ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:26 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وعيد الله لبني إسرائيل في نقض ميثاقهم
ثم قال لهم: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة:12]، أخطأ الطريق الموصل إلى السعادة والكمال، بل تاه في متاهة الضياع والخسران، هذا مما أخذ الله على بني إسرائيل، وتوعدهم، ونحن مثلهم أم لا؟ نحن أولى بهذا، اسمع ما أعطانا نحن: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، بماذا؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، هذا لنا أو لبني إسرائيل؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [النور:55] يا أمة محمد، وعدهم بماذا؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ [النور:55]، أي: يجعلهم خلفاء يسودون العالم ويحكمون الناس، وهل فعل أو لم يفعل فعل؟ لقد فعل، فثلاثمائة سنة وراية الإسلام في عنان السماء ولا استطاع الشرق ولا الغرب أن ينال منها منالاً، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، كانوا في المدينة ما يستطيع أحدهم أن يتبول في الليل، وبدل الله الخوف بالأمن، ولكن: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، وقال لبني إسرائيل أيضاً: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة:12].
تفسير قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ...)
ثم قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ [المائدة:13]، نقضوا، فَبِمَا نَقْضِهِمْ [المائدة:13]، و(ما) هذه زائدة لتقوية الكلام، الأصل: فبسبب نقضهم، لكن (ما) هنا تلفت النظر، فَبِمَا نَقْضِهِمْ [المائدة:13]، أي: بنقضهم، ينقضون ماذا؟ العهد والميثاق، فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [المائدة:13]، ماذا فعلنا بهم؟ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13]، ومن لعنه الله هل يسعد، يكمل، يطيب ويطهر؟ لقد أبعده من ساحة الخير كاملة.قال تعالى: لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة:13]، تعرفون قساوة القلب: يذبح طفله، ويشرب دم أبيه وأمه ولا يبالي، وهذا معروف به اليهود، وانتقل إلى غيرهم، والشاهد عندنا: أن القلب القاسي ذاك الذي لا يرق ولا يعطف ولا يرحم، لا يرى إلا حاجته ومصلحته. قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13]، نوع من بيان القساوة، يحرف كلام الله عن موضعه فيضع بدل هذه الكلمة كلمة أخرى؛ ليضلل الناس، فأي قساوة أعظم من هذه؟ لو كان قلبه يرق أو يخاف فلن يقدم على هذا، كلام الله يبدله للمصلحة أو الفائدة! وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] على ألسنة أنبيائهم ورسلهم، حظاً كبيراً. وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ [المائدة:13] يا رسولنا عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة:13]، (خَائِنَةٍ): طائفة خائنة أو خيانة بمعنى واحد، وإلى الآن لو كنا بصراء وسادة نكشف خفاياهم ونعرف خيانات رجالهم ونسائهم، هذا إلى يوم القيامة: وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة:13]، وهذا يذكر بحادثة بني النضير، أما انكشفت سوأتهم وظهرت خيانتهم؟ وبعدها بنو قريظة خانوا وانضموا إلى الأحزاب وأرادوا أن يقاتلوا معهم، وإلى الآن وإلى يوم القيامة، ومع هذا قال له: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ [المائدة:13]، لا تؤاخذهم واصفح عنهم، أعرض عنهم أعطهم صفحة وجهك ولا تلتفت إليهم. فهل هذا منسوخ بالأمر بقتالهم؟ ذلك جائز، وجائز أن يكون كل من يحصلون هذا الفساد ونحن أقوياء وقادرون وحكام وعالمون أنه يصفح عنهم إمامنا وذلك لأن الله يحب المحسنين: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13]، هل قتل الرسول من بني النضير رجلاً واحداً؟ تآمروا على قتله بالفعل واعترفوا وطوقهم برجاله كذا يوماً، وأخيراً قال: اخرجوا، وأذن لهم أن يحملوا أموالهم معهم، حتى الأبواب في المنازل أخذوها، حتى الأخشاب التي لهم حاجة إليها حملوها، هذا امتثال أمر الله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13].
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
مرة ثانية: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، وأخذ الله ميثاقكم أيها المؤمنون، إذاً: فاثبتوا لا تتزعزعوا مهما كانت الظروف والأحوال، لا تخونوا عهدكم مع ربكم، أقيموا الصلاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.قال: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا [المائدة:12]، وسيأتي بيان هذه الحادثة في الآيات الآتية إن شاء الله، وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12]، وهو أيضاً معنا، إلا من يخون، أما إذا خنا العهد ونقضناه فهو بريء منا فلا ينصرنا ولا يؤيدنا وقد فعل، فهل نصر المسلمين على اليهود؟ما نصرهم؛ لأنهم أبوا أن يكون الله معهم، ما أقاموا الصلاة ولا آتوا الزكاة، ولا أمروا بالمعروف ولا نهوا عن منكر، أشاعوا الربا والزنا والباطل والكذب والخيانة، والشرك والخرافة والضلال، هذا هو العالم الإسلامي، وجاء يريد أن يقاتل اليهود! كلما يتحركون تؤدبهم اليهود إلى اليوم، فكيف يتم هذا؟ لأن الله ليس مع المسلمين، ما سبب ذلك؟ أنهم نقضوا العهد، هل أقاموا الصلاة؟ هل جبوا الزكاة؟ هل أمروا بالمعروف؟ هل نهوا عن منكر؟ ما هي إلا هذه البقعة القليلة، وها نحن نهدم بيد فسقنا وفجورنا! لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المائدة:12] الجواب: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [المائدة:12]، وهذا عهد الله لنا أيضاً، ونحن خير منهم، والله لئن أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة، وآمنا برسل الله وعزرناهم ولو بعد موتهم، نعظمهم ونجلهم ونحبهم، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المائدة:12] في مشاريع الخير والهدى لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة:12]، ومعنى هذا: أنه خسر الدنيا والآخرة، طريق السعادة والكمال ضل عنه وما اهتدى إليه. ثم قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة:13] يدل على قساوتها أنهم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13]يحرفون كلام الله، يضعون آية موضع آية تبيح لهم ممنوعاً، أو تحرم عليهم مباحاً، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] هل المسلمون الآن ذاكرون لكتاب الله لأوامره ونواهيه؟ لقد نسوا حظاً كبيراً.قال: وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة:13] وها نحن نشاهد هذا في ديار المسلمين، كل عام تظهر خيانة وفساد وباطل وشر، في كل مكان، وكان ذلك مع اليهود.
تفسير قوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به...)
وكان مع النصارى، حيث قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:14] قالوا: إنا نصارى نسبة إلى النصرانية ملة كاليهودية، وهل هي مشتقة من الناصرة لأن عيسى كان في قرية الناصرة، أو من قول الحواريين: نحن أنصار الله؟ الكل صحيح، النصارى هم عباد المسيح، هم المسيحيون هم الصليبيون.قال تعالى: أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [المائدة:14] كما أخذناه على اليهود فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا [المائدة:14]، الذي أخذنا عليهم العهد والميثاق أن يقوموا به ويعملوا به، ويؤدوه من العقيدة إلى العبادة إلى طاعة الله، نسوا حظاً كبيراً وأعرضوا عنه. فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:14] إذاً: ذاك النسيان ورثهم العداوة والبغضاء، فاختلفوا فتباغضوا وتدابروا، كما أخبر تعالى عنهم فقال: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة:14].
مكر اليهود بالنصارى وتحريفهم دينهم وتلبيسهم عليهم
النصارى -يا معشر المؤمنين والمؤمنات- رجال آمنوا بعيسى عليه السلام، وهم من بني إسرائيل، لما كفر اليهود برسالة عيسى ونبوته، وادعوا أنه ساحر وأنه ابن زنا، وألبوا عليه الأمة بكاملها فتح الله على بعض الناس فآمنوا بعيسى، وسموا بالحواريين وبأنصار الله.واليهود -كما علمتم- حكموا على عيسى بالإعدام وأعدموا من شبهه الله لهم، ثم نزح بعيداً عن بيت المقدس إلى الشمال، وكون جماعة تعبد الله وتوحده، ورفع عيسى وبقيت الجماعة تعبد الله قرابة سبعين سنة فقط بعبادة شرعية كما هي في الإنجيل والتوراة، ثم احتال اليهود عليهم لما شاهدوا رئيس الحكومة الرومانية أسلم ودخل في المسيحية، وأصبحت الدولة تحمل راية التوحيد والإسلام، فـبولس عليه لعائن الله تنصر، وهو من كبار اليهود، وانضم إلى قسطنطين، وأخذ يفسد عليهم في المسيحية، فحولها إلى خرافات وضلالات، وهو الذي أفسدها عليهم، وأصبحت العداوة والبغضاء بينهم؛ لأنهم اختلفوا، هذا يقول كذا وهذا يقول كذا، كما قال تعالى: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة:14]، الإنجيل زادوا فيه ونقصوا منه، وتحول إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً! كل ذلك زيادات أضيفت إلى الإنجيل، وما هناك من يحفظه عن ظهر قلب، وأخيراً لما انفضحوا أمام العالم تجمعوا ووحدوا الإنجيل، وجعلوه خمسة أناجيل، فالعاجز كالقوي، والعليم كالجاهل يقول: كيف يصبح كتاب الله خمسة كتب؟! لا شك أن أربعة كلها كذب وخرافات وضلالات.والشاهد عندنا: في مكر اليهود بهم، وفي أن النصارى نقضوا عهد الله عز وجل، أمروا أن يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يلتفوا حوله، ويرفعوا راية الإسلام، فآثروا الدنيا على الآخرة، والباطل على الحق لشهواتهم وأهوائهم، ونسوا حظاً كبيراً وكثيراً مما ذكروا به في التوراة والإنجيل، وعلى لسان عيسى عليه السلام.كذا يقول تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:14] أيضاً أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [المائدة:14] كما أخذنا من اليهود فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:14]، وإذا نبأهم وأخبرهم بجرائمهم فمعنى ذاك: أنه يجزيهم عليها، وهل ينبئهم لا لشيء فقط؟! بل ينبئهم بجرائمهم وكفرهم وفسادهم ليجزيهم به ويؤاخذهم عليه: بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:14].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
على كل حال نسمعكم الآيات مرة أخرى من التفسير في هذه الصفحة؛ لتزدادوا إن شاء الله معرفة.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيتين: ما زال السياق الكريم في بيان خبث اليهود وغدرهم، فقد أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أن اليهود الذين أخذ الله ميثاقهم على عهد موسى عليه السلام بأن يعملوا بما في التوراة وأن يقاتلوا الكنعانيين ويخرجوهم من أرض القدس، وبعث منهم اثني عشر نقيباً؛ هؤلاء قد نكثوا عهدهم ونقضوا ميثاقهم، وأنه لذلك لعنهم وجعل قلوبهم قاسية، فهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ [المائدة:13] أي: فبنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة ويطيعوا رسولهم لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13] أي: أبعدناهم من دائرة الرحمة وأفناء الخير والسلام وجعلنا قلوبهم قاسية شديدة غليظة، لا ترق لموعظة، ولا تلين لقبول هدى، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13] فيقدمون ويؤخرون ويحذفون بعض الكلام، ويؤولون معانيه لتوافق أهواءهم، ومن ذلك تأويلهم الآيات الدالة على نبوة كل من عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وذلك في التوراة، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13]، أي: وتركوا كثيراً مما أمروا به من الشرائع والأحكام معرضين عنها ناسين لها كأنهم لم يؤمروا بها، فهل يستغرب -إذاً- ممن كان هذا حالهم الغدر والنقض والخيانة؟ وَلا تَزَالُ [المائدة:13] يا رسولنا تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ [المائدة:13] أي: على طائفة خائنة منهم، كخيانة بني النضير، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة:13] فإنهم لا يخونون، كـعبد الله بن سلام وغيره، وبناء على هذا فَاعْفُ عَنْهُمْ [المائدة:13] فلا تؤاخذهم بالقتل وَاصْفَحْ [المائدة:13] عنهم فلا تتعرض لمكروههم، فأحسن إليهم بذلك إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13]. هذا ما دلت عليه الآية الأولى. أما الآية الثانية في هذا السياق فقد أخبر تعالى عن النصارى وأن حالهم كحال اليهود، لا تختلف كثيراً عنهم، فقد أخذنا ميثاقهم على الإيمان بي وبرسلي وبالعمل بشرعي، فتركوا متناسين كثيراً مما أخذ عليهم من العهد والميثاق فيه، فكان أن أغرينا بينهم العداوة والبغضاء كثمرة لنقضهم الميثاق، فتعصبت كل طائفة لرأيها، فثارت بينهم الخصومات وكثر الجدل، فنشأ عن ذلك العداوات والبغضاء، وستستمر إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله تعالى بما كانوا يصنعون من الباطل والشر والفساد، ويجازيهم به الجزاء الموافق لخبث أرواحهم وسوء أعمالهم، فإن ربك عزيز حكيم ].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (4)
الحلقة (314)

تفسير سورة المائدة (12)


يخاطب الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب من يهود ونصارى بأنه أرسل إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم فكذبوه وجحدوا نبوته وحاربوه، وهو نبي مرسل من عند الله، والدليل على ذلك أنه بين لهم كثيراً مما كانوا يخفون من كتبهم والأحكام التي كانت مسطورة فيها، فهذا النبي الذي كذبوا وجحدوا به جاءهم بالنور المبين من ربه، وعليهم اتباعه إن أرادوا النجاة والفوز في الآخرة.
تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المباركة الميمونة، مع هاتين الآيتين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15-16].
المقصود من نداء اليهود والنصارى بلفظ أهل الكتاب
اسمع هذا النداء نداء الله لهم، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:15]، من هم؟ اليهود والنصارى؛ لأن اليهود أهل كتاب هو التوراة، والنصارى أهل كتاب هو الإنجيل، الأصل التوراة والأصل الإنجيل، لكن التوراة زيد فيها ونقص منها؛ لأن الله ما تولى حفظها كما تولى حفظ القرآن، والإنجيل أصبح خمسة وثلاثين إنجيلاً ثم اجتمعوا على أربعة أناجيل في آخر شيء، لكن في الحقيقة هم أهل كتاب، فالنداء حق: (يا أهل الكتاب)، وفيه معنى الذم، يذمهم، يلومهم، يعتب عليهم، أهل كتاب ويضلون! أهل كتاب ويكفرون! أهل كتاب ويفسقون! أهل كتاب ويعمون وهم أهل النور! ما يناديهم تشريفاً لهم، وإنما ليذمهم، ويذكرهم بهبوطهم وسقوطهم.
بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لكثير مما يخفيه أهل الكتاب
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:15] من هو هذا الرسول الإلهي؟ هذا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الإضافة إضافة عجيبة، إضافة تشريف، إضافة تعظيم، هذا رسول الله، ما قال: قد جاءكم رسول، أو أرسلنا إليكم رسولاً، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:15] المبجل المعظم، وأنتم تؤمنون بنا وتخافوننا، وتطمعون فينا، ويأتيكم رسولنا فتحاربونه وتكذبونه وتكفرون به؟ أين يذهب بعقولكم؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ [المائدة:15] (قد) للتحقيق، وبالفعل جاء، فها هو ذا قبره وهذا مسجده وهذه أمته، ودعاهم ثلاثاً وعشرين سنة. قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:15] الإضافة للتشريف والتعظيم، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ [المائدة:15] مهمته ورسالته التي جاء بها: أنه يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:15].وجاءهم ليدعوهم إلى أن يعبدوا الله عز وجل ويسلموا ويدخلوا الجنة، هذه دعوة عامة، لكن هنا لما تمردوا وطغوا ونقضوا العهود قال لهم: يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:15]، وهذا وحده كاف في أن يكون محمد رسول الله، ويستحيل أن يكون غير رسول الله؛ لأنه أمي عربي عاش أربعين سنة لم يعرف ألفاً ولا باء! ثم يبين خبايا أهل الكتاب وما يسترونه وما يخفونه، فكيف يتم هذا لمن لم يكن يوحى إليه، ورسولاً يرسله الله إلى الأرض؟! يبين لكم كثيراً من الشرائع والأحكام والآداب والعبادات التي تخفونها أنتم، ومن أبرزها أو أمثلها الرجم، لما زنا اليهودي واليهودية أمرهم الرسول أن يرجموهما فقالوا: ما في كتابنا رجم أبداً، فقط نركبه على حمار ونطوف به في الأحياء ونسوده بالفحم أو بكذا، ما عندنا رجم، فقال: هاتوا التوراة. فقرئت في المسجد، فقرأ القارئ ولما انتهى إلى موضع الرجم وضع يده عليها، فقال عبد الله بن سلام : ارفع يدك، وإذا فيها رجم الزانية والزاني. أقول: هذه علامات النبوة الصادقة، فمحمد رسول الله يستحيل أن يكون غير رسول الله، فهو لم يكن يعرف عن اليهودية ولا عن النصرانية ولا عن الإنجيل ولا التوراة شيئاً أبداً، كأبيه وأمه وقومه، فإذا به يبين لهم كثيراً مما يخفون ويجحدونه على البشر، إيثاراً للدنيا والشهوة والمنصب والتكالب على أوساخ الدنيا، جحدوا على إخوانهم وبني عمهم، صرفوهم عن الدخول في الإسلام بهذه الدعاوى، لولا مكر علماء اليهود وعلماء النصارى لكانوا يدخلون في دين الله في يوم واحد، لكن الرؤساء والزعماء والمسئولون هم الذين منعوهم وصرفوهم بما يكذبون عليهم ويبينون لهم غير الحق. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:15] أي: التوراة والإنجيل، فالكتاب للجنس. وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة:15] ويترك كثيراً مما ليس هناك حاجة إلى ذكره وبيانه، وإنما ذكر أشياء فضحهم بها، وأقام الحجة عليهم بأنها في بطون كتبهم، وقد بينها لهم، وأخرى تركها لأنها لا فائدة من ذكرها.
يتبع

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:28 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)
ثانياً: (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ))[المائدة:15]، يا أهل الكتاب! قد جاءكم من الله نور عظيم لا ترون شيئاً في الحياة إلا به، النور لولاه ما رأينا شيئاً، هل العين تبصر في الظلام؟ ما تبصر شيئاً، لا بد من نور الشمس أو نور القمر أو الكوكب أو نور المصباح، هذا النور بدون الإيمان به واتباعه وتعظيمه وإجلاله وحبه وإكباره والله ما ترون ما يسعدكم ولا ينجيكم، بصائركم لا ترى شيئاً إلا على هذا النور، فهل ظهرت هداية اليهود والنصارى بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن؟ هل ظهر فيهم طهر وصفاء ومودة وحب وعز وكرامة؟ ما وقع شيء؛ لأنهم يمشون في الظلام، العهر والفجور والجرائم وأندية اللواط، والتلصص، والإجرام، وقتل البشرية، وتمزيق لحومها، قل ما شئت، أين النور الذي يهتدون عليه، كفروا به ورفضوه وأعرضوا عنه، فكيف يهتدون؟ (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ))[المائدة:15] ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عبد الله! يا أمة الله! والله إن الذي لا يؤمن بمحمد رسولاً ويحبه ويعظمه ويمشي وراءه ما رأى شيئاً، إنه يعيش في الظلام، ولن يهتدي إلى سعادة ولا إلى كمال، إما أن تؤمن به وتحبه وتعظمه، وتسمع له وتمشي وراءه فتهتدي؛ إذ هو نورك بين يديك، وإما أن تعرض عنه وتكفر به ولا تبالي به؛ فوالله ما تخرج من الظلام سواء كنت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو مسلماً، إلا أن المسلم لا يمكن أن يبتعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ ))[المائدة:15] هذا المصدر الذي جاء منه، الله هو الذي أرسله ونبأه وأعده إعداداً خاصاً وهو في أرحام أمهاته وأصلاب آبائه، قد جاء من الله نور وكتاب مبين، الكتاب المبين البين الواضح القرآن، إي والله إنه القرآن، ها نحن- وأكثرنا من العوام- نسمع هذا الكلام، فهل يحصل اضطراب في النفس وغموض؟ (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ))[المائدة:15] أي إنسان لا يفهم هذا الكلام؟(( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ))[المائدة:15] حقاً إن القرآن مبين، بين العقيدة، بين العبادة، بين الأحكام الشرعية، السياسية، المالية، الاقتصادية، الاجتماعية، الآداب، الأخلاق، بين ملكوت السماء وما فيه من كمالات، بين الأرض حتى الذرة، وكل شيء مبين في هذا الكتاب، مبين غاية الإبانة. وأما النور فهو الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ جاء في سورة النساء: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ))[النساء:174]، فالبرهان هو محمد صلى الله عليه وسلم، والنور المبين هو القرآن، وهنا النور المبين محمد، والقرآن هو البرهان، فلا إله إلا الله! محمد برهان على أنه رسول الله، فما دليل ذلك؟ استقامته، عاش ثلاثاً وستين سنة ما كذب كذبة! ما آذى أحداً، ما زاغ في أي ميدان، ما أخطأ خطيئة، قل ما شئت، أكبر من ذلك أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ويحدثك عن الملكوت الأعلى بكل ما فيه، يحدثك عن تاريخ البشرية من آدم إلى يومه، كيف يتم هذا لولا أنه رسول الله؟ أي برهان أعظم من هذا؟ فالكتاب نور والنبي نور، والكتاب برهان والرسول برهان.
تفسير قوله تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ...)
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ [المائدة:15] عظيم وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:15-16] هذا النور يهدي به الله من من الناس؟ من كان عربياً هاشمياً؟ قال: مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:16]، الذي يطلب رضا الله ويرغب فيه، ويحيا لأجله، ويعطي ويمنع من أجله، يحرث ويحصد من أجله، الذي يطلب رضوان الله يهديه الله، إذ هو يحمل الهداية، والذي ما يريد الله ولا يطلبه وما يقرأ القرآن ولا يتبع الرسول كيف سيهتدي؟ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:16] يهديه إلى أين؟ إلى سبل السلام، إلى طرق النجاة والسلام، من اتبع رضوان الله أي: اتبع رسول الله وكتاب الله، وطلب رضا الله عز وجل، فالله تعهد له بأن يهديه سبل السلام، ويخرجه من الظلمات إلى النور، هذه دعوة للبشر عامة، أهل الكتاب وغير أهل الكتاب، هذا وعد الله عز وجل. اسمعوا ما يقول: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة:16]، إن قيل: لم تصلون؟ قلتم: نريد أن يرضى الله عنا، لم لا تكذبون؟ نريد أن يرضى الله عنا، إنه يكره الكذب، لم لا تزنون؟ لم لا تفجرون؟ لأن الله يكره ذلك ويحول دون رضوانه، إذاً: كل العبادات التي نقوم بها طلب لرضاه عنا، لأن من رضي الله عنه أسعده، ومن سخط عليه أشقاه وعذبه، العلة هي الرضا، فرضا الله ينتج الجنة والجوار الكريم في دار السلام. يَهْدِي بِهِ [المائدة:16] أي: بالقرآن والرسول مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [المائدة:16]، الجهل كله ظلمة، وكذلك الكفر، الشرك، الفسق، الظلم، الإجرام، كل هذه ظلمات بعضها فوق بعض، فما هي الواسطة التي نخرج بها من هذه الظلمات؟ القرآن والسنة، الكتاب والسنة، فإذا لم نرجع في قرانا ومدارسنا وجبالنا وسهولنا إلى القرآن والسنة النبوية نتعلم ونعلم ونعمل؛ فوالله لن نفوز ولن نظفر بسبل السلام، إذا عطلنا الآلة التي بها نصل إلى هذا، وهذا واضح في أمة الإسلام في قرون عديدة، أعرضت عن الكتاب والسنة فضلت وهبطت، وسادها الغرب والشرق، وتاهت في متاهات الضلال. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:16]، صراط الذين أنعم عليهم، ألا وهو طاعة الله ورسوله، من أراد الفوز من أراد النجاة فليطع الله ورسول الله عقيدة وعبادة وقضاء وآداباً وأخلاقاً، هذا الذي هو على الصراط المستقيم، ولا ينتهي به إلا إلى دار السلام الجنة.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:30 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (5)
الحلقة (315)

تفسير سورة المائدة (13)

افتراءات أهل الكتاب كثيرة، وادعاءاتهم الباطلة لا تنتهي، فقد ادعى النصارى أن عيسى بن مريم هو الله، ومنهم من ادعى أنه ابن الله، وادعى النصارى مع اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه، وذلك لما دعاهم الرسول إلى عبادة الله وخوفهم من عذابه إن هم كفروا وأعرضوا، وقد أمر الله نبيه أن يقول لهم: إن عيسى عبد الله، ولو شاء الله أن يهلكه فلن يعصمه منه أحد، ويخبرهم أن الله لا يعذب أولياءه وأحباءه، وإنما هم مستحقون لعقابه وعذابه.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة المائدة المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وهي قول ربنا جل ذكره: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:17-19].
هداية الآيات
أذكركم بالآيتين السابقتين قبل الشروع في دارسة هذه الآيات، الآيتان السابقتان هما قول ربنا عز وجل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:13-14].قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [هداية الآيتين: من هداية الآيتين: أولاً: حرمة نقض المواثيق ونكث العهود ]، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة، لا يحل لآدمي أو آدمية أن ينقض عهداً أو أن ينكثه، أما لعن الله بني إسرائيل لنقضهم العهد أم لا؟ سواء كان العهد بينه وبين الله، أو بينه وبين الإنسان، يجب الوفاء بالعهود.[ حرمة نقض المواثيق ونكث العهود، ولا سيما ما كان بين العبد وربه ]، أتعاهد ربك ثم تنقض العهد؟ أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتتخلى عن عبادة الله؟ أتشهد أن محمداًرسول الله وتتبع غيره وتمشي وراءه وتتخلى عن سنة رسول الله؟ أي نقض أكثر من هذا النقض؟! [ ثانياً: الخيانة وصف لازم لأكثر اليهود ]، الخيانة صفة لازمة لأكثر أفراد اليهود، وقل من ينجو منهم من هذه الصفة الخبيثة، وهي نقض المواثيق. [ الخيانة وصف لازم ] لا ينفك [ لأكثر اليهود إلى اليوم، فقل من سلم منهم من هذا الوصف ]، أقول: من عشرات السنين ونحن في هذا المسجد النبوي الشريف ننصح للعرب حكاماً ومحكومين علماء وأميين أن: اتفقوا مع اليهود، خذوا بينكم وبينهم عهداً وميثاقاً؛ حتى يطمئن إخوانكم ويستقرون في ديارهم التي قسمت بينهم وبين أعدائهم اليهود بذنوبنا السابقة، اتفقوا معهم واعلموا أنها فرصة فقط من أجل أن تقووا إخوانكم وتعلموهم وتزودوهم بالطاقات، ثم اليهود سوف ينقضون العهد بأنفسهم، فاغتنموا هذه الفرصة، لا تقولوا: إذا اتفقنا مع اليهود فلا يمكن أبداً أن ننقض العهد ونبقى دائماً مفرطين في أرض الله وبلاده، بل سوف ينقضون العهد، فقووا إخوانكم وكثروا من عددهم بدل أنهم مشردون هنا وهناك في أنحاء العالم، فيصبحون قوة، وسينقض اليهود العهد وتغلبوا، وكان إخواننا يضحكون من هذا ويسخرون: كيف نتفق مع اليهود وكيف وكيف؟! ومضت خمسون سنة والآن رضينا بالقسمة، ويا ليتها القسمة الأولى! والشاهد في هذا: أننا نؤمن بكلام الله، وقد أخبر الله تعالى بأن اليهود ينقضون العهود؛ فلهذا خذ حذرك من عهودهم ومواثيقهم، فإذا كان لك هدف وغرض في العهد فاربطه معهم، لتحقق هدفك، واعلم أنهم سينقضون ذلك، وهذا كلام الله؛ فلهذا قلنا: الخيانة وصف لازم لأكثر اليهود، فقل من سلم منهم من هذا الوصف.أما المسلمون فلا ينقضون العهود أبداً، هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم عقد عقداً مع بني قينقاع، فنقض العهد بنو قينقاع، فماذا فعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أجلاهم، أبعدهم عن المدينة فقط، ما قتل رجالهم ولا سبى نساءهم، والتحقوا بأذرعات من أرض الشام.وبنو النضير خانوا عهدهم، نقضوا ميثاقهم، فحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم برجاله ثم أجلاهم وأبعدهم، ما قتل منهم رجلاً ولا سبى امرأة ولا طفلاً، وبنو قريظة انضموا إلى المقاتلين والمحاربين لرسول الله، فنقضوا عهدهم ودخلوا في جماعة الأحزاب لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم.والشاهد عندنا في هذا الوصف الذي أخبر الله تعالى به عنهم، فلا تثق في اليهود، إن عاهدتهم عهداً أو ميثاقاً فتنبه له فقط، فسينقضونه.[ ثالثاً: استحباب العفو عندة القدرة، وهو من خلال الصالحين ]، يستحب للمؤمن إذا قدر على أن يغلب أو يأخذ يستحب له أن يعفو، لأنه كامل يزداد كمالاً، ويصفح ولا ينتقم، ولا يأخذ بالذنب، يستحب له ذلك ليكون أكمل الناس، وإن أخذ حقه فله ذلك على شرط: ألا يزيد على ما هو حقه، لكن العفو أفضل وخاصة بين المؤمنين وبين المسلمين، العفو حتى مع اليهود، عفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مأمور بهذا: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13]، فكيف بما بينك وبين أخيك المؤمن وقد قدرت على أن تضربه أو تأخذ حقك منه ثم تقول: تركناه لله وعفونا عنك يا أخي علك تتوب؟![ رابعاً: حال النصارى لا تختلف كثيراً عن حال اليهود ]، تجمعهم كلمة: كفار، تجمعهم كلمة: أهل كتاب، تجمعهم كلمة: أعداء الله ورسوله والمؤمنين، لا تختلف كثيراً عن حال اليهود، [ كأنهم شربوا من ماء واحد ]، كأنهم رضعوا من ثدي واحد، ولعل السر -والله أعلم- أن روح اليهود تسري في أجسامهم، وأن تعاليم اليهود ومكرهم ينفخونه في النصارى! ولا يبعد هذا أبداً، كأنهم تلامذتهم وهم لا يشعرون، يربونهم على النكث والنقض والخيانة وما إلى ذلك.قال: [ وعليه فلا يستغرب منهم الشر، ولا يؤمنون على سر، فهم في عداوة الإسلام والحرب عليه متعاونون متواصون ]، فالآن لو يدخل العرب مع اليهود في حرب فالنصارى كلهم إلى جنب اليهود! من أين أخذنا هذا؟ من هداية هاتين الآيتين الكريمتين: فَبِمَا نَقْضِهِمْ [المائدة:13]، وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:14] الآية.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة

تحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل وحفظ الله تعالى للقرآن الكريم
الآن مع هذه الآيات، حيث يقول تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15]. قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:14] من المنادي؟ الله جل جلاله. من هم أهل الكتاب؟ هم اليهود والنصارى، لأن اليهود عندهم التوراة، والنصارى عندهم الإنجيل، والتوراة والإنجيل كتابان أنزلهما الله على رسوليه: موسى وعيسى، لكن الحقيقة أن التوراة ثلثها من كلام الله، وثلثان من كلام أحبارهم وعلمائهم، والإنجيل لا يوجد فيه من كلام الله خمس ولا عشر، الإنجيل في يوم من الأيام حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، فكم نسبة كلام الله فيه؟ وبعد أن كشفت عورتهم ووقعوا في محنة العار والذم حولوا الإنجيل إلى خمسة أناجيل: لوقا، وبرنابا، ويوحنا، ومتى، ومرقس.أما القرآن كتاب الله فلم يزد فيه حرف واحد، ولم ينقص منه حرف واحد وليست كلمة، وقد ذكرت لكم أن مؤتمرات سرية انعقدت من أجل إسقاط حرفين من القرآن الكريم فما استطاعوا؛ لأن الله عز وجل تعهد بحفظه، فقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وإذا تولى الله حفظ شيء فهل يمكن أن يؤخذ؟ مستحيل! ومن آيات ذلك أنه محفوظ في صدور النساء والرجال، فهل سيقتلون أهل القرآن كلهم؟ ما يستطيعون؛ فلهذا أرادوا أن يسقطوا كلمة (قل)، فبدل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158] (يا أيها الناس)! وبدل: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] (يا أيها الكافرون)! كلمة (قل) هذه حيرتهم، قالوا: ما نستطيع أن نقنع العقلاء بأن القرآن كلام محمد لا كلام الله، وإنما محمد عربي صقلته حرارة الصحراء فخاض في هذه المعارض بذكائه، فما دمنا نجد (قل) فإنه لا يمكن أن يقول متكلم لنفسه: قل، إذاً: لا بد أن هناك من يقول له: قل ويعلمه، فإذا استطعنا أن نحذف كلمة (قل) في يوم من الأيام فسنقنعهم بأن هذا ليس كلام الله، هذا كلام محمد صلى الله عليه وسلم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 30-05-2021 03:30 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
كشف ما أخفاه أهل الكتاب من الحق مقصد من مقاصد البعثة النبوية
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:14] من رسول الله هذا؟ هل هناك مؤمن يشك في هذا؟ من رسول الله؟ لا زكريا ولا عيسى ولا يحيى، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:14] محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني من ذرية إسماعيل، وقد قلت لكم: هذه الإضافة إضافة تشريف، الله أضافه لنفسه، ولولا كماله وعلو منزلته وسمو مقامه لما أضيف إلى الله، فالله الذي خلقه ورباه وهو الذي علمه وأرسله رسولاً إلى الأبيض والأسود وإلى الإنس والجن. قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:14]، والله إنه لمحمد يا أهل القرآن! يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:15]، وأحلف بالله! لقد أخفى علماء اليهود وأحبارهم من كلام الله الشيء الكثير، حتى لا يقول قائل: وكيف نعوت وصفات النبي صلى الله عليه وسلم الناطقة بنبوته، والمحددة زمانه ومكانه ورسالته؟ كل ذلك والله بدلوه وحرفوه، أخفوه إخفاء كاملاً، وأهل الإنجيل كذلك، القسس والرهبان حرفوا صفات النبي ونعوته التي نطق بها عيسى، ونزل بها كتاب الله الإنجيل، حرفوها وبدلوها وأخفوها، فالله تعالى يقول: قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة:15]، فبين ما هو ضروري للبيان، كنعوت الرسول، ومن ذلك أنه يخرج من بين جبال فاران، هكذا في الإنجيل والتوراة يخرج النبي الخاتم، وحرفوا وبدلوا كما فعل علماؤنا نحن أيضاً من رجالات الباطل والتصوف، حرفوا كلام الله، وبدلوا وغيروا، هذا شأن البشر إذا ضعفوا وانهزموا أمام الشيطان والدنيا والشهوات والأهواء.قال: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة:15] ما يذكره ولا يبينه، لكن بين أيضاً ما أخفوه، وهو نعوت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى البشرية جمعاء، وأن الإيمان به واجب، وأن اتباعه يهدي إلى السلام، وإلى السعادة في الدنيا والآخرة، وأن الكفر به من أعظم أنواع الكفر وما إلى ذلك.
الرسول والقرآن نور وصراط موصل إلى الجنة
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15] النور محمد صلى الله عليه وسلم، فالذي يتبعه ويمشي وراءه هل يقع في المهالك؟ ما يقع، الذي يمشي وراءه هل تزل قدمه؟ هل يخطئ في عقله وفهمه؟ كلا؛ لأن النور أمامه، إذاً: والإسلام نور، من دخل في الإسلام أصبح يبصر ويفهم ويعي وينجو من المهالك والمعاطب ولا يخسر دنياه ولا آخرته. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة:16] فمن يطلب ويبحث عن رضا الله يهده الله سبل السلام، ويخرجه من الظلمات إلى النور، ومن لم يرغب في رضا فلا يبالي أسخط الله أم رضي، أحب أم كره؛ فلن يفوز، لكن وعد الصدق يَهْدِي بِهِ اللَّهُ [المائدة:16] أي: بالإسلام والكتاب، بالقرآن، بالنبي صلى الله عليه وسلم، من اتبع رضوان فالله عز وجل يهديه سبل السلام، ويخرجه من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديه إلى صراط مستقيم ليقرع باب الجنة.
تفسير قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم...)
ثم قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، (لقد كفر) أي: وعزة الله وجلاله لق كفر. لأن هذه اللام في موضع القسم: وعزتنا وجلالنا لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، وهل يوجد إنسان يقول: الله هو المسيح؟ إي والله، فالنصارى تفرقوا وانقسموا ولكنهم في الجملة معترفون بهذا الخطأ، ويقولون: عيسى هو الله، منهم من يقول: عيسى حل الله فيه فكان الله، ومنهم من يقول: عيسى ابن الله، فالإله -إذاً- مكون من الله ومريم وعيسى، هذا هو التثليث، المهم أنه عبث بهم الشيطان وسخر منهم واستهزأ بهم، حتى أصبح هذا القول لا يقوله ذو عقل، فالله رب السماوات والأرض ورب العالمين يحل في عيسى؟! كيف هذا؟ كيف يتحد مع عيسى؟ عيسى عبد الله ورسوله يصبح ابناً لله؟! قد يقولون: نحن نقول بالبنوة والأبوة من باب التشريف والتعظيم! والله لقد كذبوا، ولو أرادوا ذلك كفروا، فهل لو رأيت الآن رجلاً صالحاً منكم أقول: هذا ابن الله لأنه صالح؟ من قال ذلك يكفر لأنه كذب على الله عز وجل، نرى شجاعاً بطلاً فنقول: هذا أبوه الله، من باب التكريم والتشريف، هل يصح هذا؟ لا يصح، وهم ينطقون ويصرحون بأن عيسى ابن الله، فأي كفر أعظم من هذا؟! وإنما أكفرهم الشياطين وأصحاب المناصب وأصحاب الكراسي كما يقولون؛ ليعيشوا هكذا سادة على أقوامهم الهابطين الساقطين، وتفطن الكثيرون، بل مئات الملايين في العصور الأخيرة، وقالوا: ما عيسى إلا عبد الله ورسوله، ولكن منعتهم الشياطين والأهواء والدنيا أن يدخلوا في رحمة الله، ويدخلوا في الإسلام، وإلا فإنه يوجد كثير من الفلاسفة والحكماء ما يعترفون بأن عيسى ابن الله أبداً، ولا أنه ثاني اثنين ولا ثالث ثلاثة، لكن محجوبون بسبب شهواتهم وأهوائهم، ما يستطيع هذا الفيلسوف أن يغتسل في الليلة الباردة ويصلي بالليل والناس نيام، ما يستطيع هذا العالم أن يتخلى عن شرب الخمر وأكل الخنزير، ما يستطيع أبداً أن يحجب وجه امرأته، فعرفوا الإسلام فخافوا من تعاليمه، فوقفوا بعيدين مع علمهم بصحة الإسلام، وذلك فضل الله يدخل فيه من يشاء، ويعطيه من يشاء. ‏
معنى قوله تعالى: (قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ...)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ [المائدة:17] لهم يا رسولنا: إن كان الأمر كما تقولون فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17] ؟ هل أمريكا؟ أما أهلك أمه؟ أين مريم؟ أما أماتها؟ لقد ماتت، فهو تعالى يكلمهم ويخاطبهم بما هو أقرب إلى فهوم البشر عرباً وعجماً بكل بساطة: إن كان الأمر كما تقولون: إن عيسى هو الله وابن الله، فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك عيسى ابن مريم وأمه؟ هل هناك من يستطيع أن يمنعه؟ عيسى رفعه وسوف يميته ويهلكه، فمن يمنع عيسى من الله؟ وأمه ماتت أم لا؟ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17] في كل مائة قرن ملايين البشر تموت، فأين عيسى؟ وأين أمه؟ وأين الإله الموهوم؟ فهذه حجج منطقية ومع ذلك يصرون على الباطل: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17]. والمسيح لقب لعيسى عليه السلام؛ لأنه ممسوح القدمين؛ ولأنه إذا مسح على المريض يشفيه الله عز وجل، يقال: مسيح، أما المسيح الدجال فلأن عينه ممسوحة، وهذا سيأتي، والله أسأل ألا نراه، وعما قريب يظهر.وعيسى عليه السلام كان بكلمة التكوين: (كن)، قال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40].إذاً: فالله عز وجل أراد أن يأتي بهذه الآية، فقال لعيسى: كن فكان في بطن مريم، ساعة وإذا بالطلق يلجئها إلى النخلة وتلد عيسى وينطق بعدما سقط من بطنها، وقال: إني عبد الله. وقد خلق الله تعالى آدم من غير أم ولا أب، فآدم أبو البشر خلقه الله من طين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، فكان بشراً اسمه آدم، وحواء زوجه من أمها؟ لا أم لها، بل أخرجها الله من ضلع آدم الأيسر، قال لها: كوني فكانت، فخلق تعالى بشراً بدون أب ولا أم، وخلق بأب وبدون أم، وخلق عيسى بأم بدون أب، هذه أنواع الخلق: مخلوق بلا أم ولا أب، ومخلوق بأب بدون أم، ومخلوق بأم بدون أب، ومخلوق بأم وأب، ما هناك صورة أخرى.
بيان غنى الله تعالى عن خلقه واختصاصه بملك السموات والأرض وما بينهما
واسمع ما يقوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:17]، إذا تعلقت إرادته بشي ليكون فوالله لن يتخلف، سواء كان عظيماً عظمة السماء أو الكواكب أو دون ذلك، إذا أراد شيئاً فإنه يكون مهما ما كان، لأنه تعالى على إيجاد وتقدير كل شيء قدير، أعظم من (قادر).إذاً: الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ويخلق ما يشاء هل يحتاج إلى ابن؟! يا مجانين! أيحتاج إلى ابن؟ أيحتاج إلى زوجة؟ نعوذ بالله، قالت الجن في صراحة: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3] والصاحبة هي الزوجة؛ لأنها تصحب زوجها، وإلى الآن النصارى يعتقدون أن عيسى ابن الله، كيف عيسى ابن الله؟ قالوا: الله تزوج مريم؟ أعوذ بالله! هل الذي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] يتزوج مخلوقة من مخلوقاته؟ كيف يفهم هذا الكلام ويفسر؟ فلا إله إلا الله!
تفسير قوله تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه...)
ثم قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى [المائدة:18] قضية أخرى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، كان الصحابة يجادلون اليهود والنصارى يبينون لهم الطريق، يخوفونهم من عذاب الله ونقمته: ادخلوا في رحمة الله، أسلموا تنجوا، ما لكم طاقة على أن تعيشوا في عالم الشقاء، فيقولون: لا، نحن أبناء الله وأحباؤه فلا يعذبنا! كما يفعل عوام المسلمين والفساق والفجار، يقال لهم: اتقوا الله، اتركوا الزنا، اتركوا الربا، اتركوا الكذب، استقيموا، فيقولون: لا، نحن مسلمون، الجنة لنا ليست لغيرنا! فهؤلاء قالوا: نحن أبناؤه وأحبابه، فكيف يعذب الأب ابنه؟ وهل يعذب الحبيب حبيبه؟ فبماذا رد عليهم رسول الله وأصحابه؟ ماذا قال تعالى لهم؟ قال الله لرسوله ولكم أيضاً: قُلْ [المائدة:18] لهم: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18]؟ أليس فيكم من يمرض؟ أليس فيكم من يقتل؟ أليس فيكم من يصاب بكذا؟ والله لا يعذب أولياءه وأحباءه، فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18] ؟ أما مسخ منكم إلى القردة والخنازير؟ أيمسخ الله أبناءه وأحباءه قردة وخنازير؟ لو كنتم أبناء وأحباء كما تقولون فلن يعذبكم أبداً، وهل المحب يعذب حبيبه؟ هل الأب يعذب ابنه؟ مستحيل هذا، فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18]؟ والحقيقة: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] ما أنتم فوق ولا تحت، أنتم مع البشرية، أبوكم آدم وأمكم حواء. بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] وهو تعالى يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:18] يعذب من يشاء عذابه وتعذيبه، ذاك الذي يدعوه إليه فيعرض عنه ويدبر ولم يطعه، ذاك الذي يشاء الله عذابه.ويغفر لمن يشاء، وذاك هو الذي استجاب لنداء الله وطلب المغفرة من الله، لا تفهم هذا الإطلاق: أن الله يعذب الكفار والمؤمنين، أو يغفر للكفار والمؤمنين سواء، فمشيئته تعالى قائمة على أساس العدل والرحمة الإلهية. وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:18] ذاك الذي دعاه وبعث إليه رسوله، فكفر وكذب واستنكف، ذاك الذي يشاء الله تعذيبه، ويغفر لمن استجاب لندائه وآمن به وبرسوله وأطاعه.قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة:18]، قطع أعناقهم، قطع ألسنتهم، لله ملك ما في السماوات والأرض وما بينهما، الكل ملك الله، إذ هو خالقه ومدبره، والمصير والعودة إليه الإنس كالجن كغيرهم، الكل يصيرون إلى الله تعالى، أبعد هذا يحتاج إلى ولد أو زوجة؟
تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل...)
ثم قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا [المائدة:19] مرحباً به أهلاً وسهلاً، نحن قلنا هذا، وهم قالوا: لا، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ [المائدة:19] يبين لهم ماذا؟ الطريق، طريق السلامة طريق النجاة، طريق السعادة، طريق الكمال البشري، إي والله. عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة:19] انقطاع الوحي لفترة من الزمن وهي خمسمائة وسبعون سنة، هذا القول الراجح، فعيسى عليه السلام رفع، وما بعث الله بعده من رسول، وأما الذين ذكروا في سورة (يس) فمن أتباع عيسى وتلامذته، وأما خالد بن سنان الذي يعبد في المغرب والجزائر فقد قالوا: ابن خالة الرسول صلى الله عليه وسلم! وهذه خرافة وكذبة، فمن رفع عيسى عليه السلام انقطع الوحي، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، والفترة هي خمسمائة وسبعون سنة أو وتسع وستون سنة. قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة:19] حتى لا تقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، حتى لا تحتجوا علينا وتقولوا: كيف تعذبنا وما أرسلت إلينا من رسول يبشر ولا ينذر؟ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة:19]وهو محمد صلى الله عليه وسلم، بشير يبشر من؟ هل يبشر الفساق والفجار والظلمة والمشركين؟ ونذير لمن؟ هل للمؤمنين الربانيين الصالحين؟ لا، يبشر أهل الإيمان والتقوى، وينذر أهل الشرك والمعاصي، والله أسأل أن يجعلنا من أهل التبشير، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:19].وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (6)
الحلقة (316)

