ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:37 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الجاثية - (1)
الحلقة (775)
سورة الجاثية
مكية وآياتها سبع وثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 24الى صــــ 30)

تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)

شرح الكلمات:
تلك آيات الله: أي تلك الآيات المذكورة آيات الله أي حججه الدالة على وحدانيته.
نتلوها عليك بالحق: أي نخبرك عنها بالحق لا بالباطل كما يخبر المشركون عن آلهتهم أنها تقربهم إلى الله زلفى كذبا وباطلا.
فبأي حديث بعد الله وآياته: أي فبأي حديث أيها المشركون بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم وبعد حججه هذه.
تؤمنون: أي تصدقون والجواب أنكم لا تؤمنون.
ويل لكل أفاك أثيم: أي عذاب الويل لكل كذاب ذي آثام كبيرة وكثيرة.
يسمع آيات الله تتلى عليه: أي يسمع آيات القرآن كتاب الله تقرأ عليه.
ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها: أي ثم يصر على الكفر حال كونه مستكبراً عم الإيمان والتوحيد كأن لم يسمعها.
وإذا علم من آياتنا شيئاً: أي إذا بلغه شيء من القرآن وعلم أنه من القرآن.
اتخذها هزوا: أي اتخذ تلك الآية أو الآيات مهزواً بها متهكما ساخراً منها.
له عذاب مهين: أي ذو إهانة لهم يهانون به وتكسر أنوفهم.
من ورائهم جهنم: أي أمامهم جهنم وذلك يوم القيامة، والوراء يطلق على الأمام كذلك.
ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً: أي لا يكفى عنهم ما كسبوه من المال والأفعال التي كانوا يعتزون بها شيئاً من الإغناء.
ولا ما اتخذوا من دون الله من: أي ولا يغني عنهم كذلك ما اتخذوه من أصنام آلهة عبدوها دون الله تعالى.
أولياء
هذا هدىً: أي هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدىً أي كله حجج وبراهين ودلالات هادية.
والذين كفروا بآيات ربهم: أي والذين كفروا بالقرآن فلم يهتدوا به وبقوا على ضلالهم من الشرك والمعاصي.
لهم عذاب من رجز أليم: أي لهم عذاب موجع من نوع الرجز وهو أشد أنواع العذاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش فبعد أن بين تعالى آياته في الآفاق وفي الأنفس قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 تلك آيات الله أي تلك الآيات المذكورة أي آيات الله أي حججه الدالة على وجوده وعلمه وقدرته وموجبة لربوبيته على خلقه وألوهيته فهو الإله الحق الذي لا إله إلا هو حق سواه.
وقوله فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون أي إن لم يؤمن هؤلاء المشركون بالله رباً وإلهاً ولا رب غيره ولا إله سواه، وبآياته القرآنية الحاملة للهدى والخير والنور فبأي شيء يؤمنون أي يصدقون لا شيء يؤمنون لأن الاستفهام إنكاري والإنكار كالنفي في معناه. وقوله {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ2} يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها هذا وعيد من الله تعالى شديد لكل كذاب يقلب الكذب فيصف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب والكاذب بالصادق، والصادق بالكاذب أثيم منغمس في كبائر الإثم والفواحش. يسمع هذا الأفاك الأثيم آيات الله تتلى عليه وهي القرآن الكريم، ثم يصر على الكفر مستكبراً عن الإيمان وبما يدعوا إليه من التوحيد كأن لم يسمع تلك الآيات. قال تعالى لرسوله فبشره3 بعذاب أليم وقوله تعالى وإذا علم أي ذلك الأفاك الأثيم من آياتنا شيئاً كأن تبلغه الآية أو الآيات من القرآن اتخذها هزواً أي أخذ يهزأ بها ويسخر منها، ويواصل ذلك فيجعلها هزواً بها، قال تعالى: أولئك أي الأفاكون الآثمون وما أكثرهم لهم عذاب مهين أي فيه إهانة زائدة تنكسر منها أنوفهم التي كانت تأنف الحق وتستكبر عنه. وقوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} هذا وعيد لهم تابع للأول إذ أخبر تعالى أن من ورائهم جهنم وذلك يوم القيامة ولفظ الوراء يطلق ويراد به الأمان فهو من الألفاظ المشتركة في معنيين فأكثر وقوله {وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا4 شَيْئاً} أي ولا يكفي عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جاههم ولا كل ما كسبوا في هذه الدنيا أي لا يدفع ذلك عنهم شيئا من العذاب، وكذلك لا تغني عنهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله شيئا من دفع العذاب. ولهم عذاب عظيم لا يقادر قدره، وكيف والعظيم جل جلاله وصفه بأنه عظيم.
وقوله تعالى: {هَذَا هُدىً5} أي هذا القرآن هدى أي يخرج من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشرك إلى التوحيد لما فيه من الهدى والنور، ولما يدعو إليه من الحق والعدل والخير والذين كفروا به وأعرضوا عنه وهو آيات الله وحججه على خلقه هؤلاء لهم عذاب من رجز أليم أي عذاب هو من أشد أنواع العذاب لأنهم بالكفر بالآيات لم يزكوا أنفسهم ولم يطهروها فماتوا على أخبث النفوس وشرها فلا جزاء لهم إلا رجز العذاب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- القرآن نور وأعظم نور فمن لم يهتد عليه لا يرجى له الهداية أبداً.
2- الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام, والإفك الكذب المقلوب.
3- شر الناس من إذا سمع آيات الله استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها.
4- لم يغن عمن مات على الكفر شيء من كسب في هذه الحياة الدنيا من مال وولد وجاه وسلطان.
5- لم يغن عن المشرك ما كان يعبد من دون الله أو مع الله من أصنام وأوثان وملائكة أو أنبياء أو أولياء.
__________

