ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:49 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي فيبتدرون السواري يصلون ...)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الصفات العالية، والألقاب الرفيعة التي هي من أعلى صيغ التعديل، أي: أن يقال عن شخص: أمير المؤمنين في الحديث، وقد قيل في إسحاق بن إبراهيم هذا: أنه أمير المؤمنين في الحديث، وقيل في عدد آخر غيره، مثل البخاري، وشعبة، وسفيان، الثوري، والدارقطني، وعدد قليل من المحدثين وصفوا بهذا الوصف الرفيع، ولقبوا بهذا اللقب العالي، الذي هو من أعلى صيغ التعديل، وإسحاق بن راهويه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[أخبرنا أبو عامر].وهو عبد الملك بن عمرو العقدي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، وصف أيضاً بهذا الوصف، وهو من أرفع صيغ التعديل، وأعلى صيغ التعديل، وحديثه - أي: حديث شعبة بن الحجاج - خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن عامر الأنصاري].وهو عمرو بن عامر الأنصاري، وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].وهو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين ذكرتهم عند ذكر جابر بن عبد الله قريباً.
التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان

شرح حديث أبي هريرة في التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان.أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن عمر بن سعيد عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه أنه قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه ومر رجل في المسجد بعد النداء حتى قطعه، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي هذه التراجم: وهي التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان.وفيه بيان خطورته وشدته، وأنه أمر خطير، وأنه يحذر منه، أي: يحذر الإنسان أن يقع فيه، ويحذر المسلم أخاه بأن يقع فيه.وأورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً مر في المسجد حتى قطعه -يعني: رآه يمشي حتى خرج من المسجد- فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)، (أما هذا)، أي: الذي خرج من المسجد بعد الأذان، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقال بالرأي؛ لأن الإطلاق على الشيء بأنه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم يدل على رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقتضي أن يقال لمن فعل، أو لمن خالف ذلك أنه عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، والخروج من المسجد بعد الأذان إذا لم يكن لضرورة هو الذي فيه هذا التشديد، وأما إذا كان لضرورة، بأن كان الإنسان غلبه الحدث، وأراد أن يخرج ليقضي حاجته فهذا لا يدخل تحت هذا؛ لأنه مضطر، وأما إذا كان الإنسان غير مضطر وخرج فهذا هو الذي يستحق أن يقال فيه هذا الكلام، ويوصف بأنه قد عصى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً الخروج بعد الأذان من غير ضرورة فيه تشبه بالشيطان؛ لأن الشيطان يهرب إذا سمع الأذان كما سبق أن مر بنا في الحديث في فضل التأذين: (إذا نودي في الصلاة أدبر الشيطان وله ضراط)، يعني: يهرب حتى لا يسمع الأذان، فالذي يخرج من المسجد بعدما يأتي الأذان فيه شبه بالشيطان الذي يهرب عندما يسمع النداء.وقول أبي هريرة: (فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)، يدلنا على تحريم ذلك، وأن أبا هريرة رضي الله عنه ما قال هذا إلا لشيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقتضي أن يقال لمن فعله: أنه عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا لا يقال بالرأي، ولا يقال بالاجتهاد، بل له حكم الرفع.ثم قول أبي هريرة رضي الله عنه: (أبا القاسم)، وهي كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، بأن يقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].وهو الجواز المكي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، وهناك: محمد بن منصور الطوسي، وقد عرفنا أن الذي يروي عن سفيان بن عيينة، أو الذي هو أخص بـابن عيينة هو الجواز ؛ لأن ابن عيينة مكي، والجواز مكي، فيكون المراد به هنا المكي، وقد سبق أن مر بنا في بعض الأسانيد عند النسائي أنه نص على نسبته فقال: أخبرنا محمد بن منصور المكي، ومعنى هذا أنه لا ينسبه في بعض المواضع؛ لشهرته ولمعرفته.[عن سفيان].وهو ابن عيينة، وهو مكي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن عمر بن سعيد].وهو عمر بن سعيد بن مسروق الثوري، أخو سفيان الثوري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن أشعث بن أبي الشعثاء].وهو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو أبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[رأيت أبا هريرة].وأبو هريرة هو راوي الحديث وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الشعثاء يقول: إنه رأى أبا هريرة، وقد رأى رجلاً يمر في المسجد حتى قطعه وخرج، وهو ينظر إليه، فقال: أما هذا، ويشير إلى الرجل، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث أبي هريرة في التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا جعفر بن عون عن أبي عميس حدثنا أبو صخرة عن أبي الشعثاء أنه قال: (خرج رجل من المسجد بعدما نودي بالصلاة، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)].وهنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، أن أبا هريرة رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان، فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فهو بمعنى الذي قبله، وهو نفس الحديث إلا أنه من طريق أخرى.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذن من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].وهو ابن حكيم الأودي بن ذبيان الكوفي، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا جعفر بن عون].وهو جعفر بن عون بن الحارث صدوق روى له الجماعة.[عن أبي عميس].وهو عتبة بن عبد الله المسعودي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو صخرة].وهو جامع بن شداد، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي الشعثاء].وهو سليم بن أسود المحاربي، ويروي عن أبي هريرة، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا؛ لأن أبا الشعثاء اثنان: جابر بن زيد، والمحاربي والمراد به هنا: سليم بن أسود .
إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة

شرح حديث عائشة في إيذان المؤذن الإمام بالصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة.أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب ويونس وعمرو بن الحارث: أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، ثم يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر ركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة، فيخرج معه)]، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث.هنا أورد النسائي هذه التراجم، وهي: إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة.يعني: إذا جاء وقت الصلاة يخبر المؤذن الإمام، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر إحدى عشرة ركعة، وأنه كان يطيل، وكان يسجد قدر قراءة خمسين آية، أي: كان يطيل السجود، ويطيل القراءة عليه الصلاة والسلام، وكان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يعني: ركعتين ركعتين، والوتر ركعة مفردة هي الآخر، فيكون ما مضى وتراً بها فإذا أذن المؤذن لصلاة الصبح الذي هو الأذان الثاني، أذان الفجر، صلى ركعتين خفيفتين، وهما ركعتا الفجر، وهما آكد السنن، وكان عليه الصلاة والسلام يحافظ على ركعتي الفجر والوتر في الحضر والسفر، ثم يضطجع حتى يأتي إليه بلال ويؤذنه بالصلاة فيقوم معه، ويذهب معه للصلاة، يعني: كان ذلك في منزله، وكان ذلك على خطوات من مصلاه صلى الله عليه وسلم.قال بعضهم: -أي: إن الثلاثة الذين يروون عن الزهري، وهم: يونس، وعمرو بن الحارث، وابن أبي ذئب- هؤلاء الثلاثة، بعضهم يزيد على بعض، أي: أن هذا أحد الألفاظ، وبعض هؤلاء الثلاثة يزيد على بعض في الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إيذان المؤذن الإمام بالصلاة
قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].وهو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.[حدثنا ابن وهب].وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[أخبرني ابن أبي ذئب].وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ويونس].وهو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[وعمرو بن الحارث].وهو عمرو بن الحارث، وهو أيضاً ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرهم عن عروة].أي: أخبر هؤلاء الثلاثة، عن عروة، وهو عروة بن الزبير بن العوام ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، الذين أطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، فـعروة بن الزبير أحدهم، وقد جمعهم بعض الشعراء في بيت فقال:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةوهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام الذي هو معنا، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والسابع اختلف فيه على ثلاثة أقوال، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب في عصر التابعين، فإذا جاء في مسألة قيل فيها: وقال بها الفقهاء السبعة، فالمراد بهم هؤلاء السبعة.[عن عائشة].وهي عائشة رضي الله تعالى عنها، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين، التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك، في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يقول فيهم السيوطي:والمكثرï؟½ ï؟½ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفزوجة النبي المراد بها عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
شرح حديث ابن عباس في إيذان المؤذن الإمام بالصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريباً مولى ابن عباس أخبره، قال: (سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنه، قلت: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فوصف أنه صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل، فرأيته ينفخ، وأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام فصلى ركعتين، وصلى بالناس ولم يتوضأ)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس وفيه أنه سئل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل؛ وذلك أنه كان قد نام عند خالته ميمونة، وعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، يعني: هذه صلاته من الليل، وآخرها الركعة التي هي الوتر، ثم إنه لما أذن الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم نام، فاضطجع حتى استثقل، يعني: نوماً ثقيلاً حتى نفخ، يعني: مما يدل على أنه استغرق في نومه، ثم قام وصلى ركعتين، صلى الركعتين بعد النوم، ثم صلى بالناس ولم يتوضأ، ومن المعلوم كما جاء في الحديث: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه)، يعني: فلا يحصل له ما يحصل لغيره من الحدث، ومن المعلوم أيضاً، أن النوم ناقض للوضوء إذا كان مستغرقاً، وكان طويلاً فإنه ناقض للوضوء، وأما إذا كان نعاساً خفيفاً، والإنسان جالس متمكن، أو قائم، وحصل له نعاس فإن هذا لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض إذا كان الإنسان مضطجع، وحصل له النوم فإنه ينقض الوضوء، فقد جاء في الحديث: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل له انتقاض الوضوء؛ لأنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه، وأما غيره فإنه إذا حصل منه النوم الطويل الذي يكون عن طريق اضطجاع أو تمكن في النوم فعليه أن يتوضأ؛ لأنه انتقض وضوءه بنومه؛ لأن النوم من نواقض الوضوء؛ لأنه مظنة الحدث.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في إيذان المؤذن الإمام بالصلاة
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].وهو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[عن شعيب].وهو ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، خرج له أبو داود، والنسائي فقط.[عن الليث].وهو ابن سعد المصري، ثقة، محدث، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا خالد].وهو خالد بن يزيد المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن أبي هلال].وهو سعيد بن أبي هلال الليثي، وهو صدوق، أخرج له الجماعة.[عن مخرمة بن سليمان].وهو مخرمة بن سليمان، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.[أن كريباً مولى ابن عباس أخبره].كريب، وهو مولى ابن عباس، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[سألت ابن عباس].وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة فتوى، أي: معروف بكثرة الفتوى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله عنه وأرضاه.
إقامة المؤذن عند خروج الإمام

شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إقامة المؤذن عند خروج الإمام.أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت)].هنا أورد النسائي هذه التراجم، وهي: باب إقامة المؤذن عند خروج الإمام. أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون في بيته، فإذا جاء وقت الإقامة خرج، فيقيم المؤذن عندما يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم.وأورد فيه حديث: أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت)، فليس هناك مطابقة بين الحديث والتراجم؛ لأن التراجم كونه يقول: إقامة المؤذن عند خروج الإمام، وهذا قد يفهم منه أن المؤذن قد يحصل منه الإقامة قبل أن يخرج الإمام، فليس هناك مطابقة بين الحديث والتراجم، والمقصود من ذلك: (أنهم لا يقومون في انتظاره، ولكن كونهم يقومون ليسووا الصفوف، ويتراصون، ويقرب بعضهم من بعض، ويسدوا الخلل، لا بأس بذلك).
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت)
قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].وهو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، مثل: إسحاق بن راهويه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[حدثنا الفضل بن موسى].وهو الفضل بن موسى، هو المروزي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن معمر].وهو معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن يحيى بن أبي كثير].وهو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن أبي قتادة].وهو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو الحارث بن ربعي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة

قول المؤذن الدعاء بعد الأذان كالسامعين
السؤال: هل يقول المؤذن هذا الدعاء بعد الفراغ من الأذان؟ أم يقوله السامعون فقط؟الجواب: يقوله الجميع؛ المؤذن، والسامعون، فيدعون به بعد الفراغ من الأذان.
دعاء الاستفتاح بالنسبة للمأموم
السؤال: هل المأموم يقول دعاء الاستفتاح؟الجوا ب: نعم، دعاء الاستفتاح يدعو به الإمام والمأموم، بعد تكبيرة الإحرام، فكل منهما يشرع له أن يأتي بدعاء الاستفتاح.
حكم الصلاة بين السواري
السؤال: ما حكم الصلاة بين أعمدة المسجد؟الجواب: الصلاة بين الأعمدة فيها قطع للصفوف، ولا يصلى بينها إلا إذا امتلأ المسجد، وصار هناك حاجة إلى الصلاة بينها، فيصلي بينها، ولكن يصلي مجموعة، وليس واحداً، وإنما يصلي عدد، وهذا إنما يكون إذا امتلأ المسجد، واحتاج الناس إلى أن يصلوا بين الأعمدة، أما إذا لم يكن هناك حاجة -فكما هو معلوم- فهي تقطع الصفوف، ولا يصلى بينها.
تفسير المقام المحمود بجلوس النبي على الكرسي فوق العرش
السؤال: قرأت في كتاب السنة للخلال: أن المقام المحمود هو جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على الكرسي فوق العرش؟الجواب: هذا ليس بثابت، الثابت هو: أن المقام المحمود هي الشفاعة العظمى التي يحمده عليها الأولون والآخرون، فهذا هو المقام المحمود.
حقيقة وجود ذنوب غير الشرك لا تدخل تحت مشيئة الله في غفرانها
السؤال: هل توجد ذنوب لا تدخل تحت المشيئة غير الشرك؟الجواب: أبداً، كل الذنوب تحت المشيئة إلا الشرك، الشرك هو الذي لا يغفره الله عز وجل، والله عز وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عن صاحبه، وإن شاء عذبه، إلا الشرك فهو الذنب الذي لا يغفر، أما ما دون الكفر والشرك فإنه تحت المشيئة.

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:50 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(125)


- (باب الفضل في بناء المساجد) إلى (باب ذكر أي مسجد وضع أولاً)

إنما بنيت المساجد للعبادة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن زخرفتها وتحميرها وتصفيرها بغرض التباهي، وبين أن ذلك من علامات الساعة.
الفضل في بناء المساجد

شرح حديث: (من بنى مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب المساجد، باب الفضل في بناء المساجد.أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى مسجداً يذكر الله فيه بنى الله عز وجل له بيتاً في الجنة)].هنا أورد قول النسائي رحمه الله: كتاب المساجد.الإمام النسائي وغيره من العلماء يفردون المساجد بكتب تخصها في مؤلفاتهم؛ والنسائي رحمه الله عقد هذا الكتاب للمساجد، وجمع فيه الأحاديث المتعلقة بالمساجد، من حيث فضلها، وفضل بنائها، وتفاضل بعض المساجد على بعض، والأحكام الأخرى التي تتعلق بالمساجد.والمساï؟½ ï؟½د: جمع مسجد، والمراد بها: مواضع الصلاة، وقيل لها: مساجد مع أن الصلاة فيها قيام وركوع وسجود؛ لأن المصلي يتمكن من الأرض في حال سجوده، ولأنه إذا سجد على الأرض تكون قدماه وركبتاه ويداه وجبهته وأنفه كلها على الأرض، فلهذا قيل لمواضع الصلاة: مساجد إشارة إلى المواضع التي يصلي عليها، ولم يقل لها: مراكع، ولا مواقف إشارة إلى القيام وإلى الركوع؛ لأن التمكن من الأرض إنما يكون أكثر في حالة السجود، ولهذا وصفت بهذا الوصف، وسميت بهذا الاسم فقيل لها: مساجد.والمساجد هي خير البقاع، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (أنه سئل عن خير البلاد؟ فقال: مساجدها، وشر البقاع أو شر البلاد: أسواقها)، فبين صلى الله عليه وسلم أن المساجد هي خير البلاد، وهي خير مواضع فيه؛ لأنها أماكن ذكر الله عز وجل، وأماكن الصلاة، وشرها الأسواق التي يكون فيها اللغط والأصوات، وأحياناً الكلام الذي لا ينبغي، فتلك إنما تكون في الأسواق.ثم إن النسائي رحمه الله بدأ الأبواب في هذا الكتاب: باب: الفضل في بناء المساجد.أي: الترغيب في بناء المساجد، والحث على إيجادها، والإنفاق في بنائها؛ لأن ذلك فيه تمكين من ذكر الله عز وجل ومن إقامة الصلاة، ومن تمكين الناس، وتمكين أهل البلد من أن يجتمعوا في مكان مخصص للصلاة، وهو المسجد، فيذكرون الله عز وجل، ويؤدون الصلوات الخمس، ويؤدون ما شاء الله من النوافل، فبدأ النسائي رحمه الله بالفضل في بناء المساجد.وأورد فيه حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)، فهذا دال على فضل بناء المساجد وعمارتها، وإيجادها، وصرف الأموال في بنائها والإنفاق عليها، فهذا من خير الأعمال، وهو من الإنفاق في سبيل الله عز وجل؛ لأنه إقامة لأماكن الذكر وأماكن العبادة وأماكن الصلاة.ففي الحديث ترغيب وحث على بناء المساجد، وبيان الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يكون لمن يبني المساجد، وهو أن الله تعالى يبني له بيتاً في الجنة، فالجزاء من جنس العمل، وكثيراً ما يأتي في الأحاديث ذكر الجزاء من جنس العمل، مثل هذا الحديث: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)، ومثل حديث: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)؛ يعني: هذه من النصوص التي فيها بيان أن الجزاء من جنس العمل، فكما أنه في هذا الحديث العمل الذي عمله هو بناءه للمساجد، فالله تعالى يثيبه على ذلك بأن يبني له بيتاً في الجنة.ثم في الحديث: دليل على أن الجنة موجودة، وقد جاءت الآيات والأحاديث دالة على وجودها، وأنها قد خلقت، ولكن الله عز وجل يخلق فيها، ويوجد فيها ما شاء الله تعالى أن يوجد؛ لأن أصلها موجود، ولكن الله ينشئ فيها، ويوجد فيها من الثواب لأهل الثواب ما شاء الله عز وجل كما جاء في الحديث: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)، فإذا وجد البناء من العبد المسلم للمسجد، فالله تعالى يبني له بيتاً في الجنة يجده أمامه إذا غادر هذه الدار، وانتقل إلى الدار الآخرة ودخل الجنة، فإنه يجد ذلك البيت الذي بناه الله عز وجل له.ثم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه)، بيان الحكمة من بناء المساجد، والفائدة من بناء المساجد، وأنه لماذا تبنى المساجد؟ وهو أنها لإقامة ذكر الله عز وجل، ولهذا جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي في صحيح مسلم، الذي تكلم في الصلاة لما عطس وحمد الله، فجعل الناس يضربون على أفخاذهم؛ لأنه تكلم في الصلاة، فجعل يتكلم، يعني: لما رآهم قال: ما لكم؟ فلما فرغ من الصلاة، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي لذكر الله عز وجل)؛ يعني: الصلاة ليس فيها كلام، وإنما هي ذكر لله عز وجل، وقراءة القرآن، وتسبيح له سبحانه وتعالى، ولا يصلح فيها شيء من كلام الناس، والناس يتخاطبون ويكلم بعضهم بعضاً، أو يرد بعضهم على بعض، وإذا عطس يشمته، والإنسان إذا عطس في صلاته فإنه يحمد الله عز وجل، ولا يرفع صوته؛ لأن هذا ذكر لله عز وجل، لكن غيره لا يقل له: يرحمك الله، ولا يخاطب غيره وهو يصلي، فلا يقل له: يرحمك الله، وهو لا يرد حتى لو قيل له: يرحمك الله، فلا يقل: يهديكم الله ويصلح بالكم، وإنما له أن يحمد الله عز وجل، فالصلاة فيها ذكر الله، ولهذا في الحديث قال: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه)، والذكر يشمل الصلاة وغير الصلاة، فالصلاة هي من ذكر الله عز وجل، وهي مشتملة على ذكر الله عز وجل؛ لأنها قرآن وتكبير وتسبيح وتحميد، وغير ذلك من الثناء على الله سبحانه وتعالى، فهي مشتملة على ذكر الله سبحانه وتعالى.إذاً: فالمساجد بنيت للصلاة، ولذكر الله عز وجل أي: أنه في غير الصلاة فالإنسان يجلس فيها يسبح ويحمد الله ويهلله وكبره، هذا من ذكر الله سبحانه وتعالى، فهذا الحديث فيه: ترغيب في بناء المساجد، وبيان أن الجزاء من جنس العمل، وأن من بنى بيتاً لله عز وجل -مسجد يصلى فيه- بنى الله له بيتاً في الجنة، وأن المساجد إنما تبنى لذكر الله عز وجل ولإقامة الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (من بنى مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو الحمصي، وهو صدوق، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا الترمذي.[حدثنا بقية].هو ابن الوليد الحمصي، وهو صدوق، وكثير التدليس عن الضعفاء، وقد روى له البخاري تعليقاً، وروى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. ومسلم روى له حديثاً واحداً متابعة، فبهذا رمز له بأنه من رجال البخاري تعليقاً، ومن رجال مسلم، ومن رجال أصحاب السنن الأربعة.[عن بحير].هو ابن سعد الحمصي، وهو ثقة، ثبت، وخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري في صحيحه، ولا مسلم في صحيحه.[عن خالد بن معدان].هو خالد بن معدان الحمصي، وهو ثقة، يرسل كثيراً، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن كثير بن مرة].هو أيضاً حمصي، وهو ثقة، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وما خرج له البخاري شيئاً.[عن عمرو بن عبسة].هو عمرو بن عبسة السلمي الخزرجي صحابي مشهور، وقد خرج له مسلم حديثاً واحداً، وخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة، وليس له في البخاري شيء، وله ثمانية وأربعون حديثاً كما ذكر ذلك صاحب خلاصة تهذيب تهذيب الكمال، وعمرو بن عبسة سكن الشام.
المباهاة في المساجد