تفسير سورة المائدة (14)


تاريخ بني إسرائيل حافل بالكفر والصدود، ومخالفة أنبيائهم وعصيانهم لأوامرهم، ومن ذلك أن موسى ذكرهم بفضل الله عليهم بإرسال الرسل إليهم وجعلهم ملوكاً، ثم أمرهم أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم، فأخذوا يجادلونه ويتعللون بعدم قدرتهم على قتال من فيها من الجبارين، ولما أن أخبرهم بأن الله ناصرهم ومؤيدهم، زاد نفورهم وإعراضهم وأخبروا نبي الله أن يذهب ليقاتل وحده مع ربه، فحرمها الله عليهم، وضرب عليهم التيه أربعين سنة جزاء عنادهم وعتوهم.
تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الأمل يا ولي المؤمنين ويا متولي الصالحين. ما زلنا مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات المباركات:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:20-26].
فوائد ذكر قصة موسى عليه السلام مع قومه من بني إسرائيل
معاشر المستمعين والمستمعات! هذه الحادثة ثبتت وصحت، أثبتها الله عز وجل وصححها، أنزل بها كتابه ووضعها بين يدي رسوله والمؤمنين تتلى إلى يوم القيامة، وفوائدها:أولاً: والله إن هذا القرآن لكلام الله وتنزيله؛ إذ لا يقدر على هذا إلا هو.ثانياً: والله إن من نزل عليه هذا الكلام لن يكون إلا رسول الله، فهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.ثالثاً: التسلية والتعزية لما يعانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عجرفة اليهود وصلفهم ومكرهم وخداعهم.رابعاً: ليعرف المؤمنون أنهم يواجهون قوماً بهتاً أهل مكر وأهل هبوط وسقوط، ليعرفوا كيف يسوسونهم أو يعيشون معهم.وأعظم من هذا: ازدياد طاقة الإيمان في قلوب المؤمنين، ليواصلوا مسيرتهم إلى دار السلام أصفياء أطهاراً، لا إثم ولا ذنب ولا غش ولا خداع، ولا كفر ولا شرك ولا باطل.هذه ثمرة القصص، قال تعالى: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32] القصص يقصه من أنباء الرسل على رسولنا لأجل فوائد عظيمة، لكن من أبرزها تثبيت القلوب على الإيمان والصبر على طاعة الرحمن عز وجل.
ذكر سبب تسمية موسى عليه السلام
فهيا بنا نقضي هذه الدقائق مع بني إسرائيل. قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى أي: اذكر يا رسولنا، واذكروا أيها المؤمنون لتستفيدوا ولتنتفعوا بما تسمعون وتقرءون وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ [المائدة:20] هذا موسى بن عمران عليه السلام، أبوه اسمه عمران. وقد عرفتم موشي ديان عليه لعائن الرحمن، هو الذي حطمنا وغزانا في فلسطين، فموشى مركب من الماء والشجر، الماء (مو)، و(شا) الشجر، سبحان الله! لأن موسى عليه السلام أوحى الله إلى أمه إذا هي وضعته أن تضعه في صندوق من خشب يسمى بالتابوت وتلقيه في النيل؛ لأن رجال فرعون كانوا يتتبعون كل امرأة من بني إسرائيل تلد، فإن كانت ولدت أنثى تركوها، وإن ولدت ذكراً قتلوه، لماذا؟ لأن رجال السياسة العميان قالوا لـفرعون : هؤلاء لهم أصل ولهم شرف ومجد قديم، فسوف يطالبون في يوم من الأيام بالحكم، وهم الذين يسقط عرشك على أيديهم، فماذا نصنع؟ قال: اذبحوا الأطفال وأبقوا النساء، فالنساء الإسرائيليات خادمات يعملن، والذكور يذبحون كذا سنة، ثم قال رجال الاقتصاد أيضاً: الآن اليد العاملة تنقطع، إذا ذبحنا أولاد بني إسرائيل فمن سيخدم؟ من يحرث؟ من يزرع؟ فماذا تصنعون؟ قال كبراؤهم: نبقي على الذكور سنة بعد سنة، فعاماً نذبح الأولاد وعاماً نتركهم انتفاعاً بهم، فالعام الذي كان عام العفو ولد فيه هارون شقيق موسى، والعام الذي فيه الإعدام والذبح ولد موسى، فأوحى الله إلى أم موسى: أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، قالت العلماء: أية بلاغة تسموا إلى هذا المستوى؟ بشرى أولاً بضمانة أن يجعله من الأنبياء والمرسلين في كلمة واحدة في جملة إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، إذاً قوله: (أرضعيه) يريد أن ترضعه اللبأ، واللبأ اللبن الأول الذي يتجمع في الثدي عند الولادة، وهذا اللبأ يلزمها إرضاعه، فلو أنها مطلقة وقالت: لا أرضعه، أو أبوه عدوي؛ فإنه يلزمها القضاء بأن ترضعه رغم أنفها الرضعات الأولى رضعات اللبأ، فإذا أرضعته ذاك اللبأ الذي يتجمد فحينئذ لها ألا ترضعه، أما هذا فإلزاماً، بدليل الآية: أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] أي: في البحر أو النهر أو الماء، وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].فعبثت به الأمواج أمواج الماء، فعثر عليه بعض خادمات القصر تحت الماء والشجر؛ لأن النيل على طرفيه الأشجار لا سيما في ذلك الزمن، فقيل فيه إذاً: موشي: ماء وشا، وجد بين الماء والشجر فسمي موشى.
فضل موسى عليه السلام بتكليمه ربه بغير واسطة
هذا موسى الكليم فاز بأن كلمه الله كفاحاً وجهاً لوجه بلا واسطة، وفي الأرض لا في السماء، فسمي وعرف بالكليم، قال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] دفعاً لما يقال من أنه مجاز أو غير ذلك، وقال: يا رب! أكلامك أسمع أم كلام رسول؟ قال: بل كلامي يا موسى، ومن ثم تاقت نفسه لأن يرى الله عز وجل، فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] أنت أعجز من أن تراني، ما تستطيع، ما عندك القدرة في مقلتيك على أن تراني، الملائكة لا تراه، فكيف تستطيع أن ترى الذي هو نور السماوات والأرض؟ ولكن الله رحمة بموسى وشفقة عليه وتحقيقاً لطلبه ورغبته قال: يا موسى! انظر إلى الجبل أمامك، فإن استقر في مكانه وثبت بعد أن أتجلى له فإنك تقوى على رؤيتي، وتجلى الله للجبل وظهر له، فتفتت الجبل وأصبح غباراً، ما إن رأى موسى الجبل وقد تفتت حتى أغمي عليه وصعق.ولا ننسى أن المصطفى النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كلمه ربه أيضاً كفاحاً وبلا واسطة ولكن في الملكوت الأعلى، حتى إن جبريل الرائد لما أراد الله أن يتكلم مع محمد صلى الله عليه وسلم وقف جبريل، قال الرسول: معنا يا جبريل! قال: ما منا إلا له مقام معلوم، تقدم وحدك أنت، فمشى حتى انتهى إلى موطن موضع سمع فيه صريف الأقلام، وكلمه الله عز وجل كفاحاً، وفرض عليه الصلوات الخمس، وتردد عليه خمس مرات.
تذكير موسى عليه السلام قومه بنعم الله تعالى عليهم
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [المائدة:20] قومه بنو إسرائيل، أولاد إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام؛ إذ كانوا يعيشون في الديار المصرية، وسبب ذلك معروف عندنا في التاريخ، وهو أن يعقوب عليه السلام انتقل إلى مصر، وهو إسرائيل، ومعنى إسرائيل: عبد الله أو عبد الرحمن، عبد منسوب إلى الله عز وجل، كما عندنا: عبد الله أو عبد الرحمن، فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، ونزل في هذه الحادثة قرآن يقرأ في سورة يوسف عليه السلام، وكان من نتاج ذلك أن انتقل بنو إسرائيل إلى الديار المصرية، من أرض فلسطين أرض القدس إلى الديار المصرية، وتعرفون كيف ملك يوسف تلك البلاد وهو نبي الله ورسوله، ثم خرج الملك من يد أولاد يوسف وبني إسرائيل، وحكم فرعون والفراعنة.إذاً: فموسى قومه هم أولاد إسرائيل الذين تجمعوا في مصر وبلغ عددهم يوم خروجهم من مصر إلى أرض القدس ستمائة ألف، وهذا العدد في ذلك الزمان عدد كبير جداً.فموسى عليه السلام لما نصره الله على فرعون وغرق فرعون وجنده، وخرج موسى مع بني إسرائيل وكانوا قرابة مائة ألف متجهين إلى الشرق إلى أرض القدس، هنا وصلوا قريباً من أرض القدس، اجتازوا سيناء، فقال موسى لقومه يذكرهم بنعمة الله عليهم: يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:20] حتى تشكروا، وهذه الكلمة نكررها ونقول: يا أبناءنا، يا نساء المؤمنات! الذي ما يذكر النعمة بقلبه ولا بلسانه لا يمكنه أن يشكرها، أحببنا أم كرهنا، إذا لم تذكر يا عبد الله نعمة الله عليك فإنك لا تشكرها، فواجبنا أن نذكر نعم الله علينا التي في أجسادنا وفي أبنائنا وفي وجودنا، والله عز وجل علمنا في خطابه لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم.. يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم.. في آيات عديدة، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11] في آيات كثيرة، والذين لا يشكرون الله هم الذين لا يذكرن نعمه.هل أدركتم هذه الحقيقة؟ الذي لا يذكر نعمة الله عليه والله لا يشكر، فكر في الطعام الذي بين يديك تأكله، من خلقه؟ ومن أوجده؟ تقول: الله، فقل: الحمد لله.. الحمد لله. من أقامك؟ وكيف استطعت أن تقوم، وكيف تمشي؟ من أقدرك على هذا؟ الله. إذاً: الحمد لله. وهكذا في كل جزئيات الحياة من ذكر شكر ومن نسي وترك كفر.ها هو موسى عليه السلام يقول: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:20] إذ كنتم مستعمرين مستعبدين مستغلين مستخدمين، فأنجاكم وسودكم وحرركم، وهذه الآن تقال للمسلمين: أيها المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا! اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم مستعمرين لبريطانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، مستذلين مستضعفين مهانين مؤخرين، فمن أنقذكم؟ الله. اذكروا هذا تشكروه بألسنتكم وقلوبكم بطاعتكم له واتباعكم لهديه. هل المسلمون يذكرون هذا؟ هل خطب خطيب من الرؤساء والمسئولين وقال: هيا نذكر نعمة الله علينا؛ منذ كذا سنة كنا مستعبدين مستغلين مستعمرين، والآن حررنا الله وأنقذنا، فهيا نعبد الله عز وجل ونشكره؟

يتبع



ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين)
ثم بين جزءاً من هذه النعمة فقال: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ [المائدة:20] البابليون والآخرون في الشرق والغرب محرومون من النبوة والأنبياء، وأنتم فيكم أنبياء، يكاد أن يكون في كل بيت نبي، أنبياء عديدون، بلغنا أنهم كانوا يقتلون سبعين نبياً في يوم واحد، إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا [المائدة:20] هل كل واحد ملك؟ ما هو بمعقول هذا، الملك واحد، والأمة التي يملكها أمة؛ إذاً: ليس معناه أنه جعل كل واحد ملكاً، هذا لا يقال ولا يقبل، والله ما أراده الله، وإنما جعلكم ملوكاً أي: جعل منكم وفيكم الملوك.وتعرفون مملكة سليمان كانت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقبل سليمان والده داود ملك، وقبل داود غيره ملك، جعل تعالى في بني إسرائيل ملوكاً، فموسى عليه السلام يذكرهم بذلك وبما يأتي بعد ذلك من نعم الله عليهم.والكلمة المأثورة عن الصحابة والسلف الصالح هي: أن من ملك داراً يسكنها، وزوجة يسكن إليها، وخادماً يساعده على أمور دنياه فهو ملك. إذاً: فجلنا ملوك، فهيا نشكر الله تعالى، على الأقل نقول: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله. وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ [المائدة:20] وأعطاكم مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20]، المراد من العالمين عالمو زمنهم، تلك الفترة التي كان فيها البابليون والأقباط، فكانوا هم أشرف الناس على الإطلاق بما آتاهم من الملك والعلم والنبوة وما إلى ذلك، وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20] لأنهم أنبياء أحفاد الأنبياء وأولاد المرسلين، هؤلاء كلهم أولاد إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.ذكرهم موسى بنعمة الله عليهم من أجل أن يطيعوا الله ورسوله، أن يستقيموا على منهج الله، أن ترتفع معنوياتهم، أن تذهب الخرافات من أذهانهم، أن تذهب الشهوات والتكالب عليها في دنياهم، يقول: أنتم على مستوى رفيع وأمة ممتازة مختارة في العالم، لستم كغيركم.وهذا -والله- صادق فينا لو كنا مستقيمين، وقد عرفنا من قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم أنا لو أخذنا مسلماً ووضعناه في كفة ميزان، وأتينا باليابان والأمريكان وأوروبا الشرق والغرب وكل الكافرين ووضعناهم في كفة والله لرجحت كفة هذا المؤمن، فهل قيمتنا لبياض وجوهنا، لطول أجسامنا، لكثرة صنائعنا؟ لا، فقط لإيماننا بالله ولقائه، لمعرفتنا بربنا وحبنا له ورغبتنا فيما عنده، وسعينا المتواصل للحصول على رضاه وجواره الكريم، ولكن غفلنا وغفّلونا، ونسينا وأنسونا، وأبعدونا وأعرضوا بنا بعيداً عن هذه الحقائق.
الاستقامة على أمر الله تعالى طريق الأفضلية على العالمين
يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20] أي: عالمي زمانهم، كانوا أفضل الشعوب والأمم، والآن والله لو استقمنا على الإسلام لكنا أفضل العالمين ولا فخر، ولآتانا الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، لكن إعراضنا وإبعادهم لنا عن معين الهداية والكمال -وهو الإسلام- كاد يسوينا بهم، ولكن لا بأس أن نذكر إخواننا السعوديين بالذات، ماذا تقولون عنهم؟ والله لقد آتانا الله ما لم يؤت أحداً من العالمين: الأمن، والطهر، والصفاء، والشريعة الإسلامية والاعتزاز بها، والمآذن مملوءة بذكر الله والدعوة إلى الله، وإخواننا في العالم محرومون من هذا كله.فهيا نذكر لنشكر، والحال أننا ما نذكر ولا نشكر، هذا لسان الحال، هل رأيتمونا ذاكرين لهذه النعم؟ أبداً، قل من يذكرها.وقد علمنا أن الله عز وجل أنه إذا أنعم على عبد بنعمة ولم يشكره سلبها، سنة لا تتبدل: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة:20]، وفي ذلك قول الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [إبراهيم:7] تأذن كالمؤذن على المنارة، أعلن رسمياً لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].قال العقلاء: اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، لا عذاب أشد من هذا، كان بالأمس يمشي على الأرض بعينيه يبصر النملة وما فوقها، وإذا به يفقد بصره في ساعة واحدة، فكيف حاله؟ سلبت النعمة، كان بالأمس آمناً مستقراً هادئ البال يبيت على فراشه ولا يخاف إلا الله، فأصبح يفزع ويطارد في كل مكان، أية حالة أسوأ من هذه الحالة؟ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].فهيا نشكر الله أولاً بقلوبنا فنعترف بنعم الله علينا، ثانياً: بألسنتنا لا نفتر، نذكر: الحمد لله إنا في خير، الحمد لله إنا في عافية، الحمد لله إننا تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.ثالثاً: ألا نجاهر بمعصية تغضب ربنا عز وجل، ولا نسمح لابن ولا لأب ولا لزوجة ولا لواحد أن يجاهر بمعصيته في أرض الطهر ودار الصفاء، فهل بلغنا؟ بلغوا، أعينونا. من أراد أن يعصي الله يا أبنائي فليخرج من هذه الديار، ما يعصي الله في ديار الإيمان والطهر تحت راية لا إله إلا الله، من أراد أن يعيش على الخرافة والضلالة وعبادة الأوثان فليرحل، ولينزل بديار أخرى تقبل ذلك منه، من أراد أن يشرب الحشيش ويروج الباطل فليرحل، من أراد أن يستبيح الزنا والربا فليخرج من ديار الإيمان وليفعل ذلك حيث شاء، حتى لا تسلب نعمة الله.
تذكير السعوديين بنعمة التوحيد
اذكروا نعمة الله عليكم يا معشر السعوديين، هذه الراية ما رفرفت في أرض ولا تحت سماء إلا في دياركم، أليس كذلك؟ تحمل: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما معنى هذا يا عبد العزيز تغمدك الله برحمته؟ قال: رفعنا هذه الراية وكتبنا فيها هذه الكلمة، هذه الأرض التي تظللها هذه الراية لا يعبد فيها إلا الله، فهدم القباب والقبور وقطع الأشجار والأوثان، وطهر هذه الأرض؛ إذ لا يعبد فيها إلا الله.و(محمد رسول الله) إلى ماذا ترمز؟ أنه لا يتابع ولا يقلد ولا يمشى وراء أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مذهبية ولا طائفية ولا قبلية، محمد فقط هو الذي يمشى وراءه ويتابع.عرف العدو هذا وهو يعمل ليلاً ونهاراً على إسقاط هذه الراية، وويل للذين يمدون أعناقهم ويساعدونه على فتنته وضلاله ومحنته، ويل لهم، أولئك العصاة المذنبون المنغمسون في الجرائم والموبقات، مستورون عن أعين الناس وهم يعملون لصالح الشيطان وأعوانه.ونحن الذين لسنا بالسعوديين نعيش في الهند والسند وأسبانيا وإيطاليا أليست علينا مسئولية؟ أليست هذه ديار الله؟ أليس هذا حرم رسول الله وتلك بلد الله، وهذه راية لا إله إلا الله؟ هل يجوز لنا أن ننقد ونطعن ونسب ونشتم ونساعد أعداء الإسلام على تمزيق هذه الراية؟بعض الغافلين يقول: كيف هذا؟ فنقول: لا يجوز لك يا ابن الإسلام أن تقول في أي مؤمن أو مؤمنة كلمة سوء: يا زاني، أو يا فاجر أو يا لائط.. والله ما يجوز، وإن أردت أن تنصح ففي خلوة، أما أن تسب وتشتم وتقول: يجوز؛ فهذا والله ما يجوز، كيف يجوز في بلد راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، والعدو يعمل على تمزيقها وإسقاطها، ومع الأسف شاهدنا وعايشنا وعرفنا وسمعنا بهذه النعم، ليس هناك من يحمد الله على هذه البقية أو يشكر أبداً، الكل يريد أن تزول، وهم لا يشعرون أين يذهبون، أهكذا تشكر النعم؟ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ [المائدة:20] يذكرهم كما نذكر نحن، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20].
تفسير قوله تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ...)
ثم قال لهم: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21]، هم خرجوا من مصر من طريق البحر الأحمر ومشوا في سيناء، والآن هم في طريقهم إلى القدس حيث كادوا يصلون إليها، ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21]، الأرض المقدسة هي أرض القدس من الفرات إلى البحر الأبيض إلى سيناء، هذه المنطقة، ومعنى (مقدسة) مطهرة، أرض قدس: أرض طهر، يجب أن يدوم فيها الطهر ولا يكون فيها الخبث؛ لأنها أرض أنزل الله فيها إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأنبياء والمرسلين، ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21]، كتب لهم أن يعيشوا فيها وأن يعبدوا الله عز وجل عليها، واختارهم لذلك اختياراً ربانياً.وكانت تلك الأرض حينئذ يحكمها العمالقة الكنعانيون من أولاد كنعان ، جبابرة مشركون، هم الذين يملكون أرض القدس من حماة إلى نهر الأردن إلى سيناء، في هذا الظرف خاصة كان موسى يخاطبهم؛ إذ خرج ببني إسرائيل من مصر إلى أرض القدس، أرض آبائهم وأجدادهم.فقال: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة:21] لا تنهزموا، لا ترجعوا إلى الوراء مهزومين، الثبات وجهاً لوجه مع العدو إلى أن تنتصروا.هذا هو القائد الأعظم، فماذا قال لأمته وجيشه؟ ما كانت جيوشاً نظامية، بل كلهم جيش واحد في أيديهم الرماح أو السيوف، قال لهم: وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا [المائدة:21] ترجعون خَاسِرِينَ [المائدة:21] لأنفسكم ولدولتكم ولكل ما عندكم.
تفسير قوله تعالى: (قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ...)
فأجابوه قائلين: يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ [المائدة:23] الجبارون جمع جبار: الذي يجبر الناس على فعله وما يريده، إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة:22] مجانين هؤلاء فهل سييخرجون بالسحر؟! بمعنى: ادع الله أن يخرجهم وإذا أخرجهم سندخل! فاليهود أحياناً يهبطون هبوطاً عجباً، قالوا: لن ندخلها ما داموا فيها حتى يخرجوا منها، وهو يقول لهم: ادخلوها بسلاحكم بقوتكم طرداً لهؤلاء المعتدين الظلمة على أرض القدس، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة:22] أهكذا يقال للقائد؟ هل قيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم؟ في أية غزوة أو معركة أو سرية؟ هذا ابتلاء وامتحان، لو شاء الله لما خلقهم أو لأماتهم في لحظة.
تفسير قوله تعالى: (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب...)
قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]، قال رجلان من الذين يخافون الله عز وجل وعقابه ونقمه وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، هؤلاء من النقباء الاثني عشر، وقد تقدم لنا قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12] الآيات.فموسى عليه السلام لحكمته وسعة علمه -وكيف لا وهو يتلقى المعرفة عن الله- اختار من قبائل اليهود اثني عشر رجلاً من أفضلهم، وقال: ادخلوا بأية طريقة: تبيعون التمر، تشترون الماء، تعملون كذا، وأطلعونا على أسرار تلك الدولة وعن قواتها ومدى موقفها منا في القتال، وهذا لا بد منه، فأولئك الاثنا عشر رجلاً انهزم منهم عشرة، شاهدوا ما أرعبهم وخوفهم وهزمهم، فجاءوا يهرفون بما لا يعرفون، وقالوا: ما نستطيع قتال هؤلاء أبداً، وقد ذكر القرطبي قصصاً في هذا، حتى إن منهم من قال: إنه قد أخذني عملاق ووضعني في جيبه، وأتى بي إلى بيته ووضعني بين أطفاله يلعبون بي! وذكرنا في التفسير أن هتلر فعل هذا الفعل في الحرب العالمية الثانية، هتلر نفخ هذه الروح في أوروبا فانهزمت، واحتل في خمسة عشر يوماً منطقة كاملة، أدخل فرنسا تحت قدمه، حتى كان يقال: إذا وجدت سيجارة في الشارع فانتبه أن تنفجر فيك! فهول الدنيا لتخويف الناس، فانهزمت الجيوش بهذه الطريقة، والله العظيم! أصاب الرعب أوروبا واحتل مناطق كثيرة في نصف شهر بهذه الروح: التهويل.والشاهد عندنا أن هؤلاء العشرة هم الذين بددوا طاقة بني إسرائيل وهزموهم معنوياً، فقالوا: لن ندخلها أبداً ما داموا فيها، لأنهم أعلموهم أن وصفهم كذا وكذا وكذا، ومن تكلم بكلمة تصعق أنت عنده، فقالوا: كيف نقاتلهم يا موسى؟ ما نستطيع، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. إلى هذا الحد! قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا [المائدة:23] ما هلكوا كالعشرة الآخرين، ما هبطوا، بقي إيمانهم ونورهم وفهمهم ووعيهم، فماذا قالا هذان الرجلان؟ قالا: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ [المائدة:23] باب القدس، والباب اسم جنس لأبواب المدينة، إذا دخلتم مفاجئين لهم الباب هزمتموهم، هذه هي المباغتة التي هي إلى الآن أنفع ما تكون في الحرب، وهذا ما حصل بعد أربعين سنة حيث قاد الجيش يوشع بن نون بعد موت موسى وهارون ودخل البلاد بهذه الطريقة، فاجأهم، ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] هذه كلمة الرجلين الكريمين من الاثني عشر، الذين ما ذهبت عقولهما ولا ذابت في تلك الترهات والأباطيل.
تفسير قوله تعالى: (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها ...)
قال تعالى: قَالُوا [المائدة:24] معتذرين يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا [المائدة:24] حتى يخرج العمالقة، فهل هذا الكلام يقوله العقلاء؟! لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] عجرفة، سقوط، هبوط، اذهب أنت وربك فقاتلا واتركنا فنحن قاعدون.وهذه النفسية وهذه العقلية موجودة عندهم إلى الآن، عاشر اليهود وجالسهم تجد أشياء من هذا النوع إلى الآن وتعجب من عقولهم، يتوارثون هذا! فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].
تفسير قوله تعالى: (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)
فماذا قال موسى؟ قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي [المائدة:25] فقط وَأَخِي [المائدة:25] لا يملك إلا نفسه، فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25]، ما بقي أمل في أن يقاتلوا أو يدخلوا أو ينتصروا، انكشفت عورتهم وهبطوا بعد أن قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24]، انتهى أمرهم، فما كان إلا أن قال: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي [المائدة:25] أيضاً لا يملك إلا نفسه، وهو أخوه هارون، فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25].فأجاب الرحمن بقوله: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (7)
الحلقة (317)

تفسير سورة المائدة (15)


الحسد جريمة عظيمة وذلك لما يترتب عليها من الآثار السيئة، ومن ذلك ما قام به قابيل من قتله لأخيه هابيل لما حسده على قبول قربانه الذي قدم، فكانت أول جريمة قتل على وجه الأرض، وصارت سنة القتل جارية في بني آدم، فكلما قتل إنسان إنساناً على مدى الدهر انبعثت هذه السنة، وحمل ابن آدم الأول من الإثم مثل ما يحمله القاتل.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتابه القرآن العظيم، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).معاشر المستمعين والمستمعات! في الدرس السابق من التفسير أخذنا هذه الآيات فنسمع تلاوتها أولاً، ثم نقف على نتائجها الطيبة رجاء أن ينفعنا الله تعالى بها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:22-26].هذا الموقف الذي وقفه بنو إسرائيل لا يقفه ذو علم وبصيرة، وذو إيمان ويقين، وهو أنهم قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] هل يصدر هذا عن مؤمن عالم عارف بربه؟ هذه كلمة كفر إذا تعمدها العبد، ولكنهم جهال، إنه الجهل والهبوط والسقوط ولا لوم ولا عتاب، عاشوا أجيالاً تحت فرعون يسومهم الخسف والعذاب، فكيف يعرفون؟ كيف يعلمون؟ كيف يرتقون بآدابهم وأخلاقهم؟هذه نتائج البعد عن الله وكتابه وشرعه، فلا عجب أن يتعجرفوا هذه العجرفة ويقولوا لنبيهم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].قال تعالى: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26].هذه العقوبة التي عاقبهم الله بها، وهي أنهم يقضون أربعين سنة في تيهان، لا ينزلون منزلاً حتى يخرجوا منه، يتنقلون في صحراء سيناء أربعين سنة، ولولا منة الله ولطفه ورحمته عليهم حيث أنزل عليهم الغمام والمن والسلوى لكانوا يهلكون، ولكن بركة موسى وأخيه ويوشع وكالب ، بركة أولئك الصالحين نفعتهم بإذن الله، ثم لما مات هذا الجيل الهابط الساقط ونبتت نابتة صالحة فربيت في حجور الصالحين فتح الله عليهم ودخلوا أرض القدس وسادوا فيها وملكوا وحكموا.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها... ) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: بيان جبن اليهود وسوء أدبهم مع ربهم وأنبيائهم ]، لو كانوا علماء فهل سيقولون ذلك القول؟ لو كانوا شجعاناً أبطالاً فهل سيحجمون ويتأخرون ولا يقاتلون والله معهم وموسى يقودهم؟[ ثانياً: وجوب البراءة من أهل الفسق ]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يتبرأ من الفسق وأهله، ولا ينضم إليهم ولا يساندهم ولا يرضى عنهم، وإلا انتقل الفسق إليه وأصبح خليقة من أخلاقه وهلك مع الهالكين.[ وجوب البراءة من أهل الفسق ببغض عملهم وتركهم لنقمة الله تعالى تنزل بهم ]؛ إذ قال تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26]، لا تحزن ولا تكرب واتركهم لله ينتقم منهم. ومن هم الفاسقون؟ الذين خرجوا عن طاعة الله ورسوله وعاشوا بعيدين عن شرع الله، هؤلاء يتحطمون ويخسرون، فموالاتهم والأسف عليهم والحزن على ما يصيبهم ليس من شأن المؤمنين؛ لأن الله قال لنبيه موسى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26].[ ثالثاً: حرمة الحزن والتأسف على الفاسقين والظالمين إذا حلت بهم العقوبة الإلهية جزاء فسقهم وظلمهم لأنفسهم ولغيرهم ].ولو نظرنا إلى حال المسلمين فسنجد البلاء ينزل بهم والمحن والإحن والويلات، فهل نحزن ونكرب؟ لا نحزن ولا نكرب؛ لأنهم ظلموا أنفسهم وتعرضوا لعذاب الله، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، فبدل أن نكرب ونحزن ندعوهم إلى أن يستقيموا على منهج الله، ندعوهم إلى أن يتوبوا إلى ربهم ليرفع البلاء عنهم، أما أن نكرب ونحزن لما أصابهم الله به بسبب فسقهم فهذا يتنافى مع توجيه الله لموسى؛ إذ قال: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:26].فلنحذر الفسق يا عباد الله، لا نخرج عن طاعة الله وطاعة رسوله ونحن أحرار غير مكرهين ولا ملزمين، فلنلزم باب الله نقرعه، نؤمن بما أمرنا أن نؤمن به وننهض بما أمرنا أن ننهض به، ونتخلى ونتجنب كل ما من شأنه أنه يبغضه تعالى ولا يريده.
تفسير قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً ...)
والآن مع هذه الآيات الجليلة العظيمة، فاسمعوا تلاوتها، وتأملوا لتفهموا كلام الله، لو كان آباؤنا وإخواننا يدرسون القرآن هكذا كل ليلة لعلموا كل ما فيه، لكن هجروه هجراناً كاملاً، ولا يقول أحد: قال الله، ويقرءونه على الموتى، يقرأ السورة من أولها إلى آخرها ما يعرف حكماً فيها، ولا هداية؛ لأنه ما رغب في ذلك ولا قصده ولا أراده ولا دعي إليه ولا جلس ليسمع ذلك ويتعلمه، كأنه لغة أجنبية يسمعها، وهذا عرفناه ومعروف.قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31].كلام من هذا؟ هذا كلام الله، فكيف وصلنا؟ من طريق كتابه ورسوله، فهل البشرية تعرف هذا غير أهل الإسلام والقرآن؟ يقول تعالى: وَاتْلُ [المائدة:27] يا رسولنا، يا نبينا، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى (اتل): اقرأ، فعلى من يقرأ؟ على الذين تآمروا على قتله من بني النضير، على أعدائه الألداء وخصومه الأشداء اليهود الذين كشف النقاب عن حالهم، وأراهم مواقفهم والعياذ بالله. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [المائدة:27] يا رسولنا، وكانوا بالمدينة يسمعون، يجلسون مع الرسول ويسمعون القرآن أيضاً، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ [المائدة:27] والنبأ: الخبر العظيم، ما كل خبر يقال فيه: نبأ إلا إذا كان ذا شأن عظيم. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [المائدة:27]، ولدي آدم، وهما هابيل وقابيل ، وعرفنا اسميهما بالوحي الإلهي، أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فهابيل وقابيل هما ابنا آدم أبي البشر، أول إنسان هبط إلى هذه الأرض مع زوجه، خلقه الله في الملكوت الأعلى، في الجنة دار السلام، ثم لما عصى أبعده من دار النعيم إلى دار الابتلاء والعذاب والشقاء.اقرأ عليهم يا رسولنا نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة:27] النبأ بالحق الذي لا يمكن أن يتطرق إليه كذب أو باطل؛ لأن الله هو الذي أنزله بالحق، فهو ملازم مصاحب له.
معنى القربان وبيان ما قرباه
إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا [المائدة:27] أي: قرب كل واحد منهما قرباناً، والقربان ما يتقرب به إلى الله من الطاعات والعبادات، القربان: ما يقربك إلى الله، تقدم شيئاً لوجه الله ليرضى عنك ويقبلك، تتقرب به إليه لتكون من المقربين، وهل أنتم تتقربون؟ جلوسنا هذا قربان، من جاء ليسمع الهدى ويسمع كلام الله، وأراد أن يتقرب إلى الله، وهذا هو القربان.أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر هذا القربان: أن قابيل كان عنده زرع فاختار الفاسد منه، والسيئ والذي ما يصلح، قالوا: ورأى سنبلة طيبة فأكلها أيضاً، لما قدم ذاك النصيب من السنبل تقرب به إلى الله، وشاهد فيه السنبلة ذات حب سمين فأكلها، فهذا قرب قرباناً، فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا [المائدة:27]، قربان هابيل تقبله الله؛ لأنه كان بطبيب نفس ورضا نفس، وحب التقرب إلى الله، ومن ماله الحلال، وقدمه لله عز وجل، وكانت تأتي النار لتأكله، فما هناك من يتصدق عليه.إذاً: أرادا أن يتملقا إلى الله ويتزلفا إليه، وفي وقتهما ما كان هناك فقراء ولا مساكين، هما أول من وجد، فكيف يتقرب؟ يختار أحسن شيء ويقدمه لله، وتأتي نار فتأكله، وهذا كان حتى في جهاد بني إسرائيل، فالغنائم ما تقسم عليهم كالمسلمين، ما أحلت لهم، تأتي نار فتحرقها.
نفسية الحسد في كلام قابيل وإفصاح هابيل عن شرط قبول العمل
إذاً: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا [المائدة:27] أي: من هابيل ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ [المائدة:27] وهو أخوه الثاني قابيل .فحمله الحسد، وهو طبع إنساني وغريزة بشرية قل من يسلم منها، وإن وجدت وعالجها العقلاء فإنها تزول ويبرأ العبد منها ويشفى، فقال له: لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27]، كيف يتقبل الله قربانك -وكان قدم كبشاً- وأنا لا يتقبل مني قرباني؟! إذاً: والله لأقتلنك. حمله على ذلك الحسد: كيف ستنجح وأنا ما أنجح، دخلنا الامتحان فكيف أنت توظف وأنا لا أوظف، وهكذا من هذا النوع. لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27] هذه لام القسم: والله لأقتلنك. فأجابه الأخ الكريم قائلاً: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، فلو كنت متقياً له لتقبل منك، تقبل مني لأني من المتقين، ومن هم المتقون؟ المطيعون لله، الراغبون فيما عنده، المحبون له، العاملون بكل ما يرضاه ويحبه، الذين يتقون سخطه، غضبه، عقابه بفعل ما يحب أن يُفعل وبترك ما يحب أن يترك.وهذه الجملة ستبقى خالدة إلى يوم القيامة: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، فالفجار لو تصدقوا بالملايين ما ينفعهم، فحين تتصدق بالمال حرام هل يقبل منك؟إذاً: إنما يتقبل الله دائماً وأبداً من المتقين، يتقبل منهم ما يتقربون به إليه صلاة، وصياماً، وحجاً، وجهاداً، ورباطاً، وصدقات، وأذكاراً، وتسبيحاً، ودعاء.. لا يتقبل إلا من المتقين، إما أن تكون منهم وإلا فكل أعمالك مردودة عليك بنص هذه الآية: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] فهيا نكن من المتقين.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك...)
ثم قال له: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي [المائدة:28]؛ لأنه قال: لأقتلنك، فقال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ [المائدة:28]، وبسط اليد مدها. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28] لماذا؟ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] سبحان الله! أحداث مرت عليها آلاف السنين وننتفع بها نحن كأنها نزلت علينا! لم لا أبسط يدي إليك لأقتلك؟ لأني أخاف الله رب العالمين، وأنت لما كنت لا تخافه اقتل.ولا منافاة بين هذا وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من مات دون ماله فهو شهيد )، فإنه يجوز أن تدافع عن مالك حتى تموت وتقتل، ويجوز أن تفوض أمرك إلى الله ولا تقتل، فتقول للصائل: خذ هذه البقرة أو هذه الشاة ولا تقتل.إذاً: قال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28]، من هم العالمون؟ كل مخلوق هو عالم، العوالم علوية وسفلية كلها الله خالقها وهو ربها، لكن إذا أطلق لفظ العالمين بهذا الجمع فيراد به العقلاء: الملائكة والإنس والجن، وكل ما سوى الله تعالى عالم، أي: علامة على وجود الله تعالى، فنحن الآن علامة على وجود خالق خلقنا، فنحن من العالمين.
تفسير قوله تعالى: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار...)
قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ [المائدة:29]، أريد أن تبوء بمعنى: ترجع، باء يبوء: إذا رجع، ترجع إلى القيامة بإثمي وإثمك، إني أريد بعدم قتلك أن ترجع إلى الله بإثم قتلي وبإثمك أنت الذي فعلته قبل قتلي، تعود بحملين من الآثام، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29] هذه جملة قالها تعالى وقالها هابيل : وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29].قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ [المائدة:29] أن ترجع إلى الله يوم القيامة وأنت حامل إثمين: إثمي أنا بقتلي، وإثمك أنت من الجرائم والموبقات التي فعلتها، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة:29] أي: أهلها الملازمين لها الذين لا يفارقونها؛ لأن النار عبارة عن عالم شقاء من دخله فهو مصاحب له، وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29] أي: الخلود في النار جزاء الظالمين.
تفسير قوله تعالى: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين)
قال تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة:30]. فَطَوَّعَتْ لَهُ [المائدة:30]، من هي هذه المجرمة الخبيثة المنتنة؟ نَفْسُهُ [المائدة:30]، زينت له وهونت عليه أن يقتله فقتله، لو كانت نفسه ما هي بمريضة ووقفت وقالت: كيف تقتل أخاك؟ كيف تزهق روحاً؟ ما كان يقدم على هذا، لكن النفس هي ذاته.فهل عرفتم قيمة النفس الآن أم لا؟ في العامة يقال: النفيسة، إنها النفيسة الخسيسة تزين الباطل وتحسن القبيح، وتدفع الإنسان إلى أن يفعل ما لا يحمد عليه، ونحن مأمورون أن نستعيذ بالله من شر نفوسنا: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي. ولكن النفس إذا أنت روضتها وربيتها ومرنتها يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام تصبح زكية طيبة طاهرة، أما بدون رياضة ولا تربية ولا تمرين فوالله ما ينفع.وقد قال تعالى قصة يوسف عليه السلام حكاية عنه: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53]، وقال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، وقال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].اللهم إنا نسألك نفساً مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك.. اللهم إنا نسألك نفساً مؤمنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك.وللنفس مراحل: أولاً: النفس الأمارة بالسوء، فإذا أخذت تروضها على الحق وتمرنها على الخير تصبح لوامة، واللوامة تدفعك أولاً إلى فعل المنكر أو الباطل، فإذا فعلته تشعر بالحزن والألم وتلومك: كيف تفعل هذا؟ فواصل علاجها عاماً بعد عام حتى تصبح مطمئنة لا تستريح إلا إلى طاعة الله، ما تقوى أبداً على معصية الله، ما تشعر بالهدوء والسكينة والطمأنينة إلا إذا انغمست في الذكر أو الصلاة أو العبادة.فالنفس أمارة بالسوء، والسوء: كل ما يسوء ويضر، هذه طبيعتها، فإن أخذت تروضها وتربيها بالعبادة والطاعات، وتمرنها على الأخلاق والآداب فترة من الزمن تصبح لوامة، تشعر بها أنها أخذت تلين الآن، بدليل أنك إذا فعلت معصية لامتك وتألمت، وبعد فترة من الزمن عام أو عامين أو عشرة أو ساعة بحسب ما وهبك الله من الرياضة تصبح لا ترتاح إلا للطاعة، إذا دخلت في الصلاة كأنك دخلت في جنة عدن.قال تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ [المائدة:30] هذه المريضة التي ما ربيت ولا روضت على الطاعة، طوعت له نفسه ماذا؟ قَتْلَ أَخِيهِ [المائدة:30] هابيل فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30]، ومن أعظم خسرانه أنه ما من نفس تموت ظلماً إلا وعلى قابيل جزء ونصيب منها، ما من نفس تموت ظلماً في الأرض إلا وعلى قابيل نصيب وكفل من تلك الجريمة، لأنه أول من سن القتل، وفي الحديث: ( من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).
تفسير قوله تعالى: (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه...)
قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ [المائدة:31] لأنه أول موت يقع، أول من يموت، فأخذ يحمله على ظهره والدم يسيل، فماذا يصنع؟ إذاً: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا [المائدة:31] والغربان تعرفونها وما أكثرها في ديارنا، طائر أسود غربيب، جاء هذا الغراب ومعه غراب آخر يسحبه ويجره قد قتله، فكان يبحث في الأرض برجليه ويرمي بالتراب على ذلك الميت لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي [المائدة:31] أي: يستر سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة:31] أي: جثة أخيه الميت؛ إذ السوأة وإن كانت تطلق على العورة لكن تطلق على كل ما يقبح النظر إليه، وهل هناك من يستريح إلى نظر الميت؟ فقال هذه الكلمة وسجلها الله لنا: قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ [المائدة:31]، يلوم نفسه، أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي [المائدة:31] كما وارى الغراب سوأة أخيه، أي: جثة أخيه، فبذلك فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:31].هذا كلام من؟ هل كانت العرب تعلم هذا وتسمع به؟ من من البشر سوى أهل الكتاب؟يقول تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
هيا مع هداية الآيات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: مشروعية التقرب إلى الله تعالى بما يجب أن يتقرب به إليه تعالى ]، أخذنا هذا من قوله تعالى: قَرَّبَا قُرْبَانًا [المائدة:27] نتقرب بما يحب الله لا بما يكره الله، وهل تتقرب إلى الله بقتل مؤمن؟ ما هو بمعقول أبداً، هل تتقرب إلى الله ببرميل خمر توزعه؟ إذاً: مشروعية التقرب والتملق إلى الله تعالى بما يحب عز وجل، فما هي محاب الله؟ هي الذكر، الصلاة، الصيام، الصدقات، الجهاد، الدعاء.. العبادات كلها مشروعة للتقرب.والبدع والشركيات والخرافات التي يتقرب بها الجهال إلى الأنبياء والأولياء كلها باطل والله ساخط عليهم، ما هي بقربان، فتقرب بما يحب الله أن تفعله له وتقربه، لا بد من معرفة هذا، فالذين ما يعرفون محاب الله كيف يتقربون بها؟ وهناك أمر آخر: تتقرب إلى الله بترك ما يبغض الله، تقول: أتقرب إليك يا رب من الليلة بألا ألوث فمي برائحة الدخان، ويقبلك، أردت أن تطيب فاك بذكر الله.قال: [ ثانيا: عظم جريمة الحسد وما يترتب عليها من الآثار السيئة ]، أخذنا ذلك من قوله: (لأقتلنك)؛ لأنه شاهد أنه قبل الله صدقته وهو لم تقبل صدقة، فقال: إذاً: سأقتلك. لماذا يقبل الله قربانك ولا يقبل قرباني؟!ولهذا علمنا الله عز وجل، بل علم رسوله أن يستعيذ بالله تعالى من الحاسد: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]، كل المحن والفتن والبلايا بين البشر أكبر سبب لها هو الحسد والعياذ بالله، والحسود لا يسود، والحسد تمني زوال النعمة عن أخيك لتحصل لك، وأقبح منه أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك ولو لم تحصل لك، المهم ألا تراه بخير والعياذ بالله. قال: [ عظم جريمة الحسد وما يترتب عليها من الآثار السيئة ] حروب وفتن، والرسول صلى الله عليه وسلم حاربه اليهود وأرادوا قتله للحسد، والله! من أجل الحسد، كيف ينتقل الكمال للعرب والرسالة والنبوة ونحن محرومون؟! حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109].[ ثالثاً: قبول الأعمال الصالحة يتوقف على الإخلاص فيها لله تعالى ]، أن تريد بها وجه الله، لا وجه زيد ولا عمرو، أن تريد بها رضا الله لا الحصول على مال ولا على جاه ولا سلطان، تعمل العمل وأنت تريد به الله عز وجل، هذا هو الإخلاص الذي يسبب قبول العمل، وإلا فلا يقبل العمل.[ رابعاً: بيان أول من سن جريمة القتل، وهو قابيل ، ولذا ورد ] عنه صلى الله عليه وسلم [ ( ما من نفس تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل -أي: نصيب- ذلك بأنه أول من سن القتل ) ].المدينة -والحمد لله*- بلاد الرسول الطاهرة، فإذا جاء أحد الغافلين فاستورد الحشيش، فهل يكون أول من سنها أو لا؟ وكل من يشربها عليه إثم ذلك، المدينة ما كانت فيها باروكة، فتاجر جاء بالباروكة فكان أول من أتى بها وسنها أو لا؟ وكل من اشترى باروكة ولبسها هو أيضاً عليه إثم. قال: [ خامساً: مشروعية الدفن وبيان زمنه ].وقد سئلت هاتفياً فقال السائل: توفي أبي وإخواني في الشرقية وفي الجنوب، فهل يجوز أن نبقي عليه حتى يحضروا أو لا يجوز؟ فقلت: أيام لم تكن هذه الآلات التي تحفظ الجسم فلا يتغير ولا يحدث فيه أي شيء كان التأخير لا يجوز أبداً، ولا يحل أن تنقل ميتك من قرية إلى قرية أخرى، لا يجوز أبداً؛ لأنه يتعفن، فلا يحل.والآن لما كانت القضية بهذه الطريقة حيث ثلاجات الموتى يبقى الميت فيها شهراً أحياناً أو عشرة أيام ولا يتغير أي شيء، فنقول: إذا كان استعجالك للدفن فهو أفضل، فقد أمرنا بتعجيل دفن الميت، فهو أفضل بلا خلاف، لكن إذا كان يترتب على تأخيره بيان حقوق وعلمنا أنه لا يتأثر بالتأخير يوماً أو أسبوعاً فلا بأس.كذلك إذا كان إخوانه أو أبناؤه يحضرون في يوم واحد، وكان في الزمان الأول إذا كانوا في الرياض فلكي يحضروا يحتاجون إلى أربعين يوماً، فلا قائل أبداً بانتظارهم، لكن ما داموا يحضرون في يوم أو يوم وليلة ولهم رغبة في أن يقبلوا والدهم ويشاهدوه، فنقول: لو فعلوا جاز، ما أقول: فيه أجر، أقول: يجوز.وانظر كيف هنا لما مات هابيل علم الله عز وجل قابيل كيف يدفنه، فجاء بغراب قتل غراباً أخاه ثم أخذ يسحبه في الأرض، ثم أخذ يحفر الأرض برجليه ويرمي التراب عليه، فقال قابيل : يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:31].وهل الندم هذا ينفع قابيل؟ ما ينفعه أبداً، لماذا؟ لأنها ما هي بتوبة صادقة خوفاً من الله، كل ما في الأمر أنه حار: ماذا يفعل بهذه الجثة، ففعل كما فعل الغراب ودفنها، والتوبة التي تقبل أن تكون خوفاً من الله وخشية من الله وعزماً أكيداً ألا تعود لهذا الذنب ولو قطعت ولو حرقت ولو صلبت، أما مجرد التألم لقتل أخيه فما ينفع.قال: [ سادساً: خير ابني آدم المقتول ظلماً، وشرهما القاتل ظلماً ]، خير ابني آدم المقتول ظلماً من الآن إلى يوم القيامة، وشرهما القاتل ظلماً.وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (8)
الحلقة (318)

