ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:11 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزمر - (8)
الحلقة (740)
سورة الزمر
مكية
وآياتها خمس وسبعون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 503الى صــــ 508)

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)

شرح الكلمات:
ويوم القيامة: أي بأن يبعث الناس من قبورهم.
ترى الذين كذبوا على الله: أي باتخاذ أولياء من دونه وبالقول الكاذب عليه سبحانه وتعالى.
وجوههم مسودة: أي سوداء من الكرب والحزن وعلامة على أنهم من أهل النار وأنهم ممن كذبوا على ربهم.
أليس في جهنم مثوى للمتكبرين: أي أليس في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين؟ بلى إن لهم فيها لمثوى بئس هو من مثوى للمتكبرين عن عبادة الله تعالى.
وينجي الله الذين اتقوا: أي ينجيهم من النار بسبب تقواهم للشرك والمعاصي.
بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون: أي بفوزهم بالجنة ونزولهم فيها لا يمسهم السوء أي العذاب ولا هم يحزنون لما نالهم من النعيم.
له مقاليد السموات والأرض: أي مفاتيح خزائن السموات والأرض.
أولئك هم الخاسرون: أي الخاسرون لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قل أفغير الله تأمروني أعبد: قل يا رسولنا للذين طلبوا منك أن تعبد معهم آلهتهم أتأمروني بعبادة غير الله، فهل تصلح العبادة لغيره وهو رب كل شيء وإلهه فما أسوأ فهمكم أيها الجاهلون.
لئن أشركت: أي من باب الفرض لو أشركت بالله غيره في عبادته لحبط عملك ولكنت من الخاسرين.
بل الله فاعبد وكن من الشاكرين: أي بل اعبد الله وحده، إذ لا يستحق العبادة إلاّ هو وكن من الشاكرين له على إنعامه عليك بالنبوة والرسالة والعصمة والهداية.
معنى الآيات:
لقد تقدم في السياق الأمر بتعجيل التوبة قبل الموت فيحصل الفوت، وذلك لأن يوم القيامة يوم أهوال وتغير أحوال وفي الآيتين الآتيتين بيان ذلك قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ (1) } بأن نسبوا إليه الولد والشريك والتحليل والتحريم وهو من ذلك براء هؤلاء {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} (2) علامة أنهم كفروا وكذبوا وأنهم من أهل النار.
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ (3) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (4) } أي بلى في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين الذين تكبروا عن الإيمان والعبادة. وقوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ} أي تلك حال وهذه أخرى وهي أن الله تعالى ينجي يوم القيامة الذين اتقوا الشرك والمعاصي بالإيمان والطاعة هؤلاء بفوزهم بالجنة لا يمسهم السوء في عرصات القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم في الدنيا لأن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي ما من كائن سوى الله تعالى إلا وهو مخلوق والله خالقه {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي قيم حافظ، فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلاً عن أن تجب لسواه.
وقوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (5) } أي له ملكاً حقاً مفاتيح خزائن الرحمات والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فلا يصح الطلب إلا منه ولا تجوز الرغبة إلا فيه وما عبد الناس الأوثان والأصنام إلا رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم لا تكون إلا من الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم لا تكون إلا في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا غير الله تعالى بحال.
وقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ} الحاوية لإيمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده وشرائعه ولذا من كفر بآيات الله فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسراناً مبيناً بحيث يخسر يوم القيامة نفسه وأهله، وذلك هو الخسران المبين.
وقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ} الآية هذا ردّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله: {قُلْ أَفَغَيْرَ (6) اللهِ تَأْمُرُونِّي (7) أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} لن يكون هذا مني أبداً كيف أعبد غير الله وهو
ربي ومالك أمري وهو الذي كرمني بالعلم به وأوحى إليّ شرائعه. فلتيأسوا فإن مثل هذا لن يكون أبداً، ووصفهم بالجهل لأن جهلهم (8) بالله وعظمته هو الذي سول لهم عبادة غيره والتعصب لها.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ} أي أوحى الله إليك كما أوحى إلى الأنبياء من قبلك بالتالي وهو وعزة الله وجلاله {لَئِنْ أَشْرَكْت} بنا غيرنا في عبادتنا ليحبطن (9) عملك أي يبطل كله ولا تثاب على شيء منه وإن قل، ولتكونن بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. ثم أمر تعالى رسوله مقرراً التوحيد مبطلاً الشرك بقوله: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ (10) وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي الله وحده فاعبده وكن من الشاكرين له على إنعامه وإفضاله عليك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- اسوداد الوجه يوم القيامة علامة الكفر والخلود في جهنم.
2- ابيضاض الوجوه يوم القيامة علامة الإيمان (11) والخلود في الجنة.
3- تقرير البعث والجزاء بوصف أحواله وما يدور فيه.
4- بيد الله كل شيء فلا يصح أن يطلب شيء من غيره أبداً، ومن طلب شيئاً من غير الله فهو من أجهل الخلق.
5- التنديد بالشرك وبيان خطورته إذ هو محبط للأعمال بالكلية.
6- وجوب عبادة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ووجوب حمده وشكره إذ كل إنعام منه وكل إفضال له. فلله الحمد والمنة.
__________