شرح حديث: (من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المباهاة في المساجد.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد ) ].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: المباهاة في المساجد.المباهاï؟½ ï؟½: هي المفاخرة، يعني: بناؤها تفاخراً وتباهياً شيء مذموم؛ لأن التباهي والتفاخر من المقاصد السيئة، ولهذا جاء في الحديث: (من أشراط الساعة)، يعني: من علاماتها؛ لأن الأشراط جمع شرط، والشرط هو العلامة، فالأشراط؛ أي: العلامات، من علامات الساعة أن يتباهى الناس في المساجد، يعني: يتفاخرون في بنائها، فيكون همهم والباعث لهم على بنائها هو المفاخرة والمباهاة، وهذا مقصد ذميم، وإنما فيكون المقصود في بناء المساجد هو إرادة وجه الله عز وجل، لا تفاخراً وتباهياً، وإنما رجاء ثواب الله عز وجل، ودون قصد سيئ.ثم إن بناء المساجد على هذا الوصف -الذي هو التباهي- مذموم.أما إذا بنيت على وجه فيه متانة، وفيه قوة؛ يعني: أنه يطول أمدها، ولا يسرع إليها التأثر، فإن هذا أمر مطلوب، لكن لا يكون فيه مغالاة، ولا يكون في مباهاة، ولا يكون فيه مفاخرة، وإنما يكون المقصود من ذلك ابتغاء وجه الله عز وجل والدار الآخرة، ثم أيضاً زخرفتها من الأمور التي جاءت الشريعة بمنعها، فبين عليه الصلاة والسلام أن هذا القصد -الذي هو المباهاة- مذموم، وهو من أشراط الساعة، أي من العلامات الدالة على قربها.
تراجم رجال إسناد حديث: (من أشراط الساعة أن يتباهي الناس في المساجد)
قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر ].هو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة، وخرج حديثه الترمذي، والنسائي .[ أخبرنا عبد الله بن المبارك ]. هو المروزي، وهو ثقة، إمام، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته: إنه ثقة، حافظ، جواد، مجاهد، قال بعد ذلك: جُمِعَتْ فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن حماد بن سلمة ].هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أيوب ].هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وأبو تميمة اسمه كيسان، وهو ثقة، ثبت، حجة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً بصري مثل حماد بن سلمة.[ عن أبي قلابة ].هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو أيضاً ثقة إلا أنه كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبو قلابة مشهور بكنيته، ومعرفة الكنى مهمة، وهي من علوم مصطلح الحديث؛ وذلك أن الشخص إذا كان مشهوراً بكنيته، فقد يذكر باسمه فيظنه من لا يعرفه أنه شخصين؛ وذلك إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بكنيته مرة أخرى، فيظن من لا يعرف أن هذا غير هذا، لكن من عرف أن أبا قلابة كنية لـعبد الله بن زيد الجرمي يعرف أن هذا شخص واحد.[ عن أنس ].هو أنس بن مالك الأنصاري ، وهو أيضاً بصري، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وقد خدمه عشر سنوات، من حين قدم المدينة وهو يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت مدة بقائه صلى الله عليه وسلم في المدينة وهي عشر سنوات خدمه فيها أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد الصحابة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم سبعة عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفهؤلاء السبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام تميزوا على غيرهم بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وابن عباس الذي هو الحبر، وعائشة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة هم أكثر الصحابة حديثاً، وأنس بن مالك أحد هؤلاء السبعة، وهو أيضاً من المـُعمِّرين الذين عاشوا وطالت حياتهم، واستفاد الناس من علمهم؛ لأنه أدركهم كبار التابعين، ومتوسط التابعين، وصغار التابعين، وصغار التابعين هم الذين أدركوا من تأخرت وفاتهم من الصحابة، فأدركهم الكبار والمتوسطون والصغار، وهذا من أسباب كثرة الرواية عنه؛ لأنه عُمِّر وعاش، وقدم الناس عليه يتلقون منه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بصري أيضاً؛ لأنه سكن البصرة.والحديث في إسناده مروزيان، وهما: سويد بن نصر ، وعبد الله بن المبارك ، والباقون بصريون، وهم: حماد بن سلمة ، وأيوب السختياني ، وأبو قلابة ، وأنس بن مالك فأربعة بصريون، واثنان مروزيان.

يتبع

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:51 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
ذكر أي مسجد وضع أولاً

شرح حديث أبي ذر في بيان أي مسجد وضع أولاً
قال المصنف رحمه الله: [ باب: ذكر أي مسجد وضع أولاً.أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم قال: ( كنت أقرأ على أبي القرآن في السكة، فإذا قرأت السجدة سجد، فقلت: يا أبت! أتسجد في الطريق؟ فقال: إني سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي مسجد وضع أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاماً، والأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصل ) ].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب: ذكر أي المساجد وضع أولاً.هذه الترجمة التي عقدها النسائي، أورد فيها حديث أبي ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان ما ترجم له وهو: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: أي المساجد وضع أولاً؟ فقال: المسجد الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قيل: وكم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً )، فالمطابقة واضحة؛ لأن السؤال عن أي مسجد وضع أولاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجاب بأنه المسجد الحرام، ثم سئل عن المسجد الذي بني بعده أو وضع بعده؟ فقال: (المسجد الأقصى)، فسئل: (كم كان بينهما من السنين) فقال: (أربعون سنة)، وقد جاء في القرآن أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة، ثم جاء كذلك في بعض الأحاديث أن سليمان هو الذي بنى المسجد الأقصى، لكن -كما هو معلوم- المدة بين إبراهيم وبين سليمان طويلة جداً؛ لأن موسى كان بعد يوسف بزمن، ومن المعلوم أن داود وسليمان بعد موسى؛ لأنه كما جاء في قصة موسى في سورة المؤمن -غافر- أنه ذكر يوسف من قبله، وأنه قد جاء بالبينات، ثم ذكر في سورة البقرة في الجند أو القوم الذين ذكرهم الله عز وجل من بني إسرائيل: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ [البقرة:251]، وأول القصة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]، فداود وسليمان بعد موسى، وموسى كان بعد يوسف، ويوسف هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فليس في المدة أربعين سنة، ففي هذا إشكال، لكن أجاب بعض العلماء عن هذا الإشكال: أن الذي حصل من إبراهيم ومن سليمان إنما هو تجديد للبناء، وأن البناء كان أولاً؛ أعني: إن بناء المسجد الحرام كان قبل إبراهيم، وبناء المسجد الأقصى كان قبل سليمان، وهنا في الحديث ليس فيه ذكر الباني، وإنما هو مطلق، وما قيل: إنه بناه إبراهيم، وهذا بناه سليمان، لكن ما جاء في القرآن من إضافة البناء إلى إبراهيم، وما جاء في السنة -في بعض الأحاديث- من إضافة البناء إلى سليمان لا يعني أن هذا هو الأول؛ لأن المدة بين إبراهيم وبين سليمان مدة طويلة جداً ليست أربعين سنة، والحديث إنما قال: أنها أربعين سنة بين وضع هذا ووضع هذا، وبناء هذا وبناء هذا، فيكون البناء لهما أولاً، ولكن إبراهيم جدد المسجد الحرام، وسليمان جدد المسجد الأقصى، فما جاء في القرآن من إضافة البناء إلى إبراهيم، وما جاء في السنة من إضافة بناء المسجد الأقصى إلى سليمان إنما هو تجديد للبناء، هذا من أحسن ما أجيب به عن هذا الإشكال .والحديث ساقه النسائي للاستدلال به على ما ترجم له، وهو مطابق، وقد ذكر للحديث سبباً في إيراده، وهو أن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي كان مع أبيه يزيد بن شريك، وكان كما جاء في بعض الروايات: (كل واحد يقرأ القرآن على الثاني)، فكان أبوه يزيد بن شريك وكان ذلك في السكة، وقيل: إنه كان في رحبة البيت، يعني: مكاناً على طرف البيت في فنائه في دكته من جهة الشارع من جهة السوق والسكة، فكان إذا مر بآية فيها سجدة سجد، فقال إبراهيم بن يزيد لأبيه: (أتسجد في الطريق؟) فأورد الحديث، قال: (سمعت أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المساجد وضع أولاً؟ فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم قال: والأرض لك مسجد، فأينما أدركتك الصلاة فصل)، وهذا هو محل الشاهد من استدلال يزيد بن شريك على ولده عندما استشكل؛ لأن قوله: (والأرض لك مسجد)، وهو قد سجد في هذا المكان، والأصل في الأرض الطهارة، والمراد بذلك أنها ما دامت على هيئتها وعلى حقيقتها، أما إذا عرف أنها تنجست، وأنه أصابها نجاسة، فعند ذلك تجتنب النجاسة أو تزال النجاسة.فالمقصوï؟½ ï؟½ من أن الأرض مسجد، يعني: مادامت على هيئتها، أما إذا تنجس شيء منها فلا يصلى عليها إلا بعد إزالة النجاسة، أو وضع ساتر يستر عن النجاسة؛ لأنه لابد من طهارة البقعة في المكان الذي يصلى فيه .ومحل الشاهد من إيراد يزيد بن شريك في الحديث هو آخره، وفي الحديث دليل على ما كان عليه سلف هذه الأمة إذا حصل شيء يستشكلونه أنهم يوردون الإشكال؛ لأن إبراهيم بن يزيد التيمي لما رأى أباه يسجد، وذلك الموضع هو طريق، وليس في داخل البيت، وليس في مسجد، وإنما هو في مكان في فناء البيت، وعلى مقربة منه، فأنكر واستشكل، فاستدل عليه أبوه بالحديث.ثم أيضاً فيه بيان ما كان عليه السلف من اتباع السنن والاحتجاج بالآثار، وأنه قد يورد الحديث والمراد بعضه؛ لأن يزيد بن شريك التيمي أورد الحديث بكامله، فمقصوده آخره الذي هو الاستدلال على الصلاة في المكان الذي يصلى فيه، فهم يذكرون الحديث بكامله، ومقصودهم جزء منه؛ لأن المقصود في هذا الحديث هو آخره وهو قوله : (والأرض لك مسجد)؛ يعني: أي مكان أدركت الصلاة فيه فصل، فإنه لك مسجد.
تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر في بيان أي مسجد وضع أولاً
قوله: [ أخبرنا علي بن حجر ].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له أبو داود ، ولا ابن ماجه، أي: خرج له أربعة من الكتب الستة، ومسلم أكثر من الرواية عنه.[ حدثنا علي بن مسهر ]، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الأعمش ].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، مدلس، وهو مشهور بلقبه، واسمه سليمان بن مهران، ومعرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في علوم الحديث؛ لأن فائدة ذلك أن لا يظن أن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف أن الأعمش هو سليمان بن مهران يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكن من يعلم أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران لا يلتبس عليه الأمر، ولا يظن الشخص الواحد شخصين، وإنما يعرف أن هذا شخص واحد، ولكن ذكر مرة باسمه وذكر مرة بلقبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن إبراهيم ].هو ابن يزيد بن شريك التيمي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبوه يزيد بن شريك التيمي ثقة أيضاً، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ سمعت أبا ذر ]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأسئلة

حكم حديث بقية بن الوليد إذا عنعن
السؤال: الحديث الأول فيه بقية، وهو مدلس وقد عنعن، فهل هذا الحديث متصل؟الجواب: بقية مدلس، وهنا دلس عن ثقة؛ لأن بحير بن سعد ثقة، ثبت كما ذكره صاحب التقريب، لكن الفضل في بناء المساجد، وحديث: (من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة)، جاء من طرق أخرى، وفي حديث آخر يقول: ( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة )، فهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض.
حكم حلق الرجل عانة أبيه عند عدم الاستطاعة
السؤال: هل يجوز للرجل أن يحلق عانة أبيه إذا لم يستطع الوالد؟الجواب: ليس بلازم الحلق؛ إذا لم يتمكن الوالد من حلاقتها فإنه يقصها قصاً، والقص كلٌ يستطيعه.أما إذا كان مقعداً، ولا يستطيع أن يخدم نفسه فممكن، وذلك مثلما يقوم بالأمور الأخرى لاستنجائه وإخراج القاذورات منه، كذلك يفعل بعانته، أما إذا كان يستطيع قصها، فإنه لا يحتاج إلى أن يحلقها غيره، أي: هذه ليست ضرورة، فيمكن بالقص.
ما يلزم من قرأ على غير ترتيب المصحف في الصلاة
السؤال: هل يلزم الشخص في القراءة في الصلاة أن يلتزم بترتيب المصحف؟الجواب: الأولى للإنسان أنه إذا قرأ القرآن فإنه يكون مرتباً في الصلاة وفي غير الصلاة، يعني: عندما يقرأ السور بالترتيب، لكن لو عكس جاز؛ بمعنى: أنه قرأ سورة، ثم قرأ سورة قبلها في ترتيب المصحف، فيجوز ذلك؛ لأن الحديث الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنه قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران)، وكذلك الحديث الذي في قصة الرجل الذي كان يصلي بقومه، ويقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ويختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]؛ لأنه إذا كان في كل ركعة يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، يعني: أنه يقرأ شيء قبلها؛ لأن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ليس بعدها في المصحف إلا سورتين، سورة الفلق وسورة الناس؛ معناه: أنه لابد أن يقرأ شيئاً قبلها، فهذا مما استدل به العلماء على أنه يجوز أن تقرأ السورة بعد سورة هي بعدها في ترتيب المصحف.
حكم بناء المساجد على القبور
السؤال: هل يجوز أن تبنى المساجد على القبور ؟الجواب: لا يجوز أن تبنى المساجد على القبور، وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتاب زاد المعاد: لا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر، فإذا بني المسجد أولاً فلا يجوز إدخال القبر فيه، وإنما ينبش الميت ويخرج؛ لأن المسجد كان قبل، وإذا كان القبر أولاً، ثم أتي بالمسجد وبني على المقبرة فإنه يهدم المسجد، وتبقى المقبرة كما كانت. أما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بناه بيده الشريفة ومعه أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وحجراته التي بناها كانت خارج المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسكن في حجراته ومنها حجرة عائشة التي فيها قبره الآن صلى الله عليه وسلم، ولما مات دفن في بيته، ولم يدفن في المسجد، وظل الأمر كما كان بعد وفاته؛ أي: في زمن الخلفاء الراشدين، وفي زمن معاوية، وفي مدة طويلة من عهد بني أمية، ثم في عهد عبد الملك وسَّع المسجد فأدخل الحجرات في المسجد، فالمسجد فضيلته ثابتة دخل القبر أو ما دخل، وإدخاله إنما كان في زمن بني أمية، فلا يجوز أن يستدل على أن المساجد تبنى على القبور، أو أن الأموات يدفنون في المساجد استدلالاً بوجود قبره صلى الله عليه وسلم في مسجده، بل الحجة في المنع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر لحظاته، وفي أواخر أيامه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس )، وقوله: (قبل أن يموت بخمس)، فالرسول توفي يوم الإثنين، والكلام هذا قاله يوم الأربعاء، وقبل الأربعاء الخميس والجمعة والسبت والأحد الإثنين؛ يعني: هذا الكلام قاله يوم الخميس، (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك )، فهذا كلام محكم غير منسوخ قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال، ثم بعد ذلك وبعد هذه المدة وهو في النزع كما جاء في الحديث المتفق على صحته: ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )، فهذه أحاديث محكمة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دخلها نسخ، وقالها في أواخر أيامه، بل في آخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، فالحجة بها.أما وجود قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده فإن هذا ليس من فعله، ولا فعل خلفائه الراشدين، والقبر كان خارج المسجد، والفضل ثابت للمسجد أدخل القبر فيه أو لم يدخل، فلا يجوز أن يتخذ حجة، بل الحجة ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التي قالها في آخر أيامه، وفي أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم وبارك عليه.
الواجب على من عليه كفارة صيام شهرين متتابعين
السؤال: عليه صيام شهرين متتابعين، ونوى أن يصومها في هذه المدينة، ولكن مع ظروف العمل لا يستطيع ذلك، فماذا يعمل؟الجواب: عليه صيام شهرين متتابعين؟مداخلة : نعم، لا يستطيع أن يصوم هنا إلا شهراً واحداً.الشيخ: ليس له مادام أن الواجب عليه صيام شهرين متتابعين، فلابد من التتابع فيهما، ولا يجوز له أن يفرقهما.ولكن مادام أنه ما حصل منه النذر أنه يصوم شهرين متتابعين في المدينة، وإنما عليه صيام كفارة، وصيام الكفارة ما له دخل في بلد معين، أما إذا نذر أنه يصوم مثلاً في المدينة أو يصوم في مكة، فإنه يوفي بنذره، وأما مجرد كونه عليه صيام شهرين متتابعين، ولكنه لا يتمكن من صيامها في المدينة، فليس بلازم أنه ينفذها في المدينة، فاللزوم هو أن تكون متتابعين، فإذا صام في المدينة شهراً ثم سافر وهو متابع للصيام في السفر، ووصل إلى البلد الذي استقر فيه، وواصل الصيام حتى أكمل شهرين متتابعين، فقد أدى ما عليه.
حكم العمل بالحديث الذي قيل عنه لا بأس به
السؤال: الحديث الذي قيل فيه: لا بأس به، هل يعمل به؟الجواب: الحديث الذي لا بأس به معناه أنه يحتج به، وهذا يعمل به.
مدى جواز تأخير الظهر إلى آخر وقتها
السؤال: شخص يصلي الظهر دائماً قبل العصر بربع ساعة، هل يعيد؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إلى وقت العصر؛ لأن هذا تعريض لإخراجها عن وقتها، لكن الإنسان مطلوب منه أن يبادر إليها في أول أوقاتها، والظهر يؤخرها إذا اشتد الحر فيبرد بها، لكن لا يبرد بها إلى قرب العصر؛ لأن تأخيرها إلى قرب الوقت عرضة لأن يخرجها عن الوقت، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يأتي بها في أول وقتها، ومادام أنها وقعت قبل دخول وقت العصر فهي في وقتها، لكن ليس للإنسان أن يؤخرها إلى قرب الآخر؛ لأن هذا عرضة لخروجها عن الوقت، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه )؛ يعني: يمكن أن الوقت يخرج فيكون أخرجها عن وقتها، فيكون فعله قضاء لا أداء، لكن مادام أنه صلاها قبل دخول وقت العصر فهو أداء، لكنه مخاطر بالصلاة؛ حيث يعرض نفسه لتأخيرها عن وقتها.مداخلة: لا يؤمر بإعادتها؟الشيخ: لا، أبداً لا تعاد، فهي صلاة في الوقت، حتى لو صلاها في غير وقتها فهي قضاء ولا تعاد.
مدى ثبوت حديث فيه إهداء الصلاة للميت في صحيح مسلم
السؤال: هل ثبت في صحيح مسلم حديث فيه جواز أداء صلاة النوافل للميت؟الجواب: ما أعلم شيئا فيه إهداء الصلوات، والذي ثبتت به السنة وجاءت به النصوص في إهداء الثواب هو في الحج والعمرة والصدقة، وكذلك في الأضحية، وكذلك الدعاء -أي: ينفع الأموات- وكذلك الصيام جاء بالنسبة للصيام الواجب: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ).أما الصلاة فلا نعلم لا في صحيح مسلم ولا في غيره شيئاً يدل على إهداء ثواب الصلاة، والذين قالوا بإهداء القرب غير ما ورد دليلهم القياس.
الأحاديث التي لا يعمل بها
السؤال: ما هي الأحاديث التي لا يعمل بها، ولو كان هناك شواهد؟الجواب: الحديث الذي ثبت فإنه يعمل به، سواء كان له شواهد أو ثبت بشواهده، أو ثبت استقلالاً بدون حاجة إلى شواهد.
حكم فصل قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال: هل يجوز فصل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟الجواب: لا شك أن هذا هو الذي ينبغي وهو أن يفصل من المسجد، ويكون خارج المسجد حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي دفن بها كان فيها باب بينها وبين المسجد، لكن كونه يفصل ويكون خارج المسجد، وليس داخلاً ضمن المسجد -بأن يكون مفصل وبينه وبينه أبواب- هذا هو الذي ينبغي؛ كما كان موجوداً في زمن الخلفاء الراشدين وزمن معاوية رضي الله تعالى عنه وكذلك بعده بمدة.
حكم التبرك بالصالحين
السؤال: ما حكم التبرك بالصالحين؟ وإذا كانت الإجابة بالمنع فما هو جوابكم عما حصل لبعض السلف مع بعض؟ كفعل جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حديث مسلم في صفة الحج: أنه وضع يده على صدر أحد أبناء محمد بن علي بن الحسين؟الجواب: التبرك بالذوات والأشخاص إنما هو خاص برسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يتبركون بشعره وبفضل وضوئه وبعرقه، وببصاقه ومخاطه صلى الله عليه وسلم، كانوا يتبركون به، وما فعلوا هذا مع أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي بعده، وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام أن الصحابة أجمعوا على عدم فعل هذا مع أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم.

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:52 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(126)


- (باب فضل الصلاة في المسجد الحرام) إلى (باب فضل مسجد النبي والصلاة فيه)

للبركة مجالات كثيرة، فمن ذلك الصلاة في المسجد الحرام، فإنها تفضل على غيره من المساجد بمائة ألف صلاة إلا المسجد النبوي فإنها تفضل على الصلاة فيه بمائة صلاة، ومعنى ذلك: أن المسجد النبوي يفضل على غيره من المساجد بألف صلاة.
فضل الصلاة في المسجد الحرام

شرح حديث: (الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) يعني المسجد النبوي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل الصلاة في المسجد الحرام.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا مسجد الكعبة ) ].يقول النسائي رحمه الله: باب فضل الصلاة في المسجد الحرام، هذه الترجمة التي عقدها النسائي رحمه الله لفضل الصلاة في المسجد الحرام، أورد تحتها حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وذلك أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى في هذا المسجد -أي: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم- فإن الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة)، فمقصود النسائي ما جاء في آخره من قوله: (إلا مسجد الكعبة)، والحديث يدل على فضل الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام على ما فهمه النسائي وغيره من أن الاستثناء في قوله: (إلا مسجد الكعبة)، أي: فإن الصلاة فيه أفضل من المسجد النبوي، أو الصلاة فيه أفضل من هذا المسجد، وهذا هو الذي فهمه جمهور العلماء، واستدلوا به على تفضيل مكة على المدينة، وكذلك تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.وقد جاء عن مالك رحمه الله أنه يرى أن المدينة أفضل من مكة، وأن الحديث لا يدل على تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل قيل عنه أنه قال: إلا مسجد الكعبة فإنه ليس أفضل منه بألف صلاة، وإنما هو أفضل منه بأقل من الألف، وهذا على القول بتفضيل الصلاة في المسجد النبوي على الصلاة في المسجد الحرام، يعني: معناه: أن الاستثناء إلا مسجد الكعبة، فإنه لا يفضله بألف كغيره من المساجد، وإنما يفضله بدون الألف. ولكن الذي فهمه النسائي، وأورد الحديث بالاستدلال على فضله فهمه جمهور العلماء؛ على أن المقصود من ذلك هو تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات، أن الاستثناء الذي جاء عنه عليه الصلاة والسلام جاء تفسيره وبيانه بأن المسجد الحرام الصلاة فيه أفضل من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة، وعلى هذا فتكون الصلاة في المسجد الحرام أفضل من غيره من المساجد بمائة ألف؛ لأن المائة بألف، فتكون مائة ألف.ومما يدل على تفضيل مكة على المدينة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخرج منها ونظر إليها وقال: ( إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا إني أخرجت لما خرجت )، يعني: أنه إنما خرج بإيذاء الكفار له، وأن سببه إيذاء الكفار له، وأنه خرج منها مهاجراً إلى المدينة؛ لأنه أخرج ولأن الكفار آذوه، ولا يعني: أن المدينة أفضل من مكة، فإن التفضيل إنما المعول عليه ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الحديث واضحاً بأن مكة أحب بلاد الله إلى الله، وكذلك أيضاً تفضيل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف على غيره من المساجد، وأما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره بألف ضعف: ( الصلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ). وهذا الحديث كذلك عن ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث جاء بلفظ: (من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيحتمل أن يكون المقصود به استفهام، يعني: من صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ تستفهم وتبين الفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة)، وقد جاء هذا الحديث في بعض الكتب الأخرى، مثل مسند الإمام أحمد أن ميمونة قالته تخاطب امرأة كانت قد نذرت؛ حصل لها مرض إن شفاها الله عز وجل أن تذهب إلى المسجد الأقصى وتصلي فيه، فقالت لها: صل في هذا المسجد؛ في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة).فيكون على هذا احتمال أن يكون فيه شيء من التصحيف أو التحريف، أي: اللفظ، وأن الحديث أصله أن ميمونة قالت لامرأة: صلي، ويحتمل أن يكون على ما جاء هنا: من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: استفهام، وتبين أو تريد أن تبين الفضل لمن صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
بيان اختلاف العلماء في المراد بالمسجد الحرام
وقد جاء في الحديث: (إلا مسجد الكعبة)، وجاء في بعض الأحاديث: (إلا المسجد الحرام)، بلفظ: (المسجد الحرام)، ومسجد الكعبة هو المسجد المحيط بالكعبة، ويحتمل أن يكون المراد بذلك المسجد الحرام مطلقاً. والمسجد الحرام اختلف العلماء في المراد به، هل يراد به المسجد المحيط بالكعبة؟ أو يراد به مكة كلها، وأنها يقال لها: المسجد الحرام، وأن التضعيف يكون لمن صلى في أي مكان منها؛ لأن مكة كلها يقال لها: المسجد الحرام؟ وقد قال بهذا جماعة من أهل العلم، وقال بعضهم بأن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد المحيط بالكعبة. وإطلاق المسجد الحرام على مكة كلها جاء في القرآن، ومن ذلك قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فإن المسجد الحرام ليس المراد به المسجد المحيط بالكعبة، وإنما يراد به مكة كلها، فالكفار لا يجوز أن يدخلوا مكة، والله عز وجل يقول: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، وهو إنما أسري به من بيت من بيوت مكة، فأطلق على مكة كلها أنها المسجد الحرام، فلهذا فإن بعض أهل العلم يقولون: إن قوله: (إلا المسجد الحرام)، يراد به مكة كلها، وأن الصلاة فيها بمائة ألف صلاة.أما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه جاء تقييده، وعلى هذا فلا يتعدى إلى المدينة، وعلى غير مسجده صلى الله عليه وسلم، بل يكون التضعيف خاصاً في مسجده صلى الله عليه وسلم، وأما المساجد الأخرى والأماكن الأخرى التي هي خارج مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها لا تكون داخلة ضمن مسجده عليه الصلاة والسلام، والتضعيف الذي ورد في الحديث إنما هو لمسجده خاصة، ولكن ليس المراد بالمسجد هو المسجد الذي كان في زمنه فقط، وأن الزيادات التي زيدت عليه بعد ذلك لا يكون لها هذا الفضل، نعم، قال بهذا بعض أهل العلم: أن التضعيف خاص بالمسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وأن الزيادات التي زيدت عليه يختلف حكمها عما كان في زمنه، ولكن القول الواضح الجلي: أن الزيادات لها حكم المزيد، وأن الإضافات التي تضاف إلى المسجد مهما وسع المسجد، ومهما زيد في مساحته، سواء كان مغطىً أو مكشوفاً ما دام أن الجدران والأبواب تحيط به، فإن ذلك يشمله التضعيف، وأن الصلاة في الجميع بألف صلاة، والدليل على هذا أن الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما زادا في المسجد من جهة الأمام؛ من الجهة القبلية، ومعلوم أن عمر وعثمان خليفتان راشدان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )، والصحابة أقروهما على ذلك، ولم ينكروا عليهما، والإمام يصلي في الزيادة، والصفوف الأول تكون في الزيادة، فلولا أن الزيادة لها حكم المزيد ما كان عمر وعثمان يزيدان المسجد من جهة الأمام، ويحرمان الإمام والصفوف الأُول من ألف صلاة، ويكون التضعيف إنما هو للصف العاشر، أو ما وراء ذلك، لكن لما زاداه من جهة الأمام، والصحابة متوافرون ولم ينكروا ذلك، والإمام يصلي في الزيادة، والصفوف الأول في الزيادة دل هذا على أن الزيادة لها حكم المزيد، وأن المسجد مهما وسع، ومهما أضيف إليه من التوسعات، ما دام أن الجدران والأبواب تحيط به، سواء كان مغطى أو مكشوفاً فإن كل ذلك يدخل تحت اسم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة في الجميع بألف صلاة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ).
تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) يعني المسجد النبوي
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر عنه النسائي، واسمه من الأسماء المفردة التي لم يشاركه أحد في هذه التسمية، يعني: من رجال الكتب الستة فليس له مشارك فيقال لمثل هذا النوع الأسماء المفردة، يعني: التي هي قليلة الاستعمال أو نادرة الاستعمال، وهو ثقة ، إمام ، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث]. وهو ابن سعد المصري ، الفقيه، المحدث، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، إمام، مشهور بالحديث والفقه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن نافع ].وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ].وهو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وهو صدوق، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وفي هذه النسخة أنه يروي عن ميمونة، وفي بعض النسخ أنه يروي عن ابن عباس، وهو يروي عن عم أبيه عبد الله بن عباس ؛ لأن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، فـعبد الله بن عباس هو عم أبيه؛ لأنه عم عبد الله بن معبد ؛ لأن معبد هو أخو عبد الله بن عباس، وهو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب، فهو يروي عن عم أبيه عبد الله بن عباس، وعلى هذا فيكون ابن عباس يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وعن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.وذكر أن إبراهيم بن عبد الله بن معبد روى عن ميمونة مباشرة وبدون واسطة، وعلى هذا فيكون ما جاء في هذه النسخة أنه من قبيل المتصل، وما جاء في بعض النسخ أنه عن ابن عباس، فيكون بينه وبينها واسطة، وميمونة بنت الحارث الهلالية هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
الصلاة في الكعبة

شرح حديث ابن عمر في صلاة النبي في الكعبة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة في الكعبة.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، صلى بين العمودين اليمانيين ) ].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب الصلاة في الكعبة، أي: في داخل الكعبة، وأورد فيها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، يعني: حاجب الكعبة، فأغلقوا عليهم الباب، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج، قال ابن عمر : كنت أول من ولج، أو في أول من ولج، يعني: أول من دخل البيت، فسألت بلالاً، وكان بلال ممن دخل معه في الكعبة، ومن المعلوم أن الذين معه هم الذين يعرفون ماذا فعل، وهل صلى أو لم يصل، فسأل عن الصلاة: هل صلى فيه؟ يعني: بادر ابن عمر وسأل بلالاً : هل صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين.فالصلï؟½ ï؟½ة في الكعبة الدليل عليها هو هذا الحديث الذي يقول فيه بلال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيها، أي: في الكعبة، بين العمودين اليمانيين، والصلاة إنما هي نافلة، وقد ثبتت السنة بذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه تنفل بها، وأما بالنسبة للفرض فلم يأتِ عنه أنه صلى فيها، والعلماء اختلفوا في الفرض: هل تصلى في الكعبة في داخلها أو لا تصلى؟ فمنهم من قال: إنها لا تصلى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى فيها، وإنما صلى نافلة فقط، ومنهم من قال: يصلى فيها؛ لأن ما جاء في النفل يسري على الفرض. والنفل الحديث الذي ساقه المصنف هو دال عليه، وأما بالنسبة للفرض فلم يأتِ شيء يدل عليه، فالأولى من الأقوال هو عدم الصلاة في الكعبة، يعني: الفريضة. ومن المعلوم أن الحجر هو من الكعبة، وكان على قواعد إبراهيم، ولكن قريشاً لما قصرت بهم النفقة أخرجوا مكان الحجر منها، فكان جزءاً من الكعبة، فالطواف يجب أن يكون من ورائه ولا يجوز أن يكون من داخله، ومن طاف من داخل الحجر فإن طوافه غير صحيح؛ لأنه يعتبر ما طاف بالبيت، ومن صلى في الحجر كأنه صلى في البيت؛ لأنه من الكعبة.ثم أيضاً يدل الحديث على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص الشديد، والتتبع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وأغلق عليه الباب حرص الذين لم يكونوا معه على أن يعرفوا ماذا فعل في داخلها، هل صلى أو لم يصل؟ فـ ابن عمر رضي الله عنه سأل بلالاً: هل صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على حرص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على معرفة السنن، وعلى معرفة الحق والهدى الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنهم تحملوا السنن وأخذوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخذها بعضهم عن بعض، وأدوها وبلغوها لغيرهم كما تحملوها وكما تلقوها، فكان لهم هذا الفضل العظيم، الذي هو كونهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن كل حق وهدى وصل إلى الناس إنما جاء عن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإن ما حصل من ابن عمر من مبادرته إلى سؤال بلال: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ دال على ما ذكرت.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة النبي في الكعبة
قوله: [ أخبرنا قتيبة ]. وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا.[ حدثنا الليث ]، وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا أيضاً.[ عن ابن شهاب ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، كما أنه مشهور بالنسبة إلى جده الأعلى زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب، الذي هو أخو قصي بن كلاب، ويلتقي مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي بن كلاب أخوه زهرة بن كلاب، وجده شهاب هو جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فهو جد جده.وهو أي: الزهري إمام، جليل، من الفقهاء، ومن المحدثين، ومن أوعية العلم، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز في زمن خلافته بأن يجمع السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيره كان قد اشتغل بجمعها بجهود خاصة، إلا أنه كلف من الخليفة ومن الإمام في وقته عمر بن عبد العزيز بجمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول السيوطي في ألفيته:أول جامع الحديث والأثرابن شهابٍ آمراً له عمريعني: أول من قام بجمعه بتكليف من الدولة، وأما جمعه وكتابته فقد كانت موجودة في الصحابة، وموجودة في غير الصحابة، ولكن كونه يتم عن طريق تكليف من الدولة، إنما كان من عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، للزهري رحمة الله تعالى عليه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن سالم ].وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عن عبد الله وأبيه وعن الصحابة أجمعين، ورحم الله سالماً وسائر علماء المسلمين. وسالم هذا هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر هذا، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأما الستة الباقون الذين هم لا خلاف في عدهم، فهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب. [ عن أبيه ].وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد الصحابة المشهورين، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن العبادلة الأربعة المشهورين بهذا اللقب أربعة، هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير؛ لأنهم من صغار الصحابة، وعاشوا واستفاد الناس منهم، والذين يسمون عبد الله كثير، ومن أشهر من يسمى عبد الله: عبد الله بن مسعود، وليس من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وأما هؤلاء فقد عاشوا، وكانوا من صغار الصحابة وعمروا وأدركهم الكثير من التابعين، ورووا عنهم، ولهذا اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة. وهو أيضاً أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِوحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:52 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه

شرح حديث عبد الله بن عمرو في فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن ابن الديلمي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ) ].وهنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه.والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ).وقد عقد النسائي هذه الترجمة، وأورد تحتها هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة؛ سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وحين فرغ من بناء المسجد سأل الله عز وجل أن من أتاه لا ينهزه إلا الصلاة أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).والنسائي رحمه الله أورد الحديث من أجل الجملة الأخيرة التي فيه، وهي: أن سليمان سأل هذه المسألة؛ أن من أتى هذا المسجد لا ينهزه إلا الصلاة فيه، يعني: لا يخرجه ولا يحركه ولا يجعله يتجه إلى هذا المسجد إلا لهذا الغرض، وهو الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، والحديث رواه ابن ماجه، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقد أوتي الخصلتان الأوليان، وأرجو أن يكون أوتي الثلاثة )، والنسائي رحمه الله، أورده للاستدلال به على فضل المسجد الأقصى، وفضل الصلاة فيه من أجل الجملة الأخيرة التي فيه، وقد عرفنا في حديث قريب: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله أبو ذر : أي مسجد وضع أول؟ فقال: المسجد الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قال: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة )، وقد عرفنا عند ذكر ذلك الحديث أن بعض العلماء استشكل كون إبراهيم هو باني المسجد الحرام، وباني الكعبة، وكون سليمان هو باني المسجد الأقصى، وأن بينهما أربعين سنة، ومن المعلوم أن المدة التي بين إبراهيم وبين سليمان مدة طويلة، وأنه أجيب بأجوبة من أفضلها: أن بناء إبراهيم وبناء سليمان للمسجدين إنما هو تجديد، وليس البناء لأول مرة، بل كان بناؤهما قبل ذلك، وإبراهيم إنما هو مجدد للبناء، وسليمان إنما هو مجدد لبناء المسجد الأقصى. والحديث فيه: أن سليمان سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه، يعني: حكماً يوافق حكمه، أنه إذا اجتهد في مسألة من المسائل يوافق اجتهاده حكم الله عز وجل، وقد أوتي ذلك. ومن الأفراد الدالة على هذا المعنى العام ما جاء في سورة الأنبياء: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:78-79]، يعني: كلاً من داود وسليمان، ففيه تفهيمه للحكم وإصابته في اجتهاده، وهو من أفراد ما يدل عليه هذا الحديث أنه سأل الله حكماً يصادف حكمه، وسأل الله عز وجل أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وقد حصل ذلك، فإنه حصل له ملك ما يحصل لأحد من بعده، ولا ينبغي لأحد من بعده، وقد جاء في القرآن وجاء في السنة النصوص الواضحة الجلية في تمكين الله عز وجل له، وتسخير الطير، وتسخير الجن والإنس، وتسخير الحيوانات لتنفيذ ما يريده، كما جاء ذلك مبيناً في القرآن، ومن المعلوم أن قصة إحضار عرش بلقيس من اليمن، وكان ذلك في وقت يسير، كما جاء مبيناً في سورة النمل، هذا الذي حصل له ما حصل لأحد من بعده، حتى في هذا العصر الذي حصلت فيه هذه الحضارة المادية، وحصل فيه ما حصل، فالذي حصل لسليمان عليه الصلاة والسلام هو فوق هذه الأشياء التي حصلت في هذا الزمان، فأعطي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، حيث سخرت له الطير، وسخرت له الريح، وسخرت له الجن والإنس، وكما جاء في القرآن الشياطين منهم البناء ومنهم الغواص، فمنهم الذي يبني البنيان، ومنهم الذي يغوص في البحار؛ كل ذلك تسخيراً لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه
قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].وهو النسائي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه النسائي وحده، وهو نسائي؛ من بلد النسائي.[ حدثنا أبو مسهر ].وهو عبد الأعلى بن مسهر، يعني: كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وهذا من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن من لا يعرف أن كنيته توافق اسم أبيه، وكان يعرفه مشهوراً بنسبه، فإذا سمع عبد الأعلى بن مسهر، وهذا مشهور عنده، ثم رآه مرة أخرى: عبد الأعلى أبا مسهر، يظن أن (أبا) تصحيف من (ابن)، وهو ليس بتصحيف، بل هو صواب؛ لأنه أبو مسهر وهو ابن مسهر، فإذا قال: أبو مسهر فهو صواب، والكل صواب؛ لأنه هو أبو مسهر وهو ابن مسهر؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه، وعبد الأعلى بن مسهر هذا ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ].وهو سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، وذاك دمشقي أيضاً الذي هو عبد الأعلى بن مسهر، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي هو أيضاً ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن ربيعة بن يزيد ].وهو الدمشقي أيضاً، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي إدريس الخولاني].واسمه عائذ الله بن عبد الله، وهو ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن كبار الصحابة، وقال عنه سعيد بن عبد العزيز التنوخي الذي جاء في الإسناد: عالم الشام بعد أبي الدرداء ، مشهور بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن الديلمي ].هو عبد الله بن فيروز، وهو ثقة من كبار التابعين، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ عن عبد الله بن عمرو ].وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين مر ذكرهم قريباً عند ذكر عبد الله بن عمرو، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه

شرح حديث: (صلاة في مسجد رسول الله أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)
[ فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين، وكانا من أصحاب أبي هريرة : أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ( صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد، قال أبو سلمة وأبو عبد الله : لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعنا أن نستثبت أبا هريرة في ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة ذكرنا ذلك، وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك، حتى نسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه، فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكرنا ذلك الحديث والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة، فقال لنا عبد الله بن إبراهيم : أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني آخر الأنبياء، وإنه آخر المساجد ) ].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر، وكانا من أصحاب أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: (صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد)، يعني: هذا اللفظ الذي ساقاه يشعر بأنه من كلام أبي هريرة وأنه لفظ أبي هريرة؛ لأنه قال: (فإنه آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد)، فهذا يشعر بأن اللفظ هو لفظ أبي هريرة وليس لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول أبو سلمة وأبو عبد الله الأغر: إننا لم نشك أن أبا هريرة يقول من حديث رسول الله، لكنهم ما ضبطوا النص، فمضت الأيام دون أن يستثبتوا من أبي هريرة، وأن يسألوه حتى يتثبتوا من كون أبي هريرة صرح بأنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن هذا لو لم يصرح فيه أبو هريرة بأنه مضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكان له حكم الرفع؛ لأن هذا من الأمور التي ليس للرأي فيها مجال، فله حكم الرفع، وهم قالوا: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يستثبتوا، ومضت الأيام دون أن يستثبتوا.فلما مات أبو هريرة تلاوموا فيما بينهم كيف أنهم لم يستثبتوا من أبي هريرة، ثم جالسوا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكروا ما حصل لهما من عدم استثباتهما، ومن تفريطهما في عدم سؤال أبي هريرة للتثبت، فقال: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإني آخر الأنبياء، ومسجدي آخر المساجد )، يعني: الآن الضمير يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الكلام هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد )، ولفظ أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر : فإنه آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد، معناه أنه من كلام أبي هريرة، لكن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ يقول: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فإني آخر الأنبياء، ومسجدي آخر المساجد )، يعني: فالذي فات أبا سلمة وأبا عبد الله الأغر أدركاه بواسطة عبد الله بن قارظ، حيث روى لهما، وحيث شهد بأنه سمع من أبي هريرة أنه يصرح بإضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكر الحديث بالضمائر، حيث قال: ( فإني آخر الأنبياء، وإنه آخر المساجد )، يعني: مسجده عليه الصلاة والسلام.والأحادï؟½ ï؟½ث جاءت بالتنصيص على تفضيل الصلاة في مسجده، وأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، في أحاديث أخرى صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً حديث أبي هريرة هذا ثابت من جهة أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ سمع من أبي هريرة إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافته الحديث إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو دال على ما ترجم له المصنف من جهة إثبات فضل هذا المسجد وفضل الصلاة فيه، وأن الصلاة الواحدة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، والإطلاق الذي فيه يشمل الفرض والنفل، فالفريضة بألف فريضة، والنافلة بألف نافلة.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة في مسجد رسول الله أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)
قوله: [ أخبرنا كثير بن عبيد ].وهو الحمصي , وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ حدثنا محمد بن حرب].وهو أيضاً الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الزبيدي].وهو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة, ثبت، وهو من كبار أصحاب الزهري .[ عن الزهري ].وقد تقدم ذكره قريباً، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، يعني: يأتي مرة منسوباً إلى جده زهرة كما هنا، ويأتي منسوباً إلى جده شهاب كما مر.[ عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر ].أبو سلمة هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع كما مر قريباً في سالم بن عبد الله بن عمر؛ لأننا ذكرنا أن السابع قيل: هو سالم، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .وأبو عبد الله الأغر . اسمه سلمان أبو عبد الله الأغر، وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة.[عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أو إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ].يعني: جاء هكذا وهكذا، وقال ابن حجر : وهم من ظن أنهما اثنان، بل هو واحد يقال فيه: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ويقال فيه: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وهو صدوق, خرج له البخاري في الأدب المفرد , ومسلم ,وأبو داود , والترمذي , والنسائي، ولم يخرج له ابن ماجه .[ عن أبي هريرة] .وأبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً , الذين عرفوا بكثرة الحديث، وهم الذين ذكرتُ أن السيوطي قال فيهم:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِوالله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
الأسئلة

المقصود بقول النبي: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة)
السؤال: ما معنى الحديث الصحيح: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )، وفيم تكون الرؤيا له صلى الله عليه وسلم في اليقظة؟الجواب: الحديث: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )، قيل في معناه: أن هذا قاله لمن كان موجوداً في زمانه ولم يكن رآه، فإنه من رآه في المنام فسيراه في اليقظة، فيطابق بين ما رآه في اليقظة وبين ما رآه في المنام، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتشبه الشيطان به على هيئته التي هو عليها، فمن رآه على الهيئة التي هو عليها فإنما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل في معناه: أن هذا محمول على ما كان في زمانه، وقيل: إنه محمول على أن من رآه في المنام فسيراه في اليقظة، يعني: في الدار الآخرة، وأنه يكون هذا الذي رآه، يعني: في اليقظة، مطابقاً لهذا الذي رآه في منامه، هذا هو المقصود منه, وهذا إذا كان الذي رآه مطابقاً للهيئة التي هي معروفة عن أصحابه، والتي ذكرها أصحابه، أما إذا رآه على هيئة غير الهيئة التي وصفها أصحابه فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في شمائل الترمذي : أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال له رجل من التابعين: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: صف لنا هذا الرجل الذي رأيت، فوصفه، فلما وصفه، قال: لو كنت رأيته كما رأيناه ما زدت على هذا الوصف شيئاً، معناه: أن هذا الذي رآه مطابق للذي يعرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن رآه في المنام على الهيئة التي وصفها أصحابه فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الشيطان لا يتمثل به، ولكن من رآه على هيئة أخرى ليست هي هيئة الرسول صلى الله عليه وسلم التي يعرفها أصحابه، بأن رأى رجلاً قزماً صغيراً فهذا ليس رسول الله؛ لأن الرسول متوسط، ومن رآه عملاقاً فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول متوسط؛ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، فهذا هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رأى أحد رسول الله ما عليه لحية فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب لحية، وكان كث اللحية عليه الصلاة والسلام.الحاصل: أن من رآه على هيئته التي يعرفها أصحابه فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رآه على هيئة أخرى فليس هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
حكم صلاة من صلى مستقبلاً الحجر ومستدبراً الكعبة
السؤال: صلى رجل في الحجر واتجه إلى جهة الشمال وظهره إلى الكعبة، بحجة أن الحجر من البيت فهل فعله صحيح؟الجواب: على كلٍ ما كان ينبغي له هذا، ولو كان من البيت، يعني: عليه أن يستقبل البناء الأكثر الموجود. وعلى كل: الصلاة صحيحة، ما دام أنه في ذات الكعبة، مثلما لو صلى في الكعبة، وهو مستقبل الباب، ولكن لا ينبغي هذا.

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:53 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(127)

- (تابع باب فضل مسجد النبي والصلاة فيه) إلى (باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه)

بيّن الشرع الحكيم فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وأنه المسجد الذي أسس على التقوى، وبيّن فضل مسجد قباء والصلاة فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إليه راكباً أو ماشياً، وجعل الصلاة فيه تعادل عمرة، وهو المسجد الذي أسس على التقوى على رأي بعض العلماء.
تابع فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه

شرح حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) ].هذه الترجمة التي عقدها النسائي رحمه الله هي: فضل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وقد أورد فيه الحديث المتقدم، حديث أبي هريرة، وهو يدل على فضله عموماً، أي: أن كل ما يطلق عليه المسجد، فإن التضعيف يحصل فيه، كما عرفنا ذلك سابقاً، ثم بعد ذلك أورد بعض الأحاديث التي تتعلق بشيء خاص منه، لا تتعلق به عموماً، ولكن تتعلق بجزء منه، أو بشيء خاص منه، وهو الروضة الواقعة بين المنبر وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي آل الأمر بعد ذلك إلى أن يكون فيه قبره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا أورد هذا الحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ).والمراد ببيته: هو حجرة عائشة التي هي محاذية للمنبر؛ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت بيوته عليه الصلاة والسلام -التي هي حجر زوجاته رضي الله تعالى عنهن- متجاورة، ولكن حجرة عائشة هي التي محاذية للمنبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، والحديث جاء بهذا اللفظ، وجاء في بعض الروايات: ( ما بين منبري وبيت عائشة )، وجاء في بعض الروايات: ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة )، لكن هذا لم يثبت، وما جاء لعله روي بالمعنى؛ لأن الحجرة التي هي بيته -وهي حجرة عائشة رضي الله عنها- قبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك لو ثبت يكون مروياً بالمعنى، مع أنه لم يثبت، وإنما الذي ثبت: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ). وقوله صلى الله عليه وسلم: (روضة من رياض الجنة)، العلماء منهم من قال: إن هذا على حقيقته، وإن هذا أو هذه البقعة -التي هي الروضة- تؤول إلى الجنة، أو أنها من الجنة، ومنهم من قال غير ذلك، والله تعالى أعلم بالمراد.وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، يدل على فضل هذه البقعة، وعلى تميزها على غيرها من المسجد، وهذا إنما يكون في النوافل دون الفرائض، أما الفرائض فإن الصفوف التي أمامها، والتي هي قبلها بعدما زيد المسجد في عهد عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، من الجهة القبلية، والصفوف الأُول التي أمامها، صلاة الفريضة فيها أفضل من صلاتها بالروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها )، فهذا يدل على تفضيل الصف الأول مطلقاً، أو الصفوف الأول التي أمامها، والتي هي متقدمة عليها إلى جهة القبلة هي أفضل منها، بل إن ميامن الصفوف أفضل من مياسر الصفوف، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بيان فضل ميامن الصفوف، وميامن الصف: التي هي محاذية للروضة وليست في الروضة، يعني: غربي المنبر، أفضل في صلاة الفريضة من الصلاة في الروضة؛ لأن الروضة تقع في مياسر الصف، وما كان على اليمين، فإنه يقع في ميامن الصف، وكانت ميامن الصف التي هي غربي المنبر موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأحاديث الدالة على ذلك، فدل على أن ما كان أمام الروضة أفضل منها، وكذلك ميامن الصفوف التي هي محاذية للروضة، تكون أفضل منها، وهذا إنما هو في الفريضة.أما بالنسبة للنافلة، فإن هذه البقعة يشملها عموم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )، يشملها ويشمل غيرها، لكن هذا الحديث يدل على خصوصيتها، وأنها روضة من رياض الجنة، وأن هذا وصف أُطلق على هذه البقعة الواقعة بين البيت والمنبر، فيكون لها ميزة، ويكون لها فضيلة على غيرها من المسجد، ولكن هذا إنما يكون في النوافل، وليس في الفرائض كما ذكرت، وإنما الفرائض الصفوف الأول، وما كان من ميامن الصفوف غرب الروضة فصلاة الفريضة في ذلك أفضل، وأما بالنسبة للنافلة: فلكونها متميزة على غيرها بهذه الميزة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، يدل على أن النافلة فيها أفضل من النافلة في سائر المسجد، ولكن إذا كان الإنسان عندما يصلي في تلك البقعة -التي هي الروضة- لا يؤذي أحداً؛ لأنه إذا كان الوصول إليها لا يترتب إلا بالأذى، وبإلحاق الضرر بالناس، فإن الصلاة فيها مستحبة، وإلحاق الأذى والضرر بالناس حرام، والإنسان لا يجوز له أن يُقدم على أمر مستحب يرتكب في سبيل الوصول إليه إثماً، أو يحصل إثماً، أو يلحق ضرراً بالغير، فإن ذلك لا يسوغ للإنسان إذا كان سيترتب عليه مضرة إيذاء أحد من الناس، وهذا مثل تقبيل الحجر الأسود، هو مستحب، لكن إذا كان الوصول إليه لا يتأتى إلا بإيذاء أحد من الناس، فإنه لا يجوز للإنسان أن يرتكب الأمر المحرم ليصل إلى أمر مستحب، بل يترك الأمر المستحب ما دام أنه لا يصل إليه، أو يعلم أنه لا يصل إليه إلا بارتكاب أمر محرم وهو إيذاء الناس، فصلاة النافلة في الروضة لا شك أن لها ميزة لهذا الحديث، ولكن حيث لا يلحق ضرراً بأحد، وحيث لا يترتب على صلاته فيها أو الذهاب إلى صلاته فيها إيذاء أحد من الناس في سبيل الوصول إلى هذه البقعة.
تراجم رجال إسناد حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والنسائي يكثر من الرواية عن هذا الشيخ الذي هو قتيبة، بل إن أول حديث أورده النسائي في سننه شيخه فيه هو قتيبة بن سعيد، وكثيراً ما يمر بنا ذكر شيخه: قتيبة بن سعيد، فإن النسائي رحمه الله مكثر من الرواية عنه. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو ابن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، صاحب المذهب الذي هو أحد المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وغير هؤلاء الأربعة كما هو معلوم من العلماء لهم اجتهادات، ولهم أقوال اجتهدوا فيها، ولهم منازل عالية، ومكانة رفيعة، ولكن هؤلاء الأربعة حصل لهم من الأصحاب والأتباع الذين عنوا بجمع أقوالهم وبترتيبها وتنظيمها ما لم يحصل لغيرهم، فمن أجل ذلك اشتهرت هذه المذاهب، ولا يعني أن غيرهم من الأئمة والعلماء ليسوا كذلك، وأنهم دونهم، أو يقلون عنهم، ليس الأمر كذلك، وإنما اشتهار هذه المذاهب لكونه حصل لها أصحاب عنوا بهذه المذاهب، وبجمع الأقوال فيها، وبترتيبها وتنظيمها والتأليف فيها، فاشتهرت هذه المذاهب الأربعة لذلك، وإلا فإن العلماء المجتهدين الآخرين لهم أقوال، وهي مبثوثة في الكتب، لا سيما الكتب التي تعنى بجمع أقوال فقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فإن الدارس لكتب الفقه التي تعنى بذكر الأقوال للفقهاء في مختلف العصور، وكذلك الرجوع إلى كتب التفسير، وكذلك الرجوع إلى كتب شروح الحديث، فإنهم يذكرون الأقوال المختلفة عن هؤلاء الأربعة وعن غيرهم، مثل سفيان الثوري، ومثل الأوزاعي، ومثل إسحاق بن راهويه، ومثل إبراهيم النخعي، وكذلك الليث بن سعد، وغيرهم من الفقهاء الذين اشتهروا بالأمصار في الأزمان المختلفة، وتشتمل مثل هذه الكتب التي أشرت إليها على أقوالهم وعلى آرائهم، لكن -كما ذكرت- هؤلاء الأربعة حصل لهم من الأصحاب والأتباع الذين عنوا بتدوين أقوالهم، والتأليف في مذاهبهم، فحصل اشتهار هذه المذاهب.
الموقف من الأئمة بين الغلو والجفاء
من المعلوم أن هؤلاء الأئمة الأربعة كغيرهم من الفقهاء المجتهدين, يصيبون ويخطئون، ولا يقال: إن الحق مع واحد بعينه، فإن هذا لا يقال في واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال في حق من جاء بعدهم؟! وإنما الذي يجب أن يعتقد في حق الجميع -هؤلاء الأئمة الأربعة، وغيرهم من العلماء المجتهدين- أنهم بذلوا وسعهم، وأنهم أتعبوا أنفسهم في البحث والتنقيب للوصول إلى الحق، وإلى معرفة الحق بدليله، وهم لا يعدمون أن يكونوا مأجورين، إما أجرين إذا كانوا مصيبين، وإما أجراً واحداً إذا كانوا مخطئين؛ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر )، وهذا يدل على أن المصيب والمخطئ كلهم على أجر، وكلهم على خير، وكلهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، المجتهد المصيب له أجران: أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته، والمجتهد المخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور، هذا هو الذي يجب أن يعتقد في الأئمة وفي غيرهم، ولا يجوز الغلو ولا الجفاء، فلا يغلو فيهم أو في أحد منهم بأن يقال: الحق مع فلان، وأن الدليل يكون مع فلان، وأنه لو كان في المسألة دليل لما خفي على فلان، لا يجوز أن يقال هذا؛ هذا غلو، وكذلك الجفاء لا يجوز، ليس للإنسان أن يجفو، وأن يتكلم في حق الأئمة الأربعة وغيرهم بكلام لا يليق، وإنما يحترمهم ويعظمهم ويستفيد من علمهم، ويرجع إلى كتبهم، لكن لا يكون التعويل على قول واحد منهم بعينه، وإنما يكون التعويل على ما يدل عليه الدليل؛ لأن هذا هو الذي أوصوا به، وهذا هو الذي رغبوا فيه وحثوا عليه رحمة الله عليهم، فـأبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد، كلٌ منهم جاء عنه أنه يقول: إذا وجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على خلاف ما جاء عنه، فإنه يترك ما جاء عنه، ويصار إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وما ذاك إلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يجب تجريد المتابعة له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وما يأتي به وحي يوحيه الله عز وجل إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو الذي قوله لا يجوز لأحد أن يعدل عنه إذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].فلا يجوز الغلو ولا الجفاء، لا يقال: إن فلان عنده العلم المحيط بكل شيء، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يخفى عليه، وأنه مصيب دائماً، وأنه لا يخطئ، فهذا لا يجوز أن يقال في أحد، وكذلك أيضاً لا يقال: أن الأئمة الأربعة وغيرهم لا يرجع إلى أقوالهم، بل يرجع إلى أقوالهم، ويرجع إلى كتبهم، ويستفاد من علمهم، وقد قال الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: إن الإنسان مع الأئمة الأربعة ومع غيرهم، يستعين بهم على الوصول إلى الحق، ويستفيد من علمهم ما يصل به إلى الحق. وضرب لذلك مثلاً فقال: إن هذا مثل النجم الذي يستدل به الإنسان إلى القبلة إذا كان في الفلاة، وإذا كان في مكان لا يعرف القبلة، فإنه يستدل على القبلة بالنجم، فإذا وصل إلى القبلة وصار عند الكعبة، لا يحتاج إلى أن ينظر في السماء، يبحث عن القبلة في النجوم؛ لأن القبلة أمامه، فكذلك العلماء رحمة الله عليهم يستعان بهم، ويستفاد منهم في الوصول إلى الدليل، والوصول إلى الحق، والوصول إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إذا وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه عند ذلك لا يحتاج إلى أن يؤخذ بقول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا هو الذي أوصى به الأئمة الأربعة، ومما قاله الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.الحاصل: أن الواجب على طلبة العلم وغيرهم بالنسبة للعلماء - الأئمة الأربعة وغيرهم - أن يحترموهم، ويوقروهم، ويثنوا عليهم، ويعظموهم، ويستفيدوا من علمهم، ويستفيدوا من كتبهم، لكن الحق وسط بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء، ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. هذه كلمة جميلة قالها الطحاوي رحمة الله عليه في العقيدة التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الأثر والخبر: الذين هم المحدثون، وأهل الفقه والنظر: الذين هم الفقهاء، لا يذكرون إلا بالجميل، وعلماء السلف لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، يعني: غير سبيل المؤمنين الذين يثنون على أهل العلم، ويستفيدون من أهل العلم، ويرجعون إلى كلام أهل العلم، هذه كلمة استطرادية عند ذكر الإمام مالك رحمة الله عليه، وبيان ما يجب أن يكون عليه طالب العلم نحو العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، وأن الإنسان يعظمهم ويستفيد منهم، وأن يحذر من الغلو ومن الجفاء، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، يقول الخطابي :ولا تغل في شيء من الأمر واقتصدكلا طرفي قصد الأمور ذميمُالذي هو الإفراط والتفريط؛ لأن الحق وسط بين الطرفين، الذي هو طرف الجفاء وطرف الغلو، طرف الإفراط وطرف التفريط، ولهذا الإنسان إذا رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة في المسائل المختلفة في العقيدة، يجد أنهم متوسطون بين جفاة وغلاة، أو بين مُفَرطّين ومُفْرِطين، بين غالين وجافين، والإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة التي قال عنها الإمام البخاري رحمه الله: إنها أصح الأسانيد، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر، فهو: إمام جليل محدث فقيه مشهور، انتشر علمه، واستفاد الناس من علمه على مختلف العصور.
تابع تراجم رجال إسناد حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)
قوله: [عن عبد الله بن أبي بكر].هو ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني الأنصاري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عباد بن تميم].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.يروي عن [عبد الله بن زيد بن عاصم المازني]، وهو عمه أخو أبيه لأمه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا الإسناد الذي معنا في هذا الحديث وهو: قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد .. كل هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان عن عمار الدهني عن أبي سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة ) ].أورد النسائي رحمه الله هنا حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة )، رواتب: جمع راتبة، والراتب: هو المنتصب المستقر على شيء، والمراد بذلك كما بينه الحديث الذي قبله هو: روضة من رياض الجنة، فقوائم منبره رواتب، يعني: منتصبة في هذه البقعة التي هي روضة من رياض الجنة، أو هذا المكان الذي هو روضة من رياض الجنة، والكلام فيه كالكلام في الحديث الذي قبله، وهو قوله: (روضة من رياض الجنة)، والله تعالى أعلم بمعناه، هل يكون أنه أصله من الجنة، أو أنه ينقل ويذهب به إلى الجنة بعد ذلك، أو غير ذلك؟ الله تعالى أعلم. ومن العلماء من قال: إن فيه تشبيه حذفت فيه الأداة، وهو الذي يسمونه التشبيه البليغ الذي يذكر فيه المشبه والمشبه به، وتحذف منه الأداة ووجه الشبه، يعني: أنه كروضة من رياض الجنة، من العلماء من قال هذا؛ وذلك لما يحصل فيه من الاشتغال بالعبادة، والتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم بالمراد.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[حدثنا سفيان].وهو ابن عيينة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمار الدهني].وهو عمار بن معاوية أبو معاوية الدهني، وهو صدوق، يتشيع، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد فقهاء التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع؛ لأنه كما ذكرت سابقاً أن الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب في عصر التابعين يقال لهم: الفقهاء السبعة، عندما تأتي مسألة من المسائل في كتب الفقه، يقال: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، الفقهاء السبعة في عصر التابعين هم ستة متفق عليهم، والسابع فيه ثلاثة أقوال، فالستة المتفق عليهم: سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: إن السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من قال: إن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف , ومنهم من قال: إن السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذه ثلاثة أقوال في السابع من الفقهاء السبعة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن الذي معنا في هذا الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع من الفقهاء السبعة.وقد ذكرهم ابن القيم رحمه الله، وذكرهم العلماء في كتب مصطلح الحديث، يذكرونهم عندما يأتون بذكر التابعين، يذكرون منهم الفقهاء السبعة، عندما يأتي بحث التابعين، أو المبحث الخاص بالتابعين في علم المصطلح، يذكرون الفقهاء السبعة هؤلاء فيهم، وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لأنه بدأه بالفقهاء من الصحابة ومن بعدهم في البلاد المختلفة، ولما جاء عند ذكر المدينة، في عصر التابعين، وذكر الفقهاء من التابعين، ذكر منهم الفقهاء السبعة، ولكنه ذكر أن السابع هو: أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر اشتمل البيت الثاني على ذكر السبعة، وهذان البيتان هما:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل: هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةهذا البيت الثاني يشمل هؤلاء السبعة، الاسم الأول، يقول: هم عبيد الله: وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة: هو عروة بن الزبير، وقاسم: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد: هو سعيد بن المسيب، وسليمان: هو سليمان بن يسار، وخارجة: هو خارجة بن زيد بن ثابت .وحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عند أصحاب الكتب الستة.[عن أم سلمة ].وأم سلمة أم المؤمنين، وهي: هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها موجود في الكتب الستة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:53 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
ذكر المسجد الذي أسس على التقوى

