ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240319)

ابوالوليد المسلم 03-05-2025 07:23 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله...)

قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري ، صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن بريدة ]. سليمان بن بريدة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال سفيان بن عيينة ]. سفيان بن عيينة ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال علقمة : فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان ]. مقاتل بن حيان ، صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ فقال: حدثني مسلم -قال أبو داود : هو ابن هيصم - ]. مسلم بن هيصم ، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن النعمان بن مقرن ]. النعمان بن مقرن رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغُّلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب ، وفيه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للجيوش التي كان يرسلها قال: (اغزوا باسم الله) يعني: مستعينين بالله معتمدين على الله. فقوله: [ (وفي سبيل الله) ]. أي: حتى يكون الغزو في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى. قوله: [ (وقاتلوا من كفر الله اغزوا ولا تغدروا) ]. الغدر: هو الغدر بالعهد، وهو كونهم يعاهدون ثم يغدرون في عهدهم، فلابد أن يوفوا بالعهود لغيرهم إذا عاهدوهم. [ (ولا تغلوا) ]. الغلول: الأخذ من الغنيمة بدون حق، وهذه خيانة. قوله: [ (ولا تمثلوا) ]. يعني: إذا قتلتم أحداً فلا تمثلوا به فتقطعوا أنفه أو تقطعوا شيئاً منه فيكون مشوهاً، لكن اقتلوه بدون تمثيل. قوله: [ (ولا تقتلوا وليداً) ]. يعني: الصغير الذي لا يقاتل، ولكنه إذا كان من أهل القتال فإنه يقتل لمقاتلته.

تراجم رجال إسناد حديث (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله...)


قوله: [ حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى ]. أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى ، هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه ]. وقد مر ذكرهم جميعاً في الإسناد السابق.

شرح حديث (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم و عبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأةً، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قوله: [ (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله) ]. يعني: الذين يخرجون للجهاد في سبيل الله فقوله: (انطلقوا باسم الله وبالله) يعني: معتمدين على الله متوكلين عليه مستعينين به، (وعلى ملة رسول الله) يعني: على سنته وطريقته ومنهجه ودينه. قوله: [ (ولا تقتلوا شيخاً فانياً) ]. يعني: ليس من أهل القتال، إلا إن كان ذا رأي وخبرة في الحرب بحيث يستفيدون منه فيقتل وإن كان كبيراً للتخلص من شره. قوله: [ (ولا طفلاً ولا صغيراً) ]. في بعض الروايات: (طفلاً صغيراً) ويمكن أن يكون الطفل صغيراً جداً كالرضيع والذي حوله، والصغير: هو الذي لم يبلغ الحلم، ولكن الحكم كما مر أن الوليد الذي لا يقتل هو الذي لا يقاتل، أما من يكون من المقاتلة ولو لم يبلغ فهو يقتل لقتاله. قوله: [ (ولا امرأة) ]. المرأة كذلك لا تقتل إلا أن تكون من المقاتلة فإنها تقتل. قوله: [ (ولا تغلوا، وضموا غنائمكم) ]. يعني: اجمعوها وضموا بعضها إلى بعض، حتى لا يؤخذ منها من غير حق. قوله: [ (وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ]. وهذه الجملة الأخيرة آية، وهذا يسمونه في علم البلاغة: الاقتباس، وهو أن يأتي بالكلام ثم يتبعه بآية أو جزء منها أو بحديث دون أن يقول فيه: قال الله أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا اسمه في علم البلاغة الاقتباس، فيأتي بشيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متصلاً بالكلام دون إضافته إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم. والحديث ضعيف، فيه خالد بن الفزر ، ولكن له شواهد في أحاديث أخرى مثل النهي عن الغلول وغيره.

تراجم رجال إسناد حديث (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في أعمال اليوم والليلة. [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبيد الله بن موسى ]. عبيد الله بن موسى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسن بن صالح ]. حسن بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن خالد بن الفزر ]. خالد بن الفزر ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في الحرق في بلاد العدو


شرح حديث (أن رسول الله حرق نخل بني النضير ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحرق في بلاد العدو. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة؛ فأنزل الله عز وجل: (( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا))[الحشر:5]). يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الحرق في بلاد العدو. المقصود من ذلك التحريق في بلاد العدو إذا كان في ذلك مصلحة كأن يكون فيه إضعاف لقوتهم، ويشبه هذا ما سبق أن مر في قضية جعفر بن أبي طالب الذي عقر جواده حتى لا يستفيد منه العدو. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، والبويرة: مكان النخل، فأنزل الله عز وجل: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5] وهذا يدل على ما ترجم له المصنف من التحريق، لكن حيث تكون المصلحة في ذلك. وقوله تعالى: ((مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ)) يعني: نخلة ((أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا)) يعني: من غير قطع ((فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)). فهذا فيه إقرار، أي: أن الذي حصل إنما هو بإذن الله، وكما هو معلوم أن قوله: (بإذن الله) إذا أريد به الإذن الشرعي فيكون الإذن موجوداً من قبل. وإن كان المراد الإذن الكوني فمعناه أنه مقدر، وكل ما يحصل ويحدث هو بقضاء الله وقدره.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله حرق نخل بني النضير...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة و الليث و نافع و ابن عمر .
شرح حديث (أغر على (أبنى) صباحاً وحرق...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري قال عروة : فحدثني أسامة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه فقال: أغر على (أبنى) صباحاً وحرق) ]. أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أغر على أبنى صباحاً وحرق) وأبنى: موضع في فلسطين يقال له (أُبنى) ويقال له (يُبنى) أطلق عليه فيما بعد: (يبنان) فهو قيل له: أُبنى بالهمزة، ثم قيل له: يُبنى بياء بدل الهمزة، وهذا فيه قضية التحريق، وفيه أن الإغارة تكون في الصباح.

تراجم رجال إسناد حديث (أغر على (أُبنى) صباحاً وحرق...)


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن أبي الأخضر ]. صالح بن أبي الأخضر ، وهو ضعيف يعتبر به، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الزهري ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ فحدثني أسامة ]. أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبه وابن حبه رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولعله من أجل صالح بن أبي الأخضر .

شرح أثر أبي مسهر في معنى (أبنى) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو الغزي قال: سمعت أبا مسهر قيل له: أُبْنَى قال: نحن أعلم، هي يُبْنى فلسطين ]. ذكر أبو داود هذا الأثر عن أبي مسهر ، وهو: عبد الأعلى بن مسهر قال: أنا أعلم بهذا الخبر، هي يبنى فلسطين، يعني: بدل الهمزة ياء، ولعل ذلك أنها كانت يطلق عليها: أُبنى ثم أطلق عليها: يبنى، أي: أبدل حرف بحرف. وهذا يقال له مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي إلى من دون الصحابي سواء كان تابعياً أو تابع تابعي أو من دونه فإنه يقال له مقطوع. قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو الغزي ]. عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، نسبه إلى جده، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال: سمعت أبا مسهر ]. وهو عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: (نحن أعلم) أي: أنه يمكن أنه أعلم بالاسم، لأن الخلاف هو في قضية الاسم هل هو بالياء أو بالهمزة؟ وعلى كل: هي كلها بلاد شامية، فبلاد الشام هي: فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، فهذه الدول كانت كلها منطقة واحدة يقال لها: بلاد الشام.
ما جاء في بث العيون


شرح حديث (بعث بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في بعث العيون. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: (بعث -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في بعث العيون، والمقصود بالعيون الجواسيس الذين يذهبون ليأخذوا الخبر عن الأعداء، فالجاسوس يطلق عليه عين لأنه يذهب ويرى الأشياء بعينه، فيخبر عن الشيء الذي رآه وشاهده. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يأتي بالخبر، ومن يتعرف على أخبار العدو حتى يكون على علم باستعدادهم، وعلى ما عندهم من عدد، فالمقصود من الترجمة أن العيون تبعث من أجل الإتيان بالأخبار؛ حتى يبنى على الخبر الذي تأتي به العين استعداد أكثر أو عمل احتياطات لازمة من جهة إقدام أو إحجام.. أو ما إلى ذلك. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بسيسة عيناً ينظر ماذا صنعت عير أبي سفيان ، يعني: يأتي بخبر هذه العير التي كان عليها أبو سفيان ، فهذا يدل على بعث العيون والجواسيس للإتيان بأخبار الأعداء، والتعرف على ما عند الأعداء من قوة واستعداد. ثم هذا من الأشياء التي استدلوا بها على سفر الواحد للحاجة، وقد جاء في أحاديث ما يدل على منع الإنسان أن يسافر وحده، وقد مر بنا الحديث الذي فيه: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب) ولكنه إذا حصل أمر يقتضيه فيمكن أن يسافر الشخص وحده، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل العيون ويرسل الشخص الواحد للقيام بهذه المهمة.

تراجم رجال إسناد حديث (بعث بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان)


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان يعني: ابن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."






ابوالوليد المسلم 03-05-2025 07:26 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب السفر
شرح سنن أبي داود [310]
الحلقة (342)





شرح سنن أبي داود [310]

رخص الشرع لابن السبيل إذا كان محتاجاً أن يحلب من الماشية التي يلقاها في طريقه فيشرب من لبنها، لكن لا يحمل معه شيئاً، وكذلك للمحتاج أن يأكل من ثمر البستان دون أن يدخر، وفي الأحاديث ذكر ضوابط ذلك وآدابه.

ما جاء في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به



شرح حديث (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به. حدثنا عياش بن الوليد الرقام حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية: فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، فإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به. يعني: إذا مر بالتمر وبالمواشي التي فيها لبن، وذكره المصنف هنا في كتاب الجهاد مثلما ذكر الأحاديث والأبواب التي سبق أن تقدمت في آداب المسافر مثل: ماذا يقول عند الركوب. وابن السبيل هو المسافر الذي تنتهي نفقته، ولا يكون معه نفقة، ويكون بحاجة إلى أن يأكل أو يشرب، فأورد أبو داود هذا الباب في كتاب الجهاد لكون المجاهد من جملة المسافرين الذين قد يمرون بماشية فيحتاجون إلى شرب شيء من لبنها أو يحتاجون لشيء من الثمر. والمأذون في ذلك أنه يستأذن صاحب المحل إذا وجده، فإن لم يجده فإنه يأكل دون أن يحمل، يعني: لا يتزود شيئاً يحمله معه، وإنما يقضي حاجته بأكله فقط، أما كونه يجذ ويأخذ شيئاً يقتاته في سفره فهذا لا يجوز، والمقصود الأكل عند الحاجة. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه..). يعني: يطلب منه أن يسقيه من ألبان هذه الماشية، وإن لم يكن موجوداً فليناد ثلاثاً، فإن أجابه استأذنه، وإلا شرب ولم يحمل شيئاً، وإنما يصوت ثلاثاً لأنه قد يكون هذا الشخص في مكان مختف لا يراه، إما وراء شجرة أو بين بعض الغنم إذا كانت الغنم متفرقة أو مجتمعاً بعضها مع بعض، فقد يكون مضطجعاً بين بعضها، فيصوت وينادي ثلاث مرات حتى يعرف صاحبها إذا كان موجوداً معها فيستأذنه، وإن لم يجد أحداً وهو بحاجة فإنه يشرب ولكن لا يحمل معه شيئاً، بمعنى أنه لا يحلب في سقاء ويحمل في هذا السقاء، فليس له أن يأخذ شيئاً في السقاء، ولكنه يشرب ويقضي حاجته من الشرب دون أن يتزود بشيء، وهذا خاص بالمسافر. وكذلك لو جاء إلى بستان ووجد صاحبه فيه استأذنه، فإذا لم يجده فيه دخل وأكل وخرج، فقد ورد ما يدل على جواز ذلك عند الحاجة ولو كان في الحضر، أي: في أطراف البلد.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه...)

قوله: [ حدثنا عياش بن الوليد الرقام ]. عياش بن الوليد الرقام ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. وهو ابن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة بن جندب ]. رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث من رواية الحسن عن سمرة ، ومعروف الكلام الذي في رواية الحسن عن سمرة ، فمن العلماء من قال: إنها تقبل مطلقاً، ومنهم من قال: لا تقبل مطلقاً، ومنهم من قال: يقبل حديثه في العقيقة ولا يقبل في غيره، ولكن غيره إذا جاءت له شواهد فإنه يعتبر به ويقبل لشواهده، و الألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك لوجود الشواهد.

الفرق بين الاضطرار والحاجة


وليس الأمر متعلقاً بالمضطر الذي لا يجد طعاماً ويخاف على نفسه التلف، بل الذي يبدو أن الأمر أوسع من هذا، فالمضطر كما هو معلوم له أن يأكل الميتة، ولكن الكلام هنا عن الذي هو بحاجة ولو لم يكن مضطراً، فهذا أوسع من الاضطرار. فالمضطر كما هو معلوم لا يكون له إلا الموت أمامه، وأما صاحب الحاجة فهو من إن أمكنه أن يشتري منه فذاك أو يطلب منه فذاك وإلا تجاوزه وبحث عن غيره، أما المضطر فله أن يأكل، ولكنه إذا كان عنده شيء فيدفع له القيمة، أو يجعله في ذمته إذا لم يسمح له. على كل: إن كان الشخص قد سرقت نفقته، أو كانت قيمة النفقة غير موجودة معه، ويعلم أن المسافة طويلة بينه وبين المكان المقصود، فهو إن أخذه بقيمته فيعتبره شيئاً واجباً في ذمته لهذا الشخص صاحب هذا البستان.

شرح حديث (... ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: (أصابتني سنة فدخلت حائطاً من حيطان المدينة ففركت سنبلاً، فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما علَّمت إذ كان جاهلاً، ولا أطعمت إذ كان جائعاً -أو قال: ساغباً- وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقاً أو نصف وسق من طعام) ]. أورد أبو داود حديث عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابتني سنة، يعني: فاقة، أي: سنة فيها جدب وقحط. قوله: [ (فدخلت حائطاً من حيطان المدينة ففركت سنبلاً) ]. السنبل: الرزع، وفركه: أخرج الحب من قشره وأكله. قوله: [ (فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي) ]. يعني: جاء صاحب الزرع فضربه وأخذ ثوبه الذي كان فيه هذا الحب عقاباً له، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما علمت إذ كان جاهلاً) يعني: بدلاً من أن تعاقبه بهذه العقوبة تنبهه وتعذره لجهله، أو تطالبه بالشيء الذي لا توافق له عليه. (ولا أطعمت إذ كان جائعاً أو قال: ساغباً). والساغب بمعنى الجائع؛ لأن المسغبة هي الجوع، ومعناه: أنك تحسن إليه وتعلمه لجهله، ثم إنه أمره برد ثوبه الذي أخذه منه. قوله: [ (وأعطاني وسقاً أو نصف وسق من طعام) ]. يعني: أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لحاجته وسقاً أو نصف وسق من طعام، يعني: إما هذا وإما هذا -شك الراوي- وهذا لا يدل على أن الإنسان يتخذ شيئاً، لكن ينبغي أن يعذر الإنسان الجاهل، وإذا كان الإنسان لم يسمح بهذا الذي أخذه وحمله معه فيطالبه بقيمته أو يسترجعه، ولكن لا يأخذ زيادة على حقه كالثوب.

تراجم رجال إسناد حديث (... ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً..)


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. وهو جعفر بن إياس المشهور بابن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن شرحبيل ]. عباد بن شرحبيل رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .

إسناد حديث (ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً) من طريق أخرى وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر قال: سمعت عباد بن شرحبيل رضي الله عنه رجلاً منا من بني غبر، بمعناه ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث الأول. قوله: [ حدثني محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب: بندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر الملقب غندر البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. وقد مر ذكره. [ عن أبي بشر عن عباد ]. أبو بشر و عباد قد مر ذكرهم. قوله: [ رجلاً منا من بني غبر ]. هذه زيادة تعريف له.
من قال إنه يأكل مما سقط


شرح حديث (فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال إنه يأكل مما سقط. حدثنا عثمان و أبو بكر بن أبي شيبة -وهذا لفظ أبي بكر - عن معتمر بن سليمان قال: سمعت ابن أبي حكم الغفاري يقول: حدثتني جدتي عن عم أبي رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام! لم ترم النخل؟ قال: آكل قال: فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها، ثم مسح رأسه فقال: اللهم أشبع بطنه) ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أنه كان يرمي تمراً على رءوس النخل بالحجارة، حتى إذا ضرب الحجر القنو تساقط منه التمر بسبب الضربة التي حصلت برمي الحجارة عليها، فيأكل من ذلك. قوله: [ (كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أي: شكوه إليه وأتوا به إليه؛ لأنه عمل هذا العمل. قوله: [ (فقال: يا غلام! لم ترم النخل؟ قال: آكل، قال: فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها) ]. يعني: آكل مما يسقط بسبب الرمي بالحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترم النخل، وكل مما يتساقط بسبب الريح أو أي سبب من الأسباب، المهم ألا يرميه الشخص بالحجارة حتى يتساقط، وإنما يمشي تحت النخل فيأخذ من الشيء الذي تساقط بسبب الريح، ولا يفعل هذا الفعل الذي هو الرمي بالحجارة؛ لأن الرمي بالحجارة قد يفسد التمر بمعنى أنه يتمزق. وكونه يسقط بالريح أو بغير ذلك من الأشياء التي لا تمزقه فإنه يستفيد منه بهذه الطريقة. والترجمة هي: (من قال إنه يأكل مما سقط) يعني: ولا يأخذ شيئاً من النخل، فلا يصعد ويأخذ شيئاً من النخل، وإنما يأخذ من المتساقط. وهذا الحديث ضعيف، ولكن يجوز للمرء إذا كان في حاجة أن يصعد النخلة ويأكل منها، ولكن لا يحمل معه شيئاً.

تراجم رجال إسناد حديث (فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها..)

قوله: [ حدثنا عثمان و أبو بكر بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. و أبو بكر أخوه وهو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ وهذا لفظ أبي بكر ]. أي: هذا لفظ الشيخ الثاني. [ عن معتمر بن سليمان ]. معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت ابن أبي حكم الغفاري ]. ابن أبي الحكم الغفاري ، قيل: اسمه حسن وقيل: عبد الكبير ، وهو مستور، يعني: مجهول الحال، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثتني جدتي ]. لا توجد لها ترجمة. [ عن عم أبي رافع بن عمرو الغفاري ]. أبو رافع بن عمرو ، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . ففي الحديث: هذا المستور، وفيه هذه الجدة التي لا ندري ما حالها، ولو عرفت على أنها ثقة فسبطها هذا الذي هو ابن أبي الحكم يعل به الحديث وحده لو لم تضف إليه علة أخرى.
ما جاء فيمن قال لا يحلب


شرح حديث (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن قال: لا يحلب. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتثل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه). أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن قال لا يحلب. يعني: أن ابن السبيل أو الذي يمر بالغنم لا يحلب منها شيئاً إلا بإذن صاحبها وإذا لم يكن صاحبها، موجوداً ليأذن له فإنه لا يحلب. وقد أورد حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه). نعم إذا كان موجوداً فإنه يستأذنه كما سبق أن مر في الحديث، وإذا لم يكن موجوداً ولم يره فإنه ينادي ثلاثاً حتى يتبين له مكانه، فإن لم يجده وكان محتاجاً فإنه يشرب ولا يحمل، فيحمل ما جاء في هذا الحديث على غير الحاجة، أما إذا كان محتاجاً فقد رخص له كما جاء في الحديث السابق، وعلى هذا يوفق بين هذا الحديث وبين ذاك الحديث السابق. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته؟). والمشربة: هي الغرفة المرتفعة يكون فيها الشيء الذي يخزن، (فتكسر خزانته فينتثل طعامه) يعني: يفرق أو يؤخذ منه شيء، وضروع مواشيهم هي مثل هذه الخزانة، وكما أن الإنسان لا يجب أن يؤتى إلى مشربته وتنتثل الخزانة فكذلك لا يأتي للضروع ويستخرج ما فيها، ولكن هذا كما هو معلوم محمول على غير الحاجة، وأما مع الحاجة فقد مر في الحديث السابق ما يدل على الرخصة.

تراجم رجال إسناد حديث (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه...)


قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . و مالك بن أنس الفقيه المحدث الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي."



ابوالوليد المسلم 03-05-2025 07:34 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [311]
الحلقة (343)



شرح سنن أبي داود [311]

من أحكام الجهاد المهمة التي شدد فيها النبي صلى الله عليه وسلم: طاعة القائد والأمير في الحرب، وأن من خالف في ذلك فقد أثم، وكراهية تمني لقاء العدو، وأن يسأل الإنسان ربه العافية، ودعوة المشركين قبل القتال إذا لم يكونوا قد بلغتهم الدعوة، وأما إذا بلغتهم الدعوة وسمعوا بالمسلمين وبالذي يقاتلون من أجله فإنه لا تجب دعوتهم وإنما تستحب استحباباً، واستحباب استخدام الخدعة في الحرب لأن فيها نصراً للمسلمين، ومباغتة للأعداء قبل استعدادهم.

ما جاء في الطاعة


شرح حديث سبب نزول قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في الطاعة. حدثنا زهير بن حرب حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ... [النساء:59] في عبد الله بن قيس بن عدي (بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية) أخبرنيه يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الطاعة. يعني: السمع والطاعة للأمير الذي هو أمير الجيش، يعني: إذا كانوا غزاة فإنهم يسمعون ويطيعون للأمير. والسمع والطاعة للولاة جاءت بها الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع للوالي ولأمراء الوالي الذين ولاهم على الأقاليم والمدن والقرى، وكذلك في الأمراء على الجيوش فإنه يسمع للأمير والإمام الأعظم، ولنوابه وأمرائه الذين أسند إليهم المهمة في بلد أو غزوة أو سفر أو غير ذلك، ولكن في حدود المعروف، أي: في حدود ما هو طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الأمر فيه معصية لله ورسوله عليه الصلاة والسلام فلا يسمع ولا يطاع، بل تقدم طاعة الله وطاعة رسوله، وتترك طاعة الأمير التي هي معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في ذلك أحاديث. وقد أورد أبو داود أثر ابن عباس أن هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، وأراد أن يختبر طاعة الجند الذين معه له، فأجج ناراً وطلب منهم أن يقعوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: نحن إنما آمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم فراراً من النار فكيف نقع في النار؟! فهذه القصة هي سبب نزول هذه الآية، ففي الأثر أن هذه الآية نزلت وجاء فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة ولاة الأمور، ولكن أعيد فيها فعل الأمر (أطيعوا) مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )) ولم يقل: أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم، ولم يقل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، فلم يأت لفظ الطاعة مكرراً في المواضع الثلاثة ولم يأت مع لفظ الجلالة فقط، وإنما كرر عند الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وحذف مع ولاة الأمور، فجاء مضافاً إلى الله ثم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يضف إلى ولاة الأمور، قالوا: والسبب في هذا أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله عز وجل، فهو لا يأمر إلا بما هو حق، وهو معصوم عليه الصلاة والسلام فلا يأمر بباطل، أما ولاة الأمور فيأمرون بحق ويأمرون بباطل؛ لأنهم غير معصومين، فلم يأت الفعل (أطيعوا) معهم كما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لبيان أن طاعتهم ليست طاعة مطلقة كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل طاعة مقيدة في حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. يعني أن الطاعة لا تكون مطلقة في كل ما يأمرون به مطلقاً حتى ولو كان معصية، بل المعصية لا يجوز لهم أن يأمروا بها ولا يطاع لهم فيها، وإنما يطاع لهم في المعروف؛ قالوا: هذا هو السر الذي من أجله حذف فعل الأمر ولم يؤت به مع ولاة الأمور، وأعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من الله، قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فالسنة هي وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ ما يوحى به إليه، وليست السنة من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي من عند الله، والله تعالى يوحي إلى نبيه بالكتاب وبالسنة، ولهذا جاء في أحاديث عديدة ما يبين ذلك، ومنها الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين فإنه سارني به جبريل آنفاً) يعني: استثنى الدين في كونه لا يغفر للشهيد؛ لأن الدين من حقوق الناس، وأصحاب الدين إذا لم يحصلوا حقهم في الدنيا فإنهم سيحصلونه في الآخرة عن طريق الاقتصاص بالحسنات، فيؤخذ من المدين حسنات فتعطى للدائنين. قوله: [ قال ابن جريج : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )) في عبد الله بن قيس بن عدي ]. يعني: نزلت فيه، فهو سبب نزولها، ثم أتى بالإسناد: أخبره فلان عن فلان عن ابن عباس أنه قال: نزلت في عبد الله بن قيس بن حذافة .

تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله...)


قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حجاج ]. وهو: ابن محمد الأعور المصيصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن جريج ]. وهو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنيه يعلى ]. يعلى بن مسلم المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد الملطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج ناراً وأمرهم أن يقتحموا فيها، فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها أو دخلوا فيها، لم يزالوا فيها وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم أميراً، وهذا الأمير هو عبد الله بن حذافة الذي مر في الإسناد السابق فأجج ناراً -وكان يريد أن يختبر مدى طاعتهم له- وأمرهم بأن يقتحموها، فقال بعضهم لبعض: فنحن ما آمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا لنسلم من عذاب النار، فكيف نقع في النار ونعذب أنفسنا بالنار؟! فلم يدخلوها، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو دخلوها أو دخلوا فيها لم يزالوا فيها) معناه أنهم يعذبون بالنار بسبب قتلهم أنفسهم بدخولهم النار. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن الطاعة لولاة الأمور ليست مطلقة في كل ما يؤمرون به، بل في حدود ما هو معروف، وفي حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما كون الإنسان يقتل نفسه، أو يؤمر بأن يقتل غيره، وذلك الذي أمر بقتله معصوم لا يستحق القتل، فليس له أن يسمع ويطيع، بل يمتنع من قتل نفسه، ويمتنع من قتل غيره إذا أمر بذلك. (لا طاعة في معصية الله) يعني: لا طاعة للولاة في معصية الله. (إنما الطاعة في المعروف) هذا تأكيد لما تقدم، والمعروف ما كان طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم : جاء في بعض الروايات أن هذا الرجل كان معروفاً بكثرة المزاح، والمعروف أنهم أغضبوه حتى فعل ذلك. لكن لا أدري عن صحة هذا الكلام، وإنما الذي ذكر أنه كان يختبرهم، وكونه يفعل ذلك بعد أن أغضبوه لعله وجد عدم استجابة في بعض الأحوال، وأراد أن يختبرهم، لكن كلام ابن القيم أن هذا الفعل بسبب أنهم أغضبوه غير واضح، فكونهم يغضبونه ويفعل ذلك هذا أمر غريب، ولكن كونه يريد أن يختبر مدى طاعتهم هو المعقول. قال الخطابي : وقد يفسر قوله: (لا طاعة في معصية الله) تفسيراً آخر، وهو: أن الطاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بالمعصية، وإنما تصح الطاعات مع اجتناب المعاصي. على كل: المعنى الأول هو الواضح؛ لأن المقصود السمع والطاعة فيما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الخطابي فيه بعد.

تراجم رجال إسناد حديث (لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)


قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق ، ثقة له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود . [ عن شعبة عن زبيد ]. شعبة مر ذكره. وزبيد هو اليامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الرحمن السلمي ]. هو عبد الله بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره) يعني: فيما يحبه وفيما يكرهه ما دام ليس فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان يكره ذلك الشيء الذي أمر به، يعني: أنه يسمع ويطيع ولو كان يكره هذا الذي أمر به، إلا في شيء واحد، وهو أن يكون المأمور به فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك لا سمع ولا طاعة. فهو مثل الأحاديث المتقدمة الدالة على أن السمع والطاعة لولاة الأمور مقيدة بأن يكون المأمور به معروفاً، ولا يكون معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية...)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. وهو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكرهما.

شرح حديث (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عن عقبة بن مالك من رهطه رضي الله عنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فسلَّحت رجلاً منهم سيفاً، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن مالك رضي الله عنه عن رجل من الصحابة؛ لأن في الحديث شيئاً عن عقبة ، وفيه شيء عن الذي سلحه وأعطاه السيف، وهو الذي أسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا، ففيه أنه بعث جيشاً، وأعطى رجلاً من هذا الجيش سيفاً يكون سلاحاً له، فهو إما أعطاه إياه هبة أو إعارة أو أعطاه إياه بأي صفة من الصفات التي يستفيد منها ذلك الذي سلح وأعطي السيف، فلما رجع ذلك الرجل الذي أعطاه عقبة السيف قال: لو رأيت ما لامنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري). يعني: أن من يحصل منه معصية يستبدل بمن يسمع ويطيع ويمضي لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث دخل في هذا الباب من جهة أن الشخص عليه أن يسمع ويطيع فيما هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا لم يحصل منه استجابة وطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يستبدل بغيره. يقول في عون المعبود: فلما رجع ذلك الرجل بعدما قتل رجلاً أظهر إيمانه كما سيأتي.. ثم قال: وأورد ابن الأثير في أسد الغابة و ابن ججر في الإصابة من رواية النسائي و البغوي و ابن حبان وغيرهم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: أتينا بشر بن عاصم فقال: حدثنا عقبة بن مالك وكان من رهطه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم، فشذ من القوم رجل فأتبعه من السرية رجل معه سيف شاهر فقال له الشاذ: إني مسلم، فلم ينظر إلى ما قال، فضربه فقتله، فنمى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً شديداً، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما كان الذي قال إلا تعوذاً من القتل، فأعرض عنه، فعل ذلك ثلاثاً، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه تعرف المساءة في وجهه فقال: إن الله عز وجل أبى علي فيمن قتل مؤمناً ثلاث مرات) انتهى. فإذا كان بهذا الإسناد الذي هو ثابت فمعناه أن فيه بياناً لسبب المخالفة التي عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، ويكون ذلك مثل قصة أسامة الذي فيه: (قتلته بعدما قال لا إله إلا الله).

تراجم رجال إسناد حديث (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري)


قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال ]. سليمان بن المغيرة مر ذكره. وحميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر بن عاصم ]. بشر بن عاصم ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عقبة بن مالك ]. وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي .

ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته



شرح الأحاديث الواردة في باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته. حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي و يزيد بن قبيس من أهل جبلة ساحل حمص، وهذا لفظ يزيد قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً، قال عمرو : كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم). حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة بن مجاهد اللخمي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا، فضيق الناس المنازل، وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له). حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن الأوزاعي عن أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: (غزونا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم بمعناه) ]. يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته. انضمام العسكر: أن يجتمع بعضهم إلى بعض، لكن هذا الاجتماع لا يكون فيه تضييق، بحيث إن جماعة يأخذون أكثر من حاجتهم فيضيقون على إخوانهم، أو يضيقون الطريق الذي تمشي فيه فرق الجيش والمعسكر، ولا يكون التفرق بحيث يبتعد بعضهم عن بعض، فلا يكون تباعد ولا يكون تضييق مع الانضمام، وإنما يكون انضمام بدون تضييق ولا تباعد معه، ولا تضيق الطرق التي يسلكون منها، بحيث إذا أراد بعضهم أن يخرج أو يدخل فإنه يكون هناك طرق في المعسكر يدخل منها ويخرج. فالحكم هو: أنه لا يصير الانتشار واسعاً بحيث تكون كل جماعة بعيدة عن الأخرى، ولا ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يضايق بعضهم بعضاً بأن يأخذ أكثر من حاجته، أو يضيق الطرق التي تكون بين العسكر. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً. وقال عمرو : كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية)، يعني: عندما ينزلون منزلاً يتفرقون في الشعاب والأودية، وتكون بينهم مسافات، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ذلكم من الشيطان)، يعني: هذا التفرق إنما هو من الشيطان، فكانوا بعد ذلك ينضم بعضهم إلى بعض حتى لو وضع عليهم ثوب لوسعهم من شدة تقاربهم، لكن هذا التقارب كما هو معلوم لا يكون فيه تضييق بعضهم على بعض، وهذا فيه مبالغة في ترك ما كانوا عليه من التفرق إلى أن يكونوا مجتمعين غير متفرقين. وأورد حديث معاذ بن أنس عن أبيه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق؛ فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له). فهذا فيه مقابل ما تقدم في الحديث السابق، حيث ورد فيه أنهم تفرقوا في الشعاب، وبعد ذلك كان يجتمعون، والاجتماع الذي يكون فيه مضرة مذموم، والتفرق الذي ليس فيه مصلحة مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، وبين التفرق الذي فيه تباعد، والانضمام الذي يكون فيه تضييق لبعضهم على بعض وتضييق للطريق. وقوله: (لا جهاد له)، يعني: أنه جاهد من أجل أن يحصل خيراً، ولكنه عمل شيئاً أضعف من أجره بحيث أنه آذى غيره بذلك.

تراجم رجال إسناد الأحاديث الواردة في باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان الحمصي ، صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . [ و يزيد بن قبيس ]. يزيد بن قبيس ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قالا: حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم الدمشقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. أبو ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن عياش ]. إسماعيل بن عياش ، وهو صدوق في روايته عن الشاميين، مخلط في روايته عن غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين وأصحاب السنن. [ عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ]. أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن فروة بن مجاهد اللخمي ]. فروة بن مجاهد اللخمي ، مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود . [ عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ]. سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو: معاذ بن أنس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية ]. عمرو بن عثمان مر ذكره. وبقية بن الوليد ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأوزاعي ]. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه ]. وقد مر ذكرهم جميعاً.

ما جاء في كراهية تمني لقاء العدو



شرح حديث (لا تتمنوا لقاء العدو...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية تمني لقاء العدو. حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله -يعني: ابن معمر - وكان كاتباً له قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو قال: (يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: باب في كراهية تمني لقاء العدو. والمقصود من هذه الترجمة أن المسلم في حال جهاده للأعداء لا يتمنى لقاء العدو؛ لأنه قد تكون حاله عند تمني لقاء العدو غير طيبة، وذلك بأن يحصل منه ما لا ينبغي إما من عدم الصبر، أو من الفرار.. أو ما إلى ذلك. فالمقصود من الترجمة أن الإنسان لا يتمنى لقاء العدو، فقد يكون هذا التمني فيه إعجاب بالنفس؛ فيترتب على ذلك الخذلان وعدم التوفيق من الله سبحانه وتعالى. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية)، وهذا هو المقصود والشاهد للترجمة. قوله: [ (فإذا لقيتموهم فاصبروا) ]. أي: إذا حصل اللقاء فعليكم بالصبر، وعليكم بالثبات. قوله: [ (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) ]، أي: أنهم عندما يلاقون العدو يصبرون ويثبتون، ويعرفون أنهم إذا قتلوا فإنهم شهداء، وأن مآلهم إلى الجنة. قوله: [ (وأن الجنة تحت ظلال السيوف) ]. أي: أن المسلم إذا التقى بالكافر، ثم رفع الكافر سيفه عليه وصار تحته ظلال سيفه، فإذا وقع عليه ومات فإنه يكون شهيداً، والجنة تكون مأواه ومصيره، والمعنى: أنه إذا وقع القتل على أحد منكم من الكفار ومات بذلك فإنه يكون من أهل الجنة. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)، وهذا دعاء يكون عند اللقاء جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه توسل إلى الله عز وجل بأفعاله، وأن الله تعالى ينصرهم ويؤيدهم ويهزم أعداءهم. قوله: [ (اللهم منزل الكتاب) ]. المراد بالكتاب إما أن يكون الجنس، فيكون المراد به الكتب التي أنزلها الله على رسله الكرام، أو أن المراد به كتاب معين وهو القرآن، و(أل) في الحالتين إما للاستغراق وإما للعهد الذهني. والاستغراق: هو أن اللفظ المفرد الذي يأتي محلى بالألف واللام يراد به العموم، أي: استغراق جنس الكتاب، ويأتي كثيراً في القرآن ذكر الكتاب باللفظ المفرد ويراد به الكتب، كما قال الله عز وجل: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] الكتاب المقصود به الكتب، وليس المقصود به كتاباً واحداً. وكذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25] أي: الكتب، الله ما أنزل على رسله كتاباً واحداً، وإنما أنزل عليهم كتبه. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقَِّ [المائدة:48] المقصود به القرآن مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:48] أي: من الكتب، فهنا جاء لفظ الكتاب ويراد به القرآن في الموضع الأول، ويراد به الكتب الذي هو جنس في الموضوع الثاني. وكذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136] قوله (الكتاب الذي نزل على رسوله) هو القرآن (والكتاب الذي أنزل من قبل) أي: الكتب. فهنا قوله: (منزل الكتاب) محتمل لأن يكون المراد به الكتب أي: الكتب المنزلة على المرسلين، أو أن المقصود به القرآن الذي هو منزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. و(أل) تكون للعهد الذهني أي: الكتاب المعهود في الذهن، وهو القرآن، مثل قوله في أول سورة البقرة الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] أي: الكتاب المعهود في الذهن الذي هو القرآن. (ومجري السحاب) أي: يجريه في السماء ويسوقه حيث يشاء، فينزله في الموضع الذي أراد الله تعالى أن ينزل فيه، فيوجده بين السماء والأرض، ويسخره بين السماء والأرض، ويسوقه إلى حيث شاء الله تعالى أن ينزل فيه الماء، ويستفيد فيه من ينزل عليه. (وهازم الأحزاب)، والأحزاب: المراد بهم الكفار على مختلف العصور والدهور، من لدن نوح، فكل ما حصل لهم من هزيمة فهي من الله عز وجل. فتوسل إلى الله عز وجل بأفعاله، ثم النتيجة (اهزمهم وانصرنا عليهم)، فهذا فيه التوسل بين يدي الدعاء، والتوسل إلى لله عز وجل يكون بأفعاله أو بصفاته أو بأسمائه أو بربوبيته فكل ذلك سائغ، ومن التوسل بربوبيته لبعض المخلوقات التي لها شأن قوله: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل)، فإنه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل.



ابوالوليد المسلم 03-05-2025 07:34 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث (لا تتمنوا لقاء العدو...)

قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم أبي النضر ]. سالم أبو النضر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والذي كتب هو عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، فكتب: من عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، وسالم أبو النضر يروي عن عبد الله بن أبي أوفى مكاتبة وكتابة، والكتابة والمكاتبة هي من طرق الأداء والتحمل عند العلماء، وهي موجودة على مختلف الطبقات يعني: في طبقة الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى المؤلفين، فأحياناً يقول المؤلف: كتب إلي فلان، يعني: بدلاً من أن يقول: حدثني فلان وفلان وفلان يقول: كتب إلي فلان، مثلما فعل البخاري في صحيحه حيث قال: كتب إلي محمد بن بشار ثم ساقه بإسناده، أي: أن الرواية جاءت عن طريق الكتابة، كما أنها تأتي عن طريق السماع، وعن طريق القراءة على الشيخ الذي يسمى العرض، وهنا الرواية جاءت عن طريق المكاتبة. وكان عمر بن عبيد الله هو الذي ذهب إلى الحرورية لغزوهم، و عبد الله بن أبي أوفى كتب إليه بالحديث يذكره به وينبهه على أن لا يتمنوا لقاء العدو، ولكنهم يسألون الله العافية، وإذا حصل اللقاء فليصبروا ويثبتوا ويعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. وقوله: (الجنة تحت ظلال السيوف)، هذا ليس مجازاً وإنما هو حقيقة، بمعنى أن الإنسان إذا مات وصل إلى الجنة، ومعلوم أن الإنسان عندما يموت إن كان من أهل الجنة فقد حصل له ما يحصل من الجنة، وإن كان بخلاف ذلك فإنه يحصل له ما يحصل من النار، وحديث البراء بن عازب يدل على ذلك، وأوله: (إذا كان العبد في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة ..) فما بين المؤمن وبين الاستفادة من الجنة ومن نعيمها إلا الموت؛ لأن من مات قامت قيامته، وصار إما في نعيم من نعيم الجنة، أو في عذاب من عذاب النار، والقبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة.
ما يدعى عند اللقاء


شرح حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يدعى عند اللقاء. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة فقال: باب ما يدعى عند اللقاء. أي: ما يدعى به عند اللقاء، والحديث الذي مر فيه ما يندرج تحت هذه الترجمة، في قوله: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) لأن هذا مما يدعى به عند اللقاء، ولكن أبا داود أورده من أجل كراهية تمني الموت الذي جاء في أوله، وهذا الحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة المراد به أن هذا من جملة الأدعية التي يدعى بها عند اللقاء. فأورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل). قوله: [ (اللهم أنت عضدي) ]. يعني: معتمدي ومستندي. قوله: [ (ونصيري) ]. يعني: ناصري ومؤيدي. قوله: [ (بك أحول) ]. يعني: أعمل كل ما يمكن أن يمكنني من حيل للوصول إلى معرفة الحق، وكذلك (وبك أصول) يعني: أفعل وأقدم وأتقدم، (وبك أقاتل) يعني: يقاتل لله ومن أجل الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المثنى بن سعيد ]. المثنى بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في دعاء المشركين


شرح حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دعاء المشركين. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال، فكتب إلي: (أن ذلك كان في أول الإسلام، وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث رضي الله عنها) حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في دعاء المشركين. وقد سبق نظير هذه الترجمة فيما مضى، وتلك الترجمة أورد فيها أنهم يدعون إلى الإسلام، وأورد في حديث بريدة بن الحصيب الذي فيه: (إذا لقيت عدوك المشركين فادعهم إلى ثلاثة خصال أو خلال وادعهم إلى الإسلام.. ثم إلى الجزية.. ثم قاتلهم) وهنا أورد نفس الترجمة، إلا أن تلك الترجمة في كونهم يدعون قبل القتال، وفي هذه الترجمة أنهم لا يدعون، وإنما يقاتلون بدون دعوة لهم، وذلك أن الدعوة في حق من لم تبلغهم متعينة، وأما من بلغتهم فإنها تكون مستحبة ولا تكون واجبة، لأن عندهم علم سابق بالشيء الذي يقاتل الناس عليه، والشيء الذي يغزون من أجله. فعلى هذا يكون معنى الترجمتين وإن كانتا بلفظ واحد: أن الترجمة الأولى في كونهم يدعون، وذلك في حال الوجوب حيث لم تصل إليهم الدعوة ولم تبلغهم، فيدعون إلى الشيء الذي يقاتلون عليه، وأما إذا بلغتهم الدعوة، وعرفوا أن المسلمين يغزون الكفار من أجل أن يدخلوا في دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فهنا لا تكون الدعوة واجبة ولكنها مستحبة، إن أتي بها فحسن وهو تأكيد، وإن لم يؤت بها فإن الأصل موجود من قبل. فالترجمة السابقة فيها حصول الدعوة، وأنه لا قتال قبل الدعوة، والترجمة اللاحقة فيها أن القتال يكون بدون دعوة؛ لأنه قد سبق أن حصلت الدعوة، فكان قتالهم ليس خالياً من الدعوة أصلاً، ولكن الدعوة موجودة من قبل فاكتفي بها، وإن أتي بها فهي مستحبة، أي: كونهم يدعون مرة أخرى. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عون أنه كتب إلى نافع مولى ابن عمر يسأله عن دعاء المشركين عند القتال يعني: هل يدعون أو لا يدعون، فكتب إليه أن هذا -أي: الدعاء- كان في أول الإسلام حيث كان الناس لا يعرفون البعثة والرسالة، فكان يقاتلهم صلى الله عليه وسلم ويغزوهم في بلادهم ويدعوهم، أما بعد ذلك فإنه حصل من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغار على بعض الجهات التي غزاها صلى الله عليه وسلم دون أن يدعوهم، وذلك لسبق الدعوة، ولوجود الشيء الذي يقاتلون من أجله عندهم من قبل، وهو الدخول في الدين الحنيف، وعدم دخولهم يسوغ قتالهم. قوله: [ (وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون) ]. يعني: على غرة وغفلة، وما أرسل إليهم أحداً يدعوهم لأن الدعوة موجودة من قبل، والعلم موجود عندهم من قبل، ولم يكونوا ممن لم تبلغهم الدعوة، بل بلغتهم الدعوة من قبل. قوله: (وهم غارون)، أي: في غفلة وغرة ونعمهم تسقى على الآبار. قوله: [ (فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم) ]. أي: قتل الذين يقاتلون، وسبى السبي الذين هم النساء والصبيان والذرية الذين ليسوا من أهل القتال. قوله: [ (وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث) ]. أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. لما كتب له بذلك يخبره بالحديث أسنده بعد ذلك فقال: حدثني بذلك عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش الذي هو في غزوة بني المصطلق. [ قال أبو داود : هذا حديث نبيل، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد ]. (هذا حديث نبيل) أي: جيد، من النبل وهو الجودة، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد، وكما هو معلوم أن الراوي لا يؤثر انفراده فإنه يكون حجة وعمدة، ومعلوم أن هناك أحاديث كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما جاءت من طريق واحد، وهي معتبرة، ومنها أول حديث في صحيح البخاري ، وآخر حديث في صحيح البخاري ، ففي فاتحة البخاري وخاتمته حديثان غريبان جاءا من طريق واحد، فالذي جاء في أول الصحيح حديث: (إنما الأعمال بالنيات) رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عن عمر : علقمة بن وقاص الليثي ، وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة : محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي : يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين، ثم بعد ذلك كثر الرواة بعد يحيى بن سعيد ، وهو من فوق يحيى بن سعيد كان غريباً، ما جاء إلا من طريق واحد. وآخر حديث في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، جاء من طريق أبي هريرة ، ورواه عن أبي هريرة أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ورواه أيضاً عنه آخر، ثم اتسع بعد ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور: بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن عون ]. وهو: عبد الله بن عون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كتبت إلى نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، وكان يتسمع، فإذا سمع أذاناً أمسك وإلا أغار) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح أي: في أول النهار، وقد سبق أن مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي بأن يكون القتال في أول النهار. فأورد هنا حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسمع فإذا سمع أذاناً فإنه يمسك)، أي: عن القتال؛ لأن هذا شعار الإسلام، ودليل على أن أهل البلد مسلمون فلا يغزوهم. والترجمة مناسبة للحديث في كونه لا توجد دعوة، وإنما استدل على إسلامهم أو عدم إسلامهم بالأذان، لأنه إذا رفع فيهم الأذان فمعناه أنهم قد أسلموا، وإذا لم يرفع الأذان فإنه يغير بدون دعوة، لكن كما هو معلوم أن الدعوة موجودة من قبل، وهو مثل حديث قصة بني المصطلق ومن جنسه، لأنه هنا قال: (وإلا أغار) أي: حيث لا يجد شعار الإسلام، وذاك ذكر أنه أغار عليهم وهم غارون.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. وهو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي.


شرح حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً) ]. أورد أبو داود حديث عصام المزني رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)، وهو مثل الذي قبله من جهة أنه إذا وجد شعار الإسلام وسمع الأذان، فإن ذلك يدل على إسلام القوم فلا يغار عليهم، وإن لم يكن كذلك فإنه يغار عليهم؛ لأنه ما وجد الشعار، ومعلوم أن هذا إنما كان بعد أن عرفت الدعوة وانتشرت وحصلت، فتكون الدعوة سابقة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان ]. سعيد بن منصور مر ذكره. و سفيان هو: ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق ]. عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عصام المزني ]. ابن عصام المزني وهو لا يعرف فهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. عصام ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. والحديث ضعفه الألباني ، لكنه بمعنى الحديث المتقدم مع زيادة ذكر المسجد.
ما جاء في المكر في الحرب


شرح حديث (الحرب خدعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المكر في الحرب. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع جابراً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب المكر في الحرب. يعني: كون المسلمين يمكرون بالكفار، بمعنى أنهم يأتون بالحيل التي تجعلهم لا يعرفون شيئاً عن أحوالهم وعتادهم وقوتهم، وهذا هو المقصود بالمكر. وأورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) والخدعة: المقصود بها المكر، يعني: كونهم يمكرون بهم حتى ينخدعوا بما يشاهدونه ويعاينونه؛ فيترتب على ذلك ضعفهم وهزيمتهم، أي: الكفار. ومن الأشياء التي هي خدعة في الحرب التورية التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أوردها أبو داود تحت هذه الترجمة وفي قصة غزوة تبوك، وأنه إذا كان يريد غزوة يوري بغيرها، حيث يخفي الأمر على الكفار، فلا يتهيئون ولا يستعدون للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (الحرب خدعة)

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو ]. سعيد بن منصور و سفيان مر ذكرهما. وعمرو هو ابن دينار المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث من الأسانيد العالية عند أبي داود لأنه رباعي.

شرح حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها وكان يقول: الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها..) ] وكان ذلك في غزوة تبوك. و كعب بن مالك رضي الله عنه معروف حديثه الطويل في غزوة تبوك، وفي ذكر التورية، وأنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإذا كان سيغزو إلى جهة الجنوب يسأل عن جهة الشمال، ويسأل عن الطرق والمياه في جهة الشمال، فالاستعداد موجود، فهم يستعدون للحرب، ولكن لا يعرفون الجهة، فهو يريد الجنوب فيسأل عن الطريق من جهة الشمال والمياه في جهة الشمال وغيرها، فالذي يسمع هذه الأسئلة يظن أنه سيذهب إلى جهة الشمال، فهذه من التورية والخدعة والمكر الذي يكون في الحرب. (كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)، وفي غزوة تبوك لم يور النبي صلى الله عليه وسلم، بل أعلن بأنه سيغزو الروم، واستنفر الناس ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى مكة عام الفتح أخفى ذلك، ولما حصل إرسال حاطب بن أبي بلتعة المرأة التي معها الكتاب أطلع الله نبيه على ذلك، وألحق بها من أتى بالكتاب، لأنه كان لا يريد أن يعلم أهل مكة أنه سيذهب إليهم، لكن في غزوة تبوك أعلن بأنه سيغزو، وأن الناس يستعدون لذلك، وذلك لأن المسافة بعيدة، والعدو كبير، والحر شديد، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يكون الاستعداد والتهيؤ الكامل لهذه الأسباب التي هي: بعد المسافة، وكثرة العدو، وقلة الظهر، وشدة الحر. والنبي لم يقل: إنني سأذهب إلى جهة الشمال، وهو يريد الجنوب، وإنما يسأل مجرد أسئلة، يريد أن يصرف الأنظار عن الجهة التي سيذهب إليها، فكان من يسمع الأسئلة يظنه سيذهب إلى الجهة التي يسأل عنها وهو سيذهب إلى جهة أخرى غيرها، فهذه هي التورية، وكان يقول: (الحرب خدعة)، أو خُدعة يعني: وهذه التورية من الخدعة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد يحتمل أن يكون ابن حساب ويحتمل أن يكون المحاربي لأن أبا داود روى عنهما جميعاً، وشيخهما محمد بن ثور رويا عنه جميعاً. أما محمد بن عبيد بن حساب الغبري فهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. و محمد بن عبيد المحاربي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعلى كل: الأمر دائر بينهما؛ لأن كلاً منهما تلميذ لابن ثور ، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وهو محتمل هذا وهذا، محمد بن عبيد المحاربي كوفي، و محمد بن عبيد بن حساب الغبري بصري. و محمد بن ثور صنعاني، من صنعاء دمشق أو صنعاء اليمن، وصنعاء دمشق هي قرية قريبة من دمشق يقال لها صنعاء، ولهذا يميزونها أحياناً بأن يقولوا: صنعاء دمشق، ولكن عند الإطلاق يراد صنعاء اليمن. [ حدثنا ابن ثور ]. محمد بن ثور ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، وتاب الله عليهم في قول الله عز وجل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118] وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان انفراد معمر بلفظ (الحرب خدعة) عن كعب


[ قال أبو داود : لم يجئ به إلا معمر يريد قوله: (الحرب خدعة)، بهذا الإسناد، إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ، ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. ثم قال أبو داود : لم يأت به، يعني قوله: (الحرب خدعة)، أما قضية التورية فهي معروفة في حديث جابر . فقوله: [ وكان يقول: (الحرب خدعة) ] لم يأت به إلا معمر بهذا الإسناد، وقد جاء لفظ: (الحرب خدعة) من حديث جابر الذي تقدم، ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهو ثابت، ولكن روايته في هذا الحديث فيها شيء؛ لأنها لم تأت إلا من هذا الطريق الذي هو طريق معمر ، والذين رووا حديث كعب بن مالك ما ذكروا: (الحرب خدعة)، فيحتمل أن تكون من كلام كعب يبين أن هذه التورية التي جاءت مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة وحديث جابر فهذا الذي جاء في حديث كعب هو من أمثلة الخدعة، أي: أنه يوري. قوله: [ إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ]. أي: الذي مر. قوله: [ ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. معمر مر ذكره، وهمام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

التورية ليست من الكذب

والتورية ليست من الكذب، وإنما هي صدق، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يذهب إلى جهة الجنوب يسأل عن أماكن في جهة الشمال، فأي كذب في هذا؟! ليس هناك كذب، وإنما فيه قطع الطريق أمام العدو بحيث إنه تصل إليه الأخبار معكوسة؛ لأنه قد يكون له جواسيس، فإذا علم بأن الأسئلة إلى جهة أخرى يأمن ولا يستعد، بسبب هذه التورية. وكونه يسأل عن جهة الشمال وهو يريد الجنوب ليس كذباً؛ لأنه يسأل عن الموارد والمسالك والطرق في الجهة المقابلة، وهذه تورية وهي صدق. وأحياناً تكون التورية بأن الإنسان يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فالمتكلم صادق فيما يقول؛لكن غيره فهم شيئاً آخر، مثل تورية أم سليم لأبي طلحة لما جاء وقد مات ابنه، ولكنها ما أرادات أن تزعجه فسأل عنه فقالت: إنه قد سكنت نفسه واستراح، ففهم أنه قد خف مرضه، وهي تريد أنه انتهى نفسه، وخرجت روحه، فكلامها صحيح، فهي تريد شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، وكذلك لفظ: (استراح) يفهم منه أنه حصلت له راحة وهدوء، وخف المرض عنه، وهي تريد أنه فاضت روحه، فالتورية يكون القائل فيها صادقاً في قوله، والذي يسمعه يفهم شيئاً آخر. كذلك ما يذكر عن بعض العلماء في فتنة خلق القرآن، فمنهم من امتنع من القول بخلق القرآن كالإمام أحمد ، ومنهم من ورى، ومن الذين وروا قال: أشهد أن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور هؤلاء كلهن مخلوقات. ويشير بأصابعه، يعني: الأربع هؤلاء مخلوقات، فهذه تورية، لأنه أراد الأصابع، وذاك يفهم أنه يريد الكتب السماوية، فالتورية ليست كذباً، فالإنسان صادق في قوله، ولكنه في بعض المواضع قد يفهم خلاف ما يريده الإنسان، فهو يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وتوجد أمثلة كثيرة للتورية جاءت في الأحاديث. ومن ذلك قصة غزوة بدر لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رجل فقال: من أين أنتم؟ قال: (نحن من ماء) فالكلام صحيح أنه من ماء. وأما الإكثار منها فإنه لا يصلح، فالإتيان بها لا يكون إلا عند الحاجة، أما كون الإنسان يأتي بها من غير حاجة فلا يصلح، أما إذا كان من حاجة كالإكراه أو ككون الإنسان يريد أن يتخلص من إنسان ابتلي به، فلا بأس أن يأتي بشيء يوري فيه، كالذي حصل من أم سليم مع أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما، أما كون الإنسان تكون عادته التورية من غير حاجة فهذا لا ينبغي.
ما جاء في البيات


شرح حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البيات. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الصمد و أبو عامر عن عكرمة بن عمار حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر رضي الله عنه فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت، قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليهم أبا بكر رضي الله عنه في غزوة من الغزوات. قوله: [ (فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم) ]. يعني: أنهم هاجموهم بالليل وهم بائتون وفي قصة بني المصطلق قال: (وهم غارون) وهنا قال: (وهم بائتون) يعني: هجموا عليهم في البيات، ومعلوم أن هذا بعد بلوغ الدعوة، وليس لمن لم تبلغهم الدعوة كما عرفنا. قوله: (وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت). يعني: هذا الشعار الذي بينهم ليعرف به بعضهم بعضاً، فهي كلمة يتواطئون عليها بحيث إن كل واحد يعرف صاحبه إذا كان في ظلام أو في اختلاط بأن يقول الكلمة فيعرف أنه من أصحابه حتى لا يقتل، فكان الواحد إذا لقي أحداً يقول: أمت أمت، وهذا قد سبق في باب الشعار، والشعار: علامة يتواطئون عليها، وقد مرت جملة أحاديث منها هذا الحديث الذي هو: (أمت أمت). قوله: [ قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين ]. يعني: سبع أسر.

تراجم رجال إسناد حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الصمد ]. عبد الصمد بن عبد الواحد ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو عامر ]. أبو عامر العقدي وهو عبد الملك بن عمرو ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار ، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا إياس بن سلمة ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:22 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [312]
الحلقة (344)





شرح سنن أبي داود [312]

شرع الجهاد في الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وليس لمصالح دنيوية، ولهذا فإذا أسلم الكفار صاروا إخوة للمسلمين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ولا يكرهوا على الدين، ولكن يخيروا بين الإسلام أو الجزية أو القتال.

ما جاء في لزوم الساقة


شرح حديث: (كان رسول الله يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لزوم الساقة. حدثنا الحسن بن شوكر حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حدثهم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في لزوم الساقة. يعني: مؤخر الجيش والمراد: أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وراء الجيش لينظر من ضعف مركوبه أو ضعف هو لكونه يمشي وليس عنده مركوب، وكذلك إذا رأى انهزاماً أو فراراً، فعندما يجد هذا المنهزم القائد أو الإمام في المؤخرة يكون ذلك دافعاً له أو مانعاً له من أن يحصل الانفلات والفرار وغير ذلك من الأسباب التي تترتب على لزوم الإمام للساقة. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخلف في المسير) يعني: يكون في آخر الركب وفي آخر الجيش. (يزجي الضعيف) يعني: المركوب الذي يكون ضعيفاً يسوقه. (ويردف الضعيف) أي: إذا كان هناك شخص يمشي يحمله ويجعله يركب وراءه، أو يقول: اركب وراء هذا، فيكون من فوائد ذلك أنه يسوق المركوب الذي قد ضعف، ويردف من كان ضعيفاً يمشي، ويدعو للجيش عموماً، ويدعو لهؤلاء الضعفة خصوصاً.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن شوكر ]. الحسن بن شوكر صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا الحجاج بن أبي عثمان ]. ابن علية مر ذكره، والحجاج بن أبي عثمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه قد مر ذكره.
على ما يقاتل المشركون


شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب على ما يقاتل المشركون. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب على ما يقاتل المشركون، يعني: على أي شيء يقاتلون؟ يقاتلون لكونهم كفاراً إلا إذا حصل منهم الدخول في هذا الدين، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان متلازمتان لا بد منهما: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والنبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: (أمرت)، أو (نُهيت) فالآمر له هو الله سبحانه وتعالى، وأما الصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا فالآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، (إذا قالوها) يعني: دخلوا في الإسلام فعصموا أموالهم وأنفسهم بذلك، عصموا أنفسهم من القتل وأموالهم من الأخذ والغنيمة. وقوله: (إلا بحقها) أي: بحق هذه الكلمة التي هي لا إله إلا الله وهو مقتضاها. قوله: (إلا بحقها). يمكن أن يرجع إلى الشهادة وأن مقتضاها الأخذ بما تتطلبه من الصلاة والصيام.. وما إلى ذلك، ويمكن أن يكون المقصود حق الأنفس والأموال في أن القتل إنما يكون إذا أسلم، فلا يقتل بسبب الكفر؛ لأنه سلم من الكفر بإسلامه وبإظهار الشهادة، ولكنه يقتل بكونه مستحقاً للقتل بعد أن يسلم إذا كان قصاصاً أو غير ذلك مما يكون مستحقاً به القتل، وكذلك المال يكون فيه معصوماً إلا إذا امتنع من الحق الذي عليه في ماله فإنه يؤخذ منه. (وحسابهم على الله) يعني: نحن لنا الظاهر والبواطن علمها عند الله عز وجل، فلم نؤمر أن نشقق ما في القلوب ونعرف ما فيها؛ لأن ذلك من علم الله عز وجل، ولكن لنا الظاهر، وهو: أن من أظهر الإسلام قبلنا منه، والله تعالى هو الذي يتولى حسابهم سواء اتفق الظاهر والباطن أو أن الظاهر يكون على خلاف الباطن، والناس ليس لهم إلا الظاهر، والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] فإذا دخل في الإسلام، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعصم نفسه بذلك، وإذا كان قال ذلك نفاقاً فأظهر الإسلام وأبطن الكفر فالله تعالى هو الذي يتولاه، والمنافق النفاق الاعتقادي في الدرك الأسفل من النار كما جاء ذلك في القرآن الكريم. وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري و مسلم و النسائي و الترمذي و ابن ماجة ، فهو في الكتب كلها. كذلك جاء الحديث عن ابن عمر ولم يذكره أبو داود هنا، وإنما هو في الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) بمعنى حديث أبي هريرة ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن هذا الحديث من غرائب الصحيح، يعني: كونه جاء من طريق واحد، يعني حديث ابن عمر قال: وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، ومعلوم أن الحديث عند العلماء باعتبار الصحابي يكون متفقاً عليه، وعندما ينفرد به مسلم إنما هو باعتبار الصحابي، وليس معناه أن المتن يكون موجوداً عن صحابي وصحابي، وقد يكون مسلم رواه من طريق صحابي غير الصحابي الذي رواه البخاري من طريقه، والمتفق عليه أن يكون البخاري و مسلم روياه من طريق صحابي واحد مثل حديث جبريل المشهور اتفق البخاري و مسلم على إخراجه من حديث أبي هريرة ، وانفرد مسلم بإخراجه من حديث عمر ، فهو من أفراد مسلم عن عمر ، وهو من المتفق عليه عن أبي هريرة ، وهنا يقول الحافظ ابن حجر : إن حديث ابن عمر - (أمرت أن أقاتل الناس) - المتفق على صحته من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، مع أن حديث أبي هريرة الذي بمعناه موجود فيه. وكما عرفنا أن الرواية تكون باعتبار الصحابي، فإن مسند الإمام أحمد موجود فيه حديث أبي هريرة هذا، لكن الذي لا يوجد في مسند الإمام أحمد حديث ابن عمر فالحديث يعتبر متفقاً عليه، ويعتبر فرداً من حيث الصحابي.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو معاوية ]. محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. وهو: ذكوان ولقبه: السمان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا عبد الله بن المبارك عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو موافق لحديث أبي هريرة المتقدم، ويختلف عنه في بعض الأمور. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله). يعني أن يأتوا بالشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وهاتان الشهادتان متلازمتان لا بد منهما، فلا تكفي شهادة أن لا إله إلا الله عن شهادة أن محمداً رسول الله، ومن أتى بالشهادة لله بالوحدانية ولم يأت بالشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة فإن ذلك لا ينفعه؛ لأن دين الإسلام مبني على هاتين الشهادتين، ومقتضاها الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة هي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأن يستقبلوا قبلتنا). يعني أن يتجهوا إلى القبلة التي نصلي إليها وهي الكعبة، أي على من دخلوا ديننا أن يستقبلوا قبلتنا، ولا يستقبلوا القبلة التي كانوا يستقبلونها قبل إسلامهم، مثل اليهود و النصارى وغيرهم. قوله: (وأن يصلوا صلاتنا). أي: يصلون الصلاة التي فرضها الله على المسلمين، وليست الصلاة التي كانت عندهم في كفرهم قبل إسلامهم، وإنما يستقبلون قبلة المسلمين ويصلون صلاة المسلمين. قال: [ (فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها) ]. قوله: (إلا بحقها) أي: بحق دمائهم وأموالهم، بحيث يكونون مستحقين لأن يقتلوا إذا فعلوا ما يوجب قتلهم، وكذلك يؤخذ منهم زكاة أموالهم. قوله: [ (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) ]. أي: لهم ما للمسلمين من الحقوق، وعليهم ما على المسلمين من الواجبات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا..)


قوله: [ حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ]. سعيد بن يعقوب الطالقاني أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود التي هي الرباعيات.
شرح حديث: (أمرت أن أقاتل المشركين) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل المشركين) بمعناه ]. أورد المصنف حديث أنس من طريق أخرى، وفي الحديث السابق: (أمرت أن أقاتل الناس) وهنا قال: (المشركين). وقوله: بمعناه أي: بمعنى الحديث المتقدم عن أنس رضي الله عنه. قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. هو يحيى بن أيوب المصري ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الطويل عن أنس ]. حميد بن أبي حميد الطويل و أنس قد مر ذكرهما.

شرح حديث أسامة في قتله من قال: (لا إله إلا الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي و عثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي ظبيان حدثنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى الحرقات، فنذروا بنا فهربوا، فأدركنا رجلاً، فلما غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتى قتلناه، فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟! فقلت: يا رسول الله! إنما قالها مخافة السلاح! قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟! فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية إلى الحرقات -وهم من جهينة- فنذروا بهم -أي: أخبروا بغزوهم- فهربوا، فأدركوا رجلاً منهم، فلما لحقوه قال: (لا إله إلا الله) فقتلوه، وكانوا يرون أنه إنما قال ذلك خوفاً من السلاح بعد أن رفعوه عليه، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم، وقال لأسامة : (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) أي: بأي شيء تدفع هذا الإيراد وهذا الكلام في كونك تقتل مسلماً يقول: لا إله إلا الله؟! فقال: إنما قالها خوفاً من السيف. يعني: خوفاً من القتل، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا شققت عن قلبه لتعرف هل قالها خوفاً من السلاح أو لا؟! فقال أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه: وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. وهذا الحديث يدل على أن الناس لهم الظاهر، وأن من أظهر الإسلام فإنه يقبل منه، والبواطن علمها عند الله عز وجل، وعلمها موكول إلى الله سبحانه وتعالى، لكن من قال: (لا إله إلا الله) فإنه يكف عنه؛ لأن هذا هو الشيء الظاهر الذي يعرف به أن الإنسان المقاتل يكون مسلماً. قوله: [ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى الحرقات ]. السرية قطعة من الجيش تذهب وتعود إلى الجيش. والحرقات من جهينة. قوله: [ فنذروا بنا فهربوا ]. يعني: أُنِذرُوا وأخبروا ووصلهم العلم بأنهم مغزوون فهربوا. قوله: [ فأدركنا رجلاً فلما غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتى قتلناه ]. يعني أنهم لما رفعوا عليه السيف قال: (لا إله إلا الله) ففهموا أنه قال ذلك خوفاً من السيف فقتلوه وقد قال: (لا إله إلا الله). والمقصود من الترجمة أن الكفار يقاتلون على التوحيد، وأنهم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكف عنهم، والناس ليس لهم إلا الظاهر، يكتفون بالظاهر وعلم البواطن موكول إلى الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر والعلانية ويعلم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى. قوله: [ فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) ]. أي: لما ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) يعني: بأي شيء تجيب عن كونك قتلت مسلماً يقول: (لا إله إلا الله) وقد أظهر الإسلام ثم بعد ذلك تقتله وهو لا يستحق القتل، وليس لك حق قتله؛ لأن القتال إنما هو على التوحيد وقد وجد منه التوحيد؟! وهذا كما هو معلوم إنما هو بحسب الظاهر، وأما البواطن فإنها موكولة إلى الله سبحانه وتعالى. قوله: [ فقلت: يا رسول الله! إنما قالها مخافة السلاح! ]. هذا هو الذي بنى عليه أسامة رضي الله عنه ومن معه هذا الفعل الذي فعلوه، وهو أنه إنما قالها مخافة السلاح. قوله: قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟! هنا وبخه وبين له أن مثل ذلك أمور غيبية، والغيب لا يطلع إليه إلا الله ولا يعلمه إلا الله، وما في القلوب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فقال: ألا شققت عن قلبه لتعرف هل قالها مخافة السلاح أم قالها مؤمناً مسلماً يريد وجه الله عز وجل ولم يكن خائفاً؟! قوله: [ (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ ]. أي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الكلمة حتى قال أسامة بن زيد : وددت أني لم أكن أسلمت إلا ذلك اليوم. وذلك لأن الإسلام يجب ما قبله، ويكون هذا الذي حصل منه يجبه الإسلام ويخلص منه بالدخول في الإسلام، والإسلام يجب ما قبله ويهدم ما كان قبله، كما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم الذي فيه أنه لما جاء وأراد أن يسلم ومد يده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه ويعلن إسلامه، قبض عمرو يده بعد أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال له: (لماذا يا عمرو ؟ قال: أردت أشترط. قال: وماذا تشترط؟ قال: أن يغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) فأسامة رضي الله عنه يقول: وددت أني لم أكن أسلمت إلا ذلك اليوم. يعني: حتى يكون هذا الصنيع الذي أنكره علي النبي صلى الله عليه وسلم ممحوّاً بدخولي في الإسلام.

تراجم رجال إسناد حديث أسامة في قتله من قال: (لا إله إلا الله)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي ، فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا يعلى بن عبيد ]. يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ظبيان ]. هو حصين بن جندب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

سبب درء القصاص عن أسامة وقد قتل مسلماً عمداً

فإن قيل: لِمَ لَمْ يقتل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قصاصاً؟ فالجواب: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم عذره لأنه فهم أن من قال ذلك يكون مستحقاً القتل لأنه إنما قال ذلك خوفاً من القتل ولم يقله رغبة وقصداً في الدخول في الإسلام، وإنما قاله تعوذاً. وقد قال بعض أهل العلم: لعل ذلك حصل في وقت لا ينفع معه الإيمان. يعني مثل ما حصل لفرعون حين أعلن الإسلام عند حضور الأجل ومعاينته الموت، ومع ذلك ما نفعه إسلامه، فقالوا: إن هذا الذي حصل منه الدخول في الإسلام إنما قال ذلك لما أشرف على الهلاك ورأى أنه هالك، فقالوا: إنه لا ينفعه. ولكن القول الأول أولى، فهم قتلوه ظناً منهم أنه قال ذلك لما غشوه بالسلاح تعوذاً وخوفاً من القتل، وأنهم محقون في قتلهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم عذرهم في ذلك فلم يوجب عليهم القصاص. وقد أشار الخطابي إلى معنىً آخر، وهو أنه يشبه أن يكون المعنى فيه أن الأصل في دماء الكفار الإباحة، وهذا الذي أشار إليه الخطابي يصح اعتباره في الحرب، فالأصل أن دماءهم في الحرب على الإباحة، وأما إذا كانوا أهل ذمة أعطوا الجزية وكانوا تحت حكم الإسلام أو كانوا مستأمنين فليس الأصل حينئذٍ هو الإباحة.

شرح حديث النهي عن قتل الكافر بعد قوله أسلمت لله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله. أفأقتله -يا رسول الله- بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقتله. فقلت: يا رسول الله! إنه قطع يدي! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ]. أورد أبو داود حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت يا رسول الله إن لقيت رجلاً من المشركين وقطع يدي فلحقته فلاذ مني بشجرة، ثم قال: أسلمت لله -يعني أنه دخل في الإسلام ودخل في هذا الدين الحنيف- أفأقتله؟ قال: (لا تقتله)، قال: إنه قطع يدي! قال: [ (لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) ]. يعني: أنت معصوم الدم، وكذلك هو بمنزلتك معصوم الدم بعد أن قال: (لا إله إلا الله) فأنت معصوم الدم لأنك مسلم، وهذا -أيضاً- بعد أن قال: (لا إله إلا الله) صار معصوم الدم، فصار بمنزلتك. وقوله: [ (وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ]. يعني: أنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته، بمعنى أنك تستحق القتل، إلا أن قتله كان من أجل الكفر وأنت قتلك من أجل القصاص. وقوله: [ لاذ مني بشجرة ] أي: هرب مني واستتر بشجرة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن قتل الكافر بعد قوله أسلمت لله


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ]. عبيد الله بن عدي بن الخيار ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو من ثقاة التابعين، وحديثه أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن المقداد بن الأسود ]. المقداد بن الأسود هو المقداد بن عمرو رضي الله عنه، ويقال له: المقداد بن الأسود ؛ لأن الأسود تبنَّاه فاشتهر بذلك، فكان يقال له: المقداد بن الأسود ، وهو المقداد بن عمرو ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
النهي عن قتل من اعتصم بالسجود


شرح حديث قصة سرية خثعم في قتلهم من اعتصم بالسجود

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود. حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل. قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: لا تراءى ناراهما) ]. أورد أبو داود باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، يعني أنه سجد وأظهر ما يدل على إسلامه، ويعني بالترجمة النهي عن قتله وقد وجد منه شيء يدل على إسلامه. وأورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ بعث رسول الله سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود ] يعني: لجئوا إلى السجود وسجدوا. قوله: [ فأسرع فيهم القتل ]. أي: قتلوهم وهم ساجدون. قوله: [ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل ]. أي: أمر لهم بنصف الدية. قيل: إنهم كانوا مسلمين، ولكنهم بين الكفار، فقتلوا كما قتل الكفار، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر لهم بنصف العقل، أي: بنصف الدية، ولم يأمر بها كاملة لأنهم بمقامهم مع الكفار صاروا شركاء في حصول الجناية عليهم، فصاروا مثل الذي قتل بفعله وفعل غيره، فالشيء الذي من فعله يسقط لأنه شارك في قتل نفسه، وأما من شارك في قتله فيكون عليه نصف الدية، فلا يتضمن القتل في هذه الحالة. قوله: [ قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ]. يعني هؤلاء قتلوا بسبب وجودهم بين المشركين، وظن المسلمون أنهم منهم. وقيل: إن اعتصامهم بالسجود ليس دليلاً واضحاً على إسلامهم؛ لأنه يوجد منهم السجود لكبرائهم وكذلك السجود لغير الله عز وجل، فمجرد السجود من الكفار لا يكفي، وإنما الذي يعول عليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن لما كانوا مسلمين وكانوا بين الكفار وصار لهم مشاركة في أنهم قتلوا بتسبب أنفسهم وبفعل غيرهم صار على الذي حصل منه القتل نصف العقل وليس كله. وقوله: [ (لا تراءى ناراهما) ] معناه الإشارة إلى التباعد بين المسلمين والكفار، وأن المسلم لا يكون مع الكفار، بل يكون بعيداً منهم بحيث لا ترى نارُه نارَهم ولا نارُهم نارَه، بمعنى أنهم إذا أوقدوا ناراً وهو أوقد ناراً فإن كلاً لا يرى نار الآخر، وذلك إشارة وكناية عن التباعد بين المسلمين والكفار. وهذا يدل على البعد عن المشركين وعدم البقاء بين أظهرهم، لكن إذا كان البقاء بين المشركين فيه مصلحة للدعوة إلى الله عز وجل ودعوتهم للإسلام فيكون سائغاً من هذه الناحية، أما إذا كان ليس كذلك، لا سيما إذا كان الإنسان يقيم بين المشركين ولا يتمكن من إظهار شعائر دينه فبقاؤه ضرر كبير عليه، وهو مستحق للوعيد الشديد، لكن إذا كان البقاء من أجل مصلحة تفوق هذه المفسدة، وهي كون بقائه فيه مصلحة للدعوة إلى الله عز وجل وهداية من يهدي الله عز وجل من الكفار على يديه وبسببه فإن هذا لا بأس به.

تراجم رجال إسناد حديث قصة سرية خثعم في قتلهم من اعتصم بالسجود


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن عبد الله ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

اختلاف الرواة في رفع حديث قصة سرية خثعم وتراجم رجال الإسناد


[ قال أبو داود : رواه هشيم و معمر و خالد الواسطي وجماعة لم يذكروا جريراً ]. معنى قوله: [ لم يذكروا جريراً ] أنه مرسل من قيس بن أبي حازم يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من قبيل المرسل. قوله: [ هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الواسطي ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني إلا فيما يتعلق بالعقل."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:28 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [313]
الحلقة (345)





شرح سنن أبي داود [313]

من أحكام الجهاد تحريم الفرار من الزحف، فهو من أكبر الكبائر، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، ولكن يجوز الفرار في حالات بينها أهل العلم. ومن أحكام الجهاد جواز قتل الجاسوس، وقد ذكر العلماء أدلة كل كذلك.

حرمة التولي يوم الزحف


شرح أثر تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التولي يوم الزحف. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن جرير بن حازم عن الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65] فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم إنه جاء تخفيف فقال: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ [الأنفال:66] قرأ أبو توبة إلى قوله: (( يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )) قال: فلما خفف الله تعالى عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم ]. أورد أبو داود باباً في التولي يوم الزحف يعني التولي عند التقاء جيوش المسلمين وجيوش الكفار وبدء المعركة. والفرار والتولي يوم الزحف من الكبائر؛ لأن هذا يسبب الوهن والضعف، ومن أسباب الهزيمة للمسلمين كونه يوجد فيهم من يفر وينهزم، فيكون ذلك سبباً في هزيمة المسلمين، وهذا من الكبائر، وهو من السبع الموبقات التي جاءت في الحديث المتفق على صحته. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المصابرة؛ وهو أنه كان في أول الأمر يجب على كل مسلم أن يصابر عشرة من المشركين، فيقف للعشرة ولا ينهزم أمامهم، بل عليه أن يثبت ويصبر، ثم إن الله عز وجل خفف عنهم، وجعل المصابرة من الواحد للاثنين. فابن عباس رضي الله تعالى عنه ذكر الناسخ والمنسوخ، وقال: إنه لما نقص العدد في المصابرة نقص من الصبر بقدره، بمعنى أنه قبل كان يصابر الواحد عشرة، فصار يصابر اثنين، فنقص العدد ونقصت المصابرة بقدره.

تراجم رجال إسناد أثر تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون...)

قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن خريت ]. الزبير بن خريت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (بل أنتم العكارون)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه (أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص. قال: فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنتثبت فيها ونذهب ولا يرانا أحد. قال: فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا. قال: فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون. فأقبل إلينا فقال: لا، بل أنتم العكارون. قال: فدنونا فقبلنا يده فقال: أنا فئة المسلمين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية، وأنهم حاصوا حيصة، أي: مالوا ميلة وانحرفوا وانهزموا وفروا، ولما برزوا وابتعدوا عن الكفار وعن المعركة ندموا على ما حصل منهم، وقالوا: إننا تولينا من الزحف. فرأوا أن يدخلوا المدينة خفية، ثم إنهم بدا لهم أن يعرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لهم توبة وإلا فإنهم يعودون، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر أخبروه بالذي قد حصل وقالوا: نحن الفرارون. فقال: [ (لا، بل أنتم العكارون) ]. أي: العائدون الذين هم معذورون. وقوله: [ فدنونا فقبلنا يده ] فيه تقبيل اليد، وتقبيل اليد جاء فيه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سائغ لمن يستحق أن تقبل يده، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك ديدناً، ولا يصح حين يترتب على ذلك اغترار من الذي تقبل يده أو فتنة، أو غلو من الذي يحصل منه التقبيل، وإلا فإنه في الأصل جائز وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ]. وهذا إشارة إلى الاستثناء في قوله تعالى: (( إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فهذا ليس ممن توعد إذا كان متحرفاً لقتال، والمتحرف للقتال هو الذي يحصل منه شيء من أجل أن يوهم العدو أنه منهزم ثم يكر عليهم، أو يطمع العدو في نفسه حتى يرجع إليهم ويقتلهم، أو ينحرف من جهة إلى جهة في المعسكر، فيذهب من جهة إلى جهة. والتحيز إلى فئة هو أن يكون هناك جماعة أخرى تقاتل في مكان آخر في مقابل العدو فيذهب إليهم، فيكون فاعلو هذين الأمرين غير مؤاخذين وغير متوعدين بالوعيد. وإنما المحذور هو الذي يفر لا لهذا ولا لهذا، لا متحرفاً لقتال ولا متحيزاً إلى فئة. فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ] يعني أنهم برجوعهم إلى المدينة داخلون في قوله تعالى: (( أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فيكونون بذلك معذورين. والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
تراجم رجال إسناد حديث: (بل أنتم العكارون)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الله بن عمر حدثه ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذٍ دبره)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن هشام المصري حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: نزلت في يوم بدر (( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ )) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الذي فيه بيان نزول الآية: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ [الأنفال:16]،فهذه الآية نزلت في غزوة بدر، وأن التولي مذموم ومحرم إلا في حق هذين الصنفين من الناس: المتحرف لقتال والمتحيز إلى فئة.

تراجم رجال إسناد حديث: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذٍ دبره)


قوله: [ حدثنا محمد بن هشام المصري ]. محمد بن هشام المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا داود ]. هو داود بن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأسير يكره على الكفر


شرح حديث خباب: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأسير يكره على الكفر. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم و خالد عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن خباب رضي الله عنه أنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمراً وجهه فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون) ]. أورد أبو داود باب في الأسير يكره على الكفر يعني كونه مأسوراً ويكره على أن يكون كافراً فيرجع عن الإسلام إلى الكفر، والعياذ بالله. فكون الأسير يثبت على الإسلام ولو قتل هذا هو الذي يدل عليه حديث خباب بن الأرت ، ولو أن إنساناً أكره على الكفر ثم أظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك ينفعه، ولا يكون كافراً بذلك كما جاء في القرآن الكريم، ولكن كونه يصبر ويثبت على دينه حتى لو قتل فإن هذا يكون أولى؛ حيث يدل على عزة المسلم وعظم شأن إسلامه، وأنه يثبت على الدين ولو قتل في سبيل دينه، ولكنه إن لم يصبر وأراد أن يتخلص من القتل بأن يظهر الكفر مع اطمئنان قلبه بالإيمان ومع كونه إنما يقول ذلك بلسانه دون قلبه فإنه معذور، ولا بأس بذلك. وأورد أبو داود حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنهم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقالوا له وقت إيذاء المشركين لهم: [ يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ] أي: تطلب النصر لنا من الله عز وجل فيظهرنا على أعدائنا. فجلس صلى الله عليه وسلم محمراً وجهه من الغضب، فأخبرهم بأن الله عز وجل سيظهر دينه، ولكن الله عز وجل يبتلي المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، والله عز وجل قادر على أن ينصر نبيه بدون قتال وبدون جهاد، ولكنه شاء أن يكون القتال والصراع بين الحق والباطل والمؤمنين والكفار، كما قال الله عز وجل: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]. فالله عز وجل قادر، ولو شاء أن ينصر المسلمين على الكفار بدون قتال لحصل ذلك، ولكنه شاء أن يبتلى المؤمنون بالكفار ليصلوا إلى ما يصلون إليه بأعمال صالحة وبهمم عالية، فقوله تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ [محمد:4] يعني: الكفار (( وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ )) يعني: أن الوصول إلى هذه الغاية يكون بتعب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) فالطريق الموصل إلى الجنة فيه تعب ونصب، ويحتاج الإنسان فيه إلى صبر، ولا بد من الصبر على طاعة الله، ولا بد من الصبر عن معاصي الله، ولا بد من الصبر على أقدار الله؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (قد كان من قبلكم) ]. يعني في الأمم السابقة كان يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة ثم يدفن فيها حتى لا يهرب وحتى لا يفر؛ لأن جسمه قد دفن في الأرض وما بقي إلا رأسه ظاهراً، فيؤتى بالمنشار ويطلب منه أن يرجع عن دينه ويترك دينه، فيأبى ويبقى على دينه فيفلق فلقتين، وكان يؤتى بأمشاط الحديد ثم تحرك على رأس الإنسان فتقطع كل ما تمر به دون العظم من عصب ولحم، كل ذلك من أجل أن يرجع عن دينه فلا يرجع، وهذا أذىً شديد وعذاب عظيم، ومع ذلك كانوا يصبرون، فأنتم مطلوب منكم أن تقاتلوا المشركين وأن تصبروا، والله عز وجل قادر على نصرة أوليائه، ولكنه شاء أن يبتليهم. قوله: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر) ]. يعني أن الغاية التي تريدونها والأمر الذي تريدونه سيحصل، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يخبر بالأمور المستقبلة والأمور المغيبة فتقع كما أخبر، وكان الصحابة يصدقون بحصولها ووقوعها حينما يبلغهم الخبر بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدقون ويؤمنون بأن ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لا بد أن يوجد. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الذي يريدونه أنه سيحصل، ولكن الله شاء أن يكون الطريق الموصل إليه فيه تعب وفيه نصب، ولا يحصل بسهولة ويسر بدون أن يتعبوا وبدون أن ينصبوا وبدون أن يتميز من يصبر ممن لا يصبر، ومن يثبت ممن لا يثبت، فقال صلى الله عليه سولم: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه) ] يعني: لا يخاف إلا الله عز وجل الذي هو النافع الضار والذي لا يحصل نفع إلا بقضائه وقدره، ولا يحصل ضرر إلا بقضائه وقدره، كما قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحصول الأمن وأن الراكب سيسافر وحده، بل جاء في بعض الأحاديث أن الضعينة ستسافر وحدها لا تخشى أحداً. وكذلك لا يخاف إلا الذئب على غنمه، وهذا من الأسباب العادية التي جعلها الله عز وجل من أسباب إلحاق الضرر بالشخص، وهي بقضاء الله وقدره، وفي ذلك بيان أن الأسباب تخشى، ولكن لا تكون خشيتها على اعتبار أن الأمر حاصل منها ومتعلق بها، بل ذلك بقضاء الله وقدره؛ لأنه لا يكون شيء من الأسباب ضاراً إلا وقد جعله الله ضاراً، ولا يكون سبب نافعاً إلا وقد جعله الله نافعاً، وقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، فقد يوجد الذئب، ولكن الله تعالى يعصم ويحفظ الغنم من أن يصل إليها الذئب، وقد يقدر الله عز وجل أن الذئب يصيبها. قوله: [ (ولكنكم تعجلون) ] أي: تستعجلون فتريدون أن تحصل الأمور بدون تعب، وتريدون أن يحصل لكم شيء بدون مقابل وبدون نصب، والأمر هو كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).

تراجم رجال إسناد حديث خباب: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه)


قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشيم و خالد ]. هشيم مر ذكره، وخالد هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وكل منهما ثقة، أخرج حديثهما أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم ]. إسماعيل و قيس بن أبي حازم قد مر ذكرهما. [ عن خباب ]. هو خباب بن الأرت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حكم الجاسوس إذا كان مسلماً


شرح حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في بعثه الكتاب إلى قريش


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو حدثه حسن بن محمد بن علي أخبره عبيد الله بن أبي رافع -وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب - قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا و الزبير و المقداد رضي الله عنهما فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ضعينة معها كتاب فخذوه منها. فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالضعينة، فقلنا: هلمي الكتاب. فقالت: ما عندي من كتاب. فقلت: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ما هذا يا حاطب ؟! فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي؛ فإني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ فيهم يداً يحمون قرابتي بها، والله -يا رسول الله- ما كان بي من كفر ولا ارتداد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقكم. فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!) ]. أورد أبو داود [ باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً ] يعني: ماذا يفعل به؟ هل يقتل أو لا يقتل؟ والذي يظهر أن حكمه يرجع إلى الإمام، وأنه يرى ما فيه المصلحة، فإن قتله فله قتله، وإن أبقاه فله إبقاؤه، وقد أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة حاطب . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يغزو مكة عام الفتح أخفى الخبر عن الناس حتى لا يحصل اطلاع ومعرفة من الكفار بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فيستعدون. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها إلا في غزوة تبوك فإنه أعلن أنه سيغزو الروم، وأمر الناس بالاستعداد وأمرهم بالنفير، وفي غيرها كان يوري حتى يخفى الخبر على الكفار الذين يريد أن يغزوهم صلى الله عليه وسلم. وحصل من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أنه كتب كتاباً إلى الكفار بمكة يخبرهم بشيء من خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يريد أن يأتي إليهم وأنه يتهيأ لغزوهم، وأرسل بذلك مع ضعينة -امرأة- فذهبت بهذا الكتاب. فالله تعالى أطلع نبيه على ذلك، فأرسل علياً ومعه الزبير و المقداد بن الأسود ليأتوا بذلك الكتاب الذي مع هذه المرأة، وقال: [ (اذهبوا إلى روضة خاخ) ] وهي مكان بين مكة والمدينة، وأخبرهم بأنهم سيجدون امرأة معها الكتاب فليأتوا به، فذهبوا وأدركوها في المكان الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام عليه، والله تعالى يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل غيب، فعلم الغيب على الإطلاق من خصائص الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل:65] فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وقد جاء في حديث جبريل (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) وجاءت أحاديث كثيرة تدل على حصول أمور مغيبة لم يعلمها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل العقد الذي كان لعائشة فقد مكثوا يبحثون عنه وكان تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، وكذلك في قصة الإفك ما كان صلى الله عليه وسلم يعلم الحقيقة، بل قال لعائشة : (إذا كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) ومكث خمسين يوماً وهو حزين متألم، وبعد ذلك أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها بريئة، وقبل ذلك ما كان يعلم أنها بريئة، بل كان يقول لها: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) وهجرها وذهبت إلى أهلها وحصل ما حصل، ولم يكن يعلم بذلك الغيب حتى أنزل الله عليه ما أنزل من القرآن الذي فيه براءتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. فلما لحق الثلاثة بالمرأة قالوا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي من كتاب. فقالوا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. أي: نفتشك ونخرجه منك. لأن الرسول أخبر بأنه معها، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، فإذاً الكتاب موجود، وقد أمروا بأن يذهبوا للإتيان به، فهددوها وأخبروها، بل ورد في بعض الروايات أنهم هددوها بالقتل، فأخرجته من عقاصها، قيل: إنه كان في رأسها. وجاء في بعض الروايات أنه كان في حقوها، وجمع بينهما بأن قالوا: لعله كان في حقوها وربطته في طرف عقيصتها. فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بموضوعه من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش يخبرهم ببعض خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما هذا يا حاطب ؟!) ] فقال: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما بي -يا رسول الله- من كفر ولا ارتداد. يعني: ما كنت باقياً على الكفر وأظهرت الإسلام نفاقاً مع أنني أبطن الكفر، ولا ارتددت بعد أن دخلت في الإسلام، فما خرجت منه إلى الكفر، فلست باقياً على الكفر وأظهرت الإسلام نفاقاً مع إبطان الكفر، وما دخلت في الإسلام ثم خرجت منه ورجعت إلى الكفر بالردة. فقوله: [ ما كان بي من كفر ولا ارتداد ] معناه أنه ليس باقياً على الكفر مظهراً للإسلام نفاقاً كما هو شأن المنافقين الذين لما قوي الإسلام وظهر الإسلام أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فهم كفار، وذلك لأن قلوبهم معقودة على الكفر وباقية على الكفر، ولكنهم أظهروا الإسلام خوفاً من المسلمين، كما قال الله تعالى عنهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] وقوله: [ ولا ارتداد ] يعني: ما دخلت في الإسلام ثم خرجت منه بالردة ورجعت إلى الكفر والعياذ بالله. ثم بين سبب فعله بأن الموجودين في المدينة من المهاجرين لهم أقارب في مكة يحمون أهليهم وذويهم عندما يحصل الغزو، وقال: وأنا لست من أنفسهم، وإنما كنت ملصقاً بهم. يعني: أنا حليف من حلفائهم ولست من أنفسهم، فأراد إذ فاته أن يكون منهم من يحمون من يكون قريباً له أن تكون له هذه اليد عندهم حتى يحموا قرابته. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (صدقكم) ] فأخبر بأنه قد صدق، فقال عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] مع أن حاطباً قال: [ ما كان بي من كفر ] ومعناه: إني لست منافقاً باقياً على النفاق. فعمر رضي الله عنه وأرضاه رأى أن هذا الفعل هو فعل من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فقال: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ]. فقال صلى الله عليه وسلم: [ إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم! ] فكونه من أهل بدر وكونه من الذين حصلت لهم تلك الفضيلة وتلك المنقبة، فنهايتهم طيبة، وما يحصل منهم فإنه مغفور لهم، ويكونون في الآخرة من أهل الجنة، فهذا يجعل حاطباً رضي الله عنه لا يؤاخذ بما فعل. قوله: [ فأخرجته من عقاصها ]. العقاص هو ضفائر شعر رأسها. قوله: [ فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي؛ فإني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة ]. المقصود بقوله: [ وإن قريشاً ] المهاجرون الذين في المدينة، فقد كان لهم قرابات يحمون قراباتهم، وأما أنا فليس لي قرابات، فلست مثل بقية المهاجرين، فأردت أن تكون هذه اليد التي أقدمها لهم تقوم مقام القرابة التي حصلت للناس الآخرين فيحمون قرابتي وأهلي هناك. وقول عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهد بدراً فيه إشارة إلى جواز قتل الجاسوس؛ لأنه ما ذكر شيئاً يمنع منه إلا كونه شهد بدراً، ففهم منه أنه لو لم يكن عنده هذه المنقبة لكان أهلاً لأن يقتل، ولكن الذي حصل لهذا الرجل رضي الله عنه أنه شهد بدراً، وأهل بدر قد قال الله تعالى فيهم ما قال، وهذا يدل على أن أهل بدر نهاياتهم حسنة، وأن مآلهم إلى الجنة، وهم من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم مغفور لهم في الآخرة، لكن هذا لا يعني أن من وجب عليه منهم شيء في الدنيا لا يؤاخذ به ويسقط عنه. بل لو فعل أمراً يستحق عليه حداً أو نحو ذلك فإنه يؤاخذ به، وإنما الكلام فيما يتعلق بالآخرة.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:28 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 

تراجم رجال إسناد حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في بعثه الكتاب إلى قريش

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثه حسن بن محمد بن علي ]. حسن بن محمد بن علي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبره عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت علياً ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
إسناد آخر لحديث قصة حاطب وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه بهذه القصة، قال: (انطلق حاطب فكتب إلى أهل مكة أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد سار إليكم وقال فيه: قالت: ما معي كتاب. فانتحيناها فما وجدنا معها كتاباً، فقال علي : والذي يحلف به لأقتلنك أو لتخرجن الكتاب) وساق الحديث ]. هذا الإسناد الثاني الذي أورده المصنف عن علي رضي الله تعالى عنه هو قريب من الأول. قوله: [ فانتحيناها ]. أي: قصدناها فحاولوا أخذ الكتاب فما وجدوه معها. وقوله: [ والذي يحلف به ]. الذي يحلف به هو الله تعالى، فالحلف لا يكون إلا بالله تعالى. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الرحمن السلمي ]. هو عبد الله بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصهره زوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الجاسوس الذمي


شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل فرات بن حيان حين كان عيناً لأبي سفيان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجاسوس الذمي. حدثنا محمد بن بشار حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال حدثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله، وكان عيناً لأبي سفيان رضي الله عنه، وكان حليفاً لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار فقال: إني مسلم. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إنه يقول: إنني مسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان) ]. أورد أبو داود [ باب في الجاسوس الذمي ] يعني: ماذا يصنع به وماذا يعمل به. والذمي هو الذي له ذمة وله عهد، فإذا صار جاسوساً فإنه يكون ناقضاً لعهده وللإمام أن يقتله. فالذمي هو الكافر الذي له عهد وذمة، فإذا غزا المسلمون بلاداً فدخل أهلها في ولايتهم وصاروا يدفعون الجزية لبقائهم على كفرهم صاروا أهل ذمة، و ابن القيم له كتاب واسع في أحكام أهل الذمة من أحسن ما كتب في بيان أحكام أهل الذمة وما يتعلق بهم من مسائل وأحكام مختلفة، وهو كتاب واسع في عدة مجلدات، فهو من أحسن ما يرجع إليه فيما يتعلق بأحكام الكفار والتعامل معهم، سواء أكان في التهنئة أم في التعزئة أم في السلام أم في غير ذلك مما يتعلق بأحكام الكفار أهل الذمة وغير أهل ذمة. وقد أورد أبو داود حديث فرات بن حيان رضي الله عنه أنه كان جاسوساً لأبي سفيان ، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان ذمياً وكان جاسوساً، ففي مسند الإمام أحمد أنه كان ذمياً، وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من جهة كونه ذمياً، وأنه كان عيناً -أي: جاسوساً- لأبي سفيان في حال كفره، وذلك قبل أن يسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وهذا يدل على أن الجاسوس الكافر إذا كان ذمياً فإنه يكون قد نقض عهده بذلك ويحل قتله، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى قتله، فجاء إلى مجلس جماعة من الأنصار فقال: [ إني مسلم ]. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، ولكن فراتاً أخبرهم بأنه مسلم، أي: دخل في الإسلام، وكان جاسوساً قبل أن يسلم. فقال رجل من الأنصار: [ يا رسول الله! إنه يقول: إنه مسلم ]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم) ]. يعني ما يقولونه بألسنتهم من أنهم مؤمنون وأنهم مسلمون، أي: الحكم بالظاهر؛ لأن الكافر إذا قال: إنه مسلم. أو قال: آمنت بالله. أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله فإن الحكم أنه يكون مسلماً بذلك، ولا يبحث عما سوى ذلك؛ لأن الظاهر للناس والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد مر في بعض الأحاديث: (أفلا شققت عن قلبه) يعني الذي قتل بعد أن قال: (لا إله إلا الله). قال صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان) ]. أي: أن فرات بن حيان من هؤلاء الذين نكلهم إلى إيمانهم. ومحل الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله من أجل تجسسه، ولكن الإسلام هو الذي منع من ذلك وحال بينه وبين أن يقتل. وقد كان جاسوساً لأبي سفيان ، ولا ندري هل كان -أيضاً- من أهل الذمة أم لم يكن له عهد، ويمكن أن يكون عاش تحت ولاية الإسلام ولكنه استخدم للتجسس.
تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل فرات بن حيان حين كان عيناً لأبي سفيان

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب ببندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال ]. محمد بن محبب أبو همام الدلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان بن سعيد ]. هو سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حارثة بن مضرب ]. حارثة بن مضرب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن فرات بن حيان ]. هو فرات بن حيان رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
الجاسوس المستأمن


شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجاسوس المستأمن. حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو عميس عن ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اطلبوه واقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه) ]. أورد أبو داود [ باب في الجاسوس المستأمن ]. المستأمن هو الذي له أمان، وهو الذي يدخل إلى بلاد المسلمين ويعطى أماناً على نفسه وماله مدة بقائه في بلاد المسلمين. وأورد أبو داود رحمه الله حديث سلمة بن الأكوع ، وفيه ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سفر، وأنه جاء وأناخ بعيره ودخل معهم، وبعد ذلك انسل بسرعة وركب بعيره وهرب، فعلموا أنه جاسوس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وبقتله، فلحقوه، وكان الذي أدركه سلمة بن الأكوع ، وكان عدَّاءً -أي: سباقاً على رجليه- فسبق الذين على الإبل حتى تقدم عليهم وأمسك خطام جمل الجاسوس وقتله، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه. والحديث ليس فيه دليل واضح على الاستئمان، ولكن كونه جاء وجلس معهم ورأى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق بسرعة معناه أن له حكم المستأمن الذي أعطي أماناً. ولكن البخاري بوب لهذا بقوله: (باب الجاسوس بغير أمان) يعني: وليس له أمان؛ لأن هذا جاء ولم يكن له أمان، فلعل أبا داود أراد من وراء ذلك أن يبين أن حكم المستأمن يكون كذلك، وأنه إذا حصل منه تجسس فإنه ينقض أمانه ويستحق القتل. وهذا الجاسوس الذي جاء وجلس مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى حالهم ثم انسل فعرفوا أنه جاسوس ما كان ابن سبيل أو عابر سبيل، وما جاء ليشاركهم في أكلهم أو ليكون ضيفاً عندهم، وإنما جاء ليتجسس ثم انصرف بسرعة وهرب، فعند ذلك عرفوا أنه جاسوس فلحقوه، وقتله سلمة بن الأكوع، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه. قوله: [ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه ثم انسل ]. أي: جلس عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ضعف حالهم وضعف ركابهم وما فيهم من ضعف. [ فانسل ] يعني: خرج منسلاً إلى بعيره، وكان قد قيده، ففك قيده وركب عليه ثم هرب. قوله: [ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه ]. هذا اختصار للقصة، وستأتي بكمالها في الحديث الآتي. فسلمة بن الأكوع رضي الله عنه لحقه يعدو على رجليه، وكان ممن لحقه صاحب ناقة ورقاء كانت من أحسن الركاب، ولكنه سبق الناقة وسبق الجمل حتى تقدم وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه اخترط سيفه وضرب عنقه فسقط رأسه ومات.

تراجم رجال إسناد حديث (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو نعيم ]. هو الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عميس ]. هو عتبة بن عبد الله المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سلمة بن الأكوع ]. هو إياس بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه في قتله جاسوساً للمشركين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله أن هاشم بن القاسم و هشاماً حدثاهم قالا: حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هوازن. قال: فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة وفينا ضعفة إذ جاء رجل على جمل أحمر، فانتزع طلقاً من حقو البعير فقيد به جمله، ثم جاء يتغدى مع القوم، فلما رأى ضعفتهم ورقة ظهرهم خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه، ثم خرج يركضه، واتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم، قال: فخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل وكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقودها، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس مقبلاً فقال: من قتل الرجل؟ فقالوا: سلمة بن الأكوع . قال: له سلبه أجمع) قال هارون هذا لفظ هاشم ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وهو أكثر تفصيلاً لهذه القصة من الرواية السابقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم كانوا في غزوة هوازن، وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد نزلوا يأكلون طعاماً في الضحى، قال: نتضحى مثلما يقال: نتغدى ونتعشى. أي: طعام الغداة وطعام العشاء. فجلسوا يأكلون في وقت الضحى فجاء هذا الرجل وشاركهم في الأكل وهو جاسوس، فلما رأى رقة حالهم وضعفهم انسل وركب، وكان حين وصل إليهم قد انتزع طلقاً من حقو جمله -والطلق هو عقال من جلد- فقيده به، أي: وضعه على يديه بحيث لا يمشي مع استطاعته أن يتحرك ليرعى. فلما رأى حالتهم انسل وأطلق عقال جمله وأناخه وركب عليه، ثم جعل يركضه، أي: يستحثه على الجري والعدو، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وقتله، فلحقه رجل من أسلم من جماعة سلمة بن الأكوع على ناقة ورقاء هي أمثل الإبل التي معهم، فكان رأسها عند ورك الجمل، فلحق بهما سلمة حتى صار عند ورك الناقة، ثم تقدم حتى صار عند ورك الجمل، ثم تقدم حتى صار أمامه وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه وصارت ركبة البعير في الأرض اخترط سيفه فضرب رأسه فندر، أي: سقط رأسه، فجاء بالبعير يقوده وما عليه، فاستقبله الرسول صلى الله عليه وسلم هو والناس، أي: قاموا من أماكنهم يستقبلون اللذين ذهبا لقتل هذا الجاسوس فلما وصلا قال صلى الله عليه وسلم: [ (من الذي قتله؟) ] قالوا: سلمة بن الأكوع فقال: [ (له سلبه أجمع) ] يعني: كل سلبه يكون لسلمة ، والسلب هو مال القتيل الكافر ثيابه وسلاحه يعطاه قاتله. والحديث فيه دليل على القيام لاستقبال من يأتي واستقبال القادم والداخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة استقبلوا من لحق ذلك الجاسوس.

تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه في قتله جاسوساً للمشركين


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال ، وهو البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أن هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هشاماً ] يحتمل أن يكون المراد به هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، ويحتمل أن يكون المراد به هشام بن سعيد الطالقاني ، وفي تهذيب الكمال في ترجمة هارون بن عبد الله الحمال لم يذكر من مشايخه من يسمى هشاماً إلا هشام بن سعيد الطالقاني . وإن كان هشام هنا هو هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فمعنى ذلك أن أبا داود روى عنه بواسطة وبغير واسطة. وعلى كل حال فإن كان المراد هشام بن سعيد الطالقاني فهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي ، وإن كان المراد هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار العجلي ، صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع ]. قد مر ذكرهما. وقوله: [ قال هارون : هذا لفظ هاشم ] معناه أن الحديث لفظ هاشم بن القاسم وليس لفظ هشام ."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:35 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [314]
الحلقة (346)





شرح سنن أبي داود [314]

الجهاد في سبيل الله تعالى شرف عظيم، وله أحكام وآداب شرعية تخصه، فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ القتال أول النهار أو يؤخره إلى ما بعد الزوال، وكذلك مشروعية التزام الصمت حال القتال إلا من ذكر الله عز وجل، وكذلك استحباب فعل ما يظهر قوة المسلمين أمام أعدائهم؛ ولذا جاز الاختيال بين الصفوف.

وقت استحباب لقاء الكفار في الجهاد


شرح حديث قتاله صلى الله عليه وسلم أول النهار أو بعد زوال الشمس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أي وقت يستحب اللقاء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن النعمان -يعني ابن مقرن - رضي الله عنهما قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر) ]. أورد أبو داود [ باب في أي وقت يستحب اللقاء ] يعني لقاء الكفار. وقد أورد أبو داود حديث النعمان بن المقرن رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر حتى تزول الشمس وتهب الرياح، وذلك وقت صلاة الظهر وصلاة العصر جمعاً، فيكون وقت قبول الدعاء. وهذا فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هديه القتال في أول النهار أو بعد منتصف النهار ودخول وقت صلاة الظهر، فإذا لم يقاتل أول النهار في الصباح يقاتل بعد الزوال وبعد دخول وقت الصلاة صلاة الظهر والعصر في الحال الجمع. فهذا هو الوقت الذي يستحب فيه اللقاء، في الصباح أو بعد الزوال.

تراجم رجال إسناد حديث قتاله صلى الله عليه وسلم أول النهار أو بعد زوال الشمس


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا أبو عمران الجوني ]. هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن عبد الله المزني ]. علقمة بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن معقل بن يسار ]. هو معقل بن يسار رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن النعمان بن مقرن ]. هو النعمان بن مقرن رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ما يؤمر به من الصمت عند اللقاء



شرح حديث: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء)


قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام . ح وحدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا هشام حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء عند القتال ]. أورد أبو داود : [ باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء ] يعني السكوت وعدم الصخب والكلام، وإنما يكون الجهاد سكوتاً إلا في ذكر الله سبحانه وتعالى فلا بأس بذلك، وأما أن يكون هناك صراخ أو صياح أو كلام في غير ذلك فلا يصلح. وقد أورد أبو داود هذا الأثر عن قيس بن عباد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا عند اللقاء أو عند القتال يكرهون الصوت. أي: يكرهون التكلم إلا في ذكر الله عز وجل والتكبير، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال:45] ومن الذكر التكبير. وهذا الأثر موقوف على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ينتهي إسناده إلى أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم. وهو حجة، لكون الصحابة كان هذا شأنهم وهذه طريقتهم، وهم أسبق الناس إلى كل خير وأحرص الناس على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم.

تراجم رجال إسناد حديث :(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء)


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام حدثنا قتادة ]. هشام قد مر ذكره، و قتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن عباد ]. قيس بن عباد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

إسناد آخر لحديث كراهية الصوت عند اللقاء وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الرحمن عن همام حدثني مطر عن قتادة عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك ]. أورد أبو داود الحديث هنا ولكنه مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ بمثل ذلك ] يعني أنه لا يؤتى بالصوت عند اللقاء، وإنما يكون السكوت والصمت وعدم الكلام إلا في ذكر الله عز وجل. قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن عن همام ]. همام هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني مطر ]. هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ والنسيان، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة عن أبي بردة ]. قتادة قد مر ذكره، و أبو بردة هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الله بن قيس ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل مطر الوراق ، لكن كون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك يدل على أنهم أخذوه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما وإسناده إلى جميعهم وإلى عمومهم وليس إلى فرد واحد منهم.
الترجل عند اللقاء


شرح حديث ترجل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته يوم حنين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يترجل عند اللقاء. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم حنين فانكشفوا نزل عن بغلته فترجل) ]. أورد أبو داود باب الترجل عند اللقاء. والترجل هو المشي على الرجل، وهذا يدل على الشجاعة وعلى القوة وعلى عدم الاكتئاب وعدم الخوف، ولهذا لما انكشفوا نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته وكان يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، فثبت ثم رجع أصحابه وصار النصر للمسلمين على أعدائهم. فالترجل هنا غير الترجل فيما يتعلق بالزينة وهو تسريح الشعر ودهنه، بل هو المشي على الرجل، وهو يدل على الثبات وعلى قوة الجأش وعدم الخوف والذعر.

تراجم رجال إسناد حديث ترجل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته يوم حنين

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و إلا النسائي ، ولم يخرج له النسائي إلا في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. قد مر ذكره. [ عن البراء ] هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
الخيلاء في الحرب


شرح حديث ما يحبه الله تعالى من الغيرة والخيلاء وما يبغضه منهما


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخيلاء في الحرب. حدثنا مسلم بن إبراهيم و موسى بن إسماعيل -المعنى واحد- قالا: حدثنا أبان حدثنا يحيى عن محمد بن إبراهيم عن ابن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي) قال موسى : والفخر ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب الخيلاء في الحرب ] أي أنها سائغة، والخيلاء في الأصل غير سائغة، فكون الإنسان يكون مختالاً ويكون فخوراً لا يجوز، والله تعالى قد ذم المختال الفخور، ولكن ذلك في حال الحرب سائغ وجائز؛ لأنه يدل على ثبات الجأش وعلى القوة وعلى عدم ضعف النفس، ويدل على عزة النفس، وعلى ثبوت الرجل وعدم خوفه وضعفه وخوره، فأبيح في هذه الحالة التي هي حالة الحرب. وأورد أبو داود حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة) ] يعني كون الإنسان يغار على أهله في ريبة وفي أمر محرم حتى لا يحصل، وهذا مما يحبه الله عز وجل، والغيور هو ضد الديوث الذي يقر الخبث في أهله ولا يبالي ولا يهتم. فالغيرة في الريبة وفيما هو ريبة مما يحبه الله، والغيرة في غير ذلك يبغضها الله، قالوا: ومن أمثلة ذلك كون الإنسان يغار على نكاح قرائبه وزواج قرائبه ويكره ذلك، فإن هذا في أمر مباح وأمر مشروع، فالغيرة فيه وكراهية ذلك أمر مبغوض عند الله عز وجل، وكون الإنسان كذلك يغار على أمه في زواجها ويكره زواجها بعد أبيه فهذا مما يكرهه الله ومما هو مبغوض، و هذه غيرة في غير ريبة، فتكون الريبة هنا مما يبغضه الله عز وجل، فالغيرة في الريبة محمودة والغيرة في غيرها -أي: فيما هو مباح ومشروع- مذمومة. قوله: [ (وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال) ]. اختيال الرجل نفسه عند القتال هو أن يحصل عنده اختيال يدل على قوة جأشه وعلى عدم انهزام نفسه وعلى عدم الخور عنده. قوله: [ (واختياله عند الصدقة) ]. يعني كونه يجود بالصدقة ويبذلها، ويترتب على ذلك اقتداء به ومتابعة له، فإن ذلك سائغ. قوله: [ (وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي) ]. أي: كونه يختال على أحد باغياً عليه ومعتدياً عليه، ويتعاظم عند ما يقتل إنساناً معصوماً، أو عندما يأخذ مالاً لغيره، فإن هذا مما يبغضه الله عز وجل. قوله: [ قال موسى : والفخر ]. أي: البغي والفخر، وهذه الزيادة هي من أحد شيخي أبي داود ، وهو موسى بن إسماعيل، فكلمة (الفخر) جاءت عند موسى بن إسماعيل وحده وليست عند الشيخ الأول مسلم بن إبراهيم .

تراجم رجال إسناد حديث ما يحبه الله تعالى من الغيرة والخيلاء وما يبغضه منهما

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وقد مر ذكره. [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يجيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جابر بن عتيك ]. قيل: هو عبد الرحمن . وقيل: آخر، وكل منهما مجهول، فهذا مجهول وذاك غير معروف، والنتيجة واحدة، سواء أكان هو المسمى الذي هو عبد الرحمن أم الآخر الذي لم يسم، وقيل: إنه أبو سفيان ، وكل منهما مجهول، ولكن الحديث له شاهد عن عقبة بن عامر ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل. [ عن جابر بن عتيك ]. جابر بن عتيك رضي الله عنه، صحابي، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي .
الرجل المسلم يستأسر


شرح حديث قصة أصحاب الرجيع العشرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يستأسر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمرو بن جارية الثقفي حليف بني زهرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه، فنفروا لهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فلما أحس بهم عاصم لجئوا إلى قردد، فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحداً. فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة نفر، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب و زيد بن الدثنة ورجل آخر رضي الله عنهم، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء لأسوة، فجروه فأبى أن يصحبهم فقتلوه، فلبث خبيب أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار موسى يستحد بها، فلما خرجوا به ليقتلوه قال لهم خبيب : دعوني أركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا ما بي جزعاً لزدت) ]. أورد أبو داود [ باب في الرجل يستأسر ]. يعني: يأسره الكفار. وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عشرةً عيناً، أي: جواسيس يأتون بأخبار العدو، وهذا يدل على أن الجاسوس قد يكون واحداً وقد يكونون أكثر من واحد، كما ذكر هنا أنهم عشرة، وسبق أن مر فيما يتعلق بكون الإنسان يسافر وحده أنه يمكن أن يرسل وحده من أجل التجسس على الكفار، ويكون مسافراً وحده، ويكون مستثنىً مما جاء من كراهية أن يسافر الإنسان وحده. قوله: [ وأمر عليهم عاصم بن ثابت ] أي: جعله أميراً على العشرة يرجعون إليه ويكون مرجعاً لهم. وقد سبق أن مر أن الثلاثة عندما يسافرون يؤمرون واحداً منهم حتى يرجعوا إليه، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم أمر على هؤلاء العشرة عاصم بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فجاءهم جماعة خرجوا لهم من هذيل، فأحاطوا بهم؛ فصعدوا فوق مكان مرتفع يقال له: قردد، فصار هؤلاء الكفار تحت وهؤلاء فوق، فصاروا ينادونهم ويقولون: انزلوا وسلموا أنفسكم ولكم الأمان والعهد أنه لا يحصل لكم شيء. فقال عاصم الذي هو أميرهم: لا أنزل على ذمة كافر. فرموهم حتى قتلوا منهم سبعة فيهم عاصم الذي هو أميرهم، وبقي ثلاثة، فنزل هؤلاء الثلاثة، وهم خبيب و زيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما نزلوا أطلقوا أوتار قسيهم - جمع قوس- فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر. وهو كونهم قالوا: انزلوا ولكم العهد أنه لا يحصل لكم شيء. ثم بعد ذلك ربطوهم، فقال: لي بأصحابي أسوة ولن أصحبكم. فجعلوا يجرونه وهو يأبى أن يصحبهم، فقتلوه فصار الذين قتلوا ثمانية، فبقي الاثنان خبيب و زيد بن الدثنة ، ثم إنهم بعد ذلك أجمعوا على قتل خبيب ، فقال: دعوني أصلي ركعتين. وطلب منهم موسى ليستحد بها. أي: يحلق بها عانته؛ لأن الاستحداد هو حلق العانة بالحديدة، فقيل له: استحداد؛ لأنه إزالة للشعر بالحديدة التي هي الموسى. فأذنوا له فصلى ركعتين، ثم إنه لما صلى ركعتين قال: والله لولا أن تظنوا أن بي جزعاً لزدت على ذلك. يعني: زدت ركعتين. ثم إنهم قتلوه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحاصل أن هؤلاء الثلاثة سلموا أنفسهم وأسرهم أولئك وعاملوهم بهذه المعاملة. وقوله: [ (فنفروا لهم هذيل) ] فيه الجمع بين الاسم الظاهر والضمير، وهي اللغة التي يسمونها لغة (أكلوني البراغيث) وهي الجمع بين الاسم الظاهر والضمير، وقد جاء بها القرآن والسنة، أما القرآن ففي قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء:3] وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل). والترجمة[ الرجل يستأسر ] دالة على أن الرجل له أن يسلم نفسه للأسر عند الحاجة؛ لأنه قال: [ يستأسر ] يعني: يطلب منه، فالاستئسار هو الطلب؛ لأن السين والتاء تدلان على الطلب، أي: يطلب منه أن يسلم نفسه للأسر، فهؤلاء الثلاثة سلموا أنفسهم، وأحدهم لما رأى الغدر من أول وهلة لم يشأ أن يصحبهم، فسحبوه، ولما لم يستجب لهم قتلوه رضي الله عنه، ففيه جواز الامتناع عن الأسر ولو أدى ذلك إلى قتل الممتنع.

تراجم رجال إسناد حديث قصة أصحاب الرجيع العشرة


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن جارية الثقفي ]. هو عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الاطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


إسناد آخر لحديث قصة أصحاب الرجيع وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي -وهو حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه- فذكر الحديث ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة ، وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا ابن عوف ]. هو محمد بن عوف ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا أبو اليمان ]. هو الحكم بن نافع ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية ]. قد مر ذكرهما، وهنا قال: عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية، ففي الإسناد الأول نسبه إلى جده، وفي هذه الطريق الثانية ذكر نسبه كاملاً.
الأسئلة



حكم صلاة ركعتين قبل القتل

السؤال: هل الركعتان سنة عند القتل بدلالة فعل خبيب رضي الله تعالى عنه؟



الجواب: ما أعلم سنيتهما، لكنهما جائزتان.

استشكال في الإعلام بخبر أصحاب الرجيع لكونهم قتلوا جميعاً

السؤال: إذا كان العشرة من الصحابة قد قتلهم الهذليون فمن الذي أخبر بخبرهم؟


الجواب: قد يكون الذي أخبر خبرهم هو زيد بن الدثنة ؛ لأنه لم يعرف أمره بعد ذلك في القتل، وقد يكون أحد الهذليين أسلم بعد ذلك ثم أخبر بالخبر، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك عن طريق الوحي، ففي صحيح البخاري أن خبيباً قال: (اللهم! أخبر عنا نبيك).

قيام طالب العلم من مجلسه في الحلقة للداخل

السؤال: إذا كنت في مجلس أو حلقة علم ودخل علينا أحد فهل القيام له سنَّة؟



الجواب: من كانوا في حلقة علم فالذي ينبغي لهم أن يكونوا كلهم مشتغلين بالعلم، وإذا انتهوا من الاشتغال بالعلم يقوم من يريد أن يقوم لهذا الجالس. لكن إذا كانوا في مجلس من المجالس فقاموا أو قام بعضهم لاستقبال القادم والداخل فهذا لا بأس به وهو مشروع ومستحب إذا كان فيه إيناس وإدخال للسرور، فلا بأس بذلك، وأما فيما يتعلق بحلقة العلم والاشتغال بالعلم فالذي ينبغي هو المواصلة، وإذا جاء أحد فإنه يجلس ويستمع ثم يقام له، وقد يكون سائغاً، مثل ما حصل لكعب بن مالك رضي الله عنه حين نزلت توبته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، فلما دخل كعب بن مالك قام طلحة واستقبله يهنئه بتوبة الله عز وجل عليه.

معنى الصمت عند لقاء العدو وحكم الأناشيد وقت اللقاء


السؤال: هل معنى الصمت عند لقاء العدو عدم التكبير والتهليل إلا بصوت منخفض؟ وإذا كانت هناك أناشيد تدعو للحماس فهل يجوز التغني بها لرفع الهمم؟


الجواب: التكبير هو الذي ترفع به الهمم، وأما التغني بالأناشيد فإنه لا يرفع الهمم بل يثبطها.

حكم قتل المستأمنين من الكفار مقابل قتل دولهم رعايا المسلمين

السؤال: ما حكم قتل الكفار الذين يعيشون في بلاد المسلمين للعمل أو للسياحة، حيث إن حكوماتهم تقتل المسلمين وتعين على قتلهم؟



الجواب: لا يجوز قتل من دخل وأعطي الأمان ليعمل أو ليتجول في بلد من البلدان وقد أذن له بذلك، وإن حصل أن الكفار اعتدوا على المسلمين فهم لا ذمة لهم ولا عهد لهم، فالمسلمون عليهم أن يفوا بالعهود. ثم كون الكفار يغدرون بواحد من المسلمين لا يبيح للمسلمين أن يغدروا بأحد ما حصل منه غدر وما حصل منه خيانة وما حصل منه شيء ينقض عهده."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:38 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [315]
الحلقة (347)



شرح سنن أبي داود [315]

الحرب خدعة، فعلى قائد المسلمين أن ينصب الكمائن التي تفتك بالعدو، وينظم جيشه ويصفهم بما يناسب الحال، وإن دعا أحد من المشركين إلى المبارزة فليبعث له من فيه قوة وشجاعة ليقتله، ويكسر قلوب الكافرين بقتله.

نصب الكمائن في القتال


شرح حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الرماة على الجبل يوم أحد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الكمناء. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق سمعت البراء رضي الله عنه يحدث قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلاً- عبد الله بن جبير رضي الله عنه، وقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل لكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. قال: فهزمهم الله، قال: فأنا -والله- رأيت النساء يسندن على الجبل، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة -أي قوم- الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟! فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فأتوهم فصرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الكمناء ]. والكمناء: جمع كمين. وهو القسم الذي يجعل من الجيش في مكان يختفي فيه ليقوم بمهمة في النكاية بالأعداء، هذا هو المقصود بالكمين أو الكمناء. وأورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وذلك في غزوة أحد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خمسين من الرماة في مكان، وجعل عليهم أميراً عبد الله بن جبير ، وقال: امكثوا في هذا المكان ولا تبرحوه حتى يأتيكم مني شيء، فإن رأيتمونا تخطفنا الطير -أي: هزمنا- فلا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظفرنا وانتصرنا فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، فلما حصلت الوقعة وانهزم المشركون في أول الأمر ورأى هؤلاء الذين هم كمناء ما حصل قال بعضهم لبعضهم: الغنيمة! أي: انتصر المسلمون. فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يبرحون، سواء انهزم الجيش أم انتصر حتى يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من يبلغهم بالشيء الذي يفعلونه. فلما قال لهم أميرهم ما قال رأى بعضهم ألا يأخذوا بقول الأمير المستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرجوا ولحقوا بالقوم، ثم إنه حصل لهم بعد ذلك الهزيمة، وهؤلاء الذين أسندت إليهم المهمة وهم الكمناء ما قاموا بالالتزام بالشيء الذي أرشدهم إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فحصل ما حصل. والمقصود من الحديث ذكر الكمين، وأنه يمكن للوالي أو للأمير أن يجعل بعض القوم كمناء بحيث يكونون ظهراً للمسلمين. قوله: [ (جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلاً- عبد الله بن جبير) ]. يعني جعله أميراً عليهم. قوله: [ وقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل لكم) ]. هذا جانب الهزيمة، فقوله: [ (تخطفنا الطير) ] يعني: انهزمنا أمام الأعداء. فإن رأيتمونا كذلك فلا تبرحوا حتى أبعث إليكم. قوله: [ (وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل لكم إليكم) ]. يعني: تغلبنا عليهم واستولينا عليهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. ففي كلا الحالتين هم ملزمون أن يبقوا حتى يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم توجيه يوجههم به. قوله: [ (فهزمهم الله) ]. يعني: حصلت النتيجة أن هزم الله المشركين. قوله: [ (فأنا -والله- رأيت النساء يسندن على الجبل) ]. الذي يظهر أنهن نساء المشركين، يعني: بعدما انهزموا صارت النساء تسند على الجبل. قوله: (فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة -أي قوم- الغنيمة) ]. يعني: قال بعض أصحاب عبد الله بن جبير الذين معه والذين هو أميرهم: الغنيمة الغنيمة. أي: انطلقوا حتى تأخذوا الغنيمة أو تشاركوا في أخذ الغنيمة. فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يبرحون ولا يتجاوزون المكان إلا بعد أن يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول يبلغهم بالشيء الذي يريده النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فلم يأخذوا بما ذكرهم به عبد الله بن جبير رضي الله عنه. قال: [ (فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة) ]. قوله: [ (فأتوهم فصرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين) ]. يعني هؤلاء الذين أسندت إليهم المهمة ما قاموا بها، ولم يلتزموا بما أرشدهم له النبي صلى الله عليه وسلم. [ (وصرفت وجوههم) ] يعني: رجعوا دون أن يحصلوا طائلا. ولا شك أن الذنوب والمعاصي أسباب كل شر وأسباب كل بلاء، فمن أسباب الهزيمة ومن أسباب انتصار الأعداء على المسلمين الوقوع في المعاصي، قال الله عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

تراجم رجال إسناد حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الرماة على الجبل يوم أحد


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات.
صف الجيش عند القتال


شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقت اصطفافهم برمي العدو بالنبل حال قربهم منهم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصفوف. حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر: (إذا أكثبوكم -يعني إذا غشوكم- فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم) ]. أورد أبو داود [ باب في الصفوف ] يعني أن الجيش يصف، وأنهم يكونون صفوفاً ولا يكونون بدون تنظيم وبدون اصطفاف، بل يكونون صفوفاً. وأورد حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر ]. ومحل الشاهد قوله: [ اصطففنا ] ومعناه أن الجيش يصطف، وقد جاء في اصطففاهم يوم بدر الحديث المشهور الذي فيه أنهم لما صفوا وكان عبد الرحمن بن عوف في الصف كان عن يمينه شاب من الأنصار وعن يساره شاب من الأنصار، فغمزه الذي عن يمينه وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قال: وماذا تريد منه؟! قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. ومحل الشاهد منه أنهم صفوا وكان على يمين عبد الرحمن شاب من الأنصار والآخر عن يساره، وكذلك غمزه الآخر وقال مثلما قال، فأراهما إياه فانطلقا إليه وقتلاه. فمن الأمور المهمة في الجيوش التنظيم في الصفوف، وكان عليه السلام يصف أصحابه، وحصل ذلك في بدر كما جاء في قصة عبد الرحمن بن عوف ، وكما جاء في الحديث الذي معنا، وهو أنهم لما اصطفوا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إذا أكثبوكم -يعني: إذا غشوكم- فارموهم بالنبل) ]. أي: إذا قربوا منكم فأرسلوا النبل إليهم؛ لأن النبل لا يذهب مكاناً بعيداً، فإذا قربوا منهم فإنه ينفع إرسال النبل، وإذا كانوا في مكان بعيد ذهب النبل ولم يصب العدو، فلم يحصلوا من الرمي على طائل. فقوله: [ (إذا أكثبوكم) ] ليس معناه أنهم وصلوا إليهم بحيث التحموا بهم؛ لأنه إذا حصل الالتحام فالسيوف هي التي تنفع، وأما إذا كان بينهم مسافة بحيث تصل السهام فإنها ترسل السهام إليهم، وإذا كانوا بعيدين لا ترسل السهام، بل يستبقون نبلهم، فقوله: [ (أكثبوكم) ] معناه صاروا قريبين منكم، ولهذا كثيراً ما يأتي التعبير بالوقوف عن كثب، ومعناه: عن قرب. قوله: [ (فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم) ]. معنى قوله: [ (فارموهم بالنبل) ] أي: إذا قربوا وصاروا قريبين منكم [ (واستبقوا نبلكم) ] يعني لا ترسلوه إذا كانوا بعيدين؛ لأنكم لو أرسلتموه فإنه يضيع ولا تصيبون الأعداء.

تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقت اصطفافهم برمي العدو بالنبل حال قربهم منهم


قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان ]. أحمد بن سنان ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ حدثنا أبو أحمد الزبيري ]. هو محمد بن عبد الله الزبيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ]. عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ، صدوق فيه لين، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و ابن ماجة . [ عن حمزة بن أبي أسيد ]. حمزة بن أبي أسيد ، صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو أبو أسيد الساعدي ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
سل السيوف عند اللقاء


شرح حديث: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سل السيوف عند اللقاء. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا إسحاق بن نجيح -وليس بالملطي - عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ]. أورد المصنف [ باب في سل السيوف عند اللقاء ] يعني عند لقاء العدو، بحيث إذا غشوهم وقربوا منهم واختلطوا بهم فإن السيوف تمضي فيهم، فعند ذلك تسل وتستخدم السيوف، وأما إذا كانوا ليسوا قريبين منهم أو كان بينهم مسافة فيرسل النبل إليهم إذا كانت المسافة قريبة كما مر في الحديث السابق، بحيث تؤثر السهام فيهم، ولا ترمى إذا كانوا بعيدين بحيث لا تصل إليهم السهام، فإذا كان بينهم وبينهم مسافة قريبة ترسل السهام، وإذا غشوهم والتصقوا بهم واختلطوا بهم فعند ذلك تعمل السيوف فيهم. فقوله: [ (إذا أكثبوكم) ] أي: دنوا منكم وقربوا بحيث يصل النبل إليهم ويصيبهم. قوله: [ (ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ] يعني: لا تسلوها حتى يصلوا إليكم وتصلوا إليهم. فالالتحام إذا حصل تعمل السيوف عند ذلك، وإذا كان هناك مسافة قريبة وكان هناك حد فاصل بين المسلمين والكفار فإنه يرسل النبل؛ لأن النبل حينها ينفع، وإذا ضربوا بالسيوف فإنهم يضربون في الهواء، فليس عندهم أحد يضرب بالسيوف، لكن إذا وصلوا إليهم بحيث تصل السيوف إليهم تستعمل السيوف ولا يستعمل النبل ما دام قد حصل الالتحام.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم)


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن إسحاق بن نجيح ]. إسحاق بن نجيح مجهول، أخرج له أبو داود . وقوله: [ ليس بالملطي ]. يقصد بذلك أن هناك شخصاً يقال له: إسحاق بن نجيح الملطي وبعض العلماء كذبوه، وليس له رواية في الكتب الستة، فأبو داود قال: [ وليس بالملطي ] حتى يبين أنه هو الثاني الذي هو إسحاق بن نجيح الحضرمي ، ليبين أنه ليس الكذاب الذي اسمه إسحاق بن نجيح ، وإنما هو الثاني الذي هو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي ]. مالك بن حمزة بن أبي أسيد مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه عن جده ] أبوه وجده تقدم ذكرهما. والحديث ضعفه الشيخ الألباني ، ولعله من أجل المجهول والمقبول، ولكن معناه صحيح من جهة أن النبل يرسل حيث لا يكون الالتحام، وأنه إذا حصل الالتحام تنفع السيوف.

المبارزة


شرح حديث طلب عتبة بن ربيعة المبارزة يوم بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المبارزة. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي الله عنه أنه قال: (تقدم -يعني عتبة بن ربيعة - وتبعه ابنه وأخوه فنادى: من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم يا حمزة ، قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحارث . فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة و الوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة) ]. أورد أبو داود [ باب في المبارزة ]. والمبارزة هي بروز فرد أو أفراد من جيش المسلمين مع جيش الكفار فيحصل الاقتتال فيما بينهم خاصة، هذه هي المبارزة، وفيها إظهار القوة والنشاط وعدم الضعف، وأن الكفار إذا تطاولوا وأظهروا أن فيهم قوة فالمسلمون يقابلونهم بقوة أعظم من قوتهم. فهؤلاء الثلاثة من الكفار، وهم عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة طلبوا المبارزة، فانتدب لهم شباب من الأنصار، أي: قالوا: نحن نبارزكم. فقالوا: من أنتم؟ فأخبروهم، فقالوا: لا نريدكم وإنما نريد بني عمنا. أي: قرابتنا الذين هم من قريش من المهاجرين وليسوا من الأنصار. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لقرابته: قم يا حمزة ، وقم يا علي ، وقم يا عبيدة بن الحارث . و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه، فكل الثلاثة من أقاربه، عمه وابنا عمه، فبرز الثلاثة إلى الثلاثة، فبرز حمزة لعتبة ، و علي لشيبة ، و عبيدة للوليد ، فحمزة و علي كل منهما قتل قرنه وقتل الشخص الذي بارزه، وأما الوليد و عبيدة بن الحارث فكل واحد منهما ضرب الآخر وأثخنه وأثر فيه، ولكن ما قتل أحدهما الآخر، فلما قتل علي صاحبه و حمزة قتل صاحبه مالا على الوليد فقتلاه واحتملا عبيدة بن الحارث الذي أثخن. قالوا: فهذا فيه دليل على المبارزة وعلى جوازها وعلى مشروعيتها. ومن العلماء من قال: إنها تكون بإذن الإمام ولا تكون بغير إذنه. ومنهم من قال: إنها تكون بغير إذنه؛ لأن الأنصار الثلاثة الذين انتدبوا ما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: تقدموا. وإنما أبرزوا أنفسهم، ولكن أولئك رفضوا وقالوا: ما نريدكم أنتم، بل نريد بني عمنا. يقصدون المهاجرين. ولكن كون الأمر يرجع فيه إلى الإمام، وكون الجيش يتصرف بتوجيه الإمام هذا هو الذي ينبغي. وبدء المعركة بالمبارزة معناه إظهار القوة لاسيما أن أولئك الذين بدءوا كان عندهم تطاول واستعلاء، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى خذلهم، فلا شك أن هذا فيه إظهار قوة المسلمين فيما إذا حصل تغلبهم على من يبارزهم. وفعل حمزة و علي رضي الله عنهما حين ساعدا عبيدة كأنه كان سائغاً عند العرب.


تراجم رجال إسناد حديث طلب عتبة بن ربيعة المبارزة يوم بدر


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. و هارون بن عبد الله الحمال يروي عن هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد عرفنا فيما مضى أن أبا داود يروي عنه مباشرة بدون واسطة ويروي عنه بواسطة. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو جده عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، مر ذكره. [ عن حارثة بن مضرب ]. حارثة بن مضرب ثقة، أخرج له مسلم و البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:44 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [316]
الحلقة (348)





شرح سنن أبي داود [316]

شرع الجهاد في الإسلام لرحمة الخلق، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ ولذا ففيه الرحمة والإحسان حتى حال القتال، فلا يجوز التمثيل بالقتلى، ولا يجوز قتل النساء والصبيان، ولا يجوز التحريق بالنار، وفي هذه المسأل استثناءات بينها أهل العلم.

النهي عن المثلة


شرح حديث: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن المثلة. حدثنا محمد بن عيسى و زياد بن أيوب قالا: حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن شباك عن إبراهيم عن هني بن نويرة عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ]. أورد أبو داود هنا (باب النهي عن المثلة)، والمثلة: هي التمثيل بالقتيل، سواء قبل قتله أو بعد قتله، والتمثيل به بأن تقطع أعضاؤه، فيجدع أنفه وتقطع أذناه وتفقع عينه، أو تقطع يده أو رجله، هذا هو التمثيل بالإنسان، وسواء أكان ذلك قبل أن يقتل أم بعد أن يقتل، وقد جاءت السنة بالنهي عن ذلك، وقد سبق أن مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يؤمر أميراً على جيش يوصيه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم يقول: (اغزوا باسم الله) ويوصيه بوصايا في الحرب فيقول فيها: (لا تغدروا ولا تمثلوا)، فالتمثيل جاء النهي عنه، ولكن إذا كان المقتول أو الذي يراد قتله قد مثل فإنه يمثل به ويعاقب بمثل ما عمل. ويدل على ذلك قصة العرنيين الذين مثلوا بالراعي فمثل بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا كان القتل حصل عن طريق التمثيل، فيكون القصاص عن طريق التمثيل أيضاً، فنفس العقوبة التي فعلها تفعل به، إلا أن تكون بأمر محرم فلا يجوز المقابلة به، أما إذا كان قد فعل ذلك فإنه يفعل به مثلما فعل، قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]. ولما أخذ يهودي حلي جارية ثم رض رأسها بين حجرين فعل الرسول صلى الله عليه وسلم به مثلما فعل بالمقتولة، فرض رأسه بين حجرين. فالتمثيل ابتداء لا يجوز، ولكن إذا كان على سبيل المقابلة، بأن كان الذين قتلوا وتمكن منهم حصل منهم التمثيل فإنهم يمثل بهم جزاء وفاقاً. أورد أبو داود هنا حديث عبد الله بن مسعود : [ (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ]. يعني أنهم عندما يقتلون يحسنون القتل، وذلك لأنهم ملتزمون بأحكام الإيمان، وأنهم مؤمنون يمتثلون أحكام الإسلام، فهم يحسنون القتل، وقد جاء في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته). فقوله: [ (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ] يعني أنهم يحسنون القتل، ولا يحصل منهم التمثيل بمن يقتلونه فيعذبونه عند قتله، وإنما يريحونه بالقتل، فيقتلونه ويستريح بالقتل دون أن يمثلوا به قبل القتل أو بعده، إلا إذا كان على سبيل المجازاة والمقابلة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان)


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى و زياد بن أيوب ]. محمد بن عيسى مر ذكره، و زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شباك ]. هو شباك الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب ا لكتب الستة. [ عن هني بن نويرة ]. هني بن نويرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن علقمة ] هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الهذلي، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ولعله من أجل ذلك المقبول ولكن حديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، يدل على ما دل عليه.

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدق وينهانا عن المثلة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن الهياج بن عمران أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني لأسأل له، فأتيت سمرة بن جندب رضي الله عنه فسألته فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) فأتيت عمران بن حصين فسألته فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. والمقصود هنا النهي عن المثلة، والمثلة قد عرفناها فيما مضى. قوله: [ (أن عمران أبق له غلام فجعل الله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده) ] قوله: [ (أبق له غلام) ] يعني: هرب، فأقسم أنه إذا ظفر به فسيقطع يده؛ عقوبة له على هذا الإباق وهذا الشرود، فأرسل من يسأل فأخبر بأن النبي نهى عن المثلة، ومعنى ذلك: لا تقطع يده. لأن ذلك تمثيل، والتمثيل نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. وليس فيه حجة على أن إقامة الحدود تمثيل، فإقامة الحدود ليست تمثيلاً، ولكن لو حصل أن إنساناً مثَّل وأقيم عليه الحد بمثل ما فعل فهذه مجازاة له على فعله، وأما إقامة الحدود بكونه يقطع رأسه أو تقطع اليد من أجل السرقة أو تقطع الرجل من أجل السرقة فهذا ليس من التمثيل؛ لأن الذي منع التمثيل هو الذي شرع هذه العقوبة. وفي هذا الحديث لما سئل الصحابيان عن مسألة قطع يد العبد أخبرا بالشيء الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على المطلوب وزيادة، فالمطلوب هو النهي عن التمثيل والثاني الذي ليس بمطلوب في هذه المناسبة هو الحث على الصدقة.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقلب بالزمن ، وهو ثقة، وهو أحد شيوخ رجال الكتب الستة، وكلهم روى عنه بدون واسطة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه رجال الكتب الستة. [ حدثني أبي ] أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي ، وهو ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ] هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الهياج بن عمران ] هو هياج بن عمران بن الفضيل البرجمي مقبول، روى له من رجال الكتب الستة أبو داود فقط. قوله: [ فأتيت سمرة بن جندب ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري ، صحابي روى له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ فأتيت عمران بن الحصين ] هو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي ، صحابي روى له أصحاب الكتب الستة.
قتل النساء في الحرب


شرح حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان في المغازي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل النساء. حدثنا يزيد بن خالد بن موهب و قتيبة يعني ابن سعيد قالا: حدثنا الليث عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل النساء والصبيان) ]. أورد أبو داود هنا [ باب في قتل النساء ] يعني: في الحرب. والنساء لا يقتلن في الحرب إلا أن يقاتلن، فيقتلن لقتالهن، وأما إذا لم يقاتلن فإنهن لا يقتلن ويكن سبياً. عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما [ (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)]. فالنهي عن قتل النساء هو إذا لم يقاتلن، والصبيان إذا كانوا صغاراً لم يدركوا لا يقتلون، أما من بلغ منهم وحمل السلاح وقاتل فإنه يقتل لمقاتلته، وإلا فإنه لا يجوز قتل النساء ولا قتل الصبيان إذا لم يحصل القتال منهم. والمراد بالنهي عن قتلهم كونهم يقصدون ويخصون بالقتل، أما إذا حصل أن السهام أرسلت إلى الكفار وكان معهم نساء فقتلن تبعاً فإنه لا بأس بذلك، أو إذا تترس الكفار بالنساء فإنه لا بأس بالقتل، وإنما المقصود تخصيصهن بالقتل.

تراجم رجال إسناد حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم قتل النساء في المغازي


قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة ]. [ و قتيبة -يعني ابن سعيد - ]. كلمة [ يعني ] قالها من دون أبا داود ؛ لأن أبو داود قال: [ قتيبة ] ولكن من دون أبي داود هو الذي قال: [ يعني ] يريد أن يوضح قتيبة، مع أن قتيبة لا يحتاج إلى توضيح؛ لأنه ليس في رجال الكتب الستة من يقال له: قتيبة سوى قتيبة بن سعيد . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من رباعيات أبي داود رحمه الله، وأما ذكر الشيخين: قتيبة و يزيد بن خالد بن موهب فإنها في طبقة واحدة؛ لأنهما شيخان لأبي داود يرويان عن الليث ولا يروي أحدهما من الآخر.

شرح حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة والعسيف


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح حدثني أبي عن جده رباح بن ربيع رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل. فقال: ما كانت هذه لتقاتل! قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبعث رجلاً فقال: قل لخالد: لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً) ]. أورد أبو داود حديث رباح بن ربيع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض غزواته فرأى الناس مجتمعين على شيء، فأرسل من يأتي بالخبر، وإذا هم قد اجتمعوا على امرأة مقتولة، وكأن هذا شيء يتعجب منه؛ لكونهم اجتمعوا عليها، ومعناه أنه شيء غريب، فقيل: إنهم اجتمعوا على امرأة قتيل. و(قتيل) يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال: امرأة قتيل ورجل قتيل. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ]. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ] فيه إشارة إلى أنها إذا قاتلت تقتل؛ لأنه قال: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ] فمعناه أن النهي عن قتل النساء لعدم قتالهن، لكن إن وجد منهن القتال فإنهن يقتلن. ثم أرسل إلى خالد : [ (لا تقتلن امرأة ولا عسيفاًَ) ] والعسيف هو الأجير، قيل: ولعل المقصود الأجير الذي ليس معه سلاح، وإنما هو خادم، فلا يقتل ما دام أنه غير مقاتل، فيصير مثل المرأة، فالمرأة لا تقاتل والعسيف الذي ليس معه سلاح وإنما يأتي للخدمة لا يقتل، ولكنه إذا صار معه سلاح ولو كان أجيراً فإنه يقتل، بل المرأة نفسها إذا كان معها سلاح وقاتلت فإنها تقتل.

تراجم رجال إسناد حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة والعسيف

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي مر ذكره. [ عن عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح ]. عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ]. المرقع بن صيفي وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جده رباح بن ربيع ]. رباح بن ربيع ، صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .

شرح حديث: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا حجاج حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) ]. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) ]. قوله: [ (اقتلوا شيوخ المشركين) ] يعني المسنين الذين هم أهل الحرب، وليس المقصود الشيوخ الهلكى أو الزمنى أو الفانين الذين بلغوا من الكبر عتياً، ليس المقصود هؤلاء، نعم إذا كانوا من أهل الرأي وأهل الفكر وأهل الخبرة وكان قتلهم من أجل التخلص من رأيهم ومن خبرتهم فهذا لا بأس به. قوله: [ (واستبقوا شرخهم) ] يعني الشباب الذين لم يدركوا سن القتال وليسوا من أهل القتال، وأما إذا كانوا مقاتلين فإنهم يقاتلون بقتالهم كما سبق أن عرفنا ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم حدثنا الحجاج ] هشيم مر ذكره، وهو يروي عن ثلاثة يقال لكل منهم: الحجاج، والذي روى عن قتادة منهم هو حجاج بن أرطأة ، والآخران ما جاء ذكرهم في الرواية عن قتادة . و حجاج بن أرطأة صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. مر ذكره. [ عن الحسن ]. هو الحسن البصري ، وقد مر ذكره. [ عن سمرة ]. سمرة مر ذكره. والحديث ضعفه الألباني ، وهو من رواية الحسن عن سمرة ، ومعروف أن رواية الحسن عن سمرة في غير حديث العقيقة غير صحيحة، وفيها ثلاثة أقوال: منهم من قال: هي معتبرة بإطلاق، ومنهم من قال: غير معتبرة بإطلاق، ومنهم من قال: معتبرة في حديث العقيقة دون غيره من الأحاديث، وهذا الحديث هنا غير حديث العقيقة.

شرح حديث عائشة في قتل المرأة القرظية مع رجال قومها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لم يقتل من نسائهم -تعني بني قريظة- إلا امرأة، إنها لعندي تحدث تضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتل رجالهم بالسيوف إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا. قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته. قالت: فانطلق بها فضربت عنقها، فما أنسى عجباً منها أنها تضحك ظهراً وبطناً وقد علمت أنها تقتل!]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه لما كان قتل بني قريظة لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة. قالت عائشة : [ إنها لعندي تحدث تضحك ظهراً وبطناً ]. قولها: [ ظهراً وبطناً ] معناه أنها في غاية الارتياح والسرور، ولعله كناية عن شدة ارتياحها وطمأنينتها وعدم حصول الألم والضجر منها، ولعل قولها: [ ظهراً ] معناه أنها من شدة الضحك قد تسقط على ظهرها كما يقال عن الشخص الذي استغرق في الضحك: إنه قد يذهب على قفاه من شدة ضحكه. قولها: [ إذ هتف هاتف ] أي: نادى مناد باسمها [ أين فلانة؟ قالت: أنا. قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته ] قيل: إن الحدث الذي أحدثته أنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم. فخرجت فقتلت، وكفى الله المسلمين لسانها، وذلك لأنها كانت تسب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قولها: [ فما أنسى عجباً منها أنها تضحك ظهراً وبطناً وقد علمت أنها تقتل! ]. معناه أنها في غاية الارتياح والطمأنينة مع كون القتل موجوداً في رجالها، أما علمها بأنها ستقتل فقد تكون فهمت ذلك من كونها أتت بشيء يؤدي بها إلى الهلاك ويكون سبباً في هلاكها، وهو الحدث الذي أحدثته، وهو كونها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم. وقولها: [ إنها لعندي تحدث تضحك ] معناه أنها تتكلم وتضحك مع حديثها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قتل المرأة القرظية مع رجال قومها


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة ]. عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره، و محمد بن سلمة هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ]. محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:44 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث إجازته صلى الله عليه وسلم تبييت المشركين مع ذراريهم ونسائهم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله - عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم أجمعين أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (هم منهم) وكان عمرو -يعني ابن دينار - يقول: (هم من آبائهم). قال الزهري : ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان ]. أورد أبو داود حديث الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار -والدار المقصود بها القبيلة والجماعة من الكفار- يبيتون فيصاب النساء والصبيان، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (هم منهم) ]. والمقصود من ذلك أنهم إذا كانوا غير مقصودين بالقتل ولكن كانوا مجتمعين وفيهم نساء وصبيان فأرسلت السهام فإنها تصيب من تصيب، وليس الصبيان والنساء مقصودين، وإنما يقصد المقاتلة. فقوله: [ (هم منهم) ] يعني أنهم تبع للرجال، وما مر من الأحاديث في النهي عن قتل النساء والصبيان المقصود به كونهم يقصدون بالقتل، كون المرأة يراد قتلها والصبي يراد قتله، فهذا هو الذي لا يجوز. وأما إذا كانوا مختلطين، أو كان الكفار متترسين بالنساء والصبيان أو بينهم نساء وصبيان وهم يرسلون السهام على الناس والمسلمون يرسلون السهام عليهم فتصيب نساءً أو صبياناً فهذا ليس فيه بأس، ولا مانع من ذلك. وذكر أن عمرو بن دينار كان يقول: [ (هم من آبائهم) ]. ومعناه أن الصبيان حكمهم حكم الآباء فهم تابعون لهم، وإذا حصل قتلهم فليسوا مقصودين. قوله: [ قال الزهري : ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان ]. معناه أنه نهى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان على سبيل الاستقلال، وأما أن ترسل السهام فتصيب من تصيب من الرجال أو النساء والصبيان فهذا لا بأس به.