1 - هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه كالشريك والصاحبة والولد، ويدخل في هذا كل من نسب إلى الله تعالى صفة لا دليل له فيها، وكذا من شرع شيئا ونسبه إلى الله تعالى ليقبل منه ويروج، ولا يدخل أهل الاجتهاد إذا أخطأوا في الأدلة والحكم المقيس الذي لا نص فيه ولا يجوز أن يقال فيه قال الله أو أمر أو شرع تحاشياً من النسبة إلى الله تعالى بغير نص من كتاب أو سنة.
2 - جملة وجوههم مسودة مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، لأن الرؤيا بصرية وليست قلبية.
3 - الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا والاستفهام للتقرير.
4 - التكبر شدة الكبر وهو إظهار المرء التعاظم على غيره لأنه يعد نفسه عظيما وفي التنديد به من حديث مسلم "إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"
5 - المقاليد جمع إقليد وجمع على غير قياس والمراد مفاتيح خزائن السماء والأرض حيث أرزاق العباد وما به تقوم حياتهم، من أمطار وزروع وضروع ومعادن وغيرها.
6 - غير منصوب بأعبد، وأعبد مرفوع لحذف أن مع حرف الجر إذ الأصل بأن أعبد فلما حذف الناصب ارتفع الفعل. هذا على رأي كثير من النحاة والجمهور يقولون لا حذف وأعبد هو المستفهم عنه، وتأمروني اعتراض أو حال وتقدير الكلام أأعبد غير الله لكونكم تأمروني بذلك.
7 - قرأ نافع تأمرون بنون واحدة مخففة بحذف إحدى النونين، وقرأ حفص والجمهور تأمروني بتشديد النون إدغاماً لإحدى النونين في الأخرى وفي جملة أيها الجاهلون تقريع لهم ووصف لهم بالجهل وهو وصف مذموم.
8 - العرب مع أنهم أميون يعترفون بفضل العالم على الجاهل قال شاعرهم:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
فليس سواء عالم وجهول
9 - حبوط العمل بطلانه حيث لا يثاب عليه والخسران مقيد بأن يموت على الردة أما إن راجع الإسلام فلا يخسر لآية {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} فالآية مقيدة لإطلاق آية الزمر.
10 - بل للإبطال أي إبطال عبادة ما دعاه إليه المشركون وقصره على عبادة الله وحده وأمره أن يكون في جملة الشاكرين لله إنعامه عليهم بنعمة الإسلام.
11 - شاهده آية آل عمران {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:11 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
شرح الكلمات:
وما قدروا الله حق قدره: أي ما عظموا الله حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته حين أشركوا في عبادته غيره من أوثانهم.
والأرض جميعاً قبضته: أي والأرض بجميع أجزائها قبضته.
والسموات مطويات بيمينه: أي والسموات السبع مطويات بيمينه.
سبحانه وتعالى عما يشركون: أي تقدس وتنزه عما يشرك به المشركون من أوثان.
ونفخ في الصور: أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق.
ثم نفخ فيه أخرى: أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين.
وأشرقت الأرض بنور ربها: أي أضاءت الأرض بنور الله تعالى حين يتجلى لفصل القضاء.
ووضع الكتاب: أي كتاب الأعمال للحساب.
وجيء بالنبيين والشهداء: أي بالنبيين ليشهدوا على أممهم، والشهداء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.
وفضي بينهم بالحق: أي بالعدل وهم لا يظلمون لا بنقص حسناتهم ولا بزيادة سيئاتهم.
وهو أعلم بما يفعلون: أي أعلم حتى من العاملين أنفسهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (1) إنه بعد أن قرر تعالى التوحيد وندد بالشرك والمشركين أخبر تعالى ناعيا على المشركين شركهم ودعوتهم نبيه للشرك بأنهم بفعلهم ذلك ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وذلك لجهلهم به تعالى حين عبدوا معه غيره ودعوا نبيه إلى دلك، وقوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً (2) قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (3) فالذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته والسموات يطويها بيمينه فالسموات والأرض جميعا في يده، ويقول أنا الملك أين الملوك. فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل أوثان. لذا نزه تعالى نفسه بقوله {سُبْحَانَهُ} أي تنزه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد وعن صفات المحدثين، وتعالى عما يشركون أي ترفع عن أن يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه.
وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ (4) } الآية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلاً وجود من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى، والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعاً إذ هو الموكل بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من (5) في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فهذا استثناء دال على أن بعضاً من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} أي في الصور نفخة {أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} هذه النفخة تسمى نفخة القيام لله رب العالمين لأجل الحساب وقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ (6) } أي كتاب الأعمال للحساب {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} ليشهدوا على أممهم وجيء بالشهداء وهم أمة
محمد يشهدون على الأمم السابقة بأن رسلها قد بلغتهم دعوة الله، وشهادة أمة محمد قائمة على ما أخبرهم تعالى في كتابه القرآن الكريم أن الرسل قد بلغت رسالات ربها لأممها، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي خياراً عدولاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وحكم الله تعالى بين العباد بالعدل، ووفي كل نفس ما عملت من خير أو شر، وهو تعالى أعلم بما يفعلون حتى من العاملين أنفسهم ولذا سيكون الحساب عادلا لا حيف فيه لخلوه من الخطأ والغلط والجهل والنسيان لتنزه الباري عز وجل عن ذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر عظمة الرب تعالى التي يتنافى معها الشرك به عز وجل في عباداته.
2- تقرير البعث والجزاء ببيان أحواله وما يجري فيه.
3- بيان عدالة الله في قضائه بين عباده في عرصات القيامة.
4- فضيلة هذه الأمة بقبولها شاهدة على الأمم التي سبقتها.
__________

1 - حق قدره فيه إضافة الصفة إلى الموصوف فحق صفة، والقدر موصوف إذ الأصل (ما قدروا الله قدره الحق) فالحق منصوب على النيابة عن المفعول المطلق.
2 - جرد جميع من التاء إذ لم يقل والأرض جميعة جريا على الغالب وقد أثبتت في قول الشاعر:
فلو أنها نفس تموت جميعة
ولكنها نفس تساقط أنفساً
ونصب جميعا على الحال.
3 - شاهده في البخاري قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ وفي الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} قالت قلت فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على جسر جهنم، وفي رواية على الصراط يا عائشة".
4 - الصور البوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش، والمراد هنا نداء الخلق لحضور الحشر أحياء للحساب والجزاء.
5 - بالتتبع للآيات القرآنية المتضمنة لأحوال الدار الآخرة نجد أن النفخات للصور أربع نفخات: وهي نفخة الفناء، ونفخة البعث، ونفخة الصعق، ونفخة القيام لرب العالمين. وفي هذه الآيات ذكر نفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين سميت هذه نفخة صعق لأن الخلائق يصعقون ولا يموتون بدليل حديث البخاري "فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى" لفظ مسلم. قال القرطبي والإفاقة إنما تكون من غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة والله أعلم.
6 - الكتاب اسم جنس والمراد صحائف أعمال العباد الحاوي للحسنات والسيئات.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:12 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الزمر - (9)
الحلقة (741)
سورة الزمر
مكية
وآياتها خمس وسبعون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 509الى صــــ 516)

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
شرح الكلمات:
وسيق الذين كفروا: أي وساق الملائكة بعنف الذين كفروا.
إلى جهنم زمراً: أي جماعات، جماعة المشركين وجماعة المجرمين وجماعة الظالمين.
وقال لهم خزنتها: أي الموكلون بالنار من الملائكة الواحد خازن.
ألم يأتكم رسل: هذا الاستفهام للتقرير والتوبيخ.
حقت كلمة العذاب: أي وجب العذاب للكافرين.
وسيق الذين اتقوا: أي وساقت الملائكة بلطف على النجائب الذين اتقوا ربهم أي أطاعوه ولم يشركوا به.
وفتحت أبوابها: أي والحال أن أبواب الجنة قد فتحت لاستقبالهم.
والحمد لله الذي صدقنا وعده: أي أنجز لنا وعده بالجنة.
وأورثنا الأرض: أي أرض الجنة وصورة الإرث نظراً إلى قوله تعالى في وعده لهم تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً. (1)
نتبوأ من الجنة حيث نشاء: أي ننزل من حيث نشاء.
فنعم أجر العاملين: أي الجنة.
حافين من حول العرش: أي محدقين بالعرش من كل جانب.
يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده.
وقضي بينهم بالحق: أي وقضى الله بمعنى حكم بين جميع الخلائق بالعدل.
وقيل الحمد لله رب العالمين: أي وقالت الملائكة والمؤمنون الحمد لله رب العالمين على استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
معنى الآيات:
بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم الله تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل عامل بعمله من كفر ومعاص، أو إيمان وطاعة قال تعالى مخبراً عن مصير الفريقين {وَسِيقَ (2) الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ساقهم الملائكة بشدة وعنف لأنهم لا يريدون الذهاب {إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} أي جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها صوت. وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إذ كانت مغلفة كأبواب السجون لا تفتح إلا عند المجيء بالسجناء، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا (3) } قبل الوصول إليها موبخين لهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ (4) رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} أي المبينة لكم الهدى من الضلال والحق من الباطل، وما يحب ربكم من العقائد والأقوال والأعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك، ويدعوكم إلى فعل المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا. فأجابوا قائلين بلى أي جاءتنا بالذي قلتم ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ونحن منهم فوجب لنا العذاب، وعندئذ تقول لهم الملائكة ادخلوا (5) أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى.
وقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ (6) اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ} وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السلام زمراً زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء وزمرة الصلوات.... {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} وقد فتحت (7) أبوابها من قبل لاستقبالهم مُعَزَزين مكرمين، فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في دار السلام فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لأهل النار. وقوله لهم فادخلوها أي الجنة حال كون خلودكم مقدراً لكم فيها. فقالوا بعد دخولهم الجنة ونزولهم في قصورها الحمد لله الذي صدقنا وعده يعنون قوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} ، وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي أرض الجنة نتبوأ منها حيث نشاء أي ننزل منها حيث نريد النزول، وفي قولهم أورثنا الأرض إشارة إلى أنهم ورثوها من أبويهم آدم وحواء إذ كانت لهم قبل نزولهما منها. وقولهم فنعم أجر العاملين أي الجنة والمراد من العمل الإيمان والتقوى في الدنيا، بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ} أيها الرائي {حَافِّينَ مِنْ (8) حَوْلِ الْعَرْشِ} أي محدقين بعرش الرحمن أي سريره {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي قائلين: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. قال تعالى مخبرا عن نهاية الموقف: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وقضى الله بين الخلائق بالعدل، ولما استقر أهل النار وأهل الجنة حُمد الله على الاستقرار التام والحكم العادل الرحيم وقيل الحمد لله رب (9) العالمين أي حمدت الملائكة ربها وحمده معهم المؤمنون وهم في دار النعيم المقيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان إهانة أهل النار بسوقهم على أرجلهم بعنف وتأنيبهم وتوبيخهم.
2- التنديد بالاستكبار عن عبادة الله تعالى، وعباده المؤمنين به، المتقين له.
3- بيان إكرام الله تعالى لأوليائه إذ يحملون على نجائب رحالها من ذهب إلى الجنة، ويلقون فيها تحية وسلاماً. تحية احترام وإكرام، وسلام أمان من كل مكروه.
4- بيان نهاية الموقف باستقرار أهل النار من الكفار والفجار في النار، واستقرار أهل الجنة من المؤمنين الأتقياء الأبرار في الجنة دار الأبرار.
5- ختم كل عمل بالحمد لله فقد ابتدأ الله الخالق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وختم بالحمد، وقيل الحمد لله رب العالمين.
__________

1- وجه الورث أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلا في النار وآخر في الجنة ثم هم يتوارثون فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار في الجنة وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة في النار.
2- هذا بيان توفية كل نفس عملها فيساق الذين كفروا إلى النار والذين آمنوا إلى الجنان والزمر جمع زمرة كظلمة وظلم وغرفة وغرف، وهي جماعة بعد جماعة قال الشاعر:
وترى الناس إلى منزله
زمراًً تنتابه بعد زمرة
3- الخزنة جمع خازن كسدنة وسادن.
4- الاستفهام للتقرير مع التوبيخ والتقريع.
5- قال وهب: تستقبلهم الزبانية بمقامع من حديد فيدفعونهم بمقامعهم فإنه ليقع في الدفعة الأولى بعدد ربيعة ومضر. قال تعالى {ولهم مقامع من حديد} .
6- سوق أهل النار طردهم إلى النار بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان وسوق أهل الجنة سوق مراكبهم إلى دار السلام إنهم لا يذهب بهم إلا راكبين وشتان ما بين السوقين.
7- قرأ نافع والجمهور فتحت بتشديد التاء في الأولى والثانية وقرأ حفص بالتخفيف، والواو في قوله وفتحت واو الحال والجملة حالية في محل نصب.
8- من زائدة لتقوية الكلام نحو ما جاءني من أحد.
9- قال قتادة في هذه الآية افتتح الله أول الخلق بالحمد فقال: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) وختم بالحمد فقال "وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" فحسن الاقتداء به فيبدأ العبد قوله بالحمد ويختمه بالحمد.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:12 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة غافر (1)
مكية
وآياتها خمس وثمانون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حا ميم.
تنزيل الكتاب من الله: أي تنزيل القرآن كائن من الله.
العزيز العليم: أي الغالب على مراده، العليم بعباده ظاهراً وباطناً حالا ومآلاً.
غافر الذنب: أي ذنب من تاب إلى الله فرجع إلى طاعته بعد معصيته.
شديد العقاب ذي الطول: أي مشدد العقوبة على من كفر به، ذي الطول أي الإنعام الواسع على من آمن به وأطاعه.
لا إله إلا هو إليه المصير: أي لا معبود بحق إلا هو إليه مرجع الخلائق كلهم.
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا: أي في القرآن لإبطالها إلا الكافرون.
فلا يغررك تقبلهم في البلاد: أي فلا تغتر بمعاشهم سالمين فإن عاقبتهم النار.
والأحزاب من بعدهم: أي وكذبت الأحزاب من بعد قوم نوح، وهم عاد وثمود وقوم لوط.
وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه: أي ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل.
وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق: أي ليزيلوا به الحق ويبطلوه.
فكيف كان عقاب: أي كان واقعا موقعه حيث أهلكهم ولم يبق منهم أحداً.
كذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا: أي وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {حم} : الله أعلم بمراده به، وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف أفادت فائدتين الأولى أن العرب المشركين في مكة كانوا قد منعوا المواطنين من سماع القرآن حتى لا يتأثروا به فيكفروا بآلهتهم فقد أخبر تعالى عنهم في قوله من سورة فصلت فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فكانت هذه الحروف المقطعة بنغمها الخاص تستهويهم فيسمعوا فكانت فائدة عظيمة. والثانية أن المشركين لما أصروا على أن القرآن لم يكن وحيا وإنما هو من جنس ما يقوله الشعراء والكهان وأصحاب الأساطير تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله وهو مركب ومؤلف من هذه الحروف الم طس حم والذي قوى هذه النظرية أنه غالبا ما يذكر القرآن بعد ذكر هذه الحروف مثل الم تلك آيات الكتاب، حم تنزيل الكتاب، حم والكتاب المبين فهاتان الفائدتان من أحسن ما استنبطه ذو الشأن في تفسير القرآن، وما عدا ذلك فلا يحسن روايته لخلوه من فائدة معقولة، ولا رواية عن الرسول وأصحابه منقولة.
وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} يخبر تعالى أنه عز وجل هو مصدر هذا القرآن إذ هو الذي نزله تنزيلاً على عبده ورسوله، ووصف نفسه بالعزة والعلم فقال العزيز أي في انتقامه من أعدائه الغالب على أمره ومراده فلا يحال بينه وبين ما يريده العليم بخلقه وحاجاتهم ومتطلباتهم، فأنزل الكتاب لهدايتهم وإصلاحهم. وقوله: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ (2) } أعلمَ أنه تعالى يغفر ذنب المستغفرين ويقبل توبة التائبين وأنه شدد العقوبة على من كفر به وعصاه. وقوله ذي الطول أي الإنعام الواسع والفضل العظيم {لا إِلَهَ (3) إِلَّا هُوَ} أي لا معبود بحق إلا هو العزيز الحكيم العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبير خلقه.
لما أثنى تبارك وتعالى على نفسه بما هو أهله أخبر رسوله بأنه {مَا يُجَادِلُ (4) فِي آيَاتِ اللهِ} القرآنية الحاوية للحجج القواطع والبراهين السواطع على توحيد الله ولقائه وعلى نبوة رسول الله ما يجادل فيها {إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} وذلك لظلمة نفوسهم وفساد قلوبهم، وعليه فاصبر ولا تغتر بظاهر ما هم عليه من سعة الرزق وسلامة البدن، وهو معنى قوله: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي (5) الْبِلادِ} أي آمنين معافين في أبدانهم وأرزاقهم فإنهم ممهلون لا مهملون، والدليل فقد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب (6) من بعد قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون، وقد همت كل أمة من تلك الأمم برسولها لتأخذه فتقتله أو تنكل به. وقد جادلوا بالباطل كما جادل قومك من قريش ليدحضوا به الحق أي ليزيلوه ويبعدوه بباطلهم. فأخذتهم فكيف كان عقاب أي كان واقعاً موقعه والحمد لله إذ قطع الله دابرهم وأنهى وجودهم وخصومتهم.
وقوله {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ (7) كَلِمَتُ رَبِّكَ (8) عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (9) } أي كما وجب حكمه بإهلاك تلك الأمم المكذبة لرسلها الهامة بقتلها وقد أهلكهم الله فعلاً حقت كلمة ربك على الذين كفروا لأنهم أصحاب النار والمراد من كلمة ربك قوله لأملأن جهنم الآية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير أن القرآن الكريم مصدر تنزيله هو الله تعالى إذ هو الذي أوحاه ونزله على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبذلك تقررت نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- بيان عظمة الرب تعالى المتجلية في أسمائه العزيز العليم الحكيم ذي الطول غافر الذنب قابل التوب لا إله إلا هو.
3- تقرير التوحيد والبعث والجزاء.
4- تقرير مبدأ أن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وأن بطشه شديد.
__________

1- وتسمى أيضا سورة المؤمن وسورة الطول وهي أول ال حم التي يقال لها ديباج القرآن وعرائس القرآن ويقال ذوات حم وذكر القرطبي أن رجلا من أهل الشام كان ذا بأس شديد فقيل لعمر وقد سأل عنه أنه تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ثم ختم الكتاب وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله يغفر لي وحذّرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته فلما بلغ ذلك عمر أمره قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا عونا للشيطان عليه.
2- يطلق الطول على سعة الفضل وسعة المال كما يطلق مطلق القدرة وهو مأخوذ من الطول ضد القصر.
3- لا إله إلا هو في موضع الصفة لله عز وجل فتكون الصفة السابقة في هذه الآية الكريمة.
4- مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن سؤال من قال ما دام هذا القرآن تنزيلاً من العزيز الحكيم وهو أمر لا ريب فيه فلم يجادل فيه هؤلاء المشركون فأجابهم بقوله "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا" الآية.
5- الغرور ظن المرء شيئاً حسناً وهو بضده يقال غرك إذا جعلك تظن الشيء حسناً ويكون التغرير بالقول أو بتحسين صورة القبيح.
6- الأحزاب هم الأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب والعناد كعاد وثمود ومن بعدهم.
7- حقت أي وجبت ولزمت مأخوذ من الحق لأنه لازم.
8- قرأ نافع كلمات بالجمع وقرأ حفص بالإفراد وهي اسم جنس بمعنى الجمع.
9-الإجماع على وجوب الوقف على قوله تعالى {أنهم أصحاب النار} ثم يستأنف القراءة قائلاً الذين يحملون العرش ... الخ.



ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:13 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة غافر - (1)
الحلقة (742)
سورة غافر
مكية
وآياتها خمس وثمانون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 517الى صــــ 522)

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)

شرح الكلمات:
الذين يحملون العرش: أي الملائكة حملة العرش.
ومن حوله: أي والملائكة الذين يحفون بالعرش من جميع جوانبه.
يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هذه صلاتهم وتسبيحهم.
ويؤمنون به: كيف لا وهم عنده، ولكن هذا من باب الوصف بالكمال لهم.
ويستغفرون للذين آمنوا: أي يطلبون المغفرة للمؤمنين لرابطة الإيمان بالله التي تربطهم بهم.
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً: أي يقولون يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك: أي فبما أن رحمتك وعلمك وسعا كل مخلوقاتك فاغفر للذين تابوا إليك فعبدوك ووحدوك واتبعوا سبيلك الذي هو الإسلام.
وقهم عذاب الجحيم: أي احفظهم من النار فلا تعذّبهم بها.
جنات عدن: أي بساتين فيها قصور وأنهار للإقامة الدائمة.
التي وعدتهم: أي بقوله تعالى: إن الله يدخل الذين آمنوا وعلموا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار.
ومن صلح من آبائهم: أي ومن صلح بالإيمان ولم يفسد بالشرك والكفر.
وقهم السيئات: أي احفظهم من جزاء السيئات التي عملوها فلا تؤاخذهم بها.
ومن تق السيئات يومئذ: أي ومن تقه جزاء سيئاته يوم القيامة فلم تؤاخذه.
فقد رحمته: أي حيث سترته ولم تفضحه وعفوت عنه ولم تؤاخذه.
وذلك: أي الوقاية من العذاب وإدخال الجنة هو الفوز العظيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {الَّذِينَ (1) يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ (2) } يخبر تعالى عن عظمته وموجبات الإيمان به وبآياته وتوحيده ولقائه فيقول الذين يحملون العرش أي عرشه من الملائكة كالملائكة الذين يحفون بعرشه الجميع {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} تسبيحاً مقروناً بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده ويؤمنون به أي يؤمنون بوحدانيته وعدم الإشراك في عبادته {وَيَسْتَغْفِرُونَ (3) لِلَّذِينَ آمَنُوا} لرابطة الإيمان التي تربطهم بهم ولعل هذا السرّ في ذكر إيمانهم لأن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من الله للمؤمنين من عباده. وهو معنى قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي يقولون متوسلين إليه بصفاته {رَبَّنَا وَسِعْتَ (4) كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك سائر المخلوقات فاغفر للذين تابوا أي إليك فتركوا الشرك واتبعوا سبيلك الذي هو الإسلام فانقادوا لأمرك ونهيك، وقهم عذاب الجحيم أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار وأدخلهم جنات عدن أي إقامة من دخلها لا يخرج منها ولا يبغي عنها حولا لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّتهم أي وأدخل كذلك من صلح بالإيمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم. وقولهم إنك أنت العزيز الحكيم توسل أيضاً إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في سائر الكائنات. وقولهم: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ (5) } أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم وتسترها عليهم حتى يتأهلوا للحاق بأبنائهم الذين نسألك أن تلحقهم بهم، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ (6) } ، {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم لقوله تعالى {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} . ومعنى ومن تق السيئات أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم فلا يؤاخذهم بها، فينجوا من النار ويدخلوا الجنة وذلك أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان عظم الرب تعالى.
2- بيان فضل الإيمان وأهله (7) .
3- فضل التسبيح بقول: سبحان الله وبحمده فقد صح أن من قالها مائة مرة (8) حين يصبح أو حين يمسي غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر أي في الكثرة.
4- بشرى المؤمنين بأن الله تعالى يجمعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم في الجنة، وقد استجاب الله
__________