شرح حديث: (تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى ... فقال رسول الله: هو مسجدي هذا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر المسجد الذي أسس على التقوى:أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عمران بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا ) ].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: المسجد الذي أسس على التقوى، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: ( أنه تمارى رجلان )، أي: تجادلا، فقال أحدهما: (إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، قال الثاني: إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: هو مسجدي هذا)، فهذا الحديث يدل على أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن ذكر المسجد الذي أسس على التقوى عند ذكر مسجد الضرار، ومسجد الضرار الذي أسس هو قريب من مسجد قباء، ولهذا من العلماء من قال: المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، ومنهم من قال: إنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إن كلاً من المسجدين يوصف بأنه أسس على التقوى، أو أنه مؤسس على التقوى، وممن ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة عليه فإنه قال: إن مسجد قباء هو أسس على التقوى، وكذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسس على التقوى، فما جاء في القرآن من قوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108]، قال: إنه يراد به مسجد قباء، ويراد به مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل منهما أسس على التقوى، قال: ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم فيه، يعني: في مسجده يوم الجمعة، ثم يذهب إلى قباء فيقوم فيه يوم السبت، وكان عليه الصلاة والسلام يذهب إليه كل سبت راكباً وماشياً كما جاء في بعض الأحاديث، وفي بعضها الإطلاق أنه كان يذهب إليه راكباً وماشياً كما في الحديث الذي سيأتي.فإذاً: الحديث يدل على أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أسس على التقوى، وهو صريح في ذلك، وكذلك ما جاء في ظاهر القرآن من أن مسجد قباء أسس على التقوى أيضاً كذلك، وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية : أن ذلك يطلق عليهما معاً، وأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ثم يذهب إلى قباء فيقوم فيه يوم السبت، فيه امتثال للقرآن، أو بيان لما جاء في القرآن من أنه أحق أن يقوم فيه، وأنه كان يقوم في هذا وفي هذا، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد ذكر ابن تيمية رحمة الله عليه مما يشبه هذا: أن آية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، فإن السياق في حق أمهات المؤمنين، ثم إنه لما نزلت هذه الآية جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين، وجعل الكساء عليهم وقال: ( إن هؤلاء أهلي )، فإذاً: الآية تدل على أن أمهات المؤمنين هن من أهل البيت كما هو ظاهر القرآن، وكما أن السياق في حقهن، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، هم داخلون ضمن أهل البيت الذين تشملهم الآية.فإذاً: ابن تيمية رحمه الله ذكر هذا الذي هو مسجد قباء مع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذكر هذه الآية التي هي آية التطهير، وأنها كما أنها تشمل أمهات المؤمنين -لأن السياق في حقهن- فكذلك أيضاً بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل أيضاً على أنها شاملة لـعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عن الجميع.
تراجم رجال إسناد حديث: (تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى... فقال رسول الله: هو مسجدي هذا)
قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره في الإسنادين السابقين.[حدثنا الليث].وهو الليث بن سعد المصري، فقيه مصر ومحدثها، وأحد الأئمة المشهورين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمران بن أبي أنس].وهو العامري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن ابن أبي سعيد].وهو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وأبوه مشهور بكنيته، واسمه: سعد بن مالك بن سنان الخدري وعبد الرحمن بن أبي سعيد ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبيه].وهو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو: سعد بن مالك بن سنان، صحابي مشهور من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفهؤلاء سبعة من الصحابة أكثر من غيرهم حديثاً.
فضل مسجد قباء والصلاة فيه

شرح حديث: (كان رسول الله يأتي قباء راكباً وماشياً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل مسجد قباء والصلاة فيه.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكباً وماشياً ) ].أورد هنا النسائي فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، وأورد فيه حديث: ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى قباء راكباً وماشياً، يعني: أحياناً راكباً، وأحياناً ماشياً، وجاء في بعض الروايات: (أنه كان يذهب إليه كل سبت)، وقوله: كل سبت، يحتمل أن يكون المراد كل أسبوع, ويحتمل أن المراد يوم السبت، وهذا هو الذي أشار إليه ابن تيمية في كلامه الذي ذكرته آنفاً؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ثم يذهب إلى مسجد قباء فيقوم به يوم السبت، ومن العلماء من يقول: إن المراد بذلك أسبوع، أنه يذهب إليه كل سبت، يعني: كل أسبوع، والأسبوع يطلق عليه سبت، ويطلق عليه جمعة، ولهذا جاء في الحديث في قصة خطبة استسقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر يوم الجمعة؛ أنه لما دخل رجل وقال: ( هلكت الأموال... فادع الله أن يغيثنا، فسأل الله عز وجل، فنشأت سحابة وأمطرت قبل أن يذهبوا إلى منازلهم )، واستمرت أسبوعاً إلى يوم الجمعة الثانية، ولهذا جاء في الحديث: ( فما رأينا الشمس سبتاً )، يعني: أسبوعاً، فيحتمل أن يكون المراد بالسبت الذي جاء في بعض الروايات الصحيحة أنه يوم السبت، ويحتمل أن يكون المراد به الأسبوع، وأنه يقال عن الأسبوع: سبت، كما يقال عنه: جمعة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إليه راكباً وماشياً، وهذا يدل على استحباب زيارته، واستحباب قصده لمن كان في المدينة، لكن لا يأتي الإنسان ويشد الرحل من بلد من أجل مسجد قباء؛ لأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد، لكن من جاء إلى المدينة لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو جاء لغرض من الأغراض، ووصل إلى المدينة، فإنه يستحب له أن يذهب إلى مسجد قباء ويصلي فيه، وقد ثبتت مشروعية واستحباب الذهاب إليه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فعله، وهذا الحديث الذي معنا هو من فعله عليه الصلاة والسلام، وكان يذهب إليه راكباً أحياناً، وأحياناً يذهب إليه ماشياً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأتي قباء راكباً وماشياً)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر، والأحاديث التي مرت اليوم كلها عن قتيبة، أربعة أحاديث مضت وشيخه فيها قتيبة بن سعيد، ولهذا كما قلت: هو مكثر من الرواية عن شيخه قتيبة .[عن مالك].وقد مر ذكره أيضاً في الحديث الأول من الأحاديث الأربعة هذا اليوم.[عن عبد الله بن دينار] .وهو عبد الله بن دينار المدني، مولى عبد الله بن عمر؛ ولهذا يقال له: العدوي ولاءً، يعني: نسبة إلى عبد الله بن عمر العدوي، من بني عدي، وهو- عبد الله بن دينار- ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فالمولى الذي حصلت له النعمة يُقال له: مولى من أسفل، والذي حصلت منه النعمة يقال له: مولى من أعلى، فكلمة: (مولى) من الأضداد، تطلق على السيد المنعِم، وعلى المنعَم عليه، يقال: هذا مولى، ويقال: هذا مولى، ولهذا كلمة: (مولى) تطلق على المولى من أعلى والمولى من أسفل، فـعبد الله بن عمر هو مولاه من أعلى، وعبد الله بن عمر هو أحد الصحابة المشهورين، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد رباعي، هو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات كما عند البخاري والترمذي وابن ماجه ، البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، ومسلم ليس عنده ثلاثيات، وأعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، والنسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا هو من أعلى ما عند النسائي من الأسانيد العالية ، والتي بين النسائي فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
شرح حديث: (من أتى هذا المسجد مسجد قباء فصلى فيه كان له عدل عمرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا مجمع بن يعقوب عن محمد بن سليمان الكرماني قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول: قال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من خرج حتى يأتي هذا المسجد مسجد قباء، فصلى فيه كان له عدل عمرة ) ].أورد النسائي حديث سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من خرج حتى يأتي هذا المسجد مسجد قباء، فصلى فيه كان له عدل عمرة )، يعني: ما يساوي عمرة أو يماثل عمرة، وهذا يدل على فضل هذا المسجد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا مشروعية الذهاب إلى مسجد قباء، جاءت من فعله ومن قوله، فالحديث الأول من فعله، وهذا الحديث من قوله، بل هذا الحديث فيه الترغيب، وفيه بيان فضل الصلاة فيه، وأن من ذهب وصلى فيه صلاة، فإنه كعدل عمرة، وهنا الصلاة مطلقة، فسواء كان صلى فرضاً أو صلى نفلاً، فإنه يدخل تحت عموم هذا الحديث، وهو كما ذكرت يدل على فضل الصلاة في هذا المسجد الذي هو مسجد قباء.
تراجم رجال إسناد حديث: (من أتى هذا المسجد مسجد قباء فصلى فيه كان له عدل عمرة)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وهذا حديث خامس شيخه فيه قتيبة، فأحاديث اليوم كلها شيخه فيها قتيبة، وقد مر.[حدثنا مجمع بن يعقوب] .وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي.[عن محمد بن سليمان الكرماني] .وهو المدني القبائي، ونزل كرمان فنسب إليها، وهو مقبول، خرج له النسائي، وابن ماجه .[عن أبي أمامة].وهو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وهو مشهور بكنيته، واسمه أسعد، ويقال: سعد، وله رؤية، يعني: أنه ثبتت له رؤية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا هو معدود في الصحابة من حيث الرؤية، وأنه من صغار الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، والذين لم يرووا عنه، ولم يسمعوا منه، فهو معدود في صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه سهل بن حنيف].رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة

حكم شرب الماء في صلاة النافلة
السؤال: ما حكم شرب الماء في النافلة، أي: في صلاة النافلة؟الجواب: الإنسان في صلاة النافلة عليه أن يعمل فيها مثلما يعمل في الفريضة، فلا يشرب الماء فيها، وإنما يقبل عليها كما يقبل على الفريضة، وليس له أن يشرب، وليس له أن يعمل الأعمال التي لا تسوغ في الصلاة، يعني: النفل مثل الفرض. مداخلة: يقول: أنه وجد أثراً عن عمر أنه فعل ذلك.الجواب: ما أدري عن صحته.
من جامع زوجته ناسياً في صيام النفل
السؤال: ما حكم من جامع ناسياً في صيام نفلٍ، هل يتم صيامه؟الجواب: لا أدري، لكن كما هو معلوم بالنسبة للنافلة ليس عليه شيء فيه، يعني: من حيث الكفارة.
حكم قول: سيدنا محمد في صلاة الجنازة
السؤال: هل يجوز أن نقول في صلاة الجنازة: اللهم صل على سيدنا محمد؟الجواب: تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم، لا شك أنه سيد البشر، وسيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن الألفاظ التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتصر عليها، ولا يزاد فيها شيء، على الإنسان أن يحرص على أن يؤديه كما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام هو سيدنا، وسيد البشر، وسيد ولد آدم، بل هو سيد الأولين والآخرين كما جاء عنه في حديث الشفاعة، حيث قال: ( أنا سيد الناس يوم القيامة )، ثم ذكر حديث الشفاعة، وأن الناس يجتمعون في صعيد واحد، ويموج بعضهم في بعض، ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم ليخلصهم مما هم فيه، فينتهي الأمر إلى أن كل واحد من الذين طلبت منهم الشفاعة قبله، يعتذر حتى ينتهي الأمر إليه، ويقول: أنا لها، فيشفع ويشفعه الله، ويأتي الله لفصل القضاء، ويحصل سؤدده وفضله على الجميع، وهو سيد الناس في الدنيا والآخرة، لكن قال: ( أنا سيد الناس يوم القيامة )؛ لأنه ذلك اليوم الذي يظهر سؤدده على الناس، وأما في الدنيا ففيهم المتجبر، وفيهم المتكبر، وفيهم الكفار، لكن يوم القيامة يجتمع الخلق كلهم من آدم إلى الذين تقام عليهم الساعة، فيشفع فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع )، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
حكم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بُعد
السؤال: ما وجه الإنكار على من يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم عن بعد؟ وما دليل وجوب التسليم أو السلام على النبي مواجهة القبلة أو القبر؟الجواب: معلوم أن الإنسان عندما يأتي إلى القبر ويريد أن يسلم على صاحبه فيأتي إلى جهة الأمام؛ يأتيه من جهة أمامه، وعبد الله بن عمر الذي جاء عنه من الصحابة: أنه إذا قدم من سفر يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأبيه، كان يقف من جهة الأمام، فيسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسلم على أبي بكر، ثم يسلم على أبيه عمر رضي الله تعالى عن الجميع، وأما السلام من بعد، فهذا ما فيه شيء يدل عليه، ثم أيضاً هو يخالف ما كان معروفاً عن الصحابة في حياته؛ لأنه ما كان الواحد منهم يسلم عليه من بعد، الرسول كان قبل أن يتوفاه الله وهو بين أصحابه أو يكون في حجرته، ما وجد واحداً يقف في طرف المسجد، أو أي مكان يستقبل الحجرة التي فيها الرسول، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الحجرة، في حياته ما كانوا يفعلون هذا، وإنما كان الواحد يأتي حتى يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه ويقول: السلام عليك يا رسول الله، فكذلك بعد وفاته عندما يسلم الإنسان يقف مستقبلاً القبر، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالسلام من بعد ما فيه شيء يدل عليه، ما كانوا يفعلون هذا معه في حياته، وكذلك ما كان معلوماً عنهم أنهم يفعلونه معه بعد وفاته، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو محدث مبتدع.
حكم الاحتباء يوم الجمعة
السؤال: ما حكم الاحتباء يوم الجمعة؟الجواب: الاحتباء فيه احتمال، يعني: يكون الإنسان يحصل منه النعاس، ثم يحصل منه انتقاض الوضوء بالريح التي تخرج منه؛ لأنه غير متمكن، المحتبي غير متمكن من الجلوس، فيمكن أنه يحصل منه نعاس فيحصل منه انتقاض الوضوء، وإذا انتقض الوضوء وذهب يتوضأ، فاتته الخطبة أو يفوته شيء من الصلاة، فكونه يؤدي إلى هذا الشيء، جاء النهي عنه.
معنى قولهم: ورجاله رجال الصحيح
السؤال: ما معنى قوله: ورجاله رجال الصحيح؟الجواب: المقصود برجاله رجال الصحيح، يعني: أن هؤلاء الرواة الذين جاءت الرواية عنهم في غير الصحيحين هم رجال الصحيح، يعني: إذا جاء الإسناد عند النسائي فيه قتيبة، وفيه مالك، وفيه.. كذا، رجاله رجال الصحيح؛ لأن هؤلاء هم من رجال الصحيح، يعني: خرج لهم صاحبا الصحيح، معناه: أن كل واحدٍ منهم هو من رجال الصحيح.
الفرق بين الحديث المرسل والمنقطع وبين الأثر والخبر
السؤال: ما هو الحديث المرسل والمنقطع؟ وما الفرق بين الأثر والخبر؟الجواب: المرسل عند المحدثين: هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المرسل في اصطلاح المحدثين، هذا هو المشهور في تعريف المرسل: ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهو من قبيل الضعيف، أو من قبيل المردود عند العلماء، المشهور من أقوال العلماء: أنه ليس بثابت، وإنما يكون من قبيل المردود إذا ما جاء إلا من هذا الطريق، لماذا؟ لأن المحذوف الذي بين التابعي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون صحابياً، ويحتمل أن يكون تابعياً، وعلى احتمال أنه تابعي يحتمل أن يكون ثقة، وأن يكون ضعيف، فإذاً: احتمال الضعف موجود، يعني: ليس الإشكال أنه يكون ساقط صحابي، لو علم أنه ما سقط إلا الصحابي ما فيه إشكال؛ لأن الصحابة لا يؤثر جهالتهم؛ لأنهم عدول والجهالة فيهم لا تؤثر، يكفي أن يقال عن الواحد منهم: عن رجل صحب رسول الله وإن لم يعلم شخصه، لكن بالنسبة لغيرهم لا بد من معرفة شخصه وحاله، فيعتبر من قبيل المردود؛ لأنه يحتمل أن يكون الساقط صحابي، وأن يكون تابعي، وعلى احتمال أنه تابعي يحتمل أن يكون ذلك التابعي الساقط الذي روى عنه ذلك التابعي ثقة، أو أن يكون ضعيفاً، فمن أجل هذا الاحتمال صار من قبيل المردود، ومن قبيل غير الثابت، وأما عند الفقهاء -وهو يستعمل أيضاً عند المحدثين- فهو يراد به الانقطاع، إذا قال: أرسل، روى عمن لم يلقه، معناه: فيه انقطاع، فعند المحدثين المشهور: أن المنقطع ما كان فيه سقوط في أثناء الإسناد، سواء كان متفرق، أو الساقط واحد، يقال له: منقطع، هذا عند المحدثين، والمرسل هو: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند الفقهاء المرسل أعم، يشمل المرسل عند المحدثين، ويشمل المرسل في أثناء الإسناد الذي هو الانقطاع؛ لأنه أعم، وإذا قيل: أرسل فلان، وفلان يرسل أو كثير الإرسال، يعني: معناه أنه يروي عمن فوقه، يروي عمن لم يلقه، والرواية عمن لم يلقه تكون مرسلة؛ ليست متصلة. والفرق بين الأثر والخبر، قيل: إن الخبر والأثر بمعنى واحد، وقيل: إن الأثر هو ما انتهى إلى الصحابي أو إلى التابعي، يعني: ما انتهى إلى الصحابي والتابعي يقال له: أثر، وهذا هو الذي اشتهر، يعني: يقال: الأحاديث والآثار، عندما يقال: الأحاديث والآثار، يقصدون بالآثار المأثور عن الصحابة والتابعين، هذا يقال له: الآثار، ومنهم من يطلق الأثر كما يطلق الخبر، وأن ذلك يشمل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن غيره.
مدى صحة قول: إن الدين الإسلامي من التراث
السؤال: هل يصح القول: بأن الدين الإسلامي هو من التراث، وإن صحت هذه العبارة فما تعريف كلمة: تراث؟الجواب: الدين الإسلامي كما هو معلوم هو الدين الذي جاء به نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو الوحي الذي أوحاه الله إليه كتاباً وسنة، هذا هو الدين، لكن يطلق على كتب الحديث التي هي أحد نوعي الوحي، الوحي الذي هو غير متلو، يطلق عليها كتب التراث، يعني: التي خلفها لنا الأسلاف، والتي ورثناها عنهم، يعني: هذا هو المقصود منها، لكن لا يقال عن الدين: إنه تراث، وإنما يقال: عن كتب السنة هي كتب التراث، يعني: التي خلفها لنا أصحابها الذين ألفوها فيطلق عليها التراث، وهي خير ميراث، ومن المعلوم أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ميراثه، والعلماء ورثة الأنبياء، و(العلماء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فإذا قصد بالتراث ميراث النبوة، فميراث النبوة هو الكتاب والسنة، هذا الذي ورث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي هو ميراث عام مشاع؛ ذلك أن الأنبياء إنما جاءوا لهداية البشر، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولهذا ما جاءوا به ميراثهم لا يختص به أقرباءهم، إنما هو للناس كلهم، مشاع مشترك.
فوات دعاء الاستفتاح للمسبوق في الصلاة
السؤال: إذا أدرك المصلي الصلاة بعد التكبير للركوع في ركعة من الركعات، ثم قام للركعة الثانية، فهل يلزمه دعاء الاستفتاح؟الجوا ب: لا، لا يلزمه دعاء الاستفتاح؛ لأن دعاء الاستفتاح سنة فات محلها.
معنى وصف الراوي بالتشيع
السؤال: ذكرتم في عمار الدهني: أنه يتشيع، فما المقصود بهذا التشيع؟الجواب: ما أذكر، لكن المعروف عن التشيع هو التشيع الذي لا يؤثر ولا يضر، يعني: مثلما قال الذهبي في أول كتابه الميزان: أن الجماعة الذين يوصفون بوصف التشيع، أنه ليس المراد بهم الغلاة، وليس المراد بهم الذين يسبون أبا بكر وعمر، فهؤلاء لا يروى عنهم ولا كرامة، فالتشيع معناه: أنهم عندهم ميل إلى أهل البيت، لكن لا يعني ذلك أنهم يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسبون أبا بكر وعمر .
شواهد في ثبوت أجر العمرة لمن صلى في مسجد قباء
السؤال: هل لـمحمد بن سليمان الكرماني متابع من حيث ثبوت أجر العمرة لا العمل وحده؟الجواب: الحديث جاء بألفاظ مختلفة، ما أذكر الآن.. يعني: أذكر أن من طرقه: ( من تطهر في بيته ثم ذهب إلى قباء لا يخرجه إلا الصلاة، ثم صلى فيه صلاة كان كعدل عمرة )، فأنا ما أذكر الآن، لكن الحديث ثابت، واستدل به العلماء على فضل الصلاة في مسجد قباء.والمقبول المقصود به عند ابن حجر : أنه الذي يحتاج إلى متابع، ومن المعلوم أن هذه كلمة ابن حجر، أيضاً؛ الحكم هذا هو حكم ابن حجر، لكن على رأي ابن حجر يحتاج إلى متابع.

ابوالوليد المسلم 28-11-2019 05:54 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(128)


- (باب ما تشد الرحال إليه من المساجد) إلى (باب نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً)

إن أفضل البقاع إلى الله هي المساجد، وأفضلها المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والنبوي وبيت المقدس، فلا تشد الرحال إلا إليها، وأما غيرها فلا يجوز شد الرحال إليها بقصد التبرك بها أو اعتقاد فضلها، وأما إن كان شد الرحال من أجل زيارة أخ ونحو ذلك فلا بأس.
ما تشد الرحال إليه من المساجد

شرح حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ما تشد الرحال إليه من المساجد.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) ].يقول النسائي رحمه الله: (ما تشد إليه الرحال من المساجد).الترجمة معقودة لبيان المساجد التي يشرع شد الرحال إليها، والتي للمسلم أن يسافر من أجلها، وقد أورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )، وهذا الحديث واضح الدلالة على الترجمة؛ لأن الحديث دل على أن السفر، وشد الرحل للوصول إلى بقعة، أو الوصول إلى أرض من أجل فضلها، ومن أجل ميزتها إنما يكون لهذه المساجد الثلاثة.وعلى هذا فإن السفر للوصول إلى أرض من أجل التقرب إلى الله عز وجل فيها لذاتها إنما يكون لهذه الأماكن الثلاثة، فلا تشد الرحال إلى مقابر في مكان معين من الأرض، ولا تشد الرحال للوصول إلى بقعة من أجل فضلها، ومن أجل قداستها وميزتها، فإن ذلك لا يكون إلا لهذه المواضع الثلاثة، أو لهذه المساجد الثلاثة التي بينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.أما إذا كان السفر ليس من أجل فضل الأرض، ولا من أجل ميزة الأرض، ولا من أجل التقرب إلى الله عز وجل في أرض معينة، وإنما يكون السفر المقصود منه زيارة أخ، أو كذلك طلب علم، أو ما إلى ذلك فإن السفر مطلوب ولا مانع منه، وإنما المنع في قصد بقعة من الأرض لذاتها، فإن هذا لا يكون إلا لهذه المساجد الثلاثة التي هي: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، فهي التي تشد إليها الرحال، والحديث دال على فضل هذه المساجد الثلاثة، وعلى ميزتها، ودال على أنه لا تشد الرحال إلا إليها.وقوله: (لا تشد الرحال)، الرحال: جمع رحل، وهو ما يوضع على البعير، ويركب عليه الراكب، وهو للبعير بمنزلة السرج للفرس؛ لأن الذي يوضع على الفرس ليركب عليه الراكب يقال له: سرج، والذي يوضع على البعير ليركب عليه الراكب يقال له: رحل، والرحل له أعواد، وقد جاء في سترة المصلي أنها تكون مثل مؤخرة الرحل، وهي: العود الذي يكون في الرحل؛ ليستند عليه الراكب، فهذا هو مؤخرة الرحل التي جاء ذكرها في سترة المصلي، فهو شيء بارز وشيء بيّن يصلي إليه المصلي، وقد مثل به النبي صلى الله عليه وسلم للسترة، وأنها مثل مؤخرة الرحل.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...)
قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].سبق أن عرفنا فيما مضى أن محمد بن منصور من شيوخ النسائي، وله شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور، وكل منهما روى عن سفيان بن عيينة، ولكن هناك شيء يستدل به على تعيين أحدهما، وتمييزه عن الآخر إذا جاء غير منسوب، وكذلك فيما إذا كان سفيان غير منسوب.ومحمد بن منصور أحدهما المكي، والآخر طوسي، فـمحمد بن منصور الجواز هذا مكي، ومحمد بن منصور الطوسي هذا طوسي، فنسبة كل منهما مختلفة من حيث البلد، ومن المعلوم أنه إذا جاء الإبهام فإنه يحمل على من يكون له بالشيخ صلة، وعلى من يكون له به علاقة، أو يكون من أهل بلده، ومن المعلوم أن سفيان بن عيينة مكي، ومحمد بن منصور مكي، فيحمل على أنه محمد بن منصور الجواز المكي ؛ لأن هذا هو الأقرب في أن يكون هو المراد، وأن يكون هو مقصود النسائي في قوله: محمد بن منصور الذي أهمله، ولم ينسبه النسبة التي يتميز بها عن الآخر.فإذاً: يحمل على أنه المكي؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، ومما يوضح أن سفيان هو سفيان بن عيينة أيضاً، كونه يروي عن الزهري، وسفيان بن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، وهو قريب منه في البلد؛ لأن الزهري في المدينة، وسفيان بن عيينة في مكة، فيحمل على أنه سفيان بن عيينة، وسبق أن عرفنا فيما مضى أن الثوري قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، وهنا الرواية عن الزهري مباشرة، فهو سفيان بن عيينة، ومحمد بن منصور الجواز ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.وأما سفيان بن عيينة فهو محدث مشهور، ثقة، حجة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب، أحياناً يأتي بلفظ الزهري، وأحياناً يأتي بلفظ ابن شهاب ويراد به محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يعني: شهاب جد جده، يعني: جد جد محمد بن مسلم.والزهري إمام جليل، ومحدث فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن سعيد ].وهو ابن المسيب، وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي هريرة ].وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو عبد الرحمن بن صخر على أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو صحابي جليل مشهور، أكثر الصحابة حديثاً، والمكثرون من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، وأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
اتخاذ البيع مساجد

