ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:44 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
شرح الكلمات:
بالبشرى: أي إسحاق ويعقوب بعده.
هذه القرية: أي قرية لوط وهي سدوم.
قالوا نحن أعلم بمن فيها: أي قالت الرسل نحن أعلم بمن فيها.
كانت من الغابرين: أي كانت في علم الله وحكمه من الباقين في العذاب.
سيء بهم: أي حصلت لهم مساءة وغم بسبب مخافة أن يقصدهم قومه بسوء.
وضاق بهم ذرعاً: أي عجز عن احتمال الأمر لخوفه من قومه أن ينالوا ضيفه بسوء.
رجزاً: أي عذابا من السماء.
بما كانوا يفسقون: أي بسبب فسقهم وهو إتيان الفاحشة.
ولقد تركنا منها آية: أي تركنا من قرية سدوم التي دمرناها آية بينة وهي خرابها ودمارها وتحولها إلى بحر ميت لا حياة فيه.
لقوم يعقلون: أي يعلمون الأسباب والنتائج إذا تدبروا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص لوط عليه السلام، إنه بعد أن ذكرهم وخوفهم عذاب الله قالوا كعادة المكذبين الهالكين فائتتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين وأنه عليه السلام استنصر ربه تعالى عليهم، واستجاب الله تعالى له وفي هذه الآية بيان ذلك بكيفيته، قال تعالى: {وَلَمَّا (1) جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ} الخليل عم لوط {بِالْبُشْرَى (2) } التي هي ولادة ولدٍ له هو إسحاق ومن بعده يعقوب ولد إسحاق عليه السلام كما قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . {قَالُوا} أي قالت الملائكة لإبراهيم {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} يريدون قرية قوم لوط وهي سدوم وعللوا لذلك بقولهم {إِنَّ أَهْلَهَا (3) كَانُوا ظَالِمِينَ} أي لأنفسهم بغشيان الذنوب وإتيان الفواحش، ولغيرهم إذ كانوا يقطعون السبيل وهنا قال لهم إبراهيم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ليس من الظالمين بل هو من عباد الله الصالحين فأجابته الملائكة فقالوا: {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} منك يا إبراهيم. {لَنُنَجِّيَنَّهُ (4) وَأَهْلَهُ} من الهلاك {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} وذلك لطول عمرها فسوف تهلك معهم لكفرها وممالأتها للظالمين. وقوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} أي ولما وصلت الملائكة لوطاً قادمين من عند إبراهيم من فلسطين {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} أي استاء بهم وأصابه غم وهم خوفاً من قومه أن يسيئوا إليهم، وهم ضيوفه نازلون عليه ولما رأت ذلك الملائكة منه طمأنوه بما أخبر به تعالى في قوله: {وَقَالُوا لا تَخَفْ} أي علينا {وَلا تَحْزَنْ} على من سيهلك من أهلك مع قومك الظالمين. {إِنَّا مُنَجُّوكَ} من العذاب أنت وأهلك أي زوجتك المؤمنة وبنتيك، {إِلَّا امْرَأَتَكَ} أي العجوز الظالمة فإنها {مِنَ الْغَابِرِينَ} الذين طالت أعمارهم وستهلك مع الهالكين. وقوله تعالى في الآية (34) : {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي أخبرت الملائكة لوطاً بما هم فاعلون لقومه وهو قولهم {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} أي مدينة سدوم {رِجْزاً} أي عذاباًَ من السماء وهي الحجارة بسبب فسقهم بإتيان الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين. قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا} أي من تلك القرية {آيَةً بَيِّنَةً} (5) ، أي عظة وعبرة، وعلامة واضحة على قدرتنا على إهلاك الظالمين والفاسقين. وقوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إذ هم الذين يتدبرون في الأمور ويستخلصون أسبابها وعواملها ونتائجها وآثارها أما غير العقلاء فلا حظ لهم في ذلك ولا نصيب فهم كالبهائم التي تنساق إلى المجزرة وهي لا تدري وفي هذا تعريض بمشركي مكة وما هم عليه من الحماقة والغفلة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- حلم إبراهيم ورحمته تجليا في دفاعه عن لوط وأهله.
2- تقرير مبدأ: من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه، حيث العلاقة الزوجية بين لوط وامرأته العجوز لم تنفعها
وهلكت لأنها كانت مع الظالمين بقلبها وسلوكها.
3- مشروعية الضيافة وتأكدها في الإسلام لحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
4- التنديد بالفسق عن طاعة الله وهو سبب هلاك الأمم والشعوب.
5- فضيلة العقل إذا استعمله صاحبه في التعرف إلى الحق والباطل والخير والشر.
__________

1 - (لما) حرق وجود لوجود نحو: لما جاء الحق ذهب الباطل. وهي أداة تدل على التوقيت كما هي ظرف ملازم للإضافة إلى جملة بعدها.
2 - البشرى: اسم للبشارة التي هي: إخبار بما يسرّ المخبر.
3 - الجملة تعليلية لما تقدمها من الإهلاك.
4 - قرأ الجمهور نافع وحفص: (لمنجّوك) بتشديد الجيم، وقرأ ابن كثير (منجوك) بتخفيفها من: أنجاه ينجيه، ونجي وأنجى بمعنى.
5 - المعنى: ولقد تركنا من القرية آثارا دالة عليها، وهي بقايا القرية المغمورة بماء بحيرة لوط تلوح من تحت المياه، مع بقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (5)
الحلقة (671)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 131الى صــــ 135)


وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)

شرح الكلمات:
وإلى مدين: أي وأرسلنا إلى قبيلة مَدْيَن، ومدين أبو القبيلة فسميت باسمه.
أخاهم شعيباً: أي أخاهم في النسب.
اعبدوا الله: أي اعبدوه ووحدوه ولا تشركوا به شيئاً.
وارجوا اليوم الآخر: أي آمنوا به وتوقعوا مجيئه وما يحدث فيه.
ولا تعثوا في الأرض مفسدين: أي ولا تعيثوا في الأرض فساداً بأن تنشروا فيها الفساد وهو العمل بالمعاصي فيها.
فأخذتهم الرجفة: الهزة العنيفة والزلزلة الشديدة.
في دارهم جاثمين: لاصقين بالأرض أمواتا لا يتحركون.
معنى الآيتين:
هذا موجز لقصة (1) شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين، والعبرة منه إهلاك تلك الأمة لما كذبت رسولها واستمرت على الشرك والمعاصي لعل قريشاً تعتبر بما أصاب هذه الأمة من هلاك ودمار من أجل تكذيبها لرسولها وعصيانها لربها قال تعالى {وَإِلَى (2) مَدْيَنَ} أي وأرسلنا إلى مدين {أَخَاهُمْ شُعَيْباً} وهو نبيّ عربي فلما انتهى إليهم برسالته قال {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ} أي وحدوه في عبادته وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه من التطفيف في الكيل والوزن، {وَارْجُوا (3) الْيَوْمَ الْآخِرَ} ، أي آمنوا بيوم القيامة وتوقعوا دائماً مجيئه وخافوا ما فيه من أهوال وأحوال فإن ذلك يساعدكم على التقوى وقوله: {وَلا تَعْثَوْا (4) فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} وذلك أنهم ينقصون الكيل والوزن ويبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض بالمعاصي. وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ} أي كذب أصحاب مدين نبيهم شعيباً فيما أخبرهم به ودعاهم إليه {فَأَخَذَتْهُمُ (5) الرَّجْفَةُ} أي رجفة الهلاك من تحتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين على الركب هلكى وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:

1- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر.
2- حرمة الفساد في الأرض وذلك بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
3- بيان نقمة الله تعالى على المكذبين والظالمين والفاسقين.
__________
1 - هذه القصة معطوفة على سابقاتها: قصة نوح وإبراهيم ولوط عليهم السلام.

2 - إن طلبت المناسبة بين قصة لوط وقصة أصحاب مدين فإنها في كون مدين من أبناء إبراهيم وكون لوط من الأسرة الإبراهيمية وأوضح من هذا السبب قرب الديار من بعضها، فمدين غير بعيدة من قرى لوط.
3 - أمره إيّاهم برجاء اليوم الآخر دال على أنهم ما كانوا يؤمنون باليوم الآخر أو ذكرهم به لغفلتهم عنه بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
4 - العثو: بالواو كالدنو والعثي بالياء كالعصي: أشد الفساد، وفعله: عثا يعثوا، وعثي كرضي يعثى كيرضى بمعنى واحد.
5 - الفاء للسببية، (والرجفة) الزلزال الشديد الذي ترجف منه الأرض والقلوب وكانت هذه الزلازل مصحوبة بصيحة شديدة انخلعت منها القلوب.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
شرح الكلمات:
وعاداً وثمود: أي وأهلكنا عاداً القبيلة وثمود القبيلة كذلك.
وقد تبين لكم من مساكنهم: أي تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم الخالية منهم بالحجر شمال الحجاز والشجر جنوب اليمن.
عن السبيل: أي سبيل الهدى والحق التي بينها لهم رسلهم.
كانوا مستبصرين: أي ذوي بصائر لما علمتهم رسلهم.
وقارون وفرعون وهامان: أي وأهلكنا قارون بالخسف وفرعون وهامان بالغرق.
فاستكبروا: أي عن عبادة الله تعالى وطاعة رسله.
وما كانوا سابقين: أي فائتين عذاب الله أي فارين منه، بل أدركهم.
فكلاً أخذنا بذنبه: أي فكل واحد من المذكورين أخذناه بذنبه ولم يفلت منا.
فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا: أي ريحاً شديدة، كعاد.
ومنهم من أخذته الصيحة: أي ثمود.
ومنهم من خسفنا به الأرض: أي كقارون.
ومنهم من أغرقنا: أي كقوم نوح وفرعون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في الآيات قبل ذي (1) إهلاكه لقوم لوط وقوم شعيب وقوم نوح من قبل لما ردوا دعوته وكذبوا رسله ذكر بقية الأقوام الذين كذبوا بآيات الله ورسله فأهلكهم، فقال عز وجل: {وَعَاداً وَثَمُودَ (2) } أي وأهلكنا كذلك عاداً قوم هود، وثمود قوم صالح! وقوله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ (3) لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} أي وقد تبين لكم يا معشر كفار مكة ومشركي قريش من مساكنهم بالحجر (4) والشجر (5) من حضرموت ما يؤكد لكم إهلاكنا لهم، إذ مساكنهم الخاوية دالة على ذلك دلالة عين. وقوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي وقد زين لهم الشيطان أعمالهم من الشرك والشر والظلم والفساد وصدهم بذلك التزيين عن السبيل، سبيل الإيمان والتقوى المورثة للسعادة في الدنيا والآخرة. وقوله: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (6) } أي ذوي بصائر أي معرفة بالحق والباطل والخير والشر لما علمتهم الرسل ولكن آثروا أهواءهم على عقولهم فهلكوا. وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين. وقوله تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} أي أهلكنا قارون الإسرائيلي ابن عم موسى عليه السلام، أهلكناه ببغيه وكفره، فخسفنا به الأرض وبداره أيضا، وفرعون وهامان أغرقناهما في اليم بكفرهما وطغيانهما وظلمهما واستعلائهما وذلك بعدما جاءهم موسى بالبينات من الآيات والحجج الواضحات التي لم تبق لهم عذراً في التخلف عن الإيمان التقوى ولكن {فَاسْتَكْبَرُوا (7) فِي الْأَرْضِ} ، أرض مصر وديارها فرفضوا الإيمان والتقوى {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} ولا فائتين فأحلّ الله تعالى بهم نقمته وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين. ثم في الآية الأربعين من هذا السياق بين تعالى أنواع العذاب الذي أهلك به هؤلاء الأقوام، فقال: {فَكُلّاً (8) } أي فكل واحد من هؤلاء المكذبين {أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ (9) مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} أي ريحاً شديدة كعاد. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} كثمود {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} كقارون {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} كفرعون، وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي لم يكن من شأن الله تعالى الظلم فيظلمهم، {وَلَكِنْ كَانُوا} أي أولئك الأقوام {أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك والكفر والتكذيب والمعاصي فأهلكوها بذلك، فكانوا هم الظالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن الشيطان هو سبب هلاك الأقوام وذلك بتزيينه لهم الشر والقبيح كالشرك والباطل والشر والفساد.
2- بيان أن الاستكبار كالظلم عاقبتهما الهلاك والخسران.
3- بيان أن الله تعالى ما أهلك أمة حتى يبين لها ما يجب أن تتقيه (10) من أسباب الهلاك والدمار فإذا أبت إلا ذاك
أوردها الله موارده.
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
__________