تراجم رجال إسناد حديث إجازته صلى الله عليه وسلم تبييت المشركين مع ذراريهم ونسائهم

قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله -يعني ابن عبد الله - ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن الصعب بن جثامة ]. الصعب بن جثامة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وكان عمرو - يعني ابن دينار - يقول ]. عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حكم حرق ذي الروح بالنار


شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم سرية بإحراق رجل ثم نهيه عن ذلك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية حرق العدو بالنار. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد حدثني محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره على سرية، قال: فخرجت فيها وقال: (إن وجدتم فلاناً فأحرقوه بالنار. فوليت فناداني، فرجعت إليه فقال: إن وجدتم فلاناً فاقتلوه ولا تحرقوه؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) ]. أورد الإمام أبو داود باباً في كراهية حرق العدو بالنار. أي أنه لا يعذب أو يقتل أحد بإحراقه بالنار بأن تؤجج نار فيقذف فيها، أي أن ذلك لا يجوز، وإنما يقتل بالسيف أو بأي وسيلة من الوسائل التي يكون بها إزهاق روحه بدون هذه الطريقة التي هي التحريق بالنار. وقد أورد أبو داود رحمة الله تعالى عليه حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله في سرية وأمره عليها وأنه قال: [ (إن وجدتم فلاناً فأحرقوه بالنار)] فلما ولى ناداه وقال له: [ (إن وجدتم فلاناً فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) ] فدل هذا على أن التحريق بالنار لا يجوز، اللهم إلا إذا كان على سبيل القصاص، بأن يكون حرق غيره فيحرق هو. وقد سبق أن مر في المثلة أنه لا يمثل الإنسان، ولكنه إذا قتل بالتمثيل فإنه يجازى بمثل ما فعل ويعامل بمثل ما عامل غيره به. إذاً: التحريق بالنار لا يجوز، وإنما يجوز في حق من قتل بالتحريق فإنه يقتل بالتحريق جزاءً وفاقاً. وقوله: [ باب في كراهية حرق العدو ] الكراهة يراد بها هنا التحريم، وقد يحصل أنه في الحرب تقذف القنابل والصواريخ التي تشتعل ناراً، وهنا يقال: إذا لم يجد المجاهدون وسيلة إلا قذف مثل ذلك فإن اشتعالها ناراً بالعدو قد يحصل وقد لا يحصل، وليس هو مثل تأجيج النار ثم بعد ذلك قذفهم فيها.

تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم سرية بإحراق رجل ثم نهيه عن ذلك


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ]. مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن حمزة الأسلمي ]. محمد بن حمزة الأسلمي مقبول، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو حمزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم و أبو داود و النسائي .

شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم سرية بإحراق رجل ثم نهيه عن ذلك من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد و قتيبة أن الليث بن سعد حدثهم عن بكير عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلاناً وفلاناً) فذكر معناه ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في بعث فقال: [ (إن وجدتم فلاناً وفلان) فذكر معناه ]. أي أنه يحرق بالنار، ثم بعد ذلك قال: (اقتلوه؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار). وهذا يشهد للحديث السابق الذي فيه من هو مقبول، وهو محمد بن حمزة الأسلمي . قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد ]. هو يزيد بن خالد الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن الليث بن سعد حدثهم ] هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم إحراق قرية نمل وفجع حمرة بولدها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد - قالغير أبي صالح : عن الحسن بن سعد - عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وأن النبي عليه الصلاة والسلام رأى حمرة -هي طائر- تفرش جناحها وترفرف في الأرض؛ لأنها قد فجعت بأخذ فرخيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)] ثم رأى قرية نمل قد أحرقت فقال: [ (من أحرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار) ]. وهذا محل الشاهد، فلا يعذب الإنسان ولا الحيوان بالنار، لا يعذب بالنار إلا رب النار. فمحل الشاهد من الترجمة الجملة الأخيرة، وأما الجملة الأولى المتعلقة بالحمرة فهي لا تتعلق بالترجمة، ولكنها تدل على أن الطائر والحيوان لا يفجع بولده، لاسيما إذا كان صغيراً، فيترك، وإن أخذ فإنه يرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإرجاع ولديها إليها، أي: ولدي الحمرة.

تراجم رجال إسناد إنكاره صلى الله عليه وسلم إحراق قرية نمل وفجع حمرة بولدها

قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي. [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق الشيباني ]. هو سليمان بن أبي سليمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سعد ]. هو الحسن بن سعد ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال غير أبي صالح : عن الحسن بن سعد ]. يعني أن غير أبي صالح -وهم شيوخ لم يذكرهم -نسبوه فقالوا: الحسن بن سعد . وأما رواية أبي صالح التي أوردها فإنه ليس فيها إلا ابن سعد فأراد أبو داود أن يبين من هو ابن سعد هذا فقال: إن غير أبي صالح -أي: الذين يحدثون بهذا الحديث ولم يذكرهم- نسبوه، فالذين حصلت منهم التسمية هم غير أبي صالح الذي جاء في الإسناد. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وبه كان يُكنَّى أبوه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
كراء الدابة على النصف أو السهم


شرح حديث طلب واثلة بن الأسقع حمله في غزوة تبوك مقابل سهمه فيها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يكري دابته على النصف أو السهم. حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدمشقي أبو النضر حدثنا محمد بن شعيب أخبرني أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه قال: (نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، فخرجت إلى أهلي، فأقبلت وقد خرج أول صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطفقت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلاً له سهمه. فنادى شيخ من الأنصار فقال: لنا سهمه على أن نحمله عقبة وطعامه معنا؟ قلت: نعم. قال: فسر على بركة الله تعالى. قال: فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا، فأصابني قلائص، فسقتهن حتى أتيته، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم قال: سقهن مدبرات. ثم قال: سقهن مقبلات. فقال: ما أرى قلائصك إلا كراماً. قال: إنما هي غنيمتك التي شرطت لك. قال: خذ قلائصك -يا ابن أخي- فغير سهمك أردنا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في الرجل يكري دابته على النصف أو السهم]أي: كراء الدابة على النصف مما يحصل باستعمالها، وذلك بأن يكريها على أن يحتطب عليها وله نصف الحطب، أو أن يستعملها للكراء ونقل الناس عليها وتأجيرها وله النصف مما يحصل من كرائها، ولا بأس بذلك ما دام أنها نسبة معينة ومعلومة؛ لأنه إن حصلت فائدة فهما مشتركان فيها، وهي مثل المضاربة التي أجمع المسلمون على جوازها بأن يدفع الإنسان مالاً لعامل والعامل يعمل، وإن حصل ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، إما نصف ونصف، أو ثلث وثلثان، أو ربع وثلاثة أرباع، على حسب النسبة. وكذلك المزارعة والمساقاة -أيضاً- هي من هذا القبيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على النصف مما يخرج منها من ثمر أو زرع، فهذا مثله، وهو شبيه به ولا بأس به؛ لأنها مشاركة، فهذا منه المركوب وهذا منه العمل، وإذا حصل ربح وفائدة فإنها تقسم بينهما على النسبة التي يتفقان عليها، فيكون للعامل مقابل عمله، ويكون لصاحب الدابة مقابل استخدام دابته، وإذا حصلت خسارة فعلى العامل تعبه وعلى صاحب الدابة تعب دابته. وكذلك لو أن إنساناً أعطى سيارته لإنسان يشتغل عليها بالأجرة فما حصل من نقود في مقابل التأجير لهذه السيارة فإنه يكون لهذا النصف ولهذا النصف، أو لهذا الثلث ولهذا الثلثان، كل ذلك لا بأس به؛ لأن هذا من جنس المضاربة، ومن جنس المساقاة والمزارعة، فلا بأس بذلك، ولكن الذي لا يجوز هو أن يقول: إن لي من الناتج -مثلاً- ألف ريال أو مائة ريال. ويحدد بمقدار معين. فهذا لا يجوز اشتراطه؛ لأنه قد لا يحصل من العمل إلا هذا المقدار فيظفر به أحدهما، ويكون الآخر حينئذٍ ما حصل فائدة وما حصل شيئاً. ولكن إذا كان العمل على النسبة مما يحصل فإن هذا لا بأس به، فإن حصل شيء قليل قسم بينهما على النسبة، وإن حصل شيء كثير قسم بينهما على النسبة، ولا بأس بمثل هذه المعاملة، وفيها خلاف بين أهل العلم، ولكن القول الصحيح الجواز؛ لأنها شبيهة بالمضاربة وشبيهة بالمساقاة والمزارعة. وأورد أبو داود هنا حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى في غزوة تبوك للخروج إلى الجهاد في سبيل الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام استنفر الناس، ولم يبق إلا من هو معذور أو منافق، أو من كان غير معذور ولكن مرت عليه الأيام دون أن يخرج، والسبب الأخير هو الذي حصل لكعب بن مالك وصاحبيه رضي الله تعالى عنهم، وهم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وليس لهم أعذار وليسوا بالمنافقين، وقد تاب الله عليهم وأنزل فيهم آية تتلى في كتاب الله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118] أي: وقد تاب على الثلاثة الذين خلفوا. فلما نادى رسول الله بغزوة تبوك لم يكن مع واثلة رضي الله تعالى عنه مركوب، فكان يتردد على قومه ويقول: [ من يحمل رجلاً له سهمه؟ ]. يعني: ويكون له سهمه. فمثل هذه المعاملة لا بأس بها إذا كان السهم معلوم النسبة، كأن يكون الذي يحصله ثلاثة أسهم فسهم لشخص وسهمان لشخص، أو يقسم على النصف، فلا بأس بمثل هذه المعاملة. قوله: [ فنادى شيخ من الأنصار فقال: لنا سهمه على أن نحمله عقبة؟ ]. المراد بحمله عقبة أنه لا يركب دائماً، وإنما يركب بالتعاقب، فيركب مسافة ثم يأتي آخر ويركب مكانه، أي: يتعاقبون على البعير. قوله: [ وطعامه معنا ]. يعني: يأكل معنا. فلما حصل له قلائص -وهي سهمه الذي حصله- جاء ليعطيهن ذلك الأنصاري، فقال: [ سقهن مدبرات، ثم قال: سقهن مقبلات ] يريد أن يعرف جودتهن وحسنهن من ضدهما، فقال: [ ما أراهن إلا كريمات ] فقال واثلة : هن السهم الذي جرى بيني وبينك الاتفاق عليه، فقال: [ خذ قلائصك ] والقلائص: جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، قال: [ خذ قلائصك - يا ابن أخي- فغير سهمك أردنا ] يعني: ما أردنا سهمك الذي تحصله، ولكن أردنا أن نشاركك في الأجر في كوننا حملناك وساعدناك، ولم يأخذ السهم الذي حصله من القلائص. والحديث ضعيف، ولكن ما ترجم به المصنف هو صحيح، وهو شبيه بالمضاربة والمزارعة والمساقاة، ولكن إذا اشترط أحدهما شيئاً يخصه من الثمرة والريع دون الآخر، بحيث يقول: لي كذا والباقي يكون بيننا. أو: الباقي لك فإن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد لا يحصل إلا هذا المقدار الذي اشترطه أحدهما، فيكون أحدهما لم يحصل شيئاً والآخر أخذ ما حصل. وقوله: [ فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ]. الحقيبة قيل: هي ما يكون وراء القتب والرحل، ومعناه أنها شيء متصل بالرحل، إما شيء محشو، أو بشيء يكون تحت الرحل، فالمهم أنه شيء مرتفع جعله على الأرض وجلس عليه.

تراجم رجال إسناد حديث طلب واثلة بن الأسقع حمله في غزوة مقابل سهمه فيها


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدمشقي أبو النضر ]. إسحاق بن إبراهيم الدمشقي أبو النضر صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد بن شعيب ]. هو محمد بن شعيب بن شابور ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني ]. أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمرو بن عبد الله ]. عمرو بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن واثلة بن الأسقع ]. واثلة بن الأسقع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:50 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [317]
الحلقة (349)



شرح سنن أبي داود [317]

للأسير في الشريعة أحكام، ومن ذلك الإحسان إليه وترغيبة في الإسلام، ويجوز حبسه وضربه وتقريره لمعرفة ما عنده من أخبار العدو، ولا يجوز إكراهه على الإسلام إن أباه، ويجوز قتله إن رأى الإمام المصلحة في ذلك.

إيثاق الأسير الكافر


شرح حديث: ( عجب ربنا من قوم يدخلون الجنة في السلاسل )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأسير يوثق. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - أخبرنا محمد بن زياد سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل!) ]. أورد أبو داود [ باب في الأسير يوثق ]. يعني: يوثق بالحبال والقيود حتى لا يفر وحتى يُطمأن إلى إمساكه وعدم إفلاته، فهو يوثق، والله عز وجل قال: فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4]. ووأرد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل) ] والمقصود بهم الأسارى الذين يؤسرون وهم كفار، فإن ذلك الأسر من أسباب إسلامهم ودخولهم في الإسلام، فهم يقادون إلى الجنة في السلاسل، يعني أنهم يجرون إلى شيء لا يريدونه وهو خير لهم، فيئول بهم الأمر إلى أن يسلموا ويكونوا من أهل الجنة وقد كانوا كارهين في أول الأمر؛ لأن أسرهم مكروه لهم، ولكنه يترتب على أسرهم وبقائهم وعدم قتلهم أنهم يشاهدون أحوال المسلمين وأعمال المسلمين وأحكام الإسلام، فيدخلون في الإسلام، فيكونون من أهل الجنة، ويسلمون من أن يكونوا من أهل النار الذين هم الكفار الذين لا سبيل لهم إلى الجنة، ومآلهم إلى النار، ويبقون فيها أبد الآباد ولا يخرجون منها أبداً. هذا هو المقصود بالحديث، وفيه إثبات صفة العجب لله عز وجل، وهي ثابتة في السنة كما في هذا الحديث وغيره، وأيضاً ثابتة في القرآن على إحدى القراءتين في قول الله عز وجل: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]. وقد قال المنذري : (عجب ربنا) قيل: عظم ذلك عنده. وقيل: عظم جزاؤه. فسمى الجزاء عجباً، وقال ابن فورك : والعجب المضاف إلى الله تعالى يرجع إلى معنى الرضا والتعظيم، وأن الله يعظم من أخبر عنه بأنه يعجب منه ويرضى عنه. وهذا من التأويل، والأصل في الصفات أنها لا تؤول، وإنما تثبت على الوجه الذي يليق بالله بكماله وجلاله، والصفات كلها من باب واحد يؤتى بها على نهج واحد وعلى طريقة واحدة بدون تأويل وبدون تحريف وبدون تكييف وبدون تشبيه أو تعطيل أو تمثيل، بل على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

تراجم رجال إسناد حديث :( عجب ربنا من قوم يدخلون الجنة في السلاسل )


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا محمد بن زياد ]. محمد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره. والإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود.

شرح حديث قصة إيثاق الحارث بن البرصاء الليثي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن مسلم بن عبد الله عن جندب بن مكيث رضي الله عنه أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن غالب الليثي رضي الله عنه في سرية، وكنت فيهم، وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد، فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي ، فأخذناه، فقال: إنما جئت أريد الإسلام، وإنما خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقلنا: إن تكن مسلماًَ لم يضرك رباطنا يوماً وليلة، وإن تكن غير ذلك نستوثق منك. فشددناه وثاقاً) ]. أورد أبو داود حديث جندب بن مكيث رضي الله عنه. [ (نستوثق منه) ] يعني: نطمئن إلى أنا قد تمكنا منك وأقعدناك حتى لا تفر وأنت كافر. والمقصود من هذا بيان ما دلت عليه الترجمة من أن توثيق الأسير جائز، وقد جاء بذلك القرآن والسنة، فجاء في القرآن في قوله تعالى: فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4]، وجاء في السنة في أحاديث كثيرة، ومنها هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث قصة إيثاق الحارث بن البرصاء الليثي


قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ]. عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يعقوب بن عتبة ]. يعقوب بن عتبة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مسلم بن عبد الله ]. مسلم بن عبد الله مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن جندب بن مكيث ]. جندب بن مكيث رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أبو داود . والإسناد فيه ذلك المجهول، والحديث ضعيف من حيث الإسناد، لكن الوثاق وكون الأسير يوثق جاء في أحاديث منها الأحاديث المتقدمة.

شرح حديث قصة أسر ثمامة بن أثال وإسلامه رضي الله تعالى عنه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري و قتيبة ، قال قتيبة : حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي -يا محمد- خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان الغد، ثم قال له: ما عندك يا ثمامة ؟ فأعاد مثل هذا الكلام، فتركه حتى كان بعد الغد فذكر مثل هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أطلقوا ثمامة . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل فيه، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسول) وساق الحديث. قال عيسى أخبرنا الليث وقال: ذا ذم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بعثاً قبل نجد فجاءوا بثمامة بن أثال وهو سيد أهل اليمامة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بربطه في سارية من سواري المسجد، ثم جاء إليه وقال: [ (ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي -يا محمد- خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت) ]. قوله: [ (عندي خير)] فسر هذا الخير الذي عنده بقوله: [ (إن تقتل تقتل ذا دم) ] يعني: يستحق القتل، وفي رواية أخرى: [ ذا ذم ] أي: ذا ذمة أو ذمام. [ (وإن تنعم تنعم على شاكر) ] يعني: شاكر لك عفوك وإحسانك. فتركه ثم أعاد عليه مرة ثانية ثم الثالثة وهو يجيب جواباً واحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (أطلقوا ثمامة) ] ، فلما أطلقوه ذهب إلى نخل فيه ماء واغتسل وجاء وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأسلم. والمقصود من إيراد الحديث أنه ربط وأوثق، وفي الحديث دليل على اغتسال الكافر عند إسلامه، وذلك لأن الكفار لا يتطهرون، ويباشرون النجاسات، ولا يلتزمون بالأحكام الشرعية مثل الاغتسال من الجنابة وما إلى ذلك، فذهب واغتسل ثم جاء وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم إنه ذهب واعتمر، ولما رأه أهل مكة من الكفار قالوا: صبأت . فأخبرهم أنه أسلم وأنه هداه الله، وأن الميرة التي تأتيهم من نجد سيمنع مجيئها إليهم إلا إذا أذن محمد صلى الله عليه وسلم. فالحاصل أن هذا الرجل أسلم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومحل الشاهد من ذلك كونه ربط في سارية من سواري المسجد. والحديث فيه جواز دخول الكافر المسجد، ولكن ذلك ليس على إطلاقه، وإنما للحاجة. والكافر ليست ذاته نجسة، بمعنى أن من يلمسه عليه أن يغسل يده، وإنما نجاسة الكفار نجاسة حكمية، وهي نجاسة الكفر، وأما أبدانهم فمن لمسها أو صافح إنساناً منهم فلا يغسل يديه من أجل المصافحة أو لأنه لمس شيئاً نجساً؛ لأن النجاسة حكمية.

تراجم رجال إسناد حديث قصة أسر ثمامة بن أثال وإسلامه رضي الله تعالى عنه

قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري ]. عيسى بن حماد المصري الملقب بـ زغبة وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و قتيبة ]. قتيبة بن سعيد مر ذكره. [ قال قتيبة : حدثنا الليث ] الليث بن سعد مر ذكره. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أبا هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي؛ لأن قتيبة و عيسى بن حماد في طبقة واحدة.

شرح حديث ربط يدي سهيل بن عمرو إلى عنقه بعد أسره يوم بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: (قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة عند آل عفراء في مناخهم على عوف و معوذ ابني عفراء، قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، قال: تقول سودة : والله إني لعندهم إذ أتيت فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتي بهم. فرجعت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل.)ثم ذكر الحديث ]. أورد أبو داود حديث: [ يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: [ (قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة عند آل عفراء في مناخهم) ] فلما رجعت إلى بيتها وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأت أبا يزيد سهيل بن عمرو مجموعة يداه إلى عنقه أي أنه قد أوثق. والشاهد منه إيثاق الأسارى، وأنهم يوثقون، لكون سهيل قد جمعت يداه إلى عنقه، أي: قد أوثق بالقيد. وقوله: [ ثم ذكر الحديث ] يشير إلى أن فيه اختصاراً. والحديث ضعيف لأن فيه انقطاعاً، وقد يكون -أيضاً- ضعفه من جهة سلمة بن الفضل ، وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني .

تراجم رجال إسناد حديث ربط يدي سهيل بن عمرو إلى عنقه بعد أسره يوم بدر

قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة. [ حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - ]. سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر ]. ابن إسحاق مر ذكره، وعبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ]. يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود .
الأسير ينال منه ويضرب ويقرر


شرح حديث ضرب الصحابة عبد بني الحجاج للاستعلام عن عير أبي سفيان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه فانطلقوا إلى بدر فإذا هم بروايا قريش فيها عبد أسود لبني الحجاج فأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان ؟ فيقول: والله ما لي بشيء من أمره علم، ولكن هذه قريش قد جاءت فيهم أبو جهل و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أمية بن خلف ، فإذا قال لهم ذلك ضربوه، فيقول: دعوني دعوني أخبركم. فإذا تركوه قال: والله ما لي بأبي سفيان من علم، ولكن هذه قريش قد أقبلت فيهم أبو جهل و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أمية بن خلف قد أقبلوا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وهو يسمع ذلك، فلما انصرف قال: والذي نفسي بيده! إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم، هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان . قال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا مصرع فلان غداً. ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان غداً. ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان غداً. ووضع يده على الأرض. فقال: والذي نفسي بيده! ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ بأرجلهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر ]. يعني أن ذلك سائغ عند الحاجة إلى ذلك، وهو كونه يضرب وينال منه ويقرر ويستجوب ويسأل عن أخبار العدو وعمّا وراءه، كل ذلك لا بأس به عند الحاجة. وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب هو وأصحابه إلى بدر لأجل أخذ العير التي جاء بها أبو سفيان من الشام إذا هم بروايا قريش فيها عبد أسود لبني الحجاج. والروايا: جمع راوية، وهي القِرَب التي تحمل على الإبل للسقي. فسألوا هذا العبد عن أبي سفيان ، و أبو سفيان هو الذي جاء من الشام، فأخبرهم بأن قريشاً قد جاءت فيها فلان وفيها فلان وفيها فلان، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ويسمع كلامه وكلامهم، فضربوه، فكان إذا قال: دعوني أخبركم تركوا الضرب، فيقول لهم: مثل الكلام الذي قاله أولاً، وكان صادقاً في إخباره عن الجماعة الذين جاءوا ليدافعوا عن عير أبي سفيان وليقاتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم، فلما سلم قال: [ (إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم) ]. يعني: إذا قال دعوني أخبركم تركوه، وهو ليس عنده خبر عن الشيء الذي يريدونه بالنسبة لعير أبي سفيان ، ولكن كان عنده الخبر عن قريش. فالمقصود من هذا أنهم كانوا يضربونه والرسول صلى الله عليه وسلم ما نهاهم عن الضرب، أي: أقرهم على ذلك، وما قال: لا تفعلوا. فدل هذا على جواز ضرب الأسير أو الشخص الذي يحتاج إلى ضربه من أجل استخراج شيء منه يفيد المسلمين ضد أعدائهم. وفيه دليل على أن الإنسان إذا كان يصلي فإنه يمكنه أن يسمع الكلام الذي يجري حوله بحيث لا يشغله عن صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الذي يقول لهم، وبعدما صلى أخبرهم بأن شأنه أنه إذا صدقكم ضربتموه وإذا كذبكم تركتموه ولم تضربوه. وقوله: [ قال رسول صلى الله عليه وسلم: (هذا مصرع فلان غداً) ]. معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار لهم في الأرض إلى مصارع هؤلاء الكفار الذين هم صناديد قريش وكفار قريش ومقدموهم. فلما جاءت الوقعة ما تجاوز كل واحد منهم المكان الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامة نبوته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث يخبر عن الشيء المستقبل فيقع طبقاً لما أخبر به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ثم إنه أمر بهم فسحبوا وألقوا في قليب في بدر، والقليب هي البئر المحفورة غير المطوية، فسحبوا وألقوا في هذه القليب.

تراجم رجال إسناد حديث ضرب الصحابة عبد بني الحجاج للاستعلام عن عير أبي سفيان


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و حماد مر ذكره، و ثابت هو ابن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، وهي الرباعيات.
إكراه الأسير على الإسلام


شرح حديث بيان سبب نزول قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأسير يكره على الإسلام. حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي قال: حدثنا أشعث بن عبد الله -يعني السجستاني - ح وحدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي - وهذا لفظه -، ح وحدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا. فأنزل الله عزوجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]). قال أبو داود : المقلاة التي لا يعيش لها ولد ]. أورد أبو داود [ باب في الأسير يكره على الإسلام ] أي أنه لا يكره، فالأسير لا يكره فيقال له: إما أن تسلم وأما أن نقتلك، ليس هذا من حكم الإسلام، وإنما يوثق ويصير عبداً بين مسلمين يشاهد أحكام الإسلام وأعمال الإسلام، فيكون ذلك سبباً في إسلامه, فما دام أن المسلمين قد تمكنوا منه فإنه يصير تحت إمرتهم وتحت سلطتهم وتحت تصرفهم، فيكون رقيقاً مملوكاً يتصرفون فيه كيف يشاءون، ثم يكون وجوده بين المسلمين سبباً في إسلامه، فالمقصود هو الهداية وليس المقصود القتل. ولكن كون المسلمين يذهبون إلى بلاد الكفار ويغزونهم ويقاتلونهم على أن يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية ويكونوا تحت حكم الإسلام هذا هو حكم الإسلام، ومعنى هذا أن فيه جهاداً وفيه انتقال المسلمين من بلادهم إلى بلاد الكفار يغزونهم، فيدعونهم إلى الإسلام، وإلى أن يدخلوا تحت لوائه أو يعطوا الجزية ويكونوا تابعين للمسلمين يعاملهم المسلمون المعاملة التي جاء بها الإسلام. وأما أن يكون عندهم كافر أسير فيخيرونه بين القتل أو الإسلام فليس الأمر الشرعي كذلك؛ لأنه ما حصل إلزام الأفراد الذين عاشوا تحت حكم الإسلام مأسورين، وكذلك الذين أعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون، فهؤلاء ما أكرهوا على الإسلام بحيث يلزم الإنسان منهم بأن يسلم وإلا قتل، بل إن أسلم فالحمد لله، وإلا فإنه يعطي الجزية ويكون تحت حكم الإسلام، وإعطاؤه الجزية وبقاؤه تحت حكم الإسلام ومشاهدته أحكام الإسلام من أسباب دخوله في الإسلام. فإكراه الأسير على الإسلام لا يجوز. وهنا أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه في سبب نزول قوله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256] أن الأنصار كانوا في المدينة ومعهم اليهود، وكانت المرأة تكون مقلاة لا يعيش لها ولد، فتنذر أنَّه إن جاءها ولد فإنها ستهوده، أي: تجعله يهودياً. والأنصار الذين كانوا في المدينة من الأوس والخزرج أصلهم من أزد اليمن من العرب. فكانت المرأة تنذر بأن تهود ابنها، فيكون يهودياً وينشأ على أنه يهودي، واليهود كانوا معهم في المدينة، فلما أجلي بنو النضير قال الأنصار: لا ندع أبناءنا الذين قد هودوا بسبب هذا النذر الذي يحصل من المرأة المقلاة. فأنزل الله: (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) يعني أنه لا يكره الشخص على الإسلام وعلى أن يدخل في الإسلام. وأنزل الله عز وجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]، فهذا هو معنى الآية، وليس معناها أن الكفار لا يُجَاهدون ولا يُغزون في بلادهم، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في القرآن من الأمر بقتال الكفار، كقوله تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، وقوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، لا تنافي بين ذلك وبين هذه الآية التي هي قوله تعالى: (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ))، وتكون الآية محمولة على مثل من نزلت فيهم، وهم الذين كانوا أبناء مشركين ولكنهم تهودوا، فلا يكرهوهم على الإسلام فيلزموهم بالإسلام أو القتل؛ لأنهم لو أكرهوهم فيمكن أن يظهروا الإسلام علناً وهم يبطنون الكفر، فلا يكون هناك فائدة من وراء هذا الإكراه. فتكون الآية محمولة على مثل من نزلت فيهم، وآيات الأمر بالقتال للمشركين على ما هي عليه، وهي أن المسلمين يذهبون إلى بلاد الكفار فيغزونهم ويقاتلونهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال: (اغزوا باسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله). فتحمل الآيات والأحاديث التي في القتال على غزو الكفار والذهاب إليهم ليدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويحكم الإسلام بلادهم، ويكون الإسلام ظاهراً عالياً على الأديان، ويكونون تحت لوائه، فيشاهدون أحكام الإسلام وفضله، فيكون ذلك سبباً في إسلامهم، والآية (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) تكون في مثل هؤلاء. وليس الأمر كما يفعله بعض الناس في هذا الزمان حين انهزموا في نفوسهم، فأرادوا أن يعتذروا للإسلام أمام الكفار بأنَّ الإسلام ليس فيه هجوم وليس فيه ذهاب إلى الكفار من أجل دعوتهم إلى الإسلام، وإنما الجهاد في الإسلام للدفاع! هكذا يقول بعض الناس في هذا الزمان، فكثير من الناس يقولون: الجهاد للدفاع. ونقول: كيف يكون الجهاد للدفاع والصحابة كانوا يذهبون إلى الكفار في بلادهم ويغزونهم في بلادهم، وكذلك من بعدهم، والرسول صلى الله عليه وسلم جهز الجيوش وقال: (اغزوا باسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله)، والصحابة ذهبوا إلى الفرس والروم، مع أن الفرس والروم ما هاجموا المدينة وما جاءوا إلى المدينة حتى يدافع الصحابة عن أنفسهم، وإنما ذهبوا إليهم في بلادهم لإخراجهم من الظلمات إلى النور بأن يسلموا، أو يدخلوا تحت حكم الإسلام فيشاهدون أحكام الإسلام فيكون ذلك سبباً في إسلامهم؟! وهل يُظن أن الذين ذهبوا إلى إفريقيا حتى وصلوا إلى المحيط الأطلسي ذهبوا ليدافعوا عن الإسلام أو ليدافعوا عن المسلمين؟! إنما كانوا يذهبون إلى الكفار ويدعونهم إلى الإسلام، لكن لما ضعف المسلمون في هذا الزمان وصار الكفار متغلبين صار بعض المسلمين يزعم أن الجهاد إنما هو للدفاع فقط، وأن الكفار لا يغزون ولا يذهب إليهم في بلادهم، ولا إكراه في الدين، فصارت آية (لا إكراه في الدين) هي عندهم كل شيء، والآية إنما جاءت في مثل هذه الصورة التي ذكرت، وهي أن المرأة كانت تكون مقلاة، فتنذر إن عاش لها ولد فإنها ستهوده، ثم لما أجلي بنو النضير وكان أبناء الأنصار اليهود معهم كانوا يكرهونهم على الإسلام حتى يبقوا معهم، فنزلت الآية: (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )). إذاً الآية لها معنىً يخصها، وتلك الآيات لها معانٍ، ولا تنافي بين ما في آيات قتال الكفار حتى يكون الدين كله لله وبين آية (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ))؛ لأنها في مثل من نزلت فيهم، فالمسلمون إذا كان تحت أيديهم كافر فإنه لا يجوز لهم أن يقولوا له: إما أن تسلم وإما أن نقتلك، فهذا إكراه ممنوع وغير جائز، وإنما يغزى الكفار في بلادهم ويقاتلون، فإن دخلوا في الإسلام فالحمد لله، وهذا هو المطلوب، وإن لم يدخلوا طلب منهم إعطاء الجزية ويتولى عليهم المسلمون، ويكون ذلك سبباً في إسلامهم بأن يشاهدوا أحكام الإسلام وتعاليم الإسلام.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:51 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث بيان سبب نزول قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين )

قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي ]. محمد بن عمرو بن علي المقدمي صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا أشعث بن عبد الله ]. أشعث بن عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود. [ ح وحدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار بندار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قتل الأسير دون عرض الإسلام عليه



شرح حديث عتابه عليه الصلاة والسلام أصحابه على تركهم قتل ابن أبي السرح


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام. حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد رضي الله عنه قال: (لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم، و ابن أبي سرح ... فذكر الحديث، قال: وأما ابن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا نبي الله! بايع عبد الله . فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟! فقالوا: ما ندري -يا رسول الله- ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟! قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين). قال أبو داود : كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة، وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه، وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر ]. أورد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى [ باب في الأسير يقتل ولا يعرض عليه الإسلام ]. يعني أنه يقتل ولا يلزم أن يكون قتله بعد أن يعرض عليه الإسلام، وإنما الإمام مخير في الأسارى بين القتل أو الفداء أو المن والمسامحة. وقد أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمن الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم، وأن عبد الله بن أبي السرح اختبأ عند عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة، ثم إنه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يبايعه والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ثم بعد ذلك بايعه، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال:[ (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟! فقالوا: ألا أومأت إلينا بعينك؟! فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) ] أي: أن يظهر شيئاً ثم يشير بعينه أو ببصره إلى خلافه، فيكون الذي ظهر منه مخالفاً للذي أشار إليه، وهذا الفعل يظهر أنه ليس المنع منه خاصاً بالأنبياء بل هو ممنوع في حق الجميع، لكن في حق الأنبياء المنع منه أشد وأعظم، وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن مبايعته وقد حصل ذلك أكثر من مرة دليل على عدم رضاه وأنه يستحق القتل لو قتل، وهذا هو الدليل على الترجمة، وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم أذن أن يقتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، وكذلك الذين لم يؤمنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاز أن يؤسروا ويقتلوا ولا يعرض عليهم الإسلام. وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل مع عبد الله بن أبي السرح لأنه كان من كتاب الوحي، كان يكتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه ارتد ثم عاد إلى الإسلام، فعامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة لكونه كان من كتاب الوحي ومع ذلك حصل منه ما حصل، إذ كان في الأصل أن كتابة الوحي وائتمان النبي صلى الله عليه وسلم له على الوحي داعيان لبعده من أن يقع في مثل هذا الذي وقع فيه، فمن أجل ذلك عامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة. قوله: [ (لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين -وسماهم- و ابن أبي سرح) ]. يعني أن هؤلاء يقتلون وغيرهم حصل له الأمان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)، ولكن هؤلاء الأربعة والقينتين لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقتلهم أينما وجدوا. قوله: [ (فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا نبي الله! بايع عبد الله) ]، يعني بيعة الذين أسلموا عام الفتح، فلما دعا إلى بيعتهم فجاءوا جاء عثمان ومعه عبد الله بن أبي السرح وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايعه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه. قوله: [ (ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي) ]. المقصود بالرشيد الفطن الذي عنده فطنة وعنده انتباه لكون النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه ومع ذلك لما أجاره عثمان وجاء به وكرر طلب المبايعة له جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ثم يعرض عنه، فهذا دليل على عدم رضاه وعلى عدم موافقته على بيعته، فالرشيد هنا المقصود به النبيه أوالفطن الذي عنده فطنة وعنده نباهة يعرف أن امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان لأمر يستحقه ذلك الرجل الذي امتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من مبايعته وكان قد أهدر دمه.

تراجم رجال إسناد حديث عتابه عليه الصلاة والسلام أصحابه على تركهم قتل ابن أبي السرح

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أحمد بن المفضل ]. أحمد بن المفضل صدوق في حفظه شيء، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أسباط بن نصر ]. أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: زعم السدي ]. السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري و مسلم وأصحاب السنن. وكلمة (زعم) المقصود بها هنا الخبر المحقق، يعني: أخبر خبراً محققاً. لأن الزعم يأتي في كلام العلماء وعلى ألسنة الصحابة بمعنى الخبر المحقق، وهذا منه. [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سعد هذا هو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه. والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله وقال: إلا أن أسباط بن نصر و أحمد بن المفضل قد تكلم فيهما بعض الأئمة من جهة حفظهما، لكن الحديث له شاهد يتقوى به، فالحديث بهذا الشاهد صحيح. قوله: [ كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة، وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه، وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر ]. هنا ذكر القرابة التي بين عثمان وبين عبد الله بن أبي السرح ، وهي أنه أخاه من الرضاعة، وذكر -أيضاً- أخاً له آخر، ولكنه أخوه من أمه، وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد حده عثمان لشربه الخمر، والحديث في صحيح مسلم ، وفيه أنه أمر الحسن أن يجلده، ثم إنه حصل الجلد و علي يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال: أمسك. ثم قال: جلد الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وجلد عمر كذا. وقال: وكل سنة، وهذا أحب إلي. يعني أن الشيء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه.

شرح حديث: ( أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا زيد بن حباب قال: أخبرنا عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي قال: حدثني جدي عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم فتح مكة: (أربعة لا أؤمنهم في حل ولاحرم)فسماهم، قال: وقينتين كانا لمقيس ، فقتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت. قال أبو داود :لم أفهم إسناده من ابن العلاء كما أحب ]. أورد أبو داود هنا حديث سعيد بن يربوع المخزومي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: [ (أربعة لا أؤمنهم لا في حل ولا في حرم) فسماهم، قال: وقينتين كانتا لمقيس ]. والقينتان هما الجاريتان اللتان تغنيان، وقيل: هما الجاريتان مطلقاً، ولكن المشهور أنهما متصفتان بالغناء. ثم إن إحداهما قتلت والثانية حصل لها الإفلات من القتل، ولكنها أسلمت ولم يحصل لها القتل، وهما لمقيس بن صبابة ، وهو أحد الذين لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأربعة هم مقيس هذا و عبد الله بن خطل و عكرمة بن أبي جهل و عبد الله بن أبي السرح .

تراجم رجال إسناد حديث: ( أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم )


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زيد بن حباب ]. زيد بن حباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي ]. عمرو بن عثمان مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ حدثني جدي ]. هو عبد الرحمن بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن أبيه ]. هو سعيد بن يربوع المخزومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود . والحديث ضعفه الألباني ، ولكنه مثل الحديث الذي قبله فيه ذكر الأربعة والجاريتين. قوله: [ قال أبو داود : لم أفهم إسناده من ابن العلاء كما أحب ]. معناه أنه غير مطمئن وغير متوثق من إسناده.
شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وقد تعلق بأستار الكعبة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه) . قال أبو داود : ابن خطل اسمه عبد الله ، وكان أبو برزة الأسلمي قتله ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر) ] والمغفر هو غطاء يكون على الرأس يقي الرأس من أن تصل إليه السهام، وهو من الحديد، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح من غير إحرام، وذلك لأنه كان على رأسه المغفر، والمحرم لا يغطي رأسه بل يكشفه. ثم إن فيه دليلاً على الأخذ بالأسباب، وأن ذلك من التوكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد المتوكلين، وقد أخذ بالسبب الذي يمنع وصول السهام إليه صلى الله عليه وسلم. [ (فلما نزعه) ]. فلما نزعه بعد أن انتهى فتح مكة عنوة قيل له: [ ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ]. وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم. ومعنى ذلك أنه قرب من الكعبة والتصق بها وتعلق بأستارها يريد الأمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (اقتلوه) ] يعني: ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. وفي الحديث دليل على كسوة الكعبة، وأن هذا كان في الجاهلية وأقره الإسلام؛ لأن قوله: [متعلق بأستار الكعبة] يعني: بكسوتها، وهو يدل على كسوة الكعبة، فكسوة الكعبة جاء بها النص، وأما كسوة حجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها قبره فلم يأت بها دليل، فهي غير جائزة. وليس فيه دليل على جواز التعلق بأستار الكعبة، لأن هذا طالب أمان، وكون الناس يأتون فيتعلقون بأستارها ويقولون: إن ابن خطل تعلق بأستار الكعبة ليس بحجة، فتعلق ابن خطل لأنه كان يطلب الأمان، فلشدة رغبته في الأمان تعلق بأستار الكعبة، فلا يجوز التعلق بأستارها، كما أنه لا يسوغ أن يستلم منها إلا الحجر الأسود والركن اليماني، أما ما عداهما فإنه لا يستلم، لا الركنان الشاميان ولا الجدران اللذان بينهما، اللهم إلا الملتزم الذي ورد فيه بعض الأحاديث، ومن العلماء من صححها ومنهم من ضعفها.

تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وقد تعلق بأستار الكعبة

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو القعنبي عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:59 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [318]
الحلقة (350)



شرح سنن أبي داود [318]

للأسير أحكام في الشريعة الإسلامية تنبئ عن حرصها على مصلحة العباد وتحقيق الخير لهم، فمن ذلك ما يتعلق بقتل الأسير إن رأى الإمام ذلك، ومنها ما يتعلق بإطلاق سراحه بفداء أو بغير فداء حسب ما يراه الإمام. ومن الأحكام المتعلقة بهذا الباب رد السبي بعد إسلام أهليهم، وما يعوض به صاحب الحظ من السبي إن بقي على طلب حقه، ونحو ذلك من الأحكام الشرعية الدالة على عظمة الإسلام وشريعته.

قتل الأسير صبراً


شرح حديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعد أسره في بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الأسير صبراً. حدثنا علي بن الحسين الرقي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً فقال له عمارة بن عقبة : أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فقال له مسروق : حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وكان في أنفسنا موثوق الحديث- (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار) فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ]. أورد أبو داود [باب في قتل الأسير صبراً]. وقتل الأسير صبراً هو أن يحبس أو يمسك ثم يقتل، فالقتل صبراً يكون بحبس من كان حياً وإمساكه حتى يقتل، سواء أكان إنساناً أم حيواناً، وكذلك حبس البهائم حتى تموت هو من القتل صبراً. قوله: [ (أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً فقال له عمارة بن عقبة ..) ]. أي: أراد الضحاك بن قيس وكان أميراً أن يستعمل مسروقاً في عمل من الأعمال، فقدح فيه عمارة بن عقبة وقال: أتستعمل شخصاً من بقايا قتلة عثمان ؟! فمسروق قابله بأن قال فيه قولاً مقابل ما قاله فيه، فقال: [ حدثنا عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك قال: (من للصبية -والصبية منهم عمارة هذا-؟ قال: النار) فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فكل منهما قدح في الآخر. وما أدري عن صحة قضية اتهام مسروق بما اتُهم به وما ذكره في حقه عمارة بن عقبة ، لكن قصة عقبة بن أبي معيط وقول النبي صلى الله عليه وسلم له جاء في هذا الإسناد وفي هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فما قيل في حق عقبة ثابت بهذا الإسناد. قوله: [من للصبية] يعني: إذا قتلتني فمن يكون للصبية؟! أي: عمارة وإخوانه. فقال: [ (لهم النار) ]. واختلف في تفسير قوله: [ (لهم النار)] فمن العلماء من قال: معناه: لهم الضياع. أي: لهم الضياع بسبب ضياعه هو. ومنهم من قال غير ذلك، حيث قالوا: هذا من أسلوب الحكيم، أي: لك النار ودع أمر الصبية فإن الله تعالى كافلهم. ومعلوم أن أبناء المشركين حكمهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني: إذا ماتوا وهم صغار فإنهم يمتحنون يوم القيامة والله أعلم بما كانوا عاملين، لكن من كبر منهم وأسلم يختلف حكمه. وعمارة مع كونه مسلماً قابله مسروق بأن قال فيه ما قال، ولكن الأمر يحتمل أن يكون المقصود أباهم وليس الذين أسلموا من أولاده.

تراجم رجال إسناد حديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعد أسره في بدر


قوله: [ حدثنا علي بن الحسين الرقي ]. علي بن الحسين الرقي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ]. عبد الله بن جعفر الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبيد الله بن عمرو ]. هو عبيد الله بن عمرو الرقي ، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال له مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قتل الأسير بالنبل


شرح حديث النهي عن القتل صبراً بالنَّبل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الأسير بالنبل. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن تعلي قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً. قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) فوالذي نفسي بيده! لو كانت دجاجة ما صبرتها. فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ]. أورد أبو داود [ باب في قتل الأسير بالنبل ] يعني حكمه. وهو أنه يقتل بالنبل أو بأي وسيلة يحصل بها القتل. قوله عن ابن تعلي : [ غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبراً ]. الأعلاج قيل: هم الكفار من العجم -أي: من غير العرب- وقيل غير ذلك. قوله: [ فأمر بهم فقتلوا صبراً ] يعني أنهم أمسكوا حتى قتلوا. قوله: [ قال أبو داود : قال لنا غير سعيد عن ابن وهب في هذا الحديث: قال: (بالنبل صبراً) ]. هذا محل الشاهد، أي: كون القتل كان بالنبل. قوله: [ فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الصبر) ]. سبق أن مر في الترجمة السابقة ذكر القتل بالصبر، وأن ذلك سائغ، ولعل هذا الذي سمعه أبو أيوب كان قبل، أو أنه القتل الذي يكون فيه إيذاء للمقتول، ومعلوم أن هذا إذا لم يكن عن طريق المقابلة والقصاص، أما إذا كان قتله بالطريقة التي قتل بها فإن ذلك سائغ، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عرفنا فيما مضى أن التمثيل لا يجوز ولكن من مثل يجوز أن يمثل به. فالمحذور هو أن يتخذ المقتول غرضاً ثم يرمى بالنبل، فيكون في ذلك تعذيب له، أما إمساكه وقتله فهو جائز كما فعل بعقبة بن أبي معيط ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) فيبدو أن النهي عن القتل صبراً إنما هو إذا كان فيه تعذيب. قوله: [ فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها ]. يعني كونها تمسك ثم ترمى، وإنما تقتل قتلاً بالسكين أو بأي شيء يزهقها في الحال، فقد يكون المقصود به تعذيبها بالقتل. قوله: [ فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأعتق أربع رقاب ]. أي: أعتق أربع رقاب عن الذين قتلهم صبراً.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن القتل صبراً بالنبل


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن عبد الله بن الأشج ]. بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن تعلي ]. هو عبيد بن تعلي الطائي ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ فبلغ ذلك أبا أيوب ]. هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
المن على الأسير بغير فداء


شرح حديث عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من المشركين أرادوا قتله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المن على الأسير بغير فداء. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلماً، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ.. [الفتح:24] إلى آخر الآية ]. أورد أبو داود باباً في المن على الأسير بغير فداء. وهذه إحدى التراجم المتعلقة بأحكام الأسرى، والأسرى وردت أحاديث بقتلهم، ووردت أحاديث باستعبادهم، ووردت أحاديث بالمن عليهم، وكل ذلك ثابت، والأمر يرجع إلى الإمام، فما رأى فيه المصلحة من هذه الأمور فإنه يفعله، وبذلك يكون التوفيق بين هذه الأحاديث، فما دام أنه قد ثبت جميعها فإنه يرجع الأمر إلى الإمام، فيفعل ما يرى فيه المصلحة من القتل أو الأسر أو المن بدون فداء أو المن مع فداء. وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه ثمانون رجلاً من جبال التنعيم عند صلاة الفجر يريدون قتله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم سلماً، أي: أسرهم، ثم إنه منَّ عليهم بدون أن يأخذ منهم شيئاً، فأنزل الله تعالى الآية: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح:24]، فالله تعالى كف أيديهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لم يتمكنوا مما أرادوه من قتله صلى الله عليه وسلم وقتل أصحابه، وأيضاً كف أيدي المؤمنين عنهم فلم يقتلوهم بعد أن ظفروا بهم. فالحديث فيه شاهد للترجمة، وهي المن على الأسير بغير فداء.

تراجم رجال إسناد حديث عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعة من المشركين أرادوا قتله


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود .

شرح حديث: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسارى بدر: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) ]. أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى -أي: الأسرى من الكفار فشفع فيهم- لأطلقتهم له) ]. يعني: أطلقت سراحهم من أجله ومن أجل شفاعته، وهذا يدل على المن من غير فداء، ويدل على ما ترجم به المصنف من المن بغير فداء؛ لأنه قال: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) ] يعني: وقبلت شفاعته فيهم. وقوله: [ (لو كان مطعم بن عدي حياً) ] ليس فيه اعتراض على القدر، بل معناه: لو أنه حصل كذا وكذا لكان كذا وكذا. يعني أن هذا الشخص لو كان حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لقبلت شفاعته. فليس فيه شيء يتعلق بالاعتراض على القدر أو ما إلى ذلك. وإنما الاعتراض على القدر هو كقول الكافرين كما حكى الله تعالى عنهم: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] فهذا هو الذي فيه اعتراض على القدر. وأما ما جاء في الحديث هنا فليس هو من هذا القبيل، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة). أي: لو كان الذي سبق مني كله أمامي لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. وهذا ليس تمنياً، وإنما إخبار عن أنه لو كان حصل كذا لكان كذا وكذا. والمطعم بن عدي هو والد جبير بن مطعم ، وكان هو الذي أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأجاره لما قدم من الطائف، وأنزله في جواره ومنع الكفار من إيذائه، فمن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة في حقه لأنه قد أحسن إليه، فهو سيقبل شفاعته لو شفع فيهم، وهذا فيه تنويه بالعمل الذي قام به المطعم بن عدي ، وهو الذي يقول فيه الشاعر: ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداً من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً أي: لو كان أحد يبقى بسبب العمل المجيد الذي حصل منه لبقي مطعم بن عدي الذي أمن الرسول صلى الله عليه وسلم وحماه من الكفار عند قدومه من الطائف. ويذكر هذا البيت النحويون في شواهد النحو في عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حيث لم يسبق للضمير مرجع، وإنما عاد على متأخر لفظاً ورتبة، والأصل أن الضمير يعود على متقدم. وهنا جاء الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، حيث قال: أبقى مجده الدهر مطعماً أي: أبقى مجد مطعم مطعماً . فجاء الضمير متقدماً على مرجعه، بخلاف الأصل وهو أن الضمير يعود على متقدم، وهنا عاد على متأخر لفظاً ورتبة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ]. الزهري قد مر ذكره، ومحمد بن جبير بن مطعم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. أبوه هو جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكان من أسباب إسلامه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال: فكاد قلبي أن يطير عند ذكر قوله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36]، فأدخل الله عليه الإسلام ودخل في الإسلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان من أسباب دخوله سماعه القرآن.
فداء الأسير بالمال


شرح حديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر ونزول العتاب في ذلك


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فداء الأسير بالمال. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا أبو نوح قال: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67] إلى قوله: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ [الأنفال:68] من الفداء، ثم أحل لهم الله الغنائم) . قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع. قال أبو داود : اسم أبي نوح : قراد ، والصحيح عبد الرحمن بن غزوان ]. أورد أبو داود [ باب في فداء الأسير بالمال ] . فمن الأحكام المتعلقة بالأسير أنه يقتل أو يؤسر ويستعبد أو يمن عليه بدون فداء أو يمن عليه بمال، فيطلق سراحه في مقابل الفدية أو بمفاداته بغيره، بأن يكون أسير من المسلمين عند الكفار فيطلق في مقابله أسير من الكفار عند المسلمين، فهذا عن طريق المفاداة، والمفاداة تكون بالمال وبغير المال، تكون بالمقابلة وتكون بالمال. وهنا ترجم بالمفاداة بالمال، وأنه يدفع مقداراً من المال فيطلق سراحه ويخلى سبيله في مقابل المال الذي دفعه، وقد عرفنا أن الأمر يرجع في ذلك إلى الإمام وما يرى فيه من المصلحة، فله أن يقتل، وله أن يأسر ويستعبد، وله أن يمن بفداء، وله أن يمن بغير فداء، والفداء إما أن يكون بالمال أو بالأسرى. قوله: [ (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]) ] كان هذا خلاف ما أشار به عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار عليه بعض الصحابة بأخذ الفداء وأشار عليه عمر بعدم أخذ الفداء، فنزل القرآن موافقاً لما رآه عمر ولما أشار به رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحاصل أن الحديث يدل على أخذ الفداء والمن على الأسرى في مقابل مال يبذل منهم. قوله: [ (ثم أحل لهم الله الغنائم) ]. أي: سواء كانت من المال أم من النساء والذرية أم من الكفار الذين يأسرونهم وبعد ذلك يأخذون منهم الفداء، كما قال الله عز وجل: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4] وهذا يكون من جملة الغنائم، أعني الفداء. كما أن الأسرى لو بقوا ولم يمن عليهم في مقابل مال يكونون عبيداً، وهم حنيئذٍ مال، فإذا اختير أن يخلى سبيلهم في مقابل مال يبذلونه فإن ذلك لا بأس به، ولكن المنع كان في أول الأمر، وبعد ذلك أحلت الغنائم، والله عز وجل قال: (( حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً )).

تراجم رجال إسناد حديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر ونزول العتاب في ذلك


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو نوح ]. هو عبد الرحمن بن غزوان ، ولقبه قراد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ أخبرنا عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سماك الحنفي ]. هو سماك بن الوليد الحنفي ، ليس به بأس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثني عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع ]. أي: ما حاجتك باسمه؟ فاسمه شنيع، أي: موصوف بأنه شنيع، وليس المعنى أن اسمه هو شنيع، بل المقصود أنه موصوف بأنه شنيع، وذلك لأنه لقب بـ(قراد)، والقراد هو الذي يعلق بآذان البهائم ويمتص دمها فيؤذيها.

شرح حديث: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي قال: حدثنا سفيان بن حبيب قال: حدثنا شعبة عن أبي العنبس عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة) ]. ومعناه أن فيه المفاداة بالمال، وأن الفداء كان أربعمائة للشخص الواحد. والألباني صحح الحديث، ولكنه ضعفه بالتحديد والتقدير، والثابت أنه فاداهم بمال، فضعفه من أجل التقدير، وإلا فإنه قد ثبت من أوجه مختلفة أنهم يفادون بمال، ولكن التضعيف من أجل التحديد والتقدير فقط.

تراجم رجال إسناد حديث: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة)


قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ]. عبد الرحمن بن المبارك العيشي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا سفيان بن حبيب ]. سفيان بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العنبس ]. أبو العنبس مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي الشعثاء ]. هو جابر بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 02:59 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث قصة فداء أبي العاص بن الربيع

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب رضي الله عنها في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها أدخلتها بها على أبي العاص ، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها. فقالوا: نعم. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ عليه -أو وعده- أن يخلي سبيل زينب إليه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه ورجلاً من الأنصار فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن كفار قريش لما أرسلوا بالفداء لأسراهم، وكان ممن أُسِروا أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت في فداء زوجها، وكان الذي أرسلته فيه قلادة كانت لها من أمها خديجة أعطتها إياها لما أدخلت على أبي العاص ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، حيث تذكر زواجها وكون تلك القلادة كانت لأمها خديجة ، وكونها حزنت حين أسر زوجها وأرادت خلاصه، فالنبي صلى الله عليه وسلم رق لها وقال: [ (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها) ]. أي: زوجها الذي هو أبو العاص . قال: [ (وتردوا عليها الذي لها) ]. أي: الذي دفعته من القلادة وغيرها. فأجاب إلى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن يطلقوه من غير فداء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه بأن يفي بالذي طلب منه، وهو أن يرسل زينب إليه إلى المدينة. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار وقال: [ (كونا ببطن يأجج) ] وهو موضع قريب من مكة. قال: [ (حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) ]. يعني: كونا معها صاحبين لها في الطريق. وهذا يدل على جواز سفر المرأة من غير محرم إذا كانت برفقة مأمونة إذا كان هناك ضرورة إلى ذلك، وهنا الضرورة موجودة، وذلك لأنها كانت في مكة مع الكفار، وزوجها كان كافراً، وطلب منه أن يرسلها وقد أرسلها، فدل على أنه إذا حصلت ضرورة فالمرأة يمكن أن تسافر مع رفقة أمينة، ولا يتوسع في ذلك فتسافر المرأة من غير محرم بحجة هذا الذي قد حصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). وعلى هذا فالذي حصل هو من قبيل أن الضرورات تبيح المحظورات، وسفر النساء بدون محرم هو من الأمور التي جاءت الشريعة بتحريمها والمنع منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكل ذلك صيانة للمرأة من أن تتعرض لما لا تحمد عقباه عليها في عرضها وفي نفسها.

تراجم رجال إسناد حديث قصة فداء أبي العاص بن الربيع


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يحيى بن عباد ]. هو يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه عباد ]. هو عباد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها. والحديث صحيح.

شرح حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم سبي هوازن إلى أهلهم بعد مجيئهم مسلمين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي مريم حدثنا عمي -يعني سعيد بن الحكم - قال: أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب قال: وذكر عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنه أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إما السبي وإما المال. فقالوا: نختار سبينا. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنى على الله، ثم قال: أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل. فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس وكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم قد طيبوا وأذنوا) ]. أورد أبو داود باباً في فداء الأسير بالمال، وأورد تحت هذه الترجمة عدة أحاديث. ثم أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومعه مروان بن الحكم -والعمدة على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه- أن وفد هوازن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرد عليهم المال والسبي، أي: النساء والذرية والمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يرد عليهم، ولكنه لم يرد عليهم كل شيء، وإنما خيرهم بين رد المال أو رد السبي، فاختاروا أن يرد عليهم السبي. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن هناك شيئاً يخصه وهناك شيئاً يخص غيره، وأن كلاً قد أخذ نصيبه، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (معي من ترون) ] يعني: من السبي، والذي هو لي هو لكم. وتنازل عنه وتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الذين عند غير النبي صلى الله عليه وسلم فقد قام في الناس وذكرهم وتكلم فيهم وقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أراد منكم أن يتنازل بدون مقابل فليفعل، ومن لم تسمح نفسه بذلك وأراد أن يبقي على حقه ولا يتنازل عن حقه فنحن سنعوضه عنه في أول ما يفيء الله به علينا). ومعناه أن من سمحت نفسه انتهى أمره، ومن كان متمسكاً بحقه فإنه يؤخذ منه السبي ويرد ولكنه يعوض عنه أول ما يحصل الفيء بعد ذلك، فتعالت الأصوات بقولهم: (طيبنا)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري من طيب ومن لم يطيب؛ لأن الأصوات ظهرت من هنا ومن هنا، فلم يعرف من طيب ومن لم يطيب، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ] يعني الرؤساء، فكل رئيس ينفرد بالجماعة الذين يرأسهم ثم يأخذ رأيهم في ذلك ويعرف من سمح ومن لم يسمح ومن وافق ومن لم يوافق، فبعد ذلك جاء العرفاء بعد أن اجتمعوا بمرءوسيهم وأخبروا بأنهم طيبوا، وأنهم قد وافقوا وتنازلوا عن حقهم لما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. قوله: [ ذكر عروة بن الزبير أن مروان و المسور بن مخرمة أخبراه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إما السبي وإما المال)]. معنى قوله: [ (معي من ترون) ] أي: الذي يخصني والذي هو نصيبي من السبي هو لكم. يعني أنه متنازل عنه، ولكن الذي عند غيره أراد أن يستأذن الناس فيه، فاستأذنهم وكانت النتيجة أن أذنوا، فرد إليهم سبيهم صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وأحب الحديث إلي أصدقه) ] يعني أنه يقول ويصدق ويعد ويفي، أي: فأنا أقول لكم وأصدق فيما أقول وأعدكم وأفي بما أعد به. قوله: [ (فقالوا: نختار سبينا) ]. لأنهم خيروا بين المال والسبي، فاختاروا السبي، وهو أن يرجع إليهم نساؤهم وأولادهم فيكونون طلقاء ولا يكونون سبياً وأرقاء، فهذا هو الذي فضلوه، وتركوا المال في سبيل الحصول على السبي الذي هو النساء والذرية. قوله: [ (فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثنى على الله ثم قال: أما بعد: فإن إخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل) ]. معنى قوله: [ (من أحب أن يطيب ذلك فليفعل) ] أي: أن ينزل عن حقه بدون مقابل فليفعل. قوله: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ]. أي: من كان منكم يريد أن يبقى على حظه من السبي ولا يتنازل عنه فنحن سنرجع لهم السبي لأننا وعدناهم بذلك، ولكن هذا الذي لم يتنازل سنعطيه بدلاً عن حقه من أول ما يفيء الله علينا. قوله: [ (فقال الناس: قد طيبنا ذلك لهم يا رسول الله) ]. معناه أنه كان الاجتماع كبيراً، وخرجت الأصوات بقولهم: [ طيبنا ذلك لهم يا رسول الله ]، ولم يعرف من وافق ومن لم يوافق؛ لأنها قد تكون الأصوات ممن وافق، ومن لم يوافق قد يكون ساكتاً ما قال شيئاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يقف على الحقيقة بالنسبة لكل فرد فقال: [ (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) ]. وهذا فيه دليل على اتخاذ العرفاء والرؤساء على أفراد الجيش، بحيث يكون لكل جماعة مرجع يرجعون إليه، ثم هؤلاء المراجع يكون مرجعهم أمير الجيش، وهو المرجع للجميع، ولكن الواسطة بينه وبين سائر الناس هؤلاء الرؤساء الذين هم العرفاء، والذين يعرفون من تحتهم ومن تحت رياستهم، فيأتون بأخبارهم ويبلغونهم الأمور التي يحتاجون إلى تبليغها، فهؤلاء يقال لهم: العرفاء. وأما حديث: (لابد للناس من عريف والعريف في النار) فإنه لو ثبت محمول على ما يتعلق بالشر، وأما الحديث الذي بين أيدينا فقد ثبت فيه اتخاذ العرفاء من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فيما يتعلق بالخير، وهو أمر تقتضيه الحاجة، لاسيما مع كثرة الناس. وكذلك يقال في حديث (لا تكن لهم شرطياً ولا جابياً ولا عريفاً) فهو محمول على كون ذلك في أمور الشر والظلم التي لا تجوز، وأما في الخير فقد دل على الجواز الحديث الذي معنا. ثم إن الشاهد من الحديث للترجمة بفداء الأسير بالمال قوله صلى الله عليه وسلم: [ (ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) ] حيث جعل صلى الله عليه وسلم فكاك أولئك الأسرى بمقابل بدلهم من فيءٍ آخر يبذل لمن لم يرد أن يتنازل عن حقه بغير عوض. قوله: [ (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم قد طيبوا وأذنوا) ]. معناه أنهم كلهم قد وافقوا، وتبين أن الجميع قد وافقوا على ما أراده منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد نزلوا عن حقهم بدون مقابل.
تراجم رجال إسناد حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم سبي هوازن إلى أهلهم بعد مجيئهم مسلمين

قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي مريم ]. هو أحمد بن سعد بن أبي مريم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عمي ]. هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الليث بن سعد ]. الليث بن سعد ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: وذكر عروة بن الزبير أن مروان و المسور بن مخرمة أخبراه ]. عروة هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومروان هو ابن الحكم ، وهو الخليفة، قال عنه الإمام أحمد : لا يتهم في الحديث. وقال الحافظ : لا تثبت له صحبة، وعليه فيكون الحديث من قبله مرسلاً، ولكن معه المسور بن مخرمة ، وهو صحابي، فيكون متصلاً من أجل المسور بن مخرمة، وقد قال عروة بن الزبير : مروان لا يتهم في الحديث. وعروة هو الراوي عن مروان هنا. وعلى كل حال فالعمدة ليست عليه، وإنما هي على المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، فهو الصحابي الذي يروي ذلك، وأما رواية مروان فهي من قبيل المرسل؛ لأنه ليس بصحابي. ومروان بن الحكم أخرج له البخاري وأصحاب السنن. والمسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم برد نساء هوازن وأبنائهم إلى أهلهم بعد إسلامهم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه في هذه القصة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن مسك بشيء من هذا الفيء فإن له به علينا ست فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا. ثم دنا -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال: يا أيها الناس! إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا -ورفع أصبعيه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط. فقام رجل في يده كبة من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك. فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها. ونبذها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في قصة وفد هوازن ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يرد إليهم سبيهم، وأنه قال: [ (فمن مسك بشيءٍ من هذا الفي) ] يعني: من تمسك بحقه ولم يطب نفساً بالتنازل عنه [ (فإن له به علينا ست فرائض من أول شيءٍ يفيئه الله علينا) ] والفرائض هي الإبل، قيل: الفرائض في الأصل هي فرائض الصدقة، لأنها تؤخذ منها فريضة الصدقة، فأطلق على الإبل بأنها فرائض وإن كان بعضها ليس من قبيل الصدقة، وكأنه بهذا يريد أن يعوض بمال؛ لأن الذي سيرد هو السبي وليس المال؛ لأن المال لم يستأذن في إرجاعه، والرسول صلى الله عليه وسلم خيرهم بين المال وبين السبي فاختاروا السبي، فكان الحديث كله عن السبي، فكأنه سيعوض من تمسك بحقه بعوض، سواءٌ كان من السبي من فيءٍ قادم أم من الفرائض. قوله: [ (إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا -ورفع أصبعيه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) ]. يعني: هذا هو الذي يحل لي من المغانم، وهو مردود عليكم، فهذا الخمس ينفق النبي صلى الله عليه وسلم على أهله منه، والباقي يجعله في مصالح المسلمين من عدة الجهاد وغير ذلك، وهذا هو معنى قوله: [ (مردود عليكم) ]. فالخمس ليس مختصاً به صلى الله عليه وسلم، وإنما يأخذ منه حاجته وحاجة أهله، وقد جاء في الحديث: [ (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) ] يعني قوته وقوت أهله يكون من ذلك، والباقي بعد حاجته وحاجة أهله مردود على المسلمين ومصروف في مصالح المسلمين. قوله: [ (فأدوا الخياط والمخيط) ]. قيل: الخياط هو الخيط، والمخيط هو الإبرة. يعني: أدوا كل شيء ولو كان شيئاً قليلاً، ولا يأخذ الإنسان شيئاً لا يستحقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الوبرة ليس له منها إلا الخمس، ولا يستحق إلا الخمس، فيقال لغيره: أدوا الخياط والمخيط؛ لأن كل ذلك من الغنائم ومن الفيء، ويقسم على من شرع أن يقسم عليهم. قوله: [ (فقام رجل في يده كبة من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي. فقال صلى الله عليه وسلم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك. فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها. ونبذها) ]. معنى هذا أن رجلاً أخذ كبة من الغنيمة، وقال: إنه أراد أن يصلح بها برذعته. والبرذعة هي التي تجعل تحت الرحل؛ لأن الرحل يكون من الخشب، والبرذعة لينة، فتجعل بين جلد البعير وبين الخشب الذي هو الرحل الذي يكون عليه الراكب، فيلامس جلد البعير هذا الشيء اللين ثم يكون الرحل فوقه. فأراد الرجل أن يصلح هذه البرذعة التي هي تحت الرحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك) ] فسامح النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وحق بني عبد المطلب ولم يسامح في حق الناس، ولكن من أين لهذا الرجل أن يعرف مسامحة الناس له وهم كثيرون مستحقون لذلك؟! ولذلك قال: [ أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ] أي: ما دامت المسألة وصلت إلى هذا الحد، فكل له فيها نصيب وله أن يطالب بحقه، وحقه يجب أن يوصل إليه، وأن هذه الكبة من جملة الغنائم وتقسم كما يقسم غيرها فلا أرب لي فيها. ثم رماها. ومعنى قوله: [ فلا أرب لي فيها ] أي: لا حاجة لي فيها.
تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم برد نساء هوازن وأبنائهم إلى أهلهم بعد إسلامهم

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وفي (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان ويومه بشيء من العبادات


السؤال: هل ورد دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان أو يومه بشيء من العبادات؟


الجواب: ليس هناك دليل يخص ليلة النصف من شعبان ولا يوم النصف من شعبان بشيءٍ من العبادة، ولم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة في هذا الموضوع طبعت ضمن أربع رسائل تتعلق بليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج وبالمولد النبوي وبالرؤيا أو الوصية المنسوبة إلى أحمد خادم حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي مكذوبة كذباً واضحاً. وسمى هذه الرسائل الأربع (التحذير من البدع)، ومما ورد فيها أنه لم يثبت شيء فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان ولا بيومه.

سبب اختيار النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة مع رجل من الأنصار لحمل بنته زينب
من مكة إلى المدينة


السؤال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار أن يذهبا إلى بطن يأجج لصحبة زينب إلى المدينة، فهل يحتمل أن يكون سفرها مع زيد قبل إبطال التبني فيكون محرماً لها؟



الجواب: المحرمية -كما هو معلوم- إنما هي بالأنساب وليست بالتبني، والاحتمال قائم، ولكن الضرورة -كما هو معلوم- تبيح المحظورات، فالمرأة إذا كانت مضطرة إلى سفر بدون محرم مع رفقة مأمونة كأن كانت بين الكفار فأفلتت منهم فمثل هذا لا بأس به، ويدخل تحت قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، ولكن الأصل باق على ما هو عليه، وأن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.

حكم العادات الشعبية في ليلة النصف من شعبان

السؤال: لبعض الناس عادات شعبية في ليلة النصف من شعبان، فهل تدخل في مسألة البدعة؟


الشيخ: لا تخصص ليلة النصف من شعبان بعادات، لا فيما يتعلق بالكبار ولا فيما يتعلق بالصغار، فالسنن يؤخذ بها، والبدع يحذر منها، سواء أكانت من صغار أم من كبار، والصغار يؤدبون وينشئون على اتباع السنة.

حكم سفر الزوجة بدون محرم إلى زوجها حين لا يقدر على تكاليف سفرها


السؤال: إذا أراد طالب أن يأتي بزوجته إلى مقر دراسته خارج بلده، ولكن لم يستطع بسبب قلة المال، فهل يجوز للزوجة أن تسافر بدون محرم على اعتبار أن هذا من الضرورات؟



الجواب: ليس هذا من هذا القبيل، بل تبقى امرأته عند أهلها، وإذا تمكن من أن يأتي بها فذاك وإلا فليذهب لزيارتها ويجلس عندها فترة ويرجع. وأما أن يقال: إن مثل تلك حالة ضرورة فإنه عندئذ ستقول كل امرأة: إنها في حال ضرورة. ثم لا يبقى للحديث عمل.

حكم اصطياد السمك في سدود الحرم المائية


السؤال: هل يشمل تحريم الصيد في الحرم السمك؛ إذ إن في بعض سدود الحرم المائية أسماكاً؟


الجواب: لا بأس بذلك، فالمحذور هو صيد البر الذي يأكل من الشجرة، ولهذا منع من قطع الشجر ومن قطع الحشيش -وهو النبات الرطب-، ولعل من حكمة ذلك أن يكون للصيد الذي يدخل الحرم قوته ومرعاه الذي يرتعي فيه، حيث يكون آمناً عنده قوته وعنده رزقه."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:07 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [319]
الحلقة (351)





شرح سنن أبي داود [319]

للغنائم التي يصيبها المجاهدون أحكام كثيرة بينها أهل العلم، ومن ذلك التأني في قسمة الغنائم إذا رجي أن يرجع الكفار تائبين، فيرد عليهم الغنائم ترغيباً لهم في الإسلام، ومن ذلك حرمة التفريق بين المحارم من السبي إلا الكبار، ومن ذلك حكم من وجد في الغنيمة شيئاً كان ملكاً له، وإباحة الطعام في أرض العدو قبل القسمة.

إقامة الإمام بعرصة العدو بعد الظهور عليهم



شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلب على قوم أقام بالعرصة ثلاثاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإمام يقيم عند الظهور على العدو بعرصتهم. حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن معاذ . ح وحدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا روح ، قالا: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غلب على قوم أقام بالعرصة ثلاثاً) قال ابن المثنى : (إذا غلب قوماً أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثاً) ]. أورد أبو داود [ باب في الإمام يقيم عند الظهور على العدو بعرصتهم ]. يعني الإمام ومعه الجيش الذي انتصر على العدو، فإنه عند ظهوره عليهم يبقى وينزل في عرصتهم، والعرصة هي الأماكن الواسعة التي ليس فيها بنيان، وهي الأفنية التي حول البنيان. فكان عليه الصلاة والسلام إذا غلب على قوم أو انتصر عليهم بقي في عرصتهم ثلاثاً، وجلوسه ثلاثة أيام في العرصة من أجل أن يستريح الجيش، وأن يحصل له شيء من الراحة حين لا يكون هناك قتال، ثم بعد ذلك تكون المواصلة للسير، وإنما يبقون مدة ثلاثة أيام يستجموا وليجدوا الراحة بعد ذلك القتال الذي قد حصل. وأورد أبو داود حديث أبي طلحة -وهو زيد بن سهل رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتصر على قوم أو ظهر عليهم بقي في عرصتهم ثلاثاً، قال ابن المثنى أحد شيوخ أبي داود : [ (أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثاً) ].

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلب على قوم أقام بالعرصة ثلاثاً)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن معاذ ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. قوله: [ح] هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وهارون بن عبد الله هو الحمال البغدادي، لقبه الحمال ونسبته إلى بغداد، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا روح ]. هو روح بن عبادة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن أبي طلحة ]. هو زيد بن سهل رضي الله تعالى عنه، وهو زوج أم أنس بن مالك أم سليم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طعن القطان في الحديث ومدى صحته وأثره


قوله: [ قال أبو داود : كان يحيى بن سعيد يطعن في هذا الحديث؛ لأنه ليس من قديم حديث سعيد ؛ لأنه تغير سنة خمس وأربعين، ولم يخرج هذا الحديث إلا بآخرةٍ. قال أبو داود : يقال: إن وكيعاً حمل عنه في تغيره ]. ذكر أبو داود هنا كلاماً، وهو أن يحيى بن سعيد القطان كان يطعن في هذا الحديث ويقول: إن سعيد بن أبي عروبة تغير بآخره. وذكر أن وكيعاً قيل عنه: إنه حمل عنه في تغيره، ومع ذلك فالحديث صحيح وثابت، وقد أخرجه البخاري و مسلم ، ونقل ابن الصلاح أن ابن معين اعترض على وكيع في روايته عن سعيد بن أبي عروبة قائلاً: تحدث عن سعيد بن أبي عروبة ، وإنما سمعت منه في الاختلاط؟ فقال له وكيع : رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستوٍ؟! وعلى كل حالٍ فإن تعليل يحيى القطان فيه نظر، ولا يؤثر في هذا الحديث.
التفريق بين السبي


شرح حديث النهي عن التفريق بين الجارية وولدها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التفريق بين السبي. حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه (أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ورد البيع). قال أبو داود : ميمون لم يدرك علياً ؛ قتل بالجماجم، والجماجم سنة ثلاث وثمانين. قال أبو داود : والحرة سنة ثلاث وستين، وقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين ]. أورد أبو داود [باب في التفريق بين السبي ] والتفريق بين السبي هو فيما إذا كانوا ذوي قرابة، فإذا كانوا كباراً فلا بأس بالتفريق بينهم، وأما إذا كان فيهم صغير وكبير، بأن تكون امرأة وابن لها صغير، أو أخت ولها أخ صغير بحاجة إلى حضانتها ورعايتها لكونه في الصغر يحتاج إلى رعاية؛ فإنه لا يفرق بينهم في هذه الحالة، وإنما التفريق يجوز فيما إذا كانوا كباراً. وعلى هذا فالتفريق بين السبي فيه تفصيل، كما أن التفريق بالبيع -أيضاً- فيه تفصيل، فإذا كان السبي أو الذين يباعون كباراً فإنه يجوز التفريق بينهم في البيع والسبي بأن يعطى هذا لواحد وهذا لواحد، فيكون كل واحد بجهة. وأما إذا كان أحدهما كبيراً وهو يرعى الصغير، والصغير بحاجة إليه وإلى حضانته وإلى رعايته ولا يقوم بنفسه فإنه لا يفرق بينهم، بل يكون بعضهم مع بعض في السبي وفي البيع. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع) ]. فهو باع الجارية لمشتر وباع ولدها لآخر، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم ورد البيع، بمعنى أنه لابد من بقائهما جميعاً؛ لأن الصغير بحاجة إلى الكبير، والابن بحاجة إلى أمه. أما إذا كان الابن ليس بحاجة لأمه بأن يكون كبيراً وأمه كبيرة، وكل منهما قائم بنفسه، فلا مانع من التفريق بينهما. قال ابن القيم : [ وفي جامع الترمذي من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من فرق بين الجارية وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) قال الترمذي : حسن غريب. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه. وليس كما قال؛ فإن في إسناده حسين بن عبد الله ولم يخرج له في الصحيحين، وقال أحمد : في أحاديثه مناكير. وقال البخاري : فيه نظر. ولفظ الترمذي فيه: (من فرق بين والدة وولدها) ].

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن التفريق بين الجارية وولدها


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة). [ حدثنا إسحاق بن منصور ]. هو إسحاق بن منصور السلولي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن عبد الرحمن ]. يزيد بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ميمون بن أبي شبيب ]. ميمون بن أبي شبيب صدوق كثير الإرسال، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة. والحديث فيه انقطاع بين ميمون بن أبي شبيب وعلي ، ولكن له شواهد، وهو صحيح بشواهده. قوله: [ قال أبو داود: ميمون لم يدرك علياً ، قتل بالجماجم، والجماجم سنة ثلاث وثمانين ]. ذكر أبو داود أن ميمون بن أبي شبيب قتل في الجماجم، وكانت سنة ثلاث وثمانين، وذكر أنه لم يدرك علياً ، ولعله أراد بذكر سنة وقعة الجماجم أن ميمون كان عمره قصيراً، ولذلك لم يدرك علياً . وأما ذكر سنة الحرة وسنة مقتل ابن الزبير فلا يظهر له ارتباط بالموضوع إلا من جهة الفائدة.

الرخصة في التفريق بين الكبار من السبي


شرح حديث سلمة بن الأكوع في افتداء النبي صلى الله عليه وسلم أسرى في مكة بجارية دون أمها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم. حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس بن سلمة قال: حدثني أبي رضي الله عنه قال: (خرجنا مع أبي بكر رضي الله عنه -وأمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فغزونا فزارة فشننا الغارة، ثم نظرت إلى عنق من الناس فيهم الذرية والنساء، فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا، فجئت بهم إلى أبي بكر فيهم امرأة من فزارة وعليها قشع من أدم معها بنت لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمت المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا سلمة ! هب لي المرأة. فقلت: والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً. فسكت حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال لي: يا سلمة ! هب لي المرأة لله أبوك. فقلت: يا رسول الله! والله ما كشفت لها ثوباً، وهي لك. فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسرى ففداهم بتلك المرأة) ]. أورد أبو داود [باب المدركين يفرق بينهم ]. يعني البالغين، فيجوز في البالغين أن يفرق بين القريب وقريبه. وقد أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: خرجنا في غزاة مع أبي بكر ، وكان أبو بكر أميرهم، فذكر أنهم غزوا فزارة، وأنه جاء إلى عنق من الناس -وهم جماعة من الناس- فرمى بسهمه فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا، فأتى بهم، وكانت فيهم امرأة ولها ابنة من أحسن العرب ومن أجملهم، فنفله أبو بكر إياها، والنفل هو إعطاء الشيء قبل قسمة الغنيمة من أجل جهد قام به ومن أجل عمل تميز به، فنفله إياها فصارت من نصيبه، فلما جاء إلى المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (هب لي المرأة) ] فقال: إنها أعجبتني، وإنني ما كشفت لها ثوباً. يعني أنه ما جامعها ولا حصل منه استمتاع بها، ثم بعد ذلك لقيه فقال: [ (هب لي المرأة لله أبوك) ] وذلك يدل على رغبة شديدة فيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يفادي بها الأسرى الذين كانوا عند الكفار، فأعطاه إياها وقال: إنني ما كشفت لها ثوباً، وهي لك يا رسول الله. فأرسلها في مقابل أسرى عند المشركين فخلصوا من الأسر في مقابل هذه الجارية. ومحل الشاهد من الترجمة هو أنه فرق بين المرأة وبين ابنتها لأنهما مدركتان كبيرتان، ومعنى هذا أن التفريق يجوز في البالغين وفي الكبار، وأما بين الكبير والصغير فإنه لا يفرق بينهما كما مر في الترجمة السابقة. قوله: [ (فشننا الغارة) ]. يعني أنهم شنوا عليهم الغارة وأحاطوا بهم من جميع الجهات. قوله: [ (ثم نظرت إلى عنق من الناس فيهم الذرية والنساء فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا) ]. العنق من الناس هم الجماعة، وكانوا جماعة فيهم النساء والذرية، فقاموا فأتى بهم يسوقهم. وكأنه أراد بالرمي أن يفزعوا فيستسلموا، وما قصد قتل أحدٍ منهم. قوله: [ فيهم امرأة من فزارة وعليها قشع من أدم ]. الأدم هو الجلد، والقشع: الجلد، وفيه لغتان، يقال: قَشع وقِشع ومنه قولك: قشعت الشيء. أي: دخلت قشره، والقشاعة: ما أخذته من جلدة وجه الأرض. وقوله: [ (لله أبوك) ]. هو عبارة ترغيب، تستعمل في التحريض على الشيء، كقولهم: لله درُه.

تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع في افتداء النبي صلى الله عليه وسلم أسرى في مكة بجارية دون أمها


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا هاشم بن القاسم ]. هارون بن عبد الله مر ذكره، وهاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار ، صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إياس بن سلمة ]. هو إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبي ]. هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة



شرح حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر غلامه الآبق بعد ظهوره على العدو


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة. حدثنا صالح بن سهيل حدثنا يحيى -يعني ابن أبي زائدة - عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن غلاماً لابن عمر أبق إلى العدو، فظهر عليه المسلمون، فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم). قال أبو داود : وقال غيره: ردَّه عليه خالد بن الوليد ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة ]. ومعنى هذا أن الكفار إذا أخذوا شيئاً لأحد المسلمين ثم بعد ذلك ظفر بهم المسلمون وأخذوا ما معهم من أموال وكان من بينها ذلك الذي أخذوه من ذلك المسلم؛ فإن ذلك لا يقسم ولا يكون من الغنيمة، وإنما يرجع على صاحبه الذي يملكه؛ لأن هذا ملك لأحد من المسلمين، وقد أخذه العدو ثم ظُفِرَ بالعدو وحيزت أموالهم ومن جملتها هذا الذي بأيديهم لأحد المسلمين، فإنه لا يكون من الغنيمة، وإنما يعطى لصاحبه الذي أخذ منه. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان له عبد فأبق إلى المشركين، وأنهم لما ظفروا بهم أعيد إليه ذلك العبد، ولم يقسم، أي: ما جعل في الغنيمة، ولم يقسم كما تقسم الغنيمة، وإنما أرجع إلى صاحبه، فدل هذا على أن المال الذي يأخذه العدو من أحد المسلمين ثم يظفر بهم المسلمون يرجع إلى صاحبه ولا يكون من جملة الغنيمة. [ قال: أبو داود : وقال غيره: رده عليه خالد بن الوليد ]. يعني: قال غير يحيى بن أبي زائدة -وهو ابن نمير الذي سيأتي في الأحاديث التي بعد هذا-: رده عليه خالد بن الوليد . أي أن الذي رد العبد الآبق عليه هو خالد بن الوليد ، وكان أميراً على الجيش.

تراجم رجال إسناد حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر غلامه الآبق بعد ظهوره على العدو


قوله: [حدثنا صالح بن سهيل ]. صالح بن سهيل مقبول، أخرج له أبو داود . [حدثنا يحيى -يعني ابن أبي زائدة -]. يحيى بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث رد فرس وعبد ابن عمر إليه بعد الظهور على العدو الذي حازهما


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري و الحسن بن علي المعنى، قالا: حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذهب فرس له فأخذها العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبق عبد له فلحق بأرض الروم، فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه أن فرساً له أخذه العدو وأنه أعاده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الذي أعيد إلى ابن عمر في زمنه صلى الله عليه وسلم فرس، وفي الحديث السابق أنه غلام أبق، وهذا الحديث الذي فيه أنه رد إليه فرس فيه أن عبداً له أبق ولحق بالروم، وأن المسلمين ظفروا به، وأن العبد الآبق رده إليه خالد بن الوليد . فالذي رده الرسول صلى الله عليه وسلم -أي: في هذا الطريق الثانية- هو الفرس، وفي الطريق الأولى الغلام الذي أبق، وفي الطريق الثانية أن الغلام الذي أبق إنما رده إليه خالد بن الوليد . وعلى كلٍ فمحل الشاهد للترجمة هو أن المال الذي يأخذه العدو لأحد المسلمين -سواءٌ أكان فرساً أم عبداً أم غير ذلك- ثم يظفر المسلمون بهم فإن ذلك الذي يختص بأحد المسلمين لا يكون من الغنيمة، وإنما يرجع إلى صاحبه.

تراجم رجال إسناد حديث رد فرس وعبد ابن عمر إليه بعد الظهور على العدو الذي حازهما


قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ و الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [قالا: حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهم جميعاً.

عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون



شرح حديث: (خرج عِبْدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلح)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون. حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (خرج عِبْدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -يعني يوم الحديبية- قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد! والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هرباً من الرق. فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: ما أراكم تنتهون -يا معشر قريش- حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا. وأبى أن يردهم، وقال: هم عتقاء الله عز وجل) ]. أورد أبو داود [باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون]. ومعناه أنهم ينفلتون وينطلقون من الكفار ويأتون إلى مسلمين ويسلمون، فإنهم يكونون بذلك مسلمين ولا يُسَلَّمون للكفار. وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله تعالى عنه قال: [ (خرج عِبْدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. والعبدان جمع عبد. فذكر أنهم خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قبل الصلح، فقال مواليهم: إنهم لم يلحقوا بك رغبة في دينك وإنما تخلصاً من الرق. فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقوا. قالوا ذلك على حسب الظاهر، أي: ما دام أنهم أرقاء وأنهم هربوا من مواليهم فمعنى ذلك أنهم يريدون الخلاص من الرق. فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لكونهم قالوا هذه المقالة وصدقوا أولئك مع أن هؤلاء ظهر منهم الإسلام. ثم قال: [ (ما أراكم تنتهون -يا معشر قريش- حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا) ]. فأنكر عليهم قولهم الذي قالوه وأبى أن يردهم، فبقوا مع المسلمين وكانوا من جملة المسلمين. وعلى هذا فإن الذي يأتي من الكفار إلى المسلمين -سواءٌ أكان حراً أم عبداً- يقبل، ويكون من جملة المسلمين ولا يرد على الكفار، وهذا كان قبل الصلح، وأما بعد الصلح فكان مما اشترطه الكفار في الصلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن من جاء من المسلمين إلى الكفار لا يرد عليهم، ومن ذهب من الكفار إلى المسلمين فإنه يرد عليهم، وكان لذلك أثر كبير على بعض الصحابة، وقالوا: كيف نعطي الدنية في ديننا؟! ثم بعد ذلك تبين لهم أن الخير فيما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما وافق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (هم عتقاء الله عز وجل) ]. معناه أن الله عز وجل أعتقهم من رق أولئك، أعتقهم ومن عليهم بالسلامة من الرق الذي كانوا فيه عند الكفار.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:07 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (خرج عِبْدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلح)

قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثني محمد -يعني: ابن سلمة -]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. [عن أبان بن صالح ]. أبان بن صالح وثقه الأئمة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [عن منصور بن المعتمر ]. منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن علي بن أبي طالب ]. قد مرَّ ذكره رضي الله تعالى عنه.
إباحة الطعام في أرض العدو


شرح حديث ترك النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الخمس من جيش غنم طعاماً وعسلاً


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إباحة الطعام في أرض العدو. حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال: حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن جيشاً غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً وعسلاً فلم يأخذ منهم الخمس) ]. أورد أبو داود [باب في إباحة الطعام في ديار العدو] يعني أن الطعام في أرض العدو يأكله المجاهدون في سبيل الله. وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن جيشاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنموا طعاماً وعسلاً فلم يأخذ منهم الخمس، أي: ما خمسه، وإنما أذن لهم باستعماله وأكله، فدل هذا على أن الطعام يأكل في أرض العدو حيث يكون الجيش بحاجة إليه، أما إذا كان كثيراً يزيد عن حاجتهم فإنهم يأكلون حاجتهم والباقي يكون من الغنيمة كما سيأتي في الأحاديث بعد هذا.

تراجم رجال إسناد حديث ترك النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الخمس من جيش غنم طعاماً وعسلاً


قوله: [حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ]. إبراهيم بن حمزة الزبيري صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة. [حدثنا أنس بن عياض ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث عبد الله بن مغفل في أخذه جراب شحم يوم خيبر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل و القعنبي قالا: حدثنا سليمان عن حميد -يعني ابن هلال - عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال: (دلي جراب من شحم يوم خيبر، قال: فأتيته فالتزمته، قال: ثم قلت: لا أعطي من هذا أحداً اليوم شيئاً. قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتبسم إلي)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه دلي جراب للعدو فيه شحم فسقط فأخذه والتزمه وقال: لا أعطي أحداً منه شيئاً. أي أنه سيختص به، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ويتبسم، فدل هذا على أن مثل ذلك لا يخمس كما تخمس الغنيمة؛ لأنه طعام.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مغفل في أخذه جراب شحم يوم خيبر

قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل و القعنبي ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [قالا: حدثنا سليمان ]. هو سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حميد -يعني: ابن هلال -]. حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن مغفل ]. عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث من رباعيات الإمام أبي داود رحمه الله تعالى.

النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو



شرح حديث عبد الرحمن بن سمرة في النهي عن النهبى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو. حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا جرير -يعني ابن حازم - عن يعلى بن حكيم عن أبي لبيد قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بكابل، فأصاب الناس غنيمة فانتهبوها، فقام خطيباً فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن النهبى. فردوا ما أخذوا فقسمه بينهم]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو]. وقد سبق أن عرفنا أن الطعام الذي يحتاج إليه لا يكون غنيمة ولا يقسم كما تقسم الغنائم، وإنما يأكل منه الناس لحاجتهم إليه، وإذا كان كثيراً فإنه يؤخذ منه ما يكفي لهم لحاجتهم وأكلهم والباقي يكون غنيمة، فيقسم كما تقسم الغنيمة. وقد أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وذكر تحتها حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه حين كانوا في كابل فانتهب الناس الطعام لكونه قليلاً، فخطبهم وقال: [سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن النهبى]. فرد كل منهم ما أخذ فقسمه بينهم، يعني: قسمه بينهم للاقتيات. والأخذ من الطعام على سبيل الانتهاب يجعل القوي يتمكن مما لا يتمكن منه الضعيف، فيأخذ القوي، والضعيف لا يُحصِّل شيئاً، أو يأخذ القوي شيئاً كثيراً والضعيف لا يجد إلا شيئاً قليلاً. وأما إذا كان الأخذ على قدر الحاجة أو يوزع عليهم بدون انتهاب فإن هذا تتحقق به المصلحة، ويحصل التساوي بين أفراد الجيش في الطعام الذي يأخذونه والذي حصل لهم في أرض العدو من العدو. فالذي أخذه أولئك المجاهدون كان طعاماً أخذوه لحاجتهم ولاقتياتهم، ولكن النهبى يترتب عليها أن القوي هو الذي يجد ويستفيد، والذي ليس كذلك لا يستفيد ولا يجد شيئاً، ولما خطبهم عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه وبين لهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بادروا إلى أن يرد كل ما أخذ، ثم إنه قسمه بينهم بحيث تكون الفائدة للجميع لا لبعضهم دون بعض.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الرحمن بن سمرة في النهي عن النهبى


قوله: [حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا جرير -يعني: ابن حازم -]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يعلى بن حكيم ]. يعلى بن حكيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [عن أبي لبيد عن عبد الرحمن بن سمرة ]. هو لمازة بن زبار الجهصمي ، صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أصبنا طعاماً يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي مجالد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: قلت: هل كنتم تخمسون -يعني الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-؟ فقال: أصبنا طعاماً يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه سئل: هل كانوا يخمسون الطعام؟ فأخبر أنهم غزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وأنهم حصلوا طعاماً، فكان الواحد منهم يأتي فيأخذ على قدر حاجته ثم ينصرف، وهذا ليس على سبيل الانتهاب، وإنما أذن لكل واحد أن يأخذ على قدر حاجته من الطعام الموجود بين أيديهم، وهذا يدلنا على أن الطعام لا يخمس، وإنما يأخذ منه الغزاة الغانمون على قدر حاجتهم، ولكنه إذا كان كثيراً فإنه يأخذ منه الغزاة حاجتهم والباقي يكون من جملة الغنيمة التي تخمس وتقسم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أصبنا طعاماً يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه ثم ينصرف)


قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو إسحاق الشيباني ]. هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن أبي مجالد ]. محمد بن أبي مجالد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عبد الله بن أبي أوفى ]. هو عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إن النهبة ليست بأحل من الميتة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن عاصم -يعني ابن كليب - عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على قوس، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال: (إن النهبة ليست بأحل من الميتة) أو (إن الميتة ليست بأحل من النهبة) الشك من هناد ]. أورد أبو داود حديث رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وأنهم أصابتهم حاجة، وأنهم أصابوا غنماً فانتهبوها، أي: فتسابقوا إلى أخذها على سبيل الانتهاب، وذبحوها وجعلوها في القدور، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفأ القدور وجعل يرمل اللحم بالتراب ويقول: [ (إن النهبة ليست بأحل من الميتة) ]، أو قال: [ (إن الميتة ليست بأحل من النهبة) ]. وذلك لتعظيم شأن الانتهاب وأنه خطير، وأن الإنسان حين يأخذ الشيء وهو لا يستحقه يكون بذلك قد أخذ أمراً لا يجوز له، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكفأ هذه القدور، وجعل يرمل اللحم بالتراب، أي يجعل عليه التراب، ومعنى ذلك أنه لا يؤكل وأنه مثل الميتة، فدل هذا على تحريم مثل هذا العمل، وأن الإنسان ليس له أن يأخذ إلا ما أحل الله له وما أبيح له وما أذن له في أخذه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن النهبة ليست بأحل من الميتة)


قوله: [حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم -يعني: ابن كليب -]. هو عاصم بن كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. أبوه صدوق، أخرج له البخاري في جزء رفع اليدين وأصحاب السنن. [عن رجل من الأنصار]. هو صحابي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مبهم، والمعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المبهم فيهم والمجهول في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين بعد أن حصل لهم ذلك من رب العالمين ومن رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وعبارة (عن رجل) إذا جاءت في موضع تابعي أو من دونه فإنها تؤثر في الإسناد، وتكون سبباً في تضعيف الحديث؛ لأن غير الصحابة يحتاج إلى معرفة حالهم، وأما الصحابة فإنهم لا يحتاجون إلى ذلك. وقول (من الأنصار) قد يحمل على رجل من أولاد الأنصار فيحتاج إلى معرفة حاله، ولكن عرفنا أن قوله هنا: [عن رجل من الأنصار] أنه صحابي؛ لكونه أخبر أنهم غزوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
حمل الطعام من أرض العدو


شرح حديث حمل الطعام من أرض العدو

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حمل الطعام من أرض العدو. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن حرشف الأزدي حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه، حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملاة]. أورد أبو داود [باب في حمل الطعام من أرض العدو]. يعني أن ذلك سائغ وأنه لا بأس به، وأنهم إذا أخذوا كفايتهم وهم في أرض العدو وزاد عليها شيء فإنهم يحملونه ولا بأس بذلك؛ لأن هذا رزق ساقه الله لهم، وغنيمة غنموها، فلهم ذلك ولا بأس به ولا مانع منه. وقد أورد أبو داود الحديث عن رجل من أصحاب رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه، حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملاة]. قوله: [كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه]. يعني أنه لا يقسم كما تقسم الغنائم، وإنما كانوا يأخذون منه فيأكلون ويتزودون، فيرجعون ومعهم شيءٌ من الطعام الذي زاد على قدر حاجتهم وهم في أرض العدو فيأكلونه في سفرهم أو في بيوتهم. قوله: [حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملاة]. الأخرجة جمع خرج، وهو الذي يوضع فيه متاع الراكب ومتاع المسافر. وقوله: [مملاة] يعني: ممتلئة من بقية الطعام الذي بقي لهم. والحديث في إسناده ضعف، وهو غير ثابت، ولكن معناه صحيح من جهة أن الطعام في أرض العدو يستعمله الغزاة، وإذا زاد معهم شيء فيرجعون به ولا بأس بذلك، فالمعنى صحيح والحديث في إسناده ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث حمل الطعام من أرض العدو


قوله: [حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن ابن حرشف الأزدي حدثه]. ابن حرشف مجهول، أخرج له أبو داود . [عن القاسم مولى عبد الرحمن ]. ذكر في ترجمته في تهذيب الكمال أنه القاسم بن أبي عبد الرحمن مولى عبد الملك، وهو صدوق يغرب كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو



شرح حديث معاذ في تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش طائفة من غنم أصابوها ورد باقيها في المغنم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو. حدثنا محمد بن المصفى حدثنا محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو عبد العزيز -شيخ من أهل الأردن- عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم قال: رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط ، فلما فتحها أصاب فيها غنماً وبقراً، فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم، فلقيت معاذ بن جبل رضي الله عنه فحدثته فقال معاذ : (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر، فأصبنا فيها غنماً، فقسم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو]. يعني أن ذلك سائغ وجائز ولا بأس به؛ لأنه إذا بيع فهو يرجع إلى الغانمين، أي: قيمته لهم، ولعل بيعه حيث يكون زائداً؛ لأنه يسرع إليه الفساد، فالأمر يقتضيه، وهذا يتعلق ببعض الأطعمة، ولكن بعضها لا يسري إليه الفساد. وقد أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وأنهم أصابوا غنماً، فقسم بينهم بعضها وجعل بعضها في الغنيمة، أي أنه قسم بعضها بينهم قوتاً يقتاتونه، فهذا الذي قسمه بينهم، والذي جعله في الغنيمة يصير من جملة الغنائم التي تقسم على الغانمين وتخمس، فيؤخذ خمسها وأربعة أخماسها للغانمين. والحديث ليس فيه شيء يتعلق بالبيع، لكن البيع صحيح إذا اقتضى الأمر ذلك، لاسيما إذا كان الطعام يسرع إليه الفساد وهو زائد على قدر الحاجة. وذكر أبو داود عن عبد الرحمن بن غنم أنهم كانوا مع شرحبيل بن السمط في فتح قنسرين، وأنهم أصابوا غنماً وبقراً، فقسم بعضها بينهم وبعضها جعله في الغنائم، ثم ذكر حديث معاذ فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حين أصابوا عنماً، فما أخبر به معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعاً، وما فعله ابن السمط موافق لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقنسرين مدينة.
تراجم رجال إسناد حديث معاذ في تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش طائفة من غنم أصابوها ورد باقيها في المغنم

قوله: [حدثنا محمد بن المصفى ]. محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن المبارك ]. محمد بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن حمزة ]. يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو عبد العزيز -شيخ من أهل الأردن-]. هو يحيى بن عبد العزيز ، مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود . [عن عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [عن عبد الرحمن بن غنم ]. عبد الرحمن بن غنم قال عنه الحافظ : عبد الرحمن بن غنم -بفتح المعجمة وسكون النون- الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. اهـ وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [فقال معاذ ]. هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:17 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [320]
الحلقة (352)





شرح سنن أبي داود [320]

الغنائم في الجهاد حق لكل المجاهدين، ولذا لم يجز الانتفاع بشيءٍ منها قبل قسمتها، فليس لأحد أن ينتفع منها بمركوب حتى إذا أعجفه رده فيها، ولا بملبوس كذلك إلا لحاجة وبقدر ما يدفع الحاجة، ومن هذا الباب رخص في استعمال سلاح الكافر حال القتال. وقد ورد الوعيد الشديد لمن غل، وحُذِّر من فعله ومِنْ سَتْرِه، وما ذلك إلا لكون الغنائم حقاً عاماً للمجاهدين، فمن أخذ منها شيئاً فقد تعلق به حقهم جميعاً.

الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء


شرح حديث: (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء. حدثنا سعيد بن منصور و عثمان بن أبي شيبة المعنى -قال أبو داود : وأنا لحديثه أتقن- قالا: حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء]. يعني: ينتفع بشيء من الغنيمة فيركب على دابة من الغنيمة، أو يلبس ثوباً من ثياب الغنيمة في بعض الأحوال حتى يجد ثوباً أو يصل إلى مكان له فيه ثياب، أو حتى يتمكن من تحصيل ثوب، فيجوز أن يستفيد من الغنيمة والفيء بالشيء بقدر الحاجة، ولا يستفيد منه ويستمر فيه حتى يبليه ويتلفه، أو يركب الدابة حتى يعجفها وينهكها، وإنما يستعمل ذلك للحاجة فقط، ومتى ما وجد السبيل إلى الاستغناء عن ذلك فإنه يرده. وأورد أبو داود حديث رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه) ]. معناه أنه يستعملها إلى أن ينهكها، ومفهوم هذا أنه إذا انتفع بشيءٍ لحاجة بحيث لا يؤدي الانتفاع إلى إتلافها أو إتعابها في الاستخدام والاستعمال فذلك لا بأس به؛ لأن المحذور هو أن يستعمل الفيء ويداوم على ذلك بحيث يحصل بسبب استعماله شيء من التأثر والتضرر للمستعمل الذي هو الدابة أو الثوب. قال صلى الله عليه وسلم: [ (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) ]. قوله: [ (حتى إذا أخلقه رده فيه) ] معناه: حتى يكون خلقاً بالياً لا يستفاد منه. فإذا كان المرء محتاجاً إلى الركوب فإنه يركب، وإذا احتاج إلى أن يلبس ثوباً لمدة مؤقتة فإنه يلبس، ولا بأس بذلك، ولكن الممنوع هو كون انتفاعه يؤدي إلى إنهاك الدابة أو إتلافها وإخلاق الثوب أو إتلافه.
تراجم رجال إسناد حديث: (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه)

قوله: [حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور مر ذكره. [و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. قوله: [قال أبو داود : وأنا لحديثه أتقن ]. يعني بذلك شيخه الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة . [قالا: حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير ، وقد مر ذكره. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي مرزوق مولى تجيب ]. هو حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [عن حنش الصنعاني ]. حنش الصنعاني ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن رويفع بن ثابت الأنصاري ]. هو رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي .

الرخصة في أخذ سلاح العدو للقتال به في المعركة


شرح حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في أخذه سيف أبي جهل وقتله به

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة. حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا إبراهيم -يعني ابن يوسف ، قال أبو داود : هو إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي - عن أبيه عن أبي إسحاق السبيعي قال: حدثني أبو عبيدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله، فقلت: يا عدو الله يا أبا جهل ! قد أخذ الله الآخر. قال: ولا أهابه عند ذلك، فقال: أبعد من رجل قتله قومه؟! فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئاً حتى سقط سيفه من يده، فضربته به حتى برد]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة]. والترجمة موهمة، ومعلوم أن السلاح يقاتل به في المعركة، وهذا هو الأصل فيه ولا يحتاج إلى ترخيص، ولكن المقصود من ذلك السلاح الذي يكون مع العدو فيأخذه المسلم من الكافر فيقاتل به، فالمقصود سلاح العدو وليس المقصود سلاحه هو؛ لأن الأصل أن كل مسلم يقاتل بسلاحه، والترخيص إنما هو في استعمال سلاح العدو بحيث يأخذ المسلم من عدوه سلاحاً فيقاتل به في المعركة، فالمقصود من السلاح هنا سلاح العدو. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لما كان يوم بدر وجد أبا جهل وقد أصيبت رجله، وكذلك أصيب -أيضاً- في غير رجله، ولكن بقي فيه رمق، فجاء عبد الله وعرفه، وكان معه سيف غير حاد فكان يضربه به في غير طائل، أي: من غير فائدة، فضرب يده فسقط السيف وكان في يده وكان يذب به عن نفسه، أي: ما كان يستطيع الحركة ولكنه يذب عن نفسه بالسيف، فلما سقط سيفه أخذه عبد الله وأجهز عليه به حتى برد، أي: حتى مات وفارق الحياة. ومحل الشاهد منه كون عبد الله بن مسعود أخذ سيف أبي جهل وضربه به واستعمله في المعركة. قوله: [مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله، فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخذ الله الآخر]. يعني بالآخر الأبعد. قوله: [ولا أهابه عند ذلك]. يعني: ولا أهابه عند ذلك لأنه جريح واقع في الأرض. قوله: [فقال: أبعد من رجل قتله قومه؟!]. قال الخطابي : الصواب أنه (أعمد). وقوله: [ قتله قومه ]. معناه أن الذي قد حصل هو أن الرجل قتله قومه. يريد أن يهون على نفسه المصاب. قوله: [فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئاً]. أي: ضربه ابن مسعود بسيف كان معه، وقوله: [غير طائل] يعني: غير مجدٍ وغير مفيد [فلم يغن شيئاً] يعني: ما حصل منه المقصود في كونه يجهز عليه ويجعله يفارق الحياة. قوله: [حتى سقط سيفه من يده فضربته به حتى برد]. يعني: سقط سيف أبي جهل من يد أبي جهل ، فضربه به حتى برد، أي: حتى مات وفارق الحياة. وقد جاء في بعض الأحاديث أن الذي قتل أبا جهل هما معاذ و معوذ ابني عفراء . وهنا ذكر أن الذي قتله ابن مسعود ، والتوفيق بينهما أن معاذاً و معوذاً أجهزا عليه فأردياه وبقي به رمق، فأجهز عليه ابن مسعود رضي الله عنه.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في أخذه سيف أبي جهل وقتله به

قوله: [حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا إبراهيم -يعني ابن يوسف - ]. هو إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [عن أبيه]. هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي إسحاق السبيعي ]. أبو إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبو عبيدة ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والصحيح أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والألباني صحح الحديث، وقال: إن بعضه له شاهد في البخاري، ومعنى ذلك أن الحديث ثابت بالشواهد.
تعظيم الغلول


شرح حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على ميت غل يوم خيبر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تعظيم الغلول. حدثنا مسدد أن يحيى بن سعيد و بشر بن المفضل حدثاهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه (أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم. فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله. ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [باب في تعظيم الغلول] يعني تعظيم شأنه وأنه خطير، وأنه ليس بالأمر الهين. والغلول في الأصل يكون من غنيمة، ويؤخذ بغير حق، وهو من الخيانة، فأمر الغلول عظيم، وقد جاء في الحديث (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر) ومعناه أنه أخذ ذلك من غير حق، فيكون خائناً بذلك، فشأن الغلول عظيم وخطير. وقد ترجم أبو داود بهذه الترجمة، قال: [ باب في تعظيم الغلول ] يعني تعظيم شأنه وبيان خطورته وأن فيه وعيداً شديداً، وأنه ليس بالأمر الهين، وإنما هو شيء عظيم عند الله عز وجل. وأورد حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه [ (أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم) ]. أي: لم يصل عليه. قال: [ (فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله) ]. قوله: [ (فتغيرت وجوه الناس) ] يعني: تأثروا لكون الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر عن الصلاة عليه، ومعنى ذلك أن عنده جرماً وأنه أتى بشيء عظيم فتغيرت وجوه الناس لكونه لم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، فقال: [ إن صاحبكم غلَّ في سبيل الله ] يعني أن السبب في عدم الصلاة عليه كونه غل، والغلول خيانة؛ لأنه أخذ حقاً مشاعاً للغانمين، فالذين ظلمهم وأساء إليهم كثير، ولو كانت الإساءة إلى واحد فإن الأمر عظيم أيضاً، ولكن حيث تكون الإساءة إلى عدد كبير حين يكون الأخذ من حق أناس كثيرين فإن الأمر يكون أخطر؛ لأن فيه تعميماً للظلم وتكثيراً له، فلو حصل الظلم لشخص واحد فإنه يكون خطيراً فكيف به حين يكون لأشخاص كثيرين؟! وأخبر زيد بن خالد رضي الله عنه أنهم فتشوا رحله ومتاعه فوجدوا فيه خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين. والحديث في إسناده أبو عمرة ، وهو مقبول.

تراجم رجال إسناد حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على ميت غل يوم خيبر

قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثاهم]. أي: حدثا مسدداً وغيره. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمرة ]. أبو عمرة مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن زيد بن خالد الجهني ]. هو زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الثياب والمتاع والأموال، قال: فوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو وادي القرى -وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد أسود يقال له: مدعم - حتى إذا كانوا بوادي القرى، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم فقتله، فقال: الناس هنيئاً له الجنة! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كلا، والذي نفسي بيده! إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً. فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار. أو قال: شراكان من نار) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنهم لما كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر أنهم لم يغنموا ذهباً ولا فضة، وإنما غنموا الثياب والمتاع والأموال، يعني: ما غنموا ذهباً ولا فضة، وإنما غنموا أشياء من الثياب والمتاع ومن الأموال غير الذهب والفضة. قال: [ (فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى) ] وذكر أنه أهدي لرسول صلى الله عليه وسلم عبد أسود يقال له: مدعم ، وأنه بينما يحط رحل الرسول صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: [ (كلا، والذي نفسي بيده! إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً) ]. وهذا هو محل الشاهد للترجمة، وهو بيان تعظيم الغلول وأن الأمر خطير، وأن تلك الشملة مع أنها حقيرة تشتعل عليه ناراً، وأنه يعذب بها لأنه قد غلها وأخذها من غير حقها. فلما سمع الناس ذلك استعظموه، فجاء رجل ومعه شراك أو شراكان -شك من الراوي-، والشراك هو شسع النعل، فهو شيء يسير، وأخبر أنه أخذ ذلك من الغنيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: [ (شراك من نار) ] أو قال: [ (شراكان من نار) ] ومعناه أنه يعذب بهما، فصاحب الشملة عذب بها، وكذلك الشراكان يكونان من نار يعذب بهما آخذهما غلولاً.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً)

قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ثور بن زيد الديلي ]. ثور بن زيد الديلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الغيث مولى ابن مطيع ]. أبو الغيث مولى ابن مطيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
الغلول إذا كان يسيراً يتركه الإمام ولا يحرق رحله


شرح حديث: (كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغلول إذا كان يسيراً يتركه الإمام ولا يحرق رحله. حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال: أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عبد الله بن شوذب قال: حدثني عامر -يعني ابن عبد الواحد - عن ابن بريدة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله! هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة. فقال: أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟! فاعتذر إليه، فقال: كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك) ]. أورد أبو داود [باب في الغلول إذا كان يسيراً يتركه الإمام ولا يحرق رحله] أي: لا يحرق رحل الغال. وهذه الترجمة فيها أن الغلول اليسير الذي يكون مع الغال يترك معه، ولكنه متوعد في ذلك في الدار الآخرة؛ لأنه جاء به بعد القسمة، ولأنه لو كان أتى به قبل أن يقسم لقسم بين الغانمين. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه) ]. ومعلوم أن كل واحد يأخذ شيئاً من الغنيمة من العدو، فكان صلى الله عليه وسلم يأمر بلالاً فينادي بأن يأتي الناس بالغنائم التي معهم، فيجمعونها حتى تخمس وتقسم. وفي غزوة أصاب شخص زماماً من شعر، وهو زمام البعير الذي يقاد به، فلم يأت بعد أن سمع النداء إلا بعدما قسمت الغنائم وقال: هذا أخذته من الغنيمة. فقال له صلى الله عليه وسلم: [ (أسمعت بلالاً ينادي؟) ] قال: نعم. واعتذر عن عدم إتيانه به قبل تخميس الغنيمة وقسمتها بعذر لا نعلمه. فقال له صلى الله عليه وسلم: [ (كن أنت تجيء به يوم القيامة) ] يعني أنك تحاسب عليه يوم القيامة؛ لأنك أخذته من الغنيمة بغير حق، ولم تأت به ليقسم بين المستحقين. فيبقى معه وهو متوعد بهذا الوعيد، وهو دال على خطورة الغلول، وأنه من الأمور الخطيرة ولو كان ذلك الشيء يسيراً. ولقد سبق في حديث مضى أن رجلاً كان معه كبة من شعر أخذها من الغنائم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك) أي: وما كان للناس فإنه لا يملكه، فقال: (أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها) ثم رماها وتركها ولم يأخذها. والترجمة فيها ذكر التحريق والإشارة إلى التحريق، أي: تحريق رحل الغال، وقد أورد أبو داود عدة أحاديث ستأتي فيما يتعلق بتحريق المتاع ولكنها كلها ضعيفة.

تراجم رجال إسناد حديث: (كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك)

قوله: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شوذب ]. عبد الله بن شوذب صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [حدثني عامر -يعني ابن عبد الواحد -]. عامر بن عبد الواحد صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:18 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
عقوبة الغال


شرح حديث: (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عقوبة الغال. حدثنا النفيلي و سعيد بن منصور قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد -قال النفيلي : الدراوردي - عن صالح بن محمد بن زائدة -قال أبو داود : و صالح هذا أبو واقد - قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل، فسأل سالماً عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه)، قال: فوجدنا في متاعه مصحفاً، فسأل سالماًعنه فقال: بعه وتصدق بثمنه ]. أورد أبو داود [باب في عقوبة الغال] ومعنى ذلك أنه يعاقب في الدنيا بتحريق متاعه، وفي الآخرة جاءت الأحاديث في الوعيد بحقه، مثلما مر في قوله صلى الله عليه وسلم: (شراك من نار) أو (شراكان من نار) وإخباره صلى الله عليه وسلم عن الشملة أنها تشتعل على صاحبها ناراً وأنه يعاقب على غلوله. وتحريق المتاع لا يدخل فيه الغنيمة التي معه؛ لأنها للغانمين وليست حقاً له، وإنما الذي يحرق هو متاعه الذي يخصه. وأورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه) ]. قوله: (أحرقوا متاعه واضربوه) يعني: متاعه الذي يخصه وليس الغنيمة، ومعناه أنه يضرب مع تأديبه بحرق متاعه. وقوله: [فوجدنا في متاعه مصحفاً، فسأل سالماً عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه]. أي: كان مما وجد في متاعه مصحف، فسأل مسلمة سالماً عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه؛ فلا يحرق مع متاعه، بل يبقى للاستفادة منه ويباع. والحديث ضعيف لضعف رجل في إسناده.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه)


قوله: [حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و سعيد بن منصور قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. سعيد بن منصور مر ذكره، وعبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن محمد بن زائدة ]. صالح بن محمد بن زائدة ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [فسأل سالماً عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب ]. سالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث إحراق الوليد بن هشام متاع غالٍّ وضربه ومنعه سهمه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي قال: أخبرنا أبو إسحاق عن صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر و عمر بن عبد العزيز ، فغل رجل متاعاً فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطيف به، ولم يعطه سهمه. قال أبو داود : وهذا أصح الحديثين، رواه غير واحد أن الوليد بن هشام أحرق رحل زياد بن سعد -وكان قد غل- وضربه ]. هذا إسناد آخر ينتهي إلى الوليد بن هشام ، وهو مثل الذي قبله، ومعناه أن الغال يحرق رحله ويضرب. وهو مقطوع، ومع ذلك في إسناده ذلك الرجل الضعيف الذي هو صالح بن محمد .
تراجم رجال إسناد حديث إحراق الوليد بن هشام متاع غالٍّ وضربه ومنعه سهمه

قوله: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي قال: أخبرنا أبو إسحاق ]. أبو صالح مر ذكره، و أبو إسحاق هو الفزاري ، وقد مر ذكره. [ عن صالح بن محمد ]. صالح بن محمد مر ذكره. قوله: [ قال: غزونا مع الوليد بن هشام ]. في الحديث السابق قال: مع مسلمة : وهنا قال: مع الوليد بن هشام، وهناك ذكر الإسناد إلى عمر بن الخطاب ، وهنا وقف عند كون الوليد بن هشام أحرق المتاع، فيكون مقطوعاً، ومع كونه مقطوعاً هو ضعيف؛ لأن فيه صالح بن محمد وهو ضعيف أخرج له أصحاب السنن. والوليد بن هشام هو الأموي، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ قال أبو داود : وهذا أصح الحديثين ]. يعني أن الموقوف هذا أصح من ذلك المتصل، وكل منهما فيه الرجل الضعيف الذي هو صالح بن محمد .

شرح حديث إحراق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر متاع الغالِّ وضربه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف قال: حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر و عمر رضي الله عنهما حرقوا متاع الغال وضربوه]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما حرقوا متاع الغال وضربوه، فهو مثل الذي قبله، وهو -أيضاً- ضعيف من أجل زهير بن محمد الذي في الإسناد.

تراجم رجال إسناد حديث إحراق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر متاع الغال وضربه


قوله: [حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود ، و النسائي في مسند علي . [حدثنا موسى بن أيوب ]. موسى بن أيوب صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم ثقة، كثير التدليس، أخرج له أصحاب السنن. [حدثنا زهير بن محمد ]. زهير بن محمد رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، والحديث ثبت من رواية الوليد بن مسلم ، وهو من أهل الشام. [عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. أبوه صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [عن جده]. هو عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
زيادة (ومنعوه سهمه) في حديث إحراق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر متاع الغال وترجمة من زادها

[قال أبو داود : وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد -ولم أسمعه منه-: ومنعوه سهمه]. أي أن علي بن بحر زاد في الحديث: [ومنعوه سهمه] ولم يسمعها منه أبو داود ، بل سمعها من غيره، ومعنى: [ومنعوه سهمه] أي: من الغنيمة. وعلي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي .
طريق أخرى لحديث إحراق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر متاع الغال وتراجم رجال الإسناد

[ قال أبو داود : وحدثنا به الوليد بن عتبة و عبد الوهاب بن نجدة قالا: حدثنا الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب قوله، ولم يذكر عبد الوهاب بن نجدة الحوطي (منع سهمه) ]. معناه أن الحديث مقطوع من قول عمرو بن شعيب . قوله: [وحدثنا به الوليد بن عتبة ]. الوليد بن عتبة ثقة، أخرج له أبو داود . [ وعبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [قالا: حدثنا الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب ]. قد مر ذكرهم جميعاً. وهذه الروايات ضعفها جميعاً الإمام الألباني .
النهي عن الستر على من غل


شرح حديث: (من كتم غالاً فإنه مثله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الستر على من غل. حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا سليمان بن موسى أبو داود قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: أما بعد: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كتم غالاً فإنه مثله) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن الستر على من غل] أي أن الغال إذا علم أمره وشأنه فإنه لا يُستَر عليه، والذي ينبغي في مثل هذا أن ينصح، وإذا لم يقبل النصح، فإنه يرفع أمره إلى الأمير حتى يخلصه من هذا الغلول الذي حصل؛ لأن بقاءه معه واستمراره في حوزته واستمرار خيانته يعود عليه بالمضرة في الدنيا والآخرة، فالعمل على تخليصه من هذه البلية ومن هذا العمل الخبيث من التعاون على البر والتقوى. وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كتم غالاً فإنه مثله) ]. يعني: من كتم أمره وأخفى أمره وهو يعلم ذلك فإنه يكون مثله. أي: في الإثم. لكن الحديث ضعيف لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المعنى صحيح من حيث كون المسلم يكون عوناً لأخيه المسلم وناصحاً له، فالذي عليه أن ينصحه وأن ينبهه حتى يتخلص من الغلول، وإذا لم يقبل النصح فإنه يرفع أمره إلى أمير الجيش حتى يخلصه من هذا الغلول الذي يعود عليه بالمضرة في الدنيا والآخرة. والحديث -كما أشرت- ضعيف، وفيه خمسة متكلم فيهم، وهذا الإسناد هو إسناد حديث مر هو (يا خيل الله! اركبي)، فإن هذا الإسناد هو نفس ذاك الإسناد، فيه خمسة متكلم فيهم، فيهم من هو مقبول ومن هو مجهول ومن هو لين الحديث، ولم يسلم غير الصحابي إلا واحد هو يحيى بن حسان ، فهو ثقة، وأما الصحابة فلا كلام فيهم، والخمسة الباقون بين لين الحديث ومقبول الحديث ومن ليس بالقوي ومن هو مجهول. وهؤلاء الخمسة انفرد أبو داود بالإخراج لهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من كتم غالاً فإنه مثله)


قوله: [حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [حدثنا يحيى بن حسان ]. يحيى بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، أخرج حديثه أبو داود . [حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ليس بالقوي، أخرج له أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ] خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



حكم استخدام أموال الدولة في المصالح الخاصة


السؤال: ما حكم استخدام أموال الدولة في المصالح الخاصة؟



الجواب: لا يجوز ذلك، وإنما أموال الدولة تستعمل في الأمور التي خصصت لها، فكون الإنسان يكون موظفاً فيأخذ من أوراق الدولة ومن أقلامها ويستعملها، أو يستعمل التلفونات في أموره الخاصة وليس في أمور الدولة؛ هذا لا يجوز، ويعتبر خيانة لكونه أخذ شيئاً بغير حق، ولا يعد غلولاً؛ إذ الغلول خاص بالأخذ من الغنيمة قبل القسمة.

تفسير قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)


السؤال: ما تفسير قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]؟



الجواب: جاء في تفسيرها -كما في بعض الأحاديث- أنهم فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها. ولعل المقصود من ذلك أنه أخذها اصطفاءً لا غلولاً. وقد جاء في بعض الأحاديث في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران:161] أن معناه: ما كان للنبي أن يتهمه قومه بالغلول. وقوله تعالى: (( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) يفسره قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، يقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: قد أبلغتك).

معنى الشملة

السؤال: ما المراد بالشملة؟



الجواب: المراد بالشملة شيء من الثياب يتوشح به ويتلفع، أو كساء من صوف أو شعر يتغطى به ويتلفف به، وهي من المتاع الخفيف.

حكم بيع المصحف

السؤال: ما حكم بيع المصحف؟ الجواب: لا بأس ببيعه.


معنى قوله صلى الله عليه وسلم عن المطر: (حديث عهد بربه)


السؤال: جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟! قال: لأنه حديث عهد بربه) فما المراد بقوله: (حديث عهد بربه)؟


الجواب: يعني أنه حديث عهد بإنزال ربه؛ لأنه -كما هو معلوم- نزل من بين السماء والأرض، وما نزل من العرش، وإنما نزل من بين السماء والأرض، كما قال الله عز وجل: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، وقال تعالى: أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69] أي السحاب، فهو حديث عهد بإنزال ربه، وليس معنى ذلك أنه جاء من عند الله من فوق العرش.

حكم مقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية


السؤال: ما حكم مقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية؟



الجواب: المسلمون -كما هو معلوم- في هذا الزمان عندهم ضعف شديد، وسبب ضعفهم عدم قيامهم بأمر الله عز وجل وبما يجب عليهم، ومن أجل ذلك هانوا على أنفسهم وهانوا على أعدائهم فصاروا هائبين بدل أن يكونوا مهيبين، صاروا يهابون أعداءهم وأعداؤهم لا يهابونهم. أما المقاطعة ونحوها فهي ترجع إلى المصلحة وما يترتب على ذلك من الفائدة. ومعلوم أن اليهود -وهم من أرذل خلق الله ومن أحط خلق الله- ما تسلطوا على المسلمين إلا لضعف المسلمين وهوانهم وعدم قيامهم بأمر الله عز وجل، ولو أن المسلمين رجعوا إلى ربهم لصار لهم شأن ولهابهم أعداؤهم بدل أن صاروا هم الهائبين لأعدائهم، ومعلوم أن دول الكفر كلها ضد الإسلام، ولكن المسلمين أنفسهم هم الذين قصروا في إسلامهم وقصروا بما يجب عليهم نحو إسلامهم. والمهم أن يرجع المسلمون إلى الله عز وجل، وإذا رجعوا إلى الله عز وجل، وأصلحوا ما بينهم وبين الله، وعملوا بما هو مطلوب منهم؛ فإن هذا من أسباب نصرهم، والله تعالى يقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، ويقول تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:25 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [321]
الحلقة (353)





شرح سنن أبي داود [321]

للغنائم أحكامها الشرعية المتعلقة بها، ومن تلك الأحكام أنه لا يسهم فيها إلا لشاهد المعركة، ولا يسهم لمن لم يشهدها إلا إذا غاب بإذن الإمام، وقد يرى الإمام الإسهام لبعض من لم يشهدها، ومن أحكامها أن العبد والمرأة إذا شاركا في الجهاد كان لهما نصيبٌ منها رضخاً لا سهماً، ولما كانت الأسهم على قدر البلاء في الجهاد كان نصيب الفارس فيها أكبر من نصيب الراجل، فيعطى الفارس سهماً له وسهمين لفرسه لبلائه كراً وفراً.

السلب يعطى القاتل


شرح حديث: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلب يعطى القاتل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، قال: فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل عليَّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت له: ما بال الناس؟ قال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثانية: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما لك يا أبا قتادة ؟! قال: فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله إذاً! يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، فأعطه إياه. فقال أبو قتادة : فأعطانيه، فبعت الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام) ]. أورد أبو داود [باب في السلب يعطى للقاتل] أي: لقاتل الكافر الذي معه شيء من سلاح وثياب وغير ذلك، هذا هو السلب الذي يعطى للقاتل، وإعطاؤه القاتل فيه مكافأة له على نشاطه وعلى قوته وعلى جرأته وتمكنه من القضاء على الكافر ومن النكاية بالكفار، فلهذا شرع إعطاء القاتل السلب، ولقد جاء فيه أحاديث، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث سلمة بن الأكوع في قصة الرجل الذي جاء على جمل وأناخه ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اقتلوه) فلحقوه، وكان سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عداءً، وكان سباقاً على رجليه، فلحق به حتى أدركه وقتله، فجاء بالبعير يقوده وما عليه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه، فإعطاء السلب للقاتل -أي: ما كان بحوزة المقتول من الكفار- فيه مكافأة وفيه تحفيز للهمم ومكافأة لمن أبلى بلاءً حسناً وحصل منه ما فيه نكاية بالأعداء. وأورد أبو داود حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا في غزوة حنين فحصلت جولة، يعني: حصل إقدام ثم إحجام، وانكشف المسلمون، وقد قال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة؛ فعوقبوا على ذلك بأن حصلت لهم الهزيمة أولاً، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر قليل، فثبت يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم إنه رجع الناس وصار النصر لهم على أعدائهم في آخر الأمر. فأخبر أبو قتادة أنه رأى رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين -يعني: ظهر عليه وغلبه- فاستدار وأتاه من خلفه فضربه على حبل رقبته، أي: ضربه في المكان الذي في أسفل الرقبة فقتله، ولكنه بقي فيه رمق فأقبل إليه وضمه ضمة شديدة، قال أبو قتادة : [وجدت منها ريح الموت] ثم إنه أطلقه لأنه أدركه الموت. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك قال: [ (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه) ] يعني: له من يشهد له على ذلك؛ لأن الدعاوى قد يعتريها ما يعتريها من النقص ومن الخلل، فقال: [ (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه) ] فكان أبو قتادة يقوم ويقول: من يشهد لي. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [ (مالك يا أبا قتادة ؟) ] فقص عليه القصة، وكان في الحاضرين الرجل الذي أخذ سلب ذلك المقتول، فقال: يا رسول الله! سلبه عندي فأرضه. يعني: دع هذا السلب لي وأرض أبا قتادة من عندك. فعند ذلك بادر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: [لاها الله إذاً -أي: لا والله- يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه!] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (صدق) ] يعني: صدق أبو بكر . فقام ذلك الرجل الذي عنده سلب ذلك المقتول فأعطاه لأبي قتادة ، فباعه واشترى به مخرفاً -أي: بستاناً-، قال: فهو أول مال تأثلته في الإسلام، يعني: تملكته وظفرت به، وكان بسبب ثمن ذلك السلب الذي حصل له من ذلك المقتول الذي قتله، وهو دال على إعطاء السلب لقاتله، وهذا إنما يكون من الإمام أو ممن يكون نائباً عنه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)


قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. هو مالك بن أنس الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمر بن كثير بن أفلح ]. عمر بن كثير بن أفلح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي فقد أخرج له في مسند مالك . [عن أبي محمد مولى أبي قتادة ]. أبو محمد مولى أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي قتادة ]. هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

تابع شرح حديث: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)

قوله: [فضربته بالسيف على حبل عاتقه]. المقصود بذلك أسفل عنقه الذي هو متصل بالعاتق. قوله: [فلحقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت له: ما بال الناس؟ قال: أمر الله]. معنى قوله: [ما بال الناس] أي: الانكشاف الذي قد حصل. وقول عمر : [أمر الله] يعني أن هذا شيء بقضاء الله وقدره، ومصيبة حلت بالمسلمين، ولكن الله عز وجل أعاد الكرة لهم فرجعوا عن ذلك الانكشاف وذلك الانصراف الذي قد حصل وصار في النهاية النصر لهم. قوله: [فقال أبو بكر رضي الله عنه: لاها الله إذاً! يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه!]. يعني أن هذا أسد من أسد الله يقاتل في سبيل الله ويذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون منه الجهد العظيم والجهد المشكور، فكيف تكون الغنيمة لغيره وهو لا يظفر بذلك الذي هو نتيجة لجهده؟! فمعناه أن هذا لا يكون، وهو اعتراض على ذلك الطلب الذي طلبه من كان بيده السلب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، وقال: [ (صدق) ] أي: صدق أبو بكر، فأمره أن يعطيه إياه، فقام وأعطاه أبا قتادة رضي الله عنه فباعه واشترى به مخرفاً أي بستاناً.
شرح حديث: (من قتل كافراً فله سلبه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ -يعني يوم حنين-: من قتل كافراً فله سلبه. فقتل أبو طلحة رضي الله عنه يومئذ عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم، ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ! ما هذا معك؟ قالت: أردت -والله- إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه. فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو داود : هذا حديث حسن. قال أبو داود : أردنا بهذا الخنجر، وكان سلاح العجم يومئذ الخنجر]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان في غزوة حنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (من قتل كافراً فله سلبه) ] فقتل أبو طلحة رضي الله عنه عشرين شخصاً وأخذ أسلابهم، أي: أخذ الأشياء التي كانت معهم بناءً على هذا القول الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن السلب يكون للقاتل ولو تعدد المقتولون ولو كثروا؛ لأن أبا طلحة رضي الله عنه قتل عشرين وأخذ أسلابهم. وهذا يدل على قوة بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ونشاطهم وبلائهم في الجهاد في سبيل الله، فإن أبا طلحة قتل هؤلاء العشرين من الكفار وأخذ أسلابهم. ثم رأى أم سليم -وهي زوجته، وهي أم أنس بن مالك - ومعها خنجر فقال لها: ما هذا يا أم سليم ؟ قالت: أردت إن دنا أحد مني أن أبعج بطنه. أي: أشق بطنه بهذا الخنجر. تعني أنه إذا دنا أحد من الكفار إليها فإنها تستعمله للدفاع عن نفسها وتشق بطنه بهذا الخنجر، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [قال أبو داود : أردنا بهذا الخنجر، وكان سلاح العجم يومئذ الخنجر]. يعني بذلك لفظ الخنجر، والخنجر هو السكين الغليظة الكبيرة الحادة، وكان سلاح العجم يومئذ الخنجر، أي: وهذا من سلاح العجم، وإلا فإن الذين كانوا يقاتلون هم هوازن، وهم من العرب.
تراجم رجال إسناد حديث: (من قتل كافراً فله سلبه)

قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك هو عم إسحاق بن عبد الله ؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة هو أخو أنس بن مالك لأمه وهذا ابنه، فيكون عمه. و أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من الأسانيد العالية عند أبي داود.
منع الإمام القاتل السلب واعتبار الفرس والسلاح من السلب


شرح حديث: (هل أنتم تاركون لي أمرائي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى، والفرسُ والسلاحُ من السلب. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: خرجت مع زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة، فرافقني مَدَدِي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب، وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه فأخذ من السلب، قال عوف : فأتيته فقلت: يا خالد ! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل؟! قال: بلى، ولكني استكثرته. قلت: لتردنه عليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه، قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا خالد ! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله! لقد استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا خالد ! رد عليه ما أخذت منه. قال عوف : فقلت له: دونك يا خالد ! ألم أفِ لك؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذلك؟ فأخبرته، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا خالد ! لا ترد عليه، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى، والفرسُ والسلاحُ من السلب]. يعني: إذا رأى ذلك فإن القاتل يكون له السلب، ولكن للإمام أن يمنعه إذا رأى ذلك، أي: يمنع القاتل السلب إذا رأى ذلك. وقوله: [والفرس والسلاح من السلب] يعني أنهما من جملة السلب، بحيث إذا كان للمقتول فرس ومعه سلاح فإنه يكون سلباً ويكون لقاتله فيملك الفرس ويملك السلاح. وأورد أبو داود حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: [خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه]. وغزوة مؤتة هي الغزوة التي كانت في أرض الروم، وكانت في السنة الثامنة، واستشهد فيها ثلاثة من الأمراء، وهم زيد بن حارثة و جعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة ، ويقال لها: غزوة الأمراء؛ لأنه استشهد فيها أمراء ثلاثة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ الراية خالد ونصر الله المسلمين على أعدائهم. قال عوف بن مالك : صحبني مددي من اليمن. والمددي هو الذي يأتي يمد الجيوش أو تمد به الجيوش، فيقال له: مددي. أي: جاء يمد الجيوش، كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن أويس القرني فقال: (يأتيكم مع أمداد أهل اليمن) يعني الذين يأتون من اليمن ليمدوا الجيوش، فيقال للواحد: مددي، ويقال للجمع: أمداد. فكان أهل اليمن يأتون أمداداً للجيوش، وفي الحديث: (إني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن) والمقصود به ما يحصل للمسلمين من التنفيس عن طريق الجيوش والأمداد التي تأتي من جهة اليمن، هذا هو معنى الحديث، وليس المقصود بذلك أن الله تعالى يوصف بأن له نفساً، وإنما يعني الجند أو الجيش أو الرجال الذين يحصل بهم التنفيس على المسلمين بمجيئهم لقتال الكفار. قال عوف عن هذا المددي: [ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق]. أي: أن هذا المددي لم يكن معه إلا سيفه، وأن رجلاً من المسلمين نحر جزوراً فطلب منه قطعة من الجلد ليتخذها كهيئة الدرق، أي: كالترس الذي يقي به السهام، وذلك بأن يجعله ييبس ليكون غليظاً قاسياً. قوله: [ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر، وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه]. يعني أنه لما حصل الالتقاء مع الروم كان فيهم -أي: الروم- رجل على فرس وعليه سرج مذهب ومعه سيف مذهب، فكان يفري بالمسلمين، ومعناه أنه يفتك بهم، فهذا المددي اختفى وراء صخرة، ولما مر به الرومي ضرب عراقيب فرسه فخر وقتله. قوله: [وحاز فرسه وسلاحه]. يعني: حاز ذلك المددي الفرس الذي عليه السرج المذهب والسلاح المذهب. وهذا محل الشاهد للترجمة، حيث قال فيها: [والفرس والسلاح من السلب]؛ لأنه حاز ذلك السلب الذي هو الفرس والسلاح. قوله: [فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب، قال عوف : فأتيته فقلت: يا خالد ! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟]. يعني: لما حصل النصر للمسلمين على أعدائهم الروم أخذ خالد من ذلك السلب الذي مع المددي لأنه استكثره، فعوف بن مالك الذي كان قد رافق هذا المددي قال: [أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟] فأخبره بأنه استكثر ذلك، فأراد أن يكون للمسلمين شيء من ذلك. قوله: [قلت: لتردنه عليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى أن يرد عليه]. يعني بذلك أنه عندما يلتقي مع خالد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سيخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما حصل وبما فعله خالد من أخذ ذلك السلب من القاتل. قوله: [قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا خالد ! ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله! لقد استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا خالد ! رد عليه ما أخذت منه) ]. أي: أنهم لما التقوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عوف بإبلاغ الرسول عليه الصلاة والسلام، بما قد حصل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بهذا الخبر، بل استوثق من خالد وقال: (ما حملك على ما صنعت؟ فقال: استكثرته يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد : رد عليه ذلك الذي أخذته منه). أي: السلب. قوله: [ فقال عوف : قلت له: دونك يا خالد ! ألم أف لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذلك؟]. أي: أنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد السلب على القاتل المددي قال عوف لخالد يخاطبه عند النبي صلى الله عليه وسلم: [ألم أف لك؟] يعني: ألم أف بالكلام حين قلت لك بأنني سأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومعناه: إنني توعدتك، وقد وفيت بما توعدتك به، فقد أخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رد السلب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (وما ذلك؟) ]. وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب على الإطلاق لما خفي عليه الذي جرى بين خالد وبين عوف بن مالك ، وهذا من جملة الوقائع الكثيرة التي تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وقد أطلعه الله على كثير من الغيوب، لكنه ما أطلعه على كل غيب، ولهذا فإن الذين يغلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصفونه بأنه يعلم الغيب لم يحالفهم الصواب، بل أخطئوا، والله عز وجل أمر نبيه بأن يقول: لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50]، وقال: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ [الأعراف:188] وقد حصلت وقائع كثيرة في الدنيا تدل على أنه لا يعلم الغيب، منها هذا الذي معنا، وكذلك مسألة العقد الذي كان لعائشة ، فقد مكثوا يبحثون عنه مع أنه كان تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، ومع ذلك ما عرفوا أنه تحت الجمل إلا لما بحثوا عنه فلم يجدوه ثم أرادوا الرحيل فقام الجمل وإذا العقد تحته. وكذلك في مسألة الإفك حين رميت عائشة بما رميت به من الإفك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: (إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري) ولو كان يعلم الغيب من أول وهلة لقال للذين اتهموها: أنا أعلم الغيب، وأعلم أنه ما حصل منها شيء، فهي بريئة، ولم يعلم براءتها إلا بعد ما نزل القرآن بتبرئتها في آيات تتلى في أول سورة النور. وأما بالنسبة للآخرة فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يذاد ناس عن الحوض، وأنه يقول: (أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك). فهذا يدل على أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وقد أطلعه الله على كثير من الغيوب، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، وهي من دلائل نبوته، ومنها ما مر بنا في كونه أطلع على الكتاب الذي ذهبت به المرأة من قبل حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار

تراجم رجال إسناد حديث: (هل أنتم تاركون لي أمرائي)


قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني صفوان بن عمرو ]. صفوان بن عمرو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. هو جبير بن نفير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك الأشجعي ]. هو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طريق أخرى لحديث: (هل أنتم تاركون لي أمرائي)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا الوليد قال: سألت ثوراً عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه]. كلمة [عن أبيه] هنا مقحمة؛ لأن الذي يروي عن أبيه هو عبد الرحمن بن جبير بن نفير في الإسناد الأول، وأما هذا الإسناد ففيه خالد بن معدان يروي عن جبير بن نفير ، فكلمة [عن أبيه] مقحمة، ومفهومها أن جبيراً يروي عن نفير ، و نفير ليس له رواية، وإنما الرواية لعبد الرحمن بن جبير عن أبيه الذي هو جبير بن نفير الذي مر في الإسناد السابق. وفي تحفة الأشراف لا وجود لهذه الزيادة؛ لأن هناك طريقاً فيها عبد الرحمن بن جبير عن أبيه، وهنا أخرى فيها خالد بن معدان عن جبير . فكلمة [عن أبيه] مقحمة. قوله: [عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه]. أي: نحو الحديث المتقدم في الرواية السابقة التي هي من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، فنحوها هذه الطريق التي جاءت عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك ، فالحديث نحو الحديث الأول في المعنى وليس مثله في الألفاظ.

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث: (هل أنتم تاركون لي أمرائي)


قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا الوليد قال: سألت ثوراً ]. ثور هو ثور بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن خالد بن معدان ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعي ]. قد مر ذكرهما.
السلب لا يخمس


شرح حديث: (قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلب لا يخمس. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي و خالد بن الوليد رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في السلب لا يخمس] يعني أنه لا يؤخذ منه خمس كما أن الغنيمة يؤخذ منها الخمس والباقي -وهو أربعة أخماس- للغانمين، فالسلب كله للقاتل ولا يؤخذ منه خمسه كما يؤخذ الخمس من الغنيمة، وإنما هو كله للقاتل. وأما الغنيمة فيؤخذ خمسها والأربعة الأخماس الأخرى الباقية تكون للغانمين؛ هذا هو المقصود من الترجمة. وقد أورد أبو داود حديث عوف بن مالك و خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب) ]. أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب، أي: لا يؤخذ خمسه، وإنما يعطى بأكمله للقاتل دون تخميس. وليس المعنى أن كل قاتل يأخذ السلب، بل إذا قال الإمام ذلك، فإذا قاله تشجيعاً لهم فإن القاتل بعد ذلك يستحق السلب كاملاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب)


قوله: [حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسماعيل بن عياش ]. إسماعيل بن عياش صدوق، وفي روايته عن الشاميين تخليط، وروايته هنا عن طريق الشاميين، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك ]. هؤلاء جميعاً مر ذكرهم. [و خالد بن الوليد ]. هو خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سليمان ، وليس له ولد اسمه سليمان، ولكنه كان يكنى بأبي سليمان، كما كان أبو بكر يكنى بأبي بكر وليس له ولد اسمه بكر، و عمر كان يكنى بأبي حفص وليس له ولد اسمه حفص. وحديث خالد أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه


شرح حديث ابن مسعود: (نفلني رسول الله سيف أبي جهل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه. حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا وكيع عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل كان قتله]. أورد أبو داود [باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه] يعني: يعطى شيئاً من سلبه ولا يعطى سلبه كله، بل يعطى شيئاً زائداً على حقه من الغنيمة تمييزاً له وزيادة له على نصيبه من الغنيمة. والنفل المقصود به الذي يعطى زيادة على نصيبه من الغنيمة، ولهذا قيل للصلاة التي هي غير الفرض نافلة لأنها زيادة على الفرض. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [نفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف أبي جهل ] وكان هو الذي أجهز عليه كما سبق أن مر بنا في الحديث أنه وجده وبه رمق قد ضربت رجله وكان يذب بسيفه عن نفسه، فلما رآه كان معه سيف ليس بحاد، فضربه به فلم يغن شيئاً، فسقط سيفه من يده فأخذه منه فضربه به حتى برد، أي: حتى فارق الحياة وخرجت روحه. وهنا أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفله سيفه، وسيفه من السلب، كما في الترجمة [ينفل من سلبه]، لكن الحديث غير صحيح، والتنفيل جاءت فيه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستأتي جملة منها، ولكن هذا الحديث غير صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (نفلني رسول الله سيف أبي جهل)

قوله: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي ]. هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج له أبو داود. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي عبيدة ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ورواية أبي عبيدة عن أبيه منقطعة، قال الحافظ ابن حجر: الصحيح أنه لم يسمع من أبيه، فالحديث فيه انقطاع، وفيه -أيضاً- المقبول الذي جاء في أول الإسناد.
الأسئلة



متى يكون السلب للقاتل؟

السؤال: هل السلب يكون للقاتل مطلقاً في كل معركة وكل غزوة أم أن له شروطاً معينة؟


الجواب: الظاهر أنه إذا قال الإمام: (من قتل قتيلاً فله سلبه) فإنه يكون له مطلقاً، سواء أكان قليلاً أم كثيراً، وسواء أكان واحداً أم عدداً كما في قصة أبي طلحة حيث قتل عشرين وأخذ أسلابهم، فإذا كان الإمام أو الأمير قال هذا فإنه يكون له السلب. وأما الغنائم فتكون في الأشياء التي لا يعرف أصحابها، وذلك إذا هربوا وتركوها.

الجمع بين السلب والسهم


السؤال: هل يجمع بين السلب والسهم من الغنيمة؟



الجواب: نعم يجمع بين السلب والسهم، فالسلب شيء والسهم شيء، فالأسهم للغانمين جميعاً وتقسم عليهم، وأما السلب فيختص به القاتل الذي حصلت منه النكاية بالعدو وحصل منه جهد عظيم تميز به، فيكافأ عليه بذلك السلب، حيث يقول الإمام: من فعل كذا فله كذا."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:31 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [322]
الحلقة (354)



شرح سنن أبي داود [322]

من فضل الله عز وجل على عباده المجاهدين أن جمع لهم إلى النصر والظفر الغنائم التي يغنمونها من عدوهم، وهذه الغنائم حق خالص لمن خرج للغزو فيما عدا الخمس، إلا أن هناك أصنافاً من الناس لا يأخذون منها وإن كانوا مع الجيش عند تقسيمها، ومن هؤلاء المرأة والعبد، لكن لا بأس بمنحهما منيحة منها دون السهم.

من جاء بعد الغنيمة لا سهم له


شرح حديث ترك النبي القسم من غنائم خيبر لسرية أبان بن سعيد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف، فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله. فقال أبو هريرة : فقلت: لا تقسم لهم يا رسول الله. فقال أبان: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضال. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اجلس يا أبان . ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود باباً فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له. أي أن من جاء بعد حيازة الغنيمة لا سهم له، يعني: أنه لا يعطى؛ لأن الغنيمة يعطاها من حضر المعركة وشارك، فهذا هو الذي يعطى من الغنيمة، وأما إنسان جاء بعدما انتهت الحرب وحيزت الغنائم فإنه لا يكون له نصيب فيها؛ لأنه ما شارك، وإنما الذي جاء قبل أن تنتهي الحرب وشارك قبل أن تحاز الغنيمة فإنه يكون له نصيب منها، ومن جاء بعد ذلك لا يكون له نصيب. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية فيها أبان بن سعيد بن العاص قبل نجد، وأنهم جاءوا بعدما انتهى القتال في خيبر فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم من الغنيمة نصيباً. فعندما طلب هذا قال أبو هريرة : (لا تقسم لهم يا رسول الله). يعني: أنه ما شارك في المعركة. فغضب وعاب أبا هريرة وتكلم فيه كلاماً فقال: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضالٍّ. قوله: [(أنت بها)]. يعني: أنت بهذه الكلمة تتصدى لهذا الأمر وتتدخل في هذا الأمر! والوبر هو دويبة وحشية في الفلاة، تشبه السنور، وهي التي جاء ذكرها على لسان مسيلمة الكذاب الذي لما جاءه عمرو بن العاص قال له: ماذا أنزل على صاحبكم؟ وكان عمرو كافراً لم يسلم بعد، وكان صديقاً لمسيلمة ، فقال: إن أصحابه يقولون: إنه أنزل عليه وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2] فقال: وأنا أنزل علي قرآن: الوبر وما أدراك ما الوبر! له أذنان وصدر، إن قريشاً قوماً يعتدون. ماذا تقول يا عمرو ؟ قال: والله إني لأعلم أنك تعلم أني مكذب لك. فالوبر دويبة تشبه السنور أو على قدر السنور، وهي متوحشة وتكون في الفلاة والجبال. قوله: [(من رأس ضالٍّ)] يعني: من رأس جبل. قوله: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان . ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. لم يقسم لهم لأنهم حضروا بعد حيازة الغنيمة وانتهاء الحرب.

تراجم رجال إسناد حديث ترك النبي القسم من غنائم خيبر لسرية أبان بن سعيد


قوله: [حدثنا سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن عنبسة بن سعيد أخبره]. عنبسة بن سعيد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [أنه سمع أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث سؤال أبي هريرة النبي أن يسهم له من غنائم خيبر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري -وسأله إسماعيل بن أمية فحدثناه الزهري - أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة قال: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله. قال: فقلت: هذا قاتل ابن قوقل ! فقال سعيد بن العاص : يا عجباً لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال! يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه!) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيها أن القصة بالعكس، وذلك لأن الذي في المسألة الأولى هو أن أبا هريرة هو الذي اعترض على طلب أبان بن سعيد بن العاص ، وفي هذه القصة أن أبا هريرة هو الذي طلب أن يجعل له نصيب من الغنيمة و أبان هو الذي اعترض عليه، وكل منهما جاء في آخر الأمر؛ لأن أبا هريرة إنما جاء في زمن متأخر بعد انتهاء خيبر، وكذلك أبان بن سعيد بن العاص ، ولما قال أبو هريرة: (اقسم لي يا رسول الله اعترض عليه أبان فقال: لا تسهم له يا رسول الله). يقول أبان : لا تسهم له. يعني: لأبي هريرة . فغضب أبو هريرة وقال: هذا قاتل ابن قوقل ! وهو مسلم قتله أبان بن سعيد وهو كافر. فعند ذلك تكلم أبان بن سعيد بكلام من أحسن الكلام وأجمله وأبلغه فقال: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه. يعني: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي بالشهادة حيث قتلته فصار شهيداً، ولم يهني على يديه بأن يقتلني فأموت كافراً. فسلم من القتل ومن الله عليه بالإسلام فأسلم، وهذا من أحسن الكلام وأجمل الكلام وأجوده. و ابن قوقل -بقافين- على وزن جعفر، واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم وقوقل لقب ثعلبة و أصرم ، وعند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: أقسمت عليك -يا رب- ألا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة. فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيته في الجنة وما به عرج).

تراجم رجال إسناد حديث سؤال أبي هريرة النبي أن يسهم له من غنائم خيبر واعتراض أبان بن سعيد عليه


قوله: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي ]. حامد بن يحيى البلخي ثقة، أخر له أبو داود . [ حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري ]. سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الزهري مر ذكره. [أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة ]. عنبسة بن سعيد وأبو هريرة قد مر ذكرهما. والروايتان مختلفتان كما هو واضح، فيحتمل أن تكون إحداهما هي الراجحة. وقد أخرج البخاري الرواية الأولى في صحيحه معلقة، وأخرج الثانية في صحيحه متصلة. ويحتمل أن يكون كل واحد منهما طلب وأن كل واحد منهما اعترض على الآخر. وقوله: [ فقال سعيد بن العاص واعجباً...]. صوابه: فقال ابن سعيد بن العاص. فكلمة (ابن) هنا سقطت. قال المنذري : قال أبو بكر الخطيب : هكذا روى أبو داود هذا الحديث عن حامد بن يحيى ، وقال فيه: فقال سعيد بن العاص ، وإنما هو ابن سعيد بن العاص، واسمه أبان ، وهو الذي قال: (لا تسهم له يا رسول الله). قوله: [قدوم ضال] يعني: مكاناً مرتفعاً، أي: جبلاً. [قال أبو داود : هؤلاء كانوا نحو عشرة، فقتل منهم ستة ورجع من بقي]. يعني: أن الذين ذهبوا قبل نجد وفيهم أبان بن سعيد بن العاص كانوا عشرة، فقتل منهم ستة وبقي أربعة، وهم الذين جاءوا وطلبوا أن يسهم لهم في خيبر.

شرح حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى وقومه ومهاجري الحبشة عند قدومهم بعد فتح خيبر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا جعفر وأصحابه فأسهم لهم معهم) ]. أورد أبو داود هنا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط أحداً لم يشهد غزوة خيبر شيئاً إلا أهل سفينتهم، وهم الذي جاءوا من الحبشة في سفينة فيهم جعفر بن أبي طالب وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم، والمقصود بأنه أعطاهم أنه لم يسهم لهم، وإنما أعطاهم شيئاً بدون إسهام، ولعل ذلك من الخمس الذي يتصرف فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يشاء، وأما الأربعة الأخماس الباقية فهي للغانمين، ولا تعطى لأحد سواهم. و أبو داود رحمه الله أورد هذا الحديث تحت الترجمة أنه لا سهم له، ومعنى ذلك: أنه لا سهم له في الغنيمة، وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى و جعفر بن أبي طالب وغيرهما ممن جاءوا في السفينة وهم لم يشهدوا الوقعة فإنما ذلك من غير إسهام ومن غير أن يكون لهم نصيب في الغنيمة يزاحمون فيه الذين حضروها فيعطون مثلما أعطوا، وإنما أعطاهم شيئاً بدون إسهام، وذلك من الخمس الذي يتصرف فيه النبي صلى الله عليه وسلم في مصالح المسلمين.

تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى وقومه ومهاجري الحبشة عند قدومهم بعد فتح خيبر


قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بريد ]. هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بردة ]. هو جد بريد ، فبريد يروي عن جده أبي بردة ، وأبو بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي موسى ]. اسمه عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث يرويه حفيد عن جده، وذلك الجد يروي عن أبيه.

شرح حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان من غنائم بدر وقد غاب عنها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن كليب بن وائل عن هانئ بن قيس عن حبيب بن أبي مليكة عن ابن عمر قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام -يعني: يوم بدر- فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسول الله، وإني أبايع له. فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهم، ولم يضرب لأحد غاب غيره) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أعطى الغنيمة للغانمين ولم يعط أحداً غاب عنها إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإنه غاب عنها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمره، وذلك ليمرض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سهماً كغيره؛ لأن غيابه عن الغزوة إنما كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل هذا الغرض الذي هو تمريض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ماتت رضي الله تعالى عنها في ذلك الوقت، وكان الناس في بدر. وأما ذكر المبايعة وأنه بايع عنه فإن البيعة المشهور أنها في بيعة الرضوان، وقد كان رضي الله تعالى عنه ذهب إلى مكة وأشيع أنه قتل، فعند ذلك بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على ألا يفروا، وكان بايع عن عثمان وضرب بيديه إحداهما على الأخرى، وقال: (هذه لعثمان) ، وأما بدر فليس فيها مبايعة، وإنما كان فيها إسهام له وإعطاؤه نصيبه من الغنيمة؛ لأنه في حكم الحاضرين؛ لأن غيابه عنها إنما كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان من غنائم بدر وقد غاب عنها


قوله: [حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح ]. محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن كليب بن وائل ]. كليب بن وائل صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي . [عن هانئ بن قيس ]. هانئ بن قيس مستور، أخرج له أبو داود . [عن حبيب بن أبي مليكة ]. حبيب بن أبي مليكة مقبول، أخرج له أبو داود . [عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث ثابت وإن كان فيه ذلك المستور والمقبول؛ لأن له شواهد، إلا أن ذكر المبايعة فيه نظر.
المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة


شرح حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري في الإحذاء للمملوك وخروج النساء للجهاد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة. حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن زائدة عن الأعمش عن المختار بن صيفي عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن كذا وكذا -وذكر أشياء- وعن المملوك أله في الفيء شيء؟ وعن النساء هل كن يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهل لهن نصيب؟ فقال ابن عباس : لولا أن يأتي أحموقة ما كتبت إليه، أما المملوك فكان يحذى، وأما النساء فقد كن يداوين الجرحى ويسقين الماء)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة] يعني: يعطيان عطاء بدون أن يسهم لهما، فالإحذاء هو الإعطاء، ويحذيه: يعطيه. والإحذاء هو الذي يسمى رضخاً. أي: يعطى شيئاً من غير إسهام ومن غير أن يكون حكمه حكم الغانمين، فلا يكون له نصيب كالنصيب الذي يكون لكل مجاهد حضر المعركة وجاهد وقاتل الكفار. فالمرأة والعبد يعطيان من غير إسهام، فهذا هو معنى قوله (يحذيان). فالإحذاء هو الإعطاء، ومنه ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري الذي فيه: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة). وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كتب إليه نجدة -وهو من الحرورية من الخوارج- يسأله عن العبد هل يكون له في الغنيمة شيء وعن النساء هل يخرجن في الغزو ويكون لهن شيء؟ فقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: لولا أن يرتكب أحموقة ما كتبت له. يعني: لكونه من الخوارج؛ فلأجل ألا يحصل منه أعمال غير طيبة كتب إليه يجيبه فقال: (أما المملوك فكان يحذى). يعني: كان يعطى عطية بدون إسهام. قوله: [(وأما النساء فقد كن يداوين الجرحى ويسقين الماء)]. ولم يذكر إعطاء، ولكنهن يحذين ويعطين من غير إسهام، كالذي يحصل للمملوك، ولهذا ذكر أبو داود رحمه الله في الترجمة أنهما يحذيان، يعني: يعطيان من غير إسهام، وإعطاؤهما من أجل هذا العمل وهذه الخدمة التي يقومان بها.
تراجم رجال إسناد حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري في الإحذاء للمملوك وخروج النساء للجهاد

قوله: [حدثنا محبوب بن موسى حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن زائدة ]. مر ذكر محبوب بن موسى و أبي إسحاق الفزاري . و زائدة هو ابن قدامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المختار بن صيفي ]. المختار بن صيفي مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود . [عن يزيد بن هرمز ]. يزيد بن هرمز ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

شرح حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أحمد بن خالد -يعني الوهبي - قال: حدثنا ابن إسحاق عن أبي جعفر و الزهري عن يزيد بن هرمز قال: (كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن النساء هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ قال: فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجدة : قد كنَّ يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما أن يضرب لهن بسهم فلا، وقد كان يرضخ لهن)]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه بيان أن النساء يعطين رضخاً دون إسهام، والرواية السابقة ليس فيها ذكر الرضخ والإعطاء، وهذه فيها بيان الإعطاء لهن، وأنه يرضخ لهن، أي: يعطين من غير إسهام.

تراجم رجال إسناد حديث جواب ابن عباس لنجدة الحروري من طريق أخرى

قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا أحمد بن خالد -يعني الوهبي -]. أحمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [حدثنا ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن أبي جعفر ]. هو محمد بن علي الملقب بالباقر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [و الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس ]. يزيد بن هرمز و ابن عباس قد مر ذكرهما.

شرح حديث أم زياد في خروجها هي ونسوة في غزوة خيبر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن سعيد وغيره قالا: أخبرنا زيد بن الحباب قال: حدثنا رافع بن سلمة بن زياد قال: حدثني حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه (أنها خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة خيبر سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث إلينا، فجئنا فرأينا فيه الغضب، فقال: مع من خرجتن وبإذن من خرجتن؟ فقلنا: يا رسول الله! خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله، ومعنا دواء الجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق. فقال: قمن. حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال. قال: فقلت لها: يا جدة! وما كان ذلك؟ قالت: تمراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جدة حشرج أنها خرجت سادسة ست نسوة خرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهن وهو مغضب وقال: (مع من خرجتن وبإذن من خرجتن؟) فأخبرنه بأنهن خرجن يغزلن الشعر ويداوين المرضى ويسقين السويق، فقال لهن: (قمن) ثم بعدما حصلت الغنيمة أسهم لهن كما أسهم للرجال، فقال لها حفيدها: وماذا كانت الغنيمة؟ قالت: تمراً. فهذا فيه بيان أنه أسهم لهن كما أسهم للرجال، وهذا يخالف ما تقدم من أنهن يرضخ لهن ولا يسهم لهن، وأيضاً جاء فيه أنه تمر، ولعل المقصود بذلك أنه أسهم لهن كما يسهم للرجال من الطعام الذي يقدم والذي يمنح للغزاة، إذ قد عرفنا فيما مضى أن الطعام يبذل وأنه يقسم عليهم للاقتيات، فيمكن أن يكون المقصود من ذلك أنه أسهم لهن كما أسهم لغيرهن في القوت، وذلك من التمر الذي هو الطعام، لأن إعطاء الطعام وتقسيمه يختلف عن قسمة الغنيمة التي تكون للغانمين. والحديث ضعيف غير ثابت، ولكن معناه يحمل على أن المقصود هو الإسهام في الطعام وليس في الغنيمة، ومعلوم أن الطعام إنما يقسم على الحاضرين وعلى الموجودين لاقتياتهم، وسبق أن مر بعض الأحاديث الدالة على ذلك، أي أن الطعام يقسم ولا يكون من جملة الغنيمة، اللهم إلا إذا كان كثيراً فيؤخذ منه قدر الحاجة والباقي يكون مع الغنيمة، كما سبق أن مرت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أم زياد في خروجها هي ونسوة في غزوة خيبر


قوله: [حدثنا إبراهيم بن سعيد ]. إبراهيم بن سعيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [وغيره]. يعني: ومعه غيره. [أخبرنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [حدثنا رافع بن سلمة بن زياد ]. رافع بن سلمة بن زياد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [حدثني حشرج بن زياد ]. حشرج بن زياد مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي . [عن جدته أم أبيه]. هي أم زياد الأشجعية رضي الله تعالى عنها، صحابية لها حديث، أخرج لها أبو داود و النسائي .

شرح حديث عمير مولى آبي اللحم في شهوده خيبر وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له من خرثي المتاع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - عن محمد بن زيد قال: حدثني عمير مولى آبي اللحم قال: (شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بي فقلدت سيفاً فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع). قال أبو داود : معناه أنه لم يسهم له. قال أبو داود : وقال أبو عبيد : كان حرم اللحم على نفسه فسمي: آبي اللحم ]. أورد أبو داود حديث عمير مولى آبي اللحم رضي الله تعالى عنهما أنه خرج مع سادته إلى غزوة خيبر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به فأعطي سيفاً فجعل يجره، وأخبر أنه مملوك، فلما قسمت الغنيمة رضخ له، يعني: أعطي ولم يسهم له، وهذا يدل على ما دل عليه الحديث الأول الذي هو حديث ابن عباس في قصة كتابته إلى نجدة أنه يرضخ له بدون أن يسهم له، وهذا -مثله- يدل على أنه يعطى بدون إسهام، وأنه لا يعامل معاملة الغانمين الذين تقسم عليهم أربعة أخماس الغنيمة بالسوية، بل العبد يرضخ له والمرأة يرضخ لها، وهذا فيه دليل على الرضخ للمملوك، ولذلك أخبر بأنه أمر له بشيءٍ من خرثي المتاع، يعني: من جملة المتاع، ولو كان أسهم له لأعطي كما يعطى غيره. قوله: [(شهدت خيبر مع سادتي)]. سادته هم مواليه من أعلى؛ لأن الموالي من أعلى هم السادة، والموالي من أسفل هم الأرقاء أو المعتقون، فهذا مولى من أعلى وهذا مولى من أسفل. قوله: [(فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم)]. معناه: أنهم كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ليشارك أو ليكون له نصيب، فأعطي سيفاً فصار يجره، ومعناه: أنه قصير وصغير.

تراجم رجال إسناد حديث عمير مولى آبي اللحم في شهوده خيبر وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له من خرثي المتاع


قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بشر -يعني ابن المفضل -]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن زيد ]. محمد بن زيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [حدثني عمير مولى آبي اللحم ]. هو عمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن. وهذا الإسناد رباعي من الأسانيد العالية عند أبي داود . [ قال أبو داود : وقال أبو عبيد : كان حرم اللحم على نفسه فسمي: آبي اللحم ]. يعني: لقب آبي اللحم ؛ لأنه امتنع من أكل اللحم، أو ترك أكل اللحم، فقيل له: آبي اللحم، وهو من الإباء، ويأباه أي: لا يريده. وآبي اللحم أي: غير مريده، من أبى الشيء إذا لم يرده وتركه. وأبو عبيد هو القاسم بن سلام .

شرح حديث جابر (كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر. ومعناه: أنه ينزل في البئر حين يكون الماء قليلاً فيغرف ويصب في الدلو، ثم تنزع الدلو. وإذا كان الماء كثيراً فإنه لا يحتاج إلى ميح، بل ترسل الدلو فتمتلئ ثم يرفعونها، ولكن حين يكون الماء قليلاً فإنه يحتاج إلى أن يغرف باليدين أو بإناء ثم يصب في الدلو، وفاعل هذا يقال له: مائح، وأما الذي فوقه ينزع الدلو فيقال له: ماتح. والحديث لا علاقة له بالترجمة، ولا يدل عليها في كون العبد والمرأة يحذيان ولا يسهم لهما.

تراجم رجال إسناد حديث جابر (كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر)


قوله: [حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي سفيان ]. الأعمش مر ذكره، و أبو سفيان هو طلحة بن نافع ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم الإسهام للمشرك والاستعانة به في الحرب


شرح حديث (أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي ليقاتل معه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المشرك يسهم له. حدثنا مسدد و يحيى بن معين قالا: حدثنا يحيى عن مالك عن الفضيل عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة، قال يحيى : (إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقاتل معه، فقال: ارجع، ثم اتفقا فقال: إنا لا نستعين بمشرك)]. أورد أبو داود باباً في المشرك يسهم له. يعني: هل يسهم له أو لا يسهم له؟ فلا يسهم له ولا يستعان به في الحرب والجهاد في سبيل الله؛ لأنه هو نفسه بحاجة إلى جهاد وبحاجة إلى أن يدخل في الإسلام، وأولئك يُقَاتلون ليدخلوا في الإسلام، وهو ما دخل في الإسلام فلا يستعان به في جهاد الكفار وقتالهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام، وعلى هذا فإنه ليس له نصيب؛ لأنه ليس أهلاً لأن يقاتل، وليس أهلاً لأن يعطى شيئاً؛ لأن الأصل الذي يبنى عليه تقسيم الغنيمة إنما يكون في حق من يكون من أهل الجهاد، وذلك بأن يكون مسلماً، أما إذا كان كافراً فإنه لا يستعان به في الجهاد؛ لأن الجهاد إنما هو لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهو لا يزال في الظلمات، فهو بحاجة إلى أن يخرج من الظلمات إلى النور، فكيف يقاتل الكفار ليدخلوا في الإسلام وهو ما دخل في الإسلام؟! وهذا فيما يتعلق بالجهاد. وأما بالنسبة للدفاع فإنه لا بأس بالاستعانة بالكفار من أجل الدفاع، فالدفاع والمحافظة على الأنفس والاستعانة بهم على رد العدوان لا بأس به، كما أن الإنسان لو كان له جار كافر ثم اعتدى عليه لصوص فإن له أن يستدعي جاره الكافر ليساعده على التخلص من اللصوص؛ لأن مثل هذا العمل لا بأس به وهو استعانة سائغة، وإنما الذي لا يجوز هو الاستعانة بهم في الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار من أجل دخولهم في الإسلام؛ إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهو مثلهم إلا أنه قد يكون مستأمناً أو صاحب ذمة يأمن على نفسه، وأما كونه يذهب من أجل يقاتل في سبيل الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهو ليس من أهل ذلك فلا. قوله: [(إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال: ارجع؛ إنا لا نستعين بمشرك)]. يعني: أن ذلك المشرك كان صاحب ذمة أو صاحب عهد وأمان، فقال له النبي: (ارجع؛ فإنا لا نستعين بمشرك)، يعني: في هذا العمل الذي هو الجهاد في سبيل الله.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي ليقاتل معه...)

قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [و يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وقد مر ذكره. [ عن الفضيل ]. هو الفضيل بن أبي عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن عبد الله بن نيار ]. عبد الله بن نيار ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 03:34 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [323]
الحلقة (355)





شرح سنن أبي داود [323]

قسم الله الغنائم بين المجاهدين، وجعل لكل مجاهد نصيباً منها سواء كان راجلاً أو راكباً، إلا أنه ميز الراكب على الراجل بسهم فرسه التي خرج بها للجهاد، فجعل للراجل سهماً واحداً وللراكب ثلاثة أسهم، فزاده سهمين لفرسه فوق سهمه الذي هو له.

ما جاء في سهمان الخيل


شرح حديث إسهام النبي لرجل سهماً ولفرسه سهمين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في سهمان الخيل. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهماً له وسهمين لفرسه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في سهمان الخيل] يعني: أن الخيل يسهم لها، ويكون لصاحبها أسهم في مقابل استخدامها، وذلك بأن يكون لصاحب الفرس وفرسه ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وأما الراجل أو الراكب الذي ليس من أهل الخيل فإنه له سهم واحد، وعلى هذا فكل مجاهد حضر المعركة وهو من أهل القتال يكون له سهم، ومن كان له فرس فيضاف إلى سهمه الذي له سهمان لفرسه. وإنما جعل الفرس له سهمان لقوة البلاء الذي يكون باستخدامه من الكر والفر والتمكن من الوصول إلى الأعداء والنكاية بهم، ثم لمقابل ما يحتاج إليه من علف ومن خدمة ومن أمور أخرى. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، سهم له لأنه واحد من المقاتلين، وكل مقاتل يكون له سهم، والفرس له سهمان من أجل الفائدة الكبيرة التي تترتب على استخدامه ومن أجل ما يحتاج إليه من علف وغير ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث إسهام النبي لرجل سهماً ولفرسه سهمين


قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله ]. عبيد الله هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر ] قد مر ذكره.

شرح حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الله بن يزيد حدثني المسعودي حدثني أبو عمرة عن أبيه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس، فأعطى كل إنسان منا سهماً، وأعطى للفرس سهمين) ]. أورد أبو داود حديث أبي عمرة ، وهو أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة، ومعهم فرس، فأعطى كل واحد سهماً، وأعطى للفرس سهمين، وهذا مطابق للذي تقدم، وهو أن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان للفرس.

تراجم رجال إسناد حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل


قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الله بن يزيد ]. أحمد بن حنبل و أبو معاوية مر ذكرهما. و عبد الله بن يزيد المقري المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، وهو صدوق اختلط، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني أبو عمرة ]. أبو عمرة هو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. لا نعرف من أبوه! فالإسناد فيه مجهول، ولكن معناه مطابق لما جاء في الأحاديث من ناحية أن الرجل له سهم، وأن الفرس يكون له سهمان.

شرح حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أمية بن خالد حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة بمعناه إلا أنه قال: (ثلاثة نفر) زاد: (فكان للفارس ثلاثة أسهم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم من ناحية الإسهام أي: أن الراجل له سهم، والفارس له ثلاثة أسهم؛ سهم له، وسهمان لفرسه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي عمرة عن أبيه في سهمان الخيل من طريق أخرى

قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أمية بن خالد ]. أمية بن خالد صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة بمعناه]. بمعناه، إما أن يكون عن أبيه الأول أو أنه منه ويكون فيه الإرسال. وفي الحديث السابق قال: حدثنا المسعودي عن أبي عمرة وهنا قال: حدثنا المسعودي عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة، ومعناه: أنه رواه هناك بدون واسطة، وهنا بواسطة رجل مبهم. وهذان الحديثان من حيث الإسناد ضعيفان، لكن من حيث المتن فالمعنى مستقيم مطابق للأحاديث الأخرى.
ما جاء فيمن أسهم للخيل سهماً واحداً


شرح حديث من جعل للفرس سهماً واحداً

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أسهم له سهماً. حدثنا محمد بن عيسى ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري قال: سمعت أبي يعقوب بن مجمع يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن قال: (شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] فقال رجل: يارسول الله أفتح هو؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده إنه لفتح، فقسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً) . قال أبو داود : حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس ]. أورد أبو داود باباً فيمن أسهم للفرس سهماً واحداً؛ لأن الباب الأول في السهمين للفرس، وذكر فيه الأحاديث التي فيها أنه يكون له سهمان، وهي صحيحة، وأورد بعد ذلك هذه الترجمة فيمن أسهم له سهماً واحداً بدل أن يعطى اثنين. وأورد فيه أبو داود حديث مجمع بن جارية رضي الله عنه، وأنهم كانوا في غزوة الحديبية، وأنه لما فتحت خيبر قسمت على أهل الحديبية، وكان الذين حضروا الحديبية هم الذين حضروا خيبر، وقسمت عليهم الغنائم، وفيه أنه أسهم للفارس سهمين، سهماً له وسهماً لفرسه، وهذا مخالف لما سبق في الأحاديث أن للفارس وفرسه ثلاثة أسهم سهماً له وسهمين لفرسه. والفرس يذكر ويؤنث، ويعرف التذكير والتأنيث بعودة الضمائر على اللفظ وبالإشارة إليه. قوله: [ (يهزون الأباعر) ] يحركونها، والمقصود السيوف. قوله: [ (فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ ) ]. يعني: ما للناس يهزون الأباعر من فرط سرعتهم. قوله: [ (قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوحي إليه) ] فكأنهم يريدون أن يحضروا ويسمعوا ذلك الوحي الذي أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فخرجنا مع الناس نوجف) ]. أي: نسرع، قال تعالى: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، قوله: [ (فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]) ]. أي: نزلت عليه هذه السورة. قوله: [ (وقيل: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم) ] ولا شك أنه كان مقدمة الفتح، أعني فتح مكة؛ لأن هذا الصلح الذي قد تم حصل فيه الخير الكثير، وترتب على ذلك مصالح كبيرة للمسلمين، ثم بعد ذلك حصل الفتح بعد صلح الحديبية بسنتين، فقد كانت الحديبية في السادسة، وخيبر في السابعة والفتح في الثامنة. قوله: [ (فقسمت خيبر على أهل الحديبية، قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً) ]. أعطى الفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً لفرسه، وأعطى الراجل سهماً، وهذا يخالف ما تقدم من أن الفرس له سهمان وليس سهماً واحداً. قوله: [ حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ]. يعني: الحديث المتقدم الذي فيه أن للفارس ثلاثة أسهم؛ سهماً له وسهمين لفرسه، وليس كما جاء في حديث مجمع بن جارية أن للفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً واحداً لفرسه. قوله: [ وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس وكانوا: مائتي فارس ]. هو قال هنا: إنهم ثلاثمائة، قالوا: والصحيح أنهم كانوا مائتي فارس، وإذا كانوا مائتي فارس وهم على الصحيح ألف وأربعمائة، فإنهم يعطون أربعة عشر سهماً ويبقى بعد ذلك أربعة أسهم للخيول المائتين، فتكتمل ثمانية عشر سهماً، لكن على القول بأنهم ثلاثمائة فارس يصير العدد ألفاً ومائتين مقابل اثني عشر سهماً، وبقيت من الثمانية عشر سهماً ستة أسهم لثلاثمائة فارس وثلاثمائة فرس، للفرس سهم وللفارس سهم.

تراجم رجال إسناد حديث من جعل للفرس سهماً واحداً


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ سمعت أبي يعقوب بن مجمع ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري ]. عمه عبد الرحمن بن يزيد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري ]. مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . والحديث فيه يعقوب وهو مقبول، فيكون الحديث غير صحيح، ويكون الصحيح هو الحديث المتقدم الذي فيه أن للفارس ثلاثة أسهم؛ سهماً له وسهمين لفرسه."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:04 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [324]
الحلقة (356)





شرح سنن أبي داود [324]

غنائم الحرب من القضايا التي حدد تقسيمها الله سبحانه وتعالى، فيتساوى فيها كل أفراد الجيش كل على قدر سهمه إن كان راجلاً أو راكباً، ولا بأس أن يميز ببعض أفراد الجيش عن بعض بالنفل، وهو الزيادة التي يعطاها فوق سهمه من المغنم.

النفل في الغزو


شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق خالد الطحان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النفل. حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر: من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا، قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءاً لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنم ونبقى، فأبى الفتيان، وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، فأنزل الله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] إلى قوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5]، يقول: فكان ذلك خيراً لهم، فكذلك أيضاً فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم) ]. أورد أبو داود باباً في النفل، والنفل هو: ما يعطى المجاهد في سبيل الله زيادة على السهام، وقيل له نفل؛ لأنه نافلة، والنفل والنافلة: الزيادة، فهو ما يعطاه المجاهد زيادة على نصيبه من المغنم، هذا هو المقصود بالنفل. أورد أبو داود حديث ابن عباس . قوله: [ (من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا) ]. معناه: أنه يعطى زيادة على السهم كذا وكذا، وهو مثل السلب، إلا أن ذاك فيه: (من قتل قتيلاً فله سلبه) وهنا يقول: من عمل كذا فله كذا، ويحدد شيئاً لا من أجل أنه قتل إنساناً، ولكن من أجل أنه قام بجهد خاص مثلما سيأتي في قصة السرية التي أعطى كل واحد منهم بعيراً تنفيلاً. قوله: [ (فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات، فلم يبرحوها) ]. المشيخة هم الكبار وقد لزموا الرايات فلم يبرحوها. قوله: [ (فلما فتح الله عليهم قال المشيخة: كنا ردءاً لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا ) ]. أي: لو انهزمتم لصرتم إلينا؛ لأنهم وقاية ومرجع لهم يرجعون إليهم. قوله: [ (فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، فأنزل الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1]) ]. أي: فلم يوافق الفتيان على ما طلبه منهم الكبار، وأنزل الله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] أي: يضعها حيث يشاء، والمغنم كما هو معلوم يشترك فيه الجميع، ولكن النفل هو الذي يختص به من يكون له جهد خاص. قوله: [ (إلى قوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5]، يقول: فكان ذلك خيراً لهم، فكذلك أيضاً فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم!) ]. أي: أطيعوني فيما آمركم به، وفيما أقول لكم، فإني أعلم بعاقبة ذلك منكم، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم العاقبة والنتيجة لهذا الأمر، وأن ذلك خير لهم إذا أطاعوه واستجابوا لما يأمرهم به، ولو كان في ذلك شيء من التفاوت بأن يعطى أحد من أجل قيامه بجهد خاص شيئاً زائداً، وأما الغنيمة فيشترك فيها الجميع. قوله: [ (أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم) ]، يعني: هذا الذي أمرهم به، بأن من فعل كذا فله من النفل كذا، فالمشيخة الذين لم يحصل لهم نصيب من ذلك يسمعون ويطيعون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، أي: هذا الذي حصل بينكم من الخلاف لابد أن تعملوا على إصلاحه وعلى إزالته. وقول المشيخة: (فلا تذهبوا بالمغنم) يعنون به النفل الزائد على الغنيمة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق خالد الطحان


[ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود ] . داود هو ابن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس ] وقد مر ذكره.

شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق هشيم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليهآله وسلم قال يوم بدر: من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا) ثم ساق نحوه، وحديث خالد أتم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ذكر السلب وذكر غيره قال: (من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيراً فله كذا) وهذا يفسر ما تقدم من قوله: (من فعل كذا فله من النفل كذا)؛ لأن فيه ذكر السلب، وفيه ذكر الأسر وله مقابل يخصه، وهذا يتميز به من فعل ذلك عن أصحاب الغنيمة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق هشيم


قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهم.

شرح حديث ابن عباس في النفل من طريق يحيى بن أبي زائدة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرنا داود بهذا الحديث بإسناده قال: (فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء) وحديث خالد أتم ]. وذكر أبو داود طريقاً أخرى، فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة بالسواء، أي بالسوية، لا فرق بين شخص وشخص، وهذا لا ينافي ما تقدم من أن النفل الذي هو زائد على القسمة يعطى لمن كان له جهد خاص؛ لأن القسمة بالسواء إنما هي للغنيمة، فمعناه: أن كلاً أخذ نصيبه من الغنيمة، ولكن النفل والسلب والشيء الذي حصل من بعض الأشخاص فإنهم يتميزون به، فيأخذونه مع نصيبهم من الغنيمة، ويكون ذلك زائداً على الغنيمة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النفل من طريق يحيى بن أبي زائدة


قوله: [ حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ]. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود بإسناده ]. هو داود بن أبي هند وقد مر ذكرهم.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في النفل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن أبي بكر عن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: (جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف، فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو، فهب لي هذا السيف، قال: إن هذا السيف ليس لي ولا لك، فذهبت وأنا أقول: يعطاه اليوم من لم يبل بلائي، فبينما أنا إذ جاءني الرسول فقال: أجب، فظننت أنه نزل في شيء بكلامي، فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي فهو لك، ثم قرأ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] إلى آخر الآية) قال أبو داود : قراءة ابن مسعود : (يسألونك عن النفل) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، أنه أتى بسيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. قوله: [ (ليس هو لي ولا لك) ]. معناه: أنه يكون من جملة الغنيمة، ثم إنه وقع في نفسه شيء، فقال: يمكن أن يعطاه أحد دوني، فبعد ذلك جاءه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه، فظن أنه نزل فيه شيء من أجل هذا الذي قاله في نفسه، فذهب فقال له الرسول: (إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي، فهو لك!). ومعناه: أنه جعله له تنفيلاً، أي: زيادة على سهمه من الغنيمة.

تراجم رجال إسناد حديث سعد في النفل


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر ]. هو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن بهدلة ، وهو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري و مسلم إنما أخرجا له مقروناً. [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو سعد بن أبي وقاص ، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
نفل السرية تخرج من العسكر


شرح حديث ابن عمر في نفل السرية تخرج من العسكر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نفل السرية تخرج من العسكر. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا الوليد بن مسلم، ح وحدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا مبشر، ح وحدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم المعنى كلهم، عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيراً اثني عشر بعيراً، ونفل أهل السرية بعيراً بعيراً، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر) ]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في السرية تخرج من العسكر. والسرية: هي القطعة من الجيش تخرج منه لتقوم بمهمة ثم تعود، وما يحصل من غنيمة فإنه يكون لها وللجيش؛ لأن الجيش ردء لها وأصل لها ومرجع لها، فلا تنفرد بما يحصل لها من الغنائم، كما أن الجيش لا ينفرد عنها بما يحصل له من الغنائم، بل الغنيمة للجميع، أعني: للسرية وللجيش الذي خرجت منه السرية. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً قبل نجد، وخرجت منه سرية فغنموا إبلاً، فنفلوا بعيراً بعيراً، وقسمت الغنائم على الجيش وعلى السرية، فأصاب كل واحد منهم اثني عشر بعيراً، إلا أصحاب السرية الذين نفلوا بعيراً بعيراً صار لكل واحد منهم ثلاثة عشر بعيراً)، وهذا يدل على أن السرية لا تنفرد بغنائمها، وإنما تكون لها وللجيش. فهذا الباب يتعلق بنفل السرية، أي أن السرية إذا نفلت بشيء فإنه يكون لها وتتميز به عن الجيش، ولكن ما زاد عن النفل فإنه يوزع على السرية وعلى الجيش، وحديث عبد الله بن عمر واضح في ذلك؛ لأنهم غنموا إبلاً كثيرة، ولما قسموها على الجيش وعلى السرية صار لكل واحد من الجيش والسرية اثنا عشر بعيراً، ونفل كل واحد من السرية بعيراً. والنفل لا يخرج من الخمس، بل إما أن يكون من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس أو بعد إخراجه، وستأتي ترجمة تتعلق بالنفل بعد الخمس. وهنا كان كلام لابن المسيب يقول: إنما ينفل الإمام من الخمس، أي من سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خمس الخمس من الغنيمة، وإلى هذا ذهب الشافعي و أبو عبيد ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضعه حيث أراه الله عز وجل في مصالح أمر الدين، ومعاون المسلمين. وقال أبو عبيد : الخمس مفوض إلى الإمام، ينفل منه إن شاء، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم). وقال غيرهم: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفلهم من الغنيمة التي يغنمونها، كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية تخرج من العسكر


قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي ]. وهو صدوق يغرب، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا مبشر ]. هو مبشر بن إسماعيل ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ أن الحكم بن نافع حدثهم ]. الحكم بن نافع هو أبو اليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعيب بن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي قال: قال الوليد -يعني ابن مسلم - حدثت ابن المبارك بهذا الحديث قلت: وكذا حدثنا ابن أبي فروة عن نافع قال: لا تعدل من سميت بمالك ، هكذا أو نحوه، يعني مالك بن أنس ]. ذكر أبو داود طريقاً ثانية للحديث، وفيها ذكر الإمام مالك رحمة الله عليه، وتميزه في الرواية، وتقديمه على غيره.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثانية


قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ]. الوليد بن عتبة الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال الوليد -يعني ابن مسلم - ]. الوليد بن مسلم مر ذكره. [ حدثت ابن المبارك بهذا الحديث ]. ابن المبارك هو عبد الله بن المبارك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قلت: وكذا حدثنا ابن أبي فروة ]. هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، وهو متروك، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن نافع ]. نافع مر ذكره. [ قال: لا تعدل من سميت بمالك ]. سيأتي في بعض الروايات أن مالكاً يروي هذا الحديث.

شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا عبدة -يعني ابن سليمان الكلابي - عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريةً إلى نجد، فخرجت معها فأصبنا نعماً كثيراً، فنفلنا أميرنا بعيراً بعيراً لكل إنسان، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسم بيننا غنيمتنا، فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيراً بعد الخمس، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا، ولا عاب عليه بعد ما صنع، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيراً بنفله) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق ثالثة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، وأنهم غنموا، وأن أميرهم نفلهم بعيراً بعيراً، وأنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الغنيمة بينهم فصار لكل منهم اثنا عشر بعير، وذلك بعد الخمس، يعني: أنه أخرج الخمس وقسم الباقي عليهم، وهذا يخالف ما تقدم من أن الرسول بعث جيشاً، وأنه خرج منه سرية، وأن السرية غنمت، وأن أميرهم نفلهم، وأن الغنيمة قسمت على الجيش وعلى السرية فصار لكل من الجيش والسرية اثنا عشر بعيراً من الغنيمة، وأن أصحاب السرية حصل لهم زيادة بعير نفلاً فصار لكل منهم ثلاثة عشر بعيراً، فهذا إما أن يكون فيه اختصار، وأنه لم يذكر فيه الجيش وما حصل للجيش، أو أن فيه وهماً أو خطأ؛ ولهذا ضعفه الألباني ، ولعل التضعيف بالمخالفة أو من أجل رواية محمد بن إسحاق لأنه عنعن، ولكن إذا كان فيه اختصار فليس فيه إشكال؛ لأنه يكون ذكر فيه ما يتعلق بالسرية دون الجيش، وفيما يتعلق بالسرية ما دام أنهم تساووا في الثلاثة عشر، إذاً لم يكن هناك شيء من التنفيل، لأن التنفيل إنما يتبين في تميزهم على الذين ليسوا من أهل السرية، ولعل الحديث يكون صحيحاً، لأنه مثل غيره، إلا أن فيه اختصاراً.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق ثالثة


قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبدة -يعني ابن سليمان الكلابي - ]. عبدة بن سليمان الكلابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما.

شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك، ح وحدثنا عبد الله بن مسلمة و يزيد بن خالد بن موهب قالا: حدثنا الليث المعنى عن نافع عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سريةً فيها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل نجد، فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً، زاد ابن موهب: فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. وهذه الرواية هي مثل الرواية السابقة، من جهة أن الرسول بعث السرية قبل نجد وفيها ابن عمر ، وأنهم غنموا إبلاً كثيرة، وأن أميرهم نفلهم بعيراً بعيراً، وأنها قسمت السهام، فصار لكل منهم ثلاثة عشر بعيراً. وهذه هي رواية مالك والتي أشار إليها فيما مضى بقول ابن المبارك : لا تعدل بمالك غيره، أي لا يساوى به غيره، وعلى هذا فيكون الجيش الذي هو أصل السرية صار له نصيبه من الغنيمة، ولكن تميز أهل السرية بالتنفيل، ويكون ما ذكر هنا من قبيل الاختصار.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق رابعة


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا عبد الله بن مسلمة و يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما.

حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية فبلغت سهماننا اثني عشر بعيراً، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيراً بعيراً) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني نافع عن عبد الله ]. قد مر ذكرهما.

شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سادسة

[ قال أبو داود : رواه برد بن سنان عن نافع مثل حديث عبيد الله ورواه أيوب عن نافع مثله إلا أنه قال: (ونفُلنا بعيرا بعيراً)لم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد المصنف الإشارة إلى طريق أخرى معلقة، وأنها مثل التي قبلها، إلا أنه لم يذكر أنه نفلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً، بل قال: (ونفُلنا بعيراً بعيراً)، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ما جاء في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نفل، وجاء في بعضها أن أميرهم هو الذي نفل، يمكن الجمع بينها بأن يقال: يكون الأمير هو الذي نفل، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك، فيكون المراد بتنفيل النبي صلى الله عليه وسلم إقراره، ومعنى تنفيل الأمير السرية أنه الذي أعلن أن من فعل كذا فله كذا.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سادسة
[ قال أبو داود : رواه برد بن سنان ]. برد بن سنان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن نافع مثل حديث عبيد الله ]. قد مر ذكرهما. [ ورواه أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع مثله ]. مر ذكره.

شرح حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سابعة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي، ح وحدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال: حدثني حجين قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة النفل سوى قسم عامة الجيش، والخمس في ذلك واجب كله) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل السرايا وأنه كان ينفل بعض السرايا بشيء لأنفسهم دون عامة الجيش، بمعنى أنه يخصهم به. قوله: [ (كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة النفل) ]. معناه: أن التنفيل لا يكون دائماً وأبداً، وإنما يكون في بعض الأحيان، فليس كل جيش ينفل فيه، وليس كل سرية ينفل فيها، وإنما قد يحصل في بعض الأحيان وقد لا يحصل. قوله: [ (سوى قسم عامة الجيش) ]. يعني: أن النفل زائد على ما يكون لعامة الجيش وهم منهم، فيحصلون نصيبهم من الغنيمة ثم النفل. قوله: [ (والخمس في ذلك واجب كله) ]. معناه: أن الخمس يكون من أصل الغنيمة قبل التنفيل، ثم يخرج التنفيل من الباقي.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نفل السرية من طريق سابعة


قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه كذلك، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن جده ]. جده الليث بن سعد مر ذكره . [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ]. حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثني حجين ]. هو حجين بن المثنى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الليث عن عقيل ]. الليث مر ذكره، و عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر ]. قد مر ذكره.

وجه قسم الغنائم على كامل الجيش مع اختصاص السرية بالابتعاث


ترد هنا مسألة وهي أن يقال: فما وجه قسم الغنائم على الجيش كله، والسرية هي التي عانت وتعبت في جلب هذه الغنائم؟ والجواب: معلوم أن الجيش ردء للسرية وهو أصلها ومرجعها، وأيضاً لو حصل للجيش شيء، فلا يختص به دون السرية، ولا السرية دون الجيش، وإنما الغنيمة للجميع، ولكن السرية اختصت بالتنفيل فقط، وأما تحصيل الغنائم فهو مثلما لو أن الجيش حصل وهم لم يحصلوا.
شرح حديث عبد الله بن عمرو في نفل السرية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا حيي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم ،ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بأصحابه يوم بدر، وكان عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً). ومعنى الحديث: أنهم كانوا يمشون على أرجلهم، فحملهم الله بأن حصلوا هذا الظفر وهذا المركوب الذي غنموه، وحتى شبعوا أيضاً واكتسوا، وكل ذلك حصل من الغنائم. وهذا الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأن الترجمة في النفل وهذا ليس فيه ذكر شيء من النفل.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في نفل السرية

قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيي ]. هو حيي بن عبد الله المصري ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ]. هو عبد الله بن يزيد ، أخرج له البخاري في الأدب المفر و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:08 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [325]
الحلقة (357)





شرح سنن أبي داود [325]

شرع الله الجهاد، وأباح لأمة محمد المغانم رحمة بها، وأجاز لقائد الجيش أن ينفل من يبذل جهداً خاصاً في القتال من فرد أو سرية أو نحو ذلك، فيجعل له شيئاً زائداً على نصيبه من الغنيمة.

من قال الخمس قبل النفل


شرح حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن قال: الخمس قبل النفل. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن يزيد بن يزيد بن جابر الشامي عن مكحول عن زياد بن جارية التميمي عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفل الثلث بعد الخمس) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب من قال الخمس قبل النفل]، يعني: أن التنفيل من الأربعة الأخماس، وأما الخمس فإنه يكون من الجميع، وهذا وجه، والوجه الثاني: أنه يخرج من أصل الغنيمة، وكل من ذلك صحيح وثابت، وهذا يرجع إلى الإمام، إن شاء أن ينفل من الأصل، وإن شاء أن ينفل مما زاد على الخمس. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الثلث بعد الخمس) ]. أي أنه ينفل الثلث من الباقي الذي هو أربعة الأخماس، وما زاد على ذلك يكون للغانمين. وهذا هو أعلى شيء ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ورد الربع إذا كانوا ذاهبين، والثلث إذا كانوا قافلين، وورد مطلقاً كما هنا.

تراجم رجال إسناد حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن يزيد بن جابر الشامي ]. ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن مكحول ]. هو الشامي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زياد بن جارية التميمي ]. زياد بن جارية التميمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة . يقول الحافظ : يقال: له صحبة، وثقه النسائي . [ عن حبيب بن مسلمة الفهري ]. حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .

شرح حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن ابن جارية عن حبيب بن مسلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل) ]. أورد أبو داود حديث حبيب بن مسلمة من طريق أخرى، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل)، ومعناه: أنه في حال الذهاب ينفل الربع، وفي حال القفول والرجوع ينفل الثلث. فقيل في التفريق بينهما: أنه في حال الذهاب يكون الناس في قوة وعندهم الزاد، وهم مقبلون على العدو وعلى القتال فكانوا ينفلون الربع، ولكن في حال الرجوع ينفلون الثلث؛ لأن حالتهم في الرجوع تختلف عن حالتهم في الذهاب؛ فيكون فيهم ضعف، بعد ما حصل لهم من تعب ومن نصب، فينفلون الثلث. وقيل: إن المقصود بالقفول: أنهم عندما يقفلون يطلب من بعضهم أن يرجع إلى العدو أو يرجع إلى جهة، فيكون في ذلك مشقة وتعب؛ فصاروا كأنهم ذاهبون مع أن الجيش قد انصرف. فيكون القفول له معنيان: إما أن يكونوا راجعين، وأن هذا التنفيل حصل لهم في حال رجوعهم، أو أنهم رجعوا إلى العدو وأولئك انصرفوا، فصار لهم زيادة التعب والنصب والمشقة، فزيدوا في التنفيل إلى الثلث بدل الربع.

تراجم رجال إسناد حديث حبيب بن مسلمة في أن الخمس قبل النفل من طريق ثانية


قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول عن ابن جارية عن حبيب بن مسلمة ]. مر ذكر الثلاثة.

شرح حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان و محمود بن خالد الدمشقيان المعنى قالا: حدثنا مروان بن محمد قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: سمعت أبا وهب يقول: سمعت مكحولاً يقول: كنت عبداً بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني، فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها؛ كل ذلك أسأل عن النفل، فلم أجد أحداً يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخاً يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له: هل سمعت في النفل شيئاً؟ قال: نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: (شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة) ]. أورد أبو داود حديث حبيب بن مسلمة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه هذه القصة لمكحول الدالة على عنايته واشتغاله بالعلم، وأنه إذا حل في بلد ينتهز الفرصة فيحرص على لقاء الشيوخ والأخذ عنهم؛ لأن الإنسان إذا قدم بلداً فهو لن يبقى فيه ولن يستمر فيه، فيجد الفرصة سانحة لأن يبذل جهده لأخذ ما عند علماء ذلك البلد من العلم، والجلوس إليهم والاستفادة منهم، وقال: إنه كان عبداً لامرأة من هذيل في مصر، فأعتقته، وإنه ما خرج من مصر إلا وقد حوى ما فيها من علم فيما يظن، ثم جاء إلى الحجاز ففعل كذلك، ثم ذهب إلى العراق ففعل كذلك، ثم إلى الشام، وقوله: (وغربلتها)، معناه: أنه اجتهد في أخذ ما فيها من العلم. وكان في كل ذلك يسأل عن النفل، فوجد زياد بن جارية يحدث عن حبيب بن مسلمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة)، وهو مثل المتن الذي تقدم في الطرق المتقدمة.

تراجم رجال إسناد حديث حبيب في أن الخمس قبل النفل من طريق ثالثة


قوله: [حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان ]. هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [و محمود بن خالد ]. ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا مروان بن محمد ]. مروان بن محمد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن حمزة ]. يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا وهب ]. هو عبيد الله بن عبيد الكلاعي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ سمعت مكحولاً ]. قد مر ذكره. لقيت شيخاً يقال له: [ زياد بن جارية التميمي ]. قد مر ذكره. [ سمعت حبيب بن مسلمة ]. قد مر ذكره.
السرية ترد على أهل العسكر


شرح حديث عبد الله بن عمرو في السرية ترد على أهل العسكر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السرية ترد على أهل العسكر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق -هو محمد - ببعض هذا، ح وحدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثني هشيم عن يحيى بن سعيد جميعاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده). ولم يذكر ابن إسحاق القود والتكافؤ ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في السرية ترد على أهل العسكر]. أي ترد ما غنمت، فالمفعول محذوف، أي أن السرية لا تنفرد بالغنائم التي تحصلها؛ لأن الجيش ردء لها، فهو شريك لها، كما أن الجيش الأول إذا غنم فإن السرايا تغنم معه، فلا ينفرد الجيش عن السرية ولا السرية عن الجيش. فالمقصود من الترجمة هنا أن السرية ترد ما غنمت على العسكر ولا تنفرد بالشيء الذي حصلته، وإنما تنفرد بالتنفيل إذا كان هناك تنفيل، وأما أصل الغنيمة فإنها لها وللجيش الذي انفصلت منه. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم). قوله: [ (تتكافؤ دماؤهم)] يعني: أن بعضهم لبعض أكفاء، فيقتل الحر بالحر وإن كان المقتول شريفاً والقاتل وضيعاً أو العكس، أو كان هذا كبيراً وهذا صغيراً، فلا ينظر لكون هذا شريفاً أو كبيراً أو صاحب منزلة وذاك دونه، فإن وصف الإسلام قد سوّى بينهم فلا يميز فيه أحد عن أحد. قوله: [ (ويسعى بذمتهم أدناهم) ] معناه: إذا حصل من أحد منهم إعطاء أمان لأحد فهو معتبر ولو كان من أدناهم؛ كأن يكون عبداً، أو تكون أمة أو امرأة. قوله: [ (ويجير عليهم أقصاهم) ]. أي: من يكون بعيداً وحصل منه الجوار اعتبر، وإن كان هناك من هو دونه أو كان قبله ولم يحصل منه عقد الجوار. قوله: [ (وهم يد على من سواهم) ]. أي: بعضهم أعوان لبعض على من سواهم من غير المسلمين. قوله:[ (يرد مشدهم على مضعفهم) ]. أي: يرد قويهم على ضعيفهم. قوله: [ (ومتسريهم على قاعدهم)] هذا هو محل الشاهد للترجمة. والمتسري هو الذي يخرج في السرية، والقاعد هو الذي لا يخرج في السرية، ومعناه: أنه يصيب من المغنم. قوله: [ (لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ]. أي: ما دام معاهداً فإنه لا يجوز قتله حتى ينبذ إليه عهده ويعلم ترك العهد، ثم بعد ذلك يكون هناك مجال للمقاتلة. قوله: [ ولم يذكر ابن إسحاق القود والتكافؤ ]. أي: ولم يذكر ابن إسحاق التكافؤ بقوله: (تتكافؤ دماؤهم)، والقود بقوله: (لا يقتل مؤمن بكافر).

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في السرية ترد على أهل العسكر


قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق هو محمد ]. ابن إسحاق مر ذكره. [ح وحدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثني هشيم ]. ابن ميسرة مر ذكره. وهشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد جميعاً عن عمرو بن شعيب ]. يحيى بن سعيد هو الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. وهو عبد الله بن عمرو ، وهو جد شعيب ؛ لأن شعيباً هو ابن محمد ، وقد سمع شعيب من جده عبد الله ، وهو عبد الله بن عمرو ، وقد مر ذكره.

شرح حديث سلمة بن الأكوع في السرية ترد على أهل العسكر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال: (أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل راعيها، فخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فجعلت وجهي قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه! ثم اتبعت القوم، فجعلت أرمي وأعقرهم، فإذا رجع إليَّ فارس جلست في أصل شجرة حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جعلته وراء ظهري، وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وثلاثين بردةً يستخفون منها، ثم أتاهم عيينة مدداً، فقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليَّ أربعة منهم فصعدوا الجبل، فلما أسمعتهم قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع ، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، فما برحت حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن ، فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة فتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في خمسمائة، فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: أن إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت وقتل راعيها، وكان الذي قام بذلك عبد الرحمن بن عيينة ومعه جماعة، فلما علم بذلك سلمة بن الأكوع رضي الله عنه استقبل المدينة ونادى: يا صباحاه! وهذه كلمة يقولونها عند الفزع وعند حث الناس على النفير لهذا الذي يدعون له، فكان أن لحق بهم وعقر أفراسهم، وكان إذا انكب له أحد لاذ بشجرة، واختفى فيها، حتى خلف جميع النعم التي أخذت من راعي الرسول صلى الله عليه وسلم وراء ظهره، وحتى أنهم ولوا هاربين ورموا شيئاً من متاعهم، يريدون التخفف لما أصابهم من الذعر، ثم جاءهم مدد، فصعد سلمة على مكان مرتفع فصعد أربعة منهم إليه، فلما خاطبهم وأسمعهم، قال: أتعرفوني، أنا ابن الأكوع ، وإنه لا يطلبني أحد فيدركني، ولا أطلب أحداً فيفوتني، ثم إنه رأى طلائع فرسان رسول الله -الذين تقدموا في هذا الفداء وهذا الفزع- من خلال الشجر.. ثم ذكر القصة. قوله: [ (فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. أعطاه سهم الراجل لكونه راجلاً، وأعطاه سهم الفارس الذي هو ثلاثة أسهم؛ لأن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه. قوله: [ عن سلمة قال: (أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل راعيها، فخرج يطردها هو وأناس معه في خيل)] الضمير في قوله: (فخرج يطردها) راجع إلى عبد الرحمن بن عيينة . قوله: [ (فإذا رجع إلي فارس جلست في أصل شجرة، حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جعلته وراء ظهري) ]. الظهر المقصود به: الإبل، وظهر النبي صلى الله عليه وسلم: إبله التي أخذت خلفها كلها وراءه وأولئك هربوا. قوله: [ (وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وثلاثين بردةً يستخفون منها) ]. لشدة الذعر الذي أصابهم أرادوا أن يتخففوا حتى تسرع دوابهم، يقول الشاعر: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها قوله: [ (فما برحت حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة ، وقتله أبو قتادة فتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد، فإذا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في خمسمائة فأعطاني سهم الفارس والراجل) ]. معناه: أن هذا الذي حصله سلمة ما أخذه، وإنما رده إلى الجيش وإلى الذين خرجوا تابعين لهؤلاء، وكان قد حصل الأشياء التي رموها وتركوها غير الإبل التي كانت لهم في الأصل وليست غنيمة، وإنما رجع إليهم حقهم، والغنيمة إنما هي الشيء الذي حصلوه.

تراجم رجال إسناد حديث سلمة في السرية ترد على أهل العسكر


قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إياس بن سلمة ]. هو إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. أبوه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم


شرح حديث النفل من الذهب والفضة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم. حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية الجرمي قال: (أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد ، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت) ]. أورد أبو داود باباً في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم، يريد من وراء ذلك أن النفل ليس خاصاً بالإبل والخيل وغير ذلك، بل يكون أيضاً في الذهب والفضة، فيقال: من أتى بشيء فله ربعه أو فله منه كذا، فلا بأس بذلك، ويكون في الذهب والفضة كما يكون في غيرها. قوله: [ ومن أول مغنم ]. كأن المقصود به أنه من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس. قوله: [وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم ]. يعني: أنه ما ميزه بشيء نفلاً لكونه جاء بها، وذلك لأنها اعتبرت من الفيء الذي ما أوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وإنما هي شيء وجدوه مما تركه العدو وهرب دون أن يكون هناك قتال، فكانت فيئاً أفاء الله تعالى بها على المسلمين، فلا يعتبر غنيمة تخمس وتكون أربعة الأخماس للغانمين، وإنما يصرف كله في مصالح المسلمين، فقسمه ذلك الأمير عليهم ولم يميزه بشيء ثم قال: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك). قوله: [ (لا نفل إلا بعد الخمس)] يعني: في الغنائم؛ لأن الغنائم هي التي تخمس، وأما الفيء فإنه لا يخمس. وقوله: [ (لا نفل إلا بعد الخمس) ] يدل على أن التنفيل إنما يكون في الغنائم، وأن الفيء لا يكون فيه التنفيل؛ لأنه ما حصل فيه جهد خاص من ناحية النكاية بالأعداء وقتالهم، فمحل الشاهد من الترجمة قوله: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس. لأعطيتك) ثم إنه أراد أن يرضيه ويعطيه من نصيبه الخاص به، فأبى أن يأخذ ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث النفل من الذهب والفضة


قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الجويرية الجرمي ]. هو حطان بن خفاف ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ معن بن يزيد ]. معن بن يزيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود .

حديث النفل من الذهب والفضة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن ابن المبارك عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب بإسناده ومعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم. قوله: [ حدثنا هناد عن ابن المبارك عن أبي عوانة ]. هناد مر ذكره، و ابن المبارك مر ذكره. و أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. عاصم بن كليب مر ذكره.
الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه


شرح حديث استئثار الإمام بشيء من الفيء


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه. حدثنا الوليد بن عتبة قال: حدثنا الوليد حدثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع أبا سلام الأسود قال: سمعت عمرو بن عبسة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم) ]. أورد أبو داود [ باباً في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه ] ومقتضى هذا الحديث الذي أورده أنه لا يختص بشيء، وإنما يكون له الخمس، والخمس لا يختص به كله، وإنما يأخذ منه قوته وما يلزمه، والباقي يصرف في مصالح المسلمين؛ ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) يعني: من الغنائم، فهو لا يختص بشيء يتميز به، ولكن يأخذ نصيبه من الخمس. أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم -أي: كانت سترته بعيراً من المغنم، وكان البعير باركاً- فلما سلم أخذ وبرة من سنامه وقال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم). ومعناه: أنه يأخذ منه نفقته وحاجته، والباقي يصرف في مصالح المسلمين.

تراجم رجال إسناد حديث استئثار الإمام بشيء من الفيء


قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة ]. مر ذكره. [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم مر ذكره. [ حدثنا عبد الله بن العلاء ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام الأسود ]. هو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ قال: سمعت عمرو بن عبسة ]. عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن."



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:20 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [326]
الحلقة (358)



شرح سنن أبي داود [326]

الوفاء بالعهود من الأمور التي أكد عليها الإسلام، وأوجب الالتزام بها وعدم نقضها حتى مع الكفار، فإذا قامت معاهدة بين المسلمين فيجب الالتزام بأحكامها وما تقتضيه حسب ما يمليه الشرع، وقد بين الشرع من يعقد العهد مع الكفار، وبين أن للمسلم أن يجير كافراً، وأنه يجب الوفاء بذمة المعاهد، والإمساك عن قتل الرسل، وغير ذلك مما ذكر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

الوفاء بالعهد


شرح حديث الوفاء بالعهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوفاء بالعهد. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الوفاء بالعهد]، أي: في لزومه ووجوب الوفاء به، وعدم الغدر فيه. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان بن فلان) والمقصود من ذلك: إعلان فضيحته، وأنه يكون هناك علامة تدل على أن الذي تحتها غادر، كما أن اللواء في الدنيا يكون عند الأمير أو عند الكبير في الجيش ليدل على مكانه، وهو شيء محمود، وأما الغادر فإنه ينصب له لواء يدل على أن الذي تحته رجل غادر، ويقال: (هذه غدرة فلان بن فلان)، ويذكر باسمه واسم أبيه، وهذا يدل على تحريم الغدر، ووجوب الوفاء بالعهود.
تراجم رجال إسناد حديث الوفاء بالعهد

قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، إذ ليس بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص هم: القعنبي و مالك و عبد الله بن دينار و عبد الله بن عمر .
الإمام يستجن به في العهود


شرح حديث الاستجنان بالإمام في العهود


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يستجن به في العهود. حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الإمام جنة يقاتل به) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الإمام يستجن به في العهود] أي: أنه يتابع ويستتر به، ومعنى هذا: أنه في العقد والعهد بين المسلمين وبين الكفار الإمام هو الذي يتولى هذه المهمة وغيره يكون تبعاً له، وليس لأحد أن يعقد عقداً بين المسلمين والكفار إلا الإمام، فهو جنة، أي: وقاية، كما يقال للمغفر والترس: مجن؛ لأنه يستر، والجنة هو الساتر، ومنه الحديث: (الصوم جنة) أي: الوقاية من النار، أو الوقاية من المعاصي بإضعاف النفس بالصيام لله عز وجل. فالإمام جنة يقاتل به، والناس يقاتلون تبعاً له، ويأتمون به، ويكون هو إمامهم في القتال وفي إبرام العقود والعهود، فيكونون تبعاً له ولا يتقدمون عليه، وإنما يسيرون وفقاً لأوامره ووفقاً لتعليماته، فهو الذي يقود الجيوش وهو الذي يرسل من يرسل ويقدم من يقدم ويؤخر من يؤخر، ويتابع في ذلك. وأيضاً هو الذي يتولى إبرام العهود، وليس لأحد من أفراد الناس أن يقوم بهذه المهمة دونه، فهو جنة يستجن به -أي: يستتر به- ويكون هو الستر والوقاية بين الناس وبين من أبرم العهد معهم؛ ولهذا مر قريباً في الحديث الذي فيه قصة خالد بن الوليد والشخص الذي تكلم عليه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركون لي أمرائي، ثم قال: لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره)، معناه: أنكم قد كفيتم، وإنما أنتم تبع للأمير، فعليكم السمع والطاعة فيما هو معروف، ولا تخرجوا عليه بأن تعملوا أعمالاً فيها خروج عليه، وفيها تقدم عليه، فالأصل أنه هو الذي يكون مرجعاً في الحرب، وهو الذي يكون مرجعاً في إبرام العهد.

تراجم رجال إسناد حديث الاستجنان بالإمام في العهود


قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، يكنى بابنه عبد الرحمن هذا الذي يروي عنه، ولقبه أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، و عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث أبي رافع في الوفاء بالعهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: (بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع، قال فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت) قال بكير : وأخبرني أن أبا رافع كان قبطياً. قال أبو داود : هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه أنه أرسله المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورآه أدخل الله في قلبه الإسلام بمجرد أن رأى النبي عليه الصلاة و السلام. قوله: [ (إني لا أحبس البرد)] البرد هو: الرسول الذي يأتي بالرسالة. قوله: [ (ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)] يعني: تعال من هناك، أما أن تأتي وأنت رسول ثم تبقى، فهذا لا يصلح، بل عليك أن ترجع إلى من أرسلوك، وإذا وصلت إليهم وانتهت مهمة الرسالة، وصار الأمر إليك، فإذا أردت أن ترجع فارجع من هناك مسلماً، فلما وصل إليهم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. قوله: [ (إني لا أخيس بالعهد)] أي: لا أفسد العهد، ولا أنقض العهد، وإنما أبقى عليه. قوله: [ (ولا أحبس البرد) ] أي الرسول الذي يأتي بالبريد، ويأتي بالرسائل. وقد ذكر الشارح في عون المعبود أن المجد بن تيمية قال: إن هذا كان في زمن الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وهذا في الحقيقة لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا أنه يرده كما رد أبا بصير ، ولكن يحتمل أن يكون هذا في غير زمن الهدنة، وأن يكون قبلها أو بعدها. وأيضاً فقد يكون المقصود بالعقد والاتفاق من كان منهم، أما إذا كان قبطياً ليس من قريش وليس من العرب فلا يدخل تحت عهد الحديبية، فيستقيم كلام أبي داود حيث جاء بالحديث يشير به إلى أن هذا كان وقت صلح الحديبية، ثم ذكر ذلك في آخر الحديث حيث قال: هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح. قوله: [ هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح ]. فسر بتفسيرين: الأول: أن يكون القول بأنه كان قبطياً لا يصلح الآن، وهذا ليس بشيء. والتفسير الثاني: أن المقصود به كونه في زمن الهدنة، وأن مقتضى الشرط أن من جاء يرد، ومن ذهب من المسلمين فإنه لا يرد، وهذا أيضاً كما أشرت غير واضح من جهة أن مقتضى الشرط يقتضي رده حتى ولو جاء من هناك من غير أن يكون رسولاً، لكن إذا قيل: إن المقصود بقوله: (من جاء منهم) كفار قريش والعرب فهو يرد، أما إذا كان ليس منهم وهو مثل هذا القبطي فلا؛ فيكون له وجه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي رافع في الوفاء بالعهد


قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن علي بن أبي رافع ]. الحسن بن علي بن أبي رافع ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أن أبا رافع أخبره ]. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه


شرح حديث سير الإمام إلى العدو في مدة العهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء) فرجع معاوية ]. أورد أبو داود باباً في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه، أي: إلى العدو قبل انقضاء العهد. أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الذي قال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها، حتى ينقضي أمدها) ]. ومعنى ذلك: أنه لا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، أما كونه ينتقل من بلده إلى حدود العدو أو إلى قرب مكان يوجد فيه العدو، فإن هذا خلاف العهد، بل العهد أن يبقى في مكانه ولا يحرك ساكناً إلا إذا انتهت المدة، وعندما تنتهي يرحل متوجهاً إليهم، أما أن يسافر إليهم قبل أن تنتهي المدة فمعنى ذلك أنه تصرف تصرفاً وعمل عملاً مخالفاً في مدة العهد. وذكر أبو داود رحمه الله القصة، وهو أنه لما سار معاوية رضي الله عنه وإذا رجل على فرس أو برذون، وإذا هو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة ، فطلب منه معاوية أن يأتي، فأتى إليه وأخبره فلما سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا عملوا عملاً ثم تبين لهم أن الحق بخلافه فإنهم يرجعون عن الشيء الذي عملوه ما دام أن الدليل دل على أنه غير سائغ، وأنه لا يصلح. قوله: [ (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة) ]. أي: لا يتصرف تصرفاً يخالف العقد. قوله: [ (ولا يحلها) ] أي تلك العقدة. قوله: [ (إلا بعد أن ينتهي الأمد) ]، وهذا إشارة إلى أنه لا يعمل أي شيء يخالف العقد. قوله: [ (أو ينبذ إليهم على سواء) ] بأن يخبرهم، وذلك إذا خاف منهم خيانة فيقول: العهد الذي بيني وبينكم انتهى، فيكونون على علم بأن العهد انتهى. قوله: [ (على سواء) ]. أي: هو وهم يستوون في العلم بانتهاء مقتضى العهد.

تراجم إسناد حديث سير الإمام إلى العدو في مدة العهد


قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الفيض ]. هو موسى بن أيوب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سليم بن عامر ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عمرو بن عبسة ]. عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.

الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته



شرح حديث الوفاء للمعاهد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة) ]. قوله: [باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته] يعني: أنه إذا كان للإنسان عهد عند المسلمين فإنهم يوفون له بعهده ويعاملونه المعاملة التي يستحقها، فلا يقتلونه ولا يؤذونه. قوله: [ (في غير كنهه) ] أي: من غير استحقاق للقتل، أما إذا كان مستحقاً للقتل فلا يستحق القاتل هذه العقوبة. قوله: [ (حرم الله عليه الجنة) ] هذا من أحاديث الوعيد التي فيها تحريم الجنة، ولكن لا يعني ذلك أنها تحرم عليه كما تحرم على الكفار، وإنما تحرم عليه وقتاً معيناً، وذلك إذا لم يشأ الله عز وجل أن يغفر له، فإنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، ولكنه يدخل النار ويعذب فيها على جرمه وعلى كبيرته، ثم بعد ذلك يخرج منها ويدخل الجنة، وهكذا شأن جميع العصاة وجميع أصحاب الكبائر، فإنهم لا بد أن يصيروا إلى الجنة في آخر الأمر، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما العصاة وأصحاب الكبائر فهؤلاء لا بد أن يأتي عليهم وقت من الأوقات يخرجون من النار ويدخلون الجنة، وعلى هذا فالتحريم تحريم مؤقت.

تراجم رجال إسناد حديث الوفاء للمعاهد


قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيينة بن عبد الرحمن ]. هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الرسل لا يقتلون


شرح حديث نعيم في عدم قتل الرسل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرسل. حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل - عن محمد بن إسحاق قال: كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: (ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) ]. أورد أبو داود باباً في الرسل، أي: الرسل الذين يأتون من الكفار إلى المسلمين برسائل، ومعنى ذلك أنهم يؤمنون ثم يعودون من حيث أتوا، وقد سبق أن مر قريباً قوله في الحديث: (أني لا أحبس البرد) ومعنى هذا أن البريد أو الرسول لا يقتل، وإنما يؤمن حتى يرجع إلى الجهة التي جاء منها. أورد أبو داود حديث نعيم بن مسعود رضي الله عنه، أن رسولي مسيلمة لما جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ الكتاب الذي معهما، قال: (ماذا تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال) أي أنهما يتابعانه فيما جاء به من الكفر ومن الردة، فقال عليه الصلاة و السلام: (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما). وهذا يدل على أن الرسل لا تقتل، ولو حصل من الرسول المجاهرة وإعلان الكفر كما حصل من رسولي مسيلمة بقولهما: (نقول كما قال) فدل هذا على أن الرسول يرجع إلى مأمنه وأنه لا يقتل.

تراجم رجال إسناد حديث نعيم في عدم قتل الرسل


قوله: [ حدثنا محمد الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل- ] . صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد حدثني محمد بن إسحاق عن شيخ من أشجع يقال له سعد بن طارق ]. سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ]. سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، له صحبة، كما أن لأبيه صحبة، وحديثه أخرجه أبو داود . [ عن أبيه نعيم ] . وأبوه أخرج حديثه أبو داود .

شرح حديث ابن مسعود في عدم قتل الرسل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق : ( عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة، وإني مررت بمسجد لبني حنيفة، فإذا هم يؤمنون بمسيلمة ، فأرسل إليهم عبد الله ، فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلاً بالسوق) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه جاءه حارثة بن مضرب ، وذكر الحديث. قوله: [ما بيني وبين أحد من العرب حنة]: يعني: ليس هناك ضغن ولا حقد وعداوة، وهو بهذا يريد أن يمهد للكلام الذي يقوله، وكأنه يريد أن يقول: إن هذا الكلام الذي أقوله ليس عن عداوة، وليس عن غيض، وإنما هو الحقيقة والواقع. قوله: [ مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة ]. مسجد بني حنيفة في الكوفة، أي: في المكان الذي هم فيه، وكان فيه ابن مسعود ، فاستدعاهم لأنهم يؤمنون بمسيلمة الكذاب . قوله: [ فأرسل إليهم عبد الله ، فجيء بهم فاستتابهم ]. يعني: استتابهم وتركهم إلا واحداً منهم يقال له: ابن النواحة؛ لأنه قد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا أنك رسول لقتلتك) فلم يستتبه بل قتله؛ لأنه لم يعد في ذلك الوقت رسولاً، فأمر قرظة بن كعب أن يقتله، فقتله في السوق وقال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة فلينظره قتيلاً بالسوق. ومحل الشاهد منه قوله: (لولا أنك رسول لقتلتك) يعني: أن الرسل يعاملون معاملة خاصة فيردون إلى مأمنهم ولا يقتلون.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في عدم قتل الرسل


قوله: [حدثنا محمد بن كثير ] . هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ] . هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ] . هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه أتى حارثة بن مضرب ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله ] . هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:21 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
ما جاء في أمان المرأة


شرح حديث أم هانئ في أمان المرأة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أمان المرأة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب: (عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: قد أجرنا من أجرت وأمنَّا من أمنت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في أمان المرأة]. يعني: إذا أمنت أحداً أو أجارت أحداً فإنه ينفذ أمانها وجوارها، وقد سبق أن مر حديث: (المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)، وهنا أورد أبو داود حديث أم هانئ رضي الله عنها، وهو أنها عام فتح مكة أمنت رجلاً، وكان أخوها علي رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت) معناه: أن جوارك وأمانك معتبر عندنا.

