ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:32 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
شرح الكلمات:
وما كنت بجانب الغربي: أي لم تكن يا رسولنا حاضراً بالجانب الغربي من موسى.
إذا قضينا إلى موسى الأمر: أي بالرسالة إلى فرعون وقومه.
وما كنت من الشاهدين: حتى تعلمه وتخبر به.
ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر: أي غير أننا أنشأنا بعد موسى أمما طالت أعمارهم فنسوا العهود وأندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولاً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره.
وما كنت ثاويا في أهل مدين: أي ولم تكن يا رسولنا مقيماً في أهل مدين فتعرف قصتهم.
وما كنت بجانب الطور إذ نادينا: أي لم تكن بجانب الطور أي جبل الطور إذ نادينا موسى وأوحينا إليه ما أوحينا حتى تخبر بذلك.
ما أتاهم من نذير من قبلك: أي أهل مكة والعرب كافة.
ولولا أن تصيبهم مصيبة الخ: لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولا.
معنى الآيات:
بعد انتهاء قصص موسى مع فرعون وإنزال التوراة {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وكان القصص كله شاهداً على نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاطب الله تعالى رسوله فقال: {وَمَا كُنْتَ} أي حاضراً {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} أي بالجبل الغربي من موسى {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ (1) } بإرساله رسولاً إلى فرعون وملئه {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} الحاضرين إذاً فكيف علمت هذا وتتحدث به لولا أنك رسول حق؟!
وقوله: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا (2) قُرُوناً} أي أمما بعد موسى {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} أي طالت بهم الحياة وامتدت فنسوا العهود واندرست العلوم الشرعية وانقطع الوحي فجئنا بك رسولاً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره وقوله: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً} أي مقيماً {فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} فكيف عرفت حديثهم وعرفت إقامة موسى بينهم عشر سنين لولا أنك رسول حق يوحى إليك نبأ الأولين وهو معنى قوله تعالى {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} فأرسلناك رسولاً وأوحينا إليك أخبار الغابرين.
وقوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} أي جبل الطور {إِذْ نَادَيْنَا} موسى وأمرناه بما أمرناه وأخبرناه بما أخبرنا به، فيكف عرفت ذلك وأخبرت به لولا أنك رسول حق يوحى إليك. وقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ (3) رَبِّكَ} أي أرسلنا رحمة من ربك للعالمين {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وهم أهل مكة والعرب أجمعون {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي كي يتعظوا فيؤمنوا ويهتدوا فينجوا ويسعدوا.
وقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ (4) } أي عقوبة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي من الشرك والمعاصي {فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} أي هلا أرسلت إلينا رسولاً {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي لولا قولهم هذا لعاجلناهم (5) بالعذاب ولما أرسلناك إليهم رسولاً إذاً فمالهم لا يؤمنون ويشكرون؟؟!
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بأقوى الأدلة العقلية.
2- بعثة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءت في أوانها واشتداد الحاجة إليها.
3- البعثة المحمدية كانت عبارة عن رحمة إلهية رحم الله بها العالمين.
4- جواب {لولا} في قوله {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} . محذوف وقد ذكرناه وهو لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم ورسولا.
__________

1- إذ كلفّناه أمرنا ونهيناه وألزمناه عهدنا.
2- (ولكنا أنشأنا) الخ وجه هذا الاستدراك أن المشركين لما تعجبوا من رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين لم يسبقها رسالة إلى آبائهم فأعلمهم أن الله تعالى أرسل موسى بعد فترة من الرسل كذلك ولكن لطول الزمن ومضي القرون نسوا رسالة موسى عليه السلام حتى قالوا: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة.
3- أي: ما كان علمك بذلك لحضورك ولكن كان علمك رحمة من ربك فرحمة: منصوب في الآية على تقدير كون محذوف أي: كان علمك رحمة. ويصح النصب على المفعول المطلق أي: ولكن رحمناك رحمة فعلمناك ذلك بواسطة إيحائنا إليك.
4- (لولا) هنا حرف امتناع لوجود، امتنع إنزال العذاب بهم لوجود قولهم (لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك) أما لولا الثانية فهي أداة تحضيض.
5- في الآية معنى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) .



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:33 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة القصص - (6)
الحلقة (661)
تفسير سورة القصص مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 80الى صــــ 84)


وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
شرح الكلمات:
فلما جاء هم الحق من عندنا: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا مبينا.
قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى: أي هلا أعطي مثل ما أعطي موسى من الآيات المعجزات من العصا واليد أو كتابا جملة واحدة كالتورة.
أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل: أي كيف يطالبونك بأن تؤتى مثل ما أوتي موسى وقد كفروا بما أوتي موسى من قبل لما أخبرهم اليهود أنهم يجدون نعت محمد في التوراة كفروا بهذا الخبر ولم يقبلوه.
وقالوا سحران تظاهرا: أي التوراة والقرآن كلاهما سحر ظاهر بعضهما بعضاً أي قواه.
فإن لم يستجيبوا لك: أي بالإتيان بالكتاب الذي هو أهدى من التوراة والقرآن.
فاعلم أنما يتبعون أهواءهم: في كفرهم ليس غير، فلا عقل ولا كتاب منير.
ومن أضل ممن اتبع هواه: أي لا أضل منه قط.
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون: أي بأخبار الأولين وما أحللنا بهم من نقمتنا لما كذبوا رسلنا وأنكروا توحيدنا {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون.
معنى الآيات:
لما قرر تعالى نبوة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأدلته التي لا أقوى منها ولا أوضح وبين حاجة العالم إليها لا سيما العرب وذكر أنه لولا كراهة وقولهم: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} لما أرسل (1) إليهم رسوله. ذكر هنا ما واجه به المشركون تلك الرحمة المهداة فقال عنهم {فَلَمَّا جَاءَهُمُ (2) الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} أي محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: {لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} أي من الآيات كالعصا واليد البيضاء حتى نؤمن به ونصدق رسالته قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} (3) . وقالوا: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} وذلك أن قريشا لما كثر المؤمنون وهالهم الموقف بعثوا إلى يهود المدينة يسألونهم بوصفهم أهل الكتاب الأول عن مدى صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقوله فأجابهم اليهود بأنهم يجدون نعوت النبي الأمي في التوراة وأنه رسول حق وليس بكذاب ولا دجال فما كان من المشركين من قريش إلا أن أعلنو كفرهم بالتوراة وقالوا: التوراة والقرآن {سِحْرَانِ (4) } تعاونا فلا نؤمن بهما ولا نصدق من جاء بهما وقرئ {سَاحِرَانِ} أي موسى ومحمد عليهما السلام فلا نؤمن بهما.
هذا معنى قوله تعالى {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} أي بكل منهما كافرون.
فكيف لا يخجلون اليوم ويطالبون محمداً أن يعطى مثل الذي أعطي موسى من الآيات يا للعجب أين يذهب بعقول المشركين؟!!
وقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين الذين كفروا بالتوراة والقرآن {فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أنزله بعلمه يكون أكثر هداية من التوراة والقرآن.. أتبعه! {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعواكم بأن الفرقان والتوراة سحران تظاهرا.
وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} بالإتيان بكتاب من عند الله تعالى هو أهدى من الفرقان والتوراة ومن أين لهم بذلك.. إنه المستحيل! إذاً فاعلم أنهم إنما يتبعون أهواءهم فيما يقولون ويدعون فلا عقل ولا نقل عندهم {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ} ؟! اللهم إنه لا أضل منه. والنتيجة أنه لا أضل من هؤلاء المشركين من قريش وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ (5) الظَّالِمِينَ} هذا بيان لسنة الله تعالى في الظالمين الذين أكثروا من الظلم وتوغلوا فيه عقيدة بالشرك وعملا بالمعاصي فإنه يحرمهم الهداية فلا يهتدون أبدا.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ (6) وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي لقد وصلنا لهؤلاء المشركين من قومك يا رسولنا أي وصلنا لهم القول بأخبار الماضين، وما أحللنا بهم من بأسنا ونقمنا وعظيم عقوباتنا لما كفروا كما كفر هؤلاء وكذبوا بما كذّب به هؤلاء وصلنا لهم القول مبينا واضحاً موصولا أوله بآخره رجاء أن يتذكروا فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويرحموا بدخول الجنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان تناقض المشركين وكل من يبتع الهوى ويترك الهدى الإلهي.
2- بيان تحدي المشركين بالإتيان بكتاب من عند الله وعجزهم عن ذلك فبان بذلك أنهم يتبعون أهواءهم وأنه لا أضل منهم اليوم.
3- بيان سنة الله في حرمان المتوغلين في الظلم من الهداية الإلهية.
4- بيان أن الله عز وجل وصل القول لأهل مكة مفصلاً مبيناً لهدايتهم فله الحمد وله المنة وعلى الكافرين اللعنة في جهنم.
__________

1- ولأخذهم بالعذاب جزاء كفرهم وشركهم وفسادهم.
2- هذه الفاء هي الفصيحة أفصحت عن جواب طلب متقدم وهو قول المشركين. لولا أرسلت إلينا رسولاً أي: هلاّ أرسلت إلينا رسولاً مطالبين بذلك بإلحاح.
3- أي: موسى ومحمد تعاونا على السحر.
4- قرأ نافع (ساحران تظاهرا) وقرأ حفص: (سحران) إخبار بالمصدر.
5- المراد بالظالمين: الكاملون في الظلم وهو ظلم الأنفس وظلم الناس وظلم الشرك وهو أعظمها. (إن الشرك لظلم عظيم) وكذا إتيان الفواحش.
6- التوصيل مبالغة في الوصل وهو: ضمّ شيء إلى شيء وربطه به، والقول القرآن ألفاظه وصل بعضها ببعض إذ نزل منجما كلما نزل آي وصل بالآخر حتى اكتمل، ووصلت معانيه بعضها ببعض بإحكام وإتقان لم يُعهد في كتاب غيره وصل وعده بوعيده وترغيبه بترهيبه.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:33 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
شرح الكلمات:
الذين آتيناهم الكتاب من قبله: أي التوراة والإنجيل من قبل القرآن الكريم.
وإذا يتلى عليهم: أي القرآن
إنا كنا من قبله مسلمين: أي منقادين لله مطيعن لأمره ونهيه.
أجرهم مرتين: أي يضاعف لهم الثواب لأنهم آمنوا بموسى وعيسى وآمنوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويدرءون بالحسنة السئية: أي يدفعون بالحسنة من القول أو الفعل السيئة منهما.
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه: أي الكلام اللاغي الذي لا يقبل ولا يقر عليه لأنه لا يحقق درهماً للمعاش ولا حسنة للمعاد.
سلام عليكم: هذا سلام المتاركة أي قالوا قولا يسلمون به.
لا نبتغي الجاهلين: أي لا نطلب صحبة أهل الجهل لما فيها من الأذى.
معنى الآيات:
إن قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} يشمل أيضا اليهود والنصارى من أهل الكتاب إذ هم كالعرب فيما بين لهم من أخبار الماضين وفصل من أنباء إهلاك الأمم السابقة وما أنزل من بأساء وعذاب بالمكذبين، إذ الجميع مطالبون بالإيمان العمل الصالح والتخلي عن الشرك والكفر والمعاصي للنجاة والسعادة فذكر تعالى هنا أن فريقاً من أهل الكتاب يؤمنون بالنبي محمد لأنه الحق من ربهم. فقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ (1) الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي القرآن {قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل نزول (2) القرآن {مُسْلِمِينَ} أي موحدين منقادين نعبد الله بما شرع على لسان موسى وعيسى عليهما السلام هذه الآية تعني مجموعة من آمن من أهل الكتاب على عهد رسول الله ونزول القرآن منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وغيرهما. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ (3) مَرَّتَيْنِ} أي مضاعفا لأنهم آمنوا برسولهم وعملوا بما جاء به من الحق وآمنوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاء به من الهدى وقوله {وَيَدْرَأُونَ (4) } أي يدفعون {بِالْحَسَنَةِ} وهي الصفح والعفو {السَّيِّئَةَ} وهي الأذى من سب وشتم. وقوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (5) } أي
أي يتصدقون بفضول أموالهم حيث تنبغي الصدقة.
وقوله {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} أي إذا سمع أولئك المؤمنون من أهل الكتابين اللغو من سفهاء الناس أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه ولا إلى قائله وأجابو قائلين {لَنَا أَعْمَالُنَا} أي نتائجها حيث نجزى بها {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} حيث تجزون بها {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي اتركونا، إنا لا نبتغي (6) محبة الجاهلين، لما في ذلك من الأذى والضرر الناتج عن سلوك أهل الجهل بالله تعالى ومحابه ومكارهه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان فضل أهل الكتاب إذا آمنوا بالنبي الأمي وكتابه وأسلموا لله رب العالمين.
2- فضيلة من يدرء بالحسنة السيئة، وينفق مما رزقه الله.
3- فضيلة من يعرض عن اللغو وأهل الجهالات، ويقول ما يسلم به من القول، وهذه إحدى صفات عباد الرحمن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} أي قولا يسلمون به. وهذا السلام ليس سلام تحية وإنما هو سلام متاركة.
__________

1- ذكر عدة أقوال في هؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية منها وهو أقربها لأن السورة مكية أنها نزلت في النجاشي وأصحابه إذ وجّه باثني عشر رجلا فجلسوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم فآمنوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما قاموا من عنده تبعهم أبو جهل ومن معه فقال لهم: خيبكم الله من ركب وقبّحكم من وفد لم تلبثوا أن صدّقتموه وما رأينا ركباً أحمق منكم ولا أجهل. فقالوا: سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشدا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.
2- ومن قبل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك.
3- ثبت في الصحيح "أن ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمن به واتبعه وصدّقه فله أجران وعبد مملوك أدى حق الله عز وجل وحق سيده فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدّبها فأحسن أدبها ثم عتقها وتزوجها فله أجران" قال الشعبي: خذ هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة.
4- شاهده حديث معاذ: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
5- هذا الإنفاق عام في المال والعلم والجاه إذ كل ذلك من رزق الله والكل ينفق منه في سبيل الله.
6- أي: لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمشاتمة والمخاصمة.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة القصص - (7)
الحلقة (662)
تفسير سورة القصص مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 85الى صــــ 89)

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
شرح الكلمات:
إنك لاتهدي من أحببت: أي هدايته كأبي طالب بأن يسلم ويحسن إسلامه.
وقالوا: أي مشركوا قريش.
إن نتبع الهدى معك: أي إن نتبعك على ما جئت به وندعوا إليه وهو الإسلام.
نتخطف من أرضنا: أي تتجرأ علينا قبائل العرب ويأخذوننا.
يجبى إليه ثمرات كل شيء: أي يحمل ويساق إليه ثمارت كل شيء من كل ناحية.
رزقا من لدنا: أي رزقاً لكم من عندنا يا أهل الحرم بمكة.
بطرت معيشتها: أي كفرت نعمة الله عليها فأسرفت في الذنوب وطغت في المعاصي.
يبعث في أمها رسولا: أي في أعظم مدنها. وهي العاصمة.
إلا وأهلها ظالمون: بالتكذيب للرسول والإصرار على الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {إِنَّكَ لا ... بِالْمُهْتَدِينَ} هذه الآية نزلت في شأن (1) أبي طالب عم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في إسلامه لما له من سالفة في الوقوف إلى جنب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحيمه ويدافع عنه فلما حضرته الوفاة زاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرض عليه الشهادتين فكان يقول له: ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة وكان حوله عواده من كفار قريش، ومشايخها فكانوا ينهونه عن ذلك حتى قالوا له: أترغب عن دين آبائك؟ أترغب عن ملة عبد المطلب أبيك حتى قال هو على ملة عبد المطلب ومات. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عن ذلك فنهاه الله فلم يستغفر له بعد ونزلت هذه الآية كالعزاء له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} هدايته يا نبينا {وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته لعلمه أنه يطلب الهداية ولا يرغب عنها كما رغب عنها أبو طالب وأبو لهب وغيرهما،{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون.
وقوله تعالى: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالات (1) قريش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتألب علينا العرب ويرموننا عن قوس واحد ونصبح نتخطف من قبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا، وبذلك نحرم هذا الأمن والرخاء وتسوء أحوالنا، لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعوا إليه من الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلي عنها. فقال تعالى في الرد على هذا الاعتذار الساقط البارد {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ (2) لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى (3) إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} أي لم يوطئ لهم أرض بلد حرمناه فلا يسفك فيه دم، ولا يصاد فيه صيد، ولا يؤخذ فيه أحد بجريرة، أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرما آمنا قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا، ومن باب أولى. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (4) } فهذه علة إصرارهم على الشرك والكفر. إنها الجهل بالله تعالى وعظمته وعلمه وحكمته. ومعنى يجبى أو تجبى إليه ثمرات كل شيء أي يحمل إليه ويساق من أنحاء البلاد ثمرات كل شيء من أنواع الأرزاق وكان ذلك رزقا منه تعالى لأهل الحرم. أفلا يشكرون.
وقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي وكثيرا من أهل القرى أهلكناهم {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا (5) } لما بطروا عيشهم فلم يشكروا نعمة الله عليهم فأسرفوا في الظلم والمعاصي فأهلكناهم {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ} أي ديارهم {لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً} (6) كديار عاد وثمود والمؤتفكات. {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} لها، فلم نورثها غيرهم وتركناها خاوية خالية لم تسكن. أما يذكرون هذا فيعلموا بذلك قدرتنا فيتقوا فينا ويتوكلوا علينا ويؤمنوا ويوحدوا ويستقيموا على منهج الحق الذي جئت يا رسولنا به.
وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ} يا أيها الرسول {مُهْلِكَ الْقُرَى} أي أهل المدن والحواضر {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً} كما بعثك في أم القرى مكة {يَتْلُو (7) عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أي لم يكن
من سنة الله تعالى هذا بل لا يهلك أمة حتى يبعث في أم بلادها رسولاً يتلو عليهم آيات الله المبينة للحق من الباطل والخير من الشر وجزاء ذلك وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا (7) ظَالِمُونَ} أي ولم يكن من سنة الله تعالى في عباده أن يهلك القرى إلا بعد ظلم أهلها.
فللإهلاك شرطان:
الأول: أن يبعث الرسول يتلو آياته فيكذب ويكفر به وبما جاء به.
الثاني: أن يظلم أهل القرى ويعتدوا وذلك بإظهار الباطل والمنكر وإشاعة الشر والفساد في البلاد وهذا من عدل الله تعالى ورحمته بعباده إنه لأرحم بهم من أنفسهم، وكيف ومن أسمائه وصفاته الرحمن الرحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ لا هادي إلا الله. الهداية المنفية هي إنارة قلب العبد وتوفيق العبد للإيمان وعمل الصالحات، وترك الشرك والمعاصي. والهداية المثبة، يقول الله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. تلك هداية الدعوة والوعظ والإرشاد، ومنه {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي يدعوهم إلى الهدى.
2- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته فيما ألقاه في قلوب العرب المشركين الجاهليين من تعظيم الحرم وأهله ليهيء بذلك لسكان حرمه أمنا وعيشاً كما قال تعالى {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} قريش (2-4) .
3- من رحمة الله وعدله أن لا يهلك أمة من الأمم إلا إذا توفر لهلاكها شرطان:
1- أن يبعث فيهم رسولا يتلو عليهم آيات الله تحمل الهدى والنور.
2- أن يظلم أهلها بالتكذيب للرسول والكفر بما جاء به والإصرار على الكفر والمعاصي.
4- التاريخ يعيد نفسه كما يقولون فما اعتذر به المشركون عن قبول الإسلام بحجة تألب العرب عليهم وتعطيل تجارتهم يعتذر به اليوم كثير من المسؤولين فعطلوا الحدود وجاروا الغرب في فصل الدين عن الدولة وأباحوا كبائر الاثم كالربا وشرب الخمور وترك الصلاة حتى لا يقال عنهم إنهم رجعيون متزمتون فيمنعوهم المعونات ويحاصرونهم اقتصاديا.
__________

1- روى البخاري سبب نزول هذه الآية وأنها نزلت في أبي طالب عم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1- من القائلين هذا القول من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي وكان ها القول من تعللاتهم فأجاب تعالى عما اعتل به هؤلاء فقال: (أو لم نمكن لهم حرما آمناً..) الخ.
2- الاستفهام للإنكار عليهم أن يكون الله تعالى لم يمّكن لهم حرماً آمناً.
3- قرأ نافع تجبى بالتاء، وقرأ حفص بالياء، والجبي: الجمع، والجلب، ومنه جباية الزكاة أي جمع أموالها، وجابية الحوض ما يجمع فيها الماء من البئر.
4- هذا الاستدراك لذكر علة تجاهلهم حماية الله تعالى لهم بتمكين الحرم لهم فهم فيه آمنون مطعمون ألا وهي الجهل فهو علتهم الحاملة لهم على الإصرار على الشرك.
5- بطرت: جهلت شكر معيشتها.
6 - (إلا قليلا) أي: كالمسافرين الذين يمرون بها وينزلون بها ساعا ويغادرون.
7- الجملة في محل نصب صفة لـ (رسولا) .
7- أي: إلا بعد أن ظلموا بالشرك والمعاصي بارتكاب عظائم الذنوب وكبائر الآثام، وذلك لتنزه الرب تبارك وتعالى عن الظلم.

*************************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
شرح الكلمات:
وما أوتيتم من شيء: أي وما أعطاكم الله من مال أو متاع.
فمتاع الحياة الدنيا وزينتها: فهو ما تتمتعون به وتتزينون ثم يزول ويفنى.
وما عند الله خير وأبقى: أي وما عند الله من ثواب وهو الجنة خير وأبقى.
أفلا تعقلون: لأن من يؤثر القليل الفاني على الكثير الباقي لا عقل له.
وعداً حسنا: أي الجنة.
فهو لاقيه: أي مصيبه وحاصل عليه وظافر به لا محالة.
من المحضرين: أي في نار جهنم.
معنى الآيتين:
لقد سبق في هذا السياق أن المشركين اعتذروا عن الإسلام بعذر مادي بحت وهو وجود عداوة بينهم وبين سائر العرب. يترتب عليها حروب وتعطل التجارة إلى غير ذلك. فقوله تعالى هنا {وَمَا أُوتِيتُمْ (1) مِنْ شَيْءٍ (2) فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهو خطاب لهم ولكل من يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة فيستحل المحرمات ويعطل الأحكام ويضيع الفرائض والواجبات لتعارضها في نظره مع جمع المال والتمتع بالحياة الدنيا. وقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} أي من مال ومتاع وإن كثر {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي فهو متاع الحياة الدنيا {وَزِينَتُهَا} أي تتمتعون وتتزينون به أياماً أو أعواماً ثم ينفد ويزول، أو تموتون عنه وتتركونه {وَمَا عِنْدَ اللهِ}
من نعيم الجنة {خَيْرٌ وَأَبْقَى} خير في نوعه وأبقى في مدته، فالأول رديء وتصحبه المنغصات ويعقبه الكدر، والثاني جيد صالح خال من المنغصات والكدورات وباق لا يبلى ولا يفنى ولا يزول ولا يموت صاحبه ويخلفه وراءه. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} يا من تؤثرون الفاني على الباقي والرديء على الجيد والخبيث على الطيب. وقوله تعالى: {أَفَمَنْ (3) وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} وهو المؤمن الصادق في إيمانه المؤكد له بصالح عمله، {وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} وهو الجنة دار السلام {فَهُوَ (4) لاقِيهِ} أي لاق موعده بإذن الله بمجرد أن يلفظ أنفاسه وتعرج إلى السماء روحه. {كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فهو يأكل ويشرب وينكح كالبهائم {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} في جهنم في دار العذاب والهوان، والجواب: لا يستويان أبداً وشتان ما بينهما، فالأول وهو المؤمن الصالح الموعود بدار السلام لا يقارن بالكافر المتهالك على الدنيا ثم يتركها فجأة ويجد نفسه مع أهل الكفر والإجرام في عذاب وهون لا يفارقه ولا يخرج منه أبداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- فائدة العقل أن يعقل صاحبه دون ما يضره، ويبعثه على ما ينفعه فإن لم يعقله دون ما يضره ولم يبعثه على ما ينفعه فلا وجود له، ووجوده كعدمه.
2- بيان فضل الآخرة على الدنيا.
3- وعد الله للمؤمن بالجنة خير مما يؤتاه من مال ومتاع وزينة في الحياة الدنيا.
__________

1 - في هذه الآية الكريمة تذكرة لقريش التي آثرت الدنيا على الآخرة فردت الإسلام مخافة أن يؤثر على حياتها الاقتصادية والأمنية في تصورها الهابط المتهالك وهي أيضا تذكرة لكل الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.
2 - (من) بيانية فقوله: (من شيء) بيان لما في قوله: (وما أوتيتم) والمتاع ما يتمتع به زمنا ثم يزول، والزينة تطلق على ما يحسن الأجسام.
3 - الاستفهام إنكاري ينكر فيه تعالى التسوية فضلا عن المفاضلة بين مؤمن وعده ربه النعيم المقيم في الآخرة وكافر متعه اليوم بمتع زائلة فانية عما قريب تنتهي وتزول ويؤول أمره إلى دار الشقاء والعذاب الأبدي وهي دار البوار.
4 - جملة (فهو لاقيه) معترضة بين طرفي المقابلة في المفاضلة.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة القصص - (8)
الحلقة (663)
تفسير سورة القصص مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 90الى صــــ 94)

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
شرح الكلمات:
ويوم يناديهم: أي الرب سبحانه وتعالى.
كنتم تزعمون: أي أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي.
حق عليهم القول: أي بالعذاب في النار وهم أئمة الضلال.
أغويناهم: أي فغووا ولم نكرههم على الغي.
تبرأنا إليك: أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم.
وقيل ادعوا شركاءكم: نادوهم ليخلصوكم مما أنتم فيه.
لو أنهم كانوا يهتدون: أي لما رأوا العذاب ودّوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين.
ويوم يناديهم: أي الله تبارك وتعالى.
فعميت عليهم الأنباء: أي فخفيت عليهم الأنباء التي يمكنهم أن يحتجوا بها.
فهم لا يتساءلون: أي انقطعوا عن الكلام.
فأما من تاب وآمن: أي آمن بالله ورسوله وتاب من الشرك.
وعمل صالحا: أدى الفرائض والواجبات.
فعسى أن يكون من المفلحين: أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، وعسى من الله تعالى لا تفيد مجرد الرجاء بل هي لتحقق الموعود به.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله واذكر يوم ينادي (1) ربك هؤلاء المشركين وقد ماتوا على شركهم فيقول لهم {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني. وقوله تعالى {قَالَ الَّذِينَ (2) حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي نطق الرؤساء من أئمة الضلال وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم {رَبَّنَا (3) هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} {أَغْوَيْنَاهُمْ} فغووا {كَمَا غَوَيْنَا (4) } أي ما أكرهناهم على الغواية، {تَبَرَّأْنَا (5) إِلَيْكَ} أي منهم. {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} بل كانوا يعبدون أهواءهم لا غير. وقوله: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} يقال للمشركين تهكّما بهم واستهزاء، {ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} أي لينصروكم ويخلصوكم مما أنتم فيه من الذل والهوان.
قال تعالى: {فَدَعَوْهُمْ} بالفعل نادوا {فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} إذ لا يقدر واحد من الإنس أو الجن أن يقول هذا كان يعبدني، بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الآية قبل ذي تبرأنا إليك أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى: {وَرَأَوُا الْعَذَابَ} بأعينهم فاشتدت حسرتهم وودوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين. وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي ربهم قائلا: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} ؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى: {فَعَمِيَتْ (6) عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} أي فخفيت عليهم الأخبار التي يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا {فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُون} أي لا يسأل بعضهم بعضاً لأنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالوا الجحيم لا محالة. وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ (7) } من هؤلاء المشركين اليوم من الشرك وآمن بالله ولقائه ورسوله وعمل صالحا فأدى الفرائض والواجبات {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة، فهذه دعوة سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أن يتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن الإيمان الصحيح ويعمل صالحا بأداء الفرائص فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار فهل من تائب؟!.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- التنديد بالشرك والمشركين.
2- براءة الرؤساء في الضلال من المرؤوسين.
3- التحذير من الغواية وهي الضلال، والانغماس في الذنوب والآثام.
4- خذلان المعبودين عابديهم يوم القيامة وتبرؤهم منهم.
5- باب التوبة مفتوح لكل عبد مهما كانت ذنوبه ولا يهلك على الله إلا هالك.
__________

1 - بعد تقرير النبوة انتقل الكلام إلى تقرير ركني العقيدة: التوحيد والبعث، فيوم معمول لمحذوف تقديره: اذكر يا رسولنا يوم ينادي الجبار أولئك المحضرين في جهنم يناديهم للتوبيخ والتقريع.
2 - لم تعطف جملة: (قال الذين) بالواو أو بالفاء لأنها في صورة حوار.
3 - هذا النداء المراد به الاستعطاف والاسترحام.
4 - أي: أضللناهم كما كنا ضالين، وذلك أنهم دعوهم إلى عبادتهم فعبدوهم، ولذا قال قتادة: هؤلاء هم الشياطين، وقيل: هم الرؤساء، والكل صحيح.
5 - (تبرأنا) أي: تبرأ الشياطين والرؤساء ممن عبدوهم أو عبدوا غير الله بدعوتهم وتزينيهم، وأنكروا أنهم كانوا يعبدونهم.
6 - خفيت الأنباء على جميع المسؤولين فسكتوا كلهم إذ لم يروا جوابا ينفع في هذا الموقف الرهيب.
7 - هذه الفاء الفصيحة كأن سائلاً قال بعد أن عرف حال المشركين في النار: وما حال غيرهم يا ترى؟ فأجيب بأن من تاب من الشرك وعمل صالحا بأداء الفرائض ففلاحه العظيم واجب له متأكد.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآيات قبل هذه التنديد بالشرك وتوبيخ المشركين وتحديهم بدعاء شركائهم ليخلصوهم مما هم فيه من العذاب، وكان شركهم باختيارهم الخاص وإرادتهم الحرة إذ تبرأ منهم من اختاروهم آلهة مع الله فعبدوهم معه. وفي هذه الآية يكشف تعالى عن خطئهم في الاختيار، وذلك من وجهين: الأول أنه لا حق لهم في الاختيار. إذ الاختيار لخالق المخلوقات فيختار منها ما يشاء لنبوته أو طاعته أما الذي يُخْلَقُ ولا يَخْلُقُ فكيف يصح منه اختيار. والثاني بحكم أنهم مخلوقون مربوبون لله تعالى وهم يعلمون هذا إذ لو سألهم أحد: من خلقكم؟ لقالوا: الله؛ كان المفروض فيهم والمطلوب منهم أن يطلبوا من الله تعالى خالقهم أن يختار لهم ما يعبدون ويبين لهم كيف يعبدون، إذ هو مولاهم الحق ولا مولى لهم سواه أما أن يركبوا رؤوسهم ويختاروا بأنفسهم ما يعبدون فهذا ظلم منهم كبير استوجبوا به اللوم في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى: (68) {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} .. أي وربك يا محمد يخلق ما يشاء ممن يريد خلقهم ويختار (1) من يشاء لما يشاء ممن يشاء من عباده لما يشاء من كمال أو نقصان. أما عبيده فليس لهم حق الاختيار وإنما عليهم السمع والطاعة قال تعالى: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (2) } أي حق الاختيار بل الذي يختاره الله هو الذي يجب أن يختاره العبد. وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ويقول: "اللهم خرْ لي واختر لي" وكان يعلم أصحابه دعاء الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، ويحضهم على أن يختاروا في الأمر الواحد سبع مرات. وقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين وباطل المبطلين وقوله {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} وهذا برهان أن الخيرة له (3) وليس لغيره إذ الذي يعلم الظواهر والبواطن والبدايات والنهايات قبل البدء والمنتهى صاحب هذا العلم هو الذي يختار. أما الذي لا يعلم ما يكنه أخوه في صدره بل ولا ما يظهره آخر إلى جنبه أي لا يعلم عاقبته فكيف يصح منه الاختيار أو تكون له خيرة في شيء. وفوق ذلك أنه سبحانه وتعالى {وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي المعبود الذي لا معبود بحق سواه الذي له الحمد في الدنيا إذ كل ما في الدنيا هو خلقه وفضله وإنعامه، وله الحمد في الآخرة، يحمده أهل الجنة إذ قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن بل الحياة الدنيا كالآخرة. تختم بالحمد لله. قال تعالى {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي وله الحكم والقضاء في الدنيا والآخرة {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فكما أن الحكم خاص به فكذلك الرجوع إليه، ويوم يرجعون إليه يحكم بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ "ليس من حق العبد أن يختار إلا ما اختاره الله له".
2- تعين طلب الاختيار في الأمر كله من الله تعالى بقول العبد "اللهم خر لي واختر لي".
3- تأكيد سنة الاستخارة وهي إذا همّ العبد بالأمر يصلي ركعتين في وقت لا تكره فيه صلاة النافلة، ثم يدعو بدعاء الاستخارة كما ورد في الصحيح وهو "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به". ويسمي حاجته التي هم بها من سفر أو زواج أو بناء أو تجارة أو غراسة.
4- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
5- وجوب حمد الله وشكره على كل حال وذلك لتجدد النعمة في كل آن.
__________

1 - قيل نزلت رداً على الوليد بن المغيرة حين قال: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. كما هي ردّ على اختيارهم الشركاء ليشفعوا لهم يوم القيامة.
2 - جائز أن يكون (ما) موصولاً مفعولا به لفعل: يختار، والعائد محذوف أي: ويختار الذي لهم فيه خير، كما أن الخلق من خصائصه، إذ قال (وربك يخلق ما يشاء) فكذلك الاختيار له دون غيره، وجائر أن يكون الوقف التام على (ويختار) ، وجملة (ما كان لهم الخيرة) مستأنفة لغرض تأكيد القصر على الله تعالى هو الخالق وحده وهو الذي يختار وحده وليس لأحد من الخلقِ الخلقُ والاختيار.
3 - الخيرة: اسم مصدر الاختيار كالطيرة اسم مصدر التطير ولا نظير لهذه الصيغة في الأسماء (والطيرة والخيرة) .


ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة القصص - (9)
الحلقة (664)
تفسير سورة القصص مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 94الى صــــ 100)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني
سرمداً: أي دائما، ليلاً واحداً متصلاً لا يعقبه نهار.
بضياء: أي ضوء كضوء النهار.
بليل تسكنون فيه: أي تنامون فتسكن جوارحكم فتستريح من تعب الحياة.
لتسكنوا فيه: أي في الليل.
ولتبتغوا من فضله: أي تطلبوا الرزق من فضل الله في النهار.
ولعلكم تشكرون: أي كي تشكروا ربكم بطاعته كالصلاة والصيام والصدقة.
ونزعنا من كل أمة شهيداًَ: أي أحضرنا من كل أمة من يشهد عليها وهو نبيها عليه السلام.
فقلنا هاتوا برهانكم: أي حججكم على صحة الشرك الذي أنذرتكم رسلنا عواقبه فما قبلتم النذارة ولا البشارة.
فعلموا أن الحق لله: أي تبين أن العبادة والدين الحق لله لا لسواه.
وضل عنهم ما كانوا يفترون: أي وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من الأقوال الباطلة التي كانوا يردون بها على الرسل عليهم السلام.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد وهو حول أنداد لله تعالى من مخلوقاته فقال تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قل لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله أنداداً وهو
خالقهم ورازقهم ومدبر أمر حياتهم {أَرَأَيْتُمْ (1) } أي أخبروني {إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً} أي (2) دائما ليلاً واحداً متصلا لا يعقبه نهارٌ {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أخبروني هل هناك {إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ (3) } كضياء النهار، والجواب: لا أحد وإذاً فكيف تشركون به أصناما. {أَفَلا تَسْمَعُونَ} ما يقال لكم. وقل لهم أيضاً {أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداًً} أي دائماً متصلاً لا يخلفه ليل أبداً {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} إلى انقراض هذا الكون وانتهاء هذه الحياة وقيام الناس لربهم من قبورهم يوم القيامة {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ} أي أيُّ إله غير الله {يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} فتخلدون إلى الراحة بالنوم والسكون وعدم الحركة فيه، وإذا قلتم لا أحد يأتينا بليل نسكن فيه إذاً فما لكم لا تبصرون هذه الآيات ولا تسمعون ما تحمله من الأدلة والحجج القواطع القاضية بأنه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه. وقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ (4) جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} إذ ليس واجبا عليه ذلك وإنما هو فضل منه ورحمة فالليل تسكنون فيه والنهار تتحركون فتبتغون رزقكم من فضل الله، وبذلك تهيّؤون للشكر إذا أكلتم أو شربتم أو ركبتم أو نزلتم قلتم الحمد لله، والحمد لله رأس الشكر، كما أن الليل والنهار ظرف للعبادة التي هي الشكر، فالعبادات لا تقع إلا في الليل والنهار، فالصيام في النهار والقيام بالليل والصلاة والصدقات فيهما. وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي اذكر يا رسولنا لهم تنبيها وتعليماً يوم يناديهم الرب تبارك وتعالى فيقول لهم: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أنهم شركاء لي فعبدتموهم، وهل يرجى أن يجيبوا لا، لا، وإنما هذا السؤال ونظائره هو سؤال تبكيت وتأنيب وتوبيخ وهو نوع من العذاب النفسي الذي هو أشد من العذاب الجسمي. وقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا (5) مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} أي واذكر لهم هذا الموقف من مواقف القيامة الصعبة {وَنَزَعْنَا} أي أحضرنا {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} يشهد عليها وهو
نبيها، ويشهد الرسول أنه بلغ ونصح وأنذر، ويقال لهم: {هَاتُوا (6) بُرْهَانَكُمْ} على صحة ما كنتم تعبدون وتدعون. قال تعالى: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} أي تبين لهم أن الحق لله أي أن الدين الحق لله فهو المستحق لتأليه المؤلهين وطاعة المطيعين وقربات المتقربين لا إله غيره ولا رب سواه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- إشارة علمية إلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإبصار يكون مع الضوء، ولا يتم مع
الظلام بحال من الأحوال.
2- البرهنة القوية على وجوب توحيد الله إذ لا رب يدبر الكون سواه.
3- كون النهار والليل ظرفان للسكون وطلب العيش هما من رحمة الله تعالى أمر يقتضي شكر الله تعالى بحمده والاعتراف بنعمته وطاعته بصرف النعمة فيما يرضيه ولا يسخطه.
4- بيان أهوال القيامة، بذكر بعض المواقف الصعبة فيها.
5- إذا كان يوم القيامة بطل كل كذب وقول ولم يبق إلا قول الحق والصدق.
__________

1 - حقق الهمزة من (أرأيتم) حفص، وخففها ورش فقلبها ألفاً تخفيفاً (أرايتم) .
2 - (سرمداً) أي: دائماً. قال طرفة بن العبد:
لعمرك ما أمري عليّ بغمّة
نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد
3 - أي: بنهار تبصرون فيه معايشكم ويصلح فيه ثماركم ونباتاتكم.
4 - فيه تصريح بأن الليل بما يحصل فيه من سكون وراحة للأبدان والعقول من الهم والتفكير، والنهار بما يحصل فيه من عمل ونشاط للكسب وتحصيل الزرق نعمة الله على العباد اقتضتها رحمته بهم فله الحمد وله المنة.
5 - أعيد هذا الموقف مرة أخرى ليذكر فيه حالاً لم تذكر في الأول وهي: إشهاد الأنبياء على أممهم، وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية إذ هذه الآية كآية (وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) .
6 - (هاتوا) أحضروا، والأمر مستعمل هنا للتعجيز إذ هم عاجزون عن الإتيان بأدنى حجة عن صحة شركهم وكفرهم بلقاء ربهم، فعاب عليهم ما كانوا يكذبونه من الادعاءات الفارغة من أن أصنامهم تشفع لهم.

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
شرح الكلمات:
إن قارون كان من قوم موسى: أي ابن عم موسى عليه السلام.
فبغى عليهم: أي ظلمهم واستطال عليهم.
ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة: أي أعطاه الله من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه.
لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين: أي لا تفرح فرح البطر والأشر.
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة: أي اطلب في المال الذي أوتيته الدار الآخرة بفعل الخيرات.
على علم عندي: أي لعلم الله تعالى بأني أهل لذلك.
وأكثر جمعا: أي للمال.
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون: أي لعلم الله تعالى بهم فيدخلون النار بدون حساب.
معنى الآيات:
هذا بداية (1) قصص قارون الباغي، وهو قارون ابن يصهر بن قاهَثْ بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. فهو ابن عم موسى بن عمران وابن خالته أيضاً وكان يلقب المنور لحسن صورته، ونافق كما نافق السامري المطرود. قال تعالى في ذكر خبره {إِنَّ قَارُونَ (2) كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} أي إسرائيلي ابن عم موسى بن عمران الرسول. {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} أي على بني إسرائيل أي ظلمهم وطغى عليهم، ولعل فرعون كان قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته وملك أموالاً كثيرة ففرته وألهته. وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ (3) بِالْعُصْبَةِ (4) أُولِي الْقُوَّةِ} . وهذا الخبر الإلهي دليل على ما كان للطاغية
قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها وذلك لثقلها. وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} أي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين {لا تَفْرَحْ} أي بأموالك فرح الأشر البطر. {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} أي الأشرين البطرين الذين يختالون ويتفاخرون ويتكبرون. {وَابْتَغِ} اطلب {فِيمَا آتَاكَ اللهُ} من أموال {الدَّارَ الْآخِرَةَ} بأن تصدَّقْ منها وأنفقْ في سبيل الله كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر والإحسان. {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ (5) مِنَ الدُّنْيَا} فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن في غير إسراف ولا مخيلة، {وَأَحْسِنْ} عبادة الله تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل {كَمَا أَحْسَنَ} أي الله تعالى إليك {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي (6) الْأَرْضِ} بترك الفرائض وارتكاب المحرمات. {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ومن لم يحبه الله أبغضه ومن أبغضه عذبه في الدنيا والآخرة فبعد هذه الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة ردّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه في قوله في الآية (78) {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي لا تهددوني ولا تخوفوني بسلب مالي عني إن أنا لم أحْسن فإن هذا المال قد {أُوتِيتُهُ} أي آتانيه الله على علم منه (7) بأني أهل له ولذا أعطاني وزاد عطائي وأكثره قال تعالى في الردّ عليه في زعمه هذا {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} أي أيقول ما يقول من الزعم الكاذب ولم {يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً} ، كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليلا على حب الله ورضاه عن أهله، ما أهلك عاداً وثمود وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مالا ورجالاً وقوله تعالى: {وَلا يُسْأَلُ (8) عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} أي إذا أكثر العبد من الإجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وآن أوان عذابه لا يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلاء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب فلا يسألون ولا يحاسبون. قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ (9) فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} أي ويرمون في جهنم ويقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (10) .
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- المال والمنصب العالي عرضة لإفساد المرء إلا من رحم الله عز وجل وقليل ما هم.
2- حرمة الفرح بالمال والإمارة إذا كان الفرح فرح بطر وفخر واعتزاز وكبر وخيلاء.
3- من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها عالمون ينصحون ويرشدون ويوجهون.
4- من الحزم للمرء أن يطلب من المال والجاه والمنصب أعلى الدرجات في الجنة.
5- حلّية الأكل من الطيب والشرب من الطيب واللبس والركوب والسكن من غير إسراف ولا خيلاء ولا كبر.
6- العافية والمال وعز السلطان يصاب صاحبها بالاغترار إلا من رحم الله.
__________

1 - هذا استئناف ابتدائي لذكر قصة لها مغزاها ونتائجها من الموعظة والذكرى.
2 - ومغزى هذا القصص أولا: تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا لا يقصه غير من يوحى إليه بحال. ثانيا: تضمن القصص الرد على المعجبين بالمال ومتاع الحياة الدنيا وبيان نهايتهم المؤلمة، وثالثا: عرض مشابه لموقف أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أغنياء مكة وهم يتطاولون عليهم بالمال والجاه. كما كان قارون مع ضعفة بني إسرائيل وفي ذلك عظة للمؤمنين وذكرى للكافرين.
3 - (ما عن مفاتحه) الأكثرون على أن (ما) موصول، وصلتها جملة: (إن مفاتيحه) وأنكر بعض أن تبتدئ الصلة بحرف إنّ فقالوا: (ما) موصوفة وما بعدها في محل الصفة، والمفاتيح: جمع مفتاح بكسر الميم: اسم آلة الفتح.
4 - (تنوء) من ناء بالشيء ينوء ثقل عليه، والباء: في (بالعصبة) للمصاحبة، وليست للسببية، إذ هي كما في قول امرؤ القيس:
وأردف أعجازا وناء بكلكل.
والعصبة الجماعة من الخمسة إلى العشرة فأكثر.
5 - أشار ابن عمر إلى هذا القول في قوله: احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. ومن تأولها بالعمل للآخرة فقط شاهده قول الشاعر:
مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط
6 - الفساد في الأرض يكون بفعل المعاصي الجامعة لترك الفرائض وإتيان الكبائر.
7 - وقال ابن زيد: لعلم الله تعالى بفضلي ورضاه عني أي: إني أوتيتها باستحقاقي.
8 - أي: لا يسأل سؤال استعتاب ليتوب أما سؤال التقريع والتوبيخ فلا مانع منه، وذلك كقوله تعالى: (ولا يستعتبون) وقوله (وما هم بمعتبين) .
9 - (سيماهم) إنهم سود الوجوه زرق العيون.
10 - المجرمون: هم الذين أجرموا على أنفسهم أي: خبّثوها بكثرة ما يرتكبون من الجرائم كالكفر والظلم وكبائر الذنوب، كالقتل ظلماً وأكل الربا وتعاطي الخمور والزنى.