1 - وجه المناسبة ظاهر بين هده الآيات وسابقتها وهي إتمام ذكر كل من قص تعالى في كتابه قصصهم مفصلة في الأعراف وهود والشعراء والنمل والقصص، فذكر بإيجاز من لم يذكرهم في هذا العرض من هذه السورة، فذكر عاداً وثمود وقارون وفرعون هامان.
2 - وعاداً جائز أن يكون منصوباً بفعل مقدر، وأهلكنا عاداً أو اذكر عاداً.
3 - الجملة حالية.
4 - مدائن صالح.
5 - منازل عاد.
6 - الاستبصار: البصارة بالأمور، والسين والتاء للتأكيد كالاستحباب بمعنى الحب، والمراد أنهم أهل بصائر ومعرفة بالأمور لما لهم من عقول صالحة للنظر والإدراك، وما في التفسير وجه أحسن من هذا.
7 - إن فرعون وهامان وقارون شأنهم شأن أبي جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحارث ما حملهم على الكفر والعناد إلا الاستكبار في البلاد.
8 - (فكلا) : الفاء للتفريع على ما سبق: قوله تعالى: (وعاداً) إذ التنوين عوضٌ عن كلمة أي: فكل واحد ممن ذُكروا من عاد إلى قارون أخذ الله أي: أهلك بذنبه، ولم يظلمهم الله تعالى بإهلاكه إيّاهم.
9 - الفاء للتفريع إذ هذا التفصيل بعد الفاء متفرع عن ذلك الإجمال المذكور في قوله: (فكلاً أخذنا بذنبه) .
10 - شاهده في قول الله تعالى من سورة التوبة: (وما كان الله ليضل قوماً حتى يبين لهم ما يتقون) والإضلال سبيل الهلاك وطريقه.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (6)
الحلقة (672)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 136الى صــــ 143)


مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
شرح الكلمات:
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء: أي صفة وحال الذين اتخذوا أصناماً يرجون نفعها.
كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً: أي لنفسها تأوي إليه.
أوهن البيوت: أي أضعف البيوت وأقلها جدوى.
يعلم ما يدعون من دونه من شيء: أي من الأوثان والأصنام وغيرها.
وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبير أمور خلقه.
وما يعقلها إلا العالمون: أي العالمون بالله وآياته وأحكام شرعه وأسراره.
خلق الله السموات والأرض بالحق: أي من أجل أن يعبد لا للهو ولا لباطل.
أتل ما أوحي إليك من الكتاب: اقرأ يا رسولنا ما أنزل إليك من القرآن.
وأقم الصلاة: بأدائها مقامة مراعى فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها.
تنهى عن الفحشاء والمنكر: أي الصلاة بما توجد من نور في قلب العبد يصبح به لا يقدر على فعل فاحشة ولا إتيان منكر.
ولذكر الله أكبر: أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه كما أن ذكر
الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة وغيرها.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى نقمته على أعدائه الذين كفروا به وأشركوا غيره في عبادته وكذبوا رسله وكان ذلك تنبيها وتعليما للمشركين والكافرين المعاصرين لنزول القرآن لعلهم يستجيبون للدعوة المحمدية فيؤمنوا ويوحدوا ويسلموا فيسلموا من العذاب والخسران. ذكر هنا في هذه الآيات مثلاً لعبادة الأوثان في عدم نفعها لعابديها والقصد هو تقرير التوحيد، وإبطال الشرك العائق عن كمال الإنسان وسعادته وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ} أي شركاء وهي الأصنام والأوثان يعبدونها راجين نفعها وشفاعتها لهم عند الله تعالى {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ (1) اتَّخَذَتْ بَيْتاً} لتأوي إليه قصد وقايتها مما تخاف من جراء برد أو اعتداء حشرة عليها، {وَإِنَّ أَوْهَنَ (2) الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} والحال أن أوهن البيوت أي أضعفها وأحقرها شأناً وأقلها مناعة هو بيت العنكبوت فهذه حال المشركين الذين اتخذوا من دون الله {أَوْلِيَاءَ} أي أصناماً يرجون النفع، ودفع الضر بها فهم واهمون في ذلك غالطون، مخطئون، إنه لا ينفع ولا يضر إلا الله فليعبدوه وحده وليتركوا ما سواه. وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي لو كان المشركون يعلمون أن حالهم في عبادتهم غير الله في عدم الانتفاع بها كحال العنكبوت في عدم الانتفاع ببيتها الواهي لما رضوا بعبادة غير الله وتركوا عبادة الله الذي بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} فيه تهديد للمشركين المصرين على الشرك بأنه لا يخفى عليه ما هم عليه من دعاء غيره، ولو شاء لأهلكهم كما أهلك من قبلهم {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على أمره {الْحَكِيمُ} في تدبير خلقه ولذا يعجل العقوبة لمن يعجل لحكمة ويؤخرها عنه لحكمة فلا يغتر المشركون بتأخير العذاب، ولا يستدلون به على رضا الله تعالى بعبادتهم، وكيف يرضاها وقد أهلك أمماً بها وأنزل كتابه وبعث رسوله لإبطالها والقضاء عليها وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ (3) نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} أي وهذه الأمثال نضربها للناس لأجل إيقاظهم وتبصيرهم وهدايتهم، {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} أي وما يدرك مغزاها وما تهدف إليه من التنفير من الشرك العائق عن كل كمال وإسعاد في الدارين {إِلَّا الْعَالِمُونَ (4) } أي بالله وشرائعه وأسرار كلامه وما تهدي إليه آياته. وقوله تعالى: {خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} إخبار بأنه تعالى هو الذي خلق السموات والأرض وهي مظاهر قدرته وعلمه وحكمته موجبة لعبادته بتعظيمه وطاعته ومحبته والإنابة إليه والخوف منه. وخلقهما بالحق لا بالباطل وذلك من أجل أن يذكر فيهما ويشكر فمن كفر به فترك ذكره وشكره كان كمن عبث بالسموات والأرض وأفسدها، لذا يعذب نظراً إلى عظم جرمه عذاباً دائماً أبداً. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي إن في خلق السموات (5) والأرض بالحق {لَآيَةً} أي علامة بارزة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته، وهذه موجبات ألوهيته على سائر عباده فهو الإله الحق الذي لا رب غيره ولا إله سواه. وبعد هذا البيان والبرهان لم يبق عذر لمعتذر، وعليه فـ {اتْلُ (6) } أيها الرسول {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} تعليماً وتذكيراً وتعبداً وتقرباً {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} طرفي النهار وزلفاً من الليل فإن في ذلك عوناً كبيراً لك على الصبر والثبات وزاداً عظيماً لرحلتك إلى الملكوت الأعلى. وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى (7) عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} تعليل للأمر بإقام الصلاة فإن الصلاة بما توجده من إشراقات النفس والقلب والعقل حال تحول بين العبد وبين التلوث بقاذورات الفواحش ومفاسد المنكر وذلك يفيد إقامتها لا مجرد أدائها والإتيان بها. وإقامة الصلاة تتمثل في الإخلاص فيها لله تعالى أولاً ثم بطهارة القلب من الالتفات إلى غير الرب تعالى أثناء أدائها ثانياً، ثم بأدائها في أوقاتها المحددة لها وفي المساجد بيوت الله، ومع جماعة المسلمين عباد الله وأوليائه، ثم بمراعاة أركانها من قراءة الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه، والسجود على الجبهة والأنف والطمأنينة فيه، وآخر أركانها الخشوع وهو السكون ولين القلب وذرف الدمع. هذه هي الصلاة التي
توجد طاقة النور التي تحول دون الانغماس في الشهوات والذنوب وإتيان الفاحشة وارتكاب المنكر. وقوله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} أي أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من إقامة الصلاة لأن الصلاة أثناء أدائها مانعة عاصمة لكن إذا خرج منها، قد يضعف تأثيرها، أما ذكر الله بالقلب واللسان في كل الأحيان فهو عاصم مانع من الوقوع في الفحشاء والمنكر وفي اللفظ معنى آخر وهو أن ذكر الله للعبد في الملكوت الأعلى أكبر من ذكر العبد للرب في ملكوت الأرض ويدل عليه قوله "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خير منه" كما في الحديث الصحيح. وقطعاً والله لذكر الرب العبد الضعيف أكبر من ذكر العبد الضعيف الرب العظيم. اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين لآلائك. وقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (8) } فيه وعد ووعيد، فإن علمه يترتب عليه الجزاء فمن كان يصنع المعروف جزاه به، ومن كان يصنع السوء جزاه به. اللهم ارزقنا صنائع المعروف وأبعد عنا صنائع السوء آمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام.
2- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
3- فضل العلماء على غيرهم، العلماء بالله، بصفاته وأسمائه وآياته، وشرائعه، وأسرارها.
4- وجوب تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وذكر الله، إذ هي غذاء الروح وزاد العروج إلى الملكوت الأعلى.
5- بيان فائدة إقام الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى بالقلب واللسان.
__________

1 - العنكبوت: صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل وهي ثلاثة أصناف: منها صنف يسمى ليث العنكبوت، وهو الذي يفترس الذباب وكلها تتخذ لنفسها نسيجاً تنسجه من لعابها يكون خيوطاً مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران، وتتخذ في وسط تلك الخيوط جانباً أغلظ وأكثر خيوطاً فتحتجب فيه ويسمى بيتا لشبهه بالخيمة لأنه منسوج ومشدود من أطرافه فهو كبيت الشعر، وجملة (اتخذت بيتاًَ) حال من العنكبوت ويصغّر على العنيكبوت ويجمع على عناكب.
2 - (وإن أوهن البيوت..) هذه الجملة معترضة مبيّنة لوجه الشبه وتجري هذه الجملة مجرى المثل يضرب للشيء إذا قلّت فائدته وجدواه.
3 - (وتلك الأمثال) مبتدأ والخبر: جملة (نضربها للناس) .
4 - عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه".
5 - لفظ السموات والأرض: يشمل ذاتهما والموجودات المظروفة فيهما.
6 - المراد من: (اتل) : مدوامة تلاوة ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم.
7 - قيل لابن عطية: إن حماداً وابن جريج والكلبي يقولون: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام العبد فيها. قال: هذه عجمة أي: نسبهم إلى قلة الفهم وهو كذلك للحديث وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" وقال له أحد الصحابة: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. فقال: سينهاه ما تقول. يعني صلاته.
8 - في الآية وازع المراقبة، وعليه فتلاوة القرآن وإقام الصلاة وذكر الله تعالى ومراقبته. هذه الأربعة تمثّل سبيل السلام إلى دار السلام من سلكه نجا ومن تنكّبه هلك، والعياذ بالله العليم الحكيم.

****************************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الجزء الحادي والعشرون
وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)

شرح الكلمات:
ولا تجادلوا أهل الكتاب: أي لا تحاجوا ولا تناظروا اليهود ولا النصارى.
إلا بالتي هي أحسن: أي إلا بالمجادلة التي هي أحسن وهي الدعوة إلى الله بآياته والتنبيه على حججه.
إلا الذين ظلموا منهم: أي الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين بدفع الجزية وبقوا حرباً على المسلمين.
وكذلك أنزلنا إليك الكتاب: أي وكإنزالنا الكتاب على من قبلك من الرسل أنزلنا إليك الكتاب.
فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به: أي كعبد الله بن سلام وإخوانه الذين آمنوا بالرسول وكتابه.
ومن هؤلاء من يؤمن به: أي من هؤلاء المشركين من يؤمن به وفعلا آمن به كثيرون.
ولا تخطه بيمينك: أي تكتب بيدك لأنك أميّ لا تقرأ ولا تكتب.
لارتاب المبطلون: أي لشك اليهود في نبوتك ونزول القرآن إليك.
بل هو آيات بينات: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعوته وصفاته آيات بينات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.
وما يحجد بآياتنا إلا الظالمون: أي وما يجحد بآيات الله الحاملة لنعوت الرسول الأمي وصفاته إلا الذين ظلموا أنفسهم بكتمان الحق والاستمرار على الباطل.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَلا (1) تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} هذا تعليم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين يأخذون به مستقبلا عندما يتصلون بأهل الكتاب ويحتكون بهم فقال عز وجل مخاطبا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين من أمته {وَلا تُجَادِلُوا (2) أَهْلَ الْكِتَابِ} الذين هم اليهود والنصارى فنهاهم عن مجادلتهم وهي خصامهم ومحاجتهم ومناظرتهم {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي إلا بالمجادلة التي هي أحسن (3) وذلك بدعوتهم إلى الله تعالى ليؤمنوا برسوله ويدخلوا في دينه الإسلام والتنبيه على حجج الله وأدلة وحيه وكتابه. وقوله {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِْنهُمْ} وهم الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين ولم يؤدوا الجزية وناصبوا للمسلمين الحرب والعداء فهؤلاء لا يجادلون ولكن يحكّم فيهم السيف فيقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقوله تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . هذا تعليم آخر للمؤمنين وهو: إن أخبرهم أهل الكتاب بشيء لا يوجد في الإسلام ما يثبته ولا ما ينفيه وادّعوا أنه في كتابهم في هذه الحال فقولوا ما أرشدنا الله تعالى إلى قوله وهو: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا}
إلى آخر الآية حتى لا نكون قد كذّبنا بحق ولا آمنا بباطل، وفي البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم (4) ، وقولوا {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} أي وكإنزال الكتب السابقة على رسل سبقوا كموسى وداود وعيسى عليهم السلام أنزلنا إليك أنت يا محمد الكتاب أي القرآن وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} . فهذا إخبار بغيب فكما علّم الله تعالى المؤمنين كيف يكونون مع أهل الكتاب عندما يتصلون بهم ويعيشون معهم في المدينة وغيرها أخبر أن الذين آتاهم الكتاب أي التوراة والإنجيل وهم الراسخون في العلم يؤمنون أي بالقرآن وقد آمن عبد الله بن سلام وكثير من أحبار أهل الكتاب، وآمن من المشركين كثيرون فكان الأمر كما أخبر. وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} فهو كما أخبر لا يجحد بالآيات القرآنية ويكذب بها إلا كافر مظلم النفس خبيثها وقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} هو كما قال عز وجل لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ قبل القرآن أي كتاب، ولا كان يخط بيمينه أيّ كتاب لأنه أميّ لا يقرأ ولا يكتب أيْ فلو كان قبل نزول القرآن عليه يقرأ ويكتب لكان للمبطلين (5) مجال للشك في صحة دعوى النبوة المحمدية ونزول القرآن عليه، ولكن لم يكن قبل القرآن يقرأ أي كتاب، ولم يكن يخط بيمينه أي خط ولا كتاب فلم يبق إذاً للمشركين ما يحتجون به أبداً. وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ (6) الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي بل الرسول ونعوته وصفاته ومنها وصف الأمية آيات في التوراة والإنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب.. وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا} في التوراة والإنجيل والقرآن {إِلَّا الظَّالِمُونَ} أنفسهم (7) من الماديين اليهود والنصارى الذين يأكلون ويَترأسُون على حساب الحق والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية مجادلة أهل الكتاب من أهل الذِّمّة بالتي هي أحسن.
2- حرمة سؤال أهل الكتاب لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تسألوا أهل الكتاب (8) عن شيء فإنهم لن يهدوكم
وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل".
منع تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم إذا أخبروا بشيء ووجوب قول: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
3- إخبار القرآن بالغيب قبل وقوعه فيقع كما أخبر فيكون ذلك آية على أنه من وحي الله تعالى.
4- تقرير صفة الأمية في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هي في الكتب السابقة.
__________

1 - ذكر القرطبي الخلاف في هل هذه الآية منسوخة أو محكمة، ورجّح قول مجاهد وهي أنها محكمة، وما في التفسير على هذا وهو الصواب.
2 - الجدال والمجادلة مصدران لجادل، والمراد بالمجادلة: إقامة الدليل على رأي اختلف فيه صاحبه مع غيره. والجدل: شدة الخصومة وهو مأخوذ من الجدل الذي هو الفتل للحبل ونحوه إذا قواه، والمجادل يقوي رأيه بما يراه ويورده من حجج.
3 - وجه المجادلة بالحسنى لأهل الكتاب لأنهم أهل علم متأهلون للفهم وقبول الحق متى اتضح لهم بخلاف جهّال المشركين فإن تهجين عبادتهم وتفضيع طريقتهم قد يكون أنجع فيهم.
4 - تفرد به البخاري رحمه الله تعالى.
5 - قال مجاهد: "كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية.
6 - أي: ليس هو كما يقول المبطلون من أنه سحر أو شعر ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه وكذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمؤمنون به، وهذا لا ينافي مع ما في التفسير، إذ الوجهان صحيحان، وقال كعب في صفة هذه الأمة: إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء.
7 - والمشركون كاليهود والنصارى في هذا أي: الجحود بالآيات.
8 - رواه ابن جرير عن عبد الله بن مسعود قال: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (7)
الحلقة (673)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 143الى صــــ 147)

وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
شرح الكلمات:
لولا أنزل عليه آيات: أي قال كفار قريش هلاّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح، وعصا موسى.
قل إنما الآيات عند الله: أي قل يا رسولنا الآيات عند الله ينزلها متى شاء.
أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب: أي أو لم يكفهم فيما طلبوا من الآيات إنزالنا الكتاب عليك.
إن في ذلك لرحمة وذكرى: أي في القرآن رحمة وموعظة للمؤمنين فهو خير من ناقة صالح.
والذين آمنوا بالباطل: وهو ما يعبد من دون الله.
وكفروا بالله: وهو الإله الحق.
أولئك هم الخاسرون: أي حيث استبدلوا الكفر بالإيمان.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى: {وَقَالُوا} أي أهل مكة {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ (1) مِنْ رَبِّهِ} أي هلاّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى إذ هذا الذي يعنون بالآيات أي معجزات خارقة للعادة. قال تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل يا رسولنا لقومك المطالبين بالآيات دليلا على صدق نبوتك قل لهم: أولاً: الآيات التي تطالبون بها هي عند الله وليست عندي فهو تعالى ينزلها متى شاء وعلى من شاء. وثانياً: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي وظيفتي التي أقوم بها هي إنذار أهل الظلم من عاقبة ظلمهم وهي عذاب النار فلذا لا معنى بمطالبتي بالآيات. وثالثاً: أو لم يكفهم (2) آية أن الله تعالى أنزل عليّ كتابه فأنا أتلوه عليكم صباح مساء فأي آية أعظم من كتاب من أميّ لا يقرأ ولا يكتب تُتلى آياته تحمل الهدى والنور وهو في الوقت نفسه رحمة وذكرى أي موعظة لقوم يؤمنون فهي معجزة ثابتة قائمة باقية يجد فيها المؤمنون الرحمة فيتراحمون بها ويجدون فيها الموعظة فهم يتعظون بها، فأين هذا من معجزة تبقى ساعة ثم تذهب وتروح كمائدة عيسى أو عصا موسى. ورابعاً: شهادة الله برسالتي كافية لا يطلب معها دليل آخر على نبوتي ورسالتي، فقد قال لي ربي: {قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً (3) } ربي الذي يعلم ما في السموات والأرض من كل غيب ومن ذلك علمه بأني رسوله فشهد لي بذلك بإنزاله عليّ هذا الكتاب وأخيراً وبعد هذا البيان يقول تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا (4) بِالْبَاطِلِ} وهو تأليه المخلوقات من دون الله {وَكَفَرُوا} بألوهية الله الحق {أُولَئِكَ} البعداء في الفساد العقلي وسوء الفهم {هُمُ الْخَاسِرُونَ} في صفتهم حين اشتروا الكفر بالإيمان واستبدلوا الضلالة بالهدى.
هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث فلتعد تلاوتها بالتأنّي والتدبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بالأدلة القاطعة التي لا تُرد، وهي أربع كما ذكر آنفا.
2- بيان أكبر معجزة لإثبات النبوة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي نزول القرآن الكريم عليه وفي ذلك قال
عليه الصلاة والسلام كما في البخاري (5) : "ما من نبي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأنا أرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة".
3- القرآن الكريم رحمة وذكرى أي عبرة للمؤمنين به وبمن نزل عليه.
4- تقرير خسران المشركين في الدارين لاستبدالهم الباطل بالحق والعياذ بالله تعالى.
__________