تراجم رجال إسناد حديث أم هانئ في أمان المرأة


قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله ]. عياض بن عبد الله فيه لين، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مخرمة بن سليمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب ] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة في أمان المرأة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز) ]. أورد أبو داود حديث عائشة : (إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز) أي: فيجوز جوارها وتأمينها وأمانها، ومعناه: أنهم كانوا يجيزونه ويثبتونه ولا يبطلونه، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه إشارة إلى أن هذا يحصل، والحديث السابق إنما هو في قصة حصلت لأم هانئ رضي الله عنها في شخص معين، وهذا لفظ عام يدل على أن المرأة كانت تجير فيجوز أمانها ويعتبر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أمان المرأة


قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة ]. سفيان هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد ين قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في صلح العدو


شرح حديث المسور بن مخرمة في صلح الحديبية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلح العدو. حدثنا محمد بن عبيد أن محمد بن ثور حدثهم عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة.. وساق الحديث، قال: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حل حل خلأت القصواء، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي ثم أتاه -يعني عروة بن مسعود - فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، و المغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته! فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غدر! أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه.. فذكر الحديث. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.. وقص الخبر، فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات.. الآية، فنهاهم الله أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش، يعني: فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستله الآخر، فقال: أجل قد جربت به، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد رأى هذا ذعراً، فقال: قد قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمتك، فقد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت أبو جندل فلحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة) ]. أورد أبو داود باباً في صلح العدو. أي: الصلح مع الكفار، والصلح مع الكفار يجوز في حال ضعف المسلمين وعدم قوتهم، وأما مع قوتهم فإنه لا يصلح أن يصالح الكفار، وإنما يكون ذلك مع الضعف كما قال الله عز وجل: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [محمد:35] فالصلح يجوز عند وجود ما يقتضيه من عدم قوة بالمسلمين. أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه في قصة صلح الحديبية، وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم معتمراً في السنة السادسة من الهجرة، ومعه ألف وأربعمائة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضعة عشرة مائة من أصحابة) ]. يعني: ألفاً وأربعمائة، هذا هو أصح ما قيل فيه، وقيل: ألف وخمسمائة، وقيل: ألف وثلاثمائة، والأصح أنهم ألف وأربعمائة. قوله: [ (حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة) ]. وهذا يدل على أن الإحرام يكون من الميقات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عام الحديبية بعمرة من الميقات، وأن الهدي يقلد ويشعر، وإشعاره أن يغرز في صفحة سنامه حتى يسيل الدم، فيكون علامة على أنه هدي، بحيث لو ضاع عرف من رآه أن هذا هدي، وكذلك أيضاً التقليد هو علامة على أنه هدي، وهو يدل على أن الإشعار سنة وليس بمثلة، وهو للحاجة والمصلحة، مثل الوسم الذي يفعل للحاجة، ومثل الختان الذي يكون بالنسبة للمولود، فهو وإن كان فيه شيء من التعذيب وشيء من المضرة إلا أن المصلحة فيه كبيرة، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وساق الحديث ] معناه أن فيه اختصاراً وحذفاً. قوله: [ (حتى إذا جاء الثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به ناقته، فقال الناس: حل حل)]، وهي كلمة زجر يراد منها أن تقوم الناقة. قوله: [ (فقال الناس: حل حل، خلأت القصواء، مرتين) ]. يعني: حرنت، ومعناه: أنه صار بها هذا الخلق. قال عليه الصلاة و السلام: (ما خلأت وما كان لها بخلق) -أي: ليس من عادتها- ولكن حبسها حابس الفيل)] أي: أن الذي حبسها هو الذي حبس الفيل عن أهل مكة. قوله: [ (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) ]. معناه: أنه لا يحصل بينه وبينهم قتال في الحرم. قوله: [ (ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء) ]. أي: زجرها فثارت وقامت، وذهب إلى الحديبية على ثمد وهو: الماء القليل. قوله: [ (فجاءه بديل بن ورقاء ..) ]. والحديث فيه اختصار، وكان فيه أنه جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! نفد الماء فأخرج سهماً من كنانته، وأمرهم بأن يضعوه، فصارت البئر تجيش بالماء وتفور حتى سقوا رواحلهم ورووا، وذلك من بركة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهم من كنانته فيها. قوله: [ (فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي ، ثم أتاه يعني: عروة بن مسعود ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته) ]. وكانت العادة عندما كان الشخص يخاطب غيره يمسك بلحيته، وليس هذا من باب الإهانة، وإنما هو من باب الملاطفة. قوله: [ (والمغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه السيف، وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته) ]. فكان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، فكان كلما مد يده على لحية الرسول ضربه بمؤخر السيف. وهذا يدل على أن القيام على رأس الأمير عند حضور الكفار لا بأس به، وأن هذا من احترام الأمير، ومن المحافظة عليه، وأما إذا كان لغير ذلك فإنه لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكى وصلى جالساً، وصلى وراءه أناس قياماً أشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) فالقيام محذور إذا كان في غير هذه الحالة، أما إذا كان في هذه الحالة فهو سائغ؛ لأن هذا حصل من المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقيام على الرجل له حالتان: حالة فيها احترام الإمام وتوقيره، والمحافظة عليه عند الكفار، وإظهار تقديره عند الكفار. والثانية: إذا كان لغير ذلك. فهذه الحالة التي جاءت في قصة المغيرة تدل على جوازه في مثل هذه الحالة، والحديث الذي فيه: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) يدل على أن ذلك لا يجوز. قوله: [ (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة) ]. يسأل عن هذا الذي يضربه بنعل السيف، قال: من هذا؟! قالوا: المغيرة بن شعبة وهو ثقفي و عروة بن مسعود ثقفي، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟! معناه: أنه من قومه ومن جماعته؛ لأن هذا ثقفي وهذا ثقفي، ولعل المقصود منه: أنه كان يجمع ديات من أجل أن يعطيها أولئك الذين قتلهم المغيرة . قوله: [ (وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه) ]. وهذه هي غدرة المغيرة التي ذكرها عروة بن مسعود . قوله: (فذكر الحديث، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ..) وقص الخبر. ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة الصلح والعهد الذي بينه وبين الكفار وقال: [ (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) ] وقد جاء فيه أنهم قالوا: إننا لا نعتقد بأنك رسول الله، ولكن قل: محمد بن عبد الله، أي اذكر اسمك واسم أبيك، فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر الكاتب بأن يكتب محمد بن عبد الله. قوله: [ (فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا)]. هو سهيل بن عمرو الذي تولى العقد عن جانب الكفار، وقد أسلم عام الفتح وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ما ذكر لما رأى في ذلك من مصلحة، وبعض أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم تألموا تألماً كثيراً، وقالوا: كيف نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله؟! أي: كيف نقبل بمثل هذا الشرط الذي يقضي بأن من جاء منهم ولو كان على

تراجم رجال إسناد حديث المسور بن مخرمة في صلح الحديبية


قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد هو ابن حساب أو المحاربي، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وكل منهما روى عن محمد بن ثور ، و محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . و المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وفي تحفة الأشراف: محمد بن عبد الأعلى ؛ لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن فيه محمد بن عبد الأعلى يروي عنه أبو داود في كتاب القدر فقط. [ أن محمد بن ثور حدثهم ]. محمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن المسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث صلح الحديبية من طريق المسور ومروان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس سمعت ابن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم : (أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس، وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال) ]. أورد أبو داود الحديث عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم ، وفيه: (أنهم اصطلحو) أي: الرسول صلى الله عليه وسلم وكفار قريش على وضع الحرب. قوله: (على وضع الحرب عشر سنين) أي: أن الهدنة والصلح الذي بينهم مدته عشر سنوات يأمن فيها الناس، فيستطيع أن يذهب هؤلاء وهؤلاء، ولا يعتدي أحد على أحد إنفاذاً لهذا العهد، والصلح الذي بينهم. قوله: [ (وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة) ] يعني: أنهم يلتزمون بمقتضى العقد، ويصير ما بينهم من عداوات ومن إقدام بعضهم على قتال بعض ممتنعاً بمقتضى هذا العقد، فتكون صدورهم وقلوبهم بمثابة العيبة المكفوفة، أي المشدودة على ما فيها من المتاع الجيد والشيء المحفوظ، فكذلك ذلك الاتفاق الذي قد حصل يحفظ في القلوب وفي الصدور ، ولا يعتدي أحد على أحد في هذه المدة بمقتضى هذا العقد. قوله: [ (وأنه لا إسلال ولا إغلال) ] أي: ليس هناك سرقة ولا خيانة في ظاهر ولا باطن، بل يأمن الناس في الظاهر والباطن فليس هناك خيانة ولا اعتداء، وليس هناك سرقة، وأخذ للأموال خفيةً. هذا هو معنى هذه الجمل القصيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله من طريق المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم . ثم الصلح مع العدو اختلف العلماء في مقداره وتحديده، فمنهم من قال: إنه عشر سنوات لا يزيد عليها كما جاء في هذا الاتفاق الذي حصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش. ومنهم من قال: إنه يكون سنتين أو ثلاثاً؛ لأن الذي حصل تنفيذه إنما هو هذه المدة، وبعد ذلك حصل نقض العهد من كفار قريش، وبعد ذلك فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك في السنة الثامنة في شهر رمضان، أي: بعد مدة تقرب من السنتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في عمرة الحديبية في شهر ذي القعدة سنة ست، وفتح مكة كان في رمضان سنة ثمان، أي: بعد مضي أقل من سنتين. ثم مما ينبغي أن يعلم أن الصلح الذي حصل بين الفلسطينيين واليهود في هذا الزمان ليس من هذا القبيل؛ لأنه ليس هناك قوة مسلمة وقوة كافرة حصل بينهما صلح، وإنما حصل الصلح بين ظالم ومظلوم، وبين أناس مغتصبين وهم اليهود وبين أناس اغتصبت أرضهم وهم الفلسطينيون، وقد اغتصبت ومضى على اغتصابها عشرون سنة، أي: من سنة ثمان وأربعين إلى سنة سبع وستين، ثم بعد ذلك حصل من بعض الزعماء العرب المتهورين شيء من الغرور، وترتب على ذلك أن اليهود توسعوا فأخذوا الضفة الغربية وأخذوا سيناء وأخذوا هضبة الجولان، فمضى على هذا الاحتلال الأخير ربع قرن من الزمان، والفلسطينيون مشردون بعيدون عن أوطانهم، فإذا أرادوا أن يتفقوا مع العدو الذي اغتصب أرضهم على أن يحصلوا على بعض أرضهم، فإنه لا بأس بذلك، وهو ليس صلحاً بين قوة مسلمة وقوة كافرة، وإنما هو صلح بين ظالم ومظلوم ومغتصب ومغتصب منه. وإذا جاء الوقت الذي يكون فيه للمسلمين قوة ويستطيعون أن يقاتلوا اليهود ويقضوا عليهم أو يتخلصوا منهم، فإن المجال واسع والباب مفتوح، ولكن بعد أن مضى على الفلسطينيين هذه المدة الطويلة وهم مشردون يحتاجون إلى أن يحصلوا على بعض أرضهم ليبقوا فيها بعد أن مضى على احتلال أرضهم عشرات السنين، ثم حصل هذا الصلح الذي مضى عليه عشر سنوات واليهود يماطلون، ولم يحصل المسلمون على ذلك الشيء الذي يريدونه، ولكن الصلح كما أشرت هو بين ظالم ومظلوم، ومغتصب ومغتصب منه، وإذا كان لا يستطيع أن يحصل حقه كله، فإذا ظفر ببعضه إلى أن يأتي الوقت الذي يتمكن فيه المسلمون من أن يقاتلوا اليهود ويرفعوا راية الإسلام؛ فعند ذلك يحصل ما يحصل من الخير، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لا بد أن يقتتل المسلمون واليهود، وأن الحجر والشجر يقول: يا مسلم! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله). وقد أفتى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه بجواز هذا الصلح، واعترض عليه بعض المعترضين الذين ليس عندهم إلا حماس وعواطف، وليس عندهم فهم للشريعة وأحكامها! وكما قلت: هو صلح بين مغتَصِب ومغتَصَب، وهذا نظير ما لو أن لصوصاً اعتدوا على إنسان وسلبوا كل ما بحوزته من النقود وتركوه خالي الوفاض ليس له شيء، ثم صار بحاجة إلى أن يحصل على شيء مما أخذوا منه، فقالوا: نعطيك بعض حقك، فهل يقبل بعض حقه أم يقول: إما أن تعطوني مالي كله أو أتركه كله؟ كونه يأخذ بعض حقه ويستفيد منه أولى من كونه لا يحصل على شيء من حقه.

تراجم رجال إسناد حديث صلح الحديبية من طريق المسور ومروان


قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ] هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مروان بن الحكم ] . وهو الخليفة، وقد قال عروة بن الزبير : إنه لا يتهم في الحديث، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.

شرح حديث ذي مخبر في الصلح مع العدو


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: مال مكحول و ابن أبي زكرياء إلى خالد بن معدان وملت معهما، فحدثنا عن جبير بن نفير قال: قال جبير : انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيناه فسأله جبير عن الهدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم) ]. أورد أبو داود حديث ذي مخبر رضي الله تعالى عنه أنه جاءه جبير بن نفير ومعه غيره يسألونه عن الهدنة، أي: الهدنة التي تقع بين المسلمين والنصارى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستصالحون الروم) وهم النصارى. وقوله: [ (صلحاً آمناً) ] أي: يحصل الأمن بينكم وبينهم بمقتضى هذا الصلح، وهذا هو محل الشاهد للترجمة؛ لأن النصارى كفار، وهم أعداء المسلمين، ومع ذلك يحصل بينهم صلح، وهذا في آخر الزمان. قوله: [ (وتغزون أنتم وهم عدواً من روائكم) ]. يعني: عدواً مشتركاً للمسلمين والنصارى، وليس معنى ذلك أنهم يغزون للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، ولإدخال الناس في دين الله؛ لأن النصارى أنفسهم كفار، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فلن أستعين بمشرك) وإنما المقصود: أن هذا عدو مشترك للجانبين، وأن أولئك المتصالحين تعاونوا على ذلك العدو المشترك. قوله: [ (من ورائكم) ] هذا يحتمل أن يكون من خلفهم ويحتمل أن يكون من أمامهم؛ لأن (وراء) تأتي بمعنى الأمام. وقد أورد أبو داود الحديث في كتاب الملاحم في آخر الكتاب، وذكر في آخره أنهم عندما ينتصرون أو يغنمون أو يسلمون يأتون قافلين حتى إذا صاروا في مرج ذي فلول قام واحد من النصارى ونادى: انتصر الصليب! فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب الذي معه، فعند ذلك ينقض الروم العهد ويجمعون لقتال المسلمين، فيقتلون المسلمين قتلاً ذريعاً، وهذا لم يحصل إلى الآن، ولكنه لا بد أن يحصل كما أخبر بذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث ذي مخبر في الصلح مع العدو


قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن حسان بن عطية ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ خالد بن معدان ]. وهو ثقة عابد يرسل كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ انطلق بنا إلى ذي مخبر ]. ذو مخبر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة ."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:29 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [327]
الحلقة (359)







شرح سنن أبي داود [327]

الخروج للجهاد في سبيل الله هو ضرب في الأرض وسفر من الأسفار، لذا فإن الشرع الحنيف بين الآداب التي ينبغي على المسافر التقيد بها في هذا السفر، ومن هذه الآداب أن يكبر المسافر إذا بلغ مكاناً مشرفاً، وألا يطرق أهله بليل إلا إذا كان ذلك في أوله.

العدو يؤتى على غرة


شرح حديث قتل كعب بن الأشرف


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئاً، قال: نعم قل. فأتاه فقال: إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنانا، فقال: وأيضاً لتملنه، قال: اتبعناه، فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين، قال كعب : أي شيء ترهنوني؟ قال: وما تريد منا؟ قال: نساؤكم، قالوا: سبحان الله، أنت أجمل العرب نرهنك نساءنا فيكون ذلك عاراً علينا! قال: فترهنوني أولادكم، قالوا: سبحان الله، يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت بوسق أو وسقين! قالوا: نرهنك اللأمة -يريد السلاح- قال: نعم. فلما أتاه ناداه فخرج إليه وهو متطيب ينضخ رأسه، فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة فذكروا له، قال: عندي فلانة وهي أعطر نساء الناس، قال: تأذن لي فأشم؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه فشمه، قال: أعود؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال: دونكم! فضربوه حتى قتلوه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم ]. أي: يؤتى على غفلة، ويتشبه بهم: أي يتظاهر بأنه معهم وهو ليس معهم، ولكن للوصول إلى ما يريد، وهذا من المكر والخدعة التي في الحرب؛ لأن الحرب خدعة. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لكعب بن الأشرف ؟) أي: من يقتله، ويخلص الناس من شره، فإنه آذى الله ورسوله؟ فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أتريد أن أقتله؟ قال: نعم. قوله: [ (قال: فأذن لي أن أقول شيئاً) ] أي: أن أقول فيك شيئاً يرضى به، ويقصد من وراء ذلك أن يقول شيئاً مورياً. قوله: [ (فجاء إليه وقال: إن هذا الرجل -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- سألنا الصدقة ) ] يعني: سألهم الصدقة وطلب منهم الزكاة. قوله: [ (وقد عنانا) ] أي: حصل لهم عناء ومشقة في التكاليف، ولا شك أن التكاليف شاقة وفيها تعب ونصب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وقال: (إسباغ الوضوء على المكاره) فالتكاليف شاقة، والصبر ثلاثة أنوع: صبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس. وصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس. وصبر على أقدار الله المؤلمة. قوله: [ (وأيضاً لتملنه) ] هذا يقوله كعب بن الأشرف ، يعني: سيحصل منكم ملل منه. قوله: [ (اتبعناه فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره) ]. وأمره لا شك أنه سيصير في النهاية إلى أن يظهر الله دينه ويعلي كلمته، وهذا الكلام هو مقتضى الترجمة في قوله: (يتشبه بهم) ومعناه: أنه كأنه منهم، أو كأنه موافق لهم، وقوله: (اتبعناه ونحن نكره أن ندعه) أي: نريد أن نبقى معه حتى يتبين لنا أمره. وأمره سينتهي إلى خير، وإلى نهاية طيبة، وإلى أن يظهر الله دينه ويعلي كلمته. قوله: [ (وقد أردنا أن تسلفنا وسقاً أو وسقين) ]. يعني: جاء يطلب هذا الشيء، وهو وسق أو وسقان من الطعام، ومقدار الوسق ستون صاعاً. قوله: [ قال كعب : أي شيء ترهنوني؟ قال: وما تريد منا؟ قال: نساءكم ]. أي: يريد أن يرهنوا نساءهم. قوله: [ قالوا: سبحان الله، أنت أجمل العرب، نرهنك نساءنا فيكون ذلك عاراً علينا! ]. إما أن يكون أصله عربياً ولكنه تهود، أو أنه من العجم فيكون الإشكال قائماً، لأنه أجمل العرب وهو ليس منهم. والحاصل أنهم امتنعوا من إعطائه نساءهم خشية العار كما قال. قوله: [ فترهنوني أولادكم؟ قالوا: سبحان الله! يسب ابن أحدنا فيقال: رهنت بوسق أو وسقين! ]. أي: أنت تساوي وسقاً أو وسقين. قوله: [ قالوا: نرهنك اللأمة، يريد السلاح ]. هذا يقوله محمد بن مسلمة ، واللأمة بالهمز وقد تخفف، قيل: هي السلاح مطلقاً، وقيل: إنها الترس أو الوقاية التي يتقى بها في الحرب. قوله: [ قال: نعم، فلما أتاه ناداه، فخرج إليه وهو متطيب ينضخ رأسه ]. كأنه ذهب على أن يعود ومعه السلاح، فقال: ائذن لي أن أشم. قوله: [ فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة ]. هؤلاء النفر جاءوا مع محمد بن مسلمة . قوله: [ فذكروا له ] يعني: الطيب الذي يفوح منه، وقالوا: ما هذا؟ فقال: عندي فلانة، وهي أعطر نساء الناس. قوله: [ قال: تأذن لي فأشم؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه فشمه، قال: أعود؟ قال: نعم، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال: دونكم! فضربوه حتى قتلوه ]. وهذا لا يقال: إنه من قبيل الغدر، بل هو من قبيل الخدعة في الحرب وقتل من يستحق القتل، إذ ليس هناك عهد بينهم وبينه، وكان قد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم وسبه وكان يحرض كفار قريش عليه، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دمه وقال: (من لكعب بن الأشرف) يعني: من يقوم بقتله؟ فانتدب لذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه.
تراجم رجال إسناد حديث قتل كعب بن الأشرف

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

شرح حديث: (الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حزابة حدثنا إسحاق -يعني ابن منصور - حدثنا أسباط الهمداني عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن) معناه: أنه لا يفتك بأحد له عهد، ولكن إذا كان ليس له عهد فإنه يمكن أن يفتك به حيث يكون مستحقاً لذلك. قوله: [ (الإيمان قيد الفتك) ] أي: قيده بحيث لا يكون إلا في محله، ومنعه من أن يكون في غير محله، كما أن الدابة المقيدة تكون ممنوعة من أن تذهب أو تصول أو تجول لحصول القيد الذي بها، وهذا من باب التشبيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)

قوله: [حدثنا محمد بن حزابة ]. محمد بن حزابة صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا إسحاق -يعني ابن منصور- ]. هو إسحاق بن منصور السلولي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسباط الهمداني ]. صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن السدي ]. هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه]. هو عبد الرحمن بن أبي كريمة ، مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. والحديث فيه من هو مجهول الحال، ولكن الألباني صححه وحسنه، فلعل ذلك من أجل الشواهد. والظاهر أنه لما ذكر قصة كعب بن الأشرف ذكر بعده أنه لا يحصل الفتك بمن لا يستحقه، وأما من يستحقه فإنه يحصل به الفتك ككعب بن الأشرف .
التكبير على كل شرف في المسير


شرح حديث التكبير على كل شرف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التكبير على كل شرف في المسير. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)]. أورد أبو داود باباً في التكبير على كل شرف في المسير. أي: في السفر. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون) وهذا إنما يكون عند القفول، أي: الرجوع، ولا يقال في الذهاب والمسير وإنما في الذهاب والمسير يكتفي بالتكبير. قوله: [ (صدق الله وعده) ]. أي: ما وعد به المسلمين من النصر ومن الخير. قوله: [ (ونصر عبده) ] أي: الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وهزم الأحزاب وحده) ] قيل: إن المقصود بذلك الأحزاب التي تجمعت يوم الخندق، والله عز وجل هزمهم بالريح التي أثارها فأزعجتهم وجعلتهم يفرون، وقيل: إن المقصود بالأحزاب الأحزاب المختلفة قبل زمان نبينا؛ لأن الطوائف المختلفة كلها يقال لها أحزاب، قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ [غافر:5].
تراجم رجال إسناد حديث التكبير على كل شرف

قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة أحد الفقهاء الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر ]. الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية العالية عند أبي داود رحمه الله.
الإذن في القفول بعد النهي


شرح حديث الإذن في القفول بعد النهي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإذن في القفول بعد النهي. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:44] الآية نسختها التي في النور: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62] ]. أورد أبو داود باباً في الإذن في القفول بعد النهي، والمقصود من ذلك أنه حصل النهي فيما يتعلق بالمنافقين، وأنه صلى الله عليه وسلم عوتب على ذلك حيث كان يأذن لهم، وقال الله عز وجل: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43]، ثم نسخ ذلك بما في آخر سورة النور حيث قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] أي: أنه جاء فيها أمره بالإذن لمن شاء منهم، وأن ذلك إليه صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك مأذوناً فيه، والذي عوتب عليه قبل ذلك هو إذنه للمنافقين. قوله: [ عن ابن عباس قال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:44] الآية نسختها التي في النور: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62] ]. قيل: هو الآن على اعتبار النسخ، وقيل: إنه تقييد، وإن ذاك يحمل على شيء وهذا يحمل على شيء، فذاك في حق المنافقين وهذا في حق المؤمنين، وأعتبره أبو داود نسخاً.

تراجم رجال إسناد حديث الإذن في القفول بعد النهي


قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. هو صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره.
ما جاء في بعثة البشراء


شرح حديث بعثة البشراء


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بعثة البشراء. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا عيسى عن إسماعيل عن قيس : (عن جرير قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فأتاها فحرقها، ثم بعث رجلاً من أحمس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره يكنى أبا أرطأة)]. أورد أبو داود رحمه الله باب بعثة البشراء . يعني: الذين يبشرون بالفتح والانتصار، أي: بالمهمة التي قاموا بها. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (ألا تريحني من ذي الخلصة؟) وهو صنم لدوس، فذهب جرير وأحرقها، ثم أرسل شخصاً من أحمس، وهم قبيلة جرير بن عبد الله البجلي ؛ لأن أحمس من بجيلة. قوله: [ (ثم بعث رجلاً من أحمس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره يكنى أبا أرطأه)]، هذا محل الشاهد، حيث أرسله يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بتنفيذ المهمة التي طلبها منه، وهي راحته من ذي الخلصة.

تراجم رجال إسناد حديث بعثة البشراء


قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عيسى عن إسماعيل ]. عيسى مر ذكره، وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قيس ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في إعطاء البشير


شرح حديث إعطاء البشير


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إعطاء البشير. حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس.. وقص ابن السرح الحديث قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة، حتى إذا طال علي تسورت جدار حائط أبي قتادة -وهو ابن عمي- فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، ثم صليت الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فسمعت صارخاً: يا كعب بن مالك أبشر! فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه، فانطلقت حتى إذا دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني)]. أورد أبو داود باباً في إعطاء البشير. أي: إعطاء البشير من أجل بشارته بالشيء الذي بشر به، والمقصود من الإعطاء: إعطاؤه شيئاً من أجل هذه البشارة. وأورد أبو داود شيئاً من قصة كعب بن مالك رضي الله عنه في توبته التي جاء القرآن بها، حيث تاب الله عليه وعلى صاحبيه، وذلك في قول الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .. [التوبة:118]الآية. والرسول صلى الله عليه وسلم هجرهم وأمر الناس بألا يكلموهم، وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم بعد ذلك نزلت توبة الله عليهم. وبعدما حصلت التوبة وكان قد صلى الفجر في أعلى ظهر بيت من بيوتهم سمع صارخاً يقول: أبشر يا كعب بن مالك ! فلما جاءه الشخص الذي بشره نزع ثوبيه وأعطاه إياهما على بشارته، وهذا هو محل الشاهد للترجمة. ثم جاء إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول -أي: يسرع- يريد أن يهنئه، فصافحه وهنأه بهذه التوبة التي حصلت له من الله عز وجل. وقوله: [ (تسورت جدار حائط أبي قتادة) ] معناه: أنه ما دخل من الباب وإنما صعد من فوق السور أو الجدار.

تراجم رجال إسناد حديث إعطاء البشير


قوله: [حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبيه] هو عبد الله بن كعب ، له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن كعب بن مالك ]. كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في سجود الشكر


شرح حديث أبي بكرة في سجود الشكر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سجود الشكر. حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز قال: أخبرني أبي عبد العزيز عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في سجود الشكر. وهذه الترجمة محلها الأليق بها في الصلاة، ولكنه أتى بها في الجهاد، وهو من وضع الشيء في غير مظنته، لأنه قد يبحث الإنسان عن سجود الشكر في كتاب الصلاة فلا يجده فيقول: إنه لا يوجد عند أبي داود وهو لا يعلم أنه ذكره في كتاب الجهاد، فهو من ذكر الشيء في غير مظنته. وهذا الصنيع يحصل به عدم العثور على الشيء المطلوب، وقد كان الحافظ ابن حجر رحمه الله يذكر في فتح الباري أن بعض الأحاديث ذكرت في غير مظنتها مثل حديث الزبير الطويل الذي فيه أنه كان عليه دين وأنه قال: عليك بمولى الزبير ، وهو مذكور في الجهاد، فقال الحافظ ابن حجر : ذكر في غير مظنته، وكذلك سجود الشكر ذكر هنا في غير مظنته؛ لأن مظنته كتاب الصلاة. ولكن لعل أبا داود رحمه الله ذكره بعد البشارة وإعطاء البشير من باب أن الشيء بالشيء يذكر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا بشر بشيء خر ساجداً. وأورد حديث أبي بكرة قال: (كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله). وسجود الشكر إنما يكون لأمر سرور له أهمية، وليس في كل أمر ولو كان تافهاً.

تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة في سجود الشكر


قوله: [حدثنا مخلد بن خالد ]. ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز ]. وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرني أبي عبد العزيز ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:29 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث سعد بن أبي وقاص في سجود الشكر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب عن ابن عثمان -قال أبو داود : وهو يحيى بن الحسن بن عثمان - عن أشعث بن إسحاق بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزور نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً، ذكره أحمد ثلاثاً قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً شكراً لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي). قال أبو داود : أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ومعه أصحابه قادمين من مكة إلى المدينة ولما جاءوا عند مكان يقال له: عزور -قيل: إنه ثنية تقع قريباً من الجحفة في الطريق من مكة إلى المدينة- فلما كان هناك نزل ورفع يديه، ثم خر ساجداً، ثم قام وفعل مثل ذلك، ثم قام وفعل مثل ذلك، ثم أخبر بأنه شفع لأمته فأعطاه الله الثلث، ثم شفع فأعطاه الثلث الثاني، ثم شفع فأعطاه الثلث الأخير، وأن أمته كلها تخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أن النار لا يبقى بها أبد الآباد إلا الكفار، وأما من كان من المسلمين فإنه ولو فعل ما فعل من المعاصي والكبائر لا يخلد في النار أبد الآباد، بل لابد أن يخرج منها ويدخل الجنة بعد تطهيره وتمحيصه وعقوبته التي يعاقب بها من شاء الله تعالى أن يعاقب، وينجو منها من شاء الله عز وجل أن يتجاوز عنه، وذلك فضل الله عز وجل. وفيه: أنه دعا قائماً ورفع يديه ثم سجد، والحديث فيه رجل مجهول فهو ليس بصحيح.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في سجود ا لشكر


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك ]. أحمد بن صالح مر ذكره، وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني موسى بن يعقوب ]. وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن عثمان -قال أبو داود : هو يحيى بن الحسن بن عثمان -]. وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ عن أشعث بن إسحاق بن سعد ]. وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عامر بن سعد ]. هو عامر بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي ]. موسى بن سهل الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي .

ما جاء في الطروق



شرح حديث الطروق من طريق حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الطروق. حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً)]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الطروق. والطروق هو: القدوم على الأهل ليلاً بحيث يأتي ويطرق عليهم الباب، فيكون مجيئه في ذلك على غرة وعلى غفلة وفيه إزعاج لهم، والزوجة في حال عدم استعداد وتهيؤ للزوج، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره ذلك. ومن المعلوم أنه إذا كان عندهم علم بقدومه فإنه لا بأس بالإتيان إليهم في أي وقت من ليل أو نهار، لا سيما في هذا الزمان الذي يمكن فيه الاتصال بالأهل وإخبارهم بأنه سيأتي في الوقت الفلاني بالطائرة الفلانية التي تقلع في الوقت الفلاني، أو في سيارة تمشي في الوقت الفلاني، فيكونون على استعداد، فمثل هذا لا يكره، وإنما يكره أن يأتيهم على غرة. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً) ] يعني: ليلاً بحيث يطرق عليهم الباب على غرة، والكراهة للتنزيه.

تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ ومسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محارب بن دثار ]. محارب بن دثار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود لأنه رباعي، وأبو داود له فيه شيخان هما في طبقة واحدة وهما: حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم الفراهيدي .

شرح حديث الطروق من طريق ابن أبي شيبة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل)]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل). أي: لا يكون في ذلك طروق؛ لأنه جاء وهم مستيقظون غير نائمين في أول الليل، فالمحذور ليس في ذات الطروق، إنما المحذور أن يكونوا نائمين وغافلين، ثم يأتيهم ويطرق عليهم الباب ويزعجهم. أما إذا كان في أول الليل لا سيما إذا كان بعد المغرب وقبل العشاء، والناس ما زالوا ينتظرون صلاة العشاء وليس هناك نوم؛ فإن ذلك هو أحسن الأحوال بالنسبة لمن يأتي في الليل. أما من جاء في النهار فإن جميع الأحوال في النهار مناسبة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا قدم ضحى؛ لكن إذا قدم في الليل يكون قدومه في أول الليل، وهذا للابتعاد عن كونه يطرق عليهم ويزعجهم. وتقدم أنه إذا حصل علم منهم بقدومه في أي وقت من ليل أو نهار فلا بأس به.

تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق ابن أبي شيبة


قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.

شرح حديث الطروق من طريق أحمد بن حنبل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فلما ذهبنا لندخل قال: أمهلوا حتى ندخل ليلاً؛ لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أنهم قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلاً -يعني: في أول الليل- حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة). والشعثة هي: التي شعرها متفرق غير مرتب وغير منظم، فإنها تستعد بمشطه وتسريحه، وتستحد المغيبة، أي: التي غاب عنها زوجها، فتستحد باستعمال الحديدة في إزالة الشعر الذي حول القبل، ومعنى هذا أن العلم بقدومهم قد وصل المدينة؛ لأن هذا الاستعداد والتهيؤ إنما يكون عن علم بوقت القدوم.

تراجم رجال إسناد حديث الطروق من طريق أحمد بن حنبل


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سيار ]. هو سيار أبو الحكم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الشعبي عن جابر بن عبد الله ]. وقد مر ذكرهما.

تفسير الزهري للطروق


[ قال أبو داود : قال الزهري : الطروق بعد العشاء. قال أبو داود : وبعد المغرب لا بأس به ]. يعني: الطروق يكون بعد صلاة العشاء بعد نوم الناس، وبعد المغرب لا بأس به؛ لأن الناس ينتظرون صلاة العشاء ويتهيئون لها، وهذا هو معنى ما تقدم من أن القدوم إنما يكون في أول الليل، أي قبل العشاء، وأما إذا كان بعد العشاء فيكون طروقاً. وهذه الأحاديث لا تخص المتزوجين؛ لأن قضية الإزعاج تحصل للمتزوجين وغير المتزوجين، وكونه يطرق أهله ويكدر عليهم نومهم لا يختص بالمتزوجين.
تلقي المجاهد إذا رجع


شرح حديث تلقي المجاهد إذا رجع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التلقي. حدثنا ابن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة من غزوة تبوك تلقاه الناس، فلقيته مع الصبيان على ثنية الوداع)]. أورد أبو داود باباً في التلقي، يعني: تلقي القادمين من السفر، والخروج من البلد للقائهم وإظهار السرور بقدومهم، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه وكان من صغار الصحابة، وقد قال: (حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) أي: كان عمره في حجة الوداع سبع سنين. لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس لاستقباله وفيهم الصبيان ومنهم السائب بن يزيد ، فدل هذا على أن مثل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به، وفيه إظهار السرور والاستبشار بالقادم.

ترجم رجال إسناد حديث تلقي المجاهد إذا رجع


قوله: [حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا أيضاً إسناد رباعي.
استحباب إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل


شرح حديث إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يستحب من إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك : (أن فتى من أسلم قال: يا رسول الله! إني أريد الجهاد وليس لي مال أتجهز به. قال: اذهب إلى فلان الأنصاري فإنه كان قد تجهز فمرض، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام، وقل له: ادفع إلي ما تجهزت به. فأتاه فقال له ذلك فقال لامرأته: يا فلانة! ادفعي له ما جهزتني به ولا تحبسي منه شيئاً، فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك الله فيه)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فيما يستحب من إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل، وهذه الترجمة ظاهرها أن المقصود أن الإنسان عندما يقفل يستنفد زاده ولا يقلل على نفسه؛ لأنه إذا كان ذاهباً يمكن أن يقلل على نفسه خشية أن ينقضي زاده، ولكنه إذا رجع ما بقي هناك ما يحتاج معه إلى التقليل فيستفيد منه، هذا هو ظاهر الترجمة. لكن الحديث الذي أورده فيها لا يدل على هذا المعنى الواضح من الترجمة، وإنما أورد فيه أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن فتى من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس معه شيء يتجهز به للغزو فقال: اذهب إلى فلان وأقرئه السلام وقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك بأن تدفع إليَّ الذي جهزت به نفسك) لأن هذا الرجل كان مريضاً لا يستطيع أن يسافر، وكان قد تهيأ للسفر وأعد الزاد الذي يسافر به، فذهب إليه وأبلغه بالذي أرشده إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال لامرأته: أعطيه كل شيء جهزتني به، أي: كل شيء أعددته لي لأسافر به ولا تمنعي منه شيئاً. قوله: [ (فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك الله فيه)]. أي: لن يكون فيه بركة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه. هذا هو الحديث الذي أورده أبو داود تحت الترجمة، وليس بواضح مطابقته للترجمة، ولكن يمكن أن يقال: إنه إذا احتاج الإنسان إلى أن يسأل وهو في إنشاء السفر وفي ابتداء الغزو، فكذلك إذا قفل وكان بحاجة إلى زاد ونفد زاده وليس معه شيء فإنه من باب أولى أن يسأل؛ لأنه إذا ساغ له أن يسأل في البداية مع أنه معذور ويمكن أن يبقى، فكونه يسأل في النهاية وقد قفل ونفد الزاد منه لا بأس بذلك. وقوله في الترجمة: [قفل] أي: رجع، والقفول هو: الرجوع من السفر.

تراجم رجال إسناد حديث استحباب إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل


قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه مر ذكره. وهذا الإسناد أيضاً من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات.
الصلاة عند القدوم من السفر


شرح حديث كعب بن مالك في الصلاة عند القدوم من السفر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصلاة عند القدوم من السفر: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني و الحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عبد الله بن كعب وعمه عبيد الله بن كعب عن أبيهما كعب بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً -قال الحسن : في الضحى- فإذا قدم من سفر أتى المسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس فيه)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الصلاة عند القدوم من السفر. أي الصلاة في المسجد عند القدوم من السفر، وذلك أنه إذا قدم يذهب إلى المسجد ويصلي فيه ركعتين، هذه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث كعب بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس) أي: جلس للناس للسلام عليه وللقائه صلى الله عليه وسلم، فالحديث يدل على ما ترجمه المصنف من استحباب ذلك، وأن ذلك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم كون الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي للمسجد ويصلي ركعتين؛ هذا ليس خاصاً به؛ لأن الخصوصية لا يصار إليها إلا بوجود دليل يدل عليها، وحيث لا يكون كذلك فإن الحكم للجميع ولا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً: كون الإنسان يأتي للمسجد ويصلي فيه ركعتين فيه تقوية الصلة بالله عز وجل، وكون الإنسان يحصل منه أول شيء في البلد دخول المسجد الذي هو خير البقاع وأفضل البقاع وأحب البقاع إلى الله عز وجل، أمر حسن!
تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك في الصلاة عند القدوم من السفر

قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ والحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني ابن شهاب ]. مر ذكره. [ أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه عبد الله بن كعب ]. أبوه عبد الله بن كعب له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عبيد الله بن كعب ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبيهما كعب بن مالك ]. كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عمر في الصلاة عند القدوم من السفر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع عن ابن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة، فأناخ على باب مسجده ثم دخله فركع فيه ركعتين ثم انصرف إلى بيته، قال نافع : فكان ابن عمر كذلك يصنع)]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع أناخ عند المسجد ودخل فصلى فيه ركعتين ثم ذهب إلى بيته)، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كذلك يصنع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الصلاة عند القدوم من السفر


قوله: [حدثنا محمد بن منصور الطوسي ]. محمد بن منصور الطوسي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يعقوب ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:51 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [328]
الحلقة (360)





شرح سنن أبي داود [328]

أباح الله للمسلم أن يتاجر في موسم الحج، وكذلك الجهاد، وليس للقاسم بين المجاهدين انتقاص حقوقهم إلا باتفاق سابق على أجرة معينة، وقد نهى الشرع عن مخالطة المشرك ومساكنته، كما بينت ذلك أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في كراء المقاسم


شرح حديث أبي سعيد في كراء المقاسم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراء المقاسم. حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا ابن أبي فديك حدثنا الزمعي عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أخبره أن أبا سعيد الخدري أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إياكم والقسامة! قال: فقلنا: وما القسامة؟ قال: الشيء يكون بين الناس فيجيء فينتقص منه)]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في كراء المقاسم]. والمقصود بكراء المقاسم: هو كون الذي يقسم الأشياء المشاعة -المشتركة- بين الناس يأخذ من هذا شيئاً يختص به مقابل قسمه، وهذا فيه تفصيل: فإذا اتفقوا معه على أن يقسم بينهم بمقابل فإنه يأخذ ما اتفقوا عليه، ولا يأخذ زيادة على ذلك، أو إنما يأخذ الشيء الذي يتفقون عليه. وأما إذا كان القسم من واجباته لكونه هو المسئول، أو كان مرجعاً في ذلك، أو كان موظفاً يتولى قسمة الأشياء على الناس؛ فإن أجره وكراءه إنما حصل بالذي خصص له في مقابل ذلك، فليس له أن يأخذ من الناس شيئاً. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والقسامة! قالوا: وما القسامة يا رسول الله؟! قال: الشيء يكون بين الناس فيجيء فينتقص منه). أي: أنه حق مشترك بين الناس، فيجيء القسام فيأخذ من هذا ويأخذ من هذا مقابل قسمه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في كراء المقاسم


قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي ]. جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الزمعي ]. هو موسى بن يعقوب ، وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة ]. مقبول، أخرج له أبو داود . [ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبره أن أبا سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه هذا الرجل المقبول، والمقبول لا يحتج به إلا عند المتابعة، لكن معناه فيه التفصيل الذي ذكرته.

شرح حديث عطاء بن يسار في كراء المقاسم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن شريك -يعني ابن أبي نمر - عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه قال: (الرجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا)]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهي مرسلة عن عطاء بن يسار ، وفيه ما في الذي قبله. قوله: [ (الرجل يكون على الفئام من الناس) ] أي: على الجماعة الكثيرة من الناس الذين لهم حقوق مشتركة. قوله: [ (فيأخذ من حق هذا ومن حق هذا) أي: يصطفيه لنفسه لقيامه بالقسمة لهذه الحقوق.

تراجم رجال إسناد حديث عطاء بن يسار في كراء المقاسم


قوله: [حدثنا عبد الله القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك -يعني ابن أبي نمر- ]. هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي أخرج له في الشمائل. [ عن عطاء بن يسار ]. وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث مرسل لأن عطاء تابعي، ويمكن أن يكون قد رواه عن أبي سعيد الذي في الإسناد السابق ويمكن أن يكون غيره، ويمكن أن يكون هناك واسطة من التابعين.
التجارة في الغزو


شرح حديث التجارة في الغزو

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التجارة في الغزو. حدثنا الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد -يعني ابن سلام - أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبيد الله بن سلمان أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثه قال: (لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي، فجعل الناس يتبايعون غنائمهم، فجاء رجل حين صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! لقد ربحت ربحاً ما ربح مثله اليوم أحد من أهل هذا الوادي. قال: ويحك وما ربحت؟ قال: ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أنبئك بخير رجل ربح؟ قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: ركعتين بعد الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في التجارة في الغزو. أي: أنه لا بأس بأن يبيع الإنسان ويشتري وهو مسافر في الغزو، وقد جاء في الحج الرخصة في ذلك: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، والحج عبادة والغزو عبادة، وكل منها لا بأس بالتجارة فيه. وقد أورد أبو داود حديثاً فيه ضعف، وهو عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لما فتح الله لهم خيبر وأخذوا الغنائم من المتاع والسبي صاروا يتبايعون، أي: بعد أن قسمت الغنائم وعرف كل ما يستحقه، أما قبل القسمة فليس لأحد أن يبيع ويشتري؛ لأن الحق غير معروف، وإنما يبيع الإنسان حقه حيث يكون معروفاً وحيث يكون معيناً مميزاً. قوله: [ (فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة وقال: إنني ربحت ربحاً ما ربحه أحد من أهل الوادي) ] يعني: من هؤلاء المنتشرين في الوادي والذين هم الجيش الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ألا أنبئك بخير رجل ربح؟ قال: ما هو رسول الله؟! قال: ركعتين بعد الصلاة)]. أي: أن يركع ركعتين بعد الصلاة، فهذا هو الربح الحقيقي، وهو ربح الآخرة، وأما ربح الدنيا فليس بشيء أمام ربح الآخرة. فالحديث يدل على جواز التجارة والبيع والشراء، ويدل على فضل العبادة وأن تجارة الآخرة أعظم وأهم، وأنها التي ينبغي أن يفرح بها وأن يحرص عليها؛ لأنها تجارة نتائجها مستمرة وباقية، بخلاف تجارة الدنيا فإنها إما أن تذهب من صاحبها أو يذهب هو عنها.

تراجم رجال إسناد حديث التجارة في الغزو


قوله: [حدثنا الربيع بن نافع ]. الربيع بن نافع هو أبو توبة الحلبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية -يعني ابن سلام- ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد -يعني ابن سلام- ]. هو أخو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام ]. وهو ممطور الحبشي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبيد الله بن سلمان ]. وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه ]. جهالة الصحابي لا تؤثر وإنما تؤثر جهالة غيره، والحديث فيه ذلك الرجل المجهول الذي هو عبيد الله بن سلمان ؛ لكن المعنى صحيح، لأن الأصل هو الجواز، ولا يقال بالمنع إلا بدليل، وقد جاء ما يدل على التجارة في الحج وهو شبيه به.
حمل السلاح إلى أرض العدو


شرح حديث حمل السلاح إلى أرض العدو

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حمل السلاح إلى أرض العدو. حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس أخبرني أبي عن أبي إسحاق عن ذي الجوشن رجل من الضباب قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له: القرحاء ، فقلت: يا محمد! إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه، قال: لا حاجة لي فيه، وإن شئت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت. قلت: ما كنت أقيضه اليوم بغرة، قال: فلا حاجة لي فيه)]. أورد أبو داود باباً في حمل السلاح إلى أرض العدو، وحمل السلاح إلى أرض العدو للجهاد في سبيل الله أمر لابد منه؛ لأن الجهاد بدون سلاح لا يترتب عليه فائدة، وإنما العبرة في كون الإنسان معه سلاح يجاهد به ويقاتل، فحمله للقتال أمر واضح ليس فيه إشكال، والذي فيه إشكال هو حمله إلى أرض العدو ليباع أو يهدى أو يعطى للأعداء يتقوون به، فهذا هو الذي لا يجوز. وأبو داود رحمه الله أورد حديثاً فيه ضعف وفيه قول ذي الجوشن : (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له: القرحاء). ذو الجوشن هو رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، ثم أسلم بعد ذلك، فأتاه بابن فرس له يقال له: ابن القرحاء. قوله: [ (قلت: يا محمد! إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه)]. أي: لم يقل: يا رسول الله؛ لأنه لم يسلم. قوله: [ (أقيضك به المختارة من دروع بدر ..)]. يعني: أبادلك، فالمقايضة هي المبادلة، وهي أن يتنازل عن شيء مقابل شيء كدار عن دار، فهي مبادلة الأشياء بدون ثمن، فإذا كانت المبادلة بثمن فهو بيع. والمختارة من دروع بدر هي النفيسة من دروع بدر، أي بدل ابن الفرس. قوله: [ (ما كنت أقيضه اليوم بغرة)]. أي: ما كنت أدفعه بمقابل شيء من المتاع أو الحيوان، والغرة قيل: المراد بها الفرس، والمشهور أنها عبد أو أمة؛ لكن الرجل امتنع لأن فرسه أغلى عنده، وأنه أغنى عنده من غرة أي: من فرس، ومحل الشاهد منه كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أقيضك به المختارة من دروع بدر) ومعنى ذلك حمل السلاح إلى أرض العدو عن طريق شخص منهم، أي أن يباع عليه السلاح فيذهب به، لكن الحديث كما هو واضح غير ثابت؛ لأن أبا إسحاق السبيعي لا يروي عن ذي الجوشن وإنما يرسل عنه.
تراجم رجال إسناد حديث حمل السلاح إلى أرض العدو

قوله: [حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبي ]. أبوه يونس بن أبي إسحاق ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ذي الجوشن ]. صحابي، أخرج له أبو داود . وهذا فيه تحمل الراوي في حال كفره وتأديته في حال إسلامه، وهذا مثل حديث أبي سفيان في قصة هرقل ، فإنه تحمل وأخبر عما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قرئ على عظيم الروم، وكان ذلك في حال كفره، فكان يحدث بذلك في حال إسلامه، فلا بأس بتحمل الراوي في حال كفره وتأديته في حال الإسلام، كما أن الصغير يتحمل في حال صغره ويؤدي في حال كبره.
الإقامة بأرض الشرك


شرح حديث النهي عن مساكنة المشركين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الإقامة بأرض الشرك: حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب: أما بعد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في الإقامة بأرض الشرك ]، أي: ليس للإنسان أن يقيم في أرض المشركين وأن يساكنهم وأن يكون معهم؛ لئلا يحصل منهم تأثير عليه. ولكن إذا كان بقاؤه بين المشركين لا يمنعه من أن يقيم فيهم شعائر دينه، وكان يستطيع أن يدعو الكفار إلى الدين الإسلامي، وكذلك يدعو المسلمين فيه إلى الله على بصيرة، ليتمسكوا بإسلامهم، وليحافظوا على شعائر دينهم، وليظهروا للكفار أحكام الإسلام حتى يعرفها الكفار، وحتى يكون ذلك سبباً في إسلام الكفار؛ فإنه لا بأس بذلك. وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله)؟ ومعناه: من اختلط به وامتزج به وسكن معه فإنه يكون مثله؛ لأن الاحتكاك قد يؤثر، والمشابهة في الظاهر قد يحصل منها تأثير على الباطن، فإذا كان الإنسان لا يستطيع إظهار شعائر دينه فعليه أن يرتحل وينتقل إلى بلد آخر يستطيع أن يظهر فيه شعائر دينه، وفيه التفصيل الذي أشرت إليه.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مساكنة المشركين


قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يحيى بن حسان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ليس بالقوي، أخرج له أبو داود . [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه، صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد سبق أن مر بنا مرتين قبل هذه، وتلك الأحاديث التي مر بها ضعيفة؛ لأن فيها خمسة فيهم كلام وقد انفرد بالإخراج لهم أبو داود ، فمنهم من هو لين الحديث، ومنهم من هو مقبول، ومنهم من هو مجهول، ومنهم من ليس بالقوي، فهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن متنه صحيح؛ لأنه جاء في روايات أخرى ما يشهد له، ولهذا صححه الألباني رحمه الله وأورده في السلسلة الصحيحة برقم (2330) وذكر شواهده.
الأسئلة



معنى: (وقع القدم) في حديث ابن أبي أوفى في باب ما جاء في القراءة في الظهر

السؤال: جاء في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) فما معنى: وقع قدم؟


الجواب: وقع القدم هو حركة القدم عند المشي، ومعناه: أن الناس تكاملوا ودخلوا في الصلاة.

متى يكون للمسافر حكم المقيم؟

السؤال: من سافر إلى بلد ونوى أن يقيم فيه عدداً من السنين للدراسة، فهل يتم الصلاة أو يقصر؟



الجواب: يجب عليه أن يتم الصلاة؛ لأنه لا يعتبر مسافراً السفر الذي يكون فيه مشقة، بل هو مثل الحاضرين المقيمين ليس عليه تعب ولا مشقة، وإنما القصر والترخص يكون في حال الإقامة في البلد مدة لا تزيد على أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه دخل بلداً وأقام فيه مدة معينة يقصر إلا أربعة أيام في حجة الوداع؛ حيث دخل مكة في ضحى يوم الرابع ثم خرج من مكة إلى منى في ضحى يوم الثامن، فمن دخل بلداً وهو يريد الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، ومن دخله وهو ينوي أربعة أيام فأقل فحكمه حكم المسافرين، ومن دخله وهو لا ينوي مدة معينة وإنما يريد أن يقضي حاجة ولكن لا يدري متى تنتهي؛ فهذا يترخص برخص السفر وإن طالت المدة.

العدو الذي يقاتله المسلمون والروم


السؤال: مر بنا قوله صلى الله عليه وسلم: (ستصالحون الروم صلحاً وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم)فما معنى: (عدواً من ورائكم)؟



الجواب: قوله: (ومن ورائكم) يحتمل أن يكون أمامكم، ويحتمل أن يكون وراءكم؛ لأن الوراء يأتي بمعنى الأمام وبمعنى الخلف.
حكم زوجة الابن من الرضاع
السؤال: هل يجوز للرجل أن يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة؟



الجواب: ليس له ذلك، وهذا قول جمهور العلماء، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] أن قوله: (( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ )) يخرج الابن بالتبني ولا يخرج الابن من الرضاعة.

حكم أكل القنفذ للعلاج

السؤال: ما حكم أكل القنفذ لغرض العلاج؟



الجواب: هو محرم، وليس للإنسان أن يتداوى بالحرام.

حكم بيع الشعير بالأجل

السؤال: ما حكم بيع الشعير بالأجل؟



الجواب: إذا كان يبيعه بفلوس فلا بأس، وكل شيء يباع بفلوس يمكن تأجيله، ولا مانع من ذلك؛ لأن تأجيل الثمن من النقود لا يقال: إنه من الربويات؛ لأن هذه أثمان من الذهب والفضة وما قام مقامهما، وإنما المحذور أن يبيعه بطعام آخر من جنسه أو من غير جنسه مؤجلاً.

حكم استعمال اللولب للمرأة

السؤال: ما حكم استعمال اللولب؟



الجواب: اللولب الذي تستعمله النساء إذا كان من أجل تأخير الولادة بسبب وجود المشقة من توالي الولادة، وتضعه لوقت معين ثم ترفعه، فلا بأس في ذلك، أما وضع شيء يقطع النسل ويمنع الحمل مطلقاً فلا يجوز.

حكم مسح الوجه بعد الدعاء

السؤال: سبق أن سئلتم عن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فقلتم: إن الأحاديث التي وردت فيه ضعيفة، ولكن أشكل علينا ما قاله الحافظ ابن حجر في البلوغ بعد أن ذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود عن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)قال الحافظ في البلوغ : وله شواهد عند أبي داود من حديث ابن عباس وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن؟



الجواب: نعم هذا ذكره الحافظ ابن حجر في البلوغ، ولكن الصحيح هو ما قاله ابن تيمية وكذلك الشيخ الألباني رحمه الله: لا يثبت منها شيء، ولا يقوي بعضها بعضاً، فلا يعمل بها ولا يحتج بها، وإنما يرفع الإنسان يديه عندما يدعو ثم ينزلها من غير مسح.

شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة

السؤال: هل يجوز شد الرحل من أجل الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟


الجواب: ليس للإنسان أن يشد الرحل للاعتكاف في غير المساجد الثلاثة.

حكم اغتيال زعماء الكفر

السؤال: ذكرتم في درس ماض جواز اغتيال زعماء الكفار إذا كان يشكى منهم ضرر على المسلمين، فهل هذا على إطلاقه أم هو خاص بحال الحرب؟



الجواب: زعماء الكفار الذين يحصل منهم ضرر على المسلمين وإيذاء للمسلمين إذا أمكن التخلص منهم بدون أن يحصل ضرر أكبر فلا بأس به ولا مانع منه. ومعلوم أن ذلك في حال الحرب أمر واضح، وأما في غير حال الحرب فإذا كان الضرر موجوداً، بحيث إن بعض الزعماء من الكفار يحصل منهم إيذاء شديد للمسلمين؛ فإذا تمكن من القضاء عليهم من غير حصول ضرر أكبر فلا بأس بذلك. ومعلوم أن قصة كعب بن الأشرف التي مرت ليس فيها حرب، ولكن كان الرجل يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤذي المسلمين، فالرسول أهدر دمه وقال: (من لكعب بن الأشرف ؟).

موقع ثنية الوداع

السؤال: مر أن السائب بن يزيد لقي النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من غزوة تبوك على ثنية الوداع، أليس في هذا دليل على أن ثنية الوداع من جهة الشمال؟


الجواب: هذا دليل واضح على أن ثنية الوداع من جهة الشمال.

مقاطعة المنتجات الإسرائيلية

السؤال: انتشرت في هذه الأيام أوراق فيها ذكر منتجات إسرائيلية وأمريكية وغيرها، وأنه ينبغي مقاطعة هذه المنتجات؛ لأنهم يتقوون بها على إخواننا في فلسطين، فما حكم هذه المقاطعة لهذه المنتجات؟


الجواب: هذه الأوراق التي تنشر لا يعرف شيء عن صحتها، فقد تكون صحيحة وقد ينشرها أناس من التجار الذين يبيعون غير هذه الأشياء لصرف الأنظار عنها، من باب الكيد التجاري، فمثل هذا لا ينبغي أن يعول عليه.


ابوالوليد المسلم 04-05-2025 06:52 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
ما ينبغي على المسلم في رمضان

السؤال: نرجو منكم كلمة عن شهر رمضان، وما ينبغي على المسلم فيه؟


الجواب: إن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الآخرة، فيه التجارة العظيمة، وقد مر بنا في الحديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنني ربحت ربحاً ما ربحه أحد من أهل الوادي، قال: ويحك ألا أنبئك بما هو خير من ذلك ركعتين بعد الصلاة)، والحديث ضعيف لكن فيه إشارة إلى أن تجارة الآخرة هي التجارة الرابحة، ولا شك أن قدوم شهر رمضان المبارك على المسلمين قدوم موسم عظيم من مواسم الآخرة، فهو شهر فرض الله صيامه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فعلى المسلم أن يستقبله بالارتياح والبشر والسرور، والعزم والتصميم على أن يصوم نهاره على الوجه الذي يرضي الله، وأن يقوم ليله، وأن يبتعد فيه وفي جميع الأيام عن المعاصي والفسوق. ولكن الزمان الفاضل الخطر فيه أكبر، والضرر فيه أعظم إذا وقع الإنسان في المحذور، فعلى الإنسان أن يستقبله بتوبة صادقة نصوح، وأن يقدم على العبادة وعلى الطاعة تائباً من جميع الذنوب والمعاصي، فيصلح ما بينه وبين الله عز وجل ويصوم هذا الشهر، ويقوم الليل مع الأئمة في المساجد، يصلي بصلاتهم وينصرف عند انصرافهم، سواء صلوا إحدى عشرة ركعة أو صلوا ثلاثاً وعشرين أو صلوا ثلاثاً وثلاثين، أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا كله سائغ وجائز، وداخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، ولا شك أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، ولكن الزيادة عليه لا مانع منها؛ لأن هذا الحديث يدل على ذلك. ثم كون الإنسان يصلي مع الإمام حتى ينصرف يدخل فيه تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، والمقصود بانصراف الإمام انصراف الناس من الصلاة وتفرقهم إلى بيوتهم، وليس كما يزعمه بعض الناس من أنه إذا كان الأئمة اثنين، والأول يصلي الخمس الأولى والثاني يصلي الخمس الثانية، فإنه إذا انصرف الإمام الأول انصرف، وقال: إنه قد صلى مع الإمام حتى انصرف؛ لأن الإمام الأول لم ينصرف وإنما تحول من كونه إماماً إلى كونه مأموماً وتقدم غيره للصلاة بدلاً منه في الركعات الباقية. فالمقصود بالانصراف هو: أن يبقى مع الناس حتى ينصرفوا إلى منازلهم إذا فرغوا من الصلاة، ومما يوضح هذا أنه لو صلى بنا كل إمام ركعتين لصاروا عشرة أئمة، ومقتضى هذا القول أنه سيصلي ركعتين ويمشي؛ لأن الإمام الأول انصرف، فهذا مما يوضح فساد هذا الفهم. وينبغي للإنسان ألا يحرم نفسه هذا الخير وهذا الفضل، ولا ينبغي له أن يترك الصلاة مع الناس بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة، فإن الرسول ما قال: لا يجوز سواها، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فإذا صلى الإمام إحدى عشرة ركعة وانصرف فلينصرف معه، وإذا صلى ثلاثاً وعشرين ركعة وانصرف فلينصرف معه، وكذلك إذا صلى ثلاثاً وثلاثين ركعة، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان. ثم ينبغي للإنسان في هذا الشهر أن يحافظ على صيامه، ويبتعد عن كل ما يفسده وينقصه، وذلك من ناحية تناول ما لا يجوز تناوله، أو الوقوع في الأمور التي لا ينبغي الوقوع فيها من الكلام الفاحش البذيء والغيبة والنميمة وما إلى ذلك، كل ذلك يبتعد عنه الإنسان. والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح وهو حديث قدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وإنما خص الصيام لأنه من الأمور الخفية الباطنة التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل بخلاف غيره؛ فإن الصدقة تعرف، وأقل من يعرفها الفقراء الذين تعطى إليهم، وقد يعرفها غير الفقراء، والحج مشاهد معاين، والصلاة يعرف الناس من يذهب ويجيء إليها، ولكن بالنسبة للصوم فإنه خفي لا يطلع عليه أحد، فقد يكون الإنسان صائماً والناس لا يعرفون أنه صائم، وقد يكون مفطراً في رمضان والعياذ بالله والناس لا يعرفون أنه مفطر؛ لأن الصيام من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، ولهذا قال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). ثم قال: (والصوم جنة) والجنة هي: الوقاية، فالصوم جنة من النار وجنة من المعاصي، فهو جنة من النار لأنه يقي من عذاب النار، وجنة من المعاصي لأن الصوم يضعف القوة البدنية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فالشهوة التي تحصل للإنسان يضعفها الصوم، فيجعل الإنسان لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه وهو يأكل ويشرب، فإذاً هو جنة من المعاصي وجنة من النار. (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق) والرفث هو: الفاحش من القول، ويطلق كذلك على الجماع. (فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: ينبهه حتى لا يستمر، وأيضاً ينبه نفسه على أنه في عبادة، والله تعالى أعلم.

معنى كلمة (منهج)

السؤال: سمعنا كلامكم في كلمة المنهج، وأنها بحسب ما تضاف إليه، فما رأيكم في قول من قال: هي محدثة لا يجوز استعمالها؟



الجواب: كيف تكون محدثة؟! فهي من كلام العرب، ولها معنىً صحيح في اللغة العربية، ولكنها بحسب الإضافة، فمنهج كل قوم هو ما وضعوه وارتضوه لأنفسهم، وإذا كان ذلك المنهج حقاً فهو حق، وإذا كان باطلاً فهو باطل، ولهذا يقال: منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة كذا وكذا، ومنهجهم في العمل كذا وكذا، فالمنهج هو الطريقة، فطريقتهم في العقيدة أنهم يعولون على النصوص والنقول، ولا يعولون على العقول، إذ العقول عندهم تابعة للنقول، والعقل لا يخالف النقل، فلا يقال: إنها محدثة وإنها لا تستعمل، بل معناها صحيح، لكنها بحسب ما تضاف إليه؛ فكل فرقة لها منهج، وكل جماعة لها منهج وطريقة، وهذا هو الواقع، ولا محذور فيه.

الأحوال التي يخرج فيها المرء من منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل

السؤال: متى يخرج الشخص عن منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل؟



الجواب: يخرج عن منهجهم في العلم إذا تعلم العلم من غير طريقه ومن غير وجهه، بأن يتعلمه على طريقة أهل الأهواء، وعلى طريقة أهل البدع، فإنه يكون بذلك قد خرج عن منهجهم؛ لأن منهجهم أخذ الحق من طريقه وهو الكتاب والسنة، فإذا أخذه من غير هذين الطريقين فقد خرج عن المنهج الحق. وكذلك العمل، فإن الإنسان يبني عمله على اتباع الكتاب والسنة، هذا هو المنهج الصحيح الذي عليه سلف الأمة، ولا يبنيه على محدثات الأمور والهوى وعلى البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فيخرج عنهم في العلم بكونه يتعلم العلم الذي هو غير مستمد من الكتاب والسنة، بل على طريقة المتكلمين من أهل الضلال، وأيضاً يخرج عنهم في العمل لكونه لا يعمل طبقاً لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما طبقاً للبدع ومحدثات الأمور.

الجهاد في كشمير

السؤال: هل يمكن الذهاب للجهاد في كشمير؟ وهل الجهاد الآن في كشمير فرض عين خاصة على نفس أهل البلد من الطلاب الذين جاءوا من كشمير؟



الجواب: كشمير من سنين كثيرة استولت عليها الهند، وأولئك بين حين وآخر يظهر منهم شيء من المقاومة، ولا يترتب على ذلك إلا إلحاق الضرر بالمسلمين، فالنتيجة التي تحصل منذ سنين أنه كلما حصل من المسلمين شيء من الظهور بقتل كافر، فإنه يقتل منهم أضعاف ذلك الذي قد قتل، فكون الإنسان يذهب إلى هناك للقتال فإن ذلك قد يتسبب في قتل أحد من المسلمين الأبرياء.

حكم استخدام الأجراس للتنبيه على انتهاء وقت المحاضرة


السؤال: ما حكم الأجراس واستخدامها للتنبيه على انتهاء وقت المحاضرة أو الحصة؟



الجواب: لا بأس أن تستخدم بغير صوت الرنين الذي هو الجلجلة، بل يتخذ شيء له صوت لا يكون بهذا الوصف.


حكم التحنيك

السؤال: هل التحنيك للصغير بالتمر بغير قصد التبرك يعتبر مستحباً، حتى إن بعض الناس يذهب بطفله إلى شيخ ليحنكه؟



الجواب: هذا لا يصلح أبداً، الناس ما ذهبوا إلى أبي بكر و عمر وهم أفضل من كل من جاء بعدهم رضي الله عنهم وأرضاهم، كما ذكر ذلك الشاطبي في كتاب الاعتصام. أما أن الأب يحنك ولده أو القريب يحنك قريبه فلا بأس، وإنما المحذور أن يحنكه أحد من أجل البركة، فهذا ما حصل لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يتبركون بعرقه، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون ذلك بعرق أبي بكر أو عرق عمر أو عثمان أو غيرهم من الصحابة، وإنما اعتبروه خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا حكى الشاطبي الإجماع على هذا.

حكم تسمية الأنثى (ناصرة)

السؤال: ما حكم تسمية الأنثى بناصرة ؟



الجواب: الأسماء كثيرة، وعلى الإنسان أن يختار للمولود اسماً لا يحتاج إلى أن يسأل عنه؛ لأن الشيء لا يسأل عنه إلا إذا كان محل اشتباه، وناصرة مثل ناصر، لكن الشيء الذي في النفس منه شيء يترك إلى شيء لا يكون في النفس منه شيء.

حكم عقد درس في عصر يوم الجمعة


السؤال: ما حكم عقد درس بعد عصر الجمعة، هل جاء فيه نهي؟



الجواب: التحلق قبل الجمعة هو الذي جاء فيه النهي، وأما بعد ذلك فلا نعلم شيئاً يدل على المنع منه.

مراجعة الزوجة

السؤال: طلقت زوجتي مرة واحدة ولي منها ولد، ومعي زوجة ثانية، وأريد أن أرد زوجتي إلي، فما هو الحل لرد زوجتي إلي؟



الجواب: إذا كانت خرجت من العدة فإنه يخطبها ويعقد عليها من جديد، ويدفع لها مهراً كأنه خاطب من الخطاب، وإن كانت في العدة فالمراجعة حق له.

وقت قنوت النوازل ورفع اليدين فيه


السؤال: هل قنوت النوازل مخصص بصلاة الفجر فقط؟ وما حكم رفع اليدين والتأمين في القنوت؟


الجواب: قنوت النوازل يكون في جميع الصلوات وليس خاصاً بالفجر، ويكون في السرية وفي الجهرية. وأما رفع اليدين فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في النوازل أنه كان يرفع يديه، والمأمومون يؤمنون، وفي قنوت الوتر جاء عن عمر وعن أبي هريرة وعن بعض الصحابة أنهم كانوا يرفعون أيديهم.

حكم مس التفسير للحائض

السؤال: هل يجوز للمرأة الحائض أن تمس كتاب التفسير المكتوب على حواشي المصحف؟


الجواب: نعم يجوز، ولكن الذي ينبغي أنها تستعمل ذلك بواسطة؛ لأن يدها قد تقع على القرآن؛ لأن القرآن مكتوب في الوسط ثم تأتي الحواشي من فوق وتحت وعلى الجوانب، فإذا استعملت اليد فقد تقع على بعض الآيات فالأولى أن تكون يداها في شراب بحيث لا تباشر ذلك، ولكن لو أنها لم يحصل منها إلا ملامسة التفسير فلا بأس بذلك، وقد جاء في الحديث (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه).

حكم من سب الله ورسوله من الجهال

السؤال: ابتلينا في بلادنا بأناس من المسلمين يسبون الله عز وجل ورسوله، فما واجبنا نحوهم؟ وهل يعذرون بالجهل؟



الجواب: الواجب عليكم أن تعلموهم وتبينوا لهم الخطورة، وإذا سبوا الله أو سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فما معنى إيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى إسلامهم؟ وما معنى كونهم متعبدين وهم يسبون المعبود، ويسبون الذي دلهم وأرشدهم إلى عبادة المعبود صلى الله عليه وسلم، لا شك أن هذا والعياذ بالله عمل خطير، وهو كفر وردة عن الإسلام، وإذا كان عن سبق لسان فهو معذور، أما إذا كان السب عمداً فيجب التعليم ويجب التنبيه؛ لأن هذا من أخطر الأمور.

اشتراط الإمام للجهاد


السؤال: هل يشترط الإمام والراية في كل حال لقتال الأعداء؟ وما الدليل على ذلك؟


الجواب: الجهاد في سبيل الله عز وجل لابد أن يكون بوجود الإمام وتوجيهه إذا كان الناس يذهبون لقتال الكفار ويذهبون لغزوهم، أما إذا اعتدي على الناس فإنهم يقاتلون عن أنفسهم سواء كان عندهم إمام أم لم يكن عندهم إمام.

الرد على من يقول السنة القولية والتقريرية ليست حجة

السؤال: يوجد من يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره ليس بحجة، وإنما الحجة في فعله فقط، فهل قوله صحيح؟



الجواب: كيف يكون صحيحاً أن يقال: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحجة؟! وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وإذا كان قوله ليس حجة فماذا نفعل بالأحاديث القولية؟ هذا كلام عجيب!!

حكم الفدائي

السؤال: ما حكم الفدائي الذي يحمل المتفجرات ويذهب إلى أوساط الكفار ويفجرهم ونفسه؟



الجواب: هذا قاتل لنفسه، وهو عمل لا يجوز.

حكم الاستعانة بالكفار

السؤال: أليس في دخول النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم وهو كافر دليل على جواز الاستعانة بالكفار مع الضوابط؟



الجواب: نعم يجوز، وهذا دليل يدل على ذلك.

الحكمة من الإقامة ثلاثة أيام بعد قتال الكفار


السؤال: ما الحكمة من الإقامة ثلاثة أيام بعد الفوز على العدو؟



الجواب: ذكرنا أنه لاستراحة الجيش بعد انتهائهم من القتال والمعركة، فيبقون من أجل الارتياح والاستجمام، وقيل أيضاً: إن معناه عدم الاكتراث بالعدو وأنهم لا يبالون بالكفار.

حكم السبي إذا أسلموا

السؤال: إذا أسلم السبي فهل يطلق سراحهم؟



الجواب: لا يطلق سراحهم، والسبي رقيق سواءً بقي على كفره أو دخل في الإسلام.

استخدام الأموال العامة في الأمور الشخصية

السؤال: جاءت أسئلة في قضية الغلول وعقوبة الغال واستخدام أموال الدولة في المصالح الخاصة.


الجواب: لا يجوز ذلك، وإنما تستعمل أموال الدولة في الأمور التي خصصت لها، ويكون الإنسان الموظف يأخذ من أوراق الدولة ومن أقلامها، أو يستعمل التلفونات في أموره الخاصة وليست في أمور الدولة، هذا لا يجوز، ويعتبر من الخيانة، لكن الغلول إنما هو من الغنيمة، وهذا أخذ للشيء بغير حقه.

تفسير قوله تعالى (وما كان لنبي أن يغل)


السؤال: ما تفسير الآية: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]؟


الجواب: جاء في تفسيرها أنه جاء في بعض الأحاديث أنهم فقدوا قطيفة وقالوا: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها، ولعل المقصود من ذلك أنه أخذها اصطفاءً؛ ولكن جاء في بعض الأحاديث: وقد حسنه الألباني : أنه ما كان لنبي أن يتهمه قومه بالغلول. وقوله: (( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أي: مثلما جاء في الحديث: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: قد أبلغتك).

حكم بيع المصحف

السؤال: ما حكم بيع المصحف؟


الجواب: لا بأس بذلك.

معنى أن المطر حديث عهد بربه

السؤال: جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه) فما المراد؟



الجواب: يعني: أنه حديث عهد بإنزال ربه، وهو إنما نزل من بين السماء والأرض، كما قال الله عز وجل: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ [الواقعة:69] أي: السحاب، أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69]، وليس معنى ذلك أنه جاء من عند الله من فوق العرش.

مقاطعة المنتجات الأمريكية واليهودية


السؤال: هل تقاطع المنتجات الأمريكية واليهودية؟


الجواب: المسلمون في هذا الزمان عندهم ضعف شديد؛ وسبب ضعفهم عدم قيامهم بأمر الله عز وجل وبما يجب عليهم، ومن أجل ذلك هانوا على أنفسهم، وهانوا على أعدائهم، فصاروا يهابون أعداءهم وأعداؤهم لا يهابونهم. والمقاطعة وعدم المقاطعة وما إلى ذلك ترجع إلى المصلحة وما يترتب على ذلك من الفائدة، ومعلوم أن اليهود وهم من أرذل خلق الله ومن أحط خلق الله، ما تسلطوا على المسلمين إلا لضعف المسلمين وهوانهم وعدم قيامهم بأمر الله عز وجل، ولو أن المسلمين رجعوا إلى ربهم لصار لهم شأن، ولهابهم أعداؤهم بدل أن يكونوا هم الهائبين لأعدائهم، ومعلوم أن دول الكفر كلها ضد الإسلام، ولكن المسلمين هم الذين قصروا في إسلامهم، وقصروا بما يجب عليهم نحو إسلامهم، والمهم في المسلمين أن يرجعوا إلى الله عز وجل، وإذا رجعوا إلى الله عز وجل وأصلحوا ما بينهم وبين الله، وعملوا بما هو مطلوب منهم؛ فإن هذا من أسباب نصرهم، والله تعالى يقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41].

حكم الطهارة لسجود الشكر

السؤال: سجود الشكر هل يشترط له الطهارة واستقبال القبلة والتكبير والسلام؟


الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يشترط، مثل سجود التلاوة. ولا نعلم شيئاً يدل على تكبير ولا على سلام في سجود الشكر. وكذلك استقبال القبلة لا أعرف فيه شيئاً؛ لكن كون الإنسان يتجه إليها لا شك أن هذا هو الذي ينبغي.

حكم مسح الوجه بعد الدعاء

السؤال: ذكرتم حكم رفع اليدين في الدعاء، فما القول في مسح الوجه بهما؟


الجواب: لم يثبت، وقد ورد فيه أحاديث ضعيفة، والسنة أن ترفع الأيدي ثم تنزل بدون مسح.

ما يجب على السائق إذا تسبب في الحادث فأصيب الراكب


السؤال: أنا سائق جئت من الرياض ومعي امرأة من أقربائي، فوقع لي حادث في عفيف، فوقع خلع للمرأة في بطنها وكسر في فخذها، جلست في مستشفى عفيف عشرة أيام، ثم نقلت إلى مستشفى الطائف وجلست فيه عشرة أيام، ثم توفيت قبل العملية، فهل علي شيء؟



الجواب: إذا كان السائق متسبباً في الحادث بسرعة أو شيء يرجع إلى إهماله وتفريطه، فلا شك أن عليه الدية وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، وإذا لم يستطع يصوم شهرين متتابعين.

حكم دفع العامل جزءاً من أجرته للكفيل

السؤال: أحد العمال يعمل في ورشة ويدفع مبلغاً معيناً من المال لكفيله في كل شهر، سواء حصل على أجرة من عمله أو لم يحصل، أي أن الكفيل يقول لمكفوله: اشتغل وعند نهاية الشهر تسلم لي ألف ريال، سواء اشتغلت أم لم تشتغل، فهل هذا العمل جائز؟


الجواب: هذا غير صحيح؛ لأنه قد لا يحصل على شيء، فيفوز الكفيل بالمال دون العامل، فهو إما أن يكون أجيراً يعطيه كل شهر أجرة مقابل عمله، أو يكون على سبيل المشاركة بأن يكون له النصف مما يخرج، فعندما يخرج الشيء القليل يكون له نصفه، وعندما يخرج الشيء الكثير يكون له نصفه. أما أن يقول: تعطيني كذا والباقي لك، فقد لا يحصل شيئاً فيضيع عمله بدون مقابل، ثم هذه الطريقة هل تأذن بها الدولة وتوافق عليها؟ فالشيء الذي لا توافق عليه الدولة في مثل هذا لا يصلح أن يؤخذ به، وأن يتصرف العامل كيف شاء، فإنما هو أجير له أجرة، لأنه استقدم على أنه أجير له.

حكم اغتيال رؤساء الكفار

السؤال: هل يجوز اغتيال رؤساء الكفار الذين يمكرون بالإسلام والمسلمين في هذا الزمان بناءً على ما مر في قصة محمد بن مسلمة مع كعب بن الأشرف ؟



الجواب: الذين يحصل منهم ضرر على المسلمين وأمكن التخلص منهم لا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يحصل على المسلمين ضرر أكثر، أما إذا كان سيحصل على المسلمين ضرر أكثر فليس هذا من المصلحة وليس هذا من الحكمة.

عمل أبي بصير ليس خروجاً على صلح الإمام

السؤال: هل عمل أبي بصير و أبي جندل في سيف البحر وتعرضهم لقوافل المشركين يعد خروجاً عن صلح الإمام أو يدل على جواز مثل ذلك العمل؟



الجواب: ليس خروجاً عن صلح الإمام؛ لأن الذي بين الإمام وبينهم أن يرد من يأتي إليه، وأما أولئك فالرسول ما قبلهم وهم لا يريدون أن يبقوا عند الكفار؛ لأنهم مسلمون، والكفار هم الذين اشترطوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يردهم. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم، وليسوا تحت سلطة الإمام، وليسوا عنده بحيث يتمكن من تسليمهم، وإنما هم فارون من هؤلاء ومن هؤلاء، ولهذا لما تضرر الكفار من هذه العصابة التي كانت على سيف البحر طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم وأن يكونوا عنده حتى يسلموا منهم.