ابوالوليد المسلم 05-08-2022 05:37 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة القصص - (10)
الحلقة (665)
تفسير سورة القصص مكية
المجلد الرابع (صـــــــ 101الى صــــ 105)

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
شرح الكلمات:
في زينته: أي لباس الأعياد والحفلات الرسمية.
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: أي تمنوا لو أعطوا من المال والزينة ما أعطي قارون.
إنه لذو حظ عظيم: أي إنه لذو بخت ونصيب وهبه الله إياه في كتاب المقادير.
وقال الذين أوتوا العلم: أي أعطوا العلم الديني بمعرفة الله والدار الآخرة وموجبات السعادة والشقاء.
ويلكم: أي حضر ويلكم وهلاككم بتمنيكم المال وزخرف الدنيا.
ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا: أي ما عند الله من جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات وهو الجنة خير من حطام الدنيا الفاني.
ولا يلقاها إلا الصابرون: أي ولا يوفق لقول هذه الكلمة وهي ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً إلا الصابرون على الإيمان والتقوى.
فخسفنا به وبداره الأرض: أي أسخنا الأرض من تحته فساخت به وبداره وكل من كان معه فيها من أهل البغي والإجرام.
تمنوا مكانه بالأمس: أي الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون فالمراد من المكان المكانة وما عليه قارون من الإمارة والزينة والمال والجاه.
ويكأن الله يبسط: أي أعجبُ عالما أن الله يبسط الرزق لمن يشاء.
ويقدر: أي يضيّق.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص قارون الباغي قال تعالى {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ (1) } أي قارون في يوم عيد أو مناسبة خرج على قومه وهم يشاهدون موكبه {فِي زِينَتِهِ} الخاصة من الثياب والمراكب. قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي من قوم موسى وهم المفتونون بالدنيا وزخرفها من أهل الغفلة عن الآخرة وما أكثرهم اليوم وقبل وبعد اليوم قالوا ما أخبر الله به عنهم: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} تمنوا أن يكون لهم مثل الذي أوتي قارون من المال والزينة {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ (2) عَظِيمٍ} أي بخت ونصيب ورزق {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي الشرعي (3) الديني العالمون بالدنيا والآخرة، وأسباب السعادة والشقاء في كل منهما قالوا ما أخبر الله تعالى به عنهم في قوله: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} ويحكم هلكتم إن كنتم تؤثرن هذا الفاني على الباقي {ثَوَابُ اللهِ} وهو الجنة خير من هذا الزخرف الفاني {لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} ولازم ذلك أنه ترك الشرك والمعاصي، وقوله تعالى: {وَلا يُلَقَّاهَا} أي (4) هذه الجملة من الكلام: {ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} بربه {وَعَمِلَ صَالِحاً} في حياته بأداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والرذائل أي لا يلقى هذه الكلمة {إِلَّا الصَّابِرُونَ} من أهل الإيمان والتقوى هم الذين يلقنهم الله إياها فيقولونها الصفاء أرواحهم وزكاة أنفسهم وقوله تعالى في الآية (81) {فَخَسَفْنَا بِهِ (5) وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} يخبر تعالى أنه خسف بقارون وبداره الأرض انتقاما منه لكفره ونفاقه وبغيه وكبريائه. وقوله تعالى {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} أي جماعة {يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ} لما أراد الله خذلانه بخسف الأرض به وبداره ومن فيها من أعوانه الظلمة والمجرمين. {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} أي لنفسه فنجاها مما حل بها من الخسف في باطن الأرض التي ما زال يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} (6) يخبر تعالى عن الذين قالوا يوم خرج عليهم قارون في زينته يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون يخبر تعالى عنهم أنهم لما شاهدوا الخسف الذي حل بقارون وبدره قالوا ويكأن الله (7) يبسط الرزق لمن يشاء أي نعجب عالمين، أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر (8) أي على من يشاء فالبسط والقبض كله لله وبيد الله فما لنا لا نفزع إلى الله نطلب رضاه ولا نتمنى ما تمنيناه وقد أصبح ذاهباً لا يرى بعين ولا يلمس بيدين، {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (9) } أي نعجب أيضاً عالمين بأنه لا يفلح الكافرون كقارون وهامان أي لا يفوز الكافرون لا بالنجاة من العذاب ولا بدخول الجنان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان أن الفتنة أسرع إلى قلوب الماديين أبناء الدنيا والعياذ بالله تعالى.
2- بيان موقف أهل العلم الديني وأنهم رشَّد أي حكماء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
3- بيان أن البغي يؤخذ به البغاة في الدنيا ويعذبون به في الآخرة.
4- بيان أن وجود الإيمان خير من عدمه وإن قل وأن ذا الإيمان أقر على التوبة ممن لا إيمان له.
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
__________

1 - لم تؤثر فيه موعظة واعظيه ولم ينتفع منها بشيء لظلمة نفسه وقساوة قلبه لما ران عليه من الذنوب فخرج مظهر الكبرياء والتحدي.
2 - الحظ: القسم الذي يعطاه المقسوم له.
3 - في الآية دليل قوي على أن الجهل بالله وشرائعه ووعده ووعيده هو سبب كل شر وفساد في الأرض، وأن العلم بذلك هو سبيل الإصلاح في الأرض.
4 - (يلقاها) الضمير عائد على ما دل عليه قولهم: (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً) وهو هذه الموعظة، ولا يلهمها وتلقى في روعه وينطق بها إلا أهل الصبر على الطاعات وعن المعاصي فتصفو لذلك نفوسهم فيلهمون مثل هذه الموعظة.
5 - الفاء هنا: للترتيب والتعقيب فقد خسف به يوم خروجه في زينته.
6 - أي: تمنوا منزلته بين الناس، وهي منزلة المال والترف والجاه والرفعة ومعنى: مكانه: ما كان عليه من منزلة العلو والرفعة.
7 - (ويكأن الله) قيل: ويكأن: مركبة من وي وهو اسم فعل بمعنى أعجب وكاف الخطاب وأن الناصبة، ومعنى الكلام: أعجب يا هذا من بسط الرزق لمن شاء، قال عنترة، والشاهد في قوله: ويك، قال:
ولقد سقا نفسي وأبرأ سُقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدم.
وذهب بعض إلى أن أصل ويك: ويلك اعلم أنه كذا فحذفت اللام والفعل، فصارت ويك.
8 - أي: يضيق الرزق ولا يوسعه.
9 - أي: لولا أن من الله فعافانا مما ابتلى قارون به من المال والظلم والطغيان لحل بنا ما حل به من الخسف والخسران.

****************************

يتبع


الساعة الآن : 09:36 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 205.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 204.64 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]