شرح حديث طلق بن علي في اتخاذ البيع مساجد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ اتخاذ البيع مساجد.أخبرنا هناد بن السري عن ملازم حدثني عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي رضي الله عنه أنه قال: ( خرجنا وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض، ثم صبه في إداوة، وأمرنا فقال: اخرجوا، فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوها مسجداً، قلنا: إن البلد بعيد، والحر شديد، والماء ينشف، فقال: مدوه من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيباً، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها واتخذناها مسجداً، فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيء، فلما سمع الأذان قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد ) ].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب اتخاذ البِيَع مساجد، والبيع هي معابد أهل الكتاب، معابد اليهود أو النصارى يقال لها: بيعة، فهي محل العبادة التي يتعبدون بها.وقد أورد النسائي حديث طلق بن علي اليمامي رضي الله تعالى عنه، قال: ( قدمنا وفداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا معه، وقلنا له: إن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل وضوئه، فأمر بماء يتوضأ به، فتوضأ، ثم وضع فضل وضوئه في إداوة وأعطاهم إياها، وقال: اخرجوا، يعني: اذهبوا إلى بلدكم، وإذا وصلتم فاكسروا البيعة التي لكم، وانضحوا على مكانها من هذا الماء، وصلوا فيها، قالوا: يا رسول الله! إن المسافة بعيدة، والحر شديد، والماء ينشف، يعني: يتلاشى ويضمحل ويتبخر وينتهي، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيباً) )، يعني: أن هذا الماء الذي يضاف إلى هذا الماء الذي هو فضل وضوئه صلى الله عليه وسلم لا يزيد هذا الماء الجديد المضاف إليه إلا طيباً، يعني: أن البركة التي في هذا الماء الذي توضأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم تسري وتمتد إلى ذلك الماء المضاف إليه حتى لا ينشف، وحتى لا يتلاشى ويضمحل مع طول الوقت، ومع طول المسافة، ومع شدة الحر، فلما وصلوا فعلوا ما أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسروا البيعة، ونضحوا أرضها بالماء، واتخذوها مسجداً، أي: اتخذوا ذلك المكان -الذي هو مكان البيعة- مسجداً، وكان فيها راهب، فلما أذنوا فيها، وسمع ذلك الراهب صوت الأذان، - وكان من طيء - قال: دعوة حق، ثم إنه خرج واستقبل تلعة من تلاعهم فلم يروه بعد ذلك، والتلعة هي مجرى الوادي، أو التي تكون بين جبلين، فهذا يقال له: تلعة.والحديث مطابق لما ترجم له النسائي من اتخاذ البيع مساجد، حيث أن تلك البقعة التي كانت متعبداً لأهل الكتاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذها مسجداً، فبعدما كان يتعبد الله فيها على باطل، وعلى ضلال -كما هو معلوم من شأن النصارى؛ فإنهم يعبدون الله على جهل وضلال- صار يتعبد فيها المسلمون على حق وهدى، وعلى طريقة سليمة، وعلى هدى مستقيم؛ اتباعاً لما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث واضح الدلالة على الصلاة في المكان الذي كان بيعة ومتعبداً لأهل الكتاب، وأن كونهم تعبدوا فيه لا يؤثر ولا ضير فيه؛ لأن تعبدهم وإن كان بباطل إلا أنه خلفهم من يعبد الله عز وجل عليه بحق.وأما نضحه بالماء فذلك للبركة، وليس لكون الأرض نجسة.
تبرك الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم إن طلبهم منه أن يعطيهم فضل وضوئه هذا هو المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ أنهم كانوا يحرصون على فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام، وعلى ما يسقط من جسده الشريف من شعر، وما يخرج منه من بصاق ومخاط وعرق، فكانوا يتنافسون عليه، وكانوا يحرصون عليه، وكانوا يتسابقون إليه، وكان يعطيهم ذلك، ويمكنهم من ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو دليل على التبرك بما حصل من جسده الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو تبرك أصحابه الذين ظفروا بهذا منه، والذين شرفهم الله بصحبته والنظر إليه، والتمكن من أخذ شيء من شعره، ومن بصاقه، ومن عرقه، ومن فضل وضوئه صلى الله عليه وسلم، وتبركهم بذلك هو دليل دال على هذا، ولكن لا يقال: إن هذا دليل على جواز التبرك بالصالحين؛ وأنه يتبرك بالصالحين، أخذاً بهذا الحديث، فهذا ليس بصحيح؛ لأن هذا تبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره لا يقاس عليه، والدليل على هذا أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم الذين كانوا يتبركون بفضل وضوئه، وغير ذلك مما مس جسده صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا هذا مع أحد بعده عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلوا هذا مع أحد غيره عليه الصلاة والسلام، وخير الصحابة، وخير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومع ذلك ما فعل الصحابة، وما فعل التابعون الذين أدركوهم معهم مثلما كان الصحابة يفعلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أنه من خصائصه، وأنه لا يصح أن يقال: إن هذا دليل على جواز التبرك بالصالحين، وأن من كان معروفاً بالصلاح فإنه يتبرك بفضل وضوئه، أو يتبرك بعرقه، أو يتبرك ببصاقه، أو مخاطه، أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال إلا في حق الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن هذا هو الذي حصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يحصل منهم مع أحد غيره.وقد ذكر هذا الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وقال: إن الصحابة أجمعوا واتفقوا على فعل هذا معه، ولم يفعلوه مع غير خير الخلق، ولم يفعلوه مع أهل الفضل؛ الذين هم: أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة، فدل إعراضهم وعدم فعلهم مثل ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يفعل مع أحد غيره كما كان يفعل معه صلى الله عليه وسلم، بل إن هذا يكون من خصائصه، ولهذا بعض الشراح وبعض المؤلفين عندما يأتي مثل هذا الحديث الذي فيه التبرك برسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق ويقول: إن هذا فيه دليل على التبرك بالصالحين؛ لأن أهل الصلاح أو من كان في مقدمة أهل الصلاح؛ وهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم الذين هم مقدمة أهل الصلاح على الإطلاق ما فعلوا هذا مع خيرهم ومع أفضلهم أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عن الجميع، فدل هذا على فعل الصحابة ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من خصائصه، وأنه لا يتعداه إلى غيره، وأنه لا يفعل مع أحد غيره صلى الله عليه وسلم، بل يعتبر هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.والحديث عن طلق بن علي رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا).وعندما يذكرون ترجمة طلق بن علي يقولون: له وفادة، يعني: له وفادة على الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث يدل على وفادته؛ لأنه يقول: (خرجنا وفداً)، يعني: من بني حنيفة من اليمامة على الرسول صلى الله عليه وسلم، (فبايعناه، وصلينا معه)، بايعوه على الإسلام وصلوا معه عليه الصلاة والسلام، يعني: مدة من الزمان، وأخبروه بالذي في بلدهم من البيعة التي كان يتعبد بها أهل الكتاب، وأخبرهم ماذا يصنعون فيها، وأنهم يصلون في موضعها، وأنهم يتخذون ذلك الموضع مسجداً، وأن ذلك لا يؤثر.قوله: (فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض، ثم صبه في إداوة).هذا الفضل يحتمل أن يكون الذي تساقط من جسده وضع في طست، ثم صب في إداوة، ويحتمل أن يكون الذي بقي في الإناء بعد وضوئه؛ لأن يده الشريفة مسته، حيث غمسها فيه، فلامست يده الشريفة هذا الماء، فصار فيه بركة؛ لحصول ملامسة الرسول صلى الله عليه وسلم له، فلما أعطاهم إياها ليذهبوا بها إلى بلدهم قال: (انضحوا عليها من هذه الإداوة)، قالوا: إن المسافة بعيدة، والحر شديد، والماء ينتهي، فقال: (مدوه)، يعني: أضيفوا إليه ماء، يعني: من المدد، يضاف إليه ماء حتى لا ينتهي ذلك الماء، (فإنه) أي: الذي في الإداوة والذي هو فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام لا يزيد ذلك الماء الجديد المضاف الذي ألحق به أخيراً، لا يزيده إلا طيباً، يعني: أن ذلك الطيب وتلك البركة التي في ذلك الماء الذي مسه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أضيف إليه ماء فإنها تسري عليه وتشمله، وليس الماء الجديد إذا أضيف إلى ماء هو فضل وضوئه صلى الله عليه وسلم لا يحصل له هذا الفضل، ولا يحصل له هذه البركة، بل قال عليه الصلاة والسلام: (فإن ذلك لا يزيده إلا طيباً).
أمر النبي بنضح مكان البيعة بفضل وضوئه واتخاذه مسجداً
قال: (وأمرنا فقال: اخرجوا، فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوها مسجداً).وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث الطويل هذا، قال: (واتخذوها مسجداً)، ثم إن الصلاة في البيع -وهي معابد النصارى أو اليهود- العلماء اختلفوا في الصلاة فيها -يعني: في أماكن عبادتهم- فمنهم من أجازها مطلقاً، ومنهم من منعها مطلقاً، ومنهم من فصل: إذا كان فيها تصاوير فإنه لا يصلى فيها، وإذا كان ليس فيها تصاوير فإنه يصلى فيها، وقد ذكر الأقوال ابن القيم رحمه الله، في كتاب أحكام أهل الذمة، وهو كتاب نفيس، فهو مرجع عظيم فيما يتعلق بأحكام الكفار، ومعاملة الكفار، والتعامل مع الكفار، فهو من أحسن المراجع التي يرجع إليها، وقد بين فيه كثيراً من الأحكام المتعلقة بالكفار، والتعامل مع الكفار، ومن ذلك أنه ذكر ما يتعلق بالصلاة في البيع والكنائس، وذكر أقوال العلماء الثلاثة، وأن منهم كرهها مطلقاً، ومنهم من أجازها مطلقاً، ومنهم من فصل فيما إذا كان فيها تصاوير فإنه لا يصلى فيها، وإذا لم يكن فيها صور فإنه يصلى فيها، وذكر وجهات العلماء في هذه الأقوال المختلفة.والحاصï؟½ ï؟½ أن ذلك الكتاب نفيس، وطالب العلم يحتاج إليه في الرجوع إلى ما يتعلق بالكفار، وأحكام الكفار، والتعامل مع الكفار.قال: ( قلنا: إن البلد بعيد، والحر شديد، والماء ينشف، فقال: مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيباً، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها، واتخذناها مسجداً، فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيء، فلما سمع الأذان قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد ).قوله: (دعوة حق)، هذا لا يعني أنه دخل في الإسلام، وأنه أسلم، ومن المعلوم أن اليهود والنصارى يعلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى باعثه، وأنه يبعث رسول، وقد جاء ذكره في كتبهم، بل جاء ذكر الصحابة في كتبهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، كما جاء في آخر سورة الفتح: مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ [الفتح:29]، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وذكر أصحابه في الكتب السابقة، فهم يعلمون ذلك، وما كانوا يجهلون، ولكن الحسد والحقد هو الذي دفعهم إلى أن يعارضوه، أو لا يدخلوا في دينه، وأن يقول من قال منهم: إنه رسول إلى العرب خاصة، وليس رسولاً إليهم، وأن اليهود أتباع موسى، والنصارى أتباع عيسى، والعرب أتباع محمد، فكل هذا من الحسد، ومن الحقد الذي حصل منهم، والخذلان الذي حصل لهم. بقوله: (دعوة حق)، يعني هذا الذي قاله حق، وهذا لا يدل على أنه دخل في الإسلام، وإنما شهد بأن هذا الذي حصل حق، وهم يعلمون بأن الرسول حق، ولكنهم ما آمنوا به، ثم إنه استقبل تلعة من التلاع، وخرج وذهب ولم يروه، ومعناه: أنه ذهب ولا يعرفون عنه خبراً، ولا يقال -كما قال بعض الشراح-: إنه صار من رجال الغيب، يعني: مثلما يقال عن الخضر، وإنه موجود غائب، وما إلى ذلك، فإن هذا لا يصح، وليس بجيد، بل لا ينبغي أن يقال مثل هذا، وإنما هذا الرجل ذهب، ثم لا يعرفون عنه خبراً، فقد يكون هلك وأكلته السباع أو أكلته الذئاب، أو ما إلى ذلك.. أو لم يوقف له على خبر، ولكن ليس معنى ذلك أنه صار من أهل الغيب الذين يكونون في الدنيا ولا يعرف عنهم شيئاً، والناس لا يرونهم، مثلما يقال عن الخضر: إنه موجود، وإنه يطوف بالبلاد، وإن بعض الناس يراه، فصار فتنة لمن شاء الله تعالى فتنته من الناس.
تراجم رجال إسناد حديث طلق بن علي في اتخاذ البيع مساجد
قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].وهو هناد بن السري الكوفي، وكنيته أبو السري، فكنيته توافق اسم أبيه، وقد تكرر مثل هذا، وعرفنا أن فائدة معرفة هذا النوع -وهو معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه- أن لا يظن أنه لو ذكر بالكنية أنه تصحيف عن ابن، فلو قيل مثلاً: هناد بن السري، ووجد في بعض الأسانيد: هناد أبو السري، فالذي لا يعرف أن كنية هناد أبو السري يظن أن كلمة ابن صحفت وصارت أباً بدل ابن، والواقع أنه لا تصحيف، فحيث قيل: هناد بن السري صحيح، وحيث قيل: هناد أبو السري صحيح، ففائدة ذلك: حتى لا يظن التصحيف فيما إذا ذكر بالكنية، وهو معروف أنه ابن السري، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وقد تكرر مثل هذا، وأقرب ما مر بنا عمار الدهني الذي مر في الدرس الماضي، فهو ابن معاوية، وكنيته أبو معاوية، والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، وكنيته أبو عمرو، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث.وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن ملازم ].وهو ابن عمرو اليمامي من اليمامة، واليمامي واليماني متقاربة في اللفظ، ويأتي التصحيف أحياناً بين اليمامي واليماني، فإنه في بعض النسخ التي ترجمت لـملازم هذا قالوا: اليماني، وهو تصحيف، بل هو اليمامي نسبة لليمامة وليس لليمن، والتصحيف يأتي بين هذين اللفظين للتقارب فيما بينهما، وهو صدوق، خرج له أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له الشيخان البخاري، ومسلم .[ حدثني عبد الله بن بدر ].الحنفي اليمامي، فهو أيضاً من اليمامة، وهو ثقة، خرج له أصحاب السنن الأربعة.[ عن قيس بن طلق ].اليمامي أيضاً، الحنفي اليمامي، وهو صدوق، خرج له أصحاب السنن الأربعة.[ عن أبيه طلق بن علي ].وهو الصحابي الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى القصة، وحديثه خرجه أصحاب السنن الأربعة.إذاً فالإسناد فيه ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق بن علي، وهؤلاء الأربعة خرج لهم أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج لهم البخاري ولا مسلم، وكلهم من أهل اليمامة.
نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً

شرح حديث أنس في نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً.أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل في عرض المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ من بني النجار، فجاءوا متقلدي سيوفهم، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رضي الله عنه رديفه، وملأ من بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يصلي حيث أدركته الصلاة، فيصلي في مرابض الغنم، ثم أمر بالمسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاءوا، فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال أنس : وكانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالنخل فقطعت، وبالخرب فسويت، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وهم يقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة ) ].وهنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً. عقد النسائي هذه الترجمة وأورد فيها حديث أنس بن مالك في قصة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة نزل في عرضها، يعني: في ناحية من نواحيها، والمراد بها أرض قباء، وهي المكان الذي يسكن فيه بنو عمرو بن عوف من الأنصار، وهم أهل قباء، يعني: أنه نزل في منطقة قباء، ومكث فيها أربع عشرة ليلة، وبنى مسجد قباء، يعني: بدأ تأسيسه، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلب من بني النجار أن يأتوا إليه، فجاءوا متقلدي سيوفهم، ورافقوه في ذهابه إلى المدينة؛ إلى حيث أرض مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم نزل في فناء دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ونزل ضيفاً عليه، عليه الصلاة والسلام حتى بنيت الحجرات وبني المسجد، ثم انتقل من دار أبي أيوب الأنصاري إلى الحجرات، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن أبا أيوب كانت داره مكونة من طابقين، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم في الطابق السفلي، وهو في العلوي، ثم عزم عليه وألح على أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في الطابق العلوي، وأن يكون هو في الطابق السفلي؛ إكراماً للرسول صلى الله عليه وسلم، فنزل في فنائه، وفناء الدار هو: المكان الذي يكون أمامها؛ الذي يكون تابعاً لها أمامها، ثم إنه أمر بالمسجد، وكان لجماعة من الأنصار، فدعاهم وقال: ثامنوني، يعني: معناه اذكروا الثمن الذي تبيعون به، يعني: معناه حدثت مساومة بينه وبينهم ليشتريه منهم بثمن، فقالوا: لا نبغي ثمنه إلا من الله، يعني: معناه أنهم لا يريدون له ثمناً، وإنما يتنازلون عنه، ويتركونه يرجون ثواب الله عز وجل، قال أنس : وكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت، أي: أخرجت تلك العظام التي هي عظام المشركين، ووضعت في مكان آخر، ثم أمر بالخرب فسوي، وأمر بالنخل فقطع، ووضع في قبلة المسجد، وبنى مسجده صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وجعلوا عضادتيه من الحجارة، وهما الجانبان للباب، يعني: الذي يقوم عليها سقف الباب ويكون الباب بينهما، جعلوها من الحجارة، وكانوا ينقلون الحجارة وهم يرتجزون: (اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة). المقصود من الحديث قوله: (وكان فيه قبور المشركين فأمر بها فنبشت)، واتخذ مكانها مسجداً، يعني: مكان تلك الخرب، ومكان تلك النخل، وتلك القبور التي نبشت اتخذه مسجداً، فصار مسجده صلى الله عليه وسلم، فقوله: باب نبش القبور واتخاذها مساجد، أطلق المصنف هنا العبارة، يعني: بالنسبة للقبور، والحديث الذي أورده إنما هي قبور المشركين، ومعلوم أن المشركين لا حرمة لهم، فإذا نبشت قبورهم، وأخرجت عظامهم، وذهب بها إلى مكان آخر، واتخذ مكانها مصلى فإنه لا بأس به؛ لأن المشركين لا حرمة لهم، وعظامهم لو كسرت لا بأس بذلك، بخلاف المسلمين فإنه لا يصار إلى نقلهم ونبشهم إلا لضرورة تلجئ إلى ذلك.قوله: (وكان يصلي حيث أدركته الصلاة)، يعني: كانت الأرض له مسجداً وطهوراً، كما جاء ذلك في الحديث، وهو من خصائصه ومن خصائص هذه الأمة حيث قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء من قبلي -ومنها- وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره )، ويصلي في مرابض الغنم، وهذا يدل على طهارتها، وعلى عدم نجاستها، وهو دال على طهارة أبوالها أيضاً؛ لأن مرابضها هي موضع تبولها، فكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها يدل على طهارة أبوالها؛ لأنها لو كانت الأبوال نجسة لكانت الصلاة في مكان متنجس، فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما صلى في مكان طاهر، فدل على طهارة أبوال الغنم، وكذلك أبوال الإبل طاهرة، بل كل ما يؤكل لحمه فإن روثه وبوله يكون طاهراً، ومما يدل على ذلك كون النبي صلى الله عليه وسلم أذن للعرنيين بأن يشربوا من أبوالها لما أصابهم الوباء في المدينة، وأمرهم بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فكونهم يشربون من أبوالها دليل على طهارتها وعلى عدم نجاستها، ثم كذلك إدخاله البعير للمسجد الحرام وهو يطوف عليه، ومن المعلوم أن البعير عرضة لأن يحصل منه الروث والبول، ولولا أنه طاهر لما عرض النبي صلى الله عليه وسلم المسجد لأن يلوث بالنجاسة، فذلك دال على طهارة بوله وروثه، فقوله: كان يصلي في مرابض الغنم، يدل على طهارتها.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً
قوله: [ أخبرنا عمران بن موسى ].عمران بن موسى، وهو البصري، وهو صدوق، خرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.[ حدثنا عبد الوارث ].وهو ابن سعيد البصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي التياح ].وهي كنية اشتهر بها يزيد بن حميد الضبعي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولكنه مشهور بكنيته أبي التياح .[ عن أنس بن مالك ].وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة من الصحابة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بصري، وعلى هذا فالإسناد مسلسل بالبصريين، وأيضاً هو رباعي من رباعيات النسائي التي هي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص، فهو أعلى إسناداً عنده، وأقل رواة بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهذا الحديث منها؛ من الأحاديث الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند النسائي ؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات كما عرفنا ذلك في الدرس الماضي.

ابوالوليد المسلم 03-12-2019 02:43 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(129)


- (باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد) إلى (باب النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد)

حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد، وبين أن ذلك مستوجب للعنة، وبين أيضاً فضيلة المشي إلى المساجد وأجر ذلك، ونهى عن منع النساء من الذهاب إليها إن أردن ذلك، ولم يترتب عليه محذور شرعي.
النهي عن اتخاذ القبور مساجد