حكم الصلاة على من مات وهو يطوف حول قبر


السؤال: رجل مات وهو يطوف بقبر، هل تجوز الصلاة عليه؟



الجواب: الذي يعبد غير الله ويستغيث بالقبور، ويطوف بها، لا يعتبر مسلماً فلا يصلى عليه.

الفرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة

السؤال: هل هناك فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة؟



الجواب: لا فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة، وما جاء في حق الرجل فهو في حق المرأة، وليس هناك شيء يتميز به الرجل عن المرأة أو المرأة عن الرجل في هيئة الصلاة وكيفية الصلاة، ولا يقال: النساء صلاتهن تختلف عن صلاة الرجال لكذا أو كذا، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام حتى يأتي دليل على التفريق بينهم.


حكم إطلاق (فرقة اغتيالات) على محمد بن مسلمة وأصحابه


السؤال: ما رأيك فيمن يقول: إن محمد بن مسلمة رضي الله عنه ومن كان معه هم فرقة اغتيالات النبي صلى الله عليه وسلم، هل يصح هذا؟


الجواب: هذا كلام ساقط، وكلام قبيح.

حكم هدم مزارات التبرك

السؤال: إذا وجدت شجرة أو بناية والناس يزورونها، فهل لي أن أريح الموحدين منها بهدمها أو قطعها؟



الجواب: الذي ينبغي أن يرفع هذا إلى المسئولين، وهم الذين يتولون هذا؛ لأنه قد يقدم على شيء غير صحيح.

حكم قراءة الدعاء من ورقة في الصلاة

السؤال: إمامنا في صلاة الفجر يخرج ورقة من جيبه يقرأ منها الدعاء على الكفار ونؤمن خلفه، ثم يعيدها إلى جيبه، فهل هذا العمل منه جائز؟


الجواب: نعم جائز، ولا بأس به؛ لكن كونه يدعو بدون ورقة هذا هو الأولى وهو الذي ينبغي، وما ذكر هو من جنس القراءة من المصحف في حق من لا يستطيع القراءة.

تزيين الإبل بالحبال والسلاسل

السؤال: وضع سلاسل أو حبال للزينة لتجميل الإبل في أعناقها عادة منتشرة عندنا في البلد، فهل هذا يدخل في النهي؟



الجواب: إذا كانت توضع في رقبتها فهي قلادة، سواءً كانت من حديد أو من صوف أو غيره، والرسول إنما كان يقلد الهدي كما مر بنا في الحج أن عائشة كانت تفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإشعار؛ فهذا ليعرف أنه هدي، وإذا كان ما يفعلونه لغرض صحيح وليس لغرض سيئ، ولا محذور فيه، فإنه لا بأس به.

فضل العناية بالخيل

السؤال: جاءت في فضل العناية بالخيل أحاديث ذكرها الإمام أبو داود في كتاب الجهاد، فهل هذا يدل على أن الأمور سترجع إلى تلك الحال؟



الجواب: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، ثم أيضاً الأحاديث التي وردت في آخر الزمان ذكرت أنهم يغزون على الخيول، وهي في الصحيحين وفي غيرهما، فهذا يدل على بقاء الخيل وعلى الاستفادة منها في تلك الأزمان، ولا ندري هل هذه الوسائل الموجودة ستستمر وتبقى أو أنها تنتهي، والعلم عند الله عز وجل. ومعلوم أن هذه الوسائل التي تعمل على الوقود وعلى النفط قد جعل الله هذا النفط سبباً في تحريكها وفي الاستفادة منها، لكن لو أن هذه المادة انعدمت فإن هذا الحديد سيقف في أماكنه ولا يستفاد منه، فهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لابد وأن يقع، أما هذا الموجود، هل سيبقى أو لا يبقى؟ فالله تعالى أعلم، لكن غالباً أنهم ما يصيرون إلى استعمال مثل هذه الوسائل مع وجود ما هو أمكن منها أو ما هو أشد منها، فيحتمل أن ذلك ينتهي، وأن الناس يعودون إلى تلك الوسائل التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بها كما قال: (سيأتي عشرة من أمتي أعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، يقولون: الدجال خلفكم في أهليكم)، فذكر الخيول.

من خالف أهل السنة في مسألة الخروج على الظلمة هل يعتبر منهم؟


السؤال: هل الخلاف في المسائل الحادثة من بعض الفرق التي تنتسب إلى السنة وتخالفهم في الأصول كالخروج على الحكام، ومسألة الديمقراطية وغيرها، هل هذه المخالفة لا توجب خروج هذه الطوائف عن منهج أهل السنة؟


الجواب: خروجهم عن منهج أهل السنة في هذه الناحية أمر مؤكد لا إشكال فيه، ولكن هل يصيرون خارجين عن أهل السنة بسبب هذا، أم نقول: عندهم هذا الأصل الذي أخطئوا فيه ولكن لا يزالون من أهل السنة، ولا شك أن تحريم الخروج على الولاة وإن جاروا من عقائد أهل السنة والجماعة، وقد ذكر حتى في المؤلفات الصغيرة المختصرة، يقول الطحاوي : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة. أي: فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يخرجون على الحكام، بل يدعون لهم ولا يدعون عليهم، وأما أهل البدع فإنهم يدعون عليهم ولا يدعون لهم، وغالباً أن الذين يخرجون يريدون أن يحلوا محلهم، ويريدون أن يحصلوا هذا الذي حصل لغيرهم، فيكون الدافع لهم على ذلك إنما هو حب الرئاسة وحب الولاية وحب الدنيا.

حكم إنشاء الجماعات الإسلامية


السؤال: ما حكم إنشاء جماعة إسلامية ينصب لها رئيس وأمراء في كل منطقة؟ وما حكم الانتماء إلى هذه الجماعات؟



الجواب: إذا لم يكن بيدهم سلطة فهذا من العبث، اللهم إلا أن يكون المقصود أنهم يكونون مرجعاً للمسلمين في البلاد التي يحكمها الكفار والتي يوجد بها أقليات إسلامية تحتاج أفرادها إلى مرجع يرجعون إليه، ولكن كما هو معلوم أنه لا يقال له: إنه وال أو حاكم؛ لأن الحكم للذي يستطيع التنفيذ، ولكن هؤلاء يعتبرون مرجعاً يرجع إليهم في الأمور التي يحتاجون إليها كحل مشاكلهم، وإصلاح أحوالهم، وطلب الأشياء التي يحتاجون إلى طلبها، ودفع الأذى عنهم.. وما إلى ذلك. أما إنشاء ولاية تحت ولاية فهذا لا يكون، وإنما الولاية فيمن ولاه الله عز وجل، سواء كان كافراً أو مسلماً، وسواء كان جائراً أو عادلاً، هذا هو الذي بيده التصرف ويسمع ويطاع في المعروف كما هو معلوم."





ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:04 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [329]
الحلقة (361)





شرح سنن أبي داود [329]

الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، شرعها الله للمسلمين في أيام عيد الأضحى، وقد اختلف العلماء في وجوبها، لكن لا خلاف في تأكد مشروعيتها، وفيها الحكم العظيمة التي شرعها الله لأجلها.

ما جاء في إيجاب الأضاحي


شرح حديث مخنف بن سليم في وجوب الأضحية والعتيرة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الضحايا. باب ما جاء في إيجاب الأضاحي. حدثنا مسدد حدثنا يزيد ح وحدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر عن عبد الله بن عون عن عامر أبي رملة قال: أخبرنا مخنف بن سليم رضي الله عنه قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات قال: (يا أيها الناس! إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول عنها الناس الرجبية). قال أبو داود : العتيرة منسوخة، هذا خبر منسوخ ]. الضحايا: جمع ضحية، ويقال: أضاحي: جمع أضحية وإضحية، ويقال: أضحات: جمع أضحى. وعلى هذا فإن المفرد فيه أربع لغات، والجمع على ثلاثة أوجه، فأضحية وإضحية بضم الهمزة وكسرها تجمع على أضاحي، وضحية تجمع على ضحايا، وهو الذي عقد المصنف الترجمة عليه حيث قال: كتاب الضحايا، واللفظ الرابع: أضحات والجمع أضحى فيكون من قبيل ما يكون المفرد فيه أكثر من الجمع في الحروف مثل بقر وبقرة، وشجر وشجرة؛ لأنه إذا جاءت التاء فيه صار مفرداً، وإذا حذفت منه صار جمعاً. والضحية أو الأضحية أو الأضحات هي ما يذبح يوم النحر والثلاثة الأيام التي بعده تقرباً إلى الله عز وجل من غير الهدي؛ لأن الهدي لا يقال له أضحية، والهدي يكون في الحرم والأضحية تكون في كل مكان. واختلف العلماء في حكمها: فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال: إنها من السنن المؤكدة، ومنهم من قال: إنها واجبة على ذوي اليسار ومستحبة لغيرهم، و أبو داود رحمه الله عقد الترجمة الأولى من الأبواب في هذا الكتاب بقوله: [باب ما جاء في إيجاب الأضاحي]. وجمهور أهل العلم على أنها مستحبة، وأنها من السنن المؤكدة، قالوا: ولم تأت أدلة واضحة تدل على الوجوب. وقد أورد أبو داود في هذه الترجمة حديثين: الأول حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (يا أيها الناس! إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة) ]. وهذا يدل على الوجوب؛ لأن قوله: [ (على كل أهل بيت) ] معناه أنه يجب عليهم، أو مكتوب عليهم. قوله: [ (أضحية وعتيرة) ] الأضحية قد عرفناها، وهي ما يذبح يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة التي بعده تقرباً إلى الله عز وجل مما ليس بهدي. والعتيرة هي الذبيحة التي تذبح في أوائل رجب، وكان هذا في الجاهلية وكان في صدر الإسلام، ثم جاء ما يدل على منعه وعلى النهي عنه، وجاء في الحديث: (لا فرع ولا عتيرة)، والعتيرة فعيلة بمعنى مفعولة، أي معتورة، والمعنى مذبوحة في رجب، ويقال لها: الرجبية، فالذين قالوا بالوجوب استدلوا بهذا الحديث، والحديث في إسناده من هو مجهول، فيكون ضعف الحديث بسببه. ومن العلماء من قال: إن العتيرة باقية ولكنها على الاستحباب، ولم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه كان يفعلها إلا ما جاء عن سعيد بن جبير أو سعيد بن المسيب خاصة، وإلا فإن أهل العلم لا يقولون بها، والمشهور عن أهل العلم أنهم لا يقولون بها -أي العتيرة-، وأنها إما ثابتة ولكنها منسوخة، أو أن الأحاديث الواردة فيها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي معنا فيه شخص متكلم فيه، و الألباني قد حسن هذا الحديث، وفيه هذا الشخص الذي لا يعرف. و أبو داود رحمه الله ذكر بعده أنه منسوخ، ولكن يشكل عليه إذا كان ثابتاً أن هذا في حجة الوداع في آخر الأمر، وليس هناك بين حجة الوداع وبين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أشهر قليلة، فهذا يفيد أنه متأخر وليس بمتقدم، فالنسخ غير واضح، اللهم إلا أن يكون الناسخ جاء في الأشهر التي بعد الحج. والقول بأنها كانت في الجاهلية وجاءت في أول الإسلام ثم نسخت هو الأقرب؛ لكن كون الحديث يدل على التأخر وأن ذلك كان في حجة الوداع، فالذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث غير ثابت من أجل الرجل الذي في إسناده وهو غير معروف.
تراجم رجال إسناد حديث مخنف بن سليم في وجوب الأضحية والعتيرة

قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن يزيد ]. يزيد بن زريع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا حميد بن مسعدة ]. الحاء للتحول من إسناد إلى إسناد. و حميد بن مسعدة صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن بشر ]. هو بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عون ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر أبي رملة ]. عامر أبو رملة هو الذي قال عنه الحافظ في التقريب: يروي عنه عبد الله بن عون لا يعرف، أخرج حديثه أصحاب السنن. [ عن مخنف بن سليم ]. مخنف بن سليم رضي الله عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب السنن.

شرح حديث عبد الله بن عمرو في وجوب الأضحية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثني سعيد بن أبي أيوب حدثني عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله عز وجل لهذه الأمة، قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. قوله: [ (أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله عز وجل لهذه الأمة) ]. الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال: (أمرت بكذا أو نهيت عن كذا) فالآمر له هو الله عز وجل، وإذا قال الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، فالآمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرسول عليه الصلاة والسلام إنما يأمر بأمر الله، وهو مبلغ عن الله كما هو معلوم؛ لأن السنة وحي من الله عز وجل أوحاها الله إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، فهي مثل القرآن كلها وحي من الله، إلا أن القرآن وحي متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كما يتعبد بالعمل بالقرآن، وقد جاءت أحاديث كثيرة دالة على أن السنة إنما هي وحي من الله عز وجل، ومن ذلك الحديث الذي فيه أن الشهيد يغفر له كل شيء، ثم بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا الدين! سارني به جبريل آنفاً)، معناه أنه جاء الوحي بهذا الاستثناء من الله عز وجل عن طريق جبريل عليه السلام. قوله: [ (أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله لهذه الأمة) كأن معنى هذا أن الناس يضحون، وأن الرجل فهم أن على الناس أن يضحوا، والمصنف أورده في باب إيجاب الأضاحي. قوله: [ (فقال الرجل: أرأيت) ] أي: أخبرني. قوله: [ (إن لم أجد إلا منيحة) ] المنيحة هي التي يستفاد من لبنها ومن درها، وتطلق غالباً على الشاة من الضأن والمعز، تعطى لمن يستفيد من لبنها وعينها باقية لمانحها الذي منحها، وهنا المقصود أنه لا يجد إلا منيحة يستفيد من درها وحليبها وهو بحاجة إليها، وليس معنى ذلك أنها عنده منيحة؛ لأنها لو كانت لغيره منيحة عنده فإنها ليست ملكاً له، فلا يجوز له التصرف فيها بالتضحية؛ لأنها عارية، والعارية مردودة، وإنما المقصود من ذلك أنها ذات در ولبن، وأنه يحتاج إلى الاقتيات منها، مع كونها ملكاً له. قوله: [ (قال: لا)] أي: أبق عليها واستفد من درها وحليبها وأنفق على نفسك مما ينتج منها من اللبن. وقوله: [ (ولكن تقص شاربك، وتقلم أظفارك، وتحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك) ] معناه: أنك بنيتك الطيبة تحصل الأجر، وهذا يدل على أن على الإنسان أن يأتي بهذه الأشياء مثل الذي يريد أن يضحي، وذلك أنه إذا دخل عشر ذي الحجة لم يكن له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي، فكأن هذا الذي ليس عنده أضحية ولكنه عنده هذه المنيحة ولم يؤذن له بأن يذبحها قد أرشد إلى أنه يأخذ هذه الأشياء، ويكون كأنه قد أتى بأضحية، بمعنى أنه يحصل على أجر بهذه النية. وقد جاء أن الذي لا يملك المال إذا تمنى أن يكون له مثل ما لشخص من الناس من المال حتى ينفقه في سبيل الله؛ أن له مثل أجره، ولكن الذي جاء في الحديث هنا يبدو أنه على اعتبار أن المضحي عندما تدخل العشر يمتنع من أخذ هذه الأشياء، ولا يفعل ذلك إلا بعدما يضحي، فيكون كأنه ضحى، فيأخذ من شعره ومن أظفاره وبشرته في ذلك الوقت. والحديث ضعفه الألباني ، وعلله بعيسى بن هلال الصدفي وقال: إنه مجهول -يعني عنده-، وقال الحافظ في التقريب: إنه صدوق.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في وجوب الأضحية

قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، لقبه الحمال وهو بغدادي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياش بن عباس القتباني ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عيسى بن هلال الصدفي ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأضحية عن الميت


شرح حديث الأضحية عن الميت


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأضحية عن الميت. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال: (رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكبشين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب الأضحية عن الميت]، والإنسان عندما يضحي يضحي عن نفسه وأهل بيته وله أن يضحي عن الأحياء والأموات من أهل بيته، وإذا أوصى رجل بأن يضحى عنه فليضح عنه. وأما الأضحية عن الميت استقلالاً على سبيل الانفراد فلا نعلم شيئاً ثابتاً يدل عليه، ولكن كونه يضحي عن نفسه وعن أهل بيته أو أقاربه أحياء وأمواتاً، فلا بأس بذلك، وقد جاء في السنة ما يدل على ذلك، فيدخل الأموات تبعاً، وأما أن يضحى عنهم استقلالاً وانفراداً، وأن يكون ذلك من غير وصية منهم، فلا أعلم شيئاً يدل عليه. والحديث الذي أورده أبو داود عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يضحي بكبشين ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بذلك، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسناده من هو مجهول، وفيه من هو متكلم فيه غير المجهول، والإنسان إذا أراد أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسببه شيء من رفعة الدرجة وعلو المنزلة فإن عليه أن يجتهد في الأعمال الصالحة لنفسه، فإن الله تعالى يعطي نبيه صلى الله عليه وسلم مثلما أعطاه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي دل الناس على الخير، (ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). فالرسول صلى الله عليه وسلم يحصل له من الأجر مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها، من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأنه هو الذي دل الناس على الحق والهدى، وهو الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وما حصل للناس من خير وهدى فإنما هو بسببه وبدلالته وإرشاده عليه الصلاة والسلام، فالإنسان عليه أن يجتهد في الأعمال الصالحة لنفسه، ثم إن الله يعطي نبيه صلى الله عليه وسلم مثلما أعطى، لا أن يضحي له أو يعمل أعمالاً خاصة به أو يجعلها له. وأسعد الناس وأوفرهم حظاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصول الثواب والأجور إليهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم هم الذين تلقوا الحق والهدى عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكل من حفظ سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وبلغها للناس، فإن الله تعالى يثيب كل من عمل بهذه السنة على عمله، ويثيب ذلك الصحابي الذي جاء بهذه السنة وروى هذه السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مثلما أثاب ذلك العامل. وحديث علي رضي الله عنه غير ثابت ولا يعول عليه، والإنسان يمكن أن يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بسببه شيء من الحسنات إذا عمل لنفسه صالحاً.

تراجم رجال إسناد حديث الأضحية عن الميت


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق اختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، فهو ممن تكلم فيه في الإسناد. [عن أبي الحسناء ]. أبو الحسناء بزيادة ألف قيل: اسمه الحسن ، وقيل الحسين ، مجهول من السابعة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي . [ عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حنش ]. حنش بن المعتمر أو ابن ربيعة ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . إذاً: الحديث فيه مجهول، وفيه حنش الذي يهم، وفيه شريك الذي ساء حفظه لما ولي القضاء، فالحديث ضعيف. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي


شرح حديث النهي عن الأخذ من الشعر والظفر في العشر للمضحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمرو حدثنا عمرو بن مسلم الليثي سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان له ذبح يذبحه؛ فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) ]. أورد أبو داود : [باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي] يعني أنه إذا دخل عشر ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي، قالوا: وفي ذلك تشبيه له بالحاج. وأورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في ذلك. قوله: [ (من كان له ذبح يذبحه) ]. الذبح: المقصود به الأضحية، والذبح يأتي بمعنى المذبوح، أي أضحية يريد أن يضحي بها، والمقصود من ذلك: من كان يريد أن يضحي سواءً كان الذبح موجوداً في حوزته وفي ملكه، أو يريد أن يشتريه إذا جاء وقت الأضحية. قوله: [ (فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) ] أي أنه يمتنع من حين دخول العشر، وينبغي له أنه يتعاهد هذه الأشياء قبل أن تدخل العشر، كما أن الذي يريد الإحرام يتعاهد ذلك قبل أن يحرم حتى لا يحتاج إلى أخذ شيء من ذلك في حال الإحرام. ومما ينبه عليه أن الإنسان عندما يحرم بالحج أو العمرة بعد دخول العشر وهو يريد أن يضحي ليس له أن يأخذ، لأنه داخل تحت النهي، أما الأخذ من الشعر عند التحلل من العمرة في حق المتمتع ونحوه في عشر ذي الحجة، فلا مانع منه، لأن ذلك نسك، وأخذه واجب من واجبات العمرة، أعني أخذ الشعر؛ وإنما يمنع من الشيء الذي هو غير واجب مثل كونه يريد أن يستعد للإحرام. ثم إن العلماء اختلفوا في حكم الامتناع عن الأخذ في العشر لمريد الأضحية، فقيل: إنه واجب، وقيل: إنه مكروه، ويستدلون لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل هديه لم يحرم عليه شيء بذلك، وبقي حلالاً في المدينة، فلا يمتنع من شيء كان يمتنع منه المحرم؛ ولكن ذاك الحديث عام في وقت الحج، وفي غير وقت الحج إذا أرسل هدياً، ولكن يخص منه ما جاء في هذا الحديث، أي: فيما إذا كان الإرسال في وقت الحج.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:04 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الأخذ من الشعر والظفر في العشر للمضحي

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [عن أبيه] معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو بن وقاص الليثي ، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مسلم الليثي ]. وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن المسيب ]. وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. وهي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : اختلفوا على مالك وعلى محمد بن عمرو في عمرو بن مسلم قال بعضهم: عمر وأكثرهم قال: عمرو . قال أبو داود : وهو عمرو بن مسلم بن أكيمة الليثي الجندعي ]. يعني أنه يقال له: عمر، والمشهور أنه عمرو، فبعض الرواة ذكره عمر بن مسلم وبعضهم ذكره عمرو بن مسلم ، والمشهور في اسمه أنه عمرو كما ذكر ذلك أبو داود .
النهي عن أخذ الشعر والظفر يشمل الرجال والنساء

قوله: [ باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي ]، الرجل لا مفهوم له، فالمرأة كذلك، وقد جاء الحديث بلفظ: [ (من كان له ذبح يذبحه) ]، وهذا عام يشمل الذكر والأنثى. وذكر الرجال ليس له مفهوم في كلام العلماء، كما في تراجم أبي داود حيث يأتي بذكر الرجل وليس له مفهوم، فلا يعني أن المرأة ليست كذلك، بل الأصل أن النساء مثل الرجال في الأحكام إلا فيما جاء نص يميز فيه الرجال عن النساء أو النساء عن الرجال، فما يأتي في بعض الأحاديث من ذكر الرجل فإن المرأة مثله في ذلك؛ لأن الخطاب في الغالب إنما يوجه إلى الرجال. ومن أمثلة ذلك ما جاء في الحديث: (لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فمثله المرأة، وذكر الرجل لا مفهوم له، وكذلك قوله: (أيما رجل وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) أي: وكذلك المرأة سواء كانت دائنة أو مدينة، وسواء كانت طالبة أو مطلوبة.

عدم الأخذ من الشعر والظفر خاص بالمضحي


عدم الأخذ من الشعر والظفر إنما هو للمضحي، أما الذي يضحى عنه فلا بأس، فالرجل إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فهو مضح وأهل بيته مضحى عنهم، فلهم أن يأخذوا؛ لأنه ما ثبت في المضحى عنه شيء وإن جاء في ذلك رواية ضعيفة؛ لكن الذي ثبت إنما هو في المضحي فقط، وهو صاحب البيت وصاحب المنزل الذي يضحي عن نفسه وعن أهل بيته، وأما أهل بيته رجالاً ونساءً أو بنين وبنات فلهم أن يأخذوا. وقوله: [ (فلا يأخذن) ] الذي يبدو أنه للتحريم، وأنه يحرم على الإنسان أن يفعل ذلك، وقد ذكر العلماء أن من فعل شيئاً من ذلك فكفارته أن يستغفر.
ما يستحب من الضحايا


شرح حديث عائشة في التضحية بكبش أقرن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يستحب من الضحايا. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد، فأتي به فضحى به، فقال: يا عائشة ! هلمي المدية! ثم قال: اشحذيها بحجر، ففعلت، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه، وقال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب ما يستحب من الضحايا]، يعني صفة الشيء الذي يضحى به، وما يستحب أن يكون عليه، وذلك فيما يتعلق باللون أو السمن. وأورد أبو داود حديث عائشة وهو يتعلق باللون. قوله: [ (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن) ] أي: له قرنان، وذلك يدل على كمال خلقته، وكما هو معلوم أن غير الأقرن سائغ، ولكن هنا الإشارة إلى الأفضل وإلى الأولى. قولها: [ (يطأ في سواد) ] أي أن رجليه ويديه سوداء، ومعناه أنه ليس كله أسود، وليس كله أبيض، ولكنه فيه سواد وبياض، والسواد في رجليه ويديه. قولها: [ (وينظر في سواد) ] أي أن عينيه وما حول عينيه أسود. قولها: [ (ويبرك في سواد) ] معناه أن أسفل بطنه مما يلي الأرض أسود. فالمعنى أن الكبش فيه سواد وفيه بياض، والسواد كان في رأسه وفي رجليه وفي بطنه. قوله: [ (هلمي المدية) ] أي: هاتي السكين. قوله: [ (اشحذيها) ] معناه أنها تحدها كما جاء في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، فالشحذ هنا هو الإحداد، ومعناه أن السكين تجرى على حجر أو على حديدة حتى يكون ما يقطع به حاداً، وذلك ليحصل مقصوده وهو الراحة وعدم المضرة والتعذيب للذبيحة، لأن السكين إذا كانت كالة تتألم الذبيحة وتتأذى. والحديث يدل على أن من صفات الذبيحة المستحبة أن يكون فيها بياض وسواد، وأن المضحي يستحب له أن يباشر الذبح بنفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم باشر الذبح بنفسه ولم يوكل أحداً، ويجوز للإنسان أن يوكل لكن المباشرة أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. وكذلك يدل الحديث على إراحة الذبيحة وشحذ الآلة التي يذبح بها حتى تكون حادة فلا تتأذى الذبيحة ولا يحصل لها تعذيب. قولها: [ (فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه) ]. أي: أخذ السكين، وإضجاع الكبش يكون على جنبه الأيسر موجهاً إلى القبلة بحيث يطأ الذابح على صفحة عنقه برجله اليمنى، ويمسك الرأس باليد اليسرى، ويذبحه باليد اليمنى. قولها: [ (وقال: باسم الله) ]. يدل على مشروعية التسمية عند الذبح وأنه يقول: باسم الله، في بعض الروايات أنه يقال: (باسم الله والله أكبر). قوله: [ (اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد) ]. فيه أن الرسول ضحى عن نفسه وعن آله وأمته، أي عمن لم يضح منهم.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في التضحية بكبش أقرن


قوله: [حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة ]. حيوة بن شريح المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صخر ]. هو حميد بن زياد المصري ، صدوق يهم سكن مصر، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن ابن قسيط ]. هو يزيد بن عبد الله بن قسيط ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث أنس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر سبع بدنات بيده قياماً، وضحى بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قوله:[ (نحر بيده سبع بدنات قائمات، وضحى بالمدينة) ] يشعر أو يفيد أن نحر البدنات ليس بالمدينة، وقد يكون المراد بذلك أنها في الحج، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بيده؛ لأنه كان معه مائة، ووكل علياً رضي الله عنه بنحر الباقي. قوله: [ (وضحى في المدينة بكبشين أقرنين أملحين)] الأقرن هو ما له قرون، كما مر في الحديث السابق، وذكر أن ذلك من تمام الخلقة. والأملح هو الذي فيه سواد وبياض. والكبش هو من الضأن، والأضحية تكون من الذكور والإناث، والمعز ذكره يقال له: تيس، والأنثى: عنز، والضأن الأنثى يقال لها: شاة، وأيضاً لفظ الشاة يطلق على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، لأنه عندما يأتي ذكر الشاة مطلقة فيما يتعلق بالكفارات ونحوها فالمقصود به ذكر أو أنثى من الضأن أو المعز؛ لأن كلمة الشاة تأتي لمعنى عام وتأتي مراداً بها أنثى الضأن، ومن المعنى العام حديث: (في كل أربعين شاة شاة) فليس المقصود بذلك أنه يلزم أن تكون شاة أنثى، بل يمكن أن يكون ذكراً وأن تكون أنثى، وكذلك الحديث الذي ورد فيه: (انسك شاة) معناه: ذبيحة سواء كانت ذكراً أو أنثى من الضأن أو المعز. والحديث دل على استحباب أن تكون الأضحية بذكر من الضأن؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. والأضاحي خاصة ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، والجاموس يعد من فصيلة البقر.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم

قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أهيب ]. أهيب بن خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
شرح حديث أنس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بكبشين أقرنين، أملحين، يذبح ويكبر ويسمي، ويضع رجله على صفحتهما) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك ، وهو مثل الذي قبله أنه ضحى بكبشين أقرنين أملحين، وأنه يكبر ويسمي، ومعناه أنه يجمع بين التكبير والتسمية فيقول: باسم الله والله أكبر، وأنه يضع رجله على صفاحهما، أي: يضع رجله اليمنى على صفحة العنق، واليد اليسرى تمسك الرأس واليد اليمنى يحصل بها الذبح.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى

قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. وقد مر ذكره. هذا السند رباعي، وهو من الأسانيد العالية التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود ، وهي الرباعيات؛ لأن أبا داود رحمة الله عليه ليس عنده ثلاثيات، بل أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها، بخلاف البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، و الترمذي عنده حديث ثلاثي واحد، و ابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وهي كلها بإسناد واحد وهو ضعيف، و مسلم و أبو داود و النسائي أعلى ما عندهم الرباعيات.
الأسئلة



علاقة ابن القيم بالوهابية


السؤال: يقول السائل: سألني شخص: هل ابن القيم من الوهابية؟!



الجواب: هذا من العجائب! فمعنى الوهابية أن ينسب للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وابن القيم توفي سنة (751هـ)، والإمام محمد بن عبد الوهاب ولد سنة (1115هـ)، فهذا السؤال من شأن الإنسان الجاهل الذي يعد كل من كان على منهج صحيح وعلى طريقة مستقيمة وهابياً ولو كان متقدماً بأزمان طويلة! والوهابية ليست نحلة جديدة، بل الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ما أتى بشيء جديد، ولا بمنهج جديد، والذي أتى به هو ما كان عليه سلف هذه الأمة، فالشيء الذي جاء به هو اتباع الكتاب والسنة والسير على ما كان عليه سلف الأمة، وليس منهجه كالمناهج الجديدة التي ولدت ولها طرق خاصة، وإنما هو إحياء للسنة، وإظهار للسنة، وتمسك بالكتاب والسنة. والذي أتى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو الذي أتى به ابن القيم ، وهو الذي أتى به ابن تيمية ، وهو الذي أتى به الأئمة الأربعة، وهو الذي أتى به الصحابة.. وهكذا.

حكم الاشتراك في الأضحية


السؤال: هل يصح أن يشترك في الأضحية الواحدة أكثر من شخص بأن يدفع كل واحد حسب استطاعته؟



الجواب: لا يشترك الناس في الأضحية من الغنم؛ لكن الإنسان يضحي بالشاة عن نفسه وعن أهل بيته. والاشتراك في الأضحية الواحدة يصح إذا كانت من الإبل، فيشترك فيها سبعة بأن يكون لكل واحد سبع بدنة، وكذلك إذا كانت من البقر، وأما الشاة الواحدة فلا يشترك فيها، كما أن سبع البدنة لا يشترك فيه.

تضحية المرأة عن أهل البيت


السؤال: إذا ضحت المرأة هل يكفي عن أهل البيت كلهم أم عن نفسها فقط؟



الجواب: إذا كانت المرأة هي المسئولة عن البيت فيكفي عنها وعن أهل البيت، وإن كان المسئول هو الرجل واتفقت مع الرجل على أنها تضحي عن أهل البيت فلها ذلك، وإن ضحت عن نفسها وعمن تريد من أقاربها من الأحياء والأموات فلها ذلك، وصاحب البيت هو الذي يستحب له أن يضحي عنه وعن أهل بيته.

ذبح المرأة لأضحيتها

السؤال: هل للمرأة أن تباشر الذبح بنفسها مع وجود وليها؟



الجواب: المرأة لها أن تذبح كالرجل.

الفرق بين الأضحية والهدي من جهة أخذ الشعر ونحوه


السؤال: هل هناك فرق بين أضحية العيد وهدي المحرم من حيث الأخذ من الشعر والعانة والإبط؟



الجواب: بعد دخول عشر ذي الحجة فالذي سيحج ويهدي له أن يأخذ من شعره ما دام أنه لن يضحي؛ لأن الأحاديث التي وردت في منع أخذ الشعر إذا دخل عشر ذي الحجة متعلقة بالأضحية لا بالهدي، وأما الذي يريد أن يضحي فسواء أراد الحج أم لا، ليس له أن يأخذ من شعره بعد دخول العشر."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:13 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [330]
الحلقة (362)



شرح سنن أبي داود [330]

لقد شرع الله الأضحية تقرباً إليه وتوسيعاً على الأهل والمساكين باللحم، وإذا كانت قربة فقد حدد الشرع صفات الأضحية المجزئة، وبين الوقت الذي تذبح فيه، والسن المشترط لها، والعيوب التي تمنع من قبولها.

تابع ما يستحب من الضحايا


شرح حديث جابر في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (ذبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجأين، فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك وعن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر) ثم ذبح ]. سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ثم أورد أبو داود هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ثم ذكر بعد ذلك أنه سمى عند ذبحهما وكبر، وذكر أيضاً هذا الذكر عند الذبح، والحديث في إسناده مقال من جهة أبي عياش المعافري الذي هو أحد رجال الإسناد، وكذلك من جهة محمد بن إسحاق المدني فهو مدلس وقد روى بالعنعنة، فالذي له شواهد من ألفاظ هذا الحديث يكون صحيحاً من أجل تلك الشواهد التي جاءت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل التضحية بالكبشين الأقرنين الأملحين، ومثل التسمية والتكبير، وأما ما جاء في هذا الحديث ولم يكن له شواهد فإنه مقدوح فيه من أجل أبي عياش المعافري ، ومن أجل محمد بن إسحاق المدني الذي روى بالعنعنة، وهو صدوق يعتمد حديثه إلا فيما جاء معنعناً غير مصرح بالتحديث. قوله: [ (ذبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجأين) ]. وهذا فيه ذكر الوجي، وهو الخصاء، وبعض أهل العلم قال: إن التضحية بالخصي أو الموجوء فيها شيء؛ لأنه نقص في الخلقة، ولكن الصحيح أنه ليس نقصاً في الخلقة وإنما هو كمال في الموجوء؛ لأنه يحصل له السمن بذلك لكونه ليس فحلاً ينزو على الإناث فيكون ذلك سبباً في ضعفه ونقص سمنه وقوته، فالخصاء من أسباب طيب لحمه، فيكون الذبح للفحل غير الموجؤ وللخصي الذي قد وجئ سائغ لا بأس به؛ لأن في كونه خصياً طيب لحمه وسمنه. قوله: [ (فلما وجههما) ]. أي إلى القبلة وذلك للذبح. قوله: [ (فلما وجههما قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، وعن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر) ثم ذبح ]. هذا فيه ذكر ودعاء، والدعاء قد ورد فيما يتعلق بالتكبير. وكونه عن محمد وعن آل محمد أو أمة محمد ورد له شواهد، وقد سبق أن مر شيء منها.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم


قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وإذا صرح بالتحديث فحديثه معتمد، وإذا لم يصرح وإنما أتى بالعنعنة أو بقال فإن هذا من تدليسه، فيكون محتملاً للاتصال ومحتملاً للانقطاع، كما هو الشأن في التدليس. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عياش ]. وهو المعافري ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث أبي سعيد في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا حفص عن جعفر عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فحيل) ]، والفحيل هو الكريم العزيز عند أهله المعد للفحولة، أي لينزو على الإناث. قوله: [ (يمشي في سواد)] يعني أن رجليه ويديه فيها سواد سواء كلها أو مما يلي الأرض. قوله: [ (ينظر في سواد) ] أي أن حول عينيه سواد. قوله: [ (يأكل في سواد)] أي الذي حول فمه يكون أسود؛ إما الرأس كله أو بعضه. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي...) ] [كان] تدل على الدوام والاستمرار غالباً، ولكن قد جاء في بعض الأحاديث أنه ضحى بكبشين، فمعنى ذلك أنها هنا لا تدل على الدوام والاستمرار، ومن الأحاديث التي جاءت فيها لغير الدوام حديث عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) فعبرت بـ""كان"" مع أنه ما حصل ذلك إلا مرة واحدة في حجة الوداع.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم


قوله: [حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفص ]. حفص بن غياث ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر ]. جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. محمد بن علي بن الحسين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري ، وهو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما يجوز من السن في الضحايا



شرح حديث جابر في إجزاء الجذع من الضأن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يجوز من السن في الضحايا. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة؛ إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) ]. أورد أبو داود : [باب ما يجوز من السن في الضحايا]، وهذه الترجمة تتعلق بأسنان الضحايا وعمرها، والحد الأدنى لما يجزئ منها، ومعلوم أن الضحايا إنما تكون من بهيمة الأنعام فقط، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والمعروف عند العلماء أن الضحية تكون بالجذع من الضأن والثني من غيره، أي الثني من المعز والبقر والإبل. فالجذع من الضأن هذا أقل شيء، وهو ما تم له ستة أشهر فأكثر، والثني من غيره قال بعض أهل العلم: هو من المعز والضأن ما تم له سنة ودخل في السنة الثانية، ومن البقر ما تم له سنتان ودخل في السنة الثالثة، ومن الإبل ما أكمل خمس سنوات ودخل في السادسة، وهذا معناه أن الأسنان التي تؤخذ في الزكاة كلها دون ما يجزئ في الأضحية؛ لأن بنت مخاض من الإبل ما لها سنة، وبنت لبون ما لها سنتان، والحقة ما لها ثلاث سنوات، والجذعة ما لها أربع سنوات، والثني ما له خمس سنوات. ومن أهل العلم من قال: إن الثني من الضأن ومن المعز ما تم له سنتان، ومن البقر ما تم له ثلاث سنوات، ومن الإبل ما تم له خمس سنوات، فلا خلاف في الإبل، وإنما الخلاف في الغنم والبقر. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنة) ] يعني في الهدي وفي الأضحية؛ لأن الهدي والأضحية حكمهما واحد من ناحية الأسنان، فما يجزئ في هذا يجزئ في هذا، وما لا يجزئ في هذا لا يجزئ في هذا، والمعنى أن الحد الأدنى هو المسنة. قوله: [ (إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعاً من الضأن)] أي: إلا أن يشق عليكم فلا تجدون المسنة أو الثني فتذبحون من الضأن جذعة، وهذا يدل على أن الجذع من الضأن يجزئ عندما لا تتيسر مسنة، والمعروف عند أكثر العلماء أن هذا إنما هو للاستحباب وليس للإيجاب، ومعنى ذلك أنه يمكن أن يذبح الجذع من الضأن مع وجود المسنة، فيحمل هذا الذي جاء في الحديث على الاستحباب لا على الوجوب؛ لأنه قد جاءت أحاديث دالة على جواز ذبح الجذع.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في إجزاء الجذع من الضأن


قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن زهير بن معاوية ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله وقد مر ذكره. وهذا من رباعيات أبي داود ، أي: من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.

شرح حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الضأن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن صدران حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن إسحاق حدثني عمارة بن عبد الله بن طعمة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتوداً جذعاً، قال: فرجعت به إليه فقلت له: إنه جذع، قال: ضح به، فضحيت به) ]. أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنماً وأعطاه عتوداً جذعاً وقال له: ضح به) ]، وهذا محمول على أنه من الضأن وليس من غير الضأن؛ لأن المعز لا يضحى بالجذع منه، بل لابد من المسنة، وذلك لما سيأتي في حديث أبي بردة بن نيار قال: (عندي عناق داجن جذعة، هل تجزئ عني؟ قال: تجزئ عنك ولا تجزئ عن أحد بعدك)، فدل هذا على أن الجذع من المعز لا يجزئ في الأضحية، بل لابد من المسنة، وأما الضأن فإنه يجزئ فيه الجذع الذي أكمل ستة أشهر ولم يبلغ أن يكون ثنياً، وعلى هذا فالحديث يحمل على أن المقصود به الجذع من الضأن وليس من المعز. والعتود هو الذي اشتد وقوي. قوله: [ (قال: فرجعت به إليه فقلت له: إنه جذع، قال: ضح به) ]. كأنه علم بأن المشروع إنما هو المسن، فقال: [ (ضح به)]، فدل ذلك على جواز التضحية بالجذع من الضأن.
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الضأن

قوله: [حدثنا محمد بن صدران ]. محمد بن إبراهيم بن صدران ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق عن عمارة بن عبد الله بن طعمة ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. وعمارة بن عبد الله بن طعمة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سعيد بن المسيب ]. وهو تابعي ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده عمارة بن عبد الله بن طعمة وهو مقبول، أخرج له أبو داود وحده، ولكن الحديث له شواهد.

شرح حديث عاصم بن كليب فيما يجزئ من الضأن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال: (كنا مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال له: مجاشع من بني سليم، فعزت الغنم، فأمر منادياً فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول: إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني) . قال أبو داود : وهو مجاشع بن مسعود ]. أورد أبو داود حديث مجاشع بن مسعود السلمي رضي الله عنه أنه قال: [ (عزت الغنم) ] معناه أنها قلَّت، فالعزة هنا بمعنى القلة، والعزيز هو الشيء الذي قل ولم يكثر ويتيسر وجوده، والمقصود عزت الغنم الكبيرة. قوله: [ (إن الجذع يوفي مما يوفي به الثني) ] هذا محمول على الضأن؛ لأن الحديث قد جاء بأنه لا تجزئ الجذع من المعز إلا عن أبي بردة الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها تجزئ عنك ولن تجزئ عن أحد بعدك)، فيكون هذا محمولاً على الجذع من الضأن.

تراجم رجال إسناد حديث عاصم بن كليب فيما يجزئ من الضأن


قوله: [حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ عن عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الثوري ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. عاصم بن كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. كليب بن شهاب وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [ عن مجاشع من بني سليم ]. هو مجاشع بن مسعود من بني سليم رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة .



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:13 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث البراء بن عازب فيما يجزئ من المعز

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا منصور عن الشعبي عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم، فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله! والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تلك شاة لحم، فقال: إن عندي عناقاً جذعة وهي خير من شاتي لحم، فهل تجزئ عني؟ قال: نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعد الصلاة وقال: [ (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك) ]، أي أنه أتى به على الوجه المشروع. قوله: [ (ومن نسك) ] أي ذبح (قبل الصلاة فتلك شاة لحم)، أي ليست أضحية؛ لأن الأضحية إنما تكون بعد الصلاة، وهذا يدلنا على توقيت الذبح وأنه يكون بعد الصلاة لا قبل الصلاة، وأن الإنسان لو ذبح قبل الصلاة فإن ذبيحته لا تكون نسكاً ولا قربة، وإنما هي شاة تتخذ للحم كالذبائح التي تذبح في سائر أيام السنة ويقصد منها اللحم ولا يقصد منها القربة، فالقربة إنما هي في الأيام المحددة للأضاحي، وهي من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر، فهي أربعة أيام بلياليها. وقد جاء في الحديث أنه قام أبو بردة بن نيار رضي الله عنه فقال: إنه ذبح قبل الصلاة وإنه أطعم جيرانه وأهله، وإنه إنما حمله على ذلك الرغبة في المبادرة إلى الأكل من اللحم لأنه يعلم أنه يوم أكل وشرب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (تلك شاة لحم) ]، أي إنها لم تكن أضحية؛ لأنها ما وقعت في الوقت. قوله: [ (إن عندي عناقاً جذعة وهي خير من شاتي لحم، فهل تجزئ عني؟ قال: نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك) ] معناه أن هذه رخصة خاصة به، وأن ذبح العناق أو التضحية بالعناق لا تجزئ، وإنما يجزئ المسن وهو ما تم سنة، ما تم له سنة ودخل في السنة الثانية. قوله: [ عن البراء رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك) ]. هذا يدل على أن الخطبة تكون بعد الصلاة ولا تكون قبل الصلاة، فيصلي أولاً ثم يخطب الإمام بعد ذلك. قوله: [ (من صلى صلاتنا) ] أي: صلاة العيد. قوله: [ (ونسك نسكنا) ] أي كما ننسك بعد الصلاة [ (فقد أصاب النسك) ]. قوله: [ (ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) ] أي: ليست أضحية؛ لأن الأضحية يبدأ وقتها بعد الفراغ من الصلاة. قوله: [ (فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله! والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تلك شاة لحم! فقال: إن عندي عناقاً جذعة وهي خير من شاتي لحم، فهل تجزئ عني؟ قال: نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك) ]. كون أبي بردة رضي الله عنه ضحى قبل الصلاة ولم تعتبر أضحيته لعدم موافقتها للسنة، وعدم الإتيان بها على الوجه المشروع، يدلنا على أن الإنسان إذا فعل القربة وهو غير موافق للسنة لا يعتبر ذلك؛ لأن أبا بردة رضي الله عنه كان قصده حسناً، ومع ذلك لم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ذبيحته أضحية؛ لأنها ما وقعت في الوقت، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم: وفي الحديث دليل على أن العمل لا يعتبر إلا إذا وقع موافقاً للسنة، وأنه إذا وقع غير موافق للسنة لا يعتبر ولو كان قصد فاعله حسناً؛ لأن أبا بردة رضي الله عنه كان قصده حسناً، لكن لما كانت القربة التي تقرب بها غير مطابقة للسنة وغير واقعة في الوقت المشروع لم تقبل، فدل ذلك على أن حسن القصد لا يكفي في العمل الذي يكون مخالفاً للسنة، بل لابد مع حسن القصد أن يكون العمل موافقاً للشرع. ولهذا فإن ما يفعله بعض الناس من ذكر وأمور مبتدعة محدثة لم تأت بها سنة، ويتعللون بأن القصد حسن؛ لا يصح، لأن ذلك لا يكون كافياً؛ لدلالة هذا الحديث الذي معنا. ومما يدل على ذلك أيضاً الأثر الذي جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه خرج إلى المسجد وإذا فيه جماعة متحلقون ومعهم حصى، وفي كل حلقة شخص يقول: سبحوا مائة.. فيسبحون مائة! هللوا مائة.. فيهللون مائة! كبروا مائة.. فيكبرون مائة! ويعدون بالحصى حتى يكملوا هذا العدد، فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال: ما هذا يا هؤلاء؟ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، وذلك لأن الصحابة ما فعلوا هذا وهم خير الناس، وهم السابقون إلى كل خير والحريصون على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم، فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه! فهذا يدلنا على أن العمل الذي يتقرب به إلى الله عز وجل لابد أن يكون مطابقاً للسنة، وكل عمل من الأعمال لا يكون نافعاً ولا يكون معتبراً إلا إذا توافر فيه شرطان اثنان: أحدهما: أن يكون خالصاً لوجه الله، والثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن وجد الإخلاص وما وجدت المتابعة وإنما كان مبنياً على بدعة فإنه يكون مردوداً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهو حديث متفق عليه، وفي لفظ لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وإن وجدت المتابعة وكان العمل مطابقاً للسنة ولكن فقد شرط الإخلاص، وكان فيه الرياء وصرف العمل لغير الله، فإنه لا يعتبر ولا يكون نافعاً. وهذا هو معنى: (أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله)؛ لأن أشهد أن لا إله إلا الله تعني الإخلاص، ومقتضاها أن تكون العبادة خالصة لوجه الله، ولا يكون لغيره فيها نصيب، وأما شهادة أن محمداً رسول الله فتقتضي المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. والحاصل أن الحديث الذي معنا يدل دلالة واضحة على أن العمل المعتبر هو ما كان مطابقاً للسنة، وأن العمل الذي يعمل غير مطابق للسنة ولو كان قصد صاحبه حسناً لا يعتبر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما اعتبر تلك الأضحية التي حصلت قبل الصلاة؛ لأنها لم تقع في وقتها.

تراجم رجال إسناد حديث البراء فيما يجزئ من المعز


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي الأحوص ]. وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. وهو عامر بن شراحيل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث البراء فيما يجزئ من المعز من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد عن مطرف عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: شاتك شاة لحم! فقال: يا رسول الله! إن عندي داجناً جذعة من المعز، فقال: اذبحها ولا تصلح لغيرك) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، وفيه بيان أن أبا بردة هذا خال البراء بن عازب ؛ لأنه قال: خال لي، والداجن هي المألوفة التي تربى في البيوت.
تراجم رجال إسناد حديث البراء فيما يجزئ من المعز من طريق أخرى

قوله: [حدثنا مسدد عن خالد ]. مسدد مر ذكره. و خالد هو ابن عبد الله الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر عن البراء ]. عامر هو الشعبي ، والبراء هو ابن عازب ، وقد مر ذكرهما. وأبو بردة بن نيار بالدال اسمه هانئ ، وقيل: الحارث بن عمرو البلوي .
ما يكره من الضحايا


شرح حديث البراء فيما يكره من الضحايا


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يكره من الضحايا. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب رضي الله عنهما: ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكسير التي لا تنقي، قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد). قال أبو داود : تنقي التي ليس لها مخ ]. أورد أبو داود : [باب ما يكره من الضحايا] ومعنى الكراهة هنا التحريم. وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه: [ (أربع لا تجوز في الأضاحي)] يعني لا يجوز أن يضحى بها. قوله: [ (العوراء البين عورها)]، يدل على أن العور إذا كان خفيفاً وكان البصر موجوداً ولكن فيه ضعف أنه لا يؤثر؛ لأن قوله: [ (البين عورها) ] يدل على أن المعتبر هو ما كان بهذا الوصف، أما إذا كان في العين عور ضعيف، فإن ذلك لا يؤثر ولا يمنع، وإنما صارت العوراء ناقصة لا يضحى لأنه نقص في الخلقة، هذا أولاً. والأمر الثاني: أن ذلك من أسباب عدم تمكنها من الحصول على الأكل في المرعى كما تحصله سليمة العينين؛ لأن هذا النقص فيها بالنسبة للعين الواحدة يترتب عليه عدم الاستفادة من المرعى مثلما تستفيد ذات العينين السليمتين، ومن باب أولى العمياء. قوله: [ (والمريضة البين مرضها) ]؛ لأن ذلك يؤثر في طيب اللحم ويؤدي إلى عدم جودة اللحم بسبب المرض، فإذا كان المرض خفيفاً لم يمنع، مثلما قيل في العوراء. قوله: [ (والعرجاء البين ظلعها) ] وهي التي في إحدى يديها أو رجليها كسر أو ضعف أو خلل، فهي تعرج ويكون عرجها بيناً، وأما إذا كان العرج خفيفاً لا يمنعها من أن تعدو وأن تمشي مع غيرها من السليمات، فإن ذلك لا يمنع ولا يؤثر؛ لأن قوله: [ (البين ضلعها)] معناه لأنها تتأخر ولا تلحق بغيرها من السليمات، ويكون ذلك من أسباب نقصها، ومن أسباب عدم تمكنها من الرعي؛ لأن غيرها يسبقها ويأكل وهي تأتي وراءه فتأكل مما خلف ومما ترك، ففيها ضعف من ناحية حركتها ومن ناحية عدم تمكنها من أن ترعى كما ترعى الغنمة السليمة. قوله: [ (الكسير التي لا تنقي)]، الكسير هي المكسورة، والتي لا تنقي هي التي ليس فيها مخ، ويكون ذلك بسبب الكسر الذي حصل فيها فيكون فيها ذلك الضعف، وعلى هذا فهي قريبة من النوع الثالث الذي مر وهو العرجاء البين ظلعها، إلا أن ذاك يكون أعم؛ لأن الضلع قد يكون من كسر وقد يكون من ضعف في الرجل أو اليد؛ لأنها تعرج بسبب العيب الذي فيها وإن كان الكسر غير موجود. وبعض الذين خرجوا الحديث من الأئمة رووه بلفظ (العجفاء التي لا تنقي)، بدل [ (الكسير) ]، ومعناه الهزيلة، التي ليس فيها مخ، يعني كما قال أبو داود : [ ليس لها مخ ]. فبعض الأئمة ذكروا الحديث نفسه وعبروا فيه بالعجفاء، وهو الذي يناسب من ناحية أن ذكر الكسير فيه تداخل مع الذي قبله وهو [ (العرجاء البين ظلعها) ]. والتي لا تنقي هي التي لا مخ في عظامها، وهو الدهن الذي داخل العظام. قوله: [ عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب : ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله) ]. عبيد بن فيروز سأل البراء : [ (ما لا يجوز؟) ] أي: ما الذي لا يجوز؟ فكان أن أجاب بالحديث، وهذه طريقة سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم، أنهم كانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر؛ لأن الإجابة بالأثر تشتمل على الجواب والدليل؛ لأنه لو أتى بالجواب بدون الدليل لاحتاج إلى أن يسأل سؤالاً آخر: ما الدليل على هذا؟ لكنه إذا م أجاب بالأثر يكون قد حصل منه الجواب على السؤال وزاد عليه بيان الدليل الذي يدل عليه. وقد يورد الحديث وهو حديث طويل من أجل جملة فيه هي محل السؤال، ومن أمثله ذلك حديث جبريل المشهور الذي أورده مسلم في فاتحة صحيحه عن عمر قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله..) الحديث الطويل، فقد أورده ابن عمر بسبب سؤال عن الإيمان بالقدر. وهنا البراء بن عازب يحكي ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أشار بأصابعه، قال: [ (وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله) ] الأنامل هي: جزء من الأصابع أو بعض الأصابع، وهذا الذي قاله البراء قيل: إنه من باب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون مع الأدب بيان الواقع، وأنه يعرف أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعه أكبر من أصابعه. قوله: [ (وفي آخره قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد) ] يعني: السن الذي يجزئ أو الذي يضحى به. قوله: (ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد) معناه: أنه إذا كان هناك نقص لا يصل إلى حد المنع، وأن الإنسان أراد أن يحصل الأكمل والأفضل ويترك هذا الذي فيه شيء من النقص، فليحصل الأفضل ولا يمنع غيره، وذلك مثل أن تكون عوراء ليس عورها بيناً، فإنها تكون مجزئة، فمن أراد تجنبها فليفعل ولا يحرمها على غيره.

تراجم رجال إسناد حديث البراء فيما يكره من الضحايا


قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن عبد الرحمن ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبيد بن فيروز ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن أيضاً. [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.
الأسئلة



ما ورد في استقبال القبلة عند الذبح

السؤال: هل ورد شيء في استقبال القبلة عند الذبح؟



الجواب: أخرج البيهقي في السنن الكبرى (9/285) من طريق ابن جرير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح. ورواه غيره عن ابن جرير وقال في الحديث: (كان يستقبل بذبيحته القبلة). قال البيهقي : وروي فيه حديث مرفوع عن غالب الجزري عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها وإسناده ضعيف، أورده البيهقي في باب السنة أن يستقبل بالذبيحة القبلة. راجع الإرواء (8/278).

حكم جمع المال من الطلاب لشراء الأضاحي وتوزيعها على الفقراء


السؤال: جرت العادة في بعض المدارس في بلدنا أيام عيد الأضحى أن يجمع مالاً من الطلاب لشراء الضحايا بقراً أو غنماً، ثم توزع للفقراء والمساكين والمدرسين، فما حكم هذا العمل؟



الجواب: الذي ينبغي على كل قادر أن يضحي بنفسه ويوزع، بدون أن يكون هناك جمع من الناس.

حكم تضحية ولي الأمر عن الشعب


السؤال: هل يجوز لولي الأمر في وقتنا الحاضر أن يضحي بكبشين واحد عنه وواحد عمن لم يضح من شعبه؟



الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا، فذاك حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يقال: إن غيره يكون مثله؛ لأنه ما عرف عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم أنهم فعلوا هذا.

عمر المسنة من الأضاحي

السؤال: كم يكون عمر المسنة؟



الجواب: ذكرنا أن المسنة من الغنم ضأناً ومعزاً ما أكملت سنة ودخلت في الثانية، ومن البقر ما أكملت الثانية ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما أكملت الخامسة ودخلت في السادسة.

التضحية عن أهل البيت إذا استقلوا في البيوت


السؤال: رجل عنده أربعة أبناء وكلهم يسكنون في بيوت خارج ملك أبيهم، فهل تجزئ عنهم أضحية أبيهم؟



الجواب: لا تجزئ ما دام أن كل واحد له بيت مستقل، وعليه أن يضحي عن نفسه ولا تجزئ عنه أضحية أبيه، لكن لو كانوا مع أبيهم في بيت واحد ومأكلهم واحد فإنها تجزئ عنهم.

حكم الأضحية تموت قبل الذبح

السؤال: رجل اشترى أضحية ثم ماتت قبل الذبح أو انكسرت مثلاً، فما العمل؟



الجواب: يشتري أضحية أخرى ويذبحها.

حكم الأضحية المجروحة

السؤال: انتشر بين الناس عندنا أن الأضحية إذا كان بها جرح فإنها لا تجزئ، فهل هذا صحيح؟



الجواب: ليس بصحيح، فإذا كان هذا الجرح لم يترتب عليه مرض بين، فإنه لا بأس بها، وأما إذا كان ترتب على هذا الجرح أنها مرضت مرضاً بيناً فلا تجزئ؛ للحديث الذي مر: (المريضة البين مرضها).

حكم الأضحية بمقطوع الذنب

السؤال: هل تجوز الأضحية بمقطوع الذنب (الأبتر)؟



الجواب: لا أعلم ما يمنعه، وهو نقص في الخلقة ومن ناحية الجمال، ولكنه من ناحية السمن ومن ناحية كونه يحصل به المقصود، لا أعلم شيئاً يمنعه.

حكم الزواج بالكتابية


السؤال: هل يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأة يهودية أو نصرانية؟



الجواب: يجوز الزواج بالكتابية، ولكن الزواج بالمسلمة أولى.

خطبة العيد

السؤال: هل خطبة العيد خطبة واحدة أم خطبتان؟



الجواب: المشهور عند العلماء أنها خطبتان، ولا أعلم خلافاً في المسألة من ناحية المتقدمين، ولا أعلم نصاً واضحاً يدل على أنها خطبتان؛ لكن جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وافق عيد يوم جمعة فمن حضر العيد أجزأه عن الجمعة)، والجمعة لها خطبتان، ومعنى هذا أن الجمعة فرض عين، والإنسان الذي يحضر العيد يسقط عنه ذلك الفرض فيجزئه أن يصلي ظهراً ولا يلزمه أن يأتي للجمعة، فكون العيد يغني عن الجمعة والجمعة فيها خطبتان، يعني أن العيد يكون فيه خطبتان؛ لأن هذا المجزئ يكون مماثلاً لذلك المجزئ، وإن كان بينهما فرق من ناحية أن الخطبتين في العيدين متأخرة وفي الجمعة متقدمة، ومن ناحية أن المصلي مخير بين الحضور وعدمه في خطبة العيد، بخلاف خطبة الجمعة فإنها مطلوب حضورها؛ ولكن من لم يحضرها فإن جمعته صحيحة، وحيث يكون مدركاً ركعة من الصلاة يضيف إليها أخرى ويكون قد أدرك الجمعة، فأنا لا أعلم نصاً واضحاً فيما يتعلق بأنها خطبتان إلا هذا الذي أشرت إليه."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:24 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الاضحية
شرح سنن أبي داود [331]
الحلقة (363)



شرح سنن أبي داود [331]

لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مشروعية الأضحية، وما لا يصح التضحية به لما فيه من العيوب، كما بين أن الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته، وأن البقرة والجزور تجزئ عن سبعة. وقد ذبح صلى الله عليه وسلم أضحيته في المصلى تعليماً للناس، وبروزاً للفقراء ليأخذوا نصيبهم، ونهى الناس عن الادخار فوق ثلاث لأجل الصدقة على البدو، ثم نسخ ذلك.

تابع ما يكره من الضحايا


شرح حديث عتبة السلمي فيما يكره من الأضاحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا ح وحدثنا علي بن بحر بن بري حدثنا عيسى المعنى عن ثور حدثني أبو حميد الرعيني قال: أخبرني يزيد ذو مضر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه فقلت: يا أبا الوليد ! إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها، فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها؟ قلت: سبحان الله! تجوز عنك ولا تجوز عني؟! قال: نعم، إنك تشك ولا أشك (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء)، والمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها، والمستأصلة التي استؤصل قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً، والكسراء: الكسيرة ]. سبق في الدرس الماضي البدء بترجمة: [ما يكره من الضحايا] وشرحنا الحديث الصحيح الذي فيه بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأربع أنه لا يضحى بها قال: (العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي)، وفي بعض الأحاديث: (العجفاء التي لا تنقي)، وقد أورد أبو داود هنا حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله تعالى عنه. قوله: [خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها]. الثرماء قيل هي: التي سقطت الثنية والرباعية من أسنانها، ولا أعلم ما يدل على تحريمها وعلى عدم إجزائها إذا كانت سمينة صالحة من حيث قوتها وسلامتها، وأما إذا كانت هزيلة عجفاء فإنها لا تجزئ، كما سبق أن مر: (والعجفاء التي لا تنقي). قوله: [ (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء) ]. قد ذكر تفسير هذه الخمس فقال: [ المصفرة التي قطعت أذنها من سماخها] أي: من أصلها. قال: [والمستأصلة التي استؤصل قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها] أي: تفقأ عينها. قال: [والمشيعة هي التي لا تتبع الغنم] أي لا تسايرها ولا تمشي معها لضعفها وهزالها، قيل: المشيَعة، وقيل: المشيِعة، المشيَعة لأن الراعي يشيعها، أي يسوقها حتى تلحق بغيرها، ومشيِعة لأنها تشيع الغنم، أي تمشي وراءها، وذلك لهزالها وضعفها. قال: [والكسراء الكسيرة] أي التي فيها كسر، ويترتب على ذلك عدم قدرتها على مسايرة الغنم. فالحديث يدل على أن هذه الأشياء مما يكره في الضحايا، لكن الحديث غير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً وفيه رجلاً مقبولاً لا يحتج به إلا عند المتابعة.

تراجم رجال إسناد حديث عتبة السلمي فيما يكره من الأضاحي


قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا، ح وحدثنا ]. [ح] هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومع أن أبا داود له هذان الشيخان إلا أنه أتى بالتحويل من أجل أن يبين الفرق في الصيغة، وهي أن الشيخ الأول قال: أخبرنا، والشيخ الثاني قال: حدثنا. [حدثنا علي بن بحر بن بري ]. علي بن بحر بن بري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا عيسى المعنى ]. عيسى هو شيخ إبراهيم وشيخ ابن بري ، وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: المعنى يعني: أن رواية كل من الشيخين ليست متفقة في اللفظ، ولكنها متفقة في المعنى. [ عن ثور ]. هو ابن يزيد الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني أبو حميد الرعيني ]. هو مجهول، أخرج له أبو داود . [ أخبرني يزيد ذو مضر ]. يزيد ذو مضر وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عتبة بن عبد السلمي ]. عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة .

شرح حديث علي فيما يكره من الأضاحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن شريح بن النعمان -كان رجل صدق- عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نستشرف العين والأذنين، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء)، قال زهير : فقلت لأبي إسحاق : أذكر عضباء؟ قال: لا، قلت: فما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تخرق أذنها للسمة]. أورد أبو داود حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. قوله: [ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين) ]. أي: أن نطلع ونشرف عليها ونراها ونتأمل فيها. قوله: [ (ولا نضحي بعوراء) ]، أي: العوراء البين عورها، كما سبق في حديث مضى. قوله: [ (ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء) ]. المقابلة هي التي قطع من مقدم أذنها. والمدابرة التي قطع من مؤخر أذنها. والشرقاء التي قطعت أذنها وشقت فصارت قطعتين. والخرقاء التي خرقت أذنها للسمة، أي أنه حصل فيها وسم، ولكن الوسم لم يكن على الظاهر بل ترتب عليه أنه سقط ما يقابله من الداخل؛ لأن الوسم قد يكون بدون خرق فيكون علامة بينة فيها، وقد يترتب على ذلك استئصال مكان الوسم الذي توسم به الغنم لتميز ولتعرف بأنها لآل فلان الذين وسمهم على صفة كذا؛ لأنهم كانوا يسمون، وكل له وسم معروف بحيث إنه إذا رئي الوسم قيل: هذه لآل فلان، أو هذا وسم آل فلان، فيكون هذا علامة. فالتي تخرق أذنها للسمة معناه أنه يحصل الانخراق بسبب أنها وسمت، فترتب على الوسم استئصال ما جاءت عليه النار فصارت خرقاء. [ فقلت لأبي إسحاق : أذكر عضباء؟ قال: لا ]. والعضباء هي التي قطع أكثر قرنها أو أكثر أذنها كما سيأتي مبيناً في بعض الروايات عند أبي داود . والحديث ضعفه الشيخ الألباني بسبب أبي إسحاق السبيعي ، وهو أنه قد اختلط، وقال: إن الذين رووا عنه هذا الحديث كلهم ممن روى عنه بعد الاختلاط، ليس فيهم أحد روى عنه قبل الاختلاط. وكما هو معلوم أن بعض هذه العيوب لا يؤثر، كما لو قطع شيء من مقدم أذنها أو من مؤخر أذنها، أو كان في أذنها خرق أو ما إلى ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث علي فيما يكره من الأضاحي


قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زهير ]. زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريح بن النعمان -كان رجل صدق- ]. وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث علي في كراهة العضباء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ويقال له هشام بن سنبر عن قتادة عن جري بن كليب عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن)]، وعضباء الأذن والقرن هي التي قطع أكثر أذنها وأكثر قرنها، وقد مر في الحديث السابق أنه قال: هل ذكر العضباء؟ قال: لا، وإنما جاء ذكره في هذا الحديث، والحديث أيضاً فيه جري بن كليب وهو متكلم فيه فلا يصح من أجله، وهو مقبول.

تراجم رجال إسناد حديث علي في كراهة العضباء


قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جري بن كليب ]. وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : جري سدوسي بصري لم يحدث عنه إلا قتادة ]. هذا تعريف من أبي داود لجري بن كليب وأنه بصري لم يحدث عنه إلا قتادة ، وقد روى عنه بالعنعنة، وهو نفسه متكلم فيه. وجري تصغير جرو، والجرو هو ولد الكلب، وكليب تصغير كلب، فهو هنا مصغر وابن مصغر: جري بن كليب .

شرح أثر ابن المسيب في تفسير الأعضب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا هشام عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب : ما الأعضب؟ قال: النصف فما فوقه ]. أورد أبو داود هذا الأثر في بيان الأعضب وأنه ما ذهب منه النصف فما فوقه، أي: من القرن أو الأذن، فهذا تفسير من سعيد بن المسيب للأعضب. وهذا المتن يقال له في علم المصطلح: مقطوع، وهو المتن الذي ينتهي إسناده إلى التابع أو من دون التابع؛ لأن الذي ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى التابعي أو من دونه يقال له: مقطوع. والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، وهو سقوط رجل أو أكثر بشرط عدم التوالي، وكذلك أيضاً مع التوالي يقال له انقطاع.

تراجم رجال إسناد أثر ابن المسيب في تفسير الأعضب


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن قتادة ]. وقد مر ذكرهما. [عن سعيد بن المسيب ]. وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
البقر والجزور عن كم تجزئ


شرح حديث جابر في إجزاء البقر والجزور عن سبعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البقر والجزور عن كم تجزئ؟ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا نتمتع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذبح البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة، نشترك فيها) ]. أورد أبو داود : باباً في البقر والجزور عن كم تجزئ؟ يعني عندما يشترك جماعة في ضحايا أو في هدي، كم يشترك في البقرة والجزور؟ والجزور هي من الإبل سواء كانت ذكوراً أو إناثاً، والجزور تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة، ومعنى ذلك أن البقرة تعادل سبع شياه والجزور سبع شياه، فيمكن أن يوجد سبعة أشخاص كل واحد يريد أضحية فيشتركون في بقرة أو في بدنة، وكل واحد له سبع يعادل الشاة. وأما الغنم فإنه لا اشتراك فيها؛ لأن شاة واحدة يأتي بها الإنسان لنفسه أو عنه وعن غيره، وأما بالنسبة للهدي فلا اشتراك فيه عنه وعن غيره، وإنما يكون الهدي بالشاة عن واحد، وسبع البدنة عن واحد أو سبع البقرة عن واحد. [ عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نتمتع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذبح البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة نشترك فيها) ]. قوله: [ (كنا نتمتع) ] معناه: أنهم عند الحج يكونون متمتعين وعليهم هدي، فيشترك في البقرة سبعة وفي البدنة سبعة، بمعنى أن سبعة أشخاص يجتمعون ويشترون جزوراً أو يشترون بقرة ويذبحونها عن السبعة هدياً، والرسول صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر في حجة الوداع وهن متمتعات، فالبقرة يشترك فيها سبعة والبدنة سبعة. وذكر التمتع مع أن الكتاب كتاب الضحايا؛ لأن الغالب أن الأحكام واحدة فيما يتعلق بالذبائح، إلا أن هناك فرقاً بينها من حيث إن الأضحية تكون في كل مكان والهدي لا يكون إلا في الحرم، أو حيث أحصر كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وكذلك لا تذبح الشاة في الحج عن الرجل وأهل بيته أو زوجته بخلاف الأضحية فيذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته. أما العقيقة فلا اشتراك فيها، فيذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، ولا يشترك فيها أحد. أما لو ذبح بقرة أو جزوراً عن الشاتين أو عن الشاة في العقيقة فهذا لا شك أنه مجزئ؛ لأنه أكمل وأتم وأكثر من الشاتين؛ لأن البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة، فهي تجزئ وزيادة؛ لكن لا تذبح البدنة أو البقرة إلا عن شخص واحد، أو شاتين عن الغلام، أو شاة عن الجارية، ولا يشترك في العقيقة سبعة أشخاص كل واحد له بنت فيذبحون عنهن بقرة أو بدنة، فإن هذا ما ورد.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في إجزاء البقر والجزور عن سبعة


قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك ]. وهو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث جابر في إجزاء البقر والجزور عن سبعة من طريق أخرى وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة) ]. أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة)، وهو مثل الذي قبله. قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و حماد هنا مهمل، لأنه إذا ذكر الراوي دون أن ينسب قيل له: مهمل سواءً ذكر اسمه ولم ينسب، أو ذكر اسمه واسم أبيه وكان ملتبساً ومشتبهاً بغيره، وتمييز المهمل ومعرفته تكون بالشيوخ والتلاميذ؛ فلنا حماد بن زيد و حماد بن سلمة وكلاهما بصري، وكلاهما في طبقة واحدة، ولهذا يأتي في الأسانيد أو في التراجم: روى عن الحمادين، أو: روى عنه الحمادان. ولكن هناك تلاميذ فيهم من لا يروي إلا عن واحد منهما مثل موسى بن إسماعيل لا يروي إلا عن حماد بن سلمة ، ولا يروي عن ابن زيد ، فإذا أطلق حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به حماد بن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس ]. قيس بن سعد المكي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عطاء عن جابر ]. عطاء بن أبي رباح عن جابر قد مر ذكرهما.
شرح حديث جابر في الاشتراك في هدي الحديبية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أنه قال: (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) ]. هذا في الهدي، و جابر رضي الله عنه يقول: [ (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) يعني: في غزوة الحديبية، وكانت على حدود الحرم وقريبة من الحرم، وذلك حيث أحصر صلى الله عليه وسلم، وهذا دال على ما دل عليه الحديثان المتقدمان من الاشتراك في البقر والإبل، وهذا في الهدي، والأضحية مثله.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في الاشتراك في هدي الحديبية


قوله: [حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير المكي ]. محمد بن مسلم بن تدرس ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه، وقد مر ذكره، وهذا رباعي، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
الشاة يضحى بها عن جماعة


شرح حديث الشاة يضحى بها عن جماعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشاة يضحى بها عن جماعة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب (يعني الإسكندراني ) عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش، فذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، وقال: باسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) ]. أورد أبو داود باباً في الشاة يضحى بها عن جماعة وليس المقصود بالشاة -كما سبق- خصوص الشاة التي هي من الضأن، وإنما المقصود من ذلك الذكر والأنثى من الضأن والماعز، هكذا جاء الاستعمال والإطلاق في الأحاديث، فالمقصود أن الأضحية الواحدة من الغنم الواحدة سواء كانت تيساً أو عنزاً أو خروفاً أو كبشاً، يضحي بها صاحب البيت عنه وعن أهل بيته، فيشتركون فيها، وهذا بخلاف الهدي. ووجه الدلالة من الحديث قوله: [ (عني وعمن لم يضح من أمتي) ] ؛ لأن معناه أن جماعة اشتركوا في الأضحية، أي: في الأجر والثواب، وأن الرسول ضحى عنه وعمن من لم يضح من أمته صلى الله عليه وسلم، فهذا هو وجه إيراد الحديث في الترجمة. والحديث فيه أيضاً التسمية والتكبير عند الذبح، وفيه أيضاً كون المضحي يذبح بيده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبحه بيده. قوله: [ (فلما قضى خطبته) ]. فيه النحر في المصلى؛ لأنه قال: [ (نزل من منبره) ] وذبح أضحيته. وقيل: إن الذبح حدث بالمصلى من أجل أن يعلم الناس كيفية الذبح، أو من أجل أن يأتي الفقراء والمساكين ليأخذوا حقهم ويكون مبذولاً لهم. وقوله: [ (فلما قضى خطبته نزل من منبره) ]. لأن الخطبة بعد الصلاة، ومعناه أنه انتهت الصلاة وانتهت الخطبة فنزل وذبح. قوله: [ (وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) ] فيه أنه أتي بكبش، ومر معنا ذكر أنهما كبشان، فيمكن أن تكونا حادثتين في سنتين، ويمكن أنه ذبح واحداً في المصلى وواحداً في غير المصلى.

