رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ252 الى صــ 261 الحلقة (131) وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" بأخذكم الفداء وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غزوان وهو قراد بن نوح بإسناده ولكن بأطول منه وهكذا قال الحسن البصري وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون ح قال سنيد وهو حسين وحدثني حجاج عن جريج عن محمد عن عبيدة عن علي قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر لهم ذلك فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ألا نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره ؟ قال فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر وهكذا رواه النسائي والترمذي من حديث أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان بن سعيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين به ثم قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . وروى أبو أسامة عن هشام نحوه . وروى عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وقال محمد بن إسحق وابن جرير والربيع بن أنس والسدي "قل هو من عند أنفسكم" أي بسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم يعني بذلك الرماة "إن الله على كل شيء قدير" أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه . وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين (166) وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين قال تعالى "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله" أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين كان بقضاء الله وقدره وله الحكمة في ذلك "وليعلم المؤمنين" أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا . وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (167) وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون "وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم" يعني بذلك أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإتيان والقتال والمساعدة ولهذا قال "أو ادفعوا" قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي : يعني كثروا سواد المسلمين وقال الحسن بن صالح ادفعوا بالدعاء وقال غيره رابطوا فتعللوا "قائلين لو نعلم قتالا لاتبعناكم" قال مجاهد يعنون لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم ولكن لا تلقون قتالا . قال محمد بن إسحق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حيان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس فقال : أطاعهم فخرج وعصاني ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول : يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حضر من عدوكم قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر وفي حال أقرب إلى الإيمان لقوله "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" ثم قال تعالى "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته ومنه قولهم هذا "لو نعلم قتالا لاتبعناكم فإنهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتالا لا محالة ولهذا قال تعالى" والله أعلم بما يكتمون "." الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين (168) الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين قال تعالى "الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا" أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل قال الله تعالى "قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين" أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي أنكم لا تموتون والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين . قال مجاهد عن جابر بن عبد الله : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه . ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار . قال محمد بن جرير : حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة حدثنا إسحق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله إلى أهل بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غارا مشرفا على الماء فقعدوا فيه ثم قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء فقال - أراه أبو ملحان الأنصاري أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى أتى حول بيتهم فاجتثى أمام البيوت ثم قال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل وقال ابن إسحق : حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا وأنزل الله تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وقد قال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال : إنا سألنا عبد الله عن هذه الآية . "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" فقال : أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربهم إطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا" وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة" تفرد به مسلم من طريق حماد . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله المديني حدثنا سفيان بن محمد بن علي بن ربيعة السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له : تمن فقال له أرد الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى قال : إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون" تفرد به أحمد من هذا الوجه . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه قتل يوم أحد شهيدا . قال البخاري : وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرا قال : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تبكه - أو ما تبكيه - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وذكر تمامة بنحوه "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن أبي إسحق حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآيات" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "وما بعدها" . وهكذا رواه أحمد ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحق به . ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحق به ورواه أبو داود والحاكم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره وهذا أثبت. وكذا رواه سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحق الفزاري عن سفيان بن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وكذا قال قتادة والربيع والضحاك أنها نزلت في قتلى أحد." "حديث آخر" قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا هارون بن سليمان أنبأنا علي بن عبد الله المديني أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمت الأنصاري قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال "يا جابر ما لي" أراك مهتما ؟ "قلت يا رسول الله استشهد أبي وترك دينا وعيالا قال : فقال" ألا أخبرك ما كلم الله أحد قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا "قال علي : والكفاح المواجهة" قال سلني أعطك قال : أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه قد سبق مني القول أنهم إليها لا يرجعون قال أي رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا" الآية . ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري عن أبيه عن جابر به نحوه وكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق علي بن المديني به وقد رواه البيهقي أيضا من حديث أبي عبادة الأنصاري وهو عيسى بن عبد الله إن شاء الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر "يا جابر ألا أبشرك" قال : بلى بشرك الله بالخير قال "شعرت بأن الله أحيا أباك فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك وأقتل فيك مرة أخرى قال" إنه سلف مني أنه إليها لا يرجع "." https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ262 الى صــ 271 الحلقة (132) "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحق حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فيه قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية" تفرد به أحمد وقد رواه ابن جريج عن أبي كريب حدثنا عبد الرحمن بن سليمان وعبيدة عن محمد بن إسحق وبه وهو إسناد جيد وكأن الشهداء أقسام منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح والله أعلم - وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما أعد الله لها من الكرامة وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة فإن الإمام أحمد رحمه الله رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" قوله "يعلق" أي يأكل وفي هذا الحديث "إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة" وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان . فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون قوله تعالى "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" إلى آخر الآية أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم نسأل الله الجنة وقال محمد بن إسحق "ويستبشرون" أي ويسرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم قال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغائبهم إذا قدم قال سعيد بن جبير : لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا : يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أي ربهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا بذلك فذلك قوله "ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم" الآية وقد ثبت في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم قال أنس : ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع "أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين قال تعالى "يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" قال محمد بن إسحق : استبشروا أي سروا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذه الآيات جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم وقلما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم الله إياه إلا ذكر الله ما أعطى المؤمنين من بعدهم .لذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم قوله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم" القرح ".