ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (3)
الحلقة (710)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 349الى صــــ 354)

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
شرح الكلمات:
وما يستوي الأعمى والبصير: أي لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
ولا الظلمات ولا النور: أي لا يستويان فكذلك الكفر والإيمان لا يستويان.
ولا الظل ولا الحرور: أي لا يستويان فكذلك الجنة والنار لا يستويان.
وما يستوي الأحياء ولا الأموات: فكذلك لا يستوي المؤمنون والكافرون.
وما أنت بمسمع من في القبور: أي فكذلك لا تسمع الكفار فإنهم كالأموات.
إن أنت إلا نذير: ما أنت إلا منذر فلا تملك أكثر من الإنذار.
إنا أرسلناك بالحق: أي بالدين الحق والهدى والكتاب.
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير: أي سلف فيها نبي ينذرها.
جاءتهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والأدلة الواضحة.
وبالزبر والكتاب المنير: أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.
فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب هو واقع موقعه والحمد لله.
معنى الآيات:
لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا المؤمن المقيم للصلاة وأن الكافر المكذب الجاحد لا ينتفع به ذكر تعالى هنا مثلاً للكافر والمؤمن وأنهما لا يستويان فقال {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (1) } فالأعمى الكافر والبصير المؤمن وهما لا يستويان في عقل ولا شرع {وَلا الظُّلُمَاتُ (2) وَلا النُّورُ} أي ولا يستوي الظلمات ولا النور كما لا يستوي الكفر والإيمان ولا الظل ولا الحرور (3) ، فبرودة الجو، لا تستوي مع حرارته فكذلك الجنة لا تستوي مع النار، وقوله {وما يستوي الأحياء ولا أموات} أي ولا المؤمنون مع الكافرين كذلك وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4) هذا شروع في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم لدعوته، فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما أنت أيها الرسول فإنك لا تسمع الأموات وإنما تسمع الأحياء، والكفار شأنهم شأن الأموات في القبور فلا تقدر على إسماعهم. ولا يحزنك ذلك فإنك ما أنت إلا نذير، والنذير ينذر ولا يُسأل عمن أجابه ومن لم يجبه.
وقوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً لمن آمن به واتبع هداه بالجنة، ونذيراً لمن كفر به وعصاه بالنار. وقوله {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} (5) ، يخبر تعالى أن رسوله محمداً ليس الرسول الوحيد الذي أرسل في أمة بل إنه ما من أمة من الأمم إلا مضى فيها نذير، فلا يكون إرساله عجباً لكفار قريش إذ هذه سنة الله تعالى في عباده يرسل إليهم من يهديهم إلى نجاتهم وسعادتهم ثم قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معزياً له مسلياً {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} فلم (6) يكونوا أول من كذب فقد كذب الذين من قبلهم {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي جاءتهم رسلهم بالحجج القواطع والبراهين السواطع، والمعجزات الخوارق، وبالصحف والكتب المنيرة لسبيل الهداية وطريق النجاة والفلاح. ومنهم من آمن ومنهم من كذب وكفر بعد إمهال وإنظار دلّ عليه العطف بثم أخذ الذين كفروا بعذاب ملائم لكفر الكافرين. {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (7) } أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة الشديدة والإهلاك التام إنه كان واقعاً موقعه، موافياً لطالبه بكفره وعناده.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال للكشف عن الحال وزيادة البيان.
2- الكفار عمى لا بصيرة لهم، وأموات لا حياة فيهم، والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ولا بأسماعهم ولا أبصارهم.
3- تقرير نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأكيد رسالته.
4- تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات.
5- بيان سنة الله في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم.
__________

1 - قال القرطبي الكافر والمؤمن والعالم والجاهل.
2 - قيل لا زائدة في كل من قوله تعالى ولا الظل ولا الحرور ولا الأموات واختلف في أيهما يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك وأن كلاهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
3 - قال قطرب أحد أعلام اللغة: الحرور: الحر والظل البرد.
4 - قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر قلوبهم أي كما لا تسمع من مات فإنك لا تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر.
5 - أي سلف فيها نبي قال ابن جرير إلا العرب. إذا أراد أنه لم يخل فيهم نذير مطلقاً فهذا غير صحيح إذ بعث فيهم إسماعيل وتبع وغيرهما وإن أراد في الزمن القريب فهذا صحيح.
6 - في الآيات تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهرة تطلبها المقام حيث أصر المشركون على تكذيبه وعدم الإيمان بما جاءهم به من الهدى والدين الحق.
7 - استفهام مستعمل في التعجب من حالهم مفرع بالفاء على قوله أخذت الذين كفروا والنكير اسم لشدة الإنكار وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب وحذفت ياء المتكلم في نكيري تخفيفاً ولرعاية الفواصل في الوقف.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
شرح الكلمات:
ثمرات مختلفاً ألوانها: أي كأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وغيره.
ومن الجبال جدد: أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق.
بيض وحمر مختلف ألوانه: أي طرق وخطط في الجبال ذات ألوان كالجبال أيضاً.
وغرابيب سود (1) : منها الأبيض والأصفر والأسود الغربيب.
ومن الناس والدواب والأنعام: فمنها أبيض وهذا أحمر وهذا أسود.
مختلف ألوانه كذلك: أي كاختلاف الثمار والجبال والطرق فيها.
إنما يخشى الله من عباده العلماء: أي العالمين بجلاله وكماله، إذ الخشية متوقفة على معرفة المخشيّ.
يتلون كتاب الله: أي يقرأونه تعبداً به.
تجارة لن تبور: أي لن تهلك ولن تضيع بدون ثواب عليها.
غفور شكور: أي غفور لذنوب عباده التائبين شكور لأعمالهم الصالحة.
معنى الآيات:
هذا السياق الكريم {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ (2) مَاءً} في بيان تفاوت المخلوقات واختلافاتها فمن مؤمن إلى كافر، ومن صالح إلى فاسد ومن أبيض إلى أحمر أو أسود وابتدأه تعالى بخطاب رسوله مقرراً له بقوله {أَلَمْ تَرَ} أي ألم تبصر بعينك أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ما بين تمر أصفر وآخر أحمر، وآخر أسود وهذا واضح في التمر والعنب والفواكه والخضر، ومن الجبال كذلك. فإن فيها جدد (3) أي خطط حمراء وصفراء وبيضاء وسوداء والجبال نفسها كذلك، ومن الناس والدواب والأنعام ففي جميعها الأبيض والأسود والأحمر والأصفر كما في جدد الجبال نفسها وكما في الثمار. ولما كان هذا لا يدركه إلا المفكرون ولا يجني منه العبرة إلا العالمون قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى (4) اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وأهل مكة جهال لا يفكرون ولا يهتدون فلا غرابة إذا لم يخشوا الله تعالى ولم يوحدوه وذلك لجهلهم وعدم تفكيرهم.
وقوله تعالى في ختام هذا السياق: {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (5) كشف عن حقيقة ينبغي أن يعرفها أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن الله قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز لا يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم ألا فليتب أهل مكة فإن توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة، وفي الإصرار هلاك.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ (6) } وهم المؤمنون {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أدوها أداء وافياً لا نقص فيه {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} الزكاة والصدقات بحسب الأحوال والظروف سراً أحياناً وعلانية أخرى. يخبر تعالى عنهم بعدما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم يرجون تجارة لن تبور أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ (7) وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد المنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات.
2- العلم سبيل الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له إنما يخشى الله من عباده العلماء.
3- فضل تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات.
4- في وصف الله تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا، وللعاملين أن يزيدوا.
__________

