ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (1)
الحلقة (750)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 559الى صــــ 562)

سورة فصلت (1)
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)

شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا حم، ويقرأ هكذا حا ميم.
تنزيل من الرحمن الرحيم: أي من الله إذ هو الرحمن الرحيم.
فصلت آياته: أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون إذ هم الذين ينتفعون.
بشيراً ونذيراً: أي مبشرا أهل الإيمان والعمل الصالح بالفوز, ومنذراً المكذبين الكافرين بالخسران.
فأعرض أكثرهم: أي أعرض عن سماع القرآن أكثر مشركي مكة وكفار قريش.
فهم لا يسمعون: أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون.
في أكنة: أي أغطية جمع كنان: ما فيه يكن الشيء ويستر.
وفي آذاننا وقر: أي ثقل فلم نطق السمع.
ومن بيننا وبينك حجاب: أي مانع وفاصل بيننا فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.
معنى الآيات:
قوله تعالى {حم} هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة الله أعلم بمراده به. وقد ذكرنا ما أثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة في أول سورة غافر، وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ وقوله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس كما يقول المبطلون. وقوله {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } لسان العرب ويفهمون معاني الكلام وأسراره. قوله {بَشِيراً وَنَذِيراً} وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإيمان وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار، نذيراً للمشركين المكذبين من عذاب النار، وقوله تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ (4) فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم لا يسمعونه ولا يريدون سماعه بحال، وقالوا معتذرين بأقبح الأعذار: قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن لا نفهم ما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك، وفي آذاننا وقر أي ثقل فلا تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب (5) ساتر وحائل لنا عنك فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك، واعمل (6) على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن يفهم (1) كلام الله القرآن العظيم.
2- اشتمال القرآن على أسلوب الترغيب والترهيب وهي البشارة والنذارة.
3- بيان شدة عداوة المشركين للتوحيد والداعين إليه في كل زمان ومكان.
__________

1- وتسمى سورة حم السجدة وتسمى سورة المصابيح وسورة الأموات لذكر المصابيح والأموات والسجدة وفصلت فيها.
2- تنزيل مبتدأ وسوغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم كأن قيل تنزيل عظيم ومن الرحمن الرحيم الخبر وكتاب بدل من تنزيل وفصلت صفة لكتاب.
3- في إعراب قرآناً عدة وجوه أظهرها أن النصب على الحال وجائز أن يكون على الاختصاص بالمدح.
4- فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن البشارة فلم يعنوا بها ومن النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم.
5- روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً فقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه.
6- وقيل اعمل على هلاكنا فإنا عاملون على هلاكك وقيل غير هذا وما في التفسير أولى.
7- شاهده قول الأصوليين ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما دام لا يفهم الشرع إلا بلغة القرآن وجب تعلم هذه اللغة.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:23 PM

تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
شرح الكلمات:
قل إنما أنا بشر مثلكم: أي لست ملكا وإنما أنا بشر مثلكم من بني آدم.
يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد: أي يوحي الله إلي بأن إلهكم أي معبودكم أيها الناس إله واحد لا ثاني له ولا أكثر.
فاستقيموا إليه: بإخلاص العبادة له دون سواه.
واستغفروه: أي اطلبوا منه أن يغفر لكم ذنوبكم (1) التي كانت قبل الاستقامة وهي الشرك والمعاصي.
وويل للمشركين: أي عذاب شديد سيحل بهم لإغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة.
لا يؤتون الزكاة: أي زكاة أنفسهم بما يطهرها من أوضار الشرك والمعاصي.
لهم أجر غير ممنون: أي ثواب الآخرة وهو الجنة ونعيمها لا ينقطع بحال هو أجر غير ممنون.
معنى الآيات:
إنه بعد تلك المفاصلة التي قام بها المشركون حفاظاً على الوثنية وجهل الجاهلية أمر تعالى رسوله أن يقول لهم إنما أنا بشر مثلكم في آدميتي لم أدّع يوما غيرها فلم أقل إني ملك، إلا أني أفضلكم بشيء وهو أنه يوحى إليّ من قبل ربي، والموحى به إلي هو أنما إلهكم الحق إله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، وعليه فاخلعوا تلك الأوثان واستقيموا (2) إليه تعالى بإخلاص العبادة والوجوه إليه، واستغفروه من آثار الذنب السابق قبل الاستقامة على الإيمان والتوحيد وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} يخبر تعالى أن الويل وهو مُرُّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد وقيح أهل النار وما يسيل من أبدانهم وفروجهم للمشركين بربهم الذين لا يؤتون (3) زكاة أموالهم، وهم بالآخرة هم كافرون أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء فلذا هم لا يتركون شراً ولا يفعلون خيراً إلا ما قل وندر والنادر لا حكم له.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ (4) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي آمنوا بالله وعده ووعيده وشرعه وعملوا الصالحات بأداء الفرائض والكثير من النوافل بعد تجنبهم الشرك والكبائر من الذنوب والمعاصي هؤلاء لهم أجر غير ممنون (5) مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم، والأجر هو الثواب والمراد به الجنة إذ نعيمها لا ينقطع على من ناله وفاز به بحال من الأحوال.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة والتوحيد.
2- وجوب الاستقامة على شرع الله.
3- وجوب الاستغفار من كل ذنب صغيراً كان أو كبيراً.
4- وجوب الزكاة في الأموال، ووجوب تزكية النفوس بالإيمان وصالح الأعمال.
__________

1- ذنوبكم التي قارفتموها من الشرك والمعاصي قبل التوبة التي هي الاستقامة على طاعة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - استقيموا إليه أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه كما يقال للرجل استقم إلى منزلك أي لا تعرج إلى شيء غير القصد إليه.
3- قال ابن عباس لا يؤتون الزكاة أي لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس لأن السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة وقال بعضهم إن قريشاً كانوا ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك من آمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت هذه الآية.
4- الجملة مستأنفة استئنافاً بيانيا نشأ عن الوعيد المتقدم فكأن سائلاً يقول فإن اتعظ هؤلاء المشركون وتابوا من الشرك وترك المعاصي فما جزاؤهم؟ فالجواب أن الذين آمنوا عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون.
5- المن القطع ومن منّ صدقته فقد قطعها قال الشاعر:
لعمرك ما بأبي بذي غلق
على الصديق ولا خيري بممنون


ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:52 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (2)
الحلقة (751)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 563الى صــــ 569)

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
شرح الكلمات:
بالذي خلق الأرض في يومين: أي الأحد والاثنين.
وتجعلوا له أندادا: أي شركاء وهذا داخل في حيز الإنكار الشديد عليهم.
ذلك رب العالمين: أي الله مالك العالمين وهم كل ما سواه عز وجل من سائر الخلائق.
وجعل فيها رواسي: أي جبالاً ثوابت.
وبارك فيها: أي في الأرض بكثرة المياه والزروع والضروع.
وقدر فيها أقواتها: أي أقوات الناس والبهائم.
في أربعة أيام: أي في تمام أربعة أيام وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء.
سواء للسائلين: أي في أربعة أيام هي سواء لمن يسأل فإنها لا زيادة فيها ولا نقصان.
ثم استوى إلى السماء: أي قصد بإرادته الربانية إلى السماء وهي دخان قبل أن تكون سماء.
فقضاهن سبع سماوات في يومين: أي الخميس والجمعة ولذا سميت الجمعة جمعة لاجتماع الخلق فيها.
وأوحى في كل سماء أمرها (1) : أي ما أراد أن يكون فيها من الخلق والأعمال.
وزينا السماء الدنيا بمصابيح: أي بنجوم.
وحفظاً: أي وحفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب الموجودة فيها.
ذلك تقدير العزيز العليم: أي خلق العزيز في ملكه العليم بخلقه.
معنى الآيات:
إنه بعد الإصرار على التكذيب والإنكار من المشركين أمر تعالى رسوله أن يقول لهم (2) {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إن كفرهم عجب منكم هل تعلمون بمن تكفرون إنكم لتكفرون بالذي خلق الأكوان كلها علويها وسفليها في ستة أيام، أين يذهب بعقولكم يا قوم أتستطيعون جحود الله تعالى وجحود آياته وهذه الأكوان كلها آيات شاهدات على وجوده وقدرته وعلمه حكمته وموجبة له الربوبية عليها والألوهية له فيها دون غيره من سائر خلقه وأعجب من ذلك أنكم تجعلون له أنداداً أي شركاء تسوونهم به وهم أصنام لا تسمع ولا تبصر فكيف تُسّوى بالذي خلق الأرض في يومين أي الأحد والاثنين، وهو رب العالمين أجمعين أي رب كل شيء ومليكه ومالكه.
وقوله تعالى في الآية الثانية (9) {وَجَعَلَ فِيهَا} أي في الأرض رواسي أي جبالاً ثوابت ترسو في الأرض حتى لا تميد بأهلها ولا تميل فيخرب كل شيء عليها، {وَبَارَكَ فِيهَا} بكثرة المياه والرزق والضروع والخيرات {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (3) تقديراً يعجز البيان عن وصفه، والقلم عن رقمه والآلات الحاسبة عن عدّه. وذلك كله من الخلق والتقدير {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً (4) } لمن يسأل عنها إنها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء أي مقدرة بأيامنا هذه التي تكونت نتيجة الشمس والقمر والليل والنهار فلا تزيد يوماً ولا تنقص آخر.
وقوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} في الآية الثالثة (10) يخبر تعالى أنه بعد خلق الأرض استوى إلى السماء أي قصد بإرادته التي تعلو فوق كل إرادة {إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} أي بخار وسديم ارتفع من الماء الذي كان عرشه تعالى عليه فقال لها كما قال {وَلِلْأَرْضِ (5) ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي طائعتين أو مكرهتين لا بد من مجيئكما حسب ما أردت وقصدت فأجابتا بما أخبر تعالى عنهما في قوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي لم يكن لنا أن نخالف أمر ربنا، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وهما الخميس والجمعة، {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي ما أراد أن يخلقه فيها ويعمرها به من المخلوقات والطاعات. وقوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وهي النجوم وحفظاً أي وجعلناها أي النجوم حفظاً من الشياطين أن تسترق السمع فإن الملائكة يرجمونهم بالشهب من النجوم فيحترقون أو يخبلون. وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ (6) الْعَلِيمِ} أي ذلك المذكور من الخلق والتقدير تقدير العزيز في ملكه أي الغالب على أمره العليم بتدبير ملكه وأعمال وأحوال خلقه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- الكفر بالله لا ذنب فوقه فما بعد الكفر ذنب، وهو عجيب وأعجب منه اتخاذ أصنام وأحجار وأوثاناً تعبد مع الله الحي القيوم مالك الملك ذي الجلال والإكرام.
2- بيان الأيام التي خلق الله فيها العوالم العلوية والسفلية وهي ستة أيام أي على قدر ستة أيام من أيام الدنيا هذه مبدوءة بالأحد منتهية بالجمعة، وقدرة الله صالحة لخلق السموات والأرض وبكل ما فيهما بكلمة التكوين "كن" ولكن لحكم عالية أرادها الله تعالى منها تعليم عباده الأناة والتدرج في إيجاد الأشياء شيئاً فشيئاً.
3- لا تعارض بين قوله تعالى في هذه الآية {ثم استوى إلى السماء} المشعر بأن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} من سورة النازعات المفهم أن دَحْوَ الأرض كان بعد خلق السماء، إذ فسر تعالى دحو الأرض بإخراج مائها ومرعاها وهو ما ترعاه الحيوانات التي سيخلقها عليها، ثم قوله {خلق الأرض في يومين} على صورة يعلمها هو ولا نعلمها نحن،وتقدير الأقوات في قوله {وقدر فيها أقواتها} لا يستلزم أن يكون فعلا أظهر ما قدره إلى حيز الوجود، وحينئذ لا تعارض بين ما يدل من الآيات على خلق الأرض أولا ثم خلق السموات وهو الذي صرحت به الأحاديث إذ خلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وبعد أن خلق السموات دحا الأرض فأخرج منها ما قدره فيها من أقوات وأرزاق الحيوانات حسب سنته في ذلك.
4- بيان فائدتين عظيمتين (7) للنجوم الأولى أنها زينة السماء بها تضاء وتشرق وتذهب الوحشة منها والثانية أن ترمى الشياطين بالشهب من النجوم ذات التأجج الناري.
__________