1- حملة العرش أفضل الملائكة وهم أربعة ويوم القيامة يضاف إليهم أربعة فيصبحون ثمانية لقول تعالى من سورة الحاقة "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية".
2- قال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة.
3- قبل هذا معطوف على محذوف تقديره وينزهونه عما يقول الكافرون ويستغفرون الخ.
4- رحمة منصوب على التمييز وعلماً معطوف عليه، والتمييز محول عن فاعل إذ التقدير وسعت رحمتك وعلمك كل شيء.
5- قد لا يحتاج الأمر إلى تقدير محذوف فيقال وقهم جزاء السيئات إذ السيئات جمع سيئة "فيعلة" من السوء وهو ما يضر ولا يسر فالسيئة كل ما يسوء من عذاب وخوف، وهلع فدعاء الملائكة دعاء بالنجاة مما يسوء المؤمنين يوم القيامة ولذا قالوا ومن تق السيئات أي ما يسوءه من العذاب فقد رحمته بدخول الجنة وما في التفسير هو رأي الجمهور من المفسرين.
6- قال مطرف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين وتلا هذه الآية الذين يحملون العرش إلى قوله فقد رحمته.
7- في الصحيحين.
8- يكفي كرامة للمؤمن أنه نائم على فراشه والملائكة تستغفر الله له، وتدعو له بالنجاة من النار وبدخول الجنة كما في قوله {الذين يحملون العرش} الآية.

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:13 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
شرح الكلمات:
ينادون لمقت الله: أي يناديهم الملائكة لتقول لهم لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنتم لأنفسكم، والمقت أشد البغض.
إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون: أي مقت الله تعالى لكم عندما كنتم في الدنيا تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم لما رأيتم العذاب.
أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين: أي أمتنا مرتين الأولى عندما كنا عدماً فخلقتنا، والثانية عندما أمتنا في الدنيا بقبض أرواحنا، وأحييتنا مرتين الأولى لما أخرجتنا من بطون أمهاتنا أحياء فهذه مرة والثانية بعد أن بعثتنا من قبورنا أحياء.
فاعترفنا بذنوبنا: أي بذنوبنا التي هي التكذيب بآياتك ولقائك والشرك بك.
فهل إلى خروج من سبيل: أي فهل من طريق إلى العودة إلى الحياة الدنيا مرة ثانية لنؤمن بك ونوحدك ونطيعك ولا نعصيك.
ذلكم: أي العذاب الذي أنتم فيه.
بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم: أي بسبب أنه إذا دعي الله وحده كفرتم بالتوحيد.
يريكم آياته: أي دلائل توحيده وقدرته على بعثكم ومجازاتكم.
وما يتذكر إلا من ينيب: أي إلا من يتعظ إلا من ينيب إلى الله ويرجع إليه بتوحيده.
يلقي الروح من أمره: أي يلقي بالوحي من أمره على من يشاء من عباده.
لينذر يوم التلاق: أي لينذر من يوحي إليه من البشر وهو الرسول يوم تلاقي أهل السماء وأهل الأرض وذلك يوم القيامة.
يوم هم بارزون: أي لا يسترهم شيء لا جبل ولا شجر ولا حجر.
لمن الملك اليوم: أي لمن السلطان اليوم.
معنى الآيات:
بعد أن بين تعالى حال المؤمنين وأنهم هم وأزواجهم في دار النعيم يبين في هذه الآيات الثلاث حال الكافرين في النار جرياً على أسلوب القرآن في الترغيب والترهيب فقال تعالى مخبراً عن أهل النار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بربهم ولقائه وتوحيده ينادون أي تناديهم الملائكة فتقول لهم - بعد أن يأخذوا في مقت أنفسهم ولعن بعضهم بعضاً- {لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ (1) مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وذلك لأنكم كنتم تدعون إلى الإيمان بالله وتوحيده وطاعته فتكفرون وتجحدون متكبرين.
وهنا في الآية الثانية (10) يقولون وهم في جهنم {رَبَّنَا} أي يا ربنا {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} يعنون بالموتتين الأولى وهم نطف (2) ميتة والثانية بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم، ويعنون بالحياتين الأولى التي كانت لهم في الدنيا قبل موتهم والثانية التي بعد البعث، وقولهم: {فَاعْتَرَفْنَا (3) بِذُنُوبِنَا} أي التي قارفناها في الحياة الدنيا وهي الكفر والشرك والمعاصي. وقولهم بعد هذا الاعتذار {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي فهل من طريق إلى الخروج من النار والعودة إلى الحياة الدنيا لنصلح ما أفسدنا، ونطيع من عصينا؟ والجواب قطعاً لا سبيل إلى ذلك أبداً، وبقاؤكم وفي العذاب ليس ظلماً لكم وإنما هو جزاء وفاق لكم ثم ذكر تعالى علة عذابهم بقوله {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} بالله وتوحيد {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي وإن يشرك بالله تؤمنوا كقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملك وما ملك وقوله فالحكم
لله العلي الكبير، وقد حكم بعذابكم فلا سبيل إلى نجاتكم. فامقتوا أنفسكم ونوحوا على أرواحكم فما ذلكم بمجديكم ولا بمخفف العذاب عنكم. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي (4) يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} هذا خطاب للناس في هذه الحياة الدنيا خطاب لمشركي قريش بعد أن عرض عليهم صورة صادقة حية لحالهم في جهنم يوم القيامة عاد يخاطبهم داعياً لهم إلى الإيمان فقال هو أي المعبود بحق الله الذي يريكم آياته أي حججه ودلائل وحدانيته وقدرته على بعثكم ومجازاتكم {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} من المطر وغيره. ومع ذاك البيان وهذا الإفضال، {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} أي فلا يتعظ إلا من شأنه الإنابة إلى ربه تعالى في كل شأنه.
وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هذا خطاب للموحدين يأمرهم تعالى بالاستمرار على توحيد الله في عباداته والإخلاص لله تعالى في كل أعمالهم، ولو كره الكافرون ذلك منهم فإنه غير ضائرهم.
وقوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ (5) } أي هو الله ذو الدرجات الرفيعة والعرش العظيم {يُلْقِي الرُّوحَ (6) مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي يلقي بالوحي من أمره الذي يريد إنفاذه إلى خلقه على من يشاء من عباده ممن يصطفيهم وينبئهم من أجل أن ينذروا عباده يوم التلاقي وهو يوم القيامة إذ يلتقي أهل الأرض بأهل السماء والمخلوقون بخالقهم وهو قوله {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} (7) من قبورهم لا شيء يسترهم، {لا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} ، وفي هذا الموقف العظيم يقول الجبار سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ فلا يجيبه أحد رهبة منه وخوفاً فيجيب نفسه بنفسه قائلاً: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من خير وشر لتمام العدالة الإلهية، ويؤكد ذلك قوله: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ويأخذ في محاسبتهم فلا ينتصف النهار إلا وأهل الجنة في الجنة قائلون في أحسن مقيل اللهم اجعلني منهم ومن قال آمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- عدم جدوى الاعتذار يوم القيامة هذا فيما لو أذن للعبد أن يعتذر فلا ينفعه اعتذار.
2- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
3- بيان إفضال الله على العباد إذ يريهم آياته لهدايتهم ويرزقهم وهم يكفرون به.
4- وجوب إخلاص الدعاء وسائر العبادات لله وحد ولو كره ذلك المشركون.
5- تقرير النبوة، وبيان الحكمة فيها وهي إنذار الناس من عذاب يوم القيامة حيث الناس بارزون لله لا يخفى على الله منهم شيء فيحاسبهم بعلمه وعدله فلا ينقضي نهار إلا وقد استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار اللهم أعذنا من نار جهنم.
__________

1- اللام في جواب قسم أي والله لمقت الله الخ والخاطب هم الملائكة وجائز إن لم يكن راجحاً أن يكون المعنى لمقت الله إياكم لما كنتم لمّا كنتم تدعون إلى الإيمان في الدنيا على أيدي رسلكم فتكفرون مقت الله ذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم.
2- جائز أن تكون الموتة الأولى لما كانوا في الرحم قبل نفخ الروح، وجائز أن يكون العدم السابق للوجود في الرحم شاهده آية البقرة {وكنتم أمواتاً فأحياكم} .
3- سر اعترافهم هذا أنهم يرجون من ورائه الخروج من النار ظناً منهم أنه نافع لهم شاهده قولهم مستعطفين: {فهل إلى خروج من سبيل}
4- جائز أن يكون الخطاب هنا موجها إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وكونه عاماً يشمل الموحدين والمشركين أولى أو ليزداد المؤمنون إيماناً وليتوب المشركون أما قوله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين فظاهر في أنه خطاب للمؤمنين.
5-رفيع الدرجات خبر والمبتدأ محذوف تقديره هو عائد على الله ورفيع الدرجات خبر وهو يحتمل أمرين كلاهما حق الأول أن الله تعالى هو ذو الشأن العظيم والصفات العلا والأسماء الحسنى والقدر الأعلى والثاني أنه تعالى رافع درجات أوليائه في دار كرامته إذ رفيع إما أن يكون صفة مشبّهة عائدة إلى الذات الإلهية العلية، أو فعيل بمعنى فاعل أي رافع درجات أوليائه.
6- فيه تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي الإلهي لمن يشاء من عباده فبعد تقرير البعث والتوحيد قرر النبوة المحمدية وهذه أصول الدين التي عليها مدار الحياة الإيمانية.
7- هذا عرض أيضا لأحوال يوم القيامة المقصود منه التذكير به والدعوة إلى تقوية الإيمان به إذ هو عامل إصلاح النفوس مع بيان عظمة الله وعدله وهي موجبات توحيده وطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:15 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة غافر - (2)
الحلقة (743)
سورة غافر
مكية
وآياتها خمس وثمانون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 522الى صــــ 525)

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) فِي الصُّدُورُ (19) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
شرح الكلمات:
يوم الآزفة: أي يوم القيامة.
إذ القلوب لدى الحناجر: أي من شدة الخوف تكون القلوب قد ارتفعت حتى وصلت عند الحناجر.
كاظمين: أي لقلوبهم يريدون ردها فلم يقدروا.
ما لظالمين من حميم: أي ليس للمشركين من محب قريباً كان أو بعيداً.
يعلم خائنة الأعين: أي الله تعالى يعلم العين إذا سرقت النظر إلى محرم.
والله يقضي بالحق: أي لكمال قدرته وعلمه يحكم بالحق.
والذين يدعون من دونه: أي والذين يدعوهم مشركو قريش من أصنام لا يقضون بشيء عدلاً كان أو جوراً لأنهم أصنام لا تسمع ولا تبصر.
معنى الآيات:
بعد بيان الموقف الصعب في عرصات القيامة في الآيات السابقة قال تعالى لرسوله {وَأَنْذِرْهُمْ} يا رسولنا أي خوف قومك {يَوْمَ الْآزِفَةِ} (1) وهي يوم القيامة القريبة والتي قد قربت فعلاً وكل ما هو آت قريب أنذرهم قربها حتى لا يوافوها بالشرك والمعاصي فيخسروا خسرانا مبينا، أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب (2) من شدة الخوف ترتفع إلى الحناجر (3) وهم يكظمونها فلا هي تخرج فيموتوا ولا هي تعود إلى أماكنها فيستريحوا.
{مَا لِلظَّالِمِينَ} وهم أهل الشرك والمعاصي {مِنْ حَمِيمٍ} قريب أو حبيب يدفع عنهم العذاب {وَلا شَفِيعٍ} يشفع لهم وتقبل شفاعته ويطاع فيها لا ذا ولا ذاك يا لفظاعة الحال وقوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ (4) } يخبر تعالى عن سعة علمه وواسع اطلاعه أنه يعلم خائنة الأعين وهي العين تسترق النظر إلى المحارم، ويعلم {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (5) } أي وما تكتمه صدور العباد وما تضمره من خير وشر، ولذا فسوف يكون الحساب دقيقاً ومن نوقش الحساب عُذب. {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} أي يحكم بالعدل، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ (6) دُونِهِ} أي والذين يعبدهم المشركون من أصنام وأوثان {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ (7) } لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون.
وقوله {إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فلذا إذا حكم يحكم بالحق ويقدر على إنفاذ الحكم فيجزي السيئة بالسيئة والحسنة بعشر أمثالها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان هول يوم القيامة وصعوبة الموقف فيه.
2- انعدام الحميم والشفيع للظالمين يوم القيامة.
3- بيان سعة علم الله تعالى حتى إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
4- قضاء الله عدل وحكمه نافذ وذلك لكمال علمه وقدرته.
__________