1 - قرأ ابن كثير وحمزة: (آية) بالإفراد، وقرأ الجمهور ونافع وحفص بالجمع (آيات) .
2 - أخرج الدارمي في سننه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتُي بكتف فيه كتاب فقال: "كفى بقوم ثلاثة: أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله تعالى هذه الآية: (أو لم يكفهم) .
3 - (شهيداً) أي: يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أني رسول وأن هذا كتابه.
4 - قال يحيى بن سلام: الباطل هنا: إبليس وهو شامل لإبليس ولعبادة الأوثان وما في التفسير أعم، إذ اللفظ يشمل عبادة غير الله مطلقا وهو الباطل.
5 - أخرجه ابن كثير بهذا اللفظ: "وما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" وقال: أخرجاه من حديث الليث.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
شرح الكلمات:
ويستعجلونك بالعذاب: أي يطلبون منك تعجيل العذاب لهم.
ولولا أجل مسمى: أي وقت محدد للعذاب لا يتقدمه ولا يتأخر عنه لجاءهم.
وليأتينهم بغتة: فجأة من حيث لا يخطر لهم على بال.
وإن جهنم لمحيطة بالكافرين: أي من كل جانب وهم فيها وذلك يوم يغشاهم.
يوم يغشاهم العذاب: أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
ذوقوا ما كنتم تعملون: أي ويقول لهم الجبار ذوقوا ما كنتم تعملون أي من الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآيات القريبة أن المكذبين بالرسالة المحمدية طالبوا بالعذاب تحدياً منهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين في أنك نبي ورسول إلينا وفي هذه الآية يعجِّب تعالى رسوله أي يحملُه على التعجب من حمق المشركين وطيشهم وضلالهم إذ يطالبون بالعذاب فيقول له {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ (1) بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً (2) } للعذاب أي وقت محدد له لا يتقدمه ولا يتأخره {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} ثم أخبر تعالى رسوله مؤكداً خبره فقال: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} أي العذاب {بَغْتَةً} لا محالة {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئه، ثم كرر تعالى حمل رسوله على التعجب من سخف المشركين الذي لا يطيقون لسعة عقرب ولا نهشة أفعى يطالبون بالعذاب فقال {يَسْتَعْجِلُونَكَ (3) بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} لا محالة كقوله {أَتَى أَمْرُ اللهِ} {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ} أي يغطيهم ويغمرهم فيكون {مِنْ فَوْقِهِمْ (4) وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وجهنم محيطة بهم ويقول (5) الجبار تبارك وتعالى موبخا لهم {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مشروعية التعجب إذا وجدت أسبابه الحاملة عليه.
2- بيان مدى حمق وجهل وسفه الكافرين والمشركين بخاصة.
3- بيان أن تأخير العذاب لم تكن عن عجز وإنما هو لنظام (6) دقيق إذ كل له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر.
__________

1 - من بين المطالبين بالعذاب: أبو جهل، والنضر بن الحارث إذ قالا (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب وفيهم نزل: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ... ) .
2 - المعنى: لولا الأجل المعيّن لحلول العذاب بهم لجاءهم العذاب عاجلاً لأن كفرهم يستحق تعجيل عقابهم، ولكن الله أراد تأخيره لحكم يعلمها منها: إمهالهم ليؤمن من يؤمن منهم، ومنها ليعلموا أن الله لا يستفزّه استعجالهم ومنه إظهار رحمته بعباده وحلمه عليهم.
3 - حكى استعجالهم العذاب بصيغة المضارع لاستحضار حال استعجالهم لإفادة التعجب منها كما في قوله تعالى: (يجادلنا في قوم لوط) .
4 - (من فوقهم) حال مؤكدة، إذ غشيان العذاب لا يكون إلا من فوق، وقوله (ومن تحتهم) احتراس عمّا قد يوهمه الغشيان من الفوقية خاصة.
5 - قرأ بعضهم (ونقول) بنون التكلم والتعظيم.
6 - وحكم عالية تقدم بعضها إزاء رقم (2) في الصفحة السابقة.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة العنكبوت - (8)
الحلقة (674)
تفسير سورة العنكبوت مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 147الى صــــ 152)

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
شرح الكلمات:
إن أرضي واسعة: أي هاجروا من بلاد لم تتمكنوا من العبادة فيها فإن أرض الله واسعة.
فإياي فاعبدون: فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون.
كل نفس ذائقة الموت: أي لا يمنعنكم الخوف من الموت ألا تهاجروا في سبيل الله فإن الموت لا بد منه للمهاجر ولمن ترك الهجرة.
ثم إلينا ترجعون: أي بعد موتكم ترجعون إلى الله فمن مات في سبيل مرضاته أكرمه وأسعده، ومن مات في معصيته أذاقه عذابه.
لنبوئنهم: أي لننزلنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار.
الذين صبروا: أي صبروا على الإيمان والهجرة متوكلين على الله تعالى.
وكأين من دابة لا تحمل رزقها: أي لا تطيق جمعه ولا حمله لضعفها، والله يرزقها فلا عذر لمن ترك الهجرة خوفا من الجوع والخصاصة.
وهو السميع العليم: أي السميع لأقوال عباده العليم بنياتهم وأحوالهم وأعمالهم.
معنى الآيات:
لا شك أنه بعد ذلك التأنيب الإلهي للمشركين وتهديدهم بالعذاب وتوعدهم بعذاب جهنم وتوبيخهم فيها على شركهم وباطلهم لا شك أن رد الفعل من المشركين هو الضغط على المؤمنين المستضعفين في مكة فأرشدهم الله تعالى إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ليتمكنوا من عبادة الله تعالى، فناداهم بقوله عز وجل: {يَا عِبَادِيَ (1) الَّذِينَ آمَنُوا} أي بي وبرسولي ولقائي {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فهاجروا فيها، ولا ترضوا بالبقاء مع الكفر تهانون وتلزمون بعبادة غيري من آلهة المشركين، {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} لا تعبدوا معي غيري. وعليه فهاجروا في سبيل مرضاتي ولا تخشوا موتاً ولا فقراً فإن كل نفس ذائقة الموت هاجر صاحبها أو لم يهاجر {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (2) } ، لا محالة فمن رجع إلينا وهو مؤمن مطيع منفذ لأوامرنا مجتنب نواهينا أسعدناه، من رجع إلينا وهو كافر بنا عاص لنا مهمل أوامرنا مرتكب نواهينا أشقيناه. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً (3) } أي لننزلنهم من الجنة دار الإسعاد {غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أي لا يخرجون منها ولا يموتون فيها. هذا بيان لمن مات وهو مؤمن عامل بالصالحات ومنها الهجرة في سبيل الله. وقوله {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} أي ذلك الإنزال في الغرف في الجنان هو الإسعاد المترتب على الإيمان والهجرة والعمل الصالح فالإيمان والهجرة والعمل الصالح عملٌ والجنة وما فيها من النعيم أجرة ذلك العمل. وأثنى الله تعالى على الجنة فقال: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ووصفهم بقوله {الَّذِينَ صَبَرُوا} أي على الإيمان والهجرة والطاعة {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فخرجوا من ديارهم تاركين أموالهم لا يحملون معهم زاداً كل ذلك توكلا على ربهم وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ (4) مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لضعفها وعجزها أي وكثير من الدواب من الإنسان والحيوان مَن يعجز حتى عن حمل طعامه أو شرابه لضعفه والله عز وجل يرزقه بما يسخر له من أسباب وما يهيئ له من فرص فيطعم ويشرب كالأقوياء والقادرين، وعليه فلا يمنعنكم عن الهجرة مخافة الفاقة والفقر فالله تعالى تكفل برزقكم ورزق سائر مخلوقاته. {وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوالكم {الْعَلِيمُ (5) } ببواطنكم وظواهركم وأعمالكم وأحوالكم فارهبوه ولا ترهبوا سواه فإن في طاعته السعادة والكمال وفي معصيته الشقاء والخسران.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده فيها لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر.
2- لا معنى للخوف من الموت إذا وجب العمل كالهجرة والجهاد لأن الموت حق ولا بد منه.
3- بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل الإيمان والهجرة والتقوى.
4- لا يمنعن المؤمن من الهجرة خوفه من الجوع في دار هجرته إذ تكفل الله برزقه.
__________

1 - قال القرطبي هذه الآية نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة وهو كذلك إلا أنها عامة في كل من منع من عبادة الله تعالى في أرض عليه أن يهاجر إلى أخرى يعبد الله تعالى فيها إذ العبادة هي علّة خلقه ووجوده لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
2 - قرأ الجمهور: (ترجعون) وقرأ البعض بالياء (يرجعون) .
3 - وروى مسلم: "أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو من المغرب لتفاضل ما بينهم، وقيل له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم! قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
4 - وكأين: أصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى كم، والتقدير: أي كشيء كثير من العدد من دابة قال ابن عباس: الدواب هي كل ما دبّ من الحيوان فكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر.
5 - وهو السميع لدعائكم العليم بما في نفوسكم من إخلاص لله تعالى في أعمالكم وتوكلكم ورجائكم من الرزق.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:49 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
شرح الكلمات:
ولئن سألتهم: أي المشركين.
وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما يسيران الدهر كله لا يملان ولا يفتران.
فأنى يؤفكون: أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته لهم. وهو أن الخالق المدبر هو الإله الحق الذي يجب توحيده في عبادته.
الله يبسط الرزق لمن يشاء: أي يوسّع الرزق على من يشاء من عباده امتحاناً للعبد هل يشكر لله أو يكفر نعمه.
ويقدر له: أي ويضيق عليه ابتلاء ليرى هل يصبر أو يسخط.
ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله: إذاً كيف يشركون به أصناما لا تنفع ولا تضر؟
قل الحمد لله: أي قل لهم الحمد لله على ثبوت الحجة عليكم.
بل أكثرهم لا يعقلون: أي إنهم متناقضون في فهمهم وجوابهم.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب: أي بالنظر إلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها الإنسان ولعب يخرج منه بلا طائل ولا فائدة.
وإن الدار الآخرة لهي الحيوان: أي الحياة الكاملة الخالدة، ولذا العمل لها أفضل من العمل للدنيا.
لو كانوا يعلمون: أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلّهم يوحدون. يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي لئن سألت هؤلاء المشركين الذين يؤذون المؤمنين ويضطهدونهم من أجل توحيدهم لله تعالى لو سألتهم {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي من أوجدهما من العدم، ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبُنَّك قائلين الله. {فَأَنَّى (1) يُؤْفَكُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنها حال تستدعي التعجب وقوله تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} هذا مظهر من مظاهر الحكمة الإلهية والتدبير الحكيم وهو موجب له الألوهية نافٍ لها عما سواه. فهذا يبسط الرزق له فيوسّع عليه في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه، وهذا يضيق عليه في ذلك لماذا؟! والجواب: إنه يوسع امتحانا للعبد هل يشكر أو يكفر، ويضيق ابتلاءًا للعبد هل يصبر أو يسخط. ولذا فلا حجة للمشركين في (2) غناهم وفقر المؤمنين فالغنى لا يدل على رضا الله على العبد ولا على سخطه. والفقر كذلك لا يدل على سخط ولا على رضا. وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ (3) شَيْءٍ عَلِيمٌ} تقرير لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من يصلحه الفقر، والإفساد كذلك وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين فقلت من نزل من السماء ماء المطر فأحيا به الأرض بعد موتها بالقحط والجدب لأجابوك قائلين: الله إذاً قل لهم: الحمد (4) لله على اعترافكم بالحق لو أنكم تعملون بمقتضاه فما دام الله هو الذي ينزل الماء ويحيي الأرض بعد موتها فالعبادة إذاً لا تنبغي إلا له فلم إذاً تعبدون معه آلهة أخرى لا تنزل ماء ولا تحيي أرضا ولا غيرها، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} إذ لو عقلوا ما أشركوا بربهم أحجاراً وأصناماً ولا ما تناقضوا هذا التناقض في أقوالهم وأفعالهم يعترفون بالله ربا خالقاً رازقاً مدبراً ويعكفون على الأصنام يستغيثون بها ويدعونها ويعادون بل ويحاربون من ينهاهم عن ذلك.
وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي التي أعمت الناس عن الآخرة وصرفتهم عن التزود لها ما هي {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ (5) } إذ يتشاغل بها الكافر ويعمل لها الليل والنهار ثم يموت ويخرج منها صفر اليدين كالأطفال يلعبون طوال النهار ثم يعودون بلا شيء سوى ما نالهم من التعب فالواجب أن تحول إلى عمل صالح مثمر يتزود به العبد إلى آخرته إذ الآخرة هي الحيوان أي الحياة الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون، وفي عملها يتنافس المتنافسون. وهذا معنى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي الدار الآخرة {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} (6) أي الحياة التي يجب أن نعمل لها لبقائها وخيريّتها، وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي نعم إذ لو علموا أن الآخرة خير لما أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم، فدواؤهم العلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التعجب من تناقض المشركين الذين يؤمنون بربوبية الله ويجحدون ألوهيته.
2- بيان حقيقة وهي أن الغنى والفقر لا يدلان على رضا الرب ولا على سخطه، وإنما يدلان على علم الله
وحكمته وحسن تدبيره.
3- بيان حقارة الدنيا وتفاهتها وعظمة الآخرة وعلو قيمتها. فلذا أحمق الناس وأشدهم سفاهة من يعمى عن
الآخرة ويكفر بها ويبصر الدنيا ويؤمن بها.
__________