1- الوحي: الكلام الخفي، ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قول، ومنه فأوحى إليهم أي أومأ إليهم بما يدل على معنى سبحوا بكرة وعشياً قال الشاعر:
يرمون بالخطب الطوال وتارة
وحي الملاحظ خفية الرقباء
2- الاستفهام للتوبيخ والتعجب من حالهم أي لم تكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً؟ ومعنى الكفر به تعالى بانفراده بالألوهية. فلما أنكروا ألوهيته كان كإنكارهم صفات ذاته فصح أنهم كفروا به.
3- قال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يومي الثلاثاء والأربعاء.
4- أي تتمة أربعة أيام.
5- قال ابن عباس قال الله تعالى للسماء أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك وأجري سحابك ورياحك وقال للأرض شقي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين {قالتا أتينا طائعين} .
6- في الأحاديث الصحيحة أن الله خلق آدم يوم الجمعة وأنه آخر أيام الأسبوع وأنه خيرها وأفضلها وأن اليهود والنصارى قد اختلفوا فيه فهدى الله الذين آمنوا إليه.
7- والثالثة الاهتداء بها في معرفة البلاد والقبلة قال تعالى "والنجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر".

**************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:52 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
شرح الكلمات:
فإن أعرضوا: أي كفار قريش عن الإيمان والتوحيد بعد ذلك البيان المفصل.
فقل أنذرتكم صاعقة: أي خوفتكم صاعقة تنزل بكم فتهلككم إن أصررتم على هذا الكفر.
من بين أيديهم ومن خلفهم: أي أتتهم رسلهم تعرض عليهم دعوة الحق من أمامهم ومن ورائهم.
لو شاء ربنا لأنزل ملائكة: أي بدلاً عنكم أيها الرسل من البشر.
بغير الحق: أي بغير أن يأذن الله لهم بذلك العلو والاستكبار والتجبّر.
ريحاً صرصراً: أي ذات صوت يسمع له صرصرة مع البرودة الشديدة.
في أيام نحسات: أي مشئومات عليهم لم يفلحوا بعدها.
ولعذاب الآخرة أخزى: أي أشد خزيا من عذاب الدنيا.
فاستحبوا العمى على الهدى: أي استحبوا الكفر على الإيمان إذ الكفر ظلام والإيمان نور.
الذين آمنوا وكانوا يتقون: أي الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في طلب هداية قريش فقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا (1) } بعد ذلك البيان الذي تقدم لهم في الآيات السابقة المبين لقدرة الله وعمله وحكمته والموجب للإيمان بالله ولقائه وتوحيده فقل لهم أنذرتكم أي خوفتكم صاعقة (2) تنزل بكم إن أصررتم على إعراضكم مثل صاعقة عادٍ وثمود أي عذابا مهلكاً كالذي أهلك الله به عاداً وثمود.
وقوله: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ} وهم هود وصالح من بين أيديهم ومن خلفهم كناية أن الرسول بلغهم دعوة الله لهم إلى الإيمان والتوحيد بعناية فائقة فكان يأتيهم من أمامهم ومن خلفهم يدعوهم، قائلاً لهم: لا تعبدوا (3) إلا الله فإنه الإله الحق وما عداه فباطل فكان جوابهم لهم لا نؤمن لكم ولا نقبل منكم ولو شاء (4) الله ما تقولون لنا لأنزل به ملائكة يدعوننا إليه لا أن يرسل مثلكم من البشر وأخيرا قالوا لهم فإننا بما أرسلتم به كافرون فأيأسوا الرسل من إجابتهم. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (12) والثانية (13) وفي الآية الثالثة (14) بين تعالى حال القوم كلاً على حدة فقال فأما عاد أي قوم (5) هود فاستكبروا في الأرض بغير الحق فحملهم الكبر الناجم عن القوة
المادية على رفض دعوة هود عليه السلام وقالوا فيه وفي دعوته الكثير وقد مر في سورة هود ويأتي في سورة الأحقاف مفصلاً ما أجمل هنا، وقوله بغير الحق أي أن استكبارهم لا حق لهم فيه أولا لضعفهم أمام قوة الله عز وجل، وثانيا لم يأذن الله تعالى لهم بالاستكبار فهو بغير حق إذاً. وقوله: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ (6) ُ مِنَّا قُوَّةً} وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان، ولذا تحداهم الله تعالى بالقوة فقال عز وجل أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعموا ولم يروا أن الله الذي خلقهم قطعاً هو أشد منهم قوة. إذ كل قوة لهم مصدرها الله هو خالقهم وواهب القوة لهم، فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يُخلق أحدهم وهو لا يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه وقوله: {وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} هذا تسجيل عليهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات الله التي جاء بها رسول الله هود عليه السلام كما جحدت قريش آيات الله، وقوله تعالى فأرسلنا عليهم أي بمجرد أن تأكد كفرهم بجحودهم بآيات الله أرسل الله تعالى عليهم ريحاً صرصرا (7) أي باردة ذات صوت مزعج دامت سبع ليال وثمانية أيام فل تبق منهم أحداً وهي أيام نحسات (8) عليهم مشئومات قال تعالى لنذيقهم أي أرسلناها عليهم لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا. ولعذاب الآخرة أخزى أي أشد خزيا وإهانة لهم وذلة، وهم لا ينصرون أي لا ناصر لهم من الله عز وجل. هذا بيان حال عاد. وأما ثمود (9) فقد قال تعالى وأما ثمود قوم صالح فاستحبوا الضلال على الهدى والكفر على الإيمان وقتلوا الناقة وهمّوا بقتل صالح فأخذتهم صاعقة العذاب الهون وذلك صباح السبت فأخذتهم صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم، وذلك بما كانوا يكسبون من الشرك والظلم والكفر والعناد. ونجّى الله تعالى صالحاً ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والمعاصي وكانوا أربعة آلاف مؤمن ومؤمنة وهو معنى قوله تعالى في ختام الحديث: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التحذير من الإعراض عن إجابة دعوة الحق، والاستمرار في التمرد والعصيان.
2- تقرير التوحيد وهو أن لا إله إلا الله.
3- دعوة الرسل واحدة وهي الأمر بالكفر بالطاغوت، والإيمان بالله وعبادته وحده بما شرع للناس من عبادات.
4- التنديد بالاستكبار وأنه سبب الكفر والعصيان.
5- لا مصيبة إلا بذنب "بما كانوا يكسبون (10) " أي من الذنوب.
6- الإيمان والتقوى هما سبيل النجاة من العذاب في الدنيا والآخرة وهما ركنا ولاية الله تعالى لقوله ألا إن أولياء (11) الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون.
__________

