رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) شرح الكلمات: بالبشرى: أي إسحاق ويعقوب بعده. هذه القرية: أي قرية لوط وهي سدوم. قالوا نحن أعلم بمن فيها: أي قالت الرسل نحن أعلم بمن فيها. كانت من الغابرين: أي كانت في علم الله وحكمه من الباقين في العذاب. سيء بهم: أي حصلت لهم مساءة وغم بسبب مخافة أن يقصدهم قومه بسوء. وضاق بهم ذرعاً: أي عجز عن احتمال الأمر لخوفه من قومه أن ينالوا ضيفه بسوء. رجزاً: أي عذابا من السماء. بما كانوا يفسقون: أي بسبب فسقهم وهو إتيان الفاحشة. ولقد تركنا منها آية: أي تركنا من قرية سدوم التي دمرناها آية بينة وهي خرابها ودمارها وتحولها إلى بحر ميت لا حياة فيه. لقوم يعقلون: أي يعلمون الأسباب والنتائج إذا تدبروا. معنى الآيات: ما زال السياق في قصص لوط عليه السلام، إنه بعد أن ذكرهم وخوفهم عذاب الله قالوا كعادة المكذبين الهالكين فائتتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين وأنه عليه السلام استنصر ربه تعالى عليهم، واستجاب الله تعالى له وفي هذه الآية بيان ذلك بكيفيته، قال تعالى: {وَلَمَّا (1) جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ} الخليل عم لوط {بِالْبُشْرَى (2) } التي هي ولادة ولدٍ له هو إسحاق ومن بعده يعقوب ولد إسحاق عليه السلام كما قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . {قَالُوا} أي قالت الملائكة لإبراهيم {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} يريدون قرية قوم لوط وهي سدوم وعللوا لذلك بقولهم {إِنَّ أَهْلَهَا (3) كَانُوا ظَالِمِينَ} أي لأنفسهم بغشيان الذنوب وإتيان الفواحش، ولغيرهم إذ كانوا يقطعون السبيل وهنا قال لهم إبراهيم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ليس من الظالمين بل هو من عباد الله الصالحين فأجابته الملائكة فقالوا: {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} منك يا إبراهيم. {لَنُنَجِّيَنَّهُ (4) وَأَهْلَهُ} من الهلاك {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} وذلك لطول عمرها فسوف تهلك معهم لكفرها وممالأتها للظالمين. وقوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} أي ولما وصلت الملائكة لوطاً قادمين من عند إبراهيم من فلسطين {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} أي استاء بهم وأصابه غم وهم خوفاً من قومه أن يسيئوا إليهم، وهم ضيوفه نازلون عليه ولما رأت ذلك الملائكة منه طمأنوه بما أخبر به تعالى في قوله: {وَقَالُوا لا تَخَفْ} أي علينا {وَلا تَحْزَنْ} على من سيهلك من أهلك مع قومك الظالمين. {إِنَّا مُنَجُّوكَ} من العذاب أنت وأهلك أي زوجتك المؤمنة وبنتيك، {إِلَّا امْرَأَتَكَ} أي العجوز الظالمة فإنها {مِنَ الْغَابِرِينَ} الذين طالت أعمارهم وستهلك مع الهالكين. وقوله تعالى في الآية (34) : {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي أخبرت الملائكة لوطاً بما هم فاعلون لقومه وهو قولهم {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} أي مدينة سدوم {رِجْزاً} أي عذاباًَ من السماء وهي الحجارة بسبب فسقهم بإتيان الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين. قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا} أي من تلك القرية {آيَةً بَيِّنَةً} (5) ، أي عظة وعبرة، وعلامة واضحة على قدرتنا على إهلاك الظالمين والفاسقين. وقوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إذ هم الذين يتدبرون في الأمور ويستخلصون أسبابها وعواملها ونتائجها وآثارها أما غير العقلاء فلا حظ لهم في ذلك ولا نصيب فهم كالبهائم التي تنساق إلى المجزرة وهي لا تدري وفي هذا تعريض بمشركي مكة وما هم عليه من الحماقة والغفلة. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- حلم إبراهيم ورحمته تجليا في دفاعه عن لوط وأهله. 2- تقرير مبدأ: من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه، حيث العلاقة الزوجية بين لوط وامرأته العجوز لم تنفعها وهلكت لأنها كانت مع الظالمين بقلبها وسلوكها. 3- مشروعية الضيافة وتأكدها في الإسلام لحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". 4- التنديد بالفسق عن طاعة الله وهو سبب هلاك الأمم والشعوب. 5- فضيلة العقل إذا استعمله صاحبه في التعرف إلى الحق والباطل والخير والشر. __________ 1 - (لما) حرق وجود لوجود نحو: لما جاء الحق ذهب الباطل. وهي أداة تدل على التوقيت كما هي ظرف ملازم للإضافة إلى جملة بعدها. 2 - البشرى: اسم للبشارة التي هي: إخبار بما يسرّ المخبر. 3 - الجملة تعليلية لما تقدمها من الإهلاك. 4 - قرأ الجمهور نافع وحفص: (لمنجّوك) بتشديد الجيم، وقرأ ابن كثير (منجوك) بتخفيفها من: أنجاه ينجيه، ونجي وأنجى بمعنى. 5 - المعنى: ولقد تركنا من القرية آثارا دالة عليها، وهي بقايا القرية المغمورة بماء بحيرة لوط تلوح من تحت المياه، مع بقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم. |
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|