتلهم ونشفي صدورنا نقمة منهم ومن محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثوا رجلين سياسيين: عمرو بن العاص وآخر، وأتوا بهدايا فقدموها للملك أصحمة على أن يعطيهم جعفر ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، فلما وصلوا أنزلهم وهو الكريم رحمه الله، وجمع رجاله وقال: يا جعفر ! اقرأ علينا شيئاً من القرآن، فقرأ سورة مريم، وإذا بعيون القوم تفيض بالدموع والبكاء ويؤمنون، وقص الله تعالى هذا الخبر: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، ففيهم نزلت هذه الآيات، بكوا وفاضت أعينهم بالدموع.وعزم أصحمة على أن يأتي إلى رسول الله، وبعث بأولاده، وشاء الله أن تغرق بهم السفينة بالبحر، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بخبر السماء أن أصحمة قد مات، فخرج برجاله إلى هذا المكان وصلى عليه، صلى على النجاشي صلاة الغائب، فرحمة الله عليك أيها النجاشي، وفي السنة السابعة بعد غزوة خيبر جاء جعفر مع رجاله، وكانت فرحة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

شمول وصف الآيات لكثير من أفراد النصارى
بهذا عرفنا فيمن نزلت هذه الآية، وهي أيضاً عامة، فكم من قسس ورهبان لما وصلتهم دعوة الرحمن على أيدي أصحاب رسول الله وأحفادهم بكوا ودخلوا في الإسلام وانتظموا في سلك المؤمنين، مئات الآلاف، وإلى الآن لولا السياسة المنتنة واللعبة اليهودية لما ترددوا في قبول دعوة الله لو عرضت عليهم كما هي، فاليهود هم الذين فعلوا ما فعلوا، وما زالوا يعملون على تحقيق أملهم في إيجاد مملكة بني إسرائيل التي تحكم الناس من الشرق إلى الغرب، ولكن عندنا تعاليم وأخبار نبوية صادقة، واسمعوها بالحرف الواحد: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم ) أي: تقتلونهم ( حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، ولا عجب أن تنطق الأشجار والأحجار؛ إذ هي آيات النبوة المحمدية، والزمان قريب، ولا نقول: مع المهدي ولا مع عيسى، والله! ما هي إلا أن نسلم في صدق لله قلوبنا ووجوهنا، في يوم واحد والزمان متقارب والبلاد واحدة، ما هي إلا أن يجتمع المسلمون في روضة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلن عن وحدتهم وإقامة دين الله بينهم، ثم يزحفون، فيقتلون اليهود حتى ما يبقوا منهم أحداً إلا من هرب وشرد. واليهود يعرفون هذا أكثر مما يعرفه مدرسكم فضلاً عنكم، فلهذا يعملون على نشر الخبث والظلم والشر والفساد والسحر والباطل وحب الدنيا والشهوات والأطماع؛ حتى لا توجد الفئة المؤمنة التي ينطق لها الشجر والحجر كرامة لها، وليس هذا فقط في بلاد المسلمين، بل في العالم بأسره ما يريدون الطهر ولا الصفاء، ولعلكم تسمعون عن أندية اللواط في أوروبا، من أنشأها؟ والبنوك والربا من أنتجه وأخرجه إلى حيز الوجود؟ وقل ما شئت، لا يريدون الطهر ولا الصفاء؛ لأن الطهر والصفاء ينهي وجودهم، وخاصة بين المسلمين.
فاسمع ما يقول أولئك النصارى: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ الذين أدوا حقوق الله كاملة فعبدوه بما شرع وحده لا شريك له، وأدوا حقوق عباده فلم يظلموا أحداً، لا بإفساد عقيدته ولا بطمس النور من قلبه بتكفيره ولا بسحره، ولا بظلمه بأخذ حقه أو انتهاك حرماته، هؤلاء هم الصالحون، ونحن إن شاء الله منهم، وفي آية الأنبياء قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ )[الأنبياء:105].

تفسير قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار ...)

ثم قال تعالى: ( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا )[المائدة:85]، أي: جزاهم بما قالوا ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:85]، عجب هذا الكلام! ( وَذَلِكَ )[المائدة:85]، أي: الجنة دار النعيم جزاء من؟ هل جزاء المسيئين المفسدين، أم المحسنين؟ جزاء المحسنين. من هم المحسنون؟ المحسنون -يا أهل الإحسان- هم الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، ففعلت فيهم تلك العبادة فعلها، أحالت نفوسهم وقلوبهم إلى نور وطهر وصفاء، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل وهو يسأله عن الإحسان: ( فأخبرني؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه )، فإن عجزت عن هذه المرتبة فانزل إلى التي تحتها فاعبده وأنت تعلم أن الله يراك، والذي يرزق هذه المراقبة لله ويصبح لا يقول ولا يفعل إلا تحت رقابة الله هل مثل هذا يسيء؟ والله ما يسيء، هذا الذي دائماً مع الله إن قال لا يقول حتى يعرف هل الله أذن له أو لم يأذن في القول، لا يأكل ولا يشرب ولا يعطي ولا يأخذ إلا تحت رقابة الله إن أذن الله في العطاء أعطى، وإن لم يؤذن له ما أعطى، إن أذن له في الكلام تكلم وإن لم يأذن سكت، هذا هو الإحسان وهو ثلث ملة الإسلام، الإسلام مركب من الإيمان والإسلام والإحسان، الدين الإسلامي مركب أو مكون من ثلاثة:

أولاً: الإيمان.

ثانياً: الإسلام، أي: إسلام القلب والوجه لله.

ثالثاً: الإحسان.

وقد قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: ( أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )، يقيناً كاملاً جازماً، وقبل ذلك سأله عن الإسلام فقال: ( الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً )، وبعد ذلك سأله عن الإحسان فقال: ( أخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، الذي يعبد الله في الصلاة، في الوضوء، في الجهاد، في الكلام، في كل العبادات كأنه يرى الله هل يمكن أن يخطئ، أو يزيد وينقص أو يقدم أو يؤخر؟ الجواب: لا، فإن عجز عن هذه المرتبة السامية فهو يعبد الله وهو يعلم أن الله يراه، فكذلك لا يمكن أن يسيء في عبادته.
عرف هذا إخواننا القسس والرهبان المؤمنون فقالوا: ( وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، اللهم اجعلنا منهم.
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)

ثم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:86] أولاً، ( وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[المائدة:86] الحاوية لشرائعنا وهداياتنا وتعاليمنا فلم يعملوا بها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86]، الجحيم: النار الملتهبة المتقدة، التي لا يقدر اتقادها، مأخوذة من: جحمت في النار إذا اشتعلت واشتد اشتعالها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86] في العالم السفلي، نعوذ بالله من النار ومن الجحيم.الآن نسمعكم تلاوة الآيات فتأملوا: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ([المائدة:82-86] عياذاً بالله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير




هداية الآيات

هذه الآيات بعد شرحها كما شرحنا نقول: فيها هداياتها، فانظروا كيف نجد الهدايات.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: عظم عداوة اليهود والمشركين للإسلام والمسلمين ] إذ هم المؤمنون.
[ ثانياً: قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين ]، أما الذين تحولوا إلى ماديين وبلاشفة وشيوعيون واستعماريين يريدون المال والسلطة؛ فهؤلاء انتهوا لا إحسان فيهم ولا رحمة في قلوبهم، كما هو الوقع.
[ ثالثاً: فضيلة التواضع، وقبح الكبر ]، لقوله تعالى: ( وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82].

[ رابعاً: فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها ]، لقولهم: ( فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، ومن هم الشاهدون؟ إنهم المؤمنون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويطيعون الله ورسوله.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، أما قال تعالى من آخر سورة الحديد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )[الحديد:28]، (كِفْلَيْنِ) أي: أجرين: أجر بإيمانهم بعيسى وموسى، وأجر بإيمانهم بمحمد وطاعته، ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الحديد:28]، ففرق بين مسيحي كان يعبد الله بالمسيحية فآمن فله أجران، ومن كان كافراً مشركاً ودخل في الإسلام فله أجر واحد.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، بشرط أن يسلم قلبه ووجهه لله، ويحسن إسلامه فما يبقى لصاً ولا ماجناً.
[ سادساً: بيان مصير الكافرين والمكذبين، وهو خلودهم في نار الجحيم ] أبداً، خلود في نار جهنم.
[ سابعاً: استعمال القرآن أسلوب الترغيب والترهيب بذكره الوعيد بعد الوعد ]، ذكر الوعيد بعد ذلك الوعد العظيم، فقال: ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ([المائدة:86]، وهذا من أجل هداية الخلق، يرغب ويرهب، هذا الذي يريد الخير لك يرغبك في الخير ويخوفك من الشر، أما أن يرغبك في الخير فقط ولا يهددك بالشر فستبقى في شرك.

تذكير بطريق العودة إلى الله تعالى
معاشر المستمعين! يا أبناء الإسلام! أكرر القول: هيا نسلم قلوبنا ووجوهنا قبل أن تفوت الفرصة، وهي تفوت يوماً بعد يوم، ما من يوم إلا ومات فلان وانقطع عمله، هيا نسلم قلوبنا لله فلا تتقلب قلوبنا إلا في طلب الله، ونسلم وجوهنا لله فلا ننظر إلا إلى الله، وهذا يتطلب منا أن نرجع إلى الطريق، فنجتمع في بيوت ربنا في مدننا وقرانا في صدق كاجتماعنا هذا، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وبنسائنا وأطفالنا أيضاً نجتمع في صدق نتعلم الكتاب والحكمة، ولنستمع إلى قول الله وهو يمتن علينا: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، دقت الساعة السادسة فوقف العمل، توضأنا وتطهرنا، وحملنا نساءنا وأطفالنا إلى أين؟ هل إلى دور السينما، إلى المراقص والمقاصف كما يفعل الهابطون اللاصقون بالأرض؟ لا، وإنما نحملهم إلى بيوت الرب، وهل للرب من بيوت؟ إي والله إنها المساجد، ونوسعها حتى تتسع لأفرادنا ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، نصلي المغرب كما صلينا ونجتمع ويكون نساؤنا وراء ستار، والأطفال كالملائكة صفوفاً ننظمهم قبل أن نأخذ في تعلم الكتاب والحكمة، ويجلس لنا عالم رباني لا يقول: قال الشيخ ولا قال إمامنا ولا قال مذهبنا، وإنما قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلم الكتاب القرآن، والسنة، وقد حفظها الله فجمعت في الصحاح والسنن والمسانيد، وليلة آية من كتاب الله نتغنى بها ربع ساعة بنسائنا وأطفالنا ونحفظها، آية فقط، ونصلي بها النوافل فلا ننساها ونعرف مراد الله منها ماذا يريد من هذه الآية، فإن كان عقيدة عقدناها في قلوبنا فلن تحل إلى القبر، وإن كان واجباً عرفناه ومن ثم نعزم على فعله والنهوض به كيفما كانت حياتنا، وإذا كان محرماً مكروهاً لله مبغوضاً له تركناه وتخلينا عنه، إن كان خاتماً في أصبعي رميته كما رماه الصحابي، وإن كانت علبة سجائر دستها عند الباب، ونصدق في إقبالنا على ربنا عز وجل، والليلة الثانية نأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله المبينة لكتاب الله، الشارحة والمفسرة لمراد الله من كلامه، وهكذا يوماً آية ويوم حديثاً، ونحن ننمو في صفاء أرواحنا وزكاة أنفسنا وآدابنا وأخلاقنا، والله الذي لا إله غيره! لن تمضي سنة على أهل الحي أو القرية إلا وهم ككوكب في هذه الدنيا، لم يبق خلاف ولا فرقة ولا نزاع ولا شقاق، لم يبق سوء في مظاهر حياتنا، لا خيانة، لا غش، لا كذب، لا خداع، لا زنا، لا فجور، لا ربا؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع أو لا؟ النار تحرق أو لا؟ الحديد يقطع أو لا؟ فهل الكتاب والحكمة لا يزكيان النفوس؟ مستحيل، وينتهي الفقر والبؤس، ونصبح ككواكب في السماء، ويأتي الناس ويؤمنون بديننا ويدخلون في رحمة ربنا.هل هناك -يا شيخ- حل غير هذا؟ والله لا وجود له، ما هو إلا الكتاب والسنة، نتلقاها بصفاء الروح وصدق النية، وكلنا راغب في أن يسمو ويعلو في الملكوت الأعلى، فهيا نجرب، فالذين يحضرون هذا المجلس هل يوجد بينهم زان، سارق، كاذب، غاش، خادع، لوطي، سباب، شتام؟ لا يوجد، لأنهم تعلموا وعرفوا.

والله تعالى أسأل أن يمدنا بعونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (32)
الحلقة (342)
تفسير سورة المائدة (38)


منهج رسول الله طريق الخلاص من المحن


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة.
معاشر المستمعين والمستمعات! نحن مع هذه الثلاث آيات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].

معاشر المستمعين! أكثركم حجاج بيت الله الحرام، نحن على نهجنا في هذه الدعوة ندرس أربع ليالٍ كتاب الله عز وجل، وهي ليالي: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء، وندرس يوم الأربعاء (عقيدة المؤمن)، ويوم الخميس ندرس السنة النبوية الطاهرة الشريفة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، وندرس السيرة النبوية العطرة يوم الجمعة ليلة السبت، وهذا الذي ندعو إليه إخواننا المؤمنين في ديارهم.
يا معاشر المستمعين! اعلموا -والعلم ينفع- أنه لا سبيل لنجاتنا والخروج من فتننا وما نتعرض له من الإحن والمحن إلا العودة إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المنهج الرباني الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهجه ويدعو أمته إليه، وهو أن نجتمع في بيوت ربنا كل ليلة وطول عمرنا وحياتنا نتلقى الكتاب والحكمة، إن محننا قديماً وحديثاً ومستقبلاً هي ثمرة جهل هذه الأمة، وبعدها عن كتاب ربها وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم، إن شئت حلفت لكم بالله على أن ما نشكوه من الكذب والخيانة والظلم والخبث والشر والفساد والفتن والله إنه لثمرة الجهل بالله وبمحابه ومساخطه، وبما هيأه لأوليائه وما أعده لأعدائه، الجهل هو سبب هذا الشقاء، سبب هذه الفتن وهذه المحن، والطريق إلى أن نعلم ونتعلم هو أن نجتمع في بيوت ربنا عز وجل، وذلك كل ليلة، لا يوماً في الأسبوع ولا يومين ولا ثلاثة، دقت الساعة السادسة مساءً فنلقي بآلات العمل من أيدينا ونتوضأ ونحمل نساءنا وأطفالنا إلى بيوت الله عز وجل نتعلم كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله ما يمضي على المؤمن الصادق في إيمانه الذي يتعلم الكتاب والحكمة سنة واحدة إلا وهو من أفقه الناس وأعلمهم، وأعرفهم بمحاب الله ومساخطه وأقدرهم على فعل المحبوب لله وترك المكروه لله، وهذا هو سبيل النجاة، فها نحن في هذا المسجد طول العام، ومع الأسف الناس في المقاهي والملاهي، وفي المتاجر والملاعب، ويهجرون هذا العلم، ثم نشكو، فماذا نشكو؟ لم يوجد الظلم؟ لم يوجد الخبث؟ لم يوجد الفساد؟ لم يوجد سوء الأخلاق، لم يوجد الهبوط في الآداب؟ كيف نتأدب؟ كيف نكمل؟ كيف نسعد بدون أن نقرأ كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله يمتن على هذه الأمة ويقول: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2].

وهذا إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام وهما يبنيان الكعبة يقولان: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ )[البقرة:129]، واستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، ونبأه الله وأرسله وأنزل عليه كتابه، وكان يجمع أصحابه ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

فيخرج من هذا المسجد علماء لم تحلم الدنيا بمثلهم، ربانيون من أهل الصدق والكمال والعلم والمعرفة، والله! ما عرفت الدنيا أفضل من أولئك الأصحاب باستثناء الأنبياء والرسل، كيف كملوا وفازوا، وأصبحوا مضرب المثل في الآداب والأخلاق والعلم والمعرفة والطهر والصفاء، كيف حصلوا على هذا؟ والله! إنه من طريق تعلمهم الكتاب والحكمة.
العلم سبيل تحقيق التقوى
وأقول لكم في علم: أقسم لكم بالله على أن أتقى أهل القرية هو أعلمهم بالله عز وجل وبمحابه ومساخطه، في مدينتك، في حيك، أقسم لك بالله أن أتقاهم لله أعلمهم بالله، ونظير ذلك: أفجرنا في قريتنا أجهلنا بربنا وبمحابه ومساخطه، ولا نستطيع أن ننتسب إلى الإسلام بالاسم فقط ونحن ما نعرف محاب الله ولا مساخطه ولا كيف نتملق إلى الله ونتزلف إليه بما يحب أن نتملقه به من أنواع العبادات والطاعات التي شرعها، فكيف نعالج هذا المرض؟ لا علاج إلا بأن نصدق الله في إيماننا وإسلامنا ونجتمع في بيوت ربنا التي بنيناها بأيدينا أو بنيت لنا، نجتمع فيها، النساء وراءنا والفحول أمامنا والأطفال بين أيدينا، ونتعلم الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، ندرسها بعد أن نتغنى بها ونحفظها ونفهم مراد الله منها وكلنا عزم على تحقيق مراد الله منها، إن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان أدباً على الفور تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً ابتعدنا عنه وكرهناه وتركناه، ولا نزال نعلم ونعمل ونسمو حتى نصبح كالملائكة في الأرض طهراً وصفاء، وها نحن مع هذه الجماعة المؤمنة في هذه الحلقة، هيهات هيهات أن من لازمها سنة يسرق أو يزني أو يكذب أو يفجر أو يرابي أو يغش أو يخدع أو يخلف وعده وهو قادر على الوفاء، هيهات.. هيهات!
ولكن الذين ما يجلسون في حجور الصالحين ويتعلمون هم الذين تعبث بقلوبهم الشياطين، وتحولهم إلى الكذب والخيانة والفجور والباطل والشر والفساد، فكيف يجيء هذا؟ لأننا ابتعدنا عن فيض الرحمن وأنواره وعن الكتاب والسنة.
هذه ثلاث آيات لو يحفظها مؤمن أو مؤمنة ويفهم مراد الله منها ويعمل بها فسيسمو ويرتفع.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)
نداء المؤمنين لكمال حياتهم
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا أهل الحلقة! أجيبوا. قلنا: لبيك اللهم لبيك، ما إن ينادينا حتى نقول له: لبيك اللهم لبيك. ينادينا ربنا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، ومن يعرض فقد كفر، من يغلق أذنيه ولا يسمع فقد كفر، أينادينا ذو الجلال والإكرام رب الأرض والسماء وما بينهما، الحي القيوم، خالقنا ورازقنا ثم لا نصغي ولا نستمع ولا نقول: لبيك، ولا نأخذ ما يعطينا ولا نفعل ما يأمرنا به؟ هل أموات نحن أم أحياء؟ الجواب: أهل الإيمان أحياء، الإيمان بمثابة الروح، والله إنه لبمثابة الروح، المؤمن حي يسمع، يعي، يأخذ إذا أعطي، يمتنع إذا منع؛ وذلك لكمال حياته، والكافر ميت، الكافر بالله ولقائه، بالله وكتابه، بالله ورسوله، بالله ووعده ووعيده، والله! إنه ميت، فلا يؤمر ولا ينهى؛ لأنه ميت، والبرهنة على هذه الحقيقة بلغوها: هل أهل الذمة تحت رايتنا في دولتنا الإسلامية نأمرهم بالصيام إذا دخل رمضان؟ هل نقول: يا يهود! صوموا غداً رمضان؟ لا والله. آن أوان الحج فهل نأمر يهودياً أو مسيحياً ليحج؟ لا نأمره. آن وقت الزكاة، فهل نقول: يا معشر اليهود أو النصارى في بلادنا! أخرجوا زكاة أموالكم؟ لا والله أبداً. لم؟ لأنهم أموات، إذا نفخنا فيهم روح الحياة فحييوا بالإيمان فحينئذ مرهم يفعلون، وانههم ينتهون؛ لكمال حياتهم.
فهل عرفتم الآن أن الإيمان بمثابة الروح أم لا؟ ها هو ذا تعالى ينادي المؤمنين ليأمرهم ويفعلون، لينهاهم وينتهون، ليبشرهم فيستبشرون، ليحذرهم فيحذرون، ليعلمهم فيتعلمون؛ وذلك لكمال حياتهم، ويعيش المسلمون في قراهم عشرات السنين ما يسمعون نداء الله ولا يستجيبون، فكيف هذا؟ لأنهم محرومون، أبعدتهم الشياطين عن بيوت الله وعن كتاب الله وهدي رسوله، القرآن في ديار العالم الإسلامي لا يجتمع عليه أهل القرية أو أهل الحي إلا من أجل أن يقرءوه على ميت فقط.
اسمحوا لي أقول لكم: من منكم يقول: يا شيخ! أنا كنت إذا جلست في المسجد أقول لحافظ القرآن: من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن. أو أجلس في البيت وأقول لمن يحفظ القرآن من الأسرة: من منكم يسمعنا شيئاً من القرآن ؟ أو نعمل في شركة، في مؤسسة، وجاءت ساعة الاستراحة، فمن منكم يقول: نقول لأخينا: أسمعنا شيئاً من كلام ربنا؟ الجواب: لا أحد.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن الوحي الإلهي بواسطة جبريل عليه السلام، والله العظيم! لجلس يوماً مع أصحابه فقال لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد -وهذه كنيته- اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله بن مسعود ويقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأ عبد الله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء:1]، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا )[النساء:41]، وإذا برسول الله تذرف عيناه الدموع وهو يقول: حسبك.. حسبك يا عبد الله ).

فهل جلس اثنان وطلب أحدهما أن يقرأ عليه أخوه شيئاً من القرآن؟ فلهذا عمنا الظلام، وسادنا الجهل، وإن طرنا في السماء وغصنا في الماء، وحللنا ذرات الكون، وعرفنا علل الحياة، فهذا كله غير مجدٍ ولا محيٍ، وإنما الذي يجدي ويحيي الإيمان بالله ولقائه، الإيمان بالله ورسوله، الإيمان بالله وكتابه، وآية الإيمان بالله وكتابه: أن نقرأ كتابه ونتعرف على ما يحمله من أنور الإله الهادية إلى السعادة والكمال؛ لنعرف ما يحب الله وما يكره الله.

يتبع


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
نهي الله عباده عن تحريم الطيبات والعدوان على المحرمات

يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87] يناديكم ليقول لكم: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، فهل نستجيب أم لا؟ أعوذ بالله.. أعوذ بالله! الجبار القهار وليك ومولاك ينهاك أن تحرم طيباً مما أحل لك فلا تلتفت إليه ولا تقبل كلامه؟! (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، ولا تتجاوزوا الحد المحدود لكم، أنتم عبيده، ما أحله لكم فأحلوه وتناولوه، وما حرمه عليكم فحرموه وابتعدوا عنه واجتنبوه، وإن اعتديتم فإنه لا يحبكم، ومن لا يحب الله هل سيسعد؟ هل سيكمل وينجو؟ والله ما كان، بل يخسر ويحترق ويتحطم؛ لأن الله لا يحب المعتدين، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، من هم المعتدون؟ المتجاوزون لما حد لهم، أحل لهم كذا وكذا، فتجاوزوا ذلك إلى ما حرم.
تفسير قوله تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
ثم قال لنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، لم يرزقك الله بالحرام أبداً، وكونه طيباً أي: غير مستقذر ولا مستخبث، حلال أحله الله، وليس به قذر أو وسخ يؤذيك ويضرك في بدنك.
كيفية تحقيق التقوى
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، كيف نتقيه؟ بماذا؟ بالحصون والأسوار أو بالجيوش الجرارة أو بالدخول في السراديب؟ كيف نتقي الله وبيده كل شيء، وبين يديه كل شيء؟ كيف نتقي الله يا عباد الله؟ لقد أمركم أيها المؤمنون بأن تتقوه، فكيف نتقيه؟ بماذا؟ نحن نتقي الشمس بالمظلة، ونتقي الجوع بالخبز، ونتقي الحر والبرد بالملابس، والله كيف نتقيه؟ بلغنا أن رجلاً بالهند أو بالسند أو بالشرق أو الغرب يعرف بم يتقى الله؛ فوالله لنسافرن إليه أو نبعث برجال منا ليأتونا بخبر منه كيف نتقي الله، بلغنا أن هناك من يعرف بم يتقى الجبار، وأنه يوجد في مكان كذا فيجب أن نرحل إليه، ولا تعجب؛ والله! لقد رحل جابر بن عبد الله من هذه المدينة إلى حمص ببلاد الشام على راحلته مسافة أربعين يوماً ذهاباً وإياباً؛ من أجل خبر واحد، بلغه أن صحابياً بديار الشام بمدينة حمص يقول عن رسول الله كذا وكذا، وسأل أهل المدينة فما عرفوا، فركب راحلته إلى حمص ليعلم هذا منه. ووالله! لقد كان أهل الأندلس يأتون على بواخرهم، تلك البواخر التي الآن لا تركب، يسافرون الشهرين والثلاثة ونصف العام ليجتمعوا هنا على مالك بن أنس وشيخه ربيعة ويتلقون السنة، يحفظونها ويكتبونها وينقلونها إلى أقصى الغرب في ذلك الزمان.
والآن بم نتقي؟ لقد أمرنا الله ربنا بأن نتقيه فقال: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:57] به، بعظمته وجلاله، بسلطانه وقدرته، بما لديه وما عنده، اتقوه، فبم نتقيه؟

معشر المستمعين والمستمعات! هل نحن حقاً راغبون في معرفة ما نتقي به الله؟ والله لو أن رجلاً منا فحلاً فهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تبرح مكانك حتى تعلمنا بم نتقي الله، أقسم بالله! لو أن شخصاً آمن وكان المؤمن وفهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تقوم من مقامك حتى تعرفنا بم نتقي الله؟ لا يقوم غير مبال، اللهم إلا إذا كان قد عرف من قبل بم يتقى الله؟
إذاً: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله، وذلك بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله فقط، أتريد أن تتقي عذاب الله وسخطه؟ اتقه بشيء واحد فقط: أطعه وأطع رسوله فيما يأمران به عباد الله وينهيان عنه عباد الله، من أطاع الله ورسوله في الأمر والنهي جعل بينه وبين عذاب الله وقاية، لا يصل إليه عذاب الله أبداً.
فالله تعالى لا يتقى بالجيوش والأسوار والحصون أبداً، لا يتقى إلا بطاعته بفعل ما يأمر به وترك ما ينهى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بأمر الله وينهى بنهي الله.
العلم سبيل التقوى
يبقى سؤال آخر: يا علماء.. يا بصراء.. يا رجال السياسة.. يا علماء المنطق! هل يمكنك يا عبد الله أن تطيع الله فيما أمر به ونهى عنه، وفيما أمر به الرسول ونهى عنه وأنت لا تعرف ما أمر الله به ولا ما نهى عنه؟ مستحيل. فمن هنا عدنا من حيث بدأنا، يجب أن نتعلم، أن نعرف محاب الله ما هي، ومكارهه ما هي من أجل أن نفعل المحبوب ونتخلى عن المكروه.ولعلها رخيصة، فوالله الذي لا إله غيره! لأن تعلم هذه القضية خير لك من مليار دولار، ولأن ترجع إلى أهلك وبيتك فرحاً بها -والله- خير من الدنيا وما فيها؛ لأن المائة دولار قد تحترق بها، وتحملك على الفسق والفجور والظلم والشر والفساد وتخسر خسراناً أبدياً.
إذاً: الحمد لله، عرفنا بم نتقي ربنا، أي: بطاعته وطاعة رسوله فيما يأمران به وينهيان عنه؛ لأن ما يأمر الله به ورسوله يجنب غضب الله وسخطه ونقمه وعذابه، أليس كذلك؟ وترك ما نهى الله ورسوله عنه هو نجاتنا من الأذى والشر والبلاء والسخط في الدنيا والآخرة، فهذا عرفناه، وعرفنا أيضاً كيف نتقي الله وننجو من عذابه بمعرفة ما يحب وما يكره، أما ونحن لا نعرف ما يحب وما يكره، فكيف سنفعل المحبوب ونحن لا نعرفه؟ كيف نتجنب المكروه لله ونحن ما عرفناه؟ ومن هنا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وكيف نحصل على هذا العلم؟ قال الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم: ( إنما العلم بالتعلم )، في صحيح البخاري ، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من يعلم من رجل أو امرأة يجب عليه أن يسأل أهل العلم حتى يعلم، وليس شرطاً أن تنقطع عن بستانك أو دكانك أو عن عملك حتى تتعلم، كلا، ابق في عملك ثم اسأل: ماذا يحب ربي من الكلام، يقول لك: يحب كذا وكذا، فقل هذا الكلام وتملق به إلى الله، ما الذي يحب ربي من النيات؟ يقول: يحب النيات الصادقة، ماذا يحب ربي من الأعمال؟ يحب كذا وكذا، وأنت تتعلم وتعمل، ولا تزال تتعلم وتعمل حتى تكمل وتبلغ مستوى الكمال البشري.
سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)

نادنا الرب جل وعلا فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، (
لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:87-88]، على شرط: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]. أذكر لكم سبب نزول هذه الآية، فهذا القرآن ما نزل مرة واحدة أو جملة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بدأ نزوله بـ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )[العلق:1] في غار حراء، وانتهى بآية نزلت في هذه المدينة: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )[البقرة:281]، ثلاث وعشرون سنة نزل فيها الكتاب المكون من مائة وأربع عشرة سورة، في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية.

إذاً: هذه الآية سبب نزولها أن ثلاثة نفر: عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وثالث اشتاقوا إلى دار السلام إلى الجنة والرضوان، فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والذي في الحلقة لا يعجبه الترضي عنها فليعلم أنه كافر ولعنة الله عليه، وليتب إلى الله، وليدخل في الإسلام وإلا فهو كاليهود والنصارى، أو هو مسكين أضلوه وغلطوه وجهلوه، لكن إن سمع الآن فهو من أهل العلم، إذاً: فليتب إلى الله، وليقل: آمنت بالله.. آمنت بالله، رضي الله عن أم المؤمنين عائشة ، لينجو، وإن أصر على الباطل فوالله لن يدخل دار السلام؛ لأن الذين لا يترضون عنها ساخطون عليها غاضبون يلعنونها؛ لأنهم قالوا لهم: إنها فجرت، زنت! وأعوذ بالله! امرأة رسول الله لا يصونها الله لرسوله، لا يحفظها لنبيه وتفجر وتزني حتى تلعن؟! ما تقولون فيمن يرمي رسول الله بالدياثة؟ هل يبقى مؤمناً؟! أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله! لقد أنزل الله تعالى في هذه الحادثة -حادثة الإفك- سبع عشرة آية من كتابه من سورة النور، ولا نقرؤها ولا نسمع من يقرؤها ونحولها ونؤولها، وتختم الآية: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )[النور:26]، وأنت تقول: عائشة زنت وملعونة ولا تترضى عنها؟! لا إله إلا الله، آمنا بالله!