1 أشار إليها بلام البعد للدلالة على علو شأنها وعزة مرامها ولولا هذا لقال هذه آيات الله لقرب ذكرها.
2 صاحب هاتين الصفتين كثرة الإفك وكثرة الإثم هو في خبث نفسه كالشياطين سواء بسواء إذ مثله هو الذي تنزل عليه الشياطين ويتحد معها على الخبث والكفر والشر والإفساد.
3 البشارة تكون بالخبر السار الذي تتهلل به البشرة بالبشر والطلاق والتبشير بالعذاب يورث اسوداد الوجه وكلوحه فالبشارة هنا من باب التهكم به أو لكون البشرة تتغير للخبر فصح إطلاق البشارة عليه.
4 في الآية إشارة إلى أن أصحاب هذه الصفات يكونون من أرباب الأموال لأنهم يكتسبونها بكل وسيلة ولو ببيع عقولهم وضمائرهم وأموالهم والمحافظة عليها من عوامل ردهم لدعوة الإسلام ومحاربتها كما هو مشاهد.
5 هذا هدى أي هذا القرآن هدى في ذاته وما يدعوا إليه ومن كفر به فحرم الهداية فلم يهتد فلا جزاء له إلا جزاء العذاب الأليم.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:38 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
شرح الكلمات:
الله الذي سخر لكم البحر: أي الله المعبود بحق لا الآلهة الباطلة سخر لكم أي لأجلكم البحر بأن جعله أملس تطفو فوقه الأخشاب ونحوها.
لتجري الفلك فيه بأمره: أي جعله كذلك لتجري السفن فيه بإذن الله تعالى.
ولتبتغوا من فضله: أي لتسافروا إلى طلب الرزق من إقليم إلى إقليم.
ولعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروا نعم الله عليكم.
وسخر لكم ما في السموات: أي من شمس وقمر ونجوم ورياح وماء أمطار.
وما في الأرض جميعا: أي وما في الأرض من جبال وأنهار وأشجار ومعادن منه تعالى.
إن في ذلك لآيات: أي علامات ودلائل وحجج على وجود الله وألوهيته.
لقوم يتفكرون: أي لقوم يستخدمون عقولهم فيتفكرون في وجود هذه المخلوقات ومن أوجدها ولماذا أوجدها فتتجلى لهم حقائق وجود الله وعلمه وقدرته ورحمته فيؤمنوا ويوحدوا.
قل للذين آمنوا يغفروا: أي قل يا رسولنا للمؤمنين من عبادنا يغفروا أي يتجاوزوا
ولا يؤاخذوا.
الذين لا يرجون أيام الله: أي لا يتوقعون أيام الله أي بالإدالة منهم للمؤمنين فيذلهم الله وينصر المؤمنين عليهم وهم الرسول وأصحابه وهذا قبل الأمر بجهادهم.
ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون: أي ليجزي تعالى يوم القيامة قوماً منهم وهم الذين علم تعالى أنهم لا يؤمنون بما كسبوه من أذى الرسول والمؤمنين.
من عمل صالحاً فلنفسه: أي فهو الذي يرحم ويسعد به.
ومن أساء فعليها: أي ومن عمل سوءاً فالعقوبة تحل به لا بغيره.
ثم إلى ربكم ترجعون: أي يعد الموت ويحكم بينكم في ما كان بينكم من خلاف وأذى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله تعالى: {اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ1} تذكير لأولئك المعرضين بالحجج والآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله وتوحيده وطاعته فهو تعالى يعرفهم أن ما بهم من نعم هي من الله لا من غيره من تلك الآلهة الباطلة. الله لا غيره هو الذي سخر لكم أي ذلل ويسر وسهل ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وسحب وأمطار ورياح لمنافعكم، وسخر لكم ما في الأرض من جبال وأشجار وأنهار وبحار ومعادن وحيوانات على اختلافها كل ذلك منه2 وهو وهبه لكم، إن في ذلك المذكور من إنعام الله عليكم بكل ما سخر لكم لآيات لقوم3 يتفكرون فيهديهم تفكيرهم إلى وجوب حمد الله تعالى وشكره بعد أن آمنوا به ووحدوه في ربوبيته وألوهيته. وقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا4 يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ5 لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} . يأمر الله تعالى رسوله أن يقول لصحابته أيام الخوف في مكة قبل الهجرة اصفحوا وتجاوزوا عمن يؤذيكم من كفار قريش، ولا تردوا الأذى بأذى مثله بل اغفروا لهم ذلك وتجاوزوا عنه، وقد نسخ هذا بالأمر بالجهاد.
وقوله تعالى {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} تعليل للأمر بالصفح والتجاوز أي ليؤخر لهم
ذلك إلى يوم القيامة ويجزيهم به أسوأ الجزاء لأنه كسب من شر المكاسب إنه أذية النبي والمؤمنين أولياء الله، وفي تنكير قوما يدل على أن بعضهم سيؤمن ولا يعذب يوم القيامة فلا يعذب إلا من مات على الكفر والشرك منهم.
قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ6} أي من عمل صالحاً في هذه الحياة الدنيا من إيمان وطاعة لله ولرسوله في أوامرهما ونواهيهما فزكت بذلك نفسه وتأهل لدخول الجنة فإن الله يدخله الجنة ويكون عمله الصالح قد عاد عليه ولم يعد على غيره إن الله غني عن عمل عباده، وغير العامل لا تطهر نفسه ولا تزكو بعمل لم يباشره بنفسه، وقوله من أساء أي في حياته فلم يؤمن ولم يعمل صالحاً يزكي به نفسه، فجزاء كسبه السيء من الشرك والمعاصي عائد على نفسه عذاباً في النار وخلوداً فيها.7
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي إنكم أيها الناس بعد هذه الحياة وما عملتم فيها من صالح وسيء ترجعون إلى الله يوم القيامة ويجزيكم كلاً بحسب عمله الخير بالخير والشر بمثله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والبعث8 والجزاء والنبوة.
2- بيان علة الإنعام الإلهي على العبد وهي أن يشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وصرف تلك النعم في مرضاته تعالى لا في معاصيه الموجبة لسخطه.
3- مشروعية التسامح مع الكفار والتجاوز عن أذاهم في حال ضعف المسلمين.
4- تقرير قاعدة أن المرء لا يؤخذ بجريرة غيره.
5- تقرير أن الكسب يؤثر في النفس ويكون صفة لها وبه يتم الجزاء في الدار الآخرة من خير وغيره قال تعالى سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم (الأنعام) .
__________

1 ذكر تعالى في هذه الآيات كمال قدرته وتمام نعمته على عباده وبين أمه خلق ما خلق لمنافعهم.
2 منه من ابتدائية أي جميع ذلك المذكور المسخر من عند الله تعالى ليسر لغيره فيه أدنى شركة وموقع (منه) موقع الحال أي سخر لكم ما سخر حال كونه منه.
3 التفكر هو منبع الإيمان واليقين والعقل إذا من فكر عقل ومن عقل آمن ومن آمن أيقن ومن أيقن طلب النجاة من النار والفوز بالجنان بالإيمان وصالح الأعمال بعد ترك الشرك والمعاصي.
4 يغفروا مجزوم لأنه في جواب الأمر (قل) وجائز أن يكون مجزوما بتقدير لام الأمر محذوفة أي ليغفروا.
5 جائز أن يراد بأيام الله ثوابه وعقابه أو نصره لأوليائه وإيقاعه بأعدائه. أو البعث الآخر ولقائه.
6 العمل الصالح شرطه الإيمان ولذا ما ذكر العمل الصالح في القرآن إلا والإيمان مقرناً به إلا ما ندر كهذه الآية.
7 الخلود في النار خاص بالمشركين والكافرين أما أهل الإيمان والتوحيد فلا يخلدون في النار لحسنة الإيمان والتوحيد.
8 هذه الأصول الثلاثة عليها مدار استقامة العبد وجل السور المكية تعالجها فلا تكاد توجد سورة تخلو من تحقيقها والدعوة إليها.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:38 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الجاثية - (2)
الحلقة (776)
سورة الجاثية
مكية وآياتها سبع وثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 31الى صــــ 36)

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة لأنها الحاوية للأحكام الشرعية بخلاف الزبور والإنجيل.
والحكم: أي الفصل في القضايا بين المتنازعين على الوجه الذي يحقق العدل.
والنبوة ورزقناهم من الطيبات: أي جعلنا فيهم النبوة كنبوة موسى وهارون وداود وسليمان, ورزقهم من الطيبات كالمن والسلوى وغيرهما.
وفضلناهم على العالمين: أي على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم.
إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا: أي لم يخلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ببعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم بغياً بينهم أي حسداً للعرب أولاد إسماعيل أن تكون النبوة فيهم.
ثم جعلناك على شريعة1 من الأمر: أي ثم جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
فأتبعها: أي ألزم الأخذ بها والسير على طريقتها فأنها تفضي بك إلى سعادة الدارين.
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون: من مشركي العرب ومن ضلال أهل الكتاب.
إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا: أي إن أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن تفعله مما يوافق أهواءهم إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والأخروي شيئا.
وإن الظالمين بعضهم أولياء: أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فإنهم لا ينصرون.
بعض
والله ولي المتقين: أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم.
هذا بصائر للناس وهدى: أي هذا القرآن أي أنوار هداية يهتدون به إلى ما يكملهم ويسعدهم، وهدى ورحمة، ولكن لأهل اليقين في إيمانهم فهم الذين يهتدون به ويرحمون عليه أما غير الموقنين فلا يرون هداه ولا يجدون رحمته لأن شكهم وعدم إيقانهم يتعذر معهما أن يعملوا به في جد وصدق وإخلاص.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عليهم حالاً شبيهة بحالهم لعلهم يجدون فيها ما يذكرهم ويعظهم فيؤمنوا ويوحدوا قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي 2 إِسْرائيلَ} أي أعطينا بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل وهو ابن اسحق بن إبراهيم خليل الرحمن آتيناهم {الْكِتَابَ} التوراة {وَالْحُكْمَ} وهو الفقه بأحكام الشرع والإصابة في العمل والحق فيها ثمرة إيمانهم وتقواهم {وَالنُّبُوَّة} فجعلنا منهم أنبياء ورسلاً كموسى وهارون ويوسف وداود وسليمان وعيسى، وفضلناهم 3 على العالمين أي على فرعون وقومه من الأقباط، وعلى من جاور بلادهم من الناس، وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وآتيناهم بينات 4 من الأمر أمر الدين تحملها التوراة والإنجيل {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} الإلهي يحمله القرآن ونبيه فاختلفوا فيما كان عندهم من الأنباء عن نبي آخر الزمان ونعوته وما سيورثه الله وأمته من الكمال الدنيوي والأخروي فحملهم بغي حدث
بينهم وهو الحسد على الكفر فكفروا به وكذبوه فهذه الآية نظيرها آية البقرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} وكقوله في سورة البينة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} هذه تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهة، ومن جهة أخرى إعلام منه تعالى بأنه سيحكم بينهم ويفصل ويؤدي كل واحد ثمرة كسبه من خير وشر في هذه الحياة وذلك يوم القيامة.
وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَة 5 مِنَ الْأَمْرِ} أي من أمر ديننا الإسلام الذي هو دين الأنبياء من قبلك فلم تختلف شريعتك في أصولها على شرائعهم، وعليه فاتبعها ولا تحد عنها متبعا أهواء الذين لا يعلمون من زعماء قريش الذين يقدمون لك اقتراحاتهم من الوقت إلى الوقت ولا أهواء ضلال أهل الكتابين من اليهود والنصارى إنهم جهال لا يعلمون هدى الله، ولا ما هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة، ولا هو سبيل العزة والكرامة والدولة والقوة في الدنيا.
وقوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي إنك إن اتبعت أهوائهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا عنك ولن يكفوك شيئا منه، وقوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي في الدنيا فيتعاونون على الباطل والشر أما في الآخرة فلا ينصر بعضهم بعضا ولا هم ينصرون من قبل أحد والله ولي المتقين، أما المتقون فالله وليهم في الدنيا والآخرة، فعليك بولاية الله، ودع ولاية أعدائه، فإنها لن تغني عنك شيئاً.
وقوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ 6لِلنَّاسِ} يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ضل وشقي. وقوله {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ 7 لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي أن القرآن الكريم كتاب هداية ورحمة عليه يهتدي المهتدون، ويرحم المرحومون وهم الذين أيقنوا بهدايته ورحمته فعملوا به عقائد وعبادات وأحكاماً وآدابا وأخلاقاً فحصل لهم ذلك كما حصل للسلف الصالح من هذه الأمة، وما زال القرآن كتاب هداية ورحمة لكل من آمن به وأيقن فعمل وطبق بجد وصدق أحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه التي جاء بها وقد كان خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن لقول عائشة رضي الله عنها في الصحيح كان خلقه القرآن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسداً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقومه من العرب.
2- بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة.
ومع هذا اختلفوا في الحق حسداً وطمعاً في الرئاسة وإقامة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.
3-تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد.
4- وجوب لزوم تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التنازل عن شيء منها.
5- تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه.
6- بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلاح، ولا يتم شيء من هداية الناس وإصلاحهم إلا عليه.
__________