هذا كان يوم حمراء الأسد وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين إلى بلادهم فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بهم قوة وجلدا ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله رضي الله عنه لما سنذكره فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم : بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد - أو بئر أبي عيينة - الشك من سفيان - فقال المشركون : نرجع من قابل فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تعد غزوة فأنزل الله تعالى" الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم "." وروى ابن مردويه من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره - وقال محمد بن إسحق : كان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال : يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم . قال محمد بن إسحق : فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان قد شهد أحدا قال : شهدنا أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو وقلت لأخي - أو قال لي - : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جراحا منه فكان إذا غلب حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون وقال البخاري : حدثنا محمد بن سلام حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها "الذين استجابوا لله والرسول" الآية . قلت لعروة : يا ابن أختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال "من يرجع في أثرهم" فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير هكذا رواه البخاري منفردا به بهذا السياق وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم عن أبي العباس الدوري عن أبي النضر عن أبى سعيد المؤدب عن هشام بن عروة به : ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال : ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار وهدبة بن عبد الوهاب عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة به وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان به وقد رواه الحاكم أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن التيمي عن عروة وقال : قالت لي عائشة إن أباك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه - وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر من أصل كتابه أنبأنا سموية أنبأنا عبد الله بن الزبير أنبأنا سفيان أنبأنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير" ورفع هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قدمناه ومن جهة معناه فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة وإنما قالت ذلك عائشة لعروة بن الزبير لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم - وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سعد حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعدما كان منه ما كان فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا وقد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب" وكانت وقعة أحد في شوال وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة وإنهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتد عليهم الذي أصابهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه ويتبعوا ما كانوا متبعين وقال "إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ولا يقدرون" على مثلها حتى عام مقبل "فجاء الشيطان يخوف أولياءه فقال : إن الناس قد جمعوا لكم فأبى عليه الناس أن يتبعوه وقال" إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد لأحضض الناس "فانتدب معه الصديق وعمر وعثمان وعلي" والزبير وسعد وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء فأنزل الله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح" الآية . ثم قال ابن إسحق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة وقد مر به كما حدثني عبد الله بن أبي بكر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ كان مشركا فقال : يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا محمدا وأصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ؟ لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد وأصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فهم من الحنق عليكم بشيء لم أر مثله قط قال : ويلك ما تقوله ؟ قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر قال وما قلت ؟ قال قلت : كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردى بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللقاء ولا ميل معازيل فظلت أعدو أظن الأرض مائلة ... لما سموا برئيس غير مخذول فقلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالخيل إني نذير لأهل السيل ضاحية ... لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل قال فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون ؟ قالوا نريد المدينة قال ولم ؟ قالوا نريد الميرة ؟ قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا ؟ قالوا نعم قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنه قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه فقالوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه رجوعهم والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو أصبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب "وقال الحسن البصري في قوله" الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب في طلبه فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعوهم فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه فلقي عيرا من التجار فقال ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا وأخبروهم أني قد جمعت جموعا وأني راجع إليهم فجاء التجار فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "حسبنا الله ونعم الوكيل" فأنزل الله هذه الآية وهكذا قال عكرمة وقتادة وغير واحد إن هذا السياق نزل في شأن غزوة حمراء الأسد وقيل نزلت في بدر الموعد والصحيح الأول ." الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "قوله تعالى" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا "الآية أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به" وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "وقال البخاري حدثنا أحمد بن يونس قال أراه قال حدثنا أبو بكر عن أبي" حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد رواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبد الله كلاهما عن يحيى بن أبي بكر عن أبي بكر وهو ابن عياش به والعجب أن الحاكم أبا عبد الله رواه من حديث أحمد بن يونس به ثم قال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ثم رواه البخاري عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار "حسبنا الله ونعم الوكيل" وقال عبد الرزاق قال ابن عيينة وأخبرني زكريا عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو وقال هي كلمة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار . رواه ابن جرير وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن معمر حدثنا إبراهيم بن موسى الثوري حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن زياد السكري أنبأنا أبو بكر بن عياش عن حميد الطويل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم أحد إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فأنزل الله هذه الآية https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ272 الى صــ 281 الحلقة (133) وروى أيضا بسنده عن محمد بن عبد الله الرافعي عن أبيه عن جده أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا في نفر معه في طلب أبي سفيان فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال إن القوم قد جمعوا لكم فقالوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" فنزلت فيهم هذه الآية ثم قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا الحسن بن سفيان أنبأنا أبو خيثمة بن مصعب بن سعد أنبأنا موسى بن أعين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد قال الإمام أحمد حدثنا حيوة بن شريح" وإبراهيم بن أبي العباس قالا حدثنا بقية حدثنا يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن سيف عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ردوا علي الرجل فقال : ما قلت ؟" قال : قلت حسبي الله ونعم الوكيل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل" وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث بقية عن يحيى بن خالد عن سيف وهو الشامي ولم ينسب عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . وقال الإمام أحمد حدثنا أسباط حدثنا مطرف عن عطية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر فينفخ" فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نقول ؟ قال "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا" . وقد روي هذا من غير وجه وهو حديث جيد وقد روينا عن أم المؤمنين زينب وعائشة رضي الله عنهما أنهما تفاخرتا فقالت زينب زوجني الله وزوجكن أهاليكن وقالت عائشة نزلت براءتي من السماء في القرآن فسلمت لها زينب ثم قالت كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطل قالت : قلت حسبي الله ونعم الوكيل قالت زينب قلت كلمة المؤمنين . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم قال تعالى "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم "بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" مما أضمر لهم عدوهم "واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم" وقال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن داود الزاهد حدثنا محمد بن نعيم حدثنا بشر بن الحكم حدثنا مبشر بن عبد الله بن رزين حدثنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل" قال النعمة أنهم سلموا والفضل أن عيرا مرت في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالا فقسمه بين أصحابه وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" قال هذا أبو سفيان قال لمحمد صلى الله عليه وسلم موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فقال محمد صلى الله عليه وسلم "عسى" فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا فوافقوا السوق فيها فابتاعوا فذلك قول الله عز وجل "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" الآية. قال وهي غزوة بدر الصغرى رواه ابن جرير وروى أيضا عن القاسم عن الحسين عن حجاج عن ابن جريج قال : لما عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يكيدونهم بذلك يريدون أن يرعبوهم فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قدموا بدرا فوجدوا أسواقها عافية لم ينازعهم فيها أحد قال فقدم رجل من المشركين فأخبر أهل مكة بخيل محمد وقال في ذلك . نفرت قلوصي من خيول محمد ... وعجوة منثورة كالعنجد واتخذت ماء قديد موعدي قال ابن جرير هكذا أنشدنا القاسم وهو خطأ إنما هو : قد نفرت من رفقتي محمد ... وعجوة من يثرب كالعنجد فهي على دين أبيها الأتلد ... قد جعلت ماء قديد موعد وماء ضجنان لها ضحى الغد إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين قال تعالى "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" أي يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة قال الله تعالى "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" أي إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجئوا إلي فإني كافيكم وناصركم عليهم كما قال تعالى "أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه" إلى قوله "قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون" وقال تعالى "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" وقال تعالى "أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" وقال "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" وقال "ولينصرن الله من ينصره" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم" الآية. وقال تعالى "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" . ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم (176) ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" وذلك من شدة حرصه على الناس كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق فقال تعالى ولا يحزنك ذلك "إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة" أي حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة "ولهم عذاب عظيم" . إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم (177) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم قال تعالى مخبرا عن ذلك إخبارا مقررا "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان" أي استبدلوا هذا بهذا "لن يضروا الله شيئا" أي ولكن يضرون أنفسهم "ولهم عذاب أليم" . ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين (178) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين قال تعالى "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين" كقوله "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون" وكقوله "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وكقوله" ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "." ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (179) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم قال تعالى "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" أي لا بد أن يعقد شيء من المحنة يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين فذكر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهتك به ستار المنافقين فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة وقال السدي : قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر به فأنزل الله تعالى "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" أي حتى يخرج المؤمن من الكافر روى ذلك كله ابن جرير - ثم قال تعالى "وما كان الله ليطلعكم على الغيب" أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك . ثم قال تعالى "ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء" كقوله تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا" ثم قال تعالى "فآمنوا بالله ورسله" أي أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم "وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ." ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (180) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير قوله تعالى "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم" أي لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه بل هو مضرة عليه في دينه وربما كان في دنياه. ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال "سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" قال البخاري : حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول : أنا مالك أنا كنزك" ثم تلا هذه الآية "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم" إلى آخر الآية . تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح به . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ثم يلزمه يطوقه يقول : أنا مالك أنا كنزك" وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة به ثم قال النسائي : ورواية عبد العزيز عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أثبت من رواية عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبى هريرة "قلت" ولا منافاة بين الروايتين فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين والله أعلم وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجه عن أبي صالح عن أبي هريرة . ومن حديث محمد بن حميد عن زياد الخطمي عن أبي هريرة به . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن جامع عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه يفر منه فيتبعه فيقول أنا كنزك" ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله "سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" . وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد زاد الترمذي : وعبد الملك بن أعين كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود به وقال الترمذي : حسن صحيح . وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي بكر بن عياش وسفيان الثوري كلاهما عن أبي إسحق السبيعي عن أبي وائل عن ابن مسعود به ورواه ابن جرير من غير وجه عن ابن مسعود موقوفا "حديث آخر" قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من ترك بعده كنزا مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه فيقول : من أنت ويلك فيقول : أنا كنزك الذي خلفت بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبع سائر جسده" إسناده جيد قوي ولم يخرجوه . وقد رواه الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي ورواه ابن جرير وابن مردويه من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يأتي الرجل مولاه" فيسأله من فضل ماله عنده فيمنعه إياه إلا دعا له يوم القيامة شجاعا يتلمظ فضله الذي منع "لفظ ابن جرير وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن أبي قزعة عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل جعله الله عنده فيبخل به عليه إلا خرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه "." ثم رواه من طريق أخرى عن أبي قزعة واسمه حجر بن بيان عن أبي مالك العبدي موقوفا ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلا . وقال العوفي عن ابن عباس : نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها رواه ابن جرير والصحيح الأول وإن دخل هذا في معناه وقد يقال : إن هذا أولى بالدخول والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله تعالى "ولله ميراث السموات والأرض" أي فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل : فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم "والله بما تعملون خبير" أي بنياتكم وضمائركم . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ282 الى صــ 291 الحلقة (134) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق (181) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" قالت اليهود : يا محمد : افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الآية رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم . وقال محمد بن إسحق : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس قال : دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس فوجد من يهود ناسا كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر يقال له أشيع فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول من عند الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر وإنه إلينا لفقير ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا ما أعطاك الربا فغضب أبو بكر رضي الله عنه فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال : والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما حملك على ما صنعت يا أبا بكر" فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص ذلك وقال : ما قلت ذلك فأنزل الله فيما قال فنحاص "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" الآية . رواه ابن أبي حاتم وقوله "سنكتب ما قالوا" تهديد ووعيد ولهذا قرنه تعالى بقوله "وقتلهم الأنبياء بغير حق" أي هذا قولهم في الله وهذه معاملتهم رسل الله وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء . ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (182) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد قال تعالى "ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد" أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا . الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين (183) الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين قوله تعالى "الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار" يقول تعالى تكذيبا لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته فتقبلت منه أن تنزل نار من السماء تأكلها قاله ابن عباس والحسن وغيرهما. قال الله عز وجل "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات" أي بالحجج والبراهين "وبالذي قلتم" أي وبنار تأكل القرابين المتقبلة "فلم قتلتموهم" أي فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم "إن كنتم صادقين" أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل . فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير (184) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير قال تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم "فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير" أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة "والزبر" وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين والكتاب المنير أي الواضح الجلي . كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185) كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فهو تعالى وحده الذي لا يموت والجن والإنس يموتون وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخرا كما كان أولا وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت العدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها قليلها وكثيرها كبيرها وصغيرها فلا يظلم أحدا مثقال ذرة ولهذا قال تعالى "وإنما" توفون أجوركم يوم القيامة "قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد العزيز الأويسي حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته" كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة "إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال جعفر بن محمد فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام ." وقوله "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئم" فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز "هذا حديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه بدون هذه الزيادة ." وقد رواه بهذه الزيادة أبو حاتم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن عمرو . هذا ورواه ابن مردويه من وجه آخر فقال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا حميد بن مسعدة أنبأنا عمرو بن علي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما" فيها "ثم تلا هذه الآية" فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز "وتقدم عند قوله تعالى" ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "ما رواه وكيع بن الجراح في تفسيره عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه "." وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع به وقوله تعالى "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى "بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى" وقال "وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى" . وفي الحديث "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه" وقال قتادة في قوله تعالى "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" قال : هي متاع متروكة أوشكت والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم ولا قوة إلا بالله . لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186) لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور قوله تعالى "لتبلون في أموالكم وأنفسكم" كقوله تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات" إلى آخر الآيتين . أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ويبتلى المؤمن على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء "ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا" يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وآمرا لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله فقال تعالى "وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى "ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا" قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم هكذا ذكره مختصرا . وقد ذكره البخاري عند تفسير هذه الآية مطولا فقال : حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أبي وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن 289 رواحة رضي الله عنه بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب" يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا فقال سعد : يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك الذي فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى "ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا" الآية - وقال تعالى "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره" الآية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله له فيهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فبايعوا وأسلموا - فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة بالله والرجوع إلى الله . وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره فإذا أرسله الله تابعوه فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف والحظ الدنيوي السخيف فبئس الصفقة صفقتهم وبئس البيعة بيعتهم . وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ولا يكتموا منه شيئا فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" . لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188) لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم قوله تعالى "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" الآية يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة" وفي الصحيحين أيضا "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس ما لكم وهذه إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" الآية . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ292 الى صــ 301 الحلقة (135) وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه وهكذا رواه البخاري في التفسير ومسلم والترمذي والنسائي في تفسيريهما وابن أبي حاتم وابن خزيمة والحاكم في مستدركه وابن مردويه كلهم من حديث عبد الملك بن جريج بنحوه . ورواه البخاري أيضا من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فذكره - وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم أنبأنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" الآية . كذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم بنحوه وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال : قال أبو سعيد ورافع بن خديج وزيد بن ثابت : كنا عند مروان فقال : يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل ؟ فقال أبو سعيد : إن هذا ليس من ذاك إنما ذاك أن ناسا من المنافقين يتخلفون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا فإن كان فيه نكبة فرحوا بتخلفهم وإن كان لهم نصر من الله وفتح حلفوا لهم ليرضوهم وحمدوهم على سرورهم بالنصر والفتح فقال مروان : أين هذا من هذا ؟ فقال أبو سعيد : وهذا يعلم هذا ؟ فقال مروان : أكذلك يا زيد ؟ قال : نعم صدق أبو سعيد . ثم قال أبو سعيد وهذا يعلم ذاك - يعني رافع بن خديج - ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة فلما خرجوا قال زيد لأبي سعيد الخدري : ألا تحمدني على ما شهدت لك ؟ فقال له أبو سعيد : شهدت الحق فقال زيد : أولا تحمدني على ما شهدت الحق ؟ ثم رواه من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة فقال مروان : يا رافع في أي شيء نزلت هذه الآية ؟ فذكره كما تقدم عن أبي سعيد رضي الله عنهم وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عباس كما تقدم ؟ فقال له ما ذكرناه . ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء لأن الآية عامة في جميع ما ذكر والله أعلم . وقد روى ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن عتيق وموسى بن عقبة عن الزهري عن محمد بن ثابت الأنصاري أن ثابت بن قيس الأنصاري قال : يا رسول الله والله لقد خشيت أن أكون هلكت قال "لم ؟" قال نهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد ونهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة" فقال : بلى يا رسول الله فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب - وقوله تعالى "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب" يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد وبالياء على الإخبار عنهم أي لا تحسب أنهم ناجون من العذاب : بل لا بد لهم منه ولهذا قال تعالى "ولهم عذاب أليم" . ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير (189) ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير قال تعالى "ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير" أي هو مالك كل شيء والقادر على كل شيء فلا يعجزه شيء فهابوه ولا تخالفوه واحذروا غضبه ونقمته فإنه العظيم الذي لا أعظم منه القدير الذي لا أقدر منه . إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب قال الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا يحيى الحماني حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بم جاءكم موسى ؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت هذه الآية "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" فليتفكروا فيها . وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة والله أعلم . ومعنى الآية أن الله تعالى يقول "إن في خلق السموات والأرض" أي هذه في ارتفاعها واتساعها وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص "واختلاف الليل والنهار" أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر . فتارة يطول هذا ويقصر هذا ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز العليم ولهذا قال تعالى "لآيات لأولي الألباب" أي العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها . وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون الذين قال الله فيهم "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ." الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وصف تعالى أولي الألباب فقال "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم" كما ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك" أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم "ويتفكرون في خلق السموات والأرض" أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته . وقال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار . وعن الحسن البصري أنه قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة . وقال الفضيل : قال الحسن : الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك . وقال سفيان بن عيينة : الفكر نور يدخل قلبك وربما تمثل بهذا البيت : إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة وعن عيسى عليه السلام أنه قال : طوبي لمن كان قيله تذكرا وصمته تفكرا ونظره عبرا. قال لقمان الحكيم : إن طول الوحدة ألهم للفكرة وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة . قال وهب بن منبه : ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم ولا فهم امرؤ قط إلا علم ولا علم امرؤ قط إلا عمل. وقال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله عز وجل حسن والفكرة في نعم الله أفضل العبادة . وقال مغيث الأسود : زوروا القبور كل يوم تفكركم وشاهدوا الموقف بقلوبكم وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامها وأطباقها وكان يبكي عند ذلك حتى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله . وقال عبد الله بن المبارك : مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه فقال : يا راهب إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر . كنز الرجال وكنز الأموال . وعن ابن عمر : أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول : أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول : "كل شيء هالك إلا وجهه" وعن ابن عباس أنه قال : ركعتان مقتصدتان في تفكير خير من قيام ليلة والقلب ساه . وقال الحسن البصري : يا ابن آدم كل في ثلث بطنك واشرب في ثلثه ودع ثلثه الآخر تتنفس للفكرة . وقال بعض الحكماء : من نظر إلى الدنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة . وقال بشر بن الحارث الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه وقال الحسن عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر . وعن عيسى عليه السلام أنه قال : يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيث ما كنت وكن في الدنيا ضعيفا واتخذ المساجد بيتا وعلم عينيك البكاء وجسدك الصبر وقلبك الفكر ولا تهتم برزق غد وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : أنه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك ؟ فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر وقال ابن أبي الدنيا : أنشدني الحسين بن عبد الرحمن : نزهة المؤمن الفكر ... لذة المؤمن العبر نحمد الله وحده ... نحن كل على خطر رب لاه وعمره قد ... تقضى وما شعر رب عيش قد كان فو ... ق المنى مونق الزهر في خرير من العيو ... ن وظل من الشجر وسرور من النبا ... ت وطيب من الثمر غيرته وأهله ... سرعة الدهر بالغير نحمد الله وحده ... إن في ذا لمعتبر إن في ذا لعبرة ... للبيب إن اعتبر وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته فقال : "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ومدح عباده المؤمنين "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض" قائلين "ربنا ما خلقت هذا باطلا" أي ما خلقت هذا الخلق عبثا بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل فقالوا "سبحانك" أي عن أن تخلق شيئا باطلا "فقنا عذاب النار" أي يا من خلق الخلق بالحق والعدل يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم وتجيرنا به من عذابك الأليم . ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار قالوا "ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته" أي أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع "وما للظالمين من أنصار" أي يوم القيامة لا مجير لهم منك ولا محيد لهم عما أردت بهم . ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار "ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان" أي داعيا يدعو إلى الإيمان وهو الرسول صلى الله عليه وسلم "أن آمنوا بربكم فآمنا" أي يقول آمنوا بربكم فآمنا أي فاستجبنا له واتبعناه "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا" أي بإيماننا واتباعنا نبيك أي استرها "وكفر عنا سيئاتنا" فيما بيننا وبينك "وتوفنا مع الأبرار" أي ألحقنا بالصالحين . ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد "ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك" قيل : معناه على الإيمان برسلك . وقيل : معناه على ألسنة رسلك وهذا أظهر - وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن أبي عقال عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفود إلى الله وبها صفوف الشهداء رءوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون :" ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد "فيقول الله : صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة" فيخرجون منه نقاء بيضا فيسرحون في الجنة حيث شاءوا "وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ومنهم من يجعله موضوعا والله أعلم" ولا تخزنا يوم القيامة "أي على رءوس الخلائق" إنك لا تخلف الميعاد "أي لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك وهو القيام يوم القيامة بين يديك." وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحافظ أبو شريح حدثنا المعتمر حدثنا الفضل بن عيسى حدثنا محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله عز وجل ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار" حديث غريب . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده فقال البخاري رحمه الله : حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" الآيات ثم قام فتوضأ واستن ثم صلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح . وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن إسحق الصنعاني عن ابن أبي مريم به ثم رواه البخاري من طرق عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال : فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي قال ابن عباس رضي لله عنهما فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح . وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن مالك به ورواه مسلم أيضا وأبو داود من وجوه أخر عن مخرمة بن سليمان به "طريق أخرى" لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أبو بكر بن مردويه : https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ302 الى صــ 311 الحلقة (136) حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي حدثنا أبو يحيى عن أبي ميسرة أنبأنا خلاد بن يحيى أنبأنا يونس عن أبي إسحق عن المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس قال : أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ صلاته قال : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الأخيرة حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيري قام فمر بي فقال من هذا ؟ عبد الله ؟ قلت : نعم قال فمه ؟ قلت : أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة قال "فالحق الحق" فلما دخل قال : افرش عبد الله ؟ قال : فأتى بوسادة من مسوح قال فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها حتى سمعت غطيطه ثم استوى على فراشه قاعدا قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها . وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه حديثا في ذلك أيضا "طريق أخرى" رواها ابن مردويه من حديث عاصم بن بهدلة عن بعض أصحابه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعدما مضى ليل فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" إلى آخر السورة. ثم قال : "اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن بين يدي نورا ومن خلفي نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعظم لي نورا يوم القيامة" وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح من رواية كريب عن ابن عباس رضي الله عنه . ثم روى ابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بم جاءكم موسى من الآيات ؟ قالوا عصاه ويده البيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ فقالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه عز وجل فنزلت "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" قال : فليتفكروا فيها لفظ ابن مردويه. وقد تقدم هذا الحديث من رواية الطبراني في أول الآية وهذا يقتضي أن تكون هذه الآيات مكية والمشهور أنها مدنية ودليله الحديث الآخر قال ابن مردويه : حدثنا علي بن إسماعيل حدثنا أحمد بن على الحراني حدثنا شجاع بن أشرس حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي حدثنا أبو مكرم عن الكلبي وهو ابن حباب عن عطاء قال : انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقالت : يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال قول الشاعر : زر غبا تزدد حبا فقال ابن عمر ذرينا أخبرينا بأعجب ما رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال "ذريني أتعبد لربي عز وجل" قالت : فقلت والله إني لأحب قربك وإني أحب أن تعبد ربك فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال "ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "ثم قال" ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها "وقد رواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عوف الكلبي عن أبي حباب عن عطاء قال : دخلت أنا وعبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي في خدرها فسلمنا عليها فقالت : من هؤلاء ؟ قال : فقلنا هذا عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير قالت : يا عبيد بن عمير ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال : ما قال الأول :" زر غبا تزدد حبا قالت : إنا لنحب زيارتك وغشيانك قال عبد الله بن عمر : دعينا من بطالتكما هذه أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبكت ثم قالت : كل أمره كان عجبا أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي حتى لصق جلده بجلدي ثم قال "يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي" قالت إني لأحب قربك وأحب هواك قالت فقام إلى قربة في البيت فما أكثر من صب الماء ثم قام فقرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت حقويه قالت ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره قالت : ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده قالت ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض فدخل عليه بلال فآذنه بصلاة الفجر ثم قال : الصلاة يا رسول الله فلما رآه بلال يبكي قال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال "يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ؟ وما لي لا أبكي وقد نزل علي الليلة" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "إلى قوله" سبحانك فقنا عذاب النار "ثم قال" ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها "." وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا عن إبراهيم بن سويد النخعي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فذكر نحوه . وهكذا رواه عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار عن شجاع بن أشرس به ثم قال : حدثني الحسن بن عبد العزيز سمعت سنيدا يذكر عن سفيان هو الثوري رفعه قال "من قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها ويله" يعد عشرا - قال الحسن بن عبد العزيز : فأخبرني عبيد بن السائب قال : قيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهن ؟ قال : يقرأهن وهو يعقلهن - قال ابن أبي الدنيا : وحدثني قاسم بن هاشم حدثنا علي بن عياش حدثنا عبد الرحمن بن سليمان قال : سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن وما ينجيه من هذا الويل ؟ فأطرق هنيهة ثم قال يقرؤهن وهو يعقلهن . "حديث آخر" فيه غرابة . قال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الرحمن بن بشير بن نمير حدثنا إسحق بن إبراهيم البستي "ح" قال وحدثنا إسحق بن إبراهيم بن زيد حدثنا أحمد بن عمر وقال : أنبأنا هشام بن عمار أنبأنا سليمان بن موسى الزهري أنبأنا مظاهر بن أسلم المخزومي أنبأنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة . مظاهر بن أسلم ضعيف. فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (195) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب يقول تعالى "فاستجاب لهم ربهم" أي فأجابهم ربهم كما قال الشاعر : وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سلمة رجل من آل أم سلمة قال قالت أم سلمة : يا رسول الله لا نسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء . فأنزل الله تعالى "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" إلى آخر الآية : وقالت الأنصار هي أول ظعينة قدمت علينا وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة. ثم قال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية . "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" إلى آخرها . رواه ابن مردويه ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك بفاء التعقيب كما قال تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" وقوله تعالى "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى وقوله "بعضكم من بعض" أي جميعكم في ثوابي سواء "فالذين هاجروا" أي تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والإخوان والخلان والجيران "وأخرجوا من ديارهم" أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجئوهم إلى الخروج من بين أظهرهم ولهذا قال "وأوذوا في سبيلي" أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده كما قال تعالى "يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم" وقال تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وقوله تعالى "وقاتلوا وقتلوا" وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه. وقد ثبت في الصحيحين أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي ؟ قال : نعم ؟ ثم قال : كيف قلت فأعاد عليه ما قال فقال : "نعم إلا الذي قاله لي جبريل آنفا" ولهذا قال تعالى "لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقوله "ثوابا من عند الله" أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلا كثيرا كما قال الشاعر : إن يعذب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنه لا يبالي وقوله تعالى "والله عنده حسن الثواب" أي عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحا . قال ابن أبى حاتم : ذكر عن دحيم بن إبراهيم قال الوليد بن مسلم أخبرني جرير بن عثمان أنا شداد بن أوس كان يقول : أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فالله لا يبغي على مؤمن فإذا أنزل بأحدكم شيئا مما يحب فليحمد الله وإذا أنزل به شيئا مما يكره فليصبر وليحتسب فإن الله عنده حسن الثواب . لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد (196) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد يقول تعالى لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد (197) متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه "متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد" وهذه الآية كقوله تعالى "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد" وقال تعالى "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون" وقال تعالى "نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" وقال تعالى "فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" أي قليلا وقال تعالى "أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين" . لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار (198) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا وذكر أن مآلهم النار قال بعده "لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار" "وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن نصر حدثنا أبو طاهر سهل بن عبد الله أنبأنا هشام بن عمار أنبأنا سعيد أنبأنا يحيى أنبأنا عبد الله بن الوليد الرصافي عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذا لولدك عليك حق "كذا رواه ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن جناب حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الله بن الوليد الرصافي عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمرو قال : إنما سماهم الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حق وهذا أشبه والله أعلم ." ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن قال : الأبرار الذين لا يؤذون الذر . وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن الأسود قال عبد الله يعني ابن مسعود ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها لئن كان برا لقد قال الله تعالى "وما عند الله خير للأبرار" وكذا رواه عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش به وقرأ "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين" وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا ابن أبي جعفر عن نوح بن فضالة عن لقمان عن أبي داود أنه كان يقول : ما من مؤمن إلا والموت خير له وما من كافر إلا والموت خير له ومن لم يصدقني فإن الله يقول "وما عند الله خير للأبرار" ويقول "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين" . وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (199) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان ويؤمنون بما أنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة أنهم خاشعون لله أي مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أي لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة أمته وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم سواء كانوا هودا أو نصارى . وقد قال تعالى في سورة القصص "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله" مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا "الآية ." وقد قال تعالى "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" الآية . |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ312 الى صــ 321 الحلقة (137) وقد قال تعالى "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" وقال تعالى "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" وقال تعالى "قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا" وهذه الصفات توجد في اليهود ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس وأما النصارى منهم يهتدون وينقادون للحق كما قال تعالى "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" إلى قوله تعالى "فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" الآية . وهكذا قال ههنا "أولئك لهم أجرهم عند ربهم" الآية. وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قرأ سورة كهيعص بحضرة النجاشي ملك الحبشة وعنده البطاركة والقساوسة بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم. وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال "إن" أخا لكم بالحبشة قد مات فصلوا عليه "فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه." وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال : لما توفي النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استغفروا لأخيكم" فقال بعض الناس يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة فنزلت "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الآية . ورواه عبد بن حميد وابن أبى حاتم من طريق أخرى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رواه ابن مردويه من طرق عن حميد عن أنس بن مالك نحو ما تقدم. ورواه أيضا ابن جرير من حديث أبي بكر الهذلي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي "إن أخاكم أصحمة قد مات" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى كما يصلي على الجنائز فكبر أربعا . فقال المنافقون يصلي على علج مات بأرض الحبشة فأنزل الله "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" الآية . وقال أبو داود حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحق حدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما مات النجاشي كنا نحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور وقد روى الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه أنبأنا أبو العباس السياري بمرو حدثنا عبد الله بن علي الغزال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق حدثنا ابن المبارك حدثنا مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : نزل بالنجاشي عدو من أرضهم فجاءه المهاجرون فقالوا : إنا نحب أن تخرج نقاتل معك وترى جرأتنا ونجزيك بما صنعت بنا فقال : لداء بنصر الله عز وجل خير من دواء بنصرة الناس . وفيه نزلت "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الآية . ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "وإن من أهل الكتاب" يعني مسلمة أهل الكتاب وقال عباد بن منصور سألت الحسن البصري عن قول الله "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" الآية . قال هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم فاتبعوه وعرفوا الإسلام فأعطاهم الله تعالى أجر اثنين للذي كانوا عليه من الإيمان قبل محمد صلى الله عليه وسلم واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم رواه ابن أبي حاتم وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر منهم" رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي "وقوله تعالى" لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا "أي لا يكتمون ما بأيديهم من العلم كما فعله الطائفة المرذولة منهم بل يبذلون ذلك مجانا ولهذا قال تعالى" أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب "قال مجاهد سريع الحساب يعني سريع الإحصاء ." رواه ابن أبي حاتم وغيره. يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (200) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" قال الحسن البصري أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم وكذلك قال غير واحد من علماء السلف وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات وقيل انتظار الصلاة بعد الصلاة قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم وروى ابن أبي حاتم ههنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي من حديث مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن عن يعقوب مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط" . وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن أحمد حدثنا موسى بن إسحاق حدثنا أبو جحيفة علي بن يزيد الكوفي أنبأنا ابن أبي كريمة عن محمد بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أقبل علي أبو هريرة يوما فقال أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" قلت لا . قال أما إنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ويصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها فعليهم أنزلت "اصبروا" أي على الصلوات الخمس "وصابروا" أنفسكم وهواكم "ورابطوا" في مساجدكم "واتقوا الله" فيما عليكم "لعلكم تفلحون" . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن منصور عن مصعب بن ثابت عن داود بن صالح عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه وقال ابن جرير حدثني أبو السائب حدثني ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن شرحبيل عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا ؟ إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" وقال ابن جرير أيضا حدثني موسى بن سهل الرملي حدثنا يحيى بن واضح حدثنا محمد بن مهاجر حدثني يحيى بن زيد عن زيد بن أبي أنيسة عن شرحبيل عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال" إسباغ الوضوء في أماكنها وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط "" وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن علي أنبأنا محمد بن عبد الله بن سلام البرنوثي أنبأنا محمد بن غالب الأنطاكي أنبأنا عثمان بن عبد الرحمن أنبأنا الوازع بن نافع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي أيوب قال : وفد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "هل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر ؟ قلنا نعم يا رسول الله وما هو ؟ قال" إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة "قال" وهو قول الله "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" فذلك هو الرباط في المساجد "وهذا حديث غريب من هذا الوجه جدا ." وقال عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير حدثني داود بن صالح قال : قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية "اصبروا وصابروا ورابطوا" قال قلت لا قال : إنه لم يكن يا ابن أخي في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة رواه ابن جرير وقد تقدم سياق ابن مردويه له إنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم وقيل المراد بالمرابطة ههنا مرابطة الغزو في نحو العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين وقد وردت الأخبار بالترغيب في ذلك وذكر كثرة الثواب فيه فروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" . "حديث آخر" روى مسلم عن سلمان الفارسي عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان" "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا إسحق بن إبراهيم حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح أخبرني أبو هانئ الخولاني أن عمرو بن مالك الحيني أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول "كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر" . وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي هانئ الخولاني وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضا . "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحق حدثنا حسن بن موسى وأبو سعيد وعبد الله بن يزيد كلهم عن عبد الله بن لهيعة حدثنا مشرح بن هاعان سمعت عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل ميت يختم له على عمله إلا المرابط في سبيل الله يجري عليه عمله حتى يبعث ويأمن الفتان" . رواه الحارث بن محمد بن أبي الهامة في مسنده عن المقري وهو عبد الله بن زيد إلى قوله "حتى يبعث" دون ذكر "الفتان" وابن لهيعة إذا صرح بالتحديث فهو حسن ولا سيما مع ما تقدم من الشواهد . "حديث آخر" قال ابن ماجه في سننه حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني الليث عن زهرة بن معبد عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه عمله الصالح الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر" "طريق أخرى" قال الإمام أحمد حدثنا موسى أنبأنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من مات مرابطا" وقي فتنة القبر وأمن من الفزع الأكبر وغدا عليه ريح برزقه من الجنة وكتب له أجر المرابط إلى يوم القيامة "" حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا إسحق ابن عيسى حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن أسحق بن عبد الله عن أم الدرداء ترفع الحديث قالت" من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة "" حديث آخر "قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا كهمس حدثنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : قال عثمان وهو يخطب على منبره : إنى محدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الظن بكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها "." وهكذا رواه أحمد عن روح عن كهمس عن مصعب بن ثابت عن عثمان وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال : https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ322 الى صــ 331 الحلقة (138) خطب عثمان الناس فقال : أيها الناس إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الظن بكم وبصحابتكم فليختر مختار لنفسه أو ليدع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة قيامها وصيامها" "طريق أخرى" عن عثمان رضي الله عنه قال الترمذي حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا الليث بن سعد حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان قال : سمعت عثمان وهو على المنبر يقول : إني كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل" ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه قال محمد يعني البخاري أبو صالح مولى عثمان اسمه بركان وذكر غير الترمذي أن اسمه الحارث والله أعلم وهكذا رواه الإمام أحمد من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وعنده زيادة في آخره فقال يعني عثمان "فليرابط امرؤ كيف شاء" هل بلغت ؟ قالوا نعم قال اللهم اشهد "حديث آخر" قال أبو عيسى الترمذي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط وهو في مرابطة له وقد شق عليه وعلى أصحابه فقال : ألا أحدثك يا ابن السمط بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال بلى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباط يوم في سبيل الله أفضل - أو قال خير - من صيام شهر وقيامه ومن مات فيه وقي فتنة القبر ونمي له عمله إلى يوم القيامة" . تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال هذا حديث حسن وفي بعض النسخ زيادة وليس إسناده بمتصل : وابن المنكدر لم يدرك سلمان "قلت" الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة كلاهما عن شرحبيل بن السمط وله صحبة عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان" . وقد تقدم سياق مسلم بمفرده "حديث آخر" قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا محمد بن يعلى السلمي حدثنا عمرو بن صبيح عن عبد الرحمن بن عمرو عن مكحول عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرس ليلة وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا - أراه قال - : من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها فإن رده الله تعالى إلى أهله سالما لم يكتب عليه سيئة ألف سنة وتكتب له الحسنات ويجري عليه أجر الرباط إلى يوم القيامة" . هذا حديث غريب من هذا الوجه بل منكر وعمر بن صبيح متهم "حديث آخر" قال ابن ماجه : حدثنا عيسى بن يونس الرملي حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن سعيد بن خالد بن أبي طويل سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "حرس ليلة في سبيل الله خير من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلثمائة يوم واليوم كألف سنة" . وهذا حديث غريب أيضا وسعيد بن خالد هذا ضعفه أبو زرعة وغير واحد من الأئمة . وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال الحاكم : روى عن أنس أحاديث موضوعة . "حديث آخر" قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله حارس الحرس" فيه انقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعقبة بن عامر فإنه لم يدركه والله أعلم. "حديث آخر" قال أبو داود : حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية يعني ابن سلام حدثني السلولي أنه حدثه سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين حتى كانت عشية فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال : يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشياههم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" ثم قال "من يحرسنا الليلة" قال أنس بن أبي مرثد : أنا يا رسول الله قال "فاركب" فركب فرسا له فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة" فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين فقال "هل أحسستم فارسكم" فقال رجل : يا رسول الله ما أحسسناه فثوب بالصلاة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته قال "أبشروا فقد جاءكم فارسكم" فجعلنا ننظر في خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرتني فلما أصبحنا طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل نزلت الليلة ؟" قال : لا إلا مصليا أو قاضي حاجة فقال له "أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها" ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة وهو الربيع بن نافع به . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عبد الرحمن بن شريح سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول : سمعت أبا عامر البجيني . قال الإمام أحمد : وقال غيره زائدا أبا علي الحنفي يقول : سمعت أبا ريحانة يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتينا ذات ليلة إلى شرف فبتنا عليه فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض يدخل فيها ويلقي عليه الجحفة يعني الترس فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس نادى "من يحرسنا هذه الليلة فأدعو له بدعاء يكون له فيه فضل" ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله قال : "ادن" فدنا منه فقال "من أنت ؟" فتسمى له الأنصاري ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فأكثر منه قال أبو ريحانة : فلما سمعت ما دعا به قلت أنا رجل آخر فقال "ادن" فدنوت فقال "من أنت ؟" قال : فقلت أبو ريحانة فدعا بدعاء دون ما دعا به للأنصاري ثم قال : "حرمت النار على عين دمعت - أو بكت - من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله" . وروى النسائي منه "حرمت النار" إلى آخره عن عصمة بن الفضل عن زيد بن الحباب به وعن الحارث بن مسكين عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح به وأتم وقال في الروايتين : عن أبي علي البجيني. "حديث آخر" قال الترمذي : حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر بن عمار وحدثنا شعيب بن زريق أبو شيبة عن عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" . ثم قال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق قال : وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة "قلت" وقد تقدما ولله الحمد والمنة . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين عن زياد عن سهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حرس من وراء المسلمين متطوعا لا بأجرة سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله يقول : وإن منكم إلا واردها" . تفرد به أحمد رحمه الله . "حديث آخر" روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع" فهذا آخر ما تيسر إيراده من الأحاديث المتعلقة بهذا المقام ولله الحمد على جزيل الإنعام وعلى تعاقب الأعوام والأيام . وقال ابن جرير : حدثني المثنى حدثنا مطرف بن عبد الله المديني حدثنا مالك بن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر : أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله له بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وإن الله تعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" وهكذا روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك من طريق محمد بن إبراهيم ابن أبي سكينة قال : أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وودعته للخروج وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة. يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي غبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب قال فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام فلما قرأه ذرفت عيناه وقال : صدق أبو عبد الرحمن ونصحني ثم قال : أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال قلت : نعم قال : فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى على الفضيل بن عياض : حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة : أن رجلا قال : يا رسول الله علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله فقال "هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر وتصوم فلا تفطر ؟" فقال يا رسول الله أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "فوالذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله أوما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات" ؟ وقوله تعالى "واتقوا الله" أي في جميع أموركم وأحوالكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" "لعلكم تفلحون" أي في الدنيا والآخرة - وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في قول الله عز وجل "واتقوا الله لعلكم تفلحون" يقول : اتقوني فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون يقول : غدا إذا لقيتموني - انتهى تفسير سورة آل عمران ولله الحمد والمنة نسأله الموت على الكتاب والسنة آمين . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث تفسير سورة النساء من صــ332 الى صــ 341 الحلقة (139) تفسير سورة النساء وهي مدنية قال العوفي عن ابن عباس : نزلت سورة النساء بالمدينة . وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وروى من طريق عبد الله بن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا حبس" وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو البختري عبد الله بن محمد شاكر حدثنا محمد بن بشر العبدي حدثنا مسعر بن كدام عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال : إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" الآية , و "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية و "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" و "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك" الآية ثم قال : هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك . وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن رجل عن ابن مسعود قال : خمس آيات من النساء لهن أحب إلي من الدنيا جميعا "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" وقوله "وإن تك حسنة يضاعفها" وقوله "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقوله "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" رواه ابن جرير . ثم روى من طريق صالح المري عن قتادة عن ابن عباس قال : ثماني آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت أولهن "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب الله عليكم والله عليم حكيم" والثانية "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" والثالثة "يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" ثم ذكر قول ابن مسعود سواء يعني في الخمسة الباقية - وروى الحاكم من طريق أبي نعيم عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن أبي مليكة سمعت ابن عباس يقول : سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1) يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه وهي عبادته وحده لا شريك له ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة وهي آدم عليه السلام "وخلق منها زوجها" وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته فأنس إليها وأنست إليه . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا وكيع عن أبي هلال عن قتادة عن ابن عباس قال : خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل وخلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم . وفي الحديث الصحيح "إن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج" وقوله "وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر . ثم قال تعالى "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" أي واتقوا الله بطاعتكم إياه قال إبراهيم ومجاهد والحسن "الذي تساءلون به" أي كما يقال أسألك بالله وبالرحم . وقال الضحاك : واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد . وقرأ بعضهم "والأرحام" بالخفض على العطف على الضمير في به أي تساءلون بالله وبالأرحام كما قال مجاهد وغيره . وقوله "إن الله كان عليكم رقيبا" أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم كما قال "والله على كل شيء شهيد" . وفي الحديث الصحيح "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب . ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على ضعفائهم . وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر - . وهم مجتابو النمار أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة حتى ختم الآية." ثم قال "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" ثم حضهم على الصدقة فقال "تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره" . وذكره تمام الحديث وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها "يا أيها الناس اتقوا ربكم" الآية . وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (2) وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم ولهذا قال "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" قال سفيان الثوري عن أبي صالح : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك وقال سعيد بن جبير : لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول : لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وقال سعيد بن المسيب والزهري : لا تعط مهزولا وتأخذ سمينا . وقال إبراهيم النخعي والضحاك : لا تعط زيفا وتأخذ جيدا . وقال السدي : كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول : شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف يقول درهم بدرهم . وقوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين : أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا . وقوله "إنه كان حوبا كبيرا" قال ابن عباس : أي إثما عظيما . وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "حوبا كبيرا" قال "إثما كبيرا" ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكندي وهو ضعيف وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود "اغفر لنا حوبنا وخطايانا" وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس : أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا" قال ابن سيرين : الحوب الإثم . ثم قال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي حدثنا بشر بن موسى حدثنا هودة بن خليفة حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن طلاق أم أيوب لحوب" فأمسكها ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل سمعت أنس بن مالك أيضا يقول : أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف . والمعنى : إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه . وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وقوله "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه." وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه "وإن خفتم ألا تقسطوا" أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله . ثم قال البخاري : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى" قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله "ويستفتونك في النساء" قالت عائشة : وقول الله في الآية الأخرى "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن 340 يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال وقوله "مثنى وثلاث ورباع" أي انكحوا من شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا كما قال الله تعالى "جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه بخلاف قصر الرجال على أربع فمن هذه الآية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء لأن المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره . قال الشافعي وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع وقال بعضهم : بلا حصر وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح وإما إحدى عشرة كما قد جاء في بعض ألفاظ البخاري. وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة ودخل منهن بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة ومات عن تسع وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع ولنذكر الأحاديث في ذلك . قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا : حدثنا معمر عن الزهري قال ابن جعفر في حديثه , أنبأنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اختر منهن أربعا" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تلبث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...cdf76dc237.png تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث تفسير سورة النساء من صــ342 الى صــ 351 الحلقة (140) وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجه والدار قطني والبيهقي وغيرهم من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس وعبد الرحمن بن محمد المحاربي والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ عن معمر بإسناده مثله إلى قوله "اختر منهن أربعا" وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد : وهي زيادة حسنة وهي مضاعفة لما علل البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له : سمعت البخاري يقول : هذا الحديث غير محفوظ والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن أبي سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة - فذكره . قال البخاري : وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر : لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وهذا التعليل فيه نظر والله أعلم , وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلا وقال أبو زرعة : هو أصح . وقال البيهقي ورواه عقيل عن الزهري : بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد عن محمد بن يزيد . وقال أبو حاتم وهذا وهم إنما هو الزهري عن محمد بن أبي سويد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكره . قال البيهقي : ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد بن أبي سويد وهذا كما علله البخاري والإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد رجاله ثقات على شرط الشيخين. ثم روي من غير طريق معمر بل والزهري . قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ويزيد بن عمر بن يزيد الجرمي أخبرنا يوسف بن عبيد الله حدثنا سرار بن مجشر عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا هكذا أخرجه النسائي في سننه. قال أبو علي بن السكن : تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي : وكذلك رواه السميدع بن وهب عن سرار . قال البيهقي : وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال فإذا كان هذا في الدوام ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى والله سبحانه أعلم بالصواب "حديث آخر في ذلك" روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خميصة بن الشمردل وعند ابن ماجه بنت الشمردل وحكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس أن عميرة الأسدي قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "اختر منهن أربعا" . وهذا الإسناد حسن : وهذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد "حديث آخر في ذلك" قال الشافعي في مسنده أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "اختر أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها . فهذه كلها شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي . وقوله "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم" . أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو" حرصتم "فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن ولكن يستحب فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج وقوله" ذلك أدنى ألا تعولوا "قال بعضهم ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي وهو مأخوذ من قوله تعالى" وإن خفتم عيلة "أي فقرا" فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء "وقال الشاعر :" فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل وتقول العرب عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر . ولكن في هذا التفسير ههنا نظر فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضا والصحيح قول الجمهور "ذلك أدنى ألا تعولوا" أي لا تجوروا يقال عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار ; وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة : بميزان قسط لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل وقال هشيم عن أبي إسحاق كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان أعول . رواه ابن جرير وقد روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن أبي إبراهيم وخثيم حدثنا محمد بن شعيب عن عمرو بن محمد بن زيد عن عبد الله بن عمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "ذلك" أدنى ألا تعولوا "قال" لا تجوروا "قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا خطأ والصحيح عن عائشة موقوف قال ابن أبي حاتم وروى عن ابن عباس وعائشة ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وابن رزين والنخعي والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان أنهم قالوا لا تميلوا وقد استشهد عكرمة ببيت أبي طالب الذي قدمناه ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة وقد رواه ابن جرير ثم أنشده جيدا واختار ذلك ." وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقوله تعالى "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس النحلة المهر وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة نحلة فريضة وقال مقاتل وقتادة وابن جريج نحلة أي فريضة زاد ابن جريج مسماة وقال ابن زيد النحلة في كلام العرب الواجب يقول : لا تنكحها إلا بشيء واجب لها وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق , ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ولهذا قال "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة عن علي قال : إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بها عسلا ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئا مريئا شفاء مباركا . وقال هشيم عن سيار عن أبي صالح كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الحميدي حدثنا وكيع عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن مالك السلماني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قالوا يا رسول الله : فما العلائق بينهم قال "ما تراضى عليه أهلوهم" . وقد روى ابن مردويه من طريق حجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن السلماني عن عمر بن الخطاب قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أنكحوا الأيامى" ثلاثا فقام إليه رجل فقال يا رسول الله فما العلائق بينهم ؟ قال "ما تراضى عليه أهلوهم" ابن السلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضا . ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (5) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها. ومن ههنا يؤخذ الحجر على السفهاء وهم أقسام فتارة يكون الحجر للصغير فإن الصغير مسلوب العبارة وتارة يكون الحجر للجنون وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين وتارة للفلس وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه . وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" قال هم بنوك والنساء وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عيينة والحسن والضحاك هم النساء والصبيان وقال سعيد بن جبير هم اليتامى . وقال مجاهد وعكرمة وقتادة هم النساء . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن النساء سفهاء إلا التي أطاعت قيمها" . ورواه ابن مردويه مطولا . وقال ابن أبي حاتم ذكر عن مسلم بن إبراهيم حدثنا حرب بن شريح عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" قال هم الخدم وهم شياطين الإنس وقوله "وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول : لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم. وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه وقال مجاهد "وقولوا لهم قولا معروفا" يعني في البر والصلة . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...6630858ac6.png |
| الساعة الآن : 08:33 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour