ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (844)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 405الى صــــ 409)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2) وإن لك لأجرا غير ممنون (3) وإنك لعلى خلق عظيم (4)فستبصر ويبصرون (5) بأيكم المفتون (6) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (7)

شرح الكلمات:
ن: هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون.
والقلم وما يسطرون: أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون.
ما أنت بنعمة ربك: أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
بمجنون: أي بذي جنون كما يزعم المشركون.
غير ممنون: أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
بأيكم المفتون: أي بأيكم الجنون.
معنى الآيات:
قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف1المقطعة نحو ق، ص، وحم الله أعلم بمراده به وقوله تعالى {والقلم وما يسطرون} أي2 والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم3 عليه قوله {ما أنت بنعمة4 ربك بمجنون} تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمدا مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للأيمان، وقوله تعالى {وإن لك لأجرا غير ممنون} هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صلى الله عليه وسلم أجرا غير مقطوع أبدا بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها
وقوله {وإنك لعلى خلق عظيم} 5 هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدبا وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله تعالى {فستبصر6 ويبصرون بأيكم المفتون} أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم7 المفتون أي المجنون أنت -وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى {إن8 ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} في هذا الخبر تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ليصبر على دعوة الله وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون الله أعلم من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-تقرير مسألة أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
2-بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
3-تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
4-بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.
__________

1 روى عن بعض السلف أن: نون هي الدواة، وكونه أحد الحروف المقطعة أولى لنظائره من ص، وق ويس، وطس. وفي إدغام النون في واو القلم قراءتان سبعيتان الفك والإدغام.
2 جائز أن يكون ما موصولة. أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم.
3 جواب القسم وهو ثلاثة أشياء الأول نفي الجنون عنه صلى الله عليه وسلم والثاني ثبوت الأجر له صلى الله عليه وسلم والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن.
4 الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم الله عليك من الوحي مجنونا والباء في مجنون زائدة لتقوية النفي وتأكيده.
5 ورد في فضل الخلق أحاديث. " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء". (صحيح) .
6 قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد.
7 بأيكم المفتون، أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه، وله مواقع كثيرة في الكلام فقد يشرب معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام، ومعنى التنويه بكامل. فقوله بأيكم المفتون معناه أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم.
8 الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صلى الله عليه وسلم وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما في التفسير.

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:14 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فلا تطع المكذبين (8) ودوا لو تدهن فيدهنون (9) ولا تطع كل حلاف مهين (10) هماز مشاء بنميم (11) مناع للخير معتد أثيم (12) عتل بعد ذلك زنيم (13) أن كان ذا مال وبنين (14) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (15) سنسمه على الخرطوم (16)
شرح الكلمات:
ودوا لو تدهن: أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن لا تذكر آلهتهم بسوء.
فيدهنون: فيلينون لك ولا يغلظون لك في القول.
كل حلاف مهين: أي كثير الحلف بالباطل حقير.
هماز مشاء بنميم: أي عياب مغتاب.
معتد أثيم: أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والآثام.
عتل بعد ذلك زنيم: أي غليظ جاف. زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة.
قال أساطير الأولين: أي ما روته الأولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني.
سنسمه على الخرطوم: أي سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
معنى الآيات:
قوله تعالى {فلا تطع المكذبين} 1 أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فلا تطع
هؤلاء الضالين المكذبين بالله ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله {ودوا لو تدهن2 فيدهنون} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السب والشتم. وقوله تعالى {ولا تطع كل حلاف مهين} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن طاعة أفراد شريرين لا خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال: {ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل {مهين3} أي حقير. {هماز} عياب {مشاء بنميم} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه الإفساد {مناع للخير} أي يبخل بالمال أشد البخل {معتد أثيم} أي ظالم للناس معتد على أموالهم وأنفسهم {أثيم} كثير الإثم لغشيانه المحرمات وقوله {عتل بعد ذلك4 زنيم} أي غليظ الطبع جاف لا أدب معه. {زنيم} أي دعي في قريش وليس منهم. وقوله تعالى {أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} أي لأجل أن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب بآيات الله فإذا تليت عليه وسمعها قال أساطير الأولين ردا لها ووصفوها بأنها أسطورة أي أكذوبة مسطرة ومكتوبة من أساطير الأولين من الأمم الماضية. قال تعالى {سنسمه على الخرطوم} أي نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو وسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الاعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر.
2-التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} .
3- التنديد بالمكذبين بآيات الله تعالى أو تفصيلا. والعياذ بالله تعالى.
__________

1 التاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله. وعليه فلا تطع المكذبين الخ نهى صلى الله عليه وسلم عن طاعة المشركين في أي شيء يريدونه منه مما هو رضاء بالشرك وسكوت عنه ممالأة لهم وسكوتا عن باطلهم مقابل ترك أذاهم له.
2 ودوا لو تدهن هذا بيان لما نهى عنه من طاعتهم، وفعل تدهن مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة وهو مأخوذ من دهن الشيء بالدهان ليلينه ويرق، والمداهنة محرمة والمداراة جائزة والفرق بينهما أن المداهن يتنازل من شيء من دينه ليحفظ شيئا من دنياه، والمداري عكسه يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من دينه.
3 المهين: الوضيع لإكثاره من القبيح، وتفسيره بالحقير صالح وكذا الفاجر العاجز.
4 العتل: الجافي الشديد، ومنه أخذ العتال الذي يجر الناس ويدفعهم بعنف ليدخلهم في السجن ونحوه. ومنه قوله تعالى {خذوه فاعتلوه.}



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (845)

سورة القلم
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 410الى صــــ 416)

إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (22) فانطلقوا وهم يتخافتون (23) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قادرين (25) فلما رأوها قالوا إنا لضالون (26) بل نحن محرومون (27) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون (28) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين (29) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (30) قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين (31) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون (32) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (33)

شرح الكلمات:
إنا بلوناهم: أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم الله عليهم بل كفروا بها بتكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق.
ليصرمنها 1: أي ليجدنها أي يقطعون ثمارها صباحا.
فطاف عليهم طائف من: أي نار فأحرقتها.
ربك وهم نائمون
فأصبحت كالصريم: أي كالليل الأسود الشديد الظلمة والسواد.
على حرثكم: أي غلة جنتكم وقيل فيها حرث لأنهم عملوا فيها.
وهم يتخافتون: أي يتشاورون بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى لا يسمع بهم.
وغدوا على حرد قادرين: أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم المساكين.
إنا لضالون: أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ولا هي هذه.
بل نحن محرومون: أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا على حرمان المساكين منها.
قال أوسطهم: خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا.
لولا تسبحون: أي تسبحون الله وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين.
يتلاومون: أي يلوم بعضهم بعضا تندما وتحسرا.
إنا إلى ربنا راغبون: أي طامعون.
كذلك العذاب: أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى {إنا بلوناهم} يعني كفار قريش أي امتحناهم واختبرناهم بالآلاء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم بالبلاء والنقم أي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة فتابوا ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلاهم فتابوا إليه ورجعوا إلى طاعته فقال {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة2 إذ أقسموا} -حلفوا- {ليصرمنها مصبحين3} أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى لا يعطوهم شيئا. ولا يستثنون أي لم يستثنوا في حلفهم لم يقولوا إلا أن يشاء الله. {فطاف عليها طائف من ربك} يا رسولنا وهو نار أحرقتها {فأصبحت كالصريم} أي الليل المظلم الأسود الشديد السواد. {فتنادوا مصبحين} أي نادى بعضهم بعضا وهم إخوة كثير في أول الصباح قائلين {اغدوا على حرثكم} إن كنتم فعلا جادين في الصرام هذا الصباح. {فانطلقوا} مسرعين {وهم يتخافتون} يتشاورون في صوت خافت حتى لا
يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا4 على {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} كما كانوا يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه الله عليه قال تعالى {وغدوا على حرد قادرين} أي وانطلقوا صباحا على حرد أي5 قصد تام قادرين على أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ولا يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين. قال تعالى {فلما رأوها} محترقة سوداء مظلمة {قالوا} ما هذه جنتنا {إنا لضالون6} عنها بأن أخطئنا الطريق إليها، ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليلا اضربوا عن قولهم الأول وقالوا {بل نحن محرومون} أي منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا لله وأداء لحقه. وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا بما أخبر تعالى عنه في قوله {قال أوسطهم ألم7 أقل لكم لولا تسبحون} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا فقلت لكم هلا يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الاستثناء لأن التسبيح تنزيه لله عن الشرك وسائر النقائص ومنها العجز والاستثناء تنزيه لله عن ذلك لأن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه قدرة كقدرة الله الذي إذا قال أفعل فعل ولا يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات الله تعالى فلذا كان الاستثناء تسبيحا لله وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله.
فلما ذكرهم أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} فنابوا بهذا الاعتراف قال تعالى {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان المساكين وعلى عدم الاستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قالوا يا ويلنا} أي يا هلاكنا احضر {إنا كنا طاغين} أي متجاوزين حدود الله التي حد لنا غفلة منا وجهلا بأنفسنا وبما يعاقب به أمثالنا. وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى الله بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من رحمته فقالوا {عسى8 ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا9 راغبون} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم بسلبها فتابوا
فهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سيقت هذه القصة تذكيرا وتعليما فهلا يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى {كذلك10 العذاب} أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمر الله وعصاه {ولعذاب الآخرة أكبر} من عذاب الدنيا {لو كانوا يعلمون} فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الآخرة فإنه أبدي لا يحول ولا يزول.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء الصابرون على طاعة الله ورسوله عند الضراء.
2- مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر.
3- صلاح الآباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلاح أبيهم الذي كان يتصدق على المساكين من غلة بستانه وعلامة انتفاعهم توبتهم.
4- مشروعية الاستثناء في اليمين وأنه تسبيح لله تعالى, وأن تركه يوقع في الإثم ولذا إذا حنث الحالف لم يستثن تلوثت نفسه بآثم كبير لا يمحى إلا بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه الأنواع صام ثلاثة أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه.
__________

1 الصرم: الجد والقطع، والجز أيضا بالزاي كلها بمعنى القطع والكسر.
2 قيل أن هذه الجنة "البستان" كانت على فراسخ من صنعاء اليمن وكانت بعد رفع عيسى عليه السلام، كانت لرجل مؤمن يؤدي حق الله تعالى فلما مات صارت لأولاده فعزموا على منع الناس ما كان والدهم يعطيه لمن يحضر الجداد من فقراء ومسامين فعاقبهم الله فاحترقت وفي الآيات بيان بذلك.
3 في الآية أدب سام وهو أن من كان له من الزرع أو التمر ما يجد، ينبغي أن لا يجده ليلا حتى لا يحرم الفقراء من الآكل منه وأن عليه أن بمنح من يحضر الجداد والقطع شيئا يسيرا من زرعه أو ثمره، وآية سورة النساء ظاهرة في هذا وهي قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) إلى قوله (فارزقوهم منه) الآية.
4 في الآية دليل على أن العزم الأكيد يؤاخذ عليه العبد لأن أصحاب الجنة عزموا على أن يحرموا الفقراء فعاقبهم الله على عزمهم.
5 الحرد: يطلق على المنع وعلى القصد القوي وعلى السرعة والغضب أيضا وجملة وغدوا إلخ حالية.
6 لا داعي إلى تفسير لضالون بالضلال الذي هو خروج عن طاعة الله تعالى بل المراد من الضلال هو عدم اهتدائهم إلى جنتهم بأن ضلوا طريقها.
7 الاستفهام تقريري، ولولا للتحضيض.
8 قيل أنهم تعاقدوا وقالوا إن بدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما يصنع أبونا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله ما هو خير منها، سئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل لقد كلفتني تعبا‍‍‍!
9 قرأ نافع أن يبدلنا بتشديد الدال، وقرأ حفص بالتخفيف من أبدل يبدل الرباعي.
10 قيل إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله تعالى لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أي كفعلنا نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:15 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم (34) أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (38) أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذلك زعيم (40) أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين (41) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون (43)
شرح الكلمات:
إن للمتقين1: أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحدوه فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي.
عند ربهم جنات النعيم: أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل.
أفنجعل المسلمين كالمجرمين: أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين في العطاء والفضل والجواب لا، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
أم لكم كتاب فيه تدرسون: أي تقرأون فعلمتم بواسطته ما تدعون.
إن لكم فيه لما تخيرون: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
أم لكم أيمان علينا بالغة: أي ألكم عهود منا موثقة بالأيمان لا نخرج منها ولا نتحلل إلى يوم القيامة.
إن لكم لما تحكمون: أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم كما تشاءون.
سلهم بذلك أيهم زعيم: أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون.
أم لهم شركاء: أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه وحكموا به لأنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة.
يوم يكشف عن ساق: أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
وقد كانوا يدعون إلى السجود: أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهم سالمون من أية علة ولا يصلون
وهم سالمون حتى لا يسجدوا تكبرا وتعظيما.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إن 2للمتقين3} الآيات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} أي جنات كلها نعيم لاشيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى {أفنجعل4 المسلمين} الذين أسلموا لله وجوههم وأطاعوه بكل جوارحهم {كالمجرمين} الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة، فنسوي بينهما وثانيها قوله:
ما لكم؟ أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف تحكمون أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله {أم لكم كتاب فيه تدرسون} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به لأنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون إن لكم فيه لما تخيرون أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا. لا وخامسها قوله {أم لكم5 أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان لا نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سلهم أيهم6 بذلك زعيم} أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله {أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك. بهذه الاستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في
في تصحيح دعواهم الباطلة عقلا وشرعا. وقوله تعالى {7يوم يكشف عن ساق} 8 أي اذكر لهم يا رسولنا مبينا واقع الأمر يوم القيامة، ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم يعظهم الهول ويشتد الكرب، ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن ومؤمنة ساجدا ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فلا يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقا واحدا أي عظما واحدا فلا يقدر على السجود وذلك علامة شقائه المترتب على نفاقه في الدنيا. ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيمانا واحتسابا ممن كان يسجد نفاقا ورياء فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح عظما واحدا خاشعة أبصارهم لا تطرف من شدة الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم سالمون معافون في أبدانهم ولا يسجدون تكبرا وكفرا بالله ربهم وبشرعه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير أن المجرمين لا يساوون المؤمنين يوم القيامة إذ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فمن زعم أنه يعطى ما يعطاه المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في قوله.
2-بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى إلى السجود لله فلا يسجد أي إلى الصلاة فلا يصلي تكبرا وكفرا.
__________

1 المتقون هم الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وعبدوه وحده فأطاعوه وأطاعوا رسوله فلم يشركوا ولم يفسقوا.
2 إن للمتقين استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟ فأجيب: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم: واللام لام الاستحقاق، وإضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من شوك ونحوه.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: قالت كفار مكة إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون فنزلت: أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟
4 الهمزة للاستفهام الإنكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع والتوبيخ00 وكذا سائر الاستفهامات في هذه الآيات.
5 أم لكم للإضراب الانتقالي من دليل إلى آخر والاستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب والتقريع.
6 الاستفهام هنا مستعمل للتهكم.
7 جائز أن يكون يوم يكشف متعلق بقوله فليأتوا بشركائهم ويكون من باب حسن التخلص من الرد على المشركين إلى ذكر أهوال بوم القيامة.
8 لولا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: إذ يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يكشف ربنا عن ساقه فبسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا". لقلنا في الآية أنها كناية عن أهوال يوم القيامة ولكن مع صحة الحديث فالآية دالة على أهوال يوم القيامة ومثبتة صفة ذات الرب تبارك وتعالى عن صفات المحدثين.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:16 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (846)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 416الى صــــ 421)

فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (44) وأملي لهم إن كيدي متين (45) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51) وما هو إلا ذكر للعالمين (52)

شرح الكلمات:
ذرني ومن يكذب: أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
بهذا الحديث: أي بالقرآن الكريم.
سنستدرجهم: أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
وأملي لهم: أي وأمهلهم.
إن كيدي متين: أي شديد قوي لا يطاق.
فهم من مغرم مثقلون: أي فهم مما يعطونكه مكلفون حملا ثقيلا.
أم عندهم الغيب: أي اللوح المحفوظ.
فهم يكتبون: أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
ولاتكن كصاحب الحوت: أي يونس في الضجر والعجلة.
وهو مكظوم: أي مملوء غما.
بالعراء: أي الأرض الفضاء.
وهو مذموم: لكن لما تاب نبذ وهو غير مذموم.
فاجتباه ربه: أي اصطفاه.
ليزلقونك بأبصارهم: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
وما هو إلا ذكر: أي محمد صلى الله عليه وسلم.
للعالمين: أي الأنس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون.
معنى الآيات:
بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله {فذرني1} أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم، والمراد من الحديث القرآن الكريم2 {سنستدرجهم} أي نستنزلهم درجة درجة {من حيث لا يعلمون} حتى ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى {وأملي لهم إن كيدي3 متين} أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق، وقوله تعالى {أم4 تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك.
أم عندهم5 الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون6 منه ما هم يقولون به ويقرونه والجواب لا إذا فأصبر يا رسولنا لحكم 7 ربك فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس بن متى أي في الضجر وعدم الصبر. إذ نادى وهو8 مكظوم أي مملوء غما فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب الله عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربه أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
وقوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أي وإن يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم {لما سمعوا الذكر} أي القرآن نقرأه عليهم. ويقولون إنه لمجنون حسدا لك، وصرفا للناس عنك، وما هو9 أي محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر للعالمين أي يذكر به الله تعالى الإنس والجن فليس هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- رد الأمور إلى الله إذا استعصى حلها فالله كفيل بذلك.
2-لا يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة.
3- وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذى يصيب الداعي.
4- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالمجنون والسحر والكذب.
__________

1 الفاء للتفريع والترتيب فما بعدها متفرع عما قبلها مترتب عليه.
2 وجائز أن يكون المراد من الحديث الإخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الأخبار عن الله وعن الأمم والجنة والنار.
3 وأملي مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من الملا مقصورا وهو الحين والوقت ومنه الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمن.
4 أم بمعنى بل للإضراب الانتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر.
5 إضراب آخر كالأول وفي الكلام حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى {أعنده علم الغيب فهو يرى} من سورة النجم.
6 الفاء للتفريع.
7 المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والاضطلاع بأعباء الرسالة.
8 المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل.
9 جائز أن يكون الضمير وما هو عائد إلى القرآن وما القرآن إلا ذكر للعالمين الإنس والجن أي ليس هو بكلام مجنون، وجائز أن يكون الضمير عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قالوا فيه إنه مجنون ويكون الذكر بمعنى التذكير بالله والجزاء إذ هذا من فعله صلى الله عليه وسلم.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:16 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة (1) ما الحاقة (2) وما أدراك ما الحاقة (3) كذبت ثمود وعاد بالقارعة (4) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية (5) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية (7) فهل ترى لهم من باقية (8) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة (9) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية (10) إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية (11) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية (12)

شرح الكلمات:
الحاقة1: أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة.
بالقارعة: أم بالقيامة لأنها تقرع القلوب بالخوف والهول.
فأهلكوا بالطاغية: أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضا.
بريح صرصر عاتية: أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب.
حسوما: أي متتابعات الهبوب فلا فاصل كتتابع الكي القاطع للداء.
كأنهم أعجاز نخل خاوية: أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء.
والمؤتفكات بالخاطئة: أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلات ذات الخطأ.
أخذة رابية: أي زائدة في الشدة على غيرها.
لما طغا الماء: أي علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها.
حملناكم في الجارية: أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين.
وتعيها أذن واعية: أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمع.
معنى الآيات:
قوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} 2 أي أي شيء هي3؟ وما أدراك4 ما الحاقة أي أي شيء أعلمك بها، والمراد بها القيامة لأنها حاقة المجيء لا محالة. وقوله تعالى {كذبت ثمود وعاد5 بالقارعة} أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة. فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث والجزاء. فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم
فأخذتهم صيحة طاغية6، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت على خزانها في الهبوب. سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام 7حسوما أي متتابعات بلا انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع. وقوله تعالى فترى أيها الرسول القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أي فترى القوم في تلك الليالي والأيام صرعى ساقطين على الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء فهل ترى لهم من باقية أي من نسلهم لا شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون، وقوله تعالى {وجاء فرعون ومن قبله} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات8 بالخاطئة أي بالأفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي وبينها بقوله تعالى بقوله {فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} أي زائدة في الشدة على غيرها وقوله تعالى {إنا لما طغا الماء} أي ماء الطوفان الذي أهلك الله به قوم نوح حملناكم في الجارية أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلام وقوله لنجعلها لكم9 تذكرة أي لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة لا تنسى ما هو حق وخير من المعاني.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان أن كلا من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم الله به.
3-بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي والأخروي.
4-التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة.
__________

1 هي أسم للسورة روى أحمد أن عمر رضي الله عنه قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر (أي في خاطري) فقرأ {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} قلت: في خاطري كاهن, فقرأ {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة فوقع في قلبي كل موقع. وسماها بعضهم (السلسلة) وبعضهم (الداعية) .
2 الحاقة أسم فاعل من حق الشيء فهو حاق إذا ثبت وقوعه، والظاهر أنها لموصوف محذوف أي الساعة الحاقة أو الواقعة الحاقة، وما في التفسير واضح وأولى.
3 ما اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم والمعنى الحاقة أمر عظيم لا يدرك كنهه والحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وجملة وما أدراك ما الحاقة معترضة بين جملة الحاقة وكذبت ثمود.
4 روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة. كل ما ورد في القرآن بلفظ وما أدراك بصيغة الماضي فقد أدراه أي أعلمه به، وكل ما ورد بصيغة المضارع وما يدريك فقد طوي عنه ولم يعلمه به فالأول (وما أدراك ماهية نار حامية) (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) والثاني (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) ....
5 كذبت ثمود كلام مستأنف بين فيه من كذبوا بالحاقة وهي الفارقة وسميت بالقارعة من قولهم (قوارع الدهر) أي أهواله وشدائده فهي تقرع القلوب.
6 هي أشبه بصيحة النفخ في الصور وثمود هم قوم صالح ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز وتعرف اليوم بمدائن صالح على أميال من مدينة العلا اليوم. وأما عاد فمنازلهم كانت بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت باليمن وأهلكوا بريح صرصر.
7 قيل بدأ من صباح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال وكانت في آخر الشتاء.
8 أي المتقلبات من ائتفك الشيء إذ قلب قراهم الخمسة منع وصعر وعمر ودوما وسدوم وهي القرية العظمى قلبها الملك فجعل عاليها سافلها.
9 وجائز أن يكون الضمير في ليجعلها عائد إلى العملية عملية إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين تذكرة وموعظة.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (847)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 421الى صــــ 424)

فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة (13) وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14) فيومئذ وقعت الواقعة (15) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية (16) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (17) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18)
شرح الكلمات:
نفخة واحدة: أي النفخة الأولى.
حملت الأرض والجبال: أي رفعت من أماكنها.
فدكتا دكة واحدة: أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيلا.
وقعت الواقعة: أي قامت القيامة.
فهي يومئذ واهية: أي مسترخية ضعيفة القوة.
على أرجائها: أي على أطرافها وحافاتها.
ثمانية: أي من الملائكة وهم حملة العرش الأربعة وزيد عليهم أربعة.
لا تخفى منكم خافية: أي لا تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الدافع إلى فعل الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى {فإذا نفخ في الصور1} أي نفخ اسرافيل في الصور الذي هو البوق أو القرن النفخة الأولى وهو المراد بقوله {نفخة واحدة} ، وقوله تعالى {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا، {فيومئذ وقعت الواقعة} أي قامت القيامة {وانشقت السماء} أي انفطرت وتمزقت {فهي يومئذ واهية} ضعيفة مسترخية. {والملك2على أرجائها} أي على أطرافها وحافاتها، {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} أي ثمانية3 من الملائكة أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية قال تعالى {يومئذ تعرضون4 لا تخفى منكم خافية} أي سريرة مما كنتم تسرون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2-بيان كيفية الانقلاب الكوني لنهاية الحياة الأولى وبداية الحياة الثانية.
3-تقرير العرض على الله عز وجل للحساب ثم الجزاء.
__________

1 الفاء تفريعية لتفريع ما بعدها من تفصيل أحوال الدار الآخرة على ما تقدم من ذكر الحاقة أي القيامة والمكذبين بها وما نالهم من عذاب في الدنيا.
2 الملك اسم جنس المراد به أعداد هائلة من الملائكة.
3 قيل هم ثمانية صفوف، وقيل ثمانية أعشار أي نحو ثمانين من عدد الملائكة. وما في التفسير هو الراجح الصحيح.
4 أصل العرض إمرار الشيء على من يريد التأمل فيه كعرض السلعة على المشتري وكاستعراض الجيوش اليوم والمراد بالعرض الحساب والجزاء.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:17 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية (24)
شرح الكلمات:
هاؤم: أي خذوا
إني ظننت: أي علمت.
راضية: أي يرضى بها صاحبها.
قطوفها دانية: أي ما يقتطف ويجنى من الثمار.
بما أسلفتم: أي بما قدمتم.
في الأيام الخالية: أي الماضية.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى 1 {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول 2هاؤم اقرأوا كتابيه3} أي إنه بعد مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل
القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأوه إنه مشرق كله ما فيه سواد السيئات، ويعلل لسلامة كتابه4 من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملاق حسابيه لا محالة فلذا لم أقارف السيئات وإن قدر على شيء فقارفته جهلا فأني تبت منه فورا فانمحى أثره من نفسي فلم يكتب علي قال تعالى مخبرا عن آثار نجاحه في سلامة كتابه من السيئات فهو في عيشة راضية. أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنة عالية قطوفها5 أي جناحها وما يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكئ على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من طعام الجنة وشرابها هنيئا ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول {بما أسلفتم} أي قدمتم لأنفسكم {في الأيام الخالية} أي أيام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر ناهين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء أي الإيمان باليوم الآخر.
2- آثار الإيمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات. وقد علل لذلك بقوله إني ظننت أني ملاق حسابي فلذا لم أعص ربي.
3-إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الآخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة خيرا أو شرا.
__________

1 الفاء لتفصيل ما أجمل فيما تقدمها من الكلام، وفي الكلام إيجاز بالحذف تقديره فيؤتى كل آخذ كتاب أعماله فأما من أوتي كتابه.... الخ والباء للمصاحبة في يمينه وفي إعطاء الكتاب باليمين كرامة وتبشير لصاحبه كقول الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
2 هاؤم هذا اللفظ وركب من ها ممدود أو مقصور مبني على الفتح ومعناه تعالوا أو خذوا كما في الرباء ها وهاء أي خذ. يقال ها يا رجل اقرأ وللإثنين هاؤما يا رجلان وهاؤم يا رجال. وللمرأة هاء بكسر الهمزة وهاؤما للاثنتين وهاؤمن لجمع الإناث والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف.
3 قيل نزلت هذه الآية فأما من أوتي كتابه بيمينه الخ.... في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي والآية التالية لها وأما من أوتي كتابه بشماله نزلت في أخيه الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والمعنى عام في كل سعيد وشقي.
4 كتابيه الهاء فيه وفي الأتي بعده هي هاء السكت عند الوقف إلا أنها أبقيت في الوصل والوقف مراعاة للسجع ولعلها تحكي صوت صاحبها يوم القيامة زيادة في التقرير والتوكيد حتى لهجة أحدهم محفوظة لم تتغير.
5 القطوف جمع قطف بكسر القاف وسكون الكاف.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:18 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التغابن
الحلقة (848)

سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 425الى صــــ 428)

وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) ياليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم هاهنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37)
شرح الكلمات:
يا ليتني لم أوت كتابية: أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات.
كانت القاضية: أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى لا أبعث.
هلك عني سلطانية: أي قوتي وحجتي.
خذوه: أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر.
فغلوه: أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل.
ثم الجحيم صلوه: أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية.
حميم: أي من قريب ينفعه أو صديق.
إلا من غسلين: أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لأكلهم شجر الغسلين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر الذي أوتي كتابه1بيمينه وما له من كرامة عند ربه وفي هذه الآيات ذكر الذي أوتي كتابه بشماله وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى {وأما من أوتي كتابه} 2 أي في عرصات القيامة فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات {يا ليتني لم أوت كتابيه} يتمنى لو أنه لم يعط كتابه ولم يدر3 ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى لا يبعث، ثم يواصل تحسره وتحزنه قائلا {ما أغنى عني ماليه} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه وحسابيه وفي ماليه وسلطانيه يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله {هلك عني سلطانيه} أي ذهبت عني حججي4 فلم أجد ما أحتج به لنفسي قال تعالى للزبانية
{خذوه5 فغلوه} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثم الجحيم صلوه6} أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي، {ثم في سلسلة} طويلة {ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إلا انه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد قرابة مائة وخمسين ميلا فإن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لابد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم {فاسلكوه} أي ادخلوه فيهل فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى علة هذا الحكم عليه فقال {إنه كان} أي في الدنيا {لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين7} فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بالله ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال {فليس له اليوم هاهنا} أي في جهنم {حميم8} أي صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {ولا طعام إلا من غسلين9} أي وليس له طعام يأكله إلا من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإنهم عندما يأكلون شجر الغسلين يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ما في بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين الذي لا يأكله إلا الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها.
2-المال الذي باع المفلسون فيه الأمة والملة لا يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا.
3-التنديد بالكفر بالله وأهله.
4-عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها.
__________

1 تقدم أنه أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجته هي أم المؤمنين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة وإن الشقي هو الأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة.
2 أي بشماله ووراء ظهره وهو كتاب سيئاته من الشرك والمعاصي كبيرها وصغيرها.
3 هذا من عظم ما يشاهد من شدة الحساب وشناعته هذا داخل في حيز متمناتيه، كما هو إشارة إلى أنه كان في الدنيا لا يؤمن بالحساب ولم يدر ما يجري فيه ولذا اصابته الحيرة هنا وألم به الكرب.
4 عن أبن عباس رضي الله عنهما.
5 خذوه مقول قول ذكر في التفسير وغلوه أمر من غله يغله إذا وضع الغل وهو القيد الذي يجعل في عنق الجاني.
6 صلى النار يصلاها إذا أصابه حرها أو استدفأ بها، ويعدى بالتضعييف فيقال صلاه النار وبالهمز أيضا أصلاه يصليه نارا.
7 الطعام بمعنى الإطعام وضع موضعه كوضع العطاء موضع الإعطاء كما في قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عنى
وبعد عطائك المائه الرتاعا
الرتاع الإبل ترتع
8 الحميم هنا الغريب الذي يرق له ويدفع عنه المكروه، وهو مأخوذ من الماء الجار كأنه الصديق الذي يرق ويحترق قلبه له.
9 الغسلين فعلين مأخوذ من الغسل كأنه ينغسل في أبدانهم وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وخروجهم قال الضحاك: الغسلين شجر وهو شر الطعام وأبشعه وهو من أطعمة أهل النار مثل الضريع والزقوم وبناء على ما ذكر أن الغسلين مجموع شجر اسمه الغسلين وما تجمع من صديد أهل النار من دم وعرق ونحوه فصدق عليه لفظ الغسلين وهذا من إعجاز القرآن البلاغي.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 09:18 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) تنزيل من رب العالمين (43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منكم من أحد عنه حاجزين (47) وإنه لتذكرة للمتقين (48) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (49) وإنه لحسرة على الكافرين (50) وإنه لحق اليقين (51) فسبح باسم ربك العظيم (52)
شرح الكلمات:
بما تبصرون وما لا تبصرون: أي بكل مخلوق في الأرض وفي السماء.
انه لقول رسول كريم: أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وما هو بقول كاهن: أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء.
لأخذنا منه باليمين: أي بالقوة أو لأخذنا بيمينه لنقتله.
ثم لقطعنا منه الوتين: أي نياط القلب الذي إذا انقطع مات الإنسان.
حاجزين: أي مانعين وهو خبر ما النافية العاملة عمل ليس وجمع لأن احد يدل على الجمع نحو لا نفرق بين أحد من رسله وبين لا تقع إلا بين اثنين فأكثر.
وإنه لحسرة على الكافرين: أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به.
وإنه لحق اليقين: أي الثابت يقينا أو اليقين الحق.
فسبح باسم ربك العظيم1: أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل سبحان ربي العظيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى فلا أقسم2 بما تبصرون وما لا تبصرون أي فلا3 الأمر كما ترون وتقولون أيها المكذبون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون من المخلوقات في الأرض وفي السماوات إنه أي القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم أي إنه تبليغه وقوله إليكم وما هو بقول شاعر. كما تقولون كذبا قليلا ما تؤمنون4 أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة فلو كان واسعا لاتسع للإيمان بالقرآن إنه كلام الله ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له نظما ومعنى. وما هو بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليلا ما تذكرون أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلام الكهان لملازمته للصدق والحق والهدى ولبعد قائله عن الإثم والكذب بخلاف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الإثم كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من رب العالمين أيها المكذبون الضالون. وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولو تقول5 علينا بعض الأقاويل ونسبها إلينا لأخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات الإنسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى {فما منكم6 من أحد عنه حاجزين} وقوله تعالى {وإنه} أي القرآن {لتذكرة7} أي موعظة عظيمة للمتقين8 الذين يخافون عقاب الله ويخشون نقمه وعذابه وإنا لنعلم أن 9منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة10 على الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلام والمكذبين به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار
البوار. وإنه لحق اليقين11 أي اليقين الحق. بعد هذا التقرير في إثبات الوحي والنبوة أمر تعالى رسوله الذي كذب برسالته المكذبون أمره أن يستعين على الصبر بذكر الله تعالى فقال له {فسبح باسم ربك العظيم} أي قل سبحان ربي العظيم منزها اسمه عن تحريفه وتسمية المحدثات به معظما ربك غاية التعظيم إذ هو العلي العظيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1-لله تعالى أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الرب تعالى.
2-تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
3-وصف الرسول بالكرم وبكرامته على الرب تعالى.
4-عجز الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكذب على الله تعالى وعدم قدرته على ذلك لو أراده ولكن الذي لا يكذب على الناس لا يكذب على الله كما قال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ردا على أبي سفيان لما قال له لم نجرب عليه كذبا قط..
5-مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع أو أكثر.
__________

1 الباء للمصاحبة والزيادة لتقوية الكلام والتقدير سبح اسم ربك والتقدير نزه اسم ربك في أن يسمى به غيره إذ سمى المشركون العزى بدل العزيز واللات بدل الله وجائز أن يكون اسم مقحما والتقدير فسبح ربك أي نزهه عن الشريك والشبيه وعن كل نقص وهو العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
2 الفاء للتفريع لإثبات أن القرآن منزل من عند الله تعالى ونفي ما ادعاه المشركون.
3 هذا بناء على أن لا رد لكلام سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلام أولى من كونها نافية، إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول لا أقسم لأن الأمر لا يحتاج إلى قسم كالمتحرج من الإقسام.
4 جائز أن يكون لفظ قليلا في الموضعين مرادا به انتفاء ذلك كلية لأنه وقع بقلة، وقليلا صفة لموصوف محذوف أي إيمانا قليلا، وتذكرا قليلا، وما مزيدة لتوكيد الكلام كما في قول الشاعر:
قليلا به ما يحمدنك وارث
إذا نال مما كنت تجمع مغنما
5 التقول نسبة قول إلى من لم يقله، والأقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول.
6 من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الآية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه لا يلبث طويلا حتى يأخذه الله تعالى.
7 التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه.
8 خص المتقون لأنهم هم المنتفعون به لاستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في الطاعة.
9 في الكلام إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون.
10 جائز أن يكون الضمير عائدا على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن يكون عائدا على القرآن لأنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من الإيمان وصالح الأعمال.
11 أي القرآن الكريم بلا خلاف.



الساعة الآن : 05:22 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 156.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 155.57 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.32%)]