1 - الاستفهام للإنكار والتعجب.
2 - نزلت الآية رداً على المشركين الذين عيّروا المؤمنين بالفقر وقالوا لهم: لو كنتم على الحق لم تكونوا فقراء، وهذا تمويه منهم إذ في الكافرين فقراء أيضا.
3 - هذه الجملة تذييلية لإفادة أن ذلك كله جار على حكمة لا يُطّلع عليها.
4 - (الحمد لله) أي: على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته على كل شيء أراده.
5 - اللهو: ما يلهو به الناس أي: يشتغلون به عن الأمور المكدّرة أو يعمرون به أوقاتهم الخالية عن الأعمال.
6 - الحيوان: يقع على كل شيء حي، وحيوان: عين في الجنة، وقيل: أصل الحيوان حييان فأبدلت إحداهما واواً لاجتماع المثلين.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:50 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الروم - (1)
الحلقة (675)
تفسير سورة الروم مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 152الى صــــ 160)

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
شرح الكلمات:
في الفلك: أي في السفينة.
مخلصين له الدين: أي دعوا الله وحده فلم يذكروا معه غيره من الآلهة.
إذا هم يشركون: أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير الله تعالى.
ليكفروا بما آتيناهم: أي بنعمة الإنجاء من الغرق وغيرها من النعم.
فسوف يعلمون: أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا ألقوا في جهنم.
ويتخطف الناس من حولهم: أي يسبون ويقتلون في ديار جزيرتهم.
أفبالباطل يؤمنون: أي بالأصنام وهي الباطل، ينكر تعالى عليهم ذلك.
والذين جاهدوا فينا: أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للإسلام والمسلمين.
لنهدينهم سبلنا: أي لنوفقنّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر لقالوا الله ولو سئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله. ومع هذا هم يشركون بالله آلهة أوثانا، وكما يعترفون بربوبية الله ثم يشركون به الأصنام، فإنهم إذا ركبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبية الله تعالى ثم بالإشراك به. ومردّ هذا إلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (1) .
وقوله تعالى في الآية (66) : {لِيَكْفُرُوا (2) بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البر كان كأنه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإنجائهم من الغرق، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الإخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء. وقوله تعالى: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} قرئ بسكون اللام ورجّح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى: وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة، والأمر حينئذٍ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد.
أما على قراءة جر اللام ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا أي أخلصوا في الشدة وأشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أوتوا في الحياة، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئا فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (67) {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً (3) آمِناً وَيُتَخَطَّفُ (4) النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} أي ألم ير أولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرماً آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدى عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أن الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتشّن عليهم الغارات ويقتلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة من سواه. ولذا قال تعالى عاتباً عليهم منددا بسلوكهم {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ (5) } أي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون {وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة (68) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء لله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً (6) لِلْكَافِرِينَ} ؟ والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكنا للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم.
وقوله تعالى في الآية الخامسة (69) {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا (7) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ (8) الْمُحْسِنِينَ} في هذه الآية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله أي طلباً لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد ولا يعبد معه سواه فقاتل المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه الله تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز بالمحبوب، وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإن هذه البشرى تناله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدهم في سبيل الله، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطهارة أرواحهم. اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملاحدة لا يؤمنون بالله تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين توحيد الربوبية مشركين في توحيد الألوهية أي العبادة.
2- إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم الله تعالى عليهم لعلهم يشكرون.
3- لا ظلم أعظم من ظلم من افترى على الله الكذب، وكذّب بالحق لما جاءه وانتهى إليه وعرفه فانصرف عنه مؤثرا دنياه متبعا لهواه.
4- بشرى الله لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة.
5- فضل الإحسان وهو إخلاص العبادة لله تعالى وأداؤها متقنة مجوّدة كما شرعها الله تعالى، وبيان هذا الفضل للإحسان بكون الله تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والإنعام عليهم وإكرامهم في جواره الكريم.
__________

1 - قال القرطبي: يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانا. وقيل: إشراكهم أن يقول قائلهم لولا الله والرئيس والملاح لغرقنا، وهو كمال قال، وإنما هو عند المسلمين من الشرك الأصغر لا الأكبر كقول الرجل: لولا الطبيب لمات فلان، ولولا الكلب لسرقنا.
2 - (ليكفروا) هذه اللام هي لام كي، والظاهر أنها للعاقبة وما يؤول إليه الأمر، وقيل هي لام الأمر، وإن كانت كذلك فهو للتهديد والوعيد، ويقوّي هذا الوجه قراءة من قرأها من القراء السبعة بسكون اللام (وليتمتعوا) .
3 - هو مكة والحرم حولها.
4 - الخطف: الأخذ بسرعة. قال الضحاك يتخطف الناس من حولهم: أي يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً فذكرهم الله تعالى بهذه النعمة لعلهم يذعنون له بالطاعة.
5 - الاستفهام للإنكار والتعجب أيضا.
6 - المثوى المستقر الدائم، والمثوى كالمأوى وزناً ومعنى والاستفهام هنا للتقرير.
7 - جاهدوا الكفار والفساق والشيطان والنفس أمّا جهاد الكفار فلم يؤذن فيه في الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية إلا أنه لا مانع أن ينزل الحكم قبل أن يشرع العمل. ولكنه منتظر، وأما جهاد النفس فهو لازم لا يفارق وكذا جهاد الشيطان عليه لعائن الله.
8 - المعيّة هنا: معيّة إعانة وتسديد ونصرة على الأعداء المحاربين من الكفار والشياطين والنفس.

*********************************

يتبع



الساعة الآن : 05:37 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 201.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 200.75 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]