فعائشة أم المؤمنين، قال تعالى: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )[الأحزاب:6]، هذه الصديقة حب رسول الله بنت حب رسول الله، بنت أبي بكر الصديق ، دخلوا عليها وسألوها عن صيام الرسول وقيامه، وقالوا فيما بينهم: الرسول غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحدهم قال: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبداً. والثاني قال: أنا لا آتي النساء. والآخر قال: أنا أقوم الليل ولا أنام، شوقاً إلى الملكوت الأعلى ودار السلام، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد من حجرته وخطب الناس وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ )، وهذا من كمال آدابه ورحمته، لم يقل: يا فلان وفلان يفضحهم، وإنما قال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني والله ولأتقاكم لله وأشدكم له خشية، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا ابن مظعون ، يا ابن مسعود، يا فلان! ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، تتجاوزوا الحد، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:87-88]، فعدلوا عما عزموا عليه، أصبحوا يصومون ويفطرون في حدود طاقتهم ويقومون الليل وينامون في حدود طاقتهم، والرهبان في الصوامع، وبعض المتعنترين من المتصوفين يقولون: فلان لا يأكل اللحم أبداً! أتحرم ما أحل الله لك؟ لا تأكل اللحم إذا كان حراماً، لا تسرق ولا تأكل جيفة، أما وقد أحل الله لك اللحم وتدعى في بيوت إخوانك ويقدم لك فتقول: أنا لا آكل اللحم زهداً فيه، وآخر يلبس ثوباً من الصوف يلفه عليه وعنده القطن وعنده المال، فلم تحرم ما أحل الله لك؟ إذاً: فالعدل العدل: ( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].
التربية المسجدية ودورها في تحقيق التقوى

معاشر المؤمنين! عرفنا أننا مأمورون بأن نعرف ما يحب الله وما يكره من أجل أن نتقيه بفعل ما أمر وبترك ما نهى، وبذلك نتقي ربنا.ومن فهنا فالطريق -يا عباد الله- هو أن أهل القرية في قريتهم وأهل الحي في مدينتهم إن كانوا صادقين في إيمانهم ودقت الساعة السادسة وقف العمل، واليهود والنصارى في أوروبا وأمريكا واليابان والصين إذا دقت الساعة السادسة يوقفون العمل، رأيناهم بلا عمل، ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور السينما، إلى المراقص، إلى المقاصف، إلى الملاهي، وهل نحن مثلهم؟ لا، نحن أهل السماء وهم أهل الأرض، نحن الأحياء وهم الأموات، نحن المؤمنون وهم الكافرون، نحن أطهار وهم الأخباث.

إذاً: هم يذهبون إلى دور السينما ونذهب إلى بيوت الرب الطاهرة، أطفالنا أمامنا ونساؤنا وراءنا ونتلقى الكتاب والحكمة كل ليلة وطول العمر، وحينئذٍ هل يبقى في القرية فاجر، ساحر، دجال، كذاب؟ هل يبقى في القرية عار لا يجد ثوباً يكتسي به، أو يبقى في القرية جائع والجوع يمزقه؟ والله ما كان ولن يكون، وهل نحتاج بعد ذلك إلى بوليس وحرس؟ لا نحتاج ذلك، كلنا كالملائكة في الطهر والصفاء لا خيانة ولا غش ولا خداع، وهل يبقى بيننا وثني أو مشرك أو خرافي أو ضال أو علماني تائه في متاهات الإلحاد؟ لا والله، فإن لم نقبل على الله في صدق كما بينت لكم؛ فوالله لا نزال في الإحن والمحن والبلاء والشقاء حتى نلقى الله تعالى، بلغوا والله معكم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (33)
الحلقة (343)
تفسير سورة المائدة (39)



مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ذات الأحكام الشرعية والقوانين الربانية، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، فهيا نتغنى بها، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها، وهذا هو المطلوب منا إزاء كتاب الله، وليس المطلوب منا أن نقرأه على الموتى في بيوت الهلكى أو على قبورهم، والله ما شرع هذا الله ولا رسوله، وإنما شرع الله هذا الكتاب ليتلى في بيوت الله وبيوت المؤمنين، ويتدبر ويفهم مراد الله منه، هذا الكتاب القرآن الكريم يجب أن يجتمع عليه المؤمنون، وأن يتدارسوه، وأن يفهموا مراد الله منه، وبذلك يمكنهم أن يعبدوا الله عبادة تزكي أنفسهم وتؤهلهم لولاية الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:78-89].

عجب هذا القرآن، عجب والله، وصدق إخوان لنا من الجن لما سمعوه والرسول يصلي الصبح في بطن نخلة عادوا وقالوا: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )[الجن:1-2]، فهيا ندارس هذه الآيات الثلاث:

قول ربنا جل ذكره: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، هذا النداء نداء من؟ نداء الله. إذاً: الله موجود، وكيف يوجد كلامه وهو غير موجود؟ لو تجتمع البشرية كلها فهل ستوجد كلاماً بدون متكلم؟

هذا الكلام يحوي العلوم والمعارف والحكم والقوانين والشرائع، إذاً: منزله أعلم العالمين وأحكم الحاكمين، وكيف لا وهو خالق كل شيء ومليكه؟ فالحمد لله أن أصبحنا أهلاً لأن ينادينا رب العالمين، هذه نعمة لا يعرف قدرها أحد من المؤمنين الحاضرين أو الغائبين، ملك الملوك جل جلاله وعظم سلطانه، من بيده الحياة والموت، والإعزاز والإذلال والغنى والفقر، والإيجاد والإعدام يتفضل علينا وينادينا، ومن نحن؟ ونادانا بعنوان الإيمان، ما قال: يا بني آدم، ولا يا بني هاشم، ولا يا بني تميم، نادانا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، فلبيك اللهم لبيك.

سر نداء الله تعالى المؤمنين بعنوان الإيمان
والسر في ندائه تعالى لنا بعنوان الإيمان يا نبهاء ويا شرفاء، السر في ذلك: أن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويجيب المنادي، ويفعل ما يأمره به وينتهي عما نهاه عنه، وذلك لكمال حياته، فمن هنا علمنا بعلم الله أن المؤمن الحق حي، وليس بميت، والبرهنة أن الله يناديه إما ليأمره بما ينجيه ويسعده، أو ينهاه عما يشقيه ويخسره، أو يناديه ليبشره فتزداد صالحاته، أو لينذره فيتحفظ من الوقوع في السيئات والمهلكات، أو يناديه ليعلمه، وهذا بالاستقراء والتتبع لنداءات الرحمن في كتابه العظيم القرآن الكريم، وقد جمعناها، وهي تسعون نداءً ألا نداء احتوت على الشريعة الإسلامية بكاملها، تسعون نداء، وهي تحوي شريعة الإسلام من العقيدة إلى العبادة إلى الآداب، إلى الأخلاق، إلى الأحكام، في السياسية، في السلم والحرب، في كل الحياة، وأكثر المؤمنين لا يعرفون عنها شيئاً، تسعون نداء، ودرسناها في ثلاثة أشهر، ورغبنا المؤمنين والمؤمنات في الحصول عليها والاجتماع عليها في البيوت والمساجد وأماكن الاستراحة، يجتمعون على نداء يسمعون بآذانهم نداء الله لهم، فيفهمون ما يريد منهم مولاهم ويطيعونه فيكملون ويسعدون.وذكرنا أن هذه النداءات يجب أن تترجم إلى اللغات، وأن يوضع كل كتاب على سرير في فنادق العالم الإسلامي، إذا جاء النزيل قبل أن ينام يفتح ذلك الكتاب فيسمع نداء ربه إليه، فيبيت قرير العين جذلان فرحاً، وما فعلنا، ومن ثم عرفنا أن المؤمن حي، ولذلك يناديه الله عز وجل إما ليأمره بما يكمله ويسعده، أو لينهاه عما يشقيه ويرديه، أو يبشره بما يزيد في أعماله الخيرية الصالحة، أو ينذره ويحذره ليحذر ويتجنب، أو ليعلمه ما هو في حاجة إليه، أما الكافر فهو ميت.
والدليل على موت الكافر: أنه أيام كنا في علياء السماء وتحتنا أهل الكتاب من يهود ومجوس ونصارى يعيشون تحت رايتنا وفي ذمتنا آمنين فهل كنا نأمرهم إذا أهل هلال رمضان بأن يصبحوا صائمين؟ لا والله، هل نعلمهم بأن الزكاة قد وجبت فأخرجوا زكاة أموالكم؟ والله ما نأمرهم، هل نقول لهم: إن الحج آن أوانه والمسلمون يتهيئون فحجوا؟ والله ما نأمرهم، لماذا؟ إنهم أموات غير أحياء وما يشعرون، حين ننفخ فيهم روح الإيمان ويصرخ صاحبها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، هنا قل له: اذهب فاغتسل فيفرح ويسر ويذهب ويغتسل، وتقول: هيا لتركع وتسجد فيصلي راكعاً ساجداً، وأصبح متهيئاً لكل أمر الله ورسوله، وهو قادر على فعله؛ وذلك لكمال حياته، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى لرسوله: ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )[النمل:80]، وقال تعالى: ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ )[النحل:21].

وإن قلتم: ها هم يأكلون ويشربون وينكحون؟ قلت: حياة البهائم.

النهي عن تحريم الحلال والعدوان على الحرام
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، قال لنا ناهياً: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87]، ينهانا ربنا عن تحريم ما أحل لنا، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم طعاماً أو شراباً أو لباساً أو نكاحاً أباحه الله وأذن فيه، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم على نفسه أو على غيره ما أحله الله وأذن فيه وأباحه لعباده من طعام أو شراب أو لباس أو نكاح، لم؟ لأن الخالق المولى المالك قال لعبيده: يا عبيدي! لا تحرموا طيبات ما أحللت لكم، أنا أعلم بما ينفعكم ويضركم، فإذا أذنت لكم في شيء فإنه في صالحكم، والله إنه لنافعكم، وإذا نهيتكم عن شيء فما نهيتكم عنه إلا لأنه ضار بكم مفسد عليكم قلوبكم وحياتكم.(لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87] ثانياً، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، يا من يطلب حب الله ويبذل جهده وطاقته في الحصول عليه! انتبه: إياك أن تعتدي وتتجاوز ما حد لك، فإن هذا الاعتداء لا يحب الله أصحابه وأهله، فلهذا المؤمن لا يعتدي؛ لأن مولاه لا يحب المعتدين، وهو يريد أن يكون من محبوبيه، هذه وحدها تجعل المؤمن العارف لا يعتدي، لا على أخ من إخوانه، بل ولا على يهودي في ذمته، ولا يعتدي على ربه بأن يخالفه، فالله يحل وهو يحرم، أو يحرم وهو يحل، فهو اعتداء، ولا يعتدي على أحد في ماله ولا في عرضه ولا في بدنه ودمه، الاعتداء: مجاوزة الحد، التجاوز للمأذون فيه المباح إلى ما هو ممنوع محرم، فسب المؤمن كشتمه، اعتداء عليه، واللفظ عام: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، لأن الاعتداء ضار لكم، مفسد لحياتكم وقلوبكم.

وشيء آخر: ما دمتم تطلبون حب الله فاعملوا: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ )[المائدة:87] من عباده ( الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، فلا نتجاوز حداً حده الله ورسوله، لم يأذن لنا في كلمة سوء ننطق بها حتى الموت.

الآن لاحت أنوار الآية الأولى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].

أمر الله عباده بالأكل من الحلال الطيب

الآية الثانية: قال: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، الحمد لله.. الحمد لله، مالك الطعام أذن لنا أن نأكل، والله! لو لم يأذن لنا ما أكلنا، من مالك الطعام والشراب؟ الله لا إله إلا هو، فلهذا إذا أردت أن تأكل خبزاً أو تمراً أول ما تقول: باسم الله، أي: بإذنه هو أكلت أو شربت، لو ما أذن والله ما أكلت ولا شربت، وما إن تفرغ من طعامك وشرابك حتى تقول: الحمد لله الذي أوجد هذا الرزق وأذن لي فيه وأعانني عليه وبارك لي فيه. فالمؤمنون الأحياء البصراء لا يأكلون إلا على اسم الله، ولا ينهون طعاماً ولا شراباً إلا على حمد الله تعالى. (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فالله لم يجعل رزقنا ما حرم علينا، ولن يجعلنا رزقنا خبيثاً مستقذراً، لا بد أن يكون طيباً، أما النجس المستقذر المستخبث فلا يحل أكله؛ لأن الله ما رزقكه، رزقك الحلال الطيب، أما المستقذر المستخبث من الأطعمة فلا يحل أبداً لهذه الآية الكريمة، ( حَلالًا )[المائدة:88] أولاً، لم يرزقك الله حراماً وحاشاه.

ثانياً: أن يكون طيباً، ( طَيِّبًا )[المائدة:88] أي: لذيذاً غير مستقذر ولا مستخبث.

(وَكُلُوا )[المائدة:88]، هذا أمر إباحة وإذن لنا والحمد لله، ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88]، فلا رازق إلا هو، ومن جهل فليذكر الماء النازل من السماء من أنزله؟ والنابع من الأرض من أنبعه؟ والتراب كيف تحول إلى بر وشعير وفواكه وخضر؟ هل حولته يد أبي أم أمي؟ هذا رزق الله.

يتبع


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الأمر بالتقوى وبيان حقيقتها ووسيلة تحصيلها

(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، هذا أمر ثالث: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، من يسأل فيقول: كيف نتقي الله؟ بم يتقى الله وهو الجبار بيده ملكوت السماوات والأرض؟ كيف يتقى؟ بالأسوار العالية؟ لا تنفع. بالحصون القوية؟ بالجيوش الجرارة؟ بالسراديب تحت الأرض؟ بالاحتماء بأصحاب الدولة والسلطان؟ بم يتقى الله عز وجل؟ومعنى تقوى الله: أن يتقى بطشه ونقمته وعذابه وسخطه الذي تعرض له المعتدون.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88] رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، عرفتموه أن بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء.

وكثيرون يقولون: ما هناك حاجة إلى أن نعرف بما يتقى الله؟ يقول القائل: اتقوا الله فلا يقول واحد: بين لنا كيف نتقي الله؟ لأنهم غير مهتمين ولا حافلين بهذا، أما والله لو عرف أحدهم لقال: والله لا تبارح مكانك حتى تبين لنا كيف نتقي ربنا.
هل يقول ذلك أحد؟ لأننا نعيش في ظلام منذ ألف سنة وزيادة، من علَّمنا؟ وهل طلبنا العلم؟
اسمع واحفظ وبلغ أمك وامرأتك: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله لا بشيء آخر، إن تعلن الحرب عليه وتخرج عن طاعته وعن طاعة رسوله؛ فقد عرضت نفسك للدمار والخراب والخسران الأبدي ولا تجد من يشفع لك أبداً، اتقوا الله، خافوه خوفاً يحملكم على امتثال أمره واجتناب نهيه.
أولاً: اذكر عظمة الله وسلطانه وقدرته على البطش والأخذ فترتعد فرائصك وتخافه، فتقبل على طاعته فتفعل ما أمرك وتترك ما نهاك عنه.
ليس تقواه إلا بطاعته وطاعة رسوله؛ لأن فعل ما يأمر به، وفعل ما يأمر به رسوله يجنبكم المضار والمفاسد والمهالك، ولأن ترك ما أمر الله به ورسوله وفعل ما نهيا عنه يعرض العبد للخسران والدمار وفساد القلب وخبث النفس، ولا شك في هذا؛ لأنه من سنن الله القائمة في الأرض، أسألكم يا عقلاء: هل الطعام يشبع؟ هذه السنة باقية إلى يوم القيامة. هل الماء يروي؟ هل الحديد يقطع؟ هل النار تحرق؟
هذه سنن الله هل تتبدل؟ كلا. فكذلك طاعة الله ورسوله ومعصية الله ورسوله كهذه السنن لا تتخلف آثارها أبداً، من أطاع الله رسوله سما وطهر وصفى وتهيأ للملكوت الأعلى، ومن عصى الله ورسوله وكفر بهما وتمرد على شرعهما تمزق وخسر وهلك هلاكاً أبدياً، سنة لا تتبدل، واسمعوا قوله تعالى: ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )[فاطر:43].

معاشر المؤمنين! أفرحتموني عندما قلتم: عرفنا بم يتقى الله، بطاعته وطاعة رسوله. فهيا نمشي الآن، فتلك -والله- ما هي إلا خطوة أولى؛ لأني أسألك: تطيع الله والرسول في أي شيء؟ هل عندك علم بأوامره ونواهيه؟ قال: لا، إذاً: كيف تطيعه؟ نعم تهيأت للطاعة، لكن يجب أن تعرف أوامر الله أمراً بعد آخر، وتعرف أوامر رسوله كذلك، حتى تفعل ما أمرا به وتعرف ما نهيا عنه، أي: ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله نهياً بعد نهي، وإن قيل لك: لا يوجد في مدينتنا هذه من يعرف الأوامر والنواهي إلا في جزائر واق الواق؛ فوالله يجب أن تسافر، ولا يحل لك البقاء في المدينة التي لا تجد فيها من يعرفك بأوامر الله ونواهيه إلا إذا أردت الخسران الأبدي.
وجوب تفريغ الأوقات لتحصيل التقوى
قد تقولون: يا شيخ! نحن مشغولون من أجل القوت في مزارعنا ومصانعنا وأسواقنا فكيف نعرف هذا؟ وأقول: هذا السؤال باطل.. باطل.. باطل، يجب أن تفرغ نفسك ساعة في الأربع والعشرين ساعة، كما تسأل عن الدرهم والدينار اسأل عما أذن الله في فعله، أو عما نهى عنه ولم يأذن به، في كل شئون الحياة، وإلا فأنت فاسق عن أمر الله خارج عن طاعته.واسمعوا الله يقول من سورة النحل والأنبياء، آيتان في كتابه تعالى، يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم يجب أن يسأل حتى يعلم، وليس يوماً واحداً ولا عشرة، يقرع باب العلماء ويسألهم يومياً: دلوني على ما أمر الله به، أو على ما نهى الله عنه، ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، هل بلغ المسلمين هذا وعرفوه؟ ما عرفوه.

والآن نبكي ونصرخ طول العام في ملتقى العالم الإسلامي في مسجد رسول الله، الوافدون طول العام يفدون من العرب والعجم، ونحن نقول -وكتبنا للحكام والمسئولين والعالم بأسره-: لا طريق إلى نجاتنا وخلاصنا من محننا وفتننا وجهلنا وظلمنا وخبثنا وشرنا وفسادنا إلا طريق واحد، وما استطاع واحد أن يطبق هذا.
فإذا قلنا: كيف؟ نقول: أي مانع أن يطبق هذا المنهج المحمدي؟ والله ما وجدنا مانعاً؛ لأنا نقول: إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، ورأينا اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين يحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص ودور السينما والمقاصف والملاهي والملاعب، أسألكم بالله يا من تعرفون أوروبا: أليس هذا نظامها؟
ونحن إذا دقت الساعة السادسة أين نذهب؟ هل نمشي وراءهم ونذهب مذاهبهم وهم كفار ونحن مؤمنون؟ بل نذهب نتوضأ وآمر أولادي وزوجتي وأمي بالوضوء، ونحملهم على السيارة إن بعد بيت الرب عني ونأتي بهم إلى المسجد، مسجد الحي إن كنا في المدينة، ومسجد القرية إن كنا في قرية، حيث لم يبق في الحي رجل ولا امرأة ولا طفل إلا من كان مريضاً أو ممرضاً، الكل حضروا ويصلون المغرب كما نصلي، ويجلسون كما أنتم جالسون، النساء وراء الستارة، والفحول أمام المربي المعلم، وليلة آية من كتاب الله، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله الثابتة الصحيحة، ولا نزال نعلم ونعمل يومياً، فما تمضي سنة إلا وليس في القرية جاهل ولا جاهلة، وليس في الحي من أحياء المؤمنين رجل جاهل ولا امرأة، من أجل هذه الساعة التي يجلسون فيها لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انتفى الجهل انتفى الخبث انتفى الظلم انتفى الشر، زال الحسد ووجدت أهل القرية كأسرة واحدة، لا تسمع كلمة سوء تقال في فرد من أفرادهم، ولا تجد من يقول السوء بينهم، أو يكيد أو يمكر، وهذا مستحيل مع العلم الرباني.
ما الذي يكلف المسلمين هذا؟ دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فوقف العمل، يا صاحب الدكان! أغلق دكانك، يا صاحب المقهى! أغلق مقهاك، يا صاحب المصنع! يا صاحب العمل! انتهى العمل من صلاة الصبح إلى الآن، هيا بنا إلى بيوت الله، بيوت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، نجلس بين يديه نستمطر رحماته ونتلقى بركات السماء ونتعلم العلم الضروري فنعرف محاب الله ونأتيها، ونعرف مكاره الله ونتجنبها ونبتعد عنها، ومن ثم تحققت لنا ولاية الله، وأصبح أهل القرية أولياء الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله وسألوه أن يزيل الجبال لأزالها.
مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه

معشر المستمعين! بلغوا .. بلغوا: لا سبيل إلى النجاة إلا هذا السبيل؛ لأنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجتمع النساء في هذا المسجد والرجال فيزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ونسبة من يقرأ ويكتب 1%، وأصبحوا علماء ربانيين نساء ورجالاً، لا يوجد -والله- لهم نظير على الأرض، هل فازوا بشهادات علمية؟ فقط أقبلوا على الله فأسلموا قلوبهم ووجوههم له، ومشوا في صراطه المستقيم، ولكن جلس لهم رسول الله، والله يقول في منته عليهم: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، فأيما أهل إقليم أو بلد أو قرية في العالم الإسلامي أرادوا أن يصبحوا كأصحاب رسول الله في الطهر والذكاء والصفاء والربانية فالطريق هو هذا الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم، يجتمعون كل ليلة طول العام، ليلة آية كالتي درسناها الآن أو بعضها، وليلة حديثاً بعدها، تنتهي الفوارق والمذاهب والعناصر، لا يبقى من يقول: أنا شافعي ولا مالكي ولا إباضي ولا زيدي، انتهت الفرق والانقسامات، وهي محرمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا )[آل عمران:102-103]، من أذن لك أن تقول: أنا مالكي؟ آلله أذن لك بهذا؟ كيف تقول: أنا زيدي أنا إباضي أنا حنبلي؟ قل: أنا مسلم أسلمت قلبي ووجهي لربي، مرني بأمر الله وأمر رسوله أنصاع وأذعن وأعمل، انهني عما نهاني عنه الله ورسوله ننتهي؛ لأني عبده أطلب ولايته وكرامته، فهل يتحقق هذا بدون الاجتماع على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم؟معاشر المستمعين! هل يبقى في أذهانكم شيء من هذا؟ لم لا تبلغونه عندما تجلسون في بيوتكم أو مع إخوانكم فتقولون: سمعنا في المسجد النبوي كذا وكذا؟
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (34)
الحلقة (344)
تفسير سورة المائدة (4)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم هذا الأمل لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة، ومع هذه الآية المباركة التي تناولناها بالدرس في درس سابق، وما استوفيناها وحق لنا ألا نستوفيها لما تحمله من العلم والحكمة، فهيا نتغنى بها ثلاث مرات، ونحن نتأمل ونتفكر ونتدبر فيما حوته من العلم والمعرفة، ثم نعيد شرحها مرة أخرى بإذن الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3].
هذه الآية يجب أن يحفظها كل ذي عقل من المؤمنين والمؤمنات، ويصلي بها طول السنة النوافل والفرائض، هذه الآية نزلت ورسولنا صلى الله عليه وسلم في عرفات، ولم يعش بعدها إلا نيفاً وثمانين ليلة وقبضه الله.

اختصاص الله تعالى بالتحريم لعلمه بما يضر العباد وملكه لهم ولسائر ما خلق

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من المحرم؟ إنه الله تعالى. فهل يحق لكائن سوى الله أن يحرم أو يحلل؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الله هو مالك كل شيء، فما أذن فيه فهو حلال، وما لم يأذن فيه فهو حرام، وهل يستطيع أحدنا أن يتصرف في مال غيره يأخذ ويعطي ما يشاء؟ مستحيل، فما دام الله جل جلاله هو المالك لكل خلقه، إذاً: فما أذن فيه فهو الحلال وما لم يأذن فيه فهو الحرام، فلا يحل ولا يحرم إلا الله، والرسول الكريم باسم الله وبعلم الله وإذن الله يحرم أو يحلل؛ لأنه المسئول عن البيان والبلاغ، أما غير الله ورسوله فلا

ليس من حق أحد أن يحل شيئاً أو يحرم، وكل ما أحل الله وما حرم موجود في كتاب الله وبيانات رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أولاً.
ثانياً: الله وحده يحلل ويحرم؛ لأنه العليم بمضار ومنافع الأشياء، ونحن قاصروا العلم، فالعليم الخبير هو الذي يحل شيئاً لما فيه من الفائدة والمصلحة والمنفعة، ويحرم آخر لما فيه من الضرر والفساد، أليس كذلك؟ إي والله.
تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير

يقول تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من هم المخاطبون؟ المؤمنون الذين ناداهم بقوله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1] هذا الذي يتلى عليكم:(الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] ما مات حتف أنفه بدون تذكية.

(وَالدَّمُ )[المائدة:3] معروف، ليس الذي يختلط مع اللحم والعظم، ولكن الدم الذي يسيل ويؤخذ بالسفح والطريقة الخاصة بأخذ الدم من الحيوان، كانوا يأكلون الدماء: يغلونها فتنتفخ وتيبس ويأكلونها، وفيها من الأمراض ما لا يعلمه إلا الله.

(وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ )[المائدة:3] لحم الخنزير حرام كشحمه كدمه ككله، الخنزير معروف، حيوان أكثر ما يوجد في البلاد الباردة، هذا الحيوان علمنا أن فيه أمراضاً خطيرة عرفها الأطباء الآن وكشفوا عنها، ولكن ما حرمه الله إلا لأن فيه الضرر والخطر على عباده.

وسبب ذلك: أنه يعيش على القاذورات، يأكل الجيف، لو يجد فأراً ميتاً يفرح به، ويأكل الأوساخ، فمن هنا كان لحمه فيه جراثيم قاتلة، حرمه الله لعلمه بما فيه من الضرر.
وهنا لطيفة ما ننساها: أنه ديوث الحيوانات، فالجمل عندنا إذا جاء آخر يريد أن ينازعه في أنثاه قاتله، حتى الكلب، والقط ما يرضى أن تمس أنثاه، وهذا الخنزير يأتي بالآخرين يقول لهم: افجروا بها، فالذين يأكلون لحمه ينتقل إليهم هذا المرض مرض الدياثة، ويصبح الرجل لا يبالي بامرأته تغني أو ترقص أو يصاحبها فلان ويسافر معها حيث شاء والعياذ بالله، وخطره على البلاد الحارة عجيب، فلهذا يأكله من في البلاد الباردة.
تحريم ما ذبح لغير الله تعالى

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، أهل يهل: رفع صوته، ومنه الهلال، أهل بالعمرة: إذا قال: لبيك اللهم عمرة، فالذي ذبح لغير الله وسمي عليه اسم غير اسم الله حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير.

ولا نغفل عما عليه إخواننا أولئك الذين يذبحون لسيدي عبد القادر ، وسيدي البدوي ، وسيدي العيدروس ، وسيدي إبراهيم، وسيدي الحسين ، وسيدتنا فاطمة ، حتى ولو لم يقولوا: باسمك يا فاطمة أو يا حسين ، فالدافع الباطني نية الذبح لذلك المخلوق، بدليل أنه يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذا العجل عجل سيدي البدوي ، وقد رأينا ذلك بأعيننا، وقد رأينا بأعيننا من يغرس حديقة شجر زيتون ويقول: هذه الزيتونة لسيدي فلان، يغرس نخلاً ويقول: هذه النخلة لسيدي فلان، يشتري قطيعاً من الغنم في آخر الشتاء، فإذا كان الربيع يقول: هذه شاة سيدي فلان، ليرعاها ويحميها ويحرسها، فهذا من هذا.
(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، فلا حل لمؤمن ولا مؤمنة أن يذبح لغير الله عز وجل، قد يقول قائل: ها نحن نذبح للضيفان؟! فالضيفان أمرنا رسول الله بإكرامهم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، لم اشتريت هذه الشاة؟ قال: عندنا ضيوف الليلة، اشتريناها لنطعمهم، فهذا مأذون به وجائز، لكن الممنوع أنك تتقرب إلى ذلك الميت لتحصل على الخيرات والبركات بواسطته، فتعبده كما يعبد الله جل جلاله بذكره والتوسل إليه بالذبح والنذر إلى غير ذلك.

وإن شككتم فإني أحلف لكم بالله: والذي نفسي بيده! ما جاز لمؤمن ولا مؤمنة أن يسمي شاة أو بقرة أو نخلة أو شجرة لغير الله ويقول: هذا لسيدي فلان، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه إذا فعل، فقد قال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ )[الزمر:65] يا رسولنا ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65] ما معنى أشركت؟ أشركت غير الله في عبادة الله، جعلت له عبادة كما هي لله.

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]،كان المشركون يذبحون لهبل واللات والعزى ومناة والحجارة التي ينصبونها، وجاء الإسلام فحرم الذبح لغير الله حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أجاز عالم عرف الأصول أن تقول: هذه شاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذبح، وإنها لشرك ومحنة كبيرة، أهنت رسول الله وجعلت له الشاة التي يتقرب بها إلى الله!

فالرسول صلى الله عليه وسلم ما هو في حاجة أبداً إلى أن تصوم عنه أو أن تتصدق عنه أو تحج عنه؛ لأن حسنات الأمة كلها له مثلها، ما له إلا أن تحبه وتطيعه وتصلي وتسلم عليه، أما أن تتصدق عليه أو تصوم فقد جعلته كسائر الناس، شككت في درجته المرفوعة ومقامه السامي عند الله.

يتبع


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:11 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ما يدخل في الميتة من المحرمات
فهذه الأربعة المحرمات وردت في عدة سور: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، والستة الباقية داخلة فيها؛ في الميتة، فالمنخنقة ميتة، والمنخنقة: التي تدخل رأسها بين شجرتين أو كذا وتختنق، انخنقت فهي منخنقة، أو يربطها صاحبها بحبل في عنقها فتحاول أن تمشي بعيداً وتجذب فتختنق، وإن فرضنا أن رجلاً خنق شاة فهذا غير واقع لأن الله سماها المنخنقة، لو كانت تخنق لقلنا: والمخنوقة، لكن ما هناك من يخنق الشاة، المنخنقة هي التي تختنق بنفسها.

والموقوذة التي ترمى وتوقذ بحجرة أو بعصا أو برصاصة فتسقط ميتة، والمتردية: التي تردت من مكان عال، من السطح فوقعت في الأرض، أو من أعلى الجبل، أو طلعت فوق شجرة وهبطت منها فاندقت عنقها وماتت، هذه الموقوذة، والنطيحة: التي تنطحها أختها نطحة فيغمى عليها وتموت.
وما أكل السبع، السبع هنا: الذئب والثعالب والضباع وسائر الحيوانات التي تأكل، فالتي يأكلها السبع أيضاً جيفة ميتة، كل هذا داخل تحت الميتة.
وقوله تعالى: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ )[المائدة:3] استثناء، فالمنخنقة إذا أدركت الحياة فيها مستقرة وذكيتها فلا بأس، المتردية التي سقطت من السطح فوجدتها حية فذبحتها فلا بأس، النطيحة التي نطحتها أختها ووجدت فيها الحياة كذلك، والتي أكلها السبع ووجدت حية حياة مستقرة اذبحها وكل، وعلامة استقرار الحياة أنك إذا أخذت تذبحها تنتفض، تضرب برجليها وتتحرك، فتكون الجراثيم كلها قد خرجت من الدم حين سال، أما إذا ماتت فالجراثيم باقية فيها.
تحريم المذبوح على الأنصاب

(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3] سواء قلت: باسم الله أو قلت: بسيدي عبد القادر ، ما دامت مذبوحة على ما ينصب، على عظيم أو زعيم أو ولي أو قبر أو كذا، والنصب: ما ينصب في المدينة دالاً على عظيم من عظماء البلاد، زعيم من زعمائها، ولي من أوليائها، والأولياء يبنون عليهم القباب ينصبونها عليهم ليعرف: هذا سيدي فلان! إذ ما كان يمكن أن يدفن الولي عندنا أيام الجهل في عامة المقبرة، لا بد أن يبرز ويعلم ويظهر ليعرف حتى يستغاث به ويطاف بضريحه، ويتمسح به، وقد رأينا النساء عاكفات على الضريح، والرجال عاكفين! فلا إله إلا الله! وهم يقرءون القرآن لكن على الموتى، أما على الأحياء فلا.

أحببت أن أقول: الحمد لله؛ الآن صحونا لعوامل كثيرة، منها: تقارب العالم الإسلامي، ووجود الكتاب والطباعة بسرعة والإذاعات، وإذاعة القرآن وحدها كافية، إذاعة القرآن أنا سميتها لما طالبت بها: إذاعة الإسلام، يجب أن تفتح الإذاعة أربعاً وعشرين ساعة، وإياك أن تفتح إذاعة غيرها، تتعلم فيها الكتاب والحكمة، وكم تفقه عليها من النساء، عجائز أصبحن عالمات! والآن هذه الإذاعة تصل إلى المسلمين في الشرق والغرب بلغة العرب البينة الفصيحة.
قال تعالى: ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، هل تقولون: ما ذبح على الأصنام فقط؟ كان يذبحون على الأصنام حول الكعبة، ويلطخون الكعبة بالدماء، لكن الشيطان هو هو، هل تغير نظامه وسلوكه؟ لما عرف أننا لا نعبد الأصنام جاءنا بفكرة جديدة، ما هي؟ التوسل بالأولياء رحمهم الله، بالذبح لهم والنذر لهم، تمر المرأة تقول: يا سيدي فلان! إذا تزوجت ابنتي، أو إذا غلبت فلاناً في المحكمة فسنذبح لك شاة! تمر بالضريح هكذا وتنادي، والرجال والنساء سواء، والعلماء يقولون: ماذا في ذلك؟ فهو حسب النية، لكن الله عز وجل أضاء البلاد الإسلامية بنور العلم الآن.

معنى قوله تعالى: (وأن تستقسموا بالأزلام)

وقوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3]: الأزلام: جمع زَلمَ أو زُلمَ، وأهل الشام يقولون: يا زلمة، والزَلمَ والزُلم واحد: عود من خشب، هذا العود أصله كان من الرماح أو السهام، مصنوع صناعة خاصة، ليس فيه حديد أسفله، ولا فيه ريش، لأن السهم يجعلون فيه ريشاً حتى يقوى ويصل إلى الحيوان الذي يرمونه به أو الإنسان، هذه العيدان التي كانت سهاماً قدمت وأصبحت لا تصلح، فماذا يصنعون بها؟ يأتي رجل من الكهنة أو السحرة أو مدعي الغيب ويجمع ثلاثة عيدان، يكتب على أحدها: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث غفل ما عليه أي كتابة، وكان يجلس عند الكعبة، فتأتي تقول: يا شيخ! أريد أن أتزوج امرأة من مصر، ولا أدري هل فيها خير أم لا؟ فدلني، فيجيل الأزلام في الكيس، ثم يخرج واحداً، فإذا وجد فيه: أمرني ربي يقول: تزوج، الخير كله في هذه الزوجة، وإذا جاء العود الذي فيه نهاني قال: لا خير لك فيها، وإذا جاء العود الخالي الغفل يعيد إجالتها، يخلطها مرة ثانية ويخرج.

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا )[المائدة:3] أي: أن تطلبوا ما قسم الله لكم من طريق هذه العيدان، هذه كانت في مكة، وكانت في بلاد العرب لها ناس خاصون، والإسلام لا يسمح بهذا، إذاً: جاء الشيطان بأعجب من هذا:

أولاً: ما يعرف بخط الرمل، في باريس تجد الرجل جالساً والرمل أمامه في شوارع باريس، وأنت تريد أن تسافر أو تتزوج أو تطلب كذا، فيضرب لك القصد، ويكذب عليك ويقول لك: افعل أو لا تفعل، ثم يقول: هات ألف فرانك!
كذلك تأتي إلى الرجل والمسبحة في يده، فيرسلها، فإذا جاءت أزواجاً قال: افعل، وحط بيضة أو ريالاً!
وكذلك قراءة الكف، هذه واحدة أخرى، يقرأ في الكف ما يعرف بالعرافة، وكذلك قراءة الفنجان، وهذه كلها من وضع إبليس، وهو الذي يسوق إليها البشرية الغافلة؛ لتأتي بالشرك الحرام من أجل أن يعيشوا، وعندنا يسمونها الكزانة والشوافة كذلك.
فهذا كله يدخل تحت قوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ )[المائدة:3]، كله خروج عن طاعة الله ورسوله، ( ذَلِكُمْ )[المائدة:3]الذي سمعتم من أكل المحرمات، ومن الاستقسام بالأزلام، كله ( فِسْقٌ )[المائدة:3]، أي: خروج عن طاعة الله ورسوله، ومن خرج عن طاعة الله ورسوله هلك.
(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3] بالقرعة، بالشوافة، بالكف، بالمصحف، كل ذلك.
الاستخارة الوسيلة المشروعة المغنية عن الاستقسام

فإن قلت: إذاً: وماذا نصنع يا شيخ إذا منعتمونا من هذا ونحن في حيرة، نريد أن نتزوج، نريد أن نسافر، فكيف نصنع؟ الجواب: هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم سن لنا صلاة الاستخارة، إذا هم أحدكم بالأمر وأراد أن يأتيه وهو لا يدري أفي صالحه أم في غير صالحه؛ فليصل ركعتين لله عز وجل، ويحسن أداءهما، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك لا يملكه إلا أنت، إن كنت تعلم أن في زواجي في سفري في كذا خيراً لي في ديني ودنياي، وفي عاقبة أمري فاقدره لي ويسره وأعني عليه، وإن كنت تعلم أن في هذا شراً لي أو عدم الخير فاصرفني عنه واصرفه عني. وكررها مرتين أو ثلاثاً أو أسبوعاً، فلقد استخرت الله مرة شهرين في قضية، كل يوم مرة! فاقرع باب الرحمن عز وجل، أما أن تذهب إلى المشعوذين والدجالين وأولياء الشيطان، وتعتمد على ما يقولونه لك فهذا حرمه الله عز وجل، عليك بذي الجلال والإكرام، اطرح بين يديه وابك، والذي يحصل لك والله خير لك، حين تستخيره أي: تطلب الخيرة منه، فالذي يتم لك عملاً أو تركاً والله لهو الخير الذي اختاره الله لك، وكن مطمئناً.
أردت أن تتزوج فلانة وما تدري ما العاقبة فاستخر الله عز وجل يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً وأنت تتردد عليه تعالى وتسأله، فإذا خطبت وقالوا: باسم الله مرحباً، وزوجوك فقد اختارها الله لك، فإذا قالوا: لا، ما نستطيع، فهذا معناه: أن الله صرفك عنها لما فيها من الشر لك.
وبعض العوام يقول: نرى في المنا! لا منام ولا رؤيا ولا هاتف يهتف بك، انتبه، اقرع باب الله واسأله، وتردد كما قلنا، ما هي بمرة أو مرتين، ثم الذي يقع فعلاً أو تركاً هو الذي اختاره الله لك، وافرح به واحمد الله تعالى عليه.
وقت نزول قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)

حرمة الابتداع في الدين وجواز ما كان من المصالح المرسلة
فلهذا من أراد أن يزيد سنة في الإسلام أو فريضة فليضرب رأسه على الحائط، الله يقول: أكملت، وأنت تقول: ما زال ناقصاً، نزيد فيه شيئاً! ولهذا كل بدعة حرام، وكل بدعة ضلالة، المبتدع كأنه ينتقد الشرع أنه يحتاج إلى زيادة، والله يعلن أنه أكمله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، فقط لنا المصالح المرسلة، فتلك العوام يسمونها بدع حسنة، ليست من باب الابتداع.
على سبيل المثال: المحراب، ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محراب في الجدار، أليس كذلك؟ القبلة معروفة، لكن لما دخل الناس في دين الله أفواجاً كان الإنسان يدخل المسجد ما يعرف القبلة، فماذا يصنع؟ يسأل: أين القبلة؟ فجعلوا طاقة في الجدار تسمى المحراب، كل من دخل المسجد عرف القبلة، سواء كان في الشرق أو الغرب.
وكذلك المنارة، حيث كان يؤذن على سطح المسجد، فاتخذت المنارات ليسمع أهل البلاد عامة، فهذه من المصالح المرسلة.
والقرآن الكريم ما كان منقوط الحروف أبداً، ويفهمونه، فـالحجاج بن يوسف قال: الناس ما يعرفون الحروف، فنقط الباء والتاء والثاء والجيم وكذا، هذه مصالح مرسلة، ليست بدعة في الإسلام وزيادة فيه.
والشاهد عندنا: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )[المائدة:3]، الحمد لله، الحمد لله، رضي الله لنا الإسلام ديناً، لو رضي لنا اليهودية أو المجوسية أو النصرانية لقلنا: الحمد لله، ولكن لم يرض لنا إلا الإسلام، فقولوا: رضينا بالإسلام ديناً.

قال تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )[المائدة:3]، بعد أن فتح الله مكة، وأصبحت الوفود تأتي من أنحاء الجزيرة بالعشرات وهم يدخلون في الإسلام ما بقي من يفكر في قتال رسول الله والمؤمنين، فكان الخطاب: فلا تخشوهم اليوم واخشون أنا، فأنا ربكم وخالقكم، فمن ثم ارتفعت راية لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)

ثم قال تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3] أي: جاءته الضرورة وهي المخمصة أو المجاعة أو الجوع الشديد، ولكن حال كونه غير مائل إلى إثمه وراض بما حرم الله، الجوع ألجأه إلى أن يأكل من هذه الميتة أو هذا الخنزير أو هذا الدم؛ دفعاً لغاية الموت؛ لأنه إذا مات فلن يعبد الله، إذاً: أذن الله للمضطر اضطراراً قوياً وهو غير مائل بطبعه إلى أن يتلذذ بما حرم الله؛ ولهذا لا يأكل إلا القدر الذي يسد رمقه، لا يشبع، بل يأكل القدر الذي يقيم به صلبه ويمشي.


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:12 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (35)
الحلقة (345)
تفسير سورة المائدة (40)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون .. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة ومع الثلاث الآيات التي تدارسنا بعضها بالأمس.
وإليكم تلاوتها مرة أخرى، وتأملوا يفتح الله عليكم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].
شرف المؤمنين بنداء الإيمان
أولاً: أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن نداء الله للمؤمنين بعنوان الإيمان فيه شرف لهم عظيم، إذ تأهلوا لأن يناديهم الرب تبارك وتعالى، وهذه فضيلة الإيمان، لولا إيمانهم الصادق الحق الصحيح ما تأهلوا لأن يناديهم، كان سيقول لرسوله: قل لهم، كما قال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، أما الله فيتنزه أن ينادي المشركين والهابطين من بني الناس، ولكن ينادي الأحياء، فمن هنا عرفنا أن الإيمان الحق بمثابة الروح، المؤمن حي والكافر ميت، وبرهنا ودللنا على أن أهل الذمة في ديارنا نحن -المسلمين- لا نكلفهم بصيام ولا صلاة ولا جهاد ولا رباط ولا زكاة؛ لأنهم كالأموات، يوم يحيون بـ(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) مرهم يفعلوا، وانههم يتركوا؛ لكمال حياتهم.
حادثة نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، نادانا هنا ليقول ناهياً مانعاً لنا من أن نحرم ما أحل الله لنا: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].
ذكروا أن لهذه الآية سبباً في نزولها، والقرآن ما نزل دفعة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بحسب متطلبات الأمة، كلما جد أمر نزل قرآن يبين الحكم فيه.
وعظ الحبيب صلى الله عليه وسلم رجاله موعظة رقت لها القلوب، فقام عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون رضي الله عنهما وآخر، وجاءوا إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وسألوها عن قيام الرسول في الليل؟ فقالت: كان يقوم وينام. فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام بعد اليوم، أحيي الليل كله؛ لأن الرسول مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسألوها عن صيام الرسول؟ فقالت: كان يصوم ويفطر. فقال أحدهم: إذاً سأصوم الدهر ولا أفطر. وسألوها: هل كان يأتي النساء؟ قالت: نعم، فقال أحدهم: إذاً: أنا لن آتي النساء أبداً. رغبة منهم في حب الله وولايته، رغبة منهم في الانقطاع إلى الله.
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقام خطيباً وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فسد باب الرهبنة التي يعيش عليها النصارى، يحرمون على أنفسهم ما أحل الله لهم، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87].
فالنوم طيب يحتاج إليه الآدمي فكيف تحرمه على نفسك؟ وإتيان النساء مشروع وفيه خير، ومما أباح الله وأذن فيه ورغب فيه، فكيف تحرمه أنت على نفسك؟ والصيام ضده الإفطار، فالإفطار يقوي البدن ويزيد في طاقته لينهض بتكاليف الله ومستلزمات هذه الحياة، فكيف تحرم الإفطار لتصوم أبداً؟
وقال لهم: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، بينت لكم أن الذي يحرم أو يحلل بدون الله اعتدى على الله، فمن الذي له الحق أن يحرم أو يبيح؟ إنه المالك العالم بمصائر الأمور، أما الجاهل الذي لا يملك فكيف يحرم أو يحلل، بأي حق؟
(وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، والاعتداء: مجاوزة الحد، قد يكون بينك وبين أخيك بسبه أو شتمه أو انتهاك عرضه أو أخذ ماله، قد يكون بينك وبين نفسك تلزمها بصيام الدهر أو بقيام الليل بدون نوم أو بحرمانها من النساء وإنجاب البنين والبنات، هذا اعتداء على نفسك، واعتداء على الله؛ لأن الله هو المشرع لحكمته وعلمه ورحمته، فلا يصح لآدمي أن يحلل أو يحرم، وإنما الذي يحرم ويحلل هو الله عز وجل، أولاً: لأنه المالك، ثانياً: لأنه العليم بالمنافع والمضار، ثالثاً: لأنه رحيم بأوليائه وعباده، فلا يحرم عليهم طيبات ينتفعون بها.
أمر المؤمنين بأكل الحلال الطيب وتقوى الله تعالى
ثم قال لهم ولنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88] حال كونه ( حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فليس الحرام برزق ولا تقل: هذا رزق رزقنيه الله وهو جيفة أو مال مغصوب أو مال ربا.
ثانياً: أن يكون طيباً غير مستخبث ولا مستقذر؛ لأنه يسبب مرضك وانحطاط قوتك، فلا بد أن يكون المطعوم والمأكول أولاً مما أذن الله به، والله لم يأذن في مال الربا ولا في مال التلصص ولا السرقة ولا الخيانة أبداً، ولا مال المؤمنين، فما أذن فيه لا بد أن يكون مما أحل الله، ثانياً: أن يكون طيباً ليس بمستقذر ولا مستخبث بحيث تشمئز منه النفس أو يسبب مرضاً للإنسان، هذه مظاهر ربوبية الله ورحمته بعباده.
ثم قال لنا: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، أي: خافوه، نتقي الله بأي شيء؟ يتقى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، فيما أمر الله بفعله أو قوله أو اعتقاده، وفيما نهى الله عن اعتقاده أو قوله أو عمله، ومن هنا وجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوامر الله بالضبط، ونواهيه كذلك، وإلا فلن يستطيع أن يتقي الله، لا يمكن أن تتحقق تقوى الله للعبد وهو ما عرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا قلنا: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن يكون هناك قرطاس وقلم، وإنما تسأل بلسانك وتطبق بجوارحك يوماً بعد يوم؛ لقول الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم أوامر الله أو نواهيه يجب عليه أن يسأل العلماء.
يتبع


ابوالوليد المسلم 06-07-2021 05:13 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ...)

لما عرف أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم وقد حلف أحدهم أن لا يأتي النساء وآخر أن لا ينام وثالث أن لا يأكل، وارتبكوا ماذا يصنعون في أيمانهم التي حلفوها؛ فرج الله عنهم وأنزل الآية الثانية فبين فيها كيف الخروج من اليمين، وهذا عام لكل مؤمن ومؤمنة، اسمع ما قال تعالى: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ هذه الآية، هذه مادة من قانون الحياة ودستور دخول الجنة: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ )[المائدة:89]، بماذا؟ ( بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، والأيمان: جمع يمين.
أنواع اليمين وأحكامها
وهنا الأيمان خمس ممكن أن نحصيها ونحفظها، لو كانت تتعلق بالتجارة والبيع لحفظت، لكن هذه علمية ربانية لا يحفظها إلا ولي الله، فكونوا أولياء الله، وليقل أحدكم: لن أبرح مكاني حتى أعرفها.
أولاً: لغو اليمين، أن يحلف أحدنا على شيء يظنه كذا فيتبين أنه خلاف ما ظن، يا فلان! ناولني عشرة ريالات. فيقول: والله ما عندي يا شيخ الآن معتقداً ذلك، ثم أدخل يده في جيبه فوجد عشرة ريالات، فهل يؤاخذ على هذه اليمين؟
أو قيل له: أين إبراهيم؟! فقال: والله! إنه في المنزل؛ لأنه تركه في المنزل، وتبين أنه في السوق أو في المسجد، فهذه لغو يمين لا إثم فيها ولا كفارة.
الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصد به اليمين، كأن يقال لك: نحن في أي ساعة؟ فتقول: في الساعة السابعة والله، أو هل جاء فلان؟ فتقول: بلى والله جاء، يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده، تعود الحلف فأصبح يجري على لسانه ولا يقصده، هذه أيضاً لغو يمين، ولا إثم فيها ولا كفارة عليها، إذ الكفارة لمحو الإثم، فما دام لا إثم فلا كفارة، فهاتان يمينان من لغو اليمين:
الأولى: أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيتبين خلافه.
والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده.
ويمينان تجب فيهما الكفارة، الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، أو: والله! لا أعطيك بعد اليوم درهماً ولم يقل: إن شاء الله، فهذا نسي الله بالمرة، نسي أن الذي يعطي أو يمنع هو الله، وأن ما يريده الله فسيكون، فكان المفروض أن نقول: والله! لا أصاحبك بعد اليوم إلا أن يشاء الله، فالذي يحلف ألا يفعل أو يحلف أن يفعل ثم يحنث تجب عليه الكفارة.
هذه الصيغة الأولى: أن يقول: والله! لا أكلمك بعد اليوم، كما قال الصحابي: والله! لا آتي النساء بعد اليوم .
الصيغة الثانية: أن يقول: والله! لتفعلن كذا يلزمك، ولم يقل: إن شاء الله، فلما نسي مشيئة الله، وغفل عن قدرة الله وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراد الله تلطخت نفسه بالإثم لنسيانه الله، فبم يزال هذا؟ بمادة معينة وضعها الحليم العليم، فهاتان يمينان تجب فيهما الكفارة؛ لأن فيهما الإثم، ما سبب الإثم؟ أنك تقول: والله لأفعلن ونسيت أن تقول: إلا أن يشاء الله، وإذا لم يشأ الله فهل ستفعل أنت؟ أنت لا تتحرك إلا بإذن الله.
أو أن تقول لآخر: والله لتفعلن كذا. وهل أنت تقدر على أن تلزمه وتجبره إذا لم يشأ الله؟ هاتان اليمينان فيهما كفارة.
اليمين الخامسة تسمى باليمين الغموس، من: غمسه ويغمسه في الماء، أو غمس رأسه في الطين، اليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في جهنم، تغمسه أولاً في أوضار وأوساخ الذنوب والآثام، وبذلك يستحق دار البوار ودار النار، وأعيذكم بالله أن تحلفوها، اليمين الغموس فسرها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن يحلف أحدنا كاذباً ليأخذ مال أخيه أو ليمزق عرضه أو ينال دمه، وهي اليمين التي يتعمدها الحالف وهو يعلم أنه كاذب ليتوصل إلى تحقيق غرض من أغراضه الهابطة.
هذه اليمين الغموس اختلف أهل العلم: هل فيها كفارة؟ فمالك وجماعات قالوا: هذه لا تكفر بشيء أبداً لا بالصيام ولا بالعتق، لا تكفر إلا بالتوبة النصوح وإرجاع الحق لأهله، يأتي ويقول: يا فلان! حلفت كاذباً لآخذ من مالك، وأتوب إلى الله فخذ مالك الذي أخذت منك، ومع هذا فالأحسن أن يضيف إلى التوبة الكفارة لتطمئن نفسه.

كفارة اليمين

خبر انقطاع الوحي لترك رسول الله الاستثناء

حرص الإسلام على تحرير الرقاب

ملخص لما جاء في تفسير الآية

ذكر الله وشكره وعبادته سر الحياة
معاشر المستمعين! لو قام أحدكم وسأل أهل المنطق والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والسياسة وقال: أطرح هذا السؤال على منتدى أمريكا وإيطاليا: ما هو سر هذه الحياة؟ ما علة هذا الوجود؟ والله ما عرفوا؛ لأنهم أموات غير أحياء، وكيف يعرفونها؟! وهل الميت يعرف؟ لا يعرف، كيف -يا شيخ- وهؤلاء دكاترة في علم النفس، في علم الكواكب، في الذرة، كيف تقول ذلك؟
والله! إنهم لجهلة أموات حتى يعرفوا ربهم خالقهم ومدبر حياتهم، ثم يخضعوا له ويذلوا ويحبوه ويرغبوا فيما عنده، أما وهم جاهلون بخالقهم فهل يقال: فيهم أحياء؟ هؤلاء أموات.
والآن تعودون بها إلى دياركم أنكم عرفتم سر هذه الحياة، لم خلق الله الجنة؟ لم خلق الله النار؟ لم خلق الله السماوات؟ لم خلق الله الجبال؟ لم خلق الحيوانات؟ لم خلق الآدميين؟ والجواب واحد: أراد أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون ليسمع ذكره من أفواه عباده ويرى شكره في أعمالهم، ما أراد بالخلق زوجة ولا ولداً ولا منصباً ولا وجاهة ولا سلطاناً، هو غني عن هذه المخلوقات وهو خالقها، إذاً: ما السر في خلقها؟ السر أن يذكر ويشكر فقط، فلهذا من عاش على ذكر الله وشكره تحققت ولايته وأصبح من أهل دار السلام بما لا جدال فيه، ومن أعرض عن ذكر الله ونسيه وكفر بشكره على آلائه ونعمه فهو هالك مع الهالكين، وخاسر خسراناً أبدياً.
فانظر: حيث بين الله تعالى لنا هذه الأحكام ثم قال: ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:89]، يا معاشر المستمعين! إذا أكلتم فاشكروا الله، إذا شربتم فاشكروا الله، إذا صليتم فاشكروا الله، بل ادعوا الله أن يعينكم على ذكره وشكره، الرسول يقول لحبيبه: ( يا معاذ ! والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
تعريف بالشرك وبيان بعض صوره
وقد سمعتم ما قال لقمان لولده: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]، وأنا أعرف موقناً أن من بين الحاضرين عوام وطلبة علم ما جلسوا هذه المجالس، فلا يعرفون الشرك ما هو، فسأضع أيديكم على نقاط: الحلف بغير الله شرك، الذي يقول: وحق النبي، ورأس سيدي فلان، ورأسك يا فلان أشرك بالله عز وجل.

وهذا رسول الله يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ما معنى: أشرك؟ أوجد عظيماً من الخلق وأعطاه عظمة الرب وحلف به، ومن هو الأعظم والأكبر: الله أم غيره؟ الله أكبر، فكيف ترفع مخلوقاً وتحلف به تقرنه مع الله؟
وأنبه الذين يجري على لسانهم الحلف بدون قصد: والله لا نفعل، والنبي، وحق سيدي كذا، هؤلاء كفارة ذنبهم لما يقع في الحلف أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا قلت: والنبي فقل: لا إله إلا الله تمحوها، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما شاهد المؤمنين الجدد هذا آمن منذ أسبوع وهذا منذ سنة يحلفون كما كانوا يحلفون في الجاهلية، فقال لهم: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله )، تغسلها على الفور.
فالحلف بغير الله شرك في عظمة الله، سويت مخلوقاً من مخلوقات الله بالله، على المنبر يقول صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، قالها على المنبر.
فلن يسمع الله منا بعد اليوم الحلف بالأم ولا بالرأس ولا بالكعبة ولا بالنبي ولا بالمصحف أبداً، ومن جرى على لسانه فليقل: لا إله إلا الله يمحها.
ثانياً: الذي يذبحون للأولياء في نذور على أضرحتهم، أو يقول: هذه لسيدي عبد القادر أو لسيدي مبروك أو لسيدي فلان، هذا النذر لغير الله شرك في عبادة الله، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينذر لغير ربه، النذر لله أن نقول: لك يا رب علي أن أصوم هذا الأسبوع إن فرجت كربي، لك علي يا رب أن أتصدق بألف في هذه الليلة إن فعلت بي كذا وكذا، هذا بينك وبين الله، أما أن تقول: يا سيدي مبروك ويا سيدي فلان لميت تدعوه وتتكلم معه فهذا -والله- لأن يذبح العبد خير من أن يقوله، يحاد الله ويعتدي على شرعه ودينه.
أما الدعاء فكأن يقف أمام الضريح: يا سيدي .. يا فلان .. يا فلان، هذا من أفضع أنواع الشرك، والله لو تقف أمام علي بن أبي طالب أو عمر بن الخطاب أو رسول الله وتدعو ألف سنة والله ما أجابك، ولا عرف عنك!
فكل من ينادي ميتاً: يا سيدي فلان! المدد أو الغوث أو كذا؛ فقد أشرك في عبادة ربه غيره ولا ذنب أعظم من هذا الذنب.
والله نسأل أن يتوب علينا قبل موتنا، من تاب تاب الله عليه، أما من مات يشرك بالله فلا نجاة له من النار، وإليكم بيان الله، يقول تعالى لرسوله: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65]، ويقول تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا )[النساء:116]، فكيف نفتح أعيننا أمام المخلوقات وننسى خالقها؟! ولكن الجهل هو الذي ساقنا إلى هذا، فهيا نعود إلى قال الله وقال رسوله لننجو من هذه الفتن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:35 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (36)
الحلقة (346)
تفسير سورة المائدة (41)

قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل ذلك اليوم إن شاء الله تعالى، وهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:77-81].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:

مازال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهوداً ونصارى، فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ )[المائدة:77] يا رسولنا: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:77]، والمراد بهم هنا النصارى: ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77]، أي: لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم، فتبتدعوا البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها، التشدد محمود في الحق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً، لا في المحدثات الباطلة، ( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ )[المائدة:77]، وهم اليهود؛ إذ قالوا في عيسى وأمه بأهوائهم، فقالوا في عيسى: ساحر، وقالوا في أمه: بغي. ( وَأَضَلُّوا كَثِيرًا )[المائدة:77] من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم، ( وَضَلُّوا )[المائدة:77]، أي: وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم، هذا ما تضمنته الآية الأولى ]، وهي قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )[المائدة:77].

[ أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية بأن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور، وعلى لسان عيسى ابن مريم في الإنجيل، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن، فقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ )[المائدة:78]، فقد مسخ منهم طائفة قردة، ( وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )[المائدة:78]، حيث مسخ منهم خنازير، كما لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في غير آية من القرآن الكريم، وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة، سببه ما ذكر تعالى بقوله: ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[المائدة:78]، أي: بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم.

وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ )[المائدة:79]، أي: كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ) ] أي: يأكل معه ويشرب ويقعد [ ( فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوبهم بعضهم ببعض، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:78] إلى قوله: ( فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ) ]، أي: تلا الآية كما هي: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:78-81].

[ ( ثم قال صلى الله عليه وسلم: كلا والله ) ]، معاشر المستمعين والمستمعات! هذه لنا، فتأملوها، اسمعوا رسول الله يحلف، اسمعوا رسول الله يبين، قال: [ ( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم ) ]، هذه لنا، اسمعوا رسول الله بعدما تلا هذه الآيات الثلاث، قال: ( كلا والله )، هكذا يحلف صلى الله عليه وسلم ( لتأمرن ) أيها المؤمنون المسلمون ( بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم )، أي: كما لعن اليهود والنصارى؛ إذ ما هناك فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين، الكل عبيد الله، الكل عبيد الرحمن عز وجل، الكل يريد الله منهم أن يعبدوه؛ ليسلموا وينجوا وليسعدوا ويكملوا، فإذا لعن اليهود والنصارى لإتيانهم المنكر واستمرارهم عليه، وعدم رجوعهم عنه؛ فنحن إذا استمررنا على الباطل والمنكر والبدع والضلال ولم نتراجع فهل نسلم من لعنة الله؟ الجواب: لا والله، الكل عبيد الله عز وجل.
ثم قال المؤلف غفر الله له ولكم: [ وفي آخر الآية قبح الله تعالى عملهم ] قبح عمل أهل الكتاب [ فقال: ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( تَرَى )[المائدة:80] ] بعينيك [ ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ )[المائدة:80]، أي: من اليهود في المدينة، ( يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:80]، يعني: من المشركين أو المنافقين في مكة والمدينة، يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالاتهم في دينهم وكتابهم ]، اليهود بالمدينة يوالون المشركين، وهم يعلمون أن المشركين كفار ملعونون، يعرفون أن المنافقين نافقوا وأظهروا الإيمان وهم يكرهون الدين ورسول الإسلام والمسلمين، واليهود يوالونهم، فكيف يوالي المؤمن الكافر؟ لو كانوا صادقين في دعوهم الإيمان ما كانوا يوالون الكافرين والمنافقين.

[ ثم قبح تعالى عملهم فقال: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ )[المائدة:80]، نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر والفساد، وهو سخط الله تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى ما لا نهاية له ] في دار القيامة [ فقال تعالى: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80]، لا يخرجون منه أبداً.

ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[المائدة:81] كما يجب الإيمان به ( وَالنَّبِيِّ )[المائدة:81] محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من الهدى ودين الحق ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ )[المائدة:81] من القرآن والآيات البينات ما اتخذوا الكفار والمشركين والمنافقين أولياء، ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إلا قليلاً منهم ] أفراد قلائل فقط، [ والفاسق عن أمر الله الخارج عن طاعته لا يقف في الفساد عند حد أبداً. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ].

يتبع





ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:35 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هداية الآيات
معاشر المستمعين! نضع أيدينا على هداية هذه الآيات، فتأملوا.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: حرمة الغلو والابتداع في الدين، واتباع أهل الأهواء ]، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا )[المائدة:77]، ومعنى هذا: أنه يحرم على المسلم أن يبتدع في دين الله، أو أن يغالي فيه، أو يتبع أصحاب الأهواء في دين الله، ومن هنا عرفنا ما حدث في هذه الأمة بعد القرون الذهبية الثلاثة، انتشرت البدع والضلالات والخرافات وتقسمت الأمة وتجزأت؛ بسبب اتباع الأهواء، وتقليد أرباب الأهواء واتباعهم والتعصب لهم، حتى أصبحنا في أسوأ الأحوال، سبب ذلك أننا ما أخذنا بوصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم، أما قال: ( عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، وقد بين لنا الطريق وقد أعلنها واضحة صريحة عندما قال: ( ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )، ستفترق هذه الأمة كما افترق اليهود إلى اثنتين وسبعين فرقة، وكما افترق النصارى إلى إحدى وسبعين فرقة، والله! لتفترقن هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ووالله! لقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرق وطوائف ومذاهب، وكلها في النار، لم يا رسول الله في النار؟ لأنها ما عبدت الله بما شرع، فالعبادة التي شرعها الله تعالى هي التي تزكي النفس وتطهرها، أما ما ابتدعه المبتدعة فالعمل به لا يزكي النفس ولا يطيبها ولا يطهرها.

فقام رجل من أصحابه في ذلك المجلس المقدس الطاهر وقال: من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ وهذا السؤال يقع لكل المؤمن، فقال صلى الله عليه وسلم -واحفظوا واعملوا وطبقوا واطلبوا النجاة لأنفسكم- قال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، فيجب أن تكون عقيدتنا عقيدة رسول لله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا نختلف معهم أبداً فيها، يجب أن تكون عباداتنا كما كان رسول الله يعبد الله بها وأصحابه، لا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير، يجب أن تكون آدابنا وأخلاقنا كما كان عليه رسول الله وأصحابه، هذا سبيل النجاة، هذا يتوقف على المعرفة، يجب أن نعرف كيف كان يعتقد رسول الله وأصحابه في الله وفي لقائه وفي الإيمان، وما أمر الله بالإيمان به، يجب أن نعرف كيف كان رسول الله يتوضأ ويغتسل ويصلي ويحج ويعتمر، ونفعل كما كان يفعل، يجب أن نعرف كيف كان الرسول يتعامل مع الناس، فنتعامل كما كان يتعامل مع الناس، في آدابنا، في أخلاقنا، في معاملاتنا، هذا -والله- طريق النجاة، العلم أولاً، كيف كان الرسول يعتقد في الله ولقائه والدار الآخرة والملائكة والأنبياء والرسل السابقين، نعتقد كما كان يعتقد، كيف كان الرسول يعبد الله من التيمم إلى الاغتسال، إلى الرباط، إلى الجهاد، إلى القضاء، إلى الحكم، فنقضي ونحكم ونعمل كما كان الرسول صلى الله وسلم يقضي ويعمل، وليس هذا بالمستحيل ولا بالصعب أبداً، كل ما في الأمر أن نهيئ أنفسنا لأن نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا وتؤهلنا لرضا الله والسكن في دار السلام مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلا عنصرية ولا مذهبية ولا طريقة ولا حزب، إنما نحن مسلمون عباد الله، نعبد الله بما شرع، والحمد لله فقد حفظ الله لنا هذا الدين، حفظه بحفظه الخاص، وإلا لكان منذ مائة سنة فقط قد اختلط وما أصبح فيه ما يعبد به الله، لكن الله تعالى قال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر:9]، فحفظ لنا كلامه آية بعد آية في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، وحفظ لنا سنة رسول الله وإن داخلها الزيادة والنقص والتبديل، ولكن هيأ الله لها في كل عصر من يصونها ويحفظها كما هي؛ لتقوم الحجة لله على الناس، وإلا لكان على الله أن يجدد الرسالة ويبعث برسول.

معاشر المستمعين! في الآية الأولى: حرمة الغلو، والغلو: الزيادة، فلا تزد كلمة في دين الله، ما شأنك أن تزيد أنت وتنقص؟ لقد أنزل الله كتابه وبينه رسوله، الصلاة كما صلى الرسول، لو زدت سجدة في صلاة الصبح أو ركعة في صلاة المغرب بطلت صلاتك بالإجماع، ما هو شأنك أن تزيد، لو حاولت أن تنقص تكبيرة واحدة، فقلت: ما هناك حاجة إلى هذه التكبيرة في هذه الصلاة فصلاتك باطلة، ما معنى: باطلة؟ ما تزكي النفس، لماذا الآن نحن نسأل كيف نحج وكيف نعتمر؟ لعلمنا اليقيني أن هذه العبادة إذا لم نفعلها كما بينها الرسول فلن تؤثر على نفوسنا، أي: ما تزكي أرواحنا ولا تطيبها، وعلة العبادة تزكية النفس وتطهيرها، وطلبنا تزكية نفوسنا لعلمنا بحكم الله علينا، ألا وهو: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، فمن أراد الفلاح -وهو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار- فليزك نفسه، أي: فليطيبها وليطهرها، وما هي مواد التطهير؟ الإيمان الصحيح كإيمان الرسول وأصحابه، والعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى، وهو هذه العبادات من الصلاة إلى الصدقات وغيرها.

[ ثانياً: العصيان والاعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران ]، العصيان، أي: عصيان الله ورسوله بعدم فعل ما يأمران به وعدم ترك ما ينهيان عنه، هذا هو العصيان، والاعتداء: هو الظلم وتجاوز الحد، هذان ينتجان لصاحبهما الحرمان من رضا الله وجواره والخسران بالخلود في النار.
فمن أين عرفنا هذا؟ أما قال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ([المائدة:78]، بسبب ماذا؟ ( بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78]، عصوا رسل الله، عصوا الله ما عبدوه بما شرع لهم، ( وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78] بالظلم والطغيان والشر والفساد.

[ ثالثاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع ]، حرمة السكوت عن المنكر حين نراه ونسمعه ونسكت، ووخامة عاقبته على المجتمع بكامله، قال تعالى: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: كان الرجل منهم يرى أخاه على معصية، فينهاه: اتق الله واترك هذه، ومن الغد يراه يفعلها ويكون مؤاكله ومجالسه وقاعداً معه، فمن ثم ضرب الله قلوب بعضهم بعض ولعنهم.

وهذا بإجماع الأمة، فمن رأى منكراً يجب أن يغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه: يا عبد الله! لا تفعل، فإن لم يستطع بلسانه حيث خاف أن يؤذى في نفسه أو ماله أو أهله فليغيره بقلبه، أما أن نسكت عن المنكر ونرضى به فسوف يعمنا العقاب.
وضربنا لذلك مثلاً: قرية أو حي من الأحياء يخرجون القمامة ويرمونها عند الباب، هذا يرمي وهذا يرمي وليس هناك من يقول: لا تفعل، وليس هناك من يبعد هذه الأوساخ والقاذورات، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع تتحول تلك إلى بعوض وذباب وحشرات، ثم تتحول إلى أوبئة ويهلك أهل القرية كلهم، بسبب ماذا؟ لما رمى الرجل أو المرأة الوسخ عند الباب ما قال له أخوه: يا أخي! لا تفعل هذا، فهذا سبب مرضنا. لكن لما سكت وسكت الثاني والثالث وأصبحوا يرمون القمامة في الشوارع امتلأت الحارة أو الحي بالأوساخ والقاذورات وعمهم المرض، هذه هي الحقيقة، ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79].

إذاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع، فالقرية دخلها رجل جاء بمعصية وأعلنها، فأهل القرية عليهم أن يقولوا: يا فلان! ما ينبغي هذا، لا تبع هذا الباطل في بلدنا، لا تفعل هذا. يقول ذلك الأول والثاني والثالث، فيستحي ويخرج أو يترك هذا، أما أن يشاهدوه ويسكتوا ويفعله الكبير والصغير والذكر والأنثى فإنه تعم الفتنة.
[ رابعاً: حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد ]، الموالاة: هي المحبة والتعاون، حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد، فلا نحبهم ولا نمد أيدينا لعونهم ومعاونتهم، وبذلك نسلم، أما أن نوالي أهل الشر والكفر والفساد بحبنا لهم وتعاوننا معهم؛ فهذا -والله- هو الحالقة، هذا هو الدمار، دل هذا على قوله تعالى في الآية الكريمة: ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80].

حرمة موالاة أهل الكفر، ولو كانوا آباءنا وأبناءنا ونساءنا وأولادنا، وحرمة موالاة أهل الشر والفساد بيننا، لا موالاة، أي: لا محبة ولا تعاون معهم، بل يجب هجرانهم وتركهم حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الحق.
[ خامساً: موالاة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلامته في صاحبه ]، موالاة أهل الكفر بم تكون؟ بحبهم ونصرتهم على إخواننا المؤمنين، هذه هي آية الكفر، والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من أحب الكافر ونصره على إخوانه المؤمنين؛ لأن الله قال في بيان المؤمنين والمؤمنات بحق وصدق: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، والمؤمنون بحق وصدق والمؤمنات بحق وصدق من هم؟ ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، أي: يتحابون ويتعاونون ويتناصرون، فالذي لا يحب المؤمن -والله- ما هو بالمؤمن، والذي ينصر الكافر على المؤمن -والله- ما هو بمؤمن؛ إذاً لا بد من الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات، وهي الحب من بعضهم لبعض، والنصرة من بعضهم لبعض، أما أننا نحب أعداء الله وننصرهم على أولياء الله فأعوذ بالله.. أعوذ بالله! هذا هو الكفر الذي ما بعده كفر، دل على هذا قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81]، والفاسق: الخارج عن طاعة الله ورسوله، هو الذي يتحول إلى أن يحب أعداء الله ويكره أولياء الله، يتحول إلى أن يصبح ينصر الظلمة والمشركين والكافرين على المؤمنين والموحدين والمسلمين.

هذا والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعلى سائر المؤمنين.
عباد الله! آخر ما نقول: ينبغي أن نعرف كيف نعبد الله؛ إذ لا سبيل إلى النجاة إلا بمعرفة كيف نعبده، ثم نعبده بما شرع، وعبادة فيها ضلالة وفيها خرافة، وعقيدة فيها الزيغ والزيادة كل هذا خسران كامل، لا بد من أن نعبد الله بما شرع، وبذلك تطهر أنفسنا وتزكو أرواحنا وندخل دار السلام بقضاء الله وحكمه، إذ قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

اللهم زك أنفسنا أنت خير من زكاها، وآتها تقواها أنت وليها وموالاها يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:36 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (37)
الحلقة (347)
تفسير سورة المائدة (42)
تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل اليوم إن شاء الله تعالى، فهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
فهيا نتلوها ونتغنى بتلاوتها مرتين أو ثلاثاً وكلنا يتأمل ويتفكر ويتدبر، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، فإن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً تركناه وابتعدنا عنه، وإن كان أدباً تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان علماً علمناه من أجل أن نستنير به طول حياتنا، فحقق اللهم تعالى ذلك لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:82-86].

هيا نتأمل: من القائل: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82] ؟ الله عز وجل، هذه آيات كتابه القرآن الكريم، الذي أنزله على مصطفاه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: ( لَتَجِدَنَّ )[المائدة:82]، كأنما قال: وعزتنا ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، من هم الذين آمنوا؟ والله! إنهم لنحن، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، أي: بالله رباً وإلهاً، وبالقرآن كتاباً وبمحمد نبياً ورسولاً، الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر، هم المؤمنون.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً )[المائدة:82]، والعداوة بغض في النفس يحمل صاحبه على أن يبتعد من المؤمنين، ولا يقربهم ولا يأمل لهم خيراً ولا يحب لهم خيراً.

سبب عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، عرفنا عن اليهود أن الصورة بينت حالهم وفضحت واقعهم، اليهود المعروفون، ( وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، هم المشركون الكافرون، ولو قيل لك: من يحب المؤمنين؟ فالجواب: والله! لا يحبهم إلا مؤمن، وكل الناس غيرهم عدو لهم، لكن من أشد عداوة لهم؟ اليهود والمشركون، اليهود لأنهم يحلمون بدولتهم أو مملكتهم التي تسود العالم، والذين يقفون حجر عثرة في طريق حلمهم وتحقيقه هم المؤمنون، فلهذا يبغضونهم ويعادونهم أشد العداوة؛ لأنهم في طريقهم ما يستطيعون أبداً أن يحققوا مملكة وجودهم والمؤمنون موجودون في الطريق.والذين أشركوا لأنهم كفرة، فجرة، لا يريدون ديناً ولا استقامة ولا منهجاً ولا عدلاً ولا حقاً ولا توحيداً، يعيشون على الضلال فيكرهون المؤمنين لهذا.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، من أخبر بهذا؟ الله جل جلاله، هل يمكن أن يخبر الله بغير الواقع؟ تعالى الله عن ذلك، أليس هو العليم الحكيم؟

إذاً: والله! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والمشركون، والله الذي لا إله غيره! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والكفار المشركون.
معنى قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ...)

ثانياً: قال تعالى: ( وَلَتَجِدَنَّ )[المائدة:82] يا رسولنا ( أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82]ومحبة ( لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )[المائدة:82]، أتباع عيسى ابن مريم عليه السلام، النصارى بحق الذين آمنوا بعيسى وألهوه، من حيث العطف والإحسان والرحمة ورقة القلب، ولكن استولت عليهم اليهودية وحولتهم من نصارى إلى بلاشفة، إلى علمانيين، إلى ملاحدة، لا يؤمنون بالله ولا بعيسى ولا بأمه، يقولون: لا إله والحياة مادة، من هنا ذهبت تلك الرحمة وزال منهم ذلك الإحسان وذلك العطف، وذلك الرفق بالناس حتى بالحيوانات؛ لأن القلوب هي التي كانت تعطف وترحم فقلبوها، حولوها إلى مادة. (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82] لنا نحن المؤمنين ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ([المائدة:82]، واسمع التعليل الرباني، يقول عز وجل: ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا )[المائدة:82]، القسيسون: واحدهم قسيس، ويجمع على: قسس وقساوس وقسيسين، والقسيس: هو العالم العابد، العالم بتعاليم المسيح وكلها رحمة، والرهبان: جمع راهب، الذي يرهب الله، وإذا ذكر الله ارتعدت فرائسه وخاف من الله وانقطع إلى عبادته في الأديرة والصوامع، وكانوا قبل أن تلعب بهم اليهودية والماسونية، كان أحدهم ينقطع إلى عبادة الله يبكي على رأس جبل أو على دار أو صومعة، هذا إخبار الله أم لا؟ ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82] أيضاً، يتنافى الكبر والعتو والعلو مع من يرهب الله ويخافه ويعبده.
تفسير قوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ...)

ثم قال تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ )[المائدة:83] محمد صلى الله عليه وسلم، ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ )[المائدة:83]، من أجل ما عرفوا ( مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، من هم الشاهدون الذين سألوا الله أن يدون أسماءهم معهم؟ والله! إنهم لأنتم أيها المؤمنون، أما شهدتم أن لا إله إلا الله؟ أما شهدتم أن محمداً رسول الله؟ أما شهدتم أنه لا يعبد إلا الله؟ أما شهدتم أنه لا ظلم ولا فسق ولا فجور ولا كذب ولا خيانة؟ أنتم الشاهدون، سألوا الله أن يكتبهم مع الشاهدين.

تفسير قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ...)

ويقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ نحن الذين أدينا حقوق ربنا كاملة غير منقوصة وأدينا حقوق عباده، فلا نسلب مؤمناً حقه في هذه الحياة، يقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ )[المائدة:84]، أي شيء يمنعنا من الإيمان بالله وما جاءنا من الحق بواسطة كتابه ورسوله، (
وَنَطْمَعُ )[المائدة:84] ونرجو ( أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84].

ذكر من نزلت فيهم الآيات الكريمات
من يعنون بالصالحين؟ والله! إنهم ليعنون المؤمنين المسلمين؛ لأن هذه الآيات نزلت في أصحمة النجاشي ملك الحبشة والجماعة التي آمنت معه، لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجموعة من مكة إلى الحبشة حينما لم يطيقوا التعذيب المسلط عليهم من أبي جهل وأضرابه من المشركين والكافرين، قال: اذهبوا إلى الحبشة فإنه يوجد فيها ملك صالح يقال له: أصحمة النجاشي ، وبالفعل مشوا فآواهم واحتضنهم وأطعمهم وسقاهم وأمنهم، ثم لما أشيع أن صلحاً تم بين محمد -صلى الله عليه وسلم- والمشركين جاءوا، فلم يجدوا شيئاً، فعادوا أيضاً، فلما عادوا وهاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع من هاجر من المؤمنين وكانت وقعت بدر وهزم الله المشركين هزيمة مرة، حيث قتل منهم سبعون صنديداً، وأسر منهم سبعون آخرون، فاجتمع رجال من قريش وقالوا: إذاً: نبعث برسولين من ديارنا إلى أصحمة ونطلب منه أن يعطينا أولئك المهاجرين فنقتلهم ونشفي صدورنا نقمة منهم ومن محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثوا رجلين سياسيين: عمرو بن العاص وآخر، وأتوا بهدايا فقدموها للملك أصحمة على أن يعطيهم جعفر ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، فلما وصلوا أنزلهم وهو الكريم رحمه الله، وجمع رجاله وقال: يا جعفر ! اقرأ علينا شيئاً من القرآن، فقرأ سورة مريم، وإذا بعيون القوم تفيض بالدموع والبكاء ويؤمنون، وقص الله تعالى هذا الخبر: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، ففيهم نزلت هذه الآيات، بكوا وفاضت أعينهم بالدموع.وعزم أصحمة على أن يأتي إلى رسول الله، وبعث بأولاده، وشاء الله أن تغرق بهم السفينة بالبحر، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بخبر السماء أن أصحمة قد مات، فخرج برجاله إلى هذا المكان وصلى عليه، صلى على النجاشي صلاة الغائب، فرحمة الله عليك أيها النجاشي، وفي السنة السابعة بعد غزوة خيبر جاء جعفر مع رجاله، وكانت فرحة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

يتبع



ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:40 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
شمول وصف الآيات لكثير من أفراد النصارى
بهذا عرفنا فيمن نزلت هذه الآية، وهي أيضاً عامة، فكم من قسس ورهبان لما وصلتهم دعوة الرحمن على أيدي أصحاب رسول الله وأحفادهم بكوا ودخلوا في الإسلام وانتظموا في سلك المؤمنين، مئات الآلاف، وإلى الآن لولا السياسة المنتنة واللعبة اليهودية لما ترددوا في قبول دعوة الله لو عرضت عليهم كما هي، فاليهود هم الذين فعلوا ما فعلوا، وما زالوا يعملون على تحقيق أملهم في إيجاد مملكة بني إسرائيل التي تحكم الناس من الشرق إلى الغرب، ولكن عندنا تعاليم وأخبار نبوية صادقة، واسمعوها بالحرف الواحد: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم ) أي: تقتلونهم ( حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، ولا عجب أن تنطق الأشجار والأحجار؛ إذ هي آيات النبوة المحمدية، والزمان قريب، ولا نقول: مع المهدي ولا مع عيسى، والله! ما هي إلا أن نسلم في صدق لله قلوبنا ووجوهنا، في يوم واحد والزمان متقارب والبلاد واحدة، ما هي إلا أن يجتمع المسلمون في روضة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلن عن وحدتهم وإقامة دين الله بينهم، ثم يزحفون، فيقتلون اليهود حتى ما يبقوا منهم أحداً إلا من هرب وشرد. واليهود يعرفون هذا أكثر مما يعرفه مدرسكم فضلاً عنكم، فلهذا يعملون على نشر الخبث والظلم والشر والفساد والسحر والباطل وحب الدنيا والشهوات والأطماع؛ حتى لا توجد الفئة المؤمنة التي ينطق لها الشجر والحجر كرامة لها، وليس هذا فقط في بلاد المسلمين، بل في العالم بأسره ما يريدون الطهر ولا الصفاء، ولعلكم تسمعون عن أندية اللواط في أوروبا، من أنشأها؟ والبنوك والربا من أنتجه وأخرجه إلى حيز الوجود؟ وقل ما شئت، لا يريدون الطهر ولا الصفاء؛ لأن الطهر والصفاء ينهي وجودهم، وخاصة بين المسلمين.
فاسمع ما يقول أولئك النصارى: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ الذين أدوا حقوق الله كاملة فعبدوه بما شرع وحده لا شريك له، وأدوا حقوق عباده فلم يظلموا أحداً، لا بإفساد عقيدته ولا بطمس النور من قلبه بتكفيره ولا بسحره، ولا بظلمه بأخذ حقه أو انتهاك حرماته، هؤلاء هم الصالحون، ونحن إن شاء الله منهم، وفي آية الأنبياء قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ )[الأنبياء:105].
تفسير قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار ...)

ثم قال تعالى: ( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا )[المائدة:85]، أي: جزاهم بما قالوا ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:85]، عجب هذا الكلام! ( وَذَلِكَ )[المائدة:85]، أي: الجنة دار النعيم جزاء من؟ هل جزاء المسيئين المفسدين، أم المحسنين؟ جزاء المحسنين. من هم المحسنون؟ المحسنون -يا أهل الإحسان- هم الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، ففعلت فيهم تلك العبادة فعلها، أحالت نفوسهم وقلوبهم إلى نور وطهر وصفاء، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل وهو يسأله عن الإحسان: ( فأخبرني؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه )، فإن عجزت عن هذه المرتبة فانزل إلى التي تحتها فاعبده وأنت تعلم أن الله يراك، والذي يرزق هذه المراقبة لله ويصبح لا يقول ولا يفعل إلا تحت رقابة الله هل مثل هذا يسيء؟ والله ما يسيء، هذا الذي دائماً مع الله إن قال لا يقول حتى يعرف هل الله أذن له أو لم يأذن في القول، لا يأكل ولا يشرب ولا يعطي ولا يأخذ إلا تحت رقابة الله إن أذن الله في العطاء أعطى، وإن لم يؤذن له ما أعطى، إن أذن له في الكلام تكلم وإن لم يأذن سكت، هذا هو الإحسان وهو ثلث ملة الإسلام، الإسلام مركب من الإيمان والإسلام والإحسان، الدين الإسلامي مركب أو مكون من ثلاثة:أولاً: الإيمان.
ثانياً: الإسلام، أي: إسلام القلب والوجه لله.

ثالثاً: الإحسان.
وقد قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: ( أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )، يقيناً كاملاً جازماً، وقبل ذلك سأله عن الإسلام فقال: ( الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً )، وبعد ذلك سأله عن الإحسان فقال: ( أخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، الذي يعبد الله في الصلاة، في الوضوء، في الجهاد، في الكلام، في كل العبادات كأنه يرى الله هل يمكن أن يخطئ، أو يزيد وينقص أو يقدم أو يؤخر؟ الجواب: لا، فإن عجز عن هذه المرتبة السامية فهو يعبد الله وهو يعلم أن الله يراه، فكذلك لا يمكن أن يسيء في عبادته.
عرف هذا إخواننا القسس والرهبان المؤمنون فقالوا: ( وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، اللهم اجعلنا منهم.
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)

ثم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:86] أولاً، ( وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[المائدة:86] الحاوية لشرائعنا وهداياتنا وتعاليمنا فلم يعملوا بها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86]، الجحيم: النار الملتهبة المتقدة، التي لا يقدر اتقادها، مأخوذة من: جحمت في النار إذا اشتعلت واشتد اشتعالها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86] في العالم السفلي، نعوذ بالله من النار ومن الجحيم.الآن نسمعكم تلاوة الآيات فتأملوا: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:82-86] عياذاً بالله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
هذه الآيات بعد شرحها كما شرحنا نقول: فيها هداياتها، فانظروا كيف نجد الهدايات.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: عظم عداوة اليهود والمشركين للإسلام والمسلمين ] إذ هم المؤمنون.
[ ثانياً: قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين ]، أما الذين تحولوا إلى ماديين وبلاشفة وشيوعيون واستعماريين يريدون المال والسلطة؛ فهؤلاء انتهوا لا إحسان فيهم ولا رحمة في قلوبهم، كما هو الوقع.
[ ثالثاً: فضيلة التواضع، وقبح الكبر ]، لقوله تعالى: ( وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82].

[ رابعاً: فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها ]، لقولهم: ( فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، ومن هم الشاهدون؟ إنهم المؤمنون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويطيعون الله ورسوله.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، أما قال تعالى من آخر سورة الحديد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )[الحديد:28]، (كِفْلَيْنِ) أي: أجرين: أجر بإيمانهم بعيسى وموسى، وأجر بإيمانهم بمحمد وطاعته، ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الحديد:28]، ففرق بين مسيحي كان يعبد الله بالمسيحية فآمن فله أجران، ومن كان كافراً مشركاً ودخل في الإسلام فله أجر واحد.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، بشرط أن يسلم قلبه ووجهه لله، ويحسن إسلامه فما يبقى لصاً ولا ماجناً.
[ سادساً: بيان مصير الكافرين والمكذبين، وهو خلودهم في نار الجحيم ] أبداً، خلود في نار جهنم.
[ سابعاً: استعمال القرآن أسلوب الترغيب والترهيب بذكره الوعيد بعد الوعد ]، ذكر الوعيد بعد ذلك الوعد العظيم، فقال: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86]، وهذا من أجل هداية الخلق، يرغب ويرهب، هذا الذي يريد الخير لك يرغبك في الخير ويخوفك من الشر، أما أن يرغبك في الخير فقط ولا يهددك بالشر فستبقى في شرك.
تذكير بطريق العودة إلى الله تعالى
معاشر المستمعين! يا أبناء الإسلام! أكرر القول: هيا نسلم قلوبنا ووجوهنا قبل أن تفوت الفرصة، وهي تفوت يوماً بعد يوم، ما من يوم إلا ومات فلان وانقطع عمله، هيا نسلم قلوبنا لله فلا تتقلب قلوبنا إلا في طلب الله، ونسلم وجوهنا لله فلا ننظر إلا إلى الله، وهذا يتطلب منا أن نرجع إلى الطريق، فنجتمع في بيوت ربنا في مدننا وقرانا في صدق كاجتماعنا هذا، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وبنسائنا وأطفالنا أيضاً نجتمع في صدق نتعلم الكتاب والحكمة، ولنستمع إلى قول الله وهو يمتن علينا: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، دقت الساعة السادسة فوقف العمل، توضأنا وتطهرنا، وحملنا نساءنا وأطفالنا إلى أين؟ هل إلى دور السينما، إلى المراقص والمقاصف كما يفعل الهابطون اللاصقون بالأرض؟ لا، وإنما نحملهم إلى بيوت الرب، وهل للرب من بيوت؟ إي والله إنها المساجد، ونوسعها حتى تتسع لأفرادنا ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، نصلي المغرب كما صلينا ونجتمع ويكون نساؤنا وراء ستار، والأطفال كالملائكة صفوفاً ننظمهم قبل أن نأخذ في تعلم الكتاب والحكمة، ويجلس لنا عالم رباني لا يقول: قال الشيخ ولا قال إمامنا ولا قال مذهبنا، وإنما قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلم الكتاب القرآن، والسنة، وقد حفظها الله فجمعت في الصحاح والسنن والمسانيد، وليلة آية من كتاب الله نتغنى بها ربع ساعة بنسائنا وأطفالنا ونحفظها، آية فقط، ونصلي بها النوافل فلا ننساها ونعرف مراد الله منها ماذا يريد من هذه الآية، فإن كان عقيدة عقدناها في قلوبنا فلن تحل إلى القبر، وإن كان واجباً عرفناه ومن ثم نعزم على فعله والنهوض به كيفما كانت حياتنا، وإذا كان محرماً مكروهاً لله مبغوضاً له تركناه وتخلينا عنه، إن كان خاتماً في أصبعي رميته كما رماه الصحابي، وإن كانت علبة سجائر دستها عند الباب، ونصدق في إقبالنا على ربنا عز وجل، والليلة الثانية نأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله المبينة لكتاب الله، الشارحة والمفسرة لمراد الله من كلامه، وهكذا يوماً آية ويوم حديثاً، ونحن ننمو في صفاء أرواحنا وزكاة أنفسنا وآدابنا وأخلاقنا، والله الذي لا إله غيره! لن تمضي سنة على أهل الحي أو القرية إلا وهم ككوكب في هذه الدنيا، لم يبق خلاف ولا فرقة ولا نزاع ولا شقاق، لم يبق سوء في مظاهر حياتنا، لا خيانة، لا غش، لا كذب، لا خداع، لا زنا، لا فجور، لا ربا؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع أو لا؟ النار تحرق أو لا؟ الحديد يقطع أو لا؟ فهل الكتاب والحكمة لا يزكيان النفوس؟ مستحيل، وينتهي الفقر والبؤس، ونصبح ككواكب في السماء، ويأتي الناس ويؤمنون بديننا ويدخلون في رحمة ربنا.هل هناك -يا شيخ- حل غير هذا؟ والله لا وجود له، ما هو إلا الكتاب والسنة، نتلقاها بصفاء الروح وصدق النية، وكلنا راغب في أن يسمو ويعلو في الملكوت الأعلى، فهيا نجرب، فالذين يحضرون هذا المجلس هل يوجد بينهم زان، سارق، كاذب، غاش، خادع، لوطي، سباب، شتام؟ لا يوجد، لأنهم تعلموا وعرفوا.


والله تعالى أسأل أن يمدنا بعونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:41 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (38)
الحلقة (348)
تفسير سورة المائدة (43)

منهج رسول الله طريق الخلاص من المحن

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة.
معاشر المستمعين والمستمعات! نحن مع هذه الثلاث آيات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].

معاشر المستمعين! أكثركم حجاج بيت الله الحرام، نحن على نهجنا في هذه الدعوة ندرس أربع ليالٍ كتاب الله عز وجل، وهي ليالي: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء، وندرس يوم الأربعاء (عقيدة المؤمن)، ويوم الخميس ندرس السنة النبوية الطاهرة الشريفة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، وندرس السيرة النبوية العطرة يوم الجمعة ليلة السبت، وهذا الذي ندعو إليه إخواننا المؤمنين في ديارهم.
يا معاشر المستمعين! اعلموا -والعلم ينفع- أنه لا سبيل لنجاتنا والخروج من فتننا وما نتعرض له من الإحن والمحن إلا العودة إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المنهج الرباني الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهجه ويدعو أمته إليه، وهو أن نجتمع في بيوت ربنا كل ليلة وطول عمرنا وحياتنا نتلقى الكتاب والحكمة، إن محننا قديماً وحديثاً ومستقبلاً هي ثمرة جهل هذه الأمة، وبعدها عن كتاب ربها وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم، إن شئت حلفت لكم بالله على أن ما نشكوه من الكذب والخيانة والظلم والخبث والشر والفساد والفتن والله إنه لثمرة الجهل بالله وبمحابه ومساخطه، وبما هيأه لأوليائه وما أعده لأعدائه، الجهل هو سبب هذا الشقاء، سبب هذه الفتن وهذه المحن، والطريق إلى أن نعلم ونتعلم هو أن نجتمع في بيوت ربنا عز وجل، وذلك كل ليلة، لا يوماً في الأسبوع ولا يومين ولا ثلاثة، دقت الساعة السادسة مساءً فنلقي بآلات العمل من أيدينا ونتوضأ ونحمل نساءنا وأطفالنا إلى بيوت الله عز وجل نتعلم كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله ما يمضي على المؤمن الصادق في إيمانه الذي يتعلم الكتاب والحكمة سنة واحدة إلا وهو من أفقه الناس وأعلمهم، وأعرفهم بمحاب الله ومساخطه وأقدرهم على فعل المحبوب لله وترك المكروه لله، وهذا هو سبيل النجاة، فها نحن في هذا المسجد طول العام، ومع الأسف الناس في المقاهي والملاهي، وفي المتاجر والملاعب، ويهجرون هذا العلم، ثم نشكو، فماذا نشكو؟ لم يوجد الظلم؟ لم يوجد الخبث؟ لم يوجد الفساد؟ لم يوجد سوء الأخلاق، لم يوجد الهبوط في الآداب؟ كيف نتأدب؟ كيف نكمل؟ كيف نسعد بدون أن نقرأ كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله يمتن على هذه الأمة ويقول: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2].

وهذا إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام وهما يبنيان الكعبة يقولان: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ )[البقرة:129]، واستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، ونبأه الله وأرسله وأنزل عليه كتابه، وكان يجمع أصحابه ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

فيخرج من هذا المسجد علماء لم تحلم الدنيا بمثلهم، ربانيون من أهل الصدق والكمال والعلم والمعرفة، والله! ما عرفت الدنيا أفضل من أولئك الأصحاب باستثناء الأنبياء والرسل، كيف كملوا وفازوا، وأصبحوا مضرب المثل في الآداب والأخلاق والعلم والمعرفة والطهر والصفاء، كيف حصلوا على هذا؟ والله! إنه من طريق تعلمهم الكتاب والحكمة.
العلم سبيل تحقيق التقوى

وأقول لكم في علم: أقسم لكم بالله على أن أتقى أهل القرية هو أعلمهم بالله عز وجل وبمحابه ومساخطه، في مدينتك، في حيك، أقسم لك بالله أن أتقاهم لله أعلمهم بالله، ونظير ذلك: أفجرنا في قريتنا أجهلنا بربنا وبمحابه ومساخطه، ولا نستطيع أن ننتسب إلى الإسلام بالاسم فقط ونحن ما نعرف محاب الله ولا مساخطه ولا كيف نتملق إلى الله ونتزلف إليه بما يحب أن نتملقه به من أنواع العبادات والطاعات التي شرعها، فكيف نعالج هذا المرض؟ لا علاج إلا بأن نصدق الله في إيماننا وإسلامنا ونجتمع في بيوت ربنا التي بنيناها بأيدينا أو بنيت لنا، نجتمع فيها، النساء وراءنا والفحول أمامنا والأطفال بين أيدينا، ونتعلم الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، ندرسها بعد أن نتغنى بها ونحفظها ونفهم مراد الله منها وكلنا عزم على تحقيق مراد الله منها، إن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان أدباً على الفور تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً ابتعدنا عنه وكرهناه وتركناه، ولا نزال نعلم ونعمل ونسمو حتى نصبح كالملائكة في الأرض طهراً وصفاء، وها نحن مع هذه الجماعة المؤمنة في هذه الحلقة، هيهات هيهات أن من لازمها سنة يسرق أو يزني أو يكذب أو يفجر أو يرابي أو يغش أو يخدع أو يخلف وعده وهو قادر على الوفاء، هيهات.. هيهات!
ولكن الذين ما يجلسون في حجور الصالحين ويتعلمون هم الذين تعبث بقلوبهم الشياطين، وتحولهم إلى الكذب والخيانة والفجور والباطل والشر والفساد، فكيف يجيء هذا؟ لأننا ابتعدنا عن فيض الرحمن وأنواره وعن الكتاب والسنة.
هذه ثلاث آيات لو يحفظها مؤمن أو مؤمنة ويفهم مراد الله منها ويعمل بها فسيسمو ويرتفع.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)

نداء المؤمنين لكمال حياتهم
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا أهل الحلقة! أجيبوا. قلنا: لبيك اللهم لبيك، ما إن ينادينا حتى نقول له: لبيك اللهم لبيك. ينادينا ربنا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، ومن يعرض فقد كفر، من يغلق أذنيه ولا يسمع فقد كفر، أينادينا ذو الجلال والإكرام رب الأرض والسماء وما بينهما، الحي القيوم، خالقنا ورازقنا ثم لا نصغي ولا نستمع ولا نقول: لبيك، ولا نأخذ ما يعطينا ولا نفعل ما يأمرنا به؟ هل أموات نحن أم أحياء؟ الجواب: أهل الإيمان أحياء، الإيمان بمثابة الروح، والله إنه لبمثابة الروح، المؤمن حي يسمع، يعي، يأخذ إذا أعطي، يمتنع إذا منع؛ وذلك لكمال حياته، والكافر ميت، الكافر بالله ولقائه، بالله وكتابه، بالله ورسوله، بالله ووعده ووعيده، والله! إنه ميت، فلا يؤمر ولا ينهى؛ لأنه ميت، والبرهنة على هذه الحقيقة بلغوها: هل أهل الذمة تحت رايتنا في دولتنا الإسلامية نأمرهم بالصيام إذا دخل رمضان؟ هل نقول: يا يهود! صوموا غداً رمضان؟ لا والله. آن أوان الحج فهل نأمر يهودياً أو مسيحياً ليحج؟ لا نأمره. آن وقت الزكاة، فهل نقول: يا معشر اليهود أو النصارى في بلادنا! أخرجوا زكاة أموالكم؟ لا والله أبداً. لم؟ لأنهم أموات، إذا نفخنا فيهم روح الحياة فحييوا بالإيمان فحينئذ مرهم يفعلون، وانههم ينتهون؛ لكمال حياتهم.
فهل عرفتم الآن أن الإيمان بمثابة الروح أم لا؟ ها هو ذا تعالى ينادي المؤمنين ليأمرهم ويفعلون، لينهاهم وينتهون، ليبشرهم فيستبشرون، ليحذرهم فيحذرون، ليعلمهم فيتعلمون؛ وذلك لكمال حياتهم، ويعيش المسلمون في قراهم عشرات السنين ما يسمعون نداء الله ولا يستجيبون، فكيف هذا؟ لأنهم محرومون، أبعدتهم الشياطين عن بيوت الله وعن كتاب الله وهدي رسوله، القرآن في ديار العالم الإسلامي لا يجتمع عليه أهل القرية أو أهل الحي إلا من أجل أن يقرءوه على ميت فقط.
اسمحوا لي أقول لكم: من منكم يقول: يا شيخ! أنا كنت إذا جلست في المسجد أقول لحافظ القرآن: من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن. أو أجلس في البيت وأقول لمن يحفظ القرآن من الأسرة: من منكم يسمعنا شيئاً من القرآن ؟ أو نعمل في شركة، في مؤسسة، وجاءت ساعة الاستراحة، فمن منكم يقول: نقول لأخينا: أسمعنا شيئاً من كلام ربنا؟ الجواب: لا أحد.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن الوحي الإلهي بواسطة جبريل عليه السلام، والله العظيم! لجلس يوماً مع أصحابه فقال لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد -وهذه كنيته- اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله بن مسعود ويقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأ عبد الله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء:1]، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا )[النساء:41]، وإذا برسول الله تذرف عيناه الدموع وهو يقول: حسبك.. حسبك يا عبد الله ).

فهل جلس اثنان وطلب أحدهما أن يقرأ عليه أخوه شيئاً من القرآن؟ فلهذا عمنا الظلام، وسادنا الجهل، وإن طرنا في السماء وغصنا في الماء، وحللنا ذرات الكون، وعرفنا علل الحياة، فهذا كله غير مجدٍ ولا محيٍ، وإنما الذي يجدي ويحيي الإيمان بالله ولقائه، الإيمان بالله ورسوله، الإيمان بالله وكتابه، وآية الإيمان بالله وكتابه: أن نقرأ كتابه ونتعرف على ما يحمله من أنور الإله الهادية إلى السعادة والكمال؛ لنعرف ما يحب الله وما يكره الله.

يتبع




ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:42 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
نهي الله عباده عن تحريم الطيبات والعدوان على المحرمات

يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87] يناديكم ليقول لكم: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، فهل نستجيب أم لا؟ أعوذ بالله.. أعوذ بالله! الجبار القهار وليك ومولاك ينهاك أن تحرم طيباً مما أحل لك فلا تلتفت إليه ولا تقبل كلامه؟! (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، ولا تتجاوزوا الحد المحدود لكم، أنتم عبيده، ما أحله لكم فأحلوه وتناولوه، وما حرمه عليكم فحرموه وابتعدوا عنه واجتنبوه، وإن اعتديتم فإنه لا يحبكم، ومن لا يحب الله هل سيسعد؟ هل سيكمل وينجو؟ والله ما كان، بل يخسر ويحترق ويتحطم؛ لأن الله لا يحب المعتدين، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، من هم المعتدون؟ المتجاوزون لما حد لهم، أحل لهم كذا وكذا، فتجاوزوا ذلك إلى ما حرم.
تفسير قوله تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
ثم قال لنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، لم يرزقك الله بالحرام أبداً، وكونه طيباً أي: غير مستقذر ولا مستخبث، حلال أحله الله، وليس به قذر أو وسخ يؤذيك ويضرك في بدنك.

كيفية تحقيق التقوى

(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، كيف نتقيه؟ بماذا؟ بالحصون والأسوار أو بالجيوش الجرارة أو بالدخول في السراديب؟ كيف نتقي الله وبيده كل شيء، وبين يديه كل شيء؟ كيف نتقي الله يا عباد الله؟ لقد أمركم أيها المؤمنون بأن تتقوه، فكيف نتقيه؟ بماذا؟ نحن نتقي الشمس بالمظلة، ونتقي الجوع بالخبز، ونتقي الحر والبرد بالملابس، والله كيف نتقيه؟ بلغنا أن رجلاً بالهند أو بالسند أو بالشرق أو الغرب يعرف بم يتقى الله؛ فوالله لنسافرن إليه أو نبعث برجال منا ليأتونا بخبر منه كيف نتقي الله، بلغنا أن هناك من يعرف بم يتقى الجبار، وأنه يوجد في مكان كذا فيجب أن نرحل إليه، ولا تعجب؛ والله! لقد رحل جابر بن عبد الله من هذه المدينة إلى حمص ببلاد الشام على راحلته مسافة أربعين يوماً ذهاباً وإياباً؛ من أجل خبر واحد، بلغه أن صحابياً بديار الشام بمدينة حمص يقول عن رسول الله كذا وكذا، وسأل أهل المدينة فما عرفوا، فركب راحلته إلى حمص ليعلم هذا منه. ووالله! لقد كان أهل الأندلس يأتون على بواخرهم، تلك البواخر التي الآن لا تركب، يسافرون الشهرين والثلاثة ونصف العام ليجتمعوا هنا على مالك بن أنس وشيخه ربيعة ويتلقون السنة، يحفظونها ويكتبونها وينقلونها إلى أقصى الغرب في ذلك الزمان.
والآن بم نتقي؟ لقد أمرنا الله ربنا بأن نتقيه فقال: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:57] به، بعظمته وجلاله، بسلطانه وقدرته، بما لديه وما عنده، اتقوه، فبم نتقيه؟

معشر المستمعين والمستمعات! هل نحن حقاً راغبون في معرفة ما نتقي به الله؟ والله لو أن رجلاً منا فحلاً فهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تبرح مكانك حتى تعلمنا بم نتقي الله، أقسم بالله! لو أن شخصاً آمن وكان المؤمن وفهم ما قلت لقال: والله! يا هذا لن تقوم من مقامك حتى تعرفنا بم نتقي الله؟ لا يقوم غير مبال، اللهم إلا إذا كان قد عرف من قبل بم يتقى الله؟
إذاً: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله، وذلك بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله فقط، أتريد أن تتقي عذاب الله وسخطه؟ اتقه بشيء واحد فقط: أطعه وأطع رسوله فيما يأمران به عباد الله وينهيان عنه عباد الله، من أطاع الله ورسوله في الأمر والنهي جعل بينه وبين عذاب الله وقاية، لا يصل إليه عذاب الله أبداً.
فالله تعالى لا يتقى بالجيوش والأسوار والحصون أبداً، لا يتقى إلا بطاعته بفعل ما يأمر به وترك ما ينهى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بأمر الله وينهى بنهي الله.

العلم سبيل التقوى
يبقى سؤال آخر: يا علماء.. يا بصراء.. يا رجال السياسة.. يا علماء المنطق! هل يمكنك يا عبد الله أن تطيع الله فيما أمر به ونهى عنه، وفيما أمر به الرسول ونهى عنه وأنت لا تعرف ما أمر الله به ولا ما نهى عنه؟ مستحيل. فمن هنا عدنا من حيث بدأنا، يجب أن نتعلم، أن نعرف محاب الله ما هي، ومكارهه ما هي من أجل أن نفعل المحبوب ونتخلى عن المكروه.ولعلها رخيصة، فوالله الذي لا إله غيره! لأن تعلم هذه القضية خير لك من مليار دولار، ولأن ترجع إلى أهلك وبيتك فرحاً بها -والله- خير من الدنيا وما فيها؛ لأن المائة دولار قد تحترق بها، وتحملك على الفسق والفجور والظلم والشر والفساد وتخسر خسراناً أبدياً.
إذاً: الحمد لله، عرفنا بم نتقي ربنا، أي: بطاعته وطاعة رسوله فيما يأمران به وينهيان عنه؛ لأن ما يأمر الله به ورسوله يجنب غضب الله وسخطه ونقمه وعذابه، أليس كذلك؟ وترك ما نهى الله ورسوله عنه هو نجاتنا من الأذى والشر والبلاء والسخط في الدنيا والآخرة، فهذا عرفناه، وعرفنا أيضاً كيف نتقي الله وننجو من عذابه بمعرفة ما يحب وما يكره، أما ونحن لا نعرف ما يحب وما يكره، فكيف سنفعل المحبوب ونحن لا نعرفه؟ كيف نتجنب المكروه لله ونحن ما عرفناه؟ ومن هنا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وكيف نحصل على هذا العلم؟ قال الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم: ( إنما العلم بالتعلم )، في صحيح البخاري ، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من يعلم من رجل أو امرأة يجب عليه أن يسأل أهل العلم حتى يعلم، وليس شرطاً أن تنقطع عن بستانك أو دكانك أو عن عملك حتى تتعلم، كلا، ابق في عملك ثم اسأل: ماذا يحب ربي من الكلام، يقول لك: يحب كذا وكذا، فقل هذا الكلام وتملق به إلى الله، ما الذي يحب ربي من النيات؟ يقول: يحب النيات الصادقة، ماذا يحب ربي من الأعمال؟ يحب كذا وكذا، وأنت تتعلم وتعمل، ولا تزال تتعلم وتعمل حتى تكمل وتبلغ مستوى الكمال البشري.
سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)
نادنا الرب جل وعلا فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:87-88]، على شرط: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]. أذكر لكم سبب نزول هذه الآية، فهذا القرآن ما نزل مرة واحدة أو جملة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بدأ نزوله بـ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )[العلق:1] في غار حراء، وانتهى بآية نزلت في هذه المدينة: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )[البقرة:281]، ثلاث وعشرون سنة نزل فيها الكتاب المكون من مائة وأربع عشرة سورة، في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية.

إذاً: هذه الآية سبب نزولها أن ثلاثة نفر: عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وثالث اشتاقوا إلى دار السلام إلى الجنة والرضوان، فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والذي في الحلقة لا يعجبه الترضي عنها فليعلم أنه كافر ولعنة الله عليه، وليتب إلى الله، وليدخل في الإسلام وإلا فهو كاليهود والنصارى، أو هو مسكين أضلوه وغلطوه وجهلوه، لكن إن سمع الآن فهو من أهل العلم، إذاً: فليتب إلى الله، وليقل: آمنت بالله.. آمنت بالله، رضي الله عن أم المؤمنين عائشة ، لينجو، وإن أصر على الباطل فوالله لن يدخل دار السلام؛ لأن الذين لا يترضون عنها ساخطون عليها غاضبون يلعنونها؛ لأنهم قالوا لهم: إنها فجرت، زنت! وأعوذ بالله! امرأة رسول الله لا يصونها الله لرسوله، لا يحفظها لنبيه وتفجر وتزني حتى تلعن؟! ما تقولون فيمن يرمي رسول الله بالدياثة؟ هل يبقى مؤمناً؟! أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله! لقد أنزل الله تعالى في هذه الحادثة -حادثة الإفك- سبع عشرة آية من كتابه من سورة النور، ولا نقرؤها ولا نسمع من يقرؤها ونحولها ونؤولها، وتختم الآية: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )[النور:26]، وأنت تقول: عائشة زنت وملعونة ولا تترضى عنها؟! لا إله إلا الله، آمنا بالله!

فعائشة أم المؤمنين، قال تعالى: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )[الأحزاب:6]، هذه الصديقة حب رسول الله بنت حب رسول الله، بنت أبي بكر الصديق ، دخلوا عليها وسألوها عن صيام الرسول وقيامه، وقالوا فيما بينهم: الرسول غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحدهم قال: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبداً. والثاني قال: أنا لا آتي النساء. والآخر قال: أنا أقوم الليل ولا أنام، شوقاً إلى الملكوت الأعلى ودار السلام، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد من حجرته وخطب الناس وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ )، وهذا من كمال آدابه ورحمته، لم يقل: يا فلان وفلان يفضحهم، وإنما قال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني والله ولأتقاكم لله وأشدكم له خشية، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا ابن مظعون ، يا ابن مسعود، يا فلان! ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، تتجاوزوا الحد، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:87-88]، فعدلوا عما عزموا عليه، أصبحوا يصومون ويفطرون في حدود طاقتهم ويقومون الليل وينامون في حدود طاقتهم، والرهبان في الصوامع، وبعض المتعنترين من المتصوفين يقولون: فلان لا يأكل اللحم أبداً! أتحرم ما أحل الله لك؟ لا تأكل اللحم إذا كان حراماً، لا تسرق ولا تأكل جيفة، أما وقد أحل الله لك اللحم وتدعى في بيوت إخوانك ويقدم لك فتقول: أنا لا آكل اللحم زهداً فيه، وآخر يلبس ثوباً من الصوف يلفه عليه وعنده القطن وعنده المال، فلم تحرم ما أحل الله لك؟ إذاً: فالعدل العدل: ( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].


التربية المسجدية ودورها في تحقيق التقوى
معاشر المؤمنين! عرفنا أننا مأمورون بأن نعرف ما يحب الله وما يكره من أجل أن نتقيه بفعل ما أمر وبترك ما نهى، وبذلك نتقي ربنا.ومن فهنا فالطريق -يا عباد الله- هو أن أهل القرية في قريتهم وأهل الحي في مدينتهم إن كانوا صادقين في إيمانهم ودقت الساعة السادسة وقف العمل، واليهود والنصارى في أوروبا وأمريكا واليابان والصين إذا دقت الساعة السادسة يوقفون العمل، رأيناهم بلا عمل، ويحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور السينما، إلى المراقص، إلى المقاصف، إلى الملاهي، وهل نحن مثلهم؟ لا، نحن أهل السماء وهم أهل الأرض، نحن الأحياء وهم الأموات، نحن المؤمنون وهم الكافرون، نحن أطهار وهم الأخباث.
إذاً: هم يذهبون إلى دور السينما ونذهب إلى بيوت الرب الطاهرة، أطفالنا أمامنا ونساؤنا وراءنا ونتلقى الكتاب والحكمة كل ليلة وطول العمر، وحينئذٍ هل يبقى في القرية فاجر، ساحر، دجال، كذاب؟ هل يبقى في القرية عار لا يجد ثوباً يكتسي به، أو يبقى في القرية جائع والجوع يمزقه؟ والله ما كان ولن يكون، وهل نحتاج بعد ذلك إلى بوليس وحرس؟ لا نحتاج ذلك، كلنا كالملائكة في الطهر والصفاء لا خيانة ولا غش ولا خداع، وهل يبقى بيننا وثني أو مشرك أو خرافي أو ضال أو علماني تائه في متاهات الإلحاد؟ لا والله، فإن لم نقبل على الله في صدق كما بينت لكم؛ فوالله لا نزال في الإحن والمحن والبلاء والشقاء حتى نلقى الله تعالى، بلغوا والله معكم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (39)
الحلقة (349)
تفسير سورة المائدة (44)

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ذات الأحكام الشرعية والقوانين الربانية، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، فهيا نتغنى بها، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها، وهذا هو المطلوب منا إزاء كتاب الله، وليس المطلوب منا أن نقرأه على الموتى في بيوت الهلكى أو على قبورهم، والله ما شرع هذا الله ولا رسوله، وإنما شرع الله هذا الكتاب ليتلى في بيوت الله وبيوت المؤمنين، ويتدبر ويفهم مراد الله منه، هذا الكتاب القرآن الكريم يجب أن يجتمع عليه المؤمنون، وأن يتدارسوه، وأن يفهموا مراد الله منه، وبذلك يمكنهم أن يعبدوا الله عبادة تزكي أنفسهم وتؤهلهم لولاية الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:78-89].

عجب هذا القرآن، عجب والله، وصدق إخوان لنا من الجن لما سمعوه والرسول يصلي الصبح في بطن نخلة عادوا وقالوا: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )[الجن:1-2]، فهيا ندارس هذه الآيات الثلاث:

قول ربنا جل ذكره: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، هذا النداء نداء من؟ نداء الله. إذاً: الله موجود، وكيف يوجد كلامه وهو غير موجود؟ لو تجتمع البشرية كلها فهل ستوجد كلاماً بدون متكلم؟

هذا الكلام يحوي العلوم والمعارف والحكم والقوانين والشرائع، إذاً: منزله أعلم العالمين وأحكم الحاكمين، وكيف لا وهو خالق كل شيء ومليكه؟ فالحمد لله أن أصبحنا أهلاً لأن ينادينا رب العالمين، هذه نعمة لا يعرف قدرها أحد من المؤمنين الحاضرين أو الغائبين، ملك الملوك جل جلاله وعظم سلطانه، من بيده الحياة والموت، والإعزاز والإذلال والغنى والفقر، والإيجاد والإعدام يتفضل علينا وينادينا، ومن نحن؟ ونادانا بعنوان الإيمان، ما قال: يا بني آدم، ولا يا بني هاشم، ولا يا بني تميم، نادانا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، فلبيك اللهم لبيك.

سر نداء الله تعالى المؤمنين بعنوان الإيمان
والسر في ندائه تعالى لنا بعنوان الإيمان يا نبهاء ويا شرفاء، السر في ذلك: أن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويجيب المنادي، ويفعل ما يأمره به وينتهي عما نهاه عنه، وذلك لكمال حياته، فمن هنا علمنا بعلم الله أن المؤمن الحق حي، وليس بميت، والبرهنة أن الله يناديه إما ليأمره بما ينجيه ويسعده، أو ينهاه عما يشقيه ويخسره، أو يناديه ليبشره فتزداد صالحاته، أو لينذره فيتحفظ من الوقوع في السيئات والمهلكات، أو يناديه ليعلمه، وهذا بالاستقراء والتتبع لنداءات الرحمن في كتابه العظيم القرآن الكريم، وقد جمعناها، وهي تسعون نداءً ألا نداء احتوت على الشريعة الإسلامية بكاملها، تسعون نداء، وهي تحوي شريعة الإسلام من العقيدة إلى العبادة إلى الآداب، إلى الأخلاق، إلى الأحكام، في السياسية، في السلم والحرب، في كل الحياة، وأكثر المؤمنين لا يعرفون عنها شيئاً، تسعون نداء، ودرسناها في ثلاثة أشهر، ورغبنا المؤمنين والمؤمنات في الحصول عليها والاجتماع عليها في البيوت والمساجد وأماكن الاستراحة، يجتمعون على نداء يسمعون بآذانهم نداء الله لهم، فيفهمون ما يريد منهم مولاهم ويطيعونه فيكملون ويسعدون.وذكرنا أن هذه النداءات يجب أن تترجم إلى اللغات، وأن يوضع كل كتاب على سرير في فنادق العالم الإسلامي، إذا جاء النزيل قبل أن ينام يفتح ذلك الكتاب فيسمع نداء ربه إليه، فيبيت قرير العين جذلان فرحاً، وما فعلنا، ومن ثم عرفنا أن المؤمن حي، ولذلك يناديه الله عز وجل إما ليأمره بما يكمله ويسعده، أو لينهاه عما يشقيه ويرديه، أو يبشره بما يزيد في أعماله الخيرية الصالحة، أو ينذره ويحذره ليحذر ويتجنب، أو ليعلمه ما هو في حاجة إليه، أما الكافر فهو ميت.
والدليل على موت الكافر: أنه أيام كنا في علياء السماء وتحتنا أهل الكتاب من يهود ومجوس ونصارى يعيشون تحت رايتنا وفي ذمتنا آمنين فهل كنا نأمرهم إذا أهل هلال رمضان بأن يصبحوا صائمين؟ لا والله، هل نعلمهم بأن الزكاة قد وجبت فأخرجوا زكاة أموالكم؟ والله ما نأمرهم، هل نقول لهم: إن الحج آن أوانه والمسلمون يتهيئون فحجوا؟ والله ما نأمرهم، لماذا؟ إنهم أموات غير أحياء وما يشعرون، حين ننفخ فيهم روح الإيمان ويصرخ صاحبها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، هنا قل له: اذهب فاغتسل فيفرح ويسر ويذهب ويغتسل، وتقول: هيا لتركع وتسجد فيصلي راكعاً ساجداً، وأصبح متهيئاً لكل أمر الله ورسوله، وهو قادر على فعله؛ وذلك لكمال حياته، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى لرسوله: ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )[النمل:80]، وقال تعالى: ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ )[النحل:21].

وإن قلتم: ها هم يأكلون ويشربون وينكحون؟ قلت: حياة البهائم.

النهي عن تحريم الحلال والعدوان على الحرام
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، لبيك اللهم لبيك، قال لنا ناهياً: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87]، ينهانا ربنا عن تحريم ما أحل لنا، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم طعاماً أو شراباً أو لباساً أو نكاحاً أباحه الله وأذن فيه، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحرم على نفسه أو على غيره ما أحله الله وأذن فيه وأباحه لعباده من طعام أو شراب أو لباس أو نكاح، لم؟ لأن الخالق المولى المالك قال لعبيده: يا عبيدي! لا تحرموا طيبات ما أحللت لكم، أنا أعلم بما ينفعكم ويضركم، فإذا أذنت لكم في شيء فإنه في صالحكم، والله إنه لنافعكم، وإذا نهيتكم عن شيء فما نهيتكم عنه إلا لأنه ضار بكم مفسد عليكم قلوبكم وحياتكم.(لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87] أولاً، ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87] ثانياً، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، يا من يطلب حب الله ويبذل جهده وطاقته في الحصول عليه! انتبه: إياك أن تعتدي وتتجاوز ما حد لك، فإن هذا الاعتداء لا يحب الله أصحابه وأهله، فلهذا المؤمن لا يعتدي؛ لأن مولاه لا يحب المعتدين، وهو يريد أن يكون من محبوبيه، هذه وحدها تجعل المؤمن العارف لا يعتدي، لا على أخ من إخوانه، بل ولا على يهودي في ذمته، ولا يعتدي على ربه بأن يخالفه، فالله يحل وهو يحرم، أو يحرم وهو يحل، فهو اعتداء، ولا يعتدي على أحد في ماله ولا في عرضه ولا في بدنه ودمه، الاعتداء: مجاوزة الحد، التجاوز للمأذون فيه المباح إلى ما هو ممنوع محرم، فسب المؤمن كشتمه، اعتداء عليه، واللفظ عام: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، لأن الاعتداء ضار لكم، مفسد لحياتكم وقلوبكم.

وشيء آخر: ما دمتم تطلبون حب الله فاعملوا: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ )[المائدة:87] من عباده ( الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]، فلا نتجاوز حداً حده الله ورسوله، لم يأذن لنا في كلمة سوء ننطق بها حتى الموت.

الآن لاحت أنوار الآية الأولى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].

يتبع


ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أمر الله عباده بالأكل من الحلال الطيب

الآية الثانية: قال: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، الحمد لله.. الحمد لله، مالك الطعام أذن لنا أن نأكل، والله! لو لم يأذن لنا ما أكلنا، من مالك الطعام والشراب؟ الله لا إله إلا هو، فلهذا إذا أردت أن تأكل خبزاً أو تمراً أول ما تقول: باسم الله، أي: بإذنه هو أكلت أو شربت، لو ما أذن والله ما أكلت ولا شربت، وما إن تفرغ من طعامك وشرابك حتى تقول: الحمد لله الذي أوجد هذا الرزق وأذن لي فيه وأعانني عليه وبارك لي فيه. فالمؤمنون الأحياء البصراء لا يأكلون إلا على اسم الله، ولا ينهون طعاماً ولا شراباً إلا على حمد الله تعالى. (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فالله لم يجعل رزقنا ما حرم علينا، ولن يجعلنا رزقنا خبيثاً مستقذراً، لا بد أن يكون طيباً، أما النجس المستقذر المستخبث فلا يحل أكله؛ لأن الله ما رزقكه، رزقك الحلال الطيب، أما المستقذر المستخبث من الأطعمة فلا يحل أبداً لهذه الآية الكريمة، ( حَلالًا )[المائدة:88] أولاً، لم يرزقك الله حراماً وحاشاه.

ثانياً: أن يكون طيباً، ( طَيِّبًا )[المائدة:88] أي: لذيذاً غير مستقذر ولا مستخبث.

(وَكُلُوا )[المائدة:88]، هذا أمر إباحة وإذن لنا والحمد لله، ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88]، فلا رازق إلا هو، ومن جهل فليذكر الماء النازل من السماء من أنزله؟ والنابع من الأرض من أنبعه؟ والتراب كيف تحول إلى بر وشعير وفواكه وخضر؟ هل حولته يد أبي أم أمي؟ هذا رزق الله.


الأمر بالتقوى وبيان حقيقتها ووسيلة تحصيلها
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، هذا أمر ثالث: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، من يسأل فيقول: كيف نتقي الله؟ بم يتقى الله وهو الجبار بيده ملكوت السماوات والأرض؟ كيف يتقى؟ بالأسوار العالية؟ لا تنفع. بالحصون القوية؟ بالجيوش الجرارة؟ بالسراديب تحت الأرض؟ بالاحتماء بأصحاب الدولة والسلطان؟ بم يتقى الله عز وجل؟ومعنى تقوى الله: أن يتقى بطشه ونقمته وعذابه وسخطه الذي تعرض له المعتدون.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88] رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، عرفتموه أن بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء.

وكثيرون يقولون: ما هناك حاجة إلى أن نعرف بما يتقى الله؟ يقول القائل: اتقوا الله فلا يقول واحد: بين لنا كيف نتقي الله؟ لأنهم غير مهتمين ولا حافلين بهذا، أما والله لو عرف أحدهم لقال: والله لا تبارح مكانك حتى تبين لنا كيف نتقي ربنا.
هل يقول ذلك أحد؟ لأننا نعيش في ظلام منذ ألف سنة وزيادة، من علَّمنا؟ وهل طلبنا العلم؟
اسمع واحفظ وبلغ أمك وامرأتك: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله لا بشيء آخر، إن تعلن الحرب عليه وتخرج عن طاعته وعن طاعة رسوله؛ فقد عرضت نفسك للدمار والخراب والخسران الأبدي ولا تجد من يشفع لك أبداً، اتقوا الله، خافوه خوفاً يحملكم على امتثال أمره واجتناب نهيه.
أولاً: اذكر عظمة الله وسلطانه وقدرته على البطش والأخذ فترتعد فرائصك وتخافه، فتقبل على طاعته فتفعل ما أمرك وتترك ما نهاك عنه.
ليس تقواه إلا بطاعته وطاعة رسوله؛ لأن فعل ما يأمر به، وفعل ما يأمر به رسوله يجنبكم المضار والمفاسد والمهالك، ولأن ترك ما أمر الله به ورسوله وفعل ما نهيا عنه يعرض العبد للخسران والدمار وفساد القلب وخبث النفس، ولا شك في هذا؛ لأنه من سنن الله القائمة في الأرض، أسألكم يا عقلاء: هل الطعام يشبع؟ هذه السنة باقية إلى يوم القيامة. هل الماء يروي؟ هل الحديد يقطع؟ هل النار تحرق؟
هذه سنن الله هل تتبدل؟ كلا. فكذلك طاعة الله ورسوله ومعصية الله ورسوله كهذه السنن لا تتخلف آثارها أبداً، من أطاع الله رسوله سما وطهر وصفى وتهيأ للملكوت الأعلى، ومن عصى الله ورسوله وكفر بهما وتمرد على شرعهما تمزق وخسر وهلك هلاكاً أبدياً، سنة لا تتبدل، واسمعوا قوله تعالى: ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )[فاطر:43].

معاشر المؤمنين! أفرحتموني عندما قلتم: عرفنا بم يتقى الله، بطاعته وطاعة رسوله. فهيا نمشي الآن، فتلك -والله- ما هي إلا خطوة أولى؛ لأني أسألك: تطيع الله والرسول في أي شيء؟ هل عندك علم بأوامره ونواهيه؟ قال: لا، إذاً: كيف تطيعه؟ نعم تهيأت للطاعة، لكن يجب أن تعرف أوامر الله أمراً بعد آخر، وتعرف أوامر رسوله كذلك، حتى تفعل ما أمرا به وتعرف ما نهيا عنه، أي: ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله نهياً بعد نهي، وإن قيل لك: لا يوجد في مدينتنا هذه من يعرف الأوامر والنواهي إلا في جزائر واق الواق؛ فوالله يجب أن تسافر، ولا يحل لك البقاء في المدينة التي لا تجد فيها من يعرفك بأوامر الله ونواهيه إلا إذا أردت الخسران الأبدي.
وجوب تفريغ الأوقات لتحصيل التقوى

قد تقولون: يا شيخ! نحن مشغولون من أجل القوت في مزارعنا ومصانعنا وأسواقنا فكيف نعرف هذا؟ وأقول: هذا السؤال باطل.. باطل.. باطل، يجب أن تفرغ نفسك ساعة في الأربع والعشرين ساعة، كما تسأل عن الدرهم والدينار اسأل عما أذن الله في فعله، أو عما نهى عنه ولم يأذن به، في كل شئون الحياة، وإلا فأنت فاسق عن أمر الله خارج عن طاعته.واسمعوا الله يقول من سورة النحل والأنبياء، آيتان في كتابه تعالى، يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم يجب أن يسأل حتى يعلم، وليس يوماً واحداً ولا عشرة، يقرع باب العلماء ويسألهم يومياً: دلوني على ما أمر الله به، أو على ما نهى الله عنه، ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، هل بلغ المسلمين هذا وعرفوه؟ ما عرفوه.

والآن نبكي ونصرخ طول العام في ملتقى العالم الإسلامي في مسجد رسول الله، الوافدون طول العام يفدون من العرب والعجم، ونحن نقول -وكتبنا للحكام والمسئولين والعالم بأسره-: لا طريق إلى نجاتنا وخلاصنا من محننا وفتننا وجهلنا وظلمنا وخبثنا وشرنا وفسادنا إلا طريق واحد، وما استطاع واحد أن يطبق هذا.
فإذا قلنا: كيف؟ نقول: أي مانع أن يطبق هذا المنهج المحمدي؟ والله ما وجدنا مانعاً؛ لأنا نقول: إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، ورأينا اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين يحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص ودور السينما والمقاصف والملاهي والملاعب، أسألكم بالله يا من تعرفون أوروبا: أليس هذا نظامها؟
ونحن إذا دقت الساعة السادسة أين نذهب؟ هل نمشي وراءهم ونذهب مذاهبهم وهم كفار ونحن مؤمنون؟ بل نذهب نتوضأ وآمر أولادي وزوجتي وأمي بالوضوء، ونحملهم على السيارة إن بعد بيت الرب عني ونأتي بهم إلى المسجد، مسجد الحي إن كنا في المدينة، ومسجد القرية إن كنا في قرية، حيث لم يبق في الحي رجل ولا امرأة ولا طفل إلا من كان مريضاً أو ممرضاً، الكل حضروا ويصلون المغرب كما نصلي، ويجلسون كما أنتم جالسون، النساء وراء الستارة، والفحول أمام المربي المعلم، وليلة آية من كتاب الله، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله الثابتة الصحيحة، ولا نزال نعلم ونعمل يومياً، فما تمضي سنة إلا وليس في القرية جاهل ولا جاهلة، وليس في الحي من أحياء المؤمنين رجل جاهل ولا امرأة، من أجل هذه الساعة التي يجلسون فيها لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انتفى الجهل انتفى الخبث انتفى الظلم انتفى الشر، زال الحسد ووجدت أهل القرية كأسرة واحدة، لا تسمع كلمة سوء تقال في فرد من أفرادهم، ولا تجد من يقول السوء بينهم، أو يكيد أو يمكر، وهذا مستحيل مع العلم الرباني.
ما الذي يكلف المسلمين هذا؟ دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فوقف العمل، يا صاحب الدكان! أغلق دكانك، يا صاحب المقهى! أغلق مقهاك، يا صاحب المصنع! يا صاحب العمل! انتهى العمل من صلاة الصبح إلى الآن، هيا بنا إلى بيوت الله، بيوت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، نجلس بين يديه نستمطر رحماته ونتلقى بركات السماء ونتعلم العلم الضروري فنعرف محاب الله ونأتيها، ونعرف مكاره الله ونتجنبها ونبتعد عنها، ومن ثم تحققت لنا ولاية الله، وأصبح أهل القرية أولياء الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله وسألوه أن يزيل الجبال لأزالها.
مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه

معشر المستمعين! بلغوا .. بلغوا: لا سبيل إلى النجاة إلا هذا السبيل؛ لأنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجتمع النساء في هذا المسجد والرجال فيزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ونسبة من يقرأ ويكتب 1%، وأصبحوا علماء ربانيين نساء ورجالاً، لا يوجد -والله- لهم نظير على الأرض، هل فازوا بشهادات علمية؟ فقط أقبلوا على الله فأسلموا قلوبهم ووجوههم له، ومشوا في صراطه المستقيم، ولكن جلس لهم رسول الله، والله يقول في منته عليهم: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، فأيما أهل إقليم أو بلد أو قرية في العالم الإسلامي أرادوا أن يصبحوا كأصحاب رسول الله في الطهر والذكاء والصفاء والربانية فالطريق هو هذا الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم، يجتمعون كل ليلة طول العام، ليلة آية كالتي درسناها الآن أو بعضها، وليلة حديثاً بعدها، تنتهي الفوارق والمذاهب والعناصر، لا يبقى من يقول: أنا شافعي ولا مالكي ولا إباضي ولا زيدي، انتهت الفرق والانقسامات، وهي محرمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا )[آل عمران:102-103]، من أذن لك أن تقول: أنا مالكي؟ آلله أذن لك بهذا؟ كيف تقول: أنا زيدي أنا إباضي أنا حنبلي؟ قل: أنا مسلم أسلمت قلبي ووجهي لربي، مرني بأمر الله وأمر رسوله أنصاع وأذعن وأعمل، انهني عما نهاني عنه الله ورسوله ننتهي؛ لأني عبده أطلب ولايته وكرامته، فهل يتحقق هذا بدون الاجتماع على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم؟معاشر المستمعين! هل يبقى في أذهانكم شيء من هذا؟ لم لا تبلغونه عندما تجلسون في بيوتكم أو مع إخوانكم فتقولون: سمعنا في المسجد النبوي كذا وكذا؟
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (4)
الحلقة (350)
تفسير سورة المائدة (45)
تابع تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم هذا الأمل لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة، ومع هذه الآية المباركة التي تناولناها بالدرس في درس سابق، وما استوفيناها وحق لنا ألا نستوفيها لما تحمله من العلم والحكمة، فهيا نتغنى بها ثلاث مرات، ونحن نتأمل ونتفكر ونتدبر فيما حوته من العلم والمعرفة، ثم نعيد شرحها مرة أخرى بإذن الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3].
هذه الآية يجب أن يحفظها كل ذي عقل من المؤمنين والمؤمنات، ويصلي بها طول السنة النوافل والفرائض، هذه الآية نزلت ورسولنا صلى الله عليه وسلم في عرفات، ولم يعش بعدها إلا نيفاً وثمانين ليلة وقبضه الله.
اختصاص الله تعالى بالتحريم لعلمه بما يضر العباد وملكه لهم ولسائر ما خلق

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من المحرم؟ إنه الله تعالى. فهل يحق لكائن سوى الله أن يحرم أو يحلل؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الله هو مالك كل شيء، فما أذن فيه فهو حلال، وما لم يأذن فيه فهو حرام، وهل يستطيع أحدنا أن يتصرف في مال غيره يأخذ ويعطي ما يشاء؟ مستحيل، فما دام الله جل جلاله هو المالك لكل خلقه، إذاً: فما أذن فيه فهو الحلال وما لم يأذن فيه فهو الحرام، فلا يحل ولا يحرم إلا الله، والرسول الكريم باسم الله وبعلم الله وإذن الله يحرم أو يحلل؛ لأنه المسئول عن البيان والبلاغ، أما غير الله ورسوله فلا ليس من حق أحد أن يحل شيئاً أو يحرم، وكل ما أحل الله وما حرم موجود في كتاب الله وبيانات رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أولاً.
ثانياً: الله وحده يحلل ويحرم؛ لأنه العليم بمضار ومنافع الأشياء، ونحن قاصروا العلم، فالعليم الخبير هو الذي يحل شيئاً لما فيه من الفائدة والمصلحة والمنفعة، ويحرم آخر لما فيه من الضرر والفساد، أليس كذلك؟ إي والله.
تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير

يقول تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من هم المخاطبون؟ المؤمنون الذين ناداهم بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1] هذا الذي يتلى عليكم:(الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] ما مات حتف أنفه بدون تذكية.

(وَالدَّمُ )[المائدة:3] معروف، ليس الذي يختلط مع اللحم والعظم، ولكن الدم الذي يسيل ويؤخذ بالسفح والطريقة الخاصة بأخذ الدم من الحيوان، كانوا يأكلون الدماء: يغلونها فتنتفخ وتيبس ويأكلونها، وفيها من الأمراض ما لا يعلمه إلا الله.

(وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ )[المائدة:3] لحم الخنزير حرام كشحمه كدمه ككله، الخنزير معروف، حيوان أكثر ما يوجد في البلاد الباردة، هذا الحيوان علمنا أن فيه أمراضاً خطيرة عرفها الأطباء الآن وكشفوا عنها، ولكن ما حرمه الله إلا لأن فيه الضرر والخطر على عباده.
وسبب ذلك: أنه يعيش على القاذورات، يأكل الجيف، لو يجد فأراً ميتاً يفرح به، ويأكل الأوساخ، فمن هنا كان لحمه فيه جراثيم قاتلة، حرمه الله لعلمه بما فيه من الضرر.
وهنا لطيفة ما ننساها: أنه ديوث الحيوانات، فالجمل عندنا إذا جاء آخر يريد أن ينازعه في أنثاه قاتله، حتى الكلب، والقط ما يرضى أن تمس أنثاه، وهذا الخنزير يأتي بالآخرين يقول لهم: افجروا بها، فالذين يأكلون لحمه ينتقل إليهم هذا المرض مرض الدياثة، ويصبح الرجل لا يبالي بامرأته تغني أو ترقص أو يصاحبها فلان ويسافر معها حيث شاء والعياذ بالله، وخطره على البلاد الحارة عجيب، فلهذا يأكله من في البلاد الباردة.
تحريم ما ذبح لغير الله تعالى

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، أهل يهل: رفع صوته، ومنه الهلال، أهل بالعمرة: إذا قال: لبيك اللهم عمرة، فالذي ذبح لغير الله وسمي عليه اسم غير اسم الله حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير.ولا نغفل عما عليه إخواننا أولئك الذين يذبحون لسيدي عبد القادر ، وسيدي البدوي ، وسيدي العيدروس ، وسيدي إبراهيم، وسيدي الحسين ، وسيدتنا فاطمة ، حتى ولو لم يقولوا: باسمك يا فاطمة أو يا حسين ، فالدافع الباطني نية الذبح لذلك المخلوق، بدليل أنه يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذا العجل عجل سيدي البدوي ، وقد رأينا ذلك بأعيننا، وقد رأينا بأعيننا من يغرس حديقة شجر زيتون ويقول: هذه الزيتونة لسيدي فلان، يغرس نخلاً ويقول: هذه النخلة لسيدي فلان، يشتري قطيعاً من الغنم في آخر الشتاء، فإذا كان الربيع يقول: هذه شاة سيدي فلان، ليرعاها ويحميها ويحرسها، فهذا من هذا.
(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، فلا حل لمؤمن ولا مؤمنة أن يذبح لغير الله عز وجل، قد يقول قائل: ها نحن نذبح للضيفان؟! فالضيفان أمرنا رسول الله بإكرامهم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، لم اشتريت هذه الشاة؟ قال: عندنا ضيوف الليلة، اشتريناها لنطعمهم، فهذا مأذون به وجائز، لكن الممنوع أنك تتقرب إلى ذلك الميت لتحصل على الخيرات والبركات بواسطته، فتعبده كما يعبد الله جل جلاله بذكره والتوسل إليه بالذبح والنذر إلى غير ذلك.

وإن شككتم فإني أحلف لكم بالله: والذي نفسي بيده! ما جاز لمؤمن ولا مؤمنة أن يسمي شاة أو بقرة أو نخلة أو شجرة لغير الله ويقول: هذا لسيدي فلان، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه إذا فعل، فقد قال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ )[الزمر:65] يا رسولنا ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65] ما معنى أشركت؟ أشركت غير الله في عبادة الله، جعلت له عبادة كما هي لله.
(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]،كان المشركون يذبحون لهبل واللات والعزى ومناة والحجارة التي ينصبونها، وجاء الإسلام فحرم الذبح لغير الله حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أجاز عالم عرف الأصول أن تقول: هذه شاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذبح، وإنها لشرك ومحنة كبيرة، أهنت رسول الله وجعلت له الشاة التي يتقرب بها إلى الله!

فالرسول صلى الله عليه وسلم ما هو في حاجة أبداً إلى أن تصوم عنه أو أن تتصدق عنه أو تحج عنه؛ لأن حسنات الأمة كلها له مثلها، ما له إلا أن تحبه وتطيعه وتصلي وتسلم عليه، أما أن تتصدق عليه أو تصوم فقد جعلته كسائر الناس، شككت في درجته المرفوعة ومقامه السامي عند الله.
ما يدخل في الميتة من المحرمات
فهذه الأربعة المحرمات وردت في عدة سور: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، والستة الباقية داخلة فيها؛ في الميتة، فالمنخنقة ميتة، والمنخنقة: التي تدخل رأسها بين شجرتين أو كذا وتختنق، انخنقت فهي منخنقة، أو يربطها صاحبها بحبل في عنقها فتحاول أن تمشي بعيداً وتجذب فتختنق، وإن فرضنا أن رجلاً خنق شاة فهذا غير واقع لأن الله سماها المنخنقة، لو كانت تخنق لقلنا: والمخنوقة، لكن ما هناك من يخنق الشاة، المنخنقة هي التي تختنق بنفسها. والموقوذة التي ترمى وتوقذ بحجرة أو بعصا أو برصاصة فتسقط ميتة، والمتردية: التي تردت من مكان عال، من السطح فوقعت في الأرض، أو من أعلى الجبل، أو طلعت فوق شجرة وهبطت منها فاندقت عنقها وماتت، هذه الموقوذة، والنطيحة: التي تنطحها أختها نطحة فيغمى عليها وتموت.
وما أكل السبع، السبع هنا: الذئب والثعالب والضباع وسائر الحيوانات التي تأكل، فالتي يأكلها السبع أيضاً جيفة ميتة، كل هذا داخل تحت الميتة.
وقوله تعالى: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ )[المائدة:3] استثناء، فالمنخنقة إذا أدركت الحياة فيها مستقرة وذكيتها فلا بأس، المتردية التي سقطت من السطح فوجدتها حية فذبحتها فلا بأس، النطيحة التي نطحتها أختها ووجدت فيها الحياة كذلك، والتي أكلها السبع ووجدت حية حياة مستقرة اذبحها وكل، وعلامة استقرار الحياة أنك إذا أخذت تذبحها تنتفض، تضرب برجليها وتتحرك، فتكون الجراثيم كلها قد خرجت من الدم حين سال، أما إذا ماتت فالجراثيم باقية فيها.

يتبع




ابوالوليد المسلم 11-07-2021 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تحريم المذبوح على الأنصاب
(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3] سواء قلت: باسم الله أو قلت: بسيدي عبد القادر ، ما دامت مذبوحة على ما ينصب، على عظيم أو زعيم أو ولي أو قبر أو كذا، والنصب: ما ينصب في المدينة دالاً على عظيم من عظماء البلاد، زعيم من زعمائها، ولي من أوليائها، والأولياء يبنون عليهم القباب ينصبونها عليهم ليعرف: هذا سيدي فلان! إذ ما كان يمكن أن يدفن الولي عندنا أيام الجهل في عامة المقبرة، لا بد أن يبرز ويعلم ويظهر ليعرف حتى يستغاث به ويطاف بضريحه، ويتمسح به، وقد رأينا النساء عاكفات على الضريح، والرجال عاكفين! فلا إله إلا الله! وهم يقرءون القرآن لكن على الموتى، أما على الأحياء فلا.أحببت أن أقول: الحمد لله؛ الآن صحونا لعوامل كثيرة، منها: تقارب العالم الإسلامي، ووجود الكتاب والطباعة بسرعة والإذاعات، وإذاعة القرآن وحدها كافية، إذاعة القرآن أنا سميتها لما طالبت بها: إذاعة الإسلام، يجب أن تفتح الإذاعة أربعاً وعشرين ساعة، وإياك أن تفتح إذاعة غيرها، تتعلم فيها الكتاب والحكمة، وكم تفقه عليها من النساء، عجائز أصبحن عالمات! والآن هذه الإذاعة تصل إلى المسلمين في الشرق والغرب بلغة العرب البينة الفصيحة.
قال تعالى: ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، هل تقولون: ما ذبح على الأصنام فقط؟ كان يذبحون على الأصنام حول الكعبة، ويلطخون الكعبة بالدماء، لكن الشيطان هو هو، هل تغير نظامه وسلوكه؟ لما عرف أننا لا نعبد الأصنام جاءنا بفكرة جديدة، ما هي؟ التوسل بالأولياء رحمهم الله، بالذبح لهم والنذر لهم، تمر المرأة تقول: يا سيدي فلان! إذا تزوجت ابنتي، أو إذا غلبت فلاناً في المحكمة فسنذبح لك شاة! تمر بالضريح هكذا وتنادي، والرجال والنساء سواء، والعلماء يقولون: ماذا في ذلك؟ فهو حسب النية، لكن الله عز وجل أضاء البلاد الإسلامية بنور العلم الآن.
معنى قوله تعالى: (وأن تستقسموا بالأزلام)

وقوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3]: الأزلام: جمع زَلمَ أو زُلمَ، وأهل الشام يقولون: يا زلمة، والزَلمَ والزُلم واحد: عود من خشب، هذا العود أصله كان من الرماح أو السهام، مصنوع صناعة خاصة، ليس فيه حديد أسفله، ولا فيه ريش، لأن السهم يجعلون فيه ريشاً حتى يقوى ويصل إلى الحيوان الذي يرمونه به أو الإنسان، هذه العيدان التي كانت سهاماً قدمت وأصبحت لا تصلح، فماذا يصنعون بها؟ يأتي رجل من الكهنة أو السحرة أو مدعي الغيب ويجمع ثلاثة عيدان، يكتب على أحدها: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث غفل ما عليه أي كتابة، وكان يجلس عند الكعبة، فتأتي تقول: يا شيخ! أريد أن أتزوج امرأة من مصر، ولا أدري هل فيها خير أم لا؟ فدلني، فيجيل الأزلام في الكيس، ثم يخرج واحداً، فإذا وجد فيه: أمرني ربي يقول: تزوج، الخير كله في هذه الزوجة، وإذا جاء العود الذي فيه نهاني قال: لا خير لك فيها، وإذا جاء العود الخالي الغفل يعيد إجالتها، يخلطها مرة ثانية ويخرج. (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا )[المائدة:3] أي: أن تطلبوا ما قسم الله لكم من طريق هذه العيدان، هذه كانت في مكة، وكانت في بلاد العرب لها ناس خاصون، والإسلام لا يسمح بهذا، إذاً: جاء الشيطان بأعجب من هذا:

أولاً: ما يعرف بخط الرمل، في باريس تجد الرجل جالساً والرمل أمامه في شوارع باريس، وأنت تريد أن تسافر أو تتزوج أو تطلب كذا، فيضرب لك القصد، ويكذب عليك ويقول لك: افعل أو لا تفعل، ثم يقول: هات ألف فرانك!
كذلك تأتي إلى الرجل والمسبحة في يده، فيرسلها، فإذا جاءت أزواجاً قال: افعل، وحط بيضة أو ريالاً!
وكذلك قراءة الكف، هذه واحدة أخرى، يقرأ في الكف ما يعرف بالعرافة، وكذلك قراءة الفنجان، وهذه كلها من وضع إبليس، وهو الذي يسوق إليها البشرية الغافلة؛ لتأتي بالشرك الحرام من أجل أن يعيشوا، وعندنا يسمونها الكزانة والشوافة كذلك.
فهذا كله يدخل تحت قوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ )[المائدة:3]، كله خروج عن طاعة الله ورسوله، ( ذَلِكُمْ )[المائدة:3]الذي سمعتم من أكل المحرمات، ومن الاستقسام بالأزلام، كله ( فِسْقٌ )[المائدة:3]، أي: خروج عن طاعة الله ورسوله، ومن خرج عن طاعة الله ورسوله هلك.

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3] بالقرعة، بالشوافة، بالكف، بالمصحف، كل ذلك.
الاستخارة الوسيلة المشروعة المغنية عن الاستقسام

فإن قلت: إذاً: وماذا نصنع يا شيخ إذا منعتمونا من هذا ونحن في حيرة، نريد أن نتزوج، نريد أن نسافر، فكيف نصنع؟ الجواب: هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم سن لنا صلاة الاستخارة، إذا هم أحدكم بالأمر وأراد أن يأتيه وهو لا يدري أفي صالحه أم في غير صالحه؛ فليصل ركعتين لله عز وجل، ويحسن أداءهما، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك لا يملكه إلا أنت، إن كنت تعلم أن في زواجي في سفري في كذا خيراً لي في ديني ودنياي، وفي عاقبة أمري فاقدره لي ويسره وأعني عليه، وإن كنت تعلم أن في هذا شراً لي أو عدم الخير فاصرفني عنه واصرفه عني. وكررها مرتين أو ثلاثاً أو أسبوعاً، فلقد استخرت الله مرة شهرين في قضية، كل يوم مرة! فاقرع باب الرحمن عز وجل، أما أن تذهب إلى المشعوذين والدجالين وأولياء الشيطان، وتعتمد على ما يقولونه لك فهذا حرمه الله عز وجل، عليك بذي الجلال والإكرام، اطرح بين يديه وابك، والذي يحصل لك والله خير لك، حين تستخيره أي: تطلب الخيرة منه، فالذي يتم لك عملاً أو تركاً والله لهو الخير الذي اختاره الله لك، وكن مطمئناً.أردت أن تتزوج فلانة وما تدري ما العاقبة فاستخر الله عز وجل يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً وأنت تتردد عليه تعالى وتسأله، فإذا خطبت وقالوا: باسم الله مرحباً، وزوجوك فقد اختارها الله لك، فإذا قالوا: لا، ما نستطيع، فهذا معناه: أن الله صرفك عنها لما فيها من الشر لك.
وبعض العوام يقول: نرى في المنا! لا منام ولا رؤيا ولا هاتف يهتف بك، انتبه، اقرع باب الله واسأله، وتردد كما قلنا، ما هي بمرة أو مرتين، ثم الذي يقع فعلاً أو تركاً هو الذي اختاره الله لك، وافرح به واحمد الله تعالى عليه.
وقت نزول قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)

ثم قال تعالى: ( الْيَوْمَ )[المائدة:3] وهذا في حج سنة عشر هجرية، ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ )[المائدة:3]، في السنة التاسعة حج أبو بكر رضي الله عنه بالمسلمين، أنابه رسول الله صلى الله عليه وسلم إشعاراً بأنه ينوبه في حكم المسلمين وإدارة مملكتهم، وبعث بـعلي وغير علي أن يؤذنوا في الحج، في مكة في منى في عرفات: أن لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان؛ لأن الفتح كان في سنة ثمان فأصبحت مكة داراً للإسلام، فالرسول ما أذن الله له أن يحج فيشاهد النساء يطفن عاريات بالبيت، أو يشاهد المشركين يتجولون في مكة ومنى وعرفات وهم نجس، وقد كانوا يطوفون عراة؛ تقول الطائفة: اليوم يبدو بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، وتضع يدها على فرجها، والمشرك كذلك، يقولون: لا يصح أن تطوف بالبيت إلا بثياب حلال فقط، أو تستعير من الحمس والأشراف، أما ثوب أذنبت فيه فما تطوف فيه، ويطوفون عراة! إذاً: فالرسول لم يأذن له ربه في أن يحج هذا العام والدولة للإسلام، ولكن المشركون في كل عرفات ومنى، فكان إعلام الرسول لعلي وغيره: ( ألا لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن بعد العام مشرك )، وفي السنة العاشرة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ليحج بالمسلمين، ولا تسأل عن عددهم، ومن يتأخر والبلاد كلها نور، فلما كان في عرفات نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )[المائدة:3]، ما ينزل بعد ذلك حلال ولا حرام، انتهى كل شيء، عشر سنين والقواعد تنزل: الحلال، الحرام، الآداب، الأخلاق، الأموال، السياسة، الحياة كلها في عشر سنين حواها القرآن الكريم، واليوم ما بقي شيء: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )[المائدة:3].
حرمة الابتداع في الدين وجواز ما كان من المصالح المرسلة

فلهذا من أراد أن يزيد سنة في الإسلام أو فريضة فليضرب رأسه على الحائط، الله يقول: أكملت، وأنت تقول: ما زال ناقصاً، نزيد فيه شيئاً! ولهذا كل بدعة حرام، وكل بدعة ضلالة، المبتدع كأنه ينتقد الشرع أنه يحتاج إلى زيادة، والله يعلن أنه أكمله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، فقط لنا المصالح المرسلة، فتلك العوام يسمونها بدع حسنة، ليست من باب الابتداع. على سبيل المثال: المحراب، ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محراب في الجدار، أليس كذلك؟ القبلة معروفة، لكن لما دخل الناس في دين الله أفواجاً كان الإنسان يدخل المسجد ما يعرف القبلة، فماذا يصنع؟ يسأل: أين القبلة؟ فجعلوا طاقة في الجدار تسمى المحراب، كل من دخل المسجد عرف القبلة، سواء كان في الشرق أو الغرب.
وكذلك المنارة، حيث كان يؤذن على سطح المسجد، فاتخذت المنارات ليسمع أهل البلاد عامة، فهذه من المصالح المرسلة.
والقرآن الكريم ما كان منقوط الحروف أبداً، ويفهمونه، فـالحجاج بن يوسف قال: الناس ما يعرفون الحروف، فنقط الباء والتاء والثاء والجيم وكذا، هذه مصالح مرسلة، ليست بدعة في الإسلام وزيادة فيه.
والشاهد عندنا: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )[المائدة:3]، الحمد لله، الحمد لله، رضي الله لنا الإسلام ديناً، لو رضي لنا اليهودية أو المجوسية أو النصرانية لقلنا: الحمد لله، ولكن لم يرض لنا إلا الإسلام، فقولوا: رضينا بالإسلام ديناً.

قال تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )[المائدة:3]، بعد أن فتح الله مكة، وأصبحت الوفود تأتي من أنحاء الجزيرة بالعشرات وهم يدخلون في الإسلام ما بقي من يفكر في قتال رسول الله والمؤمنين، فكان الخطاب: فلا تخشوهم اليوم واخشون أنا، فأنا ربكم وخالقكم، فمن ثم ارتفعت راية لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)
ثم قال تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3] أي: جاءته الضرورة وهي المخمصة أو المجاعة أو الجوع الشديد، ولكن حال كونه غير مائل إلى إثمه وراض بما حرم الله، الجوع ألجأه إلى أن يأكل من هذه الميتة أو هذا الخنزير أو هذا الدم؛ دفعاً لغاية الموت؛ لأنه إذا مات فلن يعبد الله، إذاً: أذن الله للمضطر اضطراراً قوياً وهو غير مائل بطبعه إلى أن يتلذذ بما حرم الله؛ ولهذا لا يأكل إلا القدر الذي يسد رمقه، لا يشبع، بل يأكل القدر الذي يقيم به صلبه ويمشي.





ابوالوليد المسلم 17-07-2021 05:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (40)
الحلقة (351)
تفسير سورة المائدة (46)

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون .. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة ومع الثلاث الآيات التي تدارسنا بعضها بالأمس.
وإليكم تلاوتها مرة أخرى، وتأملوا يفتح الله عليكم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].
شرف المؤمنين بنداء الإيمان
أولاً: أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن نداء الله للمؤمنين بعنوان الإيمان فيه شرف لهم عظيم، إذ تأهلوا لأن يناديهم الرب تبارك وتعالى، وهذه فضيلة الإيمان، لولا إيمانهم الصادق الحق الصحيح ما تأهلوا لأن يناديهم، كان سيقول لرسوله: قل لهم، كما قال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، أما الله فيتنزه أن ينادي المشركين والهابطين من بني الناس، ولكن ينادي الأحياء، فمن هنا عرفنا أن الإيمان الحق بمثابة الروح، المؤمن حي والكافر ميت، وبرهنا ودللنا على أن أهل الذمة في ديارنا نحن -المسلمين- لا نكلفهم بصيام ولا صلاة ولا جهاد ولا رباط ولا زكاة؛ لأنهم كالأموات، يوم يحيون بـ(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) مرهم يفعلوا، وانههم يتركوا؛ لكمال حياتهم.
حادثة نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، نادانا هنا ليقول ناهياً مانعاً لنا من أن نحرم ما أحل الله لنا: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87]. ذكروا أن لهذه الآية سبباً في نزولها، والقرآن ما نزل دفعة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بحسب متطلبات الأمة، كلما جد أمر نزل قرآن يبين الحكم فيه.
وعظ الحبيب صلى الله عليه وسلم رجاله موعظة رقت لها القلوب، فقام عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون رضي الله عنهما وآخر، وجاءوا إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وسألوها عن قيام الرسول في الليل؟ فقالت: كان يقوم وينام. فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام بعد اليوم، أحيي الليل كله؛ لأن الرسول مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسألوها عن صيام الرسول؟ فقالت: كان يصوم ويفطر. فقال أحدهم: إذاً سأصوم الدهر ولا أفطر. وسألوها: هل كان يأتي النساء؟ قالت: نعم، فقال أحدهم: إذاً: أنا لن آتي النساء أبداً. رغبة منهم في حب الله وولايته، رغبة منهم في الانقطاع إلى الله.
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقام خطيباً وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فسد باب الرهبنة التي يعيش عليها النصارى، يحرمون على أنفسهم ما أحل الله لهم، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87].
فالنوم طيب يحتاج إليه الآدمي فكيف تحرمه على نفسك؟ وإتيان النساء مشروع وفيه خير، ومما أباح الله وأذن فيه ورغب فيه، فكيف تحرمه أنت على نفسك؟ والصيام ضده الإفطار، فالإفطار يقوي البدن ويزيد في طاقته لينهض بتكاليف الله ومستلزمات هذه الحياة، فكيف تحرم الإفطار لتصوم أبداً؟
وقال لهم: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، بينت لكم أن الذي يحرم أو يحلل بدون الله اعتدى على الله، فمن الذي له الحق أن يحرم أو يبيح؟ إنه المالك العالم بمصائر الأمور، أما الجاهل الذي لا يملك فكيف يحرم أو يحلل، بأي حق؟
(وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، والاعتداء: مجاوزة الحد، قد يكون بينك وبين أخيك بسبه أو شتمه أو انتهاك عرضه أو أخذ ماله، قد يكون بينك وبين نفسك تلزمها بصيام الدهر أو بقيام الليل بدون نوم أو بحرمانها من النساء وإنجاب البنين والبنات، هذا اعتداء على نفسك، واعتداء على الله؛ لأن الله هو المشرع لحكمته وعلمه ورحمته، فلا يصح لآدمي أن يحلل أو يحرم، وإنما الذي يحرم ويحلل هو الله عز وجل، أولاً: لأنه المالك، ثانياً: لأنه العليم بالمنافع والمضار، ثالثاً: لأنه رحيم بأوليائه وعباده، فلا يحرم عليهم طيبات ينتفعون بها.
أمر المؤمنين بأكل الحلال الطيب وتقوى الله تعالى
ثم قال لهم ولنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88] حال كونه ( حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فليس الحرام برزق ولا تقل: هذا رزق رزقنيه الله وهو جيفة أو مال مغصوب أو مال ربا.ثانياً: أن يكون طيباً غير مستخبث ولا مستقذر؛ لأنه يسبب مرضك وانحطاط قوتك، فلا بد أن يكون المطعوم والمأكول أولاً مما أذن الله به، والله لم يأذن في مال الربا ولا في مال التلصص ولا السرقة ولا الخيانة أبداً، ولا مال المؤمنين، فما أذن فيه لا بد أن يكون مما أحل الله، ثانياً: أن يكون طيباً ليس بمستقذر ولا مستخبث بحيث تشمئز منه النفس أو يسبب مرضاً للإنسان، هذه مظاهر ربوبية الله ورحمته بعباده.
ثم قال لنا: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، أي: خافوه، نتقي الله بأي شيء؟ يتقى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، فيما أمر الله بفعله أو قوله أو اعتقاده، وفيما نهى الله عن اعتقاده أو قوله أو عمله، ومن هنا وجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوامر الله بالضبط، ونواهيه كذلك، وإلا فلن يستطيع أن يتقي الله، لا يمكن أن تتحقق تقوى الله للعبد وهو ما عرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا قلنا: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن يكون هناك قرطاس وقلم، وإنما تسأل بلسانك وتطبق بجوارحك يوماً بعد يوم؛ لقول الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم أوامر الله أو نواهيه يجب عليه أن يسأل العلماء.
تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ...)
لما عرف أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم وقد حلف أحدهم أن لا يأتي النساء وآخر أن لا ينام وثالث أن لا يأكل، وارتبكوا ماذا يصنعون في أيمانهم التي حلفوها؛ فرج الله عنهم وأنزل الآية الثانية فبين فيها كيف الخروج من اليمين، وهذا عام لكل مؤمن ومؤمنة، اسمع ما قال تعالى: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ هذه الآية، هذه مادة من قانون الحياة ودستور دخول الجنة: (
لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ )[المائدة:89]، بماذا؟ ( بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، والأيمان: جمع يمين.
أنواع اليمين وأحكامها
وهنا الأيمان خمس ممكن أن نحصيها ونحفظها، لو كانت تتعلق بالتجارة والبيع لحفظت، لكن هذه علمية ربانية لا يحفظها إلا ولي الله، فكونوا أولياء الله، وليقل أحدكم: لن أبرح مكاني حتى أعرفها.أولاً: لغو اليمين، أن يحلف أحدنا على شيء يظنه كذا فيتبين أنه خلاف ما ظن، يا فلان! ناولني عشرة ريالات. فيقول: والله ما عندي يا شيخ الآن معتقداً ذلك، ثم أدخل يده في جيبه فوجد عشرة ريالات، فهل يؤاخذ على هذه اليمين؟
أو قيل له: أين إبراهيم؟! فقال: والله! إنه في المنزل؛ لأنه تركه في المنزل، وتبين أنه في السوق أو في المسجد، فهذه لغو يمين لا إثم فيها ولا كفارة.
الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصد به اليمين، كأن يقال لك: نحن في أي ساعة؟ فتقول: في الساعة السابعة والله، أو هل جاء فلان؟ فتقول: بلى والله جاء، يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده، تعود الحلف فأصبح يجري على لسانه ولا يقصده، هذه أيضاً لغو يمين، ولا إثم فيها ولا كفارة عليها، إذ الكفارة لمحو الإثم، فما دام لا إثم فلا كفارة، فهاتان يمينان من لغو اليمين:
الأولى: أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيتبين خلافه.
والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده.
ويمينان تجب فيهما الكفارة، الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، أو: والله! لا أعطيك بعد اليوم درهماً ولم يقل: إن شاء الله، فهذا نسي الله بالمرة، نسي أن الذي يعطي أو يمنع هو الله، وأن ما يريده الله فسيكون، فكان المفروض أن نقول: والله! لا أصاحبك بعد اليوم إلا أن يشاء الله، فالذي يحلف ألا يفعل أو يحلف أن يفعل ثم يحنث تجب عليه الكفارة.
هذه الصيغة الأولى: أن يقول: والله! لا أكلمك بعد اليوم، كما قال الصحابي: والله! لا آتي النساء بعد اليوم .
الصيغة الثانية: أن يقول: والله! لتفعلن كذا يلزمك، ولم يقل: إن شاء الله، فلما نسي مشيئة الله، وغفل عن قدرة الله وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراد الله تلطخت نفسه بالإثم لنسيانه الله، فبم يزال هذا؟ بمادة معينة وضعها الحليم العليم، فهاتان يمينان تجب فيهما الكفارة؛ لأن فيهما الإثم، ما سبب الإثم؟ أنك تقول: والله لأفعلن ونسيت أن تقول: إلا أن يشاء الله، وإذا لم يشأ الله فهل ستفعل أنت؟ أنت لا تتحرك إلا بإذن الله.
أو أن تقول لآخر: والله لتفعلن كذا. وهل أنت تقدر على أن تلزمه وتجبره إذا لم يشأ الله؟ هاتان اليمينان فيهما كفارة.
اليمين الخامسة تسمى باليمين الغموس، من: غمسه ويغمسه في الماء، أو غمس رأسه في الطين، اليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في جهنم، تغمسه أولاً في أوضار وأوساخ الذنوب والآثام، وبذلك يستحق دار البوار ودار النار، وأعيذكم بالله أن تحلفوها، اليمين الغموس فسرها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن يحلف أحدنا كاذباً ليأخذ مال أخيه أو ليمزق عرضه أو ينال دمه، وهي اليمين التي يتعمدها الحالف وهو يعلم أنه كاذب ليتوصل إلى تحقيق غرض من أغراضه الهابطة.
هذه اليمين الغموس اختلف أهل العلم: هل فيها كفارة؟ فمالك وجماعات قالوا: هذه لا تكفر بشيء أبداً لا بالصيام ولا بالعتق، لا تكفر إلا بالتوبة النصوح وإرجاع الحق لأهله، يأتي ويقول: يا فلان! حلفت كاذباً لآخذ من مالك، وأتوب إلى الله فخذ مالك الذي أخذت منك، ومع هذا فالأحسن أن يضيف إلى التوبة الكفارة لتطمئن نفسه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 17-07-2021 05:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
كفارة اليمين
الآن مع الكفارة، ماذا قال مولانا عز وجل؟ قال: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، وفي آية أخرى: ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )[البقرة:225]، أي: التعمد، ( فَكَفَّارَتُهُ )[المائدة:89]، أي: ذلك الحنث، ( إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )[المائدة:89]، المساكين جمع: مسكين، من أذلته الحاجة ومسكنته من الفقراء، كل مسكين يعطيه كيلو ونصفاً من الأرز، وإن أعطى كيلو جرام يجزيه؛ لأنهم اختلفوا في المد النبوي هل يقدر بمدين أو المد هو المد، فالاحتياط أن تعطي لكل مسكين كيلو ونصفاً من دقيق إن كنت من أهل الدقيق أو أرز إن كنت من أهل الأرز، أو من العنب اليابس بحسب قوتك وأهلك، ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )[المائدة:89]، لا تعطيه الأرز الياباني الذي يساوي الكيلو منه عشرة ريالات، بل الوسط، والدقيق أنواع أيضاً، هناك دقيق بعشرة ريالات، ودقيق بخمسة، فالوسطية ولا تكلف نفسك ما لا تطيق، ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )[المائدة:89]، أي: زوجتك وأولادك ومن إليهم.(أَوْ )[المائدة:89]للتخيير، ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ )[المائدة:89]، طاقية أو عمامة وثوب يكفي؛ لأن المصلي لا يصلي ورأسه عريان، لا بد -إذاً- من شيء يضعه على رأسه، والثوب لا بد أن يستره، هذا القدر الذي تصح به الصلاة هو الذي تكسو به مؤمناً، تشتري له ثوباً وعمامة أو غترة يغطي رأسه، عشرة نفر تكسوهم لله تعالى؛ لتمحو ذلك الإثم العالق بالنفس يوم نسيت الله وأنه الفعال لما يريد ونسبت القدرة لك ألا تفعل أو تفعل.
خبر انقطاع الوحي لترك رسول الله الاستثناء
وأذكركم بأن الحبيب صلى الله عليه وسلم أدبه الله في هذا، بعث قريش رجالاتهم ليتصلوا باليهود وعلمائهم في المدينة ويسألوهم أسئلة يوجهونها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال علماء اليهود لوفد قريش: سلوه عن ثلاثة أشياء، فإن أجاب عنها كلها فما هو بنبي، وإن لم يجب عنها فما هو بنبي، وإن أجاب عن البعض وترك البعض فهو نبي فروا رأيكم فيه، وبالفعل رجع الوفد إلى مكة والرسول ما زال بمكة قالوا: تعال الآن نمتحنك: أخبرنا عن فتية في الزمان الماضي كانوا في كذا وكذا ما حالهم وما شأنهم، وأخبرنا عن ملك مَلَك الشرق والغرب وما حاله وما شأنه، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ فقال لهم: غداً أجيبكم، ونسي أن يقول: إن شاء الله؛ لأنه بشر، فتأخر الوحي فلم ينزل جبريل اليوم الأول والثاني والثالث وهو يتطلع صلى الله عليه وسلم، وبلغ خمسة عشر يوماً وإذا بـأم جميل العوراء امرأة أبي لهب تغني في الشوارع وترقص: مذمماً أبينا ودينه قلينا.تغني فرحة، قالوا: الآن انفضح، فما عنده علم، ما هو بنبي، وكرب رسول الله وحزن وبكى، وبعد نهاية نصف شهر جاء جبريل بسورة الضحى: ( وَالضُّحَى )[الضحى:1]، من الذي يحلف؟ ( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى )[الضحى:2]، من الذي يحلف؟ الله. ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )[الضحى:3]، إبطال لمزاعم أم جميل أنه قلاه ربه وتركه، ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى )[الضحى:3-4]، فإن كربت اليوم وحزنت لهذا فالآخرة خير لك، ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )[الضحى:5]، ثم بين له تلك المواقف: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى )[الضحى:6]؟ بلى. ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى )[الضحى:7]، قبل أربعين سنة ما كان يعرف الله ولا الطريق إليه، ( وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى )[الضحى:8]، إذاً: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )[الضحى:9-11]، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: الله أكبر.. الله أكبر.
ثم نزلت سورة الكهف: ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )[الكهف:13]، إلى آخر السياق في كذا آية، ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا )[الكهف:83]، فقص عليهم قصة ذي القرنين من أولها إلى آخرها، وقال تعالى في سورة الإسراء: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )[الإسراء:85]، فعرف اليهود أنه رسول الله، وعرف المشركون أنه رسول الله، ولكن حملهم العناد وحب الدنيا والشهوات على أن يواصلوا كفرهم وعنادهم، وإلا فقد لاح الحق وتجلت حقائقه.
ونزل قول الله تعالى له: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الكهف:23-24]، إلا أن تقول: إن شاء الله، فمن ثم ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً: سأفعل كذا، سأعطي كذا إلا قال: إن شاء الله، ما قال في شيء مستقبل إلا قال: إن شاء الله، غداً -إن شاء الله- نسافر، دائماً: إن شاء الله.
ومن غريب أحوال عوامنا أن أحدهم يقول: إن شاء الله في الماضي: إن شاء الله تغديت، ويقال له: سافرت؟ فيقول: الحمد لله إن شاء الله! ويكفي أنك جئت، فـ(إن شاء الله) لا تقلها في الماضي، تقولها في المستقبل، لأصلين العشاء إن شاء الله الليلة، أما أن تقول: صلينا المغرب إن شاء الله فلا، فلو ما شاء الله لما صليت.
حرص الإسلام على تحرير الرقاب
(فَكَفَّارَتُهُ )[المائدة:89] تعرفون التكفير أم لا؟ تغطية الإثم ومسحه وإزالته، فكفارة من حلف حانثاً ( إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )[المائدة:89]، في الزمان الأول كانت الرقاب متوافرة، الرجل عنده خمسة عبيد وعشرة كما عندهم الإبل والبقر، في العالم بأسره؛ لأن البشر كان يغزو بعضهم بعضاً ويأسر بعضهم بعضاً ويباعون في الأسواق، فلما جاءت رحمة الله للأرض بهذا الدين وهذا النبي فتح الله الباب لتحرير العبيد، فالذي حلف وحنث يعتق رقبة، الذي ظاهر من امرأته يعتق رقبة، الذي قتل مؤمناً خطأً يعتق رقبة، الذي أراد أن يكون من أولياء الله فليحرر، وهكذا فتح باب التحرير على مصراعيه.وهنا قال: ( أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )[المائدة:89]، إن شئت أطعمت أو كسوت أو أعتقت كل ذلك جائز، اللهم إلا في حال العجز عن واحدة من الثلاث فيتعين حينئذٍ الصيام، فصيام ثلاثة أيام متتالية متتابعة أو متفرقة كله جائز، أنت وحالك، تصوم ثلاثة أيام، تمتنع عن الطعام والشراب والنكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لتمحو الإثم الذي علق بنفسك؛ لأنك حلفت أن تفعل وأنت عاجز، أو ألا تفعل وأنت عاجز، ونسيت أن الله هو على كل شيء قدير، ولم تقل: إلا أن يشاء الله، تلطخت بإثم كفارته ما وضع الله عز وجل.
ملخص لما جاء في تفسير الآية
اسمعوا الآية: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ )[المائدة:89]، بماذا؟ ( بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، وإذا حصل ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ )[المائدة:89]، فهمنا أن ( مِنْ أَوْسَطِ )[المائدة:89] يعني: ما هو بالعالي ولا الهابط، بل الوسط.(أَوْ كِسْوَتُهُمْ )[المائدة:89]، عرفنا الكسوة، ولكن المرأة كيف تكسوها؟ لا بد من غطاء رأسها وخمار تتخمر به والجلباب الطويل، أكثر من كسوة الرجل، الرجل طاقية أو عمامة وثوب فقط، والمرأة لا بد لها من خمار تتخمر به إذا خرجت.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ )[المائدة:89]، فماذا يصنع؟ ( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ )[المائدة:89]، قال تعالى: ( ذَلِكَ )[المائدة:89] الذي سمعتم ( كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ )[المائدة:89] وحنثتم أيضاً.
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ )[المائدة:89]، ويدل هذا على معنيين: الأول: حلفت الليلة ووجبت الكفارة فلا تنس يمينك، ما دمت حنثت فعجل بتكفير هذا الإثم ولا تنس يمينك.
ثانياً: ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ )[المائدة:89]، لا تكثروا من الحلف، شحوا بها وابخلوا بها حتى لا تقعوا في الإثم. ولا تعترض على الشيخ بأنه دائماً يقول: والله كذا. بعض الطلبة قالوا: هذا الشيخ يحلف بالله ويكثر من اليمين، قلنا لهم: نحن نحلف على أن هذا كلام الله أو كلام رسوله، على أن هذا أباحه الله أو منعه، ونحن أسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحلف في أخباره: أما والله لكذا وكذا.
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ )[المائدة:89]، أي: كهذا التبيين يبين لكم آياته الحاملة للأحكام والشرائع والآداب والقوانين والعبادات، وما زال تعالى يبين لنا، واقرأ التسعين نداء لتشاهد أحكام الله عز وجل.
والعلة في ذلك يقول: ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:89]، هذه (لعل) الإعدادية: ليعدكم بذلك لشكره؛ لأن من حلف وقال: إن شاء الله فقد شكر الله عز وجل، ومن حلف ولم يقل: إن شاء الله ثم كفر عن يمينه فقد شكر الله عز وجل، ومن أعتق رقبة في سبيل الله كفارة فقد شكر الله، ومن تصدق بطعام فقد شكر الله، ومن كسا عارياً فقد شكر الله، وهكذا هذه العبادات كلها هي شكر الله عز وجل، هكذا يعدكم لتصبحوا من الشاكرين.
ذكر الله وشكره وعبادته سر الحياة
معاشر المستمعين! لو قام أحدكم وسأل أهل المنطق والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والسياسة وقال: أطرح هذا السؤال على منتدى أمريكا وإيطاليا: ما هو سر هذه الحياة؟ ما علة هذا الوجود؟ والله ما عرفوا؛ لأنهم أموات غير أحياء، وكيف يعرفونها؟! وهل الميت يعرف؟ لا يعرف، كيف -يا شيخ- وهؤلاء دكاترة في علم النفس، في علم الكواكب، في الذرة، كيف تقول ذلك؟ والله! إنهم لجهلة أموات حتى يعرفوا ربهم خالقهم ومدبر حياتهم، ثم يخضعوا له ويذلوا ويحبوه ويرغبوا فيما عنده، أما وهم جاهلون بخالقهم فهل يقال: فيهم أحياء؟ هؤلاء أموات.
والآن تعودون بها إلى دياركم أنكم عرفتم سر هذه الحياة، لم خلق الله الجنة؟ لم خلق الله النار؟ لم خلق الله السماوات؟ لم خلق الله الجبال؟ لم خلق الحيوانات؟ لم خلق الآدميين؟ والجواب واحد: أراد أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون ليسمع ذكره من أفواه عباده ويرى شكره في أعمالهم، ما أراد بالخلق زوجة ولا ولداً ولا منصباً ولا وجاهة ولا سلطاناً، هو غني عن هذه المخلوقات وهو خالقها، إذاً: ما السر في خلقها؟ السر أن يذكر ويشكر فقط، فلهذا من عاش على ذكر الله وشكره تحققت ولايته وأصبح من أهل دار السلام بما لا جدال فيه، ومن أعرض عن ذكر الله ونسيه وكفر بشكره على آلائه ونعمه فهو هالك مع الهالكين، وخاسر خسراناً أبدياً.
فانظر: حيث بين الله تعالى لنا هذه الأحكام ثم قال: ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:89]، يا معاشر المستمعين! إذا أكلتم فاشكروا الله، إذا شربتم فاشكروا الله، إذا صليتم فاشكروا الله، بل ادعوا الله أن يعينكم على ذكره وشكره، الرسول يقول لحبيبه: ( يا معاذ ! والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
تعريف بالشرك وبيان بعض صوره
وقد سمعتم ما قال لقمان لولده: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]، وأنا أعرف موقناً أن من بين الحاضرين عوام وطلبة علم ما جلسوا هذه المجالس، فلا يعرفون الشرك ما هو، فسأضع أيديكم على نقاط: الحلف بغير الله شرك، الذي يقول: وحق النبي، ورأس سيدي فلان، ورأسك يا فلان أشرك بالله عز وجل.وهذا رسول الله يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ما معنى: أشرك؟ أوجد عظيماً من الخلق وأعطاه عظمة الرب وحلف به، ومن هو الأعظم والأكبر: الله أم غيره؟ الله أكبر، فكيف ترفع مخلوقاً وتحلف به تقرنه مع الله؟
وأنبه الذين يجري على لسانهم الحلف بدون قصد: والله لا نفعل، والنبي، وحق سيدي كذا، هؤلاء كفارة ذنبهم لما يقع في الحلف أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا قلت: والنبي فقل: لا إله إلا الله تمحوها، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما شاهد المؤمنين الجدد هذا آمن منذ أسبوع وهذا منذ سنة يحلفون كما كانوا يحلفون في الجاهلية، فقال لهم: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله )، تغسلها على الفور.
فالحلف بغير الله شرك في عظمة الله، سويت مخلوقاً من مخلوقات الله بالله، على المنبر يقول صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، قالها على المنبر.
فلن يسمع الله منا بعد اليوم الحلف بالأم ولا بالرأس ولا بالكعبة ولا بالنبي ولا بالمصحف أبداً، ومن جرى على لسانه فليقل: لا إله إلا الله يمحها.
ثانياً: الذي يذبحون للأولياء في نذور على أضرحتهم، أو يقول: هذه لسيدي عبد القادر أو لسيدي مبروك أو لسيدي فلان، هذا النذر لغير الله شرك في عبادة الله، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينذر لغير ربه، النذر لله أن نقول: لك يا رب علي أن أصوم هذا الأسبوع إن فرجت كربي، لك علي يا رب أن أتصدق بألف في هذه الليلة إن فعلت بي كذا وكذا، هذا بينك وبين الله، أما أن تقول: يا سيدي مبروك ويا سيدي فلان لميت تدعوه وتتكلم معه فهذا -والله- لأن يذبح العبد خير من أن يقوله، يحاد الله ويعتدي على شرعه ودينه.
أما الدعاء فكأن يقف أمام الضريح: يا سيدي .. يا فلان .. يا فلان، هذا من أفضع أنواع الشرك، والله لو تقف أمام علي بن أبي طالب أو عمر بن الخطاب أو رسول الله وتدعو ألف سنة والله ما أجابك، ولا عرف عنك!
فكل من ينادي ميتاً: يا سيدي فلان! المدد أو الغوث أو كذا؛ فقد أشرك في عبادة ربه غيره ولا ذنب أعظم من هذا الذنب.
والله نسأل أن يتوب علينا قبل موتنا، من تاب تاب الله عليه، أما من مات يشرك بالله فلا نجاة له من النار، وإليكم بيان الله، يقول تعالى لرسوله: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65]، ويقول تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا )[النساء:116]، فكيف نفتح أعيننا أمام المخلوقات وننسى خالقها؟! ولكن الجهل هو الذي ساقنا إلى هذا، فهيا نعود إلى قال الله وقال رسوله لننجو من هذه الفتن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 17-07-2021 05:12 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (41)
الحلقة (352)
تفسير سورة المائدة (47)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة ومع هذه الآيات الأربع:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )[المائدة:90-92].
هيا نتدارس هذه الآيات، معاشر المستمعين والمستمعات! من الذي نادانا بعنوان الإيمان فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:90]؟ الله. وهل يوجد تحت السماء من قال: أنا الذي ناديتكم؟ إذاً: فالله موجود، والله متكلم، والله عليم، والله حكيم، والله رحيم، فقولوا آمنا بالله.
ينادينا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:90]، أي: بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، يا من آمنتم بالله وبرسوله ولقائه، أيها الأحياء! اعلموا ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، نادانا وهو مولانا وهو ربنا وإلهنا الذي لا إله لنا غيره، وهو الذي يكلؤنا بالليل والنهار، وهو الذي إليه مصيرنا، وهو الذي نفزع إليه في حاجاتنا، ينادينا بعنوان الإيمان؛ لأننا مؤمنون والحمد لله، فيقول لنا: ( إِنَّمَا الْخَمْرُ )[المائدة:90]، هذا تعليم منه لنا؛ إذ سبق أن علمنا أن الله لا ينادينا إلا ليأمرنا بما فيه سعادتنا وكمالنا، أو لينهانا عما فيه خسراننا وشقاؤنا، أو ليبشرنا بما يزيد في إيماننا وصالح أعمالنا، أو لينذرنا ويحذرنا مما فيه هلاكنا وخسراننا، أو ليعلمنا، فهذا النداء ليعلمنا، كأنما قال: اعلموا أنما الخمر والميسر.
معنى الخمر
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))[المائدة:90]، لبيك اللهم لبيك، قل يا ربنا نسمع، مر نطع، هذا هو استعدادنا، قال تعالى: (( إِنَّمَا الْخَمْرُ ))[المائدة:90]، ما الخمر هذه؟ لفظ الخمر شاع في الشرق والغرب وعلم بالضرورة، كل ما خامر العقل وغطاه وأصبح الإنسان يقول ما لا يفهم ويهذي في كلامه هو خمر، سواء كان لبناً أو عسلاً، كل ما خامر العقل وغطاه كالخمار على وجه المرأة يغطيه، كل ما خامر العقل وغطاه، سواء كان من أي نوع من الشراب أو الطعام فهو خمر محرم. لماذا يا ربنا تحرم الخمر؟! الجواب: وهبتكم عقولكم لتعرفوا ما يضركم وينفعكم، فتفسدون عقولكم تحدياً لنا وعدم رضاً بما أعطيناكم لتضلوا وتنتكسوا في مفاسد الحياة، كيف يتم هذا من العبد؟ الخمر: كل ما خامر العقل وغطاه وستره فأصبح صاحبه يقول ما لا يفهم ويتحرك ويعمل بما لا يقصد ولا يريد؛ لأن عقله فسد بما صب عليه من إفساد، هذه الخمر، وسواء كانت من التمر أو من الزبيب أو من العنب أو من أي مادة، عمر هنا على المنبر بين هذا، فكل ما خامر العقل وغشيه وغطاه وأصبح صاحبه لا يميز ولا يفهم، أو يخلط ويخبط، مرة يقول كذا ومرة يقول كذا؛ فهذا هو الخمرة التي حرمها الله عز وجل.
معنى الميسر
وبعد الخمر الميسر، والمراد من الميسر: ما كان من أنواع اللعب من أجل الدينار والدرهم، وهو ما يعرف بالقمار، وأندية القمار عالمية اليوم في بلاد الكفر، وأنواع الآلات -سواء كانت عظاماً أو كانت تمراً أو كانت حديداً أو خشباً- تلك الآلات التي يستعملونها في الميسر كلها ميسر وكلها حرام. وكان العرب مبتلين بالخمر والميسر؛ لفراغهم، فلما أراد الله هدايتهم حرم عليهم كل ما من شأنه أن يقعد بهم عن السمو والكمال والارتفاع، وما حرمه على العرب حرمه على العجم، حرمه على كل مؤمن ومؤمنة، سواء كانوا عجماً أو عرباً، في الأولين أو الآخرين؛ إذ الكل عبيده وهو مولاهم لا يريد لهم إلا ما يسعدهم ويكملهم، فحرم عليهم الخمر والميسر.
معاشر المستمعين! عرفتم الميسر: آلة يلعبون بها هذا يضع ريالاً وهذا ريالين، وأيهما يفوز يأخذ المال، مأخوذ من اليسر، لأنه ما عرق ولا تعب بل يشطح بيديه وعقله ويأخذ الفائدة.
وشاع في المغرب كلمة الديمنو، ولعلها فرنسية، وشاع كلمة الكيرم في المدينة، وكلمة العيدان أو ما يسمونها، كل هذه الألعاب دخلت تحت لفظ الميسر الجامع لها، عرف هذا رسول الله وأصحابه، فلا يستثنى لعبة من اللعب أبداً، حتى ولو كانت بدون ثمن، فالله ما علل بالثمن، بل علل بشيء آخر.
فهل عرف المؤمنون والمؤمنات الميسر؟ ما هو الميسر هذا؟ كل لعبة باليد أو بالرجل أو بالعقل من أجل الحصول على دينار أو درهم وأنت جالس فهو -والله- الميسر، ومن قال: نلعب الشطرنج بدون مقابل قلنا له: فالله عز وجل ما حرمه لأجل المقابل، حرمه لأجل أنه يثير العداوة بينك وبين أخيك؛ ولأنه يلهيك عن ذكر الله.
معنى الأنصاب
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))[المائدة:90]، لبيك اللهم لبيك، (( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ ))[المائدة:90]، جمع نصب: ما ينصب، سواء هيكل إنسان أو حيوان أو طير أو دجاجة، الأنصاب: ما ينصب من هياكل، المشركون كانوا يعبدونها ويتقربون إليها ويستشفعون بها لله عز وجل؛ لضلالهم، فحرم الإسلام الأنصاب فلا يحل شراؤها ولا بيعها ولا صنعها، والآن اتخذت في بعض بلاد الجهل والظلم والفسق بعنوان التذكار، فيوضع للزعيم أو للرئيس أو للسلطان صنم منصوب في حديقة أو في أي مكان ويقولون: هذا للذكرى، وقد حرم الله هذا، ولا يحل أبداً للمؤمنين أن يفعلوه. حتى تلك التماثيل التي تباع في الأسواق بعنوان لهو البنين أو البنات، أو لعب البنين والبنات، الصورة التي تزيد على الشبر ويكون لها شعر وعينان زرقاوان وهي في صورة بنت أو امرأة والله! لا يحل صنعها ولا بيعها ولا استيرادها، وهي من الأنصاب. إنما أذن الشارع للبنات والبنين في السنة الأولى والثانية والثالثة باللعب مما كان شبراً من عيدان أو خيوط، أما صورة كأنها امرأة بين يدي ابنتك فهذا صنم ونصب ولا يجوز أن يوجد في بيت مؤمن، ولا يحل صنعه ولا بيعه ولا شراؤه، ومن قال: لم؟ قلت: إن الله حرم الأنصاب فقال عز من قائل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ))[المائدة:90]. فهل عرفنا الأنصاب؟ ما ينصب من تمثال للتذكار ولغيره، أو للتعظيم والتبجيل، وما يصنع الآن بشعار لعب الأطفال، فما كان له هيكل كامرأة، كفتاة بالعينين والشعر وطوله ذراع لا يحل أبداً أن يوجد في بيت مؤمن ولا مؤمنة، لعب الأطفال التي أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت تزيد عن الشبر، وكانت من عيدان وتلف عليها خرقة وتقول: هذه عروس، وكانت في بيت عائشة ، أما هذه الأنصاب والأصنام فلا تحل أبداً.