1 الشريعة لغة المذهب والملة ويقال لمشرعة الماء أي مشرعة الشاربة شريعة ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالشريعة ما شرع الله لعباده من الدين والجمع شرائع.
2 ذكر تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطى بني إسرائيل من إفضالات ثم ذكر ما أعطاه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون ذلك جارياً على سنته في إكرام من يشاء من عباده فلا يكون ذلك داعياً إلى إنكار المشركين ولا أهل الكتاب نبوة نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كانوا يعقلون.
3 بأن جمع الله لهم بين استقامة الدين والخلق وبين حكم أنفسهم بأنفسهم وبين أصول العدل فيهم مع حسن العيش وشمول الأمن والرخاء لهم.
4 أي علمناهم حججا وعلوما في أمر دينهم ونظام حياتهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير مجتمعهم وعلى سلامته من الشرور والمفاسد.
5 على للاستعلاء أي التمكن والثبات والشريعة الدين والملة المتبعة والأمر الشأن العظيم والأمر هو أمر الله تعالى الذي أراده لك ولأمتك من الدين المنجي المسعد في الدارين.
6 البصائر جميع بصيرة وهي إدراك العقل الأمور على حقيقتها شبهت ببصر العين.
7 القرآن هدى ورحمة لكل من يهتدي بهداه ويتعرض لرحمته العمل به وخص به لذلك أهل اليقين لأنهم القادرون على الأخذ بهدايته والتعرض لرحمته والعمل به.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:39 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)
شرح الكلمات:
اجترحوا السيئات: أي اكتسبوا بجوارحهم الشرك والمعاصي.
سواء محياهم ومماتهم: أي محياهم ومماتهم سواء، لا لا المؤمنون في الجنة والمشركون في النار.
ساء ما يحكمون: أي ساء حكماً حكمهم بالتساوي مع المؤمنين.
ولتجزى كل نفس بما كسبت: أي وليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر.
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه: أي أخبرني عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه.
وأضله الله على علم: أي على علم من الله تعالى بأنه أهل للإضلال وعدم الهداية.
وجعل على بصره غشاوة: أي ظلمة على عينيه فلا يبصر الآيات والدلائل.
أفلا تذكرون: أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلاف نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهراً ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلاف جزاء الظالمين والمتقين فقال: أم حسب1 الذين اجترحوا السيئات أي اكتيبوها بجوارحهم، والمراد بها الشرك والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله ربا وإلهاً وبكل ما أمر تعالى بالإيمان به، وعمل الصالحات من إقام الصلاة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون2 أي ساء حكما حكمهم هذا ومعنى هذا أن الله تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد وهو أن يعيش الكافر والمؤمن في هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصي والذنوب والمؤمن على الطاعة والحسنات ثم يموتون ولا يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه، وأسوأ من هذا الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمن وينعم به عليهم. وهذا غرور عجيب، فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم أنه لا يسوى بين بر وفاجر، ولا بين مؤمن وكافر لأن ذلك مناف للعدل والحق والله خلق السموات والأرض بالحق، وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس في هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحا كانت الحسنى له جزاء، ومن كفر وعمل سوءاً كانت جهنم جزاءه، وهو معنى قوله تعالى: {وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ3} أي من خير وشر، وهم لا يظلمون لأن العدالة الإلهية هي التي تسود يوم القيامة وتحكم.
وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ4 مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت
إليهما ولا يستمع الى ندائهما. وقوله تعالى {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ 5} أي منه تعالى حيث سبق في علمه أن هذا الإنسان لا يهتدي ولو جاءته كل آية فكتب ذلك عليه فهو كائن لا محالة، وقوله {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي وختم تعالى على سمعه حسب سنته في ذلك فأصبح لا يسمع الهدى ولا الحق كأنه أصم ولا يسمع، وأصبح لا يعقل معاني ما يسمع وما يقال له كأنه لا قلب له، وأصبح لما على بصره من ظلمة لا يرى الادلة ولا العلامات الهادية الى الحق والى الطريق المستقيم المفضي بسالكه إلى النجاة من النار ودخول الجنة. وقوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ} وقد أضله الله والجواب لا أحد. كقوله تعالى من سورة النحل {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن يُضل} أي من أضله الله تعالى حسب سنته في الإضلال وهي أن يدعى العبد إلى الحق والمعروف والخير فيتكبر ويسخر ويحارب فترة يصبح بعدها غير قابل لهداية فهذا لا يهدي أحد بعد أن أضله الله تعالى.
وقوله تعالى: {أَفَلا تَذَكَّرُونَ 6} أي أفلا تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجو من النار وتدخلوا الجنة في الآخرة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بطلان اعتقاد الكافرين في أن الناس يحيون ويموتون بلا جزاء على الكسب صالحه وفاسده.
2- تقرير البعث والجزاء.
3- موعظة كبيرة في هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات إلى آخرها حتى إن أحد رجال السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى الى هذه الآية فأخذ يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
4- التنديد بالهوى والتحذير 7 من اتباعه فقد يفضي بالعبد إلى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فيصبح معبوده هواه لا الرب تعالى مولاه.
5- التحذير من ارتكاب سنن الضلال المفضي بالعبد إلى الضلال الذي لا هداية معه.
__________

1 أم للإضراب الانتقالي والاستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي لا يحسب الذين اجترحوا السيئات أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات. والآية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا.
2 ساء ما يحكمون هذه الجملة تذييل لما قبلها من إنكار حسبانه وما اتصل به من المعاني، والحياة والممات مصدران ميميان من الحياة والموت.
3 الباء للتعويض لأن ما كسبته النفس لا تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير وشر.
4 الاستفهام للتعجب من حال هذا الذي اتخذ إلهه هواه والمخاطب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل ذي أهلية لأن يفهم عن الله تعالى من المؤمنين.
5 على علم أي أضله الله مع ما عنده من العلم الذي لو خلع عن نفسه الكبر والعناد والميل إلى الهوى لاهتدى ونجا وسعد ولكن أو على علم من الله تعالى بأنه ليس أهلاً للهداية كما في التفسير.
6 قرأ نافع تذكرون بتشديد الذال وقرأه حفص بتخفيفها الأولى على إدغام إحدى التائين في الذال فشددت والثانية على حذف إحدى التائين فخففت.
7 من الكلمات المأثورة في هذا قولهم ثلاث من المهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.




ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:40 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الجاثية - (3)
الحلقة (777)
سورة الجاثية
مكية وآياتها سبع وثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 37الى صــــ 41)

وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
شرح الكلمات:
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا: أي قال منكرو البعث ما هي إلا هذه الحياة، وليس ورائها حياة أخرى.
نموت ونحيا: أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا.
وما يهلكنا إلا الدهر: أي وما يميتنا إلا مرور الزمان علينا.
وما لهم بذاك من علم: أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحي وكتاب إلهي ولا من عقل صحيح.
إن هم إلا يظنون: أي ما هم إلا يظنون فقط والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم.
وإذا تتلى عليهم آيتنا بينات: أي وإذا قرئت عليهم الآيات الدالة على البعث والجزاء الأخرى بوضوح.
ما كان حجتهم: أي لم تكن لهم من حجة إلا قولهم.
إلا أن قالوا أئتوا بآبائنا: إلا قولهم احيوا لنا آباءنا الذين ماتوا وأتوا بهم إلينا.
إن كنتم صادقين: إن كنتم صادقين فيما تخبروننا به من البعث والجزاء.
قل الله يحيكم ثم يميتكم: أي قل لهم يا رسولنا الله الذي يحيكم حين كنتم نطفاً ميتة، ثم يميتكم.
ثم يجمعكم إلى يوم القيامة: أي ثم بعد الموت يجمعكم إلى يوم القيامة للحساب والجزاء.
لا ريب فيه: أي يوم القيامة الذي لا ريب ولا شك في مجيئه في وقته المحدد له.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون: أي لا يعلمون تلقيهم العلم عن الوحي الإلهي لكفرهم بالرسل والكتب.
معنى الآيات:
تقدم في الآيات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن الله تعالى أبطل ذلك الاعتقاد منكراً له عليهم، وهنا حكى قول منكري البعث بالكلية ليرد عليهم وفي ذلك دعوة لعامة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح للإسعاد والكمال في الحياتين ولله الحمد والمنة فقال عز وجل: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا1 الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ2} أي وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إلا حياتنا هذه التي نحياها وليس ورائها حياة أخرى، إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الأحياء ويحيى أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة أبداً يموت الكبار ويحيى الصغار، وما يهلكنا إلا الدهر أي وما يميتنا ويفنينا إلا مرور الزمان وطول الأعمار وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل وهو تناقض منهم لأنهم إذا سألوا من خلقهم يقولون فينسبون إليه الخلق وهو أصعب ولا ينسبوا إليه الإماتة وهي أهون من الخلق فرد تعالى عليهم مذهبهم "الدهري" بقوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} أي ليس3 لهم على معتقدهم هذا أدنى علم نقلياً كان ولا عقلياً أي يتلقوه عن وحي أوحاه الله إلى من شاء من عباده ولا عن عقل سليم راجح لا ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والأبيض خلاف الأسود وما إلى ذلك من القضايا العقلية التي لا ترد فهؤلاء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ما لهم إلا الظن والخرص وقضايا العقيدة لا تكون بالظن. والظن أكذب الحديث.
وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي وإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيات القرآن الدالة على البعث والجزاء تدعوهم إلى الإيمان به واعتقاده {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ4} أي لم تكن لهم من حجة يردون بها ما دعوا إليه إلا قولهم5: أئتوا بآبائنا إن كنتم صادقين أي أحيوا لنا آبائنا الذين ماتوا وأحضروهم عندنا إن كنتم صادقين في ما تخبروننا من البعث والجزاء. فقال تعالى في رد هذه الشبهة وبيان للحق في المسألة قل الله يحيكم ثم يميتكم، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب6 فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي قل يا رسولنا لهؤلاء الدهرين المنكرين للبعث الله يحيكم إذ كنتم نطفاً ميته فأحياكم، ثم يميتكم بدون اختياركم فالقادر على الإحياء والإماتة وفعلا هو يحي ويميت لا يحيل العقل أن يحيى أن من أحياهم ثم أماتهم وإنما لم يحيهم اليوم كما طلبتم لأنه لا فائدة من إحيائهم بعد أن أحياهم ثم أماتهم هذا أولاً وثانيا إحياؤهم لكم اليوم يتنافى مع الحكمة العالية في خلق هذه الحياة الدنيا والآخرة إذ خلقوا ليعلموا، ثم يجازوا بأعمالهم خيرها وشرها. ولهذا قال ثم يجمعكم أي أحياء في يوم القيامة للحساب والجزاء وقوله لا ريب فيه أي لا شك في وقوعه ومجيئه إذ مجيئه حتمى لقيام الحياة الدنيا كلها عليه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذا لأمرين الأول أنهم لا يفكرون ولا يتعقلون والثاني أنهم لتكذيبهم بالوحي الإلهي سدوا في وجوههم طريق العلم الصحيح فهم لا يعلمون، ولا يعلمون حتى يؤمنوا بالوحي ويسمعوه ويتفهموه.
هدية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير البعث والجزاء.
2- الرد على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل.
3- بيان أن الكفار لا دليل لهم عقلي ولا نقلي على صحة الكفر عقيدة كان أو عملا.
4- عدم إحياء الله تعالى للمطالبين بحياة من مات حتى يؤمنوا لم يكن عن عجز بل لأنه يتنافى مع الحكمة التي دار عليها الكون كله.
5- بيان أن أكثر الناس لا يعلمون وذلك لأنهم كذبوا بالوحي الإلهي في الكتاب والسنة.
6- بيان أنه لا علم صحيح إلا من طريق الوحي الإلهي.
__________

1 هي ضمير القصة والشأن والجملة نموت ونحيا مبينة لجملة ما هي إلا حياتنا الدنيا أي ليس بعد هذا العالم عالم آخر فالحياة هي هذه لا غير.
2 روي عن أبي هريرة عن النبي صلى لله عليه وسلم أنه قال: "كان أهل الجاهلية يقولون ما يهلكنا إلا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحينا فيسبون الدهر ". قال الله تعالى "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
3 قال القرطبي كان المشركون أصنافاً منهم هؤلاء ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث ومنهم من يشك بالبعث ولا يقطع بإنكاره.
4 فإن قيل لم سمى قولهم حجة وليس هو بحجة؟ قيل لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم.
5 أي أحيوا لنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون.
6 جملة لا ريب فيه حال يوم القيامة أي لا ريب في وجوده وكونه لا ريب فيه لأنه علة الحياة كلها فلولاه ما كانت هذه الحياة فمن هنا لامعنى للشك فيه بالكلية.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:40 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
شرح الكلمات:
ولله ملك السموات والأرض: أي خلقا وملكاً وتصرفا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
يخسر المبطلون: أي ويوم تقوم الساعة التي أنكرها الكافرون يخسر أصحاب الباطل بصيرورتهم إلى النار.
وترى كل أمة جاثية: أي كل أمة ذات دين جاثية على ركبها تنتظر حكم الله فيها.
تدعى إلى كتابها: أي إلى كتاب أعمالها فهو الحكم فيها إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر.
اليوم تجزون ما كنتم تعملون: أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر.
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق: أي ديوان الحفظة الذي دونوه من أعمال العقلاء من الناس شاهد عليكم بالحق.
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون: أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
فيدخلهم ربهم في رحمته: أي فيدخلهم في جنته.
ذلك هو الفوز المبين: أي الفوز البين الظاهر وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
أفلم تكن آياتي تتلى عليكم: أي يقال لهم ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم.
فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين: أي عن آيات الله فلم تؤمنوا بها وكنتم بذلك قوما كافرين.
إن وعد الله حق: أي بالبعث والجزاء العادل يوم القيامة حق ثابت.
إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين: أي ما كنا مستيقنين بالبعث وإنما كنا نظنه لا غير ولا نجزم به.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} خلقا وإيجاداً وملكاًُ وتصرفا ومن كان هذا وصفه من القدرة والعلم والحكمة لا ينكر عليه بعث العباد بعد موتهم وجمعهم للحساب والجزاء. وقوله ويوم1 تقوم الساعة التي ينكرها المنكرون يومئذ يخسر المبطلون يخسرون كل شيء حتى أنفسهم يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين وقوله تعالى:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً2} أي وترى أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على ركبهم خوفاً وذلاً مستوفزين للعمل بما يؤمرون به. وقوله {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي الذي أنزل على نبيها لتعمل بما جاء فيه من عقائد وشرائع ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي في الدنيا من خير وشر. فإذا حاولوا الإنكار قيل لهم: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، وهو كتاب الأعمال الذي دونته الحفظة وقوله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالهم أي بإثباتها وحفظها وهاهي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم تعملون.
قال تعالى مفصلا للحكم الناتج عن شهادة الكتاب {فَأَمَّا الَّذِينَ3 آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو الفوز المبين أي إدخاله الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه، النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. هذا جزاء أهل الإيمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم أهل الشرك والمعاصي فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها وإلى ما تدعوا إليه، وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين4 على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي وعده تعالى بالبعث والجزاء حق لابد واقع والساعة آتية لا ريب فيها أي جائية لا محالة ولا ريب في وقوعها بحال من الأحوال قلتم ما ندري ما الساعة متجاهلين لها متعجبين من وقوعها. وقلتم إن نظن إلا مجرد ظن فقط وما نحن بمستيقنين5 بمجيئها، وهذا بالنسبة إلى بعض الناس، وإلا فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث بالكلية وهذا ظاهر في كثير من الناس الذين يؤمنون بالله وبلقائه وهم لا يفترون من المعاصي ولا يقصرون عن فعل الشر والفساد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة.
2- تقرير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.
3- تقرير أن الإيمان والعمل الصالح سبب الفوز، وأن الشرك والمعاصي سبب الخسران المبين.
4- الظن في العقائد كالكفر بها، والعياذ بالله تعالى.
__________

1 ويوم تقوم الساعة: هو ظرف متعلق بيخسر قدم عليه للاهتمام به ويومئذ توكيد ليوم تقوم الساعة.
2 الأمة الجماعة العظيمة أمرها واحد يجمعهم دين والجثو البروك على الركب في استنفار وهي هيئة الخضوع.
3 فأما..الخ هذه الفاء عاطفة لمفصل من الكلام على مجمل منه وهو قوله تعالى وترى كل أمة جاثية والبدأ بتفصيل المؤمنين تعجيلاً للمسرة لهم وتنويها لشأن الإيمان والعمل الصالح.
4 إقحام لفظ (قوما) للدلالة على أن الإجرام صار خلقاً لهم مخالطاً لنفوسهم حتى صار مما يمقتون به ولولا هذا لقال بل كنتم مجرمين، دون ذكر (قوم) والاستفهام في قوله أفلم تكن آياتي للتقرير والتوبيخ.
5 هذه الجملة تأكيد لجملة إن نظن إلا ظناً، والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول الفعل.





ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:41 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الأحقاف - (1)
الحلقة (778)
سورة الأحقاف
مكية
وآياتها خمسة وثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 42الى صــــ 47)

وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
شرح الكلمات:
وبدا لهم سيئات ما عملوا: أي ظهر لهم في يوم القيامة جزاء سيئات ما عملوه في الدنيا من الشرك والمعاصي.
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا ذكروا به وخوفوا منه في الدنيا.
وقيل اليوم ننساكم: أي وقال الله تعالى لهم اليوم ننساكم أي نترككم في النار.
كما نسيتم لقاء يومكم هذا: أي مثل ما نسيتم يومكم هذا فلم تعملوا له بما ينجي فيه وهو الإيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
ومأواكم النار: أي ومحل إقامتكم النار.
ومالكم من ناصرين: أي من ناصرين ينصرونكم بإخراجكم من النار.
ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله: أي ذلكم العذاب كان لكم بسبب كفركم واتخاذكم آيات الله هزواً.
هزواً: أي شيئا مهزؤاً به.
وغرتكم الحياة الدنيا: أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات.
ولا هم يستعتبون: أي لا يؤذن لهم في الاستعتاب ليعتبوا فيتوبوا.
فلله الحمد رب السموات ورب: أي فلله وحده الوصف بالجميل لإنجاز وعيده لأعدائه.
الأرض
وله الكبرياء في السموات والأرض: أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء.
وهو العزيز الحكيم: أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في عرض مشاهد القيامة وبعض ما يتم فيها من عظائم الأمور لعل السامعين لها يتعظون بها فقال تعالى {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ 1يَسْتَهْزِئُونَ} أي وظهر للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء ظهر لهم وشاهدوا العذاب الذي كانوا إذا ذكروا به أو خوفوا منه استهزأوا به وسخروا منه. وقد حل بهم ونزل بساحتهم وأحاط بهم وقال لهم الرب تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي نترككم في عذاب النار كما تركتم العمل المنجي من هذا العذاب وهو الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي. ومأواكم2 النار أي هي مأواكم ودار إقامتكم {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي وليس لكم من ينصركم فيخلصكم من النار، وعلة هذا الحكم عليهم بينها تعالى بقوله {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُواً3 وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي حكم عليكم بالعذاب والخذلان بسبب اتخاذكم آيات الله الحاملة للحجج والبراهين الدالة على وجود الله ووجوب توحيده وطاعته هزواً أي شيئا مهزواً به، {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزخرفها وزينتها، وطول أعماركم فيها فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا ينجيكم من هذا العذاب الذي حاق بكم اليوم. قال تعالى {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} وترك مخاطبتهم إشعاراً لهم بأنهم لا كرامة لله لهم اليوم فلم يقل فاليوم لا تخرجون منها، بل عدل عنها إلى قوله {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لن يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة إليه، إذ لا توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير ممكن في حكم الله وقضائه وهنا تعظم حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم.
وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ4 السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي رب كل شيء ومليكه حمد نفسه، وقصر الحمد عليه بعد أن أنجز ما أوعد به الكافرين، وذكر موجب الحمد وهو سلطانه القاهر في السموات وفي الأرض، وقوله {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ5} أي العظمة والسلطان {في
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} الذي لا يمانع ولا يغالب، الشديد الانتقام، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الحكيم في تدبير خلقه ويتجلى ذلك في إكرام أوليائه برحمتهم، وإهانة أعدائهم بتعذيبهم في دار العذاب النار وبئس المصير.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان أن الاستهزاء بآيات الله وشرائعه كفر موجب للعذاب.
2- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل، وكما يدين الفتى يدان.
3- مشروعية الحمد عند الفراغ من أي عمل صالح أو مباح.
__________

1 من أنواع الاستهزاء ما روي أن العاص بن وائل قال لخباب بن الأرت وقد طالبه بدين له عليه لئن بعثت كما تقول لأوتين مالاً وولدا في الآخرة فاقض منه دينك.
2 التعبير بالمأوى إشارة إلى تأييد الخلود فيها إذ المأوى مكان الإيواء والاستقرار ولا مكان غيره.

**********************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:41 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء السادس والعشرون
سورة الأحقاف1
مكية
وآياتها خمسة وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)

شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حاميم.
تنزيل الكتاب: أي تنزيل القرآن.
من الله العزيز الحكيم: أي من لدن الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه.
إلا بالحق وأجل مسمى: أي ما خلقنا السماوات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى لفنائهما.
عما أنذروا معرضون: أي عن ما خوفوا به من العذاب معرضون عنه غير ملتفتين إليه.
ما تدعون من دون الله: أي من الأصنام والأوثان.
أروني ماذا خلقوا من الأرض: أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض.
أم لهم شرك في السموات: أي أم لهم شركة.
ائتوني بكتاب من قبل هذا: أي منزل من قبل القرآن.
أو أثارة من علم: أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام.
إن كنتم صادقين: أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى.
من لا يستجيب له إلى يوم القيامة: أي لا أحد أضل ممن يدعو من لا يستجيب له في شيء يطلبه منه أبداً.
وهم عن دعائهم غافلون: أي وهم الأصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون لا يعرفون عنهم شيئاً.
وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء: أي في يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها.
وكانوا بعبادتهم كافرين: أي وكانت الأصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {حم} الله أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر معناه إلى الله منزله. وقوله {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي تنزيل القرآن الكريم من لدن الله العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره. وقوله تعالى {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} من العوالم والمخلوقات {إِلَّا بِالْحَقِّ} أي إلا لحكم عالية وليس من باب العبث واللعب، وإلا بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وإنهاء وجودهما لاستكمال الحكمة من وجودهما. وقوله تعالى {وَالَّذِينَ2 كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} 3 يخبر تعالى بأن الذين كفروا بتوحيد الله ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب الله المترتب على كفرهم وشركهم معرضون غير مبالين به, وذلك لظلمة نفوسهم, وقساوة قلوبهم. وقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ4 مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي من الأصنام والأوثان {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي من شي {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} ولو أدنى شرك وأقله, وقوله {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم تشهد5 بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعواكم أنها آلهة تستحق أن تعبد. وقوله تعالى {وَمَنْ6 أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ينفي تعالى على علم تام أنه لا أضل من أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما كان صغيراً أبداً وحقا لا أحد أضل ممن يقف أمام جماد لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق يدعوه ويسأله حاجته وقوله {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ7 غَافِلُونَ} أي وأولئك الأصنام المدعوون غافلون تماما عن داعيهم لا يعلمون عنه شيئا لعدم الحياة فيهم, ولو كانوا يوم القيامة ينطقهم الله ويتبرءون ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم, وهو ما دل عليه قوله تعالى {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ} أي ليوم القيامة كانوا لهم8 أعداء وخصوماً وكانوا بعبادتهم من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسوله المنزل عليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله.
3- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد.
4- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعوا من لا يستجيب له أبداً كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاء والتبرك.
__________

1 وجه تسميتها بالأحقاف لذكر لفظ الأحقاف فيها ولم يكن لها اسم غيره والأحقاف جمع حقف بكسر الحاء وسكون القاف الرمل المستطيل الكبير.
2 هذه الجملة حالية فهي في موضع نصب حال من الضمير المقدر في متعلق الجار والمجرور في قوله: (بالحق) والمقصود من الإخبار هو التعجب من إعراض الكافرين عن دعوة الحق التي يدعون إليها وهي: الإيمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك, والمعاصي لنجاتهم وسعادتهم.
3-(عما أنذروا) جائز أن تكون (ما) موصولة, والعائد محذوف أي: أنذروه وجائز أن تكون مصدرية أي: عن إنذارهم معرضون.
4-(قل أرأيتم) : الاستفهام تقريري هو بمعنى: أخبروني, وفعل أروني للتعجيز لإبطال دعوى الشرك بالله تعالى, والعاجز عن خلق شيء كيف يستحق العبادة, والتأليه, و (ماذا خلقوا) هو بمعنى ماذا الذي خلقوا أي: أي شيء خلقوه.
5-(من علم) أي: من أهل العلم السابقين غير ومكتوبة في الكتب، وهذا التوسيع عليهم في أنواع الحجج ليكون عجزهم بعد ذلك أقطع لحجتهم وإبطال دعواهم في الشرك. ذكر القرطبي عند تفسير: (أو أثارة من علم) أن بعضهم فسر الأثارة: بالخط، وإن نبيا كان يخط، والمراد التعرف إلى علم الغيب، وختم القول بكلمة لابن العربي أنهى بها الموضوع، إذ قال: إن الله تعالى لم يبق في الأسباب الدالة على الغيب إلا الرؤية إذ هي جزء من النبوة، والفأل الحسن لا غير وأنشد لبعضهم:
الفال والزجر والكهان كلهم
مضللون ودون الغيب أقفال
6-الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، والمعنى: لا أحد أشد ضلالاً وأعجب حالاً ممن يدعون ... الخ
7- الجملة حالية، وجملة: (وإذا حشر الناس) معطوفة عليها.
8- فالعابدون كالمعبودين سواء في التبرؤ من بعضهم بعضا يوم القيامة وإعلان العداء لبعضهم بعضاً.