1- أي استمروا على إعراضهم بعد دعوتك إياهم وإلحاحك فيها.
2- الصاعقة حقيقتها أنها نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيدة السريعة الإهلاك.
3- جملة ألا تعبدوا إلا الله تفسير لجملة وجاءتهم الرسل.
4- هذا قول عاد وثمود لرسوليهم هود وصالح فحكى بهذا اللفظ.
5- لما حكى الله تعالى قولتي عاد وثمود لرسوليهم وهو قولهم لو شاء الله لأنزل ملائكة فصّل في هذه الآيات حال كل من القبيلتين إتماماً للتذكير بحالهما والموعظة بالعذاب الذي أصابهما فقال فأما عاد.. الخ.
6- وهذا اغترار بقوة أجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب.
7- أصلها من صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل نحو كبكبوا أصلها كببوا وتجفجف الثوب أصلها تجفف والصرصر هي الشديدة البرودة قال الحطيئة:
المطعمون إذا هبت بصرصرة
الحاملون إذا استودوا على الناس
ومعنى استودوا إذا سئلوا الدية.
8- قرأ نافع بسكون الحاء ويجوز كسرها وبه قرأ حفص على أنه صفة مشبهة من نحس إذا أصابه النحس إصابة سوء أو ضر والنحسات بسكون الحاء جمع نحس.
9- شروع في تفصيل حال ثمود بعد عاد والهداية التي كانت لهم هداية إرشاد وتكليف بواسطة رسولهم صالح وما آتاهم الله من معجزة الناقة العظيمة.
10- أي لقوله تعالى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون أي بسبب كسبهم السيئات.
11- الآية من سورة يونس عليه السلام.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:53 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (3)
الحلقة (752)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 570الى صــــ 574)

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
شرح الكلمات:
فهم يوزعون: أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم ليساقوا إلى النار مجتمعين.
حتى إذا ما جاءوها: أي حتى إذا جاءوها أي النار.
بما كانوا يعملون: من الذنوب والمعاصي.
وهو خلقكم أول مرة: أي بدأ خلقكم في الدنيا فخلقكم ثم أماتكم ثم أحياكم.
وما كنتم تستترون: أي عند ارتكابكم الفواحش والذنوب أي تستخفون من أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم فتتركوا الفواحش والذنوب.
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم: أي ولكن عند ارتكابكم الفواحش ظننتم أن الله لا يعلم ذلك منكم.
أرداكم: أي أهلككم.
فإن يصبروا فالنار مثوى لهم: أي فإن صبروا على العذاب فالنار مثوى أي مأوى لهم.
وإن يستعتبوا: أي يطلبوا العتبى وهي الرضا فلا يعتبون أي لا يرضى عنهم هذه حالهم أبدا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة قريش إلى أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وفي هذا السياق عرض لمشهد من مشاهد القيامة وهو مشهد حيٌّ رائع يعرض أمامهم.
إذ يقول تعالى: {وَيَوْمَ (1) يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ} أي اذكر لهم يوم يحشر أعداء الله أي الذين كفروا به فلم يؤمنوا ولم يتقوا؛ إلى النار فهم يوزعون يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيساقون مع بعضهم بعضاً. حتى (2) إذا ما جاءوها أي انتهوا إليها، وادعوا أنهم مظلومون وأخذوا يتنصّلون من ذنوبهم، وقالوا إنه لا يقبلون شاهداً من غير أنفسهم فيأمر الله تعالى أسماعهم وأبصارهم وجلودهم فتشهد عليهم بما كانوا يعملون، وهو قوله تعالى: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهنا رجعوا إلى جلودهم يلومون عليهم ويعتبون وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ (3) عَلَيْنَا} فأجابتهم جلودهم بما أخبر تعالى عنهم في هذا السياق {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي النشأة الأولى في الدنيا ثم أماتكم ثم أحياكم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وها أنتم قد رجعتم فالقادر على هذا كله قادر على أن ينطقنا وعلى كل شيء أراد إنطاقه، وقوله {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (4) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أي وما كنتم تستخفون فتتركوا محارم الله بل كنتم تجاهرون بذلك لعدم إيمانكم بالبعث والجزاء {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} وهو ظن سيء {أَرْدَاكُمْ} أي أهلككم {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وهذا هو الخسران المبين وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق (23) فإن يصبروا أي أعداء الله الذين شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم فالنار مثوى أي مأوى لهم لا يخرجون منها أبداً. وإن يستعتبوا أي يطلبوا العتبى أي الرضا فيرضى عنهم فيدخلوا الجنة {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أي فما هو بحاصل لهم أبداً فهم إذاً بشرِّ التقديرين والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض مفصل بحال أهل النار فيها.
2- التحذير من فعل الفواحش وكبائر الذنوب فإن جوارح المرء تشهد عليه.
3- التحذير من سوء الظن بالله تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن الله لا يطلع عليه. أو لا يعلم ما يرتكبه، أو أنه لا يحاسبه أو لا يجزيه.
4- وجوب حسن الظن بالله تعالى وهو أن يرجو أن يغفر الله له إذا تاب من زلة زلها، وأن يرجو رحمته وعفوه إذا كان في حال العجز عن الطاعات ولا سيما عند العجز عن العمل للمرض والضعف كالكبر ونحوه فيغلب جانب الرجاء على جانب الخوف.
__________

1- يحشرون إلى النار أي يجمعون ويساقون إليها.
2- حرف ابتداء في اللفظ أي أن ما بعدها جملة مستأنفة إلا أنها تفيد معنى الغاية "وما" في ما جاءوها مزيدة للتوكيد.
3- شهادة جلودهم وجوارحهم عليهم هي شهادة تكذيب وافتضاح وإلا إدانتهم متحققة بصحائف أعمالهم وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغة جمع العقلاء لأن التحاور معهم أنزلهم منزلة العقلاء.
4- في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الآية وهي أن عبد الله بن مسعود قال كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. قال عبد الله فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى {وما كنتم تستترون} الخ..

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 02:53 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
شرح الكلمات:
وقيضنا لهم قرناء: أي وبعثنا لكفار مكة المعرضين قرناء من الشياطين.
فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم: أي حسنوا لهم الكفر والشرك، وإنكار البعث والجزاء.
وحق عليهم القول في أمم قد خلت: أي وجب لهم العذاب في أمم مضت قبلهم من الجن والإنس.
والغوا فيه لعلكم تغلبون: أي الغطوا فيه بالباطل إذا سمعتم من يقرأه.
ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون: أي بأقبح جزاء أعمالهم التي كانوا يعملون.
أعداء الله: أي من كفروا به ولم يتقوه.
أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس: أي إبليس من الجن، وقابيل بن آدم.
نجعلهما تحت أقدامنا: أي في أسفل النار ليكونا من الأسفلين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المعرضين من كفار قريش، فقال تعالى: {وَقَيَّضْنَا (1) لَهُمْ} أي بعثنا لهم قرناء من الشياطين، وذلك بعد أن أصروا على الباطل والشر فخبثوا خبثاً سهّل لأخباث الجن الاقتران بهم فزينوا لهم الكفر والمعاصي القبيحة في الدنيا فها هم منغمسون فيها، كما زينوا لهم الكفر بالبعث والجزاء وإنكار الجنة والنار حتى لا يقصروا في الشر ولا يفعلوا الخير أبدا، وهو معنى قوله تعالى: {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} .
قوله تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي بالعذاب {فِي أُمَمٍ (2) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} في حكم الله وقضائه بمقتضى سنة الله في الخسران. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (25) وهي قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}
وقوله تعالى في الآية الثانية (26) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا (3) لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} يخبر تعالى عن أولئك المعرضين عن كفار قريش وأنهم قالوا لبعضهم بعضاً لا تسمعوا لهذا القرآن الذي يقرأه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا تتأثروا به، والغوا فيه أي الغطوا وصيحوا بكلام لهو وصفقوا وصفروا حتى لا يتأثر به من يسمعه من الناس لعلكم تغلبون رجاء أن تغلبوا محمداً على دينه فتبطلوه ويبقى دينكم. وهذا منتهى الكيد والمكر من أولئك المعرضين عن دعوة الإسلام.
وكان رد الله تعالى على هذا المكر في الآية التالية (27) {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً} يخبر تعالى مؤكدا الخبر بأنه سيذيق الذين كفروا عذاباً شديداً وذلك يوم القيامة وليجزينهم أسوأ أي أقبح الذي كانوا يعملون أي يجزيهم بحسب أقبح سيئاتهم التي كانوا يعملون. ثم قال تعالى: ذلك الجزاء المتوعد به الذين كفروا هو جزاء أعداء الله الذين حاربوا رسوله ودعوته وحتى كتابه أيضاً. وذلك الجزاء هو النار لهم (4) فيها دار الخلد أي الإقامة الدائمة فيها جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون فلم يؤمنوا بها ولم يعملوا بما فيها وقوله تعالى في الآية (29) {وقال الذين كفروا} الآية
يخبر تعالى عن الكافرين وهم في النار إذ يقولون ربنا أي يا ربنا أرنا اللذين (5) أضلانا من الجن والإنس أي اللذين كانا سببا في إضلالنا بتزيينهم لنا الباطل وتقبيحهم لنا الحق أرناهم نجعلهما تحت أقدامنا في النار ليكونا من الأسفلين (6) أي في الدرك الأسفل من النار إذ النار دركات واحدة تحت الأخرى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في العبد إذا أعرض عن الحق الذي هو الإسلام فخبث من جراء كسبه الشر والباطل وتوغله في الظلم والفساد يبعث الله تعالى عليه شيطاناً يكون قرينا له فيزين له كل قبيح، ويقبح له كل حسن.
2- بيان ما كان المشركون يكيدون به الإسلام ويحاربونه به حتى باللغو عند قراءة القرآن حتى لا يسمع ولا يهتدى به.
3- تقرير البعث والجزاء.
4- بيان نقمة أهل النار على من كان سبباً في إضلالهم وإغوائهم، ومن سن لهم سنة شر يعملون بها كإبليس، وقابيل بن آدم عليه السلام إذ الأول سن كل شر والثاني سن سنة القتل ظلماً وعدواناً.
__________