تفسير سورة المائدة (16)


إن قتل النفس البشرية وإزهاق الروح الآدمية لهي جريمة شنعاء، لذلك فقد بين سبحانه وتعالى أن من قتل نفساً واحدة فكأنما قتل الناس جميعاً، إلا أن الله عز وجل أباح القتل في ثلاثة أحوال؛ فمن قتل نفساً ظلماً وعدواناً جاز قتله، والثيب الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة يجوز قتله، والمرتد عن دينه والخارج عن جماعة المسلمين وإمامهم.
تفسير قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وأخرى -يا معشر المؤمنين والمؤمنات- هي قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فاللهم حقق لنا هذا الخير إنك ولينا وولي المؤمنين.ما زلنا مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، ومعنا هذه الآية المباركة الكريمة، هيا نتلو هذه الآية متأملين فيما تحمله من هدى ونور.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]. ‏
صلة الآية الكريمة بما قبلها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32]، الإشارة هنا عائدة إلى قتل قابيل هابيل ؛ إذ تقدم في الآيات السابقة أن ابني آدم -وهما قابيل وهابيل- تقرب منهما هابيل إلى الله بقربان فقبله الله منه، وآية ذلك -أي: علامة قبول الله له- أن ناراً تنزل من السماء وتحرقه، وأن قابيل تقرب بقربان فلم يقبل منه، ولماذا تقبل من هابيل ولم يقبل من قابيل ؟ لأن هابيل اختار أطيب ما عنده وقدمه لله ونفسه طيبة مطمئنة راضية بهذا التقرب إلى الله، والآخر ما كانت نفسه طيبة ولا مطمئنة ولا اختار أطيب ماله ولا أجوده، بل اختار أفسده، وقيل: رأى سنبلة فيها حب جيد فأكلها ولم يقدمها، فلم يتقبل الله تعالى منه قربانه، فحمل الحسد قابيل على قتل هابيل وقال: لم يتقبل الله منك ولم يتقبل مني؟ فقتله. وهنا عرفنا أن الحسد أول معصية وأنها فتنة لا نظير لها، ما هناك داء أضر على البشرية من الحسد، وهو داء الأمم كلها، وقد عرفناها فينا، هذا الداء الخطير حمل قابيل على قتل أخيه هابيل، فلما قتله وكان أول ميت لم يدر ماذا يصنع؟ فحمله على ظهره فحيثما مشى كان معه، حيثما نزل ونام كان معه، إذاً: فبعث الله برحمته وحكمته وإحسانه إلى عبيده بعث غراباً يبحث في الأرض ليدفن غراباً من الغربان، وهذا الآدمي قابيل يشاهد، فلما رأى الغراب قد حفر الأرض ودفن أخاه الغراب فعل هو بأخيه كذلك.واسمعوا قول الله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي [المائدة:31]، أي: يدفن ويستر سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة:31]، أي: جثة أخيه.إذاً: اسمعوا الآيات مرة أخرى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31]، قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32]، ماذا فعل الله من أجل ذلك؟ قال: كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، من هم بنو إسرائيل؟ عرفناهم: أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، فيعقوب يلقب بإسرائيل.وهم اليهود، وقد علمتم أنهم ما زالوا إلى الآن منحازين متكتلين متجمعين متوالين لا يتزوجون نساء غيرهم، ولا يزوجون نساءهم لغيرهم؛ ليبقى هذا الشعب كما هو على مر الأجيال والقرون، وعرفوا باليهود، من هاد يهود هوداً: إذا رجع؛ لأنهم لما ارتكبوا تلك العظيمة قالوا: هدنا إليك، فتابوا إلى الله، أي: من عبادتهم العجل.
الأسباب المبيحة للقتل
والشاهد عندنا في قول ربنا جل ذكره: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، و(كتبنا) بمعنى: أوجبنا وفرضنا، عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، ماذا كتب عليهم؟ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [المائدة:32]، ما معنى قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [المائدة:32]؟ قتل نفساً بدون مقتضي قتلها، بدون موجب القتل، وهل هناك ما يوجب قتل النفس؟ أي نعم. ثلاث خصال يجب أن نحفظها وأن تكون عندنا من البدهيات، ثلاث يقول فيهن الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث )، أي: بواحدة من ثلاث، ما هي يا رسول الله؟! قال: ( النفس بالنفس )، من قتل نفساً يستباح قتله، يجوز قتله، من قتل نفساً ظلماً وعدواناً استوجب القتل واستحق أن يقتل وقتله مشروع جائز مأذون فيه من الملك جل جلاله وعظم سلطانه، عبده قتل عبده، فأذن في قتله.قال: ( والثيب الزاني )، الثيب: هو غير البكر، هو من تزوج وماتت زوجته أو طلقها أو كانت عنده، الثيب: من تزوج زواجاً شرعياً، عقد على امرأة وبنى بها وخلا بها فأصبح ثيباً، هذا الثيب إذا زنى بامرأة جاز قتله، استحق القتل، هذا الثيب الزاني.أما البكر الذي لم يعرف الزواج وزنى فإن الحد هو أن يجلد مائة جلدة على ظهره أمام المسلمين، ويغرب سنة من بلده إلى بلد آخر حتى يمحى ذاك السواد الذي على وجهه، سنة لا يراه من أهل القرية أحد، وفيه حكمة أخرى أيضاً؛ لأن وجوده بين المواطنين يذكر الناس بالزنا، وذكر الباطل يهيج عليه ويدفع إليه، فأبعدوه سواء في صحراء أو في جبل، ويغرب سنة.والمرأة المؤمنة لا تغرب، فمن يقوم بشأنها إلا إذا كان لها مولى كعم وأخ فممكن أن تبعث إليه، لكن بوصفها محجوبة ما هناك من يقول: هذه زنت ورجمناها. والجلد هو جلد بالعصا مائة جلدة، ودليل ذلك ما هو معلوم لديكم: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لا يرجمون في الخفاء أو يجلدون بالخفاء، أما الثيب فيرجم حتى الموت، وإذا رجم ومات طهر ونظف، كالثوب إذا تلطخ بالقاذورات والأوساخ وغسلته الغسل الحقيقي فإنه ينظف، كذلك الحد إذا أقيم على مؤمن طهره، فمن حكم مشروعية إقامة الحد تطهير النفس، زيادة على ما لذلك من آثار طيبة في المجتمع.قال: ( والتارك لدينه المفارق للجماعة )، هذا هو الحق الثالث، ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) خصال، ( الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة )، التارك لدينه: هو المرتد، مسلم وضع برنيطة على رأسه وصليباً في عنقه وقال: أنا تنصرت، أو قال: أنا لا أؤمن بالله ولا برسوله، أو قال: هو مجوسي، فيستتاب ثلاثة أيام، فلعله مرض لعله كذا، فإن أصر أعدم، وهل هذا الإعدام يكفر ذنبه؟ الجواب: لا، فإلى جهنم؛ لأنه كفر باختياره وإرادته. والمفارق للجماعة الذي يخرج على إمام المسلمين، الذي يخرج على إمام المسلمين ويتحزب مع جماعة ويعلنون الحرب لإثارة الفتنة والشغب والتعب والخلاف بين المسلمين، هذا الباغي بغيه يوجب قتله ويستحق القتل.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:09 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اجتماع الأسباب المبيحة للقتل في وصف الفساد في الأرض
إذاً: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، ما الفساد في الأرض في الآية؟ الشرك بعد التوحيد، الكفر بعد الإيمان، أليس هذا هو الفساد؟ والخروج على إمام المسلمين وإثارة الفتنة ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً، أي فساد أعظم من هذا؟ وكلمة: أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، الرسول بلورها وقدمها في هذه الزهرة المستنيرة، فقال: ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس )، قتل نفساً ظلماً وعدواناً يقتل بها، ( والثيب الزاني )، الذي يفسد المجتمع الإسلامي بالزنا، ثالثاً: ( التارك لدينه المفارق للجماعة )، التارك لدينه فارق الجماعة بكفره، ولكن إضافة ( المفارق للجماعة ) يدخل ذاك الذي يعلن الحرب على إمام المسلمين ويخرج عليه؛ ليثير الفتنة والتعب والمصائب والويلات.هذه الآية دلت على هذه المعاني: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] الذي عرفتم وهو قتل قابيل أخاه هابيل حسداً -والعياذ بالله تعالى- كتبنا على أولاد إسرائيل إلى يوم القيامة: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، وكلمة أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، عامة، فالشرك فساد، كان موحداً فعلق الصليب أليس هذا بفساد؟ كان مؤمناً فأعلن عن كفره وارتد، فهل هذا فساد أم لا؟ كون عصابة وخرج على الإمام وأزهق الأرواح وقتل، فأي فساد أعظم من هذا؟ دلونا على جماعة خرجت على إمام المسلمين وأقامت دولة إسلامية، وعبد الله وحده ورفعت راية لا إله إلا الله، وأقيمت شريعة الله بين الناس؟ إن الذين خرجوا على علي قتلهم هو، فهم الذين مزقوا، والذين خرجوا على عثمان ماذا فعلوا؟ وقل ما شئت إلى الآن، فأيما جماعة ناشطة تريد أن تخرج على الحاكم وإن كان من كان فخروجها باطل باطل باطل؛ لأنه لا يعقب خيراً، لا يورث خيراً، ما هو إلا باطل؛ لأن الخير له طرق غير هذه.
معنى قوله تعالى: (فكأنما قتل الناس جميعاً )
قال تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، كيف؟ بعبارة واضحة: يعذب عذاباً أليماً في جهنم، عذاب ما فوقه عذاب، والذي يقتل البشر كلهم يعذب عذاباً ما فوقه عذاب، فتفطنوا لهذه الجملة: (فكأنما قتل الناس جميعاً)، أي: في التعذيب، فلو قتل الإنسان مليون واحد فإنه يقتل قتلة واحدة، ولكن يعذبه الله عذاب من قتل؛ لقوله تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، هذا من جهة.ومن جهة أخرى أيضاً -والقرآن كله نور- أن الذي يجرؤ على أن يقتل مؤمناً ظلماً وعدواناً مستعد لأن يقتل البشر كلهم، فالذي تفسد طبيعته ويموت قلبه ويقدم على قتل مؤمن مستعد لأن يقتل كل الناس ولا يبالي، ما دام قد مات قلبه وأقدم على قتل أخيه فهذا قد يقتل كل الناس إذا تمكن من قتلهم وأراد ذلك، ما بقي عنده وازع يمنعه أو يصرفه، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].
معنى قوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
وَمَنْ أَحْيَاهَا [المائدة:32]، أحيا نفساً، والذي يحيي ويميت هو الله، ولكن جعلنا الله نقدر على أن نحيي وعلى أن نميت، فحين يستوجب فلان القتل وأنت قادر على قتله وتتركه لله عز وجل أما أحييه؟إذاً: فيحصل لك الأجر كأنما أحييت الناس جميعاً، فالذي تمكن من قتل ظالم معتد عليه مستوجب للقتل فرحمه لله وترك عبد الله ليعبد الله وأبى أن يقتله من أجل الله، هذا كأنما أحيا الناس جميعاً، فهو أيضاً قادر على أن يحيي الناس كلهم، ونحن ألسنا كذلك؟ ما منا إلا من هو قادر على أن يحيي الناس جميعاً.ويحصل الأجر له كأنما أحيا الناس جميعاً، ما هو بأجر واحد فقط، وواهب الأجر ومعطيه هو الله الملك جل جلاله وعظم سلطانه، فمن أحيا نفساً استوجبت القتل فعفا عنها وتركها لله عز وجل هذا مستعد أن يحيي الناس كلهم إذا فعلوا، وحينئذٍ فجزاؤه جزاء من أحيا الناس جميعاً، هكذا يقول تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، وهنا باب العفو والصفح مفتوح للمؤمنين، شخص يعتدي عليك ويستوجب القتل وتعفو عنه وأنت قادر؛ لأن الحاكم معك يقطع رأسه أمامك وأنت قادر على العفو فقل: عفونا عنه لله وتركناه لله. هذه حسنة من أعظم الحسنات تعطى عليها أجر من أحيا الناس جميعاً، ولهذا يعفو المؤمنون بعضهم عن بعض ويصفحون.
معنى قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات)
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32]، من هم هؤلاء؟ اليهود بنو إسرائيل، جاءتهم رسل الله، ورسل الله أعداد كثيرة، من بين رسل الله: موسى وهارون وبعدهما داود وسليمان وآخرهم عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وزكريا ويحيى رسل، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32] والله رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، بالحجج بالبراهين القاطعة، بالبيان بالمعرفة، لكن مع الأسف أعرضوا، هل هناك معجزات أعظم من معجزات عيسى عليه السلام؟ جعله يمسح على الأبرص فيصبح جسمه كأحسن ما يكون، والبرص الآن الدنيا كلها فشلت في علاجه، فهل هناك طبيب يداوي البرص في العالم أو مستشفى؟ وأعمى ما يبصر يمسح على عينيه فتعودان على أحسن ما يكون، وميت يقال له فيه: يا روح الله! ادع الله فيدعو له فيقوم حياً! فأية بينة أعظم من هذه؟ ومع هذا كفروا به، كذبوا به، حاولوا قتله ويعتبرون قد فعلوا؛ لأن الجريمة ثبتت عليهم، ما دام أنه ألقى الله الشبه على رئيسهم وأخذوه ظانين أنه عيسى وعلقوه وصلبوه وقتلوه فكأنما قتلوا عيسى، ولهذا بينت لكم غير ما مرة أن اليهود يعتبرون قتلة النبي صلى الله عليه وسلم قضاء؛ لأنها مؤامرات تمت ليقتلوه، وإنما عجزوا وما تابوا فيعتبرون قتلة، والله يقول: وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:181]، قتلوا زكريا وولده يحيى، نبيان رسولان، قتلوا الأب والابن معاً، فهل هؤلاء فيهم خير؟ يرجى فيهم خير؟ وكيف نصنع؟
سعي اليهود لحكم العالم
إن اليهود يفكرون في أن يحكموكم ويسودوكم ويتحكموا فيكم ويذلوكم ويهينوكم، فأهدافهم ليس أنتم فقط بوصفكم مسلمين، هم يريدون العالم بأسره، يريدون مملكة بني إسرائيل لا من النيل إلى الفرات فحسب، فهذه خطوة أولى، ولكن يريدون العالم كله، هذا الذي جعلهم يعضون على دينهم بأسنانهم، ما يفرطون في اليهودية أبداً ولا يحاولون أن يتخلوا عنها بحال من الأحوال؛ لأنهم يفكرون بأن يسودوا العالم ويحكموه.وأبشركم -وهم على علم- بأن هلاكهم سيكون على أيدي المسلمين، ولا يقل أحد: ما نريد أن يسمعوا هذا، فقد سمعوا قبلك، وهم يدرسونه، وقالوا: لن يفعل بنا ما يفعل إلا المسلمون، فهيا نعمل ما استطعنا على ألا نبقي إسلاماً ولا مسلمين. هذا الكلام يعلمونه ويدرسونه، يعرفون أن نهاية بني إسرائيل تكون على أيدي المسلمين، درسوا الحديث الصحيح في مسلم وعرفوه، وهم يعرفون ذلك أيضاً من كتبهم، إذاً: ماذا يصنعون؟ قالوا: ما نسمح بوجود إسلام حقيقي في الأرض، حتى لا يوجد مسلمون تخاطبهم الأشجار والأحجار.ومن قال: كيف؟ قلنا: أما حاولنا حرب اليهود في فلسطين وعجزنا؟ فكيف نعجز؟ لأننا لسنا بالمسلمين الجديرين بكلمة الإسلام الحق، لو أسلمنا ففي أربع وعشرين ساعة يرحل اليهود، ما يقبلون القتل، يخرجون من فلسطين، نحلف لكم بالله أننا لو نعلن عن إسلامنا -أيها المسلمون الذين هم ألف مليون- فقلنا: لا إله إلا الله، وطبق شرع الله؛ لرحل اليهود بسرعة بدون قتال، لكن هم علمونا وجربونا وانتصروا علينا وهزمونا.
المعجزة النبوية في الإخبار بقتال اليهود
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود ).الرسول يتحدث عن الله ويخبر بالغيب من الله، كيف يقول: ( لتقاتلن اليهود )، واليهود قد شردهم ومزقهم؟ أين اليهود الذين سنقاتلهم وهم حفنة في الشرق وحفنة في الغرب! كيف يتم هذا؟ الله أكبر! قد تم هذا، إنها معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.المجموعة التي كانت هنا منهم بنو قينقاع شردوا، وبنو قريظة قتلوا، وبنو النضير التحقوا بخيبر وفدك والشام، فكيف يخبر فيقول: ( لتقاتلن اليهود )، وتمضي القرون ويعز اليهود بحيلهم ومكرهم وسحرهم وأباطيلهم، ثم يأتي زمان يعرف فيه المسلمون ربهم، ويقبلون على مولاهم في صدق فتتحد كلمتهم وتتحد قوانينهم وشرائعهم ويمشون في سبيل الهدى، ثم بعد ذلك يسلطهم الله على اليهود، نقمة الله على اليهود أعدائه، فيقاتلونهم يتتبعونهم حتى يقول الشجر: يا مسلم! هذا يهودي مختبئ ورائي، ويقول الحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي، ولا يقول: يا عربي. فعرف هذا اليهود وقالوا: هيا نشيع الشرك والخرافات والضلالات والفسوق والفجور والربا والزنا والباطل وعقوق الوالدين والتكالب على الدنيا وأوساخها والمزامير والأغاني حتى ما يوجد إسلام أهله يقاتلوننا.لو سمعوا هذا الدرس لقالوا: هذا الذي في المدينة دوخنا، فيعملون على قتلي، ولا يستطيعون. وأزيدكم: والله! إن كل مظاهر الفسق والفجور والشرك والباطل أصابع اليهود هي التي تنشئها وتدعو إليها، وإلا فأهل فكيف يصبح أهل القرآن أهل الإسلام ساقطين ماجنين هابطين ضلالاً ضائعين وأنوار الله تغمرهم؟ كيف يتم هذا؟ وجواب ذلك أن نقول: هل عندكم الدشوش في سطوحكم؟ ذلك الذي يلتقط لنا أصوات العواهر والمجرمين والكافرين والضالين ويعرض صورهم على أبنائنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا حتى تموت القلوب، ونمد أعناقنا ليركب من شاء أن يركب، هل هذا بلغ المسلمون أم لا؟ والله الذي لا إله غيره لو كان مسلم بحق يسمع هذا الكلام لما بات التلفاز في بيته، وإذا سمع من سمع وهو طائش هائج فلن يبالي بهذا الكلام؛ لأن قلبه فارغ لا نور لله فيه، هذا هو الواقع.هذه الآلات والأغاني والمزامير والملاهي هي مفتاح الزنا والعهر، هي بابه، فكيف يصح هذا؟ ولكن ماذا نصنع؟ لماذا لا تفعلون شيئاً؟ انصحوا لبعضكم، أخوكم زوروه في بيته أو ادعوه إلى بيت أحدكم وقدموا له الحلوى وقدموا له طعاماً لذيذاً وأنتم تبتسمون وتقولون: يا أخي! أو يا أبتي! أو يا بني! أنت أخونا، أنت كذا، أنت في دار الإسلام، وعلمنا أن لك دشاً على سطح بيتك وهو يفسد عليك أسرتك، فهيا تشجع وقل: أعاهدكم ألا يبيت الليلة على سطحنا، فسيزيله، وكذلك الثاني والثالث والرابع، وهذا هو قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فإن لم نفعل هذا فما تعاونا، ما مددنا أيدينا لبعضنا، نرى أخانا ساقطاً فنزيد في سقوطه، وهابطاً فنزيد في هبوطه، كيف يصح هذا إلا إذا كنا منحدرين إلى الهاوية، ومن يردنا؟
أخذ العبرة مما حل باليهود
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ [المائدة:32]، بنو إسرائيل أفضل منا، أكمل البشر أولاد الأنبياء؛ لتأخذوا العبرة، فإذا كان اليهود بنو إسرائيل أبناء الأنبياء عاملهم الله بهذه المعاملة، فكيف بالمسلمين؟إذاً: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، ونحن عندنا بينات أم لا؟ كلها عندنا، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]، ما هو الإسراف هذا؟ أتدرون ما الإسراف؟ الخروج عن العدل وعن القسط وعن الحد المطلوب، الإسراف في الأكل في الشرب في الكلام في النوم في المعاملة في كل شيء: مجاوزة الحد، والذي يتجاوز الحدود يتحطم ويخسر.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:10 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (9)
الحلقة (319)

تفسير سورة المائدة (17)


شرع الله حد الحرابة حفظاً لدماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، فأيما رجل أو جماعة عملوا على ترويع الناس، والاعتداء عليهم، وقطع السبيل والإفساد في الأرض فقد جاز تطبيق حد الحرابة عليهم، وتكون العقوبة إما بالقتل، أو بالصلب، أو بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، وأهل العلم على أن لولي الأمر اختيار إحدى هذه العقوبات حسب ما يرى من الحاجة إليه.
ذم الإسراف والتبذير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة ذات الأحكام الشرعية، ومعنا في هذه الليلة هاتان الآيتان الكريمتان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:33-34].قبل الشروع في دراسة الآيتين المباركتين نفي بما وعدنا، وهو أن نتكلم بإجمال على الإسراف وأهله، وذلك لأنا تلونا هذه الآية وهي قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32].الإسراف: مصدر أسرف يسرف إسرافاً: إذا تجاوز الحد المحدود وتعداه إلى غيره، والله تعالى يقول -وقوله الحق- من سورة الأعراف: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، مولانا سيدنا ربنا لا يحب المسرفين، فمن أسرف في أكله أو شربه أو لباسه أو شئونه في الحياة الدنيا تعرض لبغض الله له، أعوذ بالله.دلوني على عاقل يرضى أن يكرهه الله؟! كيف يسعد، والله يصرح بقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، إذاً: فهيا نقتصد في أكلنا وشربنا ولباسنا ومراكبنا ومساكننا أولاً.ومعنى الاقتصاد: الأخذ بالوسط لا تقتير ولا إسراف، القصد القصد.
أهمية الاقتصاد في كل أمور الحياة
وقد قدمت لكم أن علينا أن نقتصد حتى في النوم، لا تنم يا عبد الله من صلاة العشاء إلى طلوع الشمس، قم آخر الليل ولو بساعة قبل الفجر ولو مع الفجر، أما أن تنام ليلك كاملاً فما يجوز، اقتصد في نومك.وكذلك السهر والعياذ بالله من سهراتنا، والحمد لله فلا سهر عندنا، الذين يسهرون من الساعة التاسعة بعد صلاة العشاء يتعشون ويجلسون إلى الثانية عشرة أو الواحدة في اللهو وفي الباطل، لا هم مكبون على دراسة العلم والحكمة ولا هم رافعو أكفهم إلى الله يبكون بين يديه، ولكن يسمعون الأغاني ويشاهدون اللهو والأضاحيك ويشربون الشيشة والدخان ويهزءون ويسخرون أهذا عدل؟ أيجوز هذا الإسراف؟ إن الدقيقة الواحدة لن تستطيع أن تشتريها بملء الأرض ذهباً، فالزمن واهبه الله ومالكه، فكيف يجوز أن تبدده؟ كيف تنفقه ضد الله عز وجل واهبه لك؟ الاقتصاد في الكلام في المجلس، لا تتكلم وتضحك دائماً، ما يجوز، أنتم جماعة راكبون السيارة فلا يكن الوقت كله كلاماً، والله لا يجوز، تكلم بالكلمة تراها نافعة مجدية تحقق حسنة أو تحقق قرشاً كما قدمنا وعلمتم، فالإعراض عن كل ما لا يحقق لك حسنة لمعادك يوم القيامة أو درهماً لمعاشك اليوم، وما عدا ذلك لغو يجب الإعراض عنه.وبلغني أن طلبة -إن صدق القائل- يأتون إلى معرض الكتاب في الجامعة ويتصفحون الكتاب للشراء، إذا وجدوا حديثاً لا يعجبهم يمسحونه بالحبر بدون إذن صاحبه، إذا وجدوه كذا يقطعونه ويمزقونه، هذا إسراف، ما سبب هذا؟ دلونا يرحمكم الله؟ سببه أننا ما ربينا في حجور الصالحين، ما عشنا بين أبوين أو بين مشايخ أو أحباء نتلقى الحكمة والمعرفة والآداب والأخلاق الفاضلة من نشوئنا وبداية حياتنا، تركونا وأهملونا حتى بلغنا سن الرشد الخامسة عشرة والسادسة عشرة وأردنا أن ندخل إلى الإسلام وأن نتحمل وأن نكون من أولياء الله، قل من يسلم، لا بد من التربية، لا بد من ملازمة أهل البصيرة والنهى والأخذ عنهم والتلقي عنهم، وعدم التسرع في الرد والانتقاد لهم والطعن.إذاً: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، وأسرف اليهود في البغض للإسلام والأنبياء والقتل والدمار حتى بلغوا مستوى لا حد له، فكذلك الإسراف في المعاصي، في الزنا، زنى في عشرين سنة مرة فيعفى عنه ويغفر له إن تاب، شرب الخمر مرة في حياته أو مرتين فيتوب منها، أما أن يوالي الجريمة ويسرف فيها فلن يتوب منها، لن ينجو أبداً.فلا بد من القصد، والإسراف في كل شيء حرام، ما هو الغلو في الدين: يبيت طول الليل راكعاً ساجداً وامرأته تتململ على فراشها وأبناؤه يبكون، من كلفك بهذا! قم آخر الليل، صل أول الليل، أو هو طول الدهر صائم وأمه تبكي! ما هذا الصيام؟ لا يجوز فقد أسرفت، فالقصد القصد.

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:11 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا ...)

معنى قوله تعالى: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، خزي في الدنيا، فهؤلاء إن كانوا مؤمنين غير كافرين وأقيم عليهم الحد وقطعت أيديهم ففي الآخرة يغفر لهم؛ لأن الحدود كفارة لأصحابها، أما إذا كانوا مع الجريمة كافرين فلهم عذاب عظيم يوم القيامة في الآخرة: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].لاحظ: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا [المائدة:33]، من هؤلاء الذين لهم خزي فقط في الدنيا؟ إنهم مؤمنون ومع هذا أجرموا وقتلوا، وأقيم الحد عليهم، فيطهرهم الحد، وإن كانوا غير مؤمنين: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، مع خزي الدنيا وذلها وعارها.
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ...)
ثم قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، جماعة حاربونا وعجزنا عنهم، وبعد ذلك تابوا وتركونا، وبعد عامين أو ثلاثة قالوا: نحن الفلانيون وتبنا، فماذا نفعل معهم؟قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، نحن طلبناهم فما استطعنا، قهرونا، بعد سنة تابوا وقالوا: نحن الفلانيون، فننظر: إذا أخذوا المال ردوه أو تقطع أيديهم، إذا فجروا بالنساء يقام عليهم الحد، إذا قتلوا يقام عليهم الحد، إلا أن يعفو صاحب المال أو صاحب النفس فله ذلك، والله غفور رحيم.فهؤلاء المجموعة عجزنا عن التسلط عليهم وفشلنا، سنة أو سنتين وهم يحاربوننا، بعد فترة انقطع ظلمهم ما وجدناهم، وبعد عامين عرفناهم فقالوا: تبنا إلى الله عز وجل، فكيف العمل معهم؟ إن قتلوا ننظر هل أهل المقتول سيعفون عنهم أو لا؟ إن قالوا: عفونا عنهم عفا الله عنهم، وأهل المال إذا قالوا: تنازلنا، فهؤلاء كانوا في جهالة وكذا والآن عفونا فكذلك عفا الله عنهم، وإن قال أصحاب النفس نريد أن يقتص منهم فإنه يقام عليهم الحد، والحدود كفارة لأصحابها، ومن تاب تاب الله عليه، هذه قاعدة، التوبة تجب ما قبلها على شرط أن تكون توبة صادقة ناصحة، ما فيها تردد.
معنى قوله تعالى: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، خزي في الدنيا، فهؤلاء إن كانوا مؤمنين غير كافرين وأقيم عليهم الحد وقطعت أيديهم ففي الآخرة يغفر لهم؛ لأن الحدود كفارة لأصحابها، أما إذا كانوا مع الجريمة كافرين فلهم عذاب عظيم يوم القيامة في الآخرة: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].لاحظ: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا [المائدة:33]، من هؤلاء الذين لهم خزي فقط في الدنيا؟ إنهم مؤمنون ومع هذا أجرموا وقتلوا، وأقيم الحد عليهم، فيطهرهم الحد، وإن كانوا غير مؤمنين: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، مع خزي الدنيا وذلها وعارها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
والآن نسمعكم هداية الآيتين؛ لتذكروا ما قلت لكم.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين: من هداية الآيتين: أولاً: بيان حكم الحرابة ] ما الحرابة؟ قال: [ وحقيقتها: خروج جماعة اثنان فأكثر ويكون بأيديهم سلاح ولهم شوكة، خروجهم إلى الصحراء بعيداً عن المدن والقرى، يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون ويسلبون ويعتدون على الأعراض، هذه هي الحرابة وأهلها يقال لهم: المحاربون، وحكمهم ما ذكر تعالى في الآية ].وهنا محنة الآن تحت شعار الجهاد في بلاد المسلمين، يهجمون على المواطنين ويسلبونهم ويأخذون نساءهم، فهل هؤلاء محاربون أو مجاهدون؟ إن المجاهد يقاتل المقاتل، أما المؤمن الذي في يده مسحاته أو قلمه كيف يقاتل؛ ألأنه مع الحكومة؟ إذا كنت تقاتل فقاتل الجيش، أما أنك تقتل أفراد الشعب وتسلب أموالهم وتعتدي على نسائهم فوالله ما هو هذا بالجهاد، وإنما هي الحرابة، وافهموا هذه.[ ثانياً: الإمام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة لاستتباب الأمن إن قلنا (أو) في الآية للتخيير، وإلا فمن قتل وأخذ المال وأخاف الناس قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل، ومن قتل وأخذ مالاً قطعت يده ورجله من خلاف، فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالاً يُنفى ] ويبعد من البلاد وكفى.[ ثالثاً: من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفى عنه، إلا أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على ذوي أصحابه، أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك ]، إما أن يرد المال، أو يقول للحاكم: أقم الحد علي وطهرني ولا بأس.[ رابعاً: عظم عفو الله ورحمته بعباده لمغفرته لمن تاب ورحمته له ]، هذا معنى قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33]، ما جزاؤهم؟ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، أما إذا ألقينا القبض عليهم وفي أيديهم السلاح فأمرهم كما قدمنا، لكن تابوا قبل القدرة عليهم: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]، يغفر لهم ويرحمهم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:13 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (10)
الحلقة (320)

تفسير سورة المائدة (18)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الخير، إنك ولينا وولي المؤمنين.

ما زلنا مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:35-37].

نداء الله تعالى عباده المؤمنين


حقيقة الفلاح


مقاصد وأغراض نداء المؤمنين


إذاً: عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) نقول: لبيك اللهم لبيك، والخير بيديك، لو أن مؤمناً ما شعر حتى قال: لبيك اللهم لبيك، فهل يحمد على هذا أم لا؟ يحمد على هذا، سمع نداء ربه موجهاً إليه فقال: لبيك ربي، مر أفعل، انه أترك، حبب إليَّ أحب، بغض إليَّ أبغض، إني عبدك ولا هم لي إلا طاعتك.
وقد علم أهل هذه الحلقة المباركة -وزادهم الله علماً- أن الله تعالى حاشاه أن ينادينا للهو واللعب أو للباطل، لا ينادينا إلا لواحدة من أربع: ينادينا ليأمرنا بوصفنا عبيده خلقنا لطاعته، يأمرنا بأمرٍ من أجل إسعادنا وإكمالنا، وأما هو فلا يستفيد منه شيئاً، وليس في حاجة إلى شيء اسمه فائدة، إذ هو خالق كل شيء، يأمرنا بفعل أو قول أو اعتقاد ما من شأنه يزكي أنفسنا ويطهر قلوبنا ويعدنا لسعادة الدنيا والآخرة، أو ينادينا لينهانا: لا تفعلوا، لينهانا عما من شأنه أن يعوقنا عن السعادة والكمال، والله! ما نهانا الله عن شيء إلا لأنه يعوقنا عن الفوز والنجاح والسداد، فلهذا إذا نهاك مولاك فاستجب، كأنما قال لك والسم بين يديك وتريد أن تبتلعه: عبد الله! لا تأكل السم. فكل ما نهى الله عنه من اعتقاد فاسد أو قولٍ سيء أو عمل غير صالح؛ والله لضرره أكثر من ضرر السم؛ لأنه سيدنا ومولانا، ما ينهانا إلا عما فيه ضررنا وهلاكنا وشقاؤنا.
إذاً: ينادينا ليرغبنا، ليبشرنا؛ لأننا أولياؤه؛ لنزداد في الصالحات والتنافس فيها، وهو في صالحنا، أو ينادينا ليخوفنا، ليحذرنا مما من شأنه أن يضر بنا ويفسد علينا قلوبنا وحياتنا.
وينادينا ليعلمنا ما نحن بحاجة إلى العلم به والمعرفة؛ لما فيه كمالنا وسعادتنا، أما أن ينادينا لا لشيء فتنزه الله عن ذلك، وتعالى عن اللهو واللعب، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان:38-39].


ذم الإعراض عن نداء الله تعالى


معشر المستمعين! هل يليق بعبدٍ يرغب في أن يخترق السبع السماوات وينزل في دار السلام أن يسمع هذا الكلام ولا يبالي به، ولا يحفظه ولا يهتم به؟
أنا أقول: لولا الغفلة لقلت: إن الذي يسمع هذا الكلام ولا يريد أن يفهمه ولا أن يعمل به والله ما له رغبة صادقة في النزول بالملكوت الأعلى، أو ما عرف الملكوت الأعلى ولا آمن به.
لقد نادانا ربنا في كتابه القرآن الكريم بتسعة وثمانين نداء: (يا أيها الذين آمنوا)، إما أن يأمرنا أو ينهانا أو يبشرنا أو ينذرنا أو يعلمنا.
وواجبنا أن نعلم تلك النداءات كلها، وأن نعرف كل نداء منها، وأن نعمل بما أمرنا بالعمل به، وأن ننتهي عما نهانا عن فعله، وأن نستبشر بما بشرنا، وأن نحذر ونخاف مما حذرنا، ونتعلم ما أراد أن يعلمنا، وهذا طريق السلام، وهذا سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.
هل عرف المسلمون هذا؟ ما سمعوا به قروناً عديدة، ما سبب ذلك؟ فروا من بيوت الله وهجروها، أعرضوا عن كتاب الله، وضعوه على الرفوف فقط، أو حفظوه في الصدور ليقرءوه على موتاهم، من أجل أن يأكلوا طعاماً أو يتقاضوا أجوراً، وأكثر من ثمانمائة سنة وهم هكذا.

أمر المؤمنين بالتقوى


وهنا نادانا جل جلاله فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[البقرة:278]، نادانا ليأمرنا أولاً بتقواه: اتقوا الله، لو كان هناك سبع مفترس حول بيتك، أو في الحي الذي أنت فيه وناداك منادٍ فقال: يا فلان! احذر فالسبع موجود أمامك، فهل ستضحك ولا تبالي، ماذا تصنع؟ هل تفزع أم لا؟ لو ناداك منادٍ: يا عبد الله! انتبه، فبعد أربع وعشرين ساعة لن تبقى قطرة من الماء، فاحتفظ بما عندك من الماء أو تموت عطشاً وظمأً، فماذا ستقول؟ ستخاف على نفسك العطش والموت.

إذاً: فكيف يقول الجبار جل جلاله وعظم سلطانه: يا عبادي المؤمنين! اتقوني ثم لا نبالي؟ أعوذ بالله، أعوذ بالله أن نقف هذا الموقف.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[البقرة:278]الذي بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، يملك الحياة والموت، والإعزاز والإذلال، والفقر والغنى، والصحة والمرض، وبيده كل شيء، يأمرنا أن نتقيه، فكيف نتقيه؟

بلغنا أن عالماً في جبال التبت يعرف معنى تقوى الله فهيا نمشي إليه، من منكم يسافر إلى جبال التبت ليعلمنا معنى قوله: اتقوا الله؟
والله لو كنا مؤمنين صادقي الإيمان، وقد سمعنا عنه هذا وأمرنا، ولكن لا نعرف كيف نتقيه، وقيل لنا: إن فلاناً يعلم ذلك؛ والله لرحلنا إليه، أو هل نقول: ما نعرف، ونقوم نرقص ونأكل؟ إذاً: فنحن بهائم، كفار ومشركون، لا وزن لنا ولا قيمة.
ولم يأمرنا بتقواه؟ علمنا قبل أنه هو الذي يحيي ويميت، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يعطي ويحرم من يشاء، بيده كل شيء وإليه المصير، الجبار، العزيز، إذاً: كيف لا يتقى وقد طلب إلينا أن نتقيه؟

يتبع



ابوالوليد المسلم 05-06-2021 04:13 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وسيلة تقوى الله تعالى

كيف نتقي الله؟ بماذا؟ ما هي الآلات والأدوات التي نتقي الله بها وهو فوقنا ونحن بين يديه لا يخفى عليه من أمرنا شيء، ظاهرنا كباطننا، وهو معنا يرانا ويقضي علينا، فكيف نتقيه؟ هل بلباس قوي، بكهوف في الأرض، بجبال فوق الأرض نصعد فوقها، بم تقي؟ كيف نتقي الله؟
من منكم -معاشر المستمعين- يقوم ويقول: بم نتقي الله يا شيخ؟ لنا رغبة في أن نتقيه، فعلمنا بم نتقي الله؟ أمرنا الله تعالى بتقواه فما أدوات الاتقاء حتى ننجو من غضبه وسخطه وعذابه؟
الجواب: معشر الأبناء والإخوان! الله يتقى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا لباس ولا حصون ولا سلاح، يتقى غضبه تعالى وسخطه وعذابه بطاعته، أطعه وأطع رسوله فيما يأمرانك به وينهيانك عنه، لقد اتقيت غضب الله حينئذ، وجعلت بينك وبينه وقاية أعظم من السماوات والأرضين، فإن لم تطعه فلا وقاية، ولو كان لك كل العسكر في العالم فوالله ما نفعوك في شيء.
الآن -والحمد لله- عرفنا بم نتقي الله، نتقيه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر الواجبة التي ألزم بها، وفي النواهي الدالة على التحريم والممنوعة عندنا، بهذا نتقي الله.

فائدة التقوى والطاعة

وسؤال آخر: هل فعل الأوامر التي أمر الله بها ورسوله، وترك المنهيات التي نهى الله عنها هل في ذلك فائدة الله، أم فائدتنا؟ لا شك أن فيه فائدتنا.
والله! لا نسعد ولا نكمل ولا نتحاب ولا نتوالى ولا نتصافى في الدنيا قبل الآخرة إلا على هذا الأمر وهذا النهي، لسعادتنا في الدنيا وكمالنا قبل الآخرة، فلا يأمرنا بفعل شيء إلا ليحقق سعادتنا وكمالنا، ولا ينهانا عن ترك شيء إلا من أجل أن يبعدنا عن شقائنا وخسراننا؛ لأنه العليم الحكيم.
من يبين لنا سر الأمر والنهي، ما فائدة طاعة الله ورسوله؟ الجواب: أن نتقي غضب الله وعذابه وسخطه، أليس كذلك؟
فيجب على كل مؤمن ومؤمنة من عقلاء المؤمنين والمؤمنات أن يتعلموا أوامر الله ونواهيه، وأوامر رسول الله ونواهيه، ولا محالة، على كل من دخل في رحمة الله في الإسلام أن يعلم أوامر الله كيف هي وما هي، ونواهيه أيضاً ما هي وكيف هي، وأوامر الرسول ونواهيه تابعة لأوامر الله ورسوله.
فهل هذا الأمر واضح؟ هل يجوز لمؤمن أو مؤمنة أن يعيش بعد البلوغ السنة والسنتين والعشر السنين أو الأربعين وهو لا يعرف ما أمر الله به ولا ما نهى الله عنه؟ فإذا كان ما عرف الأمر والنهي فهو كافر، أو فاسق أو فاجر من أهل الشقاء والخسران.