ابوالوليد المسلم 04-05-2025 07:24 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث الشاة يضحى بها عن جماعة

قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعقوب يعني الإسكندراني ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن المطلب ]. المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، وقد أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. وهنا راو كثير التدليس والإرسال، ولكن جاء عند الحاكم في المستدرك التصريح بالسماع من جابر ومعه شخص آخر مبهم، وقال: إنه أخبرهما، والحديث ذكره الألباني في إرواء الغليل، وقال: إنه حصل التصريح بالتحديث عند الحاكم ، وكذلك عند الطحاوي، فقول الترمذي أن عبد الله بن حنطب لم يسمع من جابر مردود؛ لأنه قد صرح بالسماع عند الحاكم.
الإمام يذبح بالمصلى


شرح حديث الإمام يذبح بالمصلى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يذبح بالمصلى. حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن أبا أسامة حدثهم عن أسامة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذبح أضحيته بالمصلى) ، وكان ابن عمر يفعله ]. أورد أبو داود [باب الإمام يذبح في المصلى] أي: يذبح الأضحية في المصلى، وقد أورد فيه حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته بالمصلى. والحديث السابق يدل على هذا، لأنه نزل فأتي بكبش فذبحه، فهذا الذي جاء في حديث ابن عمر يدل عليه حديث جابر المتقدم وهو أنه ذبح في المصلى. وقد قيل: إن ذبح الإمام بالمصلى من أجل أن يتبعه الناس ويذبحون بعد ذبحه، ومعلوم أن الذبح لا يكون إلا بعد الصلاة، فإذا كان الإمام قد نزل من المنبر وذبح أضحيته، فمعناه أنه سيكون ذبحهم بعد ذبحه، وكذلك أيضاً لتعليم الناس طريقة الذبح، وأيضاً ليكون هناك مجال للفقراء والمساكين ليأخذوا من اللحم؛ لأنه في مكان بارز وهو المصلى.
تراجم رجال إسناد حديث الإمام يذبح بالمصلى

قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن أبي أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة ]. أسامة بن زيد الليثي ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و جابر و أنس وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء السبعة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وكان ابن عمر يفعله ] أي: فليس ذلك خاصاً بالإمام.
حبس لحوم الأضاحي


شرح حديث عائشة في حبس لحوم الأضاحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حبس لحوم الأضاحي. قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذاك؟ أو كما قال، قالوا: يا رسول الله! نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم؛ فكلوا، وتصدقوا، وادخروا) ]. أورد أبو داود [باب في حبس لحوم الأضاحي] أي: ادخارها، وأن الناس يبقونها عندهم للاستفادة منها عدة أيام يوم العيد وأيام التشريق، وأن هذا سائغ ومشروع ولا بأس به. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [ (دف ناس من الأعراب حضرة الأضاحي) ]، معناه أنهم جاءوا وعندهم ضعف وفيهم مسكنة وحاجة، وقد جاءوا يتحرون أن يحصلوا شيئاً من اللحم بمناسبة العيد وذبح الأضاحي. والدف قيل: هو المشي الخفيف، وقيل: المشي السريع مع مقاربة الخطا، ولعل السبب في ذلك الضعف ما كان فيهم من الفاقة والحاجة. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يدخروا الثلث وأن يتصدقوا بالثلثين؛ من أجل تمكين هؤلاء الذين جاءوا من تحصيل اللحم الذي هم بحاجة إليه. قوله: [ (فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم، ويجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية) ]. أي: كانوا يفعلون ذلك فيما مضى؛ ولكنهم بعد ذلك أمروا بأن يبقوا الثلث ويتصدقوا بالثلثين. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وما ذاك؟) ]. أي: ما السبب الذي جعلكم تقولون هذا الكلام؟ قوله: [ (قالوا: إنك نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث) ]، معناه أن الناس يأكلون في حدود ثلاثة أيام، وبعد ذلك لا يمسكون. قوله: [ (إنما نهيت من أجل الدافة التي دفت)]، أي من أجل تلك الحالة التي حصلت، والجماعة الذين جاءوا يدفون إلى المدينة من أجل أن يحصلوا اللحم، ومعنى هذا أنه نسخ ذلك النهي عن إمساك اللحم بعد ثلاث، فصار سائغاً لهم الأكل والادخار. قوله: [ (ويجملون منها الودك) ]. الجمل هو الإذابة، أي أن الشحم يذاب فيخرج منه ودك نتيجة للإذابة، ثم هذا الودك يحتفظون به ويجعلونه إداماً لأطعمتهم. ثم الحديث جاء عن بعض الصحابة، وجاء عن بريدة رضي الله عنه ذكر ثلاثة أشياء منها هذا، وهو ذكر الناسخ والمنسوخ في حديث واحد، ففيه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ألا فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا في كل سقاء ولا تشربوا مسكراً)؛ لأنه قبل كان نهاهم أن ينتبذوا في الدبا والحنتم والمقير من الأوعية التي قد يحصل فيها إسكار دون أن يظهر على ظاهرها، ثم بعد ذلك أذن لهم أن ينتبذوا في كل وعاء ولكن بشرط ألا يشربوا مسكراً. فهذا حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه اشتمل على ثلاثة أمور فيها إشارة إلى المنسوخ والإتيان بالناسخ، ومنه هذه المسألة التي معنا في حديث عائشة رضي الله عنها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في حبس لحوم الأضاحي


قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رحمها الله، وهي تابعية ثقة، وهي مكثرة من الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث نبيشة في حبس لحوم الأضاحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا خالد الحذاء عن أبي المليح عن نبيشة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، فقد جاء الله بالسعة، فكلوا، وادخروا، واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث نبيشة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (كنا نهيناكم عن لحومها) ] أي لحوم الأضاحي. قوله: [ (أن تأكلوها فوق ثلاث) ]. أي أمرهم أن يأكلوا في حدود ثلاثة أيام، ولا يزيدون عن ذلك. ثم إنه قال: [ (إنما نهيناكم من أجل السعة)]، يعني من أجل التوسيع على الناس، ومن أجل الحاجة إلى الناس. قوله: [ (وقد جاء الله بالسعة) ] أي: كثر الخير وحصل الاستغناء، والسبب الذي نهينا من أجله -وهو أن يتيحوا الفرصة ويفسحوا المجال لأولئك الذين دفوا وجاءوا إلى المدينة من أجل أن يحصلوا اللحم- قد ذهب، فكلوا وادخروا واتجروا. قوله: [ (اتجروا) ] معناه تصدقوا، والمقصود من ذلك اطلبوا الأجر، وليس المقصود التجارة الدنيوية؛ لأن الضحايا لا يباع منها شيء، بل الجزار لا يعطى أجرته منها، وإنما يعطى أجرته من خارجها، فالمقصود بالاتجار هنا طلب الأجر وذلك بالصدقة، وليس المقصود منه التجارة؛ لأن الضحايا لا يباع منها شيء. قوله: [ (ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) ]. هذه الأيام التي هي أيام عيد الأضحى والثلاثة الأيام التي بعده هي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، أي أنه لا يجوز صومها فهو حرام، أما يوم العيد فلا يجوز صومه بحال من الأحوال، وأما أيام التشريق فأيضاً لا يجوز صومها إلا لمن لم يجد الهدي، كما ثبت أنه لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فمن لم يجد هدي التمتع أو القران يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فله أن يصوم أيام التشريق، وقد رخص له في ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث نبيشة في حبس لحوم الأضاحي

قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ عن يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. خالد بن مهران الحذاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المليح ]. أبو المليح بن أسامة بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نبيشة ]. نبيشة وهو صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة



اشتراط الأعمال للإيمان

السؤال: روى الإمام معمر بن راشد في الجامع الملحق بمصنف عبد الرزاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا، فأدخلتهم النار، قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم).. الحديث ثم قال: (ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين، قال: فيقبض قبضة من النار -أو قال: قبضتين- ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد احترقوا حتى صاروا حمماً)، الحديث. قال الشيخ الألباني رحمه الله: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو من رواية عبد الرزاق عن معمر ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد و النسائي و ابن ماجة و ابن خزيمة في التوحيد و ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وكذلك أخرجه مسلم و البخاري بلفظ: (فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه). السؤال: ما معنى قوله: (لم يعملوا خيراً قط)، وهل يكون الحديث حجة للذين يجعلون الأعمال شرط كمال، مع أن ظاهر الحديث يؤيد ما ذهبوا إليه ولا قرينة صارفة؟


الجواب: الأعمال ليست على حد سواء، بل هي متفاوتة، فيها ما يكون كمالاً وفيها ما لابد منه، ومعلوم أن الأعمال من الإيمان، وهي داخلة في مسمى الإيمان، والمسلم عندما يدخل في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولابد أن يأتي بمقتضى الشهادتين، وليس معنى ذلك أنه يدخل في الإسلام ثم لا يصلي لله ركعة، ولا يزكي، ولا يحج، ولا يفعل الأعمال مطلقاً، فالحديث لا أدري على أي وجه يحمل إذا كان صحيحاً وإلا فإن الأعمال لابد منها. فالشهادتان لابد من العمل بمقتضاهما، وإلا فإن المنافقين يقولونها ومع ذلك لا تنفعهم، ومن كان مؤمناً وهو صادق الإيمان فإن مقتضى ما عنده من الإيمان أن يأتي بالأعمال الصالحة كما قال بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. والحاصل: أنه لا يجوز أن يبحث عن أشياء يستهان بسببها بالأعمال، فبعض الناس يعتمد على أحاديث الوعد، ثم يهملون أو يضيعون ويفوتون على أنفسهم تحصيل الأعمال الصالحة؛ بسبب ما يسمعونه من أحاديث الوعد، فلابد من مراعاة الوعد ولابد من مراعاة الوعيد، فلا يغلب أحد جانب الوعد ولا يغلب جانب الوعيد، بل لابد من هذا وهذا. وهذه اللفظة يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة. أما حديث المفلس فلا دلالة فيه على شيء؛ لأنه يدل على أنه كان عنده شيء ولكنه ذهب، حيث أخذه الدائنون، فيمكن أن يكون المعنى أنهم ما عملوا شيئاً بقي لهم أو ينفعهم، لا أنهم دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله ثم لم يسجدوا لله سجدة، ولم يطعموا مسكيناً، ولم يحجوا، ولم يصوموا يوماً من الدهر.

إجزاء الأضحية عن الوالد وأولاده المتزوجين

السؤال: هل تجزئ الأضحية عن العائلة التي يكون فيها أكثر من أسرة واحدة، أي: أن الوالد له أبناء متزوجون ولهم أبناء؟



الجواب: إذا كانوا في بيت واحد فإنها تجزئ عنهم كلهم، وذلك إذا كانوا في بيت واحد وطعامهم واحد ومسكنهم واحد، أما إن كان كل واحد مستقلاً في بيته وعائلته، فكل واحد يذبح ذبيحة.

إجزاء الحامل في الأضحية


السؤال: هل تجزئ الحامل من بهيمة الأنعام في الأضحية؟



الجواب: تجزئ الحامل، ولكن الأولى أن تجتنب.

حكم الاجتماع للتكبير عند الأضحية


السؤال: في بلادنا يجتمع بعض الناس عند الأضحية ويكبرون عند الذبح كالتكبير في يوم العيد؟



الجواب: هذا غير صحيح، إنما التكبير يشرع للذابح الذي يذبح، فيقول: باسم الله، والله أكبر، أما الباقون فلا يكبرون للذبح، ولكن إن كانوا يكبرون لأيام التشريق فلا بأس، لا من أجل الذبح؛ لأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 11:45 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الاضحية
شرح سنن أبي داود [332]
الحلقة (364)



شرح سنن أبي داود [332]

لا تقتصر مشروعية الأضحية للمرء على كونه مقيماً في بلده، فله أن يضحي ولو مسافراً، وكذلك الحاج له أن يضحي بمكة. وقد شرع الإحسان إلى الذبيحة ونهي عن تعذيبها وقتلها صبراً. وأباح الله لنا ذبائح أهل الكتاب بخلاف ذبائح المشركين وما لم يذكر اسم الله عليه أو ذبح لغير الله تعالى، وكل ما أنهر الدم من محدد جاز الذبح به إلا السن والظفر.

المسافر يضحي



شرح حديث المسافر يضحي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المسافر يضحي. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن ثوبان رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: يا ثوبان ! أصلح لنا لحم هذه الشاة، قال: فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في المسافر يضحي]، أي أن المسافر له أن يضحي كما أن المقيم له أن يضحي، وليست الأضحية مقصورة على المقيم، فالمسافر له أن يضحي في بلده بأن يوصي أهله بأن يذبحوا أضحية في يوم العيد أو أيام التشريق، ويضحي في الطريق حيث أدركه العيد، ولا مانع من ذلك. فالحاصل أنه إذا حضر العيد فللإنسان أن يضحي سواء كان في بلده أو في غير بلده، وسواء كان مقيماً أو منتقلاً مسافراً، وإنما نص على المسافر؛ لأنه قد يظن أن الإنسان إذا كان مقيماً يضحي وإذا كان مسافراً لا يضحي، فبين أن السنة أن الإنسان يضحي سواء كان مقيماً أو مسافراً. وقد أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: [ (ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: يا ثوبان ! أصلح لنا لحم هذه الشاة) ]. أي: أنه حصل منه أنه ضحى وكان ذلك في سفر وليس في إقامة. قوله: [ (يا ثوبان ! أصلح لنا هذه الشاة) ] يعني أنه يطبخ منها أو يهيئها لعدة أيام، ومعلوم أنهم كانوا يصلحون ذلك بتشريق اللحم وتقديده وذر الملح عليه بحيث ييبس ولا يحصل له نتن ورائحة خبيثة. قوله: [ (فما زلت أطعمه حتى قدمنا المدينة)]، هذا هو الذي يبين أنه كان مسافراً، وأنه كان يطعمه في الطريق حتى وصل المدينة؛ لأنه كان يصلح الطعام ويقدم الطعام، وكان يطعمه من هذا اللحم الذي هو لحم الشاة حتى قدم المدينة. فهذا يدل على أن المسافر له أن يضحي، وعلى أن الإنسان له أن يأكل من اللحم ويدخر؛ لأن هذا الذي أكله حتى قدم المدينة مدخر.

تراجم رجال إسناد حديث المسافر يضحي


قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن حماد بن خالد الخياط ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزاهرية ]. وهو حدير بن كريب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جبير بن نفير ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.

جمع الحاج بين الهدي والأضحية


يجوز للحاج أن يجمع بين الهدي والأضحية في مكة، لكن لا يجمع بينهما بذبيحة واحدة تكون هدياً وتكون أضحية، بل يذبح ذبيحتين، ذبيحة تكون هدياً وذبيحة تكون أضحية. والذي ينبغي لمن كان في مكة حيث تكثر اللحوم أن يتولى المرء ذلك بنفسه، ويوصل اللحم إلى من يستحقه، أو يعطيه للجهة التي تقوم بذلك، وأما أن يتساهل ويتهاون في إيصال اللحم إلى من يستحقه، فالأولى له أن تكون الأضحية في بلده؛ لأن بلده تكون الحاجة فيه إلى اللحم حاصلة، بخلاف مكة فإن اللحوم تكون كثيرة.

النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة



شرح حديث الإحسان في القتل والذبح


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: (خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا -قال غير مسلم يقول: فأحسنوا القتلة- وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) ]. أورد أبو داود [ باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة] الصبر معناه أنها تحبس للذبح، إما أن تحبس وتجاع حتى تموت، أو أنها تمسك وتتخذ غرضاً يعني هدفاً بحيث يتراماها الناس؛ لأن هذا فيه تعذيب للحيوان وإيذاء له وهو لا يجوز، بل المطلوب أن يحصل الرفق والإحسان في الذبح بحيث تكون الآلة التي يذبح بها حادة، ولهذا بين أنه يحد الشفرة ويريح الذبيحة ولا يعذبها ويعرضها للعذاب. أورد أبو داود حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه في ذلك. قوله: [ (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، الإحسان مطلوب في كل شيء، فمن قتل فليحسن القتل، ومن ذبح فليحسن الذبح، بمعنى أنه لا يعذب المقتول ولا يعذب الذبيحة، فالمقتول يراح في القتل، ولا يمثل به، ولا يعذب إلا إذا كان مستحقاً لذلك، كأن يكون الذي يقتل قتل بالتمثيل فإنه يمثل به، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، حيث سملهم وقطع أيديهم وأمر بإلقائهم في الرمضاء يستسقون فلا يسقون؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي، والقتل قصاصاً يمكن أن يكون مثل الهيئة التي حصل بها القتل. واليهودي الذي رض رأس امرأة بين حجرين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برأسه أن يرض بين حجرين، والمعنى أن يقتل كما قتل، وكذلك جاء ما يدل على جواز القتلة الشديدة في مثل الزاني المحصن فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت؛ لأن هذا جاءت الشريعة به. فيحسن القتل لمن يكون مستحقاً لذلك، أما من يكون مستحقاً لأن توقع به عقوبة شديدة جاءت الشريعة بتحديدها كالرجم في حق المحصن فإنه يفعل به ذلك، وهذا هو الحكم الذي شرعه الله عز وجل، ولا يأخذ الناس رأفة بالذي حصل منه ذلك الذنب الذي يستحق به هذه العقوبة، بل يطبق في حقه ما شرعه الله عز وجل. وقوله: [ (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) ]، هذا عام واسع، لكنه ذكر أمثلة لذلك فقال: [ (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)] بمعنى أنه يراح الذي يقتل بحيث لا يعذب ولا يؤذى وهو حي، وكذلك لا يمثل به بعد الموت إلا من يستحق التمثيل كما عرفنا. قوله: [ (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، ثم بين مما فيه إحسان الذبحة بأن يحد الإنسان الشفرة، وهي السكين التي يذبح بها، وذلك بأن يحدها بحديد، أو بحجر، أو بآلة تجعلها حادة، وتجعل الذبح بها مريحاً للذبيحة، ولا يذبحها بآلة كالة ثم يعذبها وهو يذبحها. وأيضاً لا يذبحها أمام أختها؛ لأن هذا تعذيب. وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا أورد النووي رحمه الله هذا الحديث ضمن الأربعين النووية؛ لأن أحاديث الأربعين النووية هي في الغالب من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد زاد ابن رجب الحنبلي رحمه الله عليها ثمانية أحاديث وكانت اثنين وأربعين، وإنما أطلق عليها أنها الأربعون تغليباً بحذف الكسر، و ابن رجب زاد ثمانية أحاديث فصارت خمسين حديثاً، وشرحها بشرح نفيس سماه ""جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم""، وهو كتاب آثار كما هو شأن الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه، فإن شروحه أو أجزاءه الحديثية هي مظنة الآثار عن السلف؛ لأنه ينقل نقولاً كثيرة عن السلف في الآثار المتعلقة بموضوع الحديث الذي يشرحه.

تراجم رجال إسناد حديث الإحسان في القتل والذبح


قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، لُقب بالحذاء ولم يكن يصنع الأحذية ولا يبيع الأحذية؛ لأن المتبادر إلى الذهن أن من يصنع الأحذية أو يبيعها يقال له (حذاء) مثلما يقال: السمان والزيات للذي يبيع السمن والزيت، وأمثال ذلك. فالحذاء المتبادر إلى الذهن أنه يصنع الأحذية أو يبيعها وهو ليس كذلك، وإنما كان يجلس عند الحذائين، فنسب هذه النسبة، وقيل: إنه كان يقول للحذاء وهو عنده: احذ على كذا، أي كان يعمل له رسماً ويقول له: احذ على كذا، أي اقطع أو قص الجلد على حذو هذا المقياس أو هذا النموذج، فقيل له: الحذاء، والعلماء يقولون عنها: هذه نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن. وهناك ألقاب لبعض المحدثين على غير ما يتبادر إلى الذهن مثل شخص يقال له: الضال وإنما قيل له الضال ؛ لأنه ضل في طريق مكة، وقد يتبادر إلى الذهن أنه من الضلال وأنه وصف مذموم. وكذلك الفقير يتبادر إلى الذهن أنه من الفقر، وإنما لقب بذلك؛ لأنه كان يشكو فقار ظهره فقيل له: الفقير، نسبة إلى فقار الظهر وليس إلى الفقر، فهذا من قبيل النسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن. وخالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأشعث ]. وهو شراحيل بن آدة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شداد بن أوس ]. شداد بن أوس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال غير مسلم يقول: (فأحسنوا القتلة) ]. أي أن مسلماً شيخ أبي داود لم يذكر لفظة [القتلة] وإنما ذكرها غيره.

الكتابة الشرعية والقدرية


قوله: [ (إن الله كتب) ]. أي: أوجب أو ألزم، هذا هو معنى الكتابة. والمقصود بها الكتابة الشرعية وليست الكتابة القدرية؛ لأن الكتابة تأتي بمعنى القدر وبمعنى الشرع، فهناك كتابة شرعية مثل الإرادة الشرعية، وكتابة قدرية مثل الإرادة القدرية، وهنا المقصود بها الكتابة الشرعية مثل قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة:180]، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فالمعنى: أوجب. والألفاظ التي تأتي لمعنى شرعي ولمعنى كوني كثيرة، منها: كتب، ومنها: أذن، ومنها: أمر، ومنها: قضى، ومنها: أراد، وهي ألفاظ عديدة عقد لها ابن القيم باباً في كتابه: شفاء العليل فيما جاء في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، والكتاب مؤلف من ثلاثين باباً كلها تتعلق بالقدر، وكان من جملة الأبواب باب في الألفاظ التي تأتي لمعنى كوني وتأتي لمعنى شرعي، وكان يمثل لكل نوع فيما يتعلق بالقدر وفيما يتعلق بالشرع.

شرح حديث النهي عن صبر البهائم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن هشام بن زيد قال: دخلت مع أنس رضي الله عنه على الحكم بن أيوب ، فرأى فتياناً أو غلماناً قد نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تصبر البهائم) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أنه رأى غلماناً قد نصبوا دجاجة يرمونها، ومعناه أنهم ربطوها وهي حية، وجعلوها هدفاً، كل يرميها حتى يصيب، وهذا لا يجوز لما فيه من تعذيب وإيذاء للحيوان. قوله: [ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم)، أي أن تحبس للموت، والمقصود بالصبر ما يشمل حبسها حتى تموت، ومثل هذه الهيئة التي ربطت فيها واتخذت غرضاً.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن صبر البهائم


قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، مر ذكره. [ عن هشام بن زيد ]. هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. والحديث من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن فيه أربعة بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
مشروعية الاستقبال عند الذبح

ورد في كتاب ""مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع"" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، قال: والسنة أن يذبح أو ينحر بيده إن تيسر له وإلا أناب عنه غيره، ويذبحها مستقبلاً بها القبلة. قال في الحاشية: فيه حديث مرفوع عن جابر عند أبي داود وغيره مخرج في الإرواء (1138)، وآخر عند البيهقي (9/285)، وروي عن ابن عمر أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح، وروى عبد الرزاق (8585) بإسناد صحيح عنه أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
الأسئلة



حكم تجاوز قرن المنازل دون إحرام

السؤال: جاء الحجاج إلى المدينة، ومروا على قرن المنازل، ولم يأتوا مكة إلا بعد ثمانية أيام فهل ميقاتهم قرن المنازل أم ذو الحليفة؟



الجواب: لعلهم جاءوا من طريق وادي فاطمة حتى دخلوا المدينة دون أن يدخلوا مكة، وعلى كل حال حتى لو جاءوا من قرن المنازل ودخلوا مكة ولم يكن في نيتهم أن يدخلوا معتمرين وإنما يدخلون مارين إلى المدينة ثم يحرموا من المدينة، فلا بأس بذلك، فلهم أن يجلسوا في المدينة ويحرموا منها ما دام أنهم تجاوزوا قرن المنازل ولم يحرموا، إنما المحذور لو أحرموا بعد تجاوز قرن المنازل، أما إذا تجاوزوه غير محرمين ودخلوا مكة على سبيل المرور متجهين إلى المدينة، ثم يحرمون من المدنية فلا بأس بذلك، ولا مانع منه.

ما يجب على من أحل من إحرامه قبل أداء النسك


السؤال: إذا كان الميقات من ذي الحليفة، فهل يفسخ إحرام من أحرم من قرن المنازل؟


الجواب: من أحرم يجب عليه أن يبقى على إحرامه، ولو جاء المدينة ولو ذهب إلى أي جهة، فما دام أنه دخل في النسك يجب عليه البقاء على الإحرام حتى يكمل النسك الذي دخل فيه، وليس له أن يترك إحرامه؛ لأنه سيذهب إلى المدينة وعليه إحرامه، ويستمر على إحرامه حتى يدخل مكة، ويطوف ويسعى ويقصر إذا كان إحرامه بالعمرة. ومن أحرم من قرن المنازل ثم أحل من إحرامه حتى يحرم من ذي الحليفة بعد العودة من المدينة إلى مكة، يجب عليه أن يرجع إلى إحرامه، وذلك بأن يخلع ثيابه ويرجع إلى إحرامه ويستمر عليه، لأنه من حين دخل في الإحرام تعين عليه البقاء فيه والاستمرار حتى ينهي النسك الذي دخل فيه، فإن كان محرماً بعمرة فإنه يبقى حتى يطوف ويسعى ويقصر، وإن كان محرماً بالحج فالأفضل في حقه أن يحول إحرامه إلى عمرة، وأن يكون متمتعاً بدلاً من أن يكون مفرداً أو قارناً، فإذا وصل إلى مكة وطاف وسعى وقصر تحلل من عمرته. فالحاصل أن من أحرم من الميقات ولم يدخل مكة وجاء للمدينة، فإنه يتعين عليه البقاء في إحرامه حتى يرجع إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ومن أخطأ وخلع إحرامه ولبس ثيابه، فإنه يتعين عليه أن يرجع إلى إحرامه؛ لأنه لا يزال محرماً. وإذا كان مع هذا الذي أحل من إحرامه زوجة وجامعها فالأمر في ذلك خطير وليس بالهين، فإذا كان محرماً بعمرة أكمل هذه العمرة الفاسدة وأتى بعمرة ثانية وذبح شاة.

اسم الله الأعظم

السؤال: ما هو اسم الله الأعظم؟


الجواب: فيه خلاف، قيل: إنه هو الله، وقيل: إنه الحي القيوم.

حكم التسمية للذبح بآلة تسجيل


السؤال: في إحدى الدول الأوروبية آلات للذبح مسجل فيها باسم الله، كلما مرت بها البهيمة تنطق هذه الآلة: باسم الله، والبهيمة تكون معلقة أرجلها إلى الأعلى ورأسها إلى الأسفل، فهل يجوز لنا أن نأكل من هذه الذبائح؟ وما نصيحتكم لهؤلاء الذين يفعلون ذلك للمنافسة فقط؟



الجواب: الأصل أن تصدر التسمية من الشخص، ولا تكون مجرد تسجيل، فهذا مثل الأذان بالتسجيل، وعلى كل فإنه يؤكل منها.

حكم ما ذبح بالسن أو العظم


السؤال: ما حكم الذبيحة التي ذبحت بالعظم أو السن؟ هل هي في حكم الميتة؟



الجواب: لا أدري هل النهي يقتضي حرمتها أو يقتضي التأثيم فقط.

حكم الأكل من أضحية المفاخرة


السؤال: ما حكم الأكل من أضحية العيد لرجل اشتراها ليفرح ابنه أو للمفاخرة مع الجيران؟


الجواب: كونه يذبح ذبيحة يفاخر بها جيرانه لا ينبغي، وعليه أن يخلص قصده لله عز وجل ولا يكون عنده رياء ولا يريد بذلك إلا وجه الله سبحانه وتعالى، ولا يريد أي مفاخرة في شاة يذبحها. أما إذا ذبحها ليفرحهم بأكل اللحم فلا بأس، وقد ذبح أبو بردة بن نيار أضحيته بقصد يشبه هذا.

حكم الأكل من الذبيحة لمناسبة بدعية

السؤال: هل يجوز أكل الذبيحة التي تقدم بمناسبة بدعية مثل المولد النبوي أو في العزاء؟

الجواب: يجوز أكل الذبائح التي تقدم في مناسبات بدعية، ومن كانت بدعته مكفرة لا تؤكل ذبيحته.


كتابة البسملة على السهم الذي يصطاد به


السؤال: هل تكفي كتابة: الله أكبر أو البسملة على السهم الذي يرمى به الصيد؟

الجواب: لا يكفي، ولابد من نطق الإنسان، وإلا لكتب الناس على هذه الآلات وتركوا التسمية!


حكم أكل ما قطع من الصيد وهو حي

السؤال: لو ند الصيد ولم يقدر عليه، فلحقه جماعة وأخذوا يضربونه بيده ورجله ويقطعون أجزاءه، هل يحل لهم أكل الجزء المقطوع؟



الجواب: (ما أبين من حي فهو ميت).

ضابط سيلان الدم في الصيد

السؤال: ماذا يقال في استعمال المسدس في الصيد؟ وماذا يقال في استعماله مكان الذبح، علماً بأن الدم قد يخرج قليلاً؟ وما ضابط سيلان الدم؟



الجواب: بالنسبة للصيد لا يحتاج فيه إلى كون الدم كثيراً أو قليلاً، المهم أن يصيده بمحدد وأن يخرج منه الدم، بل الكلب أو الصقر إذا حصل منه أنه جرحه بمخالبه وخرج منه الدم ولو كان يسيراً كفى، أما لو أمسكه وبرك عليه أو ضربه ضرباً بثقله ومات، فإنه يكون ميتة.

حكم الأكل من ذبيحة الوكيرة


السؤال: ما حكم من ذبح وذكر اسم الله ولكن لم تكن لله، إنما ذبح لأجل بناء بيت جديد أو غير ذلك؟


الجواب: إذا ذبح الإنسان من أجل بناء بيت جديد، وهو ما يسمونه الوكيرة لا بأس به، فهو لم يذبحه على أنه أضحية، أو على أنه صدقة، وإنما ذبحه بهذه المناسبة، ولا يقال: إنه ليس لله، لأن كل شيء لله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162]، لكن الذي دفعه إلى ذلك كونه بنى بيتاً وأراد أن يطعم الناس أو يدل الناس على بيته.
ذبائح أهل الكتاب


شرح حديث ابن عباس في حل ذبائح أهل الكتاب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ذبائح أهل الكتاب. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في ذبائح أهل الكتاب ] يعني حكمها وأنها حلال للمسلمين. وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، فكتاب اليهود التوراة، وكتاب النصارى الإنجيل، والتوراة أنزلت على موسى، والإنجيل أنزل على عيسى عليهم الصلاة والسلام، فهما كتابان من عند الله، وقد حصل التحريف والتبديل لهما بعد ذلك، وجاء في القرآن أنهم حرفوا وبدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً. فهؤلاء هم أهل الكتاب؛ وأهل الكتاب ذبائحهم حلال لنا كما أن نساءهم حلال لنا، فالمسلمون يأكلون ذبائحهم ويتزوجون نساءهم، ولا يجوز أن يتزوج أهل الكتاب من المسلمين. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس في قول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، قال: ثم نسخ ونزل وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، والطعام هو الذبائح، كما جاء ذلك مفسراً عن ابن عباس وغيره، وليس المقصود به غير الذبائح مثل البر وغير ذلك من الأطعمة؛ لأن هذه يمكن أن تأتي من أهل الكتاب وغير أهل الكتاب. فالطعام الذي أحل لنا من أهل الكتاب هو ذبائحهم، بخلاف الوثنيين وعباد الأوثان والمشركين فلا يجوز أكل ذبائحهم، وكذلك لا تحل نساء المشركين من غير أهل الكتاب. واليهود والنصارى كفار مشركون، ولكن كونهم ينتمون إلى كتاب ويتبعون رسولاً جعل لهم ميزة على غيرهم، وإن كان اتباعهم لرسولهم بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعهم شيئاً ولا يغنيهم شيئاً؛ لأن الواجب هو اتباع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بالذي جئت به، إلا كان من أصحاب النار). والحديث رواه مسلم في صحيحه. فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان: أمة دعوة وأمة إجابة، فأمة الدعوة كل أنسي وجني من حين بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأما أمة الإجابة فهم الذين دخلوا في الدين وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي استجابوا لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام. فاليهود والنصارى من أمة الدعوة وليسوا من أمة الإجابة إلا إذا دخلوا في الدين الحنيف وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، واستجابوا لشرع الله، وقاموا بالتعبد طبقاً لما جاء في شريعة الله عز وجل، ولهذا فإن الرسول الذي ينتمي إليه اليهود لو كان حياً ما وسعه إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)، والنبي الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه هو في السماء، ولكنه ينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام. وقول ابن عباس رضي الله عنه: [ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، ونسخ ذلك ] أي: فأحل أكل الذبائح وإن لم يعلم أنهم ذكروا اسم الله عليها، أي: فلا نقول: إننا لا نأكل إلا إذا عرفنا أنهم ذكروا اسم الله، أما إن عرفنا أنهم ذكروا اسم غير الله على الذبيحة فلا يجوز الأكل منها، فإذا لم نعلم فإن الأصل أنها حل لنا، ولا يتوقف أكلنا من ذبائحهم على معرفة هل ذكروا الله أم لا، بل نأكل ونسمي، ولا يلزمنا أن نبحث هل ذكروا الله أو لا.


ابوالوليد المسلم 04-05-2025 11:45 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في حل ذبائح أهل الكتاب

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن علي بن حسين ]. علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح أثر ابن عباس في تفسير إيحاء الشياطين إلى أوليائهم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [الأنعام:121]، يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه، فأنزل الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ]. أورد أبو داود أثراً عن ابن عباس في قوله: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [الأنعام:121]، أراد بذلك تفسير هذه الآية، وأن الشياطين من الإنس والجن توحي إلى أوليائهم من الإنس، ومما قالوه من الإيحاء: إن ما ذبحه الله عز وجل هو الميتة فلا تأكلوها، وما ذبحتموه أنتم فكلوه! فيطلقون على الميتة أنها ذبيحة الله، فهذا من وحي الشياطين إلى إخوانهم من شياطين الإنس. قوله: [ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121] ] معناه أنهم يقولون: قولوا لهم: إنكم تأكلون ما تذبحونه ولا تأكلون ما ذبحه الله. قوله: [ فأنزل الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ]، يعني إن الميتة هي ما لم يذكر اسم الله عليه، وهذا غير التي لم تذبح فصارت بذلك نجسة لا يجوز الأكل منها إلا للضرورة التي يدفع بها الموت، ويؤكل بقدر الضرورة ولا يزاد على ما فيه إنقاذ النفس. فالميتة لم يذكر اسم الله عليها، وأيضاً هي نجسة وفيها ضرر، فاجتمع فيها عدة محاذير. والحاصل أن هذا فيه تفسير لإيحاء الشياطين إلى إخوانهم.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في تفسير إيحاء الشياطين إلى أوليائهم

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. وهو ابن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهما. وهذا من رواية سماك عن عكرمة وروايته عنه مضطربة لكن له شواهد.

علاقة أثر ابن عباس في تفسير إيحاء الشياطين بذبائح أهل الكتاب


هذا الأثر جاء في هذا الباب تبعاً وإلا فلا تعلق له بذبائح أهل الكتاب، وقد أورد المصنف بعده أثراً فيه ذكر اليهود وهم من أهل الكتاب، ولكن ذكر اليهود فيه غير صحيح؛ لأن الآية مكية واليهود ما حصلت المخاصمة معهم والاتصال بهم إلا في المدينة، فهي تتعلق بالمشركين ولا تتعلق باليهود.

شرح حديث ابن عباس في تفسير النهي عن أكل ما لم يذكر عليه اسم الله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله؛ فأنزل الله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] إلى آخر الآية) ]. أورد المصنف هذا الأثر وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر اليهود، وقد قدمنا أن السورة مكية، وأن الآية نزلت بمكة فهي تتعلق بالمشركين كما جاء في الأثر السابق، فذكر اليهود هنا منكر ليس بصحيح، وإن كان معنى الحديث دون ذكر اليهود متفقاً مع الروايات الأخرى، فيكون الغلط إنما هو في ذكر اليهود، وأما الباقي فلا غلط فيه؛ لأنه متفق مع النصوص الأخرى ومتفق مع ظاهر القرآن، وهو أن الكلام عن المشركين؛ لأن السورة مكية والخطاب للمسلمين، والخصومة إنما كانت بين المسلمين والكفار من المشركين، وأما اليهود فإنما كان الاتصال بهم بعد الهجرة، ونزول سورة الأنعام إنما كان بمكة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تفسير النهي عن أكل ما لم يذكر عليه اسم الله


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي، وقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن عمران بن عيينة ]. وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، والذين سمعوا منه قبل الاختلاط ليس فيهم عمران بن عيينة ، فيكون الحديث غير صحيح من ناحية ما جاء فيه من ذكر اليهود على سبيل الخصوص، وأما ما يتعلق بموضوعه فهو متفق مع النصوص الأخرى الدالة على إيحاء الشياطين من الجن والإنس إلى إخوانهم شياطين الإنس بحيث يحاجون المسلمين ويقولون: كيف يحل لكم ما قتلتموه، ولا يحل لكم ما قتله الله، أي الميتة؟ [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره.

الأسئلة



حكم أكل ما قتل بالكهرباء أو الضرب


السؤال: نحن نعيش مع اليهود والنصارى في أوروبا، ونشاهد أن البهائم تقتل بواسطة الكهرباء أو بالضرب بالعصا على رأس البهيمة حتى تموت، فبعد أن علمنا صفة قتلهم، هل يشرع لنا أكل ذبائحهم؟



الجواب: الجهة التي رأيتموها تقتل البهائم بهذه الطريقة، وهي أنهم يضربونها أو يصعقونها ولا يذبحونها فإن ذبائحها تكون ميتة، لكن إذا كانوا يصعقونها بمعنى أنها تخدر حتى يذهب الهيجان والقوة التي فيها ولكنها تبقى على قيد الحياة ثم تذبح، فلا بأس بذلك، أما إذا كان صعقها أو ضربها يحصل به موتها، فإنها تكون ميتة ولا يحل أكلها حتى لو حصلت من مسلم فضلاً عن يهودي ونصراني، فالجهة التي عرفتم منها هذا العمل لا يجوز أن يؤكل منها.

حكم أكل اللحم المستورد


السؤال: إذا كان المعهود الآن من اليهود والنصارى أنهم يقتلون البهائم بالكهرباء، فهل يجوز أكل المستوردات اللحمية؟



الجواب: إذا كانوا يصعقونها ولا يذبحونها فهي ميتة، لكن ما كل جهة تفعل ذلك، فالجهة التي تفعل هذا لا يجوز أكل ذبائحها، وأما إذا جهل ذلك ولم تعرف كيفية ذبحها، فإنه يحل، لأن الأصل هو الحل حتى يأتي شيء يدل على خلاف الحل، بأن يعلم بأنهم ذبحوا بهذه الطريقة. وقد يقال: هذا من المشتبهات التي يتورع عنها الإنسان؟ ونقول: مر بنا في الحديث: (ما كرهته فدعه ولا تحرمه على غيرك)، فالأصل هو الحل، وما علم ذبحه بالطريقة الشرعية مقدم على ما جهلت طريقة ذبحه.
ما جاء في أكل معاقرة الأعراب



شرح حديث النهي عن أكل معاقرة الأعراب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن معاقرة الأعراب). قال أبو داود : اسم أبي ريحانة : عبد الله بن مطر و غندر أوقفه على ابن عباس ]. أورد أبو داود [ باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب ] والمعاقرة مفاعلة من العقر وهو الذبح والنحر، والمقصود بالمعاقرة المغالبة في العقر، أي أنهم يتبارون ويتغالبون كل واحد يريد أن يكون متفوقاً على غيره بكثرة الذبح. فالمقصود بالمعاقرة المغالبة والمسابقة والمنافسة في كثرة الذبح، وكان هذا ينبني على عصبية وعلى مغالبة، وكل واحد يريد أن يكون هو الذي فاق غيره في العقر، أي في كثرة الذبائح، هذا هو المقصود من هذه الترجمة. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: [ (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب) ] يعني عن الذبائح التي جاءت بهذه الطريقة، لأنها ذبحت لغير الله أو كأنها مما أهل به لغير الله؛ لأنه ما كان المقصود منها إلا المغالبة والمنافسة، والتفوق على الغير، وهذا هو المقصود من الحديث وهو المقصود من الترجمة. قوله: [ و غندر أوقفه على ابن عباس ]. غندر هو محمد بن جعفر ، وهو لم يذكر في الإسناد، ولكنه أشار إلى أنه في طريق أخرى أوقفه على ابن عباس ، وهذا الإسناد الذي أورده أبو داود هنا مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن أكل معاقرة الأعراب


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن حماد بن مسعدة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف ]. عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ريحانة ]. وهو عبد الله بن مطر ، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره.
الذبيحة بالمروة


شرح حديث: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الذبيحة بالمروة. حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن أبيه عن جده رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدى، أفنذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرن أو أعجل، ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. وتقدم به سرعان من الناس فتعجلوا فأصابوا من الغنائم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الناس، فنصبوا قدوراً، فمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقدور فأمر بها فأكفئت، وقسم بينهم فعدل بعيراً بعشر شياة، وند بعير من إبل القوم، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به مثل هذا) ]. أورد أبو داود باباً في الذبيحة في المروة يعني أن الذبيحة تذبح بالمروة، والمروة هي حجارة بيضاء ملساء يكون لها حد فيذبح بها، فالمقصود بالمروة: الحجارة الملساء التي تكسر فيكون لها حد، أو تكون من أصلها فيها حد بحيث إنها تمر على حلق الذبيحة فتقطعها. وأورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: [ (إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدى) ] أي ليس معنا سكاكين، فالمدى جمع مدية وهي السكين، أي: ليس معنا مدى نذبح بها، فإذا غنمنا شيئاً وأردنا أن نذبحه هل نذبحه بالمروة وشقة العصا؟ يعني العصا التي شقت فصار لها حد. وقوله: [ (هل نذبح بالمروة) ] هو محل الشاهد للترجمة. والحجارة الملساء قيل: إنها هي التي تقدح بها النار، فهذا النوع من الحجارة إذا ضرب واحد منها بالثاني حصل قدح نار فيجعلون خرقة أو نحوها عند القدح فيشعلون النار بسبب ذلك. ولما قال: [ (فهل نذبح بالمروة وشقة العصا؟) ] أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فقال: [ (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ]، أي كل شيء يريق الدم، سواء كان حجراً أو كان عصا أو خشباً حاداً، وليس الأمر مقصوراً على الحديد. واستثنى من ذلك السن والظفر، وعلل ذلك بأن السن عظم؛ فدل على أن العظام لا يذبح بها، ولعل السبب في ذلك كما قال أهل العلم: إنها طعام الجن؛ وقد جاء أنه لا يستنجى بعظم ولا بروث؛ لأن العظام طعام الجن؛ لأن الله يجعل عليها لحماً فيأكلون منها، والروث علف لدوابهم، فلا يذبح بها؛ لأنها إذا ذبحت لوثت بالدم وهي طعام الجن، فلعل هذا هو السبب الذي من أجله منع الذبح بالعظم. وكذلك الظفر قال: [ (إنه مدى الحبشة) ] وفي ذلك تشبه بالكفار؛ لأنهم يطيلون الأظفار، ويتخذونها للذبح، وذلك لا يجوز. وقوله: [ (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل؛ ليس السن والظفر) ]، ذكرنا أنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال بيانه وفصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام، وهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإنه سئل عن شيء محدد معين فأجاب بما يشمله ويشمل غيره بهذا اللفظ العام. قوله: [ (وتقدم به سرعان من الناس فتعجلوا فأصابوا من الغنائم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الناس، فنصبوا قدوراً، فمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقدور فأمر بها فأكفئت) ]. أي: تقدم سرعان من الناس فأصابوا غنائم وبادروا إلى ذبحها وطبخها، وهذا لا يحل لهم؛ لأن الغنائم تمسك ويحتفظ بها حتى تقسم ويعرف كل نصيبه، فهؤلاء أقدموا على شيء لا يجوز لهم الإقدام عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكفأ القدور ومنعهم من استعمالها عقوبة لهم. قوله: [ (وقسم بينهم، فعدل بعيراً بعشر شياه) ]. أي: وقسم بينهم الغنائم، وكانت إبلاً وغنماً، فكان يجعل العشر الشياه تعادل بعيراً، ولعل ذلك لكون الشياه فيها نقص أو فيها ضعف، والإبل كانت قوية وكانت سمينة، ومعلوم أن هذه حقوق وقسمة وليست من قبيل الضحايا، ففي الضحايا تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، ولا ينظر لكون الغنم سمينة والبقر ليست كذلك أو العكس، وإنما هذا يجزئ عن كذا وهذا يجزئ عن كذا بصرف النظر عن مقارنة هذا بهذا، لكن قسمة الحقوق لابد فيها من العدل، فكان البعير الواحد يعدل عشراً من الغنم. قوله: [ (وند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به مثل هذا) ]. ند بعير: شرد وهرب، ولم يكن معهم خيل: أي خيل قوية يلحق بها البعير بحيث يمسك. قوله: (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الصيد فما فعل منها هكذا فافعلوا به هكذا) يعني: إذا هرب ولم تتمكنوا من إمساكه وذبحه ذبحاً شرعياً فعاملوه معاملة الصيد، والصيد كما هو معلوم إذا رمي وأصابه السهم حتى خرج منه الدم فإن ذبحه وتذكيته تكون بذلك، فلو أنه وقع وأدرك وفيه حياة قطعت رقبته، وإن مات قبل أن يوصل إليه فإنه يكون حلالاً؛ وهذا يفعل به هكذا حيث لا يقدر عليه، أما إذا قدر عليه فإنه يذبح بأن ينحر في لبته أو يذبح إذا كان مما يذبح، والذبح يكون في الحلق بين الرقبة والرأس، والنحر يكون في اللبة التي في أسفل الرقبة عند ملتقى اليدين للبعير. قوله: في أوله: [ (أرن أو أعجل) ] معناه أنه يسرع في الذبح ويكون فيه خفة، فأرن معناه: من الخفة، وأعجل: أسرع بذبحه حتى يحصل إراقة دمه وخروج روحه بسهولة من غير تعذيب.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن مسروق ]. وهو والد سفيان الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباية بن رفاعة ]. عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. رفاعة بن رافع ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن رافع بن خديج ] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ذبح الأرنب بمروة


قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد أن عبد الواحد بن زياد و حماداً حدثاهم المعنى واحد، عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد رضي الله عنه قال: (أصدت أرنبين فذبحتهما بمروة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهما، فأمرني بأكلهما) ]. أورد أبو داود حديث محمد بن صفوان رضي الله تعالى عنه أنه اصطاد أرنبين قال: [ (أصدت أرنبين) ]، أي: اصطدت أرنبين. قوله: [ (فذبحتهما بمروة) ] أي: بحجر أملس له حد يقطع، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: [ (كلهما) ] فدل ذلك على أن الذبح بالحجارة التي لها حد أو بغير ذلك مما لم يكن عظماً ولا ظفراً سائغ ولا بأس به.

تراجم رجال إسناد حديث ذبح الأرنب بمروة


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الواحد بن زياد ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حماد ]. حماد بن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء مسدد يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وهذا بخلاف حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل الذي يمر بنا كثيراً، فالمراد به حماد بن سلمة ؛ لأن التمييز بين المهملات يكون بالتلاميذ، فمسدد يروي عن حماد بن زيد و موسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة ، فلهذا يأتي إهمال النسبة اعتماداً على أنه هو الذي عرف أنه من شيوخه. [ حدثاهم المعنى واحد ]. يعني أن رواية حماد و عبد الواحد معناهما واحد. وقوله: [ حدثاهم ] . يعني: هم ومعهم غيرهم. [ عن عاصم ]. عاصم بن سليمان الأحول ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد ]. مختلف فيه هل هو محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد ، والأشهر أنه محمد بن صفوان ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
شرح حديث نحر اللقحة بالوتد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني حارثة: (أنه كان يرعى لقحة بشعب من شعاب أحد، فأخذها الموت فلم يجد شيئاً ينحرها به، فأخذ وتداً فوجأ به في لبتها حتى أهريق دمها، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، فأمره بأكلها) ]. أورد أبو داود حديث رجل من بني حارثة رضي الله عنه أنه كان يرعى لقحة، وهي حديثة العهد بالولادة، فجاءها الموت وليس معه سكين، فأخذ وتداً أي من الخشب يكون طرفه محدداً، فوجأ به في لبتها حتى أهرق دمها ونحرها بذلك الوتد من الخشب، وجاء وسأل النبي عليه الصلاة والسلام فأمره بأكلها، وهذا مثل محمد بن صفوان الذي مر أنه جاء وقد ذبح الأرنبين بمروة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما، فدل على أن الذبح بكل شيء محدد يحصل به الذبح صحيح ما لم يكن سناً أو ظفراً، كما جاء ذلك مبيناً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أورده أبو داود رحمه الله في أول هذا الباب.

تراجم رجال إسناد حديث نحر اللقحة بالوتد


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعقوب ]. يعقوب بن عبد الرحمن القاري الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن زيد بن أسلم ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من بني حارثة ]. هو صحابي، والمجهول في الصحابة في حكم المعلوم؛ لأن الجهالة فيهم لا تؤثر، وإنما تؤثر فيمن سواهم ومن دونهم من التابعين ومن دون التابعين، وأما الصحابة فإنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم.
شرح حديث عدي بن حاتم في جواز الذبح بالحجر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! أرأيت إن أحدنا أصاب صيداً وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: أمر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: [ (إن أحدنا يكون معه الصيد وليس معه سكين، أيذبحه بالمروة وشقة العصا) ] المروة هي الحجر التي لها حد، وشقة العصا يعني بها التي يكون لها حد، وقد سبق في الحديثين السابقين: حديث محمد بن صفوان الذبح بالمروة، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وأجابه بأن يأكلها، وفي الثاني ذكر الوتد وهو من الخشب، وأن رجلاً من بني حارثة نحر اللقحة به واستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يأكلها، وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه أن الواحد يكون في الصيد فلا يكون معه سكين، أينحر بالمروة وشقة العصا؟ فقال: (أمر الدم بما شئت). قوله: [ (أمر الدم) ] يعني: أسل الدم، ولكن هذا الإطلاق مقيد بما تقدم من الحديث، وهو أنه لا يكون في ذلك عظم ولا يكون في ذلك ظفر، فيكون هذا الإطلاق مقيداً بما مضى من أن الذبح بالعظم لا يسوغ وكذلك الذبح بالظفر.

تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم في جواز الذبح بالحجر


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مري بن قطري ]. وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عدي بن حاتم ]. عدي بن حاتم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."




ابوالوليد المسلم 04-05-2025 11:54 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الاضحية
شرح سنن أبي داود [333]
الحلقة (365)





شرح سنن أبي داود [333]

يجوز للمكلف تذكية البهيمة بما قدر عليه من محدد ليس عظماً ولا ظفراً، فإذا لم يقدر على ذبحها من عنقها أو نحرها من لبتها جاز له تذكيتها بإراقة دمها ولو من فخذها، وما لم يتحقق المسلم من التسمية عند ذبحه فهو مباح، وقد حث الشرع على إراحة الذبيحة فنهى عن شريطة الشيطان، وجعل ذكاة الجنين ذكاة أمه، وكان قد أباح العتيرة والفرع في أول الإسلام ثم نسخ ذلك.

ذبيحة المتردية


شرح حديث ذبيحة المتردية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في ذبيحة المتردية. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا من اللبة أو الحلق؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك). قال أبو داود : هذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في ذبيحة المتردية، أي كيف تذبح المتردية؟ والمتردية هي التي سقطت في بئر ولم يوصل إلى حلقها أو لبتها التي في أصل العنق، ولو تركت لماتت، فإنه يجوز أن يطعن في فخذها وفي الشيء البارز منها، ويكون ذلك تذكية، وهذا مثل الصيد فإنه يرمى بالسهم فيصيبه في أي مكان منه فيسيل دمه فيكون حلالاً بذلك. وسبق أن مر الحديث الأول في باب الذبح بالمروة، أنه ند بعير ولم يكن هناك خيل فرماه أحدهم بسهم فحبسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك وقال: (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هكذا فافعلوا به هكذا) أي: ما شرد وهرب ولم تستطيعوا إمساكه بحيث تذبحونه من حلقه أو لبته، فإنه يرمى بسهم، فإذا سقط فإنه يكون حكمه حكم الصيد، وشأنه شأن الصيد الذي لا يقدر على ذبحه إلا بهذه الطريقة، لكنه إذا وقع وأدرك وفيه حياة تعين ذبحه؛ أما ما رمي وخرجت روحه بهذه الإصابة التي حصلت في فخذه أو في أي مكان منه وسال الدم، فإنه يكون حلالاً بذلك إلحاقاً له بالصيد، وقد ورد النص فيه كما ورد في الصيد، وذلك في الحديث الذي مر، والمتردية كذلك؛ لأنها مثل الذي ند حيث لا يمكن الوصول إليها بحيث تذبح الذبح المشروع، فإنها تضرب في فخذها أو في أي مكان منها وتكون مثل الصيد، وتكون مثل الذي ند. والإمام أبو داود رحمه الله أورد حديث أبي العشراء أسامة بن مالك وأنه سأل: [ (أما تكون الذكاة إلا من اللبة أو الحلق؟) ]، أي هل تكون الذكاة مقصورة على الذبح في هذين المكانين، وهو الحلق الذي يفصل الرأس من الرقبة، واللبة التي في أصل الرقبة عند ملتقى الرقبة باليدين، والتي يكون بها النحر للإبل. فالإبل تنحر في لبتها، والبقر والغنم تذبح في حلقها، ويجوز نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، أي يجوز أن البعير يذبح من حلقه، ويجوز أن تنحر البقرة من لبتها التي هي عند ملتقى الرقبة مع اليدين، ولكن الأصل أن النحر يكون للإبل وأن البقر والغنم لها الذبح. قوله: [ (لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك) ] ، هذا إنما يحمل على ما إذا كان للضرورة كالمتردية والأوابد التي لا يوصل إلى حلقها، ومعناه أنه في الاختيار وفي حال القدرة لا يجوز إلا الذبح من الحلق أو اللبة، ولكن عند الضرورة بأن تتردى بهيمة في بئر ويكون رأسها في الأسفل ومؤخرها هو الأعلى والبئر ضيقة، ولا يستطاع الوصول إلى حلقها لتذبح ذبحاً شرعياً؛ يطعن في فخذها ويكون ذبحها وتذكيتها بذلك، وعلى هذا قال أبو داود : [ وهذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش ]، والمتردية ما سقط في بئر أو سقط من جبل ونحوه، والمقصود بها هنا التي لا يمكن الوصول إلى حلقها كما مر. والمتوحش هو الصيد أو البهيمة التي ندت كما سبق أن مر في الحديث، وعلى هذا فالذي جاء في الحديث من الإطلاق وأن الذبح يكون باللبة وبالحلق ويكون بأن يطعن في أي مكان من الجسد، إنما يكون في حال الضرورة، وأما في حال الاختيار والسعة والقدرة فلابد من الذبح. والحديث في إسناده رجل مجهول وهو أبو العشراء فهو غير ثابت، ولكن ما ذكره أبو داود من أن ذلك لا يصلح إلا في المتردية وفي المتوحش صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث ذبيحة المتردية


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء ]. حماد بن سلمة مر ذكره. وأبو العشراء هو أسامة بن مالك وهو مجهول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه صحابي، أخرج له أصحاب السنن. والإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، ولكن في إسناده من هو مجهول فلا يصح، وعلى هذا فلا يعول على ما فيه من جواز الذبح بأي مكان غير الحلق واللبة، وإنما يحمل ما فيه على المتوحش والمتردية، وليس ذلك بناءً على هذا الحديث، ولكن على ما جاء في الصيد وفي البعير الذي ند ورمي بسهم، وتكون تذكيته أو حله بإصابته وجرحه، ولكن الحكم مثل الصيد لو أنه رمي بحجر فأصاب الحجر مقتلاً منه وسقط فإنه يكون ميتة إذا لم يدرك؛ كما أن الصيد لو رمي بالمعراض ومات بسبب الثقل وليس بسبب الحد، فإنه لا يحل لأنه يكون وقيذة، أما إذا أصابه الحد وسال منه الدم فهذا هو الذي يحل.
المبالغة في الذبح


شرح حديث المبالغة في الذبح


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المبالغة في الذبح. حدثنا هناد بن السري و الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك عن ابن المبارك عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما -زاد ابن عيسى : و أبي هريرة رضي الله عنه- أنهما قالا: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شريطة الشيطان)، زاد ابن عيسى في حديثه: وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت ]. أورد أبو داود باب المبالغة في الذبح، يعني أن الذبح يكون بقطع الحلقوم والأوداج والمريء بحيث يخرج الدم المنحبس من العروق، هذا هو المقصود بالمبالغة في الذبح، وهو المطلوب، وما ورد في الحديث ليس فيه مبالغة، فهو منهي عنه. وأورد أبو داود حديث ابن عباس و أبي هريرة رضي الله عنهما: [ (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان) ]، وشريطة الشيطان هي التي يحز جلدها ثم تترك حتى تموت، وأضيفت إلى الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي يأمر بذلك حتى يفسدها على الناس، فلابد من قطع الحلقوم والأوداج والعروق المحيطة بالرقبة التي يسيل منها الدم، وذلك حتى يخرج الدم المنحبس ويسيل فتحل بذلك. وسمِّيت شريطة من الشرط وهو الشق بالمشرط. قوله: [ ولا تفرى الأوداج ] هي العروق التي تحيط بالرقبة، ولو ذبح حتى فصل الرقبة فهو خلاف الأولى، لأن الأحسن أن يقطع الحلقوم والأوداج ثم يتركها حتى تبرد، ثم يفصل الرقبة إن شاء. والحديث ضعفه الألباني بسبب رجل في إسناده هو عمرو بن عبد الله الصنعاني ، وهو صدوق في حديثه لين.

تراجم رجال إسناد حديث المبالغة في الذبح


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ و الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك ]. الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة إمام فقيه جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن عبد الله ]. عمرو بن عبد الله الصنعاني ، وهو صدوق في حديثه لين، أخرج حديثه أبو داود . [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [زاد ابن عيسى : وأبي هريرة ]. ابن عيسى هو شيخ أبي داود الثاني وقد زاد أبا هريرة ، أي أن الحسن بن عيسى رواه عن صحابيين: ابن عباس و أبي هريرة ، وأما الشيخ الأول لأبي داود وهو هناد بن السري فرواه عن صحابي واحد وهو ابن عباس . و أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

ماجاء في ذكاة الجنين



شرح حديث أبي سعيد في ذكاة الجنين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في ذكاة الجنين. حدثنا القعنبي حدثنا ابن المبارك ح وحدثنا مسدد حدثنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجنين فقال: (كلوه إن شئتم، وقال مسدد : قلنا: يا رسول الله! ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال: كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه) ]. أورد أبو داود باب ذكاة الجنين، وهو الذي يكون في البطن، وقيل له: الجنين؛ لأنه استتر في البطن. والجنين ذكاته ذكاة أمه، أي: إذا ذكيت الشاة وبعدما تركوها حتى بردت سلخوها فوجدوا في بطنها جنيناً، فلا يحتاج إلى أن يذبح ولا يتعين ذبحه، نعم إن وجدوه وفيه حياة ذبحوه، وأما إن وجدوه ميتاً فإنه حلال؛ لأن ذكاة الجنين ذكاة أمه، وذلك أن البهيمة إذا ذكيت فإن التذكية تسري على جميع أجزائها، وهو من أجزائها؛ لكن إن أدرك وفيه حياة مستقرة تعين ذبحه ولا يترك حتى يموت. قوله: [ عن أبي سعيد قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين؟ فقال: كلوه إن شئتم) معناه أن أكله سائغ وأنه لا بأس به، وهذه الرواية لم تتعرض لقضية الذكاة. قوله: [ وقال مسدد : (قلنا: يا رسول الله! ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين) ]. الرواية السابقة عن القعنبي ليس فيها ذكر الذبح، وأما رواية مسدد عن أبي سعيد فإنها ذكرت ذلك. وقد عبر بالذبح والنحر فقال: (ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة)، لأن النحر يكون للإبل والذبح يكون للغنم والبقر، وكما قلت: يجوز نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، لكن الإبل الأصل فيها النحر ويجوز ذبحها، والغنم والبقر الأصل فيها الذبح ويجوز نحرها. قوله: [ (فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟) ] أي: فنجد في بطنها الجنين وقد مات. قوله: [ (كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه)] أي أن ذكاة أمه كافية عن ذكاته، فلا يقال: إنه مات ولم يذك وإنه يكون ميتة؛ لأن ذكاة الأم ذكاة لجميع أجزائها، وتحل جميع أجزائها بتذكيتها، والجنين من أجزائها، فهو كفخذها أو رجلها أو أي جزء من أجزائها، ولذلك فذكاته ذكاة أمه. وقد ذهب جمهور العلماء إلى مقتضى هذا الحديث، وقال بعض أهل العلم: إن المقصود بقوله: [ (إن ذكاة الجنين ذكاة أمه) ] أنه يذكى كذكاة أمه، أي: يجب أن يذبح كما تذبح أمه. وهذا غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه)، فعلل إباحته وحله بأن ذبح ذكاة أمه تعتبر ذكاة له، وليس معنى الحديث أنه يذكى كما تذكى أمه؛ لأنهم ما سألوه: كيف يذكى الجنين؟ وإنما سألوه هل يؤكل الجنين أو لا يؤكل؟ فقالوا: [ (نذبح الشاة فنجد في بطنها الجنين هل نأكله أو نلقيه؟ قال: كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه) ]، وهذا تعليل للإذن.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في ذكاة الجنين


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا ابن المبارك ح وحدثنا مسدد ]. ابن المبارك مر ذكره، والحاء للتحول من إسناد إلى إسناد، و مسدد بن مسرهد مر ذكره. [ حدثنا هشيم ]. هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد ]. مجالد بن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الوداك ]. هو جبر بن نوف الهمداني صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. وهو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته وبنسبته وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد فيه مجالد ولكن له شواهد.



ابوالوليد المسلم 04-05-2025 11:54 PM

رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث جابر في ذكاة الجنين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه حدثنا عتاب بن بشير حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ذكاة الجنين ذكاة أمه) ] أي: أنه لا يحتاج إلى أن يذكى إذا وجد ميتاً، ولكن إن وجد حياً أو به حياة فإنه يذكى، وذلك مثل الصيد إذا أصيب بسهم، فإن مات بالإصابة فهو حلال، وإن أدرك وفيه حياة تعين ذبحه وإلا حرم، فهذا من جنسه: إن وجدت فيه حياة ذبح، وإن وجد ميتاً فذكاته ذكاة أمه ويحل أكله ولا يحتاج إلى أن يذبح.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في ذكاة الجنين


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ]. وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عتاب بن بشير ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي ]. وهو ليس بالقوي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي الزبير ]. محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ] جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأسئلة



حكم ذبح البهيمة الحامل

السؤال: إذا كنا نعلم أن البهيمة حامل، فهل يجوز لنا أن نذبحها؟



الجواب: يجوز ذبحها، ولكن ذبح الحائل أولى من ذبحها حتى يحصل النسل ويحصل الدر.

حكم أكل الجنين

السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين: (كلوه إن شئتم)، هل يدل على كراهة أكله؟



الجواب: الحديث لا يدل على الكراهة، ولكنه مثل قوله في الوضوء من أكل لحم الغنم: (توضئوا إن شئتم)، وقال في الإبل: (توضئوا). وإذا كان بعض الناس إذا ذبحوا البهيمة ووجدوا فيها الجنين لا تطيب أنفسهم بأكله، يقال لهم: (ما كرهته فدعه، ولا تحرمه على غيرك)، وهذه قاعدة. ومن ذلك أن بعض الناس لا يأكل الضب، لكنه ليس بحرام، فيقال: (ما كرهته فدعه، ولا تحرمه على غيرك).

حكم ترك التسمية على الذبيحة

السؤال: هل يجوز ترك التسمية على الذبيحة سهواً أو عمداً؟



الجواب: ترك التسمية على الذبيحة رخص فيه بعض أهل العلم سواء كان الترك عمداً أو سهواً، ومن العلماء من رخص فيها إذا تركت سهواً دون العمد، ومن العلماء من منع ذلك سهواً أو عمداً. والذي يظهر أن السهو ليس فيه إشكال، وإذا تركت عمداً فإن كثيراً من العلماء قالوا بأنها تحل، ولكن جاءت نصوص تحث على ذكر اسم الله، فالذي تدل عليه النصوص أن الذي يتسامح فيه هو السهو والنسيان، سواءً في الذبيحة أو الصيد.
ما جاء في أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا



شرح حديث أكل اللحم لا يدرى ذكر اسم الله عليه أم لا


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ، ح وحدثنا القعنبي عن مالك ، ح وحدثنا يوسف بن موسى حدثنا سليمان بن حيان و محاضر المعنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، ولم يذكرا عن حماد و مالك عن عائشة ، أنهم قالوا: (يا رسول الله! إن قوماً حديثو عهد بالجاهلية، يأتون بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا؛ أفنأكل منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سموا الله وكلوا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا. أي: لا يدرى أذكر اسم الله عليه عند الذبح أم لا، والمقصود من هذه الترجمة أنه لا يسأل ولا يتشدد في معرفة هل سمي الله على الذبيحة عند الذبح أو لا، بل يجوز الأكل منها إذا جهل هل التسمية حصلت أو ما حصلت؟ فالأصل أن تؤكل الذبيحة ولا يترك أكلها نتيجة لكون المرء لم يتحقق أنه ذكر اسم الله عليها. قوله: [ (إن أناساً يأتوننا بلحوم وهم حديثو عهد بالجاهلية) ] يعني أنهم قد أسلموا، ولكن إسلامهم حديث وعهدهم بالجاهلية قريب. قوله: [ (يأتوننا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لا) ] أي: فقد كانوا في الجاهلية لا يذكرون، فربما أنهم لا زالوا كحالتهم في الجاهلية. قوله: [ (سموا الله وكلوا) ]، يدل على أنه لا يلزم السؤال أو أن الإنسان لا يسأل هل ذكر اسم الله أو لم يذكر؟ ولو فتح هذا الباب فيمكن أن يسأل: هل الذابح ممن يحل ذبحه أو لا؟ وهل ذبح بآلة يصح الذبح بها أو لا؟ فتأتي أسئلة لا حاجة إليها، والأصل هو السلامة، ولا يصار إلى التشدد والإتيان بأسئلة لا حاجة إليها، ولهذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بالجواب الفصل في ذلك، وهو أنهم يأكلون هم ويسمون عند أكلهم، وليست التسمية عند الأكل بدلاً من التي لم يتحقق حصولها عند الذبح؛ لأن الحكم بين بأنه سائغ أن يؤكل، ثم حث على التسمية، كما هو الشأن في أن الآكل تستحب له التسمية.
تراجم رجال إسناد حديث أكل اللحم لا يدرى ذكر اسم الله عليه أم لا

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ، ح وحدثنا القعنبي عن مالك ]. موسى بن إسماعيل و حماد و القعنبي مر ذكرهم و مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا يوسف بن موسى ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن حيان ]. وهو أبو خالد الأحمر وهو بالباء وبالياء، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محاضر ]. محاضر بن المورع ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ المعنى عن هشام بن عروة ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن عائشة ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ولم يذكرا عن حماد و مالك عن عائشة ]. يعني أن موسى بن إسماعيل الذي روى عن حماد ، و القعنبي الذي روى عن مالك لم يذكرا في الإسناد أنه عن عائشة ، وإنما ذكراه عن عروة مرسلاً فقالا: عن عروة أن أناساً.. إلخ وأما يوسف بن موسى فهو الذي جاء من طريقه ذكر عائشة رضي الله عنها، وأنه مسند متصل مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرسل.
العتيرة


شرح حديث نبيشة في العتيرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العتيرة. حدثنا مسدد ، ح وحدثنا نصر بن علي عن بشر بن المفضل المعنى، حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح ، قال: قال نبيشة رضي الله عنه: (نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل، وأطعموا، قال: إنا كنا نفرع فرعاً في الجاهلية، فما تأمرنا؟ قال: في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل -قال نصر -: استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه -قال خالد -: أحسبه قال: على ابن السبيل؛ فإن ذلك خير)، قال خالد : قلت لأبي قلابة : كم السائمة؟ قال: مائة ]. أورد أبو داود باباً في العتيرة، والعتيرة هي الذبيحة التي تذبح في أوائل رجب، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ويسمونها الرجبية، وكان ذلك في أول الإسلام سائغاً، ثم جاء ما يدل على منعه، حيث جاء أنه: (لا فرع ولا عتيرة)، وأنه يتقرب إلى الله عز وجل بالذبح في جميع أيام السنة، ولا يخص وقت معين وهو أوائل شهر رجب كما كان في الجاهلية، حيث كانوا يذبحونها لآلهتهم في العشر الأول من رجب، فجاء الإسلام بأنها تذبح ويتقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة وبالذبائح، ويتصدق على الفقراء والمساكين ويحسن إليهم باللحم في أي وقت؛ لكن لا يكون ذلك خاصاً برجب. أورد أبو داود حديث نبيشة بن عبد الله رضي الله عنه وفيه: [ (نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟) ]. قوله: [ (فما تأمرنا؟) ] أي: هل نبقى على ذلك ونعمل به أو نترك؟ هذا هو مقتضى السؤال، فقال: [ (في أي شهر كان) ]، يعني ليس ذلك خاصاً برجب، وهذا الذي كان في الجاهلية في رجب لا يصار إليه ولا يتقيد به، وإنما يتقرب إلى الله عز وجل بالذبح في أي وقت. قوله: [ (وبروا الله عز وجل) ] أي: اعملوا البر لله عز وجل. قوله: [ (وأطعموا) ] يعني: تصدقوا وأحسنوا. قوله: [ (قال: إنا كنا نفرع فرعاً في الجاهلية فما تأمرنا؟) ]. الفرع هو ذبح أول نتاج الشاة أو البقرة أو الناقة، رجاء البركة في نسلها، وكانوا يفعلونه في الجاهلية تقرباً لآلهتهم، فجاء الإسلام بجواز ذلك ثم منع بحديث: (لا فرع ولا عتيرة). قوله: [ (في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل -قال نصر - استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه) ]. قوله: [ (في كل سائمة فرع) ] أي: ولد، [ (تغذوه ماشيتك) ] يحتمل أن المعنى أن الماشية تغذيه بالحليب، أو أنك تغذوه كما تغذو ماشيتك، أي تعلفه كما تعلف ماشيتك، وهذا هو الأقرب لما سيأتي من قوله: [ (حتى إذا استحمل للحجيج) ]، أي: صار أهلاً لأن يحمل عليه، ومعلوم أن هذا لا يكون إلا بالعلف كما فعل في الماشية، وليس ذلك بكون أمه ترضعه؛ لأنه لا يزال صغيراً لا يستطيع الحمل ولا يصلح للركوب. قوله: [ (حتى إذا استحمل) ] قال بعض الرواة: [ (للحجيج) ] الحجيج جمع حاج، أي: أنه يحج عليه ويركب عليه، ويستعمل في الحج وغير الحج. قال: [ (حتى إذا استحمل) قال نصر : (استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت به) ]. قوله: [ قال نصر ] هو أحد شيخي أبي داود ، وهو نصر بن علي الجهضمي ، وهو الذي زاد لفظ: [ (للحجيج) ] أي: صلح لأن يحمل عليه الحاج أو يحمل عليه في الحج، وأما الشيخ الآخر وهو مسدد فإنما قال: [ (حتى إذا استحمل) ]، ولم يذكر الحجيج. قوله: [ (ذبحته فتصدقت بلحمه) ]، أي حتى إذا بلغ هذا المبلغ وصار أهلاً لأن يحمل عليه ذبحته فتصدقت بلحمه. قوله: [ (قال خالد : أحسبه قال: على ابن السبيل؛ فإن ذلك خير) ]. خالد هو الحذاء وقوله: [ (أحسبه قال: على ابن السبيل) ] يعني: أنه ذكر ذلك بدل ذكر الصدقة المطلقة، فقيد: ذلك التصدق بكونه على ابن السبيل. قوله: [ قال خالد : قلت لأبي قلابة : كم السائمة؟ قال: مائة ] أي أنه تقدم قوله: [ (في كل سائمة فرع) ]، ومقدار هذه السائمة مائة. والمذكور هنا في الحديث لا علاقة له بالزكاة، فإن للزكاة مقادير محددة تخرج بشروط محددة، وإنما هذه صدقة أخرى.

تراجم رجال إسناد حديث نبيشة في العتيرة


قوله: [ حدثنا مسدد ، ح وحدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي فاسمه واسم أبيه مطابق لاسم جده وأبي جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر بن المفضل ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد الحذاء ]. خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ] عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المليح ]. وهو أسامة بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال نبيشة ]. نبيشة بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث أبي هريرة في نسخ الفرع والعتيرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا فرع ولا عتيرة) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا فرع ولا عتيرة) ] أي: لا فرع ولا عتيرة في الإسلام، أي أن ذلك كان سائغاً في أول الأمر فنسخ بقوله: [ (لا فرع ولا عتيرة) ]، وأن هذا الذي كان معمولاً به في الجاهلية لا يعمل في الإسلام.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في نسخ الفرع والعتيرة


قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة ]. أحمد بن عبدة الضبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ، وإذا جاء سفيان مهملاً غير منسوب يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة . [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. سعيد بن المسيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره.

شرح أثر ابن المسيب في معنى الفرع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد قال: الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه ]. أورد أبو داود هذا الأثر الذي ينتهي إلى سعيد ، وفيه تفسير الفرع بأنه أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه. وهذا الأثر يسمونه بالمقطوع، لأن المتن الذي ينتهي إلى التابعي أو من دون التابعي يقال له: مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد والمقطوع من صفات المتن.

تراجم رجال إسناد أثر ابن المسيب في معنى الفرع


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر عن الزهري ]. معمر مر ذكره، و الزهري مر ذكره. [ عن سعيد ]. مر ذكره.

شرح حديث عائشة في الفرع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل خمسين شاة شاة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة قالت: [ (أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من كل خمسين شاة شاة) ] وهذا في الفرع، وقد كان هذا في أول الأمر كما مر، وبعد ذلك نسخ بقوله: (لا فرع ولا عتيرة).
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الفرع

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ]. مر موسى و حماد ، وأما عبد الله بن عثمان بن خثيم فهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يوسف بن ماهك ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفصة بنت عبد الرحمن ]. حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهي ثقة، أخرج لها مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها.
ذكر أبي داود لتفسير الفرع والعتيرة

[ قال أبو داود : قال بعضهم: الفرع أول ما تنتج الإبل، كانوا يذبحونه لطواغيتهم ثم يأكلونه، ويلقى جلده على الشجر، والعتيرة: في العشر الأول من رجب ]. ذكر أبو داود رحمه الله هذا التفسير للفرع وهو أنه أول نتاج السائمة، وأنهم يذبحونه ويعلقون الجلد على الشجر، وأن العتيرة تكون في العشر الأول من رجب، وهذا كان في الجاهلية، وفي أول الإسلام ثم نسخ."







الساعة الآن : 09:10 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,046.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,045.08 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.17%)]