ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 01-04-2021 08:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
علامات صحة الإيمان
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] حق الإيمان.وما زلت أردد وأقول: من أراد أن يعرف هل هو مؤمن أو غير مؤمن، يقرأ القرآن الكريم، إذا كان يحسن القراءة، أو يستمع إلى من يقرأ عليه، فإن وجد نفسه مؤمناً حمد الله وأثنى عليه وسأله التثبيت عليه، وإن وجد نفسه ضعيف الإيمان فليجدد العهد، فليؤمن.ومعنا آيتان كالشاشتين البيضاوين، من أراد أن ينظر: هل هو مؤمن أو لا؟ فليصغِ إليّ ويسمع: وليشاهد نفسه، قال تعالى في بيان المؤمنين بحق وصدق: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، واضحة أو لا؟ والآية الثانية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] بحق وصدق، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] أولياء بعض؟ هذه الولاية تتمثل في شيئين، من يعرفهما؟ الحب والنصرة، إذا لم تحب أخاك المؤمن أو أختك المؤمنة ما أنت بمؤمن، هل يوجد مؤمن يكره المؤمن؟ ما هو بمؤمن، يكره ولي الله! إذا استنصرك أخاك وأنت قادر على نصرته ثم انهزمت وتركته ما أنت بمؤمن: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].ثانياً: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ثالثاً: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [التوبة:71]، رابعاً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71]، خامساً: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] في الأمر والنهي: أولئك هم المؤمنون حقاً.
صور من الأعمال الصالحة وشرط قبولها
وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57].الصالحات: جمع صالحة، الفعلة الصالحة، الخصلة الصالحة، العبادة الصالحة، هذه الصالحات أين توجد؟ لو طلبناها أين نجدها؟ في كتاب الله وبيانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في كتب العلم والفقه.الصالحات: هي أعمال القلوب والألسن والجوارح، وهي من كلمة: (لا إله إلا الله) إلى (إماطة الأذى عن طريق المؤمنين والمؤمنات الصلاة، الزكاة، الصيام، الجهاد، الذكر، الدعاء، وقراءة القرآن) كل هذه العبادات هي الصالحات فقط، علمناها: أنك لا بد وأن تؤديها تفعلها، كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زدت فيها أو نقصت منها أو قدمت أو أخرت بطل مفعولها.وعلى سبيل المثال في الزيادة والنقصان: كم صلاة الصبح من ركعة؟ اثنتان.لو أن مؤمناً قوي الإيمان قال: أنا أصلي أربعاً، لِم أبخل على ربي؟! أصلي أربعاً، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة، هو يعتذر يقول: أنا أصلي لربي أكثر، ما دام طلب مني ركعتين سنزيد ركعتين، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة؟ لا.صلاته باطلة ويقال له: أعد صلاتك، وأنتم يا أهل البصيرة لم نقول: بطلت، ما معنى بطلت؟ ما تولد ولا تنتج الحسنات المزكيات للنفس؛ لأنه عمل فاسد، عرفنا السر أو لا؟تكبيرة الإحرام فقط، لو تركها مصلٍ، وبعدما قرأ الفاتحة والسورة كبر تكبيرة الإحرام تصح صلاته؟لا. باطلة، لماذا؟ ما تنتج له؟ أعد صلاتك، هذا التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لا يجوز.والظرف: لو أننا الآن نصلي العشاء ونقول: نحن لا ندري أنصبح أو لا نصبح هيا نصلي الصبح، ويؤمنا الإمام ونصلي الصبح، هل نجد فقيهاً في الدنيا يقول: صلاة الصبح صحيحة الآن؟ لماذا؟لأنه ليس وقتها، إذاً: والله ما تنتج أبداً ولا تولد طاقة ولا نوراً.إذاً: الصالحات تلك العمليات التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان رسوله، وبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف تؤدى، بين أوقاتها، بين تقديمها، تأخيرها كمياتها.. يجب أن نعلم هذا علماً حقيقياً ونعبد الله به.فلهذا الجهل حرام أو حلال؟ لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش وهو لا يعرف كيف يعبد الله؟ لو اضطر إلى الهجرة والله يجب أن يهاجر، يعني: وجد في قرية ما فيها من يعرف شيئاً، يريد أن يسأل: كيف يتوضأ؟ ما يجد، يجوز البقاء له في هذه البلدة؟ والله يجب أن يهاجر، ولا يحل له البقاء في هذا البلد.
جزاء من عمل الصالحات
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57] ماذا لهم؟ اسمع خبر الله عنهم: سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ [النساء:57] جمع جنة، والجنة: البستان ذو الأشجار ذات الزهور والأوراق التي إذا دخلتها تحسها غطتك وجنْتك: جَنَّاتٍ [النساء:57] من وصفها: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] تجري من تحتها، أي: من تحت القصور والأشجار الأنهار، كم نهراً يرحمكم الله في الجنة؟ أربعة، ما هذه الأنهار؟أولاً: نهر الماء العذب الفرات، الغير الآسن -المتغير- أبداً: أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] لا بالحموضة ولا بغيرها، نهر كامل كالنيل يجري لبن. وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ [محمد:15] ما في وصف أعظم من هذا؛ لأننا ما نعرف الخمر ما هي؟ كذا أو لا؟ ما ذقناها، إذاً: قال: لَذَّةٍ [محمد:15]، تعرفون اللذة أو لا؟ في الأكل الطيب والشراب الطيب.. لذة، لذة لمن؟ للشاربين.اسمعوا هذا الخبر الجديد: من مات مدمناً على الخمر.. مات يشرب بلا توبة لن يشربها في الجنة.. من مات مدمناً للخمر لم يتركها ولم يتب منها حتى مات على ذلك فإن كان مستحلاً لها، فهو كافر من أهل النار بلا جدال، وإن كان يفعلها وهو خائف وهو مؤمن حتى إذا دخل الجنة يصرف عنها، ما يشربها، لا تفهم أنه يريد أن يشرب ويمنع: لا، أبداً، يصرف عنها ما يريدها ولا يسمع عنها، وإلا في دار السلام أقل من يأخذ من المساحة مثل الدنيا عشر مرات، أقل ما تأخذ، عشرة كواكب فقط. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] جمع (نهر)، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، خلوداً أبدياً، يخرجون إلى أين؟ في عالم آخر، ما في إلا عالمان، فوق الجنة وأسفل جهنم، ما في عالم آخر. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، أبداً: بمعنى لا يخرجون منها، إلى أين يخرجون؟ أولاً: لا يموتون، لا يمرضون، لا يكبرون، لا يهرمون، لا.. لا، إذاً: يبقوا هكذا في نعيمهم. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] الأزواج: جمع زوجة أو زوج؟ أين أهل الحلقة؟ جمع زوجة أو جمع زوج؟عرفنا: أن الفرد إذا ضم إليه آخر قيل فيه: زوج، فلهذا: الرجل زوج وامرأته زوج، وإنما يقال: زوجة (بالهاء) للعامة حتى يفهموا، لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ [النساء:57] بمعنى: زوجات، كم؟ الله أعلم.فقط عندنا يقين: أن امرأتك إذا كانت من أهل الجنة لإيمانها وصالح أعمالها، وبعدها عن الشرك والمعاصي، إذا ماتت في عصمتك هي زوجتك، لا يأخذها آخر، وإن طلقتها أو مت وتزوجت غيرك ما لك فيها نكاح، الذي تموت عنده هو زوجها.فلهذا: أحد الأصحاب في الشام وهو أبو الدرداء مرض وكان وباء كبير -عافانا الله وإياكم والعالم الإسلامي- قد أصاب البلاد، فلما أصيب قال لزوجته: أي فلانة إذا تريدين أن تكوني زوجتي كما أنت الآن يوم القيامة فلا تتزوجي بعدي، وإذا ما تريدين شأنك، فما تزوجت، وما هي إلا أشهر وماتت بعده، رضي الله عنهما وأرضاهما. أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] ما قال: (مطهرات) لأن القرآن أسلوبه راق، يحمل معنى الخفة وعدم الثقل (مطهرة) كل واحدة مطهرة، من طهرها؟ الله.كيف طهرها؟ عند العامة التطهير هو الختان، مطهرة من كل أذى، ومن كل قذى، ومن أبرز ذلك: دم الحيض والنفاس، لا ولادة ولا حيض ولا نفاس، أما عرق الرجال كالنساء، والله لأطيب من ريح المسك، أضف إلى ذلك: لا تخرأ ولا تبول، أبداً.إذاً: وتأكل؟ إي نعم، أصناف الأكل، ولكن يتحول ذلك كله إلى عرق وجشاء، وهذا الجشاء أطيب من ريح المسك.لطيفة! كان أحد اللبنانيين من المؤمنين يركب سيارة مع مسيحي، فقال المسيحي للمسلم: أمركم عجب أنتم أيها المسلمون! تؤمنون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون؛ لأن النصارى يقولون: الجنة تدخلها أرواح فقط، ضللهم اليهود ومسخوهم، كيف إذاً: يأكل ويشرب وما يبول وما يتغوط، ما هذا الاعتقاد الفاسد عندكم؟!فيلهم الله تعالى ذاك اللبناني العامي، وهذا ما نستشهد به دائماً عند قول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]، عامي قال: يا مسيو! أنت تقول هذا؟ عندنا الطفل في الشهر السادس والسابع والثامن والتاسع وهو يتغذى يبول في بطن أمه، يخرأ؟ لو كان يبول ويخرأ كيف يصبح بطن أمه؟يبول ويخرأ، أين الغذاء الذي يتغذاه؟ يتحول إلى دم، فكذلك أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منها نأكل ونشرب ويتحول ذلك إلى جشاء وإلى عرق. وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، إن شئت قل بمعنى: حياة النعيم الواسعة الوارفة، لا، ما هناك حاجة هو حاصل، ولكن حتى الظل؛ لأن الجنة قال تعالى من سورة الإنسان: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان:13]، الزمهرير: البرد، أي: لا حر ولا برد، اعتدال دائم.والظل يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن شجرة طوبى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]، هذه الشجرة (طوبى) يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها.إذاً: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، قولوا: اللهم اجعلنا منهم؟ اللهم اجعلنا ووالدينا وكل المؤمنين والمؤمنات منهم يا رب العالمين.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال: [ على ذكر الإيمان والكفر في الآية السابقة ]، تقدم أو لا؟ بالنسبة إلى اليهود.قال: [ ذكر تعالى في هاتين الآيتين الوعيد والوعد، الوعيد لأهل الكفر، والوعد لأهل الإيمان ] في فرق بين الوعد والوعيد، الوعيد بالعذاب، والوعد بالخير، دائماً وأبداً.قال: [ فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56] يريد: يدخلهم نار جنهم يحترقون فيها ويصطلون بها، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56]، تهرت وسقطت بدلهم الله تعالى فوراً جلوداً غيرها ليتجدد ذوقهم للعذاب وإحساسهم به، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56]، تذييل ] تعرفون التذييل تأتي جملة بعد الأخرى كذيل لها.[ تذييل المقصود منه إنفاذ الوعيد بهم؛ لأن العزيز الغالب لا يعجز عن إنفاذ ما توعد به أعداءه، كما أن الحكيم في تدبيره يعذب أهل الكفر به والخروج عن طاعته ]؛ لأنهم خرجوا عن طاعته ووسخوا أنفسهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى من وعيد لأهل الكفر.[ وأما الآية الثانية فقد تضمنت البشرى ]، البشرى ما هي؟ الخبر السار إذا سمعته تهلل وجهك بالبشر والطلاقة، البشرى.[ فقد تضمنت البشرى السارة -المفرحة- لأهل الإيمان وصالح الأعمال، مع اجتناب الشرك والمعاصي ].أما يعبد الله ويقول كلمة شرك ينمسح، ينتهي ذلك ما ينفع، لا بد مع اجتناب الشرك والمعاصي.قال: [ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57]، يريد نساء من الحور العين ]، ما معنى الحور العين؟الحور: جمع حوراء التي يغلب بياض عينيها على سوادهما، عرفتم؟ إذا كان الظاهر سواد عينها أكثر تصير كالحية، إذا كان بياض العين أكثر من السواد أجمل، حوراء، والعين: جمع عيناء ذات العين الواسعة.قال: [ من الحور العين، مطهرات من كل ما يؤدي أو يُخل بحسنهن وجمالهن نقيات من البول والغائط ودم الحيض ]، أما النفاس لا وجود له.[ وقوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57] وارفاً كنيناً -يكنهم ويسترهم ويغطيهم- يقيهم الحر والبرد، قال: وحدّث يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة، فقال: ( في الجنة شجرة تسمى شجرة الخلد يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطع ظلها )]، اللهم اجعلنا من أهلها.
هداية الآيات
الآن: [ هداية الآيتين ] ولا تخلو آية من هداية.[ أولاً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي ].يقيناً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي.[ ثانياً: بيان الحكمة في تبديل الجلود لأهل النار، وهي: أن يدوم إحساسهم بالعذاب.ثالثاً: الإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي موجبات للنعيم الأخروي.رابعاً: الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها ].كل شيء يكدر صفوها أو السعادة ممنوع، لا يوجد في الجنة ما يكدر أبداً صفوها وسعادة الناس فيها، اللهم اجعلنا من أهلها.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ابوالوليد المسلم 01-04-2021 08:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (30)
الحلقة (254)

تفسير سورة النساء (36)


الأمانات شأنها عظيم، وقد أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، لما في حملها من التبعة والإصر العظيم، أما الإنسان فإنه احتمل الأمانة فأمره ربه عز وجل بأدائها على وجهها، سواء كانت هذه الأمانة تتعلق بما بين العبد وربه من أداء للأوامر واجتناب للنواهي، أو كانت تتعلق بما بين العبد وغيره من المخلوقين في المعاملات المالية وغيرها.
تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم حقق لنا هذا الخير يا رب العالمين!وها نحن مع سورة النساء، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].قوله جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58] يأمرنا؛ لأننا عبيده، ولا يستقيم أمرنا إلا على طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، بماذا؟ قال: أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] يأمركم بأي شيء؟ بأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.
تعريف الأمانة وحكم ردها إلى أصحابها
الأمانات: جمع أمانة، وكل نسائنا ورجالنا.. عربنا.. عجمنا يعرفون الأمانة.الأمانة: ما اؤتمنت عليه، ووضع في جيبك أو في بيتك أو في صدرك، وقيل لك: احفظ هذا حتى تسلمه لي يوم أحتاج إليه، احفظ هذا حتى آتيك في يوم من الأيام، وأقول: أعطني ذاك الذي ائتمنك عليه.وقد يكون الائتمان على قول: أبلغتك هذا، أسمعتك هكذا، نبأتك بهذا، فهو أمانة في عنقك، لا تخبر به أحداً أبداً، وجب عليك أن تحافظ على هذه الأمانة ولا تطلع عليها زوجة ولا أباً، والرسول يقول: ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).الآن بالصورة العامة عرفنا: إنسان ترك سيارته عندك أو ناقته أو ثوبه أو سيفه، أو قلمه وقال: احفظه حتى أعود، ماذا يسمى ذاك الشيء؟ أمانة، ويجب أن تحافظ عليه وتحفظه، اللهم إلا إذا أخذ منك قسراً، أو أخذ منك نسياناً، وأنت لم تفرط: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك )، فأداء الأمانة فريضة الله؛ لأن الله أمر بذلك: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بماذا؟ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يغيب صاحب الأمانة عشرين سنة، ويأتي وتقول: تفضل أمانتك عندنا، فإن ضاعت قسراً وقهراً لا شيء عليك، فإن أضعتها؛ لأنك غير مبالٍ ولا ملتفت ولا مهتم وأخذت فأنت ظالم؛ لأنك فرطت في حفظها، أما مع الاستعداد الكافي، والعزم الصادق على ألا تضيع هذه الأمانة، فإذا ضاعت فوق إرادتك فلا شيء عليك، القاضي لا يقضي عليك بأدائها؛ لأنك مؤتمن.وهنا: إن شاء الله هذه الأمانة ما منا أحد إلا وهو يحافظ عليها، لكن هناك أمانة للملك جل جلاله وعظم سلطانه، يا ويح من أضاعها وفرط فيها، إن كان عاجزاً مقهوراً لا شيء عليه، أما مريداً مختاراً، فيا ويحه!
أمانة الله في أعناق البشر
ما هي أمانة الملك جل جلاله؟ هذه الواجبات وهذه المنهيات أمانة أودعها عندنا، فلنحافظ عليها، واقرءوا قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، السماوات والأرض والجبال خافت، ولسان حالها: ما نستطيع يا ربنا، لا تحملنا هذه الأمانة، وقال ابن آدم: هاتها، وإذا به ضيعها إلا من شاء الله.لِم قبلها وأضاعها؟ لأن فيه غريزيتين: غريزية الظلم والجهل، فمن عالج هاتين الغريزتين فأصبح غير ظالم وعالماً غير جاهل لا تخف عليه، وهناك أيضاً مرضان عجيبان ألا وهما الظلم والكفر، وكان عمر يدعو الله ويقول: (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري): إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].وهناك غريزة طامة وعامة، وهي: أنه إذا شعر بالاستغناء طغى وارتفع، كم علة.. كم مرض؟ خمسة: الظلم، الكفر، الجهل، الطغيان عند الشعور، هل هناك في القرآن مرض آخر يا أهل القرآن؟الهلع: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، فسر لنا يا ربنا الهلع ما عرفناه؟ قال: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21]، لا إله إلا الله.هيا الليلة نعمل على علاج هذه الأمراض، عسى الله أن يشفينا منها، كم مرض؟ الظلم، الكفر، الجهل، الهلع، الطغيان.الطغيان: قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، متى: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:7]، إن الإنسان ابن آدم أبيض أو أصفر (ليطغى) متى؟ لما يرى نفسه قد استغنى.والطغيان: مجاوزة الحد، التخلي عن الحق، عن الآداب، عن الأخلاق، الظلم، الاعتداء: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ [المعارج:19] كيف؟ هَلُوعًا [المعارج:19].فسر الله تعالى لنا الهلع، فقال تعالى في بيانه: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، الجزع، الصياح، الضجيج، الغضب، أنا كذا، لا يعرف: آمنت بالله، ولا يعرف الصبر والاحتساب، ولا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقط شوكة شاكته يبيت يصرخ، القرية يدوخهم، طبعه هكذا: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:19-20]، كثير الجزع: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21]، أي: كثير المنع، وهذا مشاهد ومجرب.
أداء الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
وهناك يا معاشر المستمعين، يا من يجدون في طلب الهدى أعلمكم أن هناك وصفة طبية، طبيب الأطباء ومعلمهم وضعها، ذات ثمانية أرقام من استطاع أن يحفظها ويعمل بها يشفى ولو كان من أكثر الناس جفاءً، لا ظلم، لا جهل، لا كفر، لا طغيان، لا جزع، لا منع.لو اجتمع علماء النفس كلهم إلى جانبهم علماء الطب لعلاج هذه الغرائز والله ما استطاعوا ولا قدروا على ذلك، ولكن الله غارز الغرائز وطابع الطبائع هو الذي يقدر على علاجها، فوضع لنا وصفة طبية ذات ثمانية أرقام أول، وثاني، وثالث.. استعملها في صدق.ومن الخير أن تستعملها تحت إشراف طبيب ماهر، أما الذي يستعملها بدون طبيب أحياناً ينجح وأحياناً ما ينجح، ينجح في دواء وما ينجح في الثاني، عرفتم؟ إذا استعملتها تحت إشراف طبيب عليم حكيم نجحت بإذن الله، وإن لم تجد الطبيب أو ما أحببت أن تجلس بين يديه وتتعلم، أمرك إلى الله، عسى أن تنجح وعسى أن لا تنجح.هيا بنا إلى الأرقام الثمانية: قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، هذا إخبار من الخالق أو لا؟ في من يقول: لا.. لا لا، ما هو هلوع؟ ما الهلع هذا؟ إنه إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، بالغ نهاية الجزع، يغضب، يسب، يشتم كما تشاهدون، يطلق المرأة، الجزع، فقط ضاعت الدابة يهول الدنيا؛ لأنه مريض وما علم ما هو بنفسه من مرض: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] كثير المنع.ثم قال تعالى في بيان الدواء: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23]، هذا رقم واحد الذين يديمون الصلاة ولا يقطعونها، ويؤدونها في أوقاتها بشرائطها تنتج لهم مادة النور، وبها يبصرون الحسن والقبيح. هذا رقم واحد.أما المفرطون في الصلاة المهملون لها، التاركون لها، والله للمرض معهم، ولن يستطيع أحد أن يزيله، هذا الرقم سهل أو صعب؟ الحمد لله.

أداء الزكاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

ثانياً: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:22-25].الذين يعترفون بوجوب الزكاة، وأنها حق الله، وأهلها من سماهم الله، هذا الذي يقوم بهذه الوصفة، الزكاة، بحمد الله تعالى، الشح والبخل والسرقة.. كلها تنقشع وتزول، فالذي ينفق أمواله في سبيل الله يسرق؟ معقول هذا الكلام؟ ينفق ماله يتملق إلى الله ويتزلف، فيضعه في أيدي البهاليل الفقراء والمساكين هذا يخون ويكذب، والله ما كان.انتهى ذاك النوع من المرض، لا شح ولا بخل ولا اعتداء ولا ظلم، ما هو معقول ينفق ماله في سبيل الله ثم يسرق، مجنون هذا؟ لِم أنفق ماله وهو أعز إليه؟ من أجل أن يرضى عنه ربه، كيف يعصيه إذاً في نفس المال؟ هذا الرقم ذو أثر كبير لا تنس، وهو المداومة على الصلاة، والثاني: الإنفاق مما رزق الله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ [المعارج:24-25] الذي يسأل وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25] الذي ما يسأل لحيائه واحتشامه.
التصديق بيوم الدين مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، هذا الرقم ذو أثر عظيم، الذي يصدق بيوم القيامة وما يجري فيه، وما يتم للبشرية من إسعاد أو شقاء بعد الحساب الدقيق الذي يؤمن بهذا اليوم ما يجزع ولا يمنع، بالإضافة إلى الأرقام الآتية والسابقة، لا تقول هذا الرقم يكفيني.الطبيب إذا أعطاك ثلاثة أدوية، لو تقول: أنا استعمل هذا فقط، يقول لك: ما ينفع هذا الدواء، لا بد من أن تستعملها كلها، ويحدد لك المقادير والكميات والأزمنة والظروف أو ما ينفع، هذا الرقم وهو: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، يؤمنون إيماناً كاملاً باليوم الآخر، يوم الدين هو يوم الجزاء أو لا؟ هذه الدار دار عمل أو دار جزاء؟ أجيبوا.دار عمل، ومتى نتقاضى أجورنا؟يوم القيامة، هذه الدار، يا عباد الله! يا إماء الله، دار عمل، صل وصم وجاهد ولا تطلب جزاء، ليس الجزاء هنا، واصل عملك حتى تنفض يديك وتدخل قبرك وتلقاه.إذاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، والدين: الجزاء على العمل، وهذا الذي نقوم به دين أو لا؟ صلاتنا، صيامنا، رباطنا، جهادنا.. دين، كذا أو لا؟ نجزى به أو لا؟ فهو جزاء، وشيء آخر يا إسماعيل دين؛ لأن الله خلقنا ورزقنا وحفظنا وعافنا وخلق كل شيء من أجلنا، له حق علينا أو لا؟ ما هذا الدين الذي علينا؟ أن نعبده، الدين عبادة وهو دين، ولكن يوم الدين: هو يوم الجزاء، يوم القيامة.
الإشفاق من عذاب الله مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، هذا الرقم عالي وغالي، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، ما يقدرون على أن ينغمسوا في باطل من القول أو العمل؛ خوفاً من عذاب الله، مشفقون: خائفون، يهم بالشيء ثم يخاف من الله ويتركه، قد يمد يده ثم يذكر عذاب الله، ينظر.. يخاف عذاب الله، مشفق طول حياته، هذا الرقم ذو أثر عظيم أو لا؟ صاحبه ما يسرق، ما يزني، ما يلوط، ما يفجر، ما يكذب، ما يكفر، وأنى له ذلك وهو خائف؟فهذا الرقم رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] خائفون ترتعد فرائصهم، تجل قلوبهم، إذا ذكرتهم بالله، وجلت القلوب وذرفت العيون بالدموع، واقشعرت الجلود؛ لأن إيمانهم سليم وصحيح، هذا الرقم الرابع، وهو: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لِم؟ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما ندري، وإذا النيران اشتعلت في ديارنا، ما يدرينا، ما يدريك وأن عدواً صب رصاصه وبلاءه علينا؟ ما ندري وأن وباء انتظمنا كلنا، ما ندري، عذاب الله مأمون؟ من عنده ضمانة لعام كامل ما يمرض؟ لو عرف هذا إخواننا ما انغمسوا في الملاذ والشهوات والأهواء والمزامير، ما عرفوا الله، آمنون. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، من يؤمنك؟ هذا الرقم أعظم.تعليل: لِم هم مشفقون من عذاب الله؟ لأن عذاب الله غير مأمون، ما هو فقط يوم القيامة، قد ما تصل إلى بيتك إلا وقد تمزقت، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، تعليل للرقم الخامس أو الرابع؟ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لماذا؟ لأن عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما يدري الإنسان ما يحل به غداً أو الآن بعد دقيقة، فلهذا هم دائماً خائفون من الله فلا يسبون ولا يشتمون، ولا يعيرون، ولا يسخرون، ولا يضحكون، ولا يأكلون أموال الناس.. ولا.. ولا، خائفون، وإن رأيت تقياً حقاً ذا علم، فاعلم أنه متأثر بهذه الأرقام الثمانية، علمها وطبقها ونفذها.

يتبع

ابوالوليد المسلم 01-04-2021 08:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
حفظ الفروج مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، كما يحافظون على أموالهم وأعراضهم، وأبنائهم وأولادهم وأزواجهم، يحافظون على فروجهم، الفروج: جمع فرج، والمراد به القبل والدبر، وسمي فرجاً لانفراج ذاك المكان حين يخرج منه البول أو العذرة. اشتدي أزمة تنفرجي.إذاً: المراد بالفروج هنا: القبل والدبر، حافظون لفروجهم -والله- أكثر من حفاظهم على أموالهم وعلى أبدانهم، ومعنى الحفاظ على الفرج:أولاً: لا يكشف فرجه لأحد إلا إذا كان بين يدي طبيب ولا بد من كشف فرجه كعلاج الناسور، لا يكشف فرجه، يحافظ عليه أكثر من الذهب، لو تعطيه ما تعطيه ما يستطيع أن يخلع ثوبه أمامكم ويكشف عن سوأته؛ لأن كشف العورة وإبداءها صاحبها ما حافظ على فرجه أبداً، حتى الزوجة.يا ذا الزوجة من الخير أن لا تكشف عورتك لها، كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: ( ما رأيت من رسول الله ولا رأى مني )، مع أن هذا ليس بإثم، ولا ذنب فيه، لكن الآداب والكمال، وتحقيق هذا الرقم حتى زوجته ما يبدي فرجه أمامها، وإذا دخل المرحاض أو الحمام ما يتبجح يدخل ملتئماً ساتراً نفسه، وأحفظ من ذلك وأكثر: ألا يزني ولا يلوط.المقصود: أنه يعيش سبعين سنة، أو ثمانين وما عرف الزنا ولا اللواط أبداً، حافظ لفرجه من صباه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، صاحب هذه لن يكون لصاً ولا خبيثاً ولا مجرماً، وهو يقاوم شهوته وغريزته، ويعيش سنين عدداً ولا يقدم على أن يبدي فرجه أو يضيعه، لولا إيمانه يفعل هذا؟ هذا رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29] اللهم إلا: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30].الأزواج: جمع زوج، المرأة لها زوج، والرجل له زوج أيضاً، والآية عامة في الرجال والنساء: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30]، وهنا المرأة لا دخل لها؛ فالرجل إذا ملك جارية بيمينه أعطيها في جهاده، أو اشتراها بنقده، له أن يطأها رحمة بها، وشفقة عليها، أما المرأة إذا ملكت عبداً لا يصح أبداً أن تمكنه من نفسها، وتقول: هذا عبدي أنا أملكه، إياك أن يتسرب إليك هذا المعنى. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30] من الجواري لا من العبيد، أو يقول: هذا عبدي ألوط به!!اعلموا أن المراد من هذا: الجواري، وهي جمع جارية: المرأة التي أصبحت ملكاً لك؛ لأنك اشتريتها، أو أخذتها في قسمة الغنيمة يوم غزونا البلاد الفلانية. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، الله أكبر! هذا إعلان المولى تعالى: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، من يلومهم؟ يوجد عاقل يلومك على أنك نكحت امرأتك، كيف يكون هذا؟ تجد عاقل يلومك على أنك تسريت بجاريتك، لا يلومك الملائكة ولا البشر ولا رب العالمين، هذا من الله، وقد أخبر، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31]، ابتغى وطلب وراء ذلك المذكور، وهو: المرأة الزوجة والمملوكة فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المعارج:31] أي: المعتدون المجاوزون للحد المتعرضون للحدود وإقامتها عليهم، ولعذاب الله وسخطه: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31] المذكور من الزوجة والأمة: فَأُوْلَئِكَ البعداء هُمُ ما لهم؟ الْعَادُونَ [المعارج:31]، أكثر من المعتدين، العادي أكثر من المعتدي، المعتدي يحاول الاعتداء، والعادي انتهى، وصل إلى غايته وفرغ منها، عجيب هذا التعبير! ما قال: المعتدون (العادون). هكذا الرقم السادس.
رعاية الأمانات الدنيوية مانع للإنسان من التفريط في الأمانة الأخروية
قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، أصبحوا رعاة غنم أو إبل؟ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32].لو تشاهد راعي الغنم، وهو ينظر إلى العنيزات أو الشويهات طول النهار، ما يغمض عينيه ولا يفرط أبداً، فهؤلاء لأماناتهم التي ائتمنهم الله عليها، وهي دينه كله كما علمنا، ولما وضع بين أيديهم من أمانات استؤمنوا عليها، وكذلك عهودهم التي بينهم وبين الله، وبينهم وبين عباد الله، راعون، لا تفريط أبداً، هذا الرقم ذو شأن عظيم، أين البنسلين والأدوية للأجسام، هذا أعظم دواء. هذا السادس. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ [المعارج:32] جمع أمانة، ما درسنا الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ [النساء:58]، أمانات الله ما كلفنا به وأعاد به إلينا، وأمانات نؤتمن عليها بيننا، والعهود ما هي؟ أول عهد هو الذي بيننا وبين الله، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله إلا وقد أعطى عهداً وميثاقاً: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أعطى عهداً والتزم بأن يعبد الله ويطيع رسوله. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] لا يفرطون أبداً لا في ليل ولا في نهار، لا في حال الصحة ولا المرض، لا في الحضر ولا في السفر، راعٍ، فهمتم معنى الرعاة والراعي كيف أو لا؟ ما سمينا الراعي راعي إلا لأنه يرعى شويهاتنا، هؤلاء يرعون حدود الله والأمانات ما يضيعون ولا يفرطون أبداً.
القيام بالشهادة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
الرقم السابع: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَتِهِمْ) قراءة سبعية: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، في الرخاء، وهو ضد الغلاء، في الفقر في الغنى، في الصحة، في المرض، في أي موطن شهادته يقيمها هكذا، لا يميل هكذا ولا هكذا، ولا أمام ولا شمال، كلما شهد على شيء أو بشيء واستدعي إلى أن يشهد يقيمها، حتى إنه يشهد على نفسه أنه فعل، أو على أبيه أو أخيه لا يبالي، وهذا الموقف ليس بهين، ترى جماعات يشهدون لبعضهم البعض، وفي ناس موجودون متهيئون: إذا تريد شهادة أعطي له عشرة ريالات يشهد معك في المحكمة، أو ألف ريال! لأن هؤلاء هبطوا، سقطوا، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ [النحل:21]، علتهم: ما عرفوا الله ولا آمنوا به حق الإيمان، المؤمن والمؤمنة يؤدي الشهادة كما أمر الله أن يؤديها بلا حيف ولا ميل مهما كان المشهود له، أو المشهود عليه: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]. تذكرون أن يهودياً اتهم علياً في الدرع، ثم تحاكموا إلى القاضي شريح ، علي هو خليفة المسلمين، وشريح أحد قضاة الدولة الإسلامية، فاليهودي تقاضى عند شريح القاضي ، وادعى على علي بأخذ درعه، من آداب القاضي أنه يجلس الخصمين أمامه، وجهاً لوجه، وينظر إليهما معاً، ما ينظر إلى هذا وهذا لا، وحتى صوته إذا تكلم ما ينخفض مع هذا ويرتفع مع هذا العدل.إذاً: كيف تدعي أن الدرع لك؟ من يشهد لك يا علي ؟ قال: يشهد الحسن والحسين ؟فاليهودي انبهر! خليفة المسلمين يتقاضى ويطلب منه القاضي من يشهد؟ فيقول: ابني، فيقول: الابن لا يشهد للأب، اطلب شاهداً آخر، فلم يصبر ذاك اليهودي حتى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ورد الدرع لصاحبه.والشاهد عندنا: شهادة الابن -انتبهت؟- على أبيه، أو الأب على ابنه.وفي هذا أمثلة كثيرة، والمسلمون أهل الإيمان وتقوى الله عز وجل لهم مواقف في هذا، والشاهد عندنا في هذا الرقم الخطير: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33].
المحافظة على الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
الرقم الثامن والأخير: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، بدأ بالرقم الأول الصلاة، وختم بها بالرقم الثامن، وما بينهما ثمرة الصلاة وإقامتها، فالذي لا يؤدي الصلاة لا خير فيه بالمرة، ولا يستطيع استعمال رقم من أولئك، والذي يضيع الصلاة، ما يحافظ عليها، لا يؤديها في أوقاتها في بيوت الله مع المؤمنين، لا يخشع ولا يرتعد ولا يبكي، ويقع في المهاوي، ويسقط في المهالك، هل عرف الأبناء والإخوان هذه الوصفة الطبية؟ من الطبيب هذا؟هل في الإمكان استعمال هذه بدون طبيب؟ قل من ينجح. فلا بد إذاً من أن نجلس بين يدي المربين؛ حتى نتعلم ونعرف: كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ كيف وكيف.. أما أن نستعملها بعيداً عن إشراف طبيب قل من ينجح، وهنا انعدم الجهل أو لا؟ استعمال هذه الأرقام بالعلم. إذاً: انعدم الجهل، وإذا ذهب الجهل وحل العلم انفتح باب الانفراج.
سبب نزول الآية
إذاً: نعود إلى الآية الكريمة، يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يروى أن سبب نزول هذه الآية، وقد يكون كذلك، وقد يكون نزلت في المدينة، وليست في مكة، والرسول ذكرها استشهاداً بها. يقولون: لما فتح الله على رسوله والمؤمنين مكة في السنة الثامنة من هجرة ودخل ومعه اثني عشر ألف مقاتل من الأنصار والمهاجرين، واستسلم أبا سفيان الحاكم العام في مكة، واستقبل الرسول خارج مكة، وأعطاه وساماً لم تعرف الدنيا نظيره، ادخل أبا سفيان وأعلن: ( أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )، الله أكبر!إذاً: دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وإذا برجالات قريش قد تجمعوا في الحرم، وطأطئوا رءوسهم ينتظرون حكم رسول الله فيهم، وهم مستوجبون للقتل، وقف أمامهم، وقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم )، بينما الآن لما يستقل إقليم من أقاليم المسلمين يبحثون عمن كان يتعامل مع الاستعمار، ويذبحون يذبحون يذبحون.. لأنهم ما سمعوا ما قال الرسول: اذهبوا فأنتم الطلقاء؛ لأننا حكمنا وسدنا والآن نحق الحق ونبطل الباطل، وهرب مجموعة قالوا: لن نستطع أبداً أن نرى محمداً يعفو عنا أو يقتلنا، على رأسهم عكرمة بن أبي جهل ، مات أبو جهل ، فخلفه عكرمة في كل صفاته من الغش والمكر، وقال: ما أطيق أن أصافح الرسول وأبايعه هرب إلى جدة، وجد سفينة تريد أن تقلع فركب، وأبحرت، لما أبحرت السفينة، قال ربانها: يا معشر الركاب! الشحنة قوية، والسفينة عاجزة عن مواصلة السير، فماذا تريدون؟ إذاً: افزعوا إلى الله، لا ينجيكم إلا الله، يا الله.. يا الله.. قال عكرمة : أنا هربت من هذه الكلمة، ما نريد نسمعها، فما دام لا بد من أن ندعو الله وحده، الآن نرجع إلى محمد، والله ترجع بنا إلى الشاطئ، فرجع الربان بالسفينة وهبط، وظل يجري حتى احتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل يده. نحن هربنا من التوحيد أو لا؟ يلحقنا حتى بالبحر؟ إذاً: نعود أحسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة ليصلي فيها النافلة، طلب المفتاح من عثمان بن طلحة الحجبي، فأعطاه المفاتح ففتح البيت وصلى ركعتين، ووجد فيها صوراً، قال: أزيلوها، وما خرج حتى أزيلت، صور لإبراهيم وإسماعيل. فـالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، طمع. قال: أعطني المفتاح؛ ليكون من أهل السدانة كما هو من أهل السقاية، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، منهم من يقول: نزلت عليه، ومن يقول: لا، تلاها استشهاداً بها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فرد المفتاح لـعثمان بن طلحة الحجبي ، الحِجبي والحُجبي يعني: حاجب البيت، هكذا قيل في سبب نزول الآية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.معاشر المستمعين! عرفنا الأرقام الثمانية، نعمل بها ونطبقها ونستشير الأطباء، أي: العالمين من الفقهاء؛ حتى نؤديها كما هي، وحينئذٍ فنحن آمنون من الجهل، من الكفر، من الظلم، من الطغيان، من الهلع، وأصبحنا أصحاء والحمد لله.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


ابوالوليد المسلم 01-04-2021 08:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (31)
الحلقة (255)

تفسير سورة النساء (37)


في كل وقت وحين يحصل الافتراق، ويقع الخلاف، وقد أمر الله عز وجل عباده إذا نشب بينهم الخلاف أن يكون مردهم والحكم الفصل بينهم هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أمر الله عز وجل به يطاع، وما وجه به النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل، وتترك أفكار الناس واجتهادات البشر جانباً؛ لأنهم قاصرون، يحصل منهم الخطأ كما يحصل منهم الصواب وما من أحد منهم معصوم.
تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فالحمد لله على هذا الإفضال والإنعام.وأخرى يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه، كان كالمجاهد في سبيل الله ).وثالثة: الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم؛ حتى نصلي العشاء ونخرج من المسجد، ماذا نبغي بعد هذا؟!والوقت ليس بمانع لنا من طلب عيشنا والحصول على أقواتنا، كل البشر كفاراً ومؤمنون إذا دقت الساعة السادسة تفرقوا للهو والباطل وتركوا العمل، ونحن لم لا نتفرغ لذكر الله، لطلب الهدى، للتزلف إلى الله، لذكره وتلاوة كتابه؟ وا أسفاه.. وا أسفاه.. أين ذهبت أمة رسول الله؟ صرفوها عن بيوت الله؛ لتجهل، فتضل فتفسق وتفجر وتحرم سعادة الدنيا وكمالها.بالأمس تلونا آيتين ودرسنا الأولى منهما، فإليكم إعادة التلاوة، وأذكركم فيما بعد بما فهمناه من الآية الأولى ونتدارس الآية الثانية إن شاء الله.يقول تعالى ونحن في سورة النساء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].بالأمس خرجنا مطمئنين على أننا من أهل الأمانات، والذين كان فيهم مرض وضعف وصفنا لهم تلك الوصفة الربانية ذات الأرقام الثمانية، وهم يعملون بها ويعالجون ما أصابهم من ضعف على ضوئها، وأصبحنا تضع عند أحدنا مليار دولار، والله لا يخونك في ريال واحد، أودعه ما شئت وقل له: احفظ هذا أمانة عندك، يحفظ ذلك ولو يموت دونه؛ لأننا عرفنا الأمانة التي أمر الله تعالى بحفظها وأدائها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، يا عباده.. يا أولياؤه! أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].
وجوب العدل في الحكم وعدم الحيف فيه
يقول الله تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].معشر الإخوان، معشر المؤمنين والمؤمنات! ليس شرطاً أن تكون قاضياً فتعدل أو حاكماً، كلنا مأمور أن يعدل:أولاً: بين نسائه. ثانياً: بين أولاده. ثالثاً: في صحبته. رابعاً: أن يعدل وأن يكون عدلاً في كلامه إذا تكلم، فلا يجر ولا يحيف. أن يعدل في طعامه وشرابه، فلا يسرف حتى يثخن فيهلك، ولا يقلل ويجف حتى ييبس ويعجل. في إنفاقه على أهله يجب أن يعدل، يجب أن يعدل في مشيه ما يتماوت ولا يجري ويسرع؛ يعتدل، العدل مأمور به، والعدل خلاف الجور والظلم، حاجة بين شيئين اعتدلت، مالت انحرفت، العدل في القول والفعل والقضاء والحكم كل من أسند إليه أمر ليحكم فيه يجب أن يعدل؛ لأن الله أمر به أو لا؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، سواء كنت أميراً أو كنت قاضياً أو مسئولاً، أو كنت في بيتك أو كنت في سوقك، أو كنت حيث ما كنت، إذا أسند إليك القضاء في قضية فاعدل، ولا تخش إلا الله.والذين لا يعدلون يا ويلهم؛ لأنهم عصوا الله عز وجل، ما أطاعوه في ما أمر وفرض.إن الله نعما وعظنا به، إذا أمرنا بأداء الأمانات بيننا؛ ليسود الإخاء والمودة والولاء، وأمرنا بالعدل بيننا؛ حتى لا يبقى ظلم ولا جور ولا حيف، وبذلك تصبح أمة كأننا كواكب في السماء، فقط لو أطعنا الله في هذا الحكم لسدنا، لا إله إلا الله، يا شيخ! بلايين المسلمين ما درسوا هذا الآية، ولا سمعوا بها، كيف نعدل؟ وكيف نعرف؟ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، أي: يأمركم به العدل وأداء الأمانة، عليهما تستقيم المجتمعات البشرية، فإذا خينت الأمانة وعبث بها، وجير في الحكم والعدل هبطت الأمة، تصبح كالكلاب، يأكل بعضها بعضاً؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا [النساء:58]، لأقولكم، بَصِيرًا [النساء:58]، بأحوالكم، والظاهر كالباطن، فراقبوا الله عز وجل. والآية بعد هذه اسمعوا هذا النداء الإلهي.
نداءات الرحمن في كتابه وشفاؤها للأبدان
كم نداءات الرحمن في القرآن؟ تسعون نداءً، المفروض أن كل مؤمن ومؤمنة يعرف هذه النداءات، وقد درسناها نداءً بعد نداء، ووزعت منها الألوف، وطالبنا بترجمتها، وقلنا: المفروض كل فندق، كل نزل، في كل سرير موضوع نداءات الرحمن، قبل أن ينام الضيف أو النازل، يسمع نداء من نداءات ربه، الله أكبر! ربك تسمع نداه؟ إي والله، كيف يتم هذا؟ إي نعم، تسمع نداء ربك إليك.ومع هذا فما زلنا كما كنا، نداءات الرحمن، تسعون نداء في الإيمان، في العبادة، في السياسية، في العسكر، في الجهاد، في كل متطلبات الحياة، حتى الوضوء، و(75%) بها جاهلون؛ لا يعرفون أن لله نداءات، وأنه ناداهم، وقد عرفنا أنه من رحمته بنا، ولطفه وإحسانه إلينا، ما ينادينا إلا ليعلمنا ما نحن به جاهلون، أو ليأمرنا بما يسعدنا، أو لينهانا عما يلوث حياتنا ويسقط بنا إلى السفول والنزول، أو ينادينا ليبشرنا فتنشرح صدورنا، وتطمئن قلوبنا، ونواصل سيرنا في طريق السلام، أو ليحذرنا حتى نرهب ونخاف من الوقوع في الشر والفتن والبلاء، ما نادانا لهواً ولا لعباً، حاشاه جل جلاله وعظم سلطانه.تسعون نداءً، كل مؤمن يحفظ تلك النداءات، ويفهم معناها، ويعمل بها يصبح سيد الناس ولا فخر، لا يحتاج إلى كلية ولا جامعة، فقط يحفظ النداءات ويفهم معناها ويطبقها، ليصبح أعلمنا، وأعبدنا، وأصلحنا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، قولوا: لبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير بيديك، والشر ليس إليك، أو ما تشعرون أنكم منادون؟ من قال: أنا لا.. اجعل برنيطة على رأسك وامش إلى أوروبا؛ ما تنادى ولا أنت أهل لهذا. لكن نادى المؤمنين، يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وآمنتم بلقاء الله، والجزاء في الدار الأخرى، أنتم الأحياء بإيمانكم، ينادكم ربكم ليأمركم أو ينهاكم، أو يبشركم أو ينذركم، أو يعلمكم ما أنتم به جاهلون، الحمد لله، قولوا الحمد لله، والله الحمد لله ما نحن ومن نحن حتى ينادينا ربنا؟ الله أكبر.وسر ذلك أننا مؤمنون، المؤمن حي، يسمع، يبصر، يتذوق، ينطق، يأخذ ويعطي، يمشي ويقعد، لإيمانه الذي هو قوة حياته، الكافر ينادى؟ يسمع؟ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، هكذا يقول الله لرسوله، أولاً: يؤمن الشخص، فإذا آمن حيي، فإذا حي مره يفعل، انهه يترك، بشره يستبشر، حذره يحذر، لكمال حياته.فلهذا عرفنا والحمد لله: أن الروح هي الإيمان، آمن عبد الله أو أمة الله حيي أو حيت، كفر مات وماتت، ضعف إيمانه ما استقر ولا لاحت أنواره؛ لجهله وبعده عن كتاب الله، فهو مريض تمام المرض، يفعل الواجب ويترك آخر، يترك معصية ويرتكب أخرى لأنه مريض، يسمعك الآن وغداً ما يسمعك، فإن نقل إلى مستشفى رباني وعالج شفي بإذن الله، وإن ترك هكذا في أسقامه أوجاعه يفنى ويهلك وأمره إلى الله، هل هناك مشافي للعلاج؟ آه! مشافي، مستشفيات، تنفق عليها الملايين، بل المليارات لعلاج الشعب في أبدانه، وهل من مشافي لعلاج الأراواح؟ يا شيخ! نحن ما نعرف الروح تمرض أو لا تمرض، ما سمعنا بهذا، نحن فقط نعلم أن العلاج لشفاء الأبدان، أيهما يا مشعر البصراء أما العميان لا وجود له ولا قيمة له، أيهما أعز الروح أو البدن؟ الروح، لولا الروح ما قيمة البدن؟ لما تخرج تتركه كالخشبة، كذا أو لا؟ إذا مرض البدن ومرضت الروح أيهما تستعجل؟ الروح أولاً.إذاً: ومشافي الأرواح: هي اجتماع المؤمنين والمؤمنات في بيوت الله لتلقي الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس وتطهيرها، وقد امتن الله بهذا على أسلافنا، أما نحن فقد أعرضنا، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].المستشفى الروحي بيوت الله، إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، وغسلنا أيدينا، وتوضأنا وأتينا بنسائنا وأطفالنا إلى بيت ربنا في قريتنا أو في حينا، نصلي المغرب كما صلينا، ونجتمع كاجتماعنا، النساء وراءنا دون ستارة، والأطفال صفوفاً منظمين بين أيدينا، والفحول كما أنتم، والعالم والرباني الذي يعلمنا الكتاب والحكمة، ويعمل على تزكية نفوسنا وتطهيرها، نجلس بين يديه، ندرس ماذا؟ الفلسفة والمنطق؟ النحو والفقه؟ لا، فقط ندرس كتاب الله، وسنة رسوله المبينة المفسرة لكتاب الله، ليلة آية، وأخرى حديثاً، وطول العام، بل وطول الحياة.هذا نظام حياتنا بالنور خط وبالذهب، هذا حال أمة تريد أن تسود وتسمو وتعلو.عرف هذا الثالوث الأسود، المكون من المجوس واليهود والنصارى، فأبعدوا الأمة عن هذا المستشفى؛ لتبقى مريضة تتخبط يركبون على ظهورها ويسوقنها إلى جهنم. أحلف لكم بالله أو ما تشكون؟ لا تفهموا أن شيخاً مقبل على الله يكذب عليكم وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يتكلم عن جهل.لو نقبل في صدق فقط أربعين يوماً، ما إن يؤذن المغرب والدنيا وقفت، وكل المسلمين في بيوت ربهم، يتعلمون الكتاب والحكمة لا مذهبية ولا حزبية ولا عنصريات.. قال الله قال رسوله، مسلم مسلمون، في أربعين يوماً يتغير تاريخ الدنيا، ما صنعنا هيدروجين ولا ذرة ولا ولا.. فقط أقبلنا على الله في صدق، وأخذنا نتلقى الكتاب والحكمة.. أربعين يوماً لم يبق فاجر ولا فاجرة، لا ظالم ولا ظالمة، لا بخيل ولا بخيلة ولا ولا.. كالملائكة على نحو ما كان عليه أصحاب رسول الله وأولادهم وأولاد أولادهم من أحفادهم.ما لنا لا نقبل على هذا الخير؟ ما بلغنا هذا يا شيخ، ما سمعنا به، أما نحن فمنذ سنة ونحن نصرخ.والآن وضعت رسالة في هذا الباب، فإذا يسر الله طبعها بعشرات الآلاف تقيم الحجة لله على كل عباده، الحكام والعلماء والأميين.

يتبع

ابوالوليد المسلم 01-04-2021 08:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ...)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ [النساء:59].
الأمر بطاعة الله فيما أمر
في ماذا؟ أجيبوا؟ فيما يأمركم بفعله، وفيما ينهاكم عن فعله، في غير هذا؟ إذا أمر أن تقول قل، أمر أن تترك اترك، أمر أن تفعل افعل، وهكذا.. ولكن هل يمكنك أن تعرف أوامر الله ونواهيه وأنت جاهل معرض عن كتاب الله وسنة الرسول؟مستحيل، إذا لم تتعلم وأنت في بيتك، في حجر أمك وأبيك الحرام والحلال، والواجب وغير الواجب وأنت طفل في البيت، ثم بعد ذلك تجلس في مجالس العلم وتتعلم، أما أن يعيش أطفالنا في الشوارع يلعبون، وفتحنا لهم فتنة الدش، والأوراق والعبث، ويتعلمون السخرية والاستهزاء والكذب، وبعد ذلك يصبحون ربانيين، هذا من باب المستحيل، كيف تطيع الله وأنت ما عرفت ما أمرك به؟ وإذا عرفت أنه أمرك بالصلاة، هل عرفت كيف تصلي؟ لا بد من معرفة الكيفية، وإلا ما تنتج الصلاة النتاج الطيب لزكاة النفس. الشاهد من هذا: أننا مأمورون بطاعة الله في ما أمرنا به من الاعتقاد والقول والعمل والصفة، وفي ما نهانا عنه من قول فاسد، عقيدة باطلة، سلوك منحرف، صفة خبيثة، يجب أن نعرف هذا وأن نعلمه، وإن قلت: يا شيخ! هذا أمر صعب وكذا.. أيهما أصعب: أن تخترق السماوات السبع وتنزل دار السلام في مواكب النبيين والصديقين والصالحين، أو تلتزم بهذه الآداب؟ أيهما أصعب؟كل عاقل أو مجنون، يقول: هذه أسهل بكثير، كوني فقط ألتزم بتعاليم الله فقط مدة من الزمان وأموت، أسهل مليون مرة، كيف نخترق السبع السماوات وننزل بالجنة دار الأبرار؟ ثم الذين يطالبون بالأمن والرخاء والإخاء والمودة والمحبة و.. و.. و.. بدون أن يعرفوا أوامر الله ونواهيه، بدون أن يفعلوا ويطبقوا، والله ما تم له أمن ولا رخاء ولا مودة ولا تلاقي ولا حب، مستحيل، بل تظهر فيهم مظاهر.الآن بلديات عدة في فرنسا أباحت عقد النكاح على الذكور، يأتي الذكر وبيده آخر يقول له: اعقد لنا عقد نكاح، يصبح زوجته، أين الترقي؟ وأين الفوز؟ وأين وأين..؟ آه! ما سبب ذلك؟ ما عرفوا الله ولا الطريق الموصل إليه، جهل بعد جهل، وكفر بعد كفر.
وجوب طاعة الله ورسوله وأمراء المسلمين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، (الرَّسُولَ): (أل) هنا للعهد والتفخيم والتعظيم، محمد صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول كطاعة الله إذا أمرك افعل، وإذا نهاك اترك فقط، ومن قال: نكتفي بطاعة الله عز وجل كذا أو لا؟ نكتفي بطاعة الله.. طاعة الله مجملة، ولهذا بعث رسوله؛ ليبينها، أمر الله بإقام الصلاة أو لا؟ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، الذي ما يأخذ عن رسول الله كيف يصلي؟ يطأطئ رأسه؟ يحرك رجله؟ كيف يصلي؟ إذاً: لا بد من رسول يبين كيف تصلي؟ الركوع والسجود والجلوس والقراءة والتسبيح؛ حتى تعرف، فلهذا الذين يسمون: بالقرآنيين، أشبه بالملاحدة، وأشبه من الثالوث، في إفساد أمة الإسلام، هؤلاء، أدنى مؤمن منها يضرب على وجوههم، القرآن فقط، السنة لا، قالوا: فيها زيادة وضعف، وقوة وكذا.. السنة نتركها.إذاً: علمونا كيف نصوم؟ علمونا كيف نحج؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، كيف نحج؟ علمونا كيف نقسم تركاتنا؟ ماذا يقولون؟ إذاً: لابد من رسول الله أو لا؟والآية نص قطعي الدلالة صريح: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، ما قال: أطيعوا الله والرسول، هنا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، أي: فيما يأمركم أمراً جازماً، وفيما ينهاكم عنه نهياً تحريماً؛ إذ فيه مناهي وأوامر آداب، فضائل، مستحبات. وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وأطيعوا أولي الأمر منكم، ما كرر وأطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله والرسول، والذي يوضح هذا السنة النبوية، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله؛ إذ قال: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني )، من أطاع أميري الذي أمرته عليكم فقد أطاعني، ومن عصى أميري الذي أمرته عليكم ليقودكم فقد عصاني، هذا الحديث فيصل كامل في القضية، من هم أولي الأمر؟ منا. لا من اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركون ولا ولا.. (مِنْكُمْ) أيها المؤمنون، عقيدة التوحيد، الإيمان بالله وبما أمر الله أن نؤمن به، وفق ما بين الله وبين رسوله، العبادات يؤدونها كما أداها رسول الله وبينها، فكلمة: (مِنْكُمْ)، لطيفة هذه من ألطف ما يكون، يجوز أن نولي بريطاني علينا؟ فرنسي؟ أسباني؟ الجواب: لا بد وأن يكون مؤمناً، تقياً، عالماً أيضاً.
صفات أولي الأمر وأعمالهم بين الأمة
من هم أولو الأمر، أي: أصحاب الأمر؟أولاً: الحكام.ثانياً: العلماء.ثالثاً: أهل الحل والعقد فينا.هؤلاء هم أولو الأمر:الحكام: ينبغي أن يكونوا عالمين، عارفين، بمحاب الله ومساخطه، عالمين بالأحكام التي يصدرونها، عادلين في تطبيقها وإنفاذها.العلماء: لا بد وأن يكونون فقهاء، بصراء بالكتاب والسنة.أهل الحل والعقد: وهم العارفون بشئون هذه الدنيا، كقادة الأجناد، وكالمسئولين عن متاع الأمة وأموالها، أهل الخبرة والبصيرة فيها.ومن هنا: إذا أمر الله أو أمر رسوله أو أمر أولو الأمر يجب الطاعة.مثال بسيط: لما كانت السيارات تزدحم في الطرقات، وما كنا رشداء صابرين من أولي الحلم والبصيرة كل واحد لن يجوز، والطرق تقابلت، فرأى أولو الحل والعقد: أنه لا بد من نورين أحمر يؤذن بالوقوف، وأخضر يأذن بالمشي، هل هذا موجود في كتاب الله أو في سنة رسول الله؟ الجواب: لا، هذا أهل الحل والعقد من أولي الأمر درسوا القضية بين أيديهم وتشاوروا فيها، وانتهوا إلى هذه الحقيقة، لو تركنا الأمة تمشي كما تريد لحطم بعضها بعضاً، ولكن نبحث عن سبيل أو وسيلة تحقن هذه الدماء، وتوقف هذا التيار الفاسد، فقالوا: إذاً علامة حمراء قف، علامة خضراء سر.هل يجوز لك يا عبد الله أن تخترق العلامة الحمراء؟ما يجوز، لكن الذين ما يعرفون الجواز والمناع، فقط خائفون من العسكري، ما هم خائفين من الله، ما عرفوا: (وَأُوْلِي الأَمْرِ)، خائفين من العسكري، إذا ما رأى عسكري يمشي، ولو يصطدم، هذا مثال فقط؛ لأن الحياة ذات أفنان متعددة، وليست كلها موجودة بالنص في القرآن والسنة، فأهل الحل والعقد من أولي الأمر إذا حدثت حادثة يعرضونها على الكتاب والسنة.ومن هنا لنذكر أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس هذه الأربع، إلا أن القياس لا بد وأن يكون قياساً مقبولاً، تلوح فيه أنوار الكتاب والسنة، ما هو كل من يريد يقيس يقيس.. حتى يهبطوا بالشريعة ويمزقونها، عند الحاجة الضرورية حدثت حادثة ما وجدنا نصها لا في الكتاب ولا السنة، يجتمع العلماء الفقهاء البصراء، وينظرون، هل تحدث ضرراً؟ قالوا: نعم، حرم الله الضرر أو لا؟ لا ضرر ولا ضرار. إذاً: ما دامت تأتي الضرر امنعوها، قياساً على ما حرم الله من محدثات الضرر، وهذا الموضوع لأهل العلم.الإجماع كذلك، إذا أجمعت الأمة لا تجتمع على ضلالة أبداً، ولكن تحدث ظروف، اجتمعت الأمة في القرن العاشر على كذا من الأمور التي ليست في الكتاب ولا السنة، استنبطت فقط من نور الكتاب والسنة، ثم جاءت ظروف وتغير ذلك الضرر وأصبح نفعاً، هل يمكن أن ينقض الإجماع الأول؟ ينقض بإجماع آخر.الذي لا يقبل هو أن يقول قوم ويقول آخرون، أن يجتمع أهل المشرق ويترك أهل المغرب، إذا اجتمعت الأمة في يوم من الأيام على شيء، اعلموا أنه حق وواجب ومشروع، حلال، جائز؛ لأنها لا يمكن أن تجتمع على ضلالة؛ لأنهم يؤمنون بالله ولقائه ويخافون وعد الله ويرجون وعيده، يخافون وعيد الله ويرجون وعده.إذاً: الكتاب أولاً. السنة ثانياً. الإجماع ثالثاً. القياس الذي ارتضاه عمر وأصحاب رسول الله؛ لأن الأقيسة اختلفوا فيها وتسابق فيها العلماء، وأرادوا أن يحلوا كل حرام، القياس بتحفظ، ولا بد أن يكون أولي الأمر الصلحاء، وأن يكون العلماء ربانيين، وأن يكون أولي الحل والعقد صالحين، وأن تكون الأمة مقبلة على ربها، راضية بحكم القضاء فيها، ترجوه وترجوا الدار الآخرة، لا بد من مجتمع رباني، لكن هذا الأصول التي وضعها الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].يقول ابن مسعود تفسيراً لآية: وأطيعوا وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .فلا تقل: ما قال الله وأطيعوا، إذاً: ما تطيعوهم، إذاً: هذا تفسير ما هي قراءة كما يقولون.
وجوب رد النزاع إلى الله ورسوله
قال الله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، صغر أم كبر من أمور الدين أو الدنيا، تنازعتم كل يريد أن ينزعه من الآخر، تعرفون النزاع أو لا؟ بينهم شيء كل واحد ينتزعه من يد الثاني. تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، من أمور دينكم، من أمور دنياكم، فَرُدُّوهُ [النساء:59]، ذاك المتنازع فيه، ردوه إلى الله، أي: إلى كتابه، وإلى رسوله، أي: سنته، فمن قال: لا. فهو كافر ما هو بمؤمن، قال: ما نعترف بالكتاب ولا بالرسول، ننقل القضية للأمم المتحدة، لمجلس الأمن، وأنتم تشاهدون، نحن نبكي قضايا تحدث بين العرب والمسلمين يرفعونها إلى أيدي الكفار، موت هذه أو حياة؟ موت، ما السبب؟ الأمة ميتة فمات حكامها معها، لو حييت الأمة والله لحيي حكامها، كل مرض تشاهده في حاكم هو استقاه وحصل له من الأمة الميتة، أوما تتذوقون هذا؟ لو أن أميراً في قرية وأهل القرية على أتم الاستقامة، الصدق، الطهر، الوفاء، السلام، الرحمة، يبقى ذاك الأمير يلعب ويعبث؟ والله ما يبقى، ما يستطيع، وإذا شككت في هذا فرسول الله يقول: ( كيف ما تكونوا يولى عليكم )، فهل حكام المسلمين جاءوا من بريطانيا أو من أسبانيا؟ جاءوا من نفس الأمة ونفس الشعب الهابط المتآكل الضال الجاهل، ماذا ترجوا منهم؟ أمة جاهلة والحاكم يكون عالماً، مالك بن أنس أو الشافعي ؟ مستحيل هذا.إذاً: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، سواء شعب مع آخر، إقليم مع إقليم، دولة مع دولة، واحد مع واحد، نرد ذلك إلى الله والرسول، لو أخذنا بهذا المبدأ، انتهى الخلاف، ما بقي بيننا خلاف أبداً، لكنا معرضون وما فينا من يعرف أيضاً الله ولا الرسول حتى نرد إليه، أين هم؟ تجد المدينة ما فيها عالم ولا بصير، لكن هو هذا نظام الله للناس أو لا؟ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أين الله؟ كتابه، أين الرسول؟ سنته، والرسول لو كان حياً، كلما نختلف في أسبانيا أو في المغرب نأتي إليه هنا؟ ما هو شرط، نطبق سنته وأحكامه، حياً أو ميتاً، أليس كذلك؟ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أي: فما حكم به الله والرسول هو الخير، هو المعروف، وما حكم به بما لا تريدون هو الخير، لكن إذا لم نطرحه بين يدي الله والرسول وحكمنا فيه العقول، وحكمنا فيه الأهواء والشهوات والعنصريات والمذهبيات، كيف تكون الحال؟
تعليق التحاكم إلى الله ورسوله بالإيمان
الله يقول: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، هذه الجملة الذهبية، إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ [النساء:59]؛ فإن قلنا: ما نرد إلى الله والرسول، معناه: ما آمنا بالله ولا باليوم الآخر.يقع الخلاف بين المسلمين في ديارهم فيرفعون القضايا إلى الأمم المتحدة، إلى هيئة، إلى مجلس الأمن، وأخيراً رفعت قضية عندنا إلى إيطاليا إلى القسس، لا إله إلا الله، لا تلومونا يا إخواننا فقد هبطنا من ألف سنة، كنا في علياء السماء فهبطنا، فنحن كالبهائم على سطح الأرض إلا من رحم الله، اختلف اثنان هنا في المسجد في سنة أو فريضة يجب أن يرجع إلى الله، تعال نمشي إلى العالم، يا عالم هذا يجوز أو لا يجوز؟ ما هو السنة، وما هي البدعة؟ ويرجعان متحابين متواليين، مطمئنين، ما دام قال الله قال الرسول قبلنا، إن سقطت غداً في عالم آخر، كذلك الحمد لله قبلنا لو مائة مرة؛ لأنا نجري وراء طاعة الله والرسول، متى نقبل هذا؟ لما نربى ونحن في حجور أمهاتنا على حب الله ورسوله وطاعتهما، وكل آمالنا في الملكوت الأعلى. إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ [النساء:59]، بالله رباً وإلهاً حكيماً عليماً، ولقائه في اليوم الآخر، حيث الحساب والجزاء، إما خلد في دار النعيم، أو آخر في دار الشقاء، الذي يؤمن بالله واليوم الآخرة ما يستمر على جريمة، ولا يقر معصية أبداً، وإن شئت حلفت لك بالله: والله ما يقيم عليها، نعم ليس بمعصوم؛ وقع، فجر، كذب، خان، كذا.. لكن سرعان ما يبكي ويرجع إلى الله، والذي لا يؤمن بالله ولا بلقائه يخاف فقط من الكرباج، كرباج العسكري أو الرصاصة، فإذا خلا وحده وأمن يفعل ما يشاء كالحيوانات، ولا لوم عليه لأنه ميت. إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، ما اليوم الآخرة؟ ذاك الذي يوم لا يوم بعده، انتهت الأيام وما بقي إلا البقاء بين يدي الرحمن بلا نهاية.ويختم تعالى هذا الأمر بقوله: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، والتأويل: ما يئول إليه الشيء، أي: العاقبة من قال هذا الكلام؟ الله أو لا؟ أليس حيكماً عليماً؟ أليس رحيماً خبيراً؟ قرر ماذا؟ إن نحن إذا اختلفنا في شيء، في البيت، في السوق، في المسجد، في أي مكان، نرده إلى الله والرسول ليحكما فيه، هذا يقول تعالى عنه: (خَيْرٌ)، من جهة خير، (وَأَحْسَنُ) عاقبة، فإن لم نرد إلى الله والرسول، ونرد إلى الجهلة والظلمة أو الكفار. إذاً: ذلك يكون شراً وأسوأ عاقبة والعياذ بالله، وهذا الذي حصل، وهذا الذي يوجد.متى نعود إلى الله يا عباد الله؟ عندما نجتمع في بيوت الله في صدق نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونطهر أرواحنا وآمالنا في الملكوت الأعلى، يومها أيما خلاف يقع في القرية في السوق في أي مكان إلى الله والرسول العلماء أهل الكتاب والسنة.والله تعالى أسأل أن يتوب على هذه الأمة، وأن يرجع بها إلى الصواب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:38 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (32)
الحلقة (256)

تفسير سورة النساء (38)


أمر الله عز وجل ولاة الأمور ممن تولى على المؤمنين أن يحفظوا حقوق رعيتهم، وأن يحكموا بينهم بالعدل، وفي مقابل ذلك أمر الرعية أن يلتزموا بطاعة ولي الأمر فيما هو معروف للشرع، أما ما كان غير ذلك فلا طاعة إلا لله، وإن حصل النزاع والاختلاف في شيء من أمور المسلمين فيرد حكمه لكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخطاب يشمل الراعي والرعية على حد سواء.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).فاللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء، ومع الآيتين الكريمتين اللتين تدارسناهما ليلتين وهذه الثالثة، وما وفيناهما حقهما ولن نستطيع ذلك، وإنما نأخذ بقدر ما وهب لنا وأعطيناه، هيا أتلو عليكم الآيتين، وأنتم ترددون التلاوة في نفوسكم أولاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].هيا مع شرح الآيات في كتاب: أسير التفاسير؛ لنزداد يقيناً ونزداد علماً أيضاً.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ روي أن الآية الأولى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ [النساء:58]، نزلت في شأن عثمان بن طلحة الحجبي ].وبيان ذلك قال: [ حيث كان مفتاح الكعبة عنده بوصفه سادناً -أي: قيماً على البيت، البيت الحرام- فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه صبيحة يوم الفتح ]، أي: يوم فتح هذا؟ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، أي: فتح مكة، فقد كان يديرها المشركون..مغلقة على المؤمنين، متى فتحها الله؟ في السنة الثامنة من الهجرة (صبيحة)، لما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح من عثمان أعطاه إياه.قال: [ فصلى في البيت ركعتين -وشاهد صوراً وتماثيل داخل البيت صورها العرب فأمر بإنزالها وإبعادها وخرج، فقال العباس رضي الله عنه -عمه- أعطنيه يا رسول الله].أي: أعطني المفتاح لأضمه إلي فأصبح سادناً وساقياً، السقاية له، ويريد أن يضيف إليها السدانة.[ليجمع بين السقاية والسدانة، فانزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها ]، وهما الآيتان اللتان ندرس.وقد يقال: الآيتان نزلتا في المدينة، لأن سورة النساء مدينة، ولا مانع أن تنزل الآية والآيتان في مكة، وبعد عام عامين، ويقول جبريل ضعها: يا رسول الله في المكان الفلاني، بين الآية والآية. وجائز أن يقرأها الرسول استشهاداً بها واستدلالاً، فيفهم الناس أنها نزلت الآن، والكل صالح وحسن.قال: [ فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية على الناس -قرأ عليهم ليسمعوها- ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه المفتاح ]، أما هذا الجزء فهو حق ناداه وأعطاه المفتاح.قال: [ غير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ].إن كانت الآية نزلت في هذه الحادثة، فالله فرض على هذه الأمة أن تؤدي الأمانات طول الحياة، وعلى أن من حكم منهم أن يعدل في حكمه.(العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، اللفظ عام أو لا؟ اسمع! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، يدخل فيه هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة، أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:58]، يأمركم أيضاً: أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، لأنه العدل، وأداء الأمانة، والحياة قائمة على هذين: العدل والأمانة، نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58].قال: [ غير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولذا فالآية في كل أمانة، فعلى كل مؤتمن على شيء أن يحفظه ويرعاه؛ حتى يؤديه إلى صاحبه، والآية تتناول حكام المسلمين أولاً بقرينة: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، العدل: الذي هو القسط، وضد الجور ومعناه: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من أفراد الرعايا.وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، يريد أن أمره تعالى أمة الإسلام حكاماً ومحكومين أمره إياهم بأداء الأمانات والحكم بالعدل هو شيء حسن، وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو النهوض بأداء الأمانات والحكم بالعدل ].تذكرون أن العبادات أنها كلها أمانة عندنا، حتى قلم الأظافر.قال: [ وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، فيه الحث على المأمور به -وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل- بإيجاد ملكة مراقبة الله تعالى في النفس ].فالذي يوجد الله له هذه الملكة، ويصبح يراقب الله في كل حركاته وسكناته؛ قل ما تزل قدمه أو يسقط، إذا علمت أن الله عز وجل كان وما زال سميعاً لأي قول.. لأي صوت، حتى أصوات النمل وكلمها، سميع وبصير بكل دقيقة وجليلة، ما تعجز حتى الآلات عن تصوره أو فهمه أو إدراكه فالله عليم به؛ فإذا وجدت هذه الملكة في النفس، وأصبح عبد الله أو أمة الله يعيش مع الله، يراقب الله في كل شيء لعلمه اليقيني أنه يسمع ما يقول ويبصر ما يفعل، أمكنه أن يستقيم على منهج الحق، يبدأ بأمانات الله أولاً، ثم أمانات عباده، ثم العدل في كل حياته حتى في أكله وشربه كما بينا هذا.قال: [ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، فيه -أي: في هذا الجملة من كلام الله تعالى- الحث على المأمور به ]، وهو الحكم بالعدل وأداء الأمانة.قال: [ بسبب إيجاد ملكة مراقبة الله تعالى في النفس؛ فإن من ذكر بقلبه أن الله تعالى يسمع أقواله، ويبصر أعماله، استقام في قوله فلم يكذب، وفي عمله فلم يفرط، هذا ما دلت عليه الآية الأولى.أما الآية الثانية: فإن الله تعالى لما أمر ولاة أمور المسلمين] قلنا: الإمام ورجاله والقضاة، وكل من له مسئولية يقوم بها، هو ولي أمر [أمرهم بأداء الأمانات التي هي حقوق الرعية، وبالحكم بينهم بالعدل، أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولاً، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانياً ]، إذا كان الأمير يأمر وما يطاع ما فائدة وجوده؟ وإذا لم يطع الأمير من يطع الأب أو الأم؟ الفوضى والخراب والدمار.
منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام
سأل بعض الإخوان بالأمس، قال: كيف نطيع الحكام وهم ما يحكمون الشريعة الإسلامية؟ نقول: أطعهم حيث أمرك الله ورسوله أن تطيعهم، فيم تطيعهم؟ فيما هو معروف، جائز، مشروع، أما أن تطيعهم تلبس برنيطة؟ لا. أن تعلق صليباً في عنقك؟ لا. أن تصنع الخمر في بيتك وتسقيها زوجك وأولادك؟ لا. وهل هم أمروا بذلك؟ والله ما كان، نحن الأتباع المحكوم فيهم، أضعنا ديننا بأنفسنا، ثم أصبحنا نلقي بالتبعة على الحاكم. اسأل: من موريتانيا إلى إندونيسيا: هل هناك حاكم شرع قانوناً بأن لا صلاة بعد اليوم؟ سمعتم هذا؟ أو صدر قانون أن من يعلم أنه يخرج زكاة ماله يسجن سبعين سنة؟ حصل هذا ومنعوا الزكاة؟ هل بلغكم أن أمراً صدر أن أيما امرأة لا تكشف وجهها ورأسها وتلبس الميكروجيب والمنيجيب، يحكم عليها بالإعدام.. بالقتل.. بالسجن أبداً؟ صدر هذا؟ والله ما كان، هل صدر أمر من حاكم من الحكام: يجب كما ترقى الغرب والشرق أن نترقى بأن نبيح الخمر ويشربها نساؤنا وأطفالنا في الشوارع، أحصل هذا؟ هل هناك حاكم قال: ما نعترف بطاعة الأبناء لآبائهم الطاعة للحاكم، أيها الأبناء لا تطيعوا أولادكم، اضربوهم والعنوهم، نترك هذه الرجعية؟ هل حصل هذا؟أنا أتكلم، لو كنت في الصين أتكلم بهذا الكلام، إياكم أن يعبث الشيطان بقلوبكم، ويقول: الشيخ يقول الباطل ويتملق. والله لا أقول إلا ما أعلم أنه الحق بعينه، ما هذه الوساوس؟ إذاً: وبالأمس قلنا: جاءت الاشتراكية، العلمانية.. ما هناك حكومة أمرت بالكفر ولا بالشرك ولا ألزمت بالمعاصي ولا بالفسق ولا بالفجور، واستثنينا دويلة عدن الشيوعية، وقد ذهب الله بها وأراح المسلمين منها، فقد ألزموا المواطنين بأشياء كفرية، وانتهت في أيامنا.يبقى للذين يقولون: لا نطيع الحكام وهم لا يحكمون كتاب الله، هذه هي المشكلة أو لا؟ لما ما تطيعونهم تخرجون عليهم وتقاتلونهم، آلله أمركم بهذا؟ لا. آلرسول أمر بهذا؟ لا. الرسول يقول: ( عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم حبشي رأسه كالزبيبة )، ويقول: ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )، اسمعوا وأطيعوا ولا تخرجوا أبداً عن طاعة الحاكم وإن كان فاسقاً، ظالماً، فاجراً، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، حينئذٍ نخلع هذا الحاكم، ونبعده ونضع غيره، هذا هو الطريق أو لا؟ فأنتم لما تصيحون في بلادكم في حكوماتكم، أين الأمة التي تبايع الإمام إذا ظهر؟ أمة استباحت المحرمات، واستحلت ما حرم الله، وجهلت الطريق إلى الله، وما عرفت ربها، ثلاثة أرباعها ما عرفوا الله، وأنت تريد أن تخلع الحاكم، كيف تخلعه؟ قل لي كيف: بالاغتيالات؟ بالتفجيرات؟ لو بقيتم تفجرون وتغتالون ألف سنة هل هذا سيسقط الحاكم؟ لا. وهل الله أذن بهذا؟ هل الله أذن في أن تقتل مسلماً؟ الرسول قال: اقتلوه أو قال: اعزلوه؟ تعزلونه إذا كنتم أمة على قلب رجل واحد، أمة ربانية، كلهم أولياء الله، تقولون: يا فلان! قلت أو فعلت ما هو كفراً بواحاً، ابتعد عن الحكم، اعل يا فلان واحكم، هل هذه الشعوب الهابطة فيها هذه الروح وتقدر على هذا؟ وشاهدنا البلاء ينزل تبجحوا في البلد الفلاني، وقالوا: ضربوا ضربة شديدة، مات الإسلام من بلادهم، في البلد الفلاني تنتقل من محنة إلى محنة؛ لأنه سلوك هائج، باطل، حرام، والله لا يحل. إذا ما عندنا قدرة أن نخلع ونعزل يجب أن نسكت، نعمل كيف نحفظ ديننا، لا أن نهيج الفتن ونثير المشاغب والمتاعب في أمة حتى ينتهي الإسلام.هذا أمر الله (وأولي الأمر منكم)، على شرط ما يكون يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، مؤمن فسق فجر، الشعب ثلاثة أرباعه فسقة فجرة،لم أغير الحاكم؟ أليس شعبنا ما يصلي وفيه العديد ممن يشرب الخمر والحشيش والباطل والعقوق والربا والفجر؟ موجود أو لا؟ لماذا ما ننظر إلا إلى الحاكم ونهيج الناس، مع العلم أن من آدابنا الإسلامية ألا نذكر مؤمناً بفاحشة أبداً، بل نستر عليه ونغطيها.ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره، فمجالسنا كلها في الطعن والنقد للعلماء والحكام، ونهيج الجهلة والمساكين فيحملون السلاح، ليتمزقوا وتتمزق أمتهم.لعلكم ما فهمتم؟افهموا: يجب أن نطيع الحاكم في غير معصية الله، ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف )، لا في المنكر.إذاً: وإذا كان الحاكم ما طبق الشريعة وضعف، أو عجز، أو ضغط عليه فهذا شأنه ونحن نطبق الشريعة، نحن الذين نطبقها أو الحاكم؟ نحن الأدوات والآلات، ما نسمح لأحد في قريتنا أن يبيع الخمر، ندخل إلى بيته ونتمرغ بين يديه، تأتيه جماعة بعد جماعة، اترك هذا الباب وأغلقه حتى يتوب. امرأة كشفت عن وجهها وخرجت تعربد، نحن المسئولون وليس الحاكم، نأتي إلى ذويها وأهلها احجبوا ابنتكم.. نحن نتوسل إليكم إلى الله أن تفعلوا وتفعلوا، وهم بشر ما هم حجارة، ويتعطل ذاك المنكر، وهكذا في قريتنا، في حي شاهدنا إبراهيم ما يصلي، أو عثمان يصلي يوم ويوم لا، ننتظر الحاكم؟ كيف الحاكم؟ نحن الذي يجب أن نأمره وأن نزوره في بيته، وفي عمله وندعوه إلى الله؛ حتى ما تفسد حالنا ونهبط، وهكذا كلما ظهرت معصية بيننا في قريتنا في حينا في أي مكان، نحن المأمورون بإصلاحها، أما فقط نتبجح بتكفير الحكام، وإذا قلت: ما كفروا؛ كفروك، وقالوا: الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله هو كافر، والعلماء الذين سكتوا كفار، والأمة التي سكتت كافرة، ولم يبق مؤمن إلا الذي يقول هذا.هذه جماعة التكفير والهجرة، تربت هنا، وخرجت هناك، وتوغلت في الأفغان، وعادت الآن شراذم هنا وهناك، هذا معتقدهم، الحاكم ما حكم بما أنزل الله كافر، العلماء سكتوا كفروا، الأمة طأطأت رأسها ورضيت كافرة، من هو المسلم؟ قولوا؟الذي يقول هذا، الذي يكفر المسلمين كلهم هو المؤمن والرسول يقول: ( من قال لأخيه يا كافر فقد بها أحدهما )، من كفر المؤمن فهو الكافر.ثم قضية الآيات التي يؤولونها بدون فهم، قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، لم هذا التكرار؟ الذي يحكم بغير ما أنزل الله يكفر إذا قال: ما نعترف بهذا الدين.. لا أؤمن بهذه القوانين القرآنية.. أنا كافر بها، هذا كافر أو يشك في كفره؟ لا يشك في كفره، هيا ماذا نصنع؟ نحاربه، حتى نوجد أنفسنا، قادرون على حربه أو لا؟ قال: نحن غير قادرين.إذاً: نتملق ونعرف كيف نخرج من الفتنة، نحن فقط نتبجح بكفره، ونحن أعجز ما نكون عن إزاحته، لم نوقع أمتنا في البلاء والشقاء؟ آلله أمر بهذا؟ثانياً: الحاكم إذا كان يصوم ويصلي ومؤمن بالله واليوم الآخر، كيف تقول: كافر؟ وجد هذه القوانين فرضتها بريطانيا وفرنسا وما عرفها إلا هي وهو يطبقها، وهو غير مؤمن بها، يكفر؟ والله ما يكفر، الكفر لا بد له من اعتقاد، إذا اعتقد أن هذا باطل، ولا ينفع ولا يصح أبداً أبعدوه عنه، كفر قطعاً لا يشك ذو دين في كفره، أما فقط كونه ما طبق، وما قطع يد السارق ولا رجم الزاني، لعجز أو ضعف أو خوف ما أقول: هذا كافر أبداً، ظالم نعم، فاسق نعم، خرج عن الطاعة الإلهية.ومنذ سنين قلنا لهم: يا إخواننا، لما الحاكم نحكم بكفره ننظر: هل نحن قادرون على خلعه ونصب غيره أو لا؟ فإن قالوا: لا ما نستطيع. إذاً: حرام أن نتكلم بكلمة نحدث بها فتنة، نعمل على إصلاح أنفسنا، هذا الحاكم ما أصلحنا.. ما هو متهيئ للصلاح، إذا نعمل على إصلاح أنفسنا، أما أن نكون نحن ثلاثة أرباعنا لا صلاة، لا زكاة، لا ذكر الله لا تقوى الله، والتكالب على الدنيا، والفسق والفجور، ونقول: الحاكم فقط.أمور تحرق القلوب، وقد شاهدنا آثار هذه الحركات، لو نسمي بلاد مسحوا الإسلام بها، وها نحن الآن في الديار الجزائرية، النار ملتهبة، أيجوز لمسلم أن يقتل مسلماً؟تكفره ظلماً وعدواناً وتقتله؟ كيف يصح هذا؟ ما هي النتائج، ما جاء الرسول بهذا، ولا جاء الإسلام بهذا أبداً، الرسول ثلاثة عشرة سنة في مكة ما أمر صحابياً مؤمناً أن يغتال مؤمناً، والله ما أمر، ثلاثة عشر سنة في مكة أو لا؟ وإخوانه يضطهدون ويعذبون أو لا؟ وهو يهرب بهم من جهة إلى جهة، هل سن سنة اغتيال أو قتل وهم مشركون كافرون؟ وهذا أخوه يصلي في المسجد ويقتله.هذه هي ثمار الجهل والعياذ بالله، ما عرفنا الله ولا عرفنا الطريق إليه.إذاً: أنا أتحداهم: دلونا على جماعة غضبت لله، واستطاعت أن تقيم دولة إسلامية؟ كيف ما لا يوجد؟ لأن الأمة لاصقة بالأرض، ما هي أهل أبداً لأن تعبد الله وحده وترفع راية لا إله إلا الله إلا الله، فلما ربى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين من المهاجرون والأنصار، جاء الأمر إلهي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]، (أُذِنَ)، من الآذن؟ الله لا إله إلا هو، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39].

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:39 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تابع معنى الآيات
قال: [ أما الآية الثانية، فإن الله تعالى لما أمر ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانات التي هي حقوق الرعية، وبالحكم بينهم بالعدل، أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولاً، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانياً، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ].ما قال: وأطيعوا أولي الأمر، ما أعاد الفعل؛ لأن طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله والرسول، فإذا أمر ولي الأمر بمعصية الله فلا طاعة.فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] والطاعة لأولي الأمر مقيدة بقيد، ما هو بما كان معروفاً للشرع، أما في غير المعروف فلا طاعة في الاختيار، إذا كنت مكرهاً والكرباج على رأسك، والحديد، في يديك، وقالوا: سب الله. ما أنت بمختار، لكن في حال الاختيار ما في إكراه ولا إلزام، وقال الأمير: افعل كذا أو كذا من الباطل، لا يحل أن تفعل أبداً، الطاعة في المعروف.قال: [ وإنما الطاعة هي في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وقوله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فهو خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلواً كان أو مراً ].يبقى: أين الذين يعرفون كلام الله وكلام رسوله حتى نرد إليهم ما اختلفنا فيه؟يجب أن يوجد في كل قرية، في كل مدينة العالمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. العلم الصحيح.. علم الفقه والبصيرة ما هي مسائل سطحية لا نظير لها، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ [النساء:59] من يقوم مقام الله في القرية أو المدينة؟ العالم بكتاب الله، الفاهم لأسراره، العليم بشرائعه بما فيه من حلال وحرام.والرسول من يخلف الرسول أيضاً فينا؟ العالم بسنة رسول الله، الفقيه فيها، المحقق لمعانيها. [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فهو خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أي أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلواً كان أو مراً.وقوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] ] ما هي دعوى [ فيه: أن الإيمان يستلزم الإذعان ] والتسليم [ لقضاء الله ورسوله ] ومن رفع رأسه وأبى كفر ما هو بمؤمن بالله ولا باليوم الآخر [ وهو يفيد أن رد الأمور المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن.وقوله: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، يريد ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حالاً ومآلاً ] أي: مستقبلاً [ لما فيه من قطع النزاع، والسير بالأمة متحدة متحابة متعاونة ].هذا هو القرآن الذي نقرأه على الموتى.
هداية الآيات
هاتان الآيتان فيهما هداية عجيبة، عرفناها، من باب التقرير اسمع.قال: [ هداية الآيتينمن هداية الآيتين:أولاً: وجوب رد الأمانات بعد المحافظة عليها ].حافظ عليها لعام أو عامين... الزمن المطلوب وتقدمها كما هي، سواء كانت ليهودي أو نصراني أو لفاسق أو لفاجر، أو حتى لمكار، اؤتمنت على شيء يجب أن ترده.[ ثانياً: وجوب العدل في الحكم وحرمة الحيف والجور فيه ].وفي غير الحكم أيضاً بينا أن العدل في الكلام يجب أن يكون عدلاً، في النظر إلى وجه امرأتيك تبتسم في هذه وتبتسم في هذه في كل حياتنا العدل.[ ثالثاً: وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وولاة المسلمين من حكام وعلماء فقهاء ].إذا أمر الحاكم يأمر بأمر الله، وإذا أمر العالم بأمر الله أيضاً، إذا أفتاك الفقيه هذا ما يجوز، لا تقل: ماذا فيه؟ وتصر على عدم الطاعة حرام ما أطعت أولي الأمر. [ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لحديث: ( من أطاعني فقد أطاع الله ) ].رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة أقرأها عليكم:قال: ورد أو روي في الصحيح أن عبد الله بن حذافة الأنصاري رضي الله عنه وكان به دعابة. من أخلاقه أنه يداعب الإنسان إذا جالسه وما إلى ذلك، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من ألف أو خمسمائة أو عشرة سرية تسري للعدو، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية فأمرهم عبد الله بن حذافة يوماً أن يجمعوا حطباً فجمعوا الحطب، ويوقدوا ناراً، فأوقدوا النار في ذلك الحطب العظيم، ففعلوا، ثم أمرهم أن يدخلوها، ادخلوا النار، محتجاً عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني ).إذاً فماذا يفعلون؟ إذا عصوه عصوا رسول الله، وإذا عصوا رسول الله عصوا الله، وقال: ادخلوها. فلم يستجيبوا له، وقالوا له: إنما آمنا وأسلمنا لننجو من النار، فكيف نعذب أنفسنا بها؟! وتركهم، هو أراد فقط أن يمتحنهم، قال: وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف ) لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة أبداً ( إنما الطاعة في المعروف ) ، فإذا الأمير أو العالم أمر بمعصية ما يطاع أبداً.. ونفس الحاكم ما يأمر بالمعصية لأنه عارف ما يطاع فيها، من يطيعه؟قال: [ ثالثاً: وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وولاة المسلمين من حكام وعلماء فقهاء ].أما عالم بالهندسة أو المكانيك! لا. علماء فقهاء بأسرار الشريعة. [ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للحديث الصحيح: ( من أطاعني فقط أطاع الله، ومن أطاع أميري فقط أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني ) ].هذه محفوظة في الزمان الأول عند النساء والرجال والعوام.[ رابعاً: وجوب رد المتنازع فيه: عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة ].اختلفنا في مسألة في العقيدة نردها إلى الله ورسوله، في العبادة سنة أو باطل أو بدعة نردها، في مال فلان لفلان نرده إلى الكتاب والسنة.[ وجوب رد المتنازع فيه: عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة، ووجوب الرضا بقضائهما ].إذا حكم الحاكم أو العالم بأن الحق لفلان يجب أن تبتسم أنت وترضى، وتخرج وأنت فرح، لأن الله نجاك من باطل.[ خامساً: العاقبة الحميدة والحال الحسنة السعيدة في رد أمة الإسلام ما تنازع فيه إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ].
حكم إطلاق لفظة سيدنا عند ذكر النبي وغيره
سائل بالأمس يقول: لم الشيخ يقول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟أولاً: هذه القضية اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأصحابه قولوا: سيدنا، علمهم الأذان والإقامة والتشهد بأن يقول المؤمن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فلا ينبغي لمؤذن على المنارة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، والذي في صلاته بين يدي ربه يتشهد ما يقول: وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله؛ لأن الرسول علمهم قالوا: أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد )، ما قال: على سيدنا محمد وعلى سيدنا إبراهيم، وهذه كتب السنة من موطأ مالك أول كتاب إلى الصحاح إلى غيرها، لا توجد فيها هذه الكلمة عند السلف أبداً، انتبهتم؟لكن لما هبطت الأمة وأصبحت تسيد من هب ودب، وأصبح الشائع: سيدنا علي ، سيدنا فلان، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا أو لا؟ وارتفع مستوى الجهل حتى إذا سمعوا شخصاً ما يقول: سيدنا رسول الله، يكفرونه، أو يغلقون آذانهم، أو يحرمون وجودهم من طلب العلم، فهمتم هذا أو نحلف لكم؟ والله العظيم، هذه وضعية هذه الأمة من يوم ما هبطت بالجهل بالكتاب والسنة، فنحن نقول: إذا أنت قلت في مناسبة: سيدنا. على المنبر ما يضر، لا سيما إذا كنت تراعي ذلك الجانب التائه الهابط؛ لتسترده له، وتعود به للصواب.فخلاصة القول: ما علمنا الرسول أن نقول فيه: سيدنا، نقول، وما لم يعلمنا لا نقول فيه وما نبتدع بدعة، والرسول قال: ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) إي والله العظيم لا سيد فوق رسول الله من البشرية قط، كذا أو لا؟ وإنما العبادة شيء والتمدح شيء ثاني.فلهذا إذا تشهدنا نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلينا عليه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد؛ لأن الصحابة والتابعين والأئمة هذه كتبهم ما قالوا: سيدنا فيها، وهل نحن أعلم منهم، أو نحن أفضل أو أفقه؟ خطأ.المهم هذا من آثار الجهل والهبوط، فمن قال: سيدنا ما كفر ولا أثم، هو سيدنا رغم أنوف الكافرين، ومن لزم السنة خير له من أن يزيد في دين الله.وصلى الله على نبينا محمد.

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:40 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (33)
الحلقة (257)

تفسير سورة النساء (39)


إن الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الخصومة، وعدم إقامتهما بين المتخاصمين لهو دليل على مرض في القلب، ونفاق عند العبد، فالله عز وجل ورسوله هما الحكم العدل، ودستورهما هو الدستور القويم الذي يعطي كل ذي حق حقه، فعلى المسلم الحق التحاكم إليهما وقبول ما حكما به برضا ويقين،
والتسليم لهما في سائر أمور الدنيا والدين.
تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع هذه الآيات المباركات الأربع، هيا نتلوها، ثم نتدبرها ثم نشرحها، لنعلم مراد الله تعالى منها، فما كان عقيدة اعتقدناها، وما كان واجباً نهضنا به، وما كان ممنوعاً تخلينا عنه وتركناه، وما كان أدباً سامياً تأدبنا به، وهذه هداية القرآن الكريم.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مع العلم أننا مع سورة النساء. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:60-63].معاشر المستمعين والمستمعات!يخاطب الله تعالى رسوله ومصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: أَلَمْ تَرَ [النساء:60] ألم ينته إلى علمك إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ بالقول أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ من القرآن الكريم، وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من التوراة وغيرها، وهذا الاستفهام للتعجب من خالقه، ألم ينته إلى علمك أولئك الذين يزعمون، وزعم في الغالب تطلق على الادعاء الباطل. يَزْعُمُونَ : يدعون. أَنَّهُمْ آمَنُوا وجزموا بصحة بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ من القرآن العظيم وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ كالتوراة والإنجيل والزبور يُرِيدُونَ مع هذا الادعاء وهذا الزعم بأنهم مؤمنون بالقرآن والتوراة. يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء:60] ما الطاغوت؟ كل من حكم بغير الله طاغوت، كل ما صرف عن عبادة الله وحده طاغوت، وما أكثر الطواغيت، والمراد هنا: إما أن يكون كعب بن الأشرف اليهودي أو كاهن من كهنة العرب من جهينة؛ لأنه اختصم المنافق مع يهودي.اليهودي قال: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلم اليهود اليقيني أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يحكم بالحق وبالعدل.والمنافق يخاف أن يحكم عليه لصاحبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالعدل والحق، فقال: لا لا. نتحاكم عند كعب بن الأشرف ، أو نذهب إلى الكاهن الفلاني، وهذا نقص وعيب وضلال وكفر، وهذا الرجل منافق من الأشراف الأوس أو الخزرج، يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وانكشفت عورته هنا، اليهودي يقول: تعال إلى محمد، هذا نبيكم نتحاكم عنده، لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي بينهما بالحق، والمنافق يعرف هذا فيريد أن يهرب إلى قاض آخر وحاكم حتى يحصل على الحق الباطل، فقال: إما إلى كعب بن الأشرف وإلا إلى كاهن جهينة فلان.وقد علم الله بحالهم، انظر كيف يطلع رسوله والمؤمنين عليهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] أما أمرنا الله أن نكفر بالطاغوت ونؤمن بالله؟ وكلمة طاغوت معناها عام لكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت؛ لأنه ارتفع وطغى حتى أصبح إلهاً يعبد، ورأس الطواغيت الشيطان؛ إذ كل الذين يعبدن الأوثان في الحقيقة يعبدون الشيطان، هو الذي سول لهم ذلك وزينه لهم، الشيطان الملعون ينتفش وينتفخ حتى يعبد، طغى فهو طاغوت. وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن الحق ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] حتى لا يرجعوا أبداً إلى الإيمان والإسلام، وهذه مهمته، لا يريد أن يرى آدمياً يعبد الله عبادة تنجيه من عذاب الله وتوصله الجنة وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60].
تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ...)
قال الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النساء:61] هيا نتحاكم إلى ما أنزل الله أي القرآن وإلى الرسول، هذا بذاته موجود بيننا رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ وهذا عام وإلى الآن. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] ما يقبلون عليك، ما يريدون هذا.كيف حال العالم الإسلامي؟ هذا هو، إلا من رحم الله عز وجل، هيا إلى الله وإلى الرسول، نتحاكم إلى كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وننهي الخلاف بيننا والصراع الدائر فينا، والفتن المتأججة النار عندنا.. يصدون عنك أو لا؟ بل يصدون يسبون ويلعنون، ويسخرون ويستهزئون، هؤلاء لأن الله ينزل وحيه فهم يخافون يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] ما قال: يشتمون ولا يسبون،يخفون كفرهم ويظهرون إيمانهم، فلهذا لا يقولون كلمة من شأنها أن تسيء إليهم، لكن يعرضون إعراضاً كاملاً، ما يقبلون.هذه محنة عظيمة لا يقدر قدرها، العالم الإسلامي الذي تحكم حكوماته بغير ما أنزل الله، فلو كانوا مؤمنين بحق يتحاكمون إلى الكتاب والسنة، أليس لهم مسجد؟ بلى، أليس لهم إمام وعالم فيه؟ بلى، في مسجدهم مع إمامهم يتحاكمون على الكتاب والسنة، ومن أعطاه الله أخذ ومن منع امتنع.أولاً: لم يبق لهم مسجد يجتمعون فيه، أبعدوهم عن المساجد، والمساجد ينعق فيها الغراب، أين المسلمون؟ في الشوارع والدكاكين والأسواق، والمساجد خاوية فارغة خالية، أين الإمام العالم؟ ما عندنا.إذاً نتحاكم إلى من؟ إلى الطاغوت، ونحن نعرف أن هذا القانون ليس بإسلامي، كيف أجيز لأنفسنا أن نذهب ونتحاكم عنده؟ نعم المظلوم يبكي ماذا يصنع؟ يريد أن يسترد حقه وهو في حاجة إليه، ولكن الظالم المعتدي لم يذهب إلى الطاغوت؟ من أجل أن يحكم له بالباطل، وتأملوا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ نحكم به علينا وَإِلَى الرَّسُولِ ذاته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان بينهم قاضياً وحاكماً، رَأَيْتَ رؤية حقيقية الْمُنَافِقِينَ المتضلعين في النفاق الذين يقولون آمنا بألسنتهم وقلوبهم كافرة غير مؤمنة يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61].
تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ...)
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء:62] كيف تكون حالهم؟ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [النساء:62] وما زلت أقول: الذي ينظر إلى أوضاع العالم الإسلامي، يرى أنهم في انتظار محنة ما سبقتها محنة، وفتنة ما عرفتها الأمة الإسلامية مرة قبل هذه، الاستعمار الذي داسهم بنعاله، وبال على رجالهم، ومزق كرامتهم ذاك الاستعمار البلاء الآتي أعظم بكذا مرة؛ لأننا لما تهيئنا للاستعمار كنا فسقة ضلالاً فجرة، فسلط الله علينا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا وهولندا.. ليؤدبنا، لكن ظلمنا الآن وذنوبنا وإعراضنا أعظم مما كانوا بلا منازعة، فلهذا أليس الله يقول: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [النساء:62] من ذنوبهم ومساوئهم وأخطائهم. ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62] ظهرت المصيبة.قال: [ روي أن المنافق في هذه الحادثة لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب باليهودي إلى أبي بكر فحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرض المنافق فذهب بخصمه اليهودي إلى عمر ، فذكر له اليهودي القصة، فقال عمر للمنافق وهو يشير: أكذا هو؟ قال: نعم. قال: رويدكما حتى أخرج إليكما ] اجلسا مكانكما حتى أخرج. [ فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم، وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمر : ( أنت الفاروق ) ]. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62].جاءوا يطالبون بالدية أهل المنافق وجماعته، ويقولون: ما أردنا بمخاصمتنا إلا الإحسان والتوفيق.قال تعالى في التعقيب على هذا الموقف: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النساء:63] من مرض النفاق والكفر والضعف والفساد والشر فوق ما نتصور، أولئك البعداء الأذلاء الرخصاء -والعياذ بالله- يعلم الله ما في قلوبهم من الكفر والنفاق.
تفسير قوله تعالى: (فأعرض عنهم وعظهم ...)
قال الله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:63] لا تتكلم معهم ولا تواجههم ولا تبتسم في وجوههم ولا تضحك لهم، أعطهم عرضك. هذا أولاً حتى يصبحوا في حيرة، في فتنة اضطراب وهم وكرب، لما يصابون بذلك عظهم قولهم الكلمات التي عسى أن تحرك قلوبهم وتذهب ما فيهم من ذلك المرض العفن وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63] وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، ما رأت الدنيا أفصح منه ولا أشد بياناً، ولهذا قال له تعالى: قل لهم قولاً بليغاً ينفذ إلى قلوبهم ويخترقها، ويبلغ إلى ما وراء ذلك، علهم يرجعون ويتوبون، وهذا الذي تمَّ، ما مات وبالمدينة منافق واحد، كلهم بهذا التوجيه الإلهي وبهذا العمل النبوي يعرض عنهم يومين ثلاثة يكربون، يحزنون، يذلون، يطيعون.. يعظهم وينهاهم فيفعلون، وبذلك دخلوا في رحمة الله، وقلَّ من هلك ومات على نفاقه كـابن أبي .
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
هيا نسمح شرح الآيات الأربع من التفسير لنزداد علماً، وبتأنٍ. ‏

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:40 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
شرح الآيات
قال: [ روي أن منافقاً ويهودياً ] المنافق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، هذا المنافق، مم اشتق له هذا اللفظ؟ من أنفقة اليربوع والعامة تسميه الجربوع، اليربوع أو الجربوع نحن اصطدناه أيام الصبا، يجعل له تحت الأرض منزلاً يأوي إليه ويلد فيه، ويقيل فيه، ويسهر فيه، وله طريق يخرج منه ويدخل، ويفعل نافقة من الجهة الأخرى يحفر الأرض حتى يكاد يخرق الأرض ويطلع، يترك قشرة رقيقة من التراب، فإذا جئت أنت تطلبه وتمشي وتحفر الأرض لما يشعر بك ما يخرج أمامك مع الطريق الأول الرسمي! لا. من النافقة يضربها برأسه ويخرج، ما تستطيع أن تلحق به، هذه نافقة اليربوع.فالمنافقون يظهرون الإيمان وعندهم اتصالات بالمشركين، عندما تستدعي الحال يخرج.إذاً قال: [ روي أن منافقاً ويهودياً اختلفا في شيء ] دنيوي كعنز، أو بستان، أو مال [ فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ] لا لإيمانه بمحمد، هو يعلم أنه رسول الله، ولكن رجالهم قالوا: لا. إذا نحن دخلنا في دين محمد وأسلمنا انتهت آمالنا، انمحى من نفوسنا أمل أن نعود من جديد إلى مملكة بني إسرائيل.اليهود على علم يقيني بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام هو دين الأنبياء من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا نجاة من النار إلا بالدخول فيه، والعمل بما فيه، يعرفون هذا أكثر من العرب، وحال بينهم وبين الدخول فيه أن مشائخهم وكهانهم رهبانهم أحبارهم قالوا: لا لا. نتعذب في النار ونخرج منها، ولكن لا نتابع الرجل فنترك ملتنا ونتخلى عن شرفنا وأمجادنا، ونحن ننتظر متى تعود إلينا مملكة بني إسرائيل، والآن تشكون في هذا؟ شككتم؟ ودولة بني إسرائيل من أقامها رغم أنوفنا؟ أليسوا هم؟هذه هي النواة التي يعملون عليها، ألف سنة وأربعمائة عام حتى أوجدوا دولة، وهم يحلمون أن تكون المملكة، كلمة دولة مؤقتاً فقط، وإلا فهي مملكة إسرائيل.[ فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أنه يحكم بالعدل ولا يأخذ رشوة.وقال المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لما اختلفا تحاكما إلى الرسول [ فقضى لليهودي ] قضى أي: حكم لليهودي بذلك الحق [ فنزلت فيهما هذه الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [النساء:60] ] هذا المنافق وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60] هذا اليهودي يَتَحَاكَمُوا [النساء:60] الآية.قال: [ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [النساء:60] والمراد بهذا المنافق ] والذي يدعي أنه آمن بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.[ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60] المراد به اليهودي ] هو الذي آمن بالتوراة.[ والاستفهام هنا للتعجب، أي: ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء:60] كعب بن الأشرف أو الكاهن الجهني، وقد أمرهم الله أن يكفروا به ] أي: بالطاغوت، وهو من يحكم بغير ما أنزل الله.قال: [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النساء:61] ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون عنك إعراضاً هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء:62] وحلت بهم قارعة بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ [النساء:62] قائلين: ما أردنا إلا الإحسان في عملنا ذلك، والتوفيق بين المتخاصمين. هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث، وأما الرابعة وهو قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63]. فإن الله تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة والانحطاط، فيقول: أُوْلَئِكَ [النساء:63] ] أي: البعداء [ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النساء:63] أي: من النفاق والزيغ ] وهو الميل عن الحق [ فهم عرضة للنقمة وسوء العذاب ].عرضة: متعرضون للنقمة وسوء العذاب، ونقمة الله عز وجل منهم.قال: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فلا تؤاخذهم ] لا تنظر إليهم ولا تؤاخذهم [ وَعِظْهُمْ آمراً إياهم بتقوى الله والإسلام له ظاهراً وباطناً، مخوفاً إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت، وقل لهم في خاصة أنفسهم قولاً بليغاً ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون ].
هداية الآيات
من هداية الآيات معاشر المستمعين والمستمعات:[ أولاً: حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ] وما نجا منه أحد سوى المملكة، إخواننا في الشرق والغرب يتحاكمون إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، أخرجوهم، أنقذوهم، كيف نفعل؟ المطلوب منهم: أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وهي: أن يعودوا إلى بيوت ربهم، كما كان سلفهم الصالح لا يتخلون عن صلاة الجماعة وقتاً من الأوقات، ويجلسون في وقت الفراغ من العمل الدنيوي، وذلك بين المغرب والعشاء، وكل ليلة يتلقون الكتاب والحكمة، ليصبحوا علماء عالمين عارفين، ومن ثم واعظهم، مربيهم، مزكيهم، عالمهم، إذا حدث بين اثنين نزاع خصومة، بدلاً من أن ينقلوها إلى القوانين اللاإلهية ينقلوها إلى كتاب الله وسنة رسوله، ولو اجتمعنا وانقدنا لربنا ممكن في العشر سنوات ما تحدث خصومة، وإذا حدثت نتحاكم إلى الله ورسوله، ولنترك الحاكم يطبق ما شاء من قوانينه المادية، أما نحن معشر المؤمنين إذا اختلفنا في شيء عندنا كتاب الله، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فإذا كان أمراً دنيوياً، مالاً، حينئذ ما ترك الله وما فرط في الكتاب من شيء، وإذا حكم إمام المسجد بأن الحق لفلان افرح أنت وابتسم، واحمد الله أن نجاك وما أخذت حق أخيك، وهو أيضاً إذا حكم له يسجد لله شكراً على إفضاله وإنعامه، ويطلب السماح من أخيه، ويأخذ يلينه ويطيبه حتى تبقى المودة والإخاء كما أمر الله أن يكون بين المؤمنين، أما هذا الجفاء، هذا الجهل، هذا البعد، هذا الانقطاع، هذه الفهوم المختلفة، هذه الأفكار المتنوعة، لا نجاة إلا عند الله.قال: [ حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ].نعم إذا ظلمك كافر أو يهودي أو نصراني، لا بأس أن تتحاكم عند حاكمه لتأخذ حقك ما تتنازل، أما إذا خاصمك مؤمن فقل: أترك هذا الحق لوجه الله، ولا أدخل معك محكمة يحكم فيها بغير شرع الله، من يصل إلى هذا المستوى؟ العالمون، العارفون، كيف نصبح عالمين عارفين؟ بالبركة.. بالانتساب.. بقراءة المجلات والجرائد.. كيف؟ إذا لم نعكف في صدق في بيوت الله، نتلقى الكتاب والحكمة في صدق، وما علمنا شيئاً إلا عملنا به، فنترقى في العلم والعمل فيكمل العلم ويكمل العمل، ونستنير ونصبح بصراء عالمين.[ ثانياً: وجوب الكفر بالطاغوت أياً كان نوعه ].واقرءوا قول الله عز وجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:256-257]. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] من هم المؤمنون؟ المؤمنون الذين آمنوا بالله بعدما عرفوه، آمنوا بمحابه ومكارهه، ووطنوا النفس على أن يأتوا المحبوب ويتخلوا عن المكروه، أولئك الذين اتقوا الله بعدما آمنوا به، فلم يجرؤ أحدهم على أن يخرج عن طاعته أو يفسق عن أمره، أولئك المعنيون بقوله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ [البقرة:257] من ظلمات الشرك والكفر والذل والنفاق والسقوط والهبوط إلى النور الإلهي في قلوبهم وأبصارهم، وفي كل حياتهم، أين المؤمنون، وأين أهل العلم، وأين الدعوة إلى الله، وأين أين؟لا إله إلا الله، لا كاشف لها إلا الله. [ ثالثاً: وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها ].يجب أن نقوم بدعوة المؤمنين إذا أرادوا أن يتحاكموا إلى الكتاب والسنة، لا إلى قال فلان وقال فلان، من الفتاوى الهابطة، ولا قال القانون الفلاني، الكتاب والسنة، ووجوب قبول الحكم.إذا حكم القاضي أو الإمام أو المفتي يجب أن تخرج من المحكمة وقد حكم عليك وأنت تبتسم فرحاً، لا غضباً ولا انتقاماً ولا ثأراً، وسيأتي في آية بعد هذه، وهي قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا [النساء:65] أدنى حرج مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].اختر لنفسك عبد الله أنت مؤمن أو لا؟ قال: [ وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها ].إذا تحاكمنا وحكم علينا يجب أن نقبل، ما نرفع القضية إلى محكمة أخرى، أو نخرج غضاباً ساخطين! بل نخرج ونحن نبتسم فرحين بأن الله نجانا من هذا الحق وهو ليس لنا.[ رابعاً: استحباب الإعراض عن ذوي الجهالات ] يستحب أن نعرف عن أصحاب الجهالات المتنوعة، حتى لا نقع معهم في فتنة، ما عندهم آداب ولا سلوك ولا كذا، نأخذ في جدالهم، والصراع معهم فتنة بلا معنى، استرشاد بهذه الآية نعرض عنهم، وجاءوا تائبين، نادمين، آسفين، حينئذ وعظهم وبشرهم وبين لهم، ما داموا في تلك الضوضاء وذلك الاضطراب والقلق اتركهم.قال: [ ووعظهم بالقول البليغ ] وهذا لا بد وأن يكون الواعظ ذا بلاغة، ذا فصاحة، ذا بيان، ذا لغة كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحدث كل قبيلة بلهجتها صلى الله عليه وسلم.قال: [ ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم فيهزها ].فإذا اهتزت القلوب معناها تحركت وذهب الجمود واللصوق، وأصبحت قابلة لأن تفهم وتعي وتعلم.معشر المستمعين اسمعوا الآيات مرة ثانية وتأملوها. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] شيء مؤسف أو لا؟ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] وبالأمس بكينا وقلنا: تحدث خلافات بين البلاد الإسلامية ويرفضون التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويرفعون قضاياهم إلى الكفر، إلى الأمم المتحدة، إلى مجلس الأمن، أيجوز هذا؟ أليس تناقضاً تاماً مع الإيمان؟ وشيء آخر: هل استقرت حالهم؟ هل استفادوا من ذلك شيئاً العداء والبغضاء والنزاع والصراع هو هو.. لم ما يأتون إلى روضة رسول الله، تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين، ويخرجون متحابين.يا شيخ ما يستطيعون. لم؟لأنهم ما آمنوا، لو كان هناك إيمان حق، ما هو صوري تقليدي، والله ما يستطيع أن يقف في وجهه كافر، وينظر إليه ليتحداه أبداً، ويقول لخصمه: خذ ما تريد ولا أقف أمامك أبداً، لكن أين الإيمان؟ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] من أمرهم؟ الله عز وجل وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن طريق الحق، عن طريق الهداية، عن طريق الكمال والإسعاد ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] حتى لا يرجعوا.فسرنا مرات الضلال البعيد، هل هناك فرق بين الضلال القريب والبعيد؟ إليكم مثالاً: أخونا يريد أن يمشي الآن إلى مكة في الجنوب من المدينة. خرج من هنا وبعد ما دارت به الطريق ومشى شمالاً، إلى غد صباحاً وهو في طريق الشام، وبعد قيل: أين ذاهب أنت؟ قال: إلى مكة، أين يذهب بعقلك؟ أنت جئت من المدينة ذاهب إلى مكة؟ قال: نعم. مكة تركتها وراءك، ضللت يا عبد الله.إذاً: مسافة ليلة واحدة ما زال عنده الطعام والشراب، يستطيع أن يرجع في ذلك اليوم إلى المدينة ويتجه جنوباً إلى مكة، هذا ضلال قريب أو بعيد؟قريب، لكن إذا مشى شهراً كاملاً وهو ذاهب إلى الشمال، وبعد قيل: أنت إلى أين يذهب بعقلك؟ أنت ما أنت ذاهب إلى مكة؟ كيف شهر كامل، يعود في شهر آخر أو لا؟ أين طعامه؟ أين شرابه؟ ما يستطيع انتهى؛ لأن ضلاله بعيد، فالضلال القريب صاحبه إذا عُلِّم علم، الآن يوجد ضلال بعيد في قلوب ملايين المسلمين، ما يرجعون، ضلال قريب مؤمن تقي بر، ارتكب جريمة من الجرائم، وعظته، أنبته ذكر الله بكى يرجع، أما الذي توغل في الزنا والجرائم والباطل والشر.. ما يرجع، ضلاله بعيد، والآيات تصرح بهذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يضرب لذلك مثلاً، اسمع ما يقول عند قول الله تعالى: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذنب العبد ذنباً -العبد هو المؤمن رجلاً كان أو امرأة- وقع في قلبه نكتة سوداء -ظلمة- فإن هو تاب ونزع صقلت الله ) انمحت ويبقى القلب مستنيراً يرى الحق ويقدم عليه، ويرى الباطل ويبتعد عنه، فإن هو زاد ذنباً آخر وقعت النكتة إلى جنب النكتة، صيّرت نكتة أكبر من الأولى أو لا؟ وما نزع ولا تاب ولا صقل، وزاد ذنباً ثالثاً ورابعاً، غشى وغطى القلب ذاك السواد تلك الظلمة، ذلكم الران الذي قال الله فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].فلهذا أمرنا بتعجيل التوبة، وعدم التباطؤ والتراخي، فريضة الله على كل مؤمن ومؤمنة إذا أذنب أن يتوب على الفور، ما يقول: حتى يقع كذا، حتى يحصل كذا وكذا. بإجماع الأمة أن التوبة تجب على الفور، لماذا؟ خشية أن تتراكم الذنوب وتتراكم السيئات ويصبح أحدهم يضحك عند المعصية.وضربنا لهذا مثلاً نذكركم به: مسلمة تدعي الإسلام من عشرين سنة وتلبس القصير وتتعنتر بالشوارع، هذه لما تمر بك لو قلت لها : يا أمة الله اتقي الله، احتجبي، ماذا تصنع معك؟ تسخر، وتخرج لسانها وتقول: هذا رجعي كذا، تستهزئ، والله العظيم.ومؤمنة فقط أسبوعها الأول بدأت تكشف عن وجهها، هذه إذا وجدتها كاشفة إن قلت لها: أما تتقين الله يا مؤمنة! استحت وغطت وجهها، لماذا؟ لأن ضلالها قريب من أسبوع فقط أو أسبوعين، لكن التي عاشت عشرين سنة وهي كالعاهرة في الشوارع ترجع هذه؟ ما ترجع أبداً.مثال آخر مريض، أول مرض الأطباء يعالجونك، إذا استشرى الداء وانتشر، يقولون: خذوه إلى المقبرة، لو عالجتها من قبل، وهكذا يجب علينا أن نتعاهد نفوسنا، وأن نعرف من نحن، وما نحن، وإلى أين المصير؟والطريق واضح، والله يدخل في رحمته من يشاء.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:41 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (34)
الحلقة (258)

تفسير سورة النساء (4)


لما أمر الله سبحانه وتعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها، أتبع ذلك بالأمر لأوصياء اليتامى أن يعطوهم أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد، ونهاهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الطيبة بأموالهم الرديئة، لما فيه من أذيتهم والإضرار بمصالحهم، ومن كان عنده يتيمة في حجره وكان لها مال فلا يتزوجها إن خشي أن يظلمها، وإنما يزوجها لغيره، ويختار هو من شاء من النساء غيرها مثنى وثلاث ورباع مما أحله الله لعباده.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين!وها نحن مع سورة النساء، ويا لها من سورة، وهنيئاً للمؤمنات بهذه السورة المباركة، نتلو الآيات، وقد تلوتها في عجالة بالأمس، ثم ندرسها من الكتاب لنقف على أسرار هذه الآيات وأحكامها الشرعية.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:2-4].‏
شرح الكلمات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [شرح الكلمات]قوله [ الْيَتَامَى [النساء:2]: جمع يتيم ] وهو الفرد [ذكراً كان أو أنثى ].وحقيقة اليتيم: من مات والده وهو غير بالغ، أما إذا مات الوالد والابن قد بلغ سن الرشد والتكليف فلا يقال فيه يتيم، أما الحيوانات من الأنعام وغيرها فاليتيم فيها هو من ماتت والدته؛ لأن الشاة إذا مات جديها أو خروفها لا يعوله والده ولا يعترف به، والبقرة إذا مات الثور، هل العجل يبحث عن والده؟ لا. معه أمه، لكن إذا ماتت الأم تيتم، وأصبح منفرداً يستحق الرحمة والإحسان.قال: [ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] ] والخبيث [ الحرام. والطيب: الحلال ] وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] أي: لا تستبدل الحرام بالحلال، أو الحلال بالحرام، فتأخذ الحرام وتترك الطيب الحلال.قال: [ الخبيث: الحرام. والطيب: الحلال. والمراد بها هنا: الرديء والجيد ].المراد من الطيب هنا: الجيد. كالتمر الجيد، والخبيث هو الرديء من زرع وتمر أو غير ذلك، فالجيد هو الطيب، والخبيث هو الرديء الذي لا يصلح ولا يقبل.وقوله: [ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]: الحوب: الإثم العظيم. أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3] أي. أن لا تعدلوا ] والقسط هو العدل، والإقساط مصدر العدل، والقاسط الظالم الجائر، والمقسط العادل: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15]. من هم القاسطون؟ الظالمون الذين بدل أن يعبدوا سيدهم ومولاهم عبدوا الهوى والدنيا والشيطان، فهؤلاء ظالمون.وورد: ( المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن يوم القيامة )، والمقسطون هم العادلون في أقوالهم.. في أفعالهم.. في قضائهم.. في حكمهم.. في كل شيء، حتى في الأكل والشرب لا يجورون ولا يظلمون.قوله: [ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ] معناه [ أي: اثنتين أو ثلاث أو أربع؛ إذ لا تحل الزيادة على الأربع ].وقوله: [ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3] ]. أي: أقرب، والدنو القرب، أقول: دنا مني فلان؛ إذا قرب، وهذا أدنى من هذا؛ أي: أقرب [ أَدْنَى أقرب أن لا تجوروا بترك العدل بين الزوجات ] وقوله: [ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] ] الصدقات [ جمع صدقة: وهي الصداق والمهر، ونحلة بمعنى: فريضة واجبة ] لا بمعنى عطية، فالمهر عطية أعطاهم الله إياها، وهي في حقنا واجبة بها استحللنا به الفروج [ هَنِيئًا [النساء:4] الهنيء: ما يستلذ به عند أكله ] الهنيء من الطعام والشراب الذي تجد له لذاذة في فمك ونفسك عند أكله أو شربه [ مَرِيئًا [النساء:4] المريء: ما تحسن عاقبته، بأن لا يعقب آثاراً سيئة ].هل هناك فرق بين الهنيء والمريء؟ لما يأكل أخوك أو يشرب تقول له: هنيئاً مريئاً، هل مريء بمعنى: هنيء؟ إذاً سيكون هذا تكرار للقول، فالهنيء: ما يستلذ به عند تناوله، تقول: هنيئاً هذا الشراب لك. أي: تجد لذة فيه. ومريء لا يعقب أثراً سيئاً، فلا تخمة ولا قيء ولا مغص ولا ألم، وأهل الجنة يقال لهم: هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].وأهل المغرب يقولون لمن أكل أو شرب: صحة، العامة يفتحون الصاد فيقولون: صَحة، فبحثنا من أين جاءتهم هذه الكلمة، فعثرنا عليها في الصحيح من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلكم: أن أم أيمن ، واسمها بركة وكنيت بـأم أيمن ، وهي مولاة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ورثها من أبيه عبد الله لما مات، فقد ترك له خمسة جمال وأم أيمن ، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، كان صلى الله عليه وسلم لآدابه الرفيعة يتبول في الليل -ليالي الشتاء- في إناء من طين ويضعه تحت سريره، ما عندهم مراحيض، ويحتاج إلى أن يخرج، فليلة من الليالي السعيدة قامت أم أيمن ظامئة، وما عندهم مصباح ولا فانوس البيت كله ظلام، هيا نشكر الله. ما نستطيع! لو نظل الليل والنهار نقول: الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله. ما نوفيه، المصابيح كأننا في الجنة، وفي بيوتنا في مراحضنا، وأكثرنا ما عرف شكر الله ولا حمده. بيت النبوة بيت فيه رسول الله، بيت ينزل فيه جبريل ما عندهم مصباح، فوجدت القدح فيه البول فظنته ماء فشربته ولم تشعر بمرارة ولا بعدم طيب، يا ليتني كنتها، فقام الحبيب صلى الله عليه وسلم لشرفه وآدابه ليريقه في الصباح، فأخذ القدح فوجده فارغاً، فنادى: أم أيمن !أين البول؟ قالت: شربته يا رسول الله! قال: صحة يا أم أيمن ! فوالله ما شكت بطنها حتى ماتت، صحة يا أم أيمن . دعوة أبي القاسم لا ترد.فمن ثم أخذ أهل المغرب دعوتهم من هنا، ولا شك أنها نقلت إليهم من أصحاب رسول الله الفاتحون عبد الله بن جعفر وعقبة بن نافع ومن وأمثالهم.صحة يا أم أيمن ، ونحن نقول: هنيئاً. والجملة دعائية: اللهم اجعله هنيئاً في بطنه ومريئاً له.
معنى الآيات
قال: [ معنى الآيات: لما أمر تعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها في الآية السابقة ]وهي قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولا تصلوها، نعم [ لما أمر تعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها في الآية السابقة؛ أمر في هذه الآية أوصياء اليتامى ] الأوصياء: جمع وصي [ أمر أوصياء اليتامى أن يعطوا اليتامى أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد، وآنسوا منهم الرشد ] يا أوصياء اليتامى! إذا بلغوا اليتامى سن الرشد وآنستم وأبصرتم منهم الرشد لا السفه أعطوهم أموالهم.كم سن الرشد ؟ أول الرشد قد يكون في الخامسة عشر، وقد يتأخر إلى الثامنة عشر، إذا دخل الولد الثامنة عشر تقطع يده إذا سرق، ويرجم إذا زنى أو يجلد، ولهذا مالك وتلامذته يقولون: سن البلوغ الثامنة عشر، وغيرهم يقول: الخامسة عشر، ونحن أمة الوسط نقول: يبتدئ من الخامسة عشر إلى الثامنة عشر.وللبلوغ علامات وصفات وآيات تدل عليه، منها بالنسبة إلى الذكور: إنبات الشعر، فإن أنبت الولد الشعر، والمراد به: شعر العانة، الشعر الذي يطوف بذكره وحول فرجه، إذا نبت الشعر هناك بلغ الغلام.ومن آداب الفقهاء أنهم قالوا: إذا كان ولدك يهرب من التكاليف، فضع مرآة تحته وهو واقف؛ لأهم لم يكن عندهم سراويل، فلما تضع مرآة تحته وتنظر تعرف إذا نبت الشعر أو لم ينبت. حتى ما ينظر إلى العورة نظراً كما هو، مع أنه والده، وأما إنبات الشعر في الشارب فهذا قد تجاوز البلوغ.وعلامة ثانية، هذه لا يعرفها إلا الولد: الاحتلام، إذا نام فاحتلم فأفرز المني فقد بلغ، إذا نام فرأى نفسه يواقع أو يطارد أو يعامل النساء فأفرز المني، وهو ماء أبيض ثخين، هذا المني شبيه بطلع الذكر من النخل، سبحان الله! ولهذا العامة يقولون: قال سيدنا رسول الله: (استوصوا بعمتكم النخلة خيراً)، أكرموا عمتكم النخلة؛ لأنها أخت أبيكم. كيف؟ قالوا: الطينة التي صنع الله منها آدم هي التي نبتت منها النخلة، والرسول الكريم قال: إن من الشجر شجرة مثلها مثل ابن آدم، فأخذ الأصحاب يسيحون في الصحارى: ما هذه الشجرة التي مثلها مثل ابن آدم؟ ما عرفوا. وكان بينهم عبد الله بن عمر ، قال: فوقع في نفسي أنها النخلة، ولكن استحيت وأنا بين الشيوخ، وحدث بها والده عمر فقال: أي عبد الله ! لو قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم، ثم لما جهلوا قال: النخلة.وفيها شبه كبير بالرجل المسلم لا الكافر والعياذ بالله، النخلة كل ما فيها صالح، الكرناف، الليف، الخشب، الطلع، الجريد، التمر.. كل ما فيها صالح، يصنعون منها الأبواب، يسقفون منها البيوت، الجريد يصنعون منه الفرش، لا إله إلا الله! مثلها كالرجل المسلم كل ما فيه نافع، كلمته نافعة، نظرته نافعة، أخذه إعطاؤه كل ما فيه نافع وليس فيه ضرر.إذاً: النخلة كالرجل المسلم كلها خير، وإذا كان الرجل فيه شر وشرور فلا علاقة له بالنخلة، وإنما علاقته وشبهه بالسدر وبذات الشوك. قال: [ أمر في هذه الآية أوصياء اليتامى أن يعطوا اليتامى أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد ].الرشد ضد السفه، الرشيد الذي يضع كل شيء في موضعه لحكمته وعلمه وتمام عقله، سن الرشد ما هي؟ البلوغ، علامات البلوغ للذكر الإنبات والاحتلام، وللأنثى الحيض والإنبات أيضاً، إذا حاضت الجارية وهي بنت عشر أو خمسة عشر انتهى أمرها وبلغت، وأصبحت مكلفة إذا حاضت، وقد تحيض في الحادية عشرة أو الثانية عشرة بحسب قوة بنيتها، فبلوغ الجارية أسرع ويأتي قبل بلوغ الغلام. قال: [ فقال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، ونهاهم محرماً عليهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الجيدة بأموالهم الرديئة فقال تعالى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ [النساء:2] أي: الرديء من أموالكم بالطيب من أموالهم -أموال اليتامى- لما في ذلك من أذية اليتيم في ماله ].المراد من هؤلاء الأوصياء وإلا لا؟ ما هو كل واحد.قال: [ ونهاهم أيضاً عن أن يأكلوا أموال يتاماهم مخلوطة مع أموالهم؛ لما في ذلك من أكل مال اليتيم بغير حق، فقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] ].(إلى) هنا يصح أن تكون بمعنى (مع)، ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم، أي: مخلوطة بها، ويصح أن تبقى (إلى) على ظاهرها: ولا تأكلوا أموالكم مضافة إلى أموالهم، مخلوطة إلى أموالهم.[ فقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] وعلل ذلك -التحريم- بأنه إثم عظيم، فقال عز وجل: إِنَّهُ [النساء:2] أي: الأكل. كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2] والحوب: الإثم ]. هنا معنى آية ستأتي: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] آية بالنسبة إلى أهل الإيمان واليقين جعلتهم فقدوا النوم، وذهبت بلذة الحياة عندهم. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] تراه ماء هابط أو طعام وهو في الحقيقة نار.لما نزلت هذه الآية وقف أوصياء اليتامى ففصلوا أموال يتاماهم عن أموالهم، فأصبحت المرأة تنصب القدر لتطبخ غداءها وغداء زوجها وأولادها، وقدر آخر ليتيمها، القربة كانت واحدة؛ والآن قربة الولد اليتيم وحدها يشرب منها، وقربة الزوجة وأولادها وزوجها ثانية، الفراش كذلك، فصعب الأمر وشق عليهم وبكوا، أيبكون خوفاً من الدولة؟لا. بل خافوا من الله؛ لأنهم آمنوا به حق الإيمان، والله لقد كربوا وحزنوا، فنظر الله تعالى إلى أوليائه وصالح عباده فرحمهم؛ فأنزل آية من سورة البقرة بعد النساء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220] يسألونك يا رسولنا عن اليتامى ماذا يعملون بأموالهم؟ أجبهم: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220] اخلطوا مالكم مع مالهم على شرط أن يكون مالهم متوفراً محفوظاً نامياً، فالتي تنصب قدراً خاصاً بالولد، الفلفل والبطاطس واللحم يكلفه هذا الغداء كم؟ عشرون ريالاً، لما يكون مع خمسة أولاد وزوجة وأم كم؟ ثمن وإلا لا؟ ثمانون ريالاً عليه منها عشرة ريال فقط، أيهما أولى الخلط أم الفصل؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] إذا كان خلطهم لأجل تنمية أموالهم وإصلاحها والزيادة فيها اخلطوا، وإذا كان الخلط لتأكلوا أموالهم فلا.سبحان الله العظيم! أرأيتم كيف يتلقى المؤمنون تعاليم الله وهدايته وشرعه وأحكامه! أصبحوا أمة مضرب المثل في العدل والمعرفة والكمال، عرف عدونا هذا وسلب القرآن منا والسنة وتركونا كالحيوانات يأكل بعضنا بعضاً.ماذا فعلوا؟ يا شيخ! ما لك تقول هذا؟ ما لي! نسبة العالمين في أمة الألف مليون والله لا تزيد على واحد في المائة، وتسعة وتسعون همج رعاع ضياع لا يعرفون الحق من الباطل، ما يجلسون في حجور العلماء، ولا يسألون ولا يتعلمون، ولا يقرءون كتاباً ولا سنة، ولا يرحلون لطلب العلم، كيف يتعلمون؟ إذاً: يصح خلط مال اليتيم بمال الوصي على شرط: أن يكون الخلط أنفع لليتيم وأصلح لماله؛ فإن كان الخلط ينقص مال اليتيم وينتفع الوصي به لا يحل أبداً، وهذه الآية المحرمة هي هذه: ولا تأكلوا أموالكم مخلوطة إلى أموالهم، وعلل ذلك بأنه إثم عظيم، فقال عز وجل: إِنَّهُ [النساء:2] أي: الأكل. كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2] والحوب: الإثم.قال: [ هذا معنى الآية الأولى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2].وأما الآية الثانية؛ فقد أرشد الله تعالى أولياء اليتيمات ] لا اليتامى الذكور [ أولياء اليتيمات إن هم خافوا ألا يعدلوا معهن إذا تزوج أحدهم وليته أرشدهم إلى أن يتزوجوا ما طاب لهم من النساء غير ولياتهم مثنى وثلاث ورباع. يريد اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع كل بحسب قدرته، فهذا خير من الزواج بالولية فيهضم حقها وحقها آكد لقرابتها ].وإليكم ما قالت أم المؤمنين، روى مسلم صاحب الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، من عائشة هذه؟ لو تجمع نساء العالم كلهن ما كن مثل عائشة أبداً. هل هي جامعية؟ عندها دكتوراه؟

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:42 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
المرأة المسلمة وحاجتها إلى التعليم
اشتكت بعض المؤمنات: لم هذا الشيخ يثبط النساء من أن يتعلمن ويحصلن على شهادات عالية جامعية؟قلنا لهم: سوف تعلمن! من الخير للمؤمنة أن تتعلم كيف تعبد ربها، كيف تزكي نفسها، كيف تتأهل لدار السلام، أما أن ترمي بنفسها في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعة والهدف معروف، ماذا؟ الوظيفة، وإن كانت خسيسة.لعل الشيخ واهم؟ هذا قلته من أربعين سنة تقريباً وكان كما قلت، لما بدأ الكتاب في المملكة يكتبون في جريدة البلاد والمدينة: المرأة السعودية في ظلام، في ديجور، لم لا تفتح لها مدارس وتتعلم؟قلنا لهم: اسمعوا! المؤمنات بأعيننا، تخرج البنت وتدخل عند جارتها تتعلم كيف تعبد الله؛ لأن الجار عالم يعلم أمه وزوجته وبناته، وعشنا ألفاً وأربعمائة سنة والمؤمنات يتلقين العلم من بعضهن البعض، العلم الذي به يعرف الله ويعبد، به تنمو الأخلاق وتزداد الفضائل، ما هو علم الريال والدينار، وقلنا: والله! إن فتحتم المدارس الابتدائية لتفتحن الثانوية -وأيامها لم تكن قد وجدت المتوسطة بعد- ولتفتحن الجامعة ولتوظفن البنات، وتبقى الوظيفة محدودة في دائرة التعليم، لكن هذه مرحلة أولى فقط، وسوف تَراهن -لا قدر الله- إن عشت موظفات في الدوائر الحكومية؛ لأنها خطوة فخطوة، وأصحاب هذا الفن يقولون: هي الظروف، لا تستعجلوا، لا بد وأن تأكلهم جهنم. ما مضت الأربعون سنة وقد وصلنا الآن إلى الوظيفة بالتعليم.والله تعالى أسأل أن يبقي حكومة آل سعود أولاد عبد العزيز ؛ فإن هي ذهبت إن لم تروا بناتكم وأخواتكم موظفات كاشفات عاريات فاذبحوني. أين أنت يا شيخ؟ أحرقوا قبري بالنار؛ لأنها السنن، والعدو المتربص المتململ يقول: لم يبق هذا النور في هذه البلاد؟ لم لا تكون هذه كغيرها من العالم؟ لم يبق هذا اللباس الأسود وهذا الحجاب وهذا التعنتر؟فلهذا أوصي كل مؤمن ومؤمنة ألا يعصي الله في هذا البلد؛ لأن معاصينا هي التي تسقط حكومة آل سعود. والله الذي لا إله غيره! أيعرف هذا اليهود والمجوس ولا نعرفه نحن؟ ألسنا أهل القرآن؟ أما قال: ( ويل للعرب من شر قد اقترب. قالت زينب : أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ) عرف هذا الثالوث فهو يملأ بيوتنا بالخبث، وقلوبنا بالضلال، ونفوسنا بالشهوات بوسائط مختلفة من التلفاز، إلى الدش، إلى المجلة، إلى الإذاعة، إلى كذا كذا.. حتى ننهار وقد انهار ثلثينا.فلهذا أوصيكم قبلتم أو لم تقبلوا: ألا يراك الله ترتكب في هذه البلاد ذنباً من الذنوب؛ فإنك تساعد على إسقاط حكومة القرآن، أما أن تتكلم فيها وتطعن؛ فهذه والعياذ بالله من أكبر الذنوب والآثام، قد لا تغفر لصاحبها؛ لأنه عمل فيها بالفأس لهدمها.يا شيخ! لم العلماء ما يقولون هذا؟ أنت فقط تعرف هذا الكلام؟إي نعم. إني على علم، على بصيرة، على معرفة، عاشت هذه البلاد في أيامها الأولى ما تعرف إلا بالوهابية، والمذهب الخامس، وأنهم كفار، من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يعرفون السعودي إلا كافر ووهابي، من أثار هذه؟ من هيج هذا؟ لأن راية القرآن ارتفعت، الأمن ساد، الطهر انتشر، تحقق ما لم يتحقق في أعظم دولة في العالم مع جماعة من البدو، كيف تم هذا؟ هذا تم لأنه بنيت الدولة على قول الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] عمي عنها المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا، وما رأوها ولا شاهدوها، وأقاموا الدول ذات الانتفاخات والصياح ولم يقيموا من هذه الأربعة ركناً واحداً، من منعهم؟ قالت فرنسا: يا شمال إفريقيا! نعطيكم الاستقلال على شرط ألا تقيموا دولة القرآن؟بريطانيا لما نادت وحررت ممالك الهند اشترطت عليهم ألا يكونوا دولة القرآن، لكن لم لا نقيم دولتنا على أسس وضعها الله لإقامة الدولة الإسلامية؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] وحكموا وسادوا، ماذا فعلوا؟ غنوا ورقصوا؟! أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] وتكالب عليهم العرب والعجم. تجولنا في الشرق والغرب ما نسمع من أحد يثني خيراً على هذه البلاد من عرب وعجم، لم؟ لأن الشياطين ما تريد أن تبقى هذه الراية. عرفتم هذا؟ أنا أقول: هذه آية الله أقامها في العباد، لما أيس العالم من وجود دولة إسلامية تقوم على هذه الأركان القرآنية الأربعة جاء الله بها، وتحقق أمن وطهر وعدل ما عرفته الدنيا إلا أيام أحفاد أصحاب رسول الله في القرون الثلاثة، ومن وقتها وهم يكيدون ويمكرون حتى تحللنا وأصبح في بلادنا العهر، الزنا، السرقة، الجرائم، التلصص، الربا. لا إله إلا الله، أصابع من هذه؟ أصابع الثالوث، ومددنا أعناقنا وسكتنا، لم ما ينصح بعضنا لبعض؟طهر بيتك لا نسمع فيه إلا القرآن يقرأ، ما نسمع فيه أغاني ومزامير ولا نشاهد سوءاً ولا أباطيل، أدب أولادك، علمهم ذكر الله، احفظ بناتك، تحمل العناء والتعب واصبر ولا تخن ولا تغش ولا تكره، ولا تطلب وظيفة بدون حق.خلاصة القول: الآن كنا في حاجة إلى وقود للسيارة، ما بقي إلا دقيقتين ثلاثة كيف نعمل؟ قلنا: نتوكل على الله ونمشي علنا نحصل عليه، ثم وجدنا المحطة. هيا صب، أخذ يصب، لما قال المغرب: الله أكبر. نزع، قال: ما نزيد، الله أكبر الله أكبر. سبحان الله! قال: نعم ممنوع، أعطوني عشرة ريالات للترات التي صببتها، هذه الآية من آيات الله، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من يوم أن سمعناه ونحن نشاهد الطعن في الهيئة والنغزة والطعن ما يريدونها؛ لأنها جبل أشم، ودعامة عظيمة للدولة القرآنية، ونحن نقول: أطيعوا الهيئة، تعاونوا معها، أحبوا رجالها؛ لأنها أعظم دعامة لكم يا عباد الله، والأعداء يكرهون ويبغضون ويكتبون الطعن في الجرائد أيضاً؛ لأنهم عالمون ونحن ما عرفنا شيئاً، ما علمنا. خلاصة القول: يا مؤمن -وسوف تسمع هذا في قبرك- لا تعص الله في هذا البلد أبداً، تريد أن تعصيه اخرج إلى بلاد أخرى حفاظاً على هذا النور وعلى هذه الدولة القرآنية. هذا أولاً.وثانياً: إياك أن يسمعك الله تطعن أو تتكلم بسوء في هذه الحكومة؛ لأن الطعنة عبارة عن فأس تضرب وتهدم، والعدو عمل على هذا وعمل وانمدت الأعناق والبلاء، ما نريد أن تزول هذه الدولة حتى توجد دول عظيمة أخرى تُحكِّم شرع الله، أما أن يمسح هذا وتقوم الحجة لليهود والنصارى، ما نرضى بهذا أبداً بحال من الأحوال.كلمة أقولها يضحك منها الهابطون من إخواننا السعوديين، نقول: والله الذي لا إله غيره! لأن أرضى أن أذبح وأسرتي فرداً بعد فرد على أن تبقى هذه البقية الباقية على ما هي عليه من الضعف أحب إلي من أن تذهب، نذبح واحداً واحداً وتبقى هذه البقية، يبقى صوت أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، صوت تطبيق حد من حدود الله هو خير لنا.هيا نعمل: نطهر ديارنا وبيوتنا وإخواننا، ما نرضى بالخبث؛ لأن العدو عرف أنه إذا ما استطعنا من طريق حرب الخليج نستطيع من طريق إفشاء الخبث وحب الدنيا والشهوات والتكالب على أوساخها حتى يهبط الشعب في متاهة، وحينئذ يتم مراد العدو.هذا الكلام سمعتموه؟ ما تسمعونه، لم ما تنقلونه؟ أنتم أمناء وإلا لا؟ قل: أخي! لا تعص الله في هذا البلد بأي معصية حفاظاً على هذه البقية الباقية من النور الإلهي، ومن تكلم بكلمة ضد هذه الحكومة نقداً أو طعناً أو تشهيراً، قل له: اسكت، هذا الكلام لا يصح في راعي غنم فضلاً عن أن يكون في حاكم مسلم، والهابطون يطعنون في العلماء، في الحكام، في كل واحد؛ لأنهم هبطوا من علياء السماء، ما عرفوا الله ولا الطريق إليه.
تابع معنى الآيات
قال: [ فهذا خير من الزواج بالولية ] ما دمت ما تستطيع أن تحسن إليها وتزوجت بها لجمالها أو لأجل مالها فقط، لا تتزوجها وتزوج من شئت من المؤمنات، إن شئت اثنتين أو ثلاثة أو أربعة، فوق أربع لا يصح أبداً، والإجماع على أن من تزوج أكثر من أربع يقام عليه حد الرجم إذا كان عالماً، وإذا كان جاهلاً يجلد حتى يتوب.قال: [ هذا معنى قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] -أي: اليتيمات- فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] ] ولذَّ.[ مَثْنَى [النساء:3]، ] حال كونه اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع [ وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] يريد تعالى: وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين زوجاته لضعفه؛ فليكتف بواحدة ولا يزد عليها غيرها، أو يتسرى بمملوكته إن كان له مملوكة ]. المملوكة أيام كان الجهاد، غزونا إيطاليا وانتصرنا ماذا نعمل بالأسرى؟ نقتلهم؟ لا. ماذا نعمل بالنساء والأطفال؟ نجوعهم؟ حرام، نعذبهم؟ لا يجوز، نوزعهم على المجاهدين على شرط أن يطعموهم مما يطعمون ويكسونهم مما يكتسون، حتى يدخلوا في رحمة الله. المرأة ماذا تصنع بها؟ لها غريزة ولها شهوة جنسية وإلا لا؟ إذاً: ما دامت عندك وأنت تملكها تسرى بها، تحسن ثيابها وطعامها وفراشها وتطأها بإذن مولاك ومولاها، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3].إذا عجزت عن التعدد لضعفك، وعدم القدرة على العدل انكح مرأة واحدة، ولك أن تتسرى بمملوكة من مملوكاتك، اشتريتها أو ملكتها بجهادك. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].[ وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] ] الأيمان تملك؟ الجهاد، السيف بم تأخذه بيسارك أو بيمينك؟ قال: [ يريد تعالى: وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين زوجاته لضعفه فليكتف بواحدة ولا يزد عليها غيرها، أو يتسرى بمملوكته إن كان له مملوكة، فإن هذا أقرب إلى ألا يجور المؤمن ويظلم نساءه، هذا معنى قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى [النساء:3] -أي: أقرب- أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3] ].والعول هنا بمعنى الجور، ويكون بمعنى الفقر أيضاً، ما نستطيع نتزوج اثنتين خشية عدم القدرة على النفقة ويكثر الأولاد.عال يعول إذا افتقر أيضاً، فلان يعول العائلة الفلانية يزول فقرها بيده.قال: [ وفي الآية الرابعة والأخيرة يأمر تعالى المؤمنين بأن يعطوا النساء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على الرجل لامرأته، فلا يحل له ولا لغيره أن يأخذ منه شيئاً إلا برضا الزوجة؛ فإن هي رضيت فلا حرج في الأكل من الصداق؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] ] ما هو كله [ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] ] تزوجت وأعطيت عشرة آلاف ريال لا يحل لك أن تأخذ ريالاً واحداً إلا برضاها، فإن رضيت وأعطتك خلخالها، سوارها، ذهبها لك ذلك. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] على شرط تكون نفسها طيبة، ما تكون حيية يغلبها الحياء وما ترد عليك، إذا فهمت هذا ما تأخذ. عرفتم؟ وهذا حتى في الرجال، فلان معروف بالحياء، وكل من يطلب منه شيئاً لا يرده، إذا عرفت هذا منه فلا يجوز لك أن تطلبه. ما أخذ بالحياء ما يؤخذ، يعرف بين الناس أفراداً كثيرو الحياء، كل ما تطلب يعطيك حتى مشلحه؛ هذا ما يجوز أن تطلبه، أنت تعرف أنه ما يردك وهو ما عنده، فكذلك صداق المرأة إذا تعرف أنها حيية واستحت منك، وقلت لها: أعطينا ما عندكِ فتعطيك ونفسها غير مطمئنة ولا راضية ما يجوز، لم؟ أما قال تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا [النساء:4] عرفت أن نفسها طيبة بما أعطتك. فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] فإن علمت أنها ما أعطتك إلا حياء أو خوفاً منك ما يجوز أن تأخذه. هل فهمتم معاشر المستمعين والمستمعات؟ لو كان المؤمنون في العالم الإسلامي والمؤمنات كل ليلة في بيوت الله طول العام يتعلمون الكتاب والحكمة هل يبقى جاهل أو جاهلة؟ والله ما يبقى، وإذا رفع الجهل ماذا حل؟ العلم، وإذا حل العلم حل الطهر والأمن والصفاء.

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (35)
الحلقة (259)

تفسير سورة النساء (40)


طاعة الله عز وجل ورسوله هي مفتاح دار السعادة، والله عز وجل ما أرسل الرسل إلا ليبلغوا الناس محاب الله فيأتوها، ويبينوا لهم مكاره الله فيجتنبوها، والتحاكم إلى غير الله ورسوله عصيان وضلال وكفر بعد إيمان، فيجب على كل مسلم التحاكم عند الخصام إلى كتاب الله وسنة رسوله، وقبول ذلك الحكم والتسليم له، ورضا القلب واقتناع النفس به، وأنه فيه صلاح العبد في الدنيا والآخرة.
تفسير قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء المباركة ومع هاتين الآيتين المباركتين.إليكم تلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فتأملوا وتدبروا في هاتين الآيتين؛ فإن فيهما العلم الكثير، والأجر العظيم.قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:64-65]. ‏
معنى قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يخبر تعالى عن نفسه فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا [النساء:64] نحن رب العزة والجلال والجمال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ [النساء:64] وقد علمتم أن الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أولهم نوح، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فعشرات الآلاف، مائة وأربعة وعشرون ألفاً، إلا أن النبي يتبع الرسول الذي تقدمه أو عاصره. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمر الله وإعلامه العباد بأنه إذا أرسل إليهم رسولاً يجب أن يطيعوه، فحاشاه تعالى أن يرسل رسولاً ويأذن للناس ألا يطيعوه، كيف يكملون ويسعدون؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ في أي زمان وفي أي مكان مع آية أمة إلا وقد أعلم تعالى وألزم الناس بطاعته إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].وقد علمتم -زادكم الله علماً- أن طاعة الرسول من طاعة الله؛ إذ لا يأمر الرسول ولا ينهى إلا بما يحب الله أن يُفعل وبما يحب الرسول، فطاعة الله عز وجل هي مفتاح دار السعادة، والذي لا إله غيره ما سعد امرؤ حق السعادة بغير طاعة الله ورسوله، فلا ترهبن، ولا تخافن من كلمة الطاعة؛ لأن هذه الطاعة من أجل إكمالك في عقلك، في أدبك، في أخلاقك، في ذاتك، في آمالك، في حياتك، في أموالك.. لا تفهمن أبداً أن طاعة الله تنقصك شيئاً أو تؤذيك بأي أذى، أو تحدث لك شراً أو ضرراً! والله ما كان؛ لأن الله تعالى ولي المؤمنين فهو يأمرهم كالطبيب يأمر المريض بالأدوية ليشفى، وكالأم تأمر الطفل ليرضع من أجل أن يحيا وينمو، فالله عز وجل يأمر عباده وينهاهم، يأمرهم بما يزيد في كمالهم، وينهاهم بما يسبب خسرانهم أو ضياعهم، ثقوا في هذا، والذي لا إله غيره ما أمر تعالى أولياءه ولا نهاهم إلا من أجل إكمالهم وإسعادهم في الدنيا، وفي الآخرة لا تسأل؛ إذ الآخرة أي الحياة الآتية بعد هذه، ونحن نرحل واحداً بعد واحد، تلك الحياة السعادة فيها، وهي أن ينزل الإنسان في دار السلام، في الجنة دار الأبرار، في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا ينزل عبد ولا أمة لا رجل ولا مرأة إلا إذا كان قد طهر نفسه وطيبها وزكاها، بأدوات التطهير والتطييب والتزكية، والله ما هي بالماء ولا الصابون، وإنما هي بطاعة الله والرسول.إذا أمر الله بأن تقول قل تلك القولة وفي لحظة وإذا هي انعكاسات على نفسك من طهارة وصفاء، إذا نهاك عن كلمة وتركتها له خوفاً منه أو حباً فيه، ما إن تتركها في تلك اللحظة وأقل من اللحظة، وإذ هي إشاعة نور في قلبك، وما ننسى القاعدة التي لا يجهلها إلا الضالون، وهي قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].وكل إلينا التزكية والتدسية أو لا؟ لأننا نحن الذين نباشر العمل الصالح والعمل الطالح، نحن الذين نعمل بالطاعة ونعمل بالمعصية، فالذين يعملون بطاعة الله ورسوله زكوا أنفسهم، طيبوها، طهروها، أصبحت قابلة للعروج والنزول في الملكوت الأعلى، والذين دسوها ولوثوها، وخبثوها وعفنوها، بمعصية الله والرسول، هؤلاء أرواحهم لا تقبل -والله- في الملكوت الأعلى، ويعرج بها ملائكة الموت، ملك الموت وأعوانه، وما إن يصل إلى السماء الأولى وهي سبع، فيستفتحون فلا يفتح لهم، وتعود إلى أسفل سافلين، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].المجرمون والظالمون ما زكوا أنفسهم ولا طهروها، بل خبثوها ودسوها ولوثوها، من يقبلها في ذلك الملكوت الأعلى؟ وقد علق تعالى دخول هذه النفس الخبيثة إلى الجنة تعليق المستحيل، هل يعقل أن الجمل الأورق البعير الأكبر يدخل في عين الإبرة؟ مستحيل.. مستحيل.فذو النفس الخبيثة بالشرك والمعاصي والذنوب والآثام، هذه النفس الخبيثة يستحيل في حقها أن تدخل دار السلام، هذه حقيقة ينبغي لكل إنسان -ولا أقول: كل مؤمن فقط- أن يعيها ويفهمها. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمره وإعلامه بذلك، لماذا؟ لأن الله عز وجل لا يخاطب الناس واحداً واحداً ولا جماعة، وتعالى الله عز وجل على أن يسمع كلامه ويفهم مراد الله منه لأنهم أقل شأناً، فمن هنا يرسل الرسول ويوحي إليه ويكلمه وهو يبلغهم، فمن هنا ما أرسل من رسول إلا وأوجب طاعته بإذن الله؛ لأن طاعة الرسول هي: أن تعمل بمحاب الله فتزكو نفسك وتطيب وتطهر، وتتجنب مكاره الله ومساخطه فتسلم لك الطهارة، ويبقى لك الصفاء والطيب.
معنى قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ...)
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] سبق أن عرفنا أن منافقاً من منافقي المدينة، ويهودياً من يهود المدينة على عهد رسول الله قبل أن تنزل هذه الآيات، اختلفا في شأن من شئونهم، اختصما في قضية من قضايا دنياهم، فاليهودي قال: نتحاكم إلى محمد، لعلم اليهودي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالحق، ويستحيل أن يجور أو يحيف أو يظلم، وهو يريد أن يأخذ الحق، والمنافق المشرك والعياذ بالله خاف من هذا العدل والحق فقال: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف أو إلى فلان الكاهن، وهي زلة من أعظم الزلات.فها هو ذا تعالى يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بأي ذنب؟ بالهروب من التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الله والحاكم العام، وقل ما شئت، يكفي أنه نائب عن الله في إصدار أحكامه، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بذاك الذنب، الرغبة عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه كفر، ظلم. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] يا رسولنا، يأتونك إلى مسجدك، إلى روضتك، إلى بيتك، ما كان عنده صلى الله عليه وسلم قصور ولا حصون، جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء:64] أول خطوة أن يأتوا؛ لأنك صاحب الحق، فأعرضوا عنك هروباً من الحق وإحقاقه، فأولاً يأتوا بين يديك، ويستغفرون الله، يصلون إليك، ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه، ثم تستغفر لهم أنت، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64] ما قال كما في الأول: جاءوك، كان المفروض أن يقال: واستغفرت لهم: قال: واستغفر لهم الرسول؛ لأن هذه العظمة وهذا الجلال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا من كونه محمد أو عربي، ولكن من كونه رسول الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] لتاب عليهم وغفر لهم ورحمهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
مسألة: المعنى المراد من استغفار الرسول في الآية
هنا مسألة تأملوها يفتح الله علينا وعليكم فيها وتأملوا، ذكرناها في هداية الآيات، قال في هذه الآية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].هنا يتجلى بطلان من يزعم أن في الآية دليلاً على جواز طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم، ملايين من القرون التي هبطنا فيها، والعلماء وو.. كلهم يقول: يا رسول الله استغفر لي، يا رسول الله استغفر لي، أمام الحجرة الشريفة، كيف يستغفر لك رسول الله؟ هل هو ما زال يعبد الله ويتعبد الله في الدنيا بالصيام والجهاد والصلاة؟ الرسول صلى الله عليه وسلم في الملكوت الأعلى: جسده الطاهر محفوظ هنا، وروحه في الجنة في دار السلام، كيف تكلفه بأن يستغفر لك؟ أيعقل هذا؟!ومع هذا اتخذوها سنة مطردة متبعة: استغفر لي يا رسول الله، نعم أيام كان صلى الله عليه وسلم في الدنيا يعبد الله ويتقرب إليه بالعمل الصالح، لو قال مؤمن: يا رسول الله استغفر الله لنا، ويقول الرسول: اللهم اغفر لفلان.. اللهم اغفر لفلان، أما بعد وفاته والتحاقه بالملكوت الأعلى نكلفه بأن يستغفر، ما يستغفر.قال: لأن قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] الآية نزلت في الرجلين اللذين أراد التحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي، وإعراضهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشترط الله لتوبتهما إتيانهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفارهم الله تعالى، واستغفار الرسول لهما، وبذلك تقبل توبتهما وإلا فلا توبة لهما، أما من عداهما فتوبته لا تتوقف على إتيانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لاستغفاره له.. وهذا محل إجماع بين المسلمين.تأمل لو كان يذنب ذنباً في الهند، في الصين، في أوروبا، في أمريكا، في أفريقيا.. لا تقبل له توبة إلا إذا جاء للرسول واستغفر له الرسول، من يستطيع أن يتوب؟ كان الرسول صلى الله عليه وسلم قريباً في مكة الناس بعد فتحها في البلاد هنا بالجزيرة، ما فيه مؤمن يذنب ذنباً ويقول: أنا لا بد لي وأن أذهب إلى رسول الله، وأستغفر الله ويستغفر له الرسول حتى يغفر الله له، والله ما كان هذا أبداً، وإنما المؤمن في أي مكان كان إذا أذنب استغفر ربه وتاب إليه يغفر له.وشيء آخر لو كان هذا لازماً لكان الرسول ينبغي أن يبقيه الله على حياته إلى يوم القيامة؛ لأن توبة البشر متوقفة على استغفاره، لكن ما هناك من يوضح أو يبين أو يهدي، فوقع المسلمون في هذا الخلط والخبط، هذه خاصة برجلين ظلما أنفسهما بالتحاكم عند يهودي أو كاهن، وأرادا التوبة أرشدهم الله كيف يتوبون؟تعالوا إلى رسول الله الذي ظلمتموه؛ حيث تحاكمتم إلى غيره وهو الحاكم، واستغفروا الله ويستغفر لكم الرسول -وقطعاً ما يمنعهم لما جاءوا تائبين- وحينئذ يتوب الله عليكم.اسمعوا الآية مرة ثانية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ من هو هذا؟ رسول الله فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ أولاً وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].مرة أخيرة: لا تفهم يا عبد الله، يا تفهمي لا أمة الله أنه يجوز لي أو لك أو لفلان أن يأتي إلى القبر الشريف ويقول: يا رسول الله استغفر لي، ويقرأ هذه الآية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64] هذا فعله جهلة مقلدون لا أقل ولا أكثر في أيام الظلمة والهبوط، ومن أذنب ذنباً في الشرق أو الغرب ليس إلا أن يقول: أستغفر الله.. أستغفر الله، يصرخ بها ويقلع عن ذلك الذنب ويفر منه ويهرب، ويندم على زلته يبصر ذنبه وتمح خطيئته.اسمعوا الآية مرة ثانية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] فلم هرب هذا المنافق واليهودي من التحاكم إلى رسول الله وطاعته إلى كعب بن الأشرف؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].
تفسير قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...)
قال تعالى، وهذا لنا ولهم ولكل مؤمن ومؤمنة: فَلا [النساء:65] ليس الأمر كما يفهمون أو يدعون، وَرَبِّكَ يقسم تعالى بنفسه؛ إذ هو رب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورب العالمين، وربك يا محمد لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] إذا اختلط أمرهم عليهم واختلفوا في قضية من قضاياهم، لا بد وأن يأتوا إليك ويحكموك فيها، وأنت الذي تحكم بالحق، من رفض ذلك ما هو بمؤمن.هذه الآية عظيمة الشأن، فهي لا تسمح لمؤمن أن يتحاكم إلى كافر أبداً، اختلف مؤمن مع مؤمن يجب أن يتحاكموا إلى الله ورسوله، إلى الكتاب والسنة فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي: اختلط عليهم من الأمور ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65]، إذا دخلت المحكمة القرآنية تتحاكم مع أخيك الذي اختصمت معه، إذا صدر الحكم عليك يجب أن تخرج من المحكمة ونفسك طيبة، لا ضيق فيها ولا تململ ولا حرج أبداً، رضاً بقضاء الله تعالى وحكمه. حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا [النساء:65] مما قضيته وحكمت به عليهم ويسلموا تسليماً كاملاً.شيئان: الأول: أن لا يوجد في نفسك ضيق من هذا الحكم، بل يجب أن ينشرح صدرك وتطمئن نفسك وتفرح أن الله نجاك من أكل أموال الناس أو حقوقهم.ثانياً: وتسلم بالحكم تسليماً، إذا قضى بأن تخرج من هذه العمارة ليست لك سلمها كاملة، قضى بأن هذه السيارة ليست لك أعطها كاملة، ويسلموا تسليماً كاملاً، ومن لم يتصف بهذه الصفات ما هو بمؤمن؛ لأن الله هو الذي نفى الإيمان أو لا؟ وأقسم على ذلك وحلف: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].وقد بينا غير ما مرة أن على الذين يساسون ويحكمون بغير كتاب الله وسنة رسوله، قلنا: على أهل القرية أو أهل الحي أن يتحابوا أن يتعاونوا بعد أن يتعارفوا ويتلاقوا على عبادة الله في بيت ربهم، حتى يصبحوا كأسرة واحدة، أبيضهم كأصفرهم، وغنيهم كفقيرهم، وإذا حصل خلاف بين اثنين، رأساً إلى الإمام إمام المسجد على أن يكون فقيهاً، ويتقاضيان عنده، وما قضى به وحكم به يسلم له صاحبه ويأخذه، ويحمد الآخر ربه ولا يبق في صدره حرج، وبعد ذلك لا نبال بالحكام حكموا أو لم يحكموا.ستقولون: ما نطيق هذا، كيف ما نستطيع؟ ما نستطيع أن نجتمع في بيت ربنا ونحن أهل قرية واحدة أو سكان حي من أحياء المدينة الكبيرة، نجتمع كل ليلة كما نحن الآن مجتمعون، نتعلم كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً بعد يوم والحب ينمو والطهارة تعلو والإخاء والمودة يفرضان أنفسهما علينا، وإذا بأهل القرية كأنهم أسرة طيبة، فإن حصل خلاف بين اثنين إلى أين نتحاكم؟ إلى القانون الفرنسي أو الإيطالي؟ عندنا كتاب الله وسنة رسول الله، وإذا القرية ما فيها عالم نأتي به، نذهب إلى الشرق أو الغرب ونبحث عن عالم نقضيه ونحكمه في قضايانا في بيت ربنا؛ لأننا مسلمون مؤمنون، أما والوضع كما تشاهدون وتعلمون، كيف نعرج إلى الملكوت الأعلى وندخل دار السلام، كيف؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، الكذبة الواحدة تلطخ النفس، النظرة الشزرا تعوقها، فكيف بالسب والشتم والقتل والضرب، والغيبة والنميمة والكذب والسرقة والتلصص والحسد والكبر.. لا إله إلا الله، كيف ندخل الملكوت الأعلى؟ كيف نستطيع وقد أصدر الله حكمه وقضاه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10].كن ابن من شئت يا عبد الله لن تنفعك أبوة ولا بنوة ولا أخوة ولا قبيلة ولا.. ولا..، إنما هي نفسك إن زكيتها طيبتها طهرتها بهذه العبادات المقننة المقدرة، وثبت على ذلك في صدق، وجاء ملك الموت أخذ نفسك وهو فرح مسرور، وتفتح لها أبواب السماء، ويسجل اسمك في عليين، وإن كنت لا تريد هذا ولا تعرفه فسيأتي اليوم الذي نندم فيه حيث لا ينفع الندم.معاشر الأبناء! الشيخ مريض وتعب، وأنا جئت لعدة مسائل: منها التبرك بدعائكم ليشفينا الله.اللهم اشفنا.ثانياً: حتى ما يتعب الإخوان بزيارتي إلى البيت ويرهقون أنفسهم.وثالثاً: نسمع كلمات الهدى وننتفع بها إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (36)
الحلقة (260)

تفسير سورة النساء (41)

إن التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله عند الخصومة هو الطريق القويم لحل الخلافات، والناس في قبولهم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مراتب بينها أهل العلم في مواطن؛ منهم من يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ويقبل بالحكم على غضاضة في نفسه وهذا مسلم، ومنهم من لا يجد في نفسه حرجاً ولا غضاضة من قبول الحكم ولو صدر ضده وهو المؤمن، ومنهم من يسلم لحكم الله ورسوله فرحة به نفسه، مهما كان هذا الحكم، وهذا هو المؤمن الذي بلغ مرتبة الإحسان.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم أعطنا وزدنا يا ولينا، إنه لا ولي لنا سواك!معاشر المستمعين والمستمعات! الآيتان الكريمتان اللتان تدارسناهما بالأمس ما وفيناهما حقهما من التفصيل والشرح والبيان، نعود إليهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:64-68].هذه الآيات الكريمة وإن نزلت في الرجلين: اليهودي والمنافق اللذين رفض أحدهما التحاكم إلى رسول الله -وهو المنافق- فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآيات كلها تتناولنا معشر المستمعين، ما من مؤمن إلا وهو من أهل هذه الآية.
خطر معصية الله ورسوله
قوله جل ذكره: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64]، أليست نصاً قطعي الدلالة صريح اللفظ ظاهر المعنى في أنه لابد من طاعة الرسول؟ فمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم مهلكة وجريمة، وخروج عن منهج الكمال والإسعاد في الحياتين، فالرسول ما أرسل ليتلاعب الناس بأوامره ونواهيه، أو ليختار من شاء أن يختار أن يفعل ويترك، لا بد من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول من طاعة الله؛ إذ قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بما يأمر به الله، ولا ينهى إلا عما نهى عنه الله.إذاً: فطاعة الرسول من طاعة الله: و(من يطع الرسول فقد أطاع الله).وسبق أن ذكرتكم ونفسي بأن هذه الطاعة لن تخرج أبداً عن كونها عمل على إسعاد الإنسان وإكماله، ما هناك أمر ولا نهي لا يحقق للعبد المؤمن سعادة وكمالاً، إن شئت تحلف بالله ما أمر الله ولا رسوله بفعل شيء إلا من أجل إسعاد هذا المأمور وإكماله، والله العظيم! ولا نهى الله تعالى ولا رسوله عن شيء إلا لأنه ضار مفسد مهلك للإنسان، وإن أحببت أن تتعرف: أليس الله وليك، أليس الله مولاك، أليس سيدك وأنت عبده؟ فهل يرضى لعبده أن يشقى ويعذب؟ ما يرضى.فكل أوامر الله ونواهيه هي من أجل إكمال الآدمي وإسعاده في الدنيا أولاً وفي الآخرة ثانياً وأخيراً. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64]، أي: بأمر الله وإعلامه لنا بذلك؛ لأن الله لا يخاطبنا فرداً فرداً، لابد من واسطة؛ رسول منا إنسي بشري يتكلم بلغتنا ويبلغنا أمر الله ونهيه من أجل أن نكمل في آدابنا وأخلاقنا ومعارفنا وأبداننا ونسعد حيث ننجو من الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ [النساء:64] من الرسل، وهم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً: إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ .
وجوب التوبة على الفور من الذنوب
قال الله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا [النساء:64]، هذه خاصة باللذين رغبا عن التحاكم إلى رسول الله وتحاكما عند اليهودي كعب بن الأشرف أو عند الكاهن الجهني، ما وجه خصوصها؟ لأنه تعالى قال لهم في بيان توبتهم: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64]، ظلموا أنفسهم كيف؟ من يبين لنا وجه الظلم هذا؟ ظلموها لما أفرغوا عليها قناطير الأوساخ، إذ الذنوب كالمزابل والأوساخ، فهي لم تكن مسودة ولا مظلمة ولا منتنة ولا عفنة، بل كانت مستنيرة؛ لأنها نور، فأفرغوا عليها الأوساخ، ما وجه الظلم لها؟ لأنهم رغبوا عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحاكموا عند يهودي أو كاهن من الكهنة؛ عرضوها للخسار والدمار، ظلم هذا أو لا؟ نفسك يا بني أو يا أخي لما نزلت من الملكوت الأعلى، ونفخها الملك في تلك اللحمة أو المضغة كانت في ضوئها ونورها أكثر من هذا النور، وأهملت بأن تحافظ عليها كذلك، كلما وقع عليها دخن امسحه نظفه، حتى تبقى مستنيرة، حتى تنتهي هذه الدورة التي تعيشها وتعود إلى الملكوت الأعلى وهي نور يتلألأ.فكل من يذنب ذنباً أفرغ عليها قطعة من الوسخ، والرسول الحكيم أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم يقول في هذا التمثيل العجيب: ( إذا أذنب العبد ذنباً )، ذنباً: نكرة، صغير هذا الذنب كان أو كبيراً أي ذنب، (نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب واستغفر انمسح ذاك السواد)، فإن هو لم يستغفر ولم يتب وأذنب وقع بجانب النقطة الأولى نقطة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة حتى يغطى القلب كاملاً.ثم قال: ( فذلكم الران الذي قال الله تعالى فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ).فلهذا بإجماع أهل السنة أن التوبة فريضة لازمة من كل من أذنب وعلى الفور، لا يقول: حتى أصبح، أو حتى أتغدى، أو حتى كذا.. لا. أذنبت ووقعت: أستغفر الله.. أستغفر الله أستغفر الله، وأنت نادم متحسر وعازم أن لا تعود لهذا الخطأ، ومن ثم على الفور يزول ذلك الأثر، والله العظيم ينمحي إن كنت صادقاً في توبتك!إذاً: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] يا رسولنا صلى الله عليه وسلم: جَاءُوكَ [النساء:64]، لماذا؟ لأنهم أعرضوا عنك وصدوا عنك، وأنت صاحب الحق وأنت الوالي والحاكم، المفروض يأتوك، ثم لا يذهبون يتحاكمون إلى دولة أخرى، أو إلى يهودي أو كاهن من السحرة والدجالين! ظلم هذا أو لا؟
وجوب التحاكم إلى الله ورسوله والرضا بحكمهما
لو جاءوك معلنين عن ذنبهم وتوبتهم واستغفارهم منكسرين ذليلين فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء:64]. أولاً: يجيئون إلى رسول الله وهم يقولون: نستغفر الله.. نستغفر الله نستغفر الله ونتوب إليه، استغفر لنا يا رسول الله؛ لاستغفر لهم رسول الله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64]، لماذا يستغفر لهم الرسول؟ لأنه صاحب الحق، ظلموه أو لا؟ أو قل: أهانوه، ما اعترفوا بدولته ولا سلطانه ولا حكمه؛ لأن مواطناً في دولة من الدول يرفض أن يتقاضى في دولته، ويتقاضى في سفارة أخرى، يرضى عنه الحاكم وأهل البلاد؟ ما يعقل هذا أبداً، كيف يتركون الحاكم العام؛ رسول الله ويتحاكمون عند يهودي؟! فالحق حق الرسول، فلهذا لن تقبل توبتهم إلا بهذه الشروط الثلاثة: أولاً: أن يأتوا مذعنين منكسرين؛ تكبرتم أمس واليوم تأتون وأنتم في ذل وذلة، ثانياً: مستغفرين الله تائبين إليه من التحاكم عند أعدائه، ثالثاً: ويستغفر لهم رسول الله، بمعنى: يتنازل عن حقه بالمعنى القريب، يستغفر لهم معناه أنه راض عنهم الآن، كان متأثراً وغاضباً وساخطاً عليهم: وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64]، هذا جواب: لو: لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64]، كثير التوبة يتوب على كل من تاب إليه ورجع، وقرع بابه واطرح بين يديه، ورحيماً، يرحم ولا يعذب.هذه الحادثة بعينها خاصة أو لا؟ لكن هل يجوز لنا نحن أن نتحاكم إلى غير الكتاب والسنة، ماذا تقولون؟ الذي يقول: يجوز لنا أن نتحاكم إلى غير الكتاب والسنة انسلخ من الإسلام فليراجع الطريق من جديد، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، كيف نواجه هذه المشكلة يا شيخ، استعمرتنا أوروبا وورثت فينا قوانينها السياسية والاجتماعية والمالية والحربية ونحن عالة على ذلك، كيف نصنع؟ من يجيبنا عن هذا السؤال؟الجواب: خطوتان: الخطوة الأولى -واشهد اللهم ونحن نبكي ونكرر هذا طول العام-: أن يسلم المواطنون لله قلوبهم ووجوههم، إذ لا ينكرون أنهم مسلمون، بل يغضبون إذا قلت لهم: أنتم غير مسلمين؟ أسلموا قلوبكم لله ووجوهكم، كيف نسلم ذلك يا شيخ؟ الجواب: أن نعرف أننا أذنبنا وأخطأنا وبعدنا، وهانحن تائبون، عائدون، دلونا، نسمع الجواب: اجتمعوا في بيت مولاكم، اجتمعوا في بيت ربكم وسيدكم؛ لتعطوه قلوبكم ووجوهكم، اجتمعوا في صدق، طالبين رضاه، مستمطرين رحماته، باحثين عن طريق موصل إلى حبه ورضاه، إلى أين نذهب؟ إلى بيته نطرح بين يديه، هو الذي يفرج ما بنا، هو الذي يكشف سيئاتنا ويرفع عنا ما ابتلينا به، إلى بيته فإذا اجتمع أهل القرية أو الحي في صدق واطرحوا بين يدي الله؛ يصلون المغرب ويجلسون جلوسنا هذا؛ النساء وراء الستائر ومكبرات الصوت بينهن، وأطفالنا نصففهم بين نسائنا ورجالنا، ونتلقى الكتاب والحكمة، الكتاب والسنة، حتى نعلم بم نطيع الله وفيم نطيعه؛ فنعرف محاب الله ومساخطه، ونعرف الجزاء والثواب، كما نعرف العقوبة على العصيان، ونأخذ نترقى يوماً بعد يوم، إيماننا ينمو ويزداد، وأخلاقنا تفضل، آدابنا تسمو، الأخوة تسود، المحبة تتحكم في نفوسنا، وإذا بنا كأسرة واحدة، ما هي من أسرنا الهابطة، أسرة حق لا يقوى الولد أن يرفع صوته على أبيه.حينئذ تأتي الخطوة الثانية: فإذا اختلف اثنان واختصم اثنان في القرية من أجل شاة أو شجرة أو دينار أو درهم، ما يحتاجون إلى أن يذهبوا إلى المحكمة لا العسكرية ولا المدنية، بل في المسجد، إمامهم مربيهم مؤدبهم لا يفارق هذا البيت، وهم كذلك: تعال يا فلان، ماذا حدث؟ أنا ظننت أو رأيته أخذ دجاجتي ولن يكون هذا، لا يمكن لعبد يجلس سنة بين يدي الله يبكي ويطرح ويسرق دجاجة أو نعجة أو بعيراً، ما يكون ولن يكون، إن فرضنا فقط، الإمام يقول: يا فلان استغفر الله، واطلب السماح من أخيك وقبل رأسه ويديه، يا فلان سامح أخاك واعف عنه، ثم يخرجان وكأنهم جسم واحد.وهكذا في كل قرية ومدينة هل بقينا في حاجة إلى القوانين والمحاكم، ماذا نصنع بها؟ لا حاجة لنا بها، تمضي السنة ما نسمع أن فلاناً زنا أو سرق أو كذب أو فجر أو فعل باطلاً، لا يمكن، سنة الله ما تتبدل؛ الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع.. سنن لا تتبدل، المعرفة بالله تنتج حب الله والخوف منه، وحب الله يمنع أن يعصي عبد الله الحبيب، والحياة ثابتة كلها قائمة، أعلمنا أصفانا وأطهرنا وأزكانا، هذه خطوة الأمة لو أرادت.

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-04-2021 12:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
حكم تكفير الحكام ورد شبه المكفرين
لا يصح أن نكفر المسئولين والحكام ونتلذذ بذلك، ونثير سخطهم وغضبهم، ونحن في هذه الهوة وهذه السقطة، لأن هذا ما هو إلا تأجيج للنار والفتنة، ولن نفلح. كأننا نضحك على الله، نحن منغمسون في الباطل والشر والذنوب، ونقول: الحكومة.. الحاكم.. لماذا؟ سخرية هذه أو لا؟ وعندنا مثل عامي يُضرب للكسل في منتهاه، قالوا: الكسول أيام ما كان إلا الجدران يستظلون بظلالها، هذا الكسول ينام تحت الجدار فتأتي الشمس ويأخذ الظل في الانحسار، حتى تصل الشمس إلى رجليه، يمر به أحد الإخوان فيقول له: من فضلك أبعدني عن الشمس، يقول: سبحان الله اجذب رجليك أنت، يقول هذا: انظر إلى البخل، يمشي الثاني الشمس تطلع إلى ركبته إلى سرته يا عبد الله أنقذ أخاك أبعدني عن الشمس، يقول: سبحان الله أنت اجذب نفسك، يقول له: انظر إلى البخل، كيف يرحمنا الله ونحن نعيش على هذا البخل؟ فهمتم هذا الذوق أو لا؟ هو هذا المثل، مستبيحين للباطل والشر والفساد، نقول: الحكومة لماذا لم تمنع التلفاز؟ نضحك على من؟ نستحي من الله أن نقول هذا الكلام.نعم إذا الحاكم أجبرك بالسلاح تدخل التلفاز في بيتك أو تقتل، أو تنفى من البلاد، إذا كنت لا تستطيع الموت أدخله، الحاكم أجبر الذي ترى بنته أو امرأته عليها جلباب وغطت وجهها يسجن عشرين سنة، الله أكبر ماذا نصنع؟ المواطن الذي ما نراه يتعامل بالبنوك يأخذ ويعطي ويودع ويتسلف منها؛ الذي يعرض عن هذا يسجن أربعين سنة أو تصادر أمواله، حينئذ نقول: آه الحاكم، قرار آخر: الذي يشاهد خارج من بيته قبل طلوع الشمس يسجن عشرين سنة، لا صلاة للصبح! نقول عندها: الحاكم ظالم، ونحن مجبورون.أما ونحن نعيش مع الحكام ونعاشرهم خمسين سنة في الاستقلالات ما صدر حكم بالباطل، والشعوب هي الضائعة والتائهة والتي تتحدى الله ورسوله، ونسمع كلمة حاكم وحاكم..، لعلكم ما فهتم هذه البربرية؟ ما عندي أكثر مما أقول.أقول: نصرخ ونقول: الحاكم إذا ألزمني وأجبرني على أن أعصي ربي، وأخرج عن طاعة مولاي، حينئذ أنظر إذا وجدت لي طريقة للهجرة هاجرت، ما أبقى في بلد لا أعبد فيها ربي، حينها وجبت الهجرة، وإذا لم أستطع الهجرة فأنا مع الضعفة الذين قال الله فيهم: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99]، أما الحقيقة أن المسلمين من إندونيسيا إلى موريتانيا هم المعرضون، هم المتكالبون على الشر والفساد هم.. وهم.. ، ونبكي وندعي على الحاكم، لو كان بكاؤنا على الحاكم صحيح، لو كنا طاهرين أصفياء أنقياء؛ وجئنا أمام حضرته واطرحنا بين يديه: أنقذنا يا سيدنا والله لاستجاب، لكن فقط نثير المتاعب والمصاعب، ونزيد الحكام غضباً وسخطاً، ونقول: هذه هي الحياة!إذاً: أولاً: قلت لكم: يجب أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، ونعبد الله بما شرع، نطيعه في أمره ونهيه. هذه الخطوة الأولى. سواء كان الحاكم كافراً أو مسلماً، أمر أو لم يأمر نهى أو لم ينه، لا نبالي بذلك لأننا مسلمون.ثانياً: الحاكم إذا أسلمنا فسوف يسلم معنا، أقسم بالله! ممكن لو كان إيطالي أسباني يهودي.. يشاهد أمة كلها مقبلة على الله تبكي، لا ظلم فيها ولا فجور ولا شر ولا فساد، يراجع نفسه ويدخل في الإسلام، أو ما هو ممكن هذا، كل الذين أسلموا من الأمم والشعوب في القرن الثاني والأول أسلموا لرؤية الإسلام فقط، هل أجبر واحد بأن يدخل في الإسلام؟ والله ما أجبر واحد، الحاكم برجاله يشاهدون أمة ربانية المحاكم ما يدخلها أحد، لا ظلم ولا اعتداء ولا فجور، والصلاة قائمة، والنعم توزع، والأمة مقبلة على الله، الحاكم لو كان شيطاناً يسلم، أو ما فهمتم هذا؟ أقسم بالله.وقد علمنا أن الحاكم قد يتملق الشعب بما يحب الشعب كلمة سياسية، إذا رأى الشعب يصفق يصفق معهم ليرضوا عنه، رأى الشعب يشرب الخمر يشربها معهم، هذا شأن البشر.. هذا شأن الضعف البشري.
وجوب الرضا والاستسلام لحكم الله ورسوله
بهذا نخرج من هذه الورطة التي تهددنا بعدم الإيمان: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65]، ماذا نقول؟ الله يكذب علينا، يخاطبنا بما هو غير واقع؟! حاشى وكلا، فوربك لا يؤمنون حق الإيمان، ولا يصدق عليهم أنهم مؤمنون حتى يحكموك يا رسولنا فيما شجر بينهم من خلافات وخصومات ونزاع مادي أو غيره، ثم تحكم عليهم ويخرجون وليس في أنفسهم حرج، قلوبهم طيبة ونفوسهم طاهرة: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا [النساء:65] أي: ضيقاً: مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] كاملاً.غداً إن شاء الله أعطيك مفتاح السيارة، واسمح لي يا أخي، ويقبله بين عينه، آخر: غداً إن شاء الله آتي بصك العمارة والمفاتيح فيها، وأرجو أن تسمح لي ولا تذكرني إلا بخير؛ لأن القاضي حكم بسم الله، بكتاب الله وسنة رسوله أن العمارة لفلان وليست لفلان، يسلم المفاتيح وقلبه مطمئن ساكن، لا ضيق ولا ألم ولا حرج، فهمتم هذه؟ هذا هو الإيمان، هذا هو إسلام القلوب وإعطاؤها للرب تبارك وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] به وحكمت: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. أعطه حقه يا فلان يحاسبك على الفلس ويرد كل مالك إليك.مثالان حيان في دولتين إسلاميتين: الأولى دولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ ولى عمر بن الخطاب القضاء في المدينة، فجلس عمر في المسجد ما في محكمة بمليار ريال، ما جاء أحد يشتكي أبداً، قال: يا أبا بكر -بعد عام كامل- يا خليفة رسول الله ما فائدة من حبسي، ما تحاكم عندي أحد، لا يظلم مؤمن مؤمناً، كيف يتحاكمون؟ فعفا عنه، ما ذلك المجتمع الذي ما يحدث فيه خصومة؟ أي نعم، علموا، عرفوا، هذه دولة الخلفاء الراشدين.وفي دولة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تغمده الله برحمته، خيال أو واقع؟ واقع، موجودة هذه الدولة أو لا؟ قبل هذا الخلط والخبط كان شيخنا محمد بن التركي عشنا معه وحضرنا جنازته وتوفي بالبقيع كان قاضياً، يجلس في المحكمة، ساعة ساعتين ما يجيء أحد، والله يخرج عند باب المحكمة، هل من متقاضٍ، هل من متقاض ثلاث مرات. فلا يجد أحداً ثم يمشي إلى المسجد، كيف هذا؟ لا ظلم، عرفوا الطريق إلى الله، لا اعتداء ولا سخط ولا غضب، فهتم هذا أو لا؟ومازالت هذه سنة الله، أيما مجتمع يستقيم أهله على منهج الله الكتاب والسنة إلا صفو وطابوا وطهروا وقل الظلم والفسق والفجور بينهم؛ لأنها سنة من سنن الله لا تتبدل.ماذا عسانا أن نقول؟ فقط الطلاق الذي يجري بين الرجال والنساء يدهش العقول، يقول أحد القضاة: عندنا أكثر من تسعين قضية في الطلاق، كيف هذا الطلاق؟ أنت مؤمن أو لا؟ مؤمن، هل المؤمن يؤذي مؤمناً في الشارع وإن عاش خمسين سنة، دلوني على مؤمن صادق آذى مؤمناً في عرضه، في ماله، في بدنه، لا بسبة ولا بشتمة أبداً، والله سبعين سنة، كيف إذاً: تؤذي المرأة التي بين يديك، وهي أم أولادك، وهي ربة بيتك، وهي الفقيرة المسكينة والمحتاجة إليك تؤذيها وتتعرض معها للخصام والطلاق؟ كيف يتم هذا؟ من يجيب على سبب هذا المشكل؟ الجهل بالله، الجهل بمحاب الله، الجهل بمساخط الله، الجهل بالوقوف بين يدي الله، والجزاء على الكسب في هذه الحياة، الجهل؟ إي والله؛ لأنهم قوم لا يفقهون، قوم لا يعلمون.إذاً: كيف نذهب بهذا البلاء؟ نبدأ من حيث بدأنا، هيا نسلم، ندخل في الإسلام من جديد، كيف نفعل يا شيخ؟ نعربن على ذلك، وندلل أن نقف بين يدي الله، ونطرح بين يديه كل يوم في بيته نبكي بين يديه، ونتعلم الكتاب والحكمة نساء ورجالاً وأطفالاً في صدق، نعم أسلمنا يومئذٍ، المحاكم إن شاءت تغلق أبوابها تغلق، ما بقي من يظلم ولا يفجر ولا يكذب ولا يسرق. والحكومة يتوصلها المال الكبير؛ الشرط والبوليس والأمن.. كل هذا استغنوا عنه، ماذا يفعلون بالمال؟ يعطونه الفقراء والمساكين ما بقي فقير.آه متى نفيق؟! قالوا: صحونا، أين الصحوة هذه؟!
حكم طلب الاستغفار من الرسول بعد مماته
ومسألة في هذه القضية أوجزنا الحديث فيها، وهي: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64]، هذه الآية استشهد بها كثير في القرون الوسطى من القرن الرابع إلى اليوم، استشهد بها علماء، وقاموا يكتبون رسائل في الحج، ويقولون للزائر إذا زار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية، ويقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64]، وهأنذا قد أذنبت يا رسول الله وجئت مستغفراً الله، فاستغفر لي!! انتبهتم؟ تفيض بها كتب بالمئات، وهو جهل بهذه الآية الكريمة، وعدم علم وبصيرة.والقضية ليست مجرد بدعة، القضية قضية توحيد وشرك، فالذي يسأل رسول الله ويقول: يا رسول الله المدد، أو يا رسول الله ادع الله لي، أو يا رسول الله استغفر لي. هذا دعا غير الله، سأل غير الله، طلب حاجته من غير الله، والرسول في سورة الجن قل لهم: أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا [الجن:20]، فالجبار جل جلاله يغضب.. لم يغضب؟ لأنك سويت به مخلوق من مخلوقاته، مخلوق ممن خلقه، مصنوع ممن صنعه، عبد من عبيده، تنزله منزلة الله إلى جنبه: يا ألله! يا رسول الله! كيف يجوز هذا، يا ألله! يا رجال البلاد! يا ألله! يا أولياء الله!
تكاتف اليهود والنصارى والمجوس في القضاء على أمة الإسلام
عاشت أمة الإسلام قروناً إلا من نجى الله وهم مشركون بهذا الشرك، ما سبب ذلك يا شيخ؟ الجهل، ما سبب الجهل هذا؟ الثالوث الأسود؛ العدو المكون من ثلاثة أعداء، وهو مظلم لا ضوء فيه ولا نور؛ هو المكون أولاً: من المجوس، ثانياً: من اليهود، ثالثاً: من النصارى، تعاونوا على إطفاء نور الله، أما المجوس فعلتهم سقوط عرش كسرى، وانطفاء نار كانوا يعبدونها، فتكون منهم حزبٌ يعمل في الظلام للانتقام من الإسلام، وأول رصاصة أطلقت في جسم الإسلام من يد المجوس، قتل عمر في محراب رسول الله، في الوقت الذي كانت الجزيرة تعيش كلها النور، قتل عمر ، عمر قتل؟ إي والله العظيم كل الدنيا تعرف، أين قتل؟ في محراب رسول الله وهو يصلي بالمؤمنين، من قتله؟ أبو لؤلؤة المجوسي ، كان مولى لأحد الصحابة، وعبد من عبيده، وهو المغيرة بن شعبة ، وهو مدبر مهيأ. فقتل عمر في المحراب، ومن ثم اهتز العالم الإسلامي.اليهود ما إن أصدر عمر إجلاءهم الرسمي من الجزيرة تنفيذاً لأمر رسول الله: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، رحلهم من خيبر وتيم وتبوك وكل المناطق.. ما إن خرجوا حتى استشاطوا غيظاً وغضباً، وبحثوا عمن يتعاونون، كيف يطفئون هذا النور؟ فوجدوا أولئك المجوس، وقام عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني بالتعانق معهم، وهم الذين أحدثوا فتنة عثمان وعلي .النصارى شاهدوا أنوار الإسلام تغمر غرب أوروبا وشرقها، قالوا: كيف نصنع؟ فبحثوا عمن يتعاونون، فوجدوا المجوسية السرية واليهودية الخفية، فتعانق الثلاثة، ودخلوا في حروب فدمروا وفشلوا وتحطموا عشرات الحروب ومئاتها، قالوا: إذاً: ماذا نصنع، هيا نبحث عن السر في هذه القوة.وعثروا على السر؛ قالوا: إنه القرآن، القرآن هو الروح، حيت هذه البشرية به، كيف ننزع القرآن، اجتمعوا في السودان أو في الحبشة أكثر من ثلاثين صليبي كيف يسقطون كلمة قل فقط؟ ما استطاعوا: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قالوا: إذا نزعنا (قل) نقنع العرب والمسلمون أن هذا ليس بكلام الله هذا كلام محمد فقط، لكن كلمة (قل) يقول المتكلم نفسه (قل)؟ لا بد من آخر يقول له: (قل)، إذاً: فماذا يصنعون؟ قالوا: إذاً نستطيع أن نصرفهم عن القرآن.قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، إذا فسرت وأصبت أنت مخطئ تب إلى الله، وخطؤه كفر، فألجموا العالم الإسلامي عن قول: قال الله، ماذا نصنع به؟ اقرءوه على الموتى.حدثني شاب اليوم في البيت من في مصر، قال: فتحت إذاعة السيارة وإذا بقارئ يقرأ ونحن في وليمة عرس، آخذين الأشياء للعرس وكذا في السيارة، ما إن سمعوا القرآن حتى صاحوا: يا وليك.. يا وليك نحن في عرس تحولنا إلى الموت!! كيف نسمع القرآن؟ هذا يسمع في بيت الميت وليس في العرس، ويحلف بالله على هذا، قلت: سأحدث بها المؤمنين، سخطوا، كيف نحن حاملين أشياء العرس ونسمع القرآن، هذا يسمع في ليلة الموت، وأصبح القرآن يقرأ على الموتى، ولا يقوى أحد أن يقول: قال الله وقال رسوله، فقتلونا، مسحوا الإيمان من قلوبنا، هبطنا فحكمونا وسادونا، وإلى الله الشكوى.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:34 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (37)
الحلقة (261)

تفسير سورة النساء (42)


إن قبول حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لدليل إيمان وحياة قلب، وفيه خير العبد في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يثبته الله عز وجل على الطريق القويم، ويفتح عليه أبواب الخير، وفي الآخرة يحشره الله عز وجل مع الذين أنعم سبحانه وتعالى عليهم؛ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وهو فضل الله العظيم الذي يهبه لعباده المخصلين.
تفسير قوله تعالى: (ولو أنَّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسهم ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلة التي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي ونفسي والعالم أجمع؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).حقق اللهم لنا هذا الخير، إنك الولي والقدير عليه!وها نحن مع سورة النساء، ومع هذه الآيات الخمس، فهيا نتلو هذه الآيات ونكرر تلاوتها وكلنا يتفكر ويتدبر يحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات.وأعيد إلى أذهانكم أن الآية معناها العلامة، كل آية علامة على أي شيء؟ على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والله العظيم! كيف ذلك يا شيخ؟ هذه الآية من أنزلها، من تكلم بها؟ من أوحاها من قالها سوى الله؟ إذاً: الله موجود؛ عليم، حكيم، قدير، رحيم.. وصفاته في كتابه، والذي نزلت عليه تدل على أنه رسول الله، أينزلها عليه ويوحي بها إليه، ويأمره بالعمل بها وإبلاغها، وهو ليس برسول؟! هذا مستحيل، ففي القرآن ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، كل آية تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.هذه الآيات المباركة تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:66-70].
التوبة في بني إسرائيل
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! مازال السياق في الحديث عن أولئك النفر الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به.وقد بينتُ للسامعين والسامعات أن العبرة ليست بخصوص السبب، ولكن العبرة بعموم اللفظ، وهو المراد، أما خصوص السبب فقد تنزل الآية في شأن فلان، ولكن الحكم يبقى ببقاء الإنسان.قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ [النساء:66]، يريد به أولئك الذين يتحاكمون إلى الطاغوت فراراً من العدل والحق، طلباً لأوساخ الدنيا، لو أنا كتبنا عليهم: أي: فرضنا عليهم، ماذا يفرض؟ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:66]، وهو جائز أن يفرض عليهم بأن يقتل بعضهم بعضاً؛ إذ فعل هذا مع بني إسرائيل، حتى سقط في المعركة أربعون ألفاً، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة البقرة: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]، فلما فسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وغرر بهم الشيطان؛ فعبدوا ذلك العجل المصنوع بيد السامري ، إذاً: فاشترط الله لتوبتهم أن يقتل بعضهم بعضاً، في الحقيقة هم ارتدوا ويجب قتلهم، والمرتد يقتل، لكن موسى وأخاه هارون لا يستطيعان أن ينفذا الإعدام في عشرات الآلاف.إذاً: فأمرهم الله: إن أردتم دار السلام والجنة ومواكبة النبيين والصديقين، فلا يمحو هذه الخطيئة إلا أن يقتل بعضكم بعضاً، فخرج الرجال والتقوا صفوفاً يقتل بعضهم بعضاً، حتى سقط منهم أربعون ألفاً، وصرخ موسى وهارون، فرفع الله تعالى ذلك القتل.فهمتم السر؟ ارتدوا بعد إيمانهم أو لا؟ تركهم موسى عليه السلام مع أخيه هارون، وذهب للقاء ربه بالطور، فغرر بهم إبليس؛ فصنعوا عجلاً من حلي النساء، وقال: هذا هو إلهكم وإله موسى، وموسى نسيه فقط، ومدوا أعناقهم وعبدوه نساء ورجالاً، فاشترط الله العليم الحكيم لتوبتهم أن يقتل بعضهم بعضهاً، وهذا إعلام موسى عليه السلام: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54].
التوبة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم
يقول تعالى: ولو أنا كتبنا على هؤلاء ضعاف الإيمان والمرضى: أن اقتلوا أنفسكم، أو اخرجوا من دياركم واتركوا البلاد، ما فعلوه إلا قليل منهم، وهنا قال أبو بكر الصديق : لو أمرنا لفعلنا، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن من أمتي رجالاً إيمانهم أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ).أما خرج أبو بكر من داره وترك أهله وماله؟ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء:66] لم؟ لضعف إيمانهم، ونحن كيف حالنا لو كتب الله هذا علينا؟! نقتل، نخرج من ديارنا؟ ينبغي أن نكون متهيئين مستعدين، لو كتب هذا لفعلنا، وإلا ما نحن بالمؤمنين.لا تعجبن عبد الله فهذا خليل الرحمن، هذا إبراهيم إمام الموحدين، يوحى إليه بأن يذبح ولده الوحيد إسماعيل، وتطيبه والدته وتصلح ثيابه، ويخرج به إبراهيم من ذلك الجوار الكريم حول الكعبة إلى منى ليريق دمه هناك، وبالفعل صرعه على الأرض، وتله للجبين، والمدية في يده، وقال: بسم الله والله أكبر، قبل أن تصل إلى حلق الغلام، ناداه جبريل: خذ هذا واترك هذا يا إبراهيم، فقدم إليه كبشاً أملح، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة الصافات أو اليقطين، قال: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:102-110].ما إن سمعها أبا بكر حتى قال: لو أمرنا لفعلنا؛ لقتلنا أنفسنا وخرجنا من ديارنا، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول أبي بكر : ( إن من أمتي رجلاً إيمانهم في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي )، هذا هو المؤمن، ما هو من غضب فقط يسب الدين ويطلق امرأته، من جوعة فقط يسرق، مؤمن؟ أين الإيمان وأين أهله؟!
الخيرية الحاصلة من الانتفاع بالوعظ
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ [النساء: 66] لو حرف امتناع لامتناع: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]، من واعظهم؟ الله ورسوله؛ يأمرانهم بفعل الخير وترك الشر؛ إذ الوعظ أمر ونهي مع ذكر الوعد في الأمر والوعيد مع النهي، حتى يكف العبد ويرجع إلى الحق والصواب، والله يأمر وينهى، أسألكم بالله: هل يأمر بغير الخير؟ والله ما كان، هل ينهى عن غير الشر؟ والله ما كان. الله وليهم ومولاهم، سيدهم وربهم وهم عبيده، فلا يأمرهم إلا بما يزيد في كمالهم وسعادتهم، ولا ينهاهم ويمنعهم إلا عن شيء يزيد في شقائهم وبلائهم، فلهذا قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66] من أمر ونهي: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66] من جهة؛ لأنه يحقق السعادة والكمال، أيما إنسان أراد أن يكمل ويسعد ماذا يفعل؟ الجواب: يطيع الله ورسوله في الأمر يفعله وفي النهي يتركه، والله ليكملن ويسعدن في الدارين، هل تشكون في أن الطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق والحديد يقطع، لم ما تتغير هذه السنن؟ أيأمر الله ويطيع عبده ويفعل ما أمره به ويترك ما نهى عنه، ثم لا يكمل ولا يسعد؟ والله ليكملن وليسعدن؛ إذ الله في أوامره ونواهيه كالطبيب: كل هذا واترك هذا، اشرب من هذا واترك هذا، تحفظ صحتك وكمالك: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66] في دنياهم وأخراهم وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66] للإيمان في قلوبهم.خذوا هذه، وما أحسبكم تبلغون!العمل الصالح إذا فعله عبد الله أو أمة الله بإخلاص لله وعلى الوجه الذي بين رسول الله بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير، هذا العمل الصالح والله ليثبتن الإيمان في قلبك تثبيتاً، العمل الطالح الفاسد يزعزع الإيمان ويذهبه، يخرجه من القلب، تتراكم الذنوب والمساوي، وتتحكم الشهوات والأهواء، وينسى الرحمن جل جلاله، فيذهب الإيمان ويستقر بعده الشرك والكفر بالله، العمل الصالح إذا عمله عبد الله أو أمة الله بإخلاص لله، لا يلتفت فيه إلى غير الله، ويؤديه كما بينه رسول الله في وقته ومكانه على هيئته وكيفيته؛ من شأن هذا العمل أن يثبت الإيمان ويركزه في القلب، حتى يصبح ثابتاً كالجبال الرواسي، هذا من ثمار العمل الصالح.أولاً: يحقق لك خير الدنيا والآخرة.
تثبيت إيمان المنتفعين بالوعظ
ثانياً: يثبت الإيمان في قلبك، فلا تفقده في يوم من الأيام أبداً، ولا يتضعضع ويتزعزع وتصاب بالفتن، وتأملوا قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]، ما معنى: مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]؟ يا شيخ ما فهمناها؟ ما يؤمرون به وينهون عنه، من الذي يعظهم أليس رسول الله؟ يأمرهم بالشيء ويبين لهم ثماره ونتائجه الطيبة، ينهاهم عن الشيء ويبين لهم نتائجه الخبيثة الرديئة المخسرة، ذا هو الوعظ، لو فعلوا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66] أي: للإيمان في قلوبهم، ما تستطيع عواصر الحياة أن تزعزعه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:35 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
أجر المنتفعين بالوعظ وهدايتهم
وَإِذًا [النساء:67]: إذا هم فعلوا ما يوعظون به وحصل لهم الخير به، وثبت قلوبهم فركز الإيمان فيها، حتى لقونا مؤمنين: وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:67]، هذا وعد الله، هذا شيك ملك الملوك، وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ [النساء:67]، أعطيناهم مِنْ لَدُنَّا [النساء:67] لا من عند غيرنا أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:67]، من يقادر هذا القدر، ومن يعرف قيمته؟ولك أن تقول: رضاه وسكنان دار السلام في مواكب النبيين والصديقين والشهداء.. أي أجر أعظم من هذا الأجر؟!يا معشر الأبناء والإخوان، يا مؤمنات! هل فعلنا ما نوعظ به؟ هل تركنا ما حرم الله ورسوله؟ هل نهضنا بهذه الواجبات والتكاليف؟ هيا ننظر في أمرنا.وأخيراً: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68]، فقط يفعلون ما يوعظون به فقط، يحصل هذا الخير كله، أولاً: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66] في دنياهم وأخراهم، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66] للإيمان في قلوبهم، وإذا حصل هذا فإن النتائج: لَآتَيْنَاهُمْ [النساء:67] من عندنا مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:67-68]، يمشي من بيته إلى باب الدرس الآن، لا انحراف ولا اعوجاج ولا سقوط ولا من يضله أو يفتنه أو يخرجه عن هذا الصراط المستقيم حتى يقرع باب الجنة: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68].ويدل هذا على أن القرآن ينزل والأحكام تنزل والعبادات وهم يمشون في هذا الصراط، وهو الإسلام المنجي والمسعد لأهله، وهذا الذي ندعو الله به في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، الذي يفعل ما يوعظ به يتحقق له هذا الخير كله، وآخره: أن يهديه ربه العليم الحكيم صراطه المستقيم الموصل إلى رضاه ودخول دار السلام، فقط ما باعدنا أنفسنا عن أمرين، هل نفعل ما نوعظ به أو لا؟ وإن قلت: بم من وعظنا؟ الجواب: عليك بكتاب الله، تجد أوامر الله ونواهيه واضحة كالشمس، عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد الأوامر والنواهي بالمئات، إن كنت لا تقرأ ولا تكتب اسأل العلماء، ائت إلى الرجل العليم وقل: يا شيخ من فضلك دلني على شيء يحبه ربي، فإذا قال لك: ربك يحب الكلمة الفلانية لا تتركها والهج بها الليل والنهار، وعدت إليه مرة ثانية: يا شيخ! قل ما هي الكلمة التي يبغضها الله ويكرهها فنهانا عنها، إذا قال: إنها الكذب لن تكذب أبداً، وتأتي بعد يوم أو أيام، ما الذي يحب ربي من الأعمال؟ قال: أحب الأعمال إليه: الصلاة في وقتها، تلازم ذلك ولا تستطيع أن تتركه بحال، وتأتي بعد أيام: دلني على فعل يبغضه ربي ويبغضه أهله، قال: الزنا، فيقلع عبد الله ولا يلتفت إليه أبداً حتى الموت، وهكذا يعلم ويعمل، ليس شرطاً أن يتعلم كل العلم في أيامه، القرآن كان ينزل، كلما ينزل بواجب نهضوا به، كلما ينزل بممنوع تخلوا عنه وتركوه، وهكذا ثلاثة وعشرين سنة. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68]، ما هذه العطايا الإلهية؟ هل طلبها مؤمن أو مؤمنة في صدق، هل بحث عنها وعرفها؟ ولا الواحد في المليون.
تفسير قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ...)
ثم يقول تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، من؟ ذكراً، أنثى، عربياً، عجمياً، أبيض، أصفر، أحمر، أسود، غنياً، فقيراً، ألكن، دميم الخلقة، جميل الوجه، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] محمداً صلى الله عليه وسلم، هذا وعد الصدق، هذا وعد الله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، والسؤال: فيم يطيع الله الرسول، في أي شيء؟ ما تعرف؟ اقرأ القرآن، ما تعرف اسأل العلماء، تعرف فيم تطيع الله والرسول، أي: في أوامرهما ونواهيهما، ما أمر الله به بصيغة أقيموا، آتوا، جاهدوا، قولوا.. هذه الأوامر التي في القرآن، افعلها وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مدون محصي محفوظ مصون في كتب السنة، ،أصحها الموطأ والبخاري ومسلم، افعل تلك الأوامر، واجتنب تلك المنهيات النواهي المحرمات، وهي اعتقاد فاسد أو قول سيئ أو عمل غير صالح. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، مرة ثانية: في أي شيء يرحمكم الله أجيبوني؟في أمرهما ونهيهما، فيما أمرا به ونهيا عنه، كيف نعرف أن هذه الأوامر والنواهي يا شيخ؟ كيف عرفت تلبس الثوب وتخيطه؟ وتلبس النعل وتضعه؟ تعلمت أو لا؟إذاً: يجب أن تعرف أوامر الله ونواهيه، فإن قيل: إن بالجبل الفلاني أو المنطقة الصحراوية الفلانية شخص يعرف ما يحب الله وما يكره، يجب والله أن تمشي.وقد قرر أهل العلم: أن الإنسان إذا كان في قرية ما فيها عالم وهو ليس بعالم، حرام أن يبقى فيها، يجب أن يهاجر إلى قرية أخرى فيها عالم بالله يسأله ويعلمه، إذ لو بقي بدون علم أكلته النار، تحطم وخسر، أو يعبد الله بدون علم ممكن؟ مستحيل، ما هي عبادة الله، أليست طاعته في الأمر والنهي، والأمر كيف هو، كيف يفعله؟ لا بد من عالم يعلمه، آه وا حسرتاه وا أسفاه، إلى أين هبطنا؟! وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] من شرطية، الجزاء، ما ثوابه وما جزاؤه هذا الذي يطيع الله ورسوله؟ والله لمن الآن لا أبرح أطلب أوامر الله ونواهيه وأعمل بالأمر وأترك النهي في عزم.الجزاء: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69].يروى هنا لطيفة في هذا الموضوع: لما نزلت الآيات بعض الأصحاب بكوا، قالوا: الآن يرفع الرسول ونحن من الآن ما نراه، فجاءوا يبكون إلى رسول الله: الآن تموت وتفارقنا ولا نراك أبداً، وأصابهم وكرب عظيم، أحدهم أمره أن لا يفارق الصلاة، ( أعنّي على نفسك بكثرة الصلاة )، والله تعالى أراحهم بهذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ [النساء:69]، الطاعة الحقة: وَالرَّسُولَ [النساء:69]، الطاعة الحقة، زكت نفسه وطابت وطهرت: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، في دار السلام، ترى رسول الله ينزل إليك ولا ترتفع إلى مقامه، ولكن هو ينزل إلى مقامك، النبيون الصديقون الشهداء الصالحون يلتقون ويجلسون على الأرائك ويتكلمون ويذكرون الله وأمور دنياهم، ثم بعد ذلك كل يعود إلى منزله، وإن منازلهم في البعد عن بعضها كما بين السماء والأرض، ( إنهم ليتراءون منازلهم كما تتراءوا الكوكب الغابر في السماء ).فمسح الله دموع هؤلاء المؤمنين، كيف نعيش؟ كيف نسعد ونحن نفقد رسول الله ولا نراه بعد اليوم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية العظيمة: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69]، أي: المطيعون مع من؟ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، من هم؟ قال: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، ترافق هؤلاء وتواكبهم، أي رفيق أعظم من هذا؟ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:69-70]، صيامك رباطك جهادك صومك صبرك خمسين أو مائة سنة ما يؤهلك لهذا لولا فضل الله.. أبداً لو تعبد الله ألفين سنة، عشرة آلاف سنة ما تستحق بالجزاء أن تدخل دار السلام، لكن فضل الله.أما العبادات طاعة الله وطاعة الرسول فسرّها أنها تطهر نفسك، تزكي روحك فتصبح كأرواح الملائكة؛ فبذلك يؤذن لك بدخول دار السلام، طاعة الله وطاعة الرسول بفعل الأوامر وترك المنهيات من شأنها أنها تزكي النفس، أي: تطهرها وتطيبها، فمن زكت نفسه بما فعله بنفسه هذا يقبله عز وجل، ومن خبّثها ولوثها بترك الأوامر وغشيان المنهيات فخبثت فتعفنت والله ما هو بأهل لأن يدخل دار السلام.ومعنا آيتان: الأولى: حكم الله يجب على مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذا الحكم، ما هو حكم أفلاطون وإلا لينين ولا فلان، هذا حكم الرحمن الرحيم، اسأل ملايين المسلمين ما يعرفونه! صدر حكم علينا حكم لا يقبل المراجعة ولا التعقيب بحال من الأحوال، إذ أخبر تعالى عن نفسه بقوله: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، هذا الحكم الصادر علينا يا معشر الغافلين! هو قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، من يشك في هذا؟ أفلح من؟ رجل أو امرأة إنسان زكى نفسه طيبها وطهرها بمواد التزكية والتطهير المعدة لذلك. وَقَدْ خَابَ ، ما معنى خاب؟ خسر كل الخسران، يلقى في عالم الشقاء من هو هذا؟ الذي دسا نفسه وخبثها ولوثها بما أفرغ عليها من أطنان الذنوب والآثام خبثت نفسه وخسر.والآية المبينة للحرمان قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، أيدخل الجمل في عين الإبرة يا عباد الله؟! مستحيل، أصبعك فقط ما تدخل في عين الإبرة فكيف بالجمل؟! فكذلك مستحيل أن صاحب الروح الخبيثة بالشرك والذنوب والآثام يدخل دار السلام مستحيل.هذا حكم الله، هل عرف المسلمون والمسلمات هذا؟ ولا واحد بالمليون، كيف تريدهم أن يستقيموا يا شيخ؟ يصدقون القول، ويصلحون العمل، ويتحابون ويتعاونون، كيف يتم لهم هذا وهم فارغون تمام الفراغ.وما زلت أقول: أيها المستمعون! يا معشر المستمعات! أيكم جلس يوماً في ظل جدار أو سارية مسجد وقال لأخ له: يا عبد الله! تعال أسمعني شيئاً من القرآن أتدبره، هاتوا؟ كيف نعرف إذاً أوامر الله ونواهيه؟ وقد يلقى الدرس في مسجد القرية أو الحي وأهل الحي ثلاثة آلاف يحضر خمسة أنفار، كيف يعرفون الله؟ كيف يحبونه؟ كيف يخافونه؟ ومن لم يحب الله ولم يخفه كيف يطيعه؟ لن يتم هذا أبداً.وإذا لم يطع الله والرسول بين أهل القرية يسلمون من الكذب من الخيانة من الغش من الخداع من النميمة من الغيبة من البخل؟ والله ما يسلمون، الذي ما يغسل ثوبه بالماء والصابون والله ما ينظف، هذه محنتنا يا معاشر المؤمنين! ما العلاج؟ ما الطريق؟ ما نستطيع؛ فرنسا قاهرة لنا، بريطانيا إيطاليا أسبانيا بلجيكا، هولندا.. مائة مليون أندنوسي تحت قدمها، قلنا لهم: ما سبب هذا؟ من سلطهم عليكم؟ قل: الله، لما يسلطهم عليهم ؟ عصوه وفسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، وعبدوا الأهواء والأصنام والشهوات، فعذبهم فترة من الزمن.والآن من يمنعكم أن تعودوا إلى الله؟ ما نستطيع، لم؟ طلب منكم أن تخرجوا من أموالكم؟ طلب منكم أن تقتلوا أنفسكم؟ ما طلب. والله ما هو إلا أن يؤمنوا حق الإيمان، ويسلموا قلوبهم ووجوههم لله ويطلبون الله عز وجل، ويجتمعون في بيت ربهم في مسجد قريتهم أو حييهم في مدينتهم بنسائهم وأطفالهم يبكون بين يدي الله بالدموع، ويصلون المغرب ويجلسون جلوسكم هذا، النساء وراء والأطفال دونهن والرجال أمام المربي وليلة آية من كتاب الله، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله.على أن يكون من المربي أهلاً لذلك، ليلة بعد ليلة ما تمضي سنة إلا وأهل القرية أطهار أصفياء علماء ربانيون، انقطع ذاك الظلام وزال ذلك التيار، وحل محله النور والهداية، ومن قال: كيف هذا؟ وشك، أتحداه أن يجتمع أهل القرية في قريتهم إيماناً صادقاً يتعلمون الكتاب والحكمة من معلم يزكيهم سنة ولينظر مجتمعهم كيف يكون.أما بدون هذا المنهج الرباني الذي سلكه الرسول بالمؤمنين هيهات أن نستقيم على منهج الحق، وهانحن نشاهد خريجي مدارسنا على اختلافها هابطين إلى الأرض لا طهر ولا صفاء ولا وفاء ولا صدق ولا ولا.. أين آثار ذلك العلم المادي الذي ما طلب إلا للمال، كيف نعمل؟سامحوني إذا آلمتكم.سوف نبكي ونتألم فوق ما تتصورون.وصلى الله على نبينا محمد.


ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (38)
الحلقة (262)

تفسير سورة النساء (43)


إن طاعة الله عز وجل ورسوله سبيل الهداية والرشاد، وتكون طاعته سبحانه وتعالى باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وحب ما يحبه، وبغض ما يبغضه سبحانه، وكذلك اتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم وفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر، ومن كان هذا حاله فقد استحق موعود الله عز وجل، بأن يدخله سبحانه في رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع سورة النساء المباركة، وها نحن أيضاً ما زلنا مع الآيات الخمس التي شرعنا بالأمس في دراستها وما وفيناها ما تتطلبه من العلم والمعرفة، فهيا بنا نتلو هذه الآيات، ونتدبر أثناء تلاوتها معانيها، وما تحمله من هدى للمؤمنين والمؤمنات.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:66-70].معاشر المستمعين والمستمعات! أليس هذا كلام الله؟ هل هناك من ادعى أنه كلامه من الإنس والجن، هذا الكلام أين يوجد؟ في كتاب الله القرآن العظيم، كتاب الهداية، القرآن كتاب الهداية إلى سبل السلام.. إلى أبواب دار السلام إلى الصفاء والطهر في هذه الحياة، هذا الكتاب الكريم القرآن العظيم الكتاب العزيز الحكيم أعرض عنه المؤمنون والمؤمنات -إلا من رحم الله- وعاشوا على ظلمات الجهل يتخبطون في حيرة متى يعودون إلى هذا الكتاب؟هيا نتأمل! وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ [النساء:66]، أي: فرضنا عليهم، أي: على أولئك الذين يتهربون من التحاكم إلى رسولنا، والإذعان لما في كتابنا هؤلاء الذين يدعون الإيمان وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ [النساء:66]، هل يطيعوننا؟ما يستطيعون، ما أطاعوا الله في أبسط الأشياء كيف يطيعونه في أجلها وأعظمها، الذي ما يطيع الله في هذه العبادات، في هذه الآداب والأخلاق فيسمو بها، يستطيع أن يطيعه في عظائم التكاليف؟ إلا قليل منهم، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو أمرنا لفعلنا، وبلغ ذلك الخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن من أمتي رجالاً إيمانهم في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي ). هذا أولاً.وثانياً: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]، لو أنهم فعلوا ما يؤمرون به، ويبين لهم فوائد هذا الأمر ونتائجه الطيبة، وانتهوا عما رغبوا عنه؛ ليتركوه من المحرمات والآثام، لو فعلوا لكان خيراً، لهم أليس كذلك؟ إي نعم.وشيء آخر قال: وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66]، أي: للإيمان في قلوبهم.ومن هنا عرفنا -زادنا الله معرفة-: أن العمل الصالح هو الذي يقوي الإيمان، ويزيد في أنواره وطاقته.ومن سنن الله تعالى: أن الحسنة تتولد عنها حسنة، وأن السيئة تتولد عنها سيئة، فأيما مؤمن يقوم آخر الليل يتطهر ويبكي بين يدي الله في صلاة ركعتين إلا ارتفع منسوب إيمانه من الإشارة إلى الخمسين إلى التسعين والمائة.ما من مؤمن في جيبه ريال أو عشرة وحاجته ملحة ويرى من هو ضعف وجوع أشد منه يخرج ذلك ويضعه في يد ذلك المؤمن وهو لا يعرفه ولا يعرف من هو إلا ارتفع منسوب إيمانه فوق ما نتصور.فقط تدفعه نفسه وهواه إلى ارتكاب معصية، فيذكر الله عز وجل، فترتعد فرائصه ويعلن عن توبته قبل أن يقدم على الجريمة نادماً إلا كان إيمانه فوق ما نتصور.ففعل الأمر كترك النهي من شأنهما أن يثبتا الإيمان في قلب صاحبهما، واقرءوا: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66]، في دنياهم وأخراهم، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66]، أي: للإيمان في قلوبهم، فلا زعزعة ولا انتفاض ولا ولا..، ولكن ثبات واستقرار.وشيء آخر وعطية أخرى: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68]، هذه الآيات هيا نقرأها على مسلمي اليوم هم أحق بها من الأولين؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]، على منابر الجمع في العالم الإسلامي، كل جمعة، بيان الحلال والحرام، بيان سبل السلام، فهل عمل المسلمون بذلك وانتهت الجرائم والخيانات والخبث والسرقة والحسد والبغضاء والكبر والعناد؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66]، وإذاً: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68]. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ [النساء:66]، ما معنى: ( يوعظون به )؟ الرسول أولياؤه خلفاؤه الدعاة يأمرون بما هو خير وإلا لا؟ وينهون عما هو شر ويذكرون نتائج المعصية ونتائج الطاعة هذا هو الوعظ، لو أن السامعين الموعوظين استجابوا ماذا ينتج لهم؟ قال: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66]، تطهر نفوسهم وتسمو أخلاقهم، وتتحد كلمتهم ويصبحون كواكب السماء في الأرض، وأشد تثبيتاً للإيمان في قلوبهم. وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:67]، لا يقادر قدره ولا يعرف منتهاه، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68]، ذي كلها عروض إلهية معروضة علينا، ونحن معرضون ما نريد أن نسمع هذا الكلام مشغولون، أليس هذا من كتاب الله؟من الأحق بالإجابة في هذه الآيات منا نحن، أولى الخلق نحن أهل الإيمان والإسلام.

تفسير قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ...)

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، هذا عرض آخر: من يطع الله والرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، فيم نطيع الله والرسول؟ فيما أمرا بفعله، وفيما نهيا عن فعله، هل هناك شيء آخر؟ لا، طاعتهما فيما أمر بقوله أو اعتقاده أو عمله؛ إذ أعمال القلوب والألسن والجوارح هي الطاعات، وانتهوا عما نهى الله عنه ورسوله من المعتقدات الباطلة الكافرة، والأقوال الفاسدة السيئة، ومن الأعمال الطالحة الخاسرة.والسؤال: هل في الإمكان ذكراً أو أنثى بلغه أن طاعة الله وطاعة الرسول هي التي ترفع الآدمية على الملكوت الأعلى، ثم يعزم على أن يطيع والرسول، ثم يبقى في مزرعته أو في بستانه ولا يسأل عن أوامر الله ما هي؛ حتى أطيعه فيها، ما نواهيه؛ حتى أتجنبها، يمكن هذا؟ ومن المستحيل أن يتحقق لك يا ابن آدم طاعة الله وطاعة الرسول قبل أن تعرف فيما تطيع الله وفيما تطيع الرسول، وكيف حال أمة الإسلام ذات المئات الآلاف بل الملايين؟ ما نسبة العالمين بأوامر الله ونواهيه؟ قدروها! ولا عشرة في المائة، ومن أراد البرهنة والتدليل فنقول: أليست خمت سمائنا وأرضنا من الخبث والشر والفساد؟ فما سبب ذلك؟ ما عرفوا، أولاً: ما عرفوا الله معرفة من شأنها توجد لهم حب الله في قلوبهم والرهبة في نفوسهم؛ حتى يتهيئوا لطاعته، ما سألوا عن الله ولا أرادوا أن يعرفوه، ثم من لم يعرف الله المعرفة الحقيقة يطيعه؟ ما يطيعه، معرفة إجمالية تمشي، لكن هل سألوا عن محابِّ الله في صدق، وعزموا على فعلها؟ هل صدقوا في البحث عن مكاره الله فعرفوها مكروهاً بعد مكروه؟ وما عرفوا مكروهاً إلا تركوه؟ ولو رحلوا من بلادهم لا يستطيعون أن يقعوا في هذا المكروه؟ الجواب: لا والله.نسبة العالمين من أهل الإيمان والتقوى نسبة جزئية فقط، فلهذا ما أثرت في المجتمعات، وبعد نبكي، وهل يجدي البكاء؟ ما الحيلة؟ ماذا نصنع؟ نصرخ آمنا بالله، يا ورثة النبي علمونا دلونا ماذا نصنع؟ هذا الصوت ما نستطيع نرفعه؛ لأنهم يقولون: تعالوا بنسائكم وأطفالكم تتعلموا دينكم؛ لتكملوا وتسعدوا، ونحن غير مستعدين؛ فعدنا من حيث بدأنا؛ ليمضي حكم الله فينا. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، العظيم صلى الله عليه وسلم طاعة حقيقة: فعل ما أمرا به وترك ما نهيا عنه، وقد علمنا وزادنا الله علماً حقيقة يسألها بلايين البشر، وهي: أن أوامر الله هي عبارة عن أدوات الإصلاح والإكمال والإسعاد، ما فيها أمراً يضر بك أبداً، وأن منهيات الله والرسول ما هي إلا منهيات كنهي الطبيب عن شرب السم وأكل الجيفة المنتنة، إياك أن تفهم أن هذه الأوامر تنغص حياتك، أو تكدر صفو حياتك، والله ما هي إلا أدوات رفعتك وكمالك وإسعادك.وأن المنهيات ما هي إلا قاذورات وأوساخ منتنة عفنة؛ ليتجنبها عبد الله ووليه، أو نشرح؟هل في الزنا واللواط شيء طاهر طيب؟ هل في الكذب والخيانة والتلصص والإجرام.. هل في الكفر والشرك ما يسعد؟ما هي أوساخ دنسة، لكن لا نلوم إخواننا؛ ما علموهم.. ما عرفوهم. ‏

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:36 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
درجة النبيين
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، هذا الشرط، أين الجزاء؟ قال تعالى: فَأُوْلَئِكَ ، السامون الأعلون المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، ونحن في كل صلاة، بل وفي كل ركعة نقول سائلين ضارعين متوسلين إلى الله بحمده وثنائه وتمجيده والتملق إليه بعبادته وحده دون سواه، نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هذا حمد الله، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، ثناء على الله، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، تمجيد لله، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] تملق إليه وإلا لا؟ وتزلف، ثم نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، لا المغضوب عليهم ولا الضالين.إذاً: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]؛ لأن طاعة الله والرسول هي الصراط المستقيم، والله العظيم! إن طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم وهي فعل الأمر وترك المنهي هي الصراط المستقيم لن ينتهي إلا بباب الجنة. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، وإن سئلت وقلت: يا رب من هم الذين أنعمت عليهم؟ كيف أنت كل صلاة تقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، وما سألت في يوم من الأيام: من هؤلاء الذين أنعم عليهم؟! يصلي خمسين سنة ويقرأ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، اهدنا صراطهم، ولا يسأل من هم هؤلاء، بنو هاشم.. بنو تميم.. من هؤلاء؟ ويجوز أن يقرأ وما يفهم ما لا يستفيد ، هذه الآية بينت لنا فقال تعالى: مِنَ النَّبِيِّينَ ، فالأنبياء كلهم والرسل على رءوسهم ممن أنعم الله عليهم.أنعم عليهم أولاً: بمعرفته ومعرفة محابه ومكارهه ثم بهدايته وتوفيقه، ثم بقبولهم ورضاه عنهم، من النبيين.سبحان الله! نحن صعاليك المدينة نصبح مع النبيين! إن أطعت الله والرسول الطاعة الحقة فأنت معهم.وقد ذكرنا: أن كثيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـثوبان مولى رسول الله، وعبد الله بن زيد الذي أري الأذان في المنام وغيرهم بكوا وقالوا: يموت الرسول، حتى عائشة.. كيف نستطيع أن نفارق الرسول الآن، غداً يموت الرسول وكيف نعيش، فأنزل الله تعالى قطعاً لحيرتهم: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، قالوا: ندخل الجنة بفضل الله، ولكن منازلنا ليست منازل النبيين، وقد علمنا أن أهل الجنة يتراءون منازلهم كما نتراءى نحن الكواكب في السماء، أو الكوكب المضيء في السماء، وقد علمتم ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه القرآن: أنهم يجتمعون في مجالس على الأرائك متكئون.ثم بعد ذلك يذهب كل ذي درجة عالية إلى درجته، إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:22-26]، هذا يصوم ثلاثة أيام في الشهر، هذا يصوم الخميس والاثنين، هذا يصوم يوماً بعد يوم، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
درجة الصديقين
بعد النبيين يليهم في السمو والعلو وسمو المقام الصديقون.قال العلماء: هذه الآية شاهد على خلافة أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك: أنه ذكر النبيين أولاً والرسول منهم وسيدهم، وأعقب ذلك بالصديقين، من أسماه الصديق ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، هل فاز بهذا اللقب صحابي؟ أبو بكر الصديق .أما منزلة الأنبياء فقد أغلق هذا الباب وما نحن بأهل له، لكن الصدّيقية هل ممكن أن نصبح صديقين؟ من يرغب؟ أبشروا إنكم منهم إن صدقتم، اسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين الطريق للوصول إلى هذه الدرجة العالية التي بعد النبوة، يقول: ( عليكم بالصدق )، ما معنى: ( عليكم بالصدق )؟ شدوا عليه، تمسكوا به، لا تفارقوه، لا يبعد عنكم، وهو الصدق في المعتقد والقول والعمل، لا كذب أبداً.( عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر )، الصدق في القول والعمل والتفكير يهدي ويقود عبد الله إلى البر والخير، أي: إلى طاعة الله والرسول، وأيُّ بر أعظم من طاعة الله والرسول؟ يهدي إلى البر وإلا لا؟ بالمعنى العام: الخير، خير الدنيا والآخرة.( وإن البر يهدي إلى الجنة ) ، إي والله، اسمع هذا البيان من سورة آل عمران: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ [آل عمران:92]، يا عباد الله! أيها المسلمون! حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].عرفتم؟ أيام كان الجوع والحاجة، والمسلمون محاصرون، والكفار من كل جانب، وهم يعيشون، ماذا أقول؟ والله ما شبع رسول الله في يوم مرتين حتى توفاه الله، الآن يغمى علينا، والله ليشد الحجر على بطنه؛ ليتماسك ويقوى على المشي والعمل، ونحن نرمي العيش في الشوارع، ولا نقول باسم الله، ولا الحمد لله، إننا نتعرض لنقمة إلهية ما تطاق إلا أن يتوب الله علينا، ولن يتوب علينا حتى نقرع بابه، ونطرح بين يديه نساءً ورجالاً نبكي أن يتوب علينا.( إن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند صديقاً )، عام وعامين وثلاثة وعشرة وعشرين، ولا يزال الرجل المؤمن يصدق في قوله وعمله وتفكيره حتى يكتب عند الله صديقا، فلان من الصديقين مرتبة دون النبوة، هيا نعمل؟ ما نستطيع؛ ما ربينا في حجور الصالحين، ما تعودنا على الصدق.ماذا نقول؟ ما نرغب أن نكون مع الصديقين؟ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69]، والحمد لله باب النبوة مغلق لا طمع فيها، وختمت النبوات بخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، لكن الصديقية موجودة، قد يوجد بيننا.. بين نسائنا ورجالنا من لم يعرف الكذب قط حتى في السخرية والاستهزاء، لا يكذب، ولكن يأخذ يتدرج في الصدق، ولا يزال يصدق، ويتحرى الصدق ويطلبه ويبحث عنه ويقصده، حتى يأتي الوسام الإلهي: عبدنا أصبح صديقاً.
درجة الشهداء
مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ [النساء:69].الشهداء: جمع شهيد، والشهادة متنوعة، أهل الاستقامة أهل العدل أهل الخير يتخذهم الله شهداء يوم القيامة يشهدون على غيرهم؛ لعدلهم وكمالهم، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ... [آل عمران:110]، لا لا. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، أي: خياراً عدولاً؛ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]، وأنت في قريتك بين إخوانك تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتشهد حطوط هذا وارتفاع هذا، أنت شهيد عليهم، وتقبل شهادتك، فالداعي إلى الله على علم وصدق من الشهداء.ويدخل أولاً في هذا الموكب الذي استشهدوا في قتال المشركين، الذين استشهدوا في الجهاد الإيماني الإسلامي الرباني، والآن ظلت هذه الأمة وتخبطت وهي تتخبط وما عرفوا ما هو الجهاد، الحماس في نفوس الشبيبة والحيرة والقلق وا.. وا.. الجهاد.
مشوبات الجهاد في بلاد الأفغان
من منكم يذكر أيام بدأ الجهاد في الديار الأفغانية؟ ماذا كان يقول هذا الشيخ المريض؟ كنت أقول: معشر المستمعين والمستمعات! اعلموا أنه ينبغي أن يرانا الله تعالى في هذا الجهاد؛ لأنه جهاد قتال البلاشفة الحمر الملاحدة الشيوعيين الذين أرادوا أن ينشروا مذهبهم في العالم لإفساد البشرية وفطرها، فلا بد وأن يراك الله في هذا الجهاد إما بنفسك إن كنت أهلاً لذلك، وإما بمالك إن كنت ذا مال، وإما بدعوتك إخوانك ليجاهدوا بأنفسهم أو أموالهم، وعلى الأقل بدعائك، قُم في الليل، وادع الله لهم بالنصر.وكنت أقول: إنه جهاد ولكن فيه دخن، والشبيبة الضائعة، والذين يدّعون المعرفة وهم جهّال: أيش هذا، لم يقول هذا الكلام فيه دخن؟ قلنا لهم: اصبروا دخنه سيتحول إلى نار، ما هذا الدخان؟ هو أنه جهاد ما قام على أسس الجهاد الذي شرعه الله، ألا وهو بيعة إمامٍ تبايعه أمة الإسلام؛ ليقودها بأمر الله وإذنه، فأيما قتال لا إمام ولا بيعة فيه لإمام هو باطل حرام وظلم شر فساد، لا تفهمن يا بني أن هذا الشيخ يتكلم بما لا يعلم، والله لا يحل لي أن أقول كلمة بدون علم، هذا مسجد رسول الله.إذاً: وذهبت مع أحد الإخوان بطلب من سماحة الشيخ: عبد العزيز وعرضنا على تلك المعسكرات معسكراً بعد آخر: اتفقوا على بيعة إمام لكم، وقاتلوا تحت راية واحدة، ماذا نقول؟ أنتم تعرفون أنفسكم، وتحدثوا مع إخوانكم وأهليكم، كل واحد عنده رأي وعنده.هيا نذوب من النظريات والأفكار؛ لنكون جسماً واحداً، المعسكر: يقول الفلاني يريد كذا، معسكر محترم قال: المعسكر الفلاني ما هو إلا مصيدة للفلوس فقط، والمؤمنون مساهمون، جاءتني صرة أو زنبيل من اليمن كلها فضة، امرأة أخرجت كل ما عندها، أم أولادي تغمدها الله برحمته مرتين وهي تنزع ذهبها من يديها.ولما كان القتال على غير مراد الله ومنهجه كيف كانت النتيجة؟ هل ارتفعت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله؟ هل اجتمعت الكلمة وسارت أمة رسول الله إلى كمالها؟إلى الآن والنار مشتعلة، وزارني جميل الرحمن -سلفي يقود الجماعة السلفية- زارني في البيت وقلت له: يا شيخ! إنك بين أمرين: إما أن تتخلى عن المطالبة بالحكم، وتمثيل الشريعة، وادع إلى الله عز وجل بين إخوانك تطهيراً لقلوبهم وتزكية لنفوسهم.أو تصر على أن تطالب والله ليقتلنك، ما هو إلا شهرين وذبحوه، كيف يذبحون رجلاً يدعو إلى قيام الشريعة الإسلامية، كلهم يدعوا إلى قيام الدولة الإسلامية.إذاً: فالجهاد الذي قتلاه يكونون شهداء:أولاً: أن يكون تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لإقامة دين الله ويكون القتال بين المؤمنين الموحدين وبين الكافرين والمشركين، أما القتال بين المؤمنين تحت النعرات والنزعات والأطماع؛ فهذا القاتل والمقتول في النار: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ).وهذا الكلام تكرر وإلى الآن ما زالت الفتنة قائمة هنا وهناك بالاغتيالات وسفك الدماء والتفجيرات تحت شعار الجهاد، يا ضلال! يا جهال! هل قرأتم كتاب الله؟ هل التففتم حول عالم رباني فهداكم وبين الطريق لكم؟ الجواب: لا، العلماء يقولون فيهم عملاء، وإبليس يوحي بهذه الكلمات، العلماء علماء السلاطين، جماعة المجوس يقولون هذا الكلام والعرب يتلقون هذه الكلمات في عمى وضلال، بدل أن يأخذ أهل القرية التحاب والتلاقي والتعاون، ومقاسمة الخير، والغير نثير بينهم العداء والفتنة والبلاء، وهذا مراد أعداء الإسلام.والشاهد عندنا بدون إطالة: ما هو الجهاد الذي يصبح قتيله شهيداً؟ أن يكون تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والإمام -إمام بايعه- المسلمون وهو يقاتل الكافرين، بعدما يعسكر قريباً من ديارهم يعرض عليهم: تدخلون في الإسلام؛ لتسعدوا وتكملوا، وتطهروا وتصفوا، وهو والله لكذلك، فإن رفضوا: تسمحون أن ندخل؛ لنعلم إخوانكم وننقذهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فإن قالوا: ادخلوا، دخلنا، وبين الهداية والطريق إلى الله، وإن رفضوا الأولى والثانية لم يبق إلا القتال فباسم الله نقاتلهم، فكل من وقع على الأرض ميتاً فهو والله شهيد، إلا إذا كان قلبه مريضاً هذا يعود إلى الله، همه الدنيا أو المال، أو ما آمن حق الإيمان، لكن الظاهر كل من صرع في المعركة هو الشهيد، لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن عليه هكذا، ما هو في حاجة إلى هذه المزكيات طابت نفسه.عرفتم الشهداء؟ يبقى باب الرجاء، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الشهادة في صدق أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه )، خذوها: ( من سأل الله في صدق )، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك! ولو ما وقع جهاد، ولا وقع قتال ومات على فراشه هو في عداد الشهداء، من سأل الله الشهادة في صدق أنزله الله منازل الشهداء وإن كان قد مات على فراشه، إذا عرفتم هذه الحقيقة حافظوا عليها!وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (40)
الحلقة (263)

تفسير سورة النساء (45)


أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالقتال في سبيله وحضهم عليه، لما في القتال في سبيل الله من رفع لراية دينه، وتبليغ شرعه، والتمكين لأهل الإيمان في الأرض، والدفاع عن المستضعفين والمغلوبين من المؤمنين في أرجاء المعمورة، ولا يمنع المؤمنين من الجهاد خوف عدوهم؛ لأنهم يقاتلون في سبيل الله، أما عدوهم فإنما يقاتل في سبيل الطاغوت، ويستمد قوته من الشيطان، وكان كيد الشيطان ضعيفاً.
تفسير قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللاتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن ما زلنا مع سورة النساء المدنية، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، وعلنا ندرسها أو يبقى منها ما ندرسه في الليلة الآتية إن شاء الله.إليكم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:74-76].هيا نتدبر هذه الآيات، ونصدق أنفسنا في طلب معرفتها والعمل بها:أولاً: اسمع هذا الخطاب: فَلْيُقَاتِلْ [النساء:74].بلام الأمر؛ فبناء على ما تقدم في السياق الكريم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74].ما هي سبيل الله يا إخواننا؟ دلونا عليها، عرفونا بها، اهدونا إليها حتى نقاتل في سبيلها، لنعلم أن المراد من سبيل الله هو أن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أي: في الطريق المؤدي إلى أن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه؛ لأن الله عز وجل خلق العوالم كلها علويها وسفليها من أجل هذا الآدمي، والآدمي من أجل أن يذكر الله ويشكره، أراد الله تعالى أن يذكر ويشكر، يذكر بالقلب واللسان، ويشكر بالجنان والجوارح، فأوجد هذه النعم، وأوجد هذا الآدمي من أجل أن يذكره ويشكره، فمن أعرض عن ذكره متكبراً أو جاهلاً ولم يشكره وجب أن يقاتل حتى يعترف بالحق، ويذكر الله ويشكره.إذاً: يقول تعالى لعباده المؤمنين: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] من هم؟ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] بمعنى: يبيعون الحياة الدنيا ويعتاضون عنها بالآخرة، شرى يشري بمعنى: باع يبيع، واشترى يشتري، اشترى إذا أخذ وباع وأعطى، هناك من يرى أن هذا يعود إلى أولئك الذين يتباطئون في القتال ولا يخرجون، وإذا فاز المؤمنون بالنصر والغنيمة تأسفوا وتحسروا: يا ليتنا كنا معهم، وإذا أصيبوا بهزيمة لأمر يريده الله يفرحون، ويقولون: الحمد لله أننا ما خرجنا معهم، إذاً هؤلاء لك أن تقول لهم: فقاتلوا في سبيل الله يا من تشترون الحياة الدنيا وتبيعون الآخرة، لكن التوجيه الأول هو الذي عليه أكثر المفسرين، والقرآن حمال الوجوه؛ إذ الوجه الأول صحيح وسليم، والثاني والله كذلك، لا فرق، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويأخذون الآخرة، والمراد من الآخرة الجنة دار السلام دار الأبرار دار المتقين، الجنة التي فيها أربعة مواكب، وقلنا: هيا نعمل على أن نواكبهم في دروس مضت، واشترط الله علينا شيئاً واحداً: أن نطيع الله ورسوله، إذ قال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، اللهم اجعلنا منهم!إذاً: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أي: في الطريق الموصل إلى رضا الله، وذلك بأن يعبد وحده بذكره وشكره، من يقاتل في سبيل الله؟ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] أي: يبيعون، الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74]، لا يأخذون الحياة الدنيا بالآخرة بل يبيعون هذه الحياة ويأخذون الآخرة بدلها؛ لأن الحياة الدنيا فانية والآخرة باقية: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17]، حتى قال الرشداء البصراء: لو كانت الآخرة من خزف والدنيا من ذهب لاختار العقلاء الآخرة عن الأولى؛ لأن خزفاً يبقى أفضل من ذهب يفنى، فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74].ثم جاء وعد الله عز وجل: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74].لا في سبيل الدنيا.. لا في سبيل الوطن.. لا في سبيل الرياسة.. لا في سبيل المال.. لا في سبيل الشهرة والسمعة، كل هذه ممسوحة من قلب هذا المؤمن، لا يريد إلا أن يعبد الله وحده. وَمَنْ يُقَاتِلْ [النساء:74] منكم معشر المؤمنين، فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ [النساء:74] يستشهد، أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] وينتصر ويظفر بالغنيمة، على كلا الحالين الجزاء: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74]، من قال: (فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)؟ الله، إذاً إذا كان الله العظيم فعطيته كيف تكون وقد استعظمها، وقال: (فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)؟إن أهل الجنة في تفاوتهم.. في درجاتهم.. في قصورهم ينظرون إلى بعضهم البعض كما ننظر إلى الكواكب في السماء، وأقل ما يعطاه أحدهم مثل الدنيا مرتين.. هذا الكوكب يعطى مثله كوكبين.إذاً: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] أي: يبيعون، الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] إما أن يستشهد أو ينتصر ويغلب العدو وما مات، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].
تفسير قوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ...)
يقول الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75].وهذه تدفع أصحاب رسول الله المهاجرين والأنصار لإنقاذ إخوانهم بمكة، وهم يعيشون أذلاء مضطهدين معذبين ينكل بهم من قبل المشركين، ومن هنا وجب على المؤمنين في كل عصورهم وأزمنتهم ألا يسمحوا أن يبقى مؤمن تحت أيدي الكفار، لو نخرج من أموالنا كلها ونطلق أسر هذا المؤمن ونبعده عن أسر الكافرين.إذاً: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] أي شيء منعكم أو حال دون القتال في سبيل الله ليعبد وحده، وفي سبيل المستضعفين من الرجال الذين هم تحت قبضة أبي جهل وعقبة بن معيط وفلان يعبدونهم الليل والنهار، وسبيل المستضعفين أيضاً من الولدان الصغار والنساء، عجلوا جاهدوا.ثم قال: أولئك الضعفة من الرجال والنساء والولدان يسألون الله ويدعونه قائلين: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [النساء:75]، يعنون مكة الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75]، ظلموهم لما منعوهم من قولة لا إله إلا الله، بلال يسحبونه على الرمضاء ويقولون له: اكفر، وهو يقول: أحد أحد ، ياسر قتلوه تحت الضرب والغمس في الماء، سمية زوجته ، عمار عذبوه.. أنقذوا إخوانكم، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75].
تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ...)
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:76].آمنوا ما الإيمان؟ دعوى ادعاها البشر والإنس والجن، آمنوا الإيمان الحق، صدقوا الله ورسوله في كل ما أخبر به من شأن الغيب والشهادة في العوالم العلوية والسفلية، في هذه الحياة وفي الأخرى، صدقوا الله ورسوله، هؤلاء يقاتلون في سبيل الله، لن يخرجوا أبداً، ولن يحملوا سلاحاً لغير أن يعبد الله تعالى وحده. وَالَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:76].كذبوا الله ورسوله جحدوا بما شرعه الله وبينه لعباده لإكمالهم وإسعادهم، هؤلاء يقاتلون في سبيل من؟ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] والطاغوت: الشيطان، وكل من طغى وارتفع وتكبر وتجاوز مستواه الآدمي، وأمر أن يعبد ويقدس، أو أمر أن يعبد غير الله فهو طاغوت، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76]، وبناء على هذا يقول تعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ [النساء:76]، كل من يدعو إلى معصية الله عز وجل والخروج عن طاعته فهو يدعو بدعوة إبليس؛ لأن الشيطان همه ألا يرى مؤمناً صالحاً يدخل الجنة، كل ما يحمله ألا يرى مؤمناً أو مؤمنة يعبد الله ويوحده ليدخل الجنة؛ لأنه يقول: دخلت النار بسببهم، لأنه أبلس من الخير، وطرد من الجنة بسبب ما فعل لآدم؟ لا، بسبب كبريائه وعدم خضوعه لله وسجوده لآدم.إذاً: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] إذاً: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76] ينهزم وينهزمون.والله ما وقف مؤمنون ربانيون صحيحو الإيمان والإسلام وانهزموا إلا إذا اختل موقفهم بسبب معصية ارتكبوها؛ لأن كيد الشيطان ضعيف جداً لا وزن له ولا قيمة، ما يمكر به ويكيد ويبينه لأوليائه ويغرقهم أيضاً في المفاسد والشرور.

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:38 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وجوب القتال تحت راية إمام واحد واتباع أوامره
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! وهنا مناسبة كبيرة: أمرنا الله تعالى أن نقاتل في سبيله هيا نقاتل، كيف نقاتل؟ يجب أن نطيع ربنا بما أمرنا به، كيف نقاتل؟ من نقاتل؟الجواب: نقاتل تحت راية إمام بايعته أمة الإسلام، نقاتل تحت إمام رباني بايعته أمة الإسلام، هذا الإمام تحمل المسئولية، وأصبح أهلاً لها فهو بحسب قدرته، وبحسب قدرة الكافر الذي يريد أن يغزو داره، وينشر رحمة الله في بلاده، فإن رأى أنه قادر بجيشه الرباني الإيماني الإسلامي حينئذ ماذا يصنع؟ أرشدنا الله عز وجل إلى كيفية الجهاد، وهو من أخريات ما نزل، اسمعوا من سورة التوبة المدنية، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] لا الفاجرين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التوبة:123] لبيك اللهم لبيك، قَاتِلُوا [التوبة:123]، من؟ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، لم الذين يلوننا؟ لأنهم أقرب إلينا، وأولى بالمعروف ممن هم بعيدون عنا، فلنقاتل الأمم والشعوب التي تلي بلادنا، فإذا دخلت هذه الأمة يصبح وجودنا وراءها هم الذين يلوننا، وهكذا حتى ننتظم هذه الأرض بدعوة الله عز وجل، وهناك مثل ضربناه عشرات المرات، انظر تأمل: بركة واسعة مملوءة بالماء خذ حصاة حجر وارمها في وسطها؛ فإن البقعة التي وقعت فيها الحجر على قدرها، ثم تأخذ في الاتساع إلى أن يصل الاضطراب إلى أطراف البركة، هذا مراد الله من هذه الآية: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [التوبة:123] تلينا إيطاليا فرغنا منها دخلت في رحمة الله وحدودنا ألمانيا، دخلت ألمانيا وحدودنا يوغسلافيا، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123] شدة، لا يحل أبداً للمسلمين أن يكونوا أضعف من عدوهم الكافر، بل يجب أن يكونوا أقوى وأقدر؛ لأن الكافر ضائع هابط كالميت، والمؤمنون أحياء والله عز وجل يرشدهم ويهديهم إلى السبيل القويم، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60].إذاً: حتى لا يلتبس على السامعين والسامعات، نحن مأمورون بأن نقاتل الليلة وإلا لا؟ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] كيف نقاتل؟الجواب: لا بد من بيعة إمام مسلم، بيعة كيف تتم؟ نعم لا إقليمية ولا عنصرية ولا قبلية ولا وطنية، المؤمنون أمرهم واحد، المسلم أخو المسلم، بايعناك يا إمام المسلمين لا يحل لمؤمن أن يقول كلمة سوء تشير إلى عدم الطاعة أو الخروج عن إمام المسلمين، وإذا نفخك إبليس وانتفخت فاستعذ بالله منه وانزل حتى تطمئن، أنت ما أطعت إمام المسلمين لذاته أنت أطعته لله هو الذي أمرك، فإذا وجد الإمام -كما قلنا- يطبق هذه الآية الكريمة: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ [التوبة:123] كيف؟ إن كانت لنا سبل تحمل الرجال والسلاح نرسيها على الشاطئ المقابل له، إن كانت جيوشنا تمشي على أرجلها أو تركب على خيولها كذلك ننزل بحدود هذه الدولة أو هذه الأمة أو هذا الإقليم الكافر، وتجري سفارة بيننا وبينهم، وهي سفارة ذات ثلاثة بنود: يا أهل هذا الإقليم! جئناكم بسم الله ربنا وربكم لننقذكم مما أنتم فيه من الخبث والشر والفساد والظلم والطغيان كفار -هذا في الدنيا- ولننقذكم من عذاب الآخرة التي أنتم سائرون إليها ليل نهار، فادخلوا في رحمة الله، قولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، واعبدوا الله بما بين الله ورسوله فتزدهر بلادكم وتستنير ويختفي الظلم والخبث والشر والفساد والجهل والباطل بكل أنواعه، والله العظيم، فإن قالوا: مرحباً تفضلوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، أمست تلك البلاد أو أصبحت وهي جزء من الخلافة الإسلامية، ويأخذ رجالنا في تعليم الرجال والنساء والأطفال، التعليم الحقيقي الذي ينتج زكاة النفس، وتهذيب الروح، ورفع الآداب والأخلاق.فإن رفضوا قالوا: لا نستبدل بديننا ديناً آخر، قلنا لهم: إذاً اسمحوا لنا أن ندخل معلمين مربين مهذبين، بمعاهدة بيننا وبينكم أنتم في ذمتنا، ونحن نحمي بلادكم، ونصون أموالكم وأعراضكم ووجودكم، ولا ترفعوا سلاحاً أبداً نحن الحماة، فإن قالوا: تفضلوا أصبح هذا الإقليم في ذمة المسلمين لا يؤذى فيه عبد ولا يظلم آخر، لا رجل ولا امرأة ولا طفل، فإذا غزاهم عدو نحن الذين نقاتل هذا العدو، ونقول لهم: الزموا أماكنكم نحن المسئولون عن حفظ دمائكم وأعراضكم وأموالكم، فما هي إلا أيام أو أشهر أو أعوام إلا ويأخذ أهل البلاد يدخلون في رحمة الله يوماً بعد يوم؛ لأنهم يشاهدون الأنوار، وقد عاشوا في الظلام وشاهدوا آثاره من الشر والخبث والفساد؛ لأن أولئك المؤمنون الذين نزلوا في ديارهم تصور كيف يكونون كـأبي هريرة كـمعاذ بن جبل كفلان، لا ينطق إلا بالمعروف، ولا يتناول إلا بالمعروف، ولا يقول إلا المعروف، فيعشقونهم ويحبونهم ويدخلون في قلوبهم، لا يلبثون أن يدخلوا في رحمة الله.فإن رفضوا، وقالوا: لا نقبل إلا بالسيف هو الذي يحكم بيننا وبينكم، هنا وجب القتال، جيوشنا متهيئة والإنجادات متصلة، إذاً فلنقاتل في سبيل الله، فإن انتصرنا وفزنا فالجنة، وإن انهزمنا لذنوبنا نصحح خطأنا ونعود مرة أخرى لقتال هذا الكافر.أتدرون ما الخطأ؟ اسمعوا: أين كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين شج وجهه؟ أين دخل المغفر في رأسه؟ أين استشهد عمه حمزة رضي الله عنه؟ في معركة أحد، ما سبب هذه الهزيمة، اقرءوا كلام الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، كيف ننهزم وننكسر؟ هو أي: الانهزام والانكسار من عند أنفسكم.ماذا فعلوا: شربوا الخمر، خرجوا على الإمام، تركوا الصلاة؟ كل ما في الأمر لما انهزم المشركون رآهم الرماة الذين وضعهم القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم على جبل الرماة وقال لهم: لا تبرحوا أماكنكم انتصرنا أو انهزمنا، لكن وساوس إبليس لما شاهدوا المشركين مهزومين فارين يتركون أموالهم وغنائمهم وما معهم وأخذ المسلمون يجمعون الغنائم، قالوا: لم نبق نحن، انتهت المعركة، قال قائدهم عبد الله : أمرنا رسول الله ألا نبرح أماكننا، قالوا: فسر الموقف، أمرنا بالثبات من أجل الانتصار وإلا لا؟ وقد انتصرنا، ما الفائدة في بقائنا؟ هذا يسمى تأويلاً وإلا لا؟ وباطل، فهبطوا ولم يبق إلا عدد قليل قتل وكانت الهزيمة، واقرءوا: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153] الآيات، معصية.ولطيفة: تغمد الله الشيخ رشيد رضا برحمته ذكرها في تفسيره المنار: قال: يقول شيخي محمد عبده : رأيتني في المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم على بغلته والجيش الإسلامي وراءه وهو يقول: لو خيرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة على النصر، عائد من أحد مع الهزيمة التي أصابتهم وهو يقول: لو خيرت، أي: لو خيرني ربي بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة، لماذا؟ لأنهم لو انتصروا مع الخروج عن طاعة الرسول يقولون: نحن أولياء الله، نقاتل في سبيل الله، كيف ننهزم؟ وحينئذ لا ينتصرون في معركة إذا استباحوا ما حرم الله معتمدين على كونهم أولياء الله ومع رسول الله، عرفتم؟ ذنب واحد.. خطيئة واحدة أرتهم ما يدبره الله لأوليائه.إذاً: ماذا نصنع الآن؟ يا عباد الله كيف نقاتل؟ هيا نسلم قلوبنا ووجوهنا لله ونقبل في صدق على الله، وينمسح تماماً من قلوبنا العنصريات والقبليات والشهوات والأهواء والماديات، ونقبل على الله، أربعين يوماً لا أقول عاماً وأمة الإسلام أمرها واحد، عرفت الطريق، وقالوا: بايعناك يا إمام المسلمين، ولا يتخلف واحد، انتهت الأطماع والشهوات والدنيا والتكالب عليها، وإذا بهم أمة واحدة، حينئذ بحسب قدرة إمام المسلمين يطبق قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123].
حكم القتال الدائر بين المسلمين في أفغانستان والجزائر
أين أخي؟ أين ضيفي الليلة الجزائري؟ يبكي، منذ أسبوعين قتلت أسرته بكاملها رجالاً ونساء وأطفالاً في الديار الجزائرية، الرجل في عمر خمس وسبعين سنة، والمرأة حوالي خمس وستين، وأطفالهم بعض الأطفال في عامين ونصف، أهذا قتال في سبيل الله؟ أبكاني وآلمني أكثر بعدما انتشرت دعوة الإسلام بفضل الله عز وجل، وبسبب جماعة التبليغ الهندية، وأصبحت فرنسا فيها قرابة الثلاثة آلاف مسجد، وانتشر الإسلام في كل أوروبا بالدعوة الهادئة الربانية السليمة، يقول الرجل: أصبحنا في فرنسا لا نقول: نحن مسلمون، يقولون له: مسلم! نحن المسيحيون ما نقتل النساء، ما نذبح الأطفال، وأنتم تقتلون وتذبحون النساء والأطفال، حتى العابدات والرهبانيات، وإننا لننتظر غضبة في أوروبا فيلقون بكل المسلمين في البحر، ويبعدونهم من ديارهم، ما سبب هذه المحنة؟سببها الجهل، أمة أعرضت عن كتاب الله، أعرضت عن هدي رسول الله، ابتعدت عن النور فعاشت في الظلام فأخذ الرجل يقول: الجهاد، كيف نجاهد؟ نجاهد هؤلاء الحكام الكفار، وانتشرت تلك المحنة المسماة بالتكفير والهجرة، وغذاها ونماها وزاد في ظلامها المجوس واليهود والنصارى من وراء الظلام، ومددنا أعناقنا وأصبح هيجان على من؟ على المسلمين، على قتال المسلمين، ونسوا وأبوا أن يفهموا أن المسلمَين إذا التقيا بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، نسوا أن من كفَّر مؤمناً فقد كفر، جهلوا أن الحاكم إذا لم يحكم بالشريعة ولم يقل هي باطلة ولا لا تنفع ولكن قال: ما عرفنا، هكذا وجدنا الحكم، فعلنا. تكفيره يكفر من كفره، لا يكفر مؤمن إلا إذا صاحب قوله اعتقاده، لو قال: أنا لا أؤمن بالإسلام ولا بشرائعه ودينه فهذا كفر، وقل: إنه كافر، أما وهو يشهد أن لا إله إلا الله ويقيم الصلاة ويصوم رمضان وتقول كافر، وإذا أنكرت أنت وقلت: كيف؟ قال: أنت الكافر، وسادت هذه الفكرة، الحكام كفار، والعلماء داهنهم وسكتوا كفار، والأمة ما رفعت السلاح وقاتلت وهي راضية فهي كافرة، ولم يبق إيمان ولا إسلام إلا جماعة التكفير، وانتشرت في العالم الإسلامي واستباحت سفك الدماء وقتل الأرواح وإزهاقها.إذاً: ما المخرج؟ إن أردتم أن يعبد الله عز وجل: ادعوا عباده إلى عبادته، لا تطلعوا إلى الكراسي وإلى الحكم والسيادة تحت شعار يعبد الله، أمامكم أمم في حاجة إلى من يلقنها لا إله إلا الله، وقد قلت لكم: دعوة أولئك الهنود جزاهم الله خيراً نشرت الإسلام في أوروبا وفي أمريكا بالاغتيالات.. بالتفجير.. بالسب والشتم، بماذا؟ بالابتسامة والكلمة الطيبة، ادعوا إلى الله ليعبد، لا الحاكمية، وزغرد إبليس في آذانهم، واحتل قلوبهم، وأصبحوا لا يرون مسلماً، العلماء يقول لهم أعداء الإسلام: هؤلاء ماذا؟ علماء السلاطين، العالم الفلاني عميل.. ذنب، يعمل لكذا، والأمة هابطة تربي ذلك الكلام وتفرح به، وأخذنا في المحنة فظهرت أول ما ظهرت في الأفغان بكينا وصرخنا وجمعنا الأموال، وقلنا: الجهاد، ونستغفر الله، وعرضنا عليهم أن يبايعوا إمامهم، وأن يلتفوا حول رايته ليذوب فيها كل مؤمن ومؤمنة، فيقاتلون بسم الله وتحت راية لا إله إلا الله، رفضوا، كل جماعة وكل حزب تقاتل باسمها، وتجمع الأموال لها، وتعذب المؤمنون، وقتل من الشرق والغرب الشبان والرجال، وانتهت على الحرب الدائرة الآن، ما سببها؟التكفير، والفهم السيئ، والجهل الهابط، حرام أن تقاتلوا بدون إمامة، الإمام تبايعونه بنسائكم ورجالكم، تمشون وراءه إن قال: احبسوا فاحبسوا، إن قال: تقدموا تقدموا.هذه آية من الآيات وإلا لا؟ وهم عنها عميان لا يبصرون، صم لا يسمعون، بكم لا ينطقون، وهاهم يثيرونها من بلد إلى بلد، وانتهت إلى الديار الجزائرية، لقد هلك من النساء والأطفال والرجال قرابة الستين ألفاً خلال أربع سنوات، هذه حروب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين أو ما يقاربها القتلى من الجانبين من الكافرين والمؤمنين ألفان وخمسمائة قتيل ما بينهم امرأة ولا طفل، وهذه الستون ألفاً في أربع سنوات لا تسأل عن أعداد النساء والأطفال فيها، ومن القتلى رهبانيتين مسيحيتين يقتلان، بأي إيمان أو إسلام تقتل المرأة والمسيحية؟ من أين لك أن تقتل الأطفال وتمزق أكباد أمهاتهم وآبائهم؟ هذا هو الإسلام؟ أصبح الآن الكفار يسخرون من الإسلام، من دفعهم إلى هذا؟ بل نرغبهم فيه ونحببه إليهم ونقدمه لهم طاهراً منيراً أصبحوا يرعبون، مسلم يذبح هذا.والكلمة الأخيرة أقولها ويا حبذا لو يغتالوني ويقتلونني، والله لا أسعد لي من ذلك، أقول: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة في أي الديار أن يسمع كلمة من هذا النوع، لا طعن ولا سب ولا نقد أبداً، لا يسمعون من مؤمن ولا مؤمنة كلمة تؤيد موقفهم أو تشجعهم على باطلهم ومنكرهم، ومن جاءه منهم من يسأل ويريد أن يعرف الحقيقة يجب أن تعرفه أن هذا ظلم وجهل وكفر وفسق وخروج عن طاعة الله ورسوله، وصاحبه خالد في جهنم، يجب على كل مؤمن ومؤمنة في أي بلد من العالم الإسلامي أو خارج العالم الإسلامي ألا يقف إلى جنب هؤلاء الخوارج الكفرة المجرمون.. أن يقف إلى جنبهم ولو بكلمة واحدة، حتى يتوب من يتوب ويرجع من يرجع إلى الصواب ويبكي ويندم طول حياته عن الدماء التي أراقها والأرواح التي أزهقها ولو بكلمته، الذي ضرب بالمسدس أو فجر كذا كالذي وافقه وساعده بكلمة.هل سمعتم يا عباد الله؟ أو تقولون: الشيخ عميل وذنب وكذا؟ يجب أن ننتزع هذه الأوصاف الهابطة من أوساط الهابطين والضلال والكافرين والمجرمين، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة في مملكة النور وهداية المسلمين أو خارجها من ديارنا أن يؤيد هذا الباطل بكلمة، ومن أيده بكلمة فهو مساهم مشارك في كل الأرواح التي تزهق والدماء التي تسيل، ولو اجتمع -كما قال عمر - أهل صنعاء على واحد لقتلتهم عليه.مرة ثانية: حاصروهم ضيقوا الجو عليهم.. اخنقوهم بألا تذكروهم بخير، وألا تلتفوا إليهم، لا في الجزائر ولا في المدينة ولا في باكستان ولا في إستانبول ولا في أي بلد، ما هكذا الدعوة إلى الله، ما هكذا القتال في سبيل الله، ولنقبل في صدق على دعوة الله، ما أحوج المسلمين في ديارهم، هيا نصلح أمر المسلمين قبل أن نصلح أمر الكافرين، ديار المسلمين علاها الفسق والفجور والظلم والخبث والشر والفساد، ونريد أن ننقل الإسلام إلى إيطاليا، هيا نصلح أولاً ديارنا.. نطهر ديارنا فإذا لاحت أنوارنا ورآها العالم، والعالم الآن كأنه بلد واحد، والله ليقبلون على الإسلام بأنفسهم بدون ما خوف ولا تهديد، في حاجة إلى أن يكملوا ويسعدوا، ملت الأمم البشرية هذه الحضارة الهابطة فلنريهم هذا هو الإسلام صدق وفهم.. إخاء.. تعاون.. مودة.. محبة.. طهر.. صفاء.. تلاقي على ذكر الله. معاشر المستمعين! سمعتم هذه الكلمة: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة في أي ديار العالم يقول كلمة تؤيد هذه الفئات الهابطة التي أشعلت النار وما زالت تشعلها حتى في الحرمين والعياذ بالله تعالى.اللهم إنا نبرأ إليك من صنيعهم، اللهم إنا نبرأ إليك من صنيعهم، اللهم إنا نبرأ إليك من صنيعهم، واللهم لا تجعلنا أبداً ممن يميل حتى بقلبه إليهم، واللهم تب عليهم وعلينا معهم.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (41)
الحلقة (264)

تفسير سورة النساء (46)


بعد أن أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم ويستعدوا لملاقاة عدوهم، أمرهم بعدها بأن يقاتلوا في سبيله سبحانه، بأن يقدموا أموالهم وأرواحهم طلباً لمرضاته سبحانه، فيقاتلون من لا يؤمن بالله ولا بلقائه بعد أن يدعوهم إلى الإيمان به والتوبة إليه، وقد بين الله لهؤلاء المؤمنين المجاهدين ما ينتظر الواحد منهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم حقق رجاءنا، وأعطنا ما طلبناك مولانا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة، ومع هذه الآيات الثلاث التي مررنا بها بالأمس، ولم نعطها حقها من الدراسة، فنعيد تلاوتها ودراستها مرة أخرى، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:74-76].
شرح الكلمات
مفردات هذه الآيات الثلاث:ما المراد بسبيل الله في قوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74]؟[ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] الطريق ] الموصل بالسالكين[ الموصلة ] بهم [ إلى إعلاء كلمة الله ] بمعنى:[ بأن يعبد وحده، ولا يضطهد مسلم في دينه ولا من أجل دينه ].هذه هي سبيل الله. فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74]، ما سبيل الله؟ قال أهل التفسير: سبيل الله الطريق الموصلة بالسائرين عليها السالكين فيها، تصل بهم إلى أي غاية؟ قال: إلى إعلاء كلمة الله، كيف تعلو كلمة الله؟ ما معنى: إعلاء كلمة الله؟الجواب: بأن يعبد الله وحده، لا يعبد عيسى ولا العزير ولا الأوثان ولا الأصنام ولا النار ولا الكواكب ولا الشهوات ولا الأهواء، ولكن يعبد الله تعالى وحده، ما معنى: يعبد وحده؟ يعظم.. يكبر.. يطاع.. يحب.. يذل له.. يطرح بين يديه.. تتعلق به القلوب.. لا تلتفت إلى سواه.. يطاع فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، مع حبه غاية الحب وغاية التعظيم، نقاتل في سبيل الله لإعلاء كلمته، ومن أجل ألا يضطهد مسلم في دينه ولا من أجل دينه أيضاً.[ يَشْرُونَ [النساء:74] ].ما معنى: (يشرون)؟ بالأمس فسرناها.معناها:[ يبيعون؛ إذ يطلق الشراء على البيع ].شرى فلان السيارة الفلانية بمعنى: اشتراها، وشرى فلان السيارة بمعنى: باعها، يجوز استعمال شرى في البيع والشراء، أما اشترى بالافتعال والزيادة فمعناه: أخذ وأعطى.وهنا لطيفة أشرنا إليها بالأمس: لم التعبير بيشرون هنا؟ ليحتمل معنيين:المعنى الأول: أولئك الذين كانوا يهربون من الجهاد، سبق الحديث عنهم وإلا لا؟ إذا فاز المجاهدون بالغنيمة تأسفوا وتحسروا: يا ليتنا كنا معهم، وإذا كانت الأخرى فرحوا: ما خرجنا.. نجونا، فدعاهم الله: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أولئك الذين شأنهم كذا وكذا، أولئك الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] يبيعون الآخرة بالدنيا، يشرون هنا بمعنى: يشترون الحياة الدنيا بالآخرة؛ لأنهم سلموا الآخرة وتركوها ولم يعملوا لها، ويعملون لدنياهم، معنى هذا أنهم باعوا الآخرة بالدنيا، وهذا صالح، والمعنى الأول وهو العام: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] من هم؟ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] يبيعونها رخيصة لا قيمة لها، ويأخذون الآخرة بدلاً عنها، هذا السر في التعبير بيشرون لا يشترون، لو قال: يشترون وجه واحد، والقرآن حمال وجوه.قال: [ يَشْرُونَ [النساء:74] يبيعون إذ يطلق الشراء على البيع أيضاً. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ [النساء:75] ] من هم المستضعفون؟قال: [ المستضعف الذي قام به عجز ] بدني أو مالي أو قبلي [ فاستضعفه غيره فآذاه لضعفه ].والمراد من هؤلاء المؤمنون في مكة والنساء والأطفال، المؤمنون محاصرون مضايق عليهم لا يسمح لهم أن يقول أحدهم لا إله إلا الله، والنساء عاجزات والأطفال كذلك، وكان عبد الله بن عباس عندما تقرأ هذه الآية يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين في مكة.قال: [ الْقَرْيَةِ [النساء:75] ].ما معنى: (القرية)؟ في اصطلاح الجغرافيين المعاصرين القرية: بنيات معدودة ذات ألف نسمة وألفين، وفي الإسلام القرية الحاضرة العاصمة المدينة الكبرى، مشتق من التقري الذي هو التجمع، نأخذ بتعاليم القرآن أو تعاليم الجغرافيين اليهود والنصارى؟قال: [ القرية في عرف القرآن: المدينة الكبيرة والجامعة، والمراد بها هنا مكة ].المراد منها في هذه الآية مكة إذ قال تعالى: رَبَّنَا [النساء:75] أي: يا ربنا، أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75] قبل فتح مكة هي مكة.قال: [ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] ]. ما معنى: (في سبيل الطاغوت)؟[ أي: في نصرة الشرك ومساندة الظلم والعدوان ونشر الفساد ].بين الناس، الشيطان وأولياؤه يقاتلون من أجل أن يشرك بالله في عبادته، ومن أجل مساندة الظلمة، ومن أجل العدوان ونشر الخبث والفساد؛ إذ الشيطان مهمته الشر والفساد.
معنى الآيات
قال: [ معنى الآيتين: بعدما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم ].قال وقوله الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71].[ بعدما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم وهو الأهبة للقتال ].والاستعداد له.[ أمرهم أن يقاتلوا ].أمرهم أولاً بأخذ الأهبة والاستعداد؛ فأخذوها وتهيئوا للقتال، لا أننا نأخذ الأهبة ونتهيأ ولا نقاتل، ما الفائدة إذاً في هذه الأهبة؟[ فقال: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] أي: يبيعون الدنيا ليفوزوا بالآخرة وهم ] من هم؟[ المؤمنون حقاً ] لا المنافقون ولا المشركون والكافرون، بل المؤمنون حقاً وصدقاً.قال: [ فيقدمون أموالهم وأرواحهم طلباً للفوز بالدار الآخرة، يقاتلون من لا يؤمن بالله ولا بلقائه بعد أن يدعوه إلى الإيمان بربه والتوبة إليه ].وقد بينا هذا وعرفناه: ترسوا سفننا على شاطئ الإقليم الفلاني نراسلهم: إما أن تدخلوا في الإسلام، أو تسمحوا ندخل نحن ننشر الإسلام، أو الحرب والقتال، هذه تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ ثم أخبرهم أن من يقاتل استجابة لأمره تعالى فيقتل، أي: يستشهد، أو يغلب ] العدو وينتصر عليه [ وينتصر على كلا الحالين فسوف يؤتيه الله تعالى أجراً عظيماً -ألا- وهو النجاة من النار ودخول الجنة ] دار الأبرار.[ هذا ما دلت عليه الآية الأولى ].وهي قوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].[ أما الآية الثانية:فإن الله تعالى بعدما أمر عباده ] أي: المؤمنين [ بالجهاد، واستحثهم على المبادرة وخوض المعركة ].(استحثهم) على ماذا؟ (على المبادرة وخوض المعركة).[ بقوله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] ].أي مانع منعكم؟ كيف لا تقاتلون؟ استفهام تعجبي وإنكاري.[ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] ليعبد وحده ويعز أولياؤه ].ليعبد أولاً وحده وليعز أولياءه، ما يبقى استضعاف للمؤمنين وتعذيب لهم.قال: [ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] الذين يضطهدون من قبل المشركين ويعذبون من أجل دينهم حتى صرخوا وجاروا بالدعاء إلى ربهم قائلين: رَبَّنَا [النساء:75] ] أي: يا ربنا [ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [النساء:75] ] أي: [ يلى أمرنا ويكفينا ما أهمنا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [النساء:75] ينصرنا على أعدائنا، أي شيء يمنعكم أيها المؤمنون من قتال في سبيل الله، لُيعبد وحده، وليتخلص المستضعفون من فتنة المشركين لهم من أجل دينهم؟ ].أي شيء يمنعكم؟ لا شيء.[ثم في الآية الثالثة أخبر تعالى عباده المؤمنين حاضاً لهم على جهاد أعدائه وأعدائهم ].أعداء الله وأعداء المؤمنين الكافرون المشركون الظالمون المعتدون.[ بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:76]؛ لأنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده ].بوعده لمن؟ لأوليائه بدار السلام، ووعيده لمن؟ لأعدائه بدار البوار النار -والعياذ بالله- هناك فرق بين الوعد والوعيد وإلا لا؟ الوعد بالخير والوعيد بالشر، قاعدة عامة في لغة القرآن.قال: [ لأنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] وهو الكفر والظلم؛ لأنهم لا يؤمنون بالله تعالى ولا بما عنده من نعيم، ولا بما لديه من عذاب ونكال ].أي: في الدار الآخرة.[ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ [النساء:76] ] من هم؟ [ وهم الكفار، ولا ترهبوهم ] لم؟ [ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ [النساء:76] كان وما زال ضَعِيفًا [النساء:76]، فلا يثبت هو وأولياؤه من الكفرة أمام جيش الإيمان أولياء الرحمن ].

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
الفرق بين المقتول في سبيل الله والعائد بالغنيمة
هنا لطيفة:قال: [ ظاهر الآية التسوية ] أي: المساواة [ بين من قتل شهيداً وبين من انتصر ورجع بنفسه ] من المعركة.هناك ظاهرة ينبغي أن نتأملها: ظاهر الآية التسوية بين من قاتل وقتل، وبين من قاتل وانتصر وعاد حتى بالغنيمة، وذلك في قوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] كلاهما على أجر واحد، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74]، في تسوية بين من قتل وبين من عاد منتصراً؟ هذا الظاهر، والسنة النبوية تفصل وتبين، كل مجمل في القرآن يحتاج إلى بيان رسول الله بينه؛ إذ هي مهمته، أما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، المجمل في القرآن الذي يحتاج إلى بيان وتفصيل معهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ وهناك حديثان أحدهما يقتضي التسوية وآخر ينفيها، فالأول ] الذي يقتضي التسوية [ حديث أبي هريرة ] إذ فيه يقول صلى الله عليه وسلم [ ( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) ] تضمن من الضمانة، ضمن له [( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) ] أي: إلى الجهاد [ ( لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسولي ) ] ما خرج لأي معنى آخر، لا وطنية.. لا مال.. لا سمعة.. لا شهرة.. لا انتصارات أبداً، خرج هكذا يريد وجه الله ونصرة دينه.مرة ثانية: اسمعوا لفظ الحديث: ( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) أي: في سبيل الله، ( لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسولي ) محمد صلى الله عليه وسلم [ ( فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة ) رواه مسلم ].هذا ضمان الله، ( علي ضامن أن أدخل الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرجه منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة )، هذا الحديث الأول أخرجه مسلم .والثاني يقول: ( وما من غازية ) امرأة غازية، أو جماعة غازية؟ جماعة، ( ما من غازية ) لم الرسول يقول غازية؟ كان يقول: غزاة؛ لأن المرأة ما تغزو، ولا نسمح لها أن تغزو، لا تغزو المرأة أبداً، مهمتها الطهي والفراش وتربية الأولاد من بنين وبنات، ما تقاتل، ضعيفة البنية، رقيقة الشعور والحواس، منزلتها عالية؛ لأنها تنجب عباد الله وإماءه. فالرسول عارف معرفة أن المسلمين ما يفهمون من غازية أن المرأة تغزو، يقول صلى الله عليه وسلم: ( ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة وبقي لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ) . مرة ثانية: غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة ينتصرون ويأخذون الغنائم كذا وإلا لا؟ إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ثلثي الأجر أخذوه في الغنيمة والثلث الباقي مقابل جهادهم وغزوهم إلا تعجلوا ثلثي الغنيمة، أي: الأجر، ويبقى لهم الثلث الثلثان الأموال التي كسبوها والنصر الذي حصلوا عليه، والثلث الآخر أجر الآخرة. قال: ( وإن لم يصيبوا غنيمة ) خرجوا للغزو وما أصابوا غنيمة ( تم لهم -ماذا؟- أجرهم) كاملاً، وإذا عادوا بشيء من المال ما تم لهم أجرهم كاملاً، كذا وإلا لا؟ والجمع بين الحديث الأول والثاني قال: [ أن من غزى ناوياً الأجر والغنيمة] خرج من بيته ناوي الأجر والغنيمة يريد أجر الدار الآخرة والغنيمة يكسبها، نيته ازدوجت وإلا لا؟ أصبح ينظر بجهتين يريد الأجر ويريد الغنيمة، إذاً [ من غزا ناوياً الأجر والغنيمة، ثم غنم وسلم من القتل نقص أجره في الآخرة؛ فلم تكن درجته كالذي استشهد ولم يغنم، ولكن الذي نوى الأجر دون الغنيمة أيضاً والسبب الفارق قال هو اشتراك النية وعدم خلوصها ]. خلاصة القول: من خرج ناوياً الجهاد في سبيل الله لم يخطر بباله غنيمة ولا مالاً، هذا إن استشهد أو غلب وانتصر أجره كامل تام واف، وإن هو خرج يريد وجه الله عز وجل وما استشهد ولا غنم أجره كامل، غزت الغازية ما انتصرت.. ما مات منهم أحد ولا حصلوا على غنيمة، أجرهم كامل.والذي يخرج من بيته والرمح في يده يريد نصرة الإسلام، ويريد أيضاً الحصول على مغنم، فهذا إن حصل على مغنم له ثلث الأجر فقط، والثلثان أخذهما في الغنيمة.والدعوى من وراء هذا: أن نخلص لله أعمالنا، لا نلتفت إلى أموال العدو صامتة أو ناطقة، ولا نقصدها بقتالنا، ولكن نريد فقط أن ننقذ تلك الأمة من النار، وأن نقودها إلى شواطئ السلامة والنجاة من عذاب الله. ونية أخرى: أننا نريد أن يعبد الله نتملق الله ونتزلفه بأن نأمر عباده بعبادته ليعلي درجتنا ويرفع مقامنا عنده، وكله خير وصلاح. رابعاً: قال [الإجماع على وجوب تخليص الأسرى من المسلمين بالقتال أو بالمال] وأشرنا إلى هذا أمس، إذا أسر مؤمنون قلوا أو كثروا في غزوة غزوناها وجهاد جاهدناه.. لا يحل للمؤمنين أن يتركوا إخوانهم أسرى في أيدي الكفر يعذبون ويعانون من البلاء، يجب أن نغزو تلك البلاد لنستخلصهم، وإن طلبوا منا أموال أخرجنا أموالنا ولو كلها من أجل إنقاذ مؤمن يعبد الله عز وجل. وهذا يدل على كرامة المؤمن. أي نعم، المؤمن الحق بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لو وضعناه في كفة ميزان -أيام كانوا يزنون بالكفة الآن يزنون بآلات أخرى- ووضعنا كل الكفار وبلايين الكفار في كفة والله لرجحت كفة المؤمن، فلهذا المؤمن عزيز.
هداية الآيات
قال: [هداية الآيات.من هداية الآيات: أولاً: فرضية القتال في سبيل الله] وجوب القتال في سبيل الله [ولأجل إنقاذ المستضعفين من المؤمنين نصرة للحق وإبطالاً للباطل].أية آية دلت على هذا الحكم فرضية القتال؟ أول كلمة فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أليس هذا أمراً؟ [ثانياً: المقاتل في سبيل الله باع دنياه واعتاض عنها بالآخرة ولنعم البيع] ( ربح البيع أبا يحيى ) ، هذه كلمة تغنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ( ربح البيع أبا يحيى )، هذا صهيب الرومي نسبة إلى بلاد الروم.. الشام وما وراءها، هذا كان صائغاً أو حداداً -والعبارات واحدة- في مكة، لما ظهر الإسلام وأرسل رسولنا صلى الله عليه وسلم آمن ودخل في الإسلام، حتى قال المشركون هذا الذي يقول محمد يتلقاه من هذا الرومي، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] .قالوا: محمد يتلقى هذه العلوم التي يقول بها من الرومي صهيب ، فرد الله عليهم بقوله: هذا البيان العجب كلام الله الذي يلحدون إليه ويميلون أعجمي ما يعرف العربية، وهذا لسان عربي مبين، أين يذهب بعقولهم؟ أسقطهم.فلما أراد أن يهاجر صهيب اعترضه رجالات قريش، والله لن تغادر بلادنا حتى تعطينا كل مالنا عندك أو تدلنا عليه؛ إذ كانوا يدفنون الأموال تحت الجدران وفي الأرض.. أنت ذاهب إلى محمد أين أموالك؟ ما عندنا يا جماعة. لا والله ورجع بهم وكشف عن أمواله وقال لهم: خذوها، وجاء بلا شيء، وما إن شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد، وهو يعرف تلميذه، وإذا به يقول: ( ربح البيع أبا يحيى.. ربح البيع أبا يحيى ) . باع دنياه كلها بالإيمان والإسلام، وهذه آياتنا فيها البيع فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة . قال: [ثانياً: المقاتل في سبيل الله باع دنياه واعتاض عنها الآخرة ولنعم البيع] وإلا لا؟ ولنعم البيع. [ثالثاً: المجاهد يئوب أي: يرجع بأعظم صفقة].أية؟! صفقة أو صفعة؟ سلوا التجار عن الصفقة يعرفونها.قال:[ المجاهد يئوب -يرجع- بأعظم صفقة سواء قتل أو انتصر وغلب ألا وهي الجنة]، المجاهد يئوب ويرجع بأعظم صفقة تجارية سواء قتل أو انتصر وغلب أليس كذلك، هذه الغنيمة ما هي؟ الجنة، الجنة دار السلام اللهم اجعلنا من أهلها. قال:[ رابعاً: لا يمنع المؤمنين من الجهاد خوف أعدائهم] لم؟ قال: [لأن قوتهم من قوة الشيطان]، قوة الكافرين من قوة الشيطان ،[وكيد الشيطان ضعيف] فهم إذاً ضعفاء مهزومون.
دعوة للجهاد في سبيل الله
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!لم لا نقاتل نحن؟ ألسنا مؤمنين؟ ألسنا مخاطبين بقول ربنا: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] . الجواب -وتأملوا وعوا وافهموا-: هو أن الجهاد يفتقر ويحتاج إلى إيمان يقود المسلمين، ولا يصح أن جماعة تخرج تقاتل بدون إمام وإذن لها، والله ما جاز، من شرع هذا وفرضه وقدره؟ ولينا مولانا جل جلاله وعظم سلطانه الذي يريد العز لنا لا الهون والدون. متى نجاهد؟ إذا حمل إمام المسلمين راية لا إله إلا الله، وقال: نغزو البلاد الفلانية لندخلهم في رحمة الله؛ لنوقظهم من الشر والخبث والفساد والكفر والضلال، ثَم انفتح باب الجهاد. أما جهاد بدون إمامة وراية لا إله إلا الله، باطل.. باطل.. باطل، ولا يصح ولا يحل اللهم إذا غزا العدو بلداً من بلاد المسلمين؛ فعلى أهل البلاد نساءً ورجالاً أن يقاتلوا هذا العدو حتى يصدوه ويردوه مهزوماً، وعلى المسلمين أن يواصلوا إمداداتهم فيلقاً بعد فيلق حتى ينقذوا إخوانهم من هذا الكافر الظالم الذي اعتدى عليهم وظلمهم.يبقى إذا جاءت ظروف ما أصبح إمام المسلمين قادر على أن يقاتل! أما عقد الرسول صلح الحديبية عشر سنوات؟! إذاً ماذا يصنعون؟ الآن نحن في هذه الوضعية. أولاً: دولتنا ممزقة مشتتة إلى نيف وأربعين دولة أليس كذلك؟ قولوا: بلى. والواجب أن تكون دولة واحدة، وكل هذه أقاليم وولايات وإمام المسلمين يحمل راية لا إله إلا الله، فها نحن ممزقون.ثانياً: هل نحن الآن أقمنا دين الله في بلادنا حتى نقدم هذا الخير لأوروبا أو اليابان أو الصين أو نضحك على أنفسنا؟ بينوا. سخرية هذه، نريد أن تدخل فرنسا في دين الله لتقيم الصلاة، وتجبو الزكاة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعبد الرحمن جل جلاله، وتتخلى عن الشرك والصليب، ونحن الشرك والجهل والفسق والظلم والبعد عن الله.. لا زكاة تجبى، لا أمر بمعروف، لا نهي عن منكر، ما نستحي نقول: إيطاليا ادخلي في الإسلام، فهمتم هذا وإلا لا؟ نحن لما نغزو لأجل ماذا؟ لأجل أن نطهر تلك الأرض من الشرك والظلم والخبث، إذاً فلنبدأ أولاً بأرضنا. عيب وسخرية أن نطالب بلجيكا أو ألمانيا: ادخلي في الإسلام ونحن أين مظاهر الإسلام؟! ومن هنا: اذكروا أن الجهاد يبدأ من هنا من ديارنا. أولاً: إذا طابت.. إذا طهرت.. إذا استقامت نقدم الخير للناس، أما ونحن أفقر الناس إليه ماذا نقدم؟ هيا نجاهد نقتل بعضنا بعضاً! أعوذ بالله هذا دمار آخر جننا يعني؟ المؤمن يقتل المؤمن، هذا لا يعقل ولا يقبل ولا شرعه الله، هيا نجاهد أنفسنا لتستقيم على منهج ربنا.. هيا نجاهد أنفسنا وما ننسى تلك الكلمة الخالدة: ( رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفوس ) . أهل القرية مسلمين وإلا لا؟ مسلمون يجاهدون أنفسهم، لم يبق شرك ولا ظلم ولا خبث ولا فساد، ويغطيهم ويتجلى في ديارهم الإخاء المودة الرحمة الطهر الصفاء؛ لأن أنوار الله بين أيديهم.. كتابه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، عام عامين عشرة وإذا المسلمون كلهم أولياء.. كلهم ربانيون، حينئذ ننقل هذا الخير هذا النور إلى أمم يقتلها الظلام ويمزقها الشرك والكفر.الجهاد واجب الآن وهو جهاد النفس، أما جهاد الحكام كفار وكذا و.. و.. هذه كلها صيحات إبليس.. كلمات الشياطين.. نفخة من نفخات أعداء الإسلام، والله لا تصح ولا تقبل ولا يثاب صاحبها أبداً، وكل الدماء التي تراق والأرواح التي تزهق بين المؤمنين هم المسئولون عنها يوم القيامة. لو بذلنا أدنى شيء لتحاببنا وتوالينا ونصرنا دين الله بيننا، وتمضي عشرات السنين في القرية ما يسرق فيها سارق حتى تقطع يده، ولا يزني فيها زان ويعلن عن زناه ثم لا يرجم ولا يقام حد الله عليه. أما أن نرضى بهذا الفسق والفجور والشرك والفساد خمت الدنيا منه، ونقول: نجاهد؟ تجاهد من؟ هذه اذكروها. وقد علمنا أن الإسلام ينتشر في أوروبا في أمريكا بشطريها في اليابان في الصين ينتشر، ولكن بالتي هي أحسن شيئاً فشيئاً.وبسبب دعوة جماعة الهنود، التبليغ الهندي هو الذي نشر تلك الدعوة الربانية، كان أبناء المسلمين العرب بالذات يذهبون يدرسون في أمريكا وفي روسيا وفي غيرها يعودون ملاحدة إلا من رحم الله، الآن بفضل تلك الدعوة يعودون مسلمين صالحين أغلبهم. فرنسا كان فيها مسجد جامع واحد في باريس بنته الحكومة لأنصارها ومن يأتيها، الآن فيها قرابة الثلاثة آلاف مسجد، من بناها؟ من أوجدها؟ أأضحكم وأبكيكم؟ والله ما مطار فرنسا جعلوا فيه مصلى للصلاة؛ لأن تلك الجماعة إذا دخل الوقت وأذنوا في المطار اصطفوا يصلونه. وانتشر الإسلام في ألمانيا مخ أوروبا، وامتلأت بالمساجد والدعوة إلى الله، أما بلجيكا الإسلام يعلم في مدارسها الابتدائية لأولاد المسلمين، ثم لما انفضحنا وانكشفت سوأتنا وعورتنا، وأصبح المسلمون يذبح بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً الآن ضجة ورجة في أوروبا، ولسان حالهم: هذا هو الإسلام؟! يذبح النساء؟! ويقتل الأطفال؟! وهم في غضب، فإما أن نتلافى الموقف باستعجال وإلا فسوف يطردون كل مسلم ومسلمة وينكلون بهم ويرمون بهم في البحر، والذنب ذنب من؟ ذنبنا نحن.وهنا قلت وكررت القول، وليس هناك من يبلغ أو يتكلم، الشيخ الجزائري في المسجد النبوي كالعجوز يتكلم مع أهل البيت، طالبنا وكتبنا وقلنا: عجلوا أيها المسلمون كونوا لجنة عليا للدعوة الإسلامية ما دام الله أغنانا عن الحرب والجهاد، وفتح لنا أبواب العالم ننشر دعوة الله فيها، كونوا لجنة يساهم فيها كل مؤمن ومؤمنة، ضريبة الجهاد كل إنسان يدفع ريال في العام أو في الشهر، وتلك اللجنة تتولى دعوة الله في العالم الكافر. المراكز الموجودة أو توجد مراكز وتوحد المبدأ والهدف الإيمان والدعوة وتهذب أولئك المهاجرين في أوروبا وفي غيرها، وتهذب أخلاقهم وآدابهم، وتلوح أنوارهم، وإذا بهم يجذبون غيرهم، على أن يوحد الكتاب الذي يدرس، لا مذهبية لا افتراق ولا حزبية ولا عنصرية، مسلم تركي كنت أو باكستاني مصري شرقي غربي من أنت؟ مسلم لا تقل: أنا كذا.. مسلم.يوحد الكتاب الذي يدرس على غرار منهاج المسلم الآن يدرسه كل المسلمين، ما هو حنفي ولا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي، وإن لم يخرج عن المذاهب الأربعة، لكن قال الله قال رسوله، يجمع المؤمنين المسلمين على منهج واحد؛ لأن الخلافات في العقائد كالخلافات في العبادات هي سبب الفتنة، وعرف هذا العدو وهو الذي نشرها. إذاً: وتخرج الجامعة والكلية الإسلامية كل عام خمسون أو ستون رجلاً من هذا النوع وينصبونهم في مناصبهم وينتشر الإسلام، والنفقات على سبيل البيان تنفقها اللجنة العليا للإسلام، أئمة المساجد مؤذنوهم معلم الأطفال معلم النساء أجرهم على هذه اللجنة حتى نشعر أننا أدينا واجب الجهاد في سبيل الله، وأي جهاد أعظم من هذا؟ والله جهاد. الآن الكفار يبحثون عن الإسلام، درسوا وعرفوا لكن فقط نحن صرفناهم بظلمنا وخبثنا وانحطاطنا وفسادنا، فعلى الرابطة التي دعونا إلى تكوينها فكانت والحمد لله أن تنهض بهذا الواجب، تجمع علماء من دول إسلامية وتكون لجنة عليا، وتضع خريطة للجاليات الإسلامية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وتضع ميزانية يساهم فيها كل مؤمن. جهاد؟ أي والله جهاد، وتنفق بأدب وبخفاء ولا تبجح ولا تكلم ولا.. خمسة وعشرين سنة تظهر رايات الإسلام في بلاد الكفر، وبذلك نكون أطعنا الله في قوله: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] . هل فهمتم هذا؟ هل تبلغون وتتحدثون به؟ ما نستطيع ما ألفنا هذا. إذاً فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (42)
الحلقة (265)

تفسير سورة النساء (47)


روي أن بعضاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا الإذن لهم بالقتال، فلم يؤذن لهم، لعدم توافر أسباب القتال، فكانوا يؤمرون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ريثما يأذن الله تعالى لرسوله بقتال المشركين، فلما شرع القتال تردد فريق منهم وطلبوا التأخير، فعاتبهم الله عز وجل على لسان رسوله، مبيناً لهم أن متاع الدنيا قليل، ومهما عاشوا فيها فمصيرهم إلى الموت، وأن الآخرة هي دار المستقر، وهي خير لأهل التقوى والإيمان.
الحث على قراءة القرآن وتدارسه
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها، ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).فحقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك! وهل تذكرون أن القرآن وحي الله؟ إي والله إذ قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] القرآن روح؟ أي والله، هل يحيا إنسي ولا جني حياة يرضاها الله تؤهله لجوار الله وهو لا يؤمن بالكتاب القرآن ولا يقرؤه؟الجواب: لا. القرآن نور فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8] هل يمكن لسالك في هذه الحياة طرقاً مختلفة أن يهتدي إلى حاجته وهو في الظلام؟ إذاً: فلا حياة بدون القرآن، ولا هداية والله بدون القرآن، أحببنا أم كرهنا، لا تقل: هانحن أحياء حياة البهائم لا قيمة لها، عرف هذا عدونا أيها المسلمون المكون من ثلاثة أعداء: وهم المجوس واليهود والنصارى، ماذا عرفوا يا شيخ؟ اسألوا، عرفوا أن العرب كانوا أمواتاً، وما إن نزل القرآن وآمنوا به وقرءوه وعملوا به حتى حيوا، وأصبحت هذه الديار بالنسبة إلى الكرة الأرضية كالكواكب في السماء. عزوا وسادوا وقادوا البشرية بسبب ماذا؟ أنتم ما تعرفون، أما الثالوث عرف، قالوا: القرآن، هو الروح التي حيا بها هؤلاء المسلمون في الشرق والغرب، فماذا نصنع إذاً؟ عملوا جهدهم في اجتماعات ولقاءات على مر القرون كيف يبعدون هذا القرآن؟ ما استطاعوا. آخر اجتماع -وتم فيما أذكر بأرض السودان- اجتمع القسس والرهبان وقالوا: نحاول ما استطعنا أن نسقط من القرآن كلمة (قل)؛ لأن كلمة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158] هذا شخص عالي يأمر من دونه، فإذا حذفنا (قل) قلنا هذا القرآن فاضت به روح محمد الصحراوي في الأرض الملتهبة، ففاضت روحه بهذه المعاني، ما هو بوحي الله ولا بتنزيله، وفشلوا ما استطاعوا. (قل) حرفان، وعجزوا، ماذا نصنع؟ قالوا: اصرفوهم عن قراءته وتلاوته والعمل به، ووجدوا الطريقة، قالوا: اسمع واحفظ يا طالب العلم إن كنت تحفظ، قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، ومن شك فليراجع حاشية الدسوقي على الحطاب أو الحطاب على الدسوقي في شرح هذه. سمعتم هذه القاعدة وإلا لا؟ أعيدها! قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، إذاً وخطؤه كفر، وسادت الفكرة وقادة الأمة وكمموها وألجموها، إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ اقرءوه على موتاكم، ائت بعشرة طلبة يختمون ختمة، أختك إذا كانت زانية وإلا عاهرة تدخل الجنة، حتى أصبحوا يقرءون القرآن في بيوت البغاء ودور الزنا، وما أصبح المسلمون من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب يعرفون أن القرآن يجتمع عليه ليتدبر وليتأمل، ولتستنتج هداياته وليعمل بها، أبداً. كتب الفقه موجودة، ما نتورط في القرآن ونهلك ونصاب بالذنوب والآثام، اقرءوا القرآن على موتاكم، فإذا مررت بحي من الأحياء .. قرية من القرى، وسمعت القرآن يقرأ علمت أن هناك ميتاً مات، فهمتم هذه وإلا لا؟ وما زلنا إلى الآن نقول: لم ما نقرأ القرآن على موتانا، هل القرآن نزل ليقرأ على الموتى؟ والله ما كان. أما قال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ [يس:69] من المتكلم؟ الله جل جلاله، عمن يتكلم؟ عن رسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] لأن الخصوم والأعداء قالوا: شاعر. أين الشعر؟ الرسول شاعر، تعرف التوهيش والتشويش وتلخيط العوام، قالوا: شاعر. فالله قال: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] ومرة من المرات استشهد صلى الله عليه وسلم ببيت من الشعر وقرأه معكوساً، قال: ستبتدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك من لم تزوده بالأنباء قال: والله إنك لرسول الله، الهاشمي القرشي ما عرف ينشد بيتاً من الشعر وكسره وحطمه، أصل البيت: ستبتدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأنباء من لم تزود فلما ما أصاب الرسول في إنشاد البيت انفعل أبو بكر ، وقال: والله إنك لرسول الله، لأن الله تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس:69] (إن) بمعنى ما، ما هو إلا ذكر وقرآن ومبين، ما هو بشعر أبداً. ثم قال تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70] وفي قراءة (لتنذر) يا رسولنا (من كان حياً)، من كان حياً أو ميتاً؟ حياً. وهناك فرق بين هو ميت وحي وإلا لا؟ لتنذر من كان حياً أو من كان ميتاً؟ حياً.إذاً: هل الميت ينذر؟ ينذر ويخوف الحي الذي يعي ويسمع أما الميت فينذر؟! نكذب الله عز وجل؟! نعاكس كلامه؟! لتنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، يقرأ القرآن على الموتى؟ والآن عرفتم ما فعل عدوكم بكم وإلا لا؟ أو ما بلغكم هذا؟
فضل قراءة القرآن وسماعه من الغير
هيا نغيظهم ونصبح نجتمع على القرآن في بيوتنا.. تحت ظلال أشجارنا.. في محلات اجتماعنا، ونتدبره ونتأمله، ونهتدي بهداه، ونسمو بكمالاته الروحية.ما نستطيع؟ ما نقدر؟ من منكم معشر المستمعين قال يوماً لأحد إخوانه: أسمعني شيئاً من القرآن؟ يرفع يده الذي حصل، من منا جلس مجلساً ولو في المسجد قبل الصلاة أو بعدها وقال: يا فلان من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن، وأنا أتدبر. أنتما طلعت شمسكما في هذه الحلقة، قال: أنا وزميلي ولكن نسبتكما إلى المسلمين واحد إلى مليون، لا .. لا إلى مائة مليون، فهمتم هذه وإلا لا؟ هذا البخاري وغيره يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوماً وقال لـعبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد أسمعني شيئاً من القرآن ) فتعجب عبد الله وقال: ( عليك أنزل وعليك أقرأ؟! قال: بلى إني أحب أن أسمع القرآن من غيري ) وقرأ عبد الله بن مسعود من سورة النساء حتى انتهى إلى ثلاثين أو ما يقارب من ثلاثين آية؛ فنظر فإذا عينا رسول الله تذرفان الدموع، وهو يقول: ( حسبك حسبك حسبك )، غلبه البكاء. عندما انتهى عبد الله إلى قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ [النساء:41-42] الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42].إذً: هيا نجدد ذلك العهد، فقط إذا اجتمعت مع أهلك في البيت قل لابنتك أو لابنك أسمعنا شيئاً من القرآن الليلة، ما نقدر، أي شيء ما تقدر عليه؟! أنت جالس تنتظر في العشاء أو في الغداء وجئت من عملك وبناتك وأولادك حولك، قل: أيكم يسمعنا شيئاً من كتاب الله. هذه سنة رسول الله، فيقرأ القارئ وأنتم تتفكرون وتدبرون ما معنى هذه الآية، فتحتاجون إلى السؤال.. أنا أسال العالم الفلاني، هات التلفون، يا شيخ! ما معنى قول الله تعالى كذا ،وكذا يقول: معناها كذا وكذا، سمعتم يا أهل البيت يا إخواني يا أبنائي، قالوا: سمعنا، معناها كذا وكذا. سنتلقى العلم والمعرفة بأبسط الطرق، لم ما نفعل هذا؟ أمسحورون نحن؟! الجواب: ممكن لأن اليهود هم السحرة الممتازون في العالم، وما يدرينا أنهم سحروا هذه الأمة؟ وصرفوها عن كتاب ربها لتهبط وتتمزق، وقد فعلوا ونجحوا.والآن هذه المقدمة إن شاء الله تستقر في أذهانكم، ممكن تتحدثوا بها، أو ما فيه حاجة؟! من محننا أننا نسمع الحكمة والكلمة المفيدة وتموت في قلوبنا، ولا يتحدث بها أحد، اللهم إلا الحديث الهابط سمعنا الشيخ الفلاني العميل يقول: كذا وكذا، هذا ممن يسبون الرسول.. هذا ممن يقولون كذا هذا موجود. أما أن ننقل الهدى والنور إلى إخواننا في صدق، سمعنا كلام الله كذا وكذا، هذا نخن مصروفون عنه، واحسرتاه! واأسفاه!
تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ...)
هيا الآن مع هذه الآيات الأربع أو الثلاث، وهي طويلة، ونقضي فيها ساعتنا هذه والأخرى غداً إن شاء الله، هيا نتدبر، هيا نتأمل، اسمعوا وأنا أقرأ ولا أجود ولا أغني، بالكلام العادي وتأملوا. قال تعالى من سورة النساء: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77] لماذا هذا؟ هذا في مكة والمدينة، المتحمسون كانوا يقولون: اسمح لنا نقتل فلاناً.. اسمح لنا نضرب فلاناً.والرسول يقول: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77]، ما أذن لنا في القتال، دعني أغتال أبا جهل ، ما سمح لنا، في المدينة قبل أن يأذن الله بالقتال المتحمسون: هيا يا رسول الله ائذن لنا نقاتل، والرسول يقول: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:77] ما أذن الله بعد. ونزل فيهم هذا القرآن: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77] عن ماذا؟ عن قتال الناس، (كفوا أيديكم) يا شيخ الآن يقتلون المؤمنين، يتحمسون لقتل المؤمنين وإزهاق أرواحهم، يا له من هبوط! ما سبب هذا؟ الجهل، والله ما عرفوا. أَلَمْ تَرَ [النساء:77] هذا الاستفهام للتعجيب وإلا لا؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77] هذا باب مفتوح، بل بابان صل الليل والنهار وأنت مع الله، تنسى الآلام وتنسى الأتعاب وتنسى المخاوف، أنت متخوف تقول: هيا نقاتل حتى نزيل هذا الخوف عنا، ادخل في الصلاة مع الله يعصمك ويحفظك، وكيف وأنت تناجيه وتتحدث معه، إن شئت ليلك كله أو نهارك. هل هناك جناب أعظم من جناب الله؟! هل هناك أمن أعظم من أمن الله وقد اطرحت بين يديه تتكلم معه الساعات العديدة، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أنفقوا المال على الفقراء والمساكين، على إخوانكم المهاجرين. قال: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ [النساء:77] كتب بمعنى فرض، وذلك في آية الحج اسمعوا بيانها أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحج:39-40] الآية. إذاً هيا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77] أعوذ بالله! فريق يعلم الله عدده، ومن الحكمة ألا يُعين أصحاب هذه الزلة ليبقى عاماً إلى يوم القيامة، هؤلاء الذين يقتلون المسلمين، ويتحمسون ويغتالون، لو يأتي الجهاد الحق يقوده إمام المسلمين أكثرهم يهرب من هذه، ولا يواجهه لأن القتال ثم لله، وهنا لإظهار الشخصية والشجاعة. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ [النساء:77] أي: الكفار الذين طلبوا بقتالهم يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ [النساء:77] خشية مثل خشية الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77] أعظم من خشيتهم لله عز وجل. ثم قال تعالى عنهم: وَقَالُوا رَبَّنَا [النساء:77] أي: يا ربنا، حذفت الياء، لماذا ما قال: (يا ربنا)؟ لأن الله معنا مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] في أعماق البحر، أو في عنان السماء، كيف هذا يا شيخ؟ أين الله بيننا؟ يا بهلول تأمل فيما تقول، إن العوالم كلها بين يدي الله كحبة خردل، أما قرأت قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67] أي والله ما قدرناك يا ربنا حق قدرك وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] . تسألني كيف الله معنا؟ نحن بين يديه، أنت أيها الرجل نملة بين يديك أنت محيط بها من كل جانب. الشمس فقط فوقنا وما أبعدها وهي معنا، الشمس تكون في بيتنا الشمس أين كوكبها؟ في السماء الرابعة.إذاً: قال تعالى عنهم: وَقَالُوا رَبَّنَا [النساء:77] أي: يا ربنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ [النساء:77] ما زالت الفرصة غير متاحة، ما زلنا ضعفاء، ما زلنا ما نملك عتاداً ولا سلاحاً لو أخرتنا عام عامين.سبحان الله! هذا يقوله ضعاف الإيمان، والله لقد قالوها، والبشر هم البشر وإلا لا؟ هذا الضعف في الفهوم والأفكار والعقول موجود عندنا لا تعجب أبداً بين المسلمين. لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] عاماً أو عامين حتى يقوى الإسلام ويكثر المسلمون، وأمر رسوله أن يرد عليهم، قال له: قل لهم يا رسولنا: مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ [النساء:77] أكلكم وشربكم ونكاحكم ولباسكم وتمتعكم بالنسبة إلى الجنة ودار النعيم قليل، لا تحزنوا عليها ولا تبكوا، لما أخذنا نستريح جاء الحرب والقتال، الآن فقط عندنا أيام شبعنا واسترحنا، قال: قاتلوا. هذا كلامهم؟ أي نعم. قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] هذا خاص بأولئك العوام، والله إلى يوم القيامة حتى يرفع القرآن نهائياً، والآخرة خير لمن؟ لمن فجر.. لمن كفر.. لمن فسق.. لمن ظلم.. لمن طغى وتكبر؟! لا، لا، لا.ماذا قال تعالى؟ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] اتقى من؟ اتقى الله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 16-04-2021 06:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
كيف نتقي الله تعالى
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ .يا شيخ وهل نستطيع أن نتقي الله؟! بالسراديب تحت الأرض والأنفاق نختبئ فيها، أو بالحصون العالية والأسوار، أو بكثرة الجيوش والعتاد الحربي، بهذا يتقى الله؟! لا والله ما يتقى بهذا، وإنما يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله فقط. أطعه لا يغضب منك ولا يسخط عليك، أطعه أحبك ورضي عنك، إذاً الله تعالى يتقى بم يا عباد الله؟ رددوها: يتقى بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لا يتقى بالجبال ولا بالجيوش ولا بالقبائل ولا بالمال ولا بالسحر ولا بالتدجيل، لا يتقى غضبه وعذابه وبلاؤه إلا بطاعته وطاعة رسوله. طاعته في أي شيء؟ في كل ما أمرك أن تعتقده من الاعتقادات، في كل ما أمرك أن تقوله وتتكلم به من الكلام والأقوال، في كل ما أمرك بفعله من الأعمال، وطاعة رسوله مقترنة بطاعته، ولا فرق بينهما؛ إذ قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وأختم لك على هذا، ما أطاع إنسان رسول الله إلا أطاع الله عز وجل، كيف؟ لأن الرسول لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به ونهى عنه، أليس مبلغاً عنه؟! مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] إذاً الحمد لله عرفنا أن الآخرة بنعيمها وسعادتها للمتقين، يكفي إذاً، من الآن نأمل على أن نتقي الله عز وجل، من هم ورثة الجنة يرحمكم الله؟ بنو هاشم؟ المتقون، اقرأ قول الله عز وجل: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، تلك الجنة التي نورِّث من عبادنا من كان تقياً، سواء كان أصفر أبيض حبشي عربي شريفاً وضيعاً غنياً فقيراً، قل ما شئت، فقط أن يكون تقياً. وهذا الخليل إبراهيم نحن عاشرناه يعني؟ كيف نتحدث عنه؟ كيف بلغنا الكلام عنه؟ القرآن الكريم، إبراهيم يقول بعد دعاء طويل عريض: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85] لولا علمه بأن الجنة تورث ما كان يقول: واجعلني من ورثة الجنة. الجنة تورث؟ أي نعم، والميراث بدون سبب أو بسبب؟الآن نحن نتوارث بأي شيء؟ إما بالنسب وإما بالمصاهرة وإما بالولاء، والجنة تورث بأي شيء؟ بتقوى الله عز وجل، المتقون هم الوارثون، ولم عبر بالوراثة؟ ما قال: بالعطاء بالهبة يهبهم الله الجنة يعطيهم مساكنهم فيها. اسمعوا: لما خلق الله دار السلام ودار البوار، وبعبارة أخرى: لما خلق عالم السعادة وعالم الشقاء، عالم السعادة في الملكوت الأعلى وعالم الشقاء في الملكوت الأسفل -كل شيء له علو وسفل وإلا نحن مجانين- لما خلق الجنة والنار خلق لكل منهما عدداً من البشر والجن، ولا يزيد أحد ولا ينقص، وجعلهم يتوارثون، إن شاء الله عمر بن الخطاب ورث أبا جهل ، وأبو جهل ورث عمر بن الخطاب ؛ إذ لكلٍ مكان هنا وهنا، والمتوارثون من الإنس والجن يرث بعضهم بعضاً، فمن دخل الجنة ورث كافراً من الكفار ونزل منزله، وذلك الكافر أيضاً ينزل في المنزل الذي تركه المؤمن ودخل الجنة، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63] ، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] . يا شيخ الجنة هذه صورها لنا؟ادخل بستاناً من بساتين الأغنياء، وانظر إلى تلك الزهور، وتلك الظلال والثمار والمياه الجارية تعطيك صورة من واحد إلى مليار، وإن قلت: أنا أريد أن أسمع عن الله وصفه للجنة أكب على القرآن سبع ليال وأنت تقرأ من الفاتحة إلى الناس تمر بك سور عجيبة بأن هذه الجنة وقصورها ونعيمها، وما فيها من كتاب الله. وإن قلت: أنا أريد وصفاً لرجل ارتادها، قلنا لك: نعم، أول رائد من رواد الملكوت الأعلى من رواد الجنة دار السلام هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اقرأ قول الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1] ومن ثم إلى الملكوت الأعلى.وإن قلت: هنا ذكر المسجد فقط ما ذكر طلع أو لم يطلع، اقرأ من سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:13-18] . واضح هذا وإلا لا؟ ولقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل أول ما رآه في غار حراء في صورة إنسان، ثم رآه في أجياد -شارع مكة المعروف- وقد تجلى وغطى السماء بأجنحته الستمائة، وناداه: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل، ثم رآه مرة أخرى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:14-18] . أسمعتم؟ إن المؤمنين أهل القرآن والسنة على نور من ربهم، وكل أصحاب الهراء والكلام الهابط الفارغ مما تمليه الشياطين والأهواء والدنيا والشهوات كلامهم غثاء كغثاء السيل.قال تعالى وقوله الحق: قل يا رسولنا لهؤلاء الضعفة المهزومين قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ [النساء:77] وإن عشت مائة سنة، وأكلت مائة قنطار لحم أو بيض، قليل بالنسبة إلى الآخرة وإلا لا؟ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] لا تقل لبني هاشم أو بني تميم أو العرب أو العجم، بل: لمن اتقى أبيض كان أو أسود.لو تقول هذا لملايين المسلمين، والله ما يسألك أحد نتقي كيف؟ الشيخ ما له الليلة مجنون مهموم!يعرف أن الجنة لمن اتقى ولا يبالي، لو كان قد وعي وعرف وفهم، والله يقول لك: والله لا تبرح مكانك حتى تعلمنا كيف نتقي نحن؟وهذا كان أيام كنا صاعدين للملكوت الأعلى، أما اليوم أبداً يسمعها ملايين المسلمين ما يسأل كيف نتقي؟ بماذا نتقي؟ وأنتم عرفتم وإلا ما عرفتم؟ بم نتقي الله؟ بالمزامير والأغاني؟ بطاعته وطاعة رسوله، وهل أمرنا بأوامر؟ كم؟ اطلبها من كتابه، أمرنا بإقام الصلاة، بإيتاء الزكاة، بصوم رمضان، بحج بيت الله الحرام، بالجهاد وبالرباط، بصلة الأرحام، بالعدل وبالخير وبالإحسان، بالذكر بالدعاء بالقراءة أوامر. ونهانا عن أشياء أيضاً، ما هي؟الربا.. الزنا.. الغيبة.. النميمة.. الكذب.. الخلاعة.. السفاهة.. البذاء.. السوء.. الحسد.. العجب.. ومنهيات كثيرة، كيف نعرفها يا شيخ؟ هنا تقف حيران كيف نعرفها؟ أما ذهبت لكل واحد علمته؟ ما ذهبت، فما الطريق -يرحمكم الله- إلى أن يصبح كل المؤمنين والمؤمنات عالمين بمحاب الله ومساخطه بأوامره ونواهيه وكيف يؤدونها ويتقربون بها إليه؟الجواب: ما كررناه مئات المرات وإلى الآن لا حراك ولا انتفاضة، الطريق هو أن إمام المسجد في القرية سواء كان في الجبل وإلا في السهل.. إمام مسجد الحي في المدينة يوم الجمعة يستقبل أهل القرية ويقول: معشر المؤمنين! هل نحن مسلمون؟ قالوا: نعم، كيف لا، هيا نتعاهد عهد المؤمنين أننا من الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن حضور صلاة المغرب في هذا المسجد، اللهم إلا مريضاً على فراش المرض ومن يمرضه ويقف إلى جنبه إن فرضنا هذا، أهل القرية كأهل الحي ما إن تدق الساعة السادسة مساءً إلا وذهبوا إلى الوضوء ولبس الثياب الحسنة وترك العمل وأغلق باب الدكان المتجر المقهى المصنع المزرعة، وارم يا فلاح بالمسحاة والمنجل، وتعالوا كلكم إلى بيت ربكم. يملئون المسجد النساء وراء الستائر ومكبرات الصوت تبلغهن الصوت، وأبناؤنا أطفالنا كالملائكة في ثياب بيضاء ليس على رءوسهم برانيط كما تفعلون، كأبناء اليهود والنصارى كالملائكة بيننا، والكل مصغي، والكل مستمع، والكل يبكي بين يدي الله ساعة وربع أو ساعة ونصف ومربينا يعلمنا آية من كتاب الله كآينا هذا ونتغنى بها حتى نحفظها، يحفظها الكبير والصغير والذكر والأنثى آية نور ندخلها قلوبنا. والله لحفظ آية خير من خمسين ألف دينار أقسم بالله! وليسمح لي ربي إذا قارنت بين هذان، بل خير من الدنيا وما فيها، لو عرفنا قيمتها لحفظناها وسارعنا إلى حفظها، لكن ما عرفنا! ريال خير من عشرين آية، هذا شأن الجهل وإلا لا؟ إذاً: ولما نفرغ من حفظ الآية يأخذ المربي المزكي للنفس المعلم يقول: إن ربنا في هذه الآية يأمرنا بكذا، أو ينهانا عن كذا، أو يدعونا إلى كذا، هل فهمتم؟ قالوا: نعم، إذاً الزموه، وغداً يأتون في نفس الوقت.. مظهر من مظاهر الإقبال على الله، يصلون المغرب ويعلمهم حديثاً واحداً من أحاديث الرسول التي بلغت عشرات الآلاف؛ لأن كلامه من يوم أن بعثه الله إلى أن قبضه ثلاثة وعشرين سنة كل كلامه علم وحكمة، لا يقول كلمة باطلة أو لا خير فيها. إذاً: حفظتم الحديث هذا الشريف؟ نعم، الرسول يدعونا في هذا إلى كذا وكذا، أو ينهانا عن كذا وكذا، ملتزمون؟ أي نعم، ويعودون وكلهم ذكر مع الله، ويوم ثاني وثالث ورابع إلى أربعين يوماً كيف تصبح القرية أسألكم بالله؟! أصبحت كتلة من نور، سنة واحدة ما يبقى جاهل ولا جاهلة، الكل عرف فيما يتقى الله، وبم يتق الله، وتجلت أنوار الحب والولاء والصدق والتعاون والإخاء والمودة، واختفت مظاهر الحسد والغش والكبر والعهر والربا والزنا وما إلى ذلك، هل حقيقة يتحقق هذا؟ أيه ورب الكعبة، أليس الطعام يشبع وإلا لا؟ أليس الماء يروي وإلا لا؟ أليست النار تحرق وإلا لا؟ أليس الحديد يقطع وإلا لا؟ هذه سنن لا تتبدل.إذاً: تعلمك الكتاب والحكمة لن يتبدل في تطهير نفسك وتزكية روحك، وإذا زكت الروح وطابت النفس لو تعطيه مليار على أن يكذب والله ما يقبل!عرفتم هذا؟متى نعود؟ لا جهاد ولا مال ولا ولا.. فقط نجتمع في بيت ربنا صدقاً لنتعلم الكتاب والحكمة، هل هناك طريق غير هذا ينجينا ويعود بنا إلى السبيل السوي؟ والله لا طريق، لو قتل بعضكم بعضاً، وأفنى بعضكم بعضاً، أبداً مستحيل إلا هذا المسلك. وكتبنا في هذا رسالة وهي تحت الطبع خاصة بالعلماء وهم المسئولون عن هذا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 01:58 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (43)
الحلقة (266)

تفسير سورة النساء (48)



يبين الله عز وجل لعباده أنه ما من مهرب من الموت، فمن كره الجهاد في سبيل الله وقتال الأعداء مخافة الموت والهلكة فليعلم أن الموت آتيه لا محالة، سواء طال به العمر أو قصر، وسواء كان يسكن بيتاً من شعر أو برجاً مشيداً من الحديد والصلب، فالموت شر ومصيبه؛ لكنه لا يكون إلا بقدر الله، ولا يصيب إلا من كتبه الله عليه في وقته ومكانه، فهو سبحانه وتعالى خالق الموت والحياة وهو العزيز الحكيم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، لهذا ندرس كتاب الله.وها نحن مع سورة النساء المباركة، ومع الآيات الثلاث التي تناولناها الليلة الماضية بالدرس والتفسير وما زلنا معها. هيا أتلوها وأنتم تتدبرون وتتفكرون في معانيها، وما تهدف إليه، وما تدعو له من العقيدة الصحيحة السليمة، والعبادات التي شرعها الله لتزكية النفوس والآداب التي يسمو بها المؤمن عن غيره من سائر الناس، والله عز وجل أسأل أن ينفعنا بما ندرس، وبما نعلم ونعمل. تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:77-79]. بالأمس عرفنا أن بعض ضعاف الإيمان -وقد يدخل معهم في هذه الحظيرة المنافقون- كانوا يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأذن لهم في قتال فلان وفلان سواء بالاغتيال أو بدون اغتيال، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى أوامره من ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه، فلم يسمح لأحد منهم أن يشفي صدره بقتل فلان أو فلان. ولما وجدت القوة الكافية لمواجهة الكافرين، أنزل الله تعالى قوله من سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39-40]؛ فأذن للرسول والمؤمنين بالقتال، فأعلن ذلك، وأما أولئك الذين كانوا يريدون أن يقاتلوا لما فرض القتال أحجموا وجبنوا وتأخروا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77] يكفي إقام الصلاة لتزكية نفوسكم وتهذيب أرواحكم، والزكاة في مساعدة إخوانكم الفقراء من المهاجرين وغيرهم. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ [النساء:77] من كتبه؟ الله، ما معنى (كتبه)؟ فرضه فرضاً مؤكداً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ [النساء:77] من أولئك الذين كانوا يطالبون بالجهاد إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77] والعياذ بالله!جماعة منهم يخافون الناس أكثر مما يخافون الله عز وجل، كيف يقاتلون، كيف يجاهدون؟ وزيادة على ذلك وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] حتى يكثر عددنا، وتكثر عدتنا، وما قالوا هذا إلا في فراراً من المعركة وخوفاً من الموت؛ لأن إيمانهم مهزوز ضعيف لا وزن له. لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] كالعام والعامين والثلاثة حتى نتقوى؛ فأمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم: قُلْ [النساء:77] يا رسولنا قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] ماذا تريدون من التأجيل والتأخير للعام والعامين والثلاثة، تريدون الدنيا؟ متاعها قليل وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] أي: مقدار فتيل، والفتيل خيط رقيق أبيض يوجد في نواة التمر، إذا شققت التمرة وجدت النواة في داخلها خيط رقيق جداً وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] تعطون أجوركم كاملة عن إيمانكم وصالح أعمالكم.
تفسير قوله تعالى: (أينما تكونوا يدركّم الموت ...)
قال الله تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] أينما تكونوا في رءوس الجبال أو في سهولها.. في الخنادق والأنفاق.. أو لو كنتم في القصور المشيدة بالشيد والجص والحديد لا كوة فيها ولا نافذة، والله ليدركنكم الموت في ذلك المكان. أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ [النساء:78] والموت يجري وراءهم، بل كلما هربوا وجدوه أمامهم أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] البروج جمع برج وهو البناية الضخمة العالية، وقصور مشيدة بالشيد. ثم أخبر عنهم بقوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78] إذا كان مثلاً في رخاء أو مال أو غنى أو صحة أو انتصار في غزوة من الغزوات، يقولون: من عند الله لا شكر لله، وإنما فقط لا يريدون أن ينسبوا إلى رسول الله شيئاً. هذه القلوب المريضة، وهذه الأرواح التي ما هذبت وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ [النساء:78] مما يحصل بالإنسان من عافية أو غنى أو راحة أو سعادة، يقولون: هذه من عندنا، وما قالوا هذا شكراً لله، لا أبداً، لكن فقط ليقولوا: هو ليس من عندك أنت. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78] من يوم ما رأيناك ونحن في هذا الهم، من يوم ما جئتنا ونحن في الفتن والحروب، هكذا يواجهون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سبب ذلك؟ موت القلوب، الجهل وظلماته، ما عرفوا الله حق المعرفة، أيواجهون رسول الله بهذه المواجهة؟! أيتطيرون به؟! لا طيرة في الإسلام أبداً! لأنهم يقولون: هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78] إذا جاء قحط وإلا حصار وإلا فقر.. ينسبونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمعوا قوله تعالى وهو يخبر عن تلك الطائفة: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [النساء:78] والسيئة كل ما يسوء إلى الإنسان؛ مرض فقر تعب خوف ما يسوءك هو السيئة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78] . فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم هذا القول الباطل، فقال له: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78] كل من الحسنة والسيئة من عند الله؛ إذ هو الخالق لكل شيء، والمدبر للحياة كلها (قل: كل) من الحسنة والسيئة (من عند الله)، علمهم وإلا لا؟ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78] .ثم قال تعالى: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، ما حصل؟ ما لهم؟ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، وهنا تعرفون من الفقهاء؟ من هم؟هم الذين يقول فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، يعرفه بأسراره، لا مجرد علم سطحي، ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ). فاسمع! يقول تعالى: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، سطحيات فقط، لا يفهمون إلا ظاهر الكلام، أما ما من أجله قيل، أو ما من أجله أمر الإنسان أو نهي لا يفقهون منه شيئاً.
أمثلة للفقه في الدين
هذه اللطيفة عثر بعض طلبة العلم الذين لا يكادون يفقهون حديثاً، على أن جملة: (الصلاة خير من النوم) هذه في الأذان الأول، ولا تقال في الأذان الثاني.. الأذان الأول هو أذان الأكل والشرب والجماع، ولا تقال في الأذان الثاني أذان الإمساك، والدخول في الصيام، وجدوا المملكة من قرون يقولون في الأذان الثاني الأخير: الصلاة خير من النوم، فقالوا: يجب أن نعود إلى السنة، وأن نترك هذا القول في الأذان الأخير، ونقولها في الأذان الأول، وجاءوا إلى الشيخ ابن حميد رحمة الله عليه في مكة، وحاصروه في الكلام، وأخذوا يؤذنون في بعض الأحياء، وظنوا أنهم أحيوا الإسلام، وأعادوا إلى الإسلام مجده، وانتشرت الفكرة، فأخذها الطلاب من هذا النوع، وإلى الآن الفتنة دائرة في بعض البلاد، ونتج عنها ما سمعتم من تلك الفتنة التي أصابت هذه الديار؛ بسبب هذا الفهم الخاطئ، أزهقت الأرواح وحصل الذي حصل.قلنا لهم: هذه الجملة (الصلاة خير من النوم) فيها ذكر الله؟ فيها تسبيح الله؟ آية من آيات الله، ما معنى، جملة: (الصلاة خير من النوم) أيها النائمون؟ فإن اعتاد الناس أن يقولوها في الأذان الأول، يجب أن تبقى في الأذان الأول، لا تفتنوا الناس، وتقولوا: نحولها إلى الأذان الثاني، وإذا وجدت في الأذان الثاني من قرون، حرام أن تحولوها إلى الأذان الأول؛ لما تحدث من بلابل وفتنة وعذاب، لو فقهوا وفهموا علة هذه الكلمة؛ حتى أهل البلاد يعرفون أن هذا الوقت، يتسحرون إن أرادوا الصيام أو يصلون الصبح و.. و..، ما العلامة المميزة الفارقة؟ هي الصلاة خير.. اجعلها في أذانك يا بلال ! فلو فقهوا وعرفوا السر في هذا ما أوجدوا فتنة وناراً وحرباً من أجل هذه الكلمة، فهمتم الفقه أو لا؟ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ [النساء:78]، يفهمون أسرار الكلام ومراميه وما يهدف إليه، يأخذون السطحية في الكلام فقط، ويجادلون، ولا تفهموا أن الحق خلاف هذا، هذا هو الحق، كيف نتفاضل في العلم؟ هل العلماء على مستوى واحد؟ لا. لماذا؟ لأن من لا يفقه أسرار الآية ولا الحديث ولا الشرع الذي شرعه الله يتخبط فيه، فلا بد من الفقه، وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، ما قال: يعلمه، (يفقهه)، الفقه: معرفة أسرار الشريعة، وأهدافها وما تدعو إليه، وما يريد أن يتحقق بها، وهذا كلام الله، لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]، سطحيات فقط، لا يعرفون لم أمروا ولا لم نهوا. عرفتم هذه اللطيفة؟بلغني أن بعض الطلاب ما زالوا إلى الآن في بعض الديار يطالبون بأن تعود لفظة: (الصلاة خير من النوم)، في الأذان الأول، أي داعي لهذا؟ ثم مالك في الموطأ، يروي أن بلالاً جاء إلى عمر أيام خلافته وقد تخلف عن صلاة الصبح؛ فناداه: الصلاة خير من النوم يا خليفة رسول الله! فقال عمر : اجعلها في أذانك يا بلال ! هذا الموطأ أصح كتاب بعد كتاب الله؛ ولهذا ينبغي أن نعرف مراد الله من هذه الشريعة، نعرف مراد الرسول من أمره ونهيه، فنفقه، أما أن نأخذ فقط السطحيات في الألفاظ، ونريد أن نفرض فهمنا على الناس، ونطالبهم بما لا يريدون، هذه هي مظاهر الفتن.أزيدكم: الذين يطالبون بالجهاد في البلاد الإسلامية موجودون أو لا؟ جماعات ومنظمات و.. و.. الجهاد.السؤال: لم الجهاد؟ لم شرع الجهاد؟ ما السر؟ ما فقهه؟ الجواب: من أجل أن يعبد الله تعالى وحده بما شرعه، أليس كذلك؟إذاً: هذه الأمة أسلمت، هذا الإقليم دخل في الإسلام، تجاهد من؟ علمهم ما عرفوا كيف يعبدون الله، ما فقهوا ولا فهموا أسرار هذه العبادة، فلهذا تخلوا عنها، ووقفوا مشدوهين، فبدل أن تعلن الجهاد فيهم، أعلن عن نفسك أن تعلمهم، وتفقههم في دين الله.مرة ثانية: هذا الإقليم، اليمن، الشام، العراق، ما شئت، المدينة، أي بلد، دخلوا في الإسلام، يشهدون أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله، لما تقول: الجهاد، تريد ماذا؟ تجاهد من؟ مسلمون، مؤمنون، إن قلت: يبيعون الخمر، يرتكبون كذا.. كذا.. وكذا.. إذاً: علمهم كما علمت أنت بأن هذا يغضب الله عليهم، وبأن هذا يعوقهم عن السعادة، ويحول بينهم وبين الكمال، علموهم حتى يعبدوا الله عز وجل، لا أن تهدد فقط بحمل السلاح، وإن قالوا: لم الحكام ما يحكمون بالشريعة؟ الحكام جاءوا من إيطاليا أو من أسبانيا، أليسوا إخوانكم؟ أليس منهم آباؤك وإخوانك وأجدادك؟ أليسوا من دياركم؟ جهلة، ضعفة، قووهم وعلموهم، أما أن تهددوهم وتعلنوا الحرب عليهم، معنى هذا: أنكم تحرقون دياركم وبلادكم، وهذا الكلام تكرر منا من أربعين عاماً، هذا الهيجان، وهذه الحاكمية والمطالبة قولوا لنا: ماذا أنتجت؟ من يجيب؟ هل ظهرت دولة الإسلام في الإقليم الفلاني؟ لا. بل ما زادت الطين إلا بلة، ودائماً أقول: هذا الحاكم لو قال: أنا كافر، ماذا تفعل؟ تطأطئ رأسك؟ أو تسب فقط وتلعن؟ ماذا أنتجت؟ فما دام الحاكم يقول: أنا مسلم، ويصوم ويصلي، لم تشهر كفره وتعلن عنه؟ آلله أمرك بهذا؟والسر في هذا عدم الفقه: عدم البصيرة عدم المعرفة، لا أقل ولا أكثر، تنتشر الدعوة في الإقليم، يتسلطون عليها وتنسف، ولو شئنا لذكرنا أقاليم وبلاد كثيرة، عندما تظهر فيها الدعوة الإسلامية وينتشر الخير ينسفونها، بالتهجم على الحاكم، وإعلان الحرب و.. و.. وبعد ذلك تنسف تلك الدعوة نسفاً، الآن في بلاد كثيرة ما يسمحون للشخص بلحيته، قالوا: هؤلاء هم الذين فتنونا. أنتم مع قوله تعالى: لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78].إذاً: لابد من فقه ومعرفة لأسباب الشريعة وأهدافها وما ترمي إليه، واعمل على هذا النور وهذا الضوء، لا على سطح الآية فقط أو الحديث.

يتبع


ابوالوليد المسلم 23-04-2021 01:59 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله ...)
قال الله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ [النساء:79]، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمته معه، مَا أَصَابَكَ [النساء:79]، يا رسولنا، فَمِنَ اللَّهِ [النساء:79]، أي والله، هو واهبها ومعطيها وخالقها، هو المسخر لها، والموفق لك أن تأتيها، وتعمل بها. الحسنة من الله، صحة، عافية، رخاء، علم، طهارة روح، زكاة، نفس، كل هذا من الله، إذ هو خلق هذا العبد، أوجد هذه العبادة، وأوجد فيها تأثيرها في قلبك ونفسك، ما من حسنة تصيب عبد الله أو أمة الله إلا والله من الله، لو لا الله ما كانت، لو لا وضع أسبابها منه تعالى ما كانت، فإياك أن تفهم أنك تأتي الحسنة من غير الله، كل الحسنات من الله عز وجل، مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ [النساء:79] فهي من الله.وبيان ذلك: زكت نفسك، وطابت أخلاقك، أليس أخذت بالأسباب، وهي عبادة الله عز وجل؟ إذاً: من وهبك هذه الحسنة؟ الله. رزقك الله مالاً وعيشاً رغداً من؟ أليس هو الله؟ أنت خلقت شيئاً؟ أمنت وحفظت في مالك وعرضك وما أوذيت، من حفظك؟ أليس الله؟ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]. على سبيل المثال: لما تقوم تلعن هذا الرجل وتشتمه، وتهدده فإذا به يصفعك أو يقتلك، هذه السيئة من الله أو منك؟ منك. لما تحتسي كأس الخمر فتفقد عقلك، وتأخذ في قول الباطل والمنكر، وقد تضرب أمك أو تذبح ابنك، هذه السيئة من الله؟ أليست منك أنت؟ عصيته وخرجت عن طاعته، وقد حرم هذا المسكر من أجل ألا تؤذي ولا تؤذى، فعصيته وشربت هذا المخدر أو المسكر، هذه السيئة من أين؟ من نفسك، وتأمل! والله لا توجد سيئة تصيب عبد الله أو أمة الله إلا بسبب ذنبه هو الذي تعاطاها. مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، لأن الله ما أمرك بأن تسرق، فإذا سرقت وقطعت يدك، هذه السيئة من الله؟ من نفسك أنت، الله ما أمرك أن تتكبر، فإذا تكبرت وكرهك الناس وبعدوا عنك، هذه السيئة من نفسك أو من الله؟ أما حرم الله الكبر؟ وهكذا.. ما من سيئة تصيب العبد إلا ومن نفسه، وإياك أن تنسبها إلى الله، أبداً حرام عليكم.والحسنة من واهبها سوى الله؟ مثلاً: نهينا عن التخمة، فإذا بك تأكل، هاتوا، صبوا، فامتلأ البطن، وأصابك التخمة ومرضت، هذا من الله؟ لا والله بل من نفسك، ما أذن لك الله في أن تسرف في أكلك وشربك، فلما أسرفت ومرضت من الله؟ خرجت في الليل في البرد الشديد كشفت عن جسمك وأنت تتعنتر في حوشك أو في الشارع فأصابك مرض وزكام، آلله هو الذي أصابك بهذا؟ أما أنت الذي فعلت هذا؟ هل أذن الله لك أن تتعرض للأذى بنفسك، كما لا تشرب السم لا تتعرض للبرد، وأنت قادر على أن تنجو منه. إذاً: وإخوانكم الذين في السجون، من الجماعات المتطاولة التي تطالب بالجهاد، هذه السيئة من الله أيضاً؟ آلله أمرهم أن يجاهروا ويطالبوا الحكام بتحكيم الشريعة وإلا سنعلن الحرب عليك وأنت كافر؟ والله ما قال هذا، ولا جاء في كتاب ولا سنة أبداً، من أنفسنا إذاً، وتفهموا هذه الآية: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النساء:79].. فاحمد الله واثن عليه واشكره ليزدك. وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، من نفسك، إذاً: تب إلى ربك، وابتعد عن المهاوي والمساقط وانج، والله لا يخيبك.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الآن ندرس هذه الآيات في الكتاب الذي بين أيدينا، لنزداد بصيرة ومعرفة لهذه الآيات. ‏
معنى الآيات
قال: [ روي أن بعضاً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم طالبوا بالإذن لهم بالقتال، ولم يؤذن لهم؛ لعدم توفر أسباب القتال، فكانوا يؤمرون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ريثما -أي: وقت ما- يأذن الله تعالى لرسوله بقتال المشركين، ولما شرع القتال -وفرض وأذن فيه- جبن فريق منهم عن القتال ]، والجبن معروف، الجبن الذي يباع في السوق، أما كان حليباً سائلاً مائعاً ثم تجمد وجبن، فالذي كان يندفع.. الجهاد الجهاد، جبن، فهمتم معنى الجبن؟قال: [ ولما شرع القتال جبن فريق منهم عن القتال وقالوا: لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77]، متعللين بعلل واهية، فأنزل الله تعالى فيهم هاتين الآيتين: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77]، أي: عن القتال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77]، ريثما يأذن الله بالقتال عندما تتوفر إمكانياته، فلما فرض القتال ونزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]، جبنوا ولم يخرجوا للقتال، وقالوا: لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77]، يريدون أن يدافعوا الأيام؛ حتى يموتوا ولم يلقوا عدواً خوراً وجبناً، فأمر تعالى الرسول أن يقول لهم: مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] فعيشكم في الدنيا مهما طابت لكم الحياة هو قليل: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77]، الله بفعل أمره وترك نهيه بعد الإيمان به وبرسوله، وسوف تحاسبون على أعمالكم وتجزون بها: وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] -أي: لا ينقص حسنة- لا ينقص حسنة ولا بزيادة سيئة.هذا ما تضمنته الآية.أما الآية الثانية: فقد قال تعالى لهم ولغيرهم ممن يخشون القتال ويجبنون عن الخروج للجهاد: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ [النساء:78]؛ إذ الموت طالبكم ولا بد أن يدرككم، كما قال تعالى لأمثالهم: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة:8]]، تفرون هاربين؟ ما يجري وراءكم هو، تجدونه أمامكم.[ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة:8]، ولو دخلتم حصوناً ما فيها كوة ولا نافذة؛ فإن الموت يدخلها عليكم ويقبض أرواحكم.ولما ذكر تعالى جبنهم وخوفهم ذكر تعالى سوء فهمهم وفساد ذوقهم فقال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78]، يعني: أنه إذا أصابهم خير من غنيمة أو خصب ورخاء قالوا: هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، لا شكراً لله، وإنما لا يريدون أن ينسبوا إلى رسول الله شيئاً من خير كان ببركته وحسن قيادته، وإن تصبهم سيئة: فقر أو مرض أو هزيمة، يقولون: هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء:78]، أي: أنت السبب فيها. قال تعالى لرسوله: قل لهم: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، كل من الحسنة والسيئة من عند الله، هو الخالق والواضع السنن لوجودها وحصولها، ثم عابهم في نفسياتهم الهابطة، فقال: فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]. هذا ما دلت عليه الآية الثانية.أما الآية الثالثة والأخيرة في هذا السياق، وهي قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] الآية.. فإن الله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم فيخبره بأن الحسنة من الله تعالى، إذ هو الآمر بقولها أو فعلها وموجد أسبابها الموفق للحصول عليها، أما السيئة فمن النفس، إذ هي التي تأمر بها، وتباشرها مخالفة فيها أمر الله أو نهيه، فلذا لا يصح نسبتها إلى الله تعالى.وقوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79]، يسلي به رسوله عما يلاقيه من أذى الناس، وما يصادفه من سوء أخلاق بعضهم؛ كالذين ينسبون إليه السيئة تطيراً به فيخبره بأن مهمته أداء الرسالة، وقد أداها والله شاهد على ذلك، ويجزيك عليه بما أنت أهله، وسيجزي من رد رسالتك وخرج عن طاعتك، وكفى بالله شهيداً ].
هداية الآيات
الآن هداية الآيات، وكل آية تحمل هداية، وأعيد القول: لم سميت الآية آية؟ أولاً: كم آيات القرآن الكريم؟ستة آلاف ومائتان وأربعون آية أو ما يقاربه، كل آية ولو كانت مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64]، أقصر آية في القرآن، مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64]، وأطول آية في كتاب الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]،والآية معناها العلامة، وتدل على أمرين:الأول: على وجود الله العليم، الحكيم، القوي، القدير، الرءوف، الرحيم.والثاني: على صحة نبوة صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا يعقل أبداً أن يوجد كلام بدون متكلم، لا يعقل أن يوجد علم بدون عالم، أليس كذلك؟ فكل آية تدل على وجود الله عز وجل؛ إذ هو الذي تكلم بها وأوحاها وأنزلها. هذا أولاً.ثانياً: الذي نزلت عليه وأوحيت إليه لا يكون إلا رسولاً؟ أليس الرسول الذي تعطيه رسالة كلامية أو كتابية بلغها إلى فلان، كيف ينزل عليه كتابه ولا يكون رسوله؟ مستحيل.والآية في اللغة العربية: العلامة، أعطني آية تدل على بيت فلان؟ تقول له العمود الفلاني كذا.. إذا وجدته هو العلامة على بيت فلان.قال: [ من هداية الآيات:أولاً: قبح الاستعجال -الاستعجال محمود أو قبيح؟ قبيح جد القبح- والجبن -محمود أو لا؟ مذموم- وسوء عاقبتهما ]، كيف تكون؟[ ثانياً: الآخرة خير لمن اتقى -من أين؟- من الدنيا ]، والله العظيم، الآخرة لمن اتقى خير من الدنيا، أو لا؟ الآخرة لمن اتقى الله خير له من الدنيا ولو أعطي الدنيا كلها.[ ثالثاً: لا مفر من الموت ولا مهرب منه بحال من الأحوال ]، ممكن في من يهرب أو يفر؟ مستحيل، لا مفر من الموت ولا مهرب منه؛ لقوله تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78].[ ربعاً: الخير والشر كلاهما بتقدير الله عز وجل ]، أما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، أي: من الخير والشر.[ خامساً: الحسنة من الله والسيئة من النفس ]، وإليكم الحديث النبوي الشريف، يقول صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده! )، من هو الذي نفس الرسول بيده؟ الله، هذه يمين الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، ( والذي نفسي بيده! لا يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا نصب، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله عنه من خطاياه ).واسمع قتادة من رجالات التابعين يقول: لا يصيب رجلاً خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر من ذلك.كان السلف الصالح إذا عثرت بغلته أو فرسه راجع نفسه، آه! أذنبت ساعة كذا، قصرت في كذا، لم، والكافر ما يصاب ولا تعثر دابته؟ هذا يريد الله تطهيره وتنقيته، ما يبقى ذاك الوسخ على قلبه، يصبه بمصيبة لتطهيره وتصفيته، وهذا الذي أقسم عليها الرسول وحلف، أليس كذلك؟قال: [ الحسنة من الله والسيئة من النفس؛ إذ الحسنة أمر الله بأسبابها بعد أن أوجدها وأعان عليها، وأبعد الموانع عنها، والسيئة من النفس؛ لأن الله نهى عنها وتوعد على فعلها، ولم يوفق إليها ولم يعن عليها، فهي إذاً: من النفس ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:00 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (44)
الحلقة (267)

تفسير سورة النساء (49)


في هذه الآيات جاء التوبيخ من الله عز وجل لمن هم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين لا يطيعون أمره، وإنما يظهرون له أنصياعهم لأوامره وتنفيذهم لتوجيهه، حتى إذا غادروا مجلسه أجمعوا أمرهم على عصيانه، وما ذاك إلا لفرط جهلهم وسوء فهمهم لما يتلى عليهم من كتاب ربهم، ثم إنهم بعد ذلك إن أصابهم الأمر من الأمن أو الخوف سارعوا بإفشائه وإذاعته فزعاً وخوفاً، ولو تركوا هذا الأمر لأهل الشأن والاختصاص لعلموا ما يصلح أن يذاع من هذه الأخبار وما ينبغي أن يكتم، حتى لا يوقعوا الفشل في صفوف جند الله المجاهدين.
فضل الاجتماع في بيوت الله ومدارسة كتابه
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل.وأذكركم بالفضيلة العظيمة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قوله: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وأخرى: ( أن من صلى المغرب وجلس في بيت الله يذكر الله الملائكة تصلي عليه حتى يخرج من المسجد، ما لم يحدث حدثاً، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.. حتى يخرج من المسجد بعد صلاة العشاء ).أما الفضيلة العظيمة، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة ).ومن أراد أن ينظر إليها فليقف ولينظر، هل هناك صخب أو صوت نزاع؟ لا. بل سكينة، لو كنا في سوق أو في بيت أو في مكان لن نكون هكذا أبداً ومستحيل، ( نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة )، أين مظاهر العذاب بيننا؟( وذكرهم الله فيمن عنده )، وهذا شرف ما فوقه شرف، من نحن وما نحن حتى يحدث الله الملائكة عنا، ويقول: عبادي اجتمعوا في بيتي يتلون كتابي ويتدارسونه؟ لو أرادنا أن نحصل على مثل هذا لو ننفق ما في الأرض ممكن؟ غير ممكن.
تفسير قوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ...)
ها نحن مع سورة النساء المدنية، ومع هذه الآيات الأربع أيضاً، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتدبروا ما تسمعونه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:80-83].عجب هذا القرآن، عجب أو لا؟ الجن قالوا: عجب ونحن العرب ما نقول عجب؟! أما قالت الجن، واسمع سورتها: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:1-2]، المتدبر يعرف أنه عجب.

تلازم طاعة الله تعالى وطاعة رسوله

قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، بلاغ رسمي من الله، اسمعوا وعوا، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ [النساء:80]، من ذكر أو أنثى، من كبير أو صغير، علموه أنه قد أطاع الله، والعكس: من يعص الرسول فقد عصى الله، كيف هذا؟ إي نعم؛ لأن الرسول هو الذي يبلغنا أوامر الله ونواهيه، فالله يوحي إلى رسوله المحطة البشرية التي تتلقى المعارف الإلهية وهو يبلغها عن الله، فمن هنا: من أطاع الرسول فيما بلغه فقد أطاع الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ [النساء:80]، معشر المؤمنين والمؤمنات! يجب أن نطيع الرسول، الرسول من هو؟ الرسول العظيم، صاحب الرسالة، خاتم الأنبياء، محمد صلى الله عليه وسلم.ثم قال تعالى: وَمَنْ تَوَلَّى [النساء:80]، رفض الطاعة، فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، يخاطب رسوله، علمهم أن من يطيعك يا رسولنا فقد أطاع الله؛ حتى لا يترددوا في طاعتك، ومن أعرض عن الطاعة وتولى فلا تضربه ولا تقتله ولا تكرب من أجله ولا تحزن، فإننا ما أرسلناك عليهم حفيظاً، تحملهم إلى الهدى بعصا، مهمتك البلاغ فلا تكرب ولا تحزن.

اطلاع الله تعالى على المخالفين لأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام

ثم يقول تعالى عن هؤلاء ضعاف الإيمان، والمنافقين المندسين في جماعة المؤمنين، وتقدم الحديث عنهم في الآيات السابقة، هم الذين إذا أصابتهم حسنة قالوا: من عند الله، وإذا أصابتهم سيئة قالوا: من هذا. متطيرين برسول الله صلى الله عليه وسلمِ، ضعاف الإيمان والمنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان بالكذب، وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ [النساء:81]، أي: أمرك طاعة يا رسول الله! أمرنا لك طاعة ما نعصيك؛ لأنهم بلغهم قول الله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى [النساء:80]؛ خليه لله، فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ [النساء:80-81]، إذا أمر النبي، أو أرشد صلى الله عليه وسلم أمته، وهم في مجلسه، يقولون: طاعة، أمرك طاعة، سمعنا وأطعنا. فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [النساء:81]، خرجوا من المسجد، من حلقة الذكر، من محل المحاضرة والخطبة، (بَرَزُوا): خرجوا؛ لأن من خرج من المسجد برز للشمس والهوى. فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء:81]، بيتوا، مكروا، دبروا، أنهم لا يقولون ولا يفعلون بما أمرهم، (طَائِفَةٌ)، ما قال: كلهم؛ لأن المرض يختلف، (بَيَّتَ طَائِفَةٌ).. التبييت معروف: المكر والتدبير في الخفاء. بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء:81]، لن نفعل هذا، لن نضحي بوجودنا، لن.. لن.. وهكذا فيما بينهم. وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النساء:81]، والله يكتب ما يبيتونه من المكر، والذي يكتب ملائكته، هو الذي يكتب إذاً، وسيجزيهم بمكرهم وانصرافهم وإعراضهم، لا يظنون أنهم مهملون، يمكرون ويدبرون ضد رسول الله ما شاءوا في الخفاء، فليعلموا أن عين الله تراهم، وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النساء:81]، فالذي يتدبر هذه الآيات على الفور يصبح مؤمناً صادقاً. وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء:81]، أي: تأمر به، وتنهى عنه، أو تدعو إليه. وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النساء:81]؛ ليعلموا أنهم ليسوا مهملين، هم تحت رقابة الله عز وجل، الملائكة يكتبون كل كلمة يقولونها.
تثبيت الله لنبيه وأمره له بالتوكل عليه
قال الله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:81] يا رسولنا. هذه الآيات تفهمنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاقي من العنت والتعب والألم ما لا نقدر قدره، فلولا ربه عز وجل يؤدبه بهذه الآداب لهرب وما استطاع أن يبقى، كيف يهرب؟ أما هرب يونس بن متى؟ ما أطاق، يقولون: نعم، ويخرجون يتآمرون؛ ليبطلوا ذلك القول، كيف يفعل؟إذاً: فصلوا عليه وسلموا.وعلى الدعاة أن يذكروا هذا أيضاً، المحاضر يحاضر وهم يتغامزون والله العظيم، المحاضر يحاضر وهم يبيتون خلاف ما قال، ما سبب هذا؟ ضعف الإيمان، كمية الإيمان خفيفة ما تسيطر على القلب ولا على الحواس والجوارح.إذاً: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:81]، لك أن تقول: لا تلتفت إليهم، وإلى ما يقولون ويبيتون، أو أعرض عنهم: لا تهش في وجوهم ولا تبش، أعرض عنهم بوجهك، احتقاراً لهم وعدم مبالاة بمواقفهم النفاقية. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [النساء:81]، لا تعرض عنهم فقط، ما تتوكل على الله تخاف، يبيتون لك في الليل ويضربونك، الإعراض عنهم وهم رؤساء أرباب مال وأعوان، فالإعراض عنهم يعرض الرسول لأذيتهم، وهنا طمئنه الله عز وجل، وقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81]، اثبت، أعرض عنهم ولا تبالِ بهم، متوكلاً على الله، والله عز وجل لا يضيعك، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81].
تفسير قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)
ثم قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، لو كانوا يتأملونه، ويتدبرونه، يقرءون الآية ويعودنها مرة بعد مرة، يبحثون عن المعاني التي تحملها، وعن الهدى الذي نزلت به، لو تدبروا القرآن لآمنوا حق الإيمان، ولانقادوا تمام الانقياد، ولآثروا حب رسول الله على حب أنفسهم وأموالهم، لو تدبروا القرآن لخرجوا بنتائج عظيمة، وهي جهدهم في هذه الحياة الوسخة الدنية، وإقبالهم على الملكوت الأعلى والدار الآخرة، هذه هي الوصفة الدوائية الطبية، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، ما من إنسان بعقل، يفهم القرآن بلغته، ويتدبرها ويقرأ، إلا وارتفع منسوب إيمانه إلى نسبة عجيبة، إلا وزاد إيمانه فوق العادة، إلا وأخذ يتخلى عن كل رذيلة اتصف بها أو لازمته زمن حياته، لا يخرج إلا بالنتائج الحق، الإيمان الحق، الإقبال على طاعة الله ورسوله، التأدب والأخلاق القرآنية النبوية، فيسمو، فيصبح من أفضل الناس وأكملهم، هذه وصفة طبية أو لا؟فهل إخواننا يتدبرون القرآن؟ الذين يقرءونه على الموتى لا يتدبرونه.سألني أحد الإخوان، قال: في بلادنا يقرءون القرآن على الموتى؟ قلت له: هذه بدعة ما تنفع، وإن كان لا بد وهم يجادلونك، قل لهم: واحد يقرأ ويرتل وأنتم تسمعون وتتدبرون، هذا لا بأس به، يقرأ قارئ يجيد القراءة، وأنتم تتدبرون وتبكون وتدعون لميتكم، فهذا حسن، أما أن نعطي الدينار والدرهم لقراء يقرءون على الميت؛ ليدخل الجنة وينجو من النار، هذه أوهام باطلة. أو نقرأ القرآن على الميت وهو بين أيدينا، لما نفرغ من القراءة نأكل البقلاوة والحلاوة، كيف ميت بين أيدينا ونأكل ونشرب؟! يا شيخ! لقد هبطنا فلا تلمنا، إي نعم، أيام كنا في علياء السماء، ما كان يحدث هذا أبداً، والمؤمنون والمؤمنات دعاهم ربهم إلى أن يتلوا كتاب الله ويتدبرونه، لا أن يقرءوه على الموتى لينجوه من عذاب الله، أو يدخله الجنة دار الأبرار.قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، استفهام إنكار عليهم جهلهم وإعراضهم. وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ [النساء:82]، أي: لو كان القرآن من عند غير الله تعالى، قاله عالم، ساحر، شاعر، إنسان، فيلسوف، أو اجتمع فلاسفة الدنيا كلهم.. وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ [النساء:82]، والله! لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، مائة وأربع عشرة سورة، ستون حزباً، ثلاثون جزءاً، لن تجد فيه اختلافاً قط، لو أن أعلم الناس يكتب كتاباً كهذا، والله لا بد وأن تشاهد الاضطرابات والاختلافات في أقواله، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].إذاً: علمت أن هذا الكلام كلام الله، فآمن بالله، وإن آمنت بالله فآمن برسوله الذي أوحاه إليه، وإذا آمنت بالله ورسوله فأطع الله ورسوله، ولماذا تأمرني بهذه الطاعة؟ الجواب هنا: لأن تكمل وتسعد، من أجل أن تطيب وتطهر، من أجل أن ترتفع، من أجل أن تخلد في دار السلام، من أجل أن تنجو من الذل والهون والدون، وفي الآخرة من عذاب النار، هذه الدعوة لك بالطاعة ليست لله ينتفع بها، فالله في غنى عن عبادتك، وإنما طاعة الله وطاعة الرسول نظام يحفظ الأمن، ويحقق المودة والإخاء، ويرفع الإنسان إلى مستوى البشرية الكامل، ويبرز به عن المهاوي والمساقط، ويجد لذة الحياة وطعمها، وبالتالي ليتهيأ ليخترق السبع السماوات وينزل في الجنة دار الأبرار، الآن فهمتم السر في الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول؛ من أجل إسعادنا وإكمالنا، والله الذي لا إله غيره!، ومن قال: نستطيع أن نكمل ونسعد بدون طاعة الله ورسوله يرفع يده، هاتوا في الإنس والجن والأبيض والأصفر والكافر والمؤمن؟ في من يكمل آداباً وأخلاقاً ويطهر نفساً ويسمو إلى الملكوت الأعلى بدون طاعة الله والرسول؟ مستحيل.ها هي دول الغرب والشرق، روسيا الحمراء، تبجحت وتطاولت، وقالت: لا إله والحياة مادة، و.. و.. وتكالبت، وإذا بها تهبط هبوطاً لا نظير له، الفسق والفجور والخداع والبلاء والشقاء والفقر والعذاب، لا إله إلا الله! أين تلك الصرخات والصيحات والتأجيج؟ وإخواننا من العرب مالوا إليها، وصافحوها، الاشتراكية اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعادها، هذا صوت العروبة، أين الاشتراكية؟ مزقت تلك الشعوب، وأهانتها وأذلتها وأفقرتها، وأوجبت لها الخزي والعار في الدنيا والآخرة.خلينا من الشيوعية، الديمقراطية الفرنسية، ماذا يوجد في فرنسا وبريطانيا؟ اللواط، الزنا، الخيانة، القتل أل.. أل.. الهبوط إلى الأرض، أين آثار أنظمتهم وقوانينهم. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، الله.. الله.. لو تدبره مسيحي، يهودي التدبر الحق في صدق ويفهم لغته ومعانيه ما يخرج من مجلسه إلا ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وَلَوْ كَانَ [النساء:82]؛ القرآن، مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، الآن تقرأ من أول الفاتحة إلى سورة الناس لن تجد تعارضاً بين آية وأخرى أبداً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:01 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به...)
قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، والكلام أصلاً إخبار من الله للرسول والمؤمنين، يتكلم عن ضعاف الإيمان والمنافين، قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ [النساء:83]، خرجت سرية تغزوا، بلغهم أن السرية انتصرت وجاءوا بغنائم، ما يسكتون بل يذيعون أكثر من إذاعة لندن، كل البيوت تسمع: غنائم، جابوا كذا.. ونحن حرمنا من أن نعطى منها.. ما في صبر، وإذا جاء خبر سرية، أن السرية الفلانية انهزمت واستشهد من استشهد، ما يصبرون: هه! أما قلنا لكم، كيف كذا.. وكذا.. إذاعة لندن في كل بيت. القرآن فيه إذاعة نعم، اسمع! وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ [النساء:83]، الانتصار والانكسار، ماذا يفعلون؟ أَذَاعُوا بِهِ [النساء:83]، بالمدينة بكاملها وخارج البلاد.قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ [النساء:83]، الحاكم العام، وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ [النساء:83]، منهم، وهم قادة المعركة ومسيروها، لو ردوا هذا الأمر، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء:83]، والاستنباط: استخراج الشيء من داخله، كاستنباط الماء من الأرض. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83]، اللهم اجعلنا من ذلك القليل، سمعتم هذه؟ هذه عامة، ولولا فضل الله علينا ورحمته لاتبعنا الشيطان فيما يزين، فيما يحسن، فيما يدعو إليه، فيما.. فيما.. وهمه فقط ألا نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا، فتهيئنا للسعادة في الدار الآخرة، إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83]، ممن عصمهم الله عز وجل.إذاً: هل يجوز لنا أن نتبع الشيطان؟وهل الشيطان يدعو بأعلى صوته؟ لا. يدعو في القلب، يدعو إلى المخمرة، إلى المزناة، إلى الملهى، إلى الملعب، إلى كذا.. إلى كذا.. بالهواجس والوساوس والخواطر، فمن عرف فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأدبر عنه وأعرض، نجا. ومن أصغى واستمع يقوده إلى أن يقول الباطل، ويفعل المنكر.
ملخص لما تقدم تفسيره من آيات
اسمعوا تلاوة الآيات الأربع مرة ثانية: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، صح أو لا؟ والذي ما يطيع الرسول أطاع الله؟ والذي يعصي الرسول عصى الله أو لا؟ إي نعم؛ لأن الرسول يبلغ عن الله أوامره ونواهيه وما يريده منه لعباده من الآداب والأخلاق والعبادات والأحكام. وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، هذا من باب الإحسان إلى نبينا، من باب اللطف به، من باب شد أزره وتقويته على دعوة الله، يقول له مولاه: وَمَنْ تَوَلَّى [النساء:80]، وأعرض وما استجاب، لا آمن ولا استقام فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، ما ألزمناك بهدايتهم، ووضعنا السيف في يدك أن اقتلهم إذا لم يؤمنوا، لا أبداً، فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ [النساء:80-81]، من هؤلاء؟ المنافقون والمرضى، في مجلس الرسول، في الروضة لما يقولون، نفعل كذا.. نقوم بكذا.. يقولون: نعم، سمعنا وأطعنا، أمرنا طاعة، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [النساء:81]، خرجوا من المسجد، ماذا يفعلون؟ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء:81]، أي: بيتوا العزم على ألا يفعلوا ما قاله وأمر به، من اطلع على أسرارهم، وعرف خباياهم؟ الله جل جلاله، من هنا يدخلون في الإيمان ويسلمون، وكم وكم.. من آمن وأسلم بهذه الآيات القرآنية، ما مات الرسول وفي المدينة منافق قط.قال: فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81]، ما يكفيك أن يكون الوكيل هو الله؟ إذا وكلته في أمر عظيم، هو وحده الذي يكفي. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، عاد إليهم ليربيهم، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، فيعرفون أنه كلام الله، وأن من نزل عليه رسول الله، وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، للتي هي أحسن، يبشر المؤمنين، ينذر ويخوف الكافرين، فيكتسبون العلوم والمعارف، ويثبت إيمانه ويقوى، ويزداد لهم اليقين، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، يا رسول الله! يا ربنا! إن أمة نبيك ذات الآلاف الملايين، جلهم ما يتدبر القرآن، أكثرنا لا يتدبره أبداً، إن قرأ بسرعة، أبداً لا يسأل عن معنى آية ولا ما فيها، كيف إذاً يزداد إيماننا ويثبت يقيننا وترتفع علومنا إلى مستويات أعلى؟ كيف يتم؟ إذا كان ضعاف الإيمان يدعوهم الرحمن إلى التدبر بالقرآن؛ ليكمل إيمانهم ويثبت يقينهم، نحن أولى بهذا؛ لأن القرآن ما نزل لخمس منافقين في المدينة، نزل للبشرية كلها إلى أن تقوم الساعة، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ [النساء:82]، أي: القرآن، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، فلما اتحد وانصرم، ولم تجد آية تخالف الأخرى، أو تنقض حكم الله فيها دل هذا على أن من أنزله عليم حكيم، ألا وهو الله رب السماوات والأرض، ورب العالمين.ثم قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ [النساء:83]، وهنا حقيقة، إذا كانت هناك حرب بين المسلمين وأعدائهم ليس من حق العوام، والذين لا صلة لهم بأن يتكلموا فيها، أبداً، ألمانيا كانت تفرض قانوناً: ألا يتكلم واحد في الحرب، عرفت هذا؛ لأن كلام العوام في المقاهي والبيوت وكذا، يهيج ويزد الفتنة، ويكثر الضعف والعياذ بالله، وسنسمع بيان هذا في التفسير إن شاء الله.قال: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ [النساء:83]، لكان ماذا؟ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ [النساء:83]، من الرسول وأولي الأمر، يستنبطون ما هو صالح في صالح الأمة. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [النساء:83]، أيها المؤمنون والمؤمنات! لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
الآن نستمع ما أمكننا أن نسمعه من شرح هذه الآيات، على الأقل آية أو آيتان. ‏
معنى الآيات
قال: [ معنى الآيات في قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ [النساء:80]، إنذار إلى الناس كافة، في أن من لم يطع الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم ما أطاع الله؛ إذ أمر الرسول من أمر الله، ونهي الرسول من نهي الله تعالى، فلا عذر لأحد في عدم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ]، كذا عرفنا؟ آمنا أو لا؟[ وقوله تعالى: وَمَنْ تَوَلَّى [النساء:80]، أي: عن طاعتك فيما تأمر به وتنهى عنه يا رسولنا، فدعه ولا تلتفت إليه؛ إذ لم نرسلك لتحصي عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتجزيهم بها، إن عليك إلا البلاغ، وقد بلغت فأعذرت. وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ [النساء:81]، أي: ويقول أولئك المنافقون المتطيرون بك السيئو الفهم لما تقول، يقولون: طاعة أي: أمرنا طاعة لك، أي: ليس لنا ما نقول إذا قلت إلا ما تأمر به إذا أمرت، فنحن مطيعون لك -داخل المجلس- فَإِذَا بَرَزُوا [النساء:81]، أي: خرجوا من مجلسك بدل طائفة منهم غير الذي تقول واعتزموه دون الذي وافقوا عليه أمامك، وفي مجلسك، والله يكتب بواسطة ملائكته الكرام الكاتبين ما يبيتونه من الشر والباطل، وعليه: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [النساء:81]، ولا تبالِ بهم: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81]، فهو حسبك وكافيك ما يبيتونه من الشر لك ]، يكفيك به.[ وقوله تعالى في الآية الثانية: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، يؤنبهم بإعراضهم وجهلهم وسوء فهمهم؛ إذ لو تدبروا القرآن وهو يتلى عليهم، وسمعوه صباح مساء لعرفوا أن الرسول حق، وأن ما جاء به حق؛ فآمنوا وأسلموا وحسن إسلامهم، وانتهى نفاقهم الذي أفسد قلوبهم وعفن آراءهم؛ إذ تدبر القرآن بالتأمل فيه وتكرار آياته مرة بعد أخرى يهدي إلى معرفة الحق من الباطل، وأقرب ما يفهمونه لو تدبروا أن القرآن كلام الله تعالى وليس كلام بشر؛ إذ لو كان كلام بشر لوجد فيه التناقض والاختلاف والتضاد، ولكنه كلام خالق البشر، فلذا هو متسق الكلم، متآلف الألفاظ والمعاني، محكم الآي، هادٍ إلى الإسعاد والكمال، فهو بذلك كلام الله حقاً ومن شرف بإنزاله عليه رسول حق أيضاً، ولا معنى أبداً للكفر بعد هذا والإصرار عليه، ومنافقة المسلمين فيه، هذا معنى قوله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].وقوله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا [النساء:83]، وهي الآية الرابعة؛ فإن الله تعالى يخبر عن أولئك المرضى بمرض النفاق، ناعياً عليهم إرجافهم وهزائمهم المعنوية، فيقول: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ [النساء:83]، أي: إذا وصل من سرايا الجهاد خبر نصر أو هزيمة، سارعوا بإفشائه وإذاعته؛ وذلك عائد إلى مرض قلوبهم؛ لأن الخبر -وأطلق عليه لفظ الأمر- لأن حالة الحرب غير حالة السلم، إذا كان بالنصر المعبر عنه بالأمن، فهم يعلنونه حسداً أو طمعاً، وإذا كان بالهزيمة المعبر عنها بالخوف؛ يعلنونه فزعاً وخوفاً؛ لأنهم جبناء كما تقدم وصفهم. قال تعالى في تعليمهم وتعليم غيرهم، ما ينبغي أن يكون عليه المجاهدون في حال الحرب ]، كيف يكونون؟قال: [ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ [النساء:83]، القائد الأعلى، وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ [النساء:83]، وهم أمراء السرايا المجاهدة، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، أي: لاستخرجوا سر الخبر وعرفوا ما يترتب عليه فإن كان نافعاً أذاعوه، وإن كان ضاراً أخفوه.ثم قال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [النساء:83]، أيها المؤمنون، لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ [النساء:83]، في قبول تلك -الإرجافات- الإشاعات المغرضة والإذاعات المثبطة إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83]، منكم من ذوي الآراء الصائبة والحصافة العقلية، إذ مثلهم لا تثيرهم الدعاوى، ولا تغيرهم الأراجيف، ككبار الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين].
هداية الآيات
[هداية الآيات:أولاً: وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يطاع لذاته وإنما يطاع لذات الله عز وجل.ثانياً: وجوب تدبر القرآن؛ لتقوية الإيمان.ثالثاً: آية أن القرآن وحي الله وكلامه سلامته من التناقض والتضاد في الألفاظ والمعاني ]، الآية الدالة على أن القرآن كلام الله هو سلامته من التناقض والتضاد في الألفاظ والمعاني.[ ربعاً: تقرير مبدأ أن أخبار الحرب لا تذاع إلا من قبل القيادة العليا؛ حتى لا يقع الاضطراب في صفوف المجاهدين والأمة كذلك.خامساً: أكثر الناس يتأثرون بما يسمعون إلا القليل من ذوي الحصافة العقلية والوعي السياسي ].والله تعالى أسأل أن يجعلنا من صالح عباده.وصلى الله على نبينا محمد.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:02 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (45)
الحلقة (268)

تفسير سورة النساء (5)


المال قوام الحضارة وعصب الحياة، ولذلك شرع الله سبحانه وتعالى أن يحجر على السفيه لمنعه من تبديد أمواله، ومن كان صغيراً يمتحن فإن علم رشده بعد ذلك فيدفع إليه ماله، ومن كان عنده يتيم أو سفيه فيجب عليه حفظه وحفظ ماله، ولا يأكله ويبدده، وإن كان الولي فقيراً فيأكل من مال اليتيم بالمعروف، وإن كان غنياً فيستعفف عن مال اليتيم فهو خير له وأحب إلى الله.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ...) من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر جميعاً بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).وأذكركم أيضاً بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه؛ كان كالمجاهد في سبيل الله ).وأخرى: أن من صلى فريضة في المسجد وجلس ينتظر الأخرى فإن الملائكة تصلي عليهم، تقول: ( اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث ) من صلاة المغرب إلى انتهاء صلاة العشاء والملائكة النورانيون يصلون علينا، ماذا نريد بعد هذا؟! لو كان الأمر إلينا لو أنفقنا ما في الأرض على أن يصلي علينا ملكاً ما استطعنا، ولا أحد يقدر على ذلك، ولكنها منة الله وفضله، الحمد لله! وما أكثر المحرومين من هذا الإنعام والإفضال. أتلو عليكم الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس، ثم نستعرض نتائجها من باب تذكير الناسين، وتعليم غير العالمين، ثم ننتقل إلى الآية الآتية أو الآيتين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:2-4].هذه الآيات الثلاث تحمل هدىً كبيراً، وعلماً ومعرفة، لو ترحل إلى الصين لتعلم هذا وتعود والله ما كان كبير سفر، والله لهي خير من مليون ريال، المليون ريال يفنى أو يوقعك في الفتنة، وهذه تزيد في إيمانك وقوة نورك وبصيرتك.إذاً: الآن تأملوا! أين وجدت هذه الهدايات وكيف أخذناها؟ ‏
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: كل مال حرام فهو خبيث، وكل حلال فهو طيب ] كل مال حرام فهو خبيث عفن منتن، وكل مال حلال فهو طيب، من أين استنبطنا هذا؟ من قوله: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] لا تعط ليتيمك الرديء وتأخذ الجيد، تعطيه شاة هزيلة وتأخذ شاة سمينة، أو صاع رطب من العجوة وتعطيه صاعاً من البرني مثلاً. هذا اللفظ عام.[ ثانياً: لا يحل للرجل -الفحل- أن يستبدل جيداً من مال يتيمه بمال رديء من ماله؛ كأن يأخذ شاة سمينة ويعطيه هزيلة، أو يأخذ تمراً جيداً ويعطيه رديئاً خسيساً ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2].[ ثالثاً: لا يحل خلط مال اليتيم مع مال الوصي -الولي- ويؤكلان جميعاً، لما في ذلك من أكل مال اليتيم ظلماً ]. وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] مجموعة معها مخلوطة بها.وهناك مسألة كانت بعد نزول هذه الآية فرجت بعض التفريج، وهي: لما نزل قول الله تعالى من هذه السورة: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] وجف أهل اليتامى، وفصلوا أموال اليتامى عن أموالهم؛ فكانت السيدة تنصب قدراً لطعامها مع أولادها، وتنصب آخر ليتيمها، وتجعل الماء في قربة ليتيمها خاصة به، وهي وأولادها لهم قربة. وهكذا فصلوا أموال اليتامى عن أموالهم خوفاً من هذا الوعيد الإلهي.هذا شأن المؤمنين، لا تعجب! والله لهذا شأن المؤمنين الموقنين!وكانت حيرة، وكان تعباً، فجاءوا يسألون رسول الله؛ لأنه المفزع الوحيد بعد الله، فأنزل الله تعالى من سورة البقرة بعد النساء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220] في الدين. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] فأذن لهم أن يخلطوا أموال اليتامى مع أموالهم، على شرط أن تكون أموال اليتامى متوفرة، ولا تنقص، ولا يؤخذ منها شيئاً.وقد ضربت لكم المثل برجل عنده خمسة أولاد، وهو وزوجته سبعة، واليتيم واحد ابن أخيه أو ابن أبيه، هذا اليتيم مكفول، إذا كانوا يخبزون له خبزة خاصة به ويخبزون هم خبزة لأسرتهم، هذه الخبزة تعدل تلك الخبزة وإلا لا؟ انظر ماذا فقد اليتيم، كونه يشاركهم في جزء من سبعة، إذا كانت النفقة سبعة ريالات فاليتيم عليه ريال، أحسن من أن ينفق عليه قدر خاص بلحمه ومرقه يكلف أضعافاً، المهم لا بأس أن تخالطوهم على شرط أن يكون ذلك في صالح اليتيم، والله رقيب. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] لا تدعي أنك خلطت ماله بمالك من أجل إصلاحه وأنت تأكله وتضيعه. [ رابعاً: جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع ].جواز التزوج بأكثر من واحدة إلى أربع، وأما فوق الأربع فلا يجوز، والذي يفعل ذلك يرجم إذا كان على علم؛ لأنه زنى وهو محصن، وإن كان جاهلاً يجلد حتى يعرف الطريق.قال:[ رابعاً: جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع مع الأمن من الحيف والجور ] أما إذا كان غير واثق في نفسه من أنه سيعدل بين امرأتين أو أكثر فلا يحل له أن يتزوج الثانية.هل في نفوسكم بعض الشك؟ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] فقط، لم يدافع الله عن النساء هذا الدفاع؟الجواب: لأنه ولي المؤمنين والمؤمنات. ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) أذنت لك في أن تتزوج بوليتي هذه وإذا بك تجور وتحيف وتظلمها إما في طعامها وشرابها، إما في لباسها، إما في سكنها، إما في مبيتها، لا يحل أبداً أن تؤذي مؤمنة.وهل هذا خاص بالنساء فقط؟ هل يجوز أذية مؤمن صعلوك في القرية بنظرة شزرة، بسب، بشتم، بالنيل منه بأدنى نيل من جسمه؟ يرضى الله بهذا؟ أعوذ بالله. ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) ومن يحارب الله ينتصر؟ ينكسر وينهزم. عرفتم هذا؟ هذه امرأة وفي بيته يجب أن يعدل بينها وبين ضرتها سواء الأولى أو الثانية أو الثالثة، والعدل -كما علمتم- ولا تنسوا:أولاً: في المبيت.ثانياً: في الكسوة.ثالثاً: في الطعام والشراب.رابعاً: في الآداب والأخلاق. هذه: يا أم إبراهيم يتبجح، والأخرى: يا سعدية، يجوز هذا؟ هذه يبتسم في وجهها لأنها بنت الأمير أو جامعية، وهذه يكشر في وجهها، يجوز هذا؟ حرام هذا، ما تستطيع لضعف إرادتك وقلة قدرتك وعلمك اكتف بواحدة، واحمد الله على ذلك واشكره، وإن لم تجد بداً طلق هذه وأعطها حقوقها، وقل لها: سامحيني، وائت بأخرى.قال: [ خامساً: وجوب مهور النساء، وحرمة الأكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر، وسواء في ذلك الزوج -وهو المقصود في الآية- أو الأب والأقارب ] مطلقاً. من أين أخذنا هذا؟من قول ربنا: وَآتُوا [النساء:4] بمعنى: أعطوا. النِّسَاءَ [النساء:4] ماذا نعطيهن؟ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] الصدُقات: جمع صدقة بمعنى المهر؛ لأنه يدل على صدق النكاح لا العبث والسخرية به. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] رضيت الزوجة بأن تعطيك ألف ريال، أو سوار من أسورتها لحاجتك ونفسها طيبة.وقد ذكرنا لطيفة هنا، وهي: على شرط ألا تكون حيية، والحياء في النساء تسعة وتسعين درجة، فإذا عرفت أنها ما أعطتك هذا القدر من مهرها إلا حياء لما جربتها وعرفت من حيائها، لا يجوز أن تأخذه، نفسها ما هي طيبة، فقط ما استطاعت أن تقول: لا.وهذا يطبق علينا جميعاً؛ فإذا عرف بيننا شخص حيي لا يرد سائلاً أبداً لو سأله عمارته أعطاه إياها، هذا ما نطلبه، ما نسأله. لم؟ لأن نفسه ما هي طيبة، فقط لحيائه أعطاك.وأخيراً: أذن الله تعالى للمؤمنين إذا أعطاهم أزواجهم شيئاً من مهورهم بالجواز وإلا لا؟ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ [النساء:4] أي: من المهر. نَفْسًا فَكُلُوهُ [النساء:4] وخذوه.
تفسير قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ...)
إذاً: الآن مع الآيتين الكريمتين، إليكم تلاوة الآيتين واتلوهما معي.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:5-6].
أسباب بعد الأمة عن القرآن
عجب هذا القرآن! هل أصحاب هذا القرآن يحتاجون إلى دستور فرنسا؟ إيطاليا؟ أسبانيا؟ أمريكا؟ روسيا؟ ما ندري ما العلة في هجره؟ إنه الجهل، والله ما عرفوا هذا ولا سمعوا به! أكثر المسئولين في العالم الإسلامي الذين يديرون الوزارات والولايات والأحكام أكثرهم -ولا حتى خمسة في المائة- عرفوا هذا الكلام أو سمعوا به، لم؟ لأننا من ألف سنة تقريباً هجرنا القرآن، أبعدناه، إلى أين؟ إلى المقابر، إلى المآتم، من إندونيسيا إلى الدار البيضاء قروناً عديدة ما تجد من يقولك لك: من فضلك! اقرأ عليَّ شيئاً من القرآن، ولكن إذا مات أبوه أو أمه يبحث عنك بالشمعة -كما تقول العامة- ويأتي بك إلى البيت لتقرأ القرآن على أمه التي ماتت لتدخل الجنة. من فعل بكم هذا؟ الثالوث الأسود، ما عرفتموه؟إذاً: لم تنسابون وراءهم، وتجرون جرياً عجيباً كأنكم سكارى أو مسحورون؟قل: يا شيخ! ما عرف هذا إلا هذه المجموعة، أما أمتنا الألف مليون والله ما عرفت هذا!أقول: إنه يريد أن يطفئ هذا النور عليكم، حاولوا بالسلاح ما استطاعوا؛ لأن الله ولي المؤمنين، فقالوا: كيف نصنع؟ قالوا: نرميهم في أودية الفسق والفجور والظلام والشر فيكثر الخبث، وحينئذ يطرحون بين أيدينا.لتصدقوا هذا الكلام اتصلوا بإذاعة لندن، واسألوا بعض المختصين في الماسونية، سيحلفون لكم على أن هذا حقاً عندنا، وأننا نريد إطفاء هذا النور عنهم؛ ليصبحوا في الظلام كغيرهم من العالم الكافر والمؤمن، ولا حيلة لنا إلا بهذا المكر والدس والخديعة.من أراد أن يرد علي إذا أنا ما فهمت أو بربري أتكلم بما لا علم ليَّ يخلو بي ويحدثني فأشرح له موقفه.أقول: هاتك حجرة رسول الله، في أمسية العواصف والغبار والرسول يدخل الحجرة ويخرج ويضرب كفيه: ( ويل للعرب من شر قد اقترب -ثلاث مرات- فاهتزت أم المؤمنين وقالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث ) كيف سادونا وداسونا وامتلكونا من إندونيسيا إلى المغرب لو كنا صالحين والصلاح فينا أكثر من الفساد؟ مستحيل، الطعام يشبع وإلا لا؟ الماء يروي وإلا لا؟ النار تحرق وإلا لا؟ الحديد يقطع وإلا لا؟ هل هذه السنن تبدلت؟إذاً: الفسق والفجور والإثم إذا كثر وعمَّ لا بد من الهبوط والسقوط. كيف يعرف هذا العدو ونحن ما نعرف؟ ويقول: أنا أخي ما يصلي في البيت ويسمع الأغاني وساكت عنه، كيف هذا؟ فهمتم هذه البربرية. هيا .. ماذا نصنع يا شيخ؟أولاً: نطهر بيوتنا، فلا يسمع فيها إلا ذكر الله؛ لأننا جماعة ممتازة، لسنا كاليهود والنصارى، نحن نريد أن نرقى إلى الملكوت الأعلى، وأن نواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كيف تكون بيوتنا كبيوت المجوس واليهود والنصارى؟ هل يعقل هذا؟ هل نحن نرغب في الملكوت الأعلى، أم نخادع أنفسنا؟ لا يسمع في بيوتنا إلا ذكر الله وما والاه. أما أن تسمع أغاني العواهر، ومزامير الشياطين، وصور الأبالسة، وأولادنا يذوبون، ويتحللون، ونفوسهم تخبث، والآن بلغني مع المغرب: أن دار الملاحظة مسئول فيها قال: هذه الأيام من يوم ما جاء هذا الدش والأطفال ينصبون علينا بالعشرات يرتكبون أكبر الفواحش!وقد قلت هنا والله شاهد، بالتلفون قالت لي مؤمنة وهي تبكي: ابنها يفعل الفاحشة في أخته، ورجل قال: ماذا أصنع؟ ولدي يفعل الفاحشة في أخيه! وما زالت القلوب ميتة، والله لو كنا مؤمنين أحياء لا يبيت ليلة هذا الدش على سطح مؤمن، وليس هذا تخلف، ولا تأخر عقلي، ولا سوء فهم، ولا ضد حضارة، ولا ولا ... لأننا قلنا: نتحداكم! أعطونا النتائج الطيبة التي تكتسبونها من هذا الدش على سطوحكم؟ هاتوا. كم ريال في الليلة؟ كم نسبة صحتكم وعافيتكم الزائدة؟ ما هي النتائج: تشبعون عن الطعام؟ تزهد نفوسكم في المال؟ تبيتون ركعاً سجداً؟ ما هي النتائج؟ لا شيء إلا الدمار، هكذا نساق كالبهائم إلى المجزرة.والله إن لم نتب توبة صادقة ما بقيت هذه النعمة! لأن ربك تعرفه أين هو يا هذا؟ أين ربكم؟ بالمرصاد، يراقب.يعرف هذا أعداؤنا ونحن ما نعرفه، هم يسألون: كم سارق صار الآن في المملكة؟ هل ظهر فيها زنا وفجور؟ هل حصل فيها كذا وكذا؟ هل نزع النساء الحجاب عن وجوههن؟ هل كذا .. هل كذا؟ بدقة، ونحن كالبهائم.أعطيكم مثالاً حياً: جريدة الشرق الأوسط، لم في كل عدد في الجهة الأخيرة تجد عاهرة بجمالها؟ ما نعرف، اسأل، عن ماذا أسأل؟ هذا الشاب، هذا العزب، هذا المصاب، هذا يشاهدها ما يبكي؟ ما تتحرك غريزته؟ ما يفجر؟ هذه صورة، وكل الجرائد.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:02 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وسائل عودة الناس إلى دين ربهم
نقول: هذا الدستور الإلهي الرباني المحقق للسعادة في الدارين والكمال والعز والطهر والصفاء يجهل ولا يوجد في المائة واحد يعرف عنه شيئاً، القرآن يقرأ على المقابر في القبور على الموتى.وما زلت أقول وسوف أموت ولا يبقى من يقولها -والله العظيم فيما أعلم-: لا طريق إلى نجاتنا والإبقاء على نورنا وهدايتنا إلا أن نسلك ذلك المسلك النبوي، إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، لا دكان مفتوح الباب ولا مقهى ولا مصنع ولا متجر ولا مزرعة ولا حقل، وأهل القرية في قريتهم أو أهل الحي في مدينتهم على الفور يتوضئون ويلبسون أحسن لباسهم، ويأتون بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم. هل لهم رب؟ إي ورب الكعبة، من خلقهم؟ من رزقهم؟ من خلق هذا الكون لهم؟ له بيت؟ إي نعم، هو المسجد الجامع. أين يذهبون؟ إلى بيت ربهم، ماذا يريدون؟ يستمطرون رحماته، يطلبون فضله وإحسانه، يهربون من فتن الشياطين وويلات الدنيا إلى بيت ربهم ليتنفسوا الصعداء، ويروحوا على أنفسهم، لينسوا آلام الخبث وما أصابهم، وفوق ذلك ليتعلموا الكتاب والحكمة، ليعلموا فيسموا ويرتفعوا، سنة واحدة تنتهي وتختفي مظاهر الظلم، الخبث، الغش، الخداع، الكذب، الحسد، والله لتنتهي، سُنة الله عز وجل. ويفيض المال، والله ماذا يصنعون به، الذي كان ينفق معاشه خمسة آلاف تزيد عليه والله ما تنقص، ما يبقى محتاج بينهم ولا فقير. لا سرقة ولا غش ولا كذب ولا خداع، هذا ممكن أن يكون؟ والله الذي لا إله غيره! ما صبروا على هذا المجلس بنسائهم وأطفالهم، عام واحد يتعلمون الكتاب والحكمة وكلهم صدق، ما سمعوا حكماً إلا علموه وطبقوه، لم تمض سنة وهم أطهار أتقياء، أولياء لله لو رفعوا أكفهم إلى الله ما ردها خائبة أبداً. هل هناك طريق غير هذا يا شيخ؟ هذا صعب، ما نستطيع. قولوا لي: كيف نغلق دكاكيننا؟ كيف نأتي المسجد؟ هذا أمر صعب، ما نستطيع.إذاً: كيف تستطيعون أن تخترقوا سبع سماوات؟ وإلا تكذبون في إيمانكم ما لكم عمل؟وقلنا أيضاً: الذين اقتدينا بهم حتى في شرب الشاهي أو شرب الحشيشة، هؤلاء إذا دقت الساعة السادسة في أوروبا، في أمريكا، في اليابان؛ يقف العمل، ويذهبون إلى المساجد؟ ما عندهم مساجد، كفار، يذهبون إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمعارض يخففون عن أنفسهم آلامها، ونحن ما نستطيع أن نذهب إلى المسجد؟ أموات نحن أم مسحورون؟ أمر عجب هذا! والله لو تحركنا في هذه البلاد هذه الحركة سنة واحدة لتغيرت الحياة تغيراً بكاملها، لكن أين العلماء؟ أين المبلغون؟ لا شيء! ناموا كما هم نائمون حتى تدق الساعة.بالأمس قلت لكم: من أراد أن يفجر أو يفسق في هذه البلاد يرحل، حتى ولو كان هاشمياً من آل البيت، هذا هو الواجب. ما تريد أن تستقيم اخرج، خل البلاد طاهرة، بالطهر تبقى أنوار الله وهدايته وراية لا إله إلا الله، وإن غضب العالم بأسره. عرفوا هذا فنشروا الخلاعة والدعارة والفساد والشر فينا حتى يعجلوا بذبحنا.
معنى قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ...)
الآن الآيتان الجليلتان اسمع قول ربنا جل وعز: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] ما المراد من السفهاء؟ جمع سفيه وإلا لا؟ ما المراد من السفيه؟ هو ناقص العقل الذي لا يحسن التصرف في المال. انتبهتم؟ يكفيه كيلو لحم يأتي بفخذ كامل، يكفيه بريال فول يجيب بثلاثة ريالات، يكفيه في كل فصل ثوب يأتي بعشر ثياب. السفيه الذي ما عنده علم واسع حاذر، وعقل حصيف يعرف أن يضع الريال، فإذا تبين أن امرأتك أو بنتك أو ولدك أو أخاك ما يحسن التصرف في المال يبذره ويفسده فلا تعطه المال. وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]هي أموالهم سماها أموال؟ نعم، مال ابنك مالك، ومالي أنا المسلم مالك، أمة مشتركة في هذه؛ لأن الأموال قوام الأعمال.
معنى قوله تعالى: (التي جعل الله لكم قياماً)
قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] الأموال قوام الأعمال، لو تنفذ خزينة الدول ضجت الدنيا وتساقط الناس. هي أموالنا جميعاً وإلا لا؟ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] والقيام والقوام ما عليه يقوم الشيء، حياتنا تقوم على المال؟ إي نعم، قيام وقوام بمعنى واحد، وقرئ: (قيماً) أيضاً كعوذاً وعياذاً.حياتنا تقوم على المال، فلا يحل أبداً إسراف فيه ولا تبذير ولا تضييع بحال من الأحوال، وإن رأينا من يسرف ويبذر يجب أن يحجر عليه، هذا إذا كان كبير السن ابن العشرين والثلاثين وهو يعبث بالمال يجب أن يحجر عليه بصك من المحكمة فلا يستطيع أن يبيع ولا يشتري إلا في حدود عشرة ريالات وإلا خمسين. عرفتم معنى هذه الآية؟ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5].
معنى قوله تعالى: (وارزقوهم فيها واكسوهم ...)
وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [النساء:5] إذا حجرتم عليهم فليس معنى هذا أنك تجوعه وتعريه، أطعمه واكسه وافرش له الفراش، لكن لا تعطيه المال ينفقه وهو لا يحسن إنفاقه، سواء كانت زوجة وإلا ابن وإلا عم. هذا هو التكافل الاجتماعي.وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [النساء:5] لم ما قال: وارزقوهم منها واكسوهم منها؟ هذه لطيفة لغوية. وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا [النساء:5] المفروض يقول: وارزقوهم منها وإلا لا؟ قال: فِيهَا [النساء:5] معنى هذا: لما تحجر على الزوجة، على الولد، على القريب؛ هذا المال يجب أن تنميه في صناعة، في تجارة، في زراعة حتى تصبح تطعم المحجور عليهم من الفوائد والأرباح، ويبقى أصل المال كما هو، ولما يرشد ويعقل تعطيه المال كاملاً، ما تقول: آه! مع الأسف أكلناه. هذا تدبير من هذا؟ أيستطيع كافر أن يصل إلى هذا المستوى؟ مستحيل، وإن اتخذناهم أئمة لنا نحتج بآرائهم.
معنى قوله تعالى: (وقولوا لهم قولاً معروفاً)
قوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] قولوا لهم الكلمة الطيبة، يا ولدي، يا أخي، هذا لصالحك أنت، هذا المال نحفظه لك، يأتي يوم وأنت صاحبه، قل له: بارك الله فيك! نحن ما فعلنا هذا إلا من أجلك ليحفظ مالك يا ولدي. الكلمة الطيبة، القول المعروف، حتى لا يتألم ويبكي من الحجر أو من منعه من التصرف في ماله؛ لأنه قليل العقل والفهم، رأيناه يبذر وينفق. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] لا يا كلب ويا أعمى ويا جاهل يا فاسق، يا ضال. الجهال يفعلون هذا؟ ما عرفوا. هذه الآية واضحة فإليكموها. وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] ذكر الرزق وهو عام، والكسوة لأنها ضرورية، وأما الفراش والمأكول فكله واحد.
تفسير قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ...)
يقول الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] أي: امتحنوهم، اختبروهم، إذا كان عندك ثلاثة، كم بلغ أكبرهم؟ خمسة عشر عاماً، هذا يتهيأ وإلا لا؟ امتحنه، خذ يا إبراهيم الزنبيل، خذ هذه المائة ريال جيب المقاضي، جيب السكر والبقلاوة والزيت. وخله يروح، وانظر كيف يرجع، يرجع بنصف الزنبيل، فين الفلوس؟ ما حصلت على كل ما طلبت. مرة ثانية: خذ يا إبراهيم اشتر لنا نعجة نذبحها، وانظر ماذا يصنع، ممكن يلعب بالمائة ريال وإلا مائتين ويقول لك: ما حصلنا، أو هذه الفلوس ما جابت لنا النعجة. هذا هو الاختبار الامتحان، وأنت تشرف عليه.فإن آنست أي: أبصرت، وسكنت نفسك إلى رشده، وعرفت أنه حكيم، المائة ريال رجع لك منها خمسين ريال، ويشتري تلك المقاضي كلها، حينئذ أعطه المال. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] أي: سن البلوغ، سن الزواج. تعرفون سن الزواج وإلا لا؟ البالغ، علامة البنت الحيض، الرجل إنبات الشعر، بلوغ ثمانية عشر عاماً. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] ادفعوا إليهم أموالهم، اسمع ملحوظة: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] صعاليك من جماعتنا لما يعرف أن اليتيم قارب سن الخامسة عشر يأخذ ماله،ويستعجل ويسرف في ذلك المال ليشفي صدره، أو يبادر مبادرة قبل أن يبلغ قبل أن يرشد يستعجل أكل مال اليتيم، عرف هذا الجبار جل جلاله، فقال: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يقول لولده: هات كذا من مال اليتيم، عما قريب سيأخذ أمواله ويشرد عنا، عجلوا. هذا أولاً. وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] الولي على مال اليتيم إذا كان غنياً لا يحل له أن يأكل تمرة واحدة أبداً، وإذا كان فقيراً يأكل بالمعروف، أكل المعروف حده ماذا؟ إذا يكفيه قرص عيش ما يشتهي قرصين، إذا يكتفي بأكلة في اليوم لم يأكل أربعة أو ثلاثة؟ ومن المعروف أيضاً: أن يستدين من مال اليتيم ويكتبه ديناً عليه حتى يسدده، اللهم إلا إذا كان يقوم بعمل لليتيم، هذا العمل يقوم به آخر، سقاية، زراعة، تجارة، في هذه الحال يصبح موظفاً عند اليتيم، ولا يأخذ إلا بقدر ما يأخذ غيره في نفس العملية.إذا كان غنياً لا يأكل شيئاً، يشتغل مجاناً لوجه الله تعالى، هذا ابن أخيه يتيم في حجره، ما يأخذ أي فلس عن عمله لله، لكن إن كان فقيراً بدل ما يشتغل عند فلان وفلان يضيع هذا، لا بد له أن يشتغل في مال اليتيم وإلا لا؟ يشتغل وليأخذ الراتب بنظيره عند الآخرين، يسأل: الذي يقوم بكذا وكذا كم يعطى؟ قالوا: يعطى ألف ريال؛ يأخذ ألف ريال، أو أقل بقليل.هذا هو الذي أرشد الله تعالى إليه وأمر به في قوله: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] فليعف، لا يأكل ولا يشرب من مال اليتيم، ويشتغل لوجه الله عز وجل. وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء:6] هذا الأمر للوجوب وليس للندب أبداً، بلغ السن وهو راشد. تعال يا إبراهيم ، يا عثمان ! هات الحساب، لك مبلغ كذا كذا كذا، لك المصرف الفلاني تفضل، اشهد يا فلان ويا فلان أننا دفعنا إليه ماله، (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ)، واسمعوا: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:6] إن الرقابة لله، هو الذي يحاسب ويجزي، انتبه أن تخفي شيئاً وتعطيه أمام الشهود كذا وكذا وأنت اختبأت مالاً، تقول: أنا أشهدتهم على ما أعطيته، خف من الله وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:6].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيتين: أولاً: مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته ] وهذا يعم كل سفيه من زوجة وأم وأب وابن؛ فالذي ينفق في غير مرضاة الله، ويبدده في غير ما أذن الله يجب أن يحجر عليه بالمحكمة؛ فإن باع بيعه باطل، أو اشترى فشراؤه فاسد. [ ثانياً: استحباب تنمية الأموال في الأوجه الحلال؛ لقرينة قوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا [النساء:5] ] ما قال: منها.[ ثالثاً: وجوب اختبار وامتحان السفيه قبل دفع المال إليه؛ إذ لا يدفع إليه المال إلا بعد وجود الرشد ] ضد السفه.[رابعاً: وجوب الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده.خامساً: حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقاً ] فلا يحل أكلك مال السفيه المحجور عليه، ولا مال اليتيم.[ سادساً: الوالي على اليتيم إن كان غنياً فلا يأكل من مال اليتيم شيئاً، وإن كان فقيراً استقرض ورد عند الوجد واليسار، وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للولي أن يعمل بأجرة المثل ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (46)
الحلقة (269)

تفسير سورة النساء (50)


أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجاهد في سبيله سبحانه لا يكلف إلا نفسه، وأمره أن يحرض المؤمنين على القتال في سبيل الله، مبيناً له أنه باتخاذ الأسباب سيدفع الله عنه وعن المؤمنين أذى المشركين وشدتهم ونكايتهم؛ فهو سبحانه القادر على ذلك، وهو ذو البأس الشديد، والنكال الأليم بأعداء دينه وأنبيائه وعباده المؤمنين.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة، وأريد أن ألفت النظر: من منكم يجيبني عن هذا السؤال أيها الدارسون والمستمعون، وهو: الحسنة التي يوفق لها عبد الله أو أمة الله، مصدرها ما هو؟ من أين أتت؟الحسنة: وهو ما يحسن بك في جسمك، في عقلك، في حالك عامة، في قلبك ونور هدايتك، كأن تقوم آخر الليل تتهجد، هذا الحسنة مصدرها ما هو؟مصدرها الله هو واهبها، وإن أصابتك سيئة في بدنك، في مالك، في عقلك، في روحك، بغشيانك ذنباً من الذنوب، وارتكابك معصية مصدر هذه ما هو؟النفس، ما دليل ذلك من الكتاب والكريم؟قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، الحسنات مطلقة الله واهبها فيحمد ويشكر عليها، ما تجد حسنة في نفسك إلا وتقول: الحمد لله، وإن وجدت سيئة ولو كانت مرضاً في بدنك، حاش لله أنه أراد هذا منك، أنت خالفت سننه في خلقه، فمثلاً تحملت ما لا تطيق من العمل فمرضت، فلا ينسب هذا إلى الله. غشيت ذنباً من الذنوب، تقول الله! الله حرمه ونهاك عنه ووعدك في غيره الخير، كيف ننسبه إلى الله؟! هذه الآية: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].لما حصلت الهزيمة في أحد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل منهم سبعون بطلاً وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشج وجهه، وكسرت رباعيته، ودخل المغفر في رأسه، هذه السيئة من أين؟من أنفسهم؛ لأنهم ما وفوا بما عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المقام في مكانهم كيفما كانت الحال، لما شهدوا هزيمة المشركين، أكبوا يأخذون الغنائم، فوجد قائد المشركين فرصة فأحاط بهم، وكان الذي كان.خلاصة القول: إذا وجدت حسنة في نفسك احمد الله، الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. وإن وجدت شيئاً مؤذي: أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله.
تفسير قوله تعالى: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ...)
والآن مع هذه الآيات الثلاث، هيا نتغنى بها وأنتم تتلونها بألسنتكم وتتدبرون معانيها.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا * مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا * وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:84-86]، المحاسب، المجازي.
أمر الله تعالى لنبيه بالجهاد في سبيله
قوله جل ذكره: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، من المخاطب هنا؟الرسول عليه السلام. من يخاطبه بهذا؟الله. أين الله؟ على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، ونحن بين يديه، والله لا يغيب عنه من أمرنا شيء، الله تعالى يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أي: بناءً على ما سبق من أنه لما فرض الجهاد كانت طائفة تتململ، وأخرى تعتذر، وأخرى تطالب بتأخير القتال، ولما يدعون يقولون: أطعنا، وإذا خرجوا بيتوا خلاف ذلك، ماذا تفعل إذا يا رسولنا؟ فقاتل وحدك، فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، هذه الجملة دلت دلالة قطعية أنه لا يوجد أشجع من رسول الله قط في الأرض، لا أبيض ولا أصفر، لا علي ولا خالد بن الوليد ، عرفتم؟كيف فهمنا هذا يا شيخ؟ أيكلفه الله بأن يقاتل وحده؟ لولا علمه تعالى بشجاعته يكلفه وحده؟ ويدل لذلك واقع الحياة، يقول الأبطال: كنا إذا حمي الوطيس نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، علي وعمر وخالد وفلان وفلان.. إذا اشتدت المعركة نجيء وراء الرسول نلوذ به، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أبنائي هل عرفنا سبيل الله قبل اليوم؟ ما هو سبيل الله هذا؟من يقوم ويبين لنا؟ أو مع الأسف نسينا؟ أي طريق: هل الكعبة أو طريق الشام؟ سبيل الله: هي أن يعبد وحده في الأرض، وليسعد العابدون في دنياهم وفي أخراهم.وهذا الذي نقوله في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، (الصراط) الطريق، (المستقيم) لا اعوجاج فيه، ونحن سائرون، عن يميننا الواجبات ننهض بها، وعن شمالنا المنهيات نتجنبها.. وإلى متى؟ إلى ساعة الوفاة عند باب الجنة.سبيل الله: الطريق الموصلة إلى رضاه، سبيل الله الطريق الموصلة إلى جواره، ما هي؟ أن يعبد وحده، تلك العبادة تزكي النفس وتطهرها، حينئذٍ العابدون في سبيل الله، وهل إذا قاتلنا من أجل تحرير البلاد يعتبر هذا سبيل الله؟ تحرير الوطن، ماذا تقولون؟أوسع لكم دائرة العلم: إذا نحن مسلمون صادقون، وهاجمنا العدو الكافر المشرك، حينئذٍ قتالنا سبيل الله تلون:أولا: دفع هذا الظالم، وإخراجه وإبعاده عن ديارنا.ثانياً: قتال هذا الكافر لكفره، نريد أن نهزمه ليدخل في الإسلام؛ فهو سبيل الله.إذاً: أما أن يكون قتالنا فقط من أجل المال أو السلطة أو الرياسة، أو التحرر والاستقلال، ولم نرد بهذا أن يعبد الله وحده فليس في سبيل الله؛ لأننا إذا قاتلنا ودافعنا العدو عن المؤمنين والمؤمنات مكناهم من عبادة الله. إذاً: هو سبيل الله عز وجل.ونأسف أننا جاهدنا بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبلجيكا و.. و.. ولما تحررنا ودفعنا العدو خارج البلاد أغمضنا أعيننا وسكرنا في حب الدنيا، ولم نقم الصلاة، ولم نجبِ الزكاة، ولم نأمر بمعروف، ولم ننه عن منكر، ولم نقم حداً من حدود الله، ولم نقم بدعوة إلى الله داخل بلادنا أو خارجها.إذاً: فقتالنا ما كان خالصاً لله، بل لتحرير الوطن! هذه الحقيقة، ذكرناكم بها وإن مضت؛ لأننا مع قول ربنا، فَقَاتِلْ [النساء:84] يا رسولنا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، ما سبيل الله؟ أن يعبد الله وحده.
أركان الدولة الإسلامية
قال الله تعالى: لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، التحريض: الحث، والترغيب: معاشر المؤمنين! إنا خارجون إلى غزاة كذا، سرية كذا، أما إلزام لا.. لا.وهذا يبقى إلى اليوم، والحمد لله ألف مرة أن السلطان عبد العزيز ودولته باقية، ونحن نحطم فيها من كل جانب انتبهتم؟ التجنيد عندهم إجباري، لماذا؟ أوروبا عندها التجنيد إجبارياً، المسلمون المقلدون إجبارياً، إذا بلغت الثامنة عشرة يجب أن تتجند، لماذا السعودية وهي دولة القرآن ما تفرض على المواطنين الجهاد، أجيبوا؟ لهذه الآية الكريمة: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على القتال.من يرغب في التجنيد.. في التعليم، فليتفضل، أما إلزامياً ما في؟ لهذه الآية الكريمة، فهمتم هذه أو لا؟تأمل! تجد الدنيا كلها تفرض التجنيد على مواطنيها، إلا المملكة ما أوجبت، ترغب تفضل سجل وادخل، أما إلزاماً لا، ما علمناه وما وجد، من أين جاءهم هذا؟ لأن عبد العزيز لما أقام الدولة أقامها على مبادئ الإسلام الصحيحة، الأركان الأربعة، إذا سقط ركن سقطت، وقواعد الإسلام خمسة، إذا سقطت قاعدة، بقي إسلام؟ أركان الإيمان كم؟ ستة، إذا سقط ركن بقي إيمان؟ هبط كل شيء.إذاً: أركان الدولة الإسلامية، وهذا الكلام نردده من ثلاثة وأربعين عاماً في هذا المسجد، والزوار والحجاج والمستمعون و.. و.. إلخ، وأنا أقول: يجب على الإقليم الإسلامي إذا استقل عن الدولة الكافرة أن تقام فيه الدولة على أربعة أركان: ذكرها الله تعالى، وبينها في قوله اسمع: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: استقلوا.. حكموا أو لا؟ قبل أن يحكموا كيف يكلفون؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ فرفشوا.. غنوا؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، أقاموها قياماً حقاً، لا يمكن أن يبقى مسلم في ديارنا لا يصلي.في الجند أمره واضح، لا يمكن لعسكري أن يترك الصلاة؛ لأنهم بين يدي رقابة قاداتهم وولي أمرهم، المواطنون أيما مواطن من ذكر أو أنثى ترفع به دعوى إلى الهيئة ما يصلي، يجلبونه وينتزعونه ويصلي، فإن قال: لا أصلي، ثلاثة أيام ويقطع رأسه؛ إذ لا حق له في الحياة، سبحان الله! والله لا حق له في الحياة، كيف يأكل الطعام ويشرب الماء ويتنفس الهواء وهو لا يعبد الله، بأي حق؟ يقتل.ثانياً: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] يا صاحب الغنم! إذا ملكت أربعيناً رأس تأتينا بجدي أو خروف.يا صاحب الإبل! إذا ملكت خمساً تعطينا نعجة.. عشراً تعطينا نعجتين.. خمس عشرة ثلاث نعاج.. عشرين أربع نعاج.. خمساً وعشرين تعطينا ابن الناقة اللبون.يا صاحب البقر! -وإن كان ما عندنا في المملكة أبقار كثيرة- إن ملكت ثلاثين بقرة هات عجل، وصاحب الشعير كصاحب التمر، كصاحب الذهب والفضة، الزكاة قاعدة الإسلام الثالثة؟إذاً: فجبيت الزكاة جباية حقة، والله يأخذون صاع الشعير، وصاع التمر.ثالثاً: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، لا بد من هيئات جماعات مستقلة في كل قرية، في كل حي، مهمتها إذا شاهدت معروفاً متروكاً تقول لصاحبه: افعل هذا، كيف تتركه، شاهدت مرتكب منكر: يا عبد الله! لا يصح هذا، افعل هذا، اترك هذا: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]. وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، كم ركناً أقيمت عليه الدولة الإسلامية؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، استقل لنا نيف وأربعون إقليماً من إندونيسيا إلى موريتانيا ما بغلنا أن إقليماً واحداً أجبر المواطنين على إقام الصلاة، بلغكم هذا أنتم؟ ولا جبوا الزكاة، ولكن عوضوا عنها بالضرائب، لِم هذا؟ الضريبة لا بأس، والزكاة خل الزكاة، لا إله إلا الله، يا للعورة ما أفضحنا. الضرائب! حتى على النافذة، والزكاة لا ما نطالب بها، خل الناس أحرار، اتركهم يكفروا.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
موانع عبادة الله وحده
والشاهد عندنا: أما بلغ المؤمنين والمسلمين هذا القرآن؟ أي مانع يمنعهم أن يجبروا مواطنيهم على إقام الصلاة، ما الذي ينقصهم؟ ما الذي يصيبهم؟ ما المانع أن يجبوا الزكاة جباية رسمية، والضرائب عند الضرورة عند الحاجة إليها؟ لِم ما يوجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ رجال صالحون ذي مهمتهم، الجواب: لا.. لا، وبعد: كيف حالنا لما استقللنا؟ هبطنا أبعد هبوط، في بعض البلاد والله العظيم لعهد استعمار أوروبا لها أفضل منها الآن.فهمتم هذه اللغة أو لا؟ لِم يا شيخ تتكلم بهذا الموضوع؟ نحن مع قول ربنا: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] لِم؟ ليعبد الله وحد، كيف ما نعبده ولا نأمر المواطنين بعبادته، المفروض أن ندعو الكفار ونقاتلهم ليعبدوا الله، فإذا بنا نحن ما نعبد الله، أعوذ بالله!والسبب: الثالوث الأسود.. المجوس واليهود والنصارى، هم الذين عرفوا كيف يطفئون أنوار الله في الأرض حتى لا تسود وتنتشر، فالقرآن الكريم يقرأ على من؟ على الموتى! السنة النبوية للبركة، فعم الجهل فجهل الحاكم والمحكوم ولا يلامون، ما عرف، كيف تطالبه أن يحكم الكتاب وهو ما يدري؟ونواصل دراستنا جميعاً لقول الله تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، المؤمنين الصادقين في إيمانهم: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] و(عسى) تفيد من الله التحقيق: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ماذا عنا؟ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، أعداؤنا وخصومنا الذين يقاتلوننا، ويريدون إنهاء وجودنا وديننا. وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] (البأس) القوة، (والتنكيل) هو العذاب والتعذيب الذي يصبح نكالاً لغيره، من رآه ما يفعل فعله.انتهت هذه الآية الكريمة، اسمعوا تلاوتها: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على ماذا؟ على القتال وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، ومعنى هذا: الاستعداد، القوة يجب على الدولة الإسلامية أن تكون قوية، وأن تعد العدد والعتاد الحربي بأعلى صورة، من أجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، لا يحل أبداً للدولة المسلمة أن تهمل جانب القوة أبداً، واقرءوا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ [الأنفال:60] فعل أمر أو لا؟ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] ابذلوا كل طاقاتكم، فإذا عجزتم: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، أيام كانت الخيل والفرسان، الآن النفاثات في المطارات الخاصة، هذا أمر الله هل استجبنا له؟ ما استجبنا.إذاً: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] يا رسولنا وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] شدتهم وحربهم وعداءهم لنا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا [النساء:84] منهم كلهم وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84].وقد حدث، ونكل بهم الله وانهزموا، في خمس وعشرين سنة فقط وراية الإسلام من أقصى الشرق إلى الغرب، ما مات رسول الله والجزيرة فيها من يعبد غير الله، حارب الرسول عشر سنوات الجزيرة كلها طابت وطهرت، وخلال خمس وعشرين سنة أخرى من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وصل الإسلام إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب.
تفسير قوله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ...)
يقول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، النصيب معروف: الحظ، الربع الخمس السدس، والكفل كذلك، الكفل والنصيب واحد، الكفل النصيب مكفول لك، مضمون، نصيب مضمون، ماذا يريد تعالى منا؟ اسمع.. اسمع، وهو يخاطب من؟ أمة الإسلام: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] منا يا عباد الله، ما هي الشفاعة الحسنة؟ هنا ابدأ بالجهاد، من ينضم إلى صفوف المجاهدين الذين حرضهم الرسول على الجهاد، والذي أيضاً يرغب الآخرين ويحبب إليهم الجهاد، هذا شافع أو لا؟ شفاعته حسنة أو سيئة؟ حسنة، والذي يثبط: اجلسوا ما فائدة هذا القتال؟ ماذا تريدون؟ خلوهم، هذه الشفاعة سيئة أو حسنة؟ سيئة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، حرضتني أنا على الجهاد ومشيت، أنت تأخذ من أجري شيئاً، حرضت فلاناً على القعود ولا يخرج مع الرسول ويقاتل أثمت أو لا؟ هو قعد، قعوده أيضاً تنال منه قسطاً.وهذه الآية عامة، أيما مؤمن يشفع لأخيه في استرجاع حق ضاع منه، أو ظلم أصيب به، فضممت صوتك إلى صوته، ووجهك إلى وجهه إلا وكان لك نصيب من هذه الشفاعة، وأيما مؤمن يأتي إلى جنب آخر يساعد على الباطل، على أخذ أموال الناس وحقهم، إلا وهو شريك في هذا الإثم، في هذه السيئة. قاعدة عامة إلى يوم القيامة. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الشفاعة الحسنة تكون فيما أذن الله فيه، فيما أمر الله به، فيما أباحه للناس، والشفاعة السيئة تكون فيما حرم الله، فيما نهى الله عنه، فيما هو ضار غير نافع، هذا وعد من الله أو لا؟ هو الذي يعطي: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، لم سميت هذه شفاعة؟في عرفنا الوتر الفرد، والشفع ركعتان، فإذا كنت وحدك فأنت وتر فرد، فإذا انضم إليك أخاك ليساعدك أصبحتما شفعاً، وقد قدمنا ذلك في الحديث عن الزوج، الرجل يقال فيه زوج أو لا؟ كيف زوج وهو فرد، ما يقال فيه زوج إلا إذا تزوج، فهي المرأة زوج أو لا؟ وهو زوج، هذا طلقها تقول هي زوج؟والرجل يقال فيه ذكر، وهذه أنثى، لكن عند الاجتماع كل واحد زوج الثاني، أي جعله زوجاً بعدما كان فرداً.كذلك الشفاعة: أنت خرجت تطالب بحقك وحدك، جاءك من ساعدك أو شهد معك أو قال كذا، أصبحت مع واحد آخر أو لا؟ شفع أو لا؟ شفع، من يضم وجهه إلى وجه أخيه يطالب بحق، أو يدفع خطراً عنه، هذا هو الشفيع والشافع، وهذا المسلك والطريق هو الشفاعة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الحسنة الطيبة الصالحة كيف نعرفها؟ ما أذن الله فيه، والسيئة ما حرمه الله ولم يأذن فيه.فلان ذهب ليشفع له عند المسئول بأن يفتح مخمرة! هذه شفاعة طيبة هذه؟!فلان ذهب ليشفع عند الأمير ليفتح أستوديو للصور، شفاعة سيئة أو حسنة؟ سيئة.شفع لأن يفتح مكتبة يبيع فيها الكتاب، حسنة أو سيئة؟ هذا هو.. شفع شفاعة ليفتح دكان حلاقة ليحلق وجوه الرجال، سيئة أو حسنة؟ سيئة.على كل عرفنا الآن، وإياي وإياكم أن تشفعوا لمؤمن من المؤمنين في سيئة فتتحملون كفلاً منها، وتؤذون أخاكم وتضرونه، انصحوا له قولوا: هذا باطل، لا يجوز هذا العمل أبداً، كيف نشفع لك حتى يتحقق لك. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، قال: (نصيب) على قدر هذه الحسنة، شفعت له: أنجيته من سجن أو عذاب، أكثر من شفعت له ليعطى خمسون ريالاً مثلاً، بحسب الشفاعة. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: عليماً حفيظاً مقتدراً، المقيت: من الوقت، والوقت المراقب فيه، الراعي له الحافظ له هو الله، فهو على كل شيء حفيظاً ومقتدراً قادراً ومراقباً، فكل شفاعاتنا في الخير أو الشر لا تخفى عن الله عز وجل، وسوف يجزي كما وعد، نصيب للشافعة الحسنة وكفل للشفاعة السيئة، لو كان الله يغيب عنه حالنا ما يدري عما نقومه في ظلام الليل، بالأمس ما فضحهم أو لا؟ إذا كانوا عندك قالوا طاعة، وإذا خرجوا بيتوا خلاف الذي قالوه أمامك، من علمهم وأخبر بحالهم؟
تفسير قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ...)
قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ [النساء:86]، وهي: السلام عليكم، ما هي تحية أهل الجنة؟السلام.. تشكون فيها؟ تحية أهل الجنة باللغة الإنجليزية.. بالفرنسية (بنسوار) ؟ والله لا توجد تحية في دار السلام إلا تحية: السلام عليكم: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، السلام عليكم، هذه تحية أهل الجنة، وتحية أهل الإسلام، حتى لو كنت فرنسياً إيطالياً وأسلمت لا بد وأن تقول: السلام عليكم. وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] أي: حياكم مؤمن من المؤمنين أو كافر أيضاً، ماذا تقولون؟ كان اليهود يمكرون برسول الله والمؤمنين، يقولون: (السام عليكم)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وعليكم، قالت عائشة : ( أما سمعت ما قالوا يا رسول الله؟! قال: السام، قال: وأنا قلت: وعليكم ). أو فيه من لا يموت.إذاً: السلام: الحياة، ومن أسماء الله تعالى: السلام، وإذا قلت لأحد: السلام عليكم، معناه: أنك أعطيته أماناً كاملاً، وإذا سلم عليك آخر معناه: أعطاك الأمن الكامل، لا يأخذ منك ولا يؤذيك، هذه تحية أهل الجنة، وهبنها الله وعشنا عليها، إذا حييت ماذا تقول؟ السلام عليكم.وقوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، إن شئت قلت: وعليكم السلام، رددتها كما هي، وإن قلت: ورحمة الله وبركاته، زدت أو لا؟ أكثر من الأولى.وهكذا.. أول السلام لا تقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما تركت لهم شيئاً، قل: السلام عليكم، الرد: إن اكتفى بقوله: وعليكم السلام، كفاه ذلك، وأدى الواجب ولا إثم عليه وعنده عشر حسنات، وإن زاد (ورحمة الله) زاد عشر حسنات، وإن زاد (وبركاته) زاد عشر حسنات، فالذي يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فاز بثلاثين حسنة.أيام كنا في داخل المسجد، قلنا: هيا نعد، أيام كنا نمشي على أرجلنا في الشوارع، كل من نلقى: السلام عليكم.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نصل قريباً من البيت ثلاثمائة حسنة.. مائتين وخمسين، مائة وأربعين.هيا أحصوها، إذاً: (السلام عليكم) بعشر حسنات، (ورحمة الله) بعشر (وبركاته) بعشر.والسنة: أن الكبير هو الذي يبتدئ السلام بالنسبة إلى الصغير، فليسلم الكبير على الصغير، وليسلم الماشي على القاعد، ويسلم الراكب على الماشي، هذا راكب على بعيره أو سيارته هو الذي يبدأ بالسلام، هذا ماشي وهذا جالس، الماشي هو الذي يسلم على هذا الجالس، القائم هو الذي يسلم على القاعد، ذي تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها المؤمنون والمؤمنات.وهل يسلم الرجل على الفتاة المرأة التي تحيض وتلد؟ لا يصح أن تسلم على امرأة تحيض وتلد، إلا إذا عجزت وشاخت وكانت من قواعد النساء، وعلامة أنها من القواعد كاشفة عن وجهها، قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا [النور:60]، انتهينا: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] فيكشفن وجوههن: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].إذاً: يسلم الصغير على الكبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصغار على الأطفال.. الأطفال الصغار ما يعرفون، نحن نعلمهم، نسلم عليهم: السلام عليكم.. إذا ما عرف، قل له قل: وعليكم السلام.أما السلام بالإشارة، فلا، ما هو صحيح، وإنما لما يكون بعيد عنك تقول له: السلام عليكم، إذا ما تشير بيدك ما يعرف أنك سلمت عليه، والرد كذلك، إذا ما تقول: وعليكم السلام هو ما يسمع الصوت، لكن إذا أشرت فهم أنك رددت أو لا، أما أن نكتفي بالإشارة هذا خطأ ولا يقوله مؤمن، اليد فقط تُعلم أنك قلت وقال، سلمت وسلم.إذاً: هل نسلم على الكفار؟ المسألة هذه فيها بحث عجيب عظيم، خلاصة ما أقول: إذا كنتم في أمن واستقرار ما في حرب ولا خوف، يسلم المؤمن على الكافر ولا حرج، وإذا كانت حالة حرب فلا سلام؛ لأنك إذا قلت: السلام عليكم، أمنته، ولا حق لك أن تؤمنه ونحن في حرب معهم، أما إذا كان استقرار وأمن لا بأس إذا سلمت.أولاً: السلام سنة، والرد واجب، فهذه السنة إذا ما سلمت ما تأثم، إن سلمت أثبت، وإن لم تسلم وكرهت هذا الشخص أو نحو ذلك لا مانع، لكن إذا سلم هو يجب أن ترد.ولا يسلم على من في الصلاة، ومن سُلم عليه فليشر بيده أو برأسه فقط ولا يتكلم.ولا يسلم على من في المرحاض يقضي حاجته، وإذا سلم عليه لا يرد.أقول: لا يسلم على من يتغوط أو يتبول، وإذا سلم عليه لا يرد، ويسقط الواجب عنه.لا يسلم على المرأة في الشارع إن كانت من غير محارمه.في الصلاة يشير بيديه أو برأسه علمنا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموضوع يحتاج إلى بحث أوسع فإلى جالسة ثانية إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (47)
الحلقة (270)

تفسير سورة النساء (51)


إن الله عز وجل مستحق العبادة وحده سبحانه؛ لأنه خالق الخلق أجمعين، وموجد الموجودات والأكوان، ومنزل الأرزاق على عباده، فأمر كل هذه المخلوقات بيده سبحانه، ومردها ومصيرها إليه، لا مرية في ذلك ولا شك ولا ريب، فيجازي المحسن من عباده بإحسانه، ويعاقب الكافر منهم على فسوقه وكفرانه.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.ومعنا في هذه الليلة آية واحدة، وسوف نتغنى بها ونحفظها ونشرحها إن شاء الله تعالى، وقبل ذلك نذكر الآية التي فيها الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة، إذ الآية إذا كانت تحمل هدى، أو تحمل حكماً فينبغي أن نحفظها، وليس شرطاً أن نحفظ سورة النساء كلها، ولا الآيات قبلها ولا بعدها، لكن الآية التي تحمل هدى، أو تحمل حكماً، أو تحمل بيان حكم من أحكام الله تعالى، فينبغي أن نحفظها، وإلا فما الفائدة في اجتماعنا هذا؟!
فضل الشفاعة في الخير وقبح الشفاعة في الشر
وهذه الآية هي قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85] أي: من أجرها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، أي: نصيب من ذلك الإثم الذي باء به صاحبها.والشفاعة الحسنة هي ما كانت تدعو إلى خير، أو ما كانت تحقق خيراً، كأن توجد فضيلة، أو تنقذ مؤمناً، أو ترحم ضعيفاً، والشفاعة السيئة ما كانت تشجع على الباطل وتزيد في المنكر، وتفسد القلوب، وتفسد العقول، وتأخذ أموال الناس بالباطل. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، وقد نزلت هذه الآية في سياق أن بعض المرضى يثبطون عن الجهاد، ويقولون لإخوانهم: لا تخرجوا، فالحر والبرد ينتظركم، فهؤلاء شفعوا شفاعة سيئة، والذين يشجعون إخوانهم على الخروج في سبيل الله أو على الجهاد، فهذه شفاعة حسنة، واللفظ عام وإلى يوم القيامة، فمن يضم صوته إلى صوت أخيه ليدفعه إلى الخير ويحمله على فضائل الأعمال فإنه يثاب كما يثاب ذاك، بل وله نصيب من الخير الذي عمله، والذي يشجع على الباطل والمنكر وإيجاد الشر والمحن والفتن والغيبة والنميمة، والله له كفل من ذلك، أحب أم كره، فهذا هو قضاء الله وحكمه عز وجل في قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حاسباً محاسباً مجازياً مقتدراً لا يخفى عليه شيء، ولا تفهم أنك لا تُعطى، إذ ممكن أنك لا تعطى الثواب كما يعطاه الأول؛ لأنك عبد الله الذي واعد بهذا الجزاء والعطاء، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً قادراً حفيظاً له ويجزي به. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً مجازياً قادراً مقتدراً، والمقيت من الوقت، أي: العليم بما يحدث وما يجري، والحافظ له فلا ينساه المجزي به، فمن منكم حفظ هذه الحكمة وادخرها في جيبه كعشرة ريالات؟ والله إنها لخير من مليون ريالاً، وللعامي أن يرجع إلى البيت ويقول: الليلة تعلمنا هدى وحكمة، وذلك من قول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فتقول أم أولاده: ما معنى (الكفل)؟ فأقول: النصيب، فهاتوا لنا من حفظ هذه الآية؟ لسنا بمستعدين يا شيخ! ولهذا تمضي الأعوام ونحن هابطون، فهل عرفتم حالنا أم لا؟وبالأمس دعونا تلك الدعوة الواجبة، فقيل لي: إن فلاناً يتململ وفلاناً متضايق، وفلاناً ليس براض! فإلى هذا الحد نهبط؟! ندعو لمؤمن بالشفاء فما يستريح؟! أعوذ بالله! أي جهل أعظم من هذا؟! وأي هبوط أكثر من هذا؟! إلى متى ونحن لا نفقه ولا نفهم ولا نعي ولا نبصر؟! فلا إله إلا الله! ولذلك إذا دعونا لمؤمن وشفاه الله فلك أجر ونصيب، إذ هي شفاعة حسنة، فضموا صوتكم إلى صوت الداعي تلقون مثله. مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فلو أن فلاناً أراد أن يفتح استوديو للتصوير، فإن ساعدته بجاهك العريض أو بنفوذك، وشجعته على أن يفتح دكاناً للتصوير، ووالله عليه وزر عظيم، وأنت والله عليك كفل منه، أو لو أن فلاناً أراد أن يبني مسجداً، أو أراد أن يذكر إخواناً له بكلمة، فشجعته فلك نصيب من ذلك الأجر، فهل ممكن ألا ننسى هذه الآية؟ من يقولها من إخواننا العوام؟ هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قالت: صليت المغرب وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، فقرأ بالمرسلات عرفاً، فحفظتها، مرة واحدة سمعتها فحفظتها!وقد قلنا: إن لنا أبناء وبنات يسمعن الأغاني فيحسن حفظها والنغم والجرس الذي بها، بينما يصلي أحدنا وراء إمام أربعين سنة وهو يسمع الإمام يقرأ الفاتحة في الصبح وفي المغرب وفي العشاء ولا يحفظها! فكيف حالنا؟ هذه هي.
تأكيد سنية التحية ووجوب ردّها بأحسن أو بمثل
وأما الآية الثانية فهي تتكلم عن تحية أهل الجنة دار السلام في الملكوت الأعلى، ألا وهي: السلام عليكم، وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، فهذه التحية التي هي تحية أهل الجنة، هل عندنا منها نصيب؟ ما هي؟ هي: السلام عليكم، قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فهل ممكن أن نحفظ هذه أو أنها صعبة أيضاً؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فيجزيكم بذلك؟ و(حييتم) بمعنى: قيل لكم: السلام عليكم، فلماذا ترد الخير؟ للأسف لا نعرف أبداً الشكر، فهذا القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم والمربي والمعلم يقول: ( من صنع إليكم معروفاً )، بالتنكير، ولو كأس ماء، ( فكافئوه )، قالها وطبقها، فقد ناوله يهودي كأساً من اللبن فدعا له بالخير.فهل عرف المسلمون هذا؟ يأكل معك غدءك أو عشاءك ويسبك! فإلى أين هبطنا يا عباد الله؟ ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه )، لكن (شكراً) التي أعطتنا إياها بريطانيا أو (thank you) ترجمتها لا تكفي، إذ الشكر لله، وإنما قل: جزاك الله خيراً، أو بارك الله فيك وفيما آتاك، أو زادك الله من فضله، وادع له حتى ترى أنك قد كافأته، أما شكراً ترجمة (thank you) بالإنجليزي، و(ميرسي) بالفرنسي، فما لها علاقة بالإسلام أبداً.فإن قيل: يا شيخ! لا تلمنا لأننا ما تعلمنا، ولمَ لا نتعلم؟ من منعنا من العلم؟ من حرمنا من العلم؟ والجواب: لا أحد والله العظيم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يتعلم ولو طول عمره، وهذا إن كنا صادقين في إيماننا بلقاء الله والنزول في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أما إن كان إيماننا صوري تقليدي ولا يعرف وراءه شيئاً فلا لوم؛ لأن هذا ميت، فهل تكلف الأموات أن يقولوا ويعملوا؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86]، ما هو الأحسن منها؟ أن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فإن عجزت وبخلت فقلت: وعليكم السلام، فقد أذن الله لك في ذلك، وذلك إذا لم ترد أن تطيل الوقفة أو النظرة، ولهذا فالتحية الأولى: السلام عليكم من آداب الإسلام وسننه ومظاهر الكمال فيه، إذ يلقى المؤمن أخاه فيقول: السلام عليكم، وأما رد التحية فهي واجبة، وإن لم تفعل فأنت آثم، ويجب أن تتوب وتستغفر الله، وألا تعود لهذه المعصية، بل حتى ولو كانت التحية من يهودي فقل: وعليكم، إذ كيف لا ترد معروفاً؟! ميت أنت أم ماذا؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، وحسيباً كـ(مقيتاً)، أي: عليماً ويجزي بالمعروف الإحسان.
بعض الأحكام المتعلقة بالسلام
وهنا قد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلي: أولاً: ليسلم الكبير على الصغير، سواء كان كبيراً في السن أو في الشرف أو في العلو، فإن كنت أنت الشريف والعالي والسامي فابدأ بالسلام؛ خشية أن تصاب بالكبر، فيقوم من دونك فيسلم عليك، وأنت يا كبير السن، ويا ذا الشيبة، ويا صاحب الكهولة، إذا وجدت من دونك فابدأهم بالسلام؛ لأنك أعلم وأعرف منهم، وقد عشت خمسين عاماً وهم في الثمانية عشرة أو في العشرين سنة، فمن يبدأ بالسلام؟ الكبير حساً ومعنىً. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصبيان وهم يلعبون، ولذلك فالكبير في الجاه أو في المنصب، لا يسكت حتى يُسلم عليه؛ لأنه يُخشى أن يصاب بالكبر، وإنما هو الذي يبادر بالسلام، وذلك ليحسن موقفه مع إخوانه حتى لا يقولون: تكبر علينا، فهل فهمتم سرها أو لا؟ فهذا هو الفقه، ( فليسلم الكبير على الصغير )، أي: منزلة وسناً.( وليسلم الماشي على القاعد )، فإذا كنت ماشياً وإخوانك جالسون، أو دخلت عليهم مجلساً وهم جالسون، فأنت الذي تبدأ بالسلام: السلام عليكم، لِم؟ سر ذلك أن القائم ممكن أن يكون في يده أو في جيبه مسدس فيفزعهم، فكيف يطمئنهم؟ أول ما يدخل يقول: السلام عليكم، أما الجالس لو قام ليأتي بالعصا فبعيده عليه، وعليه فالماشي إذا مر بمن هو جالس فهو الذي يبدأ بالسلام ليطمئنه ويؤمنه؛ لأن (السلام عليكم) معناها الأمان لكم.وليسلم القليل على الكثير، فمثلاً نحن ثلاثة نمشي أو مررنا بعشرة ماشين، فالقليل هو الذي يسلم على الكثير، فإذا دخلت على جماعة فقل: السلام عليكم، ولماذا يبدأ القليل بالسلام؟ حتى لا تكلف عشرين واحداً من أجلك، فأنت ابدأ فقل: السلام عليكم، فأنتم اثنان أو ثلاثة أسهل من أن يسلم أربعين واحداً جالسين أو ماشيين؛ لأن الذي يسن هذه السنن، ويضع هذه التعاليم الربانية هو أستاذ الحكمة ومعلمها في دنيا البشر، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولا يسلمن أحدكم على امرأة غير متجلاة من قواعد النساء، أي: إذا مررت بمؤمنة فلا تسلم عليها، وإنما غض بصرك وامشِ، إلا أن تكون متجلاة في سن السبعين أو الثمانين وكاشفة عن وجهها فلا بأس، أما محتجبة محترمة فلا تفتنها بالسلام، ولا تحملها أن ترد عليك، لِم يا هذا؟ لأننا نتقي الفتنة، فلا نريد أن نقع في الإثم، إذ نحن لا نسلم إلا لأجل الحسنات، فإذا كان العكس فحرام ولا يجوز.ومعنى هذا أنه لا يجوز لنسائنا المؤمنات أن يرفعن أصواتهن أمام الفحول من الرجال، فلا تتكلم المؤمنة ذات الحجاب إلا للضرورة، وليكن كلامها أيضاً معدوداً محدوداً، أما أنها تقف في التلفاز وتتكلم وتتبجح فما هي بالمؤمنة ولا بالمسلمة بحق، أو تتكلم في الإذاعة فيسمع صوتها الأبيض والأسود، فهل مات الرجال؟! قطعوا ألسنتهم؟! ما وجدنا من يعلن هذا الإعلان إلا امرأة؟! يجوز للضرورة، لكن أما والرجال حولها في الإذاعة بالمئات وهي تتكلم! لا يجوز ذلك أبداً؛ لأننا من أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نهينا عن ذلك، أما اليهود والنصارى والبلاشفة الحمر فهذا شأنهم. لعلي بالغت؟ كم وكم من أمور تحدث من النساء مخالفة لشرع الله تعالى، والله يقول: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، أي: يا نساء النبي! وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، فإذا قرعت الباب وقلت: أين إبراهيم؟ فلا تزيد المرأة عن كلمة: (غير موجود)، وذلك إذا كان غير موجود، أو كان في السوق، فتقول: في السوق، أو كان في المسجد، فتقول: في المسجد، أو تقول: لا أدري إذا كانت لا تعرف، وزيادة كلمة عن ذلك خروج عن الآداب الإسلامية، وقد بينا هذا لمؤمنات المدينة وانتفعن بها، فكانت المرأة في المدينة إذا قرع الباب يقلن: (مييين)! فقلنا: هذه الإمالة لا تصح، وإنما مَنْ؟ فيقول الطارق: إبراهيم، أين زوجك؟ فترد المرأة: زوجي! تعني أبا أحمد؟ أظنه في المسجد، لا لا، عفواً قد يكون في طريقه إلى هنا! كل هذا حرام لا يجوز.فإن قيل: يا شيخ! أنت تقول: حرام هذا؟! نعم، فولينا وسيدنا ومالكنا أيها العبيد! ويا أيتها الإماء! هو الذي علمنا هذا، وهو أعرف بما يسمينا ويرفعنا أو يهبطنا وينزلنا، والحمد لله ما أصبحت المدنية تقول: (ميين)، وإنما (مَنْ؟).فهل عرفتم السلام تحية أهل الجنة دار السلام أو لا؟ الحمد لله فقد أعطاناها الله عز وجل، وهي بيننا ونعيش عليها، بينما حرم منها بلايين البشر حرماناً كاملاً، فإذاً: نبدأ بالسلام، وإذا رد أخونا فليقل: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زاد: وبركاته أفضل، وإن اكتفى بـ(وعليكم السلام) فقد أجاز الله له ذلك. وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فالأحسن أنك تقول: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زدت: وبركاته زادك الله عشر حسنات، وإن اكتفيت بـ(وعليكم السلام) فقد برأت ذمتك وأخذت عشر حسنات. وبعضهم سأل فقال: ما حكم زيادة (ومغفرته) التي وردت في الموطأ أصح كتاب بعد القرآن الكريم قبل ظهور البخاري ومسلم؟ فأقول: وردت في حديث ضعيف لا قيمة له، ولذا فنكتفي: بـ(رحمة الله وبركاته).وإن قيل: ياشيخ! بعض الناس يقول: هلا هلا! فأقول: هؤلاء هم البدو، إذ ما علمناهم ولا جالسناهم، ولذلك إذا قال لك أحدهم: هلا هلا، فقل له: أولاً: قل: وعليكم السلام، ثم رحب بي، لكن للأسف ما علمناهم، فمن منكم ذهب إلى خيامهم وجلس معهم يبكي بين يديهم ويعلمهم؟ لا أحد.ولذا فأقول: من قال لك: يا هلا، فإن كان في مستواك فقل له: يا أخي! وإن كان دونك فقل له: يا بني! وإن كان أكبر منك فقل له: يا أبتاه! قل: وعليكم السلام، ثم قل لي: يا هلا هلا، أما أن تسكت عن ذلك فقد أقررته على هذا الباطل، والمسئول أنت، فلو كان كل واحد منا يسلم على أخ من الغافلين فيقول لك: يا هلا، فقل له: جزاك الله خيراً، قل: وعليكم السلام ورحمة الله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 23-04-2021 02:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة...)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].
وجوب توحيد الله تعالى في عبادته
هيا نتغنى بهذه الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فاحفظها الليلة يا ابن عمي ويا ابن أخي، وصل بها في النوافل، وذلك حتى ترسخ في ذهنك، وهي تكفي لأن تصلي بها العشاء والظهر، وهي آية من أجل الآيات. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] لا أحد، اللَّهُ [النساء:87]، من هو (الله)؟ أتريد أن تعرفه بذاته؟ ما تستطيع، ما تقدر، ولكن تعرفه بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذا الاسم الجليل العظيم لا يسمى به كائن سوى الله تعالى، ولو أن امرءاً سمى ولده (الله) لحكم بكفره ويستتاب أو يقتل، ولو أن متعنتراً من جهال المسلمين أو من معاندة اليهود والنصارى سمى ولده: الله، ويناديه بـ(يا ألله)، إن كان كافراً ازداد في كفره ويقتل، وإن كان مسلماً يستتاب ثلاث ليالٍ وهو محبوس في دار الهيئة، يرجع أو لا؟ يتوب أو لا؟ يستغفر أو لا؟ فإن أصر قطع رأسه. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما معنى (لا إله إلا هو)؟ أي: لا معبود بحق إلا هو، إذ لا يوجد في الملكوت الأعلى ولا في الملكوت الأسفل، ولا في غير هذه الملكوت من يعبد بحق قط إلا الله تعالى، فمن أين لنا بهذا؟ سمعنا الناس يقولون فقلنا! وهل يكفي هذا؟ لا يكفي، فأنت تشهد بين يديه: أشهد أن لا إله إلا الله، فعلى أي شيء أقمت شهادتك؟ ما علمك الذي علمته وشهدت بمقتضاه أنه لا إله إلا الله؟ الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود بحق إلا هو، فكل من عبِد فهو عبادة باطلة؛ لأنه ظلم وأخذها بدون موجب ولا مقتضي ولا حق، إذ العبادة استحقها الله بموجب أعظم الموجبات ومقتضى أسمى المقتضيات.مرة أخرى: الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود في الكائنات يعبد بحق إلا هو، فإن قيل: لمَ؟ فالجواب: استحق الله العبادة واستوجبها وأصبحت لازمة له؛ لأنه خالق الخلائق، وموجد الموجودات، ومكون المكونات، فأنت عبد فاعبد خالقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد رازقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد من مصيرك إليه ومرجعك إليه، فمن يلومك؟! أما أن تعبد من لا يملك لك شيئاً، فبأي حق؟! أيخلقك الله ويرزقك ويحفظ حياتك من رحم أمك إلى أن يتوفاك ولا تعبده وتعبد غيره؟ أي ظلم أبشع من هذا الظلم؟ وأي ظلم أفظع من هذا الظلم؟ والله لا ظلم أشد من هذا الظلم، إذ الشرك بالله ظلم، فهذا لقمان الحكيم النوبي السوداني يعلم ولده فيقول له: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فما هو الظلم؟الآن لو أخذت النظارة من عينيك يا فلان، فأكون بذلك قد ظلمتك، أو يقوم فلان فيبعدك من المجلس يا فلان، فيكون بذلك قد ظلمك، أو يدخل أحدكم يديه في أذنيه ويغني، فيكون بذلك قد ظلم، إذ ليس هذا مكاناً للغناء، أو يفتح سرواله ويبول عند السارية، وعليه فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو درجات، فكونك تسب فلاناً ظلم، وكونك تذبحه أعظم الظلم.إذاً: الشرك بالله تعالى ظلم عظيم؛ لأن الذي خلق ورزق وأدار الكون والحياة كلها لا تعبده وتعبد غيره من مخلوقاته ممن صنع وخلق وأوجد! سواء كان الشمس أو القمر أو ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء أو صالح من الصلحاء، فضلاً عن التماثيل والأصنام والأحجار والقبور والمزارات والأشجار، فكيف تُقبل عليها بقلبك ووجهك وتعبدها ولو بكلمة أو انحناء برأسك لحظة؟!
الإيمان بالبعث والجزاء
اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، لم قلنا: الذي؟ تفسير؛ لأن (الله لا إله إلا هو) ليس هو الخبر، فـ(الله) مبتدأ، والخبر جملة: لَيَجْمَعَنَّكُمْ [النساء:87]، اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما له؟ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87]، فأحببنا أن يفهم المؤمنون والمؤمنات أن الله استحق العبادة ووجبت له دون غيره؛ لأنه خالق الكون كله، ورازق ذاك الرزق كله، ومردنا ومصيرنا إليه، وجزاؤنا عليه بالخير أو بغير ذلك، فكيف نعبد غيره؟!بعض الجاهلين يفهم أن العبادة هي أن يركع للصنم أو للحجر أو يعلقه في عنقه، وهذا غير صحيح، إذ لا يصح أن تعبد أي كائن من الكائنات بأي نوع من العبادات، فالله يعبد الانحناء بالركوع، والآن نشاهد أمة كاملة راكعة، لمَ ركعتم؟ عبدنا الله عز وجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا [الحج:77]، أمرنا فركعنا، فإذا جئت من هو أعلى منك وركعت له فقد أشركت، فيا عقلاء تأملوا! إذا أشركت هذا المخلوق فيما هو لله فقد أعطيته قسطاً منه، فهذا هو الشرك، يقال: السيارة بيننا شركة، والدار بيننا شركة، وهكذا الشرك بيننا، وهذا الانحناء وهذا الركوع خاص بالله تعالى.وأدنى شيء الحلف، فالذي يحلف بإنسان أو بمخلوق أو بكائن سوى الله تعالى، والله لقد أشرك في عبادة الله تعالى؛ لأن الأكبر هو الله، ولا يقسم ولا يحلف إلا بأكبر لا بكبير، ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، قالها أبو القاسم معلماً ومحلماً، فلا نحلف أبداً لا بأم ولا بأب ولا بأخ، وقد ذهب الناس للأسف إلى أن يحلفوا بكل شيء إلا الله، وسبب ذلك كله هو الجهل، وأننا أيضاً لا نبلغ ما تعلمناه، فنسمع الليلة كلمة تساوي الملايين وندفنها في قبورنا ولا نتحدث بها أبداً، بينما لو كانت كلمة سوء فإنها تنتشر من بيت إلى بيت.لعل الشيخ واهم؟! لقد شخنا في هذه الأمة وعاشرناها سبعين سنة، فهذه هي أحوالنا وهذه هي أوضاعنا، فكيف تسمع هدى وما تنقله؟! عند باب المسجد تقول: سمعت كذا وكذا حتى يستقر ذلك الحكم في ذهنك وفي نفسك وتقوى على العمل به، أما أن نسمع ولا نبلغ فوالله إنها لمصيبة.فهل عرفتم الشرك؟ الذي يقف الآن أمام الحجرة: يا رسول الله! المدد، يا رسول الله! الغوث، إني في كذا، والله لولا الشُرَط والبوليس المحيط بالحجرة لركع الناس وسجدوا، وأقسم بالله على ذلك، بل ويضبطونهم وهم يطوفون، وذلك قبل أن يسدوا الطواف كانوا يطوفون بالحجرة! أمة جاهلة هابطة.والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لصاحبه أن يقول له: ما شاء الله وشئت، وإنما قال له منكراً: ( قل: ما شاء الله وحده )، فقد عاش عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وهو رابط الحزام يدعو إلى الله وتوحيده، ثم يرضى أن يعبد مع الله؟! أعوذ بالله.وهذا المشرك: يا فاطمة! يا حسين! يا عبد القادر! يا سيدي فلان، يا سيدي فلان، نسوا الله نسياناً كاملاً، والذي يموت على هذه الوضعية إن لم يتداركه الله بأن يشهد شهادة حق وهو في سياق الموت، وذلك بأن يقول: لا إله إلا الله ثم يتوفى عنها، وما عرف عبد القادر ولا البدوي، هو في عداد أهل النار والعياذ بالله، ( من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة ).وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (48)
الحلقة (271)