1- يقال أزف فلان يأزف أزفاً قال النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكأن قد
2- القلوب: جمع قلب وهو البضعة الصنوبرية الشكل التي تتحرك دائماً ما دام الجسم حياً تدفع الدم إلى الشرايين التي بها حياة الجسم.
3- الحناجر جمع حنجرة بفتح الحاء والجيم وهي الحلقوم.
4- أي الله جل جلاله يعلم الأعين الخائنة قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
5- قال ابن عباس وما تخفي الصدور أي هل يزني بها من سرق النظر إليها لو خلا بها أو لا.
6- قرأ نافع تدعون بالتاء وقرأ حفص بالياء يدعون.
7- من جملتي والله يقضي بالحق وجملة والذين يدعون من دونه قبلها تألف قصر القضاء على الله تعالى قصر قلب أي دون الأصنام. كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قوله الشاعر:
تسيل على حد الظبات نفوسا
وليست على غير الظبات تسيل

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:15 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
شرح الكلمات:
أو لم يسيروا في الأرض: أي أغفل كفار قريش ولم يسيروا في الأرض.
فينظروا: أي بأعينهم.
كيف كان عاقبة الذين من قبلهم: إنها كانت دماراً وخساراً ووبالاً عليهم.
كانوا هم أشدّ منهم قوة وآثاراً في الأرض: ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئا.
فأخذهم الله بذنوبهم: أي عاقبهم بذنوبهم فدمرهم وأهلكهم.
وما كان لهم من الله من واق: أي ولم يوجد لهم من عقاب الله من واق يقيهم منه.
ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والبراهين والأدلة والمعجزات.
فكفروا: أي بتلك الحجج والآيات.
فأخذهم الله: أي لما كفروا أخذهم بكفرهم.
إنه قوي شديد العقاب: هذا تعليل لأخذه إياّهم
معنى الآيات:
تقدم في السياق تخويف الله تعالى لمشركي قريش بعذاب الآخرة، ومبالغة في نصحهم وطلب هدايتهم خوفهم بعد عذاب الآخرة بعذاب الدنيا لعلهم يتوبون فقال: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي (1) الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ} أي أغفل هؤلاء المجاحدون المعاندون ولم يسيروا في البلاد شمالاً وجنوباً حيث ديار عاد في الجنوب وديار ثمود في الشمال فينظروا بأعينهم كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كعاد وثمود كان أولئك أشد من هؤلاء قوة وأثاراً في الأرض من حيث البناء والعمران والقدرة على الحرب والقتال، فأخذهم الله بذنوبهم (2) أي بذنوب الشرك والتكذيب والمعاصي، ولما أخذهم لم يوجد لهم من عقاب الله وعذابه من واق يقيهم ما أنزل الله بهم وما أحله بساحتهم. فما لهؤلاء المشركين لا يتعظون ولا يعتبرون والعاقل من اعتبر بغيره.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ} هذا تعليل لأخذ الله لأولئك الأقوام من عاد وثمود وغيرهم إذ ما أخذهم إلا بعد أن أنذرهم وأعذر إليهم فلما أصروا على الكفر والتكذيب أخذهم بذنوبهم. وقوله {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) تعليل أيضاً للأخذ الكامل الذي أخذهم به لعظم قوته وشدة عقابه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير الحكمة القائلة: العاقل من اعتبر بغيره.
2- الأخذ بالذنوب سنة من سنن الله في الأرض لا تتبدل (4) ولا تتحول.
3- من أراد الله عقاب لا يوجد له واق يقيه، ولا حامٍ يحميه، ومن تاب تاب الله عليه.
__________

1- الاستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم سيرهم في ديار الهالكين ليروا بأعينهم آثار الهالكين ويفكروا في سبب هلاكهم ليحصل لهم بذلك العبرة المطلوبة لهم.
2- الباء في بذنوبهم سببية إذ هلاكهم متسبب عن ذنوبهم وهي الشرك والمعاصي.
3- الجملة تعليلية لما قبلها من أخذ الله تعالى المشركين بذنوبهم في التكذيب والشرك والمعاصي.
4- إلا أن يشاء الله إيقافها أو تبديلها فهو على ما يشاء قدير.



ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:16 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة غافر - (3)
الحلقة (744)
سورة غافر
مكية
وآياتها خمس وثمانون آية

المجلد الرابع (صـــــــ 525الى صــــ 531)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
شرح الكلمات:
بآياتنا وسلطان مبين: أي بحججنا، وبرهان بين ظاهر.
هامان وقارون: هامان وزير فرعون، وقارون رجل الملايين.
فقالوا ساحر كذاب: أي لما رأوا آية العصا واليد البيضاء قالوا: ساحر كذاب دفعاً لقومهم حتى لا يؤمنوا به.
فلما جاءهم بالحق من عندنا: أي جاءهم موسى بالصدق فيما أخبرهم به من أنه رسول الله وطالبهم بإرسال بني إسرائيل معه.
قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه: أي اقتلوا الأولاد الذكران.
واستحيوا نساءهم: أي بناتهم بمعنى اتركوهن حيات.
وما كيد الكافرين إلا في ضلال: أي وما مكرهم إلا في خسران وضياع.
ذروني أقتل موسى وليدع ربه: أي دعوني واتركوني وليدع ربه ليمنعه مني.
إني أخاف أن يبدل دينكم: أي يغير عبادتكم لآلهتكم لعبادة إلهه.
أو أن يظهر في الأرض الفساد: بالقتل والتخريب ونحوه.
إني عذت بربي وربكم: أي استجرت بخالقي وخالقكم.
معنى الآيات:
بعد تلك الدعوة الربانية لقريش إلى الإيمان والتوحيد والتصديق بالبعث والجزاء، وما فيها من مظاهر لقدرة الله وعلمه وحكمته وعدله، وبعد ذلك العرض لأحوال القيامة، وبيان الجزاء لكل من الكافرين والمؤمنين فيها كأنه يُرى رأي العين، وبعد ذلك الترغيب والترهيب مما في الدنيا والآخرة والمشركون لا يزدادون إلا عتواً وطغياناً بعد كل ذلك قص الله تعالى على رسوله قصة موسى مع فرعون ليسلِّيه بها ويصبره وليعلمه أن البلاء مهما اشتد يعقبه الفرج، وأن الله ناصره على قومه كما نصر موسى على فرعون وقومه فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} أي قبلك يا رسولنا موسى بن عمران بآياتنا (1) أي بأدلتنا وحججنا على صدق دعوته وصحة رسالته، وسلطان مبين أي وبرهان ظاهر بين أرسلناه إلى فرعون وهامان وقارون (2) فهامان وزير فرعون وقارون من أرباب الملايين وهو وإن لم يكن من آل فرعون لأنه من بني إسرائيل إلا أنه مالأ فرعون ووقف في صفه، فلما بلغهم موسى دعوة ربه وأراهم الحجج والبراهين قالوا ساحر (3) كذاب فرموه بقاصمتين السحر والكذب حماية لمصالحهم وخوفاً من تغيير والوضع عليهم.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا} أي فلما جاءهم موسى بالصدق من عند الله كان ردُّ الفعل منهم أن أمروا بقتل الذكور من أولاد الذين آمنوا معه، واستحياء بناتهم للخدمة والامتهان وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} وقوله تعالى {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} عام في كل كيد كافر يبطله الله تعالى ولا يضر به أولياءه وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} لا شك أن هذا القول الدال على طغيان فرعون كان بعد أن انهزم في ميادين عدة أراد أن يسترد بعض ما فقد فقال ذروني أقتل موسى أي اتركوني أقتل موسى {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ (4) } أي ليمنعه مني، وعلل لقوله هذا بقوله إني أخاف أن يبدّل دينكم، أي بعد أن يغلب عليكم فتدينون بدينه أو أن يظهر في الأرض الفساد بالقتل والفتن.
ورد موسى عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه في قوله: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} قال موسى هذا لما سمع مقالة فرعون التي يهدده فيها بالقتل فأعلمهم أنه قد استجار بالله وتحصن به فلا يقدر أحد على قتله، وقوله من كل متكبر (5) لا يؤمن بيوم الحساب، لأن من يؤمن بيوم الحساب لا يقدم على جريمة القتل وإنما يقدم عليها من لا يؤمن بحساب ولا جزاء في الدار الآخرة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول وحمله على الصبر والتحمل وهو في أشد الظروف صعوبة.
2- عدم تورع الظلمة في كل زمان عن الكذب وتلفيق التهم للأبرياء.
3- التهديد بالقتل شنشنة الجبارين والطغاة في العالم.
4- أحسن ملاذ للمؤمن من كل خوف هو الله تعالى رب المستضعفين.
__________

1- هي الآيات التسع.
2- خص بالذكر هامان وقارون لقوة تأثيرهما في البلاد وإدارة الدولة وعز السلطان.
3- لما بهرتهم الآيات وعجزوا عن مقاومتها رموا موسى بالسحر واتهموه بالكذب كرد فعل وهروباً من المواجهة.
4- من الجائز أن يكون قد قال له بعض رجاله أما تخاف أن يدعو عليك ربه فتهلك فأجابه قائلاً وليدع ربه.
5- متكبر: متعظم عن الإيمان بالله وصفته أنه لا يؤمن بيوم الحساب.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 02:16 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
شرح الكلمات:
وقال رجل مؤمن من آل فرعون: وهو شمعان بن عم فرعون.
أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ : أي لأن يقول ربي الله؟ والرجل هو موسى عليه السلام.
بالبينات من ربكم: أي بالمعجزات الظاهرات.
فعليه كذبه: أي ضرر كذبه عليه لا عليكم.
يصبكم بعض الذي يعدكم: أي بعض العذاب الذي يعدكم به في الدنيا عاجلاً غير آجل.
من هو مسرف كذاب: أي مسرف في الكفر والظلم كذاب لا يقول الصدق ولا يفوه به.
ظاهرين في الأرض: أي غالبين في بلاد مصر وأراضيها.
فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا: أي من عذاب الله إن جاءنا وقد قتلنا أولياءه.
ما أريكم إلا ما أرى: أي ما أشير به عليكم إلا ما أشير به على نفسي وهو قتل موسى.
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد: أي إلا طريق الرشد والصواب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عما دار في قصر فرعون فقد أبدى فرعون رغبته في إعدام موسى معللاً ذلك بأمرين أن يبدل دين الدولة والشعب، والثاني أن يظهر في الشغب في البلاد والتعب للدولة والمواطنين معا. وها هو ذا رجل مؤمن من رجالات القصر يكتم إيمانه بموسى وبما جاء به من التوحيد خوفاً من فرعون وملئه. ولنسمع إلى ما أخبر تعالى به عنه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} (1) أي بموسى {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} إذ هو ابن عم فرعون واسمه شمعان كسلمان قال: {أَتَقْتُلُونَ} (2) ينكر عليهم قرار القتل {رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} أي لأن قال ربي الله {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} وهي الحجج والبراهين كالعصا واليد {مِنْ رَبِّكُمْ} الحق الذي لا رب لكم سواه. {وَإِنْ يَكُ (3) كَاذِباً} أي وإن فرضنا أنه كاذب فإن ضرر كذبه عائد عليه لا عليكم {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً} وهو صادق {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي (4) يَعِدُكُمْ} من العذاب العاجل. إن الله تعالى لا يهدي أي لا يوفق إلى النصر والفوز في أموره {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ (5) } متجاوز الحد في الاعتداء والظلم {كَذَّابٌ} مفتر يعيش على الكذب فلا يعرف الصدق. وبعد أن بين لهم هذه الحقيقة العلمية الثابتة أقبل عليهم يعظهم فقال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ} أي غالبين في الأرض أي أرض مصر بكامل ترابها وحدودها. لكن إن نحن أسرفنا في الظلم والافتراء فقتلنا أولياء الله فجاءنا بأس الله عقوبةً لنا فمن ينصرنا؟ إنه لا ناصر لنا أبداً من الله فتفهموا ما قلت لكم جيداً، ولا يهلك على الله إلا هالك، وهنا قام فرعون يرد على كلمة الرجل المؤمن فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} أي ما أشير عليكم بشيء إلا وقد رأيته صائباً وسديداً، يعني قتل موسى عليه السلام، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد أي إلاّ إلى طريق الحق والصواب، وكذب والله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- فضل الإيمان وفضل صاحبه فقد ورد الثناء على هذا الرجل في ثلاثة رجال هم مؤمن آل فرعون هذا، وحبيب النجار مؤمن آل ياسين وأبو بكر (6) الصديق رضي الله عنه.
2- فصاحة مؤمن آل فرعون هي ثمرة إيمانه وبركته العاجلة فإن لكلماته وقع كبير في النفوس.
3- التنديد بالإسراف في كل شيء والكذب والافتراء في كل شيء وعلى أي شيء.
4- من عجيب أمر فرعون ادعاؤه أنه يهدي إلى الرشد والسداد والصواب في القول والعمل، حتى ضرب به المثل فقيل: فرعون يهدي إلى الرشد.
__________

1- في نص هذا الخبر تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- الاستفهام للإنكار ينكر على فرعون ملئه عزمهم على قتل موسى عليه السلام.
3- لم يكن قوله وإن يك كاذبا شكاً في صدق موسى وإنما هو من باب التلطف والتنزل مع الخصم حتى لا يلج في الجدال والخصومة وحذفت النون من وإن يك لكثرة الاستعمال.
4- أي إن لم يصبكم إلا بعض الذي يعدكم به هلكتم، وجائز أن يطلق البعض وهو يريد الكل وهو سائغ وشائع قال الشاعر:
وقد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
5- إن كان هذا الموصوف الرجل المؤمن فهو إشارة إلى موسى وإن كان من قول الله تعالى فهو إشارة إلى فرعون.
6- روى البخاري وغيره أن المشركين تعرضوا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول الكعبة بسوء فجاء أبو بكر يصرخ فيهم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله. فضربوه ضرباً شديداً حتى أغمي عليه فلما أفاق قال كيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عليّ أبو بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن أبا بكر ما أخفى إيمانه بل أظهره وأوذي ومؤمن آل فرعون كتم إيمانه ولم يؤذ.




الساعة الآن : 11:30 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 129.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 129.18 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.38%)]