1 - الغربيب: الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير إذ المعنى ومن الجبال سود غرابيب إذ العرب تقول للأسود شديد السواد كلون الغراب أسود غربيب.
2 - من هداية هذه الآية الإشارة الواضحة إلى وجود اختلاف بشري جبلّي فطري كما هو في سائر الكائنات الأرضية، وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف عليه هان عليه اختلاف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب.
3 - الجدد جمع جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه.
4 - في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا علا شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا إنما يخشى الله من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بالله أي بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لأوليائه وما لديه من عذاب لأعدائه، وآية العالم الخشية لله والمحبة له تعالى فمن لم يخش الله تعالى فليس بعالم.
5 - الجملة تذييلية مشعرة بغنى الله تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك، ذو مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك ولكنهم لا يعلمون.
6 - لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلام إيجاز أوضحه بهذه الجملة فقال إن الذين يتلون كتاب الله، وما تلا كتاب الله غير مؤمن عالم ولا أقام الصلاة وأنفق سراً وعلانية إلا ذو خشية ومحبة بعدما وصفهم وحدهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور.
7 - التوفية جعل الشيء وافياً أي تاماً لا نقيصة فيه ولا غبن.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (4)
الحلقة (711)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 355الى صــــ 359)

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
شرح الكلمات:
من الكتاب: أي القرآن الكريم.
مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل.
ثم أورثنا الكتاب: أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم.
الذين اصطفينا: أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فمنهم ظالم لنفسه: بارتكاب الذنوب.
ومنهم مقتصد: مؤد للفرائض مجتنب للكبائر.
ومنهم سابق بالخيرات: مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
بإذن الله: أي بتوفيقه وهدايته.
ذلك: أي إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير.
ولؤلؤاً: أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب.
أحلنا دار المقامة: أي الإقامة وهي جنات عدن.
لا يمسنا فيها نصب: أي تعب.
ولا يمسنا فيها لغوب: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ (1) } أي القرآن الكريم هو {الْحَقُّ} أي الواجب عليك وعلى أمتك العمل به لا ما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل، {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي أمامه من الكتب السابقة، وقوله {إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (2) } فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم تصبح تحمل هداية الله لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى وحي سليم يقدم إليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نوراً تمشي به في حياتها المادية هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به.
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ (3) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يخبر تعالى أنه أورث أمة الإسلام الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والإنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأمة القرآن قد ورّثها الله تعالى كل الكتاب الأول. وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ (4) } بالتقصير في العمل وارتكاب بعض الكبائر، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وهو المؤدي للفرائض المجتنب للكبائر،
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ} وهو المؤدي للفرائض والنوافل المجتنب للكبائر والصغائر. وقوله: {ذَلِكَ} أي الإيراث للكتاب هو الفضل الإلهي الكبير وهو {جَنَّاتُ عَدْنٍ (5) يَدْخُلُونَهَا} يوم القيامة {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع سوار ما يجعل في اليد {مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} أي أساور من لؤلؤ، ولباسهم فيها حرير.
وقوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ (6) الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همَّ ولا كرب فمِن أين يأتي الحزن. وقولهم {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} قالوا هذا لأنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور الشكور حقاً حقاً.
وقولهم: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} أي الإقامة من فضله هذا ثناء منهم على الله تعالى بإفضاله عليهم، وقولهم {لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب {وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي إعياء من التعب وصف لدار السلام وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا الله من أهلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
2- بيان شرف هذه الأمة، وأنه المرحومة فكل من دخل الإسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم فهو ناج
فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو آئيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
3- بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور (7) من الذهب واللؤلؤ.
__________

1 - في الآية الإشادة بالكتاب الذي يتلوه المؤمنون فيثابون ويزادون لأنه الكتاب الحق الخالي من الزيادة والنقص المصدق لما تقدمه من الكتب الإلهية السابقة وضمن هذا يقرر النبوة المحمدية وإثباتها والإشادة بصاحبها.
2 - الخبير: العالم بدقائق الأمور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية وصاحب هذه الصفة هو الذي يجب أن يعبد ويتقى.
3 - حاول كثير من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الآية وهي أن الآية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هي التي قال الله تعالى فيها هو اجتباكم والاجتباء كالاصطفاء والظالم لنفسه لا يكون الكافر ولا المنافق وإنما هو المؤمن يغشى بعض الكبائر وما في التفسير هو الحق فتأمله.
4 - فمنهم: هذه الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية بالظالمين لأنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعاً لمن يتوهم أنهم لما كانوا ظالمين لا يدخلون الجنة.
5 - جنات عدن بدل اشتمال من قوله ذلك الفضل الكبير.
6 - لما دخلوا جنات عدن حمدوا الله تعالى وأثنوا عليه وإن قيل كيف دخل الظالم لنفسه الجنة وهو ظالم قلنا هذا الظلم ليس ظلما لربه بأن عبد غير الله ولا هو ظلم لغيره وإنما ظلم لنفسه بارتكاب بعض الذنوب وهذا غير مانع من دخول الجنة إذ هو وارث بوصفه مؤمنا والجنة تورث والورثة يستوي فيهم البار مع العاق فلا يمنع من الإرث العاق بل يرث كالبار سواء بسواء.
7 - ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
شرح الكلمات:
لا يقضى عليهم: أي بالموت فيموتوا ويستريحوا.
كذلك نجزي كل كفور: أي كذلك الجزاء نجزي كل كفور بنا وبآياتنا ولقائنا.
وهم يصطرخون فيها: أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها.
يقولون: أي في عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحا.
أو لم نعمركم ما يتذكر فيه: أي وقتا يتذكر فيه من تذكر.
وجاءكم النذير: أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي.
إنه عليم بذات الصدور: أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة.
خلائف في الأرض: يخلف بعضكم بعضا. والخلائف جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
فعليه كفره: أي وبال كفره.
إلا مقتا: أي إلا غضبا شديداً عليهم من الله عز وجل.
إلا خساراً: أي في الآخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
معنى الآيات:
بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الإيمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا (1) } أي بالله وآياته ولقائه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} أي جزاء لهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا (2) } أي بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا طرفة عين. وقوله {كَذَلِكَ} أي الجزاء {نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} أي مبالغ في الكفر مكثر منه. وقوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ (3) فِيهَا} أي في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} أي من النار وردنا إلى الحياة الدنيا {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي من الشرك والمعاصي. فيقال لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ (4) } أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحا ولم نعمركم أي نطل أعماركم بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير (5) فلم تجيبوه وأصررتم على الشرك والمعاصي، إذاً فذوقوا عذاب النار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي من نصير ينصرهم فيخرجهم من النار. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي كل ما غاب في السموات والأرض {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ (6) } أي يخلف بعضكم بعضاً وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذاً فلا عذر لكم أبداً.
وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم {إِلَّا مَقْتاً} أي بعداً عن الرحمة وبعضاً شديداً، {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ} أي المصرين على الكفر كفرهم {إِلَّا خَسَاراً} أي هلاكاً في الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
2- الإعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
1- الكافر يعذب أبدا لعلم الله تعالى به وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن كفره ولا حاول أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً.
2- في كون البشرية أجيالا جيلا يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره.
3- الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت أشد الغضب.
__________

1 - قال القرطبي لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم.
2 - هذا كقوله تعالى: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} من سورة الأعلى.
3 - يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما أصابهم.
4 - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قولا محذوفاً تقديره يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم نعمركم والتعمير تطويل العمر.
5 - هل النذير القرآن أو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الشيب قال الشاعر:
رأيت الشيب من نُذُر المنايا
لصاحبه وحسبك من نذير.
وما في التفسير أصح.
6 - أي خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن، والخلف هو التالي للمتقدم.