المساجد باب لتحصيل التقوى


يا ساسة! كيف الحل؟ هنا مشكلة تواجه العالم الإسلامي، دعنا من الذل والهون والفقر والضعف والفتن، اسكت عن هذا، فقط قل لي: كيف نطيع الله ورسوله لنكمل ونسعد؟
الجواب: يجب أن نتعلم ونعرف أوامر الله التي هي في العقيدة وفي القول وفي العمل، وأوامر رسوله كذلك في العقيدة والقول والعمل، ونواهي الله المتعلقة بالعقيدة الفاسدة والقول السيئ والعمل غير الصالح، فكيف نحصل على هذا؟
لقد بحثنا عن الطريق ونقبنا وفتشنا، حللنا وسرنا، وقعدنا وقمنا أكثر من أربعين سنة، فما الطريق؟
الطريق واحد: أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله في صدق: أسلمت لك يا ربِّ وجهي، ونجتمع في بيوت ربنا المساجد، سواء كنا في المدن أو كنا في القرى، كنا عرباً أو عجماً؛ لأننا دخلنا في الإسلام، كل ليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة عن بيت الله في الحي أو في القرية، إلا المريض أو الممرض، والحيض من النساء يجعل لهن ستار وراء الجدار، ومكبر الصوت يبلغهن ويبلغ الصوت إليهن، كل ليلة نتعلم الأوامر والنواهي الإلهية والنبوية، وكيف نفعل وكيف نترك، وذلكم هو العلم، وبعد عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة -والله- ما يبقى جاهلٌ ولا جاهلة أبداً، ولسنا في حاجة إلى قرطاس ولا قلم ولا دواة، ولا مدرسة أبداً، طول النهار والمحراث في يدي وأنا أحرث الأرض، أو الحديد وأنا أصنع، وفي الليل نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله طول العام، فلن يبقى بيننا جاهل ولا جاهلة، لا جاهل بالله وأسمائه وصفاته، ولا جاهل بما عند الله لأوليائه، وما لدى الله لأعدائه، ولا جاهل بأوامر الله ورسوله ولا نواهي الله ورسوله، ولا كيف يفعل المأمور ويتجنب المنهي، هذا هو الحل، وليس هناك حل آخر، والله لا وجود له.


دلائل انعدام التقوى في غير التربية المسجدية


ومن باب الاستدلال القريب نقول: إن الأبناء والإخوان الذين لازموا الحلقة سنين يعرفون الحلال والحرام، والواجب والمكروه، ما قرءوا ولا كتبوا، لكن سمعوا كلام الله وكلام رسوله، وحفظوه وفهموا مراد الله منه.
وبرهان آخر ودليل آخر: لو أراد المسئولون أن يطهروا البلاد بنظام خاص حتى لا يبقى لصٌ ولا مجرم، ولا زانٍ ولا كذاب، ولا سارق، ولا ساحر، ووضعوا أنظمة حديدية بالنار، فجعلوا في كل شارع خمسين عسكرياً، وقالوا:: سنعطي لكل من يستقيم على منهجنا راتباً كل شهر؛ فوالله! ما يتحقق أمنٌ ولا طهرٌ ولا صلاة، ولكن يتحقق بالعلم والمعرفة بالله عز وجل، أما جربنا الاشتراكية في عالمنا العربي والإسلامي أكثر من خمس وعشرين سنة؟ فما هي نتائجها؟ أعوذ بالله، أعوذ بالله! هل حققت الغنى؟ هل حققت العدل والقسط بين الناس؟ هل حققت الطهر والصفاء؟
الجواب: والله! لقد حصل العكس: الفقر والخبث، والظلم والشر والفساد، مع أننا تبجحنا وقلنا: اشتراكيتنا نوالي من يواليها، ونعادي من يعاديها! وصفقت الدنيا، فأين آثارها؟ أين هي؟
والتصوف، الطرقية، الزوايا، المشايخ في كل مكان، هل حققت تلك الطرق الصوفية شيئاً؟ هل رفعت ظلمة الجهل أم زادتها ظلمة أخرى؟
والدليل والبرهنة الصادقة قول ربنا جل ذكره: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28]، والله! إن مشايخ طرق يفجرون بنساء إخوانهم، ويقدمها الرجل الفحل من أجل أن تنجب من شيخه ولداً! إلى هذا المستوى هبطت هذه الأمة!

لقد استقللنا وأخرجنا فرنسا من بلادنا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا، فماذا حصل؟ هل سار الطهر فما أصبحت تسمع بجريمة؟ ما أصبحت تسخر من آخر ويسخر منك؟ ما بقي حسد في النفوس؟ ما الذي بقي؟ ما الذي حصل؟ قولوا: لا إله إلا الله.
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28] العارفون به تعالى وبأوامره ونواهيه، وما عنده لأوليائه، وما لديه لأعدائه، أولئك الذين يخافون الله؛ لمعرفة سلطانه وقدرته وغضبه ورضاه، أما الجاهل فأنى له أن يستقيم؟!


خطوات عملية لتحصيل التقوى


لقد بلغنا أن الله عز وجل نادانا وأمرنا بتقواه في ذلك النداء، فهيا يا أبناء الإسلام نتقي الله، فكيف نصنع؟
أولاً: نعزم ونصمم على أن نتقي الله، هذه الخطوة الأولى، فإذا امتلأ القلب بهذا الخوف فحينئذٍ سوف نسأل: نتقي الله بأي شيء؟ ما هي الأوامر التي نعبد الله ونطيعه بها، وما هي النواهي؟ في صدق وفي علم، ونتعلم كيف نطيعه ونتعلم كيف نتجنب معاصيه في صدقٍ وجدٍ، فما يمضي علينا أربعون يوماً إلا وقد عرفنا الكثير من الأوامر والنواهي، واستجبنا لله وأصبحنا تضيء أنوارنا وتلوح في الأفق، كلام طيب، نظرة سليمة، معاملة صادقة، وينتهي الحسد والغل والغش والبغض والكبر، والأمراض كلها تنجلي.
معاشر الأبناء! لا أكثر عليكم، إننا مأمورون بأن نتقي الله، ولا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره، فلنسأل أهل العلم، ما نكتفي بالكتاب، نسأل ونعلم، نجالس العلماء ونزاحمهم، ونطبق كل ما سمعنا وعلمنا حتى نرتقي يوماً فيوماً ونصبح في أيام عالمين بالله، متقين له، وذلك هو الفوز العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:48 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (11)
الحلقة (321)

تفسير سورة المائدة (19)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
معاشر المستمعين والمستمعات! مازلنا مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )[المائدة:35-37].

حياة المؤمنين وشرفهم بنداء الله تعالى لهم

العلم بالتكاليف والقيام بها وسيلة تحقيق التقوى

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:35] عرفنا بم نتقي الله، إننا نتقيه بطاعته وطاعة رسوله، أي: بفعل ما أمرنا الله بفعله، واجتناب ما أمرنا باجتنابه، بهذا يتقى الله، أي: يتقى عذابه وسخطه وغضبه على عصاته، بم تتقي الله يا عبد الله؟ هل بسور عالٍ وبحصن حصين وبجيش عرمرم؟ بم تتقي الله وأنت بين يديه؟ الجواب: لا ينتقي الله إلا بطاعته، من أطاعه اتقى غضبه وسخطه، ومن عصاه وتمرد عنه وخرج عن طاعته ما اتقى الله أبداً، وتعرض للغضب الإلهي والسخط الرباني والعذاب والعياذ بالله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:35]، وطاعة الله وطاعة الرسول توجب أن تعرف أوامر الله ونواهيه، وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه، وإلا فلن تستطيع أن تتقي الله، فهل تريد أن تتقي عذاب الله وسخطه؟ إن ذلك بطاعته وطاعة رسوله. في أي شيء؟ في الأمر والنهي. ما هي أوامره وما هي نواهيه؟ اطلب هذا من أهل العلم أو من كتاب الرب وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن تشتغل بتجارتك وأعمالك ودنياك، وتقول: ما عرفت أوامر الله ونواهيه؛ فهذا ما ينبغي! والكلمة الخالدة كلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والمسلمة تابعة، وإنما لم تذكر تنزيهاً لها، واعترافاً بحرمتها أو احتراماً للفحول أن يذكر نساؤهم بينهم.

إذاً: الحبيب يقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والمسلمة يا رسول الله؟ الجواب: هي كذلك. فلم ما قلت: والمسلمة؟ الجواب: احتراماً لكم وتقديراً لمواقفكم لا نذكر نساءكم، فما الفرق بينكم وبينهن؟ الكل يريد دار السلام والنجاة من الخزي والعذاب.
إذاً: هل يستطيع رجل أو امرأة أن يطيع الله ورسوله وهو لم يعرف أوامر الله وأوامر رسوله، ونواهي الله ونواهي رسوله؟ مستحيل. إذاً: وجدنا أنفسنا أمام الأمر الواقع، يجب أن نطلب العلم، كل يوم تعلم أمراً، اليوم عرفت من أوامر الله إقام الصلاة، فإياك أن تعصي الله، إياك أن تفرط فيها أو تؤديها على غير الوجه المطلوب أداؤها عليه، غداً عرفت وجوب الزكاة، بعده عرفت وجوب الحج، ثم عرفت بر الوالدين، ثم عرفت طاعة أولي الأمر، ثم عرفت الآداب.. وهكذا، ما هو بشرط أن يكون في يوم واحد، الليلة عرفت أن الغيبة حرام، قال تعالى: ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا )[الحجرات:12]، بعد شهر عرفت أن النميمة حرام، بعد غدٍ عرفت أن الكذب حرام، وهكذا.

إذاً: يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف أوامر الله وأوامر رسوله ونواهيهما؛ ليفعل المأمور على الوجه الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولينتهي عن المحرم نهياً كاملاً وانتهاء تاماً.

معنى قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة)

وسائل مشروعة في طلب مرضاة الله


فباسم الله نستعرض الوسائل المشروعة:
اغتسل أحدكم قبل صلاة الفجر وصلى الصبح في طريقه إلى مكة ليعتمر، فهذه العمرة وسيلة تقربه من الله؛ لأن الله أحب ذلك ودعا إليه وأمر به فقال: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )[البقرة:196].

أحدكم في منزله توضأ وأتى إلى المسجد ليسمع العلم ويحضر حلق الدرس تملقاً إلى الله وتزلفاً، أو من أجل أن يعرف ما يحب الله وما يكره، فهل هذا المجيء وسيلة أم غير وسيلة؟ إنه وسيلة.
شخص من الصالحين يمشي في شوارع المدينة، وكلما رأى شوكاً أو حجرة تؤذي المؤمنين أو عقرباً أزالها، لم يا عبد الله؟ قال: أتملق ربي في تنظيف الطريق لعباده، يتوسل إليه.
طبيب يضع كرسيه أمام المسجد بعد الصلاة: من أراد أن يشكو مرضه إلي فليتفضل، يضع يديه على قلبه على جسده، ثم يدفع إليه المريض مالاً فيقول: لا، نحن نتملق إلى الله فقط، يتوسل بعلاج أولياء الله ومداواتهم.
بل هنا طباخ يقول: لأحسنن طبخ هذا الأزر اليوم ليأكله الصالحون ويتلذذوا به، وأنا أتقرب بذلك إلى ربي، فهذا توسل.
إذاً: كل قول أو عمل أو نية صالحة تريد بها وجه الله أنت متملق إلى الله متزلف من أجل أن يقربك وتحظى بالقرب منه تعالى.

يتبع



ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وسائل محرمة في طلب مرضاة الله

والوسيلة الممنوعة التي عرفها المؤمنون في عصور الجهل من مظاهرها: أنه يركب من المدينة على بعيره إلى قبر سيدي عبد القادر الجيلاني في بغداد، آلله أمرك بهذا تتوسل به إليه؟ لا؛ لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )، فكونك أنت تأخذ تذكرة بالطائرة من المغرب الأقصى أو من السودان أو من الشام لزيارة سيدي عبد القادر الجيلاني هذه وسيلة والله ما تصل بك إلى رضا الله، ما هي بوسيلة هذه، ما شرعها الله.
إن الوسيلة أنك -مثلاً- بعدما استراح الناس وصلوا العشاء وطعموا وأرادوا أن يناموا ذهبت إلى البقيع ووقفت على جداره وسلمت على أهله: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر لأهل البقيع وارحمهم، اللهم اغفر لأهل البقيع وارحمهم، ودمعت عيناك دموعاً ورجعت، فلم فعل هذا؟ فعله يتملق إلى الله يتزلف إليه؛ لأنه يسلم على أوليائه الموتى ويدعو لهم ويترحم عليهم، هل فعل هذا لأجل دينار أو درهم؟ فهذه وسيلة.
أما أن تأتي إلى قبر إدريس أو قبر البدوي أو العدناني -وما أكثرهم- وتحبو حبواً للوصول إليه، ما يستطيع أن يمشي، فلو مشى لقالوا: ما فيك تقدير للسيد، فيحبو وينزل على القبر يتمرغ ويتمسح، ويقول ويدعو: يا سيدي، يا كذا أنا كذا أنا كذا، ويكفر حتى ما يبقى له علاقة بالله، ويقول: توسلت! أهذا التوسل الصالحين؟! هل الميت يدعى، وإذا دعي فهل يجيب؟ الجواب: لا؟ ما قال تحت السماء إنسان: إن الميت إذا دعي سمعك وأجابك وقال: سأعطيك، فكيف إذاً تأتيه من قريتك من بلادك البعيدة، وتتململ حول قبره، وتدعو وتستغيث وتقول: أتوسل إلى الله عز وجل؟ أنت الآن تبتعد من الله وما تتوسل، أنت تتوسل للبعد من الله وعدم القرب منه، وعلة هذا الجهل، ما عرفوا، ما علمناهم، ما علموا، هذا هو السبب، لا سبب غيره، لو عرف أنه بهذه عصى الله ورسوله، وخرج عن طاعة الله ورسوله، وأنه في عداد المشركين والله ما يفعل هذا أبداً، إلا إذا كان قلبه ميتاً لا يؤمن بالله ولا بلقائه، مسلم صوري أراد أن يأكل أو يشرب بهذه العملية فهذا ممكن، أما من آمن بالله وعرف الله ثم يفعل هذا الشرك والباطل ليتقرب به إلى الله فلا!
وكذلك الذين يذبحون للأولياء ويجعلون لهم الأغنام والأشجار: هذه شاة سيدي عبد القادر ! اشترى مجموعة من الشياه في هذه الأيام؛ لأن الأمطار غزيرة والنباتات ظهرت، يريد أن يكتسب، فاشترى عشرين شاة وقال: هذه شاة سيدي فلان، ما تلده له وهي له، جعل شاة للولي توسلاً حتى يحفظ الله عز وجل باقي الغنم وتنجب وتلد، هذه رغبته، آلله أمر بهذه الوسيلة وأذن فيها؟ الجواب: لا، إذاً: هذه وسيلة باطلة، هذه تبعدك عن القرب من الله، ولا تعطيك أبداً درجة عند الله بحال؛ لأنك ابتدعت بدعة وأتيت بعمل الشرك.
وآخر أراد أن يغرس في وقت الغرس في الخريف خمسين نخلة من العجوة، قال: هذه نخلة سيدي رسول الله، وهذا أحسن من سيدي عبد القادر ، ومع هذا فوالله ما يجوز ذلك، وتبقى النخلة كلما تثمر لا يأكله هو ولا أهله، هذه لسيدي فلان! لم فعلت هذا؟ يقول: من أجل أن يبارك الله في النخل وينتج ويكون صالحاً، فهذا يسميه العلماء توسلاً، لكنه باطل ما ينفع وما يجدي أبداً.
قال تعالى عنهم: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )[الأنعام:136]، المشركون كانوا يقولون: هذه الشاة للات وهذه الشاة لربنا عز وجل، هذه النخلة للعزى وهذه النخلة لربنا تعالى، ومع هذا ما قبل الله هذا وما رضي به، ثم سلكوا مسلكاً قبيحاً وهو التحيل؛ فالتي جعلوها لله إذا أنتجت -سواء كانت نعجة أو ناقة أو بقرة أو نخلة أو شجرة- وما أنتجت التي جعلوها لغير الله يأخذون التي لله فيعطونها للأخرى، والعكس لا، فإذا نتجت ناقة العزى وناقة الله ما نتجت لا ينقلون حقها، يتركونها لأوليائهم، فعابهم تعالى على هذا التصرف، ساء ما يحكمون من الحكم الباطل.

وكذلك النذور، يقول: يا سيدي عبد القادر، يا سيدي فلان، يا رسول الله! إذا تيسر أمري وأنجبت امرأتي ولداً فعلت كذا وكذا، وهذه وسيلة باطلة لا تبتغى ولا تطلب لله.


تعدد الوسائل المشروعة بتعدد الطاعات

وعدنا من حيث بدأنا: فتوسل إلى الله بمحابه، بالذي يحبه، افعله من أجله تزلفاً إليه وتقرباً، توسل إلى الله بترك مكارهه، ما يكرهه ونفسك تشتهيه أو أبوك يشتهيه اتركه لله تملقاً إلى الله وتزلفاً، ولن يكون التوسل بغير هذا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )[المائدة:35]، هل عرف المؤمنون والمؤمنات كيف يتوسلون إلى الله، كم هي الوسائل؟ بلا عد، كل طاعة لله ورسوله وسيلة، تتوسل بها إلى الله، تذكر الله: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، عشراً، مائة، مائتين، مائة ساعة وأنت تحظى بالقرب من الله؛ لأن الله يحب هذه الكلمات، وهكذا.

أما البدع والخرافات والضلالات والشركيات بالذبح والنذر والعكوف على القبور والرحلة إليها لمسافات بعيدة فهذا من باب الشرك والباطل، ولا يصح لمؤمن ولا مؤمنة أن يأتيه أبداً.

معنى قوله تعالى: (وجاهدوا في سبيله)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35] والسبيل معروف: الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل، ما هو سبيل الله؟ هو أن يعبد الله وحده بما شرع لعباده من أجل أن يكملوا ويسعدوا في دنياهم وأخراهم، سبيل الله طريق الله الموصل إلى رضا الله عز وجل.

إذاً: جاهدوا في سبيله لا تخرجوا عن محابه ومساخطه، جاهدوا الكافرين المشركين الظالمين، حتى يعبدوا الله وحده، وحتى يتخلوا عن الظلم ويبتعدوا عن الشر والفساد، هذا الجهاد لا بد له من إمام يقود المجاهدين، إذا قال: قفوا وقفوا، إذا قال: سيروا ساروا، وإذا قال: ارجعوا رجعوا، لا يصح فيه العمل الفردي أبداً بحال من الأحوال، لا بد من إمام يقود المؤمنين إلى الجهاد في سبيل الله، أي: من أجل أن يعبد الله وحده ولا يشرك به سواه، من أجل أن تطبق قوانينه وشرائعه بين الناس ليطهروا ويكملوا ويسعدوا في دنياهم وأخراهم.
والآن إمامنا -أطال الله عمره وحفظه- لنا ما أعلن عن جهاد، فنحن الآن آمنون، ما علينا تبعة ولا مسئولية، لكن لو قال غداً: التعبئة العامة، العدو داهمكم فقد وجب، وحصل هذا في حرب الخليج واندفع الرجال، لكن إذا ما أمر إمام المسلمين فهذا يعود إليه لعدة أسباب:
أولاً: ضعفه وعدم قدرته على غزو أو فتح بلاد أعظم منه وأكبر، فاضطر إلى معاهدتهم، معاهدة السلم وعدم الاعتداء ليدفع شرهم عنا، أما عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ثانياً: لسنا بقادرين على أن نغزو ونفتح لضعفنا وعجزنا وقوة من نريد كذلك غزوهم ودخول ديارهم، هذه حالات وظروف ممكن أن تبقى سبعين سنة ما هناك جهاد، وقد يترتب الجهاد في كل سنة مرة، كلما يغزونا العدو يجب أن نغزوه.


نقد الجهاد بنية تحرير الوطن

(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، هنا ألفت النظر: جاهدنا في سبيل الوطن لتحرير البلاد من إندونيسيا إلى موريتانيا، وما استطعنا أن نقيم دولة لله، ولا أن ننصب إماماً يؤمنا ويقودنا إلى رضا الله؛ لأن النية الدافعة الباعثة على الجهاد هي التحرير، تحرير الوطن من الاستعمار، وإني آسف لأن رجال السياسة غير موجودين عندنا، لكن نتكلم مع البهاليل ولا حرج، والله عز وجل يسمعنا، قاتلنا بريطانيا، قاتلنا فرنسا، هولندا، قاتلنا أسبانيا، إيطاليا، وما قاتلنا قتالاً في سبيل الله، فمن ثم لم ينتج لنا دولة إسلامية، ولا إماماً إسلامياً يقودنا، ما إن نخرج العدو حتى نكون الحكومة من ماذا؟ أمن أهل العلم والبصيرة والولاية لله؟ فسادتنا حكومات أشبه بالجاهلية، والله إن الحالة الدينية في بلادنا حين كان الاستعمار فيها أفضل منها الآن في الاستقلال، وأتكلم على علم وعلى بصيرة، أيام الاستعمار الفرنسي كان الخمر ممنوعاً ولا يباع، ما كانوا يلزمون مؤمنة أن تكشف عن وجهها أبداً، أو يسخرون منها، والآن أين نساء المؤمنين؟ في الشوارع غاديات رائحات، والخمر تصنع وتباع.. وقل ما شئت، وليس معنى هذا أني أرغب أن يعود الكفر إلى ديارنا، الذي يفهم هذا الفهم مسكين ضائع، نقول: لما جاهدنا ما جاهدنا على الأساس الذي وضع الله عز وجل في قوله: ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، ما قال: في تحرير البلاد، في إقامة الحكم الوطني، قال: ( فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، أي: من أجل أن يعبد وحده، وأن تطبق شرائعه، وتظهر أنوار دينه لتعم العالم وتغطيه.

عظمة جهاد النفس

الجهاد الثاني: جهاد النفس، وتذكرون حديث: ( رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، وإن ضعف الحديث فما يضرنا هذا، فجهاد النفس أصعب من جهاد العدو، جهاد العدو تحمل فيه سلاحك شهرين أو أربعة وترجع، ونفسك تجاهدها الليل والنهار طول العام حتى تموت وأنت في هذا الجهاد إن كنت من المجاهدين، أما إذا استسلمت لها فهي تقود إلى كل وبال ومفسدة، لكن من أراد أن يستقيم على منهج الله لا يتكلم بكلمة حتى يعلم أن الله أذن له فيها، لا ينظر نظرة حتى يعلم أن الله أذن له فيها، لا يأكل لقمة حتى يعلم أن الله أذن فيها، وهنا تواجه النفس، تدعوه إلى الطعام والشراب والنكاح والقول والعمل، فكيف يقهرها إذا لم يجاهدها الجهاد المرير.
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، نجاهد من؟ تقدير المفعول: أنفسنا، ونجاهد الكفار من أجل أن يطهروا، أن يصفوا، أن يكملوا، أن يسعدوا بعبادة الله وحده وبالتخلي عن الشرك والكفر، أليس كذلك؟

وبالمناسبة أقول وأستثني المملكة: لو أراد إقليم من أقاليم المسلمين أن يغزو بلاداً كافرة ليدخلهم في الإسلام، أليس يصبح جهادهم معرة؟ أنت ما أقمت الإسلام في ديارك، لا طهر ولا صفاء، لا مودة ولا إخاء، لا حب ولا ولاء، وتريد أن تدخل إيطاليا في هذا، أهذا عمل؟
إذاً: أنت لا تقيم دعوة الله ولا دينه في بلادك، وتطالب أن تدخل البلاد الأخرى، ففيم تدخل؟ أتريد أن يصبحوا سكارى كإخوانك أنت وعشاقاً وضلالاً ومشركين وخرافيين في كل مكان، هذا الذي تدخلهم فيه؟ ما يجوز أن تطلق ولا رصاصة من أجل هذا، ومعنى هذا: أن من أراد من ديار العالم الإسلامي أن يجاهد فليبدأ بنفسه، يطهر أمته بأساليب الطهارة، يزكيها، يرفع قيمها، يوحدها حتى تصبح ككتلة من نور حيثما توجهت أنارت الأرض.
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، لماذا يا رب؟ رجاء أن تفلحوا، لتستعدوا للفلاح: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، فمن يفلحنا؟ الله الذي جاهدنا من أجله، ينجينا من الخزي والذل والعار والفرقة والخلاف وعذاب النار يوم القيامة، ويدخلنا الجنة دار الأبرار بعد أن تصفو أنفسنا وأرواحنا ونتحاب ونتوالى ونتعاون في ديارنا هذه، هذا هو الفلاح: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، هذه (لعل) الإعدادية؛ لنعدكم بذلك ونهيئكم للفلاح.


الخطوات الإعدادية لجهاد النفس

معاشر المستمعين! هيا نجاهد، ادخلوا في هذه المعركة، ما دام أنه قد أمنكم الله وأراحكم فلا تحمل سيفاً ولا تشتريه أيضاً ولا يوجد في بيتك، فهيا نجاهد أنفسنا، أول خطوة: ألا نصلي صلاة إلا في جماعة المسلمين، جهاداً لهذه النفس الماكرة الخبيثة، فمن الليلة لا أصلي فريضة إلا في جماعة المؤمنين.
الخطوة الثانية: ألا نتكلم بكلمة لم نعرف أنها فيها رضا الله، ونلتزم الصمت، وإذا بالبلاد تتغير، إذا لازمنا الصمت بقيد ألا نتكلم إلا إذا أذن الله لنا في تلك الكلمة وكانت من مرضاته فلا تسأل عما يسقط من الشر ويتهدم من الفساد والبلاء بحفظ اللسان فقط.
نجاهد أنفسنا على ألا نقضي ساعة في لهو أو باطل أبداً، أيامنا كدقائقنا كساعاتنا لله، نجلس جلسة نذكر الله، نتعلم الهدى، نعبد الله، أما أن نجلس لنضحك ونتكلم بالباطل أمام التلفاز أو نلعب الورق فهل هذا جهاد للنفس؟ هذا انهزام للنفس، فلنجاهد أنفسنا لنتهيأ للفلاح الموعود بكتاب ربنا، نجاهد أنفسنا بحملها على طاعة الله وطاعة رسوله، فلا ترانا إلا نفعل المأمور ونتخلى ونبتعد عن المنهي غير المأمور، هذا هو الجهاد والفلاح مضمون: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35].

والله تعالى أسأل أن يجعلنا من المفلحين المجاهدين طول حياتهم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:52 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (12)
الحلقة (322)

تفسير سورة المائدة (2)


أمر الله عز وجل المؤمنين باحترام شعائره سبحانه، فلا يصدون من أتى من المشركين قاصداً بيت الله الحرام سائقاً معه هديه وقلائده، ولا يتعاملون معهم كما فعلوا هم بالمؤمنين في عمرة الحديبية، حين صدوا النبي ومن معه من المؤمنين عن دخول بيت الله الحرام ونحر هديهم عنده، إلا أن الحكم بدخول المشركين إلى الحرم قد نسخ فيما بعد، فحرم الله دخولهم الحرم لأن عليهم نجاسة الشرك ورجسه.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم والأيام الثلاثة بعده ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع فاتحة سورة المائدة، وقد تناولنا بالدراسة منها الآيتين الأوليين، وما استوفيناهما دراسة وفهماً وعملاً وتطبيقاً، فإليكم تلاوة الآيتين وتأملوا وتدبروا:
بسم الله الرحمن الرحيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:1-2].

ذكر خبر الفيلسوف الكندي في الدلالة على إعجاز نظم القرآن الكريم

بين يدي شرح الآيتين: ذكر القرطبي في تفسيره القصة الآتية؛ لتعرفوا عظمة هذا القرآن وما احتوت عليه هاتان الآيتان من العجب والبيان.قال: إن أصحاب الكنديالكندي هذا من فلاسفة العرب- قالوا له: أيها الحكيم! اعمل لنا كتاباً مثل القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه. تلطف، ما ادعى الدعوى الكاملة، فاحتجب أياماً كثيرة في بيته، ثم خرج إلى الناس إلى أتباعه وتلامذته من المشركين فقال: والله ما أقدر ولا أطيق ولا يطيق هذا أحد، قال: إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، قال: فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحل تحليلاً عاماً ثم استثنى استثناءً بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد! ما هو في جلد واحد بل في عدد من الجلود، وهو تعالى جاء به في سطرين! هذا قول حكيم من حكماء العرب.

سر نداء المؤمنين بلفظ الإيمان

بسم الله نراجع إجمالاً قبل الشرح:

أولاً: عرفنا أن الله عز وجل تفضل علينا -وله الحمد والمنة- إذ نادانا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:1]، قلنا: لبيك اللهم لبيك.

وقد لا يشعر بعضنا بفضيلة نداء الرب تبارك وتعالى، فالبشر لو يناديه ملك من الملوك أو سلطان من السلاطين يكاد يطير من الفرح، وذو الجلال والإكرام رب السموات والأرض رب العالمين ينادينا وما نفرح؟! من نحن وما نحن حتى ينادينا؟ لو اجتمعنا كلنا ما كنا ككوكب في السماء.
ونادانا بعنوان الإيمان لسر عرفناه والحمد لله: وهو أن المؤمن حي يسمع النداء، والكافر ميت، المؤمن الصادق في إيمانه والله إنه لحي يعي ويفهم ويسمع ويبصر وينطق ويأتي ما يدعى إليه ويفعل، وينتهي عما نهي عنه ويترك، وذلك لكمال حياته، أما الكافر فهل يجيب إذا ناديته؟ يسمع (حي على الصلاة) على المآذن فهل يجيب النداء ويشهد صلاة الجمعة؟ الجواب: لا.
وبعبارة واضحة: المسلمون إذا كان تحت رايتهم ذميون من أهل الكتاب هل يكلفونهم بأعمال الإسلام؟ يأمرونهم بالصيام والصلاة والحج والجهاد والرباط والزكاة؟ والله ما يأمرونهم، لماذا؟ هل هم خائفون منهم؟ إنهم تحت دولتهم، فلماذا ما يأمرونهم؟ ما أمرهم الله ورسوله بذلك، لماذا؟ لأنهم أموات، والميت لا يكلف أبداً لا بأمر ولا نهي، فإذا نفخت فيهم روح الإيمان وسارت في أجسادهم أصبحوا أهلا لأن يفعلوا ويتركوا وذلك لكمال إيمانهم.

وجوب الوفاء بالعقود والعهود

نادانا الله تعالى ليأمرنا بما فيه خيرنا وسعادتنا وطهرنا وصفاؤنا وقل ما شئت من ألفاظ الكمال؛ إذ قال: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1]، من عقد عقداً مع امرأته مع جاره مع أخيه مع كافر من أعدائه يجب أن يفي، من عقد عقد نكاح، إيجار، حرب، سلم يجب الوفاء، هذا نظام حياة أهل الإيمان، إذا عاهدوا لن ينكثوا العهد أبداً حتى يكون غيرهم هو الناكث والناقض، لأنهم أحياء شرفاء كمل أقوياء لا يهبطون إلى تلك مستويات الأموات من أهل الكفر والشرك والنفاق. إذا عقد المؤمن عقداً فلن يحله أبداً، وإذا عاهد فلن يخون عهده ولن ينكثه، وحسبنا أن يأمرنا الله تعالى بقوله: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1]، ما بقي مؤمن ينكث عهداً ولا ينقض عقداً ولا يحل عقداً، وهذا هو الواقع الذي نعرفه.
منة الله تعالى على عباده بحل بهيمة الأنعام عدا ما حرمه

ثانياً: ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، يا عباد الله المؤمنون! ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، كلوا لحوم الإبل والبقر والغنم واشكروا الله واذكروه على نعمه وآلائه، هذه منة أم لا قيمة لها عندنا؟ لولا أنه أذن لنا في أكل لحوم الإبل والبقر والغنم فهل سنأكل لنتعرض لغضب الله وسخطه والخلود في عذاب الشقاء أبداً؟ لا والله، إذاً: هذه منة من أعظم المنن، ونعمة من أعظم النعم.وشيء آخر: من خلق الإبل والبقر والغنم؟ هل أمهاتنا وآباؤنا؟ هل نحن الذين أخرجناها من المصانع؟ من يملكها؟ الله، وقد أذن لنا في أكلها، إذاً: فالحمد لله.
(إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، هذا الاستثناء اللطيف الذي تعجب منه الحكيم: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1] أي شيء يتلى علينا مما حرم علينا أكله، وقال: ( يُتْلَى )[المائدة:1]، وبعد آيتين فقط يأتي ما يتلي عليكم، في قوله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، فهذه العشر تلاها علينا أم لا؟ تحمل بيان محرمات اللحوم.
تحريم صيد البر على المحرم وصيد حيوان الحرم

( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، لا إله إلا الله! ما هذا الاستدراك وهذا الاستثناء؟ ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، إياكم أن تصيدوا محرمين بحج أو عمرة، ما أحل الله ذاك ولا يحله لكم؛ لأن المحرم داخل في أعظم عبادة وأشرفها وأكملها، قلبه مع الله، جوارحه مسخرة لعبادة الله، فكيف يشتغل بالصيد فيصيد، حتى ولو كان جائعاً يقتله الجوع لا يصح له أن يصيد، ولا يأمر أحداً أن يصيد له أبداً وهو متلبس بهذه العبادة الجليلة العظيمة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، أما إن كنتم حلالاً فصيدوا فقد أذن لكم في الصيد، وأي صيد؟ هو ما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكله، كل الصيد حلال إلا ما كان من ذوات الأنياب كالسباع وذوات المخالف، إذ النبي صلى الله عليه وسلم ( حرم أكل كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطيور )، حرم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى له بذلك أنابه عنه في أن يحرم على المؤمنين والمؤمنات أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيور؛ لحكمة يعلمها الله عز وجل.
إذاً: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، وهنا أيضاً علمنا أن الحرمين الشريفين مكة والمدينة لا يحل لنا الصيد فيهما ولو جعنا، لا يحل لنا الصيد، أي: لا يحل لأحدنا أن يصيد حمامة أو طائراً أو يصيد أي حيوان في الحرمين، بل الواجب إذا مررت بذئب أو بثعلب أو بأي حيوان تحت ظل شجرة ألا تزعجه، دعه في ظله، إلا ما كان يؤذي، فالذي يؤذي المؤمنين يقتل، لا يسمح له بالبقاء.

يتبع



ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:52 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
صور من إحداث المحرم في الحرمين

أحد الإخوان جاءني يعقب على كلمة أمس يقول: أنت قلت: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرم من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، فهل الطريقة التجانية تعتبر من الأحداث المنهية؟قلت له: نعم.
فقال: لم ما بينت؟
فقلت: في الحقيقة نحن ما بينا؛ لأننا لسنا دارسين لهذا الحديث، ولكنه عارضة عرضت، ولا بأس أن نبين فنقول:
الذي يفتح استوديوهاً في مكة أو المدينة للتصوير هذا والله لقد أحدث حدثاً من أقبح الأحداث، وهو كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إما أن يتوب ويتوب الله عليه وإلا فهو آيس من الرحمة، لقوله: ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، لا فرض ولا نفل.
فهل يسمح الرسول لأحد أن يحدث في مدينته هذا الحدث، وهو الذي يقول: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، من هو المصور الحق؟ أليس الله؟ اقرءوا آخر سورة الحشر في أسمائه تعالى، فهل يرضى أن يقال لك: أنت المصور؟تنازع الله عز وجل؟ فهذه وحدها كافية.
والذي يفتح دكاناً لبيع أشرطة الأغاني أغاني العواهر وفجار الرجال، ويبيع ذلك في المدينة ويشيعه بين بيوتها أما أحدث حدثاً؟ أي حدث أقبح من هذا الحدث؟!
والذي يفتح صندوقاً مالياً ويقول: تعالوا لترابوا معنا! خذوا العشرة بأحد عشر إلى شهر أو سنة، أليس هذا قد أحدث حدثاً؟
والذي يفتح صالون الحلاقة يحلق وجوه الرجال، صالون حلاقة مهمته أن يحلق وجوه الفحول، أما أحدث هذا؟ أيرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحدث؟ هل كان موجوداً هذا؟ هل أذن الله به؟
إذاً: والذي يأتي بطريقة من طرق الهابطين ويأخذ يدعو الناس إليها في الحرمين، وعلى سبيل المثال: التجانية التي يقولون فيها: إن صلاة الفاتح مرة واحدة تعدل سبعين ختمة من القرآن، صلاة الفاتح تلك الصيغة التي ابتدعها من ابتدعها يقول: تعدل سبعين ختمة من القرآن، ومعنى هذا: لا تقرءوا القرآن أبداً، لا حاجة إليه.
وصلاة الفاتح هي: اللهم صل على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى الصراط المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم. هذه الصيغة تعدل سبعين ختمة من القرآن، فهل يبقي من يقرأ القرآن؟! ما الفائدة؟ نقرأ سبعين ختمة حتى نعطى أجر هذه الصلاة!
ومعنى هذا إغلاق الباب عن كتاب الله حتى ما يقرأ، وأعظم من هذا أنهم يقولون: إن صلاة الفاتح أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً للشيخ فلان، خرج في اليقظة وأعطاه صلاة الفاتح! كذبوا على رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )، وكذبوا على المؤمنين والمؤمنات.
هذا مثال وإلا فكل الطرق فيها من الباطل والشرك ما لا يذكر، فمن الخير أن نسلك سبيل سلفنا الصالح، ما عندنا طريقة إلا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، أنا مسلم فقل لي: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
والذي يسلك الطريقة الحديثة طريقة التكفير والهجرة، ويأخذ ينشرها في الحرمين، وعثر عليهم وهم يوقدون نيران الفتنة في العالم، أليس هذا من أعظم الأحداث؟! هذه تكفر المؤمنين، قالوا: الحكام يحكمون بغير ما أنزل الله فهم كفار، والعلماء علموا ذلك وسكتوا فهم كفار، والأمة علمت بذلك وما حاربت فهي كافرة، ولم يبق من مسلم إلا ذلك الرجل الذي يحمل هذه البدعة!
وقد قلت غير ما مرة: من لم يستطع أن يستقيم في الحرمين فليخرج، يلتحق بأي بلاد، أما أن ينزل في مكة والمدينة ويتعاطى الخمر والحشيش والربا والزنا والباطل والمنكر؛ فهذا غير مسموح له أن يدخل في الحرمين الشريفين إلا عن توبة صادقة، ما استطعت أن تستقيم فالتحق ببلاد أخرى، هذا حرم رسول الله، وذاك حرم الله عز وجل.
اختصاص الله تعالى بحكم ما يريد

( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1]، أرأيتم كيف ختم هذه الآية بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1]، يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ويأذن فيما يشاء ويمنع ما يشاء؛ إذ هو الرب العليم الحكيم لا اعتراض عليه؛ لعلمه الذي أحاط بكل شيء، ولحكمته التي ما خلا منها شيء، ولقدرته التي لا يعجزها شيء، فلهذا يحكم ما يريد، إياك أن تعترض على حكم الله وتقول: لم أحل الله هذا؟ أو لم حرم الله هذا؟ إنك تقول: لم أحللت يا فلان لأنه إنسان عاجز علمه محدود وطاقته محدودة، أما الله العليم الحكيم العزيز الحكيم فما تقول: لم؟! انتبه! من اعترض على الله كفر وخرج من الإسلام.( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1] هو لا ما تريدونه أنتم، مع العلم أنه لا يحل إلا ما فيه خير البشرية وسعادتها، ولا يحرم إلا ما فيها خسرانها وشقاؤها؛ لأنه ربهم مولاهم سيدهم، عبيده لا يريد لهم إلا السعادة والكمال.

نهي المؤمنين عن استحلال شعائر الله

ثم النداء الثاني: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:2]، لبيك اللهم لبيك، ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، هذه محكمة غير منسوخة: ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، ما شعائر الله؟ أعلام دينه، حتى قلم الأظافر، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصها ويبدأ بكذا، فائتها كذلك، ولا تقل: أيش في خلافه؟ حتى تناول الشراب والطعام، تناوله كما كان يتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقل: أيش في خلافه؟ إياك أن تحل شعيرة من شعائر الإسلام بإبطالها وإبعادها وتركها.ومن شعائر الإسلام مناسك الحج كلها، من (لبيك اللهم لبيك) إلى تعرية الرأس إلى أن تعود إلى بلدك، ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، أية شعيرة من دين الله يجب أن لا تهمل ولا تضيع وألا يصرف عنها الناس، يجب أن يقام بها في الناس ليعبدوا الله بها.

منة الله تعالى على العرب بوضع القتال في الأشهر الحرم وبيان نسخ ذلك

وقوله: ( وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، هذا منسوخ، كان الشهر الحرام لا يحل حمل السلاح فيه، لا يحل القتال؛ لحكم عالية، بالأمس ذكرنا بإيجاز أنه كانت هذه البلاد لا سلطان لها ولا ملك ولا حاكم قروناً عديدة وهي تعيش على الفوضى، بلاد حارة فيها رمال وصحارى لا يأتيها ملك من الروم ولا من الشام ولا من غيرهما، ولكن لما كان فيها حرم الله بلد الله بيت الله دبر الحكيم العليم لسكان الحرم ليعيشوا سعداء أعزة كرماء؛ لأنهم حماة حماه وسكان حرمه، فقال تعالى: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ )[المائدة:97]، معاشهم، أهل الجزيرة في الحج والعمرة يتجرون في مكة ويربحون. ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:97]، وأشهر الحرم أربعة، إذا كان الشهر الحرام لا تسمع قعقعة السلاح أبداً، أهل الجزيرة يتجولون من شرقها إلى غربها لا يخافون أحداً؛ لأن القتال حرام، ألقى الله في قلوبهم هذا.

النهي عن استحلال الهدي المهدى إلى البيت يإشعار أو تقليد

قال تعالى: ( وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ )[المائدة:2]، كما قال تعالى: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97]، إن أردت أن تهدي إلى سكان الحرم بعيراً أو بقرة أو قطيعاً من غنم، فماذا تصنع؟ أشعرها وأعلمها بأنها مهداة واخرج بها من أقصى الجزيرة لا يعترضك معترض ولا يأخذ إبلك أو غنمك أحد؛ لأنها مشعرة معلمة أنها للحرم.والإشعار -كما علمتم-: أن يجرح سنام البعير من الجهة اليمنى ويلطخ بالدم الوبر، إذا رآها العربي يقول: هذه مهداة، ولا يعترضها أبداً.
والقلائد أن توضع في رقبة الشاة قلادة لأنها لا تشعر، يقولون: هذه مهداة إلى الحرم، والرجل نفسه إذا علق لحاء من شجر الحرم في عنقه في كتفه في يده يمشي بين القبائل العربية لا يؤذيه أحد، يلتقي بقاتل أبيه أو أخيه فيغمض عينيه ولا يلتفت إليه، وبذلك يسود الأمن وتستريح الأمة فترة من الزمن، وهذا تدبير الله: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المائدة:97].
إذاً: حرمة القتال في الشهر الحرام نسخت، أذن الله لرسوله والمؤمنين أن يقاتلوا في الشهر الحرام إذا قوتلوا، وأما فالحرم فحرمته باقية على ما هي عليه.

نسخ الإذن للمشركين بإتيان البيت للنسك والتجارة
ثم قال تعالى: ( وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا )[المائدة:2]، هذا أيضاً نسخ، أعلن الرسول بقوله: ( لا يحج بعد العام مشرك )، كان مسموحاً لهم بأن يأتوا يبتغون فضلاً من ربهم يسترزقون الله ويطلبون الرزق في حجهم وعمرتهم ويتجرون ويربحون، لكن هذا نسخ، فلا يحل لكافر مشرك أن يدخل الحرم أبداً.
نهي المؤمنين عن العدوان على من صدهم عن البيت في عمرة الحديبية

( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، هذا موجه إلينا عامة، وبخاصة الذين أوذوا في صلح الحديبية، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع ألف وأربعمائة رجل يريدون العمرة في السنة السادسة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، لما سمعت قريش بخروجهم أعدت عدتها وأعلنت الحرب، وقالت: لن يدخل محمد مكة أبداً، وتمت مفاوضات وسفارات شيبت الأطفال في الحديبية، وانتهت بأن يعود الرسول إلى المدينة ورجاله على أن يسمح لهم العام المقبل بالعمرة، فلا شك أن أولئك المؤمنين بقي في نفوسهم شيء وتألموا، فقال لهم تعالى: ولا يحملنكم ( شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، يجيء القرشي المكي ماشياً فما تعتدي عليه تقول: هذا ممن صرفونا عن العمرة! فلهذا لا نعتدي على أحد مشركاً كان أو مؤمناً، وإذا كان الكافر ما نعتدي عليه فهل نعتدي على مؤمن؟! إن الذين يفعلون ذلك ما عرفوا الله ولا آمنوا الإيمان المطلوب، أمؤمن ويقتل أخاه؟ أمؤمن ويسلب مال أخيه؟ أمؤمن ويروع أخاه المؤمن؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ( كل المسلم على المسلم حرام ) ما هناك جزء حلال، دمه، عرضه، ماله.

معنى قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ...)

ثم قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) [المائدة:2] تعاونوا يا عباد الله أيها المؤمنون على البر والتقوى، فإن قلنا: ما نستطيع، ما هناك تعاون فقد عصينا ربنا. وتعاونوا على ماذا؟ على الخير وفعله، وعلى تقوى الله باجتناب ما حرم الله وفعل ما أمر الله، والذي يلهم هذه يسعد في الدارين، الذي يأتي البر وينشره بين الناس ويتقي الله عز وجل يسعد ويكمل في الحياتين معاً.
(وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة:2]، إياكم أن تتعاونوا على فعل الذنوب والآثام كما بينا، هذا يستورد كذا وهذا ينشر كذا وهذا يعمل كذا، والعدوان: الاعتداء، اعتدى أحد على أحد نوقفه عند حده، نقف إلى جانب المعتدى عليه حتى نرفع العدوان عنه.

وأخيراً يقول تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:2] إي والله إنه لشديد العقاب، أما ذقنا عذابه؟ أما أذل الله المسلمين وسلط عليهم الكافرين، فاستعمروهم واستغلوهم واستعبدوهم وأذلوهم وأهانوهم؟ فهل هو شديد العقاب أم لا؟ وكل مؤمن ومؤمنة يخرج عن طاعة الله يعذبه الله ويذيقه عذابه في الدنيا قبل الآخرة.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ ) [المائدة:2] لا تخرجوا عن طاعته، فإنه تعالى شديد عقابه، إذا عاقب فعقابه قاس وشديد.


ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:53 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (13)
الحلقة (323)
تفسير سورة المائدة (20)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم لك الحمد على ما أوليت، ولك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر يا رب العالمين.
ما زلنا مع سورة المائدة المباركة الميمونة، وما زلنا مع الآيات الثلاث التي درسنا الآية الأولى منها، وها نحن مع باقي الآيات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )[المائدة:35-37].

نداء المؤمنين وأمرهم بتقوى الله تعالى

معشر الأبناء والإخوان والمؤمنات الصالحات! عرفنا هذا النداء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:35]، فمن المنادي ومن المنادى؟ المنادي: هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، والمنادون عباده المؤمنون والمؤمنات، الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، وآمنوا بكتبه ورسله وآمنوا بلقائه، هؤلاء المؤمنون يعتبرون أحياء، إي والله، والحي يسمع ويبصر، ويعطي إذا طلب منه ويأخذ إذا أعطي؛ وذلك لكمال حياته، فلهذا أمرهم بما يلي: أولاً: بتقواه عز وجل. ثانياً: بطلب الوسيلة إليه. ثالثاً: بالجهاد في سبيله.

الأولى: التقوى، والتقوى عرفناها ولا حاجة إلى تكرارها، وكيف نتقي الله؟ الجواب: أن تخافه بقلبك خوفاً يحملك على أن تطيعه ولا تعصيه، وبهذا تتقي غضبه وعذابه.
وهل علمنا أوامر الله ونواهيه حتى نفعل المأمور ونترك المنهي؟ الجواب: المفروض أننا عرفنا هذا، من ساعة أن دخلنا في الإسلام وشهدنا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونحن نتعلم في كل يوم -بله في كل ساعة- أوامر الله ما هي وكيف نؤديها، ونواهي الله وكيف نتركها ونتجنبها، والقرآن يفيض بهذه الأوامر والنواهي، وما التبس علينا فرسوله صلى الله عليه وسلم يبين ويشرح، إذ من المستحيل أن تتقي الله وأنت لم تعرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا تقررت القاعدة النبوية: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).

يتبع



ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:54 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أمر المؤمنين بطلب الوسيلة إلى الله تعالى
ثانياً: هيا نبتغي إليه الوسيلة، أي: نعمل على أن نقرب منه ونصبح من المقربين لديه، فما هي الوسائل؟ إنها حبه وطاعته وحب رسوله وطاعته، إنها هذه الأعمال الصالحة، سواء أعمال القلوب كالنيات الطيبة الطاهرة والعقائد المستنيرة أو الأقوال أو الكلمات التي شرعها الله نتقرب بها إليه، ككلمة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كل عمل صالح تؤديه تقرباً به إلى الله يقربك الله وتقرب منه، هذا هو التوسل.
وبينا التوسل الباطل وحذرنا منه، وهو توسل الجهال والضلال بالذبح والنذر للأولياء والعكوف على قبورهم وزيارتهم من بلد إلى بلد، والاستغاثة بهم، ونداؤهم: يا سيدي فلان، ويا مولاي فلان! هذه -والله- ما هي بالوسيلة التي طلب الله من عباده أن يتوسلوا بها، نعم عطفك على فقير، مسحك دموع حزين، تنظيفك الطريق للمؤمنين هذه وسائل تتوسل بها إلى الله، أما أن تعرض عنه وتقبل على مخلوق من مخلوقاته فتستغيث بأعلى صوتك وتناديه وتقسم به وتحلف؛ فهذا شرك وما هو بوسيلة.
والأمر الثالث: الجهاد، وحمدنا الله أنه أراحنا اليوم من الجهاد، فالحمد لله.. الحمد لله، من منكم عنده مدفع في بيته أو نفاثة في سطحه يطير عليها ويجاهد؟
مقترح للدعوة في ديار الكفر تحقيقاً لمطلب الجهاد

وأصل الجهاد: هو بذل الجهد والطاقة البدنية والمالية والعقلية من أجل أن يدخل الناس في رحمة الله، وبعبارة أوضح: من أجل أن يعبد الله وحده، إذ هذا هو الجهاد في سبيل الله، الآن من إفضال الله وإنعامه علينا أنه أراحنا وإن كنا نقول: إننا تحت رقابة الله تعالى، ففرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، بريطانيا فيها مثل ذلك، ألمانيا ذات المخ العظيم، هولندا، بلجيكا، حتى موسكو وأمريكا واليابان والصين، مفتوحة كلها، ما فتحها أسلافنا ولا فتحها آباؤنا وأجدادنا ولا فتحناها نحن، ولكن فتحها الله الفتاح العليم، بل في تلك البلاد حرية العبادة والتعبد أعظم منها في بلاد العرب والمسلمين، إلا ما شاء الله.
إذاً: ما نحن الآن في حاجة إلى حمل السلاح، لكن لم لا نكون لجنة إسلامية عليا يشارك فيها كل بلد إسلامي، وبطريق سري خفي؛ حتى لا نوقظ دعاة الماسونية أو الصليبية أو المجوسية، لجنة عليا يشارك فيها كل بلد إسلامي بعالم، فتكون لجنة مكونة من أربعين عالماً من خيرة العلماء المسلمين، ثم توضع خريطة للعالم بأسره من الشرق إلى الغرب، ونعرف في كل بلد كافر كم فيه من أعداد المسلمين، وكم مسجداً، وكم مركزاً، ونعرف حاجياتهم، وعندنا كتاب الله وسنة رسول الله والعالم الرباني ولي الله الذي يشرح ويبين الهدى ويدعو إليه.
ولا بد لهذه اللجنة من ميزانية فخمة ضخمة كأكبر ميزانية يساهم فيها كل مؤمن بدينار، لا بد من هذا، فريضة الجهاد، وتأخذ تلك اللجنة على الفور فتوجد مجلساً لتخريج الدعاة، لستة أشهر فقط، والكتاب موحد: منهاج المسلم، عقيدة المؤمن، أيسر التفاسير، كتاب المسجد وبيت المسلم، نداءات الرحمن، هذه الكتب ما فيها تعصب قبلي ولا إقليمي ولا وطني ولا مذهبي، المسلمون أمرهم واحد؛ لأنا لا نريد أن يبقى إخواننا في الشرق والغرب هذا حنفي وهذا مالكي وهذا شافعي وهم متباعدون متناحرون، انتهى أمر هذا، لا معنى له اليوم أبداً، الكتاب متوافر فيه: قال الله وقال رسوله، والعالمون بذلك متوافرون، فيدرسون الكتاب والسنة لكمالهم ورقيهم في آدابهم وأخلاقهم، بعد تصحيح عقائدهم وبعد إقبالهم على الله جل جلاله وعظم سلطانه.
إذاً: لا أحسب أنه يمضي ربع قرن إلا وقد لاحت أنوار الإسلام في الشرق والغرب، والحمد لله الذي أراحنا من السيف والقتال، وفتح لنا أبواب العالم.
قلت: وإننا لتحت رقابة الله تعالى، إذا لم نستجب لدعوة الله ونجاهد أنفسنا لنقيمها في الشرق والغرب؛ فسيأتي يوم يأخذون إخوانك المسلمين ويرمونهم في البحار ويطردونهم، ولا يسمحون لمن يقول: لا إله إلا الله، فالظروف مواتية، لكن من جعلها مواتية؟ الله مدبر كل شيء، كان من المستحيل أن يدخل الرجل إلى بلاد الكفر ويبيت فيها هكذا إلا غازياً أو مجاهداً، والآن يؤذن ويصلي ويكبر؟!
أقول: إنها فرصة ذهبية نخشى أن تفوت، وإن فاتت تحمل إثمها وتبعتها المسلمون الموجودون من أهل القدرة على العمل، والحمد لله الذي أراحنا الله من الدماء وسفكها.

نقد أفعال جماعات التكفير

وأما الجماعات التي تريد أن تنشر الإسلام بالمدفع في بلاد المسلمين فهذا خطأ فاحش، خطأ باطل، حرام، يحمل الظلم والبلاء، ولن يوجد الإسلام ولا أهله، بل إن بغض أعداء الإسلام للإسلام من سلوكنا نحن، فسلوكنا بغضهم وجعلهم ينفرون منهم، وقد يكون هذا سبباً في طردهم المسلمين من بلادهم وإغلاق أبواب المساجد، فهذا الجماعات الثائرة التي تكفر الحكام وتعلن الجهاد وهي أعجز ما تكون عن ذلك، إذ الأمة معرضة عنها، والحكومة ضدها، فكيف تنتصر؟! فلو عرفوا ما ينتج عن هذا البلاء من بلاء لماتوا خوفاً من الله عز وجل، ولكنه الجهل المركب، إذا كنتم تريدون إنارة العالم الإسلامي وإضاءته شرقاً وغرباً فأقبلوا على المسلمين زكوا أنفسهم وطيبوا أرواحهم، وهذبوا آدابهم وارفعوا معنوياتهم بتعليمهم الكتاب والحكمة، زوروهم في بيوتهم، قبلوا أرجلهم وأقدامهم وخذوهم إلى بيت الله وعلموهم؛ حتى إذا عرفوا حينئذٍ فما هم في حاجة إليكم، تصبح الأمة كلها على قلب رجل واحد، ويومها تلوح أنوار الإسلام في الشرق والغرب، فلا يسع الكافرين والمشركين إلا أن يطأطئوا رءوسهم أو يدخلوا في الإسلام.

تربية النفس جهاد مفتوح
قد يقال: إذاً -يا شيخ- أغلقت باب الجهاد! قلت: ما زال باب من أبوابه مفتوحاً، ألا وهو جهاد النفس، جاهد نفسك أن تلين وتنكسر وتتطامن وتتواضع ولا تقول إلا الحق ولا تنطق إلا بالمعروف ولا تسمع إلا الهدى ولا تقبل إلا على الخير، هذا الجهاد الأعظم: ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، جاهد أسرتك في بيتك ليصبح بيتك كمسجد لا يسمع فيه إلا ذكر الله، جاهد إخوانك في مجالسهم ولقاءاتهم بأن لا يذكر إلا الله، جاهد جيرانك، عرفهم بالله، وأحسن إليهم، واجذبهم إلى نور الله، هذه هو الجهاد في سبيل الله جهاد النفس، فما هي الجائزة؟ الفلاح؛ إذ قال عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، لم يا رب؟ ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، لتتهيئوا ولتستعدوا للفلاح.

والفلاح عرفناه، سمعنا ربنا يقول: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )[آل عمران:185]، وما الفلاح إلا الفوز، ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )[الشمس:9]، ما معنى: (أَفْلَحَ)؟ فاز. بم فاز؟ بجائزة نوبل؟ فاز بأن زحزح عن النار وأدخل الجنة دار الأبرار، هذا هو الفلاح والفوز، ما هو الربح في الشاة ولا البعير ولا الدينار ولا الدرهم، فهل أصبح هذا نوراً في قلوبنا معشر المستمعين والمستمعات أم لا؟ فليلتين ونحن مع هذه الآية، فهل استقر هذا في أذهاننا؟

لو دعاك داع إلى الجهاد فقل: أين الجهاد هذا؟
إن بعض الشباب يهربون الآن إلى الشيشان للجهاد؛ لأن نفوسهم ضاقت وتألمت وما وجدت من يشرح تلك الصدور ولا ينير تلك القلوب، والهمجية والبربرية والشهوات العارمة، فماذا يصنعون؟ فهموا الجهاد ليموتوا في الشيشان. الجهاد الذي ندعو إليه أن يقوم إمام مبايع من عامة المسلمين ونمشي وراءه يقودنا العام والأعوام وهو يربي ويهذب ويكمل، وحينئذٍ إذا رأى نفسه قادرة على أن يغزو ليفتح ديار الكفر وينيرها للإسلام فإنه يقول: الجهاد، هذا هو الجهاد.


ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:56 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (14)
الحلقة (324)
تفسير سورة المائدة (21)

يقرر الله عز وجل في هذه الآيات حكماً شرعياً، وهو أن الذي يسرق مالاً يقدر بربع دينار فأكثر من حرز مثله خفية وهو عاقل بالغ ورفع إلى الحاكم فالحكم أن تقطع يده اليمنى من الكوع، سواء كان رجلاً أو امرأة، مجازاة له على ظلمه واعتدائه على أموال الغير، وبهذا يسقط عنه العقاب الأخروي، أما إن لم يعرف فإن الله يتوعده بالعذاب في الآخرة إلا أن يتوب ويصلح ما أفسده، وذلك بإعادة الأموال إلى أصحابها بأي طريقة كانت.
تفسير قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ...)

تفسير قوله تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ...)

حكم رد المال المسروق بعد القطع
هنا ما حكم من سرق وقطعت يده: هل يطالب برد المال الذي سرقه أو يكفيه قطع يده؟ القول الذي يرى أنه هو الصواب والحق هو قول مالك رحمه الله، وهو أعدل وأرحم، يقول: السارق قطعت يده، فإن وجد ما سرقه فيجب أن يؤخذ منه ويرد إلى صاحبه، ما يكفيه قطع اليد، وإن لم يوجد ذلك المسروق، فالسيارة باعها، ننظر: إذا كان له مال يؤخذ من ماله بقدر ما سرقه، فإن كان لا مال له فماذا نصنع به وقد قطعت يده؟ قال: يكفيه قطع يده ولا شيء عليه، وهذا أعدل وأرحم.
فالسارق لما ضبط وقامت الحجة بالسرقة وقطعت يده هل يطالب برد المال المسروق أو لا يطالب؟ هناك من يقول: يكفي قطع يده، فقطع اليد يساوي نصف الدية للإنسان. والصحيح: أنه يطالب برد المال الذي سرقه، فإذا كان موجوداً بعينه فذاك، فإن لم يوجد بعينه وعنده أموال أخرى فيؤخذ منها ما يسدد لذاك المسروق منه ويعطى قيمته، فإن كان لا مال له فيكفيه قطع يده، وهذا أعدل وأرحم.

حكم السارق من مال ولده
ومسألة أخرى: إذا سرق الرجل من مال ولده؟ لك ولد غني -والحمد لله- وأنت أيها الأب فقير، أو عندك مال وما استغنيت وسرقت من مال ولدك وضبطت، فهل تقطع يد الوالد الذي سرق من مال ولده؟
الإجماع على أنها لا تقطع؛ ولذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك )، فإذا سرق الوالد من مال بنته أو ابنه لا تقطع يده إجماعاً؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب يوجهه: ( أنت ومالك لأبيك )، نص، إذاً: ما دام الولد لي فكيف تقطع يدي؟

حكم السارق من مال والده

حكم السارقة من مال زوجها والسارق من مال زوجته

وهنا مسألة أخرى: إذا سرقت الزوجة من مال زوجها ورفعها إلى القاضي فإنه يقطع يدها وإن قال: هذه زوجتي لا تقطع يدها! فما هو شأنك أنت، نحن نحكم بحكم الله عز وجل، لكن إذا كان الزوج عفا عنها، صفعها، طلقها، ولم يرفع أمرها إلى المحكمة لا تقطع يدها، فإذا سُرِقت أنت يا هذا وضبطت السارق وعفوت عنه، ما رفعت أمره إلى المحكمة، فلا تقطع يده.
وكذلك الزوج إذا سرق من مال زوجته، فالزوجة إذا كانت عفريتة ترفع أمرها إلى المحكمة وتقطع يده، لكن إذا ما رفعت أمرها إلى المحكمة فإنها تعفو عن زوجها أو تطالب برد مالها، ولا تقطع يده، فما هناك خلاف إلا في الابن والبنت إذا سرقا من مال الأب، وأما إذا سرق الأب أو الأم من مال أولادهما فلا خلاف في أنه لا قطع أبداً، أما الزوج والزوجة فكالأخ والأخ والعم والعمة، لا فرق.
وهنا مسألة أخرى: إذا كان الزوج شحيحاً والزوجة أخذت من ماله؟ هذه القضية رفعت إلى قاضي القضاة صلى الله عليه وسلم، رفعتها هند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، وقالت: إن زوجي رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي؟ قال: خذي ما تحتاجين أنت وأولادك، بقدر ما تحتاجين إليه، لا تسرقي من جيبه أو من صندوقه ولا تدخريه، لكن خذي قدر الطعام أو الشراب أو الثوب الذي احتجته أنت أو ابنك، فالزوجة إذا أخذت هذا القدر ما يعتبر سرقة حقيقية، يعفى عنها، إذا كان منعه بخلاً، أما إذا كان يوسع عليها وينفق ثم هي تريد أن تتأتي المال وتسرق فإنه تقطع يدها، ومن ذلك التي تحول المال إلى إخوانها في القرية الفلانية.
يقول تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )[المائدة:38]، ليس المراد أن يقطع اليدين الاثنتين، وإنما السارق تقطع يده، والسارقة تقطع يدها، ( جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ )[المائدة:38-39]، قالوا: من الإصلاح أن يرد المال الذي سرقه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:56 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء...)

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

معاشر المستمعين! إليكم معنى الآيات في هذه الورقة، فتأملوا مع ما سمعتم وفهتم.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ يخبر تعالى مقرراً حكماً من أحكام شرعه، وهو أن الذي يسرق مالاً يقدر بربع دينار فأكثر من حرز مثله ]، ليس شرطاً أن يكون الحرز دائماً صندوقاً ومفتاح من حديد، بل بحسب حاله، فشاة وجدها خارج الباب فما هي سرقة، لكن جعلها في الحظيرة والباب مغلق عليها في زريبة مثلاً هذا حرز عليها، فالضابط: (من حرز مثله).
قال: [ وهو أن الذي يسرق مالاً يقدر بربع دينار فأكثر من حرز مثله خفية وهو ] أولاً [ عاقل ] ثانياً [ بالغ ]، فإن كان مجنوناً فهل يؤاخذ؟ لا. وإن كان صبياً ما بلغ وسرق ألف دينار فلا تقطع يده، لا بد من البلوغ والعقل، المجنون لا تكليف عليه، والصبي الغلام كذلك.
ثالثاً: [ ورفع إلى الحاكم ] أيضاً، فإذا ما رفعت القضية إلى الحاكم فلا تقطع أنت يد السارق بنفسك، أو ابن عمك يأخذ يده ويقطعها، لا بد من رفعها إلى المحكمة؛ لتتأكد وتتحقق، قد تكون مؤامرة، بنو فلان اتفقوا على أن فلاناً سرقهم والمال في يده، لا بد من المحكمة.
قال: [ والسارقة كذلك ] ما هناك فرق بين الرجل والمرأة [ فالحكم أن تقطع يد السارق اليمنى من الكوع، وكذا يد السارقة ]، ما الكوع؟ عند الفقهاء يقال: فلان لا يفرق بين الكوع والبوع، فما الفرق بين الكوع والبوع؟ الكوع: في اليد، والبوع: في الرجل، كما قيل:
فعظم يلي الإبهام كوع وما يلي الخنصر الكرسوع والرسغ ما وسط
قال: [ مجازاة لهما على ظلمهما بالاعتداء على أموال غيرهما، وقوله: ( نَكَالًا مِنَ اللَّهِ )[المائدة:38]، أي: عقوبة من الله تعالى لهما تجعل غيرهما لا يقدم على أخذ أموال الناس بطريق السرقة المحرمة، ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ([المائدة:38]، غالب على أمره، حكيم في قضائه وحكمه، هذا معنى قوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا )[المائدة:38] ] الباء سببية: بكسبهما، أي: بما كسبا [ من الإثم، ( نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[المائدة:38].

وقوله تعالى في الآية الثانية: ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ )[المائدة:39] أي: تاب من السرقة ] يعني: ترك ما أصبح يفكر فيه ولم يعد يسرق [ بعد أن ظلم نفسه بذلك ]، فالسارق ظلم نفسه، صب عليها الآثام والذنوب.

جاءني أحدهم بعد الصلاة يتعنتر علي، قال: ما معنى قوله تعالى: ( إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ )[آل عمران:135]، قلت له: الفاحشة الزنا واللواط وكل قبيح شديد القبح، والظلم للنفس، فكل إثم ظلم للنفس، سرق، كذب، أخر الصلاة، سب فلاناً، كل هذا ظلم للنفس لأنه يصب عليها النتن والعفونة والظلمة.

قال: [ بعد أن ظلم نفسه ] بأكل مال الناس [ وَأَصْلَحَ [المائدة:39] نفسه بالتوبة ] فنفسه فسدت بالذنوب، فأصلحها بالتوبة [ ومن ذلك رد المال المسروق ] سواء كان دينارأ أو كان ألف دينار [ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ )[المائدة:39]؛ لأنه تعالى غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين.

وقوله تعالى في الآية الثالثة: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[المائدة:40]، يخاطب تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل من هو أهل للتلقي والفهم من الله تعالى ] وهم المؤمنون؛ لأنهم أحياء يتلقون ويفهمون [ فيقول مقرراً المخاطب: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[المائدة:40]، والجواب: بلى، وإذاً فالحكم له تعالى لا ينازع فيه، فلهذا هو يعذب ويقطع يد السارق والسارقة ويغفر لمن تاب من السرقة وأصلح، وهو ( عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[المائدة:40] ].


هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات.
من هداية الآيات:
أولاً: بيان حكم حد السرقة، وهو قطع يد السارق والسارقة ]، لقوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )[المائدة:38].

[ ثانياً: بيان أن التائب من السراق إذا أصلح يتوب الله عليه، أي: يقبل توبته ]، كان يسرق ثم تاب وتاب الله عليه فيعفى عنه، لكن بشرط أن يرد المال إذا كان قادراً على رده ولو بالتدريج؛ لأن الإصلاح يكون بذلك.
[ ثالثاً: إذا لم يرفع السارق إلى الحاكم تصح توبته ولو لم تقطع يده ]، ليس شرط التوبة أن تقطع اليد، عزمه فقط على عدم السرقة توبة، فإن رفع قطعت، وإن لم يرفع فتوبته كافية، إلا أن المال إذا كان لديه فإنه يحاول أن يرده بعد عام أو عامين أو عشرة في كل مناسبة.
قال: [ وإن رفع ] أي: أمره إلى المحكمة [ فلا توبة له ]، لو قال: لقد تبت يا عباد الله، والله إني تائب من الآن لا أسرق أبداً فلا تقطعوا يدي فلا ينفعه، وقبل أن يرفع إلى القاضي نعم، قال: تبت وبكى بين يديك فاترك أخاك، لكن إذا رفع وحكمت المحكمة بقطع يده وأعلن عن توبته فلا تنفعه التوبة في قطع يده.
قال: [فإذا قطعت يده خرج من ذنبه كأن لم يذنب ]، مهما كان المال الذي أخذه، يده إذا قطعت غفر الله له.
[ رابعاً: وجوب التسليم لقضاء الله تعالى والرضا بحكمه لأنه عزيز حكيم ]، لو كان ضعيفاً فما نسلم له، لو لم يكن عنده حكمة يتخبط ويصدر أحكاما لا معنى لها فلن نقبل، ولكن ما دام عزيزاً حكيماً فكيف يجوز أن تنتقد حكمه أو ترده؟! وقد بينا أن من انتقد حكم الله وقال: لم، فإنه يكفر بذلك، فلم يسعنا إلا التسليم لله عز وجل.
إيضاح للموقف من الجهاد في الواقع الحالي


معاشر المستمعين! تعقيب: لما تكلمنا عن الجهاد الحق الشرعي قال بعض الإخوان: لماذا لا يدعو إلى الجهاد في البوسنة والهرسك وعند الشيشانيين؟ ولماذا يغفل هذا؟ وآخرون قالوا: لم الشيخ يقول كذا والناس يبكون على أولادهم والأمة هكذا، ما حق الشيخ يقول هذا!كل يقول بحسب فهمه ولا حرج.
وأقول: أولاً: لسنا بقادرين على إفهام كل سامع وسامعة، هذا لا يقدر عليه إلا الله، لكن شيخكم مستعد إذا أخطأ أن يعلن عن خطئه ويستغفر الله فيه ويطلب من السامعين أن يستغفروا له، هذه قاعدة منذ ثلاث وأربعين سنة، ما نرضى أن نقر الخطأ ولا يحل.
وجوب جهاد النفس
فالذي قلته وما زلت أقوله: أن الجهاد الذي أمرنا الله تعالى به في قول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، هذا الجهاد إن كان جهاد النفس فهو واجب، على كل مؤمن ومؤمنة أن يجاهد نفسه؛ حتى لا يقع في أوضار الذنوب والآثام، لا سرقة، لا خيانة، لا غيبة، لا كذب، كل ذنب يجاهد نفسه حتى لا ترتكبه، لا تترك واجباً ولا تغشى محرماً، وهذا الجهاد متواصل حتى الموت على كل مؤمن ومؤمنة إلا إذا كان ما بلغ سن التكليف أو كان مجنوناً، فما منا إلا وهو يجاهد الليل والنهار: الدنيا، والشيطان، والهوى، والنفس، هذه أربع طوام، فليس منا مستريح لا له جهاد أبداً.

امتناع جهاد الكافرين بغير إمام
الموقف من الجهاد في الشيشان وأفغانستان ونحوهما

وأما قضية الشيشان والبوسنة والهرسك وأمس الأفغان؛ فنحن نقول: لما قاتلنا في الأفغان بنية أن تقوم دولة إسلامية تنشر الإسلام وتمتد رايتها حتى تظلل فلسطين، كذا كنا نأمل، وتبين لنا خلاف ذلك، سألنا عن العلة ما هي؟ وجدناها عدم البيعة لإمام، ما كانوا متفقين ولا متوافقين على بيعة رجل، كل واحد يريد أن يكون هو الإمام، فكيف كانت النتيجة: مرة أو حلوة؟ لقد كانت مرة أسوأ ما تكون، أليس كذلك؟ فإخواننا أيضاً في البوسنة والهرسك أو في الشيشان حالهم كهؤلاء.
وقلت -وكتبنا هذا في جريدة وما نشر-: لو أن الحكام المسلمين اتفقوا مع تركيا الإسلامية وجاءت كل دولة بخمسة آلاف أو عشرة آلاف جندي مسلح مدرب، وتكون عندنا نصف مليون، فنستطيع أن نقول للدولة المعتدية في الشيشان: قفي. أو في البوسنة والهرسك، أو ندخل، وما دام حكام المسلمين لا يعرفون هذا فكيف إذاً نقاتل مع الشيشان أو البوسنة والهرسك؟
تبقى مسألة هؤلاء الأحداث، فأنا أقول: إذا ما سمح له والداه أن يذهب إلى البوسنة فحرام عليه أن يذهب، إذا منعه الحاكم يجب ألا يذهب، وإذا كان ضعيفاً أيضاً لا بدن ولا علم ولا قدرة، وإنما يذهب فقط ليأكل طعامهم ويزاحمهم أيضاً فما ينبغي أن يذهب، فإن كان قادراً قوياً وعنده إذن من الحاكم ومن والديه وهو قادر على أن يجاهد فله أن يذهب ليقاتل دفاعاً عن إخوانه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:58 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (15)
الحلقة (325)
تفسير سورة المائدة (22)


(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )[المائدة:42]، يكشف الله الغطاء عنهم ويسمع رسوله حالهم والمؤمنين: ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ )[المائدة:42]، أسألكم بالله هل الأغاني فيها حق؟ حين يغني عبد الوهاب أو الأطرش أو العاهرة أو فلان فهل كلامه حق؟ كيف يجوز سماعه؟

والذين يحكون الخرافات والضلالات ويأتون بالبدع والمنكرات ولا دليل من كتاب ولا سنة هل يجوز سماع كلامهم؟ والذين يروجون البضائع الهابطة وينوعونها من أجل المال؛ هل قولهم وترويجهم وكلامهم وما يكتبونه حق؟ كذب.
المؤمن الصادق لا يسمع هذا، إن سمع مرة فلا بأس حتى يعرف، ثم بعد ذلك يترك، لا يسمع نهاره أو طول حياته.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ )[المائدة:42] كثيروا الأكل ( لِلسُّحْتِ )[المائدة:42]، السحت هو المحق، ما الذي يمحق الأجر ويبطله؟ الربا وأموال الناس المحرمة، السحت ما يسحت ولا يبقي فضيلة ولا حسنة في القلب، ويسحت حتى البركة في المال فما يبقي فيه بركة ولا منفعة.

معنى قوله تعالى: (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم)

التوجيه القرآني بشأن الحكم بين الكفرة والإعراض عنهم


حالات الجهاد تحت راية الإمام


عندنا موضوعان: الأول: الدعاء، والثاني: بيان الجهاد، حيث قال الإخوان: آخر الكلام ما فهمناه.
أما الجهاد فأقول: الله عز وجل قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، فقلت لكم: الجهاد هو أن إمام المسلمين الذي بايعناه على إقامة شرع الله بيننا، وقلنا: سمعاً وطاعة، هذا الإمام إذا أراد أن يجاهد إذا تطلب الموقف الجهاد فهناك موقفان: موقف العدو الكافر المشرك يجهز ويعد العدة ويعلن عن حربنا، في هذه الحالة تلزم التعبئة العامة، ولا ينبغي أبداً لمؤمن أن يتخلف، إذا أعلن الإمام التعبئة العامة، أو قال: الذين أعمارهم من العشرين إلى الستين سنة الكل يدخلون الثكنات ويحملون السلاح، هنا أصبح الجهاد فرض عين، ونقاتل هذا الظالم هذا الكافر هذا المعتدي حتى نهزمه ونشتت شمله وننتصر عليه، إبقاء لديننا وحياتنا الطاهرة وإسلامنا العزيز، هذا موقف.

الموقف الثاني: أن يرى الإمام أن هناك دولة ما بيننا وبينها صلح ولا معاهدة، فهيا ندعوها إلى الإسلام، بعدما ينظر إلى قوة رجاله وسلاحه وقدرته على أن يقاتل هذه الدولة، فيقول: باسم الله، ويجهز جيشه ويغزو، وحين يصل إلى الحدود يراسلها، يتصل بالمسئولين شفوياً بالسفير أو بالكتابة، يقول لهم: إن شئتم ادخلوا في رحمة الله ادخلوا في الإسلام، هذا دين الله لكم، وهذه رحمته بعباده، وما نحن إلا مبلغين عن الله، فادخلوا في الإسلام تكملوا وتسعدوا وتطيبوا وتطهروا وقل ما شئت من الكمال، فإن رفضوا قالوا: ديننا أولى، نحن يهود أو نصارى أو مجوس ديننا قبل دينكم، ما نريد أن نفرط في ديننا ونستبدل به غيره، قلنا لهم: اسمحوا لنا أن ندخل لننشر الحق والهدى والخير بينكم، ونحن ضامنون أموالكم ودماءكم، نحن الحماة لكم، فإذا دخلت قواتنا وأخذت تنشر الأمن والرخاء والعدل والطهر والصفاء، لو جاء عدو يريد أن يغزو تلك البلاد فنحن الذين نقاتله، نحمي هذه الأمة ودينهم لا يمس بسوء، ولكن سوف يشاهدون أنوار الإسلام وتغمرهم ويخرجون من دينهم تباعاً واحداً بعد واحد كما حصل في الشرق والغرب، إذ ما أكره أحد على أن يدخل في الإسلام أبداً، لا من العرب ولا من العجم.
فإن رفضوا إلا القتال إذاً يستعين بالله إمام المسلمين ويقاتلهم حتى يخضعهم لقبول دخول الإسلام في ديارهم. هذان موقفان هما الجهاد في سبيل الله، اذكروا هذا ولا تنسوه، واسألوا أهل العلم أهل البصيرة الذين عرفوا حقيقة الإسلام:
أولاً: أن يعتدي الكفرة المشركون على ديارنا، فإمام المسلمين يعلن عن التعبئة العامة ويقاتل ذلك العدو حتى يقهره، لا خلاف في هذا، اللهم إلا إذا رأى أن تلك القوة أقوى من قوته، وتلك القدرة أقدر منه وسعى إلى مصالحة سياسية ليدفع العدو فله ذلك، على شرط أن يكون له رجال من أهل النور والبصيرة والهداية، فيقولوا: هذا العدو كذا وكذا، فمن الخير أن نسكن روعه وأن ندفعه بالتي هي أحسن بمعاهدة بيننا وبينهم تجارية أو غير تجارية، وله الحق في هذا، والدليل: مصالحة الرسول للمشركين في هذه الجزيرة في غير ما مرة وفي غير ما موطن؛ لضعف إخوانه وقلة عددهم.

يتبع



ابوالوليد المسلم 09-06-2021 02:59 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
كيفية جهاد العدو المحتل لبلد مسلم

الآن نعود إلى الجهاد، استعمرتنا بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، الآن هاجمت بريطانيا بلداً وأدخلته تحت حكمها، فما المخرج من هذه المحنة؟ نقول: على العلماء وعلى المربين وعلى الهداة الصالحين أن يأخذوا في تطهير نفوس أمتهم وتزكية أرواحها وتهذيبها، وإطفاء شعلة الشهوات والمادة منها يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، حين ينظرون إلى ثلاثة أرباع الأمة قد أقبلت على الله حقاً وصدقاً، لم يبق كذب ولا خيانة ولا فجور إلا نادراً، وهم مسلمون بحق، حينئذ يبايعون إماماً لهم؛ لأنهم أصبحوا مسلمين، وحينئذ يعلن إمام المسلمين الجديد عن الجهاد لإخراج بريطانيا أو إيطاليا وفرنسا، وباسم الله عز وجل نجاهدهم، ما إن ننتصر حتى نرى الإسلام قائماً في الظاهر والباطن، هذا هو الذي يجب أن يكون، ولكن وا أسفاه مما كان، قاتلنا من إندونيسيا إلى موريتانيا وما كونا إماماً وأطعناه بطاعة الله ورسوله، وانقدنا لأمره ونهيه، وطهرت قلوبنا أولاً، وطهر سلوكنا، وجمعنا على عبادة الله، لذا لا يستقل الإقليم إلا والإسلام منبوذ ومطرود، أواقع هذا أو لا؟
أكبر برهان أن نقول: دلونا على إقليم من يوم أن استقل أعلن فقط عن فريضة إقام الصلاة على كل مواطن عسكرياً أو مدنياً، مع أن هذه الفريضة لا تكلفهم شيئاً، فقط تطهر قلوبهم وتزيد في آدابهم وأخلاقهم، هل جبيت الزكاة باسم الله؟ الجواب: لا، ما سبب هذه الخيبة وهذا الفشل؟
إن الشعب ما كان متهيئاً لعبادة الله، هذا خرافي وهذا ضال وهذا زان وهذا مشرك وهذا هابط، وهمهم الانتصار لأجل الكرسي والحكم والملك والدولة، إذاً: حصل ذلك، فأين الإسلام؟ ما حل بديارهم، ثم إن أكثر البلاد التي كانت مستعمرة لما استقلت فسدت أكثر مما كانت قبل ذلك، فسدت في آدابها وسلوكها وأخلاقها وعبادة الله، أنتم ما عاصرتم الدول، لكن كبار السن يعرفون هذا.
إذاً: هذا الجهاد إذا ما كانت بيعة للإمام وكانت الأمة مستعدة لتعبد الله عز وجل وتنشر دعوته، وأقمنا ثورة ضد الحكومة فهي أعمال باطلة والقتلى ليسوا بشهداء؛ وكل ذلك لأن كلمة (في سبيل الله) غير موجودة، ما قال: الجهاد فقط، قال: في سبيل الله، أي: بأن يعبد الله وحده، فإذا قاتلنا ولا نعبد الله ولا نطالب بعبادته فهل هذا سبيل الله؟ هو سبيل الشيطان.

أهمية تربية الناس وتهذيبهم في البلاد الإسلامية المحتلة

وعندنا مثل حي: إخواننا في الأفغان، والله! أتكلم على علم، لما انتشرت الشيوعية بينهم انتشاراً وكانت منتشرة في العالم الإسلامي بكامله إلا من رحم الله، لو كان هناك رشد ونوع من العلم والبصيرة، لكانوا سيهذبون إخوانهم ويؤدبونهم ويزيلون هذه الفتنة من قلوبهم ويعبدون الله عز وجل ولا يخافون من الشيوعية، فيقبلون أرجل إخوانهم، ويقول له: اترك هذا المبدأ أو هذا الكلام، أنت مسلم وهذا بلد إسلامي، لو فعلوا بصدق لما انتشرت الشيوعية في بلادهم، ولما احتاجوا إلى قتالها وقتالهم، فلما سكتوا وكانوا هابطين مثلنا وفتحوا أفواههم ورغبوا في الباطل انتشرت الشيوعية، من نشرها؟ هل نشرتها روسيا؟ لا والله، هم بأنفسهم، لما أعلنا الحرب على الشيوعية كان المجاهدون منا والمقاتلون الأعداء منا أيضاً، وأمدتهم روسيا، طلبوا منها المدد فأمدتهم، لا حرج في هذا أبداً، ومع هذا انهزمت الشيوعية، لما انهزمت لم ما رفعت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وساد الطهر والأمن والصفا وتحرك المجاهدون؟ لقد كنا نقول بعد انهزام روسيا: والله لن ننتهي إلا إلى فلسطين. كنا نحلم بهذا إلى فلسطين، لكن الذي وقع هو الخلف والفرقة والدماء والدموع والبكاء والصياح والهول إلى اليوم، ما سبب ذلك؟ لأنهم ما بايعوا إماماً ليعبدوا الله تحت رايته، وذهبت بنفسي نائباً وهذا الدكتور أبو عظمة معي؛ أنابنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وزرنا مخيمات القادة والأحزاب، وبكينا وبينا لهم فرفضوا، هل تكون العاقبة حميدة؟ والله لن تكون، لقد كانت سيئة، ما هناك من يكذبني، هذا هو الواقع؟
إذاً: في أي بلد آخر يحكمه الكفار إذا أردنا أن نقيم دعوة الله ويعبد الله فعلى المسئولين فيه أن يأخذوا في تهذيب الناس وإصلاح نفوسهم وتطهيرهم حتى يصبحوا أولياء الله، وهذا أمر ما يحتاج إلى مدفع ولا إلى رشاش، فإذا أقبلت أمة على الله نصرها الله، وإذا رفعت صوتها وكبرت أعانها الله، أما أننا نقاتل لنحكم فقط؛ فقد جربنا هذا في أربعين إقليماً من أقاليم الإسلام فهل استفدنا شيئاً، هل حققنا شيئاً؟

نقد تصرفات الجماعات التكفيرية المسلحة


وأخرى: الذين يطالبون بقتال في بلادهم ويقولون: الحكام كفار، والعلماء سكتوا فهم كفار والأمة كافرة

فما هي النتائج التي يمكن أن يظفروا بها؟ قد ينتقمون فقط ويشفون صدورهم من فلان وفلان، أما أن يقيموا دولة في تلك الأمة الإسلامية فهذا من باب ما لا يقع، لا وجود لهذا، كل ما في الأمر أنهم يسفكون الدماء ويروعون الآمنين والآمنات، وينشرون صورة قبيحة للإسلام الذي يقتل بعض أهله بعضاً.
والله الذي لا إله غيره! إني لأكلمكم على علم من الله، ما هو بهوى؟ يا أهل الإقليم الفلاني! اعملوا على إصلاح إخوانكم، قبلوا أرجلهم وأيديهم، أغلقوا المقاهي، أغلقوا المصانع الفاجرة، بالحكمة والموعظة حتى تطهر بلادكم، وحينئذ نرفع راية لا إله إلا الله ونكون أمة مسلمة، أما أن نتكالب على أوساخ الدنيا وأوضارها، وهذا يصلي وهذا يكفر ونريد أن نقيم في دولة إسلامية فمن أذن في هذا؟


شروط الخروج للجهاد في بلد محتل


وأخيراً: البوسنة والهرسك، اشتكى الناس، وقالوا: الشيخ يقول كذا وكذا، والذي قلته: هل هو جهاد؟ أقول: إن بايعوا إمامهم بيعة إسلامية، واستجابوا لأمر الله وأقاموا الصلاة واستتر نساؤهم، ومنعت الخمور، وقالوا: ربنا الله ولا إله إلا الله؛ فهذا جهاد، يريدون أن يعبد الله وحده، أما أن نقاتل الدولة الكافرة نقول: كيف تحكمنا وكيف تسودنا؟ هذا ما هو بالجهاد، هذا دفع ظلم إن شئتم.
ومن هنا: قلت: يا عبد الله! إذا كانت أمك وأبوك راضيين بخروجك والتحاقك بالبوسنة والهرسك فهذا أول شرط: لا تخرج إلا برضا أبويك، إذ الرسول قال: ( ففيهما فجاهد ).
ثانياً: أن تكون قادراً على أن تقاتل، لك قوة بدنية، قوة عقلية، تدريب عسكري، لك قدرة.
ثالثاً: أن يسمح لك الحاكم الذي أنت في دولته ويأذن لك بالخروج، بهذه الشروط الثلاثة لك أن تذهب لتقاتل مع إخوانك لتدفع عنهم الظلم الذي حل بهم:
أولاً: أن تكون قادراً؛ لأننا عرفنا جماعات ذهبوا إلى أفغانستان وذهبوا لكل جهة وما فعلوا شيئاً، وردوا البلايا والمحن، بل كانوا فقط يأكلون طعام المجاهدين هناك أو المقاتلين.
ثانياً: أذن لك أبواك أم لا؟ ثالثاً: أذن لك الحاكم أم لا؟ هذه ثلاثة شروط، أما المعاونة بالمال فمسموح بها للفقراء وللجرحى وللمرضى وكل ذلك فيه خير كثير، أما كلمة جهاد فلن يتم جهاد حتى تعلن كلمة لا إله إلا الله ويعبد الله.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:49 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (16)
الحلقة (326)
تفسير سورة المائدة (23)


أنزل الله عز وجل التوراة على موسى عليه السلام لما استقل بنو إسرائيل وخرجوا من سلطان الفراعنة، وجعل فيها الهدى والنور ليحكم بها في الناس النبيون من عهد موسى إلى ما قبل عهد عيسى عليه السلام، ثم كلف سبحانه الأحبار من أهل الكتاب أن يحكموا بما فيه كما حكم أنبياؤهم، ولا يخشون أحداً من الناس وإنما يطلبون بحكمهم وجه الله والحق، فلما جاء عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل مصدقاً لما في التوراة وأمره أن يحكم به، وأمر أتباعه أن يحكموا به من بعده.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات، لكن أريد أن أذكركم بالآيات قبلها، إذ هي كالسلسة الذهبية متصلة الحلقات، فاسمعوا تلاوة الآيات التي درسناها قبل هذه وتأملوا.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:41-43].
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته ]، أما قال تعالى موجهاً رسوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] من المنافقين واليهود؟إذاً: يستحب لنا الاقتداء برسول الله؛ أننا نترك الحزن ونبتعد عنه؛ وذلك بترك أسبابه واجتناب مثيراته.[ ثانياً: حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك ]، إن دعت الحاجة إلى أن تسمع في حادثة معينة، في قضية معينة وهم يسمعونك الكذب الذي قيل فلا بأس، أما بدون حاجة تستدعي أن تسمع فلا يحل لنا أن نسمع الكذب، سواء كان في صحيفة أو جريدة أو في إذاعة أو في مجلس أو من محب، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، وهذا ذم لهم وتقبيح لحالهم وسوء فعالهم: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:42]، هل المؤمنون الصادقون سماعون للكذب؟ الجواب: لا، وإن ابتلي المؤمنون بذلك حين لم يعرفوا الطريق، يجلسون الساعة والساعات وهم يسمعون الأباطيل والأكاذيب، وما سبب ذلك أنهم ما عرفوا.[ ثالثاً: حرمة تحريف الكلام وتشويهه للإفساد ]، حرام على مؤمن أن يحدث أو يتكلم بكلام ويحرف بعض التحريف أو يلوي لسانه حتى ما يأتي به على الوجه المطلوب، هذا المسلك يفعله اليهود وحرمه الله علينا، ذمهم بذلك وقال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41].[ رابعاً: الحاكم المسلم مخير في الحكم بين أهل الكتاب، إن شاء حكم بينهم وإن شاء أحالهم على غيره ]، القاضي المسلم إذا تحاكم إليه يهوديان أو نصرانيان أو كافران فهو مخير، إن شاء أن يحكم بينهم حكم، وإن شاء أن يتركهم تركهم، إذ لا خير فيهم.[ خامساً: وجوب العدل في الحكم ولو كان على غير المسلم ]، لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]، ما أنت بملزم بأن تحكم بين يهود ونصارى، لكن إن حكمت فاحكم بالعدل؛ لأن الله يحب العدل وأهله.[ سادساً: تقرير كفر اليهود وعدم إيمانهم ] فدلت الآية على هذا وقررت كفرهم وعدم إيمانهم، إذ قال تعالى: وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:43]، وصدق الله العظيم. والآن مع الآيات التي نتدارسها الليلة إن شاء الله.
تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا...)
يقول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ [المائدة:44]، من المتكلم بهذا؟ الله جل جلاله، إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، من يحكم بالتوراة؟ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44] وعليهم، يحكمون بها لهم وعليهم، والنبيون: جمع نبي، والأنبياء قيل: أربعة آلاف نبي من موسى إلى عيسى، وقيل: ثلاثة آلاف أو ألف على الأقل، فالتوراة من أنزلها؟ الله تعالى، أنزلها على نبيه موسى عليه السلام، واسمع ما يقول تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، اسلموا قلوبهم ووجوههم لله، وهذه صفعة على وجه الكافرين من اليهود والنصارى، أبوا أن يسلموا وأنبياؤهم كانوا مسلمين على ملة إبراهيم ملة الإسلام، لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44]، أي: يحكمون كذلك بالتوراة، فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا [المائدة:44-45] أي: في التوراة أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:45-47]. فهيا نتدارس هذه الآيات.قول ربنا جل ذكره: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ [المائدة:44]، التوراة الكتاب المعروف، أنزله الله تعالى على نبيه موسى بن عمران، لما استقل بنو إسرائيل وخرجوا من سلطان الفراعنة، ووصف التوراة بأن فيها الهدى إلى كل كمال وإسعاد، إلى كل إعزاز إلى كل تطهير وصفاء، وفيها نور يلوح لأصحابها لا يغشون الظلمات ولا يتخبطون في الجهل والشر والفساد، حقاً جعل الله فيها الهدى والنور.ثم أخبر فقال: يَحْكُمُ بِهَا [المائدة:44] أي: بالتوراة النَّبِيُّونَ [المائدة:44]، النبيون من عهد موسى إلى عيسى، وكانوا أكثر من ألف نبي، يحكمون بها كما نحكم نحن بالقرآن، نحل ما أحل ونحرم ما حرم، نعطي هذا حقه ونأخذ من هذا ما أخذه بالباطل.وقوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، أسلموا لله قلوبهم ووجوههم، أنت مسلم يا عبد الله؟ قال: أي نعم، قلنا: ماذا أسلمت لله؟ قلبك مع الدنيا والشهوات والأهواء، أتكذب؟ فماذا أسلمت؟ إنه يقال: أسلم الشيء يسلمه: إذا أعطاه؛ فالإسلام معناه: أن نسلم قلوبنا لله، فلا تتقلب طول حياتنا إلا في رضا الله، ونسلم وجوهنا لله، فلا ننظر إلا إلى الله، هو الذي نرهبه، هو الذي نحبه، هو الذي نطيعه ونعبده، هذا الإسلام.قال: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، وهي إشارة أفصح من عبارة؛ أن الأنبياء من عهد إبراهيم إلى عيسى كانوا مسلمين، أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، واليهود والنصارى يحاربون رسول الإسلام والمسلمين ويدعون أنهم أهل كتاب! أنبياؤكم كانوا مسلمين فكيف تكفرون بالإسلام وتحاربونه؟ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44] وهم اليهود، ونعم الأنبياء الذين طبقوا التوراة وحكموا بها من عهد موسى إلى عيسى، حتى عيسى نفسه كان يطبق التوراة، إذ هي أداة الأحكام وبيان الحلال والحرام، أما الإنجيل فمواعظ وحكم، ونسخ الله به بعض الأحكام تخفيفاً على الناس. يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44]، الربانيون والأحبار أيضاً يحكمون بالتوراة ويطبقونها، والربانيون: جمع رباني، ويروى أن علياً قال: إني لرباني. والأحبار جمع حبر، وعبد الله بن عباس معروف بلقب الحبر، حبر هذه الأمة، فالرباني هو العالم المتبحر في علمه المربي لغيره، هذا هو الرباني، عبد عرف الله والطريق إليه، ثم أخذ يدعو الناس إلى ذلك ويربيهم فهو يقال فيه: رباني، قطعاً هو عالم ولا شك في ذلك، ولكن زاد على كلمة العلم والمعرفة العمل ثم التربية والتعليم لغيره، والأحبار: جمع حبر، العالم الذي يبين للناس ويعرفهم بشرع الله عز وجل.
معنى قوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً...)
ثم قال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] هذا قيل للرهبان، للربانيين والأحبار من أهل الكتاب، نهاهم أن يخشوا الناس ويخافوهم، وأوجب عليهم خشيته وخوفه، وحرم عليهم بيع الأحكام الشرعية بالأثمان المادية، عطشت، جعت، مرضت، إياك أن تتنازل عن آية واحدة من أجل صحتك أو شبعك. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا [المائدة:44]، وليس المعنى أنه يبيع الآية، بل يبيع حكمها ومعناها، يجحد معناها، فيحل ما تحمله من حرام من أجل مصلحة دنيوية، وهذا معروف. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، هذا نزل في التوراة وعرفه الله الربانيين والأحبار ودعاهم إلى القيام به وعرفوه، وبعد ذلك ما الذي حصل؟ اشتروا بآيات الله تعالى ثمناً قليلاً، باعوا الآخرة بالدنيا، إذاً: فهم في ذلك كافرون: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقد بعثوا من فدك أو خيبر بعثاً يحاولون أن يطبقوا أهواءهم على الشريعة وينكروا الرجم الموجود في التوراة، وعلى كل حال نذكر هذا ونحن نشاهد واقع المسلمين وما هم فيه.قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:44] فاعتاض عنه غيره أو حوله وبدله وغيره لمنافع مادية فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] حقاً وصدقاً.
تفسير قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ...)
قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا [المائدة:45] أي: فرضنا في التوراة القصاص: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] بحسب قوتها وضعفها، هذا في التوراة.ثم قال تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، من تصدق بسنه، ما طالب بكسر السن الآخر، من تصدق بذبح أبيه فلم يطالب بذبح أبي الآخر، من تصدق بأذنه؛ أصيب بالصمم من ضربة، وترك ذلك لله؛ فهذا له ذلك: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45] أي: لذنبه، على شرط: أنه إذا أراد التوبة الحقة أن يأتي ويقول: أنا قطعت أذن فلان، أنا كسرت سن فلان، أقيموا الحد علي، فإن عفي عن هذا كان ذلك كفارة له، فإن لم يتقدم ولم يطالب بإقامة الحد عليه وقطعت أذنه أو كسرت سنه فذلك كفارة له، أما بدون أن تقطع يده أو رجله فلا، لا بد أن يكون تاب وأتى إلى الحاكم ليقول: أقم الحد علي، أو يقوله لأهل المظلوم. فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، ما الظلم؟ وضع الشيء في غير موضعه، حكم الله تعالى بقطع اليد فحكمت أنت بالسجن سبع سنين، وضعت الشيء في غير موضعه أم لا؟ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:45] واستبدل بأحكام الله أحكام الهوى وما تمليه النفوس وما تمليه الشياطين، فهل هذا ظالم أو عادل؟ والله إنه لظالم، حكم الله بين أيدينا: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، تقدم إليه خصمان فحكم بالباطل لأحدهما مقابل رشوة، وضع الحكم في غير موضعه، فهو ظالم، كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:49 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً...)
ثم قال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] هذا قيل للرهبان، للربانيين والأحبار من أهل الكتاب، نهاهم أن يخشوا الناس ويخافوهم، وأوجب عليهم خشيته وخوفه، وحرم عليهم بيع الأحكام الشرعية بالأثمان المادية، عطشت، جعت، مرضت، إياك أن تتنازل عن آية واحدة من أجل صحتك أو شبعك. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا [المائدة:44]، وليس المعنى أنه يبيع الآية، بل يبيع حكمها ومعناها، يجحد معناها، فيحل ما تحمله من حرام من أجل مصلحة دنيوية، وهذا معروف. وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، هذا نزل في التوراة وعرفه الله الربانيين والأحبار ودعاهم إلى القيام به وعرفوه، وبعد ذلك ما الذي حصل؟ اشتروا بآيات الله تعالى ثمناً قليلاً، باعوا الآخرة بالدنيا، إذاً: فهم في ذلك كافرون: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقد بعثوا من فدك أو خيبر بعثاً يحاولون أن يطبقوا أهواءهم على الشريعة وينكروا الرجم الموجود في التوراة، وعلى كل حال نذكر هذا ونحن نشاهد واقع المسلمين وما هم فيه.قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:44] فاعتاض عنه غيره أو حوله وبدله وغيره لمنافع مادية فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] حقاً وصدقاً.
تفسير قوله تعالى: (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة...)
ثم يقول تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ [المائدة:46]، والحديث كله عن بني إسرائيل، فمن عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41] وهو يعلمه، وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:46]، قفينا على آثار الأنبياء والأحبار والربانيين بعيسى ابن مريم، وعيسى ابن مريم لا أب له، وإنما كان بكلمة (كن) الإلهية فكان، هذا هو روح الله، وكلمة الله التي ألقاها إلى مريم ، عيسى ابن مريم، ومعنى مريم: خادمة الله، يا من يسمي ابنته مريم! لتعلم أن معناها خادمة الله وعابدته. وهل تعرفون عن مريم هذه شيئاً؟ النصارى يعرفون عنها الترهات والأباطيل، واليهود يعرفون عنها الكذب والضلال والبهتان، ونحن نعرف عنها أنها بنت عمران، أمها حنة عليها السلام كانت لا تلد، فيها عقم أو عقر، وتاقت نفسها إلى الولد كسائر النساء اللائي لم يلدن إلى اليوم، فشاء الله أن تدخل حديقة المنزل وإذا بها تشاهد عصفوراً يزق أفراخه، العصور الصغير يأتي بالطعام في فيه ويصبه في أفواه أفراخه، فجاشت نفسها وهاجت من ذلك المنظر، وقالت: يا رب! إن أعطيتني ولداً فهو لك، خاص بعبادتك، نذرت لربها هذا النذر، وشاء الله أن تحمل، وحملت بـمريم ، وقالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا [آل عمران:36] خادمة الله مَرْيَمَ [آل عمران:36]، استعجبت من كونها ولدتها بنتاً، هي نذرت الولد لله يخدمه، بالجهاد، العلم، التعليم، ما يخدمها في شيء أبداً، ولا يأتيها بالماء، لكن البنت كيف تخدم الله إلا إذا حبست في مقصورة تعبد الله.وهذه الربانية وضعتها في قماطة وقالت لخادمة: اعرضيها على علماء بني إسرائيل من يأخذها؛ فهذه نذيرة الله، أنا نذرتها لله، فعرضتها على علماء بني إسرائيل الربانيين، وعلى رأسهم زكريا أبو يحيى، فكل تاقت نفسه لأن يأخذها؛ لأنها بنت رجل صالح توفي وهي في بطن أمها يتيمة، وقبل ذلك هي نذيرة، أي: منذورة لله، فمن يكرمه الله بأن تتربى في بيته؟ فاضطروا إلى القرعة، اضطروا إلى استعمال القرعة أو الاستهام، فجمعوا أقلامهم، هاتوا أقلامكم الطاهرة التي تكتب التوراة وتكتب العلم الرافع للإنسان والمطهر له، فجمعوا أقلامهم، وقالوا: نلقيها في النهر، فالذي وقف قلمه في الماء هو الذي أعطاه الله هذه النذيرة، أخذوا القلم الأول فكان يدحرجه الماء، والثاني يدحرجه الماء، ولما جاء قلم زكريا وقف كأنما غرس بالطين، قال تعالى: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، من الذي كفلها زكريا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، أخذها زكريا، وزوجته أخت لـمريم ، فهي عند خالتها، وزكريا نبي لله وأب لرسول الله، فماذا يصنع؟ تركها في مقصورة في المحراب في المسجد، ويأتيها بالطعام والشراب، وهي تتوضأ وتصلي، ما هناك مهمة إلا هذه، تذكر الله وتسبحه وتظل راكعة ساجدة، لهذا خلقت، ولهذا نذرتها أمها، وسبحان الله! كان إذا جاءها بالغداء والعشاء يجد عندها فاكهة في الشتاء وهي فاكهة الصيف، يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، فتعجب وقال لها: أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] يا مريم ؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37] هذه ربانية أم لا؟ قالت: هُوَ [آل عمران:37] أي: هذا اللون من الطعام من عند الله عز وجل، لا إله إلا الله، الله يخرق السنة ويبطلها إذا شاء، يبطل العادات، ففاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38]، أفاق من غفلة ما كانت تخطر على باله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:38-39]، أين وجدته؟ هل في الحفل؟ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] بلغته رسالة الله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]، هذا يحيى، مصدقاً بكلمة من الله، أول من آمن بعيسى هو، قال: عيسى عبد الله ورسوله. إذاً: فلما بلغت الملائكة البشرى لنبي الله زكريا عليه السلام قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41]، حتى أعرف الخبر هذا كيف يتم، ومتى يتم، اجعل لي علامة يا رب؟ قال: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41]، آيتان في هذا الباب، ثلاث ليالٍ سوياً ما يستطيع أن يتكلم مع أحد ولكن يذكر الله بأعلى صوته، في ذكر الله وتسبيحه وتقديسه تجد لسانه منطلقاً أفصح منا، لكن: أعطني الماء، صب كذا كل ذلك لا يستطيعه إلا رمزاً بالإشارة، فهل هذه أعظم آية أم لا؟ الفصيح البليغ يتكلم بما شاء وهنا ما يستطيع أن يتكلم بغير ذكر الله أبداً، ويطلب حاجته بالإشارة! إذاً: هذه بشرى الله لزكريا، وزكريا هذا دخل تحت شجرة هرب إليها وفتحت الشجرة أغصانها ودخل فيها فنشره اليهود بالمنشار مع الشجرة، ماذا فعل اليهود؟ قتلوا والده زكريا أولاً وقتلوا ولده يحيى، رسولان نبيان، ومريم العذراء البكر عليها السلام وهي في محرابها تبشر أيضاً ويأتيها رسول الله جبريل يبشرها فتتعجب: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [مريم:20] كيف؟ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ [مريم:21].وما هي إلا أن هزها الطلق فلجأت إلى نخلة، وما إن وضعت حتى نطق عيسى: إني عبد الله. هذه هي مريم، ولدت عيسى من بطنها، نفخ جبريل في كم درعها فسرت النفخة إلى بطنها فقال الله: كن فكان، ففي ساعة واحدة وهي تبحث عن موضع الولادة، فَانتَبَذَتْ بِهِ [مريم:22] على الفور مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:22-25] في الشتاء تتساقط عليك الرطب.والشاهد عندنا ذكر عيسى بن مريم، فاليهود يقولون: عيسى ساحر لأنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأعمى والأبرص، هذا من سحره، وأمه يقولون عنها: فاجرة عاهرة إلى الآن، والنصارى قالوا: هذا ابن الله. وبعضهم قالوا: لا. هذا هو الله، هو الإله. وتخبطوا وضلوا لأن نور الله عموا عنه وأبوا أن ينظروا إليه، فالقرآن الذي أنزله الله هو الذي فيه بيان الحق في عيسى وأمه، عيسى عبد الله ورسوله وأمه مؤمنة طيبة صديقة، هكذا وصفها الله بالصديقية: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75].
معنى قوله تعالى: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة...)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ [المائدة:46] أولئك الأنبياء والرسل والربانيون والأحبار بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [المائدة:46]أي: من التوراة، وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ [المائدة:46] الإنجيل كتاب الله رابع الكتب الأربعة المعروفة عندنا في عقيدتنا: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فالقرآن الكريم هو الفرقان. ماذا في الإنجيل؟ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ [المائدة:46] لا يتنافى أبداً مع التوراة إلا ما نسخه الله من بعض الأحكام، وفيما عدا ذلك الإنجيل يوافق التوراة مثل القرآن مصدق الذي بين يديه من الإنجيل والتوراة. قال: وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46] فيه الهداية لسبل الرشد والخير، وفيه المواعظ للمتقين ينتفعون بها، الإنجيل أكثره مواعظ وحكم.
تفسير قوله تعالى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه...)
ثم قال تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ [المائدة:47] أيضاً، فكما على أهل التوراة أن يحكموا بالتوراة كذلك على أهل الإنجيل أن يحكموا بالإنجيل. أولاً: أين الإنجيل؟ أصبح خمسة أناجيل فكيف يعرف الحق فيه؟ الإنجيل كان إنجيلاً واحداً فزيد فيه أربعة أناجيل أخرى فضاع الحق وما أصبح له وجود، لكن لو حكموه لوجدوا نعوت الرسول وصفاته، وأن من لم يؤمن بالنبي الخاتم هو كافر، ولكانوا آمنوا، فوالله إن به لنعوتاً لرسول صلى الله عليه وسلم وصفات له، وفيه الأمر بالإيمان به والدخول في دينه، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه لا بما افتراه المفترون وكذب به الكاذبون. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] الخارجون عن طاعة الله ورسوله البعيدون عن الحق وأنواره، هذا قضاء الله تعالى وحكمه عليهم.
طريق العودة إلى تحكيم شرع الله تعالى
والآن المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا -باستثناء هذه البلاد- لم لا يحكمون القرآن؟ لم يتحاكمون إلى غيره؟ ماذا نصنع؟ نقول: الجهل، جهلوهم وأضلوهم وأبعدوهم عن طريق الله فهم في متاهاتهم. لو عادوا إلى الكتاب والسنة في يوم ما لحكموا شرع الله، وهنا بلغوا أنه لو أراد أهل بلد من بلادنا الإسلامية -لا أقول: أهل إقليم ولا دولة- أهل بلد فقط لو أرادوا أن يحكموا شرع الله فما أيسر ذلك وأسهله، يجتمعون في مسجدهم الجامع بنسائهم وأطفالهم، كل ليلة يصلون المغرب والعشاء ويتعلمون الكتاب والسنة، عام واحد وإذا بهم أطهاراً أصفياء أرقاء القلوب أزكياء الأرواح والنفوس، ومن ثم إذا حصل خلاف بين مؤمن وآخر فبدل أن يذهبوا إلى الشرطة أو الحاكم يأتون إمام المسجد يعرضون عليه القضية ويحلونها بالموعظة الحسنة، ويعيشون دهوراً لا يحكمون غير كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. لو أن أهل بلد من البلاد أخذوا على أنفسهم أن يجتمعوا كل ليلة طول عمرهم في بيوت الله التي بنوها بأيديهم، يصلون المغرب كما صليناها ويجلسون جلوسنا هذا ويتلقون الكتاب والحكمة حتى يؤذن العشاء فيصلون العشاء، أقول: والله بعد عام فقط يندر أن تظهر بينهم معصية، لا شرب خمر ولا حشيشة ولا زنا ولا لواط ولا ربا ولا كذب ولا قتل ولا اعتداء. وإن حصل شيء من هذا النوع مرة في مسجدهم فترفع قضيته إلى إمامهم ومربيهم ويصلح ما بينهم ويتسامحون، وما هم في حاجة إلى أن يقدموا قضيتهم إلى حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، فلم لا نفعل هذا؟ لأن العدو من الإنس والجن لا يريدون أن يسعد المسلمون ويكملوا، وإلا فهذا الطريق ماذا يكلفهم؟ يعملون لدنياهم من بعد صلاة الصبح إلى قبل غروب الشمس في المصانع والمتاجر والمزارع، مالت الشمس إلى الغروب في الساعة السادسة فتوضئوا وتطهروا وغيروا ملابس العمل وجاءوا بأطفالهم ونسائهم إلى بيت ربهم الأطفال صفوف والنساء وراءهم والرجال والفحول أمامهم، بعد الصلاة مباشرة يأخذون ليلة آية من كتاب الله وأخرى حديثاً من أحاديث الرسول، العام فيه ثلاثمائة وستون ليلة، فيحفظون ثلاثمائة وستين آية وحديثاً، ويفهمون معانيها ويطبقونها كل ليلة، ما إن يعلموا الحكم في تلك الليلة حتى يطبقوه على أنفسهم ويتحلوا به على الفور، سواء كان أدباً أو خلقاً أو عقيدة أو عبادة. أسألكم بالله! بعد عام واحد كيف يكون أهل القرية؟ هل يبقى فيهم اللصوص والمجون والكذب والخيانة؟ هل تصدر فتيا من إمام المسلمين بأن الدش حرام ويعملونه؟ والله ما يعملونه. فهذا مثال. ومن ثم لا يحكمون غير شرع الله وغير كتاب الله أبداً ولا يلتفتون إلى حكومتهم ولا إلى باطلهم، مؤمنون مسلمون يتسامحون، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، يقول: تصدقت بدمي على أخي، ويباركه أهل الحي كلهم ويكبرون ويهللون. فكيف نعود؟ ما هناك طريق يا أبناء الإسلام إلا أن علماءنا يحملون هذه الرسالة ويتحولون إلى ربانيين، فيجمعون أهل القرية ويأتون إلى غنيهم وفقيرهم وإلى عالمهم وجاهلهم ليجمعوهم في بيوت الله في هذه الساعة من الليل ما بين المغرب والعشاء. ويأخذون بتزكية أنفسهم وتهذيب أرواحهم وتهذيب آدابهم وأخلاقهم، وهم يشاهدون ذلك يوماً بعد يوم، ما يسمعون بحادثة وقعت في القرية، ما يشاهدون جائعاً ولا عارياً ولا مظلوماً؛ لأنهم كجسم واحد ثبتت لهم ولاية الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله أن يزيل الجبال لأزالها، ما المانع من هذا؟ سواء كنا في فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا أو بلجيكا وأمريكا، أبواب الله مفتوحة لا منع أبداً، فكيف ببلاد المسلمين وحكومات المسلمين، هل يمنعونهم أن يجتمعوا في بيوت الله؟ على سبيل المثال: أنصار السنة في الديار المصرية هل أغلقت مساجدهم؟ هل حوربوا؟ هل سجنوا؟ هل قتل منهم أحد؟ لم؟ لأن المسلك رباني، يتعلمون كيف يعبدون الله، هذا مثال فقط. أما الإثارات والتكالب على الدنيا وما إلى ذلك فهو الذي يسبب تلك الفتن، ومع هذا أقول: في أي مسجد يجتمع المسلمون على كتاب الله وسنة رسوله لا يؤذيهم أحد أبداً. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:50 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (17)
الحلقة (327)
تفسير سورة المائدة (24)


بعد أن ذكر الله سبحانه إنزاله التوراة والإنجيل وما فيهما من الهدى والنور، أردف ذلك بذكر إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه مهيمن على كل الكتب التي نزلت قبله، لذلك فإن الحكم الذي يحكم به القرآن هو حكم الله سبحانه وتعالى، سواء وافق ما في التوراة والإنجيل أو لم يوافق، فهو الدستور الذي تقوم به الأمة، ومهما طلب الحق من غيره فإنما هو تحاكم إلى الأهواء والرغبات الشخصية والأعراف الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة، وها نحن مع هذه الآيات المباركات، أسمعكم تلاوتها أولاً ثم أعود بكم إلى بعض الأحكام التي درسنا آيها في الليلة الماضية. قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:48-50].
هداية الآيات
الآيات التي درسناها بالأمس أشير إلى هداياتها، فقد كانت تتضمن هذه الهدايات. يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: وجوب خشية الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم ].في الآيات التي تدارسناها البارحة هذه الهداية، وهي وجوب خشية الله، وذلك بأداء وفعل ما أوجب والبعد عما نهى وحرم، فهذا أمر واجب، وجوب خشية الله أي: الخوف من الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم، والذي يقول: أنا أخاف الله وأنا أخشاه ولا يفعل واجباً ولا يترك الحرام هل يصدق؟ لا يصدق؛ لأن الخشية خوف النفس وخوف القلب، فالذي خافت نفسه واضطربت ما يقدم على معصية الله فيتعرض لغضبه وعذابه. [ ثانياً: كفر من جحد أحكام الله فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض ].كفر من جحد أحكام الله فقال: لا أعترف بهذه الشريعة ولا بما تحمله من أحكام في الدماء والحدود في الأموال في العبادات في العقائد، قطعاً هذا كافر، ومن يقول: ليس بكافر؟ كفر من جحد أحكام الله فعطلها، ولو وطبقها لكان الأمر غير هذا، لكن جحدها فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض، فهذا كافر. [ ثالثاً: وجوب القود في النفس]، والقود هو قتل النفس بالنفس، [ والقصاص في الجراحات؛ لأن ما كتب على بني إسرائيل كتب على هذه الأمة ]، قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:51 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ذكر بعض أحكام الديات
وهنا لا بأس أن نعلم بعض الأحكام، فالذي عليه أكثر أئمة الإسلام وهداته رحمهم الله أن المسلم لا يقتل بالذمي، المسلم لا يقتل بالذمي الكتابي اليهودي أو النصراني، فكلمة (النفس بالنفس) هذا اللفظ عام قيده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه إذ قال: ( لا يقتل مسلم بكافر )، وسر ذلك هو أن المؤمن يذكر الله ويشكره ويعبده ولذلك خلقه ربه، والكافر لا يذكر ولا يشكر، فعطل الحياة كلها فلا قيمة لوجوده. فلو سألتم وأنتم أهل الإسلام: ما السر في خلق هذا الوجود؟ فالجواب: أراد الله أن يذكر ويشكر فأوجد هذه الحياة وأوجد آدم وذريته وأوحى إليهم أن: اعبدوني بالذكر والشكر، فمن ذكر وشكر رفعه إليه وأسكنه بجواره بعد موته، ومن ترك الذكر والشكر وكفر أنزله إلى الدركات السفلى من عالم الشقاء، فالذي يذكر الله ويشكره هل يجوز أن توقف ذلك الذكر والشكر منه بقتله؟ الجواب: لا. والذي لا يذكر ولا يشكر ما فائدة وجوده؟ لا شيء، فيقتل، هل فهتم هذا السر؟ فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يقتل مسلم بكافر )، سواء كان ذمياً أو غير ذمي، إذاً: يعطى وليه نصف دية المؤمن وكفى. ثانياً: لا خلاف أن في العينين دية، فمن فقأ عيني إنسان مؤمن فعليه دية، والدية مائة بعير أو قيمتها بالدراهم والدنانير، إذا فقأ الاثنتين ففي العينين الدية، وفي الواحدة نصف الدية، فقأ عين مؤمن بأن ضربه، لكمه، بحربه، بعود فأصبح لا يبصر فعليه نصف الدية. وفي عين الأعور الدية كاملة، ما عنده إلا هذه العين، خلق أعور أو أصابه مرض فعميت عينه، فصاحب العين الواحدة إذا فقئت عينه وجبت الدية كاملة، بخلاف ذي العينين حيث بقيت له عين يبصر بها فيأخذ نصف الدية، هذا كله إن لم يعف ويتصدق. وفي الأنف إذا جدع -قطع من هنا إلى آخره- الدية كاملة، فالأنف هو مظهر جمال الإنسان، إذا جدع وقطع فيه الدية كاملة، هذا الذي عليه جمهور أئمة الإسلام عليهم السلام. والدية في ذهاب السمع،ى أما مع بقاء شيء من السمع ففيه حكومة، يعني: اللجنة المختصة بهذا تقدر وتحكم بشيء، فلو ذهب السمع كله فأصبح أصم لا يسمع وجبت الدية، لكن إذا كان بقي له السمع وأوذي في سمعه ففيه الحكومة، فالقاضي ورجاله يحكمون بما يجب له. وفي السن الذي نزع أو كسر خمس من الإبل، السن بخمس من الإبل، كسر سنه أو قلعها بخمس من الإبل، للحديث الصحيح في ذلك. وفي الشفتين -إذا نزع شفته العليا والسفلى وتركه بأسنانه- الدية، وفي الواحدة نصف الدية، في الشفتين معاً الدية كاملة مائة بعير أو قيمتها، وفي الشفة الواحدة العليا أو السفلى نصف الدية. واختلف في دية المرأة، والذي عليه أمر الأمة أن المرأة ديتها نصف دية الرجل، وفيما دون النفس أصبعها كأصبع الرجل وسنها كسنه، وهذا أحسن ما قيل، فإذا بلغت ثلث الدية عادت بعد ذلك إلى النصف من دية الرجل. هذا كله مأخوذ من قول ربنا عز وجل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا [المائدة:45] أي: في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، في الموضحة وفي أنواع الجروح الأطباء يقدرون ذلك والقاضي يحكم. ثم قال تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ [المائدة:45] لوجه الله فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، جرحتني أو كسرت مني سني فتركت ذلك لله، قتلت أبي فتنازلتُ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، كفارة لذنوبه، وقد ذكرت لكم أن القصاص كفارة، فمن قتل هل يبقى عليه إثم وقد قتل؟ القصاص كفارة لأصحابه، قطع يداً فقطعت يده فهل بقي عليه شيء؟ انتهى.لكن يحصل على الأجر إذا تقدم للمحكمة وقال: أقيموا علي الحد فإني تبت، أنا قتلت فلاناً والآن أطلب منكم القصاص. بعد هذا نعود إلى آياتنا المباركات فلنستمع إليها من الشرح.
هداية الآيات
الآيات التي درسناها بالأمس أشير إلى هداياتها، فقد كانت تتضمن هذه الهدايات. يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: وجوب خشية الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم ].في الآيات التي تدارسناها البارحة هذه الهداية، وهي وجوب خشية الله، وذلك بأداء وفعل ما أوجب والبعد عما نهى وحرم، فهذا أمر واجب، وجوب خشية الله أي: الخوف من الله بأداء ما أوجب وترك ما حرم، والذي يقول: أنا أخاف الله وأنا أخشاه ولا يفعل واجباً ولا يترك الحرام هل يصدق؟ لا يصدق؛ لأن الخشية خوف النفس وخوف القلب، فالذي خافت نفسه واضطربت ما يقدم على معصية الله فيتعرض لغضبه وعذابه. [ ثانياً: كفر من جحد أحكام الله فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض ].كفر من جحد أحكام الله فقال: لا أعترف بهذه الشريعة ولا بما تحمله من أحكام في الدماء والحدود في الأموال في العبادات في العقائد، قطعاً هذا كافر، ومن يقول: ليس بكافر؟ كفر من جحد أحكام الله فعطلها، ولو وطبقها لكان الأمر غير هذا، لكن جحدها فعطلها أو تلاعب بها فحكم بالبعض دون البعض، فهذا كافر. [ ثالثاً: وجوب القود في النفس]، والقود هو قتل النفس بالنفس، [ والقصاص في الجراحات؛ لأن ما كتب على بني إسرائيل كتب على هذه الأمة ]، قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات: أولاً: وجوب الحكم وفي كل القضايا بالكتاب والسنة ]، وجوب الحكم وفي كل القضايا حتى في سرقة مكنسة، ما هناك شيء لا يوجد له حكم في الكتاب والسنة، يجب الحكم في كل القضايا بماذا؟ بقانون فرنسا، إيطاليا، الأمم المتحدة؟ بل بالكتاب والسنة، قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. هل يضيق القرآن والسنة عن أحداث الناس؟ والله لا يضيقان أبداً، عرفنا هذا من قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، هذا أمر الله للرسول أم لا؟[ ثانياً: لا يجوز تحكيم أية شريعة أو قانون غير الوحي الإلهي الكتاب والسنة ]، لأن القوانين أهلها جهال عميان لا بصيرة لهم ولا عدل فيها ولا رحمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن عبيد الله فرض علينا وألزمنا أن نتقاضى ونتحاكم إليه، فإن قلنا: لا فقد كفرنا به وأعلنا الحرب عليه.وهل تتصورون أن هيئة من الهيئات العليا في العالم تستطيع أن توجد حكماً رحيماً عادلاً أكثر من أحكام الله؟ والله ما كان ولن يكون أبداً، فلا يجوز تحكيم أية شريعة أو أي قانون غير الوحي الإلهي الكتاب والسنة. [ ثالثاً: التحذير من اتباع أهواء الناس خشية الإضلال عن الحق ]، فالذي يتبع أهواء الناس وميولهم وما يريدون فإنهم -والله- يضلونه، فالرسول حذره الله أم لا؟ أما تآمروا وقالوا: هيا نقول له: نحن علماء، وإذا آمنا به اتبعك ناس وآمنوا، ولكن احكم بيننا بالباطل. فلو اتبعهم فماذا سيحصل؟ لكن حذره: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ [المائدة:49]. [ رابعاً: بيان الحكمة من اختلاف الشرائع وهو الابتلاء ]، لماذا يباح لهؤلاء كذا ويمنع عن هؤلاء كذا ويعطى هؤلاء ولا يعطى هؤلاء، لماذا؟ للامتحان للابتلاء، مولانا يبتلينا ليرى المطيع منا والعاصي، فيسعد ويكمل المطيع ويشقي ويعذب العاصي، فلهذا تجد الخلاف في الدول. [ خامساً: أكثر المصائب في الدنيا ناتجة عن بعض الذنوب ]، أكثر المصائب والويلات والفقر والمرض والذل والهون والحرب والفتن -والله العظيم- ناتجة عن الذنوب، أما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49]، والأظهر من هذه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
[ سادساً: حكم الشريعة الإسلامية أحسن الأحكام عدلاً ورحمة ]، إي ورب الكعبة، إي والله، حكم الشريعة الإسلامية أحسن الأحكام عدلاً ورحمة، فلو حكمنا اليهود أو النصارى في قضايا لكان أعدل وأرحم لهم، لكن لا يحكمون ولا نحكم، لا نحكم عليهم ولا لهم حتى يذعنوا لله ويدخلوا في رحمته، أما وهم مصرون على الكفر والشرك والعياذ بالله فحسبهم ذلك. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:52 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (18)
الحلقة (328)
تفسير سورة المائدة (25)


نهى الله عباده المؤمنين عن موالاة غير المؤمنين من اليهود والنصارى، وترك موالاة المؤمنين، لأن اليهودي هو ولي اليهودي، والنصراني هو ولي النصراني، ومن والى اليهود والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية الله سبحانه وتعالى، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، وأما المنافقون الذين في قلوبهم مرض فيظنون أن ولايتهم لهؤلاء تجعلهم في مأمن إذا دارت عليهم الدوائر، لكن الله عز وجل يبشر أولياءه المؤمنين بالفتح والتمكين وأن المنافقين سيصبحون نادمين.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن العظيم؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الخير واجعلنا من أهله يا رب العالمين!وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلوها ثم نتدبرها ثم نضع أيدينا على المطلوب منا فيها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:51-53]. هذه الآيات نزلت هنا في المدينة والنفاق له صولة، فتأملوا كيف تجري هذه الأحداث.
معنى قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن تشبه بقوم فهو منهم، هذا الذي أراد أن يكون مثل فلان أخذ يجاهد نفسه لأن يكون مثله في منطقه في نظره في مشيته في أكله في شربه في معاملته، فهل يصبح مثله أم لا؟ ما هناك شك. امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله. فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا. ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:52 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ...)
ثم قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52] أي: مرض النفاق، والنفاق إظهار الإسلام والسلوك العملي في الصلاة أمام الناس حتى الجهاد، وإبطان الكفر وإسراره وإخفاؤه. فهذا رئيس المنافقين كان حليفاً لبعض اليهود، وعبادة بن الصامت كان حليفاً أيضاً لبعضهم، فاختلفا: فـعبادة بن الصامت تبرأ من أولئك اليهود، ولجأ إلى الله وركن إليه، وأما ابن أبي -وهو المريض- فسارع في موالاتهم ونصرتهم والتملق إليهم والاختلاء بهم والتحدث معهم، ويعلل ذلك فيقول: نخشى أن تصيبنا دائرة. يقول: لو أن الرسول مات أو الإسلام انكسر وانهزم فإلى من نفزع إذا لم نتخذ إخواناً لنا وأصدقاء من اليهود؟ وهذا التعليل واضح ويعلله كل إنسان. يقولون: يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] من الدوائر: فقر أو حرب تأتينا فينكسر الإسلام والمسلمون فماذا نصنع؟ لا بد أن يكون لنا يد عند هؤلاء الجيران من إخواننا اليهود! هذه كلمته وهي كلمة كل من فيه مرض النفاق إلى يوم القيامة، الذي يواد الكافر وينصره ويقف إلى جنبه يقول: نخشى أن نصبح في يوم من الأيام في حاجة إليهم. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، ما قال: يسارعون إليهم؛ لأنهم ما خرجوا عنهم، يقولون معللين ذلك: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] قال الله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] و(عسى) من الله تفيد التحقيق. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة:52] فتح خيبر وما دونها وفتح مكة، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52] بأن يكشف أسماءهم في القرآن فتنزل آيات تفضحهم؛ فيصبحوا حينئذ على ما أسروا في أنفسهم من النفاق نادمين.
معنى قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن تشبه بقوم فهو منهم، هذا الذي أراد أن يكون مثل فلان أخذ يجاهد نفسه لأن يكون مثله في منطقه في نظره في مشيته في أكله في شربه في معاملته، فهل يصبح مثله أم لا؟ ما هناك شك. امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله. فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا. ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
تفسير قوله تعالى: (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ...)
والآيات تعالج أمر المنافقين، وقد برئ وسلم منهم المئات، فتأملوا هذه: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:53] لما يأتي الفتح أو تأتي آيات تفضح المنافقين وتزيل الستار عنهم، يقول الذين آمنوا: أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53]؛ لأن المنافقين يحلفون بالله أشد الأيمان أنهم مؤمنون وأنهم معهم، يأتي ابن أبي إلى الروضة ويقف ويقول ما حكى الله تعالى عنهم: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]. يحسنون التعبير ومنطقهم سليم ويضللون بهذا المؤمنين، وها هو ذا عز وجل يكشف الستار عنهم ويفضحهم، يقول تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53] انظر كيف حبطت أعمالهم فاصبحوا من الخاسرين.
معنى قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن تشبه بقوم فهو منهم، هذا الذي أراد أن يكون مثل فلان أخذ يجاهد نفسه لأن يكون مثله في منطقه في نظره في مشيته في أكله في شربه في معاملته، فهل يصبح مثله أم لا؟ ما هناك شك. امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله. فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا. ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
في هذه الآيات الأربع أربع هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين ].الموالاة: الحب والنصرة، أما أن تتعامل معه، أما أن تتجر معه، أما أن تستخدمه، أما أن يستخدمك، أما أن تحالفه على حرب معينة؛ فهذا أمره واسع، والممنوع الذي لا يصح لا في اليوم الحاضر ولا الآتي، ولا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم هو حبك لهم من قلبك ونصرتهم على إخوانك، لو أعلن اليهود الحرب -مثلاً- على الأردن، هل يجوز للمؤمنين أن يقاتلوا معهم؟ مستحيل، لا يمكن أبداً، مثلاً: دولة أوروبية غزت بلداً إسلامياً، هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا معهم؟ لا يجوز، وإن كان بينهم حلف فإنهم لا يقاتلون معهم المؤمنين، يقاتلون معهم الكافرين ولا بأس، حين نعقد الحلف نقول: إذا قاتلتم إخواننا المؤمنين فلن نقاتلهم معكم، وإن قاتلتم كافرين غير مؤمنين فسننصركم، وبهذا تجري الاتفاقيات.إذاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين، من أين أخذنا هذه؟ من قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51].[ ثانياً: موالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام ]، الكافر يؤذي المؤمنين ويحقرهم وأنت تقف إلى جنبه وتنصره! هذا يسلخ عبد الله من الإيمان، لا يبقى مؤمناً أبداً، لو نصره على كافر فلا بأس إذا كان بينهم اتفاقية، أما أن ينصر الكافر على المؤمن فموالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام.[ ثالثاً: موالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر ].موالاة الكافرين سببها ماذا؟ ناتجة من أين؟ ناتجة عن ضعف الإيمان، لو قوي إيمان العبد ما والى كافراً، تكفيه ولاية الله والمؤمنين، لكن إذا ضعف إيمانه فقد يوالي الكافرين، فموالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر شيئاً فشيئاً.[ رابعاً: عاقبة النفاق سيئة ونهاية الكفر مريرة ].النفاق -معاشر المؤمنين طهر الله منه قلوبنا وقلوبكم- هو أن يؤمن بالباطل بقلبه ويدعي الإيمان بلسانه أنه يؤمن بالله وبلقائه.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:53 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (19)
الحلقة (329)
تفسير سورة المائدة (26)


الله عز وجل غني عن عباده، فهو سبحانه القهار الواحد الأحد الصمد، وقد بين سبحانه في هذه الآيات أن من يرتد بعد إيمانه فإن الله سيأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله لينشروا في الناس نور الإسلام، وهؤلاء هم أولياء الله ورسوله والمؤمنين، وأولياء الله هم الغالبون.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:54-56].معاشر المستمعين والمستمعات! أعيد إلى أذهانكم أن الله تبارك وتعالى نادانا في كتابه القرآن العظيم تسعة وثمانين نداء بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا ). وعرفنا أن الله عز وجل منزه عن اللهو واللعب، فهو لا ينادينا إلا لواحدة من خمس: إما ليأمرنا بفعل ما يسعدنا ويكملنا في الدنيا والآخرة، أو لينهانا عما يشقينا ويردينا ويخسرنا في الدنيا والآخرة، أو ليبشرنا بما نزداد مسابقة في الخيرات ومنافسة في الصالحات، أو تحذيراً لنا من عواقب السوء، أو ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى علمه.تتبعنا واستقصينا كتاب الله فوجدنا نداءات الرحمن لعباده المؤمنين تسعة وثمانين نداء، وأضفنا إليها نداء آخر فأصبحت تسعين، وهذا النداء هو: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] الآيات، فهو وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه في الواقع لأمته، فلهذا كتبنا ذلك الكتاب وسميناه: (نداءات الرحمن)، ودرسناه في هذه الحلقة ثلاثة أشهر وزيادة، وطبع ووزع مجاناً، وقلنا: لو كنا أحياء أو دبت الحياة فينا لترجم هذا الكتاب إلى لغات المسلمين عامة، ويوضع عند سرير كل ضيف في أي فندق من الفنادق، فقد اشتملت تلك النداءات على كل ما هو في القرآن من الوضوء والغسل إلى الرباط والجهاد، بيان الحلال والحرام، في السلم في الحرب، في الجهاد وفي غيره.. كل المتعلقات بحياتنا موجودة في تسعين نداء، والقرآن نقرؤه على الموتى ولا نشعر بما فيه، وهذا شأن أمة هبطت من علياء السماء فلصقت بالأرض. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:54] يقول تعالى منادياً لنا، فنجيبه: لبيك اللهم لبيك، مَنْ يَرْتَدَّ [المائدة:54]، و(من يرتدد) قراءة نافع ، فقراءة أهل المدينة وأهل الشام: (من يرتدد) بالفك، والكل صالح، والقرآن نزل على سبعة أحرف، والارتداد معروف، مشى ثم رجع إلى الوراء، مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة:54] أي: عن الإسلام، بعدما أقبل عليه وأخذ فيه وصام وصلى انتكس ورجع إلى الوراء. ‏
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:53 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ...)
ثم قال تعالى يخاطبنا نحن: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55] لا بريطانيا، ولا إيطاليا، ولا بلجيكا، من وليكم؟ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، حصر الولاية في هذه الولاية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، هؤلاء أولياؤنا نحبهم ويحبوننا، ونطيعهم حتى نصدق في حبنا ويتجلى لنا حبهم. إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، ليخرج نفاق المنافقين وكذب الكاذبين ممن نافقوا في الإسلام وقالوا: إنهم مسلمون وهم ليسوا بمسلمين، فحصر ذلك بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، فالذي لا يقيم الصلاة ما هو بولي لنا، ما هو بمؤمن، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55]، ما إقامتها؟ إليكم صورة حقيقية: نادى منادي صلاة الظهر، فترى أهل القرية أو الحي كلهم مقبلين على المسجد، مظاهر عجب خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة، أذن العصر فترى الأمة كلها مقبلين على ربهم ليسجدوا له ويركعوا، غابت الشمس ودخل المغرب فترى أهل القرية أهل الحي كلهم مقبلين على بيت الله، وذلك طول العام، هذا هو إقام الصلاة. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [المائدة:55]، يعطونها طيبة بها قلوبهم، طيبة بها نفوسهم، من أموالهم الصامتة أو الناطقة، سواء طولبوا بذلك أو لم يطالبوا، جاءهم الجباة أو لم يجيئوهم.وصفة أخرى وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55]، أي: خاضعون متذللون، ما هو بالعنتريات والكبرياء والعلو كما قدمنا.والركوع: الذلة والانكسار، فالمؤمنون أغنياء أو فقراء، علماء أو جهالاً، كيفما كانوا ليس فيهم مظهر الكبر والتعالي أبداً؛ لأنهم عبيد الله وأولياؤه، نعم على الكافرين يترفعون ويتكبرون؛ لأنهم أمام أعداء ربهم وأعدائهم، أما مع المؤمنين فلين الجانب وهو الانكسار والذل.وهنا تذكر رواية قد تصح أو لا تصح، أخذ منها الفقهاء: جواز العمل الخفيف في الصلاة، تقول الرواية: جاء رجل فطلب الصدقة أو معاونة من الناس في المسجد، فما أعطوه، وعلي يتنفل راكعاً، فلما مر به المسكين نزع خاتمه ورماه إليه وهو راكع، أراد أن يحقق هذا الوصف: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55]، ولا حرج، فعمل جزئي كهذا ما يبطل الصلاة وهي نافلة، أخرج خاتمه هكذا ورماه له، في حركة أو حركتين لا تبطل الصلاة، لكن أراد أن يتمثل هذه الآية.أنا أقول: من منا يطبقها؟ تطبيق ذلك في ريالات في جيبك، وجاء سائل فسأل هذا وهذا ومر بين يديك فأخرجت أنت ريالين أو عشرة وأعطيته، فهل تمثلت الآية أم لا؟ تمثلتها، أمر سهل، وأما الخاتم فصعب، ما عندنا خواتم.هذا فقط من باب أنه أراد أن يمتثل هذه الآية، وإلا فهي لا تعنيه، تعني الذين يؤمنون بالله ورسوله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم في هذه الأحوال كلها راكعون لله خانعون خاضعون، لا كبرياء ولا علو.
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.
تفسير قوله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56]، ما معنى: يتولاهم؟ يحبهم ويحبونه، يطيعون الله ورسوله والمؤمنين، فمن يتولى الله ورسوله الذين آمنوا بشروه بالنصر، بالعز، بالكمال، بالسعادة، والله لا يهون ولا يذل، ولا ينكسر، لماذا؟ لأن الله قال: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56] من حزب الله؟ الأحزاب عندنا في العالم الإسلامي ما أكثرها، ما هناك إلا حزب واحد، ألا وهو حزب الله، من هم؟ المؤمنون الصادقون في إيمانهم أولئك حزب الله، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56] يحبهم ويطيعهم وينصرهم ولا يخذلهم، هذا بشروه بأن العالم إذا اجتمع كله عليه لا يذلونه ولا يهينونه ولا يكسرونه، لماذا؟ لأن حزب الله دائماً هم الغالبون، بشرى عظيمة لأمة الإسلام هذه.فهيا نتولى الله ورسوله، أي: نطيع الله ورسوله، نقيم حدود شرعه ونعلن فرائضه، ونؤدي آدابها، ونحب رسول الله ونمشي وراء سنته، ونحب المؤمنين فننصرهم ونقف إلى جنبهم، إذا تم هذا فوالله ما ذللنا لأحد ولا أهاننا أحد. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56]، في أي زمان في أي مكان، أما أن تعادي المؤمنين وتحاربهم وتقول: أنا ولي الله ورسوله فلا ينفع هذا؛ لأن حب الله وحب الرسول وحب المؤمنين، طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة المؤمنين، نصرة الله ونصرة رسوله ونصرة المؤمنين هي مفتاح الحب، وهذا وعد من الله عز وجل يتحقق لأي مؤمن يتولى الله ورسوله والمؤمنين.فإنه لا يذل ولا يهين ولا ينكسر أبداً، وإن قلتم: ولم المسلمون ذلوا وهانوا وانكسروا واستعمروا وافتقروا؟ فالجواب: لأنهم خلعوا ولاية الله ورسوله وولاية المؤمنين، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:56] فإنه لن ينكسر ولن يهزم أبداً، لماذا؟ لأن حزب الله هم الغالبون.
إجمال الصفات المذكورة في الآية الكريمة
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، من صفاتهم أنهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، كيف أنتم؟ هل أنتم أذلة على المؤمنين، أم تدفعون وتتكبرون وتصرخون وتهينون؟ ومع الكافرين اللين والعطف، و(مسيو) أو (مستر)، على كل حال الدار دار عمل والجزاء أمامنا. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، بمعنى: أشداء غلاظ، ما يلينون ولا ينكسرون ولا يتعطفون بين أيديهم، أقوياء بعزة الإسلام، وليس معنى هذا أنهم يسبون أو يشتمون، المسلم لا يسب ولا يشتم ولا يظلم، ولا يسرق ولا يكذب ولا يخدع، العزة ألا تذل أمام الكافر وتنكسر، أنت المؤمن العزيز، وهو الكافر الذليل المهين.ومن صفاتهم: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، هذا القيد الذهبي، في سبيل الله لا في سبيل المنصب، ولا المال، ولا الزوجة، ولا الولد، ولا الحكم، ولا الوطن، جاهد المسلمون وكشف الله عورتنا، جاهدنا قرابة خمس وأربعين سنة، نجاهد الكفار الطليان، الفرنسيين، الأسبانيين، البريطانيين، الهولنديين تحت عنوان الوطن، جهاد في سبيل الوطن، في تحرير البلاد.لو أن أهل إقليم أو منطقة قاتلوا باسم الله، من أجل الله لأقاموا دولة الإسلام يوم حكموا البلاد واستقلوا، من يوم أن تسلموا الزمام أقاموا الصلاة، وجبوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هل حصل هذا؟ لا يحصل ومستحيل؛ لأننا ما قاتلنا في سبيل الله، أي: من أجل أن يُعبد الله وحده ويحب ويطاع في أمره ونهيه، هذا أمر مفروغ منه، لا تطالب بالدليل أبداً. يُجَاهِدُونَ [المائدة:54] في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54]، أي: بأن يعبد الله وحده بما شرع؛ إذ ما خلق الخلق إلا ليُعبد ويذكر ويشكر، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ما يصرفهم عن الجهاد من يعذرهم أو يلوم ويعتب عليهم.قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] لا يضيق فضله عن أحد أراده، عليم بمن هو أهل للفضل ومن هو ليس بأهل لفضله وإنعامه وإكرامه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: إخبار القرآن الكريم بالغيب وصدقه في ذلك، فكان آية أنه كلام الله ]، أما أخبر تعالى أنه سيرتد من يرتد ويأتي الله بآخرين؟ وهل فعل أو لم يفعل؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] وكان ذلك، انتهت الفتنة على يد أبي بكر ، وتولى عمر بعده وقاد الجيوش إلى الشرق والغرب وانتصر الإسلام في كل مكان، وصدق الله العظيم.[ ثانياً: فضيلة أبي بكر والصحابة والأشعريين قوم أبي موسى الأشعري وهم من أهل اليمن ]، لأنهم نهضوا بالجهاد، أبو بكر قادهم ومشوا وراءه والصحابة معه، وجاء أبو موسى الأشعري ومعه أهل اليمن، وأدبوا العرب الذين ارتدوا، وردوهم إلى الحق ورجعوا بهم إلى الإسلام، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] أبو بكر وأصحاب رسول الله.[ ثالثاً: فضل حب الله والتواضع للمؤمنين وإظهار العزة على الكافرين، وفضل الجهاد في سبيل الله، وقول الحق والثبات عليه، وعدم المبالاة بمن يلوم ويعذل في ذلك ] ويعتب، وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].[ رابعاً: فضيلة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخشوع والتواضع ]، فضيلة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة (وهم راكعون)، أي: الخشوع والتواضع لله عز وجل.[ خامساً: ولاية الله ورسوله والمؤمنين الصادقين توجب لصاحبها النصر والغلبة على أعدائه ]، والذي يعادي الله والرسول والمؤمنين من ينصره؟ فالخذلان نصيبه وحظه.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع إنه قدير وبالإجابة جدير.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:55 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (20)
الحلقة (330)
تفسير سورة المائدة (27)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، ومع هاتين الآيتين، فهيا نتلو الآيتين متدبرين معانيهما، ثم بعد ذلك يبين لنا مراد الله تعالى منهما، ونأخذ بما هدانا الله تعالى إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:57-58].

غايات نداء الله تعالى لأوليائه المؤمنين


معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هل بلغكم أن الله تعالى نادانا نحن عباده المؤمنين في كتابه تسعة وثمانين نداء؟ هل بلغكم هذا أو ما علمتم؟ كيف يناديك سيدك ومولاك والذي إليه مصيرك وبيده محياك ومماتك ولا تعرف كم مرة ناداك؟

الجواب: ما اجتمعنا على دراسة القرآن، مضت أعمارنا ونحن في المقاهي ومجالس الأكل والشرب والضحك، أو في دور السينما، أما أن نجلس في بيت الرب بنسائنا وأطفالنا كل ليلة من صلاة المغرب إلى العشاء ندرس كتاب الله وهدي رسوله، فهذا لا يخطر على بالنا، فلهذا لا تلمنا.
لن نلوم، ولكن هبطنا من علياء السماء إلى الأرض، كنا قادة البشرية وسادتها، فأصبحنا أذل منها وأحوج إليها، السبب: أننا ما عرفنا الله معرفة حقيقية يقينية حتى نتملقه ونتزلف إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره، وفعل المحبوب وترك المكروه هو منهج السعادة والكمال للإنسان في الدارين، ومستحيل وهيهات هيهات أن يكمل آدمي أو يسعد بدون معرفة الله وطاعته في أمره ونهيه، ولا جدال في هذا، وحسبنا شهادة الواقع.

نادنا ربنا تسعين نداء، وقد تتبعنا هذا الموضوع وعرفنا بالاستقراء أن الله تعالى لا ينادينا بوصفنا المؤمنين به وبلقائه، وبكتابه وبرسوله إلا لواحدة من خمس:
الأولى: ينادينا ليأمرنا بفعل أو اعتقاد أو قول ما من شأنه أن يسعدنا ويكملنا.
الثانية: أن ينادينا لينهانا عن اعتقاد أو قول أو عمل فاسد من شأنه أن يخسرنا ويكسبنا الخراب والدمار.
الثالثة: أن ينادينا ليبشرنا فنزداد في طلب الهدى والمنافسة في الخيرات والمسابقة في الصالحات.
والرابعة: أن ينادينا ليحذرنا من المكروه، مما عواقبه الخسران والدمار.
والخامسة: ينادينا ليعلمنا ما لم نكن نعلم.
فاحمدوه، فالحمد لله، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت، الحمد لله.. الحمد لله.

وهل تعلمون أن في ندائه عز وجل لنا أعظم كرامة يظفر بها الآدمي، أن يناديه سيده ومولاه، نداء الله لنا دل على رفعتنا وعلى علو منصبنا ودرجتنا، ألسنا أولياءه؟ بلى، وهو يقول: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62]، من هم أولياء الله؟ سيدي عبد القادر ؟ البدوي ؟ عيدروس؟ سيدي مبروك؟ لم لا نسأل ربنا: يا ربنا! من هم أولياؤك؟ ومع هذا أجاب الله ، وما سألنا، فقال عز وجل: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63] هؤلاء هم أولياء الله، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، وكل كافر فاجر فهو لله عدو.

عرفتم أولياء الله؟ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63]، إذاً: المؤمنون أحياء والحي يسمع، يبصر، يعقل، يفهم، إذا أمر فعل، إذا نهي ترك، وذلك لكمال حياته، والكافر ميت لا يؤمر ولا ينهى، لم؟ لأنه ميت والميت لا يسمع، ولا ينطق، ولا يبصر، ولا يأخذ ولا يعطي، هذا شأن الميت.

إذاً: الإيمان الحق هو بمثابة الروح، إي والله، فمن آمن إيماناً صحيحاً حقيقياً فقد حيي، فمره بأمر الله يفعل، انهه بنهي الله يترك، والذي ما آمن مره أن يصلي فهل يصلي؟ مره أن يغتسل من جنابة فهل يغتسل؟ مره أن يكف عن قول كذا فهل يكف؟ ميت.

هل عرف المؤمنون والمؤمنات هذا؟ ما عرفناه، مضت قرون ما نجتمع على كتاب الله، إلا إذا قرأنا على ميت حتى ولو كانت عاهرة لتدخل الجنة بقراءتنا عليها، إلى أين وصلت هذه الأمة بعدما كانت سائدة قائدة رائدة في العالم؟ ما سبب سيادتها وقيادتها وريادتها؟ الإيمان الصحيح وتقوى الرحمن عز وجل، أما العلم فهو ضروري حتمي، الذي ما يعرف ما يحب الله،كيف يفعله؟ الذي ما يعرف ما يكره الله كيف يتركه؟ الذي ما يعرف كيف يطيع ربه كيف يطيعه؟

فالعلم عندنا ضروري كالطعام والشراب، بل كالهواء والتنفس، تريد أن تكون ولياً بدون علم؟ مستحيل أن تكون ولي الله بدون علم، إلا أن العلم ليس شرطاً أن يكون بالقلم والقرطاس، وإنما هو بسؤال أهل العلم والعمل، لا تزال تسأل وتعلم وتعمل، فما يمضي زمان إلا وقد علمت محاب الله كلها، وعلمت مكاره الله كلها، وأنت في نفس الوقت تفعل المحبوب وتكره المكروه، وهذه ولاية الله عز وجل.

يتبع




ابوالوليد المسلم 15-06-2021 03:55 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
نهي الله تعالى المؤمنين عن موالاة المستهزئين بالدين

مكر اليهود والنصارى بالمسلمين في الولاية والأولياء

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ )[المائدة:57]، أي: لا تتخذوهم أولياء، ما معنى أولياء؟ أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، لا بمعنى الولاية الهابط، ولاية الذين نبني عليهم القباب ونضع الشموع والأزر الحريرية، ونقول: أولياء الله، ونحلف بهم ونقسم بهم، هذا باطل باطل، ما أراده الله.

وفتح الله علينا، وعرفنا أن مكر اليهود والمجوس والنصارى هو الذي حصر الولاية في الذين ماتوا، أما الأحياء فلا، تدخل القاهرة المعزية ذات العشرين مليون نسمة من المطار أو من محطة القطار فتواجه مصرياً من أهل البلد فتقول: يا سيد! أنا جئت لأزور ولياً من أولياء الله في هذه البلاد، فوالله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر وضريح، ولا يفهم أن القاهرة فيها أولياء، هذا مثال، ودمشق كالقاهرة، وبغداد، ومراكش، وباكستان، وإسطنبول.. كلها سواء، تأملوا علكم تعقلون؛ لأننا لو اعتقدنا أن كل مؤمن ولي ما بقي والله من يزني ولا يسرق ولا يكذب ولا يشتم ولا يسب ولا يعتدي أبداً؛ لأن الله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، والواقع يؤكد ذلك: هل تجد مسلماً في عصور الهبوط يسب ولياً من أولياء الله الموتى؟ كلا. بل إجلال، إكبار، تعظيم، يحلفون بهم، يسرقون قطعان الغنم لهم، يتوسلون بهم، والأحياء كلهم أعداء الله، هذا يزني ببنت هذا، وهذا يزني بامرأة هذا، وهذا يسرق هذا، وهذا يكذب على هذا، هذا يقتل ابن هذا.

والله كما تسمعون، وأنتم أعلم مني بهذا، ما سبب ذلك؟ لأن العدو الحاسد الماكر أراد أن نهبط وهبطنا، قال: احصروا الولاية في الموتى، من وليك؟ سيدي عبد القادر ، أين هو؟ في بغداد، وأنت أين؟ في المغرب، كيف أصبحت تلميذه؟

قالوا: نحصر الولاية في الموتى فقط، وحينئذ يستبيحون نساء بعضهم، والكذب والسرقة والمجون والخداع والغش؛ لأنهم ما هم أولياء، ولو عرفوا أنهم أولياء لعرفوا أن الولي ما تقال فيه كلمة، بل يبجّل، يعظم، يحترم، أليس كذلك؟ وهكذا.

هل عرفتم هذه الحقيقة؟ من الذي مكر بنا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، ما يريدون أن نبقى سعداء أعزاء أبداً، قالوا: لا بد أن يهبطوا إلى ما نحن هابطون فيه، وحققوا مرادهم لأن الشياطين معهم، فسلطوهم علينا.
معشر المستمعين والمستمعات! اصدقوا الله، هل يجوز لأحدنا الآن أن يسب أحداً؟ هل رأيتم من يسب؟ أو يشتم؟ أو يضرب؟ أو يطلع على عورة أخيه؟ أو يحاول أن يفجر بامرأته؟ أو يغشه في شيء؟ أو يخدعه في معاملة؟ والله ما كان، لم؟ لأننا أولياء الله، ما يباح لنا أبداً أن نعتدي على أولياء الله ونظلمهم ونأخذ ما عندهم أو نؤذيهم؛ لأنهم أولياء الله، ولو لم يكن هناك بوليس ولا حكومة، مؤمنون في جبل، في قرية، في سهل عرفوا ربهم، والله ليسودنهم الأمن والطهر والصفاء بدون عسكر ولا بوليس، والله إني لعلى علم.

فمن هنا قالوا: جهلوهم، العلم هو النور، أعموا أبصارهم وقلوبهم. فماذا يصنعون؟ قالوا: القرآن تفسيره صوابه خطأ وخطؤه كفر، وشاعت هذه الفكرة في العالم الإسلامي، فأصبح لا يستطيع مؤمن يقول: قال الله، يقال له: اسكت، يقول: القرآن فيه الخاص والعام، والسنة النبوية الشارحة للقرآن، فيقال له: اسكت، اترك السنة نقرؤها في رمضان للبركة. ففقدت أمة الإسلام القرآن والنور المحمدي، وعاشت في الظلام وماتت، وهل استعمرتنا بريطانيا أم لا؟ وإيطاليا، وفرنسا، وبلجيكا، استعمرونا أم لا؟ فكيف يستعمروننا؟ لأننا متنا، أفقدونا الروح، القرآن نقرؤه على الموتى والسنة نقرؤها للبركة، صحيح البخاري يقرأ للبركة، لا لنعرف الحلال والحرام، أو الواجب أو المستحب أو المكروه، وحشرونا في كتيبات فقهية، هذا مذهب مالكي، هذا شافعي، هذا إباضي، هذا زيدي، هذا حنبلي، هذا كذا.. آلله أمر بهذا؟ ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )[المؤمنون:52]، وأفصح عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بما هو من آيات نبوته؛ إذ قال: ( افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة )، يتكلم بالوحي، فهل استطاع يهودي أن يقول: لا يا محمد ما افترقنا؟ بل طأطئوا رءوسهم وقالوا: نعم، قال: ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ) صحيح، إنجيلهم بلغ خمسة وثلاثين إنجيلاً، وفي النهاية حصروه بخمسة أناجيل، أي صدق أي حق في هذا؟ أين كلام الله؟ قال: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، وراجع تفسير القرطبي ، جعل لها قائمة من أعلاها إلى أسفلها في ثلاث وسبعين فرقة.

قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، تكلم بهذا رسول الله والمؤمنون أقل من الحجاج بخمسين مرة، حيث كانوا لا يملئون هذا البلد، وتم ما أخبر به أم لا؟ قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، فألهم الله أحد السامعين فقال: من هي الناجية يا رسول الله حتى نكون منها؟
فاسمع واحفظ، وإذا ما فهمتها فلا تبارح هذا المجلس حتى تفهم معناها، وحرام عليك ألا تفقه هذا ولا تفهم إن كنت تريد الملكوت الأعلى.

فقال صلى الله عليه وسلم: ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) في العقيدة، في العبادة، في الأحكام، في الآداب، في الأخلاق، في التفكير والهم أيضاً.
وصدق رسول الله، وتفرقت هذه الأمة، وما زالت الفرقة إلى الآن قائمة، دويلاتنا نيف وأربعون دولة! أعوذ بالله، أيجوز هذا في الإسلام؟ كيف يجوز؟ مذاهبنا لا تسأل، أحزابنا بلا تعداد، هذا كيد أعدائنا.
طريق الخلاص من واقع المسلمين المؤلم
فهيا نتخلص، أدلك على أسهل الطرق وأيسرها، ولا تكلفك ريالاً ولا ولا درهماً، فقط قل: آمنت بالله، أدلكم فهل تبلغون هذا وتحققونه؟الطريق هو أن أهل القرية في البلد الإسلامي في الجبل أو في السهل، مجموعة سكان تسمى ديارهم قرية في اصطلاح المعاصرين، أهل القرية يوسعون مسجدهم الذي يصلون فيه، نحن لا نشك أن في كل قرية مسجداً أو مساجد في بلاد العرب والعجم سواء، هذا المسجد يوسع إما بالحديد والإسمنت وإما بالخشب والطوب، حتى بالستائر، حتى يتسع لكل أفراد القرية نساء ورجالاً وأطفالاً، ثم إن إمامهم يوم الجمعة يقول: من الليلة لا يتخلفن رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب أبداً، إلا مريض أو ممرض له، فيحضرون حضورنا هذا ويصلون المغرب صلاتنا هذه ويجلسون جلوسنا هذا، وباسم الله ليلة آية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، وتشرح لهم ويبين مراد الله منها، ويوصوا بالعمل بها، والليلة الثانية حديث من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ويحفظ، ويبين مراد الرسول منه، ويعزم المؤمنون على العمل به، وهكذا طول العام، عام واحد فما يبقى في القرية فاسق ولا فاجر ولا ظالم ولا زان، لأنهم عرفوا، علموا وعملوا فكملوا، فكيف إذا كان طول العمر ونحن في هذا النور، من أين يأتي الظلام؟ هل هذا يكلف مالاً؟ إن اليهود والنصارى في أوروبا في اليابان في أمريكا إذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب أوقفوا العمل وتنظفوا وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى دور اللهو واللعب، والمقاصف والسينما، أليس كذلك؟ ونحن لم لا نذهب إلى بيوت الرب نستمطر الرحمات ونتعلم الهدى لنسمو ونكمل، ما المانع؟ لا شيء، والمدينة ذات أحياء، كل حي يوسعون مسجدهم؛ ليتسع لكل الأفراد، ويصنعون هذا الصنيع عاماً أو عامين أو ثلاثة، فما يبقي جهل لا في النساء ولا في الرجال، وإن كانوا لا يكتبون ولا يقرءون، ومن ثم تنتهي مظاهر الخلاف والفرقة والعصبيات والنزعات والأطماع والشهوات، تمحى. وإن قلتم: ما الدليل؟ فالدليل: العصور الذهبية الثلاثة، من ساد البشرية وقادها؟ أليسوا أولئك الأميين؟ وقد تعلموا الكتاب والسنة.ثانياً: يقول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وصدق الله العظيم، أروني عالماً فاجراً وأنا أريكم ألف جاهل فاجر، أروني عالماً سارقاً متلصصاً وأريكم ألف جاهل متلصص وسارق، وعلى هذا فقيسوا، أعلمكم في قريتكم أتقاكم لله بلا نزاع، أبعدكم عن الله وأجهلكم به أفسقنا وأفجرنا، أمور يقينية هذه ما تحتاج إلى جدال.فمتى نرجع؟ ما سمحت لنا نفوسنا بذلك. قد تقولون: يا شيخ! ما عندنا كتاب في هذا الباب؟ أما بلغكم (كتاب المسجد وبيت المسلم)؟ درس في هذا المسجد في السنة كاملة، فيه ثلاثمائة وستون آية وحديثاً، في كل ليلة آية والثانية حديث، عام كامل، واسمه (كتاب المسجد وبيت المسلم)، وطبع ووزع بالآلاف، وقال محدثكم غفر الله له: لو بلغنا أن أهل قرية التزموا بهذا الكتاب وهم يدرسونه نساء ورجالاً لزرناهم إلى ديارهم، لنشاهد آثار الهدى الإلهي، ولكن لا شيء أبداً، العلماء ساكتون والجهال ميتون، ويبقى أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أصيب بمصيبة فليرجع إلى الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57]، أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، هذا هو الولاء، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، المؤمن للمؤمن يحبه، وإذا احتاج إلى نصرته ينصره ولا يخذله أبداً.وأعداء الإسلام يجب ألا نحبهم ولا ننصرهم أبداً؛ لأن الولاء في أمرين: في الحب، والحب يترتب عليه المساعدة وما إلى ذلك، وفي النصرة، فلا نقف إلى جنبهم ننصرهم على الإسلام والمسلمين.
قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:57] أيها المؤمنون، فإن من آمن حي، ومن حيي سأل عن الطريق وعرفها، ومن عرف الطريق سلكها وانتهى إلى ولاية الله عز وجل بحبه له وإكرامه له.





ابوالوليد المسلم 19-06-2021 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (21)
الحلقة (331)
تفسير سورة المائدة (28)


ما يحمله أهل الكتاب في قلوبهم من البغضاء والحسد للمؤمنين لا يخفى على ذي عينين، ذلك أن المؤمنين أهل الحق والصدق، الموعودين عند الله بدار السلام؛ لإيمانهم بالله وبسائر رسله صلوات الله وسلامه عليهم، أما أهل الكتاب وخاصة اليهود منهم فإنهم يعلمون أنهم على ضلال، ومع ذلك يخاطبون المؤمنين بقولهم عن دين الإسلام: إنه شر الأديان، وقد أعلمنا الله بأخبارهم، حيث لعنهم سبحانه وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير، جزاء فجورهم وكفرهم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، وقد درسنا منها آيتين، فهيا نسمع تلاوة الآيات، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:57-60].
سفه المستهزئين بالنداء إلى الصلاة
وقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا [المائدة:58]، بين لهم ما كان يفعله بعض المنافقين من العرب واليهود في المدينة، يستهزئون بكلمة صلاة أو صيام، وخاصة إذا سمعوا الأذان يكربون ويحزنون، فبين لنا علة كرهنا لهم وبعدنا عنهم، ثم بين تعالى سبب جهلهم فقال: بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58] والله ما يعقلون، الذي يعقل يميز بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين النافع والضار، بين الكره والحب، هذا هو العاقل، والذي يكره الله ورسوله أين عقله؟ سيدك ومولاك وخالقك ورازقك ومردك إليه ومصيرك إليه، وأنت عبده وهو الذي يغذوك ويطعمك ويسقيك ثم لا تحبه ولا تؤمن به، أي عقل هذا؟! واسمع ما قال تعالى: ذَلِكَ [المائدة:58] بسبب ماذا؟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58]، فالمنادي يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الخير والكمال والطهر والصفاء والأمن بين المسلمين، فتضحك من الأذان؟ أعاقل هذا؟
تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله...)
والآيتان بعد هذه يقول تعالى فيها: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:59] أمر الله تعالى رسوله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذا الإعلان: قُلْ [المائدة:59] يا رسولنا. ماذا يقول؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [المائدة:59] من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، التوراة لليهود، والإنجيل للنصارى، فهم أهل كتاب، أيما مؤمن يجب أن يعرف هذا، المراد من الكتاب هنا: التوراة، أهل التوراة اليهود، المراد من الكتاب هنا: الإنجيل، أهل الإنجيل هم النصارى، أو الصليبيون والمسيحيون، عبارات مختلفة والمعنى واحد. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:59]، بين لنا علة كرههم وبغضهم لنا، علمهم يا رسولنا، تنقمون منا لكوننا آمنا بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، وآمنا بما أنزل إلينا من القرآن، وما أنزل من قبل على موسى من التوراة وعلى عيسى من الإنجيل، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:59]، فأهل الفسق هم الذين يصدر عنهم هذا الخبث في القول والعمل. بعبارة أوضح: لم يبغض اليهود والنصارى المؤمنين؟ ما هي الأسباب والعوامل؟ الجواب: لأنهم على حق، وأنهم أهل الجنة ودار السلام، لأنهم مؤمنون صادقون، معتصمون بحبل الله، لا زنا ولا ربا ولا فسق ولا فجور ولا كذب ولا خيانة، هذا الكمال يبغض اليهود والنصارى المسلمين من أجله، ما تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وما أنزل من قبل، فهل مثل هذا نبغض من أجله؟ ولكن أكثركم فاسقون، تعليل لطيف، الفسقة هم الذين يقولون الباطل، ويرتكبون الآثام والذنوب، ولم يقل: وكلكم فاسقون، قال: (أكثركم فاسقون) تحفظاً، قد يوجد من لا يفسق، ولا يخرج عن طاعة الله.

تفسير قوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه...)
هنا قالوا في صراحة للرسول صلى الله عليه وسلم: لا نعلم ديناً شراً من دينك يا محمد! بهذه الصراحة: لا نعلم ديناً شراً من دينكم أيها المسلمون! لماذا؟ لأنكم تؤمنون بإنجيل عيسى، وعيسى في نظر اليهود ابن زنا وساحر ودجال! لما سمعوا هذه قالوا: يا محمد! لم نر ديناً شراً من دينك. واسمع ماذا قال تعالى لنبيه: قُلْ [المائدة:60] يا رسولنا مرة ثانية: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] ؟ تسمحون أن نخبركم بشر مما قلتم؟ هم قالوا: دينك شر الأديان أم لا؟ فتعالوا نخبركم بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ [المائدة:60] أي: جزاء، مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60] هؤلاء شر مما قالوا هم، شر مثوبة وجزاء عند الله يوم القيامة، من هم شر الخلق جزاء ومثوبة يوم القيامة؟ الذين لعنهم الله وغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وقضية القردة والخنازير كانت على عهد داود عليه السلام، الذين انتهكوا حرمة الدين واصطادوا يوم السبت ونصبوا الشراك بالاحتيال، فأولئك مسخهم الله قردة وخنازير، ولم يلبثوا أكثر من ثلاثة أيام ثم جيفوا وماتوا.فقوله تعالى: قُلْ [المائدة:60] لهم يا رسولنا: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ [المائدة:60] الذي قلتم مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ [المائدة:60] من هو؟ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [المائدة:60] أولاً، وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60] ثانياً، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [المائدة:60] ثالثاً، وجعل منهم عبد الطاغوت، والطاغوت هو الشيطان، كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، والذين استجابوا للشيطان ففجروا وعصوا وكفروا هم عبيده وعبدته! قال: أُوْلَئِكَ [المائدة:60] البعداء شَرٌّ مَكَانًا [المائدة:60] يوم القيامة؛ لأن مكانهم دار البوار، جهنم وبئس القرار، وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:60] في هذه الحياة ويوم القيامة.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

معاشر المستمعين! أسمعكم شرح هذه الآيات من الكتاب، لتزدادوا معرفة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ ما زال السياق في تحذير المؤمنين ] مم؟ [ من موالاة اليهود وأعداء الله ورسوله، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ([المائدة:57] أي: آمنوا بالله رباً وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، ( لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ )[المائدة:57] أي: الإسلام ] اتخذوه [ ( هُزُوًا )[المائدة:57] شيئاً يهزءون به ( وَلَعِبًا )[المائدة:57] أي: شيئاً يعلبون به، ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )[المائدة:57] يعني: اليهود ( وَالْكُفَّارَ )[المائدة:57] وهم المنافقون والمشركون ( أَوْلِيَاءَ )[المائدة:57] ] أي: لا تتخذوهم أولياء [ أي: أنصاراً وأحلافاً، ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:57] في ذلك، أي: في اتخاذهم أولياء ( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )[المائدة:57] صادقين في إيمانكم، فإن حب الله وحب رسوله والمؤمنين يتنافي معه حب أعداء الله ورسوله والمؤمنين ]، والله العظيم! ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )[الأحزاب:4] يحب بهذا أولياء الله ويحب بهذا أعداء الله، أو يكره بهذا كذا ويحب بهذا كذا، ما هناك إلا قلب واحد.

قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى. أما الثانية: فقد تضمنت إخبار الله تعالى بما يؤكد وجوب معاداة من يتخذ دين المؤمنين هزواً ولعباً، وهم أولئك الذين إذا سمعوا الأذان ينادي للصلاة اتخذوه هزواً ولعباً، فهذا يقول: ما هذا الصوت؟ وآخر يقول: هذا نهيق حمار! قبح الله قولهم وأقمأهم ] وأذلهم، [ فقال تعالى: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] حقاً إنهم لا يعقلون، فلو كانوا يعقلون الكلام لكان النداء إلى الصلاة من أطيب ما يسمع العقلاء؛ لأنه نداء إلى الطهر والصفاء، وإلى الخير والمحبة، نداء إلى ذكر الله وعبادته، ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم: ( لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] شأنهم شأن البهائم، والبهائم أفضل منهم ]، البهائم أفضل، واسمعوا هذا البيان: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )[البينة:6]، والبرية: الخليقة، فمن شر الخلق؟ المشركون والكافرون شر من القردة والخنازير والكلاب والضباع والثعالب والحيات وكل الموجودات، أما قال خالقهم: ( شَرُّ الْبَرِيَّةِ )[البينة:6] أم لا؟ أن وإن شئت أن تعرف كيف كانوا شر البرية فاعلم أن الحيوانات كلها ما خرجت عن طاعة ربها، طبعها على شيء تفعله، ما عصت! وهذا الإنسان الذي أعطاه الله الكتاب وبعث إليه الرسول يكفر بخالقه ويسبه وينكره، ويفسق عن أمره ويخرج عن طاعته، هذا شر الخليقة!

والعاقل يتأمل: من شر الخليقة؟ والجواب: الكفار والمشركون، لأن الخليقة كلها منتظمة في سلك ربطها الله به، البقرة تلد وتحلب الحليب ويحرث عليها، والبعير كذلك والشاة وحتى الدجاجة تبيض، ما عصت الله أبداً، بل كما طبعها وخلقها، والإنسان مخلوق لأن يذكر الله ويشكره، علة خلقك أن تذكر الله وتشكره بالعبادة، فإذا أبيت أن تذكره وأعرضت عن عبادته فقد هبطت فأصبحت شر الخليقة، إي والله!
قال: [ ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ )[المائدة:58] ] أي: بسبب أنهم [ ( قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] ]، قلت: [ حقاً إنهم لا يعقلون، فلو كانوا يعقلون الكلام لكان النداء إلى الصلاة من أطيب ما يسمع ] أم لا؟ أم نداء العهر والظلم والشر والفساد؟ إن النداء إلى الصلاة في بيوت الله من أطيب ما يسمع العقلاء؛ [ لأنه نداء ] أولاً [ إلى الطهر والصفاء ] طهر البدن وصفاء الروح، [ وإلى الخير والمحبة والألفة، نداء إلى ذكر الله وعبادته، ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم: ( لا يَعْقِلُونَ )[المائدة:58] شأنهم شأن البهائم والبهائم أفضل منهم، هذا ما دلت عليه الآية الثانية ].

أعطيكم عبارة أخرى: بم تحكمون على شخص يشعل النار في القارة الإفريقية كلها؟! كيف تتصورون هذا الشخص؟ ما أحرق قصراً من القصور ولا مدينة من المدن، بل القارة الإفريقية كلها أشعل فيها النار، فكيف تجازونه؟ ماذا تقولون؟ والذي هدم الملكوت كله السماء وما فيها من كواكب، وما فيها من نجوم وسحاب وأمطار، والأرض دمرها، كيف تقولون في هذا الشخص؟ هل هناك شر منه؟
وبيان ذلك: أن الله خلق هذا الكون من أجل أن يعبد فيه، من أجل أن يذكر ويشكر، فالذي ترك عبادة الله وهجرها ونسي ذكر الله وابتعد عنه هو بمثابة من أحرق الكون ودمره، فلهذا يخلد في عذاب بلا نهاية.
قال: [ أما الثالثة: فقد تضمنت تعليم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأولئك اليهود والكفرة الفجرة: يا أهل الكتاب! إنكم بمعاداتكم لنا وحربكم علينا ما تنقمون منا، أي: ما تكرهون منا ولا تعيبون علينا إلا إيماننا بالله وبما أنزل علينا من هذا القرآن الكريم، وبما أنزل من قبل من التوراة والإنجيل، وكون أكثركم فاسقين، فهل مثل هذا ينكر من صاحبه ويعاب عليه؟ اللهم لا، ولكنهم قوم لا يعقلون. هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:59].

أما الآية الرابعة في هذا السياق: فقد تضمنت تعليم الله لرسوله كيف يرد على أولئك اليهود إخوان القردة والخنازير قولهم ] لما قالوا: [ لا نعلم ديناً شراً من دينكم، وذلك لأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: بمن تؤمن؟ فقال: ( أؤمن بالله وبما أنزل إلينا وما أنزل على موسى وما أنزل على عيسى )، فلما قال هذا قالوا: لا نعلم ديناً شراً من دينكم، بغضاً لعيسى عليه السلام وكرهاً له؛ فأنزل الله تعالى: ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً )[المائدة:60] أي: ثواباً وجزاء ( عِنْدَ اللَّهِ )[المائدة:60] إنه ( مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ )[المائدة:60] إذ مسخ طائفة منهم قردة، وأخرى خنازير على عهد داود عليه السلام ] في قرية واحدة أو قريتين.

[ وقوله: ( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )[المائدة:60] وجعل منهم من عبد الطاغوت وهو الشيطان، وذلك بطاعته والانقياد لما يجلبه عليه ويزينه له من الشر والفساد، إنه أنتم يا معشر يهود، إنكم لشر مكاناً يوم القيامة، وأضل سبيلاً في هذه الحياة الدنيا ].

يتبع




ابوالوليد المسلم 19-06-2021 03:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هداية الآيات
والآن كل آية لها هداية أودعها الله فيها، يهتدي بها عباده المؤمنون، فما الهدايات في هذه الآيات الأربع؟ فيها خمس هدايات.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ أولاً: حرمة اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء لا سيما أهل الظلم منهم ]. (حرمة) بمعنى: تحريم، بمعنى: محرم اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء تحبونهم وتنصرونهم، لا سيما أهل الظلم منهم، أما إذا لم يظلموا -كما بينا- فلا تحبهم ولكن لا تؤذهم ولا تضرهم، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51].[ ثانياً: سوء أخلاق اليهود وفساد عقولهم ] وإلى الآن، كيف يسخرون من الأذان؟ يستهزئون بمن يقول: الله أكبر، وحي على الصلاة؟ أي عقل هذا؟! هذا فساد العقول والعياذ بالله، وهو هبوط الأخلاق، لا تسخر من أخيك الإنسان في أي شيء أو تستهزئ به، إن أردت خيراً فانصح له وقل: هذا ما يليق، أما أن تسخر وتستهزئ فهذا ليس من صفات العقلاء أبداً.[ ثالثاً: شعور اليهود وإحساسهم بفسقهم وبعد ضلالهم جعلهم يعملون على إضلال المسلمين ].شعور اليهود وعلمهم بفسقهم، والله إنهم ليعلمون أنهم فاسقون، خارجون عن طاعة الله عز وجل، وطاعة رسله، يشعرون بهذا ويعلمونه، وبعد ضلالهم، ضلالهم ما هو بقريب، الفتن كلها في العالم هم الذين يشعلون نيرانها؛ من أجل هذا يعملون على إضلال المسلمين وإفسادهم؛ حتى يتساووا معهم. وهذا عندنا بين المسلمين، بعض من وقع في الأوساخ بوده أن الناس يفعلون ما يفعل، فاتح مخمرة يفرح إذا فتحت أخرى؛ حتى لا يبقى يلام هو. فاليهود عرفوا هبوطهم وحرمانهم وخسرانهم في الآخرة؛ من أجل هذا يبغضون المسلمين؛ لم؟ يقولون: المسلمون يسعدون ويدخلون الجنة ونحن نشقى وندخل النار! إذاً: نعمل على إفسادهم لنتساوى معهم، فطري هذا في غرائز البشر.[ رابعاً: تقرير وجود مسخ في اليهود قردة وخنازير ]، لو قال المؤرخون: ما وقع هذا، فوالله لا نلتفت إليه ولا نسمعه، وكيف وقد أخبر الله تعالى به، وقد وقع بالله الذي لا إله غيره، ولنقرأ الآية الكريمة: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:163-166]. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65]. الشاهد عندنا أنه قد يقول قائل: لا. ما وقع هذا، فنقول: والله لقد مسخ عدد من اليهود قردة، أي: في أشكال قردة، وعدد في أشكال الخنازير، والقرى كانت تسور بأسوار، فثلاثة أيام ما خرج واحد منهم، أطلوا عليهم فوجدوهم جيفاً على الأرض.[ خامساً: اليهود شر الناس مكاناً يوم القيامة وأضل الناس في هذه الدنيا ]، أضل الناس اليهود، وذلك لعلمهم ومخالفتهم ما علموا عن الله ورسوله.
أعمال الحج في ضوء نسك التمتع
معاشر المستمعين! جولة مع المناسك:عرفتم أننا نحرم من الميقات، ولا يحل لأحد أن يحرم بعد المواقيت، وإن ركب رأسه وفعل فليتب إلى الله وليستغفره، وليكفر عن ذنبه بذبح شاة في مكة والحرم.كيف يحرم؟ كما قلنا: يتجرد ويغتسل ثم يلبس إزاراً ورداء، ويكشف عن رأسه ويلبس نعلين لا حذائين، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك بعد أن يصلي ركعتين أو بعد أن يصلي فريضة إذا أمكن، وإذا ما تأتى وهو على السيارة أو الطيارة فليقل: لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة. هذا الذي يريد أن يتمتع، ويمشي يلبي، والتلبية هذه معناها: إجابة أمر الله ودعوته: لبيك اللهم لبيك: إجابة لك بعد إجابة إذ ناديتني ودعوتني لأزور بيتك، فها أنذا قد أجبتك المرة بعد المرة، والذي يظل يلبي يمسي وقد غفر ذنبه كله، وكانوا يقضون من المدينة إلى مكة تسعة أيام أو ثمانية أيام وهم في تلبية ليلاً ونهاراً، الآن ما بقي هذا، وإنما أقصاها أربع ساعات، إذاً: فلا نشتغل بغير التلبية.فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فالاضطباع، حين تدخل المسجد اجعل يدك اليمنى فوق ردائك، الإزار ما يؤتزر به النصف الأسفل، والرداء ما يرتديه فوق ظهره، هذا الاضطباع، وسره إظهار القوة وذكرها وعدم نسيانها، فقد حدث أن المشركين قالوا: إذا دخل محمد ورجاله في عمرة القضاء فسننظر: إذا شاهدنا ضعفاً فيهم فسننكب عليهم ونقضي عليهم، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا نادى أصحابه وقال: ( رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة )، فاضطبعوا استعداداً للقتال والمواجهة، وطافوا ثلاثة أشواط هرولة إظهاراً للقوة، وبقيت سنة باقية إلى يوم القيامة، ليست واجبة، سنة من السنن تثاب عليها ولا تعاقب إذا لم تفعلها لعجز أو لظرف من الظروف، أما بعدم مبالاة فهذا كفر، ولن يكون هذا من مؤمن.ثم تتم الأشواط السبعة، فإذا فرغت منها تصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم استجابة لأمر الله في قوله من سورة البقرة: وَاتَّخِذُوا [البقرة:125] بصيغة الأمر: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، وهل قام إبراهيم هناك؟ أي نعم، لما كان إبراهيم عليه السلام يبني الكعبة بأمر الله وامتحان الله للخليل: كيف يبني هذا الرجل بيتاً في صحراء ليس بها أحد؟ ومع هذا نجح إبراهيم وبنى البيت مع إسماعيل، فلما ارتفع البناء احتاج إلى صخرة وحجر يعلو فوقها ليواصلا البناء، إسماعيل يناوله الحجارة وهو فوق، ما هناك خشب ولا أدوات ولا آلات، فلما تم البناء بقي الحجر في مكانه عند الباب، أو بين الحجر والباب، فجاءت العواصف والأمطار والسيول فزحزحته؛ حتى وصل إلى المكان الذي هو فيه الآن، وبقي كذلك، وجاء الإسلام وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره في مكانه، واجتمع علماء الإسلام منذ خمس وعشرين سنة واتفقوا ألا يزحزح وأن يبقى في مكانه، قال بعضهم: لو أخرناه إلى الوراء حتى نفسح المجال للطائفين، فقال أولو البصائر: لا، تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا، يجب أن يبقى هنا.الصلاة خلف المقام ما سرها؟ سرها: أن المعروف لا يضيع عند الله، يا عباد الله! اصنعوا المعروف مع ربكم، فإنه لن يضيع معروفكم أبداً، الحسنة يضاعفها لك بعشر، وبسبعمائة، هذا الحجر نصلي دونه ونركع ونسجد على الأرض أمامه، لم؟ لأنه قدم خدمة لبيت الله عز وجل، أما استعان به إبراهيم على إتمام البناء؟ وكان يعلو فوقه أم لا؟ إذاً: فعرف الله لك ذلك فشرع الصلاة خلفه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، الصلاة لله، وللحجر اعتراف بالفضل، هذا الحجر قدم لله خيراً، فعرف الله له ذلك، ولا يقول قائل: إذاً: نحن نسجد لحجر! فالجواب: لا، ونظيره آدم عليه السلام حيث أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد له، فالسجود من أمر به؟ من أطيع؟ الذي أطيع هو المعبود، وما آدم إلا من باب الاحتفاء به وإكرامه، كذلك الحجر في مقام إبراهيم: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، نصلي ركعتين، والسنة أن تقرأ في الأولى بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وتقرأ في الركعة الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد إن كنت تحفظ، وإن لم تحفظ فعوضك الله الأجر، ويجب من الليلة أن تحفظ هاتين السورتين.الناس حفظوا الأغاني بالمئات، فإذا صليت ركعتين وأنت محرم بعمرة؛ لأنك ما تستطيع أن تفرد الحج وتأتي بعمرة أخرى، ولا تستطيع القران فيكون قرانك أفضل، أنت متمتع، فاذهب إلى الصفا والمروة، وإذا انتقض وضوؤك فيجوز أن تسعى وأنت على غير وضوء، ولا حرج، وابدأ بالصفا كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بما بدأ الله به. وقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] )، ارق الصفا، وهو الآن ممهد مبيض مزين، ما فيه خشونة ولا حجارة، ثم استقبل الكعبة وقل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثلاث مرات ثم انزل، وتسعى عندما تصل إلى الميل الأخضر، عمود كهرباء أخضر، إذا وصلت إلى ذلك المكان فأسرع وخب في بطن الوادي، والخب: السرعة في المشي، حتى تنتهي إلى الميل المقابل، هذا المكان كان وادياً منهبطاً، وهاجر عليها السلام أم إسماعيل جد الحبيب صلى الله عليه وسلم لما فقدت الماء وخافت موت ولدها إسماعيل من العطش نظرت إلى أقرب مكان عال فوجدته الصفا؛ لأن ولدها عند البيت في مكان زمزم الآن، وهو يتلوى من شدة العطش، فطلعت الجبل فما رأت شيئاً، فرأت جبلاً أمامها وهو المروة فهبطت، لما وصلت إلى الوادي أسرعت حتى تخرج منه، فلما خرجت منه مشت كالعادة، ووصلت إلى المروة ورقتها، وعلت فوقها ونظرت، سبع مرات، وإذا بهاتف يهتف وهي تقول: أسمعت أسمعت، هل من غياث؟ وإذا بجبريل واقفاً على رأس إسماعيل في صورة إنسان من كرام الناس وأفاضلهم، ما إن قربت منه حتى قال بعقبه هكذا وضرب به الأرض فصارت زمزم، فأخذت تزمها حتى لا تذهب في الصحراء، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل، لو تركتها لكانت عيناً معيناً ) تسيل أبداً، لكن زمتها، وتعرفون الزمام للفرس، أي: جمعتها.إذاً: إذا وصلت إلى المروة فاستقبل البيت وهلل وكبر كما تقدم وانزل تمشي، وصلت إلى الوادي بين الميلين فأسرع وهكذا سبعة أشواط، وأنت تذكر الله، لا تضحك ولا تعبث ولا تله ولا تنظر إلى النساء، أنت مشغول بذكر الله، فرغت من الأشواط السبعة فتنتهي بالمروة، تبتدئ بالصفا وتنتهي بالمروة.الآن يا معتمر بقي عليك واجب من الواجبات، ألا وهو التقصير من شعرك أو الحلق، قصر من شعرك ولا تعط رأسك لأولئك الأطفال والغلمان يعبثون بشعرك، امش إلى الحلاق وقص من شعرك؛ لأنك تحلق بعد أسبوع أو بعد أيام في الحج، وإن حلقت فما عندنا مانع، أما رحم الله المحلقين؟ لكن في حج أو عمرة بدون حج الحلق أفضل من القص؛ لأن الرسول دعا للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة واحدة.إذاً: حفاظاً على باقي الشعر لا بأس، قص من شعرك، فإذا فرغت منه فالبس ملابسك وتمتع بزوجتك، وتمتع بكلامك معها بكل حلال، لأنك تمتعت، وابق في مكة تنتظر اليوم الثامن الذي بعده عرفة، فإذا كان اليوم الثامن فاغتسل وتجرد ولب: لبيك اللهم لبيك حجاً لا رياء فيه ولا سمعة، وامش إلى منى لتصلها قبل صلاة الظهر، فتصلي بها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وتبيت بها، وتصلي الصبح، ثم تخرج إلى عرفات، هذا عمل المتمتع، ويجب عليه يوم العيد أو بعده بيومين أو ثلاثة أن يذبح شاة مقابل أنه تمتع بلبس ثيابه وتغطية رأسه، ولبس حذائه والتمتع بامرأته، أعطنا مقابل ذلك ذبح شاة، أو سبعة يشتركون في بقرة أو في بعير، وإن لم يستطع صام ثلاثة أيام في مكة، قد يصومها أيام التشريق، لكن ما بعدها صيام، فليعزم على صومها قبل الوقوف بعرفة، فإن نسي أو عجز يصوم ثلاثة أيام التشريق، فإن لم يصمها تعين الذبح، ويصوم السبعة إذا رجع.إذاً: هذا هو المتمتع، تقبل الله منا ومنهم، ونواصل حديثنا غداً إن شاء الله مع القارن.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 19-06-2021 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (22)
الحلقة (332)
تفسير سورة المائدة (29)



اليهود هم شر خلق الله، ومثال حي على الكذب والنفاق والمخاتلة، وقد بين الله عز وجل حالهم لنبيه وللمؤمنين، فهم يدخلون على المؤمنين مسجدهم وهم كفار، ويخرجون من عندهم وهم كما هم لم تنفعهم موعظة، ولم يستجيبوا لدعوة، وما ذاك إلا لمسارعتهم في الإثم وإحجامهم عن البر ومواطنه، واستحلالهم لأكل أموال الناس بالباطل، واستحلالهم للربا وقد نهوا عنه، لبئس ما كانوا يصنعون.
تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه وأبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الثلاث، وهيا نتغنى بتلاوتها قبل الشروع في تدارسها ودراستها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:61-63].ثلاث آيات، ولو أن أهل القرية يجتمعون في مسجدهم الجامع كل ليلة كاجتماعنا هذا يحفظون الآية والآيتين والثلاث، ويفهمون معانيها، ويطبقون هدى الله فيها، سلوني: بعد عام واحد كيف يصبح أهل القرية؟ كأنهم أنوار من السماء في الأرض، كالملائكة، لا خبث ولا ظلم ولا شر، ولا فساد ولا كبر ولا عناد، ولا شرك ولا باطل ولا بدع، ولكن حرمنا أنفسنا، وما ظلمنا أحد، ولكنا كنا الظالمين، هجرنا كتاب الله، وتجاهلناه، وأصبحنا نقرؤه على الموتى يا للعجب! هذه ثلاث آيات، كم في القرآن من آية؟ ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإن شئتم أقسمت لكم بالله، أما سماها الله آية؟ علامة تدل على أي شيء؟ إذ الآية: العلامة، تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.وبيان ذلك: أن هذه الآية من أنزلها؟ من ادعى أنها من عنده، أو أن أباه أو أخاه قدمها له؟ طأطأت الدنيا رأسها، وسلمت الأمر لله، وأنها هذا من كلام الله؟ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].الآية: العلامة، كل آية علامة على وجود الله المنزل الموحي بها، وعلى علمه وقدرته وجبروته، وصادقة وشاهدة على أن من نزلت عليه مستحيل أن يكون غير رسول الله ونبي الله، ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية كل آية تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والبشرية منتكسة، لا تسمع ولا تبصر ولا تعي، ولا تفهم، وتكفر بالقرآن كاملاً.
إيغال اليهود في الكفر ونفاقهم في مجالس المسلمين

تقدم في السياق الكريم أن اليهود والمنافقين في المدينة أيام نزول الوحي والرسول بين المؤمنين كانوا يسخرون من كلمة الأذان: حي على الصلاة، ويستهزئون، وبين تعالى لرسوله عيوبهم ومخازيهم فيما سبق، وأضاف إلى ذلك هذه الآيات وما بعدها، اسمع ماذا قال: ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] من هؤلاء الذين يجيئوننا؟ منافقو اليهود؛ لأن اليهود نافق بعضهم على علم، حتى يطلع على أسرار الرسول ودولته، وحتى ينفث وينفخ الباطل في صدور أتباعه وبني عمه وجلدته، ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] أيها المؤمنون ( قَالُوا آمَنَّا )[المائدة:61] بما أنزل الله في التوراة والإنجيل والقرآن، ( آمَنَّا )[المائدة:61] بما أنزل الله وبك رسولاً من الله عز وجل، هكذا يصرحون، وفي آية أخرى يقولون: آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون! وهذا من مكر اليهود وخداعهم، يدخل في الصباح فيقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، آمنا بالله، ويصلي مع رسول الله الظهر والعصر، ويذهب إلى قريته أو حيه في العشي فيكفر؛ لم؟ علمه الرؤساء، يقولون: اذهبوا فقولوا: آمنا، وفي المساء اكفروا. لماذا كفرتم؟ يقولون: بالتأمل والتدبر وجدنا هذا الدين باطلاً، ولا قيمة له عند الله ولا وزن؛ فلهذا تركناه! هذه الأساليب موجودة إلى الآن ولها أسواقها ولها أعلامها. (وَإِذَا جَاءُوكُمْ )[المائدة:61] يا رسولنا ويا أيها المؤمنون من عبادنا ( قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ )[المائدة:61]، من أخبر بهذا؟ الله عز وجل، الله علام الغيوب، فهو يخبر ويقول: جاءوكم وقلوبهم كافرة، ما هم بمؤمنين، فالنفاق يتطلب هذا؛ حتى يأمنوا فلا تقطع رءوسهم ولا تسلب أموالهم ونساؤهم.

حلم اليهود بقيام مملكة إسرائيل
يقولون: آمنا وقد دخلوا بالكفر يحملونه كما هو، الكفر بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بالقرآن الكريم، بأحكام الله وشرائعه، ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ )[المائدة:61] يا للعجب! لأن المفروض أنه إذا جاء المنافق غير المؤمن يتجسس وينزل إلى الرسول ويسمع فقد يتأثر، فإنه -والله- كان الرجل يجيء ليقتل محمداً صلى الله عليه وسلم وهو مخبئ سلاحه، ما إن يسمع كلام الحق والنور الإلهي حتى ينهار ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، لكن هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله كما يدخلون كافرين يخرجون كذلك! ما ينتفعون أبداً بما يسمعون؛ لأن لهم هدفاً ينبغي أن يحققوه، ألا وهو إعادة مملكة بني إسرائيل، فضحوا بأعراضهم بأموالهم بدينهم بعقيدتهم من أجل هذا الهدف! ووالله! إنهم إلى الساعة هذه يعملون على تحقيقه، وما حرمهم من الإسلام والدخول في أنواره إلا هذه الفتنة القلبية، وهل تشكون في هذا؟! هل كونوا دولة إسرائيل في عقر دارنا أم لا؟ في قلب بلادنا، وما زالوا يطلقون عليها: دولة إسرائيل، وحين يحكمون الشرق الأوسط ويضعون أرجلهم على العالم أو نصفه يعلنون عن مملكة بني إسرائيل، والله يعلم كم بيَّنا هذا في عشرات السنين، فهم الذين قالوا في تعاليمهم وتدابيرهم اليهودية: ابقر بطن العالم وأخرج مصرانه واخنق به الملك، وبهذا نستطيع أن نحكم، فبغضوا كلمة ملك إلى العالم، وهي والله من صنعهم، وعاش المسلمون يكرهون كلمة ملك! والله لقد رأيتهم وهم يتقززون من كلمة ملك هذه، ووالله إن اليهود هم الذين نشروا هذه، ولماذا؟ لأن الخوف يأتيهم من العلماء ومن الملوك، الملك يستحي أن يبول قائماً، الملك يستحي أن يقول الباطل أو الكفر في أمة مؤمنة، بخلاف رئيس حكومة ورئيس جمهورية لعام وعامين ويرحل. إذاً: كيف نشروا البلشفية الحمراء في عقر عواصم المسيحية في العالم؟ بأية واسطة أصبح ثلاثة أرباع الأوروبيين علمانيين بلاشفة حمراً؟ كيف توصلوا إلى هذا؟ إنها صنائع الذين يخبر القرآن عنهم ويكشف عن حالهم؛ لأن بوجود مسيحية متصلبة ما ينفتح المجال لليهود وهم حفنة من البشر، وجود إسلام بأنواره وحكمه العام لا يمكن أن تظهر دولة إسرائيل، فضربوا الإسلام ومزقوه وشتتوه، وحولوه إلى ضروب من الوثنيات أيضاً، ومزقوه، والصليبية وضعوا أقدامهم عليها، فهم قريبون، وإليكم برهان هذه القضية.
أيام موشي ديان كان الرئيس في البرلمان، فخطب وصال وجال، حدثني شاب استشهد في الأفغان بأذنه سمع إذاعة إسرائيل، قال: لما بهرهم بخطابه قالوا: أنت الملك، أنت الملك، أنت الملك. قال: اسكتوا، ما زال الوقت! لما أعجبوا به وبهرهم وذكر لهم أعماله وما فعل قالوا: أنت الملك، قالوا: اسكتوا لم يحن الوقت بعد!
إذاً: فهمتم كيف يفقهون كلمة ملك أم لا؟ أسألكم بالله: ألم تكونوا قبل أعوام تكرهون كلمة ملك؟ بدليل أنه يستقل القطر الإسلامي فما يجعل لهم ملك، أما ذبحوا الملوك؟ أما طردوهم؟ أين ملوك العراق ومصر والشام؟ حتى ملك ليبيا أيضاً، حتى سلطان وملك تونس، أمر واضح، والشاهد عندنا: أن الله يكشف عن خبايا اليهود ونحن لا نعرف هذا ولا نعي؛ لأننا ما نقرأ القرآن على الأحياء، بل نقرؤه على الموتى.
(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا )[المائدة:61] والحال أنهم قد دخلوا بالكفر في قلوبهم، يعلنون عن الإيمان نفاقاً ليتحسسوا ما عندكم، وهم قد خرجوا به أيضاً، المفروض أن الشخص وإن كان كافراً إذا جلس بين يدي رباني يتكلم باسم الله، ينطق بالحق وبراهينه؛ المتوقع أن ينعكس وضعه ويؤمن، أليس كذلك؟ هذا الواقع؟ كان الأعرابي يأتي بسلاحه ليغتال رسول الله في المسجد، ما إن يسمع كلام الله حتى ينهار ويؤمن، وهؤلاء قال تعالى عنهم: ( وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ )[المائدة:61] دخلوا بالكفر في قلوبهم ما نقص، ولا تخلوا عنه ولا تأثروا بجلوسهم يوماً أو ساعات مع رسول الله، بل يخرجون بكفرهم، سبحان الله!
معنى قوله تعالى: (والله أعلم بما كانوا يكتمون)
وأخرى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ [المائدة:61] من المكر والكيد والغش والخداع والكذب، والبغض لك يا رسولنا ولأصحابك والمؤمنين، وإلى الآن الله أعلم بما يكتمون، الآن لا يصرحون لضعفهم؛ لكن الله أعلم بما كانوا يكتمون. اسمع قوله تعالى: وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ [المائدة:61] دخلوا عليكم في مسجدكم وبيوتكم، وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ [المائدة:61] ما نقص، بل كما هو، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ [المائدة:61]، ما الذي يكتمونه في قلوبهم؟ الغل، الغش، والمكر والخداع، يتمنون لو أزهقوا أرواحهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 19-06-2021 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت...)
الآية الثانية: وَتَرَى [المائدة:62] يا رسولنا، وَتَرَى [المائدة:62] أيها المؤمن الواعي البصير كَثِيرًا مِنْهُمْ [المائدة:62] بالآلاف يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ [المائدة:62] ما قال: يسارعون إلى الإثم فيكونوا خارجين عنه، وهم يسارعون إليه ليدخلوا فيه، بل ما خرجوا من الإثم، مغموسون فيه من أخماص أقدامهم إلى رءوسهم، والله ما خرجوا، ويسارعون في فعله، والإثم: كل معصية تقبح النفس وتلوثها، كالكذب، كالخيانة، كالغش، كالخداع، كالكفر، كالسب، كل ما هو إثم، يسارعون في الإثم، ما خرجوا من دائرته، يعملون الليل والنهار على السب والشتم والطعن في الإسلام ورجاله. يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:62]، العدوان غير الإثم، العدوان: الظلم، لا أظلم من اليهود، الظلم الاعتداء على الغير بأكل ماله بسبه بشتمه بالتعريض وهكذا، هذا هو الظلم، فكم من يهودي يسمع الإسلام فينهار ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ من يخبر بهذه الأخبار؟ إنه الله تعالى. وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:62] ويسارعون أيضاً في أكلهم السحت، هم يأكلونه، ولكن المسارعة، والسحت: هو الرشوة والربا، وكل مال حرام يسحت البركة ويبطلها، وإلى الآن يعيشون على الربا أم لا؟ من أنشأ البنوك الربوية العالمية؟ هل عيسى بن مريم؟ هل هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله إنهم اليهود، وكيف إذاً اتبعهم النصارى والمسلمون وهم يعلمون أن هذا حرام؟ اتبعوهم لما سحروهم، وانتزعوا النور الإلهي من صدورهم وقلوبهم، فعموا وأصبحوا كالبهائم، حينئذ يسوقونهم كما شاءوا. ثم ختم تعالى هذه الجملة بقوله: لَبِئْسَ [المائدة:62] والله لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] أعمالهم منتنة خبيثة، سيئة قبيحة والعياذ بالله تعالى. أعيد الآية الثانية هذه، فاسمع: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:62]، ماذا قال تعالى في آخر الكلام؟ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] قبح هذا العمل، واللام فيها معنى القسم، وعزتي وجلالي لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة:62] نعم، فالذي يعيش في الإثم ما يخرج منه، وفي أكل الربا والسحت ما يخرج منه، وفي الظلم للخلق ما يخرج منه كيف حاله؟ بئست حاله. فهل هذا عمل ميمون مبارك؟ لبئس هذا العمل.

تفسير قوله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ...)
الآية الثالثة: يقول تعالى: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ [المائدة:63]، الربانيون: جمع رباني، ويطلق الرباني على عالم النصارى (القسيس)، والأحبار: جمع حبر، ويطلق على عالم اليهود، هذه قاعدة عامة، وهنا أطلق لفظ الربانيين والأحبار على اليهود، ليس هناك نكارة في السياق. والربانيون: الذين يجمعون الناس ويعلمونهم دينهم، ويربونهم على الآداب والأخلاق والفضائل بحسب دينهم، هذا هو المربي، والجمع ربانيون.والأحبار: أصحاب العلم والمعرفة، إذاً: في أهل الكتاب من اليهود ربانيون وأحبار، أي: علماء بالشريعة.يقول تعالى: لَوْلا [المائدة:63] هلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:63] ؟ لم لا ينهونهم؟ هذه الآية يقول فيها ابن عباس الحبر رضي الله عنه: أشد آية في كتاب الله علينا هي هذه: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:63]. إذاً: نحن ما عندنا ربانيون، لكن كان عندنا رجال التصوف والطرق، الصوفية، كانوا يربون ونفع الله تعالى بتربيتهم، يجمعون الجهال في القرى في الجبال وهم تائهون لا يعرفون شيئاً، ويعلمونهم الوضوء والصلاة وذكر الله، وتظهر آثار ذلك فيمن يربونهم، لكن لكونهم جهالاً لا يعلمون دين الله ولا يعرفون يخطئون في تربيتهم، فيفسدون على العوام عقائدهم، ويورثون فيهم الشرك بكله.إذاً: نفعوا من جهة وأضروا من جهات أخرى؛ لأن غير العالم بالكتاب والسنة لا حق له في أن يربي حتى يكون ربانياً، عالماً بكتاب الله وسنة رسوله، هذا إذا جمع أهل القرية ورباهم هو الرباني، هذا الرباني من حقه ألا يرى من يأتي منكراً في قريته ويسكت عنه، لا يرى من يرتكب إثماً ويرضى به ويسكت عنه، لا يرضى بمن يأكل رشوة أو سحتاً أو ربا ثم يضحك معه ويسكت، هذا رباني العالم. لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ [المائدة:63] السب والشتم والتعيير والتقبيح، لا إله إلا الله!
دولة الملك عبد العزيز أنموذج قيام الربانيين بدورهم

ودعونا من اليهود الآن، نحن مع عالمنا الإسلامي، والله! إنه ليعيش إخواننا المسلمون على السب والشتم حتى التكفير أيضاً! أحلف لكم بالله، مجتمعنا الإسلامي منذ سبعة قرون أو ثمانية منذ القرن الثامن وهذا ظاهر. وأقرب دليل: لم استعمرتنا أوروبا؟ لما هبطنا، إذاً: هذا سبب استعمار الغرب لنا؟ وها نحن قد استقللنا وأصبحت السلطة لنا، فلم لا نتحد في هذه المسجد وتكون دولتنا واحدة، ولعل الحاضرين بينهم سياسيون، فمرحباً بهم نتكلم معهم بصراحة ووضوح، والله! لو كنا مستقيمين على منهج الحق مؤمنين في صدق لكانت دولتنا واحدة، إذ لا يحل الخلاف والفرقة؛ لأن الخلاف والفرقة معناهما: أننا نقدم أنفسنا للعدو فمتى شاء أن يركبنا ركب علينا.
وعندي برهنة أخرى قديمة أكررها: جاء الله عز وجل بدولة عبد العزيز ، من عبد العزيز هذا؟ ما هو بعالم نحرير ولا فليسوف ولا شيخ طريقة، جاء الله به وكان لاجئاً في الكويت وأسس دولة القرآن في الرياض وبدأت أنوارها تلوح، فماذا فعل؟ هذا الذي أنا أقوله وأكتبه في الرسائل والكتب طبقه عبد العزيز : أهل القرية لا يتخلف أحد منهم عن الصلاة في الصبح ولا العشاء ولا المغرب، ويتعلمون الكتاب والسنة شفوياً ولا يتخلف أحد، فكانوا أميين لاصقين بالأرض لا يقرءون ولا يكتبون، وإذا بهم موحدين فقهاء يشعرون بالرغبة في أن يتعلموا عن الله.
وأقامة الدولة القرآنية على ثلاثة أسس وضعها الله عز وجل لتوضع عليها أو تتكون عليها الدولة، وهي:
أولاً: إقامة الصلاة.

ثانياً: إيتاء الزكاة.
ثالثاً: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ما ترك قرية إلا وكون فيها لجنة من ثلاثة أنفار أو أربعة مهمتهم أنهم يأمرون المعروف وينهون عن المنكر، ما يرون معروفاً متروكاً إلا طالبوا بالقيام به، ولا يرون منكراً مرتكباً إلا صاحوا في وجه صاحبه.
إذاً: فكانت الدولة أقامها على أسس، قال الله تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الحج:41]، أي: حكموا وسادوا بعد أن لم يكونوا حكاماً ولا سادة، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الحج:41]، ماذا فعلوا؟ ( أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )[الحج:41].

ما الذي حصل في هذه الديار بعدما كانت مظاهر الوثنية الصارخة تشاهدها في عبادة غير الله، أما الجرائم وسفك الدماء فلا تسأل، والله! إن كانوا ليأخذون باب المدني ويبيعونه في السوق ولا يتكلم!
وسادها أمن وطهر لم تكتحل عينها به إلا أيام دولة الخلفاء الراشدين، أقسم بالله، في هذا الوقت بالذات نسمع نحن أطفالاً وكباراً وصغاراً فلا تجد مؤمناً عربياً ولا مسلماً يمدح هذه الدولة أو يذكرها بخير، إلا الطعن والتكفير، حتى نحرم هداية الله، فلا إله إلا الله!
والذي أقوله وسقت الحديث من أجله: ما دام أنه تجلت حقيقة نعمة الإسلام في هذه الديار الصحراوية الجافة وسادها الطهر والصفاء والأمن والعدل، يجب أن نقتدي بها وإن كنا لا نحبها، لكن ننتفع بها، فكان المفروض أن الذي جاء بهذه الدولة وهو الذي حرر العالم الإسلامي دولة بعد دولة، كان الواجب -وسوف تعرفون هذا يوم القيامة- أنه إذا استقل الإقليم الفلاني يجيء وفده من علماء وكبراء ومشايخ ويقولون: يا عبد العزيز ! استقل هذا الإقليم من بريطانيا أو فرنسا أو أسبانيا، فابعث قضاة وابعث آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، ويصبح بعد ذلك قطعة من دولة القرآن، استقل الإقليم الثاني بعد أسبوع أو بعد عامين أو بعد عشرة فيأتي رجاله: ابعث قضاة يطبقون شرع الله، وهكذا يتم تحرير البلاد الإسلامية وهي دولة واحدة، وما يكلفهم شيئاً.
لكن لما كنا كما ذكرنا ما نريد أن يسودنا آخر أو يحكمنا آخر أو نعطي مالنا لآخر، ما هناك إلا الطعن والسب والشتم، وها نحن لاصقون بالأرض وتحت النظارة، والله! إن لم يتدارك الله المسلمين برحمته لنزل بهم من البلاء ما لم ينزل قبل، إما أن يرجعوا إلى الله، وإما أن تنزل النكبات والمصائب والويلات.

سبيل الخلاص من فتنة الفرقة والجهل والفسق

والشاهد عندنا: ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ )[المائدة:63]، أين علماؤنا نحن؟ وأين مربونا؟ هيا نخرج من هذه المحنة، نخرج من هذه الفتنة، فماذا نصنع؟ علماء القرية وعلماء الحي يطالبون إخوانهم بإلحاح أن يجتمعوا بهم في المسجد، يصلون المغرب كما صلينا ويجلسون كما نجلس، وليلة يتعلمون آية من كتاب الله يحفظونها، ويفهمون مراد الله منها، ويعملون ويطبقون، وليلة أخرى يتعلمون حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا طول العام بل طول العمر، هل يبقى بين المسلمين جاهل أو جاهلة؟ الجواب: لا، وإذا انتفى الجهل ينتفي الفسق معه أم لا؟ إي والله، لا أفسق من جاهل قط، ولا أخشى لله من عالم قط، وبذلك تشعر الأمة الإسلامية أن أمرها واحد وإن تفرقت ديارها، الكل يحب بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً؛ لأن المذهب أصبح مذهباً واحداً، لا حنفي ولا شافعي ولا إباضي ولا زيدي ولا خارجي، بل مسلمون على كتاب الله، الصلاة تقام، والزكاة تجبى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم بينهم، أصبحوا أمة واحدة، فمن يقوم بهذه المهمة؟

قال تعالى: ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ )[المائدة:63]، ووالله! إن الإثم بلغ منتهاه في عالمنا الإسلامي، أنواعه وضروبه لا حد لها، والسحت كذلك، أصبح الربا شائعاً في العالم الإسلامي، من يقوم بهذا الإصلاح؟ العلماء والمشايخ الربانيون، ماذا يصنعون؟ هل يعلنون الجهاد وتكفير الحكام؟ لا والله ليس هذا، فقط يعلمون إخوانهم في قراهم ومدنهم أنهم خرجوا عن الطريق، أنهم فقدوا ولاية الله، فهيا بنا نطلبها لنظفر بها، نحقق إيماننا وتقوانا لله، فتثبت لنا ولاية الله، والطريق هو أن يجتمع المؤمنون والمؤمنات في بيوت ربهم في مدنهم في قراهم كل ليلة طول الحياة يتعلمون الهدى ويعملون به، فيسمون حتى يصبحون أشباه الملائكة، ويومها والله ليسودن العالم، ويخضع الله لهم البشرية، فمن يقوم بهذا الواجب؟ العلماء والمربون.

معنى قوله تعالى: (لبئس ما كانوا يصنعون)
لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:63]، قبح صنعهم وما كانوا يأتونه، هذه كانت حال اليهود، وارتفع العالم الإسلامي وأنار الوجود فمكروا به وكادوا له وتعاونوا مع المجوس والنصارى فهبط العالم الإسلامي كما تشاهدون نقمتهم منا، والله فضحهم وبين لنا حالهم؛ حتى لا نودهم ولا نحبهم ولا نتعاون معهم، وإذا بنا قد نسينا هذا كله وإلى الله المشتكى.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.





ابوالوليد المسلم 19-06-2021 03:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (23)
الحلقة (333)
تفسير سورة المائدة (3)


أحل الله عز وجل لعباده بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إلا أنه حرمها عليهم في بعض أحوالها؛ وهي الميتة، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما أدرك منها حياً وتمت تذكيته، كما حرم منها ما ذبح وفق طقوس وشرائع الكفار، وحرم إضافة إلى ذلك الدم المسفوح ولحم الخنزير، واستثنى سبحانه وتعالى من احتاج لشيء من ذلك في شدة الجوع والهلكة أن يأكل منه على قدر حاجته ولا يزيد.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
مجمل الأحكام الواردة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)

وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ودرسنا منها آيتين يوم أمس، ومجمل ما احتوت عليه الآيتان من أحكام شرعية: أولاً: وجوب الوفاء بالعهود والعقود، عقود إيجار أو بيع أو شراء، أو عقود نكاح؛ إذ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1].

ثانياً: إعلان الله تعالى لنا عن حله لنا بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، هذه منته وعطيته فله الحمد وله الشكر؛ إذ قال تعالى: ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، ثم استثنى عز وجل عشراً من المحرمات فقال: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهو موضوع درسنا اليوم: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] إلى آخر ما جاء في تلك الآية.

ثالثا: تحريم الصيد على المحرم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، فأعلمنا أنه لا يحل لمحرم أن يصيد وهو محرم ولو كان خارج المملكة، أحرم في القدس أو في غيرها بحج أو عمرة فبمجرد أن يقول: لبيك اللهم لبيك يحرم عليه أن يصيد، سواء الغزلان، الأرانب، الطير وكل صيد، اللهم إلا صيد البحر، إذا أحرم في السفينة ورأى أن يلقي بشبكته في البحر ليصيد فله ذلك، أذن الله فيه، أما صيد البر فحتى الأرانب واليرابيع لا يحل له أن يصيدها؛ إذ قال تعالى: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ )[المائدة:1] لا تحلوا الصيد فإنه حرام، ( وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، هذه الجملة حالية: والحال أنكم محرمون، و(حرم) بمعنى محرمين، أنت حرام وهؤلاء حرم.

رابعاً: ثم أعلمنا أن له الحق في أن يحل أو يحرم، لا أحد له في ذلك حق، هو الخالق وهو المالك وهو العليم بما يحتاج إليه خلقه، وبما ينفع ويضر، أما غيره فكيف يحل أو يحرم؟ إياك أن تعترض على الله فإنه الكفر؛ إذ قال: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1] إن الله يحكم ما يريد أن يحكم، وليس لغير الله ذلك، لماذا؟

أولاً: لأنه الجبار القهار بيده كل شيء.
ثانياً: لأنه المالك، والمالك يأذن ولا يأذن بما يريد.
ثالثاً: أنه عليم بمنافع الناس ومضارهم، حكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه.

تحريم استحلال شعائر الله والشهر الحرام والهدي والقلائد وبيان ما نسخ من ذلك

ثم جاء النداء الثاني: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، حرام على مؤمن أو مؤمنة أن يحل شعيرة من شعائر الله، إن كانت واجبة لا يحل أن يتركها أو يأذن بتركها، وإن كانت محرمة لا يحل أن يفعلها أو يأذن في فعلها؛ إذ كل العبادات علامات على عبادة الله عز وجل.وقوله: ( وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:2] هذا منسوخ، أذن الله لأمة رسوله أن يقاتلوا أعداءهم في الشهر الحرام إذا قاتلوهم فقال: ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )[البقرة:194]، لكن في الجاهلية قبل ألا تكون دولة للإسلام والمسلمين كانوا يحترمون الأشهر الحرم الأربعة، ليتم فيها هدنة عالمية لا يعتدي فيها أحد على أحد.

(وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ )[المائدة:2]، ما زلنا نهدي إذا استطعنا أن نهدي، أنت في المدينة تشتري بقرة أو تشتري بعيراً وتجرحه من جهة اليمين في سنامه، وتلطخه بالدم وتبعث به إلى مكة ليؤكل في الحرم، والقلائد مثل الكبش تقلده قلادة وتقول: هذا مهدى إلى الله إلى الحرم، فلا يعترضه أحد.

وكان المشركون يحترمون الهدي والقلائد، لا إيمان بالله ولا بلقائه، بل جهل وكفر، ومع هذا من تدبير الله لسكان حرمه وحماة بيته أن ألقى في قلوب العرب في أطراف الجزيرة وفي داخلها أن من قلد هدياً لا يؤذى أبداً ولا يمس بسوء، بل إذا أخذ أحد قشرة من لحاء شجر الحرم وعلقها فإنه يمشي إلى ما وراء البحرين ولا يخاف أحداً، إذ يقال: هذا كان في الحرم، ويسوق قطيع الغنم أو قطيع البقر والإبل فمتى قلدت الغنم أو أشعرت الإبل فإن أعداءه لا يلتفتون إليها، بل يمر الرجل بقاتل أبيه فلا يعرض له، وهل هناك أكبر من قتل أبيه؟ إذا وجده في الحرم أو في الشهر الحرام يلوي رأسه ولا ينظر إليه، واقرءوا في آخر هذه السورة المدنية المباركة: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ )[المائدة:97] فمعايشهم عليها بسببها وبسبب الهدي والقلائد، وهذا تدبير الله، ولما جاء الإسلام ولاحت أنواره، وارتفعت رايته، وكان العدل وكان الحكم بشرع الله نسخ الله هذا.


تحريم اعتراض قاصدي البيت الحرام ونسخ ذلك في حق المشركين

كذلك عرفنا أن الذين كانوا يؤمون البيت الحرام من أطراف الجزيرة لا يعترض عليهم، يتركون: ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا )[المائدة:2]، ولهذا هذا فنحن لا نؤذي مشركاً أو كافراً، ولكن لا يحل لنا أن نسمح لكافر أو مشرك أن يدخل الحرم، يقول: أنا قاصد بيت الله! نقول: لا يحل لك أن تدخلها وأنت نجس مشرك؛ لأن الله قال في سورة التوبة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )[التوبة:28]. هذه الآية تقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، لا تحل أذيتهم ومنعهم من دخول مكة، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ) هذا الجزء من هذه الآية منسوخ، فلا يحل لكافر أن يدخل الحرم، لا يحل لمشرك أن يدخل الحرم، ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، هذا قبل قيام دولة الإسلام، ( يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ )[المائدة:2] التجارة، يأتون حجاجاً وعماراً ويتجرون: يشترون البضائع ويبيعون، ويبتغون رضواناً من ربهم، كانوا يدعون الله ليحفظهم في أموالهم وأبدانهم.


الإذن بالصيد بعد الفراغ من الإحرام

ثم جاء الإذن بالصيد إذا حللنا من الإحرام، فقال تعالى: ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )[المائدة:2]، إذا حللتم من الإحرام، فإذا انتهت عمرتك أو حجك وتحللت فاصطد، لكن أين تصيد؟ هل في داخل الحرم؟ الجواب: لا. لا يحل صيد الحرم إلى يوم القيامة، وأرض الحرم معروفة، الرسول الكريم يقول: ( إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم المدينة )، ويقول: ( المدينة حرام من عير إلى ثور )، وثور جبيل صغير وراء أحد من الجهة الشمالية الشرقية، وعير: جبل في جنوب غرب المدينة. فالمدينة هذه حرام لا يصاد صيدها ولا يقتل، ومكة حدودها بينها جبريل لإبراهيم عليهما السلام، كان جبريل يمشي مع إبراهيم ويقول له: ضع علامة هنا، من الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأقرب حل إلى مكة هو جبل التنعيم الذي هو ميقات من أراد أن يحرم بعمرة.


النهي عن العدوان على من صد المسلمين عن البيت وهو في الحرم

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ )[المائدة:2] أي: بغضهم ( أَنْ صَدُّوكُمْ )[المائدة:2] لأنهم صدوكم ( عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعتدي أبداً لا على مؤمن ولا على كافر، فالكافر عبد الله أم لا؟ ملك الله أم لا؟ فإذا لم يأذن لك أيجوز أن تمسه بسوء؟ فلا يحملنكم بغض إنسان آذاكم أذى أن تعتدوا عليه لأنه آذاكم وهو في الحرم: ( أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2].


الأمر بالتعاون على البر والتقوى

وأخيراً جاء الأمر الباقي إلى يوم القيامة لا ينسخ: ) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ([المائدة:2]، من هم الذين يتعاونون؟ الذين أصبحوا كرجل واحد، الذين زالت بينهم الفوارق الحزبية والوطنية والطرقية والمذهبية، وأصبح منهجهم منهج رسول الله، هؤلاء يقدرون على أن يتعاونوا، أما المتعادون المتقاطعون فكيف يتعاونون؟ إذاً: هل هذا يبرر لنا عدم التعاون؟ لا يبرر، يجب أن نتعاون على الخير وفعله، وعلى تقوى الله حتى لا يعصى الله بيننا بأية معصية، ولا يحل أن نتعاون على الإثم وإشاعة الذنوب والآثام والأذى والظلم بيننا، ولا الاعتداء على أموالنا أو أعراضنا أو أبداننا. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:2] اتقوا الله: خافوه، اجعلوا بينكم وبين غضبه وعذابه وقاية، وتلك هي طاعته وطاعة رسوله فيما يأمر الله به وينهى عنه، فبم يتقى الله عز وجل؟ هل بلباس قوي؟ بحصون عالية؟ بجيوش جرارة؟ بم يتقى الله وهو فوقنا ونحن أقل من بعوضة بين يديه، بم نتقيه؟

لا يتقى إلا بطاعته، إذا قال: اسكت فاسكت، إذا قال: تكلم فتكلم، قال: كل فكل، قال: اشرب فاشرب، قال: لا تأكل ولا تشرب فلا تأكل ولا تشرب، إذا قال: اركع فاركع، قال: اسجد في الأرض وضع جبهتك على التراب فاسجد، بهذا فقط يتقى الله، أما السلاح والرجال والحيل فلا شيء منها يقيك من عذاب الله؛ لأنه قاهر فوقك:( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:18].


قيمة التقوى وثمرتها

إن قيمة التقوى تكمن في تحصيل ولاية الله تعالى، وقد قررنا أن ولاية الله حيث تصبح ولياً لله لا خوف عليك ولا حزن في الحياة كلها في الدنيا والأخرى، هذه الولاية لا تتحقق إلا بتقوى الله عز وجل، من لم يتق الله لن يكون له ولياً أبداً، الإيمان أولاً، ثم التقوى ثانياً، فمن منكم يرغب أن يكون من أولياء الله أفضل من عبد القادر الجيلاني ؟ إذاً: آمنوا واتقوا فقط، لا دينار ولا درهم، ولا سلاح، ولا رجال، ولا حيل، ولا نسب ولا شرف، آمن واتق تكن -والله- ولياً لله، والدليل القرآني قوله تعالى من سورة يونس عليه السلام: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] وما معنى (ألا)؟ استبدلناها بـ(ألو)، ألو معروفة عندنا حتى الأطفال يعرفونها، لأننا هجرنا (ألا) وأقبلنا على (ألو) فأصبحت (ألو) من ذوقنا! إن معنى (ألا): انتبه! هل أنت تسمع؟ هل أنت واع للخطاب؟ هل أنت تفهم ما أقوله لك؟ وحينئذ يعطيك الخبر: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة.

من هم أولياؤك يا رب الذين أخبرتنا أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

الإيمان ينطبع في قلوبهم مرة واحدة فلا يزول ولا يمحى، أما التقوى فتتجدد، كلما أمر الله بأمر فاتق وافعله، وكلما بلغك نهي فاتركه واجتنبه، وهكذا طول حياتك، فلهذا التقوى تتجدد: ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63].

فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهل يمكن لإنسان أن يتقي الله وهو لم يعلم أوامره ولا نواهيه؟ والله ما يمكن، مستحيل، إذا لم تعرف أوامر الله ما هي، وكيف تؤديها وما أوقاتها، ولم تعرف نواهيه وما هي؛ فكيف ستتقيه؟ مستحيل، فلهذا بمجرد أن تؤمن وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ تقرع أبواب العلماء: علموني كيف أعبد ربي، علموني بم أطيعه. لا في عامين، بل في أسبوع أو أسبوعين تعرف ما حرم الله وما نهى الله عنه، وما أوجب الله وما أمر به، أما بدون علم فمستحيل أن تكون ولي الله.
ولهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن تأخذ القلم أو الورق، المهم أن تسأل وتعلم وتعمل، والله يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، اسأل في صدق في جد: أريد أن أغتسل فكيف أغتسل؟ يعلمك ذلك فعلى الفور تحسنه وتعيش عليه، أردت أن أعتمر فكيف أعتمر؟ افعل كذا وكذا. في صدق تفهم ذلك وتعمل، وهذا هو العلم، ليس شرطاً الكتاب ولا القلم؛ لأنه علم عملي، ما هو بعلم خيالي.




التحذير من عقاب الله تعالى
ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:2] والعلة ما هي؟ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، أنقذوا أنفسكم، اتقوه لا تخرجوا عن طاعته، فإنه إذا عاقب فعقابه شديد، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] والعقاب: المعاقبة على الذنب، مأخوذ من العقب، لا يؤاخذك الله على الذنب قبل أن تفعله أبداً، لا يعاقب الله إلا بعد أن يذنب العبد فيأخذه من عقبه، لا أنه يعلم أنه يزني فيسلط عليه البلاء قبل أن يفعل! لا؛ لأن الله يعاقب بعد وقوع الجريمة والذنب: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
تفسير قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)
تلك الآيتان درسناهما بالأمس، والآن مع هذه الآية، وليس بالإمكان دراستها كاملة، فنأخذ بعضها، وأولاً نسمعكم تلاوتها تبركاً بها:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3].
تحريم الميتة والدم المسفوح وبيان علته

في الآية السابقة قال تعالى: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، وهنا بين ذلك فقال تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] من حرمها؟ مالكها. لم حرم الميتة؟ لأنها تحمل ضرراً لعبد الله العابد الذاكر الشاكر، الميتة فيها جراثيم وميكروبات؛ لأنها ما ذكيت ولا طهرت بإخراج دمها بما فيه من الجراثيم، ماتت هكذا، فمولانا وسيدنا وربنا تعالى قال: لا تأكلوا الميتة، لم يا رب؟ لأنها تضركم وتؤذيكم، وأنا لا أريد لعبيدي أن يتأذوا، فكيف يعبدونني إذا تأذوا؟ فالمريض لا يحج ولا يعتمر، فالميتة سواء كانت من الأنعام أو كانت من اليرابيع والظباء والغزلان محرمة، وعلة تحريمها الضرر الذي يصيب عبد الله آكلها أو أمة الله آكلتها. وحرم تعالى الدم المسفوح السائل، كانوا يجمعونه ويغلونه على النار فيتجمد ويأكلونه، هذا فيه جراثيم وميكروبات قاتلة، أما الدم الذي يجري في العروق ومع العظام واللحم فلا، الممنوع أن تذبح الشاة وتجعل تحتها إناء وتأخذ ذاك الدم وتطبخه وتأكله، هذا حرام، ولم حرمه الله على أوليائه؟ لأنه يضر بأبدانهم، وهو خلقهم ليذكروه ويشكروه، فإذا مرضوا فكيف يعبدونه؟
يتبع




الساعة الآن : 06:11 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 742.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 740.55 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]