1- قيضنا: أتحنا وهيّنا لهم قرناء أي شياطين يلازمونهم قد يكونون من الجن ومن الإنس إذ الشياطين من الجنسين.
2- في أمم حال من الضمير في عليهم أي حق عليهم حالة كونهم في أمم أمثالهم قد سبقوهم والظرفية هنا مجازية بمعنى التبعيض أي هم من جملة أمم قد خلت من قبلهم قال الشاعر:
إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو
كا ففي آخرين قد أفكوا
3- قال ابن عباس كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان أبو جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون لا تسمعوا له والغوا فيه فكانوا يأتون بالمكاء والصفير والصياح وفي الصحيح أنهم أخرجوا أبا بكر من مكة خوفاً أن يفتن أبناءهم ونساءهم بقراءته القرآن لرقة صوته وبكائه.
4- دار الخلد هي النار نزلت النار منزل الظرف فكانت بذلك دار الخلد والخلد البقاء المؤبد في عالم الشقاء.
5- أرنا أي عين لنا الذين أضلانا من الجن والإنس كناية عن إرادة الانتقام منهم بأن يطؤهم بأقدامهم انتقاماً منهم وتعذيباً لهم لأنهم كانوا السبب في شقوتهم قرأ الجمهور أرنا بكسر الراء وقرأ غيرهم بسكون الراء أرنا كما خففوا فخذ إلى فخذ بسكون الخاء.
6- هذا التعليل أرادوا به التوطئة لاستجابة الله تعالى لما علموا من غضب الله تعالى فأرادوا أن يتوسلوا إليه تعالى بذلك.



ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (4)
الحلقة (753)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 575الى صــــ 579)

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)

شرح الكلمات:
قالوا ربنا الله: قالوا ذلك معلنين عن إيمانهم بأن الله هو ربهم الذي لا رب لهم غيره وألههم الذي لا إله لهم سواه.
ثم استقاموا: أي ثبتوا على ذلك فلم يبدلوا ولم يغيروا ولم يتركوا عبادة الله بفعل الأوامر وترك النواهي.
تتنزل عليهم الملائكة: أي عند الموت وعند الخروج من القبر بحيث تتلقاهم هناك.
أن لا تخافوا ولا تحزنوا: أي بأن لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه فإنه رضوان الله وحمته ولا تحزنوا عما خلفتم رواءكم.
نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة: أي فبحكم ولايتنا لكم في الدنيا والآخرة فلا تخافوا ولا تحزنوا.
ولكم فيها ما تدعون: أي ولكم فيها ما تطلبون من سائر المشتهيات لكم.
نزلا من غفور رحيم: أي رزقاً مهيأً لكم من فضل رب غفور رحيم.
معنى الآيات:
لما بين تعالى حال الكافرين في الدار الآخرة وهي أسوأ حال بين حال المؤمنين في الآخرة وهي أحسن حال وأطيب مآل فقال {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا (1) اللهُ} أي لا ربّ لنا غيره ولا إله لنا سواه، ثم استقاموا (2) فلم يشركوا به في عبادته أحداً فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي وماتوا على ذلك هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة أي تهبط عليهم وذلك عند الموت بأن تقول لهم لا تخافوا على ما أنتم مقدمون عليه من البرزخ والدار الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم وأبشروا (3) بالجنة دار السلام التي كنتم توعدونها في الكتاب وعلى لسان الرسول. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا إذ
كنا نسددكم ونحفظكم من الوقوع في المعاصي، وفي الآخرة نستقبلكم عند الخروج من قبوركم حتى تدخلوا جنة ربكم. ولكم فيها أي في الجنة ما تشتهي أنفسكم من الملاذ ولكم فيها ما تدعون أي تطلبون مما ترغبون فيه وتشتهون. نزلا أي قرىً وضيافة من لدن ربّ غفور لكم رحيم بكم لا إله إلا هو ولا رب سواه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- فضل الإيمان والاستقامة عليه بأداء الفرائض واجتناب النواهي.
2- بشرى أهل الإيمان والاستقامة عند الموت بالجنة وهؤلاء هم أولياء الله المؤمنون المتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وهي هذه وفي الآخرة عند خروجهم من قبورهم.
3- في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولأحدهم كل ما يطلبه ويدعيه وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم وتلقي التحية منه والتسليم.
__________