يتبع



ابوالوليد المسلم 17-07-2021 05:12 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى الأزلام
(( وَالأَزْلامُ ))[المائدة:90] جمع زلم، الأزلام: عبارة عن عيدان، كانوا في الجاهلية يستقسمون بها، والأصل أنهم كانوا يرمون بها السهام، وحين تصبح غير صالحة يجمعها الرجل في خريطة أو كيس، ويجلس في زاوية الكعبة، ومن أراد أن يعرف مستقبله يأتي إليه، أراد أن يسافر إلى الشام للتجارة يقول له: اضرب لي الأزلام؛ حتى أعرف سفري أفيه ربح أو فيه خسران، فيجيلها في الخريطة ويخرج عوداً منها مكتوباً عليه: أمرني أو نهاني، كل عود مكتوب عليه أمرني أو نهاني، فإذا أجالها وخلطها وخرج العود ينظر: فإذا كان فيه (أمرني) يقول: امش، واصل سفرك أنت رابح، وإذا جاء العود (نهاني) يقول: لا خير لك في هذا السفر. والذي يريد أن يتزوج كذلك، والذي يريد أن يطلق، مقابل ثمن يعطيه، يريدون أن يطلعوا على الغيب بهذه الطريقة الإبليسية، فقال تعالى فيما حرم في أول السورة: (( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ))[المائدة:3]. وحل محل هذا ما يعرف بقرعة الأنبياء بين المسلمين في عصر جهلهم، ومثله ما يعرف بخط الرمل، يضع رملاً بين يديه ويخط عليه ويقول: تزوج أو طلق، وعند النساء يعرف أيضاً بالجزانة، امرأة كاهنة خاصة بهذه المهمة، ويستعملون حتى المسبحة، يجيل حباتها هل تأتي بالفرد أو بالزوج، وهذا نفس الاستقسام بالأزلام، كل هذا محرم بهذه الآية الكريمة، ومنه أيضاً التفاؤل، خرج على سيارته فسمع صوتاً ما هو بصالح فرجع، تطير بالصوت هذا وعدل، وقراءة الكف أيضاً، وكذلك القراءة في الفنجان. المهم: أن القرآن الكريم يذكر مسألة ولا يعدد كل ما هو واقع، ومن يقرؤه ويحفظه يستدل بواحدة على مائة، فكل ما كان يدعى فيه غلم الغيب ويظهر تحدياً لله واعتداءً على حقه فهو من هذا، الله ستر الغيب لأجلنا وأنت تريد أن تطلع عليه! وهنا مثل حسي: لو أن شخصاً ستر شيئاً تحت ثوبه، هل يجوز لك أن تأتي وتطلع عليه وتكشفه؟ أليس هذا محرماً عليك؟ فالله عز وجل -وهو علام الغيوب- غيب عنا أموراً فلا نطلع عليها أبداً، ما يجري غداً والله لا يعرفه أحد، فلم تأتي أنت وتحاول أن تكشف هذا وتعرفه؟ مع أن معرفته لن تصح ولن تكون، وإنما هو التدجيل والكذب وأخذ أموال الناس بالباطل. وأيضاً يجب ترك ذلك حياءً من الله، ما دام الله قد ستر هذا وجعله غيباً فكيف أحاول أن أكشفه وأن أعرفه؟! هذا سوء أدب مع الله، بل ظلم واعتداء.
معنى قوله تعالى: (رجس من عمل الشيطان)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ )[المائدة:90]، هذه أربعة، كلها ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، أولاً: ( رِجْسٌ )[المائدة:90]، بمعنى: خبث، نتن، عفونة، فساد، شر.وهي ثانياً ( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، هو الذي يدعو إليها ويزينها ويحسنها ويحمل الآدميين على فعلها، فهل يرضى مؤمن أن يعمل عمل الشيطان؟
نحن نلعن الشيطان ونستعيذ بالله طول حياتنا منه، فكيف نعمل عمله ونأتيه وأنا أعلم أنه هو الذي دعاني إليه؟! الله نهاني وهو يدعوني، ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، لأن الشيطان يريد إفساد الآدميين، لا يريد أن يسلم مؤمن وينجو من عذاب الله؛ لأنه وأولاده وذريته وأعوانه أهل خلود في النار، فلا يريدون أن ينجو إنسان ولا جان من عذاب الله، فهم يضعون هذه الشباك ليوقعوا فيها الآدميين ليفسقوا عن أمر الله ويخرجوا عن طاعته فيلعنهم كما لعن الشياطين.
فهيا نتلوا الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:90]، لبيك اللهم لبيك، ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ )[المائدة:90]، ما لها؟ ( رِجْسٌ )[المائدة:90]، كلمة (رِجس) تجعل المؤمن لا يقدم عليها، هي وسخ، قذر، ما الرجس؟ أليس الإثم والوسخ؟ الرجس: اسم يخبث النفس، الرجس وسخ يفسد العقل، يفسد البدن، ثانياً: ( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، كيف أعمل عمل الشيطان وأنا ألعنه كل يوم؟
معنى قوله تعالى: (فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
وأخيراً يقول تعالى: ( فَاجْتَنِبُوهُ )[المائدة:90]، هذا أمر الله، فبناءً على ما علمتم أنه رجس ومن عمل الشيطان؛ إذاً: ( فَاجْتَنِبُوهُ )[المائدة:90]، ما معنى: اجتنبوه؟ أعطه جنبك لا تلتفت إليه ولا تنظر إليه، اتركوه. وإن قلت: لم يا رب؟ قال: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، أي: من أجل أن تفلحوا، والفلاح ما هو؟ النجاة من دخول النار، ثم دخول الجنة دار الأبرار، هذه -والله- هي النجاة، هذا هو الفلاح، هذا هو الفوز، دلوني على مؤمن أو مؤمنة يعرف هذا كما عرفته أنا الآن وعرفتموه أنتم معي، ثم يقدم على واحد من هذه الأربعة؟ والله ما كان، إلا إذا كان إيمانه مهزوزاً، ما هو بأصلي ثابت، بل شاك، ما استقر الإيمان بالله ولا بلقائه في نفسه.
مراحل تحريم الخمر
كان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. لأن الخمر ما حرمت في يوم واحد، حرمت بالتدريج في عدة آيات في البقرة وفي سورة النساء، لما حرمت في هذه السورة قال عمر : انتهينا يا ربنا.. انتهينا يا ربنا.. انتهينا يا ربنا.سأل بعض المؤمنين رسول الله عن الخمر والميسر؟ فأجاب الله بنفسه: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )[البقرة:219] حيث يصنعون الخمر ويبيعونها، فانكمش كثيرون من المؤمنين لهذه الآية، وبقي آخرون يشربون ويلعبون؛ لأن الصيغة ما هي بصيغة تحرم.
ثم استضاف أحد الصحابة جماعة وسقاهم الخمر، وحضرت الصلاة فقام يصلي بهم وهم سكارى، فبعدما تغدوا وشربوا أقاموا الصلاة، فقالوا الباطل والمنكر، فنزلت آية النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )[النساء:43]، فأصبح لا يشربها مؤمن في أوقات الصلاة، يشربونها بعد العشاء إلى قبل الفجر، يشربونها بعد صلاة الصبح إلى الظهر، أما الأوقات التي هي قريبة من الصلاة فما يشربون فيها؛ لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ ([النساء:43] والحال أنكم ( سُكَارَى )[النساء:43]، حتى يزول ذلك الإغفاء وتعرفوا ما تقولون.
فاضطرب المسلمون أكثر، فـعمر أصبح يصيح: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، فقالوا: انتهينا.
إيجاز تعريف الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
يا معشر المستمعين والمستمعات! لو سئلتم عن الميسر ما هو فماذا تقولون؟الجواب: كل لعبة بحديد، بكعاب، بخشب، يجتمع عليها اثنان أو ثلاثة فهي من الميسر، الآن يسمونها الورق، وكذلك البلوط، قل ما شئت حتى ولو كان اللعب ليس من ورائه فائدة فقد حرمه الله؛ لأنه يلهي عن ذكر الله وينهى عن الصلاة، ويوجد عداوة وبغضاء بين اللاعبين وهم المؤمنون.
وهل عرفتم الأزلام؟ هي التي تسمى قرعة النبي، وخط الرمل، وكذلك بالمسبحة، بالكف، بالكأس، كل هذه الألوان -والله- داخلة تحت كلمة الأزلام، فلا يحل لمؤمن أبداً أن يحاول أن يكشف غيب الله وما هو بقادر عليه.
وقد فتح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الباب الشرعي، فمن أراد أن يقدم على أمر زواج أو طلاق أو بناء أو هدم أو سفر وهو لا يعرف ما عند الله من الغيب فليصل ركعتين ويسأل الله عز وجل أن يوفقه لما فيه خيره، هذه هي صلاة الاستخارة، ما نحن في حاجة إلى كاهن ولا دجال كدانة ولا خزانة هذا طريقنا نحن، تريد أن تتزوج وما تدري هل في زواجك خير أم لا، فاستخر ربك، صل ركعتين، واخشع لله وقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن في زواجي أو طلاقي أو سفري خيراً فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه، وإن كنت تعلم أنه لا خير لي فيه فاصرفه عني واصرفني عنه. ثم امش في عملك، فالذي تفعله هو الذي اختاره الله لك، هذه أبطل الله بها الأنصاب والأزلام وكل هذه الحيل الباطلة.
ما الأنصاب الذي حرمها الله؟ هي جمع نصب، ما ينصب من تذكار، الآن لا يعبدونها، ولكنهم صنعوها كما صنع المشركون، فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعلق في جدار غرفته صورة لأبيه أو أمه أو أي إنسان كان، فهذا من الأنصاب، وأهل الضلال يجعل تمثال قط أو كلب في سيارته، أو صورة طير أو كلب وراء السيارة، هذه يفعله المؤمنون والله يناديهم ويحرم عليهم الأنصاب!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، وهل بعد هذا تقدم على مثل هذا؟ فهو أولاً: وسخ وإثم، ثانياً: ( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، فكيف يقوم المؤمن بعمله؟
ثم قال تعالى: ( فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، من قال: لا أجتنبه فوالله ما أفلح، فربط فلاحنا باجتناب هذه المحرمات، والذي استباح هذه هل يبقى عنده محرم آخر؟ يستبيح كل محرم.
تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ...)
ثم قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )[المائدة:91]، لا في الأزلام ولا في الأنصاب، في الخمر والميسر، يريد ماذا؟ ( أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ )[المائدة:91]، أن يوقع بين اللاعبين العداوة والبغضاء، فكم تضاربوا وتقاتلوا، وخاصة إذا كانوا يلعبون بالمال، يسب ويشتم وبعد ذلك يضربه. المهم: أن هذه الجلسة بين اثنين أو ثلاثة للعب -سواء كانت بالفلوس أو بدونها- هي من عمل الشيطان ودعوته، وعلل الله تعالى التحريم لنفهم ونفقه، قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ )[المائدة:91]، وكل ما يوجد عداوة بين مسلمين أو بغضاء بين مؤمنين فهو -والله*- حرام إلى يوم القيامة؛ إذ لا يحل أن يعيش المؤمنون متعادين أو متباغضين، يجب أن يعيشوا متحابين متعاونين، فكل ما من شأنه أن يحدث العداوة والبغضاء فهو حرام، حتى ولو كان كلاماً، هل يجوز أن تقول كلمة توجد بها عداوة بين الناس؟ حرام لا يحل هذا، هي فتنة أوقدت نارها.فالله عز وجل وهو ولي المؤمنين حرم عليهم هذا؛ من أجل أن يبقوا متحابين متعاونين، لم يأذن لهم بهذا؛ حتى لا يصبحوا أعداء لبعضهم؛ لأنهم يحملون راية لا إله إلا الله، فإذا تعادوا وتباغضوا نزلوا وهبطوا.
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ )[المائدة:91]، أتعرفون أن خير أعمالنا وأزكاها عند مليكنا وأعظمها أجراً هو ذكر الله؟ أما تعلمون أن ذكر الله كقوت للقلوب والأرواح، ما تركه أحد إلا هلك، فالشيطان يريد أن يجلس المؤمنون على طاولة اللعب ساعتين وثلاث لا يذكرون الله، ولو ذكروه لقاموا، قد تدوم الجلسة في بعض الأماكن الساعة والساعات لا يذكر فيها الله، فهل يجوز لمؤمن أن يقضي ساعات غير نائم وهو لا يذكر الله عز وجل وهو مخلوق للذكر؟ علة خلقنا ووجودنا أن نذكر الله.
(وَيَصُدَّكُمْ )[المائدة:91] يصرفكم عن شيئين عظيمين: الأول: ذكر الله الذي لا يفارقنا أبداً. والثاني: الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد رأينا وسمعنا، فهل اللاعبين حين يؤذن الأذان يقومون يصلون؟ لا يصلون.
وأخيراً يقول الجبار المعز المذل من بيده ملكوت كل شيء، يقول: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، ما إن نزلت حتى قال عمر في غير شعور: انتهينا يا ربنا.. انتهينا يا ربنا. فهذا أبلغ من كلمة: انتهوا، ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91] أم لا؟ من يتحدى ويقول: لن ننتهي ويبقي الكيرم في بيته يعبث به؟ إن المؤمنين في الشرق أو الغرب لو اجتمعوا على دراسة هذه الآية وحفظوها وفهموا معناها، فلا أشك أن هذه الأباطيل لن توجد بينهم ولن يقدم عليها أحد، وأكثر الذين وقعوا فيها وتورطوا ما عرفوا هذا، أو تلقوا فتاوى تائهة ضائعة من أهل الجهل وقالوا: ماذا في ذلك ما دام بدون فلوس ولا مال! فهل الله عز وجل حرمها لأجل الفلوس؟ أما قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )[المائدة:91].
وأخيراً: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، انتهينا يا ربنا، وإن كنا ما لعبنا طول حياتنا، لكن نقول: انتهينا يا ربنا.
تفسير قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ...)
ويقول تعالى بعد هذا: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا )[المائدة:92]، ماذا نحذر؟ نحذر المعصية، ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )[المائدة:92]، وقد حرم الله هذه المحرمات، وبلغ هذا رسول الله، ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا )[المائدة:92]، ماذا نحذر؟ المعصية لله والرسول، المخالفة لأمر الله والرسول ونهي الله والرسول، فقوله تعالى: (واحذروا) تهديد، لو قالها عسكري أو سلطان لارتعدت الفرائص، ولكن قالها الجبار جل جلاله وعظم سلطانه.(وَاحْذَرُوا )[المائدة:92] أن تعودوا لمثل ما حرم عليكم ونهيتم عنه وبين لكم علة ذلك وسبب ذلك النهي. ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ )[المائدة:92]، أعرضتم، قلتم: ما نسمع هذا الكلام، ما نترك شيئاً عشنا عليه، ما نترك ما كانا نفعله، ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )[المائدة:92]، وقد بلغ، وأنتم الآن إن توليتم فاعلموا أننا نيابة عن رسول الله بلغناكم، وبعد ذلك أمركم إلى الله العظيم!
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )[المائدة:92]، وقد أدى ما عليه، قد بلغ وبلغكم وعرفتم، وحينئذٍ يترك الأمر للرب جل جلاله، هو الذي يبطش بالظلمة والفاسقين والمجرمين في الدنيا وفي الآخرة.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
وأخيراً أعيد تلاوة هاتين الآيتين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:90]، لبيك اللهم لبيك، قل يا رب، ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، وإن قلت: لماذا يا رب هذا؟ قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )[المائدة:91]، أي: في لعبهما، ( وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، انتهينا يا ربنا، قالها عمر بأعلى صوته: انتهينا يا ربنا. ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )[المائدة:92] في كل أمر أمركم به ونهي نهاكم عنه، إذ لا يأمر إلا بما يسعد ولا ينهى إلا عما يشقي ويردي والواقع شاهد، ( وَاحْذَرُوا )[المائدة:92] المخالفة، احذروا المعصية، فإن أبيتم فقد بلغ رسول الله، ( أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )[المائدة:92].والله تعالى أسأل إذا كان بيننا من يتعاطى من هذه المحرمات الأربع أن ينجيه منها وأن يذهبها من قلبه، وأن يصرف نفسه من الآن.

وبلغوا أنتم إخوانكم، من سمع هدى أو خيراً فليبلغه، احذروا الصور في البيوت فإنها من الأنصاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





ابوالوليد المسلم 17-07-2021 05:13 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (42)
الحلقة (453)
تفسير سورة المائدة (48)


مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
معشر الأبناء والإخوان المستمعين والمؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل إن شاء الرحمن لنا ذلك؛ رجاء أن نظفر ونفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، وإن كنا قد درسنا بعضها فيما سبق، إليكم تلاوتها فتدبروا معانيها، وتذكروا ما سبق أن علمتم وما تعلمون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:90-93].
هذا نداء من نداءات الرحمن لأهل الإيمان، وتضمن أحكام خلاصة ما نقوله قبل أن نشرع في شرح الآيات في الكتاب، فقد علمنا أن الله ما نادانا بعنوان الإيمان إلا لأننا أحياء، نسمع ونبصر، ونقدر على أن نفعل ونترك، وعلة ذلك وسره الإيمان الحق، الإيمان الصحيح بمثابة الروح، فمن عدم الإيمان كمن عدم الروح، ومن فقد روحه هل يسمع إذا ناديته، هل يفهم إذا فهمته؟ هل يطيعك فيأخذ أو يعطي؟
نادانا تعالى بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:90]، ليعلمنا وليأمرنا وينهانا، فقال: ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ )[المائدة:90]، فيها سخط الله عز وجل، هذه الأربعة نجس وسخط لله.
تعريف الخمر والميسر والحث على اجتنابهما
والخمر: كل ما خامر العقل وغطاه وستره فأصبح صاحبه يهذي ويقول ما لا يعرف، سواء كانت من التمر أو الزبيب أو العنب أو غير ذلك، كل ما خامر العقل وغطاه وستره فأصبح المرء يقول ما لا يعلم هذا هو الخمر، ولا عبرة بمادة اشتقاقها، فالتمر والعنب من أطيب الفواكه، لكن لما يستعملونهما للخمر يصبحان خمراً.وأما الميسر: فكل الألعاب التي يتعاطاها الناس في الشرق والغرب في المقاهي والملاهي، على اختلاف أسمائها وأنواعها، هي ميسر، وسمي ميسراً من اليسر؛ لأن اللاعبين لا يتكلفون جهداً ولا طاقة، وقد يربح أحدهم الآلاف وهو جالس؛ فلهذا سموه بالميسر، ولنعلم أن الذين يقولون: ما دمنا لا نعلب على مال وإنما للتسلية وقتل الوقت وما إلى ذلك؛ هذا الكلام باطل، فالميسر وأنواع اللعب -سواء كانت بالمال أو كانت بغيره- محرمة بهذه الآية الكريمة، وحاشاه تعالى أن يأذن لعباده في اللعب، وما خلقهم ليلعبوا، أما قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات:56]، فهل يعبد الله باللعب؟
فالميسر قل ما شئت مما يلعب به الناس، في المدينة يسمونه: الكيرم، في المغرب يسمونه: الديمنو أو كذا.. وكلها ألعاب محرمة، والتحريم تسمعونه عندما تقرءون: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ )[المائدة:91]، ومن يدعي أنه في حاجة إلى ترويح نفسه فيرقص ويسرح ويدعي فهذا كله كلام باطل، اقرأ كتاب الله، اذكر الله والدار الآخرة، قف على الموتى في مقابرهم تعد إليك روحك وحياتك، جالس الطالحين وتذاكر معهم، أما هذه التي يزعمون أنها تنفس عن الروح؛ فهي -والله- خطأ وكذب وباطل، ولا تزيدهم إلا كروباً وهموماً.
قال تعالى: ( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )[المائدة:90]، هو الذي يزين ويحسن ويدفع المرء إلى أن يعمل هذا الباطل، ( فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، ما معنى: اجتنبوه؟ ابتعدوا عنه جانباً لا تقبلوا عليه ولا تستقبلوه؛ رجاء أن تفلحوا، وما الفلاح؟ هو الفوز، أفلح: فاز، والفوز بينه تعالى بقوله: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )[آل عمران:185]، فالفوز إذا سمعته في كتاب الله فمعناه: النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار، هذا هو الفوز، هذا هو الفلاح.
حرص الشيطان على إيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين
ثم قال تعالى وقوله الحق: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ )[المائدة:91]، والعداوة بين المسلمين محرمة، لا تحل أبداً، من هجر أخاه فوق ثلاث ليال تعرض لغضب الله، والبغضاء: من البغض، فالمؤمنون كأنهم جسم واحد، لا عداوة ولا بغضاء؛ لأنهم حملوا راية لا إله إلا الله، فإذا تنازعوا واختلفوا وتباغضوا سقطت من أيديهم، والواقع شاهد، ما نحتاج إلى برهان، فكل ما من شأنه أن يوجد عداوة وبغضاء بين مؤمن ومؤمن حرام مطلقاً، إذ العداوة بين أولياء الله لا تصح أبداً، وكذلك البغضاء بين أولياء الله، هل ولي الله يبغض ولي الله؟! كيف يكون هذا؟!فالشيطان بتزيينه هذه المحرمات الأربعة يريد منا -والعياذ بالله تعالى- أن يشيع بيننا العداوة والبغضاء، فأين يوجد ذلك؟ قال: في الخمر والميسر، وجد إبليس فرصة لإثارة العداوة والبغضاء بين المؤمنين في تزيينه لهم الخمر والميسر، فالذي يشرب الخمر قد يسب أمه وأباه، قد يقتل، قد يفعل الفاحشة، وصاحب الميسر يغضب ويسخط ويعادي، وكم مرة يتضاربون على اللعب ويبغض بعضهم بعضاً، والله عز وجل لا يريد لأوليائه أن يتعادوا أو يتباغضوا، الشيطان عدو الله يريد ذلك، فالله برحمته ولطفه وإحسانه إلينا حذرنا من هذا الذي يوجد فتنة لنا، فلننته، لا نلعب ميسراً ولا نشرب خمراً ولا مسكراً.
سعي الشيطان في صد المؤمنين عن الذكر والصلاة
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ )[المائدة:91]، أسألكم بالله: هل رأيتم حلقة يلعبون ويذكرون الله: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله، وهم يلعبون؟ لا يذكرون الله قط، فيقضون الساعتين والثلاث لا يذكرون الله بينهم، أية مصيبة أكبر من هذه؟ (وَعَنِ الصَّلاةِ )[المائدة:91]، الذين جلسوا على هذا اللعب هل يصلون إذا دقت الساعة أو نادى المنادي؟ لو دعاه أبوه أو أمه ما يترك الحلقة التي يلعب فيها، وخاصة إذا كانوا بالمال.
إذاً: بشع الله تعالى وقبح لنا هذه الأربع، فيجب أن نمتثل أمر ربنا، وألا يرانا الله عز وجل نتعاطى أو نعمل شيئاً من هذه المحرمات، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ )[المائدة:90-91]، حتى لا تذكروا الله، ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، انتهينا يا ربنا، قالها عمر بأعلى صوته لما نزلت؛ لأنه رضي الله عنه كان يتململ ما استراح، والآيات تنزل، فأول آية نزلت في سورة النحل: ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ([النحل:67]، هذه معلنة إباحة الخمر، ) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا )[النحل:67]، ذكر تعالى هذا ليبين لهم نعمه عليهم؛ ليعبدوه ويشكروه، ثم جاءت آية البقرة المدنية فنزل فيها: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )[البقرة:219]، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم الخمر والميسر، ( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )[البقرة:219]، فانكمش كثيرون من المؤمنين والمؤمنات لهذا الخبر، لكن ليس صريحاً في التحريم والمنع.
وفي يوم من الأيام اجتمع جماعة على ضيافة وسقوا الخمر، فحضرت الصلاة فقام أحدهم يصلي فأخذ يقول الباطل في صلاته؛ لأنه سكران، وحصل حتى الضرب بينهم والمقاتلة، ومن ثم نزلت هذه الآية الناهية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )[النساء:43]، فأصبحوا لا يشربونها إلا بعد صلاة العشاء أو بعد صلاة الصبح إلى قبل الظهر، وأما بعد الظهر والعصر والمغرب فلا؛ لأن الصلاة قريبة، فتململ المؤمنون وعلى رأسهم عمر ، فكان يقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت هذه الآية، فقال: انتهينا يا ربنا.. انتهينا يا ربنا.
تعريف الأنصاب والأزلام وبيان تحريمهما
وأجمع المسلمون على تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، أتدرون ما الأنصاب؟ جمع نصب: ما ينصب من حجر أو صنم ليعبد ويقدس ويتبرك به، هذه هي الأنصاب، ويسميها المعاصرون التذكارات، النصب يسمونه: التذكار، فيجعلون للرجل صورة من حديد أو خشب لأجل الذكرى، هذه الأنصاب لا يحل صنعها، ولا يحل بيعها ولا يحل الرضا بها، ولا يحل السكوت عليها أيضاً وهي بين يديه، والحمد لله فقد نجانا الله من هذه، ولكن لفتنا النظر إلى أنهم يستقدمون أو يستوردون أصناماً، صور بالعاج أو بالساج، فتاة شعرها أصفر وعيناها زرقاوان، بيضاء كالوجه وعلى طول الذراع؛ بحجة لعبة للأطفال، فهذا لا يجوز أبداً، والملائكة لا تدخل هذا المنزل الذي فيه هذه الصورة، وحجتهم -وهم يبحثون عن كل ما يحل لهم ما يريدون- أنه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوجد عرائس على عودين من خشب وعليهما قماش أو كذا، قالوا: هذه أجازها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقول: نعم، ولا تزيد على الشبر، أما هذه الصورة فكأنها تنطق، بل وأصبحوا ينطقونها بالكهرباء أيضاً، ولا إخال أحداً منا يسمع ويبقى هذا في بيته.والأزلام: جمع زلم، عيدان كانوا يتطلعون بها إلى المستقبل، وشاء الله عز وجل أن توجد أزلام غير التي كانت على عهد نزول القرآن، ما يعرف بخط الرمل، اذهب إلى باريس ومر بشوارع فيها العرب تجد أصحاب خط الرمل جالسين على الطريق يطلعونك على ما تخافه أو كذا، وفي النساء امرأة يسمونها الجزانة، ويقال لها: شوافة، وفي بلادي يسمونها الجزانة، هذه يذهب إليها الرجل ويعطيها المال لتطلع على الغيب، إذا أراد أن يتزوج أو يسافر أو يبني أو يهدم ولا يدري الخير فيم يذهب إلى الشوافة أو الجزانة، وتطلعه.
ومن ذلك أيضاً ما يجعلونه بالمسبحة، يخلط حبات المسبحة فإن جاءت بالزوج أو بالفرد يقول: افعل أو لا تفعل، ويوجد غير هذا أيضاً، والكل داخل تحت كلمة: الأزلام؛ لأنه بحث عن غيب غيبه الله، فهو من شر الاعتداء على الله عز وجل، الله يستر الشيء لصالح البشر وأنت تريد أن تكشف عنه، وقلت غير ما مرة من باب الآداب: هل إذا عرفت أن فلاناً يخفي شيئاً في جيبه في حاجة إليه تأتي وتظهر ذلك؟ هذه شر إساءة وأقبحها، فالله عز وجل ستر الغيب لتنتظم الحياة وتصل إلى نهايتها، فكيف -إذاً- تحاول أن تعرف ما غيبه الله، أليست هذه حرباً على الله؟ الله يغيب ويستر وأنت تريد أن تكشف وتظهر؟! أيجوز لعبد الله أن يفعل هذا؟!
قال تعالى: ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90]، وبين تعالى لنا فقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ )[المائدة:91]، ماذا بقي لنا؟ إذا صرفنا عن ذكر الله فأصبحنا لا نذكره، وعن الصلاة فأضعناها وأهملناها؛ فما بعد هذا الإثم إثم.
وقوله تعالى: ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )[المائدة:91]، انتهينا يا ربنا.

يتبع



الساعة الآن : 02:51 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 878.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 876.30 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.20%)]