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة فاطر - (5)
الحلقة (712)
تفسير سورة فاطر مكية
وآياتها خمس وأربعون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 359الى صــــ 364)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43)
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني
تدعون من دون الله: أي تعبدون من غير الله وهي الأصنام.
أروني ماذا خلقوا: أي أخبروني ماذا خلقوا من الأرض أي أيّ جزء منها خلقوه.
أم لهم شرك: أي لهم شركة في خلق السموات.
إلا في غروراً: أي باطلاً إذ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وتقربنا
إلى الله زلفى.
يمسك السموات والأرض أن تزولا: أي يمنعهما من الزوال.
إن أمسكهما من أحد من بعده: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
إنه كان حليماً غفوراً: أي حليماً لا يعجل بالعقوبة غفوراً لمن ندم واستغفر.
لئن جاءهم نذير: أي رسول.
من إحدى الأمم: أي اليهود والنصارى.
فلماء جاءهم نذير: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ما زادهم إلا نفوراً: أي مجيئه إلا تباعداً عن الهدى ونفرة منه.
ومكر السيء: أي الشرك والمعاصي.
ولا يحيق المكر السيء: أي ولا يحيط إلا بأهله العاملين له.
سنة الأولين: أي سنة الله فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه.
ولن تجد لسنة الله تبديلاً: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
ولن تجد لسنة الله تحويلاً: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل للمشركين من قومك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ (1) الَّذِينَ تَدْعُونَ} أي تعبدون من دون الله أخبروني: ماذا خلقوا من الأرض حتى استحقوا العبادة مع الله فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك (2) في السموات بأن خلقوا جزءاً وملكوه بالشركة. والجواب قطعاً لم يخلقوا شيئاً من الأرض وليس لهم في خلق السموات شركة أيضاً إذاً فكيف عبدتموهم مع الله؟ وقوله تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك. والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم الشرك؟ بل إن يعد (3) الظالمون بعضهم بعضاً {إِلَّا غُرُوراً} أي باطلاً إذ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك،وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضاً وهو أن الآلهة ستشفع لنا وتقربنا إلى الله زلفى إلا غروراً وباطلاً فالرؤساء غرّوا المرءوسين وكذبوا عليهم بأن الآلهة تشفع لهم عند الله وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون الله وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ (4) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده، ورحمته بهم وهي أنه تعالى يمسك السموات السبع والأرض أن تزولا أي تتحولا عن أماكنهما، إذ لو زالتا لخرب العالم في لحظات، وقوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا} أي ولو زالتا {إِنْ (5) أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} أي لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، وقوله إن كان حليما غفوراً إذ حلمه هو الذي غرّ الناس فعصوه، ولم يطيعوه، وأشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة إليه، والإنابة إلى توحيده وعبادته.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (42) {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير (6) أي الرسول وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادهم مجيئه {إِلَّا نُفُوراً} أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله تعالى {وَلا يَحِيقُ (7) الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ} أيها (8)الرسول {تَبْدِيلاً} بأن يتبدل العذاب بغيره بالرحمة مثلا {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً} بأن يتحول العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه إذاً فليعاجل قومك الوقت بالتوبة وإلا فهم عرضة لأن تمضي فيهم سنة الله بعذابهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
2- بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب.
3- بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والأرض عن الزوال.
4- بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقالونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسول لكانوا أهدى من
اليهود أو النصارى.
5- تقرير حقيقة وهي أن المكر (9) السيء عائد على أهله لا على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلاثة على أهلها
رواجع، وهي المكر السيء، والبغي، والنكث لقوله تعالى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقوله {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقوله {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
__________

1 - هذا شروع في بطلان الشرك وتحقيق التوحيد بالأسلوب العقلي والاستفهام تقريري في قوله أرأيتم شركاءكم أروني أي أروني شيئاً خلقوه من الأرض.
2 - الشرك اسم للنصيب المشترك به في ملك الشيء، والمعنى ألهم شرك مع الله في ملك السموات وتصريف أحوالها كسير الكواكب وتعاقب الليل والنهار وتسخير الرياح وإنزال المطر.
3 - إن نافية بمعنى "ما" بقرينة الاستثناء والغرور الأباطيل تغرو وهي قول السادة للسفلة إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من طريق الوسوسة.
4 - لما بين لهم عجز آلهتهم وعدم قدرتها على خلق شيء في السموات والأرض بين لهم أن خالقها وممسكها هو الله فلا يوجد شيء إلا بإيجاده ولا يبقى شيء إلا بإبقائه.
5 - إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه.
6 - هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه منهم وأقسموا بالله جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
7 - حاق به: أحاط والحوق الإحاطة روي أن كعباً قال لابن عباس إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً" وجملة لا يحيق المكر السيء إلا بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة.
8 - السنة الطريقة والجمع سنن.
9 - المكر إخفاء الأذى وهو سيء لأنه غدر وخديعة.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
شرح الكلمات:
وكانوا أشد منهم قوة: أي وأهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسلهم.
وما كان الله ليعجزه من شيء: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
إنه كان عليماً قديراً: أي عليماً بالأشياء كلها قديراً عليها كلها.
بما كسبوا: أي من الذنوب والمعاصي.
ما ترك على ظهرها: أي ظهر الأرض من دابة نسمة تدب على الأرض وهي كل ذي روح.
إلى أجل مسمى: أي يوم القيامة.
فإن الله كان بعباده بصيراً: فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيراً كان أو شراً.
معنى الآيات:
لما هدد الله المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلاك المكذبين إذا أصروا على التكذيب ولم يتوبوا. قال {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} أي المشركون المكذبون لرسولنا {فِي الْأَرْضِ} شمالاً وجنوباً {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كقوم صالح وقوم هود، إنها كانت دماراً وخساراً {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ (1) قُوَّةً} أي من هؤلاء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ (2) مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} أي لم يكن ليعجز الله شيء فيفوت الله ويهرب منه ولا يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} تقرير لقدرته وعجز كل شيء أمامه، فإن العليم القدير لا يعجزه شيء بالاختفاء والتستر، ولا بالمقاومة والهرب.
وقوله تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} وهي الآية (3) الأخيرة من هذا السياق (45) أي ولو كان الله يؤاخذ الناس بذنوبهم فكل من أذنب ذنباً انتقم منه فأهلكه ما ترك على ظهر الأرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الأرض، ولكنه تعالى يؤخر الظالمين {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} (4) أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا، وإن كان يوم القيامة ففي القيامة. وقوله:
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ (5) فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرا} يخبر بأنه إذا جاء أجل الظالمين فإنه تعالى بصير بهم لا يخفي عليه منهم أحد فيهلكهم ولا يبقى منهم أحد لكامل علمه وعظيم قدرته، ألا فليتق الله الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية السير في الأرض للعبرة لا للتنزه واللهو واللعب.
2- بيان أن الله لا يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والإنابة إليه.
3- حرمة استعجال العذاب فإن لكل شيء أجلاً ووقتاً معيناً لا يتم قبله فلا معنى للاستعجال بحال.
__________

1 - الجملة في محل نصب حالية أي كان عاقبتهم الاضمحلال وكانوا أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب.
2 - أي هبكم أنكم أقوى ممن كان قبلكم وأشد حيلة وتصرفاً في الحياة فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وذلك لعلمه وقدرته، إذاً فلا مهرب لكم منه إذا أراد إهلاككم.
3 - قال ابن مسعود، يريد جميع الحيوان مما دبّ ودرج وقال قتادة وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام: قال ابن جرير هنا الناس وحدهم وهو كذلك.
4 - قال مقاتل الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ وقيل هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين إذ يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ.
5 - قوله فإن الله كان بعباده بصيراً هو كالجواب لمن قال وكيف يهلك كل من في الأرض فيهم الصالحون والمؤمنون فقال إنه كان بعباده بصيراً فقد ينجي من لا يستحق الهلاك ويهلك من يستحقه.




ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:37 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (1)
الحلقة (713)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 365الى صــــ 370)

سورة يس (1)
مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
شرح الكلمات:
يس: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس، ويقرأ هكذا ياسين والله أعلم بمراده به.
والقرآن الحكيم: أي ذي الحكمة إذ وضع القرآن كل شيء في موضعه فهو لذلك حكيم ومحكم أيضا بعجيب النظم وبديع المعاني.
إنك لمن المرسلين: أي يا محمد من جملة الرسل الذين أرسلناهم إلى أقوامهم.
على صراط مستقيم: أي طريق مستقيم الذي هو الإسلام.
تنزيل العزيز الرحيم: أي القرآن (2) تنزيل العزيز في انتقامه ممن كفر به الرحيم بمن تاب إليه.
ما أنذر آباؤهم: أي لم ينذر آباؤهم إذ لم يأتهم رسول من فترة طويلة.
فهم غافلون: أي لا يدرون عاقبة ما هم فيه من الكفر والضلال، ولا يعرفون ما ينجيهم من ذلك وهو الإيمان وصالح الأعمال.
لقد حق القول على أكثرهم: أي وجب عليهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون.
إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا: أي جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالأغلال.
فهي إلى الأذقان: أي أيديهم مجموعة إلى أذقانهم، والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين.
فهم مقمحون: أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، فلذا هم لا يكسبون بأيديهم خيراً، ولا يذعنون برؤوسهم إلى حق.
فأغشيناهم فهم لا يبصرون: أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لذلك لا يبصرون.
وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون: أي استوى إنذارك لهم وعدمه في عدم إيمانهم.
من اتبع الذكر: القرآن.
وأجر كريم: أي بالجنة دار النعيم والسلام.
إنا نحن نحيي الموتى: أي نحن ربّ العزة نحيي الموتى للبعث والجزاء.
ونكتب ما قدموا وآثارهم (3) : أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم، وآثارهم أي خطاهم إلى المساجد وما استن به أحد من بعدهم.
في إمام مبين: أي في اللوح المحفوظ.
معنى الآيات:
{يس} الله أعلم (4) بمراده به {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (5) } أي المحكم نظماً ومعنىً وذي الحكمة الذي يضع كل شيء في موضعه أقسم تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبييٌّ ورسولٌ فقال {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الذي هو الإسلام. وقوله {تَنْزِيلَ (6) الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي هذا القرآن هو تنزيل الله {الْعَزِيزِ} في الانتقام ممن كفر به وكذب رسوله {الرَّحِيمِ} بأوليائه وصالحي عباده. وقوله {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} أي أرسلناك وأنزلنا إليك الكتاب لأجل أن تنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من فترة طويلة وهم مشركو العرب إذ لم يأتهم رسول من بعد إسماعيل عليه السلام {فَهُمْ غَافِلُونَ} أي لا يدرون عاقبة ما هم عليه من الشرك والشر والفساد، ومعنى تنذرهم تخوفهم عذاب الله تعالى المترتب على الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي أكثر خصوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كفار قريش كأبي جهل حق عليهم القول الذي هو قوله تعالى {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فوجب لهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون إذ لو آمنوا لما عذبوا، وعدم إيمانهم لم يكن مفروضاً عليهم وإنما هو باختيارهم وحرية إرادتهم إذ لو كان جبراً لما استحقوا العذاب عليه. وقوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ} أي أيديهم {إِلَى الْأَذْقَانِ} مشدودة بالأغلال {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل لحالهم في عدم مدّ أيديهم للإنفاق في الخير، وعدم إذعان رؤوسهم لقبول الحق (7) وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} وهذا تمثيل آخر لحالهم وهي أنهم زينت لهم الحياة الدنيا فأصبحوا لا يرون غيرها فهو سد أمامهم مانع لهم من الإيمان وترك الشرك والمعاصي، وصورت لهم الآخرة بصورة باطلة مستحيلة الوقوع فكان ذلك سداً من خلفهم فهم لذلك لا يتوبون ولا يذكرون لعدم خوفهم من عذاب الآخرة وقوله تعالى {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} هذا مبالغة في إضلالهم فجعل على أعينهم غشاوة من كره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغض ما جاء به من فهم لذلك عمى لا يبصرون. وقوله تعالى {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (8) أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} هذا إخبار منه تعالى بأن هذه المجموعة من خصوم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكابر مجرمي مكة استوى فيهم الإنذار النبوي وعدمه فهم لا يؤمنون فكأن الله تعالى يقول لرسوله إن هؤلاء العتاة من خصومك إنذارك لهم لا ينفعهم فأنذر الذين ينفعهم إنذارك ودع من سواهم وهو قوله تعالى {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أي القرآن {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} أي خافه فلم يعصه وهو لا يراه، كما لم يعصه عندما يخلو بنفسه ولا يراه غيره فمثل هذا بشره بمغفرة منا لذنوبه وأجر كريم على صالح عمله وهو الجنة دار المتقين وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} أي للبعث والجزاء {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أي أولئك الأموات أيام حياتهم من خير وشر، {وَآثَارَهُمْ} أي ونكتب آثارهم وهو ما استُن به (9) من سننهم الحسنة أو السيئة. {وَكُلَّ شَيْءٍ} أي من أعمال العبادة وغيرها {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ، وسنجزي كلاً بما عمل. وفي هذا الخطاب تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- بيان الحكمة من إرسال الرسول وإنزال الكتاب الكريم.
3- بيان أن الرسول محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث على فترة من الرسل.
4- بيان أن حب الدنيا والإقبال عليها والإعراض عن الآخرة وعدم الالتفات إليها يضعان الإنسان بين حاجزين
لا يستطيع تجاوزهما والتخلص منهما.
5- بيان أن الذنوب تقيد صاحبها وتحول بينه وبين فعل الخير أو قبول الحق.
6- بيان أن من سن سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده يجزى بها كما يجزى على عمله الذي باشره بيده.
7- تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن كل شيء في كتاب المقادير المعبر عنه بالإمام. ومعنى المبين أي أن ما كتب
فيه بين واضح لا يجهل منه شيء.
__________

1 - ورد في فضل هذه السورة حديث أبي داود عن معقل بن يسار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اقرأوا يس على موتاكم" ورود عن أبي الدرداء أو أم الدرداء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه، " وأخرج الدارمي عن أبي هريرة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة" وخرجه الحافظ أبو نعيم أيضاً.
2 - هذا على قراءة أهل المدينة وهي رفع تنزيل. أما على قراءة النصب فالتقدير أقرأ تنزيل العزيز الرحيم أو أمدح تنزيل.
3 - وَهِم بعض فقال هذه الآية نزلت بالمدينة في بني سلمة والصحيح أن السورة كلها مكي وليس فيها مدني وإنما قرأ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية محتجا بها على بني سلمة لما أرادوا النزول قرب المسجد فقال لهم بني سلمة دياركم تكتب آثاركم. وقرأ هذه الآية، ونكتب ما قدموا وآثارهم.
4 - كره مالك رحمه الله تعالى التسمية بيس وهو كذلك لعدم علمنا بالمراد منه وليس هو باسم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذكر أسماءه الخمسة ولم يذكر بينها يس ولا حجة في قول الرافضي:
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة
على المودة إلا آل ياسين
5 - والقرآن الواو للقسم والقرآن مقسم به وجواب القسم: إنك لمن المرسلين وعلى صراط مستقيم خبر ثان لإن.
6 - قرأ نافع والجمهور تنزيل بالرفع على أنه خبر محذوف المبتدأ أي هو تنزيل والضمير عائد على القرآن المقسم به وقرأ حفص تنزيل بالنصب على المصدرية أو على تقدير أعني أو أخص فيكون مدحاً وإشادة بشأنه وهو أليق.
7 - وجائز أن يكون هذا بيان لحالهم في النار يوم القيامة ولكن ما في التفسير أولى وأحق والسياق يؤكده.
8 - أنذرتهم أصل الهمزة الاستفهام ولكنها هنا للتسوية متمحضة لها.
9 - شاهده حديث مسلم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" وكذا حديثه الآخر: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:37 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
شرح الكلمات:
واضرب لهم مثلاً: أي واجعل لهم مثلاً.
أصحاب القرية: أي أنطاكية عاصمة بلاد يقال لها العواصم بأرض الروم.
إذ جاءها المرسلون: أي رسل عيسى عليه السلام.
فعززنا بثالث: أي قوينا أمر الرسولين ودعوتهما برسول ثالث وهو حبيب النجار.
وما علينا إلا البلاغ المبين: أي التبليغ الظاهر البين بالأدلة الواضحة وهي إبراء الأكمه والأبرص والمريض وإحياء الموتى.
إنا تطيرنا بكم: أي تشاءمنا بكم وذلك لانقطاع المطر عنا بسببكم.
قالوا طائركم معكم: أي شؤمكم معكم وهو كفركم بربكم.
أئن ذكرتم: أوعظتم وخوفتم تطيرتم وهذا توبيخ لهم.
بل أنتم قوم مسرفون: أي متجاوزون للحد في الشرك والكفر.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً (1) } أي واضرب أيها الرسول لقومك المصرين على الشرك والتكذيب لك ولما جئتهم به من الهدى ودين الحق {مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} فإن حالهم في التكذيب والغلّو في الكفر والعناد كحال هؤلاء. إذ جاءها المرسلون وهم رسل عيسى (2) عليه السلام إذ بعث برسولين ثم لما آذوهما بالضرب والسجن بعث بشمعون الصفي رأس الحواريين تعزيزاً لموقفهما كما قال تعالى {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (3) ، فقالوا لأهل أنطاكية (4) {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} من قبل عيسى عليه السلام ندعوكم إلى عبادة الرحمن وترك عبادة الأوثان فـ {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} أي ما أنتم إلا تكذبون علينا في دعواكم أنكم رسل إلينا فقال الرسل {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فواجهوا شك القوم فيهم بما يدفع الشك من القسم وتأكيد الخبر بالجملة الاسمية ولام التوكيد فقالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي البين الواضح فإن قبلتم ما دعوناكم إليه فذلك حظكم من الخير والنجاة وإن أبيتم فذلك حظكم من الهلاك والخسار. ورد أهل أنطاكية على الرسل قائلين: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي تشاءمنا (5) بكم حيث انقطع المطر بسببكم* فرد عليهم المرسلون بقولهم {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي شؤمكم في كفركم وتكذيبكم، ولذ حبس الله عنكم المطر عليكم. ثم قالوا لهم موبخين لهم: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (6) } أي وعظتم وخوّفتم بالله لعلكم تتقون تطيرتم. بل أنتم أيها القوم {مُسْرِفُونَ} أي متجاوزون الحد في الكفر والشرك والعدوان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب المثل وهو تصوير حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما هنا في قصة حبيب بن النجار.
2- تشابه الكفار في التكذيب والإصرار في كل زمان ومكان.
3- لجوء أهل الكفر بعد إقامة الحجة عليهم إلى التهديد والوعيد.
4- حرمة التطير والتشاؤم في الإسلام.
__________