شرح حديث: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ النهي عن اتخاذ القبور مساجد.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر ويونس قالا: قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله: أن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، قال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ].يقول النسائي رحمه الله: النهي عن اتخاذ القبور مساجد.هذه الترجمة معقودة لبيان أن اتخاذ القبور مساجد مما نهى عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بل نهى عنه وكرر، وكان ذلك في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أن هذا الحكم محكم وأنه غير منسوخ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما عاش بعده مدة من الزمان حتى يكون فيه احتمال النسخ، بل كان ذلك في آخر لحظاته، وفي آخر أيامه عليه الصلاة والسلام، وهذا من كمال نصحه لأمته وشفقته عليها، وحرصه على إبعادها عن كل ما فيه خلل في عقيدتها، وفي سيرها إلى الله عز وجل.فقد حذر عليه الصلاة والسلام من اتخاذ القبور مساجد، وحذر من فتنة القبور والافتتان بها، والغلو بها وبأهلها، وقد جاء ذلك عنه عليه الصلاة والسلام في آخر حياته، كما في هذا الحديث الذي أورده النسائي، فإنه في حال النزع، وفي حال خروج الروح كان ينهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، بل أيضاً قبل هذا بمدة وجيزة، وفي مرض موته نهى عن ذلك نهياً بليغاً بعبارات مختلفة، وبتأكيدات متنوعة متعددة، وذلك في حديث جندب بن عبد الله البجلي الذي أخرجه مسلم في صحيحه، والمشتمل على جملتين، وعلى أمرين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل )، يقول جندب بن عبد الله البجلي : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -يعني: بخمس ليالٍ فقط، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وهذا الكلام قاله يوم الخميس الذي قبل يوم الإثنين- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك )، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته هاتين الكلمتين، أو هاتين الجملتين، إحداهما مبينة فضل أبي بكر وميزته على غيره، وفيه الإشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ لأن كونه يقول هذا الكلام في مرض موته، وقبل أن يموت بخمس ليالٍ فإنه ينوه بفضله، ويبين عظيم قدره، وأنه الشخص الوحيد الذي لا يساويه مساوٍ، ولا يدانيه مدان، حيث قال: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، لأن الله اتخذه خليلاً، لكنه لو كان هذا الحق لأحد، ولو كان هذا الاتخاذ حاصلاً لأحد، ما حصل لأحد غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فدل هذا على عظيم فضله، ودل هذا على الإشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يموت بخمس.والأمر الثاني يتعلق باتخاذ القبور مساجد، وهذا فيه التنبيه إلى تحذير هذه الأمة أن تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، وأن يحصل منها ما حصل من الأمم السابقة، من فتنة اتخاذ القبور مساجد، والغلو في الأنبياء والصالحين، فإن الأمرين كليهما يتعلقان بما يكون بعد موته عليه الصلاة والسلام.الأمر الأول: أبو بكر والتنبيه إلى أنه الأحق بالأمر من بعده، والأمر الثاني: فيما يتعلق باتخاذ القبور مساجد، وأن لا يُعمل معه ما عملت الأمم السابقة مع أنبيائها وصالحيها.فقوله عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد )، هذه جملة فيها تنبيه، ثم قال: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد)، ثم قال: (فإني أنهاكم عن ذلك)، وهذا تأكيد بعد تأكيد؛ لأن قوله: (ألا فلا تتخذوا)، نهي، وقوله: (إني أنهاكم) نهي كذلك، ولكنه نهي بصيغ متعددة، وبتأكيدات متنوعة؛ بصيغة النهي، وبلفظ النهي، بصيغة النهي التي هي لا الناهية وذلك في قوله: (ألا فلا تتخذوا)، وبلفظ النهي في قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك)، وهذا من كمال بيانه، ومن كمال نصحه وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا الكلام قاله قبل أن يموت بخمس ليالٍ، كما في حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم.
تحذير النبي من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد في آخر كلامه من الدنيا ودلالة ذلك
أما حديث عائشة وابن عباس، فإنهما يحكيان شيئاً حصل بعد هذا، بل في حال النزع، وفي حال قبض الروح.وعلى هذا : فهذا من آخر ما تكلم به، وأما آخره فإنه قال: ( اللهم في الرفيق الأعلى )، فهذا آخر ما تكلم به، وبعدها خرجت الروح، ولكنه قال وهو في النزع: ( لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد )، قال هذا متى؟ قال هذا وهو في النزع، تقول عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني: لما نزل به الموت.وقوله: (طفق يطرح خميصة له على وجهه)، (وطفق)، يعني: جعل خميصة، وهي كساء له أعلام فيه خطوط، وكان متغطياً به ومغط وجهه، فإذا اغتمَّ وحصلت حرارة، وحصل انحباس النفس كشفه، ثم بعد ذلك أعاده، يعني: يغطي وينزع، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، قال: (وهو كذلك)، يعني: في هذه الحالة التي يغطي وينزع ويغطي وينزع في حال خروج الروح من جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، يقول وهو كذلك : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)، ومقصوده صلى الله عليه وسلم من ذلك تحذير أمته أن تقع فيما وقعت فيه اليهود والنصارى، وأن تقع أمته فيما وقعت فيه الأمم السابقة، من الغلو في الأنبياء والصالحين، والوقوع فيما وقعوا فيه، ولكن الكلام الأخير الذي ما بعده كلام فهو: (اللهم في الرفيق الأعلى)، هذا هو الذي قاله، وبعد ذلك خرجت الروح، كما جاء ذلك عن عائشة، مبيناً في بعض الأحاديث، ولكن الحديث الذي معنا يبين أنه حذر من فتنة القبور وهو في النزع، وهذا -كما قلت- من كمال نصحه، وكمال بيانه وفصاحته وحرصه وشفقته على أمته من أن تقع في الأمر الذي يعود عليها بالمضرة.واللعن يدل على أن الفعل من الكبائر؛ لأن الكبائر عند العلماء هي الذنب الذي جعل عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة أو غضب أو نار، يعني: الذي جعل فيه وعيد، كأن لعن صاحبه، أو أن الله غضب عليه، أو أنه من أهل النار، هذه علامة الكبائر، فالكبائر أصح ما قيل في تعريفها، والفرق بينها وبين الصغائر: أن الكبائر هي الذنب الذي جعل عليه حد في الدنيا، يعني: كالقطع في السرقة، وكالجلد في الخمر وفي الزنا، وكذلك الرجم، أي حد من الحدود الشرعية المقدرة التي جاءت في الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه علامة الكبيرة، أو توعد عليها بغضب، أو لعنة، أو نار، وهنا توعد باللعنة: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، يعني: ثم بين سبب هذا اللعن، وأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.ومن المعلوم أن النصارى أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وعيسى هو آخر الرسل، وليس بينه وبين نبينا أحد، بل هو الذي يليه، وعيسى لم يمت، وإنما رفع إلى السماء، وسينزل من السماء في آخر الزمان، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتخذوا قبور أنبيائهم)، فالعلماء قالوا في الجواب عن هذا: إن الحديث جاء: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)، أن المقصود بالأنبياء، الأنبياء وأتباع الأنبياء الذين هم صالحو أتباع الأنبياء، وهذا هو الذي بينه حديث جندب : ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم وصالحيهم )، وهنا حصل الاكتفاء بذكر الأنبياء دون ذكر أتباعهم، وذكر الأتباع جاء مبيناً في حديث آخر: ( اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد )، فهذا مما قاله العلماء في كون عيسى الذي هو رسول النصارى، كونه رفع حياً وأنه لم يمت، وأنه لم يقبر، ولم يتخذ على قبره مسجداً؛ لأنه لم يمت حتى الآن؛ لأنه رفع وهو حي إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وسينزل في آخر الزمان كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والحديث كما هو واضح يدل على التحذير من هذا العمل، والتنفير منه، وأن ذلك يؤدي إلى الشرك؛ لأن الغلو في الأنبياء والصالحين يؤدي إلى صرف شيء لهم من حق الله عز وجل، وجعل لهم نصيباً في العبادة مع الله، والعبادة يجب أن تكون خالصة لله عز وجل، لا تركة لغيره فيها، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.إذاً: فالحديث صريح وواضح في النهي، بل بتأكيد النهي، وبيان أنه من الكبائر، وكما ذكرت في حديث جندب أن فيه تأكيداً بعد تأكيد، وبألفاظ مختلفة؛ بلفظ (لا) التي هي الناهية، وبلفظ النهي التي هي قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك)، و(إن) من أدوات التوكيد، فأُكد بـ(إن)، وكرر لفظ النهي بلفظ النهي بعد أن ذكر بصيغة النهي التي هي (لا) الناهية الداخلة على الفعل: ( ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ).ثم مما بلي به الناس، أو كثير من بلاد المسلمين في هذا الزمان البناء على القبور، وبناء المساجد على القبور، ودفن الموتى في المساجد، فلا يخلو قطر من أقطار البلاد الإسلامية -إلا ما شاء الله- إلا ويوجد قبور في المساجد حيث دفن الموتى في المساجد، كوّن لهم بنايات مزخرفة، وعُمل فيها ما فيه الغلو الذي يجعل بعض الناس يعظمون، ويقعون في الأمر المحرم الذي حذر منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس عندما يذكر له المنع من هذا، والتحذير من هذا يستدل أو يذكر وجود قبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مسجده، فيقول: كيف لا تبنى المساجد على القبور، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، ومسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها؟! وهذه شبهة هي من تسويل وتسويف الشيطان، ومن عمل الشيطان الذي يلحق الضرر بالإنسان، بحيث يزين له الباطل، ومن المعلوم أن مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه الكرام، وبنى حجراته بجواره، فكانت حجرات أمهات المؤمنين، ومنها حجرة عائشة يبيت الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ويجامع أهله، ويحصل في الحجر أمور لا تحصل في المسجد، فلما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام، دفن في حجرة عائشة ؛ لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فالمكان الذي مات فيه الرسول صلى الله عليه وسلم دفن فيه، وبقيت الحجر خارج المسجد وفي زمن الخلفاء الراشدين الهادين المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ثلاثين سنة، ثم بعد ذلك مدة طويلة في عهد معاوية مقدار عشرين سنة؛ لأن معاوية بعد أن بويع له بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه بقي في الخلافة عشرين سنة؛ لأنه تولى أربعين سنة على الشام؛ عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ثم بعد ذلك بعد زمن معاوية مدة طويلة، وعهد الذين بعده، حتى جاء الوليد بن عبد الملك، ووسع المسجد وأدخلت الحجرات في المسجد.فإذاً: هذا عمل جديد، وعمل طارئ في زمن بني أمية، فلا يتخذ حجة بأن تبنى القبور على المساجد، في الأماكن المختلفة في الدنيا، ويغفل عن الأحاديث المتواترة التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أواخر لحظاته، وفي أواخر أيامه، فهي أحكام محكمة ليست منسوخة ولا سبيل لنسخها، ولا مجال لنسخها؛ لأن النسخ إنما يكون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا الكلام وهو في مرض الموت، وهو في النزع؛ وروحه تنزع، فلا يمكن أن يكون بعده نسخ، بل هو آخر أو من آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يحتج على ذلك بعمل حصل في زمن بني أمية، وتترك الأحاديث المحكمة المتواترة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي منها ما قاله وهو في النزع، ومنها ما قاله قبل أن يموت بخمس ليالٍ، كما في حديث مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-12-2019 02:43 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
قوله: [ أخبرنا سويد بن نصر ].وهو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[ أخبرنا عبد الله بن المبارك ].هو المروزي وهو ثبت، إمام، ذكر الحافظ ابن حجر جملة من صفاته الحميدة، وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ويونس ].معمر هو ابن راشد الأزدي البصري، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.و يونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ قال الزهري ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً، وهو من أوعية العلم، ومن الفقهاء المحدثين، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث وفي كتب الفقه، وفي العلماء الذين تعزى إليهم الأقوال في المسائل المختلفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ أخبرني عبيد الله بن عبد الله ].وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ أن عائشة وابن عباس ].عائشة هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق، أكثر نساء هذه الأمة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ترو امرأة من النساء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها من الحديث، فهي مكثرة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أوعية حديث رسول الله، وحفّاظه رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد روت الكثير، وحفظت الكثير، لاسيما ما يتعلق في بيوته عليه الصلاة والسلام التي لا يطلع عليها إلا أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفهؤلاء السبعة هم المكثرون، وعائشة هي من هؤلاء السبعة، وهي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها. وابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي دعا له الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يفقهه في الدين، وأن يعلمه التأويل، فكان من أوعية العلم، وكان من حفاظ السنة، وكان من المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين ذكرتهم، والذين هم سبعة مكثرون من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلٌ منهما، أي: عائشة، وابن عباس، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى حدثنا هشام بن عروة حدثني أبي، عن عائشة رضي الله عنها: ( أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) ].وهنا أورد النسائي رحمه الله، حديث أم سلمة وأم حبيبة، أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وكانتا ذهبتا إلى أرض الحبشة، فذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في أرض الحبشة فيها تصاوير، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين حال هؤلاء الذين يتخذون البناء على القبور؛ على قبور الأنبياء والصالحين، فقال: ( إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )، فهاتان المرأتان من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، أخبرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رأتاه، وهذا يدل على أن الإنسان إذا رأى شيئاً من الأمور التي رآها وشاهدها مما يلفت الأنظار فإنه يخبر به، ويقصه ويبين ما رآه؛ لأن أمي المؤمنين ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشيء الذي رأتاه في أمر تلك الكنيسة، والرسول صلى الله عليه وسلم بين الأساس الذي بنى عليه أولئك هذا العمل، وأنهم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور. ثم قال: ( أولئك شرار الخلق عند الله )، فكونهم شرار الخلق عند الله بسبب هذه الأمور؛ بسبب اتخاذ القبور مساجد، وبسبب التصاوير، بالإضافة إلى ما عندهم من الأمور الموبقة، وبالإضافة إلى ما عندهم من الكفر بالله عز وجل، لأن الكنيسة هي معبد النصارى، وكذلك أيضاً تطلق على معبد اليهود.فقوله: (أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)، يدل على التحذير من اتخاذ القبور مساجد -وهو ما ترجم له النسائي- وبيان أن الذين يفعلون ذلك شرار الخلق عند الله، ثم أيضاً يدل على تحريم التصاوير، وأنه لا يجوز أن تتخذ الصور التي هي صور ذوات الأرواح، سواء كانت مجسمة، أو غير مجسمة، سواء كانت على ورق، أو على قماش، أو ما إلى ذلك فكل هذا داخل في التصاوير الممنوعة التي حذر منها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحديث دال على التحذير من هاتين الفتنتين: فتنة الغلو في القبور، وفتنة التصاوير، أي: تصوير ذوات الأرواح، ومن المعلوم أن الغلو، وأن عبادة الأوثان إنما حصلت في قديم الزمان بسبب الصور، كما جاء ذلك عن قوم نوح، وأنه حصل الشرك، ودخل فيهم باتخاذ الصور.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)
قوله: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ].وهو الدورقي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً، فكلهم رووا عنه، وهو من صغار شيوخ البخاري، وذكرت فيما مضى أن ثلاثة من شيوخ البخاري ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ شيخ للبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه والنسائي، وقد مات الثلاثة في سنة واحدة، وهم: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار , وكانت وفاة الثلاثة في سنة: (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة: (256هـ)، وهؤلاء الثلاثة، وهم من صغار شيوخه ماتوا في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.وصغار شيوخه هم الذين أدركهم مثل النسائي، وأما كبار شيوخه فإن النسائي ما أدركهم، فالذين ماتوا قبل أن يولد النسائي، وأدركهم البخاري وروى عنهم، فهؤلاء من كبار شيوخه، وأما الذين تأخرت وفاتهم، وصار عهدهم قريباً من وفاة البخاري فهؤلاء يقال لهم: صغار شيوخه، ولهذا أدركهم من كان بعد البخاري، ولكنه بعده في الميلاد، وبعده أيضاً في الوفاة مثل فـالنسائي، النسائي ولد سنة: (215هـ)، وتوفي سنة: (303هـ)، والبخاري ولد قبل المائتين، ومات سنة: (256هـ)، فكبار شيوخه لم يدركهم النسائي، ولكن صغار شيوخه مثل: يعقوب بن إبراهيم، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى أدركهم النسائي وغير النسائي وروى عنهم.وحديثه أي: الدورقي أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كما ذكرت.[ حدثنا يحيى ].وهو ابن سعيد القطان، فهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ثبت، ناقد، محدث، من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا هشام بن عروة ].وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، فقيه، فاضل، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثني أبي ].وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، والذين يأتي ذكرهم مراراً وتكراراً، وقد مر ذكرهم قريباً عند ذكر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من الفقهاء السبعة، وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة .[ عن عائشة ].عروة بن الزبير يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها قريباً.والحديث من مسند عائشة ؛ لأنها تحكي أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا للرسول صلى الله عليه وسلم فقال كذا وكذا، يعني: فتكون عائشة قد حضرت، هذا هو الذي يبدو.وأم حبيبة.هي رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.و أم سلمة هي هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
الفضل في إتيان المساجد

شرح حديث: (حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده فرجل تكتب حسنة ورجل تمحو سيئة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الفضل في إتيان المساجد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن أبي ذئب حدثنا الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي عن أبي سلمة -هو ابن عبد الرحمن- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده، فرِجل تكتب حسنة، ورِجل تمحو سيئة ) ].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي الفضل في إتيان المساجد، يعني: الفضل في الذهاب إلى المساجد، وأن ذلك فيه فضل عظيم، وأجر جزيل من الله عز وجل، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة، منها ما أورده النسائي هنا: أن الإنسان عندما يذهب إلى المسجد فإن رِجلاً تكتب حسنة، ورِجلاً تمحو سيئة، يعني: أنه يحصل له بكل خطوة يخطوها حسنة، أو يمحى عنه سيئة، بل جاء أيضاً في الحديث: أن ذلك في حال الذهاب والإياب، حتى في حال الإياب، كل خطوة يخطوها يكتب له بها درجة، ويمحى عنه بها خطيئة، يعني: في ذهابه إلى المسجد، وإيابه من المسجد إلى بيته وإلى منزله، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل، وفيه بيان الحث على الذهاب إلى المساجد، وحضور صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة كما هو معلوم واجبة على الرجال، ومن تخلف عنها فإنه يأثم؛ لأنه ترك أمراً واجباً عليه، والإنسان إذا فعل ذلك الأمر الواجب عليه فإنه يكتب له درجة، ويحط عنه خطيئة بكل خطوة يخطوها إلى المسجد في ذهابه وإيابه، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل.
تراجم رجال إسناد حديث: (حين يخرج الرجل من بيته إلى مسجده فرجل تكتب حسنة ورجل تمحو سيئة)
قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].هو الفلاس، وهو ثقة، إمام، ناقد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، فعندما يأتي الكلام في الرجال يأتي ذكره بـالفلاس، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا يحيى ].وهو ابن القطان الذي مر ذكره قريباً.[ حدثنا ابن أبي ذئب ].وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، وهو ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا الأسود بن العلاء بن جارية ].الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي؛ واحد من صاحبي الصحيح، وواحد من أصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن ].هو ابن عبد الرحمن بن عوف، والأسود بن العلاء بن جارية تلميذه، قال: عن أبي سلمة، ما قال: ابن عبد الرحمن، ولكن من دونه هو الذي قال: هو ابن عبد الرحمن ؛ لأن الأسود بن العلاء ما يحتاج إلى أن يقول: هو ابن عبد الرحمن بل ينسب كما يشاء، ويأتي بنسبه كما يريد، ولكن إذا كان تلميذه ذكره بلفظ مختصر، فمن بعد يأتي بنسب غير ما قال التلميذ.
النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد

شرح حديث: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد.حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها ) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد، يعني: نهي أولياء أمور النساء من أن يمنعوهن من الإتيان إلى المسجد إذا أرادت ذلك.وأورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها). وهذا نهي للأزواج أن يمنعوا زوجاتهم من الذهاب إلى المسجد إذا أردن ذلك، ولكن هذا النهي مقيد في أنها لا تخرج على هيئة لا يجوز الخروج عليها، كأن تخرج متجملة متزينة، وكأن تخرج متعطرة، وما إلى ذلك فإن هذا لا يجوز لها ، وله أن يمنعها أن تذهب بهذه الحالة، وبهذه الصورة التي هي عليها، ولكن إذا خرجت بدون ريبة، وبدون محذور، وبدون ما يكون سبباً في الفتنة فهذا هو الذي يقتضيه المنع، أو يقتضيه نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للأزواج أن يمنعوا النساء.ثم إن النساء يرغبن في الصلاة في البيوت، وينبغي أن يكون أكثر صلاتهن في بيوتهن، وإذا أردن في بعض الأحيان أن يخرجن إلى المساجد فإنهن لا يمنعن إلا إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك؛ من كونهن يخرجن على هيئة لا يجوز لهن أن يخرجن عليها، فعند ذلك لأزواجهن أو لأولياء أمورهن أن يمنعوهن.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)
قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم ].إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من الأوصاف العالية والألقاب الرفيعة التي لم يظفر بها إلا العدد القليل من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ أنبأنا سفيان ].سفيان هو ابن عيينة ؛ لأنه يروي عن الزهري، والمعروف بالرواية عن الزهري سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].الزهري قد مر ذكره قريباً.[ عن سالم ].وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم كما ذكرت ذلك قريباً عند ذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .[ عن أبيه ]. وهو عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المشهورين في الصحابة، وأحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، فهم أربعة من صغار الصحابة أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم وأراضهم.وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
الأسئلة

حكم من حكم بغير شرع الله مع اعتقاده وجوب تحكيم شرع الله
السؤال: ما حكم من لم يحكم شرع الله جملة وتفصيلاً، مع اعتقاده بوجوب تحكيم شرع الله؟الجواب: الذي لا يحكم شرع الله ويحكم شرع غيره إذا كان لا يحكمه استنقاصاً له، أو يعتقد بأنه لا يكفي، أو أنه لا يناسب العصر، أو أن الأحكام هذه ليس هذا وقتها فهذا كفر وردة عن الإسلام؛ لأن شريعة الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان، وأما إذا كان يعتقد بأن الحكم يجب أن يكون لشرع الله، وأنه لا يجوز أن يحكم شرع غيره، ولكن فعل ذلك معتقداً أنه مخطئ، وأنه مذنب، وأنه فعل أمراً كبيراً فهذا العلماء اختلفوا فيه، فمنهم من قال: إنه يكفر؛ لأنه حكم غير شرع الله ولم يحكم شرع الله في كل شيء، ومنهم من يقول: إن من المعروف والمشهور أن القاضي إذا حكم في مسألة واحدة بخلاف حكم الله، مع معرفة أن الحكم بخلافه، ولكن قاده إلى ذلك الهوى فإنه يكون كفراً دون كفر، وإنه لا يكفر بذلك، وبعض العلماء يقول: إنه لا فرق بين المسألة، والمسألتين، والثلاث، والأربع، والخمس، والست، والسبع، والعشر، فليس فيه حد فاصل يميز بين مسألة، ومسألة، ولا شك أن الأمر خطير، وهذا مما ابتلي به الحكام في هذا الزمان إلا ما شاء الله.
حكم من شرع قانوناً وضعياً مع اعتقاده عدم جوازه
السؤال: ما حكم من شرع قانوناً وضعياً، مع اعتقاده أفضلية حكم الله، وعدم جواز الحكم بغيره؟الجواب: هذا من جنس الكلام السابق، وهو نفس السؤال السابق، يعني: كونه وضع شيئاً، وحكم به، أو وضع له وحكم به النتيجة واحدة.فكونه يقول: إن هذا شرع الله، وإنه يجوز في الشرع أن يحكم غير شرع الله، ولا يقول: إنه مذنب، وإن هذا ليس خطأ فهذا اعتقاد، ولكن إذا كان وضعها، ويعتقد أنه مذنب، وأنه مخطئ، وأنه أقدم على أمر منكر فهذا هو الذي فيه الكلام، وأما إذا قال: إنه لا فرق بين هذا وهذا، هذا شرع، وهذا شرع فهذا -كفر والعياذ بالله- واضح.
حكم اقتناء لعب الأطفال التي تسمى بالعرائس
السؤال: ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي تسمى بالعرائس؟الجواب : اللعب المصورة ، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة -كما عرفنا- كلها محرمة ، ويدخل في ذلك لعب الأطفال؛ لأنه لا فرق، فمادام أنها صورة مجسمة، سواء كانت لطفل أو لغير طفل، وما جاء عن عائشة رضي الله عنها، واللعب التي كانت تعملها ليست من هذا القبيل، فتلك أعواد تعترض بعضها ويلف عليها خرق، وهذه ليست كالصور التي تعمل في هذا الزمان على هيئة الإنسان، وشكل الإنسان، فهذه شيء، وهذه شيء، فلعب الصبيان، ولعب الأطفال التي هي سائغة مثلما كانت تفعلها عائشة، أعواد تعترض بعضها في بعض، ويلف عليها خرق، أو تعمل مثلاً على شكل أرجل من خرق، وأيدي على شكل خرق، فهي غير هذه الصور التي على شكل إنسان، إلا أنها صورة، فتلك لا يجوز اقتناؤها، ولا يجوز بيعها، ولا يجوز تعاطيها.
أصحاب الفترة وبيان مصيرهم يوم القيامة
السؤال: هل هناك أهل فترة؟ وما الدليل على ذلك؟الجواب: أهل الفترة هم الذين في زمان ما بلغتهم الدعوة، يعني: ما بلغتهم الرسالة، فالذين لم تبلغهم رسالة، هؤلاء يقال لهم: أهل فترة.وهؤلاء أحسن ما قيل فيهم: أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء ذلك الامتحان تكون النتيجة، إن كانوا من السعداء، أو كانوا من الأشقياء.وغالبا


الساعة الآن : 08:56 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 238.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 238.02 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]