تفسير سورة النساء (53)


بين الله عز وجل في هذه الآيات حال المنافقين المنتكسين عن منهج الحق، ووجوب قتلهم حيثما ثقفوا، إلا أنه سبحانه استثنى منهم صنفين؛ الأول قوم يرتبطون بمعاهدات مع قوم بينكم وبينهم ميثاق أمان، فهؤلاء لا يقتلون من أجل أولئك، والثاني قوم لا يريدون قتال المؤمنين ولا قتال قومهم، بل هم يريدون الأمان لأنفسهم، فهؤلاء أيضاً لا يقاتلون، وهذا الحال ينطبق على من كان في خارج جزيرة العرب، أما داخلها فقد نسخ هذا الحكم بآيات سورة براءة، فلا يبقى دينان في جزيرة العرب.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا يا ولينا، إذ ليس لنا من ولي سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة، ومع هذه الآيات الأربع، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا * فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:87-91].فأولاً: أذكركم أن الآية الأولى هي في تحقيق عقيدة الإيمان، بل في تحقيق أعظم أركانها وهو الإيمان بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، والإيمان بالبعث الآخر، أي: للجزاء على أعمالنا هذه في هذه الدنيا، ثم الجزاء إما دار السلام وإما دار البوار، فاللهم اجعلنا من أهل دار السلام.وأما الآيات الأربع بعد ذلك فهي في غزوة أحد، وتذكرون أن ابن أبي رجع بثلاثمائة من المنافقين وضعاف الإيمان من الطريق، ولا شك أن رجوع هذا الرئيس مع ثلاثمائة قد أوجد هزة عنيفة في قلوب المؤمنين، ولا عجب أن يختلفوا فيهم، فمنهم من يقول: يجب أن نقتلهم ونقاتلهم، ومنهم من يقول: لا؛ رجاء أن يتوبوا، واسمع السياق: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ، أي: طائفتين، وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ، أي: نكسهم بما كسبوا، فبعد الإيمان عادوا إلى الكفر، وبعد الأمن عادوا إلى الخوف، وبعد الآداب والأخلاق عادوا إلى سوء الأخلاق والآداب، وهذا هو الارتكاس، فأركسهم لم؟ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88]، فحاشا لله عز وجل أن يركس شخصاً وهو ما فعل ما يستوجب الارتكاس، ولكن بما كسبوا من نفاقهم وكفرهم ومكرهم واحتيالهم وبغضهم لرسول الله وللمؤمنين. أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء:88]، ما يهتدون، ما تستطيعون، إذ من أذله الله لا تستطيع الخليقة كلها أن تهديه؛ لأن فعل الله لا يقاوم، فكيف أراد الله إضلالهم وأنتم تهدونهم؟! ما تستطيعون، ولماذا أراد الله إضلالهم؟ لأنهم استوجبوا ذلك بالاستمرار على الكفر والكيد والمكر والأذى للمؤمنين والمؤمنات.إذاً: غضب الله عليهم فاستوجبوا عذاب الله، فتأملوا قوله تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88]، أي: طريقاً إلى هدايته، والخطاب لرسول الله والمؤمنين.بل وزاد من أحوالهم فقال: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89]، فأطلعهم على ما في قلوبهم، وَدُّوا ، أي: أحبوا أشد الحب، لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، وقد قلت بالأمس وإني على يقين: إن عامة الكفار من المجوس من اليهود والنصارى والمشركين والوثنيين كلهم يودون أن نكون كافرين مثلهم، بل ولا توجد طائفة تقول: لا، هؤلاء على نور وعلى حق، اتركوهم هكذا، أو شجعوهم على هداية الناس، فهذا رمز لهذا المعنى، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً . إذاً: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وقد ذكرنا أن بعضاً منهم كانوا في مكة، وقد كانوا يأتون إلى المدينة يعلنون إسلامهم ويعودون إلى مكة فينافقون ويجارون عبدة الأصنام والأوثان، فقال الله في شأنهم: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ، أي: من هؤلاء الذين ذهبوا إلى مكة وعادوا، حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، وذلك بأموالهم وأهليهم وأولادهم، ويستقيموا معكم في المدينة، أما أن يمسكوا الحبل أو العصا من جانبين أو من وسطه فلا.قال: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89]، وأولياء جمع ولي، فمن وليك؟ الذي تحبه ويحبك، وتنصره وينصرك، فلا تتخذوا منهم أحباء تحبونهم وتنصرونهم أبداً؛ لأنهم كفار منافقون، إلى متى؟ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]، ويصح أن نقول: يهاجروا في سبيل الله، أي: ينقطعوا عن عبادة الكفر والباطل والشر إلى الإيمان والعمل الصالح، أي: هجرة روحية، فيهجرون الكفر والضلال ويعودون إلى الإيمان والاستقامة، ويصح لفظ الهجرة بهذا المعنى؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والمهاجر بحق -من هو؟- من هاجر ما نهى الله عنه ورسوله )، أي: أن المهاجر الحقيقي ليس الذي ينتقل من بلد إلى بلد، بل الذي يهجر ويتجنب ما يغضب الله ورسوله من الذنوب والآثام.قال: حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا ، عن الإيمان، إذاً فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]، وهذا توجيه الله عز وجل للرسول والمؤمنين إزاء هؤلاء المنافقين، سواء في المدينة أو خارج المدينة.
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق...)
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90].ثم قال تعالى مستثنياً: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، فمثلاً قبيلة من القبائل أو جماعة من الجماعات مرتبطة بميثاق أو بعقد مع قبيلة أخرى، وتلك القبيلة بيننا وبينهم عهد وميثاق، فهؤلاء لا ننقض عهدنا وميثاقنا معهم من أجل أولئك، وإنما نتركهم فلا نقاتلهم.وتأملوا: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، يصلونهم بماذا؟ بمعاهدة، فمثلاً: خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبني بكر مع قريش، فإذا كانت جماعة مع خزاعة فلا ننصر عليهم لا نقاتلهم، إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ، وهذا أولاً، أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ، أي: ضاقت، أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ [النساء:90]، أي: جاءوكم وصدورهم ضاقت ما استطاعوا أن يقاتلونكم ولا أن يقاتلوا قومهم، إذ إن قومهم لا يريدون أن يسلموا ويدخلوا في الإسلام، وأنتم ما تريدون أن يبقوا في الكفر، فضاقت بهم الحال، فماذا تصنعون معهم؟قال: أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ، اتركوهم، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ إذاً: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ، وهم كفار، وألقوا إليكم السلم، أي: وهو عدم الحرب، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، فلا تقاتلوهم، فهؤلاء مضطرون، فقومهم حاربوهم وأنتم كذلك، وصدورهم ضيقة، فإذا ما حاربوكم لا تحاربوهم، ثم يمن الله عليهم فيقول: ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم، إذاً: فإن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم فاتركوهم، ولا تنس أن هذا كله قد نسخ بأن الجزيرة لا يجتمع فيها دينان، فقد نسخ بآيات آخر ما نزل من سورة التوبة، فقال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصبحت على الباب، فيموت الرسول ولم يبق في الجزيرة شرك ولا كفر؛ لأنها قبة الإسلام وبيضته، لكن هذه التعاليم يستخدمها أئمة المسلمين في خارج الجزيرة مع الأمم والشعوب، ولهم في ذلك حق، إذ إن هذا تعليم إلهي رباني.قال: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، أي: لتقتلوهم أو تقاتلوهم، وهؤلاء ما يريدون أن يقاتلوكم ولا يقاتلوا قومهم، فماذا يصنعون؟ هم في كرب وفي ضيق، إذاً اتركوهم فلا تقاتلوهم.
تفسير قوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم...)
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91].ثم قال تعالى: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، أي: يريدون أن يمسكوا العصا من الوسط، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: إلى الكفر والشرك، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، فاسمعوا، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [النساء:91]، أي: تمكنتم منهم، وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91]، وهذه جماعة أخرى. سَتَجِدُونَ آخَرِينَ [النساء:91]، أي: غير الأولين، كيف حالهم؟ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، في وقت واحد، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: فتنة الشرك والكفر، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، وهؤلاء، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:91]، أي: بمعاهدة أننا لا نحاربكم ولا تحاربونا، وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ [النساء:91]، بالفعل؛ لأنه قد يعاهدون ويخونون، فهؤلاء، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [النساء:91]، حتى ولو كانوا في الكعبة، إذاً: وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معاشر المستمعين! ومع شرح هذه الآيات الأربع أو الثلاث، وذلك زيادة في الفهم والعلم إن شاء الله. ‏
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولنا ولكم: [ أما الآيات الأربع الباقية فقد نزلت لسبب معين، وتعالج مسائل حربية معينة، أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلاف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا الإسلام وهم ضليعون في موالاة الكافرين، وقد يكونون في مكة، وقد يكونون في المدينة، فرأى بعض الأصحاب أن من الحزم والعزم الضرب على أيديهم وإنهاء نفاقهم ]، وفعلاً فقد اختلفوا فيهم، قال تعالى مصوراً ذلك: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88].قال: [ ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون الإيمان لعلهم بمرور الأيام يتوبون، فلما اختلفوا واشتد الخلاف في شأنهم أنزل الله تعالى هذه الآيات فقال: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88].ومعنى الآية: أي شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ والله تعالى قد أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام، أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل الله، وهل يقدر أحد على هداية من أضله الله؟ وكيف، ومن يضلل الله حسب سنته في إضلال البشر لا يوجد له هاد، ولا سبيل لهدايته بحال من الأحوال.ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الآية الثالثة: وَدُّوا [النساء:89] ]، أي: في نفوسهم، ثم قال: [ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، أي: أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم، وفيه لازم وهو انتهاء الإسلام ]، أي: يريدون إنهاء الإسلام، وهذا الذي قلت لكم: لا يوجد فريق في البشر من المشركين والوثنيين والكتابيين يريدون بقاء الإسلام أبداً؛ إذ لو وجدت أمة أعجبها الإسلام ورغبت فيه فإنها تدخل فيه، فلماذا تعيش بعيدة عنه؟ فكلهم يريدون ألا إسلام، لماذا؟ ليستووا مع المسلمين في الهبوط والسقوط وفي جهنم والعياذ بالله.قال: [ ومن هنا قال تعالى محرماً موالاتهم إلى أن يهاجروا ]، أي: يعودون إلى العمل الصالح والاستقامة، أو يعودوا إلى المدينة ولا يبقوا في مكة أو خارجها، قال: [ فقال: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89] تعولون عليهم في نصرتكم على إخوانهم في الكفر ]، يعني: يقاتلون معكم، قال: [ وظاهر هذا السياق أن هؤلاء المنافقين هم بمكة ]، وهذا ظاهر الآية، قال: [ وهو كذلك. وقوله تعالى: حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89]؛ لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صلاتهم بدار الكفر، فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا، فإن هاجروا ثم تولوا عن الإيمان الصحيح إلى النفاق والكفر فأعلنوا الحرب عليهم، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89]؛ لأنهم بارتكاسهم لا خير فيهم ولا يعول عليهم.ثم في الآية الأخيرة يقول: استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين ]، أي: استثنى الله تعالى لرسوله والمؤمنين صنفين من أولئك المنافقين المذكورين، قال: [ فلا يأخذونهم أسرى ولا يقاتلونهم:الصنف الأول: الذين ذكرهم تعالى بقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:90]، أي: يلجئون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فبحكم استجارتهم بهم طالبين الأمان منهم، فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم. والصنف الثاني: قوم ضاقت صدورهم بقتالكم وقتال قومهم، فهؤلاء الذين لم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم، إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم؛ إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ]، إذاً فاتركوهم، [ وهذا الصنف هو المعني بقوله تعالى: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ [النساء:90]. فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم، هذا معنى قوله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:90]، أي: المسالمة والمهادنة، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90]، أي: لأخذهم وقتالهم.هذا وهناك صنف آخر: ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة، وهي قوله تعالى: ستجدون قوماً آخرين غير الصنفين السابقين، يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [النساء:91]، فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال، كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ [النساء:91]، أي: إلى الشرك، أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، أي: وقعوا فيها منتكسين؛ إذ هم منافقون، إذا كانوا معكم عبدوا الله وحده، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك-والعياذ بالله-وهو معنى قوله تعالى: كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91]، وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [النساء:91]، أي: إن لم يعتزلوا قتالكم، ويلقوا إليكم السلام، وهو الإذعان والانقياد لكم، ويكفوا أيديهم بالفعل عن قتالكم، إذاً: فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91] ]، لا شك في الإذن في قتالهم، ثم قال: [ أي: حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم، وعلى أي حال كان، هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة، إلا أن لإمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه؛ فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر أبداً، ولكن خارج جزيرة العرب، إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان ].وقد عدنا من حيث بدأنا، إذ هذه الأحداث تمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الله تعالى هذا السلم بين المسلمين والمشركين نهائياً، وله إعلان من قبل أعلن في الجزيرة بكاملها: من كان بينه وبين الرسول عهد، شهر أو شهرين أو ثلاثة إلى أربعة أشهر، فننتظر حتى تنقضي الأربعة الأشهر، فإذا انسلخت فالقتال، واسمعوا هذه الآيات المباركة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:1-2]، أيها المشركون! أي: عندكم أربعة أشهر، فإما أن تدخلوا في الإسلام أو تخرجون من الجزيرة أو تلتحقون بالهند أو بشرق الدنيا أو بغربها، فهذا شأنكم.لكن فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فالجواب: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:5]، فهذه الآية نسخت العفو أو السلم بين الرسول والمؤمنين والمشركين بالجزيرة؛ لأن الإسلام قد انتشر ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أوشكت، إذاً هنا أعلن هذا الإعلان الإلهي وأعلنه حتى في الحج، وهو أن للمشركين فسحة أربعة أشهر، فمن أراد أن يدخل في الإسلام فليتفضل، ومن أراد أن يرحل إلى شرق الدنيا أو إلى غربها فليفعل، أما أن يصر على الشرك والكفر هنا فلا، إذ بمجرد أن تنتهي هذه الأربعة أشهر يقتلون.ويبقى أن هذه الآيات يستعملها إمام المسلمين مع الدول المجاورة، أي: قضية عهود ومواثيق وعدم اعتداء، وكل هذا واسع، أما في الجزيرة فلا يجتمع فيها دينان.

يتبع

ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: وجوب توحيد الله تعالى في عبادته ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق إلا هو، وقد سرحنا النظر والعقل في الملكوت كله، والله لا يوجد من يستحق أن يعبد إلا الله، فمن يدلل على هذا أو يبرهن؟ لا خالق للخلق ولا مكون للكون إلا الله، إذاً فكيف يعبد مخلوق مكون والخالق المكوِّن لا يُعبد؟! بأي عقل هذا؟! سرح النظر في الملكوت كله والله لن تجد من يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، أي: لا معبود بحق يقتضي أن يعبد إلا الله عز وجل، وحق الله علينا لنعبده مقابل خلقنا ووهبنا حياتنا كلها، ووهب لنا الكون كله، ومع ذلك ننكر فضله ولا نطيعه؟! وأخرى أيضاً: هل الله عز وجل في حاجة إلى عبادتنا؟ لا والله، إذاً لم يكلفنا، هذا حرام، وهذا حلال، وقم بكذا، وافعل كذا؟! والجواب: والله لمن أجل إسعاد الإنسان وإكرامه، ولو عرف هذا البشر ما كفر أحد، فاليهود والنصارى والمشركون والمجوس لمَ هم هاربون من عبادة الله تعالى؟ ما فهموا، ولذلك هذا الإسلام من أجلكم لتكملوا آداباً وأخلاقاً وأبداناً وعقولاً، وتسعدوا في حياتكم هذه، وفي الحياة الأبدية الباقية، لكن ما فهموا هذا، والذين ما فهموا هذا ودخلوا في الإسلام يتألمون من هذه الواجبات ويشمئزون وينقبضون، ويقولون: كيف نصوم؟ كيف نصلي؟ لن تكمل ولن تسعد ولن تفضل ولن تشرف إلا بهذه العبادات، فهل يستطيع كائن من كان أن يقول: إن العبادة الفلانية ضارة غير نافعة؟ أو يقول: إن المحرم الفلاني ضار تحريمه، إذ لو أحل لكان أنفع؟ اترك علماء النفس والاجتماع والدنيا كلهم، ما حرم ولا أحل ولا أوجب إلا من أجل إسعاد البشرية وإكمالها، وهو في غنى مطلق عن الخلق، إذ كان ولم يكن شيء غيره.قال: [ وجوب توحيد الله عز وجل ]، في أي شيء؟ باللسان أو بالقول والعمل؟ الجهال عندنا المسبحة في يده: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لما يأخذه النعاس وتسقط المسبحة يقول: يا سيدي عبد القادر! والله قد عايشناهم ولا تقولوا: إن هذا الكلام باطل، فهو يذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وجزاه الله خيراً، ونعم الذكر هذا، لكن ما فهم معنى لا إله إلا الله، إذ تسقط المسبحة من يده فيقول: يا رسول الله! وقد قلت لكم: إني كنت مع سائق من السلفيين، لكن ما انشرح صدره بعد، فخرجت السيارة عن الطريق فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! هل الرسول ينقذك؟ وهل يسمعك ويراك؟ وهل يمد يده إليك؟ لم تلعب يا عبد الله؟ إذ لو وقفت أمام قبر ألف سنة وأنت تدعوه والله ما رد عليك بشيء أبداً، وإن قلت: لا، فامش إلى سيدي البدوي، أو عبد القادر الجيلاني، وادعوه كم عاماً، والله لن تسمع صوته ولن يرد عليك، ولا قضى حاجتك أبداً، مع ما أفرغته على نفسك من غضب الله وسخطه، إذ ما يريد الله لك وأنت عبده أن تضل عاماً كاملاً ولا تعرف الطريق إليه.وقد بينا للصالحين والصالحات أمثلة حية: فلو مررت يا أخي أو يا بني برجل أمام دار خربة، فالباب والسقف موجود لكن ما فيها سكان، إذ إنها متهدمة، فرأيته يقول: يا أهل الدار! إني جائع، يا أهل البيت! أخوكم ظمآن، ومررت به، فأسألكم بالله تقولون: دعه يدعو أو ماذا تقولون؟ تقول: يا بني! يا أخي! ما في الدار أحد أبداً، لكن امش إلى دار فيها سكان، أليس هذا هو؟ والآن يمر إخواننا بالواقفين على الأضرحة والقبور: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! وليس هناك من يقول لهم: يا جماعة أنتم غالطون، إن هؤلاء أموات لا يمدونكم بشيء أبداً، ولا يقدرون عليه، بل ولا يعرفون نداءكم ولا طلبكم، فهل عرفتم معنى التوحيد؟ أي: توحيد الله في العبادة، بحيث لا يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادة، فالذي تعبدنا الله به معروف، وقد جاء في الكتاب وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف العبادة. فهل الدعاء عبادة؟ فيه تعب؟ فيه أموال تنفقها؟ سفر تقطعه؟ إذاً كيف أن الدعاء عبادة؟ العبادة: الركوع، والسجود، والطواف، وإنفاق المال، والذكر، أما الدعاء فكيف يكون عبادة؟ أولاً: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الدعاء هو العبادة )، وهذه صيغة حصر، وورد بسند ضعيف: ( الدعاء مخ العبادة )، وهو كذلك؛ لأن الحيوان إذا نزع مخه هل يبقى حياً؟ وكذلك العبادة إذا أخذ منها الدعاء ماتت، وما بقيت صلاة ولا حج ولا جهاد، وإليكم الصورة لتعرفوا أن الدعاء هو العبادة: قم يا إسماعيل وارفع يديك، وأنا الآن أقرأ لكم حاله: هذا العبد فقير ومحتاج ومضطر، وهو في هم وكرب، ما الدليل؟ لولا فقره يمد يديه؟ والله لفقير، والله عز وجل هو الغني، فقد رفع يديه إلى الله، والله فوق سمواته، فهو رفع يديه فوق، ولو كان يعرف أن من يجيب دعاءه ليس بفوق، لنكس يديه إلى الأرض، أو لقال هكذا عن يمينه أو هكذا عن شماله، لكنه عرف أنه لا يجيب دعاءه إلا الله الذي فوق سماواته، فوق عرشه، بائن من خلقه، ولهذا رفع كفيه إليه يطلبه ويسأله حاجاته العاجلة والآجلة، وثانياً: أن هذا الذي رفع يديه يسأل ربه، هل سمعتم صوته؟ لا، إذاً كيف يسمع الله صوته؟ هذا لعلمه أن الله عز وجل لا يخفى عليه من أمر الخليقة شيئاً، فهو يعلم السر وأخفى، فقد أيقن هذا العبد أن الله قد سمعه ويسمعه وهو يناديه ويناجيه، وثالثاً: لو كان هذا العبد يعلم أن الله عز وجل لا يسمعه، فهل سيكلمه؟ لا، لكن هو يدعو: يا رب! يا رب! فمعناه إيمان يقيني أن الله يسمعه، كما لو كان هذا العبد أيضاً يعلم أن هناك من يقضي حاجاته ويعطيه سؤله، والله لما افتقر إلى الله ولا رفع كفيه إليه.وصورة حقيقية أخرى: أنت الآن تقول لأخيك: من فضلك ناولني عصاي، أو ناولني نعلي من فضلك، فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ يجوز، لم؟ لأنه يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك، أو فلان من فضلك أعطني عشرة ريال نريد أن نتعشى بها، فهل هذا يجوز أو لا؟ نعم يجوز لأنه دعا حياً يسمع ويقدر على أن يعطي، أما دعاء الأموات من عيسى ومريم إلى العزير إلى عبد القادر إلى البدوي إلى رسول الله وفاطمة والحسين، كل هؤلاء كيف يعطونك؟! كيف يسمعون عنك؟! كيف يعرفون حالك يا عبد الله؟! إذاً عليك بالله عز وجل القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].فهل عرفتم أن الدعاء هو العبادة؟ أظهر فقره وربه هو الغني، وسأل ربه لعلمه بأنه يسمع صوته ويقدر على إعطائه، فأغمض عينيه عن الكون والحياة كلها، إذ لم يجد غير الله تعالى يرفع كفيه إليه.ولهذا فإن الدعاء هو العبادة، والحمد لله فهناك يقظة وعودة، وإلا قبل خمسين سنة والله لولا هذه الدولة القرآنية لرأيتم الركع والسجد والطائفين والسائلين بأعلى الأصوات: يا رسول الله! يا أبا فاطمة! يا كذا! وكأنهم ما قرءوا القرآن، وهكذا كانت أمتنا خلال ثلاث أو أربعمائة سنة بهذه الطريقة، تزور ضريح سيدي فلان الخميس أو الاثنين، نساء ورجالاً، بل وينقلون المرضى، ووالله لقد نقلت والدتي ابنتها سعدية وهي مصابة بمرض جنون إلى سيدي عبد الرحمن الأخضري على حمارة أكثر من ثمانية كيلو، ووضعتها في ضريح عبد الرحمن الأخضري للشفاء، وهذا قبل أن تتعلم والدتي من طريقي، وذلك أيام كنا يتامى، أما وقد تعلمت وأصبحت موحدة فإنها ماتت على لا إله إلا الله، فهذه أمور كالشمس، ومن أراد أن يتفضل فليذهب إلى الأضرحة في أي بلد، كالأضرحة الممتازة كسيدي أحمد البدوي، وكسيدي عبد القادر، وسيجد الآن أمماً جاثمة على ركبها تدعو وتسأل.ما سبب ذلك؟ والله إنه الجهل، حتى لو كان مضللين ما يستطيعون أن يضللوا العالمين أبداً، وإنما يضللون الجاهل، أما الذي عرف كيف يضللونه؟! فهيا نقضي على هذا الجهل، فما الطريق؟ وما السلاح الذي نقضي به على الجهل؟ بالأموال؟! والله لا مال ولا سلاح ولا هرج ولا مرج إلا فقط أن نسلم أنفسنا لله تعالى، فنقول: يارب! خذ قلبي ولساني ووجهي لك، وأهل القرية أو أهل مكان ما يجتمعون في بيت ربهم كاجتماعنا هذا، فالنساء وراءنا والرجال أمامنا، وليلة يأخذون آية كليلتنا، وأخرى حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وطول العام وهم كذلك، والله ما تمضي سنون إلا ولا يوجد جاهل ولا جاهلة، وذلك بدون كتابة ولا قلم، فيتعلمون ويعملون، ولا تسأل عن ثمار ذلك ونتائجه الطيبة، فينتهي الحسد والبغض والعداء والشرك والباطل، ويظهر الخير والولاء والصفاء والمحبة.فكم يكلفهم هذا؟ لا شيء، وقد قلنا لهم: إن اليهود والنصارى في أمريكا وأوروبا إذا دقت عندهم الساعة السادسة أوقفوا العمل والله العظيم، وذهبوا إلى دور السينما والمراقص والملاهي، وأنتم يا ربانيون لمَ لا توقفون العمل في السادسة وتأتون إلى بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم، فتتعلمون الهدى، وترتقون إلى سماء الكمالات من طريق قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم؟وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (49)
الحلقة (272)

تفسير سورة النساء (54)

لما ذكر الله عز وجل فيما سبق قتال المنافقين متى يجوز ومتى لا يجوز، ناسب أن يذكر بعدها قتل المؤمن الصادق في إيمانه خطأ وعمداً، وبين سبحانه حكم ذلك، فذكر أنه لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا في حال الخطأ، أما في حال العمد فلا يكون ذلك منه ولا يتأتى له وهو مؤمن، ومن فعل ذلك فقد توعده الله عز وجل بوعيد شديد، وهو تعرضه لغضب الله وسخطه ولعنته وتخليده في النار عياذاً بالله.
تفسير قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة النساء المدنية المباركة، فهيا نتلو هاتين الآيتين ونتأملهما ونتدبرهما، ثم نشرح ونبين، ثم نعزم على أن نعمل، إذ إن هذا هو الطريق، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:92-93]. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: أن قتل مؤمن لمؤمن آخر جائز في القتل الخطأ، أما مؤمن يقتل مؤمناً متعمداً فلا، إذ ليس هذا من شأنه أو مما يتهيأ له، بينما الخطأ يقع، كأن أراد أن يرمي غزالاً فرمى امرأة، أو أراد أن يضرب حماراً فضرب أخاه. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: اللهم إلا في حال الخطأ، أما عمداً وعدواناً فلا يصدر هذا عن مؤمن، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، ماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، وتحرير الرقبة المؤمنة لأنه لوث نفسه وإن لم يكن عامداً، ولأن هذا المقتول كان يعبد مولاه، فأنت عندما تقتله فأنت تمنع تلك العبادة وتقطعها، ولأنه لا بد وأنه فرط، إذ لو تنبه واحترز ما كان ليقتل خطأ، لكن وجود غفلة وعدم مبالاة تسبب في هذا القتل، فلهذا لا بد من كفارة، وهذه الكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة، أما الرقبة الكافرة فلا تنفع، إذ لو تعتق خمسين يهودياً فلا ينفع، بل لا بد وأن تعتق رقبة مؤمنة، وهذا أيام كانت الرقاب تباع في الأسواق، أما الآن فقد انتهت، لكن قد يدور الزمان كما كان وتوجد. وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، فعتق الرقبة حق الله، والدية حق أولياء الميت، ومعنى: مسلمة: أي: مؤداة كاملة بدون تباطؤ ولا تراخ، إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، أي: يتصدقوا بها على القاتل، ويقولون: ما نأخذ دية، أجرنا على الله. فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:92]، أي: إن كان هذا المقتول خطأً من قوم عدو لنا، وبيننا وبينهم العداء والحرب، وليس بيننا وبينهم عهد ولا ميثاق وهو مؤمن، فعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة فقط، ولا دية، إذ لا نعطي لهم أموالنا لنعينهم على حربنا وقتالنا، وهذا تدبير ربنا العليم الحكيم. فَإِنْ كَانَ [النساء:92]، أي: المقتول، مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ [النساء:92]، أي: والحال أنه مؤمن، فماذا علينا؟ قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء:92]، أي: فتحرير رقبة مؤمنة، أما كافرة فلا تنفع. وهنا الإمام مالك رحمه الله يرى اجزاء الرقبة الصغيرة، سواء كانت بنتاً صغيرة أو ولداً صغيراً، وبعض أهل العلم يقول: لا بد أن يكون بالغاً، والآية عامة، فكون الصغير يجزي فلا بأس. وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:92]، أي: إن قتل مؤمن مؤمناً آخر وهو من دولة أخرى، وبينكم وبينهم معاهدة وسلم وعدم اعتداء، فالحكم تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، وحينئذ يجوز أن نعطيهم الدية؛ لأنهم لا يقتلوننا بها أو يشترون بها السلاح لقتالنا، ولما بيننا وبينهم من عهد وميثاق، لكن إن كانت الدولة معادية فلا دية؛ لأن في ذلك إعانة منا لهم بالمال على حربنا، وهذا تشريع العليم الحكيم. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [النساء:92]، أي: فمن لم يجد الرقبة التي يعتقها، أو ليس عنده مال ليشتري رقبة فيعتقها، فالواجب: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92]، ويكفيه هذا، أما الدية فعلى العاقلة، والعاقلة هم الأعمام وأبناء الأعمام، أي: الرجال الذكور، فهم الذين يسددون دية القتيل، لكن إن لم يجد القاتل الرقبة فيصوم شهرين متتابعين، كأن يصوم رجب وشعبان، أو شوال وذي القعدة، أو ذي الحجة ومحرم، والمرأة إن حاضت أو نفست فتبني، كأن صامت عشرين يوماً ثم حاضت فتركت الصلاة والصيام سبعة أيام، فتبني على الماضي فتواصل صومها، وكذلك المريض إن صام شهراً ثم مرض عشرة أيام أو عشرين يوماً، ثم شفي من مرضه فيستأنف الصيام فيبني على ما مضى، اللهم إلا المسافر فلا عذر له، وإلا لكان كل واحد يسافر ليستريح من الصيام، فالمسافر يسافر وهو صائم أو يترك سفره نهائياً. تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92]، أي: هذه توبة يتوب الله بها عليه، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:92]، أي: بخلقه، حَكِيمًا [النساء:92]، أي: في تشريعه، فلنسلم لله ولنطأطئ رءوسنا له، ولا حق لأحد أن يعمل على التأويل بالتبديل والتغيير؛ لأن الله أولاً عليم بكل شيء، وثانياً: أنه حكيم في شأنه كله، فلا يشرع أبداً إلا ما فيه صلاح العباد والأمة.
تفسير قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم...)
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. يقول تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، ما جزاؤه؟ قال: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فهذا الذي يقدم على قتل المؤمن ظلماً وعدواناً ما كان بالمؤمن الحق، ولهذا لا تقل: كيف؟ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، كالكفار.أعود فأقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، فنفهم من هذا الأسلوب الرباني أنه ليس والله من شأن المؤمن الحق ولا مما يكون وصفاً له أو مما يتأتى له أن يقتل مؤمناً اللهم إلا في حال الخطأ، وهنا يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، شأنه شأن من مات على الكفر، أو كالكافر، فتأملوا هذه!والذي عليه الجمهور من أمتنا المرحومة: أنه من الجائز أن يقتل المؤمن أخاه المؤمن، لكن هل له توبة والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟ كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما إذا سأله السائل: هل لقاتل النفس من توبة يا عبد الله بن عباس؟ فيقول له: قتلتَ أو لم تقتلْ؟ فإن قال: لم أقتل. قال: وأي توبة لقاتل النفس والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! اذهب، وإن قال: قد قتلتُ. فيقول له: وأي مانع يمنعك من أن تتوب وباب الله مفتوح، وهو القائل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]؟! وهذا من الحكمة؛ لأنه لو قال له: لا توبة لك فإنه سيقتله، ولا ننسى ذاك الإسرائيلي الذي كمل المائة بالراهب الذي قال له: لا توبة لك، وإن لم يقتل المفتي فسيقتل غيره؛ لأن القاتل سيقول: ما دمت أنني إلى جهنم إذاً أشفي صدري، فيأخذ في القتل والفجور وما إلى ذلك.إذاً: فمن الرحمة بالقاتل أن يقال له: تب إلى الله عز وجل، أكثر من الدموع والبكاء والصدقات، وأعتق الرقاب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ويبقى هذا إعلان عن القضاء الإلهي، ثم بعد ذلك إن شاء الله أنفذه وإن شاء ما أنفذه،واسمع إلى صيغة هذا الحكم الإلهي، يقول تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ [النساء:93]، أي: مقابل جريمته: جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، لكن هل الله ملزم بأن ينفذ هذا؟ الوعد ثق بأن الله لا يتخلف وعده، لكن الوعيد قد الله تعالى يرحم عبده، قد يتوب عليه. إذاً: أساساً لا يوجد مؤمن بحق يقتل مؤمناً أبداً؛ لأن الله تعالى قال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: ليس من شأنه أو من وصفه أو مما يتأتى له أو يقع منه اللهم إلا في حال الخطأ فنعم، وهنا يقول في الآية الأخيرة: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ [النساء:93]، أي: مقابل جريمته: جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ [النساء:93]، أي: هيأ له، عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وهو عذاب النار. ونعود إلى كلمة الحبر ابن عباس رضي الله عنه، فإذا جاءك من يسألك: هل لقاتل النفس من توبة؟ فاسأله: هل قتلت أم لا؟ فإن قال: أنا ما قتلت، وإنما أسأل عن الحكم، فقل له: أي توبة تكون له وحكم الله معلن عنه ومفروغ منه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]؟! وإن قال: أنا قتلت، فقل له: فأي شيء يمنعك من التوبة؟ تب إلى الله عز وجل، وأكثر من الصلاة والدموع والبكاء بين يديه، وأكثر من الصدقات وعتق الرقاب عسى الله عز وجل أن يعفو عنك فهو أرحم الراحمين.

يتبع

ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
اسمعوا إلى تفسير هاتين الآيتين مرة أخرى وتأملوا، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، أي: في حال الخطأ، إذ إن هذا ممكن وجائز. وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، فماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، ولا يصح تحرير رقبة كافرة، بل لو أعتق ألف رقبة كافرة فلا ينفع؛ لأن الله نص على الإيمان في الرقبة، والسر في ذلك أن الرقبة المؤمنة إذا أعتقها عبدت الله تعالى، فتحررت من رق العبودية لغير الله، وأصبح وقتها كافياً لأن تعبد الله عز وجل، وأما الرقبة الكافرة لما تعتقها فإنها تزيد في الكفر والمعاصي، فأنت تحرر الرقبة المؤمنة لتتمكن من عبادة الله عز وجل، كما أن الرقبة فيها إحياء روح، إذ إن القاتل قد أمات روحاً، وبعتقه هذه الرقبة المؤمنة فقد أحيا روحاً، وهيئ الفرصة لهذه الروح حتى تعبد الله عز وجل.ثم قال: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، والدية بيانها كالآتي: إما أن تكون مائة بعير، أو ألف دينار ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، وهذه هي الدية المطلقة، والعاقلة هي التي تقوم بها لا القاتل وحده، وهذا في حال القتل الخطأ، كأن رمى غزالاً فأصاب إنساناً، فيشاركه أقرباؤه في الدية، والآن ممكن يقومونها بالريالات، وأما القتل شبه العمد كأن يضرب إنساناً بعصا، أو يأخذ حجراً فيضربه بها، فالغالب أن الإنسان لا يموت من الضرب بالعصا أو بالحجر، لكن هذه الحال تستدعي أنه أراد قتله، وهنا تغلظ دية شبه العمد. قال: ومن الغنم ألف شاة، ثم قال: وهل الإبل تخمس أو لا؟ قال: في هذا خلاف، ومذهب الشافعي ومالك أنها تخمس، ووجه تخميسها: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكوراً، ففي الحكم الأول مائة من الإبل ولو كانت ابن لبون أو من نوع واحد؛ لأن فيها تخفيفاً، لكن ما دام القتل شبه عمد فيجعلونه بهذه الطريقة: عشرون حقة، والحقة هي الناقة الكبيرة التي تلد، وعشرون جذعة دونها في السن، وعشرون بنات مخاض لها سنة فقط أو سنتين، وعشرون ابن لبون، وهذا عند الشافعي ومالك رحمهما الله.قال: ويغلظ دية شبه العمد، بأن يكون أربعون منها في بطونها أولادها، أي: كلها حبالى حاملات، وشبه العمد ما كان بأداة لا تقتل عادة كالعصا ونحوها؛ لحديث: ( إلا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها ).إذاً: فالتخميس عام، وهو ما ذهب إليه الشافعي ومالك ، أي: عشرون من كذا، وعشرون من كذا، وذلك مطلقاً في غير شبه العمد، أما مع شبه العمد وهو القتل بالعصا ونحوها، فهذا الذي تغلظ فيه الدية، وذلك أربعون منها في بطونها أولادها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
نعود إلى دراسة الآيات في الشرح الذي بين أيدينا. ‏
معنى الآيات
يقول المؤلف: [ لما ذكر تعالى في الآيات السابقة قتال المنافقين متى يجوز ومتى لا يجوز، ناسب-إذاً-ذكر قتل المؤمن الصادق في إيمانه خطأ وعمداً وبيان حكم ذلك، فذكر تعالى في الآية الأولى أنه لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا في حال الخطأ، أما في حال العمد فلا يكون ذلك منه ولا يتأتى له وهو مؤمن؛ لأن الإيمان نور يكشف عن مدى قبح جريمة قتل المؤمن وما وراءها من غضب الله تعالى وعذابه، فلذا لا يقدم على ذلك اللهم إلا في حال الخطأ، فهذا وارد وواقع ] أي: في حال الخطأ.قال: [ وحكم من قتل خطأ: أن يعتق رقبة ذكراً كانت أو أنثى مؤمنة، وأن يدفع الدية لأولياء القتيل إلا أن يتصدقوا بها فلا يطالبوا بها ولا يقبلونها-بالمرة-والدية مائة من الإبل، أو ألف دينار ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، هذا معنى قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، فإن كان القتيل مؤمناً ولكن من قوم هم عدو للمسلمين محاربين، فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير ] أي: لا دية حتى لا يستعين بها العدو علينا.قال : [ إذ لا تعطى الدية لعدو يستعين بها على حرب المسلمين، وإن كان القتيل من قوم كافرين وهو مؤمن أو كافر-لا فرق بينهما-ولكن بيننا وبين قومه معاهدة، على القاتل تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله، فمن لم يجد الرقبة ] أي: ما قدر على شرائها أو ليست بموجودة.قال: [ صام شهرين متتابعين، فذلك توبته لقول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92]، عليماً بما يحقق المصلحة لعباده، حكيماً في تشريعه-وتقنينه-فلا يشرع إلا ما كان نافعاً غير ضار، ومحققاً للخير في الحال والمآل ] وهذا شأن العليم الحكيم.قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الثانية فإنها بينت حكم من قتل مؤمناً عمداً عدواناً، وهو أن الكفارة لا تغني عنه شيئاً ] أي: أن الكفارة بالعتق لا تغني عنه شيئاً.قال: [ لما قضى الله تعالى له باللعن والخلود في جهنم، إذ قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ] ولهذا قد تعيش في مدينة أو في قرية مائة سنة فلا تجد مؤمناً قد قتل مؤمناً، بل أسر قديمة منذ القرون ما ثبت عنهم أن فرداً منهم قتل مؤمناً، وذلك لعظم هذه التبعة.قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ] أي: إن قتل عمداً فلا بد من الدية والقصاص أيضاً، والقتل الخطأ فيه الدية، فمن باب أولى القتل العمد، إذ فيه القصاص والدية، قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، فالقبيلة أو العائلة تدفع الدية وهو يقتل إلا أن يعفوا أولياء القتيل فهذا شأنهم.قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم ] أي: إذا عفا أولياء الدم عن القصاص فلهم ذلك، وإن عفوا عن الدية فكذلك، وهنا أذكر السامعين بقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، يوم القيامة، ومعنى (وسطاً): خياراً عدولاً، وهذه الوسطية لها مثل شائع بين ألسنة العلماء، فاليهود بنو إسرائيل قبل نزول عيسى عليه السلام وقبل نزول الإنجيل؛ كان إذا قتل أحدهم إنساناً فلا دية ولا عفو، بل يجب أن يقتل، فشددوا فشدد الله عليهم، وذلك لغلظ أكبادهم وشدة عنادهم، فأدبهم الله تعالى، ثم جاء عيسى بن مريم عليه السلام في بني إسرائيل ونسخ الكثير من أحكام التوراة بالإنجيل، وفرض الله عليهم أن من قتل لا يقتل ولا يدفع دية، وعلى أهل الميت أن يعفوا عن الدية وعن القاتل، فانظر إلى هذا الإفراط والتفريط عند هؤلاء الناس، فالإفراط عند النصارى، إذ فرطوا فلا دية ولا قتل، والتفريط عند اليهود، ثم جاء المسلمون فخيرهم: إن شئتم خذوا الدية واعفوا، وإن شئتم اقتلوا، فهم مخيرون، فجئنا وسطاً لا إفراط ولا تفريط، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]. فإذا قتل الرجل آخر فأهل الميت بالخيار، فإن شاءوا عفوا عن القاتل لله تعالى، وأعتقوه ليعبد الله وأجرهم على الله.، والدية إن شاءوا أخذوها وإلا فلا. قال: [ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92]، عليماً بما يحقق المصلحة لعباده، حكيماً في تشريعه، فلا يشرع إلا ما كان نافعاً غير ضار ومحققاً للخير في الحال والمآل ] في الدنيا والآخرة.قال: [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الثانية فإنها بينت حكم من قتل مؤمناً عمداً عدواناً، وهو أن الكفارة لا تغني عنه شيئاً ] أبداً، فلا عتق ولا صيام. قال: [ لما قضى الله تعالى له باللعن والخلود في جهنم، إذ قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم، فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية أعطوها، وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا، إذ هذا حقهم، وأما حق الله تعالى فإن القتيل عبده خلقه ليعبده، فمن قتله فالله تعالى رب العبد خصمه، وقد توعده بأشد العقوبات وأفظعها ].أقول: أولياء المقتول بالخيار، إن شاءوا عفوا وإلا فلا، وحق الله تعالى ما هو؟ لنستمع إلى هذه الجملة:قال: [ إلا أن الدية أو القصاص لازمان ما لم يعف أولياء الدم، فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية أعطوها، وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا، إذ هذا حقهم، أما حق الله تعالى فإن القتيل عبده خلقه ليعبده، فمن قتله فالله تعالى رب العبد-هو-خصمه، وقد توعد بأشد العقوبات وأفظعها والعياذ بالله تعالى وذلك حقه، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فتناً ستقع، وقال لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( يا عبد الله! كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل )، فإذا اشتعلت نار الفتنة في قرية أو في مدينة أو في إقليم، أو في جماعات، فإن الرسول يختار لك أن تكون المقتول ولا تكون القاتل؛ لما علمنا مما توعد الله به، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فذهبت صلاته وجهاده وحجه وعبادته لعشرات السنين.
هداية الآيات
وهنا قال: [ من هداية الآيتين: أولاً: بيان أن المؤمن الحق لا يقع منه القتل العمد للمؤمن ] واستنبطنا هذا من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، إذاً: بيان أن المؤمن الحق الصادق الإيمان لا يقع منه القتل العمد للمؤمن أبداً، أما قتل الكافر في الجهاد فواجب.قال: [ ثانياً: بيان جزاء القتل الخطأ ] ما هو؟ قال: [ وهو تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله ] وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92].قال: [ ثالثاً: إذا كان القتيل مؤمناً وكان من قوم كافرين محاربين، فالجزاء ] ما هو؟ قال: [ تحرير رقبة ] مؤمنة فقط، ثم قال: [ ولا دية ]؛ لئلا نعينهم بالأموال، ولو نفقه هذه لتخلينا عن كل الكمالات التي نستوردها منهم، سواء في الأكل أو في الشرب أو في اللباس وغيرها، ولو كنا نشتريها من المسلمين فلا بأس، أما نشتريها من اليهود والنصارى والمشركين فنعطيهم أموالنا من أجل ألا شيء إلا للشهوات والأهواء فقد أعناهم، ولو أخذنا بهذه الآية والله ما فعلنا، وهذه الدية ما نعطيهم أبداً، وذلك حتى لا يتقووا بها علينا وهم أعداء لنا. إذاً: هذه الكماليات في الطعام أو في الشراب أو في اللباس أو في المركوب، هذه الزائدة عن الحاجة لا قيمة لها، وبالتالي لا نستوردها من أعدائنا، لكن لو كنا نستوردها من ديار المؤمنين فلا بأس، إذ إنها تقوي إخواننا، أما أن نشتريها من اليهود والنصارى فنعطيهم الأموال من أجل أن نترفه حتى نهبط ونلصق بالأرض فلا.قال: [ رابعاً: إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين مثياق، فالواجب الدية وتحرير رقبة ] فمثلاً إيطاليا أو اليونان بيننا وبينهم عهد وسلم وعدم اعتداء، ومات مؤمن هناك فلا بد من الدية وعتق رقبة، لكن لو كانت الحرب معلنة بيننا وبين اليهود مثلاً فلا دية، وهذا مثال، وإلا فاليهود ما بيننا وبينهم حرب، إذ عندنا معاهدات من الأمم المتحدة فيما إذا أعلنت الحرب.قال: [ رابعاً: إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين ميثاق، فالواجب الدية وتحرير رقبة ]. قال: [ خامساً: فمن لم يجد الرقبة ] ماذا يصنع؟ قال: [ صام شهرين متتابعين ] وهذا التتابع ضروري، فلو حاضت أو نفست فإنها تبني ولا تستأنف، وكذلك إذا مرض الرجل وقد صام عشرين يوماً، فإنه لما يشفى يبني، مثله مثل الطائف إذا طاف ثلاثة أشواط ثم رعف أو تعب، فذهب بعيداً ليستريح، فإنه يبني ولا يستأنف. قال: [ سادساً وأخيراً: القتل العمد العدوان يجب له أحد شيئين: القصاص أو الدية حسب رغبة أولياء الدم ] أي: أن أولياء الدم مخيرون، فإن شاءوا خذوا الدية، وإن شاءوا خذوا الرجل وقتلوه.قال: [ وإن عفوا فلهم ذلك-أيضاً-وأجرهم على الله تعالى، وعذاب الآخرة وعيد الله إن شاء الله أنجزه، وإن شاء عفا عنه ] وله الحمد والمنة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.




ابوالوليد المسلم 26-04-2021 02:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (50)
الحلقة (273)

تفسير سورة النساء (55)


لقد امتن الله عز وجل على عباده بأن هداهم للإيمان، وأمرهم بتبليغ دينه ونشره في أصقاع الأرض، وشرع لهم في سبيل ذلك الجهاد، وبين لهم آدابه وما يلزمهم عند ملاقاة أعدائهم، من التثبت من حالهم، والتأكد من كفرهم قبل إعمال السيف فيهم، وذلك لاحتمال وجود المؤمنين المستخفين بينهم، فإذا ادعى بعضهم الإيمان فيكف عنه، ولا يطمع فيما عنده من غنيمة ومتاع، لأن ما عند الله من الأجر والثواب أعظم من أي غنيمة مادية ومكسب عاجل.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر جميعاً بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).معاشر المستمعين والمستمعات! ما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة، وها نحن مع هذا النداء الرباني، وتلاوته بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].في الدرس السابق للآيات الثلاث التي درسناها، أذكركم بأن المؤمن الحق الصدق لا يتأتى منه قتل امرئ ظلماً وعدواناً أبداً، إذ ليس هذا من شأنه وعادته، والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] أما عدواناً وعمداً فلا، إذ لا يستطيع ذلك ولا يتأتى له.كما عرفنا أن قتل الخطأ يجب على صاحبه أو فاعله أمران:الأول: عتق رقبة، إذ إنه قتل نفساً فأحيا نفساً أخرى، فهذه بتلك.الثاني: الدية لأولياء المقتول، ومقدارها مائة بعير أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، وتقوَّم بحسب الظروف، وتكون على العاقلة، أي: على أقرباء القاتل من أبيه كالأعمام وأبنائهم والإخوان وأولادهم، فيساهمون فيها كل بقدره. كذلك عرفنا أن المقتول إذا كان مؤمناً، وبيننا وبين قومه عداء وحرب، فعلى القاتل العتق فقط، فإن عجز عن العتق صام، ولا تعطى الدية لمن بيننا وبينهم عداء لئلا يتقوون بها علينا.مرة أخرى: يقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92]، ثم قال: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً [النساء:92]، فماذا عليه؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]، أي: إلا إذا تصدقوا وقالوا: ما نأخذ الدية، فلهم ذلك. فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:92]، أي: إن كان المقتول من قوم أعداء لنا وهو مؤمن، فماذا يجب على القاتل؟ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، ولا دية. وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:92]، أي: وعهد وسلم وعدم حرب واعتداء، فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، أي: إن كان بيننا وبين أولئك القوم معاهدة وسلم وعدم اعتداء فلا بد وأن نعطي الدية لأهل المقتول مؤمناً كان أو كافراً، ثم إن عجز القاتل عن العتق، إما لا وجود للأرقاء والعبيد كما هو الحال الآن، أو وجدوا ولكن عجز عن شراء أمة أو عبد، فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه يصوم القاتل شهرين متتابعين بدلاً من االعتق، إذ قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92].فهذه هي الكفارة في القتل الخطأ، فعلى المؤمن أن يحتاط ويحترس ويتنبه في أفعاله، ولا يصبح يتخبط فيقتل الناس ويقول: ما تعمدت، بل لا بد من الاحتراس الكامل، فإذا أراد أن يرمي بسهم فقبل أن يرمي به فلا بد وأن ينظر إلى ما حول تلك الجهة التي سيرمي إليها، وكذلك أيما عمل من شأنه أن يوجد مثلاً ضرراً، فقبل ما يقوم به يتنبه وينظر، وهذا ما يسمى بالاحتياط والاحتراس، فلما وقع منه هذا القتل، بم يمحو هذا الإثم؟ بما بين الله تعالى، وذلك بعتق رقبة مؤمنة ودية لأصحاب القتيل، فإن عجز عن الرقبة صام شهرين متتابعين.أما القتل العمد العدوان ظلماً وعدواناً، فهذا يقول الله تعالى فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، أي: يعمد إلى مؤمن فيقتله ظلماً وعدواناً، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فإذا ذكرنا الكلمة الأولى-أي: فجزاؤه جهنم خالداً فيها-فنقول: هذا لا يفعله إلا كافر، إذ لو كان مؤمناً ما يقدم على هذا، وحينئذ لا نحتاج إلى تأويل قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].وقاتل نفسه كقاتل غيره سواءً بسواء، ولا تقل: من قتل نفسه فإنما إثمه ومسئوليته عليه؛ لأن هذه النفس ملك لله تعالى، فكيف يصح قتلها؟ الجزاء واحد.واللطيفة التي حفظناها عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما ننساها، وهي: أنه إذا سألك مؤمن قائلاً: هل لقاتل النفس من توبة؟ أتقبل توبة من قتل نفساً عدواناً وظلماً؟ فتجيبه بما يلي: هل قتلت؟ فإن قال: نعم، فقل له: وما يمنعك من التوبة؟! ومن يحول بينك وبينها والله تواب رحيم؟! تب يا عبد الله! فيأخذ ذاك المؤمن في البكاء والتوبة والاستغفار، وإن قال: ما قتلت، وإنما فقط أسأل، فقل له: وكيف يتوب من حكم الله عليه بالخلود في جهنم وغضب عليه ولعنه، وهذا المسلك حسن، ومن الخير أن نسلكه، فلا نقنط من رحمة الله تعالى من قتل فيزداد في سفك الدماء والقتل والتدمير، ولا نبيح ذلك ونقول لمن لم يقتل: له التوبة إن قتل، فيقوم أحدنا ويذبح أخاه ويقول: سأتوب إلى الله بعد ذلك. وأهل التوحيد إذا ماتوا على التوحيد ودخلوا النار يعيشون أو يخلدون فيها دهراً ثم يخرجون منها، وصيغة هذا الحكم الإلهي تقول: هذا هو الجزاء، إن شاء الله أنفذه، وإن شاء عفا ولم يؤاخذ القاتل، فيبقى باب الله مفتوحاً للمؤمنين.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ...)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].اسمعوا هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، لبيك اللهم لبيك، فهل يناديك سيدك ولا تقول: لبيك؟! هل يناديك مولاك يا عبد الله ولا تبصر ولا تسمع لما يدعوك إليه؟ الجواب: لن يكون هذا أبداً، وقد درسنا هذا واستقر في نفوسنا هذا العلم العظيم وهو: أن نداءات الله عز وجل لعباده المؤمنين في القرآن الكريم بلغت تسعين نداءً. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، ولمَ يناديهم بعنوان الإيمان؟ قال: لأن المؤمنين أحياء، والحي ينادى ليؤمر أو ينهى، أو يبشر أو يحذر أو يعلم لكمال حياته، أما الميت فتناديه؟ هل يسمع النداء؟ وإن فرضنا أنه سمع فهل يقول: لبيك ويطيعك في ما تأمر أو تنهى؟ الجواب: لا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، أي: يا معشر الأحياء! بإيمانهم؛ لأننا علمنا أن الإيمان الحق الصحيح هو بمثابة الروح، والروح إذا دخلت الجسد حيي هذا الجسد، فالعين تبصر، والأذن تسمع، واللسان ينطق، وإذا فارقته فلا الأذن تسمع، ولا العين تبصر، ولا اللسان ينطق، فلهذا يناديهم سيدهم ومولاهم: يا أيها الذين آمنوا.وعلمنا بالاستقراء والتتبع لنداءات الرحمن التسعين أنه لا ينادينا إلا لأمر مما يلي: أولاً: إما ليأمرنا بفعلي أو اعتقادي أو قولي ما من شأنه أن يكملنا ويسعدنا، ووالله الذي لا إله غيره! لا يأمرنا الله ربنا إلا من أجل إكمالنا وإسعادنا.ثانياً: ينادينا لينهانا عن اعتقاد فاسد، أو عن قول باطل، أو عن عمل سيء، أي: لينهانا عما يضر بنا، عما يشقينا ويردينا. ثالثاً: ينادينا ليبشرنا بخبر يسرنا ويزيد في نشاطنا للخيرات والصالحات.رابعاً: ينادينا ليحذرنا فنحذر ونتنبه حتى لا نقع في ما يضرنا ويفسد حياتنا، وهذه أربع.والخامسة: أنه ينادينا ليعلمنا، أما أن ينادينا لغير هذا فلا، تعالى الله عن العبث واللهو والباطل، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت: يا أيها الذين آمنوا! يا عبد الله! يا أمة الله! فأرعها سمعك، فأنت إذا كنت ماشياً وسمعت قارئاً يقرأ: يا أيها الذين آمنوا، فأعطها أذنك؛ لأنك مؤمن فكيف تعرض؟! إذا سمعت قارئاً يقرأ: يا أيها الذين آمنوا، فإنك منادى مأمور أو منهي، محذر أو مبشر أو معلم، فأعطها أذنك.إذاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:94]، نادانا هنا ليعلمنا، فماذا قال؟ قال: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94]، ضربنا من؟ إخواننا أو نساءنا؟ ضربنا الأرض بأرجلنا، أي: مشيتم على الأرض في سبيلنا، أما إن مشيتم إلى الباطل أو إلى اللهو فذاك ليس لنا، إذ إن سبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضاه وجواره بعد الموت، وهو إيمان بمثابة الروح، ومأمورات وواجبات عن جانب اليمين يجب أن ينهض بها ولا يتخلى عن واحد منها في حدود طاقته البشرية،، ومنهيات عن جانب الشمال لا يلتفت إليها ولا يمس منها شيئاً، والعبد مواصل سيره إلى باب الجنة، وينتهي بانتهاء عمره في هذه الحياة الدنيا. إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94]، أي: إذا مشيتم على الأرض مجاهدين لغزو قبيلة من القبائل أو بلد من البلاد أيام الجهاد. فَتَبَيَّنُوا [النساء:94]، أي: تثبتوا، فإذا مررنا برجل فقال: السلام عليكم، أو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا نقول: هذا ما قالها إلا من الخوف على نفسه أو ماله، ثم نقوم بقتله والعياذ بالله. وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [النساء:94]، أي: ولا تقولوا لمن ألقى بالسلام عليكم: لست بمؤمن، وإنما قلتها فقط لتسلم أنت ومالك. تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النساء:94]، أي: تقتلون هذا الذي قال: لا إله إلا الله، أو قال: السلام عليكم، وأفصح عن إيمانه، وتتهمونه بأنه ما قالها إلا من الخوف، فتقتلونه وتأخذون ماله. فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]، أي: فعند الله مغانم كثيرة يرزقكموها ويعطيكم إياها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل ولا يغضبه عليكم. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: كذلك كنتم كفاراً مشركين ثم أسلمتم وتاب الله عليكم ودخلتم في رحمته، فاذكروا هذا مع هذا المسكين الذي قتلتموه لأجل ماله. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: تخفون إسلامكم في مكة عن إخوانكم حتى لا يقتلوكم، وتجحدون وتتظاهرون بالشرك، فكذلك هذا كان خائفاً من قومه، إذ إنه ما أعلن عن إسلامه، لكن لما شاهدكم وعرفكم قال: السلام عليكم. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94]، إذاً: فَتَبَيَّنُوا [النساء:94] أيها المؤمنون، وتأكدوا من صحة كفره. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94]، الوعيد والوعد، إذ كل عمل نقوم به الله مطلع عليه، وهنا الآية قررت هذا المبدأ، فإذا قال أحد: أنا مسلم، فإنه يحرم قتله، وإذا صلى معك فريضة فإنه يحرم قتله، وإذا قال: السلام عليكم، فمعناه أنه أسلم، وبالتالي فلا يحل قتله إلا بالتثبت واليقين.وهذا قد حدث مرة مع المقداد بن الأسود، ومرة مع أسامة بن زيد، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالدية لأهل القتيل، وذلك أنهم كانوا في طريقهم إلى غزاة جهة تبوك، فمروا بقبيلة أعلنت الحرب عليهم، فقاتلهم المسلمون فهرب منهم من هرب، وبقي هذا الرجل مع غنمه، فلما دنوا منه قال: السلام عليكم، فقالوا: ما قالها إلا تقية يريد أن يحفظ نفسه وماله وإلا فهو كافر كقومه، فقتلوه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمقداد: هلا شققت عن قلبه وعرفت أنه كافر، ثلاث مرات، وإذا عرفنا هذا فما بال إخوانكم الذين يكفر بعضهم بعضاً؟! إن كلمة: السلام عليكم أبعدته من ساحة الكفر وأدخلته في الإسلام، فلو أن كافراً من النصارى أو اليهود أو غيرهم دخل المسجد فصلى معنا نقول: مسلم ولو ما نطق بالشهادتين، ولو أن كافراً قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، اعتبرناه مسلماً، ويحرم قتله وأذاه بحال من الأحوال.ولنتأمل مرة أخرى قوله تعالى: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: كنتم جهَّالاً لا تعرفون شيئاً، ثم علمكم وعرفكم الله عز وجل، وهذا الجهل أيضاً تنسبونه إلى الكفر وتكفِّرونه، إذاً فاذكروا فضل الله عليكم حتى ترحموا هذا العبد.

يتبع


الساعة الآن : 05:42 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 715.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 713.25 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]