1 - اضرب أي اجعل والمثل للتشبيه والمعنى اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم.
2 - كان هذا بعد رفع عيسى إلا أنه كان بإذن الله تعالى فلذا قال تعالى أرسلنا إليهم.
3 - قرئ عززنا بالتخفيف والمعنى واحد.
4 - كان أهل أنطاكيا من اليهود ومن اليونان.
5 - وجائز أن يكون قد حدث بينهم تشاجر وتشاحن نتيجة قبول الدعوة من أفراد منهم فحصل بينهم شجار وخلاف لم يألفوه فقالوا ما قالوا متشائمين، وفي الحديث: لا عدوى ولا طيرة وإنما الطيرة على من تطير.
* لئن لم تنتهوا من دعواكم بأنكم رسل إلينا بترك آلهتنا لنرجمنكم بالحجارة وليمسنكم منا عذاب أليم.
6 - الاستفهام إنكاري وبل للإضراب الانتقالي أضرب عن دعواهم لبطلانها وانتقل بهم إلى الحقيقة وهي إسرافهم في الشرك والشر والفساد.


ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة يس - (2)
الحلقة (714)
تفسير سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون آية
المجلد الرابع (صـــــــ 371الى صــــ 374)

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
شرح الكلمات:
وجاء رجل: أي حبيب بن النجار صاحب يس (1) .
من أقصى المدينة: أي من أقصا دور المدينة وهي أنطاكيا العاصمة.
يسعى: أي يشتد مسرعا لما بلغه أن أهل البلد عزموا على قتل رسل عيسى الثالثة.
قال يا قوم اتبعوا المرسلين: أي رسل عيسى عليه السلام.
اتبعوا من لا يسألكم أجراً: اتبعوا من لا يطلبكم أجراً على إبلاغ دعوة الحق.
وهم مهتدون: أي الرسل إنهم على هداية من ربهم ما هم بكذابين.
فطرني: أي خلقني.
إن يردن الرحمن بضر: أي بمرض ونحوه.
ولا ينقذون: أي مما أراد الله لي من ضر في جسمي وغيره.
إني إذا لفي ضلال مبين: أي إن إذا اتخذت من دون الله آلهة أعبدها لفي ضلال مبين.
إني آمنت بربكم فاسمعون: أي صارح قومه بهذا القوم وقتلوه.
قيل ادخل الجنة: قالت له الملائكة عند الموت ادخل الجنة.
يا ليت قومي يعلمون: قال هذا لما شاهد مقعده في الجنة.
بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين: وهو الإيمان والتوحيد والصبر على ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مَثَلِ أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلاثة وأعطاهم الله من الكرامات ما أبرأوا به المرضى بل وأحيوا الموتى بإذن الله وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب رؤساء البلاد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل، وبلغ ذلك حبيب بن النجار وكان شيخا مؤمناً موحداً يسكن في طرف المدينة الأقصى فجاء يشتد سعيا على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه وتوحيده فقتلوه رفساً بأرجلهم قال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} - أنطاكية- {رَجُلٌ يَسْعَى (2) } أي يمشي بسرعة لما بلغه من أن أهل البلاد قد عزموا على قتل الرسل الثلاثة وما إن وصل إلى الجماهير الهائجة حتى قال بأعلى صوته: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (3) } وسأل الرسل هل طلبتم على إبلاغكم
دعوة عيسى أجراً قالوا لا. فقال {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فاتبعوهم تهتدوا بهدايتهم. وقال له القوم وأنت تعبد الله مثلهم ولا تعبد آلهتنا؟ فقال: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي وأيّ شيء يجعلني لا أعبده وهو خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي بعد موتكم فيحاسبكم ويجزيكم بعملكم. ثم اغتنم الفرصة ليدعوا إلى ربه فقال مستفهما {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أي أصناماً وأوثاناً لا تسمع ولا تبصر {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} (4) وإن قلّ ولا ينقذون مما أراده بي من ضر ونحوه {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (5) } أي إني إذا أنا عبدت هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر لفي ضلال مبين واضح لا يحتاج إلى دليل عليه. ورفع صوته مبلغاً {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ} أي بخالقكم ورازقكم ومالك أمركم دون هذه الأصنام والأوثان {فَاسْمَعُونِ} وهنا وثبوا عليه فقتلوه. ولما قيل له ادخل الجنة ورأى نعيمها ذكر قومه ناصحاً لهم فقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي (6) رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (7) } أي يعلمون بما غفر له وجعله من المكرمين وهو الإيمان والتوحيد حتى يؤمنوا ويوحدوا فنصح قومه حياً وميتاً وهذا شأن المسلم الحسن الإسلام والمؤمن الصادق الإيمان ينصح ولا يغش ويرشد ولا يضل ومهما قالوا له وفيه ومهما عاملوه به من شدة وقسوة حتى الموت قتلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان كرامة حبيب بن النجار الذي نصح قومه حياً وميتاً.
2- بيان ما يلاقي دعاة التوحيد والدين الحق في كل زمان ومكان من شدائد وأهوال.
3- وجوب إبلاغ دعوة الحق والتنديد بالشرك ومهما كان العذاب قاسياً.
4- بشرى المؤمن عند الموت لا سيما الشهيد فإنه يرى الجنة رأي العين.
__________

1 - ما جاء في التفسير من كون الرسل هم رسل عيسى عليه السلام، وأن القرية هي أنطاكية - هو ما عليه أكثر المفسرين مثل قتادة وابن جرير وغيرهما، إلا أن ابن كثير رحمه الله تعالى رجّح أن الرسل رسل من الله تعالى، وأن القرية ليست أنطاكية، وحجته فيما رآه أن الله تعالى لم يهلك أمة بعد نزول التوراة، وهذه القرية أهلك أهلها. وهذه غفلة منه رحمه الله تعالى إذ أهلك الله أهل قرية كانت حاضرة البحر، ومسخ أهلها قردة وخنازير على عهد داود بعد نزول التوراة بقرن وإنما رفع هلاك العامّة بعد بعثة النبي محمد نبي الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 - هذا الرجل هو حبيب بن النجار صاحب ياسين كما في الحديث والرجل كان مصاباً بالجذام سنين وشفاه الله تعالى على يد رسل عيسى وبذلك آمن وأسلم وبفي في أرض أنطاكيا يعبد الله تعالى حتى بلغه هَمُّ أهل المدينة بالبطش بالرسل جاء مسرعاً لينقذ دعوتهم ويدعوا إلى الله تعالى بما أخبر به تعالى في هذه الآيات.
3 - المراد بالمرسلين رسل عيسى الذين أرسلهم بالوصية إليهم إلى أنطاكيا من بينهم شمعون الذي عزز به الرسولين قبله.
4 - إن يردن ولا يغن ولا ينقذون، فاسمعون حذفت منها كلها ياء المتكلم مراعاة للتخفيف ولظهورها وعدم اللبس مع حذفها، وجملة إن يردن في محل نصب نعت.
5 - إن إذاً لفي ضلال مبين الجملة جواب للاستفهام الإنكاري في قوله أأتخذ من دونه آلهة أي إن اتخذت من دون الله آلهة إني في ضلال مبين.
6 - بما غفر: ما مصدرية تسبك بمصدر نحو بمغفرة ربي لي.
7 - من المكرمين الملائكة والأنبياء والشهداء والصالحين.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-08-2022 01:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء الثالث والعشرون
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
شرح الكلمات:
وما أنزلنا على قومه: أي على قوم حبيب بن النجار وهم أهل أنطاكية.
من بعده: أي من بعد موته.
من جند من السماء: أي من الملائكة لإهلاكهم.
وما كنا منزلين: أي الملائكة لإهلاك الأمم التي استوجبت الهلاك.
إن كانت إلا صيحة واحدة: أي ما هي إلا صيحة واحدة وهي صيحة جبريل عليه السلام.
فإذا هم خامدون: أي ساكنون لا حراك لهم ميتون.
يا حسرة على العباد: أي يا حسرة العباد هذا أوان حضوركِ فاحضري وهذا غاية التألم. والعباد هم المكذبون للرسل الكافرون بتوحيد الله.
ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون: هذا سبب التحسر عليهم.
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون: أي ألم ير أهل مكة المكذبون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإن كل لماّ جميع لدينا محضرون: أي وإن كل الخلائق إلا لدينا محضرون يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ} أي (1) قوم حبيب بن النجار {مِنْ بَعْدِهِ} أي بعد موته {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} للانتقام من قومه الذين قتلوه لأنه أنكر عليهم الشرك ودعاهم إلى التوحيد وما كنا منزلين إذ لا حاجة تدعو إلى ذلك. إن كانت إلا صيحة واحدة من جبريل (2) عليه السلام فإذا هم خامدون أي هلكى ساكنون ميتون لا حراك لهم ولا حياة فيهم وقوله تعالى {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} أي يا حسرة العباد (3) على أنفسهم احضري أيتها الحسرة (4) هذا أوان حضورك {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ (5) يَسْتَهْزِئُونَ} هذا موجب الحسرة ومقتضاها وهو استهزاؤهم بالرسل. وقوله تعالى {أَلَمْ يَرَوْا} أي أهل مكة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} أي ألم يعلموا القرون الكثيرة التي أهلكناها قبلهم كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين، {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} فيكون هذا هاديا لهم واعظاً فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويسعدوا. وقوله تعالى {وَإِنْ كُلٌّ} (6) أي من الأمم الهالكة وغيرها من سائر العباد {لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي إلا لدينا محضرون لفصل القضاء يوم القيامة فينجو المؤمنون ويهلك الكافرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك أهل أنطاكية بصيحة واحدة.
2- إبداء التحسر على العباد من أنفسهم إذ هم الظالمون المكذبون فالحسرة منهم وعليهم.
3- حرمة الاستهزاء بما هو من حرمات الله تعالى التي يجب تعظيمها.
4- طلب العبرة من أخبار الماضين وأحوالهم، والعاقل من اعتبر بغيره.
5- تقرير المعاد والحساب والجزاء.
__________

1 - هذا تابع لقصة حبيب بن النجار صاحب ياسين والجملة معطوفة على جملة قيل ادخل الجنة.
2 - كون جبريل هو الذي صاح فيهم وراد عند أهل التفسير فإن ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب الإيمان به وإلا فلا يجب ولا يلزم الإيمان به إذ جائز أن يكون ملكاً آخر غير جبريل.
3 - العباد جمع عبد من عباد الله تعالى والعبيد جمع عبد مملوك للناس.
4 - الحسرة شدة الندم مشوباً بتلهف على نفع فائت.
5 - الاستثناء مفرغ من أحوال عامة من الضمير في "يأتيهم" أي لا يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا استهزأوا به.
6 - قرأ نافع وإن كل لما بتخفيف الميم وشددها حفص فعلى تخفيفها تكون إن مخففة من الثقيلة واللام هي اللام الفارغة وما مزيدة للتوكيد. وإن قدرت ما نافية وجب تشديد لما إذ تكون بمثابة الاستثناء أي وما كلهم إلا محضرون لدينا.


الساعة الآن : 02:23 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 143.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 142.81 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.35%)]