1- في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك وفي رواية غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم وزاد الترمذي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال فأخذ بلسان نفسه وقال هذا.
2- ذكر القرطبي في تفسير الاستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف، ثم قال وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها "اعتدلوا على طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً وداوموا على ذلك".
3- قال وكيع وابن أبي زيد البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وشاهد هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس ذلك كراهة الموت ولكن المؤمن إذا حُضِر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون لقي الله تعالى فأحب الله لقاءه قال وإن الفاجر والكافر إذا حُضِر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه قال ابن كثير وهذا حديث صحيح وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:09 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
شرح الكلمات:
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله: أي لا أحد أحسن قولا منه أي ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته.
وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين: وعمل صالحاً وهي شرط أيضاً وقال إنني من المسلمين شرط ثالث.
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة: أي لا تكون الحسنة كالسيئة ولا السيئة كالحسنة.
ادفع بالتي هي أحسن: أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي هي أحسن كالغضب بالرضى، والقطيعة بالصلة.
كأنه ولي حميم: أي كأنه صديق قريب في محبته لك إذا فعلت ذلك.
وما يلقاها إلا الذين صبروا: أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي أحسن.
إلا ذو حظ عظيم: أي ثواب عظيم وأجر جزيل هذا في الآخرة وأما في الدنيا فالخلق الحسن والكمال.
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ: أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك خير أو فعل شر.
فاستعذ بالله: أي فاستجر بالله قائلاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إنه هو السميع العليم: أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بما يصيبهم وينزل بهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى بشرى أهل الإيمان وصالح الأعمال ذكر هنا بشرى ثانية لهم أيضاً فقال: {وَمَنْ (1) أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هذه ثلاثة شروط الأول دعوته إلى الله تعالى بأن يعبد فيطاع ولا يعص ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر والثاني وعمل صالحاً فأدى الفرائض واجتنب المحارم، والثالث وفاخر بالإسلام معتزا به وقال إنني من المسلمين، فلا أحد أحسن قولاً من هذا الذي ذكرت شروط كماله، ويدخل في هذا أولا الرسل، وثانياً العلماء، وثالثاً المجاهدون ورابعاً المؤذنون وخامساً الدعاة الهداة المهديون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (23) . وقوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} هذا تقرير إلهي يجب أن يعلم وهو أن الحسنة لا تستوي (2) مع السيئة وأن السيئة لا تستوي مع الحسنة فالإيمان لا يساوى بالكفر، والتقوى لا يساوى بالفجور، والعدل لا يساوى بالظلم.
كما أن جنس الحسنات لا يتساوى، وجنس السيئات لا يتساوى بل يتفاضل فصيام رمضان لا يساوى بصيام رجب أو محرم تطوعاً، وسيئة قتل المؤمن لا تستوي مع شتمه أو ضربه وقوله
تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) } أي بعد أن عرفت يا رسولنا عدم تساوي الحسنة مع السيئة إذاً فادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن من غيرها فإذا الذي (4) بينك وبينه عداوة قد انقلب في بره بك واحترامه لك واحتفائه بك كأنه ابن عم لك يحبك ويحترمك ولما كانت هذه الخصلة وهي الدفع بالتي هي أحسن لا تتأتى إلا لذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي وما يعطى هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فكان الصبر خلقاً من أخلاقهم {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الأخلاق والكمال النفسي، في الدنيا، والآخرة والأجر العظيم وهو الجنة في الآخرة.
وقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ (5) بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يرشد الرب تعالى عبده ورسوله وكل فرد من أفراد أمته إن نزغه من الشيطان نزغ بأن وسوس له بفعل شر أو ترك خير، أو خطر له خاطر سوء أن يفزع إلى الله تعالى يستجير به فإن الله تعالى هو السميع العليم فالاستجارة به من الشيطان تحمي العبد وتقيه من وسواس الشيطان وما يلقيه في النفس من خواطر سيئة، ولله الحمد والمنة على هذا الإرشاد الرباني الذي لا يستغني عنه أحد من عباده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف الدعاة العاملين.
2- فضل الإسلام والاعتزاز به والتفاخر الصادق به.
3- تقرير أن الحسنة لا تتساوى مع السيئة. كما أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت.
4- وجوب دفع السيئة من الأخ المسلم بالحسنة من القول والفعل.
5- فضل العبد الذي يكمل في نفسه وخلقه فيصبح يدفع السيئة بالحسنة.
6- وجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إذا وسوس أو ألقى بخاطر سوء إذ لا يقي منه ولا يحفظ إلا الله السميع العليم.
__________

1- يدخل في هذه الآية دخولاً أولياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هو أحق وأجدر وهي نازلة فيه رداً على الذين يلغون في القرآن عند سماعه وهي تتناول كل مؤمن متصف بهذه الصفات المعبر عنها في التفسير بالشروط.
2- لا في قوله ولا السيئة صلة زيدت للتأكيد إذ الأصل ولا تستوي الحسنة والسيئة وشاهدها قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم
والطيبان أبو بكر ولا عمر
3- قال ابن عباس ادفع بحملك جهل من يجعل عليك. وقيل أيضا هو الرجل يسب الرجل فيقول المسبوب إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر لك وقال مجاهد أن يسلم المرء على من يعاديه إذا لقيه فهو معنى (بالتي هي أحسن) .
4- قال ابن عباس في هذه الآية ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله ولي حميم أمره الله تعالى بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وهو كما قال رضي الله عنه.
5- فائدة الاستعاذة بالنسبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تجديد داعيه العصمة المركوزة في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للنعمة وصقل النفس مما يغان على القلب كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة".

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فصلت - (5)
الحلقة (754)
سورة فصلت
مكية
وآياتها أربع وخمسون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 579الى صــــ 583)

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
شرح الكلمات:
ومن آياته: أي من جملة آياته الدالة على ألوهية الرب تعالى وحده.
الليل والنهار: أي وجود الليل والنهار والشمس والقمر.
لا تسجدوا للشمس ولا للقمر: أي لا تعبدوا الشمس ولا القمر فإنهما من جملة مخلوقاته الدالة عليه.
إن كنتم إياه تعبدون: أي إن كنتم حقاً تريدون عبادته فاعبدوه وحده فإن العبادة لا تصلح لغيره.
فالذين عند ربك: أي الملائكة.
وهم لا يسأمون: أي لا يملون من عبادته ولا يكلون.
ترى الأرض خاشعة: يابسة جامدة لا نبات فيها ولا حياة.
اهتزت وربت: أي تحركت، وانتفخت وظهر النبات فيها.
إن الذي أحياها لمحيي الموتى: أي إن الذي أحيا الأرض قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي ومن جملة آياته العديدة الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته والموجبة للإيمان به وعبادته وتوحيده، الليل والنهار وتعاقبهما وانتظام ذلك بينهما فليس الليل سابق النهار، وكذا الشمس والقمر خلقهما وسيرهما في فلكيهما بانتظام ودقة فائقة وحساب دقيق وعليه فلا تسجدوا (1) للشمس ولا القمر أيها الناس فإنهما مخلوقان من جملة المخلوقات، ولكن اسجدوا لخالقهما إن كنتم إياه تعبدون (2) كما تزعمون. ثم قال تعالى لرسوله: فإن أبوا أن يستجيبوا لك ويسمعوا منك ما قلت لهم مستكبرين فاعلم أن الذين عند ربك وهم الملائكة يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون من ذلك ولا يملون.
وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي علامات قدرته على إحياء الموتى (3) للبعث والجزاء إنك أيها الإنسان ترى الأرض أيام المحل والجدب هامدة جامدة لا حركة لها فإذا أنزل الله تعالى عليها ماء المطر اهتزت وربت أي تحركت تربتها وانتفخت وعلاها النبات وظهرت فيها الحياة كذلك إذا أراد الله إحياء الموتى أنزل عليهم ماء من السماء وذلك بين النفختين نفخة الفناء ونفخة البعث فينبتون كما ينبت البقل وقوله: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ} تعالى على فعل كل شيء وأراده قدير لا يمتنع عنه ولا يعجزه، وكيف لا، وهو إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد بالأدلة القطعية الموجبة لله العبادة دون غيره من خلقه.
2- بيان أن هناك من الناس من يعبدون الشمس ويسجدون لها من العرب والعجم وأن ذلك شرك باطل فالعبادة لا تكون للمخلوقات الخاضعة في حياتها للخالق وإنما تكون لخالقهما ومسخرها لمنافع خلقه.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر دليل من أظهر الأدلة وهو موت الأرض بالجدب ثم حياتهابالغيث، إذ لا فرق بين حياة النبات والأشجار في الأرض بالماء وبين حياة الإنسان بالماء كذلك في الأرض بعد تهيئة الفرصة لذلك بعد نفخة الفناء ومضي أربعين عاماً عليها ينزل من السماء ماء فيحيا الناس وينبتون من عجب الذنب كما ينبت النبات، بالبذرة الكامنة في التربة.
1- تقرير قدرة الله على كل شيء أراده، وهذه الصفة خاصة به تعالى موجبة لعبادته وطاعته. بعد الإيمان به وتأليهه.
__________

1- لا شك أن هناك من كان يسجد للشمس في بلاد العرب ففي اليمن كانوا يعبدون الشمس على عهد ملكة سبأ لقوله تعالى على لسان الهدهد {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله} ووجد في أصنام قريش صنم يقال له شمس ولذا سموا عبد شمس.
2- لا شك أن هنا سجدة من عزائم السجدات إلا أنهم اختلفوا في موضع السجود فمالك يرى أنه يسجد عند قوله {إن كنتم إياه تعبدون} والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم يرى السجود عند {وهم لا يسأمون} والأمر واسع ففي أي الموضعين سجد أجزأ والحمد لله.
3- في الآية تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير عقيدة الألوهية وسيأتي في الآيات بعد تقرير النبوة المحمدية وهذه أعظم أركان العقيدة الإسلامية. التوحيد البعث والجزاء والنبوة وباقي أركان العقيدة تابعة لهذه الأركان العظيمة.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 10-08-2022 03:10 PM

رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
شرح الكلمات:
يلحدون في آيات الله: أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤولونها على غير تأويلها لإبطال حق أو إحقاق باطل.
لا يخفون علينا: أي إنهم مكشوفون أمامنا وسوف نبطش بهم جزاء إلحادهم.
أم من يأتي آمنا يوم القيامة: أي نعم الذي يأتي آمنا يوم القيامة خير ممن يلقى في النار.
اعملوا ما شئتم: هذا تهديد لهم على إلحادهم وليس إذناً لهم في العمل كما شاءوا.
إن الذين كفروا بالذكر: أي جحدوا بالقرآن أو ألحدوا فيه فكفروا بذلك.
وإنه لكتاب عزيز: أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع لا يقدَر على الزيادة فيه ولا النقص منه.
لا يأتيه الباطل من بين يديه: أي لا يقدر شيطان من الجن والإنس أن يزيد فيه شيئاً وهذا معنى من بين يديه.
ولا من خلفه: أي ولا يقدر شيطان من الجن والإنس أن ينقص منه شيئا
وهذا معنى من خلفه، كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه، ولا بعده كتاب ينسخه، فهو كله حق وصدق ليس فيه ما لا يطابق الواقع.
معنى الآيات:
يتوعد الجبار عز وجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم لا يخفون عليه، وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم.
وقوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إذا كان لا يوجد عاقل يقول الذي يلقى النار خير ممن يأتي آمناً يوم القيامة فالإلقاء في النار سببه الكفر والإلحاد والباطل فليترك هذه من أراد النجاة من النار، والأمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه الإيمان والتوحيد فليؤمن ويوحد الله تعالى في عبادته ولا يلحد في آياته من أراد الأمن يوم القيامة بعلمه أنه خير من الإلقاء في النار. هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم.
وقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ (1) إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ (2) بَصِيرٌ} هذا الكلام يقال للمستهزئين بالأحكام الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذناً وإباحةً لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل والشرك والشر، ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير.
ومثله قوله {إِنَّ الَّذِينَ (3) كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} أي القرآن، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (4) أي منيع بعيد المنال لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير.
ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا كذا ...
وقوله {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي القرآن المنيع كماله وشرفه ومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلائه ونعمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- حرمة الإلحاد في آيات الله بالميل بها عن القصد والخروج بها إلى الباطل.
2- التهديد الشديد لكل من يحرف آيات الله أو يؤولها على غير مراد الله منها.
3- تقرير مناعة القرآن وحفظ الله تعالى له، وأنه لا يدخله النقص (4) ولا الزيادة إلى أن يرفعه الله إليه إذ منه بدأ وإليه يعود.
__________

1- الأمر هنا ليس للإباحة وإنما هو للتهديد كما في التفسير.
2- قوله {إنه بما تعملون بصير} الجملة تعليلية متضمنة الوعيد والتهديد فهي مؤكدة لما تضمنه قوله تعالى {اعملوا ما شئتم} من التهديد.
3- الخبر مقدر تقديره: هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير الخبر حسن.
4- تضمنت الآية ست صفات للقرآن العظيم هي كالتالي: أنه ذكرٌ يذكر الناس بما يغفلون عنه. أنه ذكرٌ للعرب أي شرف لهم كقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} أنه كتاب عزيز والعزيز النفيس والمنيع أيضا إذ عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله أنه لا يتطرق إليه الباطل ولايخالطه بحال أنه مشتمل على الحكمة وهو حكيم وذو حكمة وحاكم أيضا وأنه تنزيل من حميد والحميد المحمود حمداً كثيرا.




الساعة الآن : 07:21 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 137.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.79 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.36%)]