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:42 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الأحقاف - (2)
الحلقة (779)
سورة الأحقاف
مكية
وآياتها خمسة وثلاثون آية

المجلد الخامس (صـــــــ 48الى صــــ 52)

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
شرح الكلمات:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات: أي أهل مكة من كفار قريش، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات.
قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذا سحر مبين: أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس.
أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه.
قل إن افتريته: أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي.
فلا تملكون لي من الله شيئا: أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني.
هو أعلم بما تفيضون فيه: أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي القرآن.
كفى به شهيداً بيني وبينكم: أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم.
ما كنت بدعاً من الرسل: أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون.
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم: أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي، أو أقتل، وهل
ترجمون بالحجارة أو يخسف بكم.
إن أتبع إلا ما يوحى إلي: أي ما أتبع إلا ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به.
وما أنا إلا نذير مبين: أي وما أنا إلا نذير لكم بين الانذار.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي على كفار قريش {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا {لَلْحَقُّ1} وهو القرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله {أَمْ يَقُولُونَ2 افْتَرَاهُ} أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه. وقوله تعالى {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد الانتقام مني بتعذيبي، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى، فهذا لن يكون مني أبداً. وقوله تعالى {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ3 فِيهِ} أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون في مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص. {كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ4} أي كفى بالله شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي كلا بما عمل {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّ5حِيمُ} لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب. وقوله تعالى في الآية (9) {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً 6مِنَ الرُّسُلِ} يأمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم {مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر علي أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة. وقوله {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ7 بِي وَلا بِكُمْ} أي وقل لهم أيضاً أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم. وقوله {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أتبع إلا الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو قوله أو عمله, فلا أحدث ولا أبتدع شيئا لم يوح الله به أبداً {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا, ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه.
__________

1-(للحق) اللام تعليلية. وليست للتعدية, أي: قال الكافرون بعضهم لبعض لأجل رد الحق وإبطاله, هذا سحر مبين, والحق: القرآن, يصفونه بالسحر حتى لا يؤمنوا به.
2-(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل, والاستفهام أي: أيقولون افتراه والاستفهام وبل للإضراب الانتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضلالهم, والاستفهام للنفي والإنكار معاً.
3-(تفيضون فيه) أي: من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق, إذ الإفاضة في الشيء: الخوض فيه والاندفاع, ومنه: أفاضوا في الحديث: إذا اندفعوا يقولون, وأفاض الناس من عرفات إلى مزدلفة, أي اندفعوا.
4 إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون.
5 الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين.
6 البدع: الأول: والبديع كالبدع بكسر الباء مثل: نصف ونصيف, وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه أي بما لم يأت به غيره, والبديع: صفة مشبهة, وهو من أسماء الله تعالى, ومعناه: خالق الأشياء ومخترعها.
7 هذا رد على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يكن في وسعه من أمور الغيب, وليس معناه كما قيل: إنه لا يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في النار, ولا يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة, إذ هذا قول باطل. وأما حديث عثمان بن مظعون في البخاري" فإنه لما قالت المرأة رحمة الله عليك يا أبا السائب إن الله أكرمك فقال لها: وما يدريك أن الله أكرمه فإني وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي" فإن المراد منه عدم الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض الأمر إلى الله تعالى.

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:42 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني ماذا تكون حالكم.
إن كان من عند الله: أي إن كان القرآن من عند الله.
وكفرتم به: أي وكذبتم به أي بالقرآن.
وشهد شاهد من بني إسرائيل: أي وشهد عبد الله بن سلام.
على مثله فآمن: أي عليه إنه من عند الله فآمن.
واستكبرتم: أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين.
لو كان خيرا ما سبقونا إليه: أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والدين خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون.
وإذ لم يهتدوا به: أي بالقرآن العظيم.
فسيقولون هذا إفك قديم: أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأوليين.
وهذا كتاب مصدق: أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته.
لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا: أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين.
وبشرى للمحسنين: وهو أي القرآن بشرى لأهل الإحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.
ثم استقاموا: أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات.
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة.
بما كانوا يعملون: أي جزاهم الله بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهمالأعمال الفاسدة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين {أَرَأَيْتُمْ} 1 أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله. وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على2 مثله أي على التوراة أنها نزلت من
عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سيما والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً, بدلالتهما معا ًعلى أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد. {ِفَآمَنَ} هذا الشاهد3 {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم4 الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإلهية وقوله تعالى في الآية (11) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها, وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين. وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قول {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ5 آمَنُوا} أي في شأن الذين قالوا لو كان الإسلام خيراً ما6 سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا.
وقوله تعالى {وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن7 فسيقولون {هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله.
وقوله تعالى {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا8 عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه.
وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينذر9 به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب الله المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بشرى للمحسنين من المؤمنين الذين احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا10} بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقب على ذلك بذكر المحسنين وأعمالهم على نهج الترهب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا الله أي آمنوا وصرحوا بإيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج لا إله إلا الله فعبدوا الله بما شرع وتركوا عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلاء يخبر تعالى عنهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة فهم آمنون في الحيوات الثلاث، وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم أصحابها الخالدون فيها، وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من الإيمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا.
2- تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه, إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم.
3- بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته.
4- وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر.
5- فضل الإستقامة11 حتى قيل أنها خير من ألف كرامة, والإستقامة هي التمسك بالإيمان والعبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة.
__________

1 الاستفهام تقريري للتوبيخ, ومفعولا (رأيتم) محذوفا ن تقديرهما: أنفسكم ظالمين.
2 المثل: المماثل أي: المشابه في فعل أو صفة, وضمير مثله: عائد على القرآن, وجائز أن يكون المراد بالمثل: التوراة, والشاهد هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام كما في التفسير, وجائز أن يكون لفظ (مثل) مقحماً زائد نحو: (ليس كمثله شيء) أي: ليس مثله شيء, ويكون المعنى. وشهد شاهد- وهو عبد الله بن سلام- على صدق القرآن وكونه وحي الله أوحاه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3- لا حاجة إلى أن نقول الشاهد هو موسى عليه السلام بحجة أن السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة، إذ من الجائز أن تكون السورة مكية والآيات مدنية، وهو الحق في هذا والله أعلم.
4- الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو: ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.
5- اللام تعليلية أي: قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.
6- ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وشمية وزنيرة على وزن شريرة، وسكيرة: أمة رومية كانت من السابقين إلى الإسلام.
7- المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن: قالوا هذا إفك قديم.
8- كلمة (لساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قروناً عديدة.
9- قرأ نافع (لتنذر) بالتاء الفوقية حطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ حفص (لينذر) بالياء أي القرآن.
10- ثم للتراخي الرتبي, إذ الإيمان يحصل بالنظر والتأمل دفعة واحدة وأما الإستقامة فتحتاج إلى مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك..
11- روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قل آمنت بالله ثم استقم".




الساعة الآن : 09:50 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 174.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 